مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الرعيني، الحطاب

مقدمة الكتاب

[مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَنْزَلَ كِتَابَهُ الْمُبِينَ عَلَى رَسُولِهِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ فَشَرَحَ بِهِ صُدُورَ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ وَنَوَّرَ بِهِ بَصَائِرَ أَوْلِيَائِهِ الْعَارِفِينَ فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ الْأَحْكَامَ وَمَيَّزُوا بِهِ الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ وَبَيَّنُوا الشَّرَائِعَ لِلْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا ظَهِيرَ لَهُ وَلَا مُعِينَ شَهَادَةً مُوجِبَةً لِلْفَوْزِ بِأَعْلَى دَرَجَاتِ الْيَقِينِ وَدَافِعَةً لِشُبَهِ الْمُبْطِلِينَ وَتَمْوِيهَاتِ الْمُعَانِدِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الْمَبْعُوثُ لِكَافَّةِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ الْقَائِلُ: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. (وَبَعْدُ) فَخَيْرُ الْعُلُومِ وَأَفْضَلُهَا وَأَقْرَبُهَا إلَى اللَّهِ وَأَكْمَلُهَا عِلْمُ الدِّينِ وَالشَّرَائِعِ الْمُبِينُ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْإِلَهِيَّةُ مِنْ الْأَسْرَارِ وَالْبَدَائِعِ إذْ بِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ الْعِبَادَةِ وَصِحَّتُهَا وَبِهِ يَتَبَيَّنُ حِلُّ الْأَشْيَاءِ وَحُرْمَتُهَا وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ جَمِيعُ الْأَنَامِ وَيَسْتَوِي فِي الطَّلَبِ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فَهُوَ أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَعْمَارِ وَصُرِفَتْ إلَيْهِ جَوَاهِرُ الْأَفْكَارِ وَاسْتُعْمِلَتْ فِيهِ الْأَسْمَاعُ وَالْأَبْصَارُ وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ وَوَضَعُوا فِيهِ الْمُطَوَّلَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ وَكَانَ مِنْ أَجَلِّ الْمُخْتَصَرَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مُخْتَصَرُ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ وَلِيِّ اللَّهِ تَعَالَى خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الَّذِي أَوْضَحَ بِهِ الْمَسَالِكَ إذْ هُوَ كِتَابٌ صَغُرَ حَجْمُهُ وَكَثُرَ عِلْمُهُ وَجَمَعَ فَأَوْعَى وَفَاقَ أَضْرَابَهُ جِنْسًا وَنَوْعًا وَاخْتَصَّ بِتَبْيِينِ مَا بِهِ الْفَتْوَى وَمَا هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْأَقْوَى وَلَمْ تَسْمَحْ قَرِيحَةٌ بِمِثَالِهِ وَلَمْ يَنْسِجْ نَاسِجٌ عَلَى مِنْوَالِهِ إلَّا أَنَّهُ لِفَرْطِ الْإِيجَازِ كَادَ يُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْغَازِ وَقَدْ اعْتَنَى بِحَلِّ

عِبَارَتِهِ وَإِيضَاحِ إشَارَتِهِ وَتَفْكِيكِ رُمُوزِهِ وَاسْتِخْرَاجِ مُخَبَّآتِ كُنُوزِهِ وَإِبْرَازِ فَوَائِدِهِ وَتَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ الْهُمَامُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ بَهْرَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عِوَضٍ الدَّمِيرِيُّ الْقَاهِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَشَرَحَهُ ثَلَاثَةَ شُرُوحٍ صَارَ بِهَا غَالِبُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ وَاشْتَهَرَ مِنْهَا الْأَوْسَطُ غَايَةَ الِاشْتِهَارِ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ مَعَ أَنَّ الشَّرْحَ الْأَصْغَرَ أَكْثَرُ تَحْقِيقًا وَشَرَحَهُ أَيْضًا مِنْ تَلَامِذَةِ الْمُصَنِّفُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ الْمِصْرِيُّ وَالشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْدَادِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْأَقْفَهْسِيُّ شَارِحُ الرِّسَالَةِ. وَيُقَالُ لَهُ: الْأَقْفَاصِيُّ وَسَلَكَا فِي شَرْحَيْهِمَا مَسْلَكَ الشَّيْخِ بَهْرَامَ وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْفُرَاتِ أَوْسَعَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَشَرَحَهُ أَيْضًا مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نُعَيْمٍ الْبِسَاطِيُّ قَرِيبُ الْبِسَاطِيِّ الْمَشْهُورِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَرْحِهِ ثُمَّ شَرَحَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ شَيْخُ شُيُوخِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نُعَيْمٍ عَلَى وَزْنِ عَظِيمٍ بْنِ مُقَدِّمٍ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ الْبِسَاطِيُّ شَرْحًا أَكْثَرَ فِيهِ مِنْ الْأَبْحَاثِ وَالْمُنَاقَشَةِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَسَلَكَ مَسْلَكَ الشَّارِحِ فِي غَالِبِ شَرْحِهِ ثُمَّ شَرَحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَسَلَكُوا نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ. وَبَقِيَتْ فِي الْكِتَابِ مَوَاضِعُ يُحْتَاجُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا وَأَمَاكِنُ يَتَحَيَّرُ الطَّالِبُ اللَّبِيبُ لَدَيْهَا فَتَتَبَّعَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُفْتِي فَاسَ وَخَطِيبُهَا وَمُقْرِئُهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ غَازِيٍّ الْعُثْمَانِيُّ نِسْبَةً إلَى قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا: بَنُو عُثْمَانَ الْمِكْنَاسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ذَلِكَ أَمَاكِنَ كَثِيرَةً وَفَكَّكَ مَوَاضِعَ مِنْ تَرَاكِيبِهِ الْعَسِيرَةِ فَأَوْضَحَهَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ وَأَفْصَحَ عَنْ مَعَانِيهَا كُلَّ الْإِفْصَاحِ وَبَقِيَتْ فِيهِ مَوَاضِعُ إلَى الْآنَ مُغْلَقَةٌ وَمَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُطْلَقَةٌ وَكُنْت فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُطَالَعَةِ جَمَعْت مِنْ ذَلِكَ مَوَاضِعَ عَدِيدَةً مَعَ فُرُوعٍ مُنَاسِبَاتٍ وَتَتِمَّاتٍ مُفِيدَةٍ فَحَصَلَ مِنْهَا جُمْلَةٌ مُسْتَكْثَرَةٌ فِي أَوْرَاقَ مُفَرَّقَةٍ مُنْتَشِرَةٍ جَعَلْتُهَا لِنَفْسِي تَذْكِرَةً فَأَرَدْت جَمْعَ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عَلَى انْفِرَادِهَا ثُمَّ إنِّي رَأَيْت أَنَّهُ لَا تَكْمُلُ الْفَائِدَةُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا ضُمَّ إلَى الشَّرْحِ وَحَاشِيَةِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ وَقَدْ لَا يَتَأَتَّى لِلشَّخْصِ جَمْعُ ذَلِكَ. ثُمَّ أَرَدْت جَمْعَ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ فَرَأَيْت الْحَالَ كَالْحَالِ عَلَى أَنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْعُتْبِيَّةِ: مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ جَلِيَّةً فِي ظَاهِرِهَا إلَّا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْكَلَامِ عَلَى مَا يَخْفَى مِنْ بَاطِنِهَا، وَقَدْ يَتَكَلَّمُ الشَّخْصُ عَلَى مَا يَظُنُّهُ مُشْكِلًا وَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مَا يَظُنُّهُ هُوَ جَلِيًّا، فَالْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ الْمَسَائِلِ دُونَ بَعْضٍ عَنَاءٌ وَتَعَبٌ بِغَيْرِ كَبِيرِ فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا الْفَائِدَةُ التَّامَّةُ الَّتِي يَعْظُمُ نَفْعُهَا وَيُسْتَسْهَلُ الْعَنَاءُ فِيهَا أَنْ يَتَكَلَّمَ الشَّخْصُ عَلَى جَمِيعِ الْمَسَائِلِ؛ كَيْ لَا يُشْكِلَ عَلَى أَحَدٍ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَجَدَ التَّكَلُّمَ عَلَيْهَا وَالشِّفَاءَ مِمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْهَا؛ فَاسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى فِي شَرْحِ جَمِيعِ الْكِتَابِ وَالتَّكَلُّمِ عَلَى جَمِيعِ مَسَائِلِهِ مَعَ ذِكْرِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَقْيِيدَاتٍ وَفُرُوعٍ مُنَاسَبَةٍ وَتَتِمَّاتٍ مُفِيدَةٍ مِنْ ضَبْطٍ وَغَيْرِهِ، وَمَعَ ذِكْرِ غَالِبِ الْأَقْوَالِ وَعَزْوِهَا وَتَوْجِيهِهَا غَالِبًا وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الشُّرُوحِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا لِهَذَا الْكِتَابِ، وَهِيَ الشُّرُوحُ الثَّلَاثَةُ لِلشَّيْخِ بَهْرَامَ وَشَرْحُ ابْنِ الْفُرَاتِ وَالْأَقْفَهْسِيِّ وَالْبِسَاطِيِّ وَحَاشِيَةُ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ وَشَرْحُ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ التِّلِمْسَانِيِّ وَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ شَرْحِهِ؛ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَفْكِيكِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَبَيَانِ مَنْطُوقِهَا وَمَفْهُومِهَا وَالْكَلَامِ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَلَكِنَّهُ عَزِيزُ الْوُجُودِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ وَلَا يَقَعُ إلَّا فِي يَدِ مَنْ يَضَنُّ بِهِ حَتَّى لَقَدْ أَخْبَرَنِي وَالِدِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْمَكِّيِّينَ كُرَّاسٌ مِنْ أَوَّلِهِ فَكَانَ لَا يَسْمَحُ بِإِعَارَتِهِ، وَيَقُولُ: إنْ أَرَدْت أَنْ تُطَالِعَهُ فَتَعَالَ إلَيَّ. وَقَدْ

ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ نَحْوَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجَسِ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ. وَقَدْ وَقَفْت عَلَى قِطْعَةٍ مِمَّا كَتَبَهُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ خَطِيبُ غَرْنَاطَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّاقُ الْأَنْدَلُسِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيرِ النُّقُولِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِحَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأُنَبِّهُ أَيْضًا عَلَى مَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَكَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ لِقَصْدِ تَحْرِيرِ الْمَسَائِلِ لَا لِلْحَطِّ مِنْ مَرْتَبَتِهِمْ الْعَلِيَّةِ لِعِلْمِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ مَرْتَبَتِهِمْ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ التِّبْيَانِ: قَالَ الْإِمَامَانِ الْجَلِيلَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْعُلَمَاءُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِلَفْظِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْفُقَهَاءُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ يَا أَخِي وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِهِ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَخْشَاهُ وَيَتَّقِيه حَقَّ تُقَاتِهِ أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ وَعَادَةُ اللَّهِ فِي هَتْكِ أَسْتَارِ مُنْتَقِصِيهِمْ مَعْلُومَةٌ، وَإِنَّ مَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي الْعُلَمَاءِ بِالثَّلْبِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوْتِ الْقَلْبِ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَقَوْلُهُ: آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ أَيْ أَعْلَمْتُهُ بِأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِي، وَالثَّلْبُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْعَيْبُ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُصْلِحَ فَسَادَ قُلُوبِنَا وَأَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُنَا وَأَكَنَّتْهُ ضَمَائِرُنَا إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، وَلَا أَدَّعِي الِاسْتِقْصَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ عِلْمِي الْقَاصِرُ وَفَهْمِي الْفَاتِرُ اللَّذَانِ يُسْتَحْيَا مِنْ تَسْمِيَتِهِمَا عِلْمًا وَفَهْمًا، ثُمَّ عَرَضَتْ عَوَارِضُ مِنْ إتْمَامِ الشَّرْحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَاسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدِي عَلَى حَسَبِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ بَسْطٍ أَوْ اخْتِصَارٍ وَأَلْتَزِمُ الْعَزْوَ غَالِبًا إلَّا فِيمَا أَنْقُلُهُ مِنْ شُرُوحِ الشَّيْخِ بَهْرَامَ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ فَلَا أَعْزُو لَهُمْ غَالِبًا إلَّا مَا كَانَ غَرِيبًا أَوْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ نِسْبَةَ الْفَائِدَةِ إلَى مُفِيدِهَا مِنْ الصِّدْقِ فِي الْعِلْمِ وَشُكْرِهِ، وَإِنَّ السُّكُوتَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْكَذِبِ فِي الْعِلْمِ وَكُفْرِهِ. وَأَمِيلُ إلَى الْبَسْطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْبَيَانِ حِرْصًا عَلَى إيصَالِ الْفَائِدَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِذَا ذَكَرْت نُقُولًا مُخْتَلِفَةً ذَكَرْت مُحَصِّلَهَا آخِرًا وَإِنْ طَالَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِيهِ أَنْ يَسْأَمَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَائِدَةً عَظِيمَةً. قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي هَذَا الشَّرْحِ أَنْ يَسْأَمَ مِنْ شَيْءٍ يَجِدُهُ مَبْسُوطًا وَاضِحًا فَإِنِّي إنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْإِيضَاحَ وَالتَّيْسِيرَ وَالنَّصِيحَةَ لِمُطَالِعِهِ وَإِعَانَتَهُ وَإِغْنَاءَهُ عَنْ مُرَاجَعَةِ غَيْرِهِ فِي بَيَانِهِ وَهَذَا مَقْصُودُ الشُّرُوحِ فَمَنْ اسْتَطَالَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَشِبْهِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْإِتْقَانِ مُبَاعِدٌ لِلْفَلَاحِ فِي هَذَا الشَّأْنِ؛ فَلْيُعَزِّ نَفْسَهُ لِسُوءِ حَالِهِ وَلْيَرْجِعْ عَمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعَالِهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّدْقِيقِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى كَرَاهَةِ أَوْ سَآمَةِ ذَوِي الْبَطَالَةِ وَأَصْحَابِ الْغَبَاوَةِ وَالْمَهَانَةِ وَالْمَلَالَةِ، بَلْ يَفْرَحُ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ الْعِلْمِ مَبْسُوطًا وَمَا يُصَادِفُهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَاضِحًا مَضْبُوطًا، وَيَحْمَدُ اللَّهَ الْكَرِيمَ عَلَى تَيْسِيرِهِ وَيَدْعُو لِجَامِعِهِ السَّاعِي فِي تَنْقِيحِهِ وَإِيضَاحِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ لِمَعَالِي الْأُمُورِ وَجَنَّبَنَا بِفَضْلِهِ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الشُّرُورِ وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَحِبَّائِنَا فِي دَارِ الْحُبُورِ انْتَهَى. وَالْحُبُورُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ السُّرُورُ وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الشَّرْحُ الْمُبَارَكُ أَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَنَفَعَ بِهِ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، (وَسَمَّيْتُهُ مَوَاهِبَ الْجَلِيلِ فِي شَرْحِ

سلسلة الفقه إلى الإمام مالك ثم إلى رسول الله

مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) [سِلْسِلَةَ الْفِقْهِ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ ثُمَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ] وَلْنَذْكُرْ سِلْسِلَةَ الْفِقْهِ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ ثُمَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ الْمُهِمَّاتِ وَالنَّفَائِسِ الْجَلِيَّاتِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ مَعْرِفَتُهَا وَيَقْبُحُ بِهِ جَهَالَتُهَا، فَإِنَّ شُيُوخَهُ فِي الْعِلْمِ آبَاءٌ فِي الدِّينِ وَوَصْلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَيْفَ لَا يَقْبُحُ جَهْلُ الْأَنْسَابِ وَالْوَصْلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَبِرِّهِمْ وَذِكْرِ مَآثِرِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالشُّكْرِ لَهُمْ انْتَهَى. (فَأَقُولُ) أَخَذْت الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ سَيِّدِي وَالِدِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَعْرُوفُ بِالْعَلَمِيِّ وَالْعَلَّامَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى السَّخَاوِيُّ وَهُمَا أَخَذَا الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبِسَاطِيُّ شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَأَخَذَ الثَّانِي مِنْهُمَا أَيْضًا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النُّوَيْرِيِّ (ح) وَحَضَرَ الْوَالِدُ أَيْضًا بَعْضَ دُرُوسِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ: شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ فِي زَمَانِهِ نُورُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ السَّنْهُورِيُّ وَهُوَ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ زَيْنِ الدِّينِ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النُّوَيْرِيِّ وَأَخَذَ الْبَاسِطِيُّ الْفِقْهَ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْبَقَاءِ بَهْرَامَ الشَّارِحُ الْمُتَقَدِّمُ أَيْضًا وَالْعَلَّامَةِ الْمُؤَرِّخِ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي زَيْدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلْدُونٍ وَأَخَذَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ الْفِقْهَ عَنْ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ وَلِيِّ اللَّهِ تَعَالَى خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الشَّيْخِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَنُوفِيِّ وَهُوَ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّهِيرُ بِالْقَوْبَعِ وَهُوَ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ يَحْيَى بْنُ الْفَرَجِ بْنِ زَيْتُونٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَاضِي تُونِسَ وَأَخَذَ عَنْ ابْنِ حُبَيْشٍ وَابْنِ الدَّارِسِ. وَأَخَذَ الْقَاضِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلْدُونٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْهَوَّارِيُّ (ح) وَأَخَذَ أَبُو الْقَاسِمِ النُّوَيْرِيُّ وَالشَّيْخُ طَاهِرُ النُّوَيْرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْبَدْرُ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ وَأَخَذَ الْبَدْرُ الْبُوصِيرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هِلَالٍ الرَّبَعِيُّ وَأَخَذَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ هِلَالٍ عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الْجُلْطَةِ وَتَفَقَّهَ فَخْرُ الدِّينِ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ فِرَاخ الإسكندراني وَتَفَقَّهَ ابْنُ فِرَاخٍ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَطَاءِ اللَّهِ وَتَفَقَّهَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ وَتَفَقَّهَ الطُّرْطُوشِيُّ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ (ح) وَأَخَذَ سَيِّدِي الْوَالِدُ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْمُعْطِي بْنِ خَصِيبٍ التُّونُسِيِّ وَهُوَ أَخَذَ عَنْ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِتُونِسَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلْشَانِيِّ. وَأَخَذَ سَيِّدِي الْوَالِدُ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ زَرُّوق وَهُوَ أَخَذَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيِّ وَعَنْ الشَّيْخِ أَحْمَدَ حُلُولُو وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَخَذَ عَنْ الْأَبِيِّ وَأَخَذَ الشَّلْقَانِيُّ وَالْأَبِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَهُوَ أَخَذَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَخَذَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ وَأَخَذَ ابْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَقِيٍّ وَأَخَذَ ابْنُ بَقِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَأَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجٍ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ وَأَخَذَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ وَالْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ عَنْ أَبِي طَالِبٍ مَكِّيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُخْتَارٍ الْقَيْسِيِّ وَتَفَقَّهَ مَكِّيٌّ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْقُدْوَةُ الْوَرِعُ جَامِعُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَشَارِحُ أَقْوَالِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ

سند الكتاب وشروحه وسند بعض كتب المذهب المشهورة

وَهُوَ تَفَقَّهَ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْقُدْوَةُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ اللُّبَابِ وَهُوَ تَفَقَّهَ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْقُدْوَةُ الزَّاهِدُ مُجَابُ الدَّعْوَةِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ الْبَلَوِيُّ الْأَفْرِيقِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ اخْتِلَافِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَهُوَ تَفَقَّهَ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامَانِ الْحُجَّةُ الزَّاهِدُ أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ السَّلَامِ الْمَدْعُوّ بِسَحْنُونٍ وَالْعَلَّامَةُ الْقُدْوَةُ أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَهُمَا تَفَقَّهَا بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامَانِ الْفَقِيهُ الْقُدْوَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَالِدٍ الْعُتَقِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الزَّاهِدُ أَبُو عُمَرَ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاسْمُهُ مِسْكِينٌ وَهُمَا تَفَقَّهَا بِالْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمَدَنِيِّ وَهُوَ تَفَقَّهَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَافِعُ وَتَفَقَّهَ رَبِيعَةُ عَلَى أَنَسٍ وَتَفَقَّهَ نَافِعٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَكِلَاهُمَا مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ [سَنَدِ الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ وَسَنَدِ بَعْضِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ] (وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ سَنَدِ الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ وَسَنَدِ بَعْضِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ) فَإِنَّ الْأَسَانِيدَ خَصِيصَةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَحِفْظًا لِلشَّرَفِ وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ فَتْحِ الْبَارِي سَمِعْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ يَقُولُ: الْأَسَانِيدُ أَنْسَابُ الْكُتُبِ فَأَحْبَبْت أَنْ أَسُوقَ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ مَسَاقَ الْأَنْسَابِ انْتَهَى (الْمُوَطَّأُ لِلْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ لِأَنَّهَا أَشْهَرُ رِوَايَاتِهِ وَهِيَ مِمَّا انْفَرَدَ بِرِوَايَتِهَا الْمَغَارِبَةُ أَخْبَرَنِي بِهِ مَنْ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ جَمْعٌ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ سَيِّدِي وَالِدِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَطَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِرَاءَةً عَلَيْهِ لِجَمِيعِهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ الْعَلَّامَةُ الْمُسْنِدُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الْمَرَاغِيُّ سَمَاعًا لِبَعْضِهِ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ. (ح) وَأَخْبَرَنِي بِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةِ الشَّيْخَانِ الْمُسْنِدَانِ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّنْبَاطِيُّ وَخَطِيبُ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ الْمُحِبُّ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ النُّوَيْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَى الْأَوَّلِ لِقِطْعَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَإِجَازَةً وَمُنَاوَلَةً لِسَائِرِهِ وَسَمَاعًا عَلَى الثَّانِي لِمَجْلِسِ الْخَتْمِ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ قَالَ الْأَوَّلُ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْعَلَّامَةُ مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُصَيْنٍ الْحَسَنِيُّ النَّسَّابَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ عَمِّي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُصَيْنٍ النَّسَّابَةُ وَقَالَ الثَّانِي وَالشَّمْسُ الْمَرَاغِيُّ: أَخْبَرَنَا بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَجَرٍ وَالْإِمَامُ الرِّحْلَةُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَرَاغِيُّ وَهُوَ عَمُّ شَمْسِ الدِّينِ الْمَرَاغِيِّ قَالَ شَيْخُنَا الْخَطِيبُ إجَازَةً مِنْ الْأَوَّلِ وَسَمَاعًا عَلَى الثَّانِي وَقَالَ الشَّمْسُ الْمَرَاغِيُّ إجَازَةً مِنْ الْأَوَّلِ وَمِنْ الثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ التَّنُوخِيُّ الْبَغْلِيُّ. وَقَالَ الشَّرَفُ الْمَرَاغِيُّ أَخْبَرَنَا بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاضِي الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ فَرْحُونٍ الْيَعْمُرِيُّ قَالَ هُوَ وَالتَّنُوخِيُّ وَالنَّسَّابَةُ الْأَكْبَرُ أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْوَادّآشي سَمَاعًا قَالَ: قَرَأْت عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ الطَّائِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَقِيٍّ الْخَلَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ الْخَزْرَجِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ الصَّفَّارُ (ح) وَأَنْبَأَنَا بِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةٍ أُخْرَى الْمَشَايِخُ الثَّلَاثَةُ قُضَاةُ الْقُضَاةِ وَمَشَايِخُ الْإِسْلَامِ أَبُو مُحَمَّدٍ زَكَرِيَّا بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْبُرْهَانُ الْقَلْقَشَنْدِيُّ وَالْبُرْهَانُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ مُكَاتَبَةً مِنْهُمْ قَالُوا وَالسَّنْبَاطِيُّ وَالْخَطِيبُ وَالنُّوَيْرِيُّ وَالشَّمْسُ الْمَرَاغِيُّ أَنْبَأَنَا بِهِ الْعِزُّ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ الْقَاضِي عِزِّ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ

قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الزُّبَيْرِ مُكَاتَبَةً مِنْ الْمَغْرِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَلِيلٍ قِرَاءَةً وَسَمَاعًا قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ زَرْقُونٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ قَالَ: هُوَ وَابْنُ مُغِيثٍ أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عِيسَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ عَمُّ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ سَمَاعًا عَلَيْهِ بِجَمْعَيْهِ مَا خَلَا الْأَبْوَابَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ فَإِنِّي شَكَكْت فِي سَمَاعِهَا وَقَدْ كُنْت سَمِعْتُهَا مَعَ جَمِيعِ الْكِتَابِ عَلَى زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِسَمَاعِهِ لَهُ جَمِيعِهِ عَلَى مَالِكٍ وَفِي إسْنَادِ الْوَادّآشي فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ سَمَاعٌ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةٌ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ رِجَالَهُ مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ مَالِكِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُخْتَلَطَةِ لِسَحْنُونِ بْنِ سَعِيدٍ) أَخْبَرَنِي بِهَا سَيِّدِي وَالِدِي قِرَاءَةً لِبَعْضِهَا وَإِجَازَةً لِسَائِرِهَا قَالَ أَنْبَأَنِي بِهَا الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ (ح) وَشَافَهَنِي بِهَا بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ جَمْعٌ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْفَضَائِلِ عَبْدُ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيُّ قَالَ هُوَ وَالسَّخَاوِيُّ: أَنْبَأَنَا بِهَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ حَافِظِ الْعَصْرِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعِرَاقِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاهِدِ الْجَيْشِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُرَاقَةَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَقِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَزْرَجِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ التُّجِيبِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ عَنْ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونِ بْنِ سَعِيدٍ فَذَكَرهَا فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ (الْعُتْبِيَّةُ وَتُسَمَّى الْمُسْتَخْرَجَةَ) أَخْبَرَنِي بِهَا الْوَالِدُ قِرَاءَةً وَإِجَازَةً وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ إجَازَةً بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجٍ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عِيسَى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي عُقْبَةَ الْعُتْبِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ فَذَكَرَهَا فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى اثْنَيْ عَشَرَ وَفِي الثَّانِيَةِ أَحَدَ عَشَرَ (تَهْذِيبُ الْبَرَادِعِيِّ اخْتِصَارُ الْمُدَوَّنَةِ) أَخْبَرَنِي بِهِ سَيِّدِي وَأَبِي قِرَاءَةً لِمَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهُ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ قَالَ: أَنْبَأَنِي بِهِ الشَّيْخُ الْمَرَاغِيُّ (ح) . وَأَنْبَأَنِي بِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا قَالَ هُوَ وَالْمَرَاغِيُّ أَنْبَأَنَا بِهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَقِيٍّ الْمَخْلَدِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ شُرَيْحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُؤَلِّفِهِ أَبِي سَعِيدٍ خَلَفِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيِّ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى عَشَرَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تِسْعَةٌ (كِتَابُ ابْنِ الْمَوَّازِ) أَذِنَ لِي فِي رِوَايَتِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَاضِلِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُقَيَّرِ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مَطَرٍ عَنْ مُؤَلِّفِهِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَوَّازِ فِيهِ أَحَدَ عَشَرَ (كَتَبَ الشَّيْخُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ مُخْتَصَرَ الْمُدَوَّنَةِ وَالنَّوَادِرَ وَالرِّسَالَةَ) . كِتَابُ الرِّسَالَةِ أَخْبَرَنِي بِهِ سَيِّدِي الْوَالِدُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ الشَّيْخِ الْمَرَاغِيِّ (ح) وَشَافَهَنِي بِهَا بِعُلُوِّ دَرَجَةٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْفَضَائِلِ عَبْدُ الْحَقِّ وَالْمُسْنَدُ الْمُعَمِّرُ خَطِيبُ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ الْمُحِبُّ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ النُّوَيْرِيُّ وَالْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ فَهْدٍ قَالُوا: وَالشَّمْسُ الْمَرَاغِيُّ أَنْبَأَنَا بِهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي بِهَا الْعَلَّامَةُ إمَامُ الْمَذْهَبِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَرَفَةَ الْوَرْغَمِّيُّ التُّونُسِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ الْوَادّآشي وَقَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ

قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الطَّيْلَسَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجٍ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ح) وَأَذِنَ لِي فِي رِوَايَتِهَا بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا قَالَ هُوَ وَمَشَايِخِي الثَّلَاثَةُ الْآخَرُونَ: أَنْبَأَنَا بِهَا الْمُسْنِدُ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ أَمِيلَةَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الْخُشُوعِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ هُوَ وَمَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَخْبَرَنَا بِهَا مُؤَلِّفُهَا الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي طَرِيقِ الْوَالِدِ عَشَرَةٌ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ تِسْعَةٌ وَفِي الثَّالِثَةِ سَبْعَةٌ (وَبِهَذِهِ الْأَسَانِيدِ) أَرْوِي النَّوَادِرَ وَمُخْتَصَرَ الْمُدَوَّنَةِ قِرَاءَةً لِبَعْضِهِمَا عَلَى الْوَالِدِ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِمَا مِنْهُ، وَمِنْ بَقِيَّةِ الْمَشَايِخِ. (مُؤَلَّفَاتُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ) التَّلْقِينُ وَالْمَعُونَةُ وَالْإِشْرَافُ وَشَرْحُ الرِّسَالَةِ وَشَرْحُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُمَهَّدُ شَرْحُ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لَمْ يَكْمُلْ أَنْبَأَنَا بِهَا الْخَطِيبُ النُّوَيْرِيُّ وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ أَبِي الْبَرَكَاتِ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَشْكُوَالَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مَهْدِيٌّ (ح) وَقَالَ الْهَمْدَانِيُّ: أَخْبَرَنَا بِعُلُوِّ دَرَجَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ هُوَ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مَهْدِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ فَتُّوحٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَلِّفُهَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَاصِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى ثَمَانِيَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعَةٌ. (مُؤَلَّفَاتُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ) أَخْبَرَنِي بِهَا سَيِّدِي الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِبَعْضِهَا وَإِجَازَةً لِسَائِرِهَا عَنْ الْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ (ح) وَأَنْبَأَنِي بِهَا عَالِيًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا عَنْ الْحَافِظ ابْنِ حَجَرٍ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سَنَدِ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. (مُؤَلَّفَاتُ ابْنِ رُشْدٍ) الْمُقَدِّمَاتُ وَالْبَيَانُ عَنْ سَيِّدِي الْوَالِدِ قِرَاءَةً لِبَعْضِهَا وَإِجَازَةً لِسَائِرِهَا عَنْ الشَّمْسِ الْمَرَاغِيِّ (ح) . وَأَنْبَأَنِي بِهَا عَالِيًا بِدَرَجَةِ الْخَطِيبِ النُّوَيْرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ هُوَ وَالشَّمْسُ الْمَرَاغِيُّ: أَنْبَأَنَا بِهَا ابْنُ حَجَرٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْمَهْدَوِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْعَسْقَلَانِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الصَّابُونِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا السَّلَفِيُّ مُشَافَهَةً عَنْ مُؤَلِّفِهَا أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ إجَازَةً. (مُؤَلَّفَاتُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ) تَقَدَّمَ سَنَدُهَا فِي مُؤَلَّفَاتِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ (بْنِ الْجَلَّابِ) أَخْبَرَنِي سَيِّدِي الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِبَعْضِهِ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ عَنْ الشَّمْسِ الْمَرَاغِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ (ح) وَأَنْبَأَنِي بِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا عَنْ ابْنِ حَجَرٍ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كُتُبِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ إلَى أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَشْكُوَالَ قَالَ: أَنْبَأَنَا بِهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْعُذْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُؤَلِّفِهِ أَبِي الْقَاسِمِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَلَّابِ الْبَصْرِيِّ. (مُؤَلَّفَاتُ الْمَازِرِيِّ) مِنْهَا الْمُعَلِّمُ بِفَوَائِدِ مُسْلِمٍ، وَمِنْهَا شَرْحُ التَّلْقِينِ، وَمِنْهَا كِتَابٌ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ شَرْحِ التَّلْقِينِ أَنَّهُ صَنَّفَهُ وَسَمَّاهُ قَطْعَ لِسَانِ النَّابِحِ فِي الْمُتَرْجَمِ بِالْوَاضِحِ. قَالَ: وَهُوَ كِتَابٌ نَقَضْنَا فِيهِ كِتَابًا أَلَّفَهُ بَعْضُ نَصَارَى الْمَشْرِقِ وَقَصَدَ فِيهِ إلَى جَمْعِ الْمَطَاعِنِ الَّتِي تَشَعَّبَ بِهَا الْمُلْحِدُونَ وَقَدَحَ بِهَا الطَّاعِنُونَ عَلَى دِينِنَا وَأَضَافُوهَا إلَى النَّقْلِ وَالْعَقْلِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ التَّلْقِينِ عَنْ السَّنْبَاطِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْخَطِيبُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَهْدِيِّ عَنْ مُؤَلِّفِهَا الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ الْمَازِرِيِّ. (مُؤَلَّفَاتُ الْقَاضِي عِيَاضٍ) مِنْهَا الشِّفَاءُ أَخْبَرَنِي بِهِ سَيِّدِي الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِجَمِيعِهِ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ الْعَلَّامَةُ الشَّمْسُ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الْمَرَاغِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ وَالِدِي الْعَلَّامَةُ نَاصِرُ الدِّينِ الْمَرَاغِيُّ

قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ وَالِدِي قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرَاغِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ مُسْنَدُ الْآفَاقِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحِجَازِيُّ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ (ح) وَأَخْبَرَنِي بِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةِ الْمَشَايِخِ الثَّلَاثَةِ أَبُو الْفَضَائِلِ عَبْدُ الْحَقِّ وَالْخَطِيبُ النُّوَيْرِيّ وَجَمَالُ الدِّينِ الصَّانِيُّ سَمَاعًا لِبَعْضِهِ عَنْ الْأَوَّلِينَ مُفْتَرِقِينَ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ وَقِرَاءَةً عَلَى الثَّالِثِ لِجَمِيعِهِ قَالَ الْأَوَّلَانِ: أَخْبَرَنَا بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ وَالْعَلَّامَةُ التَّقِيُّ بْنُ فَهْدٍ قَالَ الْأَوَّلُ: إذْنًا، وَقَالَ الثَّانِي: مُكَاتَبَةً مِنْ ابْنِ حَجَرٍ وَسَمَاعًا عَلَى ابْنِ فَهْدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السُّحُولِيُّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إذْنًا. وَقَالَ ابْنُ فَهْدٍ: سَمَاعًا قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الشَّرَفُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُهَلَّبِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنُ تامتيت اللَّوَاتِيُّ سَمَاعًا قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الصَّائِغِ (ح) وَقَالَ شَيْخُنَا الصَّانِيُّ أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْحِجَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الإسكندراني قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ الْأُمَوِيُّ سَمَاعًا قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَيْسِيُّ الْحَصَّارُ (ح) وَقَالَ شَيْخُنَا الْخَطِيبُ: أَنْبَأَنَا بِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةٍ وَلَا يُوجَدُ الْآنَ أَعْلَى مِنْهَا الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ الْحَفَّارُ عَنْ الْمُسْنَدَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ الْكَمَالِ الْمَقْدِسِيَّةِ قَالَتْ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ اللَّخْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بِنْتِ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ هُوَ وَالْهَمْدَانِيُّ: أَخْبَرَنَا بِهِ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السَّلَفِيُّ قَالَ هُوَ وَابْنُ الصَّائِغِ وَالْحَصَّارُ: أَخْبَرَنَا بِهِ مُؤَلِّفُهُ أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيَاضٍ الْيَحْصُبِيُّ فِي طَرِيقِ الْوَالِدِ لَهُ سَبْعَةٌ وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا سِتَّةٌ وَفِي الثَّالِثَةِ خَمْسَةٌ وَبِهَذِهِ الْأَسَانِيدِ أَرْوِي بَقِيَّةَ كُتُبِهِ التَّنْبِيهَاتِ وَالْإِكْمَالِ وَالْقَوَاعِدِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. (مُؤَلَّفَاتُ شِهَابِ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ الذَّخِيرَةُ وَالْقَوَاعِدُ وَالتَّنْقِيحُ وَهُوَ مُقَدِّمَةُ كِتَابِ الذَّخِيرَةِ وَشَرْحُهُ وَشَرْحُ الْمَحْصُولِ وَكِتَابُ الْأُمْنِيَةِ فِي النِّيَّةِ) أَخْبَرَنِي بِهَا سَيِّدِي الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِبَعْضِ الذَّخِيرَةِ وَالْقَوَاعِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهَا. قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهَا الشَّمْسُ الْمَرَاغِيُّ عَنْ وَالِدِهِ الْعَلَّامَةِ نَاصِرِ الدِّينِ الْمَرَاغِيِّ وَأَنْبَأَنِي بِهَا عَالِيًا بِدَرَجَةٍ الْمُحِبُّ خَطِيبُ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْفَتْحِ الْمَرَاغِيِّ وَأُمُّ الْحَسَنِ فَاطِمَةُ بِنْتُ خَلِيلٍ الْكَتَّانِيِّ قَالَتْ: أَنْبَأَنَا بِهَا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ وَقَالَ الْمُقْرِي: أَنْبَأَنَا بِهَا الْإِمَامُ جَارُ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ هُوَ وَالْقُرَشِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ: أَخْبَرَنَا بِهَا مُؤَلِّفُهَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إدْرِيسَ الْقَرَافِيُّ. (مُخْتَصَرُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفَرْعِيِّ) أَخْبَرَنَا بِهِ الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِكِتَابِ الْحَجِّ جَمِيعِهِ وَلِمَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ بَقِيَّتِهِ وَسَمَاعًا لِمَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ وَلِبَقِيَّةِ كُتُبِهِ قَالَ: أَنْبَأَنَا بِهَا الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ (ح) وَأَنْبَأَنَا بِسَائِرِ مُصَنَّفَاتِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةِ الْخَطِيبِ النُّوَيْرِيِّ وَابْنِ عَمِّهِ عَبْدُ الْقَادِرِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ الْغَزِّيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي النُّورِ الدَّبُوسِيِّ عَنْ مُؤَلِّفِهَا أَبِي عَمْرٍو عُثْمَانَ بْنِ الْحَاجِبِ (شَرْحُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ) أَخْبَرَنِي بِهِ الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِمَوَاضِعَ مِنْهُ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ عَنْ الشَّمْسِ الْمَرَاغِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ (ح) . وَأَنْبَأَنِي بِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةِ جَمْعٍ مِنْ الْمَشَايِخِ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ الْوَرْغَمِّيِّ التُّونُسِيِّ عَنْ مُؤَلِّفِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (شَرْحُهُ لِابْنِ هِلَالٍ الرَّبَعِيِّ) أَنْبَأَنَا بِهِ شَيْخُنَا الْخَطِيبُ النُّوَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمَادٍ الْحِمْيَرِيِّ النِّحْرِيرِيِّ عَنْ مُؤَلِّفِهِ. (مُؤَلَّفَاتُ تَاجِ الدِّينِ الْفَاكِهَانِيِّ مِنْهَا شَرْحُ الرِّسَالَةِ وَشَرْحُ الْعُمْدَةِ وَشَرْحُ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ) أَخْبَرَنِي بِهَا سَيِّدِي الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِبَعْضِهَا وَإِجَازَةً لِسَائِرِهَا قَالَ أَخْبَرَنِي بِهَا الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهَا الْخَطِيبُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ظُهَيْرَةَ (ح) وَأَخْبَرَنَا بِهَا عَالِيًا بِدَرَجَةِ الْخَطِيبِ

الكلام على البسملة

مُحِبُّ الدِّينِ النُّوَيْرِيُّ مُشَافَهَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلِيلٍ الْحَلَبِيِّ قَالَ هُوَ وَابْنُ ظُهَيْرَةَ أَخْبَرَنَا بِهَا الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ وَيُسَمَّى مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيقِ بْنِ حَدِيدَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: أَنْبَأَنَا بِهَا مُؤَلِّفُهَا الْعَلَّامَةُ تَاجُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ اللَّخْمِيُّ الْفَاكِهَانِيُّ إذْنًا إنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا فَذَكَرَهَا. (مُصَنَّفَاتُ الشَّيْخِ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُخْتَصَرُ وَالتَّوْضِيحُ وَالْمَنَاسِكُ وَتَرْجَمَةُ شَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ) أَخْبَرَنَا سَيِّدِي وَالِدِي بِالْمُخْتَصَرِ وَالْمَنَاسِكِ قِرَاءَةً وَسَمَاعًا لِجَمِيعِهِمَا وَبِالتَّوْضِيحِ قِرَاءَةً لِغَالِبِهِ وَلِبَعْضِ التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِجَازَةً لِلْجَمِيعِ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِهَا الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ سَمَاعًا لِبَعْضِ الْمُخْتَصَرِ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهَا عَنْ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ الْبِسَاطِيِّ عَنْ الْقَاضِي تَاجِ الدِّينِ بَهْرَامَ (ح) . وَأَنْبَأَنَا بِهَا عَالِيًا بِدَرَجَتَيْنِ شَيْخُنَا الْمُحِبُّ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ خَطِيبُ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ الْقَادِرِ النُّوَيْرِيَّانِ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الْمُعَمَّرِ الْعَلَّامَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَبُعٍ الْبُوصِيرِيِّ الْمَالِكِيِّ قَالَ هُوَ وَالْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ بَهْرَامُ: أَخْبَرَنَا بِهَا مُؤَلِّفُهَا الشَّيْخُ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجُنْدِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ. (مُؤَلَّفَاتُ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ اللُّبَابُ وَشَرْحُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا) أَخْبَرَنِي سَيِّدِي الْوَالِدُ بِاللُّبَابِ وَشَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قِرَاءَةً لِبَعْضِهِمَا وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِمَا وَسَائِرِ مُصَنَّفَاتِهِ قَالَ: أَنْبَأَنِي بِهَا الشَّمْسُ الْمَرَاغِيُّ عَنْ عَمِّهِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَتْحِ الْمَرَاغِيِّ (ح) وَأَنْبَأَنِي بِهَا عَالِيًا بِدَرَجَةِ جَمْعٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْخَطِيبُ مُحِبُّ الدِّينِ النُّوَيْرِيُّ وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ الْقَادِرِ وَالْعِزُّ بْنُ فَهْدٍ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيُّ عَنْ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ أَبِي الْفَتْحِ الْمَرَاغِيِّ عَنْ الْقَاضِي إبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَرْحُونٍ عَنْ الْجَمَالِ عَفِيفِ الدِّينِ الْمِصْرِيِّ عَنْ مُؤَلِّفِهَا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الدِّيبَاجِ أَنَّ شَيْخَهُ الْعَفِيفَ الْمِصْرِيَّ اسْتَجَازَ مِنْ ابْنِ رَاشِدٍ فِي سَنَةِ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. (مُؤَلَّفَاتُ الْقَاضِي بُرْهَانَ الدِّينِ بْنِ فَرْحُونٍ شَرْحُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبْصِرَةُ الْحُكَّامِ وَالْأَلْغَازُ وَالدِّيبَاجُ الْمُذَهَّبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْوَالِدِ قِرَاءَةً لِبَعْضِهَا وَإِجَازَةً لِبَقِيَّتِهَا وَعَنْ مَشَايِخِنَا الْبَاقِينَ إجَازَةً. (مُؤَلَّفَاتُ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُخْتَصَرُ الْفِقْهِيُّ وَمُخْتَصَرُ الْحَوفِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ) أَخْبَرَنِي سَيِّدِي الْوَالِدُ قِرَاءَةً لِمَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الْمُخْتَصَرِ الْفِقْهِيِّ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ وَلِبَقِيَّةِ كُتُبِهِ عَنْ الشَّمْسِ الْمَرَاغِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ. وَأَنْبَأَنِي بِجَمِيعِ مُؤَلَّفَاتِهِ عَالِيًا بِدَرَجَةٍ الْمَشَايِخُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي سَنَدِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ رَاشِدٍ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ مُؤَلِّفِهَا الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ الْوَرْغَمِّيِّ التُّونُسِيِّ. (مُؤَلَّفَاتُ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ بَهْرَامَ شُرُوحُهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَالشَّامِلِ وَغَيْرِهَا) أَخْبَرَنِي سَيِّدِي وَالِدِي بِالشَّرْحِ الْأَوْسَطِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ لِجَمِيعِهِ إلَّا الْيَسِيرَ وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ وَبِالشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالشَّامِلِ قِرَاءَةً لِمَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا وَإِجَازَةً لِسَائِرِهَا عَنْ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ عَنْ الْبِسَاطِيِّ وَأَنْبَأَنِي بِهَا عَالِيًا بِدَرَجَةٍ الْمَشَايِخُ الثَّلَاثَةُ أَبُو الْفَضَائِلِ عَبْدُ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيُّ وَالْخَطِيبُ النُّوَيْرِيُّ وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ الْقَادِرِ عَنْ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ الْبِسَاطِيِّ عَنْ مُؤَلِّفِهَا الشَّيْخِ بَهْرَامَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّمِيرِيِّ. (مُؤَلَّفَاتُ الْبِسَاطِيِّ شَرْحُ الْمُخْتَصَرِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرُهُمَا) أَخْبَرَنِي سَيِّدِي الْوَالِدُ بِشَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالْمُغْنِي قِرَاءَةً لِبَعْضِهِمَا وَإِجَازَةً لِلْبَاقِي وَلِبَقِيَّةِ مُؤَلَّفَاتِهِ عَنْ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ وَأَنْبَأَنِي بِهَا عَالِيًا بِدَرَجَةِ الْمَشَايِخِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ فَوْقَهُ، قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ وَالشَّمْسُ السَّخَاوِيُّ: وَأَنْبَأَنَا بِهَا مُؤَلِّفُهَا الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبِسَاطِيُّ. [الْكَلَام عَلَى الْبَسْمَلَة] ص (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ش: ابْتَدَأَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ

وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ» رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ وَفِي رِوَايَةٍ أَقْطَعُ وَفِي رِوَايَةٍ أَجْذَمُ بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. وَهُوَ مِنْ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ فِي الْعَيْبِ الْمُنَفِّرِ وَمَعْنَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ نَاقِصٌ غَيْرُ تَامٍّ وَإِنْ تَمَّ حِسًّا وَمَعْنَى ذِي بَالٍ أَيْ ذِي حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ وَرَأَيْت بِخَطِّ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ الْمَحَلِّيِّ أَنَّ صَاحِبَ الِاسْتِغْنَا فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ التُّونُسِيِّ قَالَ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ كُلِّ مِلَّةٍ أَنَّ اللَّهَ افْتَتَحَ كُلَّ كِتَابٍ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَدْ اسْتَقَرَّ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى افْتِتَاحِ كُتُبِ الْعِلْمِ بِالتَّسْمِيَةِ وَكَذَا مُعْظَمُ كُتُبِ الرَّسَائِلِ وَاخْتَلَفَ الْقُدَمَاءُ فِيمَا إذَا كَانَ الْكِتَابُ كُلُّهُ شِعْرًا هَلْ يُبْتَدَأُ بِالتَّسْمِيَةِ فَجَاءَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مَنْعُ ذَلِكَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُكْتَبَ فِي الشِّعْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ الْمُخْتَارُ انْتَهَى مِنْ فَتْحِ الْبَارِي. (قُلْت) وَهَذَا فِي غَيْرِ الشِّعْرِ الْمُحْتَوِي عَلَى عِلْمٍ أَوْ وَعْظٍ فَهَذَا لَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ وَفِي غَيْرِ الشِّعْرِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تُشَرَّعُ فِي الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ. وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِأُصَنِّفُ، وَكَذَا يُضْمَرُ كُلُّ فَاعِلٍ مَا جُعِلَتْ التَّسْمِيَةُ مَبْدَأً لَهُ فَيُضْمِرُ الْمُسَافِرُ أُسَافِرُ، وَالْآكِلُ آكُلُ لِيُفِيدَ تَلَبُّسَ الْفِعْلِ جَمِيعِهِ بِالتَّسْمِيَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ أَبْدَأُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا تَلَبُّسَ ابْتِدَائِهِ فَقَطْ وَتَقْدِيرُ الْمُتَعَلِّقِ مُتَأَخِّرًا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَهَمَّ الْبُدَاءَةُ بِاسْمِهِ تَعَالَى رَدًّا عَلَى الْكُفَّارِ فِي ابْتِدَائِهِمْ بِأَسْمَاءِ آلِهَتِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِخِلَافِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الْقِرَاءَةُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ هُوَ الْعُلُوُّ؛ لِأَنَّهُ رِفْعَةٌ لِلْمُسَمَّى، وَمِنْ السِّمَةِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَهِيَ الْعَلَامَةُ. وَإِضَافَتُهُ لِلْجَلَالَةِ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ لِيُفِيدَ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ وَالتَّبَرُّكَ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَحُذِفَتْ أَلِفُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِذَا لَمْ تُحْذَفْ مِنْ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] وَغَيْرِهِ وَطُوِّلَتْ أَلْفًا عِوَضًا عَنْهَا وَالْجَلَالَةُ عَلَمٌ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى وَهُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَحَكَى ابْنُ جِنِّي أَنَّ سِيبَوَيْهِ رُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ: خَيْرًا، وَذَكَرَ كَرَامَةً عَظِيمَةً، فَقِيلَ لَهُ: بِمَ؟ فَقَالَ: لِقَوْلِي: إنَّ اسْمَ اللَّهِ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى كُلِّهَا وَمَا سِوَاهُ خَاصٌّ بِمَعْنًى فَلِذَا يُضَافُ اللَّهُ لِجَمِيعِ الْأَسْمَاءِ، فَيُقَالُ: الرَّحْمَنُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا الْبَاقِي وَلَا يُضَافُ هُوَ إلَى شَيْءٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَبِهِ وَقَعَ الْإِعْجَازُ حَيْثُ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا بِهِ وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ أَلْفَيْ مَرَّةٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَرَّةً وَقِيلَ: أَلْفَيْ مَرَّةٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مُشْتَقٌّ أَوْ مُرْتَجَلٌ؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقِيلَ: مِنْ أَلِهَ يَأْلَهُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ إذَا تَحَيَّرَ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ تَتَحَيَّرُ فِي عَظَمَتِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ بِالْكَسْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ أَوْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْقَاصِرِ قَالَ الْهَمْدَانِيُّ فِي إعْرَابِ الْقُرْآنِ: وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَبَنُو أَسَدٍ يَقُولُونَ: رَحِيمٌ وَرَغِيفٌ وَبَعِيرٌ بِفَتْحِ أَوَائِلِهِنَّ، وَقَيْسٌ وَرَبِيعَةُ وَتَمِيمٌ يَقُولُونَ: رَحِيمٌ وَرَغِيفٌ وَبَعِيرٌ بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الرَّحْمَةِ فَقِيلَ: هِيَ رِقَّةٌ وَانْعِطَافٌ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ، وَمِنْهُ الرَّحِمُ لِانْعِطَافِهَا عَلَى مَا فِيهَا فَهِيَ فِي حَقِّ اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ الْإِنْعَامِ. قَالَ الرَّازِيّ: إذَا وُصِفَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرٍ وَلَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ بِمَعْنَاهُ يُحْمَلُ عَلَى غَايَةِ ذَلِكَ. وَهِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَقِيلَ: الرَّحْمَةُ إرَادَةُ الْخَيْرِ فَوَصْفُهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ حَقِيقَةٌ وَهِيَ حِينَئِذٍ صِفَةُ ذَاتٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مَنْقُولٌ وَذَكَرَ السَّمِينُ فِي إعْرَابِهِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الظَّاهِرُ الثَّانِي وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَى الْأَوَّلِ وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَلِيٍّ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلِيلٍ السَّكُونِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّمْيِيزِ لِمَا أَوْدَعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ الِاعْتِزَالِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ

فائدتان

وَقَالَ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ فِي وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ: إنَّهُ مَجَازُ اعْتِزَالٍ وَضَلَالٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَحِيمٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَنَّ مَنْ نَفَى عَنْهُ حَقِيقَةَ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَإِنَّمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ رِقَّةٌ وَتَغَيُّرٌ وَلِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْإِرَادَةَ الْقَدِيمَةَ وَيَصْرِفُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إلَى الْأَفْعَالِ وَإِلَى إرَادَةٍ حَادِثَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الرَّحْمَةَ لَيْسَتْ سِوَى إرَادَةِ الْخَيْرِ وَلَيْسَتْ الرِّقَّةَ وَإِنَّمَا الرِّقَّةُ صِفَةٌ أُخْرَى تَارَةً تُصَاحِبُ الْإِرَادَةَ وَتَارَةً لَا تُصَاحِبُ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. (قُلْت) كَلَامُ الصِّحَاحِ نَحْوُ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَقَدْ تَبِعَ الزَّمَخْشَرِيَّ عَلَى تَفْسِيرِ الرَّحْمَةِ بِمَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ الْبَيْضَاوِيُّ وَالشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ بَلْ نَقَلَ الْأَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَجَازٍ لَهُ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا هَذَا يَعْنِي: الرَّحْمَنَ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ الْعَطْفُ وَالتَّثَنِّي وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ وَتَقَرَّرَ عِنْدِي أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الرَّحْمَنُ فَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْأَبِيِّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالِانْعِطَافِ الْجُسْمَانِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا الْمُرَادُ الِانْعِطَافُ النَّفْسَانِيُّ وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى غَالِبًا فَلِذَلِكَ يُقَالُ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْكَافِرَ وَالْمُؤْمِنَ وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الْمُؤْمِنَ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الرَّحْمَنُ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّرَقِّي لِتَقَدُّمِ رَحْمَةِ الدُّنْيَا وَلِأَنَّهُ صَارَ كَالْعَلَمِ فَلَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى بَلْ قِيلَ: إنَّهُ عَلَمٌ وَهُوَ اسْمٌ مُقْتَضٍ لِإِيجَادِ الْخَلْقِ فَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ الْحَقِّ، وَمَنْ تَسَمَّى بِهِ هَلَكَ وَالرَّحِيمُ مُقْتَضٍ لِإِمْدَادِ الْخَلْقِ بِقِوَامِ وُجُودِهِمْ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنَّ الْإِمْدَادَ يَصِحُّ فِي حَقِّهِمْ وَلِذَلِكَ وَجَبَ شُكْرُهُمْ عَلَى مَا وَصَلَ مِنْهُمْ. [فَائِدَتَانِ] (فَائِدَتَانِ: الْأُولَى) حَيْثُ ذُكِرَ الِاشْتِقَاقُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ مَلْحُوظٌ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ وَإِلَّا فَشَرْطُ الْمُشْتَقِّ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْمُشْتَقِّ مِنْهُ. وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِهِ حَتَّى أَنْكَرَ قَوْمٌ إطْلَاقَ الِاشْتِقَاقِ لِلْإِبْهَامِ وَقَالُوا: إنَّمَا يُقَالُ فِي مِثْلِ اسْمِهِ السَّلَامِ فِيهِ مَعْنَى السَّلَامَةِ وَفِي الرَّحْمَنِ فِيهِ مَعْنَى الرَّحْمَةِ. قَالُوا وَالْأَشْيَاءُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ لِحَدِيثِ «هِيَ الرَّحِمُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ اشْتَقَقْت لَهَا اسْمًا مِنْ اسْمِي» وَقَالَ حَسَّانٌ: فَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ وَفِيهِ نَظَرٌ (الثَّانِيَةُ) نَقَلَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي عَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَرَحِيمٍ وَغَفُورٍ كُلُّهَا مَجَازٌ إذْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَا مُبَالَغَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ هِيَ أَنْ تُثْبِتَ لِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ وَصِفَاتُهُ تَعَالَى مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ انْتَهَى. [شَرْحُ خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ] ص (يَقُولُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ) ش: أَتْبَعَ الْمُصَنِّفُ الْبَسْمَلَةَ بِالتَّعْرِيفِ بِنَفْسِهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ مَنْ يَقِفُ عَلَى كِتَابِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا وَلِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَفِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ وَالْفَقِيرُ هُوَ الْمُحْتَاجُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَالْمُضْطَرُّ الشَّدِيدُ الْحَاجَةِ الَّذِي لَا يَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَلَا يَرَى شَيْئًا مِنْ الْأَسْبَابِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ كَالْغَرِيقِ فِي الْبَحْرِ وَالضَّالِّ فِي الْقَفْرِ لَا يَرَى لِإِغَاثَتِهِ إلَّا مَوْلَاهُ وَالْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ لَازِمَانِ لِلِاضْطِرَارِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِإِسْرَاعِ مَوَاهِبِ الْحَقِّ لِلْعَبْدِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الرَّحْمَةِ. وَالرَّبُّ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَهِيَ تَبْلِيغُ الشَّيْءِ إلَى كَمَالِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ مَا يَمْلِكُهُ وَيُرَبِّيهِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى إلَّا مُقَيَّدًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مَتَى دَخَلَتْ اللَّامُ وَالْأَلِفُ عَلَى رَبٍّ اخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا لِلْعَهْدِ وَإِنْ حُذِفَتْ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عِبَادِهِ انْتَهَى وَالضَّمِيرُ فِي رَبِّهِ

عَائِدٌ إلَى اللَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُضْطَرِّ لِأَنَّهَا مَوْصُولٌ. وَعَبَّرَ عَنْ الْمَسْكَنَةِ اللَّازِمَةِ لِلِاضْطِرَارِ بِقَوْلِهِ: الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ، وَالْخَاطِرُ مَا يَخْطِرُ بِالْقَلْبِ مِنْ تَدْبِيرِ أَوَامِرَ وَنَحْوِهِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَحِلِّ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ الْقَلْبُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَعَلَّلَ انْكِسَارَ خَاطِرِهِ بِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى تَوَاضُعًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ لِأَنَّهُ لِشِدَّةِ مُرَاقَبَتِهِ لِنَفْسِهِ وَمُحَاسَبَتِهِ لَهَا لَمْ يَرْضَ عَنْهَا وَوَصَفَهَا بِمَا قَالَ كَمَا هُوَ حَالُ الْعَارِفِينَ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ. وَالتَّقْوَى مِنْ الْوِقَايَةِ بِمَعْنَى الصِّيَانَةِ وَهِيَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا يَقِي بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مِمَّا يَضُرُّهُ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ مَرَاتِبَ الْأُولَى التَّوَقِّي عَنْ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ بِالتَّبَرِّي عَنْ الشِّرْكِ وَالثَّانِيَةُ تَجَنُّبُ مَا يَقْتَضِي الْإِثْمَ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَالثَّالِثَةُ تَجَنُّبُ مَا يَشْغَلُ السِّرَّ عَنْ الْحَقِّ تَعَالَى. وَخَلِيلٌ فَعِيلٌ مِنْ الْخُلَّةِ وَهِيَ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ ثُمَّ نُقِلَ لِلْعَلَمِيَّةِ وَإِسْحَاقُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَالْمَالِكِيُّ نِسْبَةً إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى كَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّهِ فِي آخِرِ نُسْخَةٍ مِنْ مَنَاسِكِهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَأَى بِخَطِّهِ بَعْدَ مُوسَى بْنِ شُعَيْبٍ وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ مَوْضِعَ مُوسَى يَعْقُوبَ وَيُوجَدُ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّهِ وَيُكَنَّى بِأَبِي الْمَوَدَّةِ وَأَبِي الضِّيَاءِ وَذَكَرَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الدُّرَرِ الْكَامِنَةِ أَنَّهُ يُسَمَّى مُحَمَّدًا وَيُلَقَّبُ بِضِيَاءِ الدِّينِ وَيُعْرَفُ بِالْجُنْدِيِّ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْنَادِ الْحَلَقَةِ الْمَنْصُورَةِ وَيَلْبَسُ زِيَّ الْجُنْدِ الْمُتَقَشِّفِينَ وَكَانَ عَالِمًا رَبَّانِيًّا صَدْرًا فِي عُلَمَاءِ الْقَاهِرَةِ مُجْمَعًا عَلَى فَضْلِهِ وَدِيَانَتِهِ ثَاقِبَ الذِّهْنِ أَصِيلَ الْبَحْثِ مُشَارِكًا فِي فُنُونِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفَرَائِضِ فَاضِلًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ صَحِيحَ النَّقْلِ تَخَرَّجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ انْتَهَى. وَكَانَ وَالِدُهُ حَنَفِيًّا لَكِنَّهُ كَانَ يُلَازِمُ الشَّيْخَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ الْحَاجِّ صَاحِبَ الْمَدْخَلِ وَالشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَنُوفِيَّ فَشَغَّلَ وَلَدَهُ مَالِكِيًّا وَلِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابٌ جَمَعَ فِيهِ تَرْجَمَةَ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ. قَالَ فِيهِ: وَكَانَ الْوَالِدُ يَعْنِي وَالِدَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْأَخْيَارِ وَذَكَرَ عَنْهُ مُكَاشِفَاتٍ وَتَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ بِالشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَأَخَذَ الْأُصُولَ وَالْعَرَبِيَّةَ عَنْ الْبُرْهَانِ الرَّشِيدِيِّ وَسَمِعَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْهَادِي وَقَرَأَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْبَهَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيلٍ الْمَالِكِيِّ الْمُكَنَّى أَبَا دَاوُد التِّرْمِذِيَّ وَحَجَّ وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ وَشَرَعَ فِي الِاشْتِغَالِ بَعْدَ شَيْخِهِ وَدَرَسَ بالشَّيْخُونِيَّةِ وَأَقْبَلَ عَلَى نَشْرِ الْعِلْمِ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ شَيْخِهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ رَأَى شَيْخَهُ فِي الْمَنَامِ وَاقِفًا عِنْدَ قَبْرِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاشْتِغَالِ وَأَمَرَهُ بِهِ قَالَ: وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَصْحَابِ سَيِّدِي الشَّيْخِ رُؤْيَا تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ مُكَاشَفَةٌ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ فِي حَيَاةِ الشَّيْخِ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَشْغَلُ طَلَبَةَ الشَّيْخِ بَعْدَهُ قَالَ: فَقَوِيَتْ نَفْسِي فَجَلَسْت وَوَاللَّهِ لَا أَعْرِفُ الرِّسَالَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بِبَرَكَتِهِ وَهَانَ عَلَيَّ الْفِقْهُ، وَغَيْرُهُ وَلَمْ تَغِبْ عَلَيَّ مَسْأَلَةٌ أَصْلًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الرِّسَالَةَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ الْمَعْرِفَةَ التَّامَّةَ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ خَتَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ قِرَاءَةً عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ فِي حَلِّ مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. وَذَكَرَ أَيْضًا فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالِ صِغَرِهِ قَرَأَ سِيرَةَ الْبَطَّالِ ثُمَّ شَرَعَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْحِكَايَاتِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الطَّلَبَةِ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ: يَا خَلِيلُ مِنْ أَعْظَمِ الْآفَاتِ السَّهَرُ فِي الْخُرَافَاتِ قَالَ: فَعَلِمْت أَنَّ الشَّيْخَ عَلِمَ بِحَالِي وَانْتَهَيْت مِنْ ذَلِكَ فِي الْحِينِ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَقَامَ بِمِصْرَ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يَرَ النِّيلَ وَأَنَّهُ جَاءَ لِمَنْزِلِ بَعْضِ شُيُوخِهِ فَوَجَدَ الْكَنِيفَ مَفْتُوحًا وَلَمْ يَجِدْ الشَّيْخَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ شَوَّشَهُ هَذَا الْكَنِيفُ فَذَهَبَ لِيَأْتِيَ بِمَنْ يُنَقِّيه، فَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ: أَنَا أَوْلَى بِتَنْقِيَتِهِ، فَشَمَّرَ وَنَزَلَ وَجَاءَ الشَّيْخُ فَوَجَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَالنَّاسُ قَدْ حَلَّقُوا عَلَيْهِ

تَعَجُّبًا مِنْ فِعْلِهِ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا قَالُوا: خَلِيلٌ فَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَدَعَا لَهُ عَنْ قَرِيحَةٍ صَادِقَةٍ فَنَالَ بَرَكَةَ ذَلِكَ وَوَضَعَ اللَّهُ الْبَرَكَةَ فِي عُمْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُكَاشَفَاتِ وَأَنَّهُ مَرَّ بِطَبَّاخٍ يَبِيعُ لَحْمَ الْمَيْتَةِ فَكَاشَفَهُ وَزَجَرَهُ فَتَابَ عَلَى يَدَيْهِ وَأَنَّ بَعْضَ شُيُوخِ شُيُوخِهِ رَأَى الْمُصَنِّفَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْقِصَارَ قَالَ: وَأَظُنُّهُ أَنَّهُ قَالَ: وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ. (قُلْت) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخِهِ أَنَّهُ مَرَّ بِشَوَّاءٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ خَرُوفًا كَمَا خَرَجَ وَحَمَلَهُ عَلَى حَمَّالٍ وَخَرَجَ بِهِ إلَى الْكِيمَانِ وَطَرَحَهُ لِلْكِلَابِ فَتُعُجِّبَ مِنْ ذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْحِكَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ غَازِيٍّ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ غَيْرُهَا. (وَأَلَّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) شَرْحَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُسَمَّى بِالتَّوْضِيحِ وَوَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْقَبُولَ وَاعْتَمَدَهُ النَّاسُ وَهُوَ أَكْثَرُ شُرُوحِهِ فُرُوعًا وَفَوَائِدَ (وَأَلَّفَ مَنْسَكًا لَطِيفًا مُتَوَسِّطًا اعْتَمَدَهُ النَّاسُ) وَعِنْدَنَا نُسْخَةٌ أَكْثَرُهَا بِخَطِّهِ (وَجَمَعَ التَّرْجَمَةَ الْمَذْكُورَةَ لِشَيْخِهِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِالْأُصُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَشَرَحَ أَلْفِيَّةَ ابْنِ مَالِكٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَلَّفَ هَذَا الْمُخْتَصَرَ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَأَقْبَلَ النَّاسُ جَمِيعُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ مُؤَرِّخُ مَكَّةَ وَشَرَحَ عَلَى بَعْضِهِ (وَمَنَاقِبُهُ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرَةٌ (وَمَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فِي ثَالِثِ عَشَرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ حَجَرٍ وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَهُمَا أَعْلَمُ مِنْ ابْنِ غَازِيٍّ بِذَلِكَ وَأَمَّا تَارِيخُ الْوَفَاةِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فَإِنَّمَا هُوَ تَارِيخُ وَفَاةِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بِالطَّاعُونِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَارِيخِ وَفَاةِ شَيْخِهِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَالَ: فِي سَابِعِ رَمَضَانَ. وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ فَظَنَّ أَنَّهَا لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ: إنَّهُ مَالِكِيٌّ، وَأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ فَهُوَ أَعْرَفُ بِوَفَاتِهِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْفَاسِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ الْفُرَاتِ أَنَّ بَعْضَ الطَّلَبَةِ رَأَى الْمُصَنِّفَ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ. ص (الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ وَالشُّكْرِ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ) ش: هَذَا مَقُولُ الْقَوْلِ وَأَتَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْحَمْدَلَةِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَبِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْتِدَائِهِ بِالْحَمْدِ فِي جَمِيعِ خُطَبِهِ وَعَمَلًا بِجَمِيعِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَفِي رِوَايَةِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِحَمْدِ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِالْحَمْدِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: رُوِّينَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيِّ قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ كَعْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَرُوِيَ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا وَرِوَايَةُ الْمَوْصُولِ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةٍ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ قَالَ أَقْطَعُ عَلَى التَّرَدُّدِ» وَلَا يُقَالُ: الْبُدَاءَةُ حَقِيقَةً إنَّمَا هِيَ بِالْبَسْمَلَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: الِابْتِدَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِيِّ الَّذِي يُعْتَبَرُ مُمْتَدًّا مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ إلَى حِينِ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ. وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ أَوْ لَا وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِنَا: الْوَصْفُ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكَلَامِ فَمَوْرِدُهُ أَيْ مَحِلُّهُ خَاصٌّ وَمُتَعَلِّقُهُ عَامٌّ أَيْ السَّبَبُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ عَامٌّ وَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ إنْعَامِهِ عَلَى الشَّاكِرِ وَحَذَفَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْقَيْدَ وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ وَالْجَنَانِ

وَالْأَرْكَانِ، فَالشُّكْرُ بِاللِّسَانِ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى الْمُنْعِمِ وَالشُّكْرُ بِالْقَلْبِ أَنْ يَعْتَقِدَ اتِّصَافَهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَنَّهُ وَلَيُّ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرُ بِالْجَوَارِحِ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَتِهِ فَمُتَعَلِّقُ الشُّكْرِ خَاصٌّ وَمَوْرِدُهُ عَامٌّ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمْدِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. وَالْحَمْدُ عُرْفًا هُوَ الشُّكْرُ لُغَةً لَكِنْ بِحَذْفِ قَوْلِنَا: عَلَى الشَّاكِرِ، وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا خُلِقَ لَهُ فَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَ الشُّكْرَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ وَكَذَا بَيْنَ الشُّكْرِ الْعُرْفِيِّ وَالْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَبَيْنَ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ إنْ قُيِّدَتْ النِّعْمَةُ فِي الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ بِوُصُولِهَا إلَى الشَّاكِرِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا لَمْ تُقَيَّدْ كَانَا مُتَّحِدَيْنِ وَأَلْ فِي الْحَمْدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَقِيلَ: لِلْجِنْسِ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِي نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْت لِابْنِ النَّحَّاسِ النَّحْوِيِّ: مَا تَقُولُ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي " الْحَمْدُ لِلَّهِ " أَجِنْسِيَّةٌ هِيَ أَمْ عَهْدِيَّةٌ؟ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي قَالُوا: إنَّهَا جِنْسِيَّةٌ. فَقُلْت لَهُ: الَّذِي أَقُولُ: إنَّهَا عَهْدِيَّةٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا عَلِمَ عَجْزَ خَلْقِهِ عَنْ كُنْهِ حَمْدِهِ حَمِدَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ فِي الْأَزَلِ نِيَابَةً عَنْ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدُوهُ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ بِذَلِكَ الْحَمْدِ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي أُشْهِدُك أَنَّهَا عَهْدِيَّةٌ وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا مُفْتَتَحُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ فَهِيَ الَّتِي تُنَاسِبُ قَوْلَهُ مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ. فَإِنْ قِيلَ: حَمْدُ الْعِبَادِ حَادِثٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ وَلَا يَجُوزُ قِيَامُ الْحَادِثِ بِالْقَدِيمِ فَمَا مَعْنَى حَمْدِ الْعِبَادِ لَهُ تَعَالَى؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ تَعَلُّقُ الْحَمْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعَلُّقِ الْقِيَامُ كَتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومِ وَقَوْلُهُ: حَمْدًا مَصْدَرٌ نَوْعِيٌّ وَمَعْنَى يُوَافِي يُلَاقِي أَيْ كُلَّمَا زَادَتْ نِعْمَةٌ لَاقَاهَا حَمْدٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْمَزِيدِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَعْنَاهُ يَفِي بِهَا وَيَقُومُ بِحَقِّهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِعَجْزِ الْمَخْلُوقِ عَنْ حَمْدٍ يَقُومُ بِحَقِّ الْخَالِقِ إلَّا إذَا جُعِلَتْ اللَّامُ لِلْعَهْدِ. وَالنِّعَمُ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَهِيَ الْمِنَّةُ وَالصَّنِيعَةُ وَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَتُطْلَقُ عَلَى الْإِنْعَامِ وَيَصِحُّ جَعْلُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمُنْعَمِ بِهِ وَبِمَعْنَى الْإِنْعَامِ قِيلَ: وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الصِّفَاتِ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى مُتَعَلِّقَاتِهَا وَأَمَّا النَّعْمَةُ بِالْفَتْحِ فَهِيَ التَّنَعُّمُ وَبِالضَّمِّ السُّرُورُ وَأَعْظَمُ النِّعَمِ الْهِدَايَةُ لِلْإِسْلَامِ وَمَعْنَى أَوْلَانَا أَعْطَانَا وَالْفَضْلُ الزِّيَادَةُ وَيُقَالُ عَلَى الْإِعْطَاءِ بِلَا سَبَبٍ وَلَا عِلَّةٍ وَالْكَرَمُ الْجُودُ وَيُطْلَقُ عَلَى كَرَمِ الْأَصْلِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْحَمْدَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعَمِ لِيَكُونَ شُكْرًا مُوجِبًا لِلْمَزِيدِ إذْ مِنْ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ إلْهَامُهُ لِتَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ تَكْمِيلِهِ ثُمَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَعَطَفَ الشُّكْرَ عَلَيْهِ تَنْبِيهًا عَلَى حُصُولِ التَّعْظِيمِ وَالثَّنَاءِ بِالْجَنَانِ وَالْأَرْكَانِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ بِاللِّسَانِ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَائِدَةٌ) : قَالَ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ السَّنُوسِيُّ حُكْمُ الْحَمْدِ الْوُجُوبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ كَالْحَجِّ وَكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى وَحُكْمُ الِابْتِدَاءِ بِهِ فِي أَوَّلِ الْمُصَنَّفَاتِ وَأَوَّلِ الْإِقْرَاءِ وَالْقِرَاءَةِ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ لِكُلِّ مُصَنِّفٍ وَدَارِسٍ وَمُدَرِّسٍ وَخَطِيبٍ وَخَاطِبٍ وَمُتَزَوِّجٍ وَمُزَوِّجٍ وَبَيْنَ يَدَيْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: قُلْت وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ الزِّيَادَةَ عَلَى الْحَمْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ) ش: لَمَّا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ وَشَكَرَهُ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ امْتِثَالٌ لِلْأَمْرِ وَإِلَّا فَلَيْسَ يُحْصِي الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَعَالَى أَحَدٌ وَأَصْلُ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا لَكَانَ فِيهِ مَعَ مُوَافَقَةِ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْتِفَاتٌ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ وَلِأَجْلِ السَّجْعِ فِي قَوْلِهِ رَمْسِهِ وَمَعْنَى لَا أُحْصِي: لَا أُطِيقُ أَنْ أُثْنِيَ عَلَيْك بِمَا تَسْتَحِقُّ أَنْ يُثْنَى عَلَيْك بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ لَا أُحْصِي نِعَمَك فَأُثْنِي

عَلَيْك بِهَا ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ اعْتِرَافًا بِالْعَجْزِ عَنْ الثَّنَاءِ تَفْصِيلًا وَرُدَّ ذَلِكَ إلَى الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ قَالَ الْأَبِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ وَصِفَاتِ جَلَالِهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَعُلُومَ الْبَشَرِ وَقُدَرَهُمْ مُتَنَاهِيَةٌ فَلَا يَتَعَلَّقَانِ بِمَا لَا يَتَنَاهَى وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ عِلْمُهُ تَعَالَى الَّذِي لَا يَتَنَاهَى وَتُحْصِيه قُدْرَتُهُ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: اُخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْفَاضِلِ مِنْ الْحَمْدِ فَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَقِيلَ: اللَّهُمَّ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ. قَالَ: وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَحْمَدَنَّ اللَّهَ بِأَفْضَلِ مَحَامِدِهِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ فَلْيَحْمَدْهُ بِجَمِيعِهَا وَزَادَ غَيْرُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَدَدَ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ مَا عَلِمْت مِنْهُمْ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ لَيَحْمِدَنَّ اللَّهَ بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ فَطَرِيقُهُ فِي الْبِرِّ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالُوا: وَلَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ فَطَرِيقُ الْبِرِّ أَنْ يَقُولَ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى وَصَوَّرَ أَبُو سَعِيدٍ التُّونِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ بِأَجَلِّ الثَّنَاءِ وَأَعْظَمِهِ وَزَادَ فِي أَوَّلِ الذِّكْرِ سُبْحَانَك. وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ قَالَ: «قَالَ: آدَم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَبِّ شَغَلْتَنِي بِكَسْبِ يَدَيَّ فَعَلِّمْنِي شَيْئًا فِيهِ مَجَامِعُ الْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَيْهِ يَا آدَم إذَا أَصْبَحْت فَقُلْ ثَلَاثًا وَإِذَا أَمْسَيْت فَقُلْ ثَلَاثًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ فَذَلِكَ مَجَامِعُ الْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ» وَقَوْلُهُ: يُكَافِئُ بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ أَيْ يُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ وَمَعْنَاهُ يَقُومُ بِشُكْرِ مَا زَادَ مِنْ النِّعَمِ. وَالْإِحْصَاءُ الْعَدُّ قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ. ص (وَأَسْأَلُهُ اللُّطْفَ وَالْإِعَانَةَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَحَالَ حُلُولِ الْإِنْسَانِ فِي رَمْسِهِ) ش: لَمَّا اعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ سَأَلَ مِنْ مَوْلَاهُ الْقَدِيرِ اللَّطِيفِ الْإِعَانَةَ وَاللُّطْفُ لُغَةً الرِّفْقُ وَعُرْفًا مَا يَقَعُ عِنْدَهُ صَلَاحُ الْعَبْدِ آخِرَةً بِأَنْ تَقَعَ مِنْهُ الطَّاعَةُ دُونَ الْمَعْصِيَةِ وَالْإِعَانَةُ وَالْمَعُونَةُ وَالْعَوْنُ الْمُسَاعَدَةُ وَالْأَحْوَالُ جَمْعُ حَالٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَالْحُلُولُ النُّزُولُ وَالْإِنْسَانُ وَاحِدُ الْأَنَاسِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَلَا تَقُلْ إنْسَانَةٌ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُهُ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْمَرْأَةُ إنْسَانٌ وَبِالْهَاءِ عَامِّيَّةٌ وَسُمِعَ فِي شِعْرٍ كَأَنَّهُ مُوَلَّدٌ لَقَدْ كَسَتْنِي فِي الْهَوَى ... مَلَابِسَ الصَّبِّ الْغَزَلْ إنْسَانَةٌ فَتَّانَةٌ ... بَدْرُ الدُّجَى مِنْهَا خَجَلْ إذَا زَنَتْ عَيْنِي بِهَا ... فَبِالدُّمُوعِ تَغْتَسِلْ وَالرَّمْسُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: رَمَسْت عَلَيْهِ الْخَبَرَ كَتَمْتُهُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْقَبْرِ وَعَلَى تُرَابِهِ وَخَصَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ فِيهَا إلَى مَزِيدِ اللُّطْفِ وَالْإِعَانَةِ إذْ هِيَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّحْلَةَ الْأُولَى صَعْبَةٌ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ الْحَالُ هُنَا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَأَنْ يُثَبِّتَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَأَسْنَدَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ لَا أُحْصِي إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ وَقَوْلَهُ وَنَسْأَلُهُ إلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ كَأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ أَيْضًا مَقَامُ اسْتِغْرَاقٍ وَنَفْيِ الْكَثْرَةِ وَالثَّانِي دُعَاءٌ وَالْمَطْلُوبُ فِيهِ مُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ قَالَ الرَّازِيّ إنَّ الدُّعَاءَ مَهْمَا كَانَ أَعَمَّ كَانَ إلَى الْإِجَابَةِ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الْمَبْعُوثِ لِسَائِرِ الْأُمَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ أَفْضَلِ الْأُمَمِ) ش: أَتْبَعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَدَاءً لِبَعْضِ مَا يَجِبُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعِبَادِ وَجَمِيعُ النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ إلَيْهِمْ الَّتِي أَعْظَمُهَا الْهِدَايَةُ لِلْإِسْلَامِ، إنَّمَا هِيَ بِبَرَكَتِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُذْكَرُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ فَيُبْدَأُ بِهِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَقْطَعُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ» أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَالْخَلِيلِيُّ وَالرَّهَاوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ فِي فَوَائِدِ ابْنِ مَنْدَهْ بِلَفْظِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْتَدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَقْطَعُ أَكْتَعُ» انْتَهَى. (قُلْتُ) وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَاغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ الْوَارِدِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ» ذَكَرَهُ فِي الشِّفَاءِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْإِحْيَاءِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ وَالْمُسْتَغْفِرِي فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كُتُبُ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَظْهَرُ أَوْ قِرَاءَةُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَهُوَ أَوْسَعُ وَأَرْجَى انْتَهَى وَسَمِعْت بَعْضَ مَشَايِخِي يَذْكُرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ الْمَذْكُورِ التَّلَفُّظُ بِالصَّلَاةِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْخَزْرَجِيِّ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَلْيُحَافِظْ الطَّالِبُ عَلَى كِتَابَةِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا كَتَبَهُ بِدُونِ رَمْزٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْكَسَالَى وَلَا يَسْأَمُ مِنْ تَكْرَارِهِ سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ أَمْ لَا، وَمَنْ أَغْفَلَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ حُرِمَ أَجْرًا عَظِيمًا وَيُرْوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ» وَيُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا مَعَ ذَلِكَ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ كِتَابَتِهَا وَأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا أَمْرٌ آخَرُ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالصَّلَاةُ اسْمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ بَلْ يُقَالُ: صَلَّيْت صَلَاةً، وَلَا يُقَالُ: تَصْلِيَةً كَمَا هُوَ قِيَاسُ مَصْدَرِهِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْلُ الصَّلَاةِ التَّرَحُّمُ فَهِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ رِقَّةٌ وَاسْتِدْعَاءٌ لِلرَّحْمَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقُشَيْرِيُّ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ لِمَنْ دُونَ النَّبِيِّ رَحْمَةٌ وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الِاعْتِنَاءُ بِشَأْنِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُ وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْغَزَالِيُّ وَصَلَاةُ الْعِبَادِ الْمَأْمُورِ بِهَا الدُّعَاءُ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ خَصَّ الْأَنْبِيَاءَ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُمْ فَعَلَى قَوْلِ الْمُبَرِّدِ تَكُونُ الصَّلَاةُ مُرَادِفَةً لِلرَّحْمَةِ وَقَدْ بَحَثَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّرَادُفَ يَقْتَضِي جَوَازَ الدُّعَاءِ لِلنَّبِيِّ بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشَهُّدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَ الْمُبَرِّدِ بَيَانُ أَصْلِ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الرَّحْمَةِ، كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ تَفْسِيرُ الْقُشَيْرِيِّ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالتَّعْظِيمِ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ وَالسَّلَامُ التَّحِيَّةُ وَفِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْهِ أَوْجُهٌ إمَّا بِمَعْنَى السَّلَامَةِ لَك وَمَعَك أَوْ السَّلَامُ مَئُولٌ لَك فَيَكُونُ اسْمًا لَهُ تَعَالَى أَوْ بِمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَالِانْقِيَادِ لِأَمْرِهِ وَالصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهَا الدُّعَاءُ وَالطَّلَبُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهَلْ يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْضَارِ نِيَّةِ الطَّلَبِ وَإِخْرَاجِ الْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَةِ الْخَبَرِ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَارَ كَالْمَنْقُولِ فِي الْعُرْفِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ. (فَائِدَةٌ) حَذَّرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ التَّصْلِيَةِ بَدَلَ الصَّلَاةِ

مسألة والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم فرضان

وَقَالَ: إنَّهُ مُوقِعٌ فِي الْكُفْرِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ؛ لِأَنَّ التَّصْلِيَةَ الْإِحْرَاقُ وَقَالَ: إنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ النَّسَائِيّ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَابْنِ الْمُقْرِي فِي الْإِرْشَادِ التَّعْبِيرُ بِهَا قَالَ: وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ عَلَاءُ الدِّينِ الْكِنَانِيُّ الْمَالِكِيُّ هَلْ يُقَالُ فِي الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ تَصْلِيَةٌ أَوْ صَلَاةٌ؟ فَقَالَ: لَمْ تَفُهْ الْعَرَبُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِهَا بِأَنْ تَقُولَ إذَا أُرِيدَ الدُّعَاءُ أَوْ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ أَوْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى تَصْلِيَةً وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: صَلَّى صَلَاةً، وَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُصِيبٍ وَلَمْ يَظْفَرْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ بِأَدْنَى نَصِيبٍ وَحِينَئِذٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَمَدُ مَا لَدَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ نِفْطَوَيْهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَيُخَافُ الْكُفْرُ عَلَى مَنْ أَصَرَّ عَلَى إقَامَةِ التَّصْلِيَةِ مُقَامَ الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ انْتَهَى. وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضَانِ] (مَسْأَلَةٌ) وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضَانِ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ قَالَ فِي الشِّفَاءِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ بُكَيْرٍ: افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ مِنْهَا وَلَا يَغْفُلَ عَنْهَا وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الرَّصَّاعُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ وَاجِبٌ مِثْلُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَالزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ اسْتِحْبَابُهُ مُتَأَكِّدٌ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ فَرِيضَةٌ مِنْ اللَّهِ عَلَيْنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّنَا وَنُسَلِّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا وَمَا نُقِلَ عَنْ شُيُوخِنَا الْمَغَارِبَةِ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي الْوُجُوبِ فِي السَّلَامِ فَلَا أَصْلَ لَهُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الشَّوْقِ وَالْمَحَبَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ دُخُولِ الْبُيُوتِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي قَبْلَ السَّلَامِ وَعِنْدَ زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. قُلْت وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ بُكَيْرٍ نَصٌّ فِي أَنَّ السَّلَامَ فَرْضٌ كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ] (فَرْعٌ) وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاطِنَ: مِنْهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَبْلَ الدُّعَاءِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْبُيُوتِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ وَعِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ أَوْ اسْمِهِ وَكِتَابَتِهِ وَعِنْدَ الْأَذَانِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَفِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ قَالَ فِي الشِّفَاءِ: وَمِنْ مَوَاطِنِهَا الَّتِي مَضَى عَلَيْهَا عَمَلُ الْأُمَّةِ وَلَمْ تُنْكِرْهَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّسَائِلِ وَمَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَأُحْدِثَ عِنْدَ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ فَمَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتِمُ بِهِ الْكِتَابَ أَيْضًا قَالَ وَرَوَى النَّسَائِيُّ الْأَمْرَ بِالْإِكْثَارِ مِنْهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ، وَمِنْ مَوَاطِنِ السَّلَامِ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ السَّلَامِ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الرَّصَّاعُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى تُحْفَةَ الْأَخْيَارِ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ مِنْ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ فِيهَا طَلَبُ الصَّلَاةِ إذَا طَنَّتْ الْأُذُنُ وَعِنْدَ الْعُطَاسِ وَعِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَفِي الصَّبَاحِ وَفِي الْمَسَاءِ وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ. [فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ عِنْد الذَّبْح وَعِنْد الْعُطَاس وَالْجِمَاع وَغَيْر ذَلِكَ] (فَرْعٌ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُكْرَهُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ الْعُطَاسِ وَالْجِمَاعِ وَالْعَثْرَةِ وَالتَّعَجُّبِ وَشُهْرَةِ الْمَبِيعِ وَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ إلَّا شُهْرَةَ الْمَبِيعِ وَذَكَرَ بَدَلَهُ عِنْدَ الْأَكْلِ وَأَصْلُ مَسْأَلَةِ الذَّبْحِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا وَلَيْسَ بِمَوْضِعِ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ يَقُولُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: ذَلِكَ مَوْضِعٌ لَا يُذْكَرُ فِيهِ

مسألة إفراد الصلاة على النبي عن السلام وعكسه

إلَّا اسْمُ اللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ أَصْبَغُ: عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَوْطِنَيْنِ لَا يُذْكَرُ فِيهِمَا إلَّا اسْمُ اللَّهِ وَحْدَهُ الذَّبِيحَةُ وَالْعُطَاسُ لَا يَقُلْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ بَعْدَهُمَا: صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ بِتَسْمِيَةٍ لَهُ مَعَ اسْمِهِ سُبْحَانَهُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَقِيلَ لَا يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: عِنْدَ الذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ وَالْجِمَاعِ وَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ كَرِهَ سَحْنُونُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ التَّعَجُّبِ وَقَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا فِي مَوْضِعِ احْتِسَابٍ أَوْ رَجَاءَ ثَوَابٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشِّفَاءِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ أَشْهَبَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الذَّبِيحَةِ وَالْعُطَاسِ: قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ اسْتِنَانًا وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْجَامِعِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَرَى الشَّيْءَ فَيُعْجِبُهُ أَوْ يَعْطِسُ فَيَحْمَدَ اللَّهَ أَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا أَنَا آمُرُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي إذًا لَأَقُولُ لَهُ: لَا تَذْكُرْ اللَّهَ، قَالَ: إنَّهُ يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ قَالَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ؛ كَأَنَّهُ لَا يَرَى ذَلِكَ الْحَدِيثَ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ لِحَقِّهِ وَالرَّغْبَةِ فِي الثَّوَابِ عِنْدَ ذِكْرِهِ أَوْ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ مُرَغَّبٍ فِيهَا مَنْدُوبٍ إلَيْهَا وَأَمَّا عِنْدَ التَّعَجُّبِ فَالشَّيْءُ لِلتَّعَجُّبِ دُونَ الْقَصْدِ إلَى احْتِسَابِ الثَّوَابِ مَكْرُوهٌ قَالَهُ سَحْنُونُ فِي رَسْمِ نَذْرٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُحَارَبِينَ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مَعَ الْحَمْدِ عِنْدَ الْعُطَاسِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْقُرْبَةَ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُذْكَرُ سُنَّةً فِي أَمْرِ الْعُطَاسِ بِالْحَمْدِ فَصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى مَا سَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَلَمَّا احْتَمَلَتْ صَلَاتُهُ هَذَا الْوَجْهَ تَوَقَّفَ فِي أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ يُكْرَهُ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ قَوْلَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الرَّصَّاعُ: لَمَّا ذَكَرَ شُهْرَةَ الْبَيْعِ وَيَلْحَقُ هَذَا عِنْدِي مَا يَصْدُرُ مِنْ الْعَامَّةِ فِي الْأَعْرَاسِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ يُشْهِرُونَ أَفْعَالَهُمْ لِلنَّظَرِ إلَيْهَا بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ زِيَادَةِ عَدَمِ الْوَقَارِ وَالِاحْتِرَامِ بَلْ بِضَحِكٍ وَبِلَعِبٍ انْتَهَى. (قُلْت) بَلْ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ بِلَفْظٍ مُحَرَّفٍ إنْ قَصَدُوهُ كَفَرُوا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَكْسِرُونَ السِّينَ مِنْ السَّلَامِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ: الْأَمَاكِنُ الْقَذِرَةُ وَأَمَاكِنُ النَّجَاسَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ عَنْ السَّلَامِ وَعَكْسُهُ] (مَسْأَلَةٌ) شَاعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةُ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ وَعَكْسُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ النَّوَوِيُّ قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْقَوْلِ الْبَدِيعِ: وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ حَجَرٍ فِي إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ يُكْرَهُ أَنْ يُفْرِدَ الصَّلَاةَ وَلَا يُسَلِّمَ أَصْلًا أَمَّا لَوْ صَلَّى فِي وَقْتٍ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا انْتَهَى. قَالَ: وَيَتَأَيَّدُ بِمَا فِي خُطْبَةِ مُسْلِمٍ وَالتَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُصَنَّفَاتِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَقَالَ قَبْلَهُ: اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ إفْرَادَ الصَّلَاةِ عَنْ التَّسْلِيمِ لَا يُكْرَهُ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ التَّسْلِيمِ تَقَدَّمَ قَبْلَ تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْخَاتِمَةِ مَقَامَاتٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى كَلَامٍ إلَّا مَا رَأَيْتُهُ فِي آخِرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْزُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ كَرِهَ جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ إفْرَادَ الصَّلَاةِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَعَكْسَهُ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَعَكْسُهُ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِرَدِّ كُتُبِ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا لَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ السَّخَاوِيُّ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ تَعَمَّدَ صَاحِبُهَا تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ وَقَعَ ذِكْرُهُ فَنَقَّصَ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ ثَمَنِهَا وَبَاعَهَا بِبَخْسٍ وَلَمْ يَرْفَعْ اللَّهُ

فائدة قال اللهم صل على محمد عدد كذا هل يثاب بعدد من صلى بتلك الأعداد

لِنَاسِخِهَا عِلْمًا بَعْدَ وَفَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ. (تَنْبِيهٌ) أَغْرَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ فَقَالَ: الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» لَيْسَتْ لِمَنْ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هِيَ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ بِمَا قَصَصْنَاهُ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ فِي الْخَاتِمَةِ مَقَامَاتٍ كَثِيرَةً تَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ فِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ كَذَا هَلْ يُثَابُ بِعَدَدِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الْأَعْدَادِ] قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ كَذَا هَلْ يُثَابُ بِعَدَدِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الْأَعْدَادِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْأَبِيُّ: اُنْظُرْ لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ كَذَا هَلْ يُثَابُ بِعَدَدِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الْأَعْدَادِ كَانَ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ: يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ مَنْ صَلَّى وَاحِدَةً لَا ثَوَابِ مَنْ صَلَّى تِلْكَ الْأَعْدَادَ وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَهُ مَزِيَّةٌ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ انْتَهَى. وَالسَّيِّدُ الْكَامِلُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ بِإِطْلَاقٍ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ سَائِغٌ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَذَكَرَ الدَّمَامِينِيّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ عَنْ ابْنِ الْمُنِيرِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ، وَامْتِنَاعُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ وَامْتِنَاعُ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ النَّحَّاسِ رَابِعًا وَهُوَ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يُعَرَّفَ بِأَلْ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ الْمَنْعِ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّهُ كَرِهَ الدُّعَاءَ بِيَا سَيِّدِي وَيَا مَنَّانُ وَلَعَلَّهُ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْمَنْعِ وَلَمْ يُصَرِّحْ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمَنْعِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهَا: وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِيَا مَنَّانُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمَةِ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] وَالْخِلَافُ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالَّةِ عَلَى الصِّفَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ إلَّا مَا وَرَدَ الْإِذْنُ فِيهِ أَمْ لَا. وَمُلَخَّصُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَرِدَ بِهِ الشَّرْعُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى صِفَةِ كَمَالٍ فَإِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَمُولِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: كَقَدِيمٍ وَوَاجِبِ الْوُجُودِ، وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ بِكُلِّ اسْمٍ صَحَّ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَمْنَعْ الشَّرْعُ وَلَا الْإِجْمَاعُ مِنْهُ وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَصْفِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّسْمِيَةِ فَالْأَسْمَاءُ عِنْدَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ وَالْأَوْصَافُ لَا نِهَايَةَ لَهَا. قَالَ الْقَمُولِيُّ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إطْلَاقِ اسْمٍ عَلَيْهِ تَعَالَى بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَمَنَعَهُ قَوْمٌ؛ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِذَلِكَ وَإِذَا أَرَادَ الْعَجَمِيُّ الدُّعَاءَ سَمَّى اللَّهَ بِاسْمِهِ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، ثُمَّ يَذْكُرُ حَاجَتَهُ بِلُغَتِهِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى الْجَوَازِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: قَدْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي الْإِطْلَاقِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا فِي قَوْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: 155] فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ مُوهِمًا شَيْئًا فَأَطْلَقَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَاطَبَ اللَّهُ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ فِي وَقْتِنَا هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيهَامِ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ لَفْظِ الْمَوْلَى وَالسَّيِّدِ يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ وَالْمُسْتَنَدُ قَوْلُهُ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وَقَدْ طَلَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَأْدِيبَ مَنْ قَالَ: لَا يَقُولُهَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قَالَهَا بِطَلَبٍ فَتَغَيَّبَ حَتَّى شَفَعَ فِيهِ قَالَ: وَكَأَنَّهُ رَأَى تَغَيُّبَهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ عُقُوبَتَهُ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ

عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَقُولَهَا يَعْنِي لَفْظَةَ السَّيِّدِ أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ غَايَةُ الْجَهْلِ، قَالَ: وَاخْتَارَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْمَجْدُ اللُّغَوِيُّ صَاحِبُ الْقَامُوسِ تَرْكَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَالْإِتْيَانَ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَوْلِ الْبَدِيعِ كَلَامَهُ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ مُفْلِحٍ الْحَنْبَلِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ وَذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ هَلْ الْأَوْلَى امْتِثَالُ الْأَمْرِ أَوْ سُلُوكُ الْأَدَبِ؟ (قُلْت) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي وَأَفْعَلُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ السَّيِّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَاعَفِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً مَنْ كَثُرَتْ مَحَامِدُهُ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ مَحْمُودٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الثُّلَاثِيِّ أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْمِيَتَهُ بِذَلِكَ لِيُطَابِقَ اسْمُهُ صِفَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُودٌ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقِيلَ لِجَدِّهِ لَمَّا سَمَّاهُ بِذَلِكَ: لِمَ عَدَلْت عَنْ أَسْمَاءِ آبَائِك؟ فَقَالَ: لِيَكُونَ مَحْمُودًا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَكَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَلُّ مَنْ حَمِدَ وَأَفْضَلُ مَنْ حُمِدَ الْأَوَّلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالثَّانِي بِضَمِّهَا وَهُوَ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ وَأَحْمَدُ الْمَحْمُودِينَ وَمَعَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَيَبْعَثُهُ رَبُّهُ هُنَاكَ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بِمَحَامِدَ لَمْ يَفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ وَأُمَّتُهُ الْحَامِدُونَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ أُمَّتِهِ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحَمْدِ، وَكَذَلِكَ خُطَبُهُ وَخُطَبُهُمْ وَمَصَاحِفُهُمْ. وَالْعَرَبُ بِفَتْحِ الْعِينِ وَالرَّاءِ وَبِضَمِّ الْعِينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: جِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَالْأَعْرَابُ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ، وَالْعَجَمُ بِفَتْحِ الْعِينِ وَالْجِيمِ وَبِضَمِّ الْعِينِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهُمْ خِلَافُ الْعَرَبِ وَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِفَتْحِ أَحَدِهِمَا وَبِضَمِّ الْآخَرِ وَالْأَفْصَحُ أَنْ يُفْتَحَا مَعًا أَوْ يُضَمَّا مَعًا وَالْمَبْعُوثُ الْمُرْسَلُ وَسَائِرُ الْأُمَمِ جَمِيعُهُمْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: سَائِرُ النَّاسِ جَمِيعُهُمْ. وَأَنْكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ وَقَالَ: السَّائِرُ الْبَاقِي وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سُمِعَ أَيْضًا فِي الْجَمِيعِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ السَّائِرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْبَاقِي أَيْ بَقِيَّةٌ وَالْأُمَمُ جَمْعٌ أُمَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ يُطْلَقُ عَلَى ثَمَانِيَةِ مَعَانٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ حَتَّى مِنْ غَيْرِ النَّاطِقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أُمَّةً مِنَ النَّاسِ} [القصص: 23] . وقَوْله تَعَالَى {إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] وَعَلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ كَمَا يَقُولُ: نَحْنُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الرَّجُلِ الْجَامِعِ لِلْخَيْرِ كَقَوْلِهِ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120] وَعَلَى الدِّينِ وَالْمِلَّةِ كَقَوْلِهِ {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] وَعَلَى الْحِينِ وَالزَّمَانِ كَقَوْلِهِ {إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} [هود: 8] وَقَوْلِهِ {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] وَعَلَى الْقَامَةِ يُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الْأُمَّةِ أَيْ الْقَامَةِ وَعَلَى الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ بِدِينِهِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُبْعَثُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أُمَّةً» وَعَلَى الْأُمِّ يُقَالُ: هَذِهِ أُمَّةُ زَيْدٍ، أَيْ أُمُّهُ قَالَ الْأَبِيُّ: وَإِذَا أُضِيفَتْ الْأُمَّةُ لِلنَّبِيِّ فَتَارَةً يُرَادُ بِهَا أَتْبَاعُهُ كَحَدِيثِ «شَفَاعَتِي لِأُمَّتِي» وَتَارَةً يُرَادُ بِهَا عُمُومُ أَهْلِ دَعْوَتِهِ كَحَدِيثِ «لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأُمَمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِسَائِرِ الْأُمَمِ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ وَفِي قَوْلِهِ: وَأُمَّتُهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ بِمَعْنَى الْأَتْبَاعِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ فِي كَلَامِهِ تَوَافُقُ الْفَاصِلَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَهُوَ مَعِيبٌ فِي السَّجْعِ كَالْإِيطَاءِ فِي النَّظْمِ وَهُوَ تَكْرَارُ الْقَافِيَةِ بَلْ فِي كَلَامِهِ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ الْجِنَاسُ التَّامُّ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْأُمَّةِ فِي الثَّانِي الدِّينُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَهْلُ دِينِهِ أَفْضَلَ الْأَدْيَانِ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، وَالْإِمَّةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ النِّعْمَةُ وَتُطْلَقُ عَلَى الدِّينِ وَالطَّرِيقَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِ بَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جَمِيعِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْتُ إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» . وَقِيلَ: الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَقِيلَ: الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَاخْتُلِفَ فِي بَعْثَتِهِ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ بَعْثَتِهِ إلَيْهِمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَلِيمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ بَلْ حَكَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبُرْهَانُ

النَّسَفِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إلَيْهِمْ وَمَا حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ وَتَبِعَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ مِنْ أَنَّهُ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بَعْثَتِهِ إلَيْهِمْ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْ الرَّازِيِّ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْقَوْلُ بِبَعْثَتِهِ إلَيْهِمْ إنَّمَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: قَالَ السُّبْكِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ كُلُّهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] : الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمَلَائِكَةُ وَآلُ الرَّجُلِ أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَتْبَاعِ أَيْضًا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَلَا يُضَافُ إلَّا لِمَنْ لَهُ شَرَفٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ الذُّكُورِ فَلَا يُقَالُ: آلُ الْإِسْكَافِيِّ وَلَا آلُ مَكَّةَ وَلَا آلُ فَاطِمَةَ. وَعَنْ الْأَخْفَشِ أَنَّهُمْ قَالُوا: آلُ الْبَصْرَةِ وَآلُ الْمَدِينَةِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ إضَافَتِهِ إلَى الضَّمِيرِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنَعَ ذَلِكَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيبِ ... وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلُك وَاخْتُلِفَ فِي أَصْلِهِ فَقِيلَ: أَهْلٌ، فَأُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ أَلِفًا وَقِيلَ: أَصْلُهُ أَوَّلُ قُلِبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلِهَا وَآلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: بَنُو الْمُطَّلِبِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الزَّكَاةِ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: جَمِيعُ أُمَّتِهِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَمَالَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ تَهْذِيبِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشَهُّدِ: وَأَعْرِفُ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كُلُّ مَنْ تَبِعَ دِينَهُ كَمَا أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ كُلُّ مَنْ تَبِعَهُ وَقِيلَ: أَتْقِيَاءُ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْأَصْحَابُ جَمْعُ صَاحِبٍ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ بِيَاءِ النَّسَبِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ فِي الْعُرْفِ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابِيُّ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ وَلَمْ يَطُلْ اجْتِمَاعُهُ بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَسَوَاءٌ جَالَسَهُ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَسَائِرِ الْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّهُ تُشْتَرَطُ مُجَالَسَتُهُ وَهَذَا مُقْتَضَى الْعُرْفِ وَالْأَوَّلُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ لَا يُعَدُّ صَحَابِيًّا إلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُعَدَّ جَرِيرٌ الْبَجَلِيُّ وَشِبْهُهُ صَحَابَةً وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ صَحَابَةٌ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّابِعِيِّ وَهُوَ صَاحِبُ الصَّحَابِيِّ فَلَا يَكْفِي فِي إطْلَاقِ التَّابِعِيِّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعُهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ طُولٍ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلِ يَكْفِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاجْتِمَاعَ بِالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَحْظَةٍ يُؤَثِّرُ فِي تَنْوِيرِ الْقَلْبِ مَا لَا يُؤَثِّرُهُ الِاجْتِمَاعُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ طَالَ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِنَا: اجْتَمَعَ الْأَعْمَى، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِمَنْ لَقِيَ لِيَدْخُلَ مَنْ حَنَّكَهُ أَوْ مَنْ مَسَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصِّبْيَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَلَا يَدْخُلُ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ اجْتَمَعَ بِهِمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمَلَائِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الِاجْتِمَاعُ الْمُتَعَارَفُ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جِنُّ نَصِيبِينَ وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ وَهُوَ مَحِلُّ نَظَرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ التَّعْرِيفِ مَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ الشَّيْخُ حُلُولُو: وَنَظَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِهِ صَحَابِيًّا وَلَا يَبْطُلُ التَّعْرِيفُ بِمَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ بِهِ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ كَانَ يُسَمَّى صَحَابِيًّا وَأَمَّا مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ صَحَابِيٌّ. وَالْأَزْوَاجُ جَمْعُ زَوْجٍ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَيُقَالُ فِي الْأُنْثَى زَوْجَةٌ أَيْضًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ: وَذُرِّيَّتِهِ، وَالذُّرِّيَّةُ: النَّسْلُ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: هُوَ نَسْلُ الثَّقَلَيْنِ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ أَيْ خَلَقَهُمْ لَكِنْ تَرَكَتْ الْعَرَبُ هَمْزَتَهَا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْآبَاءِ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ يَعْنِي نُوحًا، وَمَنْ مَعَهُ وَتُثَلَّثُ ذَالُهَا وَقُرِئَ بِذَلِكَ وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالضَّمِّ ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَالْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ تَجُوزُ عَلَى التَّبَعِيَّةِ. قَالَ فِي الشِّفَاءِ:

تنبيه حكم الخطبة التي ليس فيها شهادة

عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ سِوَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ مَذْهَبِهِ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَمِيلُ إلَيْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا يَخْتَصُّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّنْزِيهِ وَيُذْكَرُ مَنْ سِوَاهُمْ بِالْغُفْرَانِ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] وَقَالَ {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] وَأَيْضًا فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ الرَّافِضَةُ وَالْمُتَشَيِّعَةُ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَشَارَكُوهُمْ عِنْدَ الذِّكْرِ لَهُمْ بِالصَّلَاةِ وَسَاوَوْهُمْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ وَذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُكْمِ التَّبَعِ وَالْإِضَافَةِ إلَيْهِ لَا عَلَى التَّخْصِيصِ قَالُوا: وَصَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَجْرَاهَا مَجْرَى الدُّعَاءِ وَالرَّحْمَةِ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لَهُ مُخَالِفًا لِدُعَاءِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَبِي مُظَفَّرٍ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ شُيُوخِنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ حُكْم الْخُطْبَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ] (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي خُطْبَتِهِ الشَّهَادَةَ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ ص (وَبَعْدُ فَقَدْ سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ أَبَانَ اللَّهُ لِي وَلَهُمْ مَعَالِمَ التَّحْقِيقِ وَسَلَكَ بِنَا وَبِهِمْ أَنْفَعَ طَرِيقٍ) ش: بَعْدُ ظَرْفُ مَكَان مَقْطُوعٍ عَنْ الْإِضَافَةِ لَفْظًا لَا مَعْنًى وَلِذَلِكَ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّقْدِيرُ وَبَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الْخُطَبِ وَالْكَلَامِ الْفَصِيحِ لِقَطْعِ مَا قَبْلَهَا عَمَّا بَعْدَهَا، قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عَقَدَ لَهَا الْبُخَارِيُّ بَابًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَتُسْتَعْمَلُ مَقْرُونَةً بِأَمَّا وَالْوَاوِ وَمَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَدُخُولُ الْفَاءِ بَعْدَهَا مَعَ أَمَّا وَاضِحٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ أَمَّا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا فَتَدْخُلُ عَلَى تَوَهُّمِ وُجُودِ أَمَّا وَتَكُونُ الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةً أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَمَّا مَحْذُوفَةٍ وَالْوَاوُ عِوَضٌ مِنْهَا أَوْ دُونَ تَعْوِيضٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَامِلُ فِي " بَعْدُ " الْفِعْلُ الْمُقَدَّرُ إذْ التَّقْدِيرُ وَبَعْدَ كَذَا وَكَذَا، فَأَقُولُ: وَعَلَى الثَّانِي فَالْعَامِلُ فِي " بَعْدُ " أَمَّا الْمَحْذُوفَةُ لِنِيَابَتِهَا عَنْ فِعْلِ الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ إذْ التَّقْدِيرُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ فَقَدْ سَأَلَنِي إلَى آخِرِهِ وَالْعَامِلُ فِي " بَعْدُ " الْفِعْلُ الْمُقَدَّرُ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ نَطَقَ بِأَمَّا بَعْدُ فَقِيلَ: دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّهَا فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ، وَقِيلَ: قَسُّ بْنُ سَاعِدَةَ وَقِيلَ: كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَقِيلَ: يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَقِيلَ: سَحْبَانُ وَائِلٍ وَأَبَانَ أَوْضَحَ وَالْمَعَالِمُ جَمْعُ مَعْلَمٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَأَصْلُهُ الْأَثَرُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ وَاسْتَعَارَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ. وَالتَّحْقِيقُ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِمَعَالِمِهِ الْأَدِلَّةُ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا إلَيْهِ وَالْمَعْرُوفُ فِي " سَلَكَ " أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، قَالَ تَعَالَى {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} [الحجر: 12] وَقَالَ {مَا سَلَكَكُمْ} [المدثر: 42] وَعَدَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِالْبَاءِ كَأَنَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى دَخَلَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَنْفَعُ طَرِيقٍ هِيَ الطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: " بِنَا " لِلشَّيْخِ، وَمَنْ سَأَلَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " بِنَا وَبِهِمْ " فَالضَّمِيرُ لِلْمُصَنِّفِ فَقَطْ. ص (مُخْتَصَرًا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ

ترجمة الإمام مالك

مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى) ش: مُخْتَصَرًا صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ تَأْلِيفُ كِتَابٍ مُخْتَصَرٍ وَالِاخْتِصَارُ ضَمُّ بَعْضِ الشَّيْءِ إلَى بَعْضٍ لِلْإِيجَازِ وَهُوَ إيرَادُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِأَلْفَاظٍ قَلِيلَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْنَى الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ الْإسْفَرايِينِيّ: حَقِيقَةُ الِاخْتِصَارِ ضَمُّ بَعْضِ الشَّيْءِ إلَى بَعْضٍ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رَدُّ الْكَثِيرِ إلَى الْقَلِيلِ وَفِي الْقَلِيلِ مَعْنَى الْكَثِيرِ، قَالَ: وَقِيلَ: هُوَ إيجَازُ اللَّفْظِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْنَى وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ هَذَا الثَّانِي وَذَكَرَهُمَا جَمِيعًا الْمَحَامِلِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ مَا دَلَّ قَلِيلُهُ عَلَى كَثِيرِهِ يُسَمَّى اخْتِصَارًا لِاجْتِمَاعِهِ وَدِقَّتِهِ كَمَا سُمِّيَتْ الْمِخْصَرَةُ مِخْصَرَةً لِاجْتِمَاعِ السُّيُورِ وَخَصْرُ الْإِنْسَانِ لِاجْتِمَاعِهِ وَدِقَّتِهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ وَالْمَذْهَبُ لُغَةً الطَّرِيقُ وَمَكَانُ الذَّهَابِ ثُمَّ صَارَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَيُطْلَقُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ عَلَى مَا بِهِ الْفَتْوَى مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الشَّيْءِ عَلَى جُزْئِهِ الْأَهَمِّ نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الْفَقِيهِ الْمُقَلِّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة الْإِمَام مالك] وَمَالِكٌ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ نِسْبَةً إلَى ذِي أَصْبَحَ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ وَهُوَ مِنْ الْعَرَبِ حِلْفُهُ فِي قُرَيْشٍ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ فَهُوَ مَوْلَى حِلْفٍ لَا مَوْلَى عَتَاقَةٍ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ إِسْحَاقَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَعَالِمُ الْمَدِينَةِ وَأَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ وَهُوَ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ عَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ قِيلَ فِيهَا: إنَّهَا صَحَابِيَّةٌ وَالصَّحِيحُ فِيهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ صَحَابِيَّةً؛ لِأَنَّ الْكَلَابَاذِيَّ ذَكَرَهَا فِي التَّابِعِيَّاتِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الصَّحَابِيَّاتِ قَالَهُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَجَدُّهُ أَبُو عَامِرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ حَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَغَازِيَهُ كُلَّهَا إلَّا بَدْرًا جَدُّهُ مَالِكٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا عُثْمَانَ إلَى قَبْرِهِ وَغَسَّلُوهُ وَدَفَنُوهُ لَيْلًا وَأَبُوهُ أَنَسٌ. كَانَ فَقِيهًا وَفَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ دُوِّنَتْ بِهَا الدَّوَاوِينُ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَفْظِ «يُوشَكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» وَذُكِرَ فِي الْمَدَارِكِ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَفِي رِوَايَةٍ آبَاطَ الْإِبِلِ مَكَانَ أَكْبَادِ الْإِبِلِ وَفِي رِوَايَةٍ أَفْقَهَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عَالِمٍ بِالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَنْقَضِي السَّاعَةُ حَتَّى يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ إلَى عَالِمِ الْمَدِينَةِ يَطْلُبُونَ عِلْمَهُ» . وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الْأَئِمَّةُ عَلَى مَالِكٍ حَتَّى إذَا قِيلَ: هَذَا قَوْلُ عَالِمِ الْمَدِينَةِ، عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ وَقَالَ سُفْيَانُ: كَانُوا يَرَوْنَهُ مَالِكًا، قَالَ ابْنُ فَهْدٍ: يَعْنِي سُفْيَانُ بِقَوْلِهِ: كَانُوا يَرَوْنَهُ التَّابِعِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا جَاءَ الْأَثَرُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَقَالَ أَيْضًا: إذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَمَا أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ فِي دِينِ اللَّهِ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَقَالَ مَالِكٌ أُسْتَاذِي وَعَنْهُ أَخَذْنَا الْعِلْمَ وَمَا أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ مِنْ مَالِكٍ وَجَعَلْت مَالِكًا حُجَّةً بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ آمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَالِكٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قُلْت لِأَبِي: مَنْ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَثْبَتُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَالِكٌ أَتْبَعُ مِنْ سُفْيَانَ وَسُئِلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ إذَا

اخْتَلَفَا أَيُّهُمَا أَفْقَهُ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَكْبَرُ فِي قَلْبِي. قِيلَ لَهُ: فَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ الْأَئِمَّةِ. قِيلَ: فَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ؟ قَالَ: مَالِكٌ، قِيلَ: فَمَالِكٌ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ؟ قَالَ: مَالِكٌ، قِيلَ: فَمَالِكٌ وَالنَّخَعِيُّ؟ قَالَ: ضَعْهُ مَعَ أَهْلِ زَمَانِهِ مَالِكٌ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَمَنْ مِثْلُ مَالِكٍ؟ . وَقِيلَ لَهُ: الرَّجُلُ يُرِيدُ يَحْفَظُ الْحَدِيثَ حَدِيثَ مَنْ تَرَى يَحْفَظُ؟ قَالَ حَدِيثَ مَالِكٍ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِمَكَانٍ. قَالَ: وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مَنْ أَعْلَمُ أَمَالِكٌ أَوْ أَبُو حَنِيفَةَ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَعْلَمُ مِنْ أُسْتَاذِي أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ آمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَالِكٍ وَلَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِثْلَهُ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي أَوَّلِ التَّمْهِيدِ عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ: سُئِلَ مَنْ أَعْلَمُ مَالِكٌ أَوْ أَبُو حَنِيفَةَ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَعْلَمُ مِنْ أُسْتَاذِي أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ انْتَهَى وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ: قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إمَامُ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي السُّنَّةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ إمَامٌ فِي السُّنَّةِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الْحَدِيثِ وَمَالِكٌ إمَامٌ فِيهِمَا جَمِيعًا وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فَقَالَ: السُّنَّةُ هُنَا ضِدُّ الْبِدْعَةِ فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَكُونُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ انْتَهَى وَفِي الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ الْحَدِيثَ وَيَنْظُرَ فِي الْفِقْهِ حَدِيثَ مَنْ يَكْتُبُ وَفِي رَأْيٍ مَنْ يَنْظُرُ؟ قَالَ حَدِيثَ مَالِكٍ وَرَأْيَ مَالِكٍ. وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: مَا أُقَدِّمُ عَلَى مَالِكٍ فِي زَمَانِهِ أَحَدًا، وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا عَنْ خَلَفِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: مَا أَجَبْت فِي الْفُتْيَا حَتَّى سَأَلْت مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي هَلْ يَرَانِي مَوْضِعًا لِذَلِكَ؛ سَأَلْت رَبِيعَةَ وَسَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ، فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَلَوْ نَهَوْك قَالَ: كُنْت أَنْتَهِي لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: مَا أَفْتَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمَزِيَّةَ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُمْ بِالتَّحْنِيكِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ امْتَازُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَمَا كَانَ لِوَصْفِهِمْ بِالتَّحْنِيكِ فَائِدَةٌ إذْ الْكُلُّ مُجْتَمِعُونَ فِيهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا قَالَ سَحْنُونُ: النَّاسُ هَاهُنَا الْعُلَمَاءُ. قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَيُرْوَى هُوَ نَفْسُهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَيُّهُمَا أَعْلَمُ صَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكًا؟ فَقَالَ: قُلْت: أَعَلَى الْإِنْصَافِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْت: فَأُنْشِدُك اللَّهَ مَنْ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ أَصَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ صَاحِبُكُمْ. قُلْت: فَأُنْشِدُك اللَّهَ مَنْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ صَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ اللَّهُمَّ صَاحِبُكُمْ. قَالَ: قُلْت: فَأُنْشِدُك اللَّهَ مَنْ أَعْلَمُ بِأَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَقَدِّمِينَ أَصَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ اللَّهُمَّ صَاحِبُكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْت: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَقِيسُ؟ انْتَهَى وَعَنْ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا بِتُّ لَيْلَةً إلَّا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَتْ لِي عَمَّتِي: وَنَحْنُ بِمَكَّةَ رَأَيْت فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، قُلْت: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: مَاتَ اللَّيْلَةَ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فَحَسَبْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ مَاتَ مَالِكٌ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَمْزَةَ الْجَعْفَرِيُّ: كُنْت أَشْتُمُ مَالِكًا فَنِمْت فَرَأَيْت كَأَنَّ الْجَنَّةَ فُتِحَتْ قُلْت: مَا هَذَا؟ قَالُوا: الْجَنَّةُ. قُلْت: فَمَا هَذِهِ الْغُرَفُ؟ قَالُوا: لِمَالِكٍ لَمَّا ضَبَطَ عَلَى النَّاسِ دِينَهُمْ فَلَمْ أَنْتَقِصْهُ بَعْدُ وَكُنْت أَكْتُبُ عَنْهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا

مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَأَيُّهُمَا أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: مَالِكٌ وَرِثَ وَجْدِي، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَعْنَاهُ وَارِثُ عِلْمِي، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاكِ الْجَمَاعَةِ فِي سَرِقَةِ النِّصَابِ فَرَحِمَ اللَّهُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَإِنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الرَّأْيِ وَالْآثَارِ وَأَعْرَفَ النَّاسِ بِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعْدُونٍ سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ عَنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَقَالَ: رَأْيُ مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ وَحُكِيَ فِي الدِّيبَاجِ عَنْ الْمَدَارِكِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَالَسْت ابْنَ هُرْمُزَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُرْوَى سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي عِلْمٍ لَمْ أَبُثَّهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَمَذْهَبُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَبْنِيٌّ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ وَاتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ فَهُوَ أَبْعَدُ الْمَذَاهِبِ عَنْ الشُّبَهِ وَنَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَنْ زَاغَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ مِمَّنْ رِينَ عَلَى قَلْبِهِ وَزُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ وَرَأَيْت مَا صُنِّفَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَلَمْ أَرَ مَذْهَبًا أَنْقَى وَلَا أَبْعَدَ مِنْ الزَّيْغِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَلَّ مَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبًا مِنْ الْمَذَاهِبِ فِيهِمْ الْخَارِجِيُّ وَالرَّافِضِي إلَّا مَذْهَبَ مَالِكٍ فَمَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُقَلِّدُهُ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ فَالِاسْتِمْسَاكُ بِهِ نَجَاةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قُلْت) وَفِي أَوَّلِ هَذَا الْكَلَامِ بَشَاعَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا قَالَهُ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَكُلُّ مَنْ قَلَّدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَهُوَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ إلَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْهُ عِنْدَهُمْ فَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْخَوَارِجِ (وَإِنَّمَا نَقَلْتُهُ) لِأُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقُنَا فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ آخِرًا أَعْنِي قَوْلَهُ: فَمَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُقَلِّدُهُ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ، فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي مُفِيدِ النِّعَمِ وَمُبِيدِ النِّقَمِ: وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَفُضَلَاءُ الْحَنَابِلَةِ يَدٌ وَاحِدَةٌ كُلُّهُمْ عَلَى رَأْيِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَدِينُونَ بِطَرِيقَةِ شَيْخِ السُّنَّةِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ لَا يَحِيدُ عَنْهَا إلَّا رَعَاعٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَحِقُوا بِأَهْلِ الِاعْتِزَالِ وَرَعَاعٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ لَحِقُوا بِأَهْلِ التَّجْسِيمِ، وَبَرَّأَ اللَّهُ الْمَالِكِيَّةَ فَلَمْ يُرَ مَالِكِيٌّ إلَّا أَشْعَرِيَّ الْعَقِيدَةِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: يُخَاطِبُ أَهْلَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. وَأَمَّا تَعَصُّبُكُمْ فِي فُرُوعِ الدِّينِ وَحَمْلُكُمْ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ فَهُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ مِنْكُمْ وَلَا يَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ إلَّا مَحْضُ التَّعَصُّبِ وَالتَّحَاسُدِ وَلَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَأَحْمَدَ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ لَشَدَّدُوا النَّكِيرَ عَلَيْكُمْ وَتَبَرَّءُوا مِنْكُمْ فِيمَا تَفْعَلُونَ انْتَهَى وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَيْت الرَّجُلَ يُنَقِّصُ مَالِكًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: إذَا رَأَيْت الْحِجَازِيَّ يُحِبُّ مَالِكًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَإِذَا رَأَيْت أَحَدًا يَتَنَاوَلُهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَالَ فِي الدِّيبَاجِ: وَكَانَ رَبِيعَةُ إذَا جَاءَ مَالِكٌ يَقُولُ: جَاءَ الْعَاقِلُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَعْقَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: قَالَ مَالِكٌ: مَا جَالَسْت سَفِيهًا قَطُّ. وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ غَيْرُهُ وَلَا فِي فَضَائِلِ الْعُلَمَاءِ أَجَلُّ مِنْ هَذَا وَذَكَرَ يَوْمًا شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا؟ فَقَالَ: إنَّا لَمْ نُجَالِسْ السُّفَهَاءَ وَقَدْ عَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَدَارِكِ بِالتَّرْجِيحِ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَبَيَّنَ الْحُجَّةَ فِي وُجُوبِ تَقْلِيدِهِ وَرَجَّحَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ وَالِاعْتِبَارِ فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ فِيهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي آخِرِ الْمَعُونَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اخْتَارَ الشَّيْخُ مَذْهَبَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ وَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ شَرَفَيْ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ إمَّا فَقِيهٌ صِرْفٌ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُمَا ذِكْرٌ عِنْدَ الصَّحِيحَيْنِ. وَإِمَّا مُحَدِّثٌ صِرْفٌ كَأَحْمَدَ وَدَاوُد انْتَهَى. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الْمَدَارِكِ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يَكْفِي فِي

أَرْجَحِيَّتِهِ كَوْنُهُ إمَامَ دَارِ الْهِجْرَةِ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ وَمَتْبُوعَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِوَايَتُهُ وَعَصَمَ اللَّهُ مَذْهَبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ذُو هَوًى مَوْسُومًا بِالْإِمَامَةِ وَجَعَلَهُ مُقَدَّمًا عِنْدَ الْكَافَّةِ حَتَّى أَنَّ كُلَّ ذِي مَذْهَبٍ يَخْتَارُهُ بَعْدَ مَذْهَبِهِ وَجَعَلَ رُؤَسَاءَ مَذْهَبِهِ حُجَّةً بَعْدَهُ فِي الْحَدِيثِ كَالْفِقْهِ قَدْ خَرَّجَ لَهُمْ الْبُخَارِيُّ وَمَا مَلَأَ كِتَابَهُ إلَّا بِهِمْ فَهُمْ الْحُجَّةُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَثْبَاتُ الَّذِينَ بَرَزُوا وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا أَمِينًا وَمَنْ طَالَعَ مَنَاقِبَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَرَفَ عُلُوَّ مَرْتَبَتِهِمْ وَوُجُوبَ تَقْدِيمِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلُزُومَ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمْ عَلَى مَا يَتَعَرَّفُ مِنْ مَرَاتِبِهِمْ وَيَرَى مَعَ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا أَعْلَاهُمْ وَأَسْنَاهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ تِلْمِيذُهُ وَأَحْمَدُ تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ وَيَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ الْأَثِيرِ حَيْثُ يَقُولُ: كَفَى مَالِكًا شَرَفًا أَنَّ الشَّافِعِيَّ تِلْمِيذُهُ وَأَحْمَدُ تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ وَكَفَى الشَّافِعِيُّ شَرَفًا أَنَّ مَالِكًا شَيْخُهُ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَقِيَ مَالِكًا وَأَخَذَ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ إذًا شَيْخُ الْكُلِّ وَإِمَامُ الْأَئِمَّةِ وَكُلُّهُمْ عَلَى هُدًى وَتُقَى وَعِلْمٍ وَوَرَعٍ وَزُهْدٍ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ تَزْيِينَ الْمَمَالِكِ بِتَرْجَمَةِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بَلَغَنِي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنَّ ثَمَّ مَنْ أَنْكَرَ رِوَايَةَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكِبَرِ سِنِّهِ وَهَذَا لَا يُقَالُ فَقَدْ رَوَى عَنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ سِنًّا وَقَدْ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَقْدَمُ وَفَاةً كَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَكِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِ مَالِكٍ فَإِذَا رَوَى عَنْهُ شُيُوخُهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَالِكٍ ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِهِ وَابْنُ حَجَرٍ وَالْبُخَارِيُّ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ فِي كِتَابِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَذَكَرَهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْحَافِظُ مُغَلْطَاي وَالشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي نُكَتِهِ: صَنَّفَ الدَّارَقُطْنِيّ جُزْءًا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ قَالَ: وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَجَلُّ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا فِي الْمَدَارِكِ رِوَايَةَ الْإِمَامِ مَالِكٍ قَالَ: وَرَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْأَجِلَّاءُ مِنْ شُيُوخِهِ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْ شُيُوخِهِ مِنْ التَّابِعِينَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَمَاتَ قَبْلَ مَالِكٍ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَاتَ قَبْلَهُ بِثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَمِنْ شُيُوخِهِ مِنْ غَيْرِ التَّابِعِينَ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِي قَرَأَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَرَوَى هُوَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَعْمَشُ، وَمِنْ أَقْرَانِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْمِصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُهُ حَمَّادٌ وَأَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْ طَبَقَةٍ بَعْدَ هَؤُلَاءِ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَالِكِيُّ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْوَلِيدُ بْن مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ مَشَاهِيرِ الرُّوَاةِ وَعَدَّ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْهُمْ أَلْفًا وَنَيِّفًا، قَالَ: وَتَرَكْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ لَمْ يَشْتَهِرْ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: مَا أَحَدٌ مِمَّنْ نَقَلْت عَنْهُ هَذَا الْعِلْمَ إلَّا اُضْطُرَّ إلَيَّ حَتَّى سَأَلَنِي عَنْ أَمْرِ دِينِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ اجْتَمَعَ لَهُ مَا اجْتَمَعَ لِمَالِكٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ رَجُلَانِ حَدِيثًا وَاحِدًا بَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا نَحْوٌ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ شَيْخُهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَأَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ تُوُفِّيَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَالْمِائَتَيْنِ رَوَيَا عَنْهُ حَدِيثَ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَتَوَرُّعُهُ وَتَثَبُّتُهُ فِي الْفُتْيَا مَشْهُورٌ وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: لَوْ شِئْت أَنْ أَمْلَأَ أَلْوَاحِي مِنْ قَوْلِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لَا أَدْرِي فَعَلْت وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ

قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا جَاءَ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ أَيَّامًا مَا يُجِيبُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ، قَالَ: فَأَطْرَقَ طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ يَا هَذَا، فَقَالَ: إنِّي إنَّمَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا أَحْتَسِبُ فِيهِ الْخَيْرَ وَلَيْسَ أُحْسِنُ مَسْأَلَتَك هَذِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أُحْسِنُهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي ضَرَبْت إلَيْك مِنْ كَذَا وَكَذَا لِأَسْأَلَك عَنْهَا، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: فَإِذَا رَجَعْت إلَى مَكَانِك وَمَوْضِعِك فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي قُلْت لَك: لَا أُحْسِنُهَا. (وُلِدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) بِذِي الْمَرْوَةِ مَوْضِعٌ مِنْ مَسَاجِدِ تَبُوك عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرْدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي أَوَّلِ الْمَشَارِقِ: إنَّهُ مَدَنِيُّ الدَّارِ وَالْمَوْلِدِ وَالنَّشْأَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ ذَا الْمَرْوَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْمَدِينَةِ وَوُلِدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعِينَ (وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَقَبْرُهُ بِهِ مَعْرُوفٌ وَعَلَيْهِ قُبَّةٌ وَإِلَى جَانِبِهِ قَبْرٌ لِنَافِعٍ قَالَ السَّخَاوِيُّ: أَمَّا نَافِعٌ الْقَارِي أَوْ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَوِيلًا جَسِيمًا عَظِيمَ الْهَامَةِ أَصْلَعَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ أَبْيَضَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ إلَى الصُّفْرَةِ حَسَنَ الصُّورَةِ أَشَمَّ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ تَامَّهَا تَبْلُغُ صَدْرَهُ ذَاتَ سَعَةٍ وَطُولٍ وَكَانَ يَأْخُذُ آطَارَ شَارِبِهِ وَلَا يَحْلِقُهُ وَيَرَى حَلْقَهُ مُثْلَةً وَكَانَ يَتْرُكُ لَهُ سِبَالَيْنِ طَوِيلَيْنِ وَيَحْتَجُّ بِفَتْلِ عُمَرَ لِشَارِبِهِ إذَا أَهَمَّهُ أَمْرٌ وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْلَاهُمْ عَيْنًا وَأَنْقَاهُمْ بَيَاضًا وَأَتَمَّهُمْ طُولًا فِي جُودَةِ بَدَنٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَيَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَالْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَقْضِي الْحُقُوقَ وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ ثُمَّ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنْصَرِفُ ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابَهَا فَيُعَزِّيهِمْ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْجُمُعَةَ وَلَا يَأْتِي أَحَدًا يُعَزِّيهِ وَلَا يَقْضِي لَهُ حَقًّا فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَكَانَ رُبَّمَا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ وَكَانَ أَصْحَابُهَا يَأْتُونَ إلَيْهِ فَيُعَزِّيهِمْ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ وَكَانُوا أَرْغَبَ فِيهِ وَأَشَدَّ تَعْظِيمًا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ سُئِلَ عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِهِ مِنْ الْآخِرَةِ مَا أَخْبَرْتُكُمْ بِي سَلَسُ بَوْلٍ فَكَرِهْت أَنْ آتِيَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ عِلَّتِي فَأَشْكُوَ رَبِّي وَقِيلَ: كَانَ اعْتَرَاهُ فَتْقٌ مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي ضَرَبَهُ فَكَانَتْ الرِّيحُ تَخْرُجُ مِنْهُ، فَقَالَ: إنِّي أُوذِيَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسَ (وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ ضَرَبَهُ وَفِي سَبَبِ ضَرْبِهِ) فَالْأَشْهَرُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ فِي وِلَايَتِهِ الْأُولَى بِالْمَدِينَةِ. وَأَمَّا سَبَبُهُ فَقِيلَ: إنَّ أَبَا جَعْفَرٍ نَهَاهُ عَنْ حَدِيثِ «لَيْسَ عَلَى مُسْتَكْرَهٍ طَلَاقٌ» ثُمَّ دَسَّ إلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَقِيلَ: إنَّ الَّذِي نَهَاهُ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَقِيلَ: إنَّهُ سَعَى بِهِ إلَى جَعْفَرٍ وَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَرَى أَيْمَانَ بَيْعَتِكُمْ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ أَفْتَى عِنْدَ قِيَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيِّ بِأَنَّ بَيْعَةَ أَبِي جَعْفَرٍ لَا تَلْزَمُ لِأَنَّهَا عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ إنَّمَا ضُرِبَ فِي تَقْدِيمِهِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقِيلَ لِابْنِ بُكَيْرٍ: خَالَفْت أَصْحَابَك، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْ أَصْحَابِي، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَقِيلَ: فِي أَيَّامِ الرَّشِيدِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ ضَرْبِهِ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى مِائَةٍ وَمُدَّتْ يَدَاهُ حَتَّى انْخَلَعَتْ كَتِفُهُ وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَ الْيَدَيْنِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا أَنْ يُسَوِّيَ رِدَاءَهُ وَلَمَّا حَجَّ الْمَنْصُورُ أَقَادَهُ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَأَرْسَلَهُ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا اُرْتُفِعَ مِنْهَا

سَوْطٌ عَنْ جِسْمِي إلَّا وَأَنَا أَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ مِنْ ذَاكَ الْوَقْتِ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: حُمِلَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ وَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْت ضَارِبِي فِي حِلٍّ ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَدْ تَخَوَّفْت أَنْ أَمُوتَ أَمْسِ فَأَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْتَحِي مِنْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي فَمَا كَانَ إلَّا مُدَّةٌ حَتَّى غَضِبَ الْمَنْصُورُ عَلَى ضَارِبِهِ فَضَرَبَهُ وَنِيلَ مِنْهُ أَمْرٌ شَدِيدٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ حِينَ ضُرِبَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَكَانَ ضَرَبَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ. قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ عَلَيَّ أَشَدَّ يَوْمَ ضُرِبْت مِنْ شَعْرٍ كَانَ فِي صَدْرِي وَكَانَ فِي إزَارِي خَرْقٌ ظَهَرَتْ مِنْهُ فَخِذِي فَجَعَلْت بِيَدَيَّ أَسْتَجْدِي الْإِزَارَ وَلَا أَتْرُكُ عَلَيَّ شَعْرًا وَكَانَ يَقُولُ: ضُرِبْت فِيمَا ضُرِبَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَيَذْكُرُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا أَغْبِطُ أَحَدًا لَمْ يُصِبْهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَذًى قَالَ الْإِبْيَانِيُّ: مَا زَالَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّرْبِ فِي رِفْعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِعْظَامٍ حَتَّى كَأَنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْوَاطُ إلَّا حُلِيًّا حُلِّيَ بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ إلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَتَرْكِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ: إنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ فَرُبَّ رَجُلٍ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فَتَحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ رَضِيت بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كُلُّنَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَالسَّلَامُ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا عَنْ شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْبَاطِنِ فَغَضِبَ وَقَالَ: إنَّ عِلْمَ الْبَاطِنِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ عَرَفَ الظَّاهِرَ فَإِنَّهُ مَتَى عَرَفَهُ وَعَمِلَ بِهِ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ عِلْمَ الْبَاطِنِ وَلَا يَكُونُ ذَاكَ إلَّا مَعَ فَتْحِ الْقَلْبِ وَتَنْوِيرِهِ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: عَلَيْك بِالدِّينِ الْمَحْضِ وَإِيَّاكَ وَبُنَيَّاتِ الطُّرُقِ وَعَلَيْك بِمَا تَعْرِفُ وَاتْرُكْ مَا لَا تَعْرِفُ وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: طَلَبُ الْعِلْمِ حَسَنٌ لِمَنْ رُزِقَ خَيْرَهُ وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ قَسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ اُنْظُرْ مَا يَلْزَمُك مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إلَى حِينِ تُمْسِي فَالْزَمْهُ وَقَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ، وَقَالَ: شَرُّ الْعِلْمِ الْغَرِيبُ وَخَيْرُ الْعِلْمِ الظَّاهِرُ الَّذِي رَوَاهُ النَّاسُ، وَقَالَ لِابْنِ وَهْبٍ: أَدِّ مَا سَمِعْت وَحَسْبُك وَلَا تَحْمِلْ لِأَحَدٍ عَلَى ظَهْرِك فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: أَخْسَرُ النَّاسِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ وَأَخْسَرُ مِنْهُ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ. وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إذَا خُوِّلَ عِلْمًا وَكَانَ رَأْسًا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيَعْتِبُ نَفْسَهُ إذَا خَلَا بِهَا وَلَا يَفْرَحُ بِالرِّئَاسَةِ فَإِنَّهُ إذَا اُضْطُجِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُسِّدَ التُّرَابَ سَاءَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَالَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا سُئِلَ عَنْهَا الرَّجُلُ فَلَمْ يُجِبْ وَانْدَفَعَتْ عَنْهُ فَإِنَّمَا هِيَ بَلِيَّةٌ صَرَفَهَا اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ مَنْ صَدَقَ فِي حَدِيثِهِ مُنِعَ بِعَقْلِهِ وَلَمْ يُصِبْهُ مَا يُصِيبُ النَّاسَ مِنْ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ وَقَالَ لَا يَصْلُحُ الرَّجُلُ حَتَّى يَتْرُكَ مَا لَا يَعْنِيه وَيَشْتَغِلَ بِمَا يَعْنِيه فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ قَلْبُهُ، وَقَالَ: مَا زَهِدَ أَحَدٌ فِيهَا إلَّا أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِالْحِكْمَةِ، وَقَالَ: عَلَيْك بِمُجَالَسَةِ مَنْ يَزِيدُ فِي عَمَلِك قَوْلُهُ: وَيَدْعُوك إلَى الْآخِرَةِ فِعْلُهُ وَإِيَّاكَ وَمُجَالَسَةَ مَنْ يُضِلُّك قَوْلُهُ وَيَدْعُوك إلَى الدُّنْيَا فِعْلُهُ. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: إذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَلَا تَحْبِسْهُ فَوَاقًا حَتَّى تُمْضِيَهُ فَإِنَّك لَا تَأْمَنُ الْأَحْدَاثَ وَإِذَا هَمَمْت بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا تُمْضِيَهُ وَلَوْ فَوَاقًا فَلَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ لَك تَرْكَهُ وَلَا تَسْتَحْيِي إذَا دُعِيت لِأَمْرٍ لَيْسَ بِحَقٍّ أَنْ تَعْمَلَ الْحَقَّ، وَاقْرَأْ: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] وَطَهِّرْ ثِيَابَك وَنَقِّهَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَعَلَيْك بِمَعَالِي الْأُمُورِ وَكِبَارِهَا وَاتَّقِ رَذَائِلَهَا وَسَفَاسِفَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَأَكْثِرْ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَاجْتَهِدْ فِي الْخَيْرِ وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت

فرع التقليد

وَقَالَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ تَمُجُّ الْعَالِمَ وَتُذِلُّهُ وَتُنْقِصُهُ، وَمَنْ عَمِلَ هَذَا ذَهَبَ بَهَاؤُهُ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ، وَكَانَ يُقَالُ: نِعْمَ الرَّجُلُ فُلَانٌ لَوْلَا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ كَلَامَ شَهْرٍ فِي يَوْمٍ، وَقَالَ طَلَبُ الرِّزْقِ فِي شُبْهَةٍ خَيْرٌ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى النَّاسِ وَقَالَ أَهْوَالُ الدُّنْيَا ثَلَاثَةٌ: رُكُوبُ الْبَحْرِ وَرُكُوبُ فَرَسٍ عَرِيٍّ وَتَزْوِيجُ حُرَّةٍ. وَقَالَ: مِنْ إزَالَةِ الْعِلْمِ أَنْ تُجِيبَ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُك وَلَا تَكُنْ إمَامًا بِكُلِّ مَا تَسْمَعُ، وَمَنْ إزَالَةِ الْعِلْمِ أَنْ تَنْطِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُسْأَلَ عَنْهُ. (وَتَآلِيفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرَةٌ) مِنْهَا كِتَابُ الْمُوَطَّإِ الَّذِي لَمْ يُسْبَقْ إلَى مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَنْفَعُ لِلنَّاسِ مِنْ الْمُوَطَّإِ وَلَا أَصَحُّ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا فِي الْأَرْضِ كِتَابٌ فِي الْعِلْمِ أَكْثَرُ صَوَابًا مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ أَصَحُّ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَحْسَنَهُ لِمَنْ تَدَيَّنَ بِهِ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ مَدْحَهُ نَثْرًا وَنَظْمًا وَاعْتَنَى الْعُلَمَاءُ بِهِ شَرْحًا وَكَلَامًا عَلَى الرِّجَالِ وَالْأَسَانِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَمِنْ تَآلِيفِهِ رِسَالَتُهُ إلَى ابْنِ وَهْبٍ فِي الْقَدَرِ وَالرَّدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هِيَ مِنْ أَجَلِّ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْبَابِ وَتَدُلُّ عَلَى سَعَةِ عِلْمِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَمِنْهَا كِتَابُهُ فِي النُّجُومِ حِسَابُ دَوَرَانِ الزَّمَانِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ وَهُوَ كِتَابٌ حَسَنٌ مُفِيدٌ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَعَلُوهُ أَصْلًا، وَمِنْهَا رِسَالَتُهُ فِي الْأَقْضِيَةِ كَتَبَ بِهَا إلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ وَرِسَالَتُهُ إلَى ابْنِ غَسَّانَ فِي الْفَتْوَى وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَرِسَالَتُهُ إلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ فِي الْأَدَبِ وَالْمَوَاعِظِ، وَمِنْهَا كِتَابُهُ فِي التَّفْسِيرِ لِغَرِيبِ الْقُرْآنِ، وَمِنْهَا رِسَالَتُهُ إلَى اللَّيْثِ فِي إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَنُسِبَ لَهُ كِتَابُ السِّرِّ وَأُنْكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنَاقِبُهُ وَفَضَائِلُهُ وَأَحْوَالُهُ كَثِيرَةٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا قَلَّ مِنْ كَثُرَ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا التَّنْبِيهَ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. [فَرْعٌ التَّقْلِيدُ] (فَرْعٌ) التَّقْلِيدُ هُوَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ لَيْسَ بِعَالَمٍ وَقِيلَ: لَا يُقَلِّدُ الْعَالِمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّ لَهُ صَلَاحِيَةَ أَخْذِ الْحُكْمِ مِنْ الدَّلِيلِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: أَجْمَعَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ الْعَوَامَّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِمَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوا مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ سَبَرُوا وَنَظَرُوا وَبَوَّبُوا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَعْتَنُوا بِتَهْذِيبِ الْمَسَائِلِ وَالِاجْتِهَادِ وَإِيضَاحِ طُرُقِ النَّظَرِ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَرَأَيْت لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ التَّقْلِيدَ يَتَعَيَّنُ لِهَذِهِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ مَذَاهِبَهُمْ انْتَشَرَتْ وَانْبَسَطَتْ حَتَّى ظَهَرَ فِيهَا تَقْيِيدُ مُطْلَقِهَا وَتَخْصِيصُ عَامِّهَا وَشُرُوطُ فُرُوعِهَا فَإِذَا أَطْلَقُوا حُكْمًا فِي مَوْضِعٍ وُجِدَ مُكَمَّلًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَتُنْقَلُ عَنْهُ الْفَتَاوَى مُجَرَّدَةً فَلَعَلَّ لَهَا مُكَمِّلًا أَوْ مُقَيِّدًا أَوْ مُخَصِّصًا لَوْ انْضَبَطَ كَلَامُ قَائِلِهِ لَظَهَرَ فَيَصِيرُ فِي تَقْلِيدِهِ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ: وَهَذَا تَوْجِيهٌ حَسَنٌ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. ثُمَّ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ نَقْلِ مَذَاهِبِهِمْ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا فَلَعَلَّ مَا نَنْقُلُهُ عَنْهُمْ لَوْ جُمِعَتْ شُرُوطُهُ صَارَ مُوَافِقًا لِمَا نَجْعَلُهُ مُخَالِفًا لَهُ قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ أَمْرَ النَّقْلِ خَفِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى وُجُوهِ الْفِقْهِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْمَدَارِكِ وَعَدَمِ الْوِفَاقِ فَيُوجِبُ ذَلِكَ التَّوَقُّفَ عَنْ أُمُورٍ وَالْبَحْثَ عَنْ أُمُورٍ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ يَتَخَرَّجُ عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ فِي الْمَذَاهِبِ فَمَنْ مَنَعَهُ لِأَنَّ مَذَاهِبَ الصَّحَابَةِ لَمْ تَكْثُرْ فُرُوعُهَا حَتَّى يُمْكِنَ لِمُقَلِّدٍ الِاكْتِفَاءُ بِهِ طُولَ عُمْرِهِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَأَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ سَأَلَ الْغَزَالِيَّ عَمَّنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ مَثَلًا وَكَانَ مَذْهَبُهُ مُخَالِفًا لِأَحَدِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فَهَلْ لَهُ اتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدَ عَنْ الْخَطَأِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فرع تقليد الميت

«اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ» وَعُمَرَ فَأَجَابَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَظُنَّ بِالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الصَّحَابِيَّ إلَّا لِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ. هَذَا فَقَدْ نَسَبَ الشَّافِعِيَّ لِلْجَهْلِ بِمَقَامِ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ مُحَالٌ وَهَذَا سَبَبُ تَرْجِيحِ مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ مَعَ الْعِلْمِ بِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ سَمِعُوا الْأَحَادِيثَ آحَادًا وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَاخْتَلَفَتْ فَتَاوِيهِمْ وَأَقْضِيَتُهُمْ فِي الْبِلَادِ وَرُبَّمَا بَلَغَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ فَوَقَفُوا عَمَّا أَفْتَوْا بِهِ وَحَكَمُوا وَلَمْ يَتَفَرَّغُوا لِجَمْعِ الْأَحَادِيثِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْجِهَادِ وَتَمْهِيدِ الدِّينِ فَلَمَّا أَنْهَى فَتَاوِيهِمْ النَّاسُ إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ وَجَدُوا الْإِسْلَامَ مُسْتَقِرًّا مُمَهَّدًا فَصَرَفُوا هِمَمَهُمْ إلَى جَمْعِ الْأَحَادِيثِ وَنَظَرُوا بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ مَدَارِكِ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُخَالِفُوا مَا أَفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ إلَّا لِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهَذَا لَمْ يُسَمَّ فِي الْمَذَاهِبِ بِكْرِيًّا وَلَا عُمَرِيًّا. انْتَهَى مُخْتَصَرًا. ثُمَّ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ صَحَّ عِنْدَهُ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ فِي شَيْءٍ فَهَلْ يَعْدِلُ إلَى غَيْرِهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا صَحَّ عَنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ مَذْهَبٌ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْضَحَ مِنْ دَلِيلِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بَلْ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي وُضُوحِ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَدِلَّةِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ جَوَازِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يَسُوعُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ تَحِلُّ بِالْعَقْدِ؟ فَأَجَابَ بِأَنِّي سُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ وَقَعَتْ لِشَخْصٍ قَرَأَ عَلَيَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ وَجَاءَنِي سُؤَالٌ مِنْ قِبَلِ قَاضِي تُونُسَ وَفُقَهَائِهَا فَأَكْثَرْت النَّكِيرَ عَلَيْهِ وَبَالَغْت حَتَّى أَظُنُّ أَنِّي سَمَحْت لَهُمْ فِي عُقُوبَتِهِ وَذَكَرْت لَهُمْ أَنَّ هَذَا بَابٌ انْفَتَحَ حَدَثَ مِنْهُ خُرُوقٌ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَإِنِّي رَأَيْت مِنْ الدِّينِ الْجَازِمِ وَالْأَمْرِ الْحَاتِمِ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَلَوْ سَاغَ هَذَا لَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَبِيعُ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مُقَلِّدًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَآخَرُ إنِّي أَتَزَوَّجُ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ مُقَلِّدًا فِي الْوَلِيِّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الشُّهُودِ لِمَالِكٍ وَبِدَانَقِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا عَظِيمُ الْمَوْقِعِ فِي الضَّرَرِ وَهَبْ أَنِّي أَبَحْت لِهَذَا السَّائِلِ أَنْ يَفْعَلَ فِي نَفْسِهِ فَنِكَاحُهُ لَا يَخْفَى فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَسْمِ مِنْ غَيْرِهِ وَقُضَاةُ بَلَدِهِ وَفُقَهَاؤُهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِذَلِكَ بَلْ يَفْسَخُونَهُ وَلَا تَسْمَحُ أَنْفُسُهُمْ بِتَرْكِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِاتِّفَاقِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَقْلِيدِهِمْ انْتَهَى. [فَرْعٌ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ] (فَرْعٌ) يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَلَوْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ حَيٌّ. وَمَنَعَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ تَقْلِيدَ الْمَيِّتِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِقَوْلِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَالِفِ، قَالَ: وَتَصْنِيفُ الْكُتُبِ فِي الْمَذَاهِبِ مَعَ مَوْتِ أَرْبَابِهَا لِاسْتِفَادَةِ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْحَوَادِثِ وَكَيْفِيَّةِ بِنَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِمَعْرِفَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَعُورِضَ بِحُجَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُجْمِعِينَ وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ حَيٌّ هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ إطْلَاقَ الْمَانِعِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا فُقِدَ مُجْتَهِدٌ مُمَاثِلٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَرْجَحُ أَمَّا إذَا فُقِدَ الْمُجْتَهِدُونَ مُطْلَقًا فَلَا يُتْرَكُ النَّاسُ هَمَلًا. (قُلْت) هَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيِّنٌ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ عَنْ الْفَهِدِي أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَنَحْوُهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي أَوَّلِ شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى مَنْعِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ كَمَا حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: نَصَّ ابْنِ طَلْحَةَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ مَعَ وُجُودِ الْأَعْلَمِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ أُمِنَ رُجُوعُهُ عَنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْحَيِّ. قَالَ التَّادَلِيُّ: وَنَظَرُ أَهْلِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ الْيَوْمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ وَلَوْ سُدَّ هَذَا الْبَابُ لَقُلِّدَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَلَّدَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ فَسَدَتْ الْعُقُولُ وَتَبَدَّلَتْ وَكَثُرَتْ الْبِدَعُ وَانْتَشَرَتْ فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَى سَلَفِ

الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُقَلِّدِينَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ الْمَيِّتِ إذْ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ حُلُولُو فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَا خَفَاءَ فِي ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ الْمُفْتَى بِهَا إنْكَارُهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ: قَالَ سَيْفُ الدِّينِ: إذَا اتَّبَعَ الْعَامِّيُّ مُجْتَهِدًا فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ وَعَمِلَ بِقَوْلِهِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي رُجُوعِهِ إلَى غَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِهِ فِيهِ فَمُنِعَ وَأُجِيزَ وَهُوَ الْحَقُّ نَظَرًا إلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِي تَسْوِيغِهِمْ لِلْعَامِّيِّ الِاسْتِفْتَاءَ لِكُلِّ عَالِمٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ الْحَجْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا لَمَا جَازَ لِلصَّحَابَةِ إهْمَالُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ لَهَا حُكْمُ نَفْسِهَا فَكَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَوَّلُ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَّا بَعْدَ سُؤَالِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْعَامِّيُّ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: أَنَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَمُلْتَزِمٌ لَهُ فَجَوَّزَ قَوْمٌ اتِّبَاعَ غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْتِزَامَ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ غَيْرُ مَلْزُومٍ لَهُ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ مَلْزُومٌ لَهُ كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَالْمُخْتَارُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَذْهَبِ الْأَوَّلِ إنْ اتَّصَلَ عَمَلُهُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ تَقْلِيدُ الْغَيْرِ فِيهَا وَمَا لَمْ يَتَّصِلْ عَمَلُهُ بِهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ اتِّبَاعِ غَيْرِهِ، وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَذْكُرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعَيْنِ: أَحَدُهُمَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ. وَالثَّانِي إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ إمَامٍ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فَإِذَا قَلَّدَ إمَامًا مُعَيَّنًا وَجَبَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ التَّخْيِيرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْصُلَ دَلِيلٌ عَلَى رَفْعِهِ لَا سِيَّمَا الْإِجْمَاعُ لَا يُدْفَعُ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ الْقُوَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْقَرَافِيِّ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ. وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامٍ إلَى غَيْرِهِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ أَقْوَالٍ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَالثَّالِثَةُ إنْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فَقَلَّدَهُ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ انْتَهَى مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى أَيْ مُوَضِّحًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي يُفْتَى بِهِ وَهُوَ صِفَةُ مُخْتَصَرًا وَالْفَتْوَى بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَالْفَتْحُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقِيَاسِ وَالْفُتْيَا بِالضَّمِّ وَكُلُّهَا اسْمٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ وَالْإِفْتَاءُ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ قِيلَ: وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَيْدِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَاَلَّذِي يُفْتَى بِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ وَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى وَلَا الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَلَا بِغَيْرِ الرَّاجِحِ وَذُكِرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَمَا أَفْتَى بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَلَا يَجُوزُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى، وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى وَرُبَّمَا يَكُونُ التَّسَاهُلُ بِإِسْرَاعِهِ وَعَدَمِ تَثَبُّتِهِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ السُّرْعَةَ بَرَاعَةٌ وَالْبُطْءَ عَجْزٌ وَلَأَنْ يُبْطِئَ وَلَا يُخْطِئَ أَجْمَلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَضِلَّ وَيُضِلَّ وَقَدْ يَكُونُ تَسَاهُلُهُ بِأَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمَحْذُورَةِ تَرْخِيصًا عَلَى مَنْ يُرِيدُ نَفْعَهُ وَتَغْلِيظًا عَلَى مَنْ يُرِيدُ ضَرَرَهُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي وَاحْتَسَبَ فِي قَصْدِهِ حِيلَةً لِيُخَلِّصَ بِهَا الْمُسْتَفْتِيَ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا عَنْ ابْنِ عَلْوَانَ أَنَّهُ عَلَّمَ بَعْضَ الْخُصُومِ حِيَلًا غَلَبَ بِهَا قَالَ: وَلَعَلَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَإِلَّا فَهَذَا مِنْ تَلْقِينِ الْخُصُومِ وَهُوَ جُرْحَةٌ فِي حَقِّ فَاعِلِيهِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ فِيهِ تَسْهِيلٌ فَلَا يُفْتِي لِلْعَامَّةِ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَوَاصِّ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ بِالتَّسْهِيلِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَاكِمُ كَالْمُفْتِي فِي هَذَا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ الَّذِي يُفْتِي فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ فِي نَقْلِ

تنبيه لم يجد الشخص نصا في المسألة في مذهب إمامه

الْمَذَاهِبِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَبْحَرَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَأْوِيلِ الشُّيُوخِ لَهَا وَتَوْجِيهِهِمْ لِمَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا وَتَشْبِيهِهِمْ مَسَائِلَ بِمَسَائِلَ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ تَبَاعُدُهَا وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ مَسَائِلَ يَقَعُ فِي النَّفْسِ تَفَاوُتُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ: لِطَالِبِ الْعِلْمِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةُ الْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةُ بِعَيْنِهَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّسِعَ اطِّلَاعُهُ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ فَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ وَلَا يُخَرِّجُ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً عَلَى مَا يُشْبِهُهَا. الثَّالِثَةُ أَنْ يُحِيطَ بِذَلِكَ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهَا وَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. [تَنْبِيهٌ لَمْ يَجِدْ الشَّخْصُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ] (تَنْبِيهٌ) إذَا لَمْ يَجِدْ الشَّخْصُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ وَلَا وَجَدَ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَدَارِكِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهَا فِي مَذْهَبِ الْغَيْرِ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْمَلُ بِجَهْلٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيَسْتَعْمِلُ سَائِرَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ طَيِّبًا وَالْحَلَالُ ضَالَّةٌ مَفْقُودَةٌ فَيَجْتَهِدُ الْإِنْسَانُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالْقَوِيُّ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَيَنْظُرُ الْخِلَافَ خَارِجَ الْمَذْهَبِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ، انْتَهَى وَكَذَا يَنْبَغِي فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا] (فَرْعٌ) مَنْ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يَضْمَنُ مَا تَلِفَ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدَّبَهُ فَأَهْلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ لَهُ اشْتِغَالٌ بِالْعِلْمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْأَدَبُ وَيُنْهَى عَنْ الْفَتْوَى إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ بِالْقَوْلِ إلَّا أَنْ يَتَوَلَّى فِعْلَ مَا أَفْتَى بِهِ فَيَضْمَنُ وَذَكَرَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ يَضْمَنُ قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي فِي الْمُفْتِي الَّذِي يَجِبُ تَقْلِيدُهُ الْمُنْتَصِبُ لِذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَكَالْغُرُورِ بِالْقَوْلِ وَيَجْرِي عَلَى أَحْكَامِهِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُنْتَصِبَ لِذَلِكَ يَضْمَنُ وَلَعَلَّ ابْنَ رُشْدٍ لَا يُخَالِفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُحْكَمُ بِفَتْوَاهُ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ يَرْجِعُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنْتَصِبِ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا فَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِهَا وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الرِّشْوَةِ لَكِنْ لَوْ أَتَى خَصْمَانِ إلَى قَاضٍ فَأَعْطَيَاهُ أَجْرًا عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا وَأَتَى رَجُلٌ لِلْمُفْتِي فَأَعْطَاهُ أَجْرًا عَلَى فَتْوَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا خُصُومَةٌ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ بِهِ، فَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَيْ شَيْءٍ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجْسُرُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَلْوَانَ أَحَدِ فُقَهَاءِ تُونُسَ وَمُفْتِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ وَيَطْلُبُهَا مِمَّنْ يُفْتِيه كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ. [فَرْعٌ مَا أُهْدِيَ لِلْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ مَا أُهْدِيَ لِلْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ قَبُولُهُ وَمَا أُهْدِيَ لَهُ رَجَاءَ الْعَوْنِ عَلَى خُصُومَةٍ أَوْ فِي مَسْأَلَةٍ رَجَاءَ قَضَائِهَا عَلَى خِلَافِ الْمَعْمُولِ بِهِ فَلَا يَحِلُّ وَهُوَ رِشْوَةٌ الْبُرْزُلِيُّ كَأَخْذِ فُقَهَاءِ الْبَادِيَةِ الْجَعَائِلَ عَلَى رَدِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَنَحْوِهَا مِنْ الرُّخَصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَأَجَبْت سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مُشِيرًا بِفِيهَا لِلْمُدَوَّنَةِ) ش: اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْمُدَوَّنَةِ سَمَاعُ قَاضِي الْقَيْرَوَانِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَهُمَا مَعًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا وَرَوَاهَا عَنْهُ وَسَأَلَهُ عَنْهَا عَلَى أَسْئِلَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَجَابَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِنَصِّ قَوْلِ مَالِكٍ مِمَّا سُمِعَ مِنْهُ أَوْ أَبْلَغَهُ أَوْ قَاسَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَأَصْلُهُ فَحُمِلَتْ عَنْهُ بِالْقَيْرَوَانِ وَكَانَتْ تُسَمَّى الْأَسْدِيَةَ وَكِتَابَ أَسَدٍ وَمَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَتَبَهَا عَنْهُ سَحْنُونُ كَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ فِي الْمَدَارِكِ: مَنَعَهَا أَسَدٌ مِنْ سَحْنُونٍ فَتَلَطَّفَ بِهِ سَحْنُونٌ حَتَّى وَصَلَتْ إلَيْهِ فَرَحَلَ

سَحْنُونٌ بِالْأَسَدِيَّةِ إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فَسَمِعَهَا مِنْهُ وَأَصْلَحَ فِيهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهَا وَجَاءَ بِهَا إلَى الْقَيْرَوَانِ وَهِيَ فِي التَّأْلِيفِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كِتَابُ أَسَدٍ مُخْتَلِطَةَ الْأَبْوَابِ غَيْرَ مُرَتَّبَةِ الْمَسَائِلِ وَلَا مَرْسُومَةَ التَّرَاجِمِ وَكَتَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَسَدٍ أَنْ يَعْرِضَ كِتَابَهُ عَلَيْهَا وَيُصْلِحَهُ مِنْهَا فَأَنِفَ مِنْ ذَلِكَ، فَيُقَالُ: إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ دَعَا أَنْ لَا يُبَارَكَ فِيهَا فَهِيَ مَرْفُوضَةٌ إلَى الْيَوْمِ ثُمَّ إنَّ سَحْنُونًا نَظَرَ فِيهَا نَظَرًا آخَرَ وَبَوَّبَهَا وَطَرَحَ مِنْهَا مَسَائِلَ وَأَضَافَ الشَّكْلَ إلَى شَكْلِهِ وَهَذَّبَهَا وَرَتَّبَهَا تَرْتِيبَ التَّصَانِيفِ وَاحْتَجَّ لِمَسَائِلِهَا بِالْآثَارِ مِنْ رِوَايَتِهِ مِنْ مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ وَأَلْحَقَ فِيهَا مِنْ خِلَافِ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَا اخْتَارَهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِكُتُبٍ مِنْهَا وَبَقِيَتْ مِنْهَا كُتُبٌ عَلَى حَالِهَا مُخْتَلِطَةً مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تُسَمَّى الْمُدَوَّنَةَ وَالْمُخْتَلَطَةَ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى بِالْأُمِّ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ اخْتَصَرُوهَا فَاخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرَاذِعِيُّ. وَيُسَمَّى اخْتِصَارُهُ بِالتَّهْذِيبِ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى صَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُطْلِقُونَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ وَاخْتَصَرَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ تَهْذِيبَ الْبَرَاذِعِيِّ وَالْمُدَوَّنَةَ أَشْرَفُ مَا أَلَّفَ فِي الْفِقْهِ مِنْ الدَّوَاوِينِ وَهِيَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ وَعُمْدَتُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَدَارِكِ فِي تَرْجَمَةِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهَا كَلَامُ رَجُلٍ صَالِحٍ وَرِوَايَتُهُ أَفْرَعَ الرِّجَالُ فِيهَا عُقُولُهُمْ وَشَرَحُوهَا وَبَيَّنُوهَا وَكَانَ يَقُولُ: مَا اعْتَكَفَ رَجُلٌ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَدِرَاسَتِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ فِي وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَمَا عَدَاهَا أَحَدٌ إلَى غَيْرِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ فِيهِ، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّمَا الْمُدَوَّنَةُ مِنْ الْعِلْمِ بِ مَنْزِلَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ مِنْ الْقُرْآنِ تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا عَنْهَا كَذَا نُقِلَ هَذَا عَنْ سَحْنُونٍ فِي تَرْجَمَةِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ: يُرْوَى مَا بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَصَحُّ مِنْ مُوَطَّإِ مَالِكٍ وَبَعْدَهُ مُدَوَّنَةُ سَحْنُونٍ انْتَهَى. وَذَلِكَ أَنَّهُ تَدَاوَلَهَا أَفْكَارُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ: مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَسَدٌ وَسَحْنُونٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِفِيهَا يُرِيدُ بِلَفْظَةٍ أَحَدُ جُزْأَيْهَا ضَمِيرُ مُؤَنَّثٍ غَائِبٍ إمَّا مَلْفُوظٌ بِهِ، نَحْوُ مِنْهَا وَفِيهَا وَظَاهِرُهَا أَوْ مُسْتَتِرٌ نَحْوُ رَوَيْت وَحَمَلْت وَقَيَّدْت وَأَعَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرَ الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَارَةً يُشِيرُ إلَى الْأُمِّ وَتَارَةً إلَى التَّهْذِيبِ قَالَ الْبِسَاطِيّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَجْزَاءٌ مِنْ الْأُمِّ دُونَ الْكُلِّ ثُمَّ إنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَأْتِي بِهَا غَالِبًا لِكَوْنِ مَا فِيهَا مُخَالِفًا لِمَا رَجَّحَهُ وَلِإِشْكَالِ مَا فِيهَا. ص (وَبِأَوَّلٍ إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْ بِمَادَّةِ أَوَّلَ لِيَنْدَرِجَ نَحْوُ تَأْوِيلَانِ وَتَأْوِيلَاتٍ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاخْتِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي جِهَاتِ مَحْمَلِ لَفْظِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ فِي أَدَاءً فِي الْحَمْلِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَتُعَدُّ أَقْوَالًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ التَّأْوِيلَاتُ أَقْوَالًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَ شُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ فِي فَهْمِهَا عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ فَكُلٌّ فَهِمَهَا عَلَى قَوْلٍ وَنُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ التَّأْوِيلَاتِ مُوَافِقًا لِلْمَشْهُورِ فَيُقَدِّمُهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يَعْطِفُ الثَّانِي عَلَيْهِ وَالتَّأْوِيلُ إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ التَّأْوِيلَاتِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى بَقَاءِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ. ص (وَبِالِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَبِالِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَبِالتَّرْجِيحِ لِابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ وَبِالظُّهُورِ لِابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وَبِالْقَوْلِ لِلْمَازِرِيِّ كَذَلِكَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشِيرُ بِمَادَّةِ الِاخْتِيَارِ لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ نَحْوُ الْمُخْتَارِ وَالِاخْتِيَارِ فَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ مِنْ خِلَافٍ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ نَحْوُ اخْتَارَ وَاخْتِيرَ فَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ فِي نَفْسِهِ وَيُشِيرُ بِمَادَّةِ التَّرْجِيحِ لِابْنِ يُونُسَ وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ

الِاسْمِ نَحْوُ الْأَرْجَحِ وَالْمُرَجَّحِ فَلِاخْتِيَارِهِ مِنْ خِلَافٍ تَقَدَّمَهُ وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ نَحْوُ رَجَّحَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَيُشِيرُ بِمَادَّةِ الظُّهُورِ لِاخْتِيَارِ ابْنِ رُشْدٍ وَبِالِاسْمِ نَحْوُ الْأَظْهَرِ وَالظَّاهِرِ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ خِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَبِالْفِعْلِ نَحْوُ ظَهَرَ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَيُشِيرُ بِمَادَّةِ الْقَوْلِ لِلْمَازِرِيِّ فَبِالِاسْمِ نَحْوُ الْقَوْلِ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ خِلَافٍ سَابِقٍ وَهُوَ قَلِيلٌ وَبِالْفِعْلِ نَحْوُ قَالَ أَوْ قِيلَ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُذْكَرُ اخْتِيَارُ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخِ تَارَةً لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمَا رَجَّحَهُ وَتَارَةً لِكَوْنِهِ هُوَ الرَّاجِحَ وَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ غَيْرُهُ وَكَذَا يُفْعَلُ فِي اخْتِيَارِ غَيْرِهِمْ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِصُحِّحَ وَالْأَصَحِّ وَاسْتُحْسِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَإِنَّمَا جُعِلَ الْفِعْلُ لِاخْتِيَارِ الشُّيُوخِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَالِاسْمُ الْوَصْفُ لِاخْتِيَارِهِمْ مِنْ الْخِلَافِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ وَالْوَصْفَ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَخَصَّهُمْ بِالتَّعْيِينِ لِكَثْرَةِ تَصَرُّفِهِمْ فِي الِاخْتِيَارِ وَبَدَأَ بِاللَّخْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَؤُهُمْ وَلِذَا خَصَّهُ بِمَادَّةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى ذَلِكَ وَخُصَّ ابْنُ يُونُسَ بِالتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ اجْتِهَادِهِ فِي الْمَيْلِ مَعَ بَعْضِ أَقْوَالِ مَنْ سَبَقَهُ وَمَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ قَلِيلٌ وَخُصَّ ابْنُ رُشْدٍ بِالظُّهُورِ لِاعْتِمَادِهِ كَثِيرًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَيَقُولُ يَأْتِي عَلَى رِوَايَةِ كَذَا وَكَذَا وَظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ كَذَا وَكَذَا وَخُصَّ الْمَازِرِيُّ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَوِيَتْ عَارِضَتُهُ فِي الْعُلُومِ وَتَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُجْتَهِدِينَ كَانَ صَاحِبَ قَوْلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ انْتَهَى. (واللَّخْمِيُّ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّبَعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِاللَّخْمِيِّ وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ اللَّخْمِيِّ الْقَيْرَوَانِيِّ نَزَلَ صَفَاقُصَ تَفَقَّهَ بِابْنِ مُحْرِزٍ وَأَبِي الْفَضْلِ بْنِ بِنْتِ خَلْدُونٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَأَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَالسُّيُورِيِّ وَظَهَرَ فِي أَيَّامِهِ وَطَارَتْ فَتَاوِيهِ وَكَانَ فَقِيهًا فَاضِلًا دَيِّنًا مُتَفَنِّنًا ذَا حَظٍّ مِنْ الْأَدَبِ وَبَقِيَ بَعْدَ أَصْحَابِهِ فَحَازَ رِيَاسَةَ إفْرِيقِيَّةَ وَتَفَقَّهَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ النَّحْوِيُّ وَالْكَلَاعِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّفَاقُصِيُّ وَلَهُ تَعْلِيقٌ كَبِيرٌ مُحَاذِيًا لِلْمُدَوَّنَةِ سَمَّاهُ التَّبْصِرَةَ حَسَنٌ مُفِيدٌ تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِصَفَاقُصَ وَقَبْرُهُ بِهَا مَعْرُوفٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. (وَابْنُ يُونُسَ) هُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ تَمِيمِيٌّ صَقَلِّيٌّ كَانَ فَقِيهًا إمَامًا عَالِمًا فَرْضِيًّا أَخَذَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْحَصَائِرِيِّ وَعَتِيقِ بْنِ الْفَرْضِيِّ وَابْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَكَانَ مُلَازِمًا لِلْجِهَادِ مَوْصُوفًا بِالنَّجْدَةِ وَأَلَّفَ كِتَابًا جَامِعًا لِمَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَضَافَ إلَيْهَا غَيْرَهَا مِنْ النَّوَادِرِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ لِلْمُذَاكَرَةِ تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَقِيلَ فِي رَبِيعٍ الْأَخِيرِ وَيُعَبِّرُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِالصَّقَلِّيِّ. (وَابْنُ رُشْدٍ) هُوَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رُشْدٍ يُكَنَّى بِأَبِي الْوَلِيدِ قُرْطُبِيٌّ فَقِيهُ وَقْتِهِ بِأَقْطَارِ الْأَنْدَلُسِ وَالْمَغْرِبِ وَالْمَعْرُوفُ بِصِحَّةِ النَّظَرِ وَجَوْدَةِ التَّأْلِيفِ وَدِقَّةِ الْفِقْهِ وَكَانَ إلَيْهِ الْمَفْزَعُ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَكَانَتْ الدِّرَايَةُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ التَّصَانِيفِ مَقْبُولَهَا أَلَّفَ كِتَابَ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِمَا فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ التَّوْجِيهِ وَالتَّعْلِيلِ وَهُوَ كِتَابٌ عَظِيمُ النَّفْعِ جِدًّا قَالَ فِي أَوَّلِهِ مَنْ جَمَعَهُ إلَى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمُقَدِّمَاتِ حَصَلَ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يَسَعُ جَهْلُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَعَرَفَ الْعِلْمَ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ بَابِهِ وَسَبِيلِهِ وَأَحْكَمَ رَدَّ الْفَرْعِ إلَى أَصْلِهِ وَحَصَلَ فِي دَرَجَةِ مَنْ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِي النَّوَازِلِ الْمُعْضِلَاتِ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ وَوَعَدَهُمْ بِتَرْفِيعِ الدَّرَجَاتِ وَاخْتَصَرَ الْمَبْسُوطَةَ وَلَخَصَّ كِتَابَ مُشْكَلِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ وَلَهُ أَجْزَاءٌ كَثِيرَةٌ فِي

تنبيه هل يجوز للعامي أن يقلد

فُنُونٍ مُخْتَلِفَةٍ وَتَفَقَّهَ بِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ مَرْزُوقٍ وَنَظَائِرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ بَلَدِهِ وَوُلِّيَ قَضَاءَ الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَ وَخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اسْتَعْفَى مِنْهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَكَانَ صَاحِبَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَإِلَيْهِ كَانَتْ الرِّحْلَةُ لِلتَّفَقُّهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَنْدَلُسِ وَأَخَذَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ مَاتَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ حَادِي عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الْعَبَّاسِ وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو الْقَاسِمِ وَكَانَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ جَمِيلًا وَالتَّفَجُّعُ عَلَيْهِ جَلِيلًا وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. (والْمَازِرِيُّ) هُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ الْمَازِرِيُّ يُعْرَفُ بِالْإِمَامِ أَصْلُهُ مِنْ مَازِرَ بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرِهَا مَدِينَةٌ فِي جَزِيرَةِ صِقِلِّيَّةِ نَزَلَ الْمَهْدِيَّةَ أَمَامَ بِلَادِ إفْرِيقِيَّةَ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَصَارَ الْإِمَامُ لَقَبًا لَهُ وَيُحْكَى أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقٌّ مَا يَدْعُونَنِي، فَقَالَ لَهُ: وَسَّعَ اللَّهُ صَدْرَك لِلْفُتْيَا وَكَانَ آخِرَ الْمُشْتَغِلِينَ بِإِفْرِيقِيَّةَ بِتَحْقِيقِ الْعِلْمِ وَرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَدِقَّةِ النَّظَرِ أَخَذَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ السُّوسِيِّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الصَّائِغِ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ يُفْزَعُ إلَيْهِ فِي الْفَتْوَى فِي الطِّبِّ كَمَا يُفْزَعُ إلَيْهِ فِي الْفَتْوَى فِي الْفِقْهِ وَيُحْكَى أَنَّ سَبَبَ اشْتِغَالِهِ بِالطِّبِّ أَنَّهُ مَرِضَ فَكَانَ يُطَبِّبُهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا سَيِّدِي مِثْلِي يُطَبِّبُ مِثْلَكُمْ وَأَيُّ قُرْبَةٍ أَجِدُهَا أَتَقَرَّبُ بِهَا فِي دِينِي مِثْلَ أَنْ أُفْقِدَكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَمِنْ حِينَئِذٍ اشْتَغَلَ بِالطِّبِّ وَشَرَحَ التَّلْقِينَ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَشَرَحَ كِتَابَ مُسْلِمٍ وَشَرَحَ الْبُرْهَانِ لِأَبِي الْمَعَالِي وَأَلَّفَ غَيْرَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ الْقَاضِي عِيَاضٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِينَ وَلَيْسَ هُوَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ الْمُسَمَّى بِالْمِهَادِ بَلْ ذَلِكَ إسْكَنْدَرَانِيٌّ وَهَذِهِ التَّرَاجِمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ إلَّا قَلِيلًا وَعَرَّفَ عِيَاضٌ بِالْأَوَّلِينَ فِي الْمَدَارِكِ وَبِالْأَخِيرِينَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي ذِكْرِ مَشَايِخِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَيْثُ قُلْت خِلَافٌ فَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ وَحَيْثُ ذَكَرْت قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالًا فَذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشُّيُوخَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي تَشْهِيرِ الْأَقْوَالِ يُرِيدُ وَتَسَاوَى الْمُشَهِّرُونَ فِي الرُّتْبَةِ فَإِنَّهُ يُذْكَرُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ الْمَشْهُورَةَ وَيَأْتِي بَعْدَهَا بِلَفْظَةِ خِلَافِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَسَوَاءٌ اخْتِلَافُهُمْ فِي التَّرْجِيحِ بِلَفْظِ التَّشْهِيرِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِمْ: الْمَذْهَبُ كَذَا أَوْ الظَّاهِرُ أَوْ الرَّاجِحُ أَوْ الْمُفْتَى بِهِ كَذَا أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْمُشَهِّرُونَ فِي الرُّتْبَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا شَهَّرَهُ أَعْلَمُهُمْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ قَبْلُ وَوُجِدَ بِخَطِّهِ فِي حَاشِيَتِهِ قَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِهِ: فَابْنُ رُشْدٍ تَشْهِيرُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى تَشْهِيرِ ابْنِ بَزِيزَةَ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ مُتَسَاوُونَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَطَّلِعْ فِي الْفَرْعِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ لِغَيْرِهِ مِنْ تَشْهِيرٍ أَوْ تَصْوِيبٍ أَوْ اخْتِيَارٍ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ ضَعِيفًا جِدًّا فَيَتْرُكُهُ وَيَذْكُرُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُتَسَاوِيَةِ هَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ فِي كَلَامِهِ وَقَدْ يَقَعُ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَى تَرْجِيحِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مَنْصُوصَةً مِمَّا إذَا ظَهَرَ لَهُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فَإِنَّهُ لَا يُرَجِّحُ مَا ظَهَرَ لَهُ تَوَرُّعًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِمَا رَجَّحَهُ غَيْرُهُ وَلِضِيقِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ عَنْ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِهِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ يُشِيرُ فِيهِ إلَى مَا ظَهَرَ لَهُ بِالْخَاءِ. [تَنْبِيهٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَبِحَمْلِ الْمُسْتَفْتِي عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُتَسَاوِيَةِ جَرَى الْعَمَلُ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ فِي بَابِ صَلَاةِ السَّفَرِ فَقَالَ وَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ فُقَهَاءُ كَثِيرٌ كُلٌّ يَرَى غَيْرَ رَأْيِ صَاحِبِهِ وَكُلُّهُمْ أَهْلٌ لِلْفَتْوَى جَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ أَيُّهُمْ أَحَبَّ وَإِنْ كَانَ عَالِمٌ وَاحِدٌ فَتَرَجَّحَتْ عِنْدَهُ الْأَقْوَالُ جَرَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا

أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُسْتَفْتِي عَلَى أَيِّهِمَا أَحَبَّ. وَالثَّانِي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالنَّاقِلِ يُخْبِرُهُ بِالْقَائِلِينَ وَهُوَ يُقَلِّدُ أَيُّهُمْ أَحَبَّ كَمَا لَوْ كَانُوا أَحْيَاءَ انْتَهَى. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ وَإِلَّا فَلْيُرَجِّحْ أَحَدَ الْأَقْوَالِ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلتَّرْجِيحِ إذَا وَجَدَ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ فِي التَّرْجِيحِ فَلْيُفَزِّعْ إلَى صِفَاتِهِمْ الْمُوجِبَةِ بِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِآرَائِهِمْ فَالْأَعْلَمُ الْوَرِعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَوْرَعِ الْعَالِمِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ اعْتَبَرَ صِفَةَ الْقَائِلِينَ أَوْ النَّاقِلِينَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ وَذَكَرَ ابْنُ الْفُرَاتِ أَنَّ عَمَلَ الشُّيُوخِ جَرَى عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ يَحْكِي الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ وَكَذَا ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي آخِرِ شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُسْتَفْتِينَ، وَمَنْ لَدَيْهِ مِنْهُمْ مَعْرِفَةٌ، وَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاعْتَبَرَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) ش: الْمَفَاهِيمُ جَمْعُ مَفْهُومٍ وَالْمَفْهُومُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحِلِّ النُّطْقِ أَيْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِمَنْطُوقِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ: مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، (فَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ قِسْمَانِ فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنُ الْخِطَابِ (فَفَحْوَى الْخِطَابِ) أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ كَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الدَّالِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ أَشَدَّ مِنْهُ فِي الْإِذَايَةِ وَالْعُقُوقِ (وَلَحْنُ الْخِطَابِ) أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ مُسَاوِيًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ كَتَحْرِيمِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا فَإِنَّ الْإِحْرَاقَ مُسَاوٍ لِلْأَكْلِ فِي إتْلَافِهِ عَلَى الْيَتِيمِ (وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ) أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ: مَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوَ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» وَمَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوَ «أَعْطِ السَّائِلَ لِلْحَاجَةِ» وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوَ مَنْ تَطَهَّرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوَ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ نَحْوَ {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوَ سَافَرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ نَحْوَ جَلَسْت أَمَامَ زَيْدٍ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ نَحْوَ «فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» وَهِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَفْهُومُ اللَّقَبِ فَقَالَ بِهِ الدَّقَّاقُ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَجَمَعَهَا ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْتٍ فَقَالَ صِفْ وَاشْتَرِطْ عَلِّلْ وَلَقِّبْ ثَنِّيَا ... وَعُدَّ ظَرْفَيْنِ وَحَصْرًا أَغْيَا وَقَوْلُهُ: ثَنِّيَا، يَعْنِي بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَقَوْلُهُ: أَغْيَا، أَيْ غَايَةً قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَاهَا، إذْ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا يَقُولُ بِغَيْرِهِ إلَّا الْغَايَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ اخْتِصَارٌ فَلِذَلِكَ تَرَكَهُ انْتَهَى. بَلْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْغَايَةَ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَفِي رُتْبَةِ الْغَايَةِ مَفْهُومُ الْحَصْرِ وَقِيلَ فِيهِ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ إذْ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ أَحْرَى فَعَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ فَهُوَ أَحْرَى مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ فِي نَفْسِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، انْتَهَى. يَعْنِي فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا اعْتَبَرْت مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَأَحْرَى مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ يُقَالُ فِي مَفْهُومِ الْغَايَةِ وَالْحَصْرِ: إنَّهُمَا مُعْتَبَرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْلَى مَنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالشَّرْطِ قَالَ بِهِمَا وَالْخِلَافُ فِيهِمَا أَضْعَفُ مِنْ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ

فرع هل يجوز أن يقال في طريق من الطرق هذا مذهب مالك

وَمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ هَذَا مِنْ الْمَفْهُومَيْنِ لُزُومًا فَمَفْهُومُ الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ: وَالْمَبْتُوتَةُ حَتَّى يُولِجَ بَالِغٌ، وَكَقَوْلِهِ فِي الْحَجْرِ: الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ لِلْإِفَاقَةِ، وَكَقَوْلِهِ: إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ، وَمَفْهُومٌ الْحَصْرِ كَقَوْلِهِ: إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ حَصْرُ الْقَسْمِ فِي الزَّوْجَاتِ، وَكَقَوْلِهِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: وَإِنَّمَا يُحْكَمُ فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ وَكَقَوْلِهِ فِيهِ القاة وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ لِحَاجَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْبَيِّنِ لَا بُدَّ أَنْ يُسْتَثْنَى مِمَّا ذَكَرَهُ مَفْهُومُ الْوَصْفِ الْكَائِنِ فِي التَّعْرِيفَاتِ فَإِنَّهَا فُصُولٌ أَوْ خَوَاصُّ يُؤْتَى بِهَا لِلْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَأَظُنُّهَا مِمَّا قُيِّدَ عَنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُتُوحِ يُعْتَبَرُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لُزُومًا وَيُعْتَبَرُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَفَاهِيمِ جَوَازًا وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِ وَقَبْلَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ عَنْ ابْنِ الْفُتُوحِ ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ (ثُمَّ قُلْت) وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ لِهَذَا فِيمَا وَصَفَهُ بِصِفَةٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِحُكْمِ مَا خَلَا مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ وَهَا هُنَا وَجْهٌ إذَا تَمَّ وَسَلَّمَ كَانَ رَقِيقَ الْحَوَاشِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ دُونَ غَيْرِهِ تَنْزِيلَهُ مَنْزِلَةَ الْمَنْصُوصِ فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْقُيُودُ وَالْمَفْهُومَاتُ وَنَحْوُهَا انْصِرَافَهَا لِلْمَنْطُوقَاتِ الْمَلْفُوظِ بِهَا وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا انْحَلَّ بِهِ مُعْضِلَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِهِ كَقَوْلِهِ فِي الْجِهَادِ وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى بَعْضِهَا فِي مَحَالِّهَا انْتَهَى. وَقَدْ يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إمَّا لِقُيُودٍ يَذْكُرُهَا أَوْ لِفُرُوعٍ يَعْطِفُهَا أَوْ يُشَبِّهُهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. ص (وَأُشِيرَ بِصُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ إلَى أَنَّ شَيْخًا غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا أَوْ اسْتَظْهَرَهُ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: أَيْ أُشِيرَ إلَى غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ بِلَفْظِ صُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ مَبْنِيَّيْنِ لِلْمَفْعُولِ لِقَصْدِ عَدَمِ التَّبْيِينِ وَلِذَا نَكَّرَ شَيْخًا وَالْأَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ أَنَّ التَّصْحِيحَ فِيمَا يُصَحِّحُهُ الشَّيْخُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَالِاسْتِحْسَانَ فِيمَا يَرَاهُ مَعَ احْتِمَالِ الشُّمُولِ فِيهَا وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالْوَصْفِ كَالْأَصَحِّ وَالْمُصَحَّحِ وَالْأَحْسَنِ ص (وَبِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا تَرَدُّدُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالثَّانِي تَرَدُّدُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ فَقَوْلُهُ: أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ، مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي النَّقْلِ، وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ: لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَرَدُّدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِفَقْدِ مَعْنَى التَّرَدُّدِ الَّذِي هُوَ التَّحَيُّرُ إذْ لَا تَحَيُّرَ مَعَ تَحْرِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ وَلَا سِيَّمَا أَمْثَالُ مَنْ تَقَدَّمَ وَتَرَدُّدُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْغَرْوِ لِلْمَذْهَبِ الْمُسَمَّى بِالطُّرُقِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الطَّرِيقَةُ عِبَارَةٌ عَنْ شَيْخٍ أَوْ شُيُوخٍ يَرَوْنَ الْمَذْهَبَ كُلَّهُ عَلَى مَا نَقَلُوهُ فَالطُّرُقُ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِلَافِ الشُّيُوخِ فِي كَيْفِيَّةِ نَقْلِ الْمَذْهَبِ وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الطُّرُقِ مَا أَمْكَنَ وَالطَّرِيقُ الَّتِي فِيهَا زِيَادَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ ثِقَاتٌ وَحَاصِلُ دَعْوَى النَّافِي شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَلَامَةً يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ أَقَلُّ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ. (قُلْت) وَقَدْ يَقَعُ التَّرَدُّدُ بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ تَرَدُّدٌ، وَفِي قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَإنْ شَهِدَ ثَانِيًا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى تَرَدُّدٌ. فَإِنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ لِكَثْرَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ] (فَرْعٌ) سُئِلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَمَشْهُورِ أَقْوَالِهِ وَالتَّرْجِيحِ وَالْقِيَاسِ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ بَذْلِ وُسْعِهِ فِي تَذَكُّرِهِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْزُوَهُ إلَى

مَنْ قَالَهُ قَبْلَهُ كَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ ص (وَبِلَوْ إلَى خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يُرِيدُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِلَوْ الْإِغْيَائِيَّةِ الْمَقْرُونَةِ بِوَاوِ النِّكَايَةِ الْمُكْتَفَى عَنْ جَوَابِهَا بِمَا قَبْلَهَا إلَى خِلَافٍ مَنْسُوبٍ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَشَاهِدُ الِاسْتِقْرَاءِ يَقْضِي بِصِحَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَكِنْ لَا يُشِيرُ بِهَا إلَّا إلَى خِلَافٍ قَوْلِيٍّ وَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي وَإِنْ مَعَ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَاوِ النِّكَايَةِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: خِلَافٍ مُنَوَّنٌ، وَقَوْلَهُ: مَذْهَبِيٍّ بِيَاءِ النَّسَبِ وَذَكَرَ فِيهَا ابْنُ الْفُرَاتِ احْتِمَالًا بَعِيدًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْيَاءُ فِي مَذْهَبِيٍّ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ، وَخِلَافٍ غَيْرَ مُنَوَّنٍ أَيْ يُشِيرُ بِلَوْ إلَى غَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّسَخِ كَذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا قِيلَ فِي أَنَّ الْإِغْيَائِيَّةِ الْمُكْتَفَى عَنْ جَوَابِهَا بِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا إلَى خِلَافٍ خَارِجِ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَكْمِيلٌ فِي بَيَانِ أُمُورٍ يُحْتَاجُ إلَيْهَا) مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِ شُرَّاحِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: مِنْ قَاعِدَتِهِ أَنَّهُ لَا يُمَثِّلُ لِشَيْءٍ إلَّا لِنُكْتَةٍ مِنْ رَفْعِ إيهَامٍ أَوْ تَحْذِيرٍ مِنْ هَفْوَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لِخِلَافٍ أَوْ تَعْيِينٍ لِمَشْهُورٍ أَوْ تَنْبِيهٍ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى أَوْ عَكْسِهِ أَوْ مُحَاذَاةِ نَصِّ كِتَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَظْهَرُ لِمَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ، وَمِنْ قَاعِدَتِهِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ نَظَائِرَ وَكَانَ فِي بَعْضِهَا تَفْصِيلٌ أَقَرَّهُ وَقَيَّدَهُ بِأَحَدِ طَرَفَيْ التَّفْصِيلِ ثُمَّ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ لِطَرَفِهِ الْآخَرِ مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْفُرُوعِ فَيَحْسُنُ تَخَلُّصُهُ وَيَأْخُذُ بَعْضَهُ بِحَجْزَةِ بَعْضٍ، وَمِنْ قَاعِدَتِهِ غَالِبًا أَنَّهُ إذَا جَمَعَ مَسَائِلَ مُشْتَرِكَةً فِي الْحُكْمِ وَالشَّرْطِ نَسَّقَهَا بِالْوَاوِ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهَا بِقَيْدٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُنْطَبِقٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْقَيْدُ مُخْتَصًّا بِبَعْضِهَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ كَافَ التَّشْبِيهِ فَإِذَا جَاءَ بِالْقَيْدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ يَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي غَيْرِ فَصْلِهَا لِيَجْمَعَهَا مَعَ نَظَائِرِهَا بَلْ قَدْ يُكَرِّرُهَا لِذَلِكَ كَقَوْلِهِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ وَتَمَادَى الْمَأْمُومُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ كَتَكْبِيرِهِ لِلرُّكُوعِ بِلَا نِيَّةٍ إحْرَامِ وَذِكْرِ فَائِتَةٍ لِيَجْمَعَ بَيْنَ النَّظَائِرِ الْمُسَمَّاةِ بِمَسَاجِينِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ كُلًّا مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ فِي بَابِهَا وَقَدْ يَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مُفَصَّلَةً فِي بَابِهَا ثُمَّ يَذْكُرُهَا مَعَ نَظَائِرِهَا مُجْمَلَةً اعْتِمَادًا عَلَى مَا فَصَّلَهُ كَقَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ وَبِشَرْطِ نَقْدٍ كَغَائِبٍ فَإِنَّهُ قَدْ قَدَّمَ حُكْمَ النَّقْدِ فِي الْغَائِبِ مُفَصَّلًا ثُمَّ ذَكَرَهُ هُنَا مُجْمَلًا بَلْ ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ أَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ فِي النَّظَائِرِ مَا هُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَمَنْ قَاعِدَتِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُمْ إذَا أَسْنَدُوا الْفِعْلَ إلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْغَائِبِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ كَقَوْلِهِمْ قَالَ: وَكَرِهَ وَمَنَعَ وَرَخَّصَ وَأَجَازَ وَلَمْ يَمْنَعْ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَالِكٍ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَمِنْ عَادَتِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوا لَفْظَ النَّدْبِ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ كَانَ فِي مُصْطَلَحِ الْأُصُولِيِّينَ شَامِلًا لِلسُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالنَّافِلَةِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ هَذِهِ شَائِعٌ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْسِيمُهَا إلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي التَّعْبِيرِ عَنْ بَعْضِهَا وَلَا خِلَافَ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ أَعْلَاهَا يُسَمَّى سُنَّةً وَسَمَّى ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ رَغَائِبَ وَالثَّالِثَ نَوَافِلَ وَسَمَّى الْمَازِرِيُّ الثَّانِيَ فَضَائِلَ وَالثَّالِثَ نَوَافِلَ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الثَّانِيَ يُسَمَّى رَغِيبَةً وَالثَّالِثَ يُسَمَّى مُسْتَحَبًّا وَزَادَ قِسْمًا رَابِعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَسَتَقِفُ عَلَى كَلَامِهِمْ مُخْتَصَرًا. قَالَ الْمَازِرِيُّ فَسَمَّوْا كُلَّ مَا عَلَا قَدْرُهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَأَكَّدَ الشَّرْعُ أَمْرَهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ وَأَشْهَرَهُ سُنَّةً كَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَسَمُّوا كُلَّ مَا كَانَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنْ هَذَا نَافِلَةً، وَمَا تَوَسَّطَ بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ فَضِيلَةً وَنَحْوُهُ لِابْنِ رَاشِدٍ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: السُّنَّةُ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ دَاوَمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِهِ بِغَيْرِ صِفَةِ النَّوَافِلِ وَالرَّغَائِبُ مَا دَاوَمَ عَلَى فِعْلِهِ بِصِفَةِ النَّوَافِلِ أَوْ رَغَّبَ فِيهِ بِقَوْلِهِ مَنْ فَعَلَ كَذَا

فوائد

فَلَهُ كَذَا وَالنَّوَافِلُ مَا قَرَّرَ الشَّرْعُ أَنَّ فِي فِعْلِهِ ثَوَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَوْ يُرَغِّبَ فِيهِ أَوْ يُدَاوِمَ عَلَى فِعْلِهِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرًا لَهُ فَهُوَ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَأَجْمَلَهُ فِي أَفْعَالِ الْخَيْرِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا وَاظَبَ عَلَى فِعْلِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَتَرَكَهُ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَيُسْمَى رَغِيبَةً، وَمَا وَاظَبَ عَلَى فِعْلِهِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا تَسْمِيَتُهُ سُنَّةً الْتِفَاتًا إلَى الْمُوَاظَبَةِ. وَالثَّانِي تَسْمِيَتُهُ فَضِيلَةً الْتِفَاتًا إلَى تَرْكِ إظْهَارِهِ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُطْلِقُ الْمُسْتَحَبَّ وَالْفَضِيلَةَ عَلَى مَا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَيُقَسِّمُ السُّنَّةَ إلَى مُؤَكَّدَةٍ وَغَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ عَادَتِهِمْ أَيْضًا أَنْ يَسْتَعْمِلُوا لَفْظَ الْجَوَازِ وَيُرِيدُونَ بِهِ الْمُبَاحَ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ: الْجَوَازُ يُطْلَقُ بِتَفْسِيرَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَوَازُ الْإِقْدَامِ كَيْفَ كَانَ حَتَّى يَنْدَرِجَ تَحْتَهُ الْوُجُوبُ. وَثَانِيهِمَا اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ الْمُبَاحُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ مُتَرَادِفَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَّا مَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْحَجِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ: وَالْوَاجِبُ لَهُ مَعْنَيَانِ: مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَشْهُورُ. الثَّانِي مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ؛ كَقَوْلِنَا: الْوُضُوءُ وَاجِبٌ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ تَرَكَ الْمُتَطَوِّعُ ذَلِكَ وَتَرَكَ التَّطَوُّعَ لَمْ يَأْثَمْ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَاعِدَةُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ غَالِبًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّوَايَاتِ أَقْوَالُ مَالِكٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ أَقْوَالُ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَنَحْوِهِمْ وَقَدْ يَقَعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَبِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي السَّابِعِ فَقِيلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقِيلَ سَالِمٌ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَظَمَهُمْ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ أَلَا كُلُّ مَنْ لَا يَقْتَدِي بِأَئِمَّةٍ ... فَقِسْمَتُهُ ضِيزَى عَنْ الْحَقِّ خَارِجَهْ فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٍ ... سَعِيدُ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَهْ فَمَشَى عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَالْمَدَنِيُّونَ يُشَارُ بِهِمْ إلَى ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ مَسْلَمَةَ وَنُظَرَائِهِمْ وَالْمِصْرِيُّونَ يُشَارُ بِهِمْ إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنُظَرَائِهِمْ وَالْعِرَاقِيُّونَ يُشَارُ بِهِمْ إلَى الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَالْقَاضِي أَبِي الْحَسَن بْنِ الْقَصَّار وَابْنِ الْجَلَّابِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ وَنُظَرَائِهِمْ وَالْمَغَارِبَةُ يُشَارُ بِهِمْ إلَى الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ الْقَابِسِيِّ وَابْنِ اللَّبَّادِ وَالْبَاجِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَاضِي سَنَدٍ وَالْمَخْزُومِيِّ وَهُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْمَدَارِكِ فِي أَوَّلِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَابْنِ شَبْلُونٍ وَهُوَ أَبُو مُوسَى بْنُ شَاسٍ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْمَدَارِكِ وَابْنِ شَعْبَانَ هُوَ صَاحِبُ الزَّاهِي وَهُوَ ابْنُ الْقُرْطِيِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبَعْدَ الرَّاءِ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءُ النَّسَبِ. [فَوَائِد] (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَيُمَضْمِضُ فَاهُ سَمِعْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ: إذَا قَالَ: أَصْلُ الْخِلَافِ كَبِيرُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِهِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ وَأَبَا حَنِيفَةَ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ أُخْرَى) مِنْهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالْمَاءُ أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، قَالَ: حَذَّرُوا أَيْ الشُّيُوخُ مِنْ إجْمَاعَاتِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَاتِّفَاقَاتِ ابْنِ رُشْدٍ وَخِلَافِيَّاتِ الْبَاجِيِّ فَإِنَّهُ يَحْكِي الْخِلَافَ

فائدة في تفسير اصطلاح العتبي وابن رشد في البيان

فِيمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ يُخْتَلَفُ فِيهِ انْتَهَى. وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ اللَّخْمِيُّ: يُخْتَلَفُ فِي كَذَا وَيَكُونُ مُقَابِلَ الْمَنْصُوصِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَخْرِيجٌ أَوْ اخْتِيَارٌ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ أُخْرَى) مِنْهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ لَمَّا ذَكَرَ شُرُوحَ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا الْجُزُولِيُّ وَابْنُ عُمَرَ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا فَلَيْسَ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ بِتَأْلِيفٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَقْيِيدٌ قَيَّدَهُ الطَّلَبَةُ زَمَنَ إقْرَائِهِ فَهُوَ يَهْدِي وَلَا يُعْتَمَدُ وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ أَفْتَى بِأَنَّ مَنْ أَفْتَى مِنْ التَّقَايِيدِ يُؤَدَّبُ انْتَهَى. وَيُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا إذَا ذَكَرَا نَقْلًا يُخَالِفُ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ وَقَوَاعِدَهُ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَقَدْ جَاءَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ أَنْ يَنْبَغِي مِنْ أَلْفَاظِ الِاسْتِحْبَابِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ غَازِيٍّ فِي نَظْمِ نَظَائِرِ الرِّسَالَةِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَلِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي تَأْدِيبِ شَاهِدِ الزُّورِ إذَا تَابَ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ أَنْ لَا بَأْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِبَاحَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ: لَا بَأْسَ فِيمَا كَانَ فِعْلُهُ مُبَاحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) نَقِيضُ الْمَنْدُوبِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلسُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالنَّافِلَةِ مَرْجُوحٌ مَطْلُوبُ التَّرْكِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَا ذُكِرَ مَطْلُوبًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَطْلُوبًا وَنَقِيضُهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ بِالْكَرَاهَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِصِدْقِ حَدِّ الْمَكْرُوهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ عَلَى قَدْرِ تَفَاوُتِ الطَّلَبِ وَيُحْمَلُ مَا يَقَعُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ فِي بَعْضِ صُوَرِ مَا ذُكِرَ عَلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ لَا مُطْلَقِ الْكَرَاهَةِ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ: وَتَرْكُ الْأَحْسَنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهٌ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُفَصِّلُ فَيَجْعَلُ نَقِيضَ مَا تَأَكَّدَ طَلَبُهُ مَكْرُوهًا وَنَقِيضَ مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ طَلَبُهُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَهُوَ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِذَا عُلِمَ الْمُرَادُ فَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ وَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّفْصِيلُ أَيْضًا لَكِنْ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَا طُلِبَ تَرْكُهُ بِنَهْيٍ مَخْصُوصٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَمَا طُلِبَ تَرْكُهُ بِنَهْيٍ غَيْرِ مَخْصُوصٍ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى. [فَائِدَةٌ فِي تَفْسِيرِ اصْطِلَاحِ الْعُتْبِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ] (فَائِدَةٌ) فِي تَفْسِيرِ اصْطِلَاحِ الْعُتْبِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَقَوْلِهِ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مَثَلًا وَرَسْمِ حَبْلِ الْحَبْلَةِ وَرَسْمِ سَلَفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعُتْبِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا جَمَعَ الْأَسْمِعَةَ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَسَمَاعَ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَسَمَاعَ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَسَحْنُونٍ وَمُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَزُونَانٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَصْبَغَ وَأَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ جَمَعَ كُلَّ سَمَاعٍ فِي دَفَاتِرَ وَأَجْزَاءٍ عَلَى حِدَةٍ. ثُمَّ جَعَلَ لِكُلِّ دَفْتَرٍ تَرْجَمَةً يُعْرَفُ بِهَا وَهِيَ أَوَّلُ ذَلِكَ الدَّفْتَرِ فَدَفْتَرٌ أَوَّلُهُ الْكَلَامُ عَلَى الْقِبْلَةِ وَآخَرُ أَوَّلُهُ حَبْلُ الْحَبْلَةِ وَآخَرُ أَوَّلُهُ جَاعَ فَبَاعَ امْرَأَتَهُ وَآخَرُ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَجْعَلُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي فِي أَوَّلِهِ لَقَبًا لَهُ وَفِي كُلِّ دَفْتَرٍ مِنْ هَذِهِ الدَّفَاتِرِ مَسَائِلُ مُخْتَلِطَةٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَلَمَّا رَتَّبَ الْعُتَيْبَةَ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ جَمَعَ فِي كُلِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ مَا فِي هَذِهِ الدَّفَاتِرِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ فَلَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَثَلًا جَمَعَ مَا عِنْدَهُ مِنْ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ كُلِّهَا وَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا كَانَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ بِمَا كَانَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ. ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ زُونَانٍ وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ أَصْبَغَ ثُمَّ بِمَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ فِي سَمَاعِ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَةً تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْكِتَابِ أَسْقَطَ ذَلِكَ السَّمَاعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ سَمَاعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمِعَةِ فِي أَجْزَاءٍ وَدَفَاتِرَ فَإِذَا نَقَلَ مَسْأَلَةً مِنْ دَفْتَرٍ عَيَّنَ ذَلِكَ الدَّفْتَرَ الَّذِي

نَقَلَهَا مِنْهُ لِيَعْلَمَ مِنْ أَيِّ دَفْتَرٍ نَقَلَهَا إذَا أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا وَاطِّلَاعَهُ عَلَيْهَا فِي مَحِلِّهَا فَيَقْصِدُ الدَّفْتَرَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ وَيُعَلِّمَهُ بِتَرْجَمَتِهِ. نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ سَيِّدِي الشَّيْخِ عُمَرَ الْبِسَاطِيِّ قَالَ: نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ التَّكْرُورِيِّ قَالَ: نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ بَعْضِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ مَكْتُوبًا أَثَرُهُ نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ مَنْ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْت هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ شَيْخِنَا الْقَلْشَانِيِّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ شَيْخِهِ عِيسَى الْغُبْرِينِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُنْت أَسْمَعُ مِنْ وَالِدِي قَرِيبًا مِنْهُ، وَيَقُولُ: فَتَكُونُ الْأَسْمِعَةُ كَالْأَبْوَابِ لِلْكِتَابِ وَالرُّسُومُ الَّتِي هِيَ التَّرَاجِمُ بِمَنْزِلَةِ الْفُصُولِ لِلْأَبْوَابِ وَأُقَرِّبُ إلَى الْعَزْوِ وَإِلَى الْكَشْفِ مَا عُيِّنَ فِيهِ الرَّسْمُ وَفِي أَيْ سَمَاعٍ هُوَ مِنْ أَيِّ كِتَابٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ أَوْ قَرَأَهُ أَوْ حَصَّلَهُ أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقُنَا لِصَالِحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ) ش: قَدَّمَ الِاسْمَ الْكَرِيمَ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَالْحَصْرَ أَيْ لَا أَسْأَلُ إلَّا اللَّهَ وَكَرَّرَ الِاسْمَ الْكَرِيمَ وَالسُّؤَالَ ثَانِيًا تَلَذُّذًا بِذِكْرِهِ وَرَغْبَةً فِي إجَابَةِ دُعَائِهِ وَأَتَى بِلَفْظِ الْخَبَرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِجَابَتِهِ وَالْعِصْمَةُ بِكَسْرِ الْعِينِ الْمُهْمَلَةِ الْمَنْعُ وَالْحِفْظُ وَقَالَ الْأَبِيُّ: الْعِصْمَةُ عَدَمُ خَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهَا مُقَيَّدَةً انْتَهَى. فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الزَّلَلِ وَالزَّلَلُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ الْخَطَأُ وَالتَّوْفِيقُ التَّيْسِيرُ لِلْخَيْرِ وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَضِدُّهُ الْخِذْلَانُ وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ص (ثُمَّ اعْتَذَرَ لِذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ) ش: يَقُولُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أُبْدِي عُذْرِي وَأُظْهِرُهُ لِأَصْحَابِ الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَفْهَامِ السَّلِيمَةِ مِنْ التَّقْصِيرِ الَّذِي وَقَعَ مِنِّي فِي هَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَخَطْبٌ جَسِيمٌ لَا يُقْدَرُ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا بِإِمْدَادٍ إلَهِيٍّ وَتَوْفِيقٍ رَبَّانِيٍّ فَيَغْتَفِرُونَ لِي مَا لَعَلَّهُ يُوجَدُ فِيهِ مِنْ الْهَفَوَاتِ لِمَا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ الْغَرِيبَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمُهِمَّاتِ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. ص (وَأَسْأَلُ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ وَالْخُشُوعِ وَخِطَابِ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ أَنْ يَنْظُرُوا بِعَيْنِ الرِّضَا وَالصَّوَابِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَمَّلُوهُ، وَمِنْ خَطَأٍ أَصْلَحُوهُ فَقَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَنِّفٌ مِنْ الْهَفَوَاتِ أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ مِنْ الْعَثَرَاتِ) ش: بَالَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّوَاضُعِ وَالتَّلَطُّفِ وَأَتَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى فَإِنَّ التَّضَرُّعَ هُوَ التَّذَلُّلُ وَالْخُشُوعُ هُوَ الْخُضُوعُ وَأَضَافَ اللِّسَانَ إلَى التَّضَرُّعِ وَالْخُضُوعِ لِكَوْنِهِمَا يَنْشَآنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ خِطَابُ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ وَقَوْلُهُ بِعَيْنِ الرِّضَا وَالصَّوَابِ أَيْ لَا بِعَيْنِ الْغَضَبِ وَالسُّخْطِ وَالتَّعَصُّبِ وَلَا بِعَيْنِ الْمَحَبَّةِ الْمُخْرِجَةِ عَنْ الصَّوَابِ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَتَأَمَّلَ بِعَيْنِ الرِّضَا وَالصَّوَابِ أَنْ يُكْمِلُوا مَا فِيهِ مِنْ نَقْصٍ وَيُصْلِحُوا مَا فِيهِ مِنْ خَطَأٍ بَعْدَ تَحَقُّقِ ذَلِكَ وَالْفَحْصِ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ أَوْ مِنْ جِهَةِ التَّرَاكِيبِ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ يَسْتَعْمِلُ لِشِدَّةِ الِاخْتِصَارِ مَا لَا يَجُوزُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ فَقَوْلُهُ: كَمَّلُوهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَوْلُهُ: أَصْلَحُوهُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَفَوَاتُ الزَّلَّاتُ وَكَذَا الْعَثَرَاتُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَلَقَدْ صَدَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَنِّفٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُمْ الْعُذْرُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَكْبُو وَالصَّارِمَ قَدْ يَنْبُو ، وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْجَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا ... كَفَى الْمَرْءَ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ وَاقْتَضَبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْكَلَامَ مِنْ آخِرِ وَجِيزِ ابْنِ غَلَّابٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ وَنَصِّ مَا حُكِيَ عَنْهُ ثُمَّ اعْتَذَرَ لِذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَقُولُ مَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَنْشَدَهُ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ فَعَفْوًا جَمِيلًا عَنْ خَطَئِي فَإِنَّنِي ... أَقُولُ كَمَا قَدْ قَالَ مَنْ كَانَ شَاكِيًا فَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ... وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا

كتاب الطهارة

وَنَحْنُ نَسْأَلُ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ وَالْخُضُوعِ وَخِطَابِ الِاعْتِرَافِ وَالْخُشُوعِ لِلْمُتَصَفِّحِينَ هَذَا الْكِتَابَ أَنْ يَنْظُرُوهُ بِعَيْنِ الرِّضَا وَالصَّوَابِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَمَّلُوهُ وَجَوَّدُوهُ وَمَا كَانَ مِنْ خَطَأٍ أَحْكَمُوهُ وَصَوَّبُوهُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَنِّفٌ مِنْ الْهَفَوَاتِ وَيَنْجُو نَاظِمٌ أَوْ مُؤَلِّفٌ مِنْ الْعَثَرَاتِ خُصُوصًا مَعَ الْبَاحِثِينَ عَلَى الْعَوْرَاتِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَبَ عَثْرَةَ أَخِيهِ لِيَهْتِكَهُ طَلَبَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ فَيَهْتِكَهُ» . وَأَنْشَدُوا: لَا تَلْتَمِسْ مِنْ عُيُوبِ النَّاسِ مَا سَتَرُوا ... فَيَهْتِكَ اللَّهُ سِتْرًا عَنْ مَسَاوِيكَ وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا ... وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [بَابٌ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ] ص (بَابٌ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) ش: الْبَابُ فِي اللُّغَةِ الْمَدْخَلُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ مُشْتَرَكَةٍ فِي حُكْمٍ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالْفَصْلِ وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَيُقَدَّمُ الْكِتَابُ ثُمَّ الْبَابُ فَيُزَادُ فِي تَعْرِيفِ الْكِتَابِ ذَاتِ أَبْوَابٍ وَفِي تَعْرِيفِ الْبَابِ ذَاتِ فُصُولٍ أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهَا بِحَسْبِ الِاصْطِلَاحِ وَالْكِتَابُ يُفْصَلُ بِالْأَبْوَابِ أَوْ بِالْفُصُولِ وَالْبَابُ بِالْفُصُولِ وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا تَفْصِيلَ الْبَابِ بِالْكُتُبِ وَالْفَصْلُ بِالْأَبْوَابِ وَالْكِتَابُ فِي اللُّغَةِ الْمَكْتُوبُ كَالرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ الْكُتُبِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ،. وَالْفَصْلُ فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا بَابُ كَذَا وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْعَلُ الْأَبْوَابَ مَكَانَ الْكُتُبِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَيَحْذِفُ فِي التَّرَاجِمِ الَّتِي تُضَافُ إلَيْهَا الْأَبْوَابُ اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِفَهْمِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ، وَحِكْمَةُ تَفْصِيلِ الْمُصَنَّفَاتِ بِالْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ تَنْشِيطُ النَّفْسِ وَبَعْثِهَا عَلَى الْحِفْظِ وَالتَّحْصِيلِ بِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ السُّرُورِ بِالْخَتْمِ وَالِابْتِدَاءِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ سُوَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا تَسْهِيلٌ لِلْمُرَاجَعَةِ وَالْكَشْفِ عَنْ الْمَسَائِلِ وَكَذَا فَصْلُ صَاحِبِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا كَثُرَتْ مَسَائِلُهُ وَتَوَسَّطَتْ إلَى كِتَابَيْنِ وَمَا طَالَتْ إلَى ثَلَاثَةِ كُتُبٍ وَالتَّرْجَمَةُ الْمُضَافُ إلَيْهَا الْبَابُ هُنَا الطَّهَارَةُ وَهِيَ بِالْفَتْحِ لُغَةً النَّزَاهَةُ وَالنَّظَافَةُ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْأَوْسَاخِ. وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي التَّنْزِيهِ عَنْ الْعُيُوبِ وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِالْأَعْيَانِ الَّتِي تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوَّلُهُ كَمَا يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ طَاهِرٌ وَتِلْكَ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ الطَّهَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ تُبَاحُ مُلَابَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغِذَاءِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ وَفِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي مَجَازٌ فَذَلِكَ عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوَّلُهُ فَالْأَوَّلِيَّانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ انْتَهَى، وَيُقَابِلُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى النَّجَاسَةُ وَلِذَلِكَ عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ: بِأَنَّهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ انْتَهَى، فَتِلْكَ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ النَّجَاسَةُ شَرْعًا هِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ تُمْنَعُ مُلَابَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغِذَاءِ. فَإِذَا أَطْلَقْنَا عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّهُ نَجَسٌ فَذَلِكَ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ جِنْسِهَا عَلَيْهَا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَنْ عَرَّفَ الطَّهَارَةَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَقَالَ: وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ: الطَّهَارَةُ إزَالَةُ النَّجَسِ

أَوْ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ بِالْمَاءِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّطْهِيرُ وَالطَّهَارَةُ غَيْرُهُ لِثُبُوتِهَا دُونَهُ فِيمَا لَمْ يَتَنَجَّسْ وَفِي الْمُطَهَّرِ بَعْدَ الْإِزَالَةِ،. (قُلْتُ) : قَدْ يُقَالُ إنَّ تَعْرِيفَ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ الطَّهَارَةَ بِحَسْبِ الْمَعْنَى الثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ الْمُكَلَّفِ بِهَا وَالْمُكَلَّفُ بِهِ إنَّمَا هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ لَا الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَفِي قَوْلِ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ مَجَازُ نَظَرٍ. بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ أَيْضًا فَلَفْظُ الطَّهَارَةِ مُشْتَرَكٌ فِي الشَّرْعِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَالْأَحْسَنُ التَّعَرُّضُ لِبَيَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُكَلَّفُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ حُكْمِيَّةٌ أَنَّهَا يُحْكَمُ بِهَا وَيُقَدَّرُ قِيَامُهَا بِمَحِلِّهَا وَلَيْسَتْ مَعْنَى وُجُودِيًّا قَائِمًا بِمَحِلِّهِ كَالْعِلْمِ لِلْعَالَمِ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِمُلَابَسَتِهِ فَيَشْمَلُ الثَّوْبَ وَبَدَنَ الْمُصَلِّي وَالْمَاءَ وَكُلَّ مَا يَجُوزُ أَنْ يُلَابِسَهُ الْمُصَلِّي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُلَابَسَتِهِ إيَّاهُ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَنْ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ طَهَارَةَ الْمَاءِ الْمُضَافِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ يُرِيدُ بِهِ الْمَكَانَ، وَقَوْلُهُ لَهُ يُرِيدُ بِهِ الْمُصَلِّي وَهُوَ شَامِلٌ بِظَاهِرِهِ لِطَهَارَةِ الْمُصَلِّي مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ يَخُصُّهُ بِهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِّ النَّجَاسَةِ تُوجِبُ لَهُ مَنْعَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ أَوْلَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ كَمَا يَمْنَعُ الْحَدَثُ الصَّلَاةَ فَكَذَلِكَ الْخَبَثُ وَإِدْخَالُ الْبَدَنِ فِي قَوْلِهِ بِهِ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالطَّهُورِيَّةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا، وَأَمَّا الطُّهَارَةُ بِالضَّمِّ فَهِيَ فَضْلَةُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ الْعِبَادَاتِ عَلَى غَيْرِهَا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَوْكَدُ الْعِبَادَاتِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ وَلِتَقَدُّمِهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْقَوَاعِدِ فِي حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» مَا عَدَا الشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا أُفْرِدَتَا بِعِلْمٍ مُسْتَقِلٍّ وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الطَّهَارَةِ لِأَنَّهَا أَوْكَدُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي يُطْلَبُ الْمُكَلَّفُ بِتَحْصِيلِهَا لِسُقُوطِ الصَّلَاةِ مَعَ فَقْدِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ مَاءٍ وَصَعِيدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْمَائِيَّةَ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَاحْتَاجَ إلَى تَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْحَدَثُ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ وُجُودُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَيُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ: عَلَى الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي فَصْلِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَعَلَى نَفْسِ الْخُرُوجِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ آدَابُ الْحَدَثِ، وَعَلَى الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ الْمُقَدَّرِ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ يَمْنَعُ الْحَدَثُ كَذَا وَكَذَا، وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُرَتِّبِ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ هُنَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ أَيْ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هُنَا بِالْحَدَثِ الْمَعْنَى الثَّابِتُ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا ارْتَفَعَ الْآخَرُ وَلَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْمَنْعَ لِأَنَّهُ تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا وَلَا يَرْفَعُ الْوَصْفَ الْقَائِمَ بِالْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّا نَقُولُ: التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْمَنْعَ رَفْعًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ فَيَرْفَعُ الْمَنْعَ عَمَّا يُسْتَبَاحُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ عَدَمُ الْمَاءِ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِهِ إلَّا فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَوْ وُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ فِعْلِ ذَلِكَ الْمُسْتَبَاحِ عَادَ الْمَنْعُ وَلَمْ يُسْتَبَحْ بِهِ شَيْئًا فَالتَّيَمُّمُ رُخْصَةٌ لِاسْتِبَاحَةِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَمْنَعُهَا الْحَدَثُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَالْوَصْفُ وَالْمَنْعُ بَاقِيَانِ. وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَنْكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْمَعْنَى الثَّالِثَ مِنْ مَعَانِي الْحَدَثِ وَقَالَ: إنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ مَنْفِيٌّ بِالْحَقِيقَةِ وَالْأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهَا وَيَبْعُدُ أَنْ يَأْتُوا بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَأَقْرَبُ مَا يُذْكَرُ فِيهِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ كَمَا يُقَالُ ثُمَّ رَدَّ ذَلِكَ. وَقَالَ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ أَوْ بِنَجَاسَتِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ انْتِقَالُ مَانِعٍ إلَيْهِ انْتَهَى مِنْ

شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَأَمَّا الْمَعْنَيَانِ الْأَوَّلَانِ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُمَا وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمِ الْحَدَث كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ فَفِيهِ تَعَسُّفٌ وَتَكَلُّفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَالْخَبَثُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ النَّجَاسَةُ وَإِنَّمَا قَالَ: حُكْمُ الْخَبَثِ لِأَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ تَزُولُ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَأَمَّا حُكْمُهَا وَهُوَ كَوْنُ الشَّيْءِ نَجَسًا فِي الشَّرْعِ لَا تُبَاحُ مُلَابَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغِذَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا مَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ وَالسَّيْفُ الصَّقِيلُ وَنَحْوُهُ إذَا مُسِحَ وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ إذَا دُلِّكَا مِنْ أَبْوَالِ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثِهَا فَالْمَحِلُّ مَحْكُومٌ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ. وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ خِلَافًا لِمَا قَدْ تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْبِسَاطِيِّ وَقَدْ عَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مَوْضِعَ الِاسْتِجْمَارِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَعْفُوَّاتِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَعْنِي قَوْلَهُ أَنَّ إطْلَاقَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَعْفُوِّ مُجَازٌ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَعْفُوَّاتِ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ مَعْنَى النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيِّ فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي إطْلَاقَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا شَرْعًا فَتَأَمَّلَتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ رَافِعَ الْحَدَثِ وَحُكْمَ الْخَبَثِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الرَّفْعِ لِلْمَاءِ مُجَازٌ وَتَصْدِيرَ الْبَابِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَسِيَاقِهَا مَسَاقُ الْحَدِّ لِمَا يُرْفَعُ بِهِ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ أَدَاةُ حَصْرٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ. وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ حَكَى الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ نُوزِعَ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا حُكْمُ الْخَبَثِ فَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ طَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ كَالْأَوْضِيَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَا يَجُوزُ التَّطَهُّرُ مِنْ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْمَسْنُونَاتِ وَالْقُرْبِ بِمَائِعٍ سِوَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ انْتَهَى، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَعْرِيفِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَالْمُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ مَا أُزِيلُ مِنْهُ الْقَيْدُ الْحِسِّيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةٌ فِيمَا أُزِيلَ مِنْهُ الْحِسِّيُّ مَجَازٌ فِيمَا أُزِيلَ مِنْهُ الْقَيْدُ الْمَعْنَوِيُّ؟ طَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْجَمْعِ وَعُزَّى الْأُولَى لِابْنِ رَاشِدٍ وَشَيْخِهِ الْقَرَافِيِّ وَالثَّانِيَةُ لِابْنِ هَارُونَ وَأَبِي عَلِيٍّ قَالَ: وَاسْتَعْمَلَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ انْتَهَى. وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا مَجَازًا لُغَوِيًّا وَعُرْفِيًّا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَاخْتَلَفَ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي تَعْرِيفٍ فَعَرَّفَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَيْ لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَجَعَلُوا مَا تَغَيَّرَ بِقَرَارِهِ أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَوْ بِالْمُجَاوِرَةِ مُلْحَقًا بِالْمُطْلَقِ فِي كَوْنِهِ طَهُورًا فَالْمُطْلَقُ عِنْدَهُمْ أَخُصُّ مِنْ الطَّهُورِ وَجَعَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ عَسْكَرٍ وَغَيْرُهُمَا الْمُطْلَقَ مُرَادِفًا لِلطَّهُورِ فَعَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا مِمَّا لَيْسَ بِقَرَارِهِ وَلَا مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ فَجَعَلُوا مَا تَغَيَّرَ بِقَرَارِهِ أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَوْ بِالْمُجَاوَرَةِ دَاخِلًا فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فَأَدْخَلَهَا كُلَّهَا فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ وَعَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ اسْمُ مَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِضَافَةٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَيْ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى مَاءً. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ هُوَ الَّذِي يَكْتَفِي بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ مَعْنَاهُ مَا صَحَّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ جُزْئِيَّاتُ الْمُطْلَقِ الَّتِي يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعَرَّفُ بِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا أَوْرَدَهُ الْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَدَّمَ التَّصْدِيقَ عَلَى التَّصَوُّرِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْمُطْلَقِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِأَنَّهُمَا يَرْتَفِعَانِ بِالْمُطْلَقِ فَلَمَّا جَرَى فِي كَلَامِهِ

ذِكْرُ الْمُطْلَقِ احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِ وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ اسْمُ مَاءٍ بَيَانِيَّةٌ أَيْ اسْمٌ هُوَ مَاءٌ وَقَوْلُهُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ كَالْجِنْسِ وَقَوْلُهُ بِلَا قَيْدٍ كَالْفَصْلِ خَرَجَ بِهِ مَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ إلَّا مُقَيَّدًا بِإِضَافَةٍ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ أَوْ صِفَةٍ كَالْمَاءِ الْمُضَافِ وَالْمَاءِ النَّجَسِ أَوْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الَّتِي لِلْعَهْدِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» يَعْنِي الْمَنِيَّ وَدَخَلَ فِي حَدِّهِ مَا كَانَتْ إضَافَتُهُ بَيَانِيَّةً كَمَاءِ الْمَطَرِ وَمَاءِ النَّدَى وَمَا قُيِّدَ بِإِضَافَةٍ لِمَحِلِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِدْقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ وَيَكْتَفِي بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ اسْمِ الْمَاءِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَكَذَا مَا قُيِّدَ بِإِضَافَةٍ لِمَحِلِّهِ كَمَاءِ الْبَحْرِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةَ الْوُضُوءِ بِهِ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ وَمَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْمَاءِ الَّذِي نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَشْرَفُ الْمِيَاهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ عَنْ غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ حَيْثُ نَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ عَظْمِهِ وَعَصَبِهِ وَلَحْمِهِ وَدَمِهِ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ فِي الْقَبَسِ وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ خِصِّيصَةٌ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي كَيْفِيَّةِ هَذَا النَّبْعِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْمَازِرِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْبُعُ مِنْ ذَاتِهَا قَالُوا وَهُوَ أَعْظَمُ فِي الْمُعْجِزَةِ مِنْ نَبْعِهِ مِنْ حَجَرٍ الثَّانِي أَنَّ اللَّهَ كَثَّرَ الْمَاءَ فِي ذَاتِهِ فَصَارَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَشْرَفُ مِيَاهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ أَفْضَلُ مِنْ مَاءِ الْكَوْثَرِ لِغَسْلِ قَلْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فَكَيْفَ بِمَا خَرَجَ مِنْ ذَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَخَلَ فِي مَاءِ الْآبَارِ مَاءُ زَمْزَمَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يُغَسَّلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مَا ذَكَرَهُ فِي مَاءِ زَمْزَمَ لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ قَوْلِهِ وَلَا يُغَسَّلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَبْعَدُ مِنْهُ سَمَاعِي ابْتِدَاءَ قِرَاءَتِي فَتْوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ انْتَهَى وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْآبَارِ وَمَاءُ الْعُيُونِ وَمَاءُ الْبَحْرِ طَيِّبٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَاتِ هَذَا عَامٌ يَدْخُلُ فِيهِ بِئْرُ زَمْزَمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَتُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ لَا تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ تَشْرِيفًا لَهُ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ. (قُلْتُ) : أَمَّا الْوُضُوءُ بِهِ لِمَنْ كَانَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ فَلَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِهِ خِلَافًا بَلْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ نَقْلًا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. وَكَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ لِمَنْ كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ خِلَافًا بَلْ صَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا بِاسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ بِهِ قَالَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي اخْتِصَارِ الْوَاضِحَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ تَبَرُّكًا بِبَرَكَتِهِ يَكُونُ مِنْهُ شُرْبُهُ وَوُضُوءُهُ وَاغْتِسَالُهُ مَا أَقَامَ بِمَكَّةَ وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ شُرْبِهِ انْتَهَى، وَيُؤْخَذُ اسْتِحْبَابُ الْغُسْلِ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِكَرَاهِيَتِهِ لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ زَمْزَمَ: لَا أُحِلُّهُ لِمُغْتَسِلٍ وَهُوَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ قَالَ: وَدَلِيلُنَا النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْمِيَاهِ بِلَا فَرْقٍ وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْوُضُوءِ بِهِ بِلَا إنْكَارٍ وَلَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ الْعَبَّاسِ بَلْ حُكِيَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ الْعَبَّاسِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ النُّصُوصِ بِهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا

بِأَنَّهُ قَالَهُ فِي وَقْتِ ضِيقِ الْمَاءِ لِكَثْرَةِ الشَّارِبِينَ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقَرْنِ أَثَرَ الْعَبَّاسِ وَقَالَ: لَا أُحِلُّهَا الْمُغْتَسِلَ وَهِيَ لِلشَّارِبِ حِلٌّ وَبَلٌّ قَالَ: وَالْبَلُّ الْحِلُّ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ لِمَكَانِ تَحْرِيمِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ. وَإِنَّمَا أَسْنَدَ التَّحْرِيمَ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَاءَ بِحِيَازَتِهِ فِي حِيَاضٍ كَانَ يَجْعَلُهَا هُنَاكَ فَالْمُغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ ارْتَكَبَ التَّحْرِيمَ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ جِهَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَمْلُوكِ دُونَ إذْنِ مَالِكِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ مَوْضِعَ زَمْزَمَ وَحَرِيمَهَا سَابِقٌ عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَدْخُلُ فِي تَحْبِيسِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْتَ إذَا كَانَتْ سَابِقَةً عَلَى الْمَسْجِدِ لَا يَدْخُلُ حَرِيمُهَا فِي تَحْبِيسِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ حَدَّ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَانَ إلَى جِدَارِ زَمْزَمَ وَرَأَيْتُ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ تَأْلِيفًا صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّ مَوْضِعَ زَمْزَمَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَحْبِيسِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ مُرُورُ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَمَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِمَاءِ زَمْزَمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ ابْتِدَاءً فَإِنْ أُزِيلَتْ بِهِ طَهُرَ الْمَحِلُّ وَيُخْتَلَفُ فِي كَرَاهَةِ غَسْلِ الْمَيِّتِ بِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَةِ الْمَيِّتِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ الصَّحِيحُ جَازَ غُسْلُهُ بِهِ بَلْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ أَوْلَى لِمَا يُرْجَى مِنْ بَرَكَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ الْآتِي كُرِهَ غُسْلُهُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ: وَاخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ غُسْلِهِ بِمَاءِ زَمْزَمَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ فَإِنْ حَكَمْنَا بِهَا كَرَّهْنَا غُسْلَهُ بِهِ لِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الْمَاءِ فِي النَّجَاسَاتِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَحْكُونَ أَنَّ رَجُلًا اسْتَنْجَى بِهِ فَحَصَلَ لَهُ الْبَاسُورُ وَإِنْ حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ أَجَزْنَا غُسْلَهُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَرَاهَةِ غُسْلِهِ بِمَاءِ زَمْزَمَ قَوْلَانِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ نَجَاسَةٌ انْتَهَى وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يُغْسَلُ بِهِ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمَيِّتَ نَجَسٌ وَلَا يَقْرَبُ ذَلِكَ الْمَاءَ النَّجَاسَةُ وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَنْجَى بِهِ فَحَدَثَ بِهِ الْبَاسُورُ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَّقُونَ الِاسْتِنْجَاءَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ طَاهِرٌ يَجُوزُ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِمَا يُرْجَى مِنْ بَرَكَتِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : هَذَا كَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْمَوْعُودُ بِهِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الْغُسْلِ بِهِ لِمَنْ كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِهِ أَوْلَى لِرَجَاءِ بَرَكَتِهِ فَالْحَيُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَى طَهَارَتِهِ وَصَرَّحَ ابْنُ الْكَرَوِيِّ فِي كِتَابِ الْوَافِي لَهُ بِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي النَّجَاسَاتِ احْتِرَامًا لَهُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنْسَكِهِ لَمَّا ذَكَرَ فِي فَضْلِ زَمْزَمَ حَدِيثَ النَّظَرِ إلَيْهَا عِبَادَةٌ وَالطَّهُورِ مِنْهَا يُحْبِطُ الْخَطَايَا مَا نَصَّهُ (تَنْبِيهٌ) الطَّهُورُ مِنْهَا يُحْبِطُ الْخَطَايَا يُرِيدُ الْوُضُوءَ خَاصَّةً إذَا كَانَتْ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ طَاهِرَةً وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ فَقَدْ شَدَّدَ فِي الْكَرَاهَةِ فِيهِ وَجَاءَ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْبَوَاسِيرَ وَكَذَا غَسْلُ النَّجَاسَاتِ الَّتِي عَلَى الْبَدَنِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا يُغْسَلُ بِهِ نَجَسٌ انْتَهَى وَقَوْلُهُ يُرِيدُ الْوُضُوءَ خَاصَّةً يَعْنِي أَوْ الْغُسْلَ إذَا كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ وَسَلِمَ مِنْ الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ وَإِنَّمَا خَصَّ الْوُضُوءَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُتَصَوَّرُ غَالِبًا قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِهِ يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالنَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيَنْبَغِي تَوَقِّي النَّجَاسَةَ بِهِ خُصُوصًا فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَاسُورَ وَجَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِتَحْرِيمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَإِنْ حَصَلَ التَّطْهِيرُ بِهِ إذَا عُلِمَ هَذَا فَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يُغَسَّلُ بِهِ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ إنْ حُمِلَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ فَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِلَفْظِ الْكَرَاهَةِ فَقَالَ: وَكَرِهَ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ

أَصْحَابِنَا أَنْ تُغْسَلَ بِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ يُغَسَّلُ بِهِ مَيِّتٌ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ كَرَاهَةِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ بِهِ لِعَزْوِهِمْ ذَلِكَ لِابْنِ شَعْبَانَ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الَّذِي عَزَوْهُ لِابْنِ شَعْبَانَ فَقَطْ هُوَ عَدَمُ غَسْلِ الْمَيِّتِ بِهِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمَنْعِ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُمَا فَسَّرَا الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِكَلَامِ ابْنِ شَعْبَانَ وَكَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَأَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَاءٌ مُبَارَكٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُصْرَفَ فِيمَا تُصْرَفُ فِيهِ أَنْوَاعُ الْمِيَاهِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَاجَرَ لَمْ تَكُنْ تَسْتَعْمِلُ هِيَ وَابْنُهَا إسْمَاعِيلُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَمَنْ نَزَلَ عَلَيْهِمَا مِنْ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ سِوَاهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ غَيْرُهُ وَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَجَاسَةٌ عَائِدًا إلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ مَسْأَلَةِ غَسْلِهِ بِمَاءِ زَمْزَمَ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَنْ شَيْخِهِ أَيْضًا قَالَ: وَكَأَنَّهُمَا فَرَّا مِنْ إعَادَتِهِ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِأَنَّهُ لَوْ أُعِيدَ عَلَيْهِ لَفُهِمَ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا إنَّمَا يُشْكِلُ إذَا حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ شَعْبَانَ عَلَى الْمَنْعِ أَمَّا إذَا حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ شَعْبَانَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَفُسِّرَ الْقَوْلَانِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِهِ وَبِمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ يُكْرَهُ تَغْسِيلُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مَنْصُوصُ ابْنِ شَعْبَانَ أَوَّلًا وَشَهَرَهُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَيِّتَ نَجَسٌ. (قُلْتُ) : فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَلَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا أَنَّهُ يُزِيلُهَا أَوَّلًا مَحَلُّ نَظَرٍ انْتَهَى كَلَامُ الْبِسَاطِيِّ وَقَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَشْهُورُ مَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَعْنِي لِأَنَّ الشَّيْخَ خَلِيلًا شَهَرَ الْقَوْلَ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْجَنَائِزِ وَلَوْ بِزَمْزَمَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ كَمَا يَقُولُ ابْنُ شَعْبَانَ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَاءٌ مُبَارَكٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ أَنْ يُصْرَفَ فِيمَا يُصْرَفُ فِيهِ غَيْرُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ. إذْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي مُقَابِلَةِ كَلَامِ ابْنِ شَعْبَانَ حَيْثُ فَهِمَاهُ عَلَى الْمَنْعِ وَلَمْ يُرِيدَا نَفْيَ الْكَرَاهَةِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَيِّتَ نَجَسٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي كَرَاهَةِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهَا فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ الْكَرَوِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَقُوَّةُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَلَمْ نَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي نَفْيِهَا إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي رَدِّهِ عَلَى ابْنِ شَعْبَانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا رُدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَهِمَ كَلَامَهُ عَلَى الْمَنْعِ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي ثَوْبٍ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا تُزَالُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِالْمَاءِ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَاءُ زَمْزَمَ وَهُوَ خَارِجٌ وَلَا تُزَالُ بِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْبَدَنِ وَلَا مِنْ الثَّوْبِ انْتَهَى. قُلْتُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ وَنَقَلَ سَيِّدِي الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُتَطَهَّرُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِأَنَّهُ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«هُوَ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ» وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافُهُ لَا فِي النَّجَاسَاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) : كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ مَنَعَ التَّطْهِيرَ بِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ طَعَامًا إلَّا فِي كَلَامِهِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مَا تَقَدَّمَ فَلْيُعْتَمَدْ عَلَيْهِ ثُمَّ وَقَفَتْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي وَنَصُّهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ مَاءُ زَمْزَمَ فِي الْمَرَاحِيضِ وَلَا يُخْلَطُ بِهِ نَجَسٌ وَلَا يُزَالُ بِهِ وَلَا يُغْسَلُ بِهِ فِي حَمَّامٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ مَنْ سَلِمَتْ أَعْضَاءُ وُضُوئِهِ مِنْ النَّجَسِ وَكَذَلِكَ يَغْتَسِلُ بِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ مَنْ لَيْسَ بِظَاهِرِ جَسَدِهِ أَذًى وَإِنْ أَصَابَ الْفَرْجَيْنِ إذَا كَانَا طَاهِرَيْنِ انْتَهَى. قَالَ فِي بَابِ الْحَجِّ: وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَا يُغْسَلُ بِهِ نَجَسٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) لِاضْطِرَابِ النُّقُولِ فِيهَا فَأَرَدْتُ تَحْرِيرَ مَا ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيهَا وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى فَضْلِهَا وَفَضْلِ الشُّرْبِ مِنْهَا فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْآبَارِ آبَارُ ثَمُودَ فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَائِهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَلِكَ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حِين مَرُّوا بِهَا أَنْ يَشْرَبُوا إلَّا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا مَا عَجَنُوهُ مِنْ تِلْكَ الْآبَارِ وَيُهْرِيقُوا الْمَاءَ» وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ صَحِيحِهِ بَعْدَ كِتَابِ الزُّهْدِ وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَعْلِفُوا الْعَجِينَ الْإِبِلَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِرَاقَةِ مَا سَقَوْا وَعَلْفَ الْعَجِينِ لِلدَّوَابِّ حُكْمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ إذْ ذَلِكَ حُكْمُ مَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ أَوْ كَانَ نَجِسًا وَلَوْلَا نَجَاسَةُ الْمَاءِ لِمَا أُتْلِفَ الطَّعَامُ الْمُحْتَرَمُ شَرْعًا، وَأَمْرُهُ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ بِئْرِ النَّاقَةِ دَلِيلٌ عَلَى التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَإِنْ تَقَادَمَتْ أَعْصَارُهُمْ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَاءٌ كَثِيرٌ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ. (قُلْتُ) : هُوَ مَاءُ الْآبَارِ الَّتِي فِي أَرْضِ ثَمُودَ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، قَالُوا: قَدْ اسْتَقَيْنَا وَعَجَنَّا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُرِيقُوا الْمَاءَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ وَذَلِكَ لِأَجَلِ أَنَّهُ مَاءُ سَخَطٍ فَلَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِرَارًا مِنْ سَخَطِ اللَّهِ اُنْظُرْ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مَاءُ سَخَطٍ وَغَضَبٍ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] مَنْعَ الْوُضُوءِ مِنْ بِئْرِ ثَمُودَ لَأَنَّهَا بِئْرُ غَضَبٍ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِطَرْحِ مَا عُجِنَ مِنْهَا وَبِالتَّيَمُّمِ وَتَرْكِ اسْتِعْمَالِهَا فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْآبَارِ وَهُوَ خِلَافُ مَا هُنَا مِنْ الْعُمُومِ يَعْنِي قَوْلَ الرِّسَالَةِ وَمَاءَ الْآبَارِ. (قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالشَّيْخُ زَرُّوق أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ مَاءُ سَخَطٍ وَغَضَبٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِغَسْلِ أَوْعِيَتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ مِنْهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ثِيَابِهِمْ وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَنُقِلَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ لِمَا دَلَّ عَلَى النَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي اجْتِنَابِ ذَلِكَ الْمَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْآبَارَ قَالَ: إلَّا مِيَاهَ أَبْيَارِ الْحِجْرِ فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ شُرْبِهَا وَالطَّهَارَةِ بِهَا إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِعَدَمِ نَجَاسَتِهِ وَلَا إشْكَالَ فِي مَنْعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَأَمْرُهُمْ بِالتَّيَمُّمِ وَتَرْكُ اسْتِعْمَالِهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ

مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ قُلْتَ: أَرْضٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ مَسِيرَةُ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا. (قُلْتُ) : هِيَ أَرْضُ دِيَارِ ثَمُودَ نَصَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: سُئِلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَيْنَ عُلِمَتْ الْبِئْرُ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ فَقَالَ بِالتَّوَاتُرِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِسْلَامُ انْتَهَى، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَهَا بِالْوَحْيِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى مَنْ يَجِيءُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ: اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْآبَارِ فِي طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا اضْطَرَّ لِلْوُضُوءِ بِهَا جَازَ وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْآبَارِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ: وَيَلْحَقُ بِهَا كُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِ كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهَا أَرْضٌ مَلْعُونَةٌ» وَمَاءِ بِئْرِ ذَرْوَانَ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاءِ بِئْرِ بَرَهُوتَ وَهِيَ بِئْرٌ بِالْيَمَنِ لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ شَرُّ بِئْرٍ فِي الْأَرْضِ بَرَهُوتَ انْتَهَى وَبَابِلُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ بِالْعِرَاقِ وَبِئْرُ ذَرْوَانَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ هِيَ بِالْمَدِينَةِ وَبِئْرُ بَرَهُوتَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ بِئْرٌ عَمِيقَةٌ بِحَضْرَمَوْتَ لَا يُسْتَطَاعُ النُّزُولُ إلَى قَعْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ الْمَاءُ الْعَذْبُ وَلَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ ابْنِ التِّينِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْعَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ. (قُلْتُ) : تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ مَطْعُومٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ الْعَذْبَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا نُبِيحُ الْيَوْمَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تُرِكَ وَجَرَى الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَامِلٌ لِلْعَذْبِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَكَتَبَ قَبْلَهُ ضَادًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهَا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ وَاَلَّذِي فِي الْإِكْمَالِ وَأَصْلِهِ لِلْمَازِرِيِّ فِي الْمُعْلِمِ مَا نَصُّهُ: وَشَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَرَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ طَعَامٌ عِنْدَهُ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالطَّعَامِ مَمْنُوعٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْتُ: يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنْعُهُ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَيَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَوْلُهُ {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذْبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَصِحُّ التَّحْرِيمُ أَيْضًا إذْ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ امْتَنَعَ التَّطَهُّرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ أَيْضًا جَمِيعُ الْمِيَاهِ الْمَكْرُوهَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ. ص (وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى) ش: لَمَّا عَرَّفَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ بِمَا تَقَدَّمَ نَبَّهَ عَلَى قُيُودٍ وَأَحْوَالٍ تَعْرِضُ لِلْمُطْلَقِ لَا تَسْلُبُهُ وَصْفَ الْإِطْلَاقِ أَعْنِي الطَّهُورَ لَكِنَّ مِنْهَا مَا لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَكِنَّهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ يَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ إلَى آخِرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهِ وَهِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى إلَى قَوْلِهِ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا وَلَمَّا كَانَ فِي صِدْقِ حَدِّ الْمُطْلَقِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا نَوْعُ خَفَاءٍ كَالْمَاءِ الْمَشْكُوكِ فِي مُغَيِّرِهِ وَمَا بَعْدَهُ أَتَى بِهَا بِلَفْظِ الْإِغْيَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى بُعْدِهَا مِنْ حَدِّ الْمُطْلَقِ وَإِنْ سَاوَتْهُ فِي الْحُكْمِ وَالضَّمِيرُ فِي جُمِعَ وَذَابَ وَمَا بَعْدَهُمَا عَائِدٌ عَلَى الْمُطْلَقِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ عَوْدَهُ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا وَفِيهِ بُعْدٌ.

فرع إذا ذاب البرد ونحوه فوجد في داخله شيء طاهر أو نجس من لواحق الأرض

وَقَوْلُهُ مِنْ نَدًى بِالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَالنَّدَى فِي اللُّغَةِ الْمَطَرُ وَالْبَلَلُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ وَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ مِنْ اللَّيْلِ وَقَدْ نَصّ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَى أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِمَا يَجْتَمِعُ مِنْ النَّدَى وَلَا يَتَيَمَّمُ إنْ وَجَدَ ذَلِكَ قَالَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَيَتَوَضَّأُ بِالنَّدَى أَمْ يَتَيَمَّمُ؟ قَالَ يَتَيَمَّمُ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ مِنْ النَّدَى مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَا يَجْتَمِعُ مِنْ النَّدَى أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي مَاءٍ بَيَانِيَّةٌ فَلَا يَرِدُ عَلَى حَدِّ الْمُطْلَقِ. ص (أَوَذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ) ش: الْجُمُودُ بِضَمِّ الْجِيمِ مَصْدَرُ جَمَدَ الشَّيْءُ ضِدَّ ذَابَ وَيَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَائِعًا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ يَكُونَ جَامِدًا ثُمَّ ذَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ ذَابَ بِنَفْسِهِ أَوْ ذُوِّبَ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ ثَلْجًا أَوْ بَرَدًا ذَابَ بِمَوْضِعِهِ أَوْ بِغَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ نَقْلًا عَنْ التِّلِمْسَانِيِّ قَالَ: لَا خِلَافَ فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الذَّائِبِ فِي مَحِلِّهِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ إذَا ذَابَ بِمَوْضِعِهِ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَحَكَى فِيهَا أَنَّ الْمِلْحَ إذَا ذَابَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَفَرَّقَ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُمُودُهُ بِصَنْعَةٍ فَلَا يُتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ بِلَا صَنْعَةٍ فَيُتَطَهَّرُ بِهِ وَنَصُّهُ: الْأَصْلُ فِي الْمِيَاهِ كُلِّهَا الطَّهَارَةُ وَالتَّطْهِيرُ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ عَذْبَةً كَانَتْ أَوْ مَالِحَةً كَانَتْ عَلَى أَصْلِ مَيَاعَتِهَا أَوْ ذَابَتْ بَعْدَ جُمُودِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ جَامِدَةً فَتَذُوبُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِلْحًا فَانْتَقَلَتْ عَنْهُ فَلِأَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ عَلَى الْأَصْلِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا جُمُودُهَا، وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الطَّعَامِ فَلَا يُتَطَهَّرُ بِهَا وَيَنْضَافُ بِهَا مَا غَيَّرَتْهُ فِي سَائِرِ الْمِيَاهِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ جُمُودُهَا بِصَنْعَةِ أَثَرٍ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. قَالَ الْبِسَاطِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعُمُومِ فَيَكُونُ قَدْ شُهِرَ الْقَوْلُ بِالطَّهُورِيَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْمِلْحَ انْتَهَى. (قُلْتُ) : الظَّاهِرُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالْمِلْحِ أَنَّهُ طَهُورٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ سَوَّى فِي الْمُقَدِّمَاتِ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ صَدَّرَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: أَوْ جَامِدًا فَذَابَ وَلَوْ مِلْحًا فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ وَثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلَاجٍ وَإِلَّا فَكَالطَّعَامِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ [فَرْعٌ إذَا ذَابَ الْبَرَدُ وَنَحْوُهُ فَوُجِدَ فِي دَاخِلِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَوْ نَجَسٌ مِنْ لَوَاحِقِ الْأَرْضِ] (فَرْعٌ) إذَا ذَابَ الْبَرَدُ وَنَحْوُهُ فَوُجِدَ فِي دَاخِلِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَوْ نَجَسٌ مِنْ لَوَاحِقِ الْأَرْضِ فَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ انْتَهَى (قُلْتُ) : وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ) ش: السُّؤْرُ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُسَهَّلُ بَقِيَّةُ شُرْبِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا فِي بَقِيَّةِ الطَّعَامِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمُحَدِّثُونَ وَالْفُقَهَاءُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: سُؤْرُ الْحَيَوَانِ مَهْمُوزٌ وَمَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ شُرْبِهِ أَوْ أَكْلِهِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِمْ سُؤْرُ الْحَيَوَانِ طَاهِرٌ أَوْ نَجَسُ لُعَابِهِ أَوْ رُطُوبَةُ فَمِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِهِمْ أَنَّ السُّؤْرَ بَقِيَّةُ شُرْبِ الْحَيَوَانِ أَوْ نَجَاسَتُهُ فَتَأَمَّلْهُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ لَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ فَأَمَّا سُؤْرُ الْبَهِيمَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِ الدَّوَابِّ وَهُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّوَابِّ: غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ انْتَهَى. وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَشَارَ بِالْمُبَالَغَةِ لِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ سُؤْرَ الْبَهِيمَةِ طَاهِرٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ أَرْوَاثَهَا، قَالَ

فرع تطهير الرجل والمرأة جميعا من إناء واحد

سَنَدٌ: وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ تَعْبَثُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَوْ تَكُونَ جَلَّالَةً فَالْأُولَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَكْثَرُ الدَّوَابِّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُرَ فِي أَفْوَاهِهَا ذَلِكَ عِنْدَ شُرْبِهَا وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَهُ، وَأَمَّا الْجَلَّالَةُ فَهِيَ كَالدَّجَاجِ الْمُخَلَّاةِ أَيْ فَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا جَرْيًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ رَجَّحَهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا سُؤْرُ الْجَلَّالَةِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي كَلَامِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ كَمَا سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا سُؤْرُ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَفْوَاهِهِمَا نَجَاسَةٌ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ طَهَارَتِهِ كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي فَضْلَةِ طَهَارَةِ الْحَائِضِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ص (أَوْ فَضْلَةَ طَهَارَتِهِمَا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَفْضُلُ مِنْ طَهَارَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ قَالَهُ فِي الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَذْكُرُ الْبَرَاذِعِيُّ فَضْلَةَ طَهَارَةِ الْحَائِضِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يُتَطَهَّرُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْحَائِضِ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ جَرْيُهُ فِي فَضْلِ طَهَارَةِ الْجُنُبِ. (قُلْتُ) : وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ إذَا خَلَتْ بِهِ وَرَدُّوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَتِهَا بِهِ وَنَصَّ الْإِرْشَادُ عَلَى أَنَّهُ يُتَطَهَّرُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْحَائِضِ وَلَوْ خَلَتْ بِهِ وَحَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُضُوءِ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ وُضُوءِ الرَّجُلِ وَعَكْسُهُ سَوَاءٌ شَرَعَا جَمِيعًا أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَاءِ وَسَوَاءٌ كَانَ فَضْلَةَ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ وُضُوءُ الرَّجُلِ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي لَا يَتَوَضَّأُ أَحَدُهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ تَتَوَضَّأُ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ لَا عَكْسُهُ، وَالرَّابِعُ يَتَوَضَّأُ أَحَدُهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ إذَا شَرَعَا جَمِيعًا، الْخَامِسُ يَتَوَضَّأُ أَحَدُهُمَا بِفَضْلِ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ جُنُبًا وَالْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا انْتَهَى بِاقْتِصَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ] (فَرْعٌ) قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي تَطْهِيرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ، قَالَ: وَكَذَا تَطْهِيرُ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ. (قُلْتُ) : وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. [فَرْعٌ انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِمَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ مَا يُنْتَضَحُ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ مِنْ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ النَّاسُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا أَوْ مُنْحَدِرًا لَا تَثْبُتُ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ يُبَالُ فِيهِ وَيُسْتَنْقَعُ الْمَاءُ فَهُوَ نَجِسٌ وَيَنْجُسُ مَا طَارَ مِنْهُ مِنْ رَشِّ الْمَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ عِيَاضٍ وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا عَلَّلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ ضَرُورَةٌ فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَتُحْمَلُ الضَّرُورَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ مَاءً مُسْتَعْمَلًا فِي حَدَثٍ خَالَطَ الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: الْمَاءُ الَّذِي يَنْتَضِحُ فِي إنَاءِ الْمُغْتَسِلِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَا يَتَطَايَرُ مِنْ جَسَدِهِ وَمَا يَتَطَايَرُ مِنْ الْأَرْضِ وَكِلَاهُمَا لَا يَضُرُّ إذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ تَطَايُرُ نَجَاسَةٍ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: يُحْمَلُ قَوْلُهَا عِنْدِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ مَا يَكُونُ فِي بَدَنِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فَإِنَّ إمْرَارَ يَدَيْهِ مَعَ الْمَاءِ لِلتَّدَلُّكِ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْإِنَاءِ عَفْوٌ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي يَدَيْهِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَعَادَتُهُ إذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُشِيرُ بِهِ إلَى ابْنِ عَرَفَةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي

فرع توضأ على بلاط نجس وطار عليه ماء من البلاط

آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ وَفِي فَصْلِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ. [فَرْعٌ تَوَضَّأَ عَلَى بَلَاطٍ نَجِسٍ وَطَارَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ الْبَلَاطِ] (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْد أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى بَلَاطٍ نَجِسٍ وَطَارَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ الْبَلَاطِ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً غَسَلَ مَا تَطَايَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَتَوَالَى الْبَلَلُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا إنَّمَا نَمَتْ وَذَهَبَتْ. ص (أَوْ كَثِيرًا خُلِطَ بِنَجَسٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ إذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ نَجِسٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ فَإِنَّهُ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَيُعْلَمُ قَدْرُ الْكَثِيرِ مِنْ تَحْدِيدِ الْقَلِيلِ الْآتِي ثُمَّ أَنَّ هَذَا الْكَثِيرَ إنْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ كَثِيرٌ فَلَا خِلَافَ فِي طَهُورِيَّتِهِ سَوَاءٌ خُلِطَ بِنَجَسٍ أَوْ طَاهِرٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ كَثِيرًا فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ طُرُقًا الْأُولَى أَنَّهُ طَهُورٌ وَلَوْ خُلِطَ بِنَجَسٍ اتِّفَاقًا وَعَزَّاهَا لِلْأَكْثَرِ، الثَّانِيَةُ أَنَّهُ طَهُورٌ وَشَذَّتْ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ يَعْنِي فِي أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ وَعَزَّاهَا لِابْنِ رُشْدٍ، الثَّالِثَةُ كَرَاهَتُهُ وَعَزَّاهَا لِابْنِ زَرْقُونٍ وَأَشَارَ لَهَا التُّونُسِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الطُّرُقَ جَارِيَةٌ فِي الْكَثِيرِ مُطْلَقًا وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى كَثْرَتِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ التَّوْضِيحِ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ نَاقِضَةً لِلِاتِّفَاقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: هَذِهِ رِوَايَةٌ مَائِلَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ بِحُكْمِ النَّجِسِ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ أَنَّ الْمُخَالَطَ الطَّاهِرَ لَا أَثَرَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ وَشُكَّ فِي الَّذِي غَيَّرَهُ هَلْ هُوَ مِمَّا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ أَوْ مِمَّا لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ؟ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ وَعَزَّ الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْفَرْعَ لِلْمَازِرِيِّ وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِهِ الْبَرَاذِعِيُّ بَلْ كَلَامُهُ فِيهِ يُوهِمُ غَيْرَ الْمَقْصُودِ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَعَقَّبَهَا عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظٍ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِمَاءِ الْبِئْرِ تَنْتُنُ مِنْ الْحَمْأَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ مَا وُجِدَ فِي الْفَلَوَاتِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ غَدِيرٍ قَدْ أَنْتَنَا وَلَا أَدْرِي لِمَ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى شَكَّ فِي حُكْمِهِ رَدَّ إلَى أَصْلِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَالتَّطْهِيرُ وَقَالَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَوْضِ يَتَغَيَّرُ رِيحُهُ وَلَمْ يُرَ فِيهِ أَثَرُ مَيْتَةٍ وَلَا جِيفَةٍ وَالدَّوَابُّ وَالسِّبَاعُ تَشْرَبُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرَ فِيهِ شَيْءٌ يُعْلَمُ أَنَّ فَسَادَ الْمَاءِ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرُّشْدِ هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْمِيَاهَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ حَيْثُ يَتَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ وَأَحْرَى إذَا تَرَجَّحَ جَانِبُ الطَّهَارَةِ وَأَمَّا إذَا تَرَجَّحَ جَانِبُ النَّجَاسَةِ أَوْ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَإِذَا لَمْ يَدْرِ مِنْ أَيْ شَيْءٍ تَغَيَّرَ الْمَاءُ نَظَرَ لِظَاهِرِ أَمْرِهِ فَيُقْضَى بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيْ شَيْءٍ هُوَ حُمِلَ عَلَى الطَّهَارَةِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا آبَارُ الْمُدُنِ إذَا أَنْتَنَتْ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ إنْ كَانَتْ هُنَا حَالَةَ تَرَيُّبٍ كَالْآبَارِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمَرَاحِيضِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ تُتْرَكُ الْيَوْمَيْنِ فَإِنْ طَابَتْ وَإِلَّا لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهَا انْتَهَى، وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَازِرِيُّ أَوَاخِرَ سَمَاعِ أَشْهَبَ مُكَرَّرَةٌ قَالَ فِي الْمَوَاضِعِ الْأُخَرِ. وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ نَتْنَهَا لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ بَأْسًا أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ حَمْلُ الْمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْتَنَ مِنْ نَجَاسَةِ قَنَوَاتِ الْمَرَاحِيضِ الَّتِي تَتَخَلَّلُ الدُّورَ فِي الْقُرَى بِخِلَافِ الْبِئْرِ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا أَنْتَنَ وَلَمْ يَدْرِ بِمَاذَا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا أَنْتَنَ مِنْ رُكُودِهِ وَسُكُونِهِ فِي مَوْضِعِهِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لِنَجَاسَتِهِ سَبَبٌ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ نَتْنَ الْبِئْرِ لَيْسَ مِنْ قَنَوَاتِ الْمَرَاحِيضِ الَّتِي بِجَانِبِهَا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ زَادَ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي وَيُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ كَالْغَدِيرِ وَقَالَ قَبْلُهُ فِي خَلِيجِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ فَإِذَا جَرَى النِّيلُ كَانَ صَافِيًا وَإِذَا ذَهَبَ النِّيلُ

تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ وَالسُّفُنُ تَجْرِي فِيهِ عَلَى حَالِهَا وَالْمَرَاحِيضُ تَصُبُّ فِيهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لَوْنَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ صَبِّ الْمَرَاحِيضِ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ نَجِسًا بِإِجْمَاعٍ فَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَلَوْ وُجِدَ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ لِتَغَيُّرِهِ سَبَبٌ مِنْ نَجَاسَةٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَغَيَّرَ مِنْهَا حُمِلَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ: فَحُكْمُهُ بِالظَّاهِرِ مِنْ أَمْرِهَا لِقُرْبِ الْمَرَاحِيضِ مِنْ آبَارِ الدُّورِ وَرَخَاوَةِ الْأَرْضِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ رُبَّ بِئْرٍ فِي الصَّفَا وَالْحِجْرِ لَا يَصِلُ إلَيْهَا شَيْءٌ وَرُبَّ أَرْضٍ رَخْوَةٍ يَصِلُ مِنْهَا فَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَى فِي مِثْلِ وَهَذَا ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخَلِيجِ ثُمَّ قَالَ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْهُ كَرَاهَةً وَاسْتِظْهَارًا إلَّا لِلْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ عَظِيمٌ انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّجَاسَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخَلِيجِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ فَتَاوَى أَهْلِ مِصْرَ فِي بِرْكَةِ الْفِيلِ وَبِرْكَةِ النَّاصِرِيَّةِ وَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَصْفِ. ص (أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ وَإِنْ بِدُهْنٍ لَاصِقٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرَةِ شَيْءٍ لَهُ فَإِنَّ تَغَيُّرَهُ بِالْمُجَاوِرَةِ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُجَاوِرُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَاءِ أَوْ مُلَاصِقًا لَهُ فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ إلَى جَانِبِ الْمَاءِ جِيفَةٌ أَوْ عُذْرَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا فَنَقَلَتْ الرِّيحُ رَائِحَةَ ذَلِكَ إلَى الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا. قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْهُ إذَا سُدَّ فَمُ الْإِنَاءِ بِشَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ مِنْهُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ لِشَيْءٍ مِنْهُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْمُجَاوِرُ الْمُلَاصِقُ فَمَثَّلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالدُّهْنِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَقَيَّدَهُ بِالْمُلَاصِقِ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْمُمَازِجِ الْمُخَالِطِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: وَأَمَّا الدُّهْنُ فَقَدْ أَنْكَرَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الدُّهْنَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُجَاوِرًا لِسَطْحِ الْمَاءِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ رَاشِدٍ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ وَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِالْمُجَاوَرَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُجَاوِرَةَ الَّتِي لَا تَضُرُّ قِسْمَانِ قِسْمٌ غَيْرُ مُلَاصِقٍ وَقِسْمٌ مُلَاصِقٌ انْتَهَى وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُتَغَيِّرُ بِالدُّهْنِ طَهُورٌ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَقُّهُ أَنْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِالْمُجَاوِرِ لِأَنَّهُ يُجَاوِرُ وَلَا يُمَازِجُ يَرُدُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالِهِمْ كُلُّ تَغَيُّرٍ بِحَالٍ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ لَمْ يُمَازِجْ وَنَصُّ ابْنُ بَشِيرٍ: التَّغَيُّرُ بِمُخَالَطَةِ الْأَدْهَانِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّيْخِ وَالْقَابِسِيِّ مَا اسْتَقَى بِدَلْوٍ دُهِنَ بِزَيْتٍ غَيْرُ طَهُورٍ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ أَنَّهُ وَافَقَ ابْنَ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَلَوْ سَقَطَ فِي الْمَاءِ دُهْنٌ أَوْ عُودٌ لَا يَمْتَزِجُ بِالْمَاءِ فَغَيَّرَهُ لَمْ يَضُرَّ قَالَ: وَلَا إشْكَالَ وَارِدٌ عَلَى ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَا عَنْ الْأُمَّهَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الدُّهْنَ إذَا لَاصَقَ سَطْحَ الْمَاءِ وَلَمْ يُمَازِجْهُ لَا يَضُرُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: الْمُتَغَيِّرُ بِمُخَالَطَةِ الْأَدْهَانِ وَالْمُخَالَطَةِ الْمُمَازِجَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الدُّهْنَ الْمُخَالِطَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ وَقَدْ فَرَّقَ صَاحِبُ الْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلْوِ وَالدُّهْنِ الْوَاقِعِ عَلَى سَطْحِ الْمَاءِ بِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ مَازَجَهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّلْوِ لِأَنَّ الدُّهْنَ يَنْشَغُ مِنْ قَعْرِ الدَّلْوِ وَأَجْنَابِهِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ الْوَاقِعِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَطْفُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَبْقَى مَا تَحْتَهُ سَالِمًا وَصَاحِبُ الْجَمْعُ هَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَرَأَيْتُ مِنْهُ جُزْءًا يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ هَارُونَ وَابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَبْحَثُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ يَنْشَغُ بِالنُّونِ وَالشِّينِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ يَرْتَفِعُ وَأَصْلُ النُّشُوغِ الشَّهِيقُ حِينَ يَكَادُ يَبْلُغُ الْغَشْيَ وَلَاصَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِعْلٌ مَاضٍ لَا اسْمُ فَاعِلٍ وَيُقَالُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَالزَّايِ

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا بَنَيْنَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّهْنِ الْمُلَاصِقِ فَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ حَتَّى يَلْقُطَ الدُّهْنَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ قَالَ هَذَا وَيَصِحُّ فِي الْكَثِيرِ وَأَمَّا الْقَلِيلُ كَنُقْطَةٍ فِي آنِيَةِ الْوُضُوءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى لَقْطِهِ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ لَمْ أَرَ مَنْ قَيَّدَ تَغَيُّرَ الْمُجَاوَرَةِ بِالرَّائِحَةِ فَقَطْ وَلَا يُمْكِنُ بِاللَّوْنِ لِامْتِنَاعِ الِانْتِقَالِ عَلَيْهِ وَفِي إمْكَانِهِ بِالطَّعْمِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: وَأَكْثَرُ مَا تُغَيِّرُ الْمُجَاوِرَةُ الرِّيحَ وَقَدْ تُؤَثِّرُ فِي اللَّوْنِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إمْكَانِ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ وَكَذَا الطَّعْمُ وَإِنْ قَدْ يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ غَلَطِ الْحِسِّ فَإِنْ تَحَقَّقَ تَغَيُّرُ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ لِطُولِ إقَامَةِ الدُّهْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الدُّهْنَ قَدْ مَازَجَ الْمَاءَ وَخَالَطَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالدُّهْنِ مَا يَصْعَدُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ بِطُولِ الْمُكْثِ مِمَّا يُشْبِهُ الدُّهْنَ وَقَالَ آخَرُ: أَرَادَ بِالدُّهْنِ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَالْمَطَرَ الْقَلِيلَ. وَالدُّهْنُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لُغَةً وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِمَا مِنْ الضَّعْفِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى مَا يَصْعَدُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ مِنْ الدُّهْنِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَوَانِي الَّتِي يُؤْكَلُ فِيهَا وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ نَوْعُ الْمَاءِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ أَوَانِيَهُمْ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الدُّهْنِ وَقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَا يُوجَدُ لَهُ طَعْمٌ فِي الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ الَّتِي فِي وِعَاءِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِالرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ جِرْمِ الْقَطِرَانِ فِي الْوِعَاءِ شَيْءٌ أَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِرَائِحَةِ قَطِرَانٍ بَاقٍ فِي الْوِعَاءِ فَأَمَّا إنْ كَانَ التَّغَيُّرُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْوِعَاءِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ جِرْمِ الْقَطِرَانِ فِي الْوِعَاءِ شَيْءٌ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ فَلَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ مَعَ وُجُودِ جِرْمِهِ فِي الْوِعَاءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْآتِي أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ مِنْ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ الْمُلَاصِقِ وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّهْنِ الْمُلَاصِقِ فَإِنْ حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ بِدُهْنٍ لَاصِقٍ وَيَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُسَافِرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الْمُسَافِرُ غَالِبًا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَضُرَّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ الْمَوْجُودِ فِي الْوِعَاءِ فَأَحْرَى إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ التَّغَيُّرُ فِي لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّ رَائِحَةَ الْقَطِرَانِ إذَا بَقِيَتْ فِي الْوِعَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي وَأَمَّا إذَا أُلْقِيَ فِي الْمَاءِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَاعَيْنَا مُطْلَقَ الِاسْمِ قُلْنَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَهُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَتَثْبُتَ لَهُ صِفَةُ الْإِضَافَةِ. وَإِنْ رَاعَيْنَا مُجَرَّدَ التَّغَيُّرِ مَنَعْنَاهُ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَرْجَحُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بِتَغَيُّرِ الرِّيحِ مِنْ النَّجَاسَةِ بَأْسًا وَهَذَا الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ ظَاهِرٌ انْتَهَى. فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ الْقَطِرَانُ لَوْنَ الْمَاءِ أَوْ طَعْمَهُ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ وَأَمَّا إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَةُ الْمَاءِ فَقَطْ فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْوِعَاءِ فَقَطْ أَوْ مِنْ قَطِرَانٍ بَاقٍ فِي الْوِعَاءِ فَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مِنْ الرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْوِعَاءِ فَقَطْ فَيُجْزَمُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَقَوْلُهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي لَا يُرِيدُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الضَّرُورَةَ إلَيْهِ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ أَشَدُّ وَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مِنْ قَطِرَانٍ أُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَرَدَّدَ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُمَازَجَتُهُ لِلْمَاءِ بِأَنْ يَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ

يُرِيدُ أَوْ طَعْمُهُ وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَعْضَ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ فَصَارَ كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ رَجَّحَ الْوُضُوءَ بِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ أَوْ طَعْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي حِلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ. وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ رَأَى فِي الْقِرَبِ الَّتِي يُسَافَرُ بِهَا إلَى الْحَجِّ وَفِيهَا الْقَطِرَانُ فَيَتَغَيَّرُ الْمَاءُ أَنَّ الْوُضُوءَ بِهِ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ انْتَهَى، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ فِي الرَّائِحَةِ أَوْ فِي الطَّعْمِ أَوْ فِي اللَّوْنِ فَلَوْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ لَفَظَّةَ رَائِحَةٍ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ إنَّمَا أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ فَقَطْ مِنْ الْقَطِرَانِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ وَلَا بِالسَّفَرِ وَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ إلَّا عَلَى ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَتَقَيَّدُ حِينَئِذٍ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ يُرِيدُ وَكَذَا أَهْلُ الْبَادِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَبَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَالْقَطِرَانُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهِمَا وَبِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَهُوَ عُصَارَةُ شَجَرَةِ الْأَبْهَلِ وَهُوَ الْعَرْعَرُ وَشَجَرُ الْأَرْزِ يُطْبَخُ فَيَتَحَلَّلُ مِنْهُ الْقَطِرَانُ وَيُقَالُ فِي الْمَطْلِيِّ بِهِ مَقْطُورٌ وَمُقَطْرَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ كَالطُّحْلُبِ بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ أَيْضًا وَهُوَ الْخُضْرَةُ الَّتِي تَعْلُو الْمَاءَ وَالْخَزِّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ فِي جَوَانِبِ الْجُدُرِ الْمُلَاصِقَةِ لِلْمَاءِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالضَّرِيعُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَعْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: وَالزُّغْلَانُ قَالَ وَهُوَ حَيَوَانٌ صَغِيرٌ يَتَوَلَّدُ فِي الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّغَيُّرَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَوْلًا بِكَرَاهَةِ الْمُتَغَيِّرِ بِالطُّحْلُبِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ لِطُولِ مُكْثِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَغَيُّرُهُ فِي لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ مِنْ طُولِ مُكْثِهِ كَاصْفِرَارِهِ وَغِلَظِ قَوَامِهِ وَدُهْنِيَّةٍ تَعْلُوهُ مِنْ ذَاتِهِ وَالْمُكْثُ مُثَلَّثُ الْمِيمِ طُولُ الْإِقَامَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا أُلْقِيَ الطُّحْلُبُ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَاءِ فِي مَاءٍ فَغَيَّرَهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْ جِنْسِهِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: إذَا طُبِخَ الْمَاءُ وَفِيهِ الطُّحْلُبُ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ لِأَنَّ حَالَةَ الطَّبْخِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مُخَالَطَتِهِ فِي مُسْتَقَرِّهِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي أَوَّلِ تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَبِلَهُ. (قُلْتُ) : وَلَا يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الطُّرْطُوشِيُّ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِيمَا إذَا أُلْقِيَ فِيهِ الطُّحْلُبُ قَصْدًا أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْ جِنْسِهِ وَلِأَنَّا نَقُولُ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِطَبْخِ الطُّحْلُبِ فِيهِ أَخَصُّ مِنْ تَغَيُّرِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَأَقْوَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اغْتِفَارِ الثَّانِي اغْتِفَارُ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْ السَّمَكِ أَوْ رَوْثِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ تَوَلَّدَ مِنْ الْمَاءِ كَالطَّيْرِ لَمْ يَسْلُبْهُ الطَّهُورِيَّةَ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ سَلَبَ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إمَّا مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ وَغَيَّرَ الْمَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِقَرَارِهِ كَمِلْحٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِقَرَارِهِ أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا أَوْ يَمُرُّ عَلَيْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ إلَّا مَا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ الْأَرْضُ الَّتِي هُوَ

بِهَا مِنْ سَبْخَةٍ أَوْ حَمْأَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَالسَّبْخَةُ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَالِحَةُ فَإِنْ وُصِفَتْ بِهَا الْأَرْضُ كُسِرَتْ الْمُوَحَّدَةُ وَالْحَمْأَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا أَلْفٌ مَهْمُوزَةٌ وَهِيَ طِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْكِبْرِيتُ وَالزِّرْنِيخُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَالشَّبُّ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالْمُغْرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَيُقَالُ لَهَا الْمَشْقُ وَبِفَتْحِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ تُرَابٌ أَحْمَرُ وَالْكُحْلُ وَالزَّاجُّ وَالنُّورَةُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ بِذَلِكَ الْمَاءُ وَهُوَ فِي قَرَارِهِ أَوْ صُنِعَ مِنْهُ إنَاءٌ فَتَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْهُ وَلَمْ يَكْرَهْ أَحَدٌ الْوُضُوءَ مِنْ إنَاءِ الْحَدِيدِ عَلَى سُرْعَةِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ فِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءِ صُفْرٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُغَيِّرُ طَعْمَ الْمَاءِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسَخَّنُ لَهُ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ مِنْ صُفْرٍ انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ مَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْ نَفْسِ الْآنِيَةِ فَلَا يَضُرُّ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ وَلَمْ تَزَلْ الْأُمَّةُ تَسْتَعْمِلُ الْمُسَخَّنَ عَلَى النَّارِ وَمَاءَ الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ مِنْ طَعْمِ الْقُدُورِ مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ هَارُونَ وَالْبَرْزَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَالْبِسَاطِيُّ فِي مُغْنِيهِ وَالزُّهْرِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَالَ: وَلَوْ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ مِنْ إنَاءِ النُّحَاسِ لِأَنَّهُ مَعْدِنٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَإِنْ كَانَ يُضِيفُ الْمَاءَ انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْتَ) : نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْإِنَاءِ الْجَدِيدِ وَالْحَبْلِ الْجَدِيدِ إذَا كَانَ التَّغَيُّرُ يَسِيرًا جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ تَغَيُّرًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ فِي الْإِنَاءِ تَغَيُّرًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ فَخَّارٍ وَنَحْوِهِ. (قُلْتُ) : لَيْسَ لَفْظُ الْإِنَاءِ فِي أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَلَّذِي فِي أَسْئِلَتِهِ فِي الْمَاءِ يَسْتَقِي بِالْكُوبِ الْجَدِيدِ وَالْحَبْلِ الْجَدِيدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَالْكُوبُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ إنَاءٌ يُجْعَلُ مِنْ الْخَشَبِ وَفِي لَفْظِ السُّؤَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فَرَجَعَ طَعْمُ الْمَاءِ طَيِّبًا مِنْ الْأُرْزِ أَوْ نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَجَعَلَ بَدَلَ الْكُوبِ الْجَدِيدِ الدَّلْوَ الْجَدِيدَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَنَصُّهُ: وَيَلْحَقُ بِالْمُتَغَيِّرِ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْبِئْرُ الْمُتَغَيِّرَةُ مِنْ الْخَشَبِ وَالْعُشْبِ الَّذِي تُطْوَى بِهِ الْآبَارُ فِي الصَّحَارِي لِلضَّرُورَةِ لِذَلِكَ الْمَاءِ وَالْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِالدَّلْوِ الْجَدِيدِ فَهَذَا كُلُّهُ يَلْحَقُ بِالْمُطْلَقِ إلَّا أَنْ تَطُولَ إقَامَةُ الْمَاءِ فِي الدَّلْوِ الْجَدِيدِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ مِنْهُ تَغَيُّرًا فَاحِشًا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فِي أَسْئِلَتِهِ انْتَهَى. ص (أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِشَيْءٍ طُرِحَ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَطْرُوحُ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مِنْ قَرَارِ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ قَصْدًا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا كَانَ الطَّرْحُ قَصْدًا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَاءَ مُنْفَكٌّ عَنْ هَذَا الطَّارِئِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَصْدًا عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا طُرِحَ قَصْدًا وَأَمَّا مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِ فَقَالَ مِنْ كَتُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ لَكَانَ أَشْمَلَ كَمَا قَالَ فِي الشَّامِلِ وَأَنَّ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا مِنْ كَتُرَابٍ أَوْ مُغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَاءِ وَهُوَ التُّرَابُ وَأَبْعَدِهَا عَنْهُ وَهُوَ الْمِلْحُ فَعُلِمَ بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِمَا أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا كَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمُغْرَةِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْجَمِيعِ عَدَمُ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ مَجْهُولِ الْجَلَّابِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِلْحِ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَمُقَابِلُهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْدِنِيِّ فَلَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ وَالْمَصْنُوعِ فَيَسْلُبُ وَنَسَبُهُ سَنَدٌ لِلْبَاجِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَمْ يَجْزِمْ الْبَاجِيُّ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ قَالَ

سَنَدٌ: الْأَوْلَى عَكْسُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْمَعْدِنِيَّ يَضُرُّ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَالْمَصْنُوعَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ أَصْلَهُ تُرَابٌ (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَصْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ لَوْ كَانَ التُّرَابُ مَصْنُوعًا كَالْجِبْسِ وَالنُّورَةِ فَالظَّاهِرُ التَّأْثِيرُ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالصَّنْعَةِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَاءِ يَتَغَيَّرُ فِي الْإِنَاءِ مِثْلِ الْفَخَّارِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الصَّنْعَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ الْبُرْزُلِيُّ بِأَنَّ صُفْرَةَ الْمَاءِ مِنْ الْجِيرِ لَا تَضُرُّ قَالَ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ بِالْفَخَّارِ الْجَدِيدِ وَالتُّرَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا عَنْ الْمِلْحِ إذَا طُبِخَ فِي الْمَاءِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى سُقُوطِ الطَّعَامِ فِيهِ؟ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَاءِ الْمُضَافِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ: لَا يَجْرِي الطَّعَامُ انْتَهَى. (قُلْتُ) : الْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ فِي الطُّحْلُبِ إذَا طُبِخَ فِي الْمَاءِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْمَطْبُوخِ أَقْوَى ص (وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ) ش: يَعْنِي أَنَّ ابْنَ يُونُسَ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِسَلْبِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بِالْمِلْحِ الْمَطْرُوحِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمِلْحِ: وَالصَّوَابُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَ الْأَرْضَ صَارَ طَعَامًا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ فَهُوَ بِخِلَافِ التُّرَابِ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ وَلَا تَخْلُو بُقْعَةٌ فِيهَا الْمَاءُ مِنْهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ) هَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ جَرَى فِيهِ ذِكْرُ التَّرَدُّدِ وَهُوَ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطُّرُقِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ الْمِلْحُ كَالتُّرَابِ فَلَا يَنْقُلُ حُكْمَ الْمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ كَالطَّعَامِ فَيَنْقُلُهُ إلَى غَيْرِهِ أَوْ الْمَعْدِنِيُّ كَالتُّرَابِ وَالْمَصْنُوعُ كَالطَّعَامِ وَاخْتَلَفَ مَنْ بَعْدَهُمْ هَلْ تَرْجِعُ هَذِهِ الْأَقْوَالُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ مَنْ جَعَلَهُ كَالتُّرَابِ يُرِيدُ الْمَعْدِنِيَّ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالطَّعَامِ يُرِيدُ الْمَصْنُوعَ أَوْ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرَدُّدِ إلَى الِاخْتِلَافِ الثَّانِي وَالْمَعْنَى اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْمِلْحِ هَلْ يَتَّفِقُ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ كَانَ مَصْنُوعًا أَوْ لَا يَتَّفِقُ عَلَى ذَلِكَ طَرِيقَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ. (فَإِنْ قُلْتَ) : الطَّرِيقُ الَّتِي تَقُولُ يَتَّفِقُ عَلَى السَّلْبِ بِالْمَعْدِنِيِّ لِأَنَّهَا تَدْعُو أَنَّ الْخِلَافَ يَرْجِعُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ بِالتَّفْصِيلِ فَلِمَ لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ مَثَلًا وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ وَعَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِهِ إنْ لَمْ يُصْنَعْ تَرَدُّدٌ وَلِمَ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِأَنَّا نَقُولُ الَّذِي أَفَادَهُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ غَيْرَ الْمَصْنُوعِ لَمْ يَحْصُلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ بِهِ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِهِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ (وَالْجَوَابُ) : أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِالْمَعْدِنِيِّ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ كَالتُّرَابِ وَالْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي التُّرَابِ نَفْسِهِ فَلَوْ قَالَ وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ وَعَلَى عَدَمِ السَّلْبِ إنْ لَمْ يُصْنَعْ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِالْمَعْدِنِيِّ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ الِاتِّفَاقُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ فَصَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ كَدُهْنٍ خَالَطَهُ أَوْ بُخَارٍ مُصْطَكَى وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمُطْلَقِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخُبْثِ يَرْتَفِعُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَرْتَفِعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ سَوَاءٌ كَانَ تَغَيُّرُهُ فِي اللَّوْنِ أَوْ فِي الطَّعْمِ أَوْ فِي الرِّيحِ إذَا كَانَ الْمُغَيِّرُ لِلْمَاءِ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا وَذَلِكَ كَالدُّهْنِ الَّذِي يُخَالِطُ الْمَاءَ أَيْ يُمَازِجُهُ وَكَاللَّبَنِ

وَالزَّعْفَرَانِ وَالْخَلِّ وَغَيْر ذَلِكَ وَكَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا وَذَلِكَ كَالدُّهْنِ الَّذِي يُخَالَطُ بِبُخَارِ الْمُصْطَكَى وَنَحْوِهَا وَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمَا ذَكَرْنَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّيْءِ الَّذِي غَيَّرَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَاتِ كَالشُّرْبِ وَالطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ مِنْ الْوَسَخِ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا حُكْمَ الْخُبْثِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي غَيَّرَ الْمَاءَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ لَا يُسْتَعْمَلُ لَا فِي الْعَادَاتِ وَلَا فِي الْعِبَادَاتِ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْقَى بِهِ الزَّرْعُ وَأَنْ يُسْقَى لِلْمَاشِيَةِ وَيَصِيرُ بَوْلُهَا وَرَوْثُهَا نَجِسًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ لَا نَجِسٍ وَقَوْلُهُ أَوْ نَجِسٌ يَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ النَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِكَسْرِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الشَّيْءَ الْمُتَنَجِّسَ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَخُصِّصَ الْمُتَغَيِّرُ بِالدُّهْنِ الْمُخَالِطِ وَالْمُتَغَيِّرِ بِبُخَارِ الْمُصْطَكَى بِالذِّكْرِ لِنُكْتَةٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِيُنَبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَإِنْ بِدُهْنٍ لَاصِقٍ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِمُخَالَطَةِ الْأَدْهَانِ غَيْرُ طَهُورٍ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ يُوهِمُ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادُ الشَّارِحِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِالدُّهْنِ طَهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لَهُ عَلَى الدُّهْنِ الْمُلَاصِقِ وَعِبَارَاتُ الشَّارِحِ فِي الصَّغِيرِ أَحْسَنُ مِنْهُ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْمُتَغَيِّرُ بِبُخَارِ الْمُصْطَكَى فَلِيُنَبِّهَ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ فِي الْمُبَخَّرِ بِالْمَصْطَكَى وَغَيْرِهَا قَوْلَيْنِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ مُجَاوِرٌ فَلَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ أَوْ مُخَالِطٌ فَيَسْلُبُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخَالِطٌ وَلَمْ يَحْكِ اللَّخْمِيُّ غَيْرَهُ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: جَزْمُ اللَّخْمِيُّ بِإِضَافَتِهِ صَوَابٌ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْمُبَخَّرِ بِالْعُودِ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الْأَشْيَاخُ الْمُتَأَخِّرُونَ انْتَهَى. وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَقَيَّدَهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي بِالتَّغْيِيرِ الْبَيِّنِ فَقَالَ إذَا بُخِّرَ الْإِنَاءُ وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْإِنَاءِ ظُهُورًا بَيِّنًا فَإِنَّهُ يَسْلُبُ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ الْإِطْلَاقُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْبَيِّنِ أَنْ يُدْرَكَ التَّغَيُّرُ فِيهِ وَالْمَصْطَكَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَبِمَدٍّ مَعَ الْفَتْحِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَلَوْ قَالَ أَوْ بُخَارٌ كَمُصْطَكَى لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَشْمَلَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ سَلَبَهُ ذَلِكَ التَّغَيُّرُ الطَّهُورِيَّةَ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا مَا نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَضُرُّ فِيهِ التَّغَيُّرُ الْبَيِّنُ كَمَا سَيَأْتِي وَذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ فِي كَلَامِهِ هُنَا وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ قَوْلًا بِاغْتِفَارِ التَّغَيُّرِ الْيَسِيرِ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ إنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ ذَكَرَ الْإِبْيَانِيُّ فِي سَفِينَتِهِ أَنَّ خَفِيَّ التَّغَيُّرِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَذَلِكَ أَنَّ أَوَانِي الْعَرَبِ لَا تَنْفَكُّ مِنْ طَعْمٍ يَسِيرٍ أَوْ رَائِحَةٍ يَسِيرَةٍ وَكَانُوا لَا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا انْتَهَى وَحَكَى صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّ بَعْضَهُمْ عَزَى الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ لِلْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَهَذَا يُحْمَلُ عِنْدِي عَلَى مَا تَغَيَّرَ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا لَا عَلَى أَنَّ التَّغَيُّرَ الْيَسِيرَ مُغْتَفَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ. (قُلْتُ) : وَمَا قَالَهُ ابْنُ هَارُونَ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَنْقُلْ صَاحِبُ الطِّرَازِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ إلَّا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِبْيَانِيُّ مِنْ مَسْأَلَةِ أَوَانِي الْعَرَبِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَفِي كَلَامِ ابْنِ هَارُونَ الْمُتَقَدِّمِ هُنَا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى تَعْلِيقَةِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْإِنَاءِ يُصَبُّ مِنْهُ الْوَدَكُ أَوْ الزَّيْتُ ثُمَّ يُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ فَتَعْلُوهُ شِيَابَةٌ هَلْ يُتَوَضَّأُ بِهِ؟

فَقَالَ: أَمَّا الْيَسِيرُ فَلَا يَضُرُّ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ وَأَمَّا مَا تَغَيَّرَ بِنَجَسٍ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ. (قُلْتُ) : فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا تَغَيَّرَ رِيحُهُ فَقَطْ نُظِرَ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُخَالَطِ أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمُخَالَطِ الطَّاهِرِ الْمُغَيِّرِ لِلْمَاءِ أَقَلَّ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ وَإِنَّ تَرْكَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ اسْتِحْسَانٌ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِيرِ بِتَغَيُّرٍ بِرَوْثِ الْمَاشِيَةِ وَمِثْلُهُ الْبِئْرُ إذَا تَغَيَّرَ بِوَرَقِ الشَّجَرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِيهِ مَالِكٌ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فِيهِ هَلْ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَمْ لَا وَنَحْوُهُ الْبَاجِيُّ كَمَا سَيَأْتِي وَتَبِعَ ابْنَ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ مَا انْضَافَ إلَى الْمَاءِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ لَيْسَ هُوَ الْغَالِبُ إلَّا أَنَّهُ غَيَّرَ أَوْصَافَ الْمَاءِ أَوْ بَعْضَهَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَلَا يَجُوزُ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبٍ وَلَا بَدَنٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُتَوَضَّأَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُحَرِّمَهُ فَاتَّقَاهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ بِعِبَارَةٍ تُوهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ إنَّمَا هُوَ تَغَيُّرُ أَحَدِ أَوْصَافِ الْمَاءِ لَا مُجَرَّدُ مُخَالَطَةِ الْمَاءِ لِغَيْرِهِ فَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ جِلْدٌ أَوْ ثَوْبٌ وَأُخْرِجَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ لَمْ يَضُرَّهُ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَكَذَلِكَ لَوْ غُمِسَ فِيهِ خُبْزٌ وَأُخْرِجَ فِي الْحِينِ أَوْ بُلَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ قَالَ: وَالْعِلَّةُ تَغَيُّرُ أَحَدِ أَوْصَافِ الْمَاءِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَحُكِيَ فِي الطِّرَازِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءِ بُلَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ غُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ أَوْ تُوُضِّئَ بِهِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ فِي مَوْضِعَيْنِ. (الرَّابِعُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّ تَغَيُّرَ الرِّيحِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَعْنِي حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَغَيُّرَ الرِّيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَغَيُّرَ الرِّيحِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ قَوْلًا ثَالِثًا يُفَرِّقُ فِيهِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الشَّدِيدِ وَالْخَفِيفِ وَعَزَّاهُ لِسَحْنُونٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ تَغَيَّرَ بِمَا حَلَّ فِيهِ تَغَيُّرًا شَدِيدًا أَعَادَ أَبَدًا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَنَاوَلُ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ سَحْنُونٍ مَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ الرِّيحِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ أَلْغَى تَغَيُّرَ الرِّيحِ مُطْلَقًا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا أَنْتَنَ الْمَاءُ وَاشْتَدَّتْ رَائِحَتُهُ فَنَجَسٌ اتِّفَاقًا انْتَهَى. (قُلْتُ) : كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الثَّانِي فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ عِيَاضٍ أَجْمَعُوا عَلَى نَجَاسَةِ مَا غَيَّرَ رِيحَهُ نَجَاسَةٌ بَعِيدٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) : هَذَا نَحْوُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ أَشْيَاخِ ابْنِ بَشِيرٍ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ حَتَّى حُمِلَ قَوْلُهُ عَلَى التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوَرَةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَلَعَلَّهُ قَصَدَ التَّغَيُّرَ بِالْمُجَاوَرَةِ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَهَذِهِ غَلْطَةٌ عَظِيمَةٌ فَقَدْ حَكَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ فِي الثَّمَانِيَةِ أَنَّ وُقُوعَ الْمَيْتَةِ فِي الْبِئْرِ لَا يَضُرُّ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ بِأَنَّ خِلَافَهُ مَعَ تَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ بِمَا حَلَّ فِي الْمَاءِ وَخَالَطَهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَحْوَ هَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ

تُغَيِّرْهُ ثُمَّ حَلَّ فِيهِ مَا هُوَ طَاهِرٌ كَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِ فَغَيَّرَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ الْإِضَافَةُ ثُمَّ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ كَانَ نَجِسًا لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ وَالْمَائِعَاتِ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَالشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى الْمُسْتَحْسَنِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْمَاءِ حُكْمُ مَا غَيَّرَهُ فَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ وَإِنْ كَانَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ مَا نَصَّهُ وَانْظُرْ إذَا خَالَطَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يَنْضَحُ فَيَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِمَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُشَكُّ أَيْضًا فِي الْمُغَيِّرِ هَلْ هُوَ مِمَّا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ أَمْ لَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ حَتَّى اسْتَنْقَعَ مِنْ الْمَطَرِ شَيْءٌ قَلِيلٌ فَلْيَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَإِنْ جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ زِبْلٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي هَذَا فِي الْفَلَوَاتِ وَأَمَّا فِي طُرُقِ الْمُدُنِ فَلَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ انْتَهَى ص (وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ) ش: لَمَّا دَلَّ كَلَامُهُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ التَّغَيُّرِ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ كَمَا ذَكَرْنَا نَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّ حَبْلَ السَّانِيَةِ لَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ مِنْهُ تَغَيُّرًا بَيِّنًا وَالسَّانِيَةُ الْحَبْلُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ وَفِي الْمَثَلِ سَيْرُ السَّوَانِي سَفَرٌ لَا يَنْقَطِعُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَأَمَّا الْمَاءُ يُسْتَقَى بِالْكُوبِ الْجَدِيدِ فَلَا يَجِبُ الِامْتِنَاعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّهَارَةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُ الْمَاءِ فِي الْكُوبِ أَوْ طَرْحُ الْحَبْلِ فِيهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ مِنْ ذَلِكَ تَغَيُّرًا بَيِّنًا فَاحِشًا انْتَهَى. لَكِنْ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ أَنَّ السَّانِيَةَ لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ فَرَضَ ذَلِكَ فِي حَبْلِ الِاسْتِقَاءِ وَهُوَ أَعَمُّ ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَجْوِبَةِ السَّابِقِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَكَذَا فَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَامًّا فَقَالَ: وَفِي طَهُورِيَّةِ الْمُتَغَيِّرِ بِحَبْلِ اسْتِقَائِهِ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَغَيُّرًا فَاحِشًا الْأَوَّلُ لِابْنِ زَرْقُونٍ وَالثَّانِي لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالثَّالِثُ لِفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُغَيَّرِ بِهِ وَبِالْكُوبِ انْتَهَى. فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِحَبْلِ السَّانِيَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِحَبْلِ اسْتِقَائِهِ كَانَ أَحْسَنَ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ حَبْلِ السَّانِيَةِ وَحَبْلِ الْبِئْرِ وَجَعَلَ الصَّحِيحَ فِي حَبْلِ السَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَالَ: بِخِلَافِ حَبْلِ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ فِي حَبْلِ الْبِئْرِ بَلْ يُرْبَطُ فِي الدَّلْوِ مِقْدَارُ مَا يَحِلُّ فِي الْمَاءِ مِنْ حَبْلٍ قَدِيمٍ. وَأَمَّا حَبْلُ السَّانِيَةِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لِحُلُولِهِ كُلِّهِ فِي الْمَاءِ، قَالَ: وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهَذَا فِي السَّانِيَةِ الَّتِي تَدُورُ بِالْقَوَادِيسِ وَأَمَّا الَّتِي تَذْهَبُ بِالدَّوَابِّ وَتَجِيءُ فَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ أَيْضًا بِرَبْطِ حَبْلٍ فِي طَرَفِ الْحَبْلِ الْجَدِيدِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِيهِ تَضْيِيقٌ وَحَرَجٌ وَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِالْحَبْلِ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ أَوْ بِالدَّلْوِ أَوْ بِالْكُوبِ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ فَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ إلَّا إذَا طَالَ مُكْثُهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْإِنَاءُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ مِنْ قَرَارِ الْأَرْضِ كَالْإِنَاءِ الْمَصْنُوعِ مِنْ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالْفَخَّارِ فَهَذَا لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِهِ وَلَوْ كَانَ فَاحِشًا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّبِيبِيُّ فِي مَاءِ الْقِرْبَةِ وَالْبِئْرِ يَتَغَيَّرُ بِمَا يُصْلِحُهُ مِنْ الدِّبَاغِ وَالطَّرْفَاءِ أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُ طَهُورٌ وَغَيْرُهُ أَحْسَنُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ فِي مَاءِ الْقِرْبَةِ بِتَغَيُّرٍ مِنْ الدِّبَاغِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الدَّلْوِ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةُ الِاسْتِقَاءِ وَأَمَّا مَاءُ الْبِئْرِ إذَا تَغَيَّرَ بِالطَّرْفَاءِ وَنَحْوِهِ فَسَيَأْتِي

عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ طَهُورٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِعَدَمِ مَا يُطْوَى بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ أَوْ بِئْرٍ بِوَرِقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ وَالْأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيهِمَا إلَّا التَّغَيُّرُ الْبَيِّنُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِمُجَرَّدِ التَّغَيُّرِ لَا لِقَيْدِ كَوْنِهِ بَيِّنًا كَالْمُشَبَّهِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُسَاعِدُ لِلنُّقُولِ أَلَا تَرَاهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا قَوْلًا بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ. (قُلْتُ) : أَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَدِيرِ تَرِدُهُ الْمَاشِيَةُ فَتَبُولُ فِيهِ وَتَرُوثُ فِيهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ فَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ: الْأُولَى ذَلِكَ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَيَكُونُ الْمَاءُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ يَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُحَرِّمَهُ فَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ وَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ، قَالَ: فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ وَتُسْتَحْسَنُ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ، قَالَ: وَإِنْ عُدِمَ غَيْرُهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى التَّيَمُّمِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ لَكِنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمُخَالِطِ أَقَلَّ مِنْ الْمَاءِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ: وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِيهِ مَالِكٌ لِاشْتِبَاهِ أَمْرِهِ هَلْ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَمْ لَا وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُنْتَقَيْ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ رِوَايَةَ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ لَهُ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْهُ انْتَهَى. وَاخْتَصَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَرَوَى ابْنُ غَانِمٍ فِيمَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ بِبَوْلِ مَاشِيَةٍ تَرَدُّدٌ وَرَوْثِهَا لَا يُعْجِبُنِي الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ الْبَاجِيُّ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ قَلِيلٍ وَجَعَلَ فِي سَلْبِ طَهُورِيَّتِهِ وَطَهَارَتِهِ قَوْلَيْنِ وَتَبِعَهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) : إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ اللَّخْمِيَّ وَابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَا الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُهُمَا فِي ذَلِكَ فَانْظُرْ آفَةَ الِاخْتِصَارِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِيرِ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ بَيِّنًا أَمْ لَا عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَبِلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ تَتَغَيَّرُ بِوَرِقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ الَّذِي أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِيهَا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ الْبَيِّنَ يَضُرُّ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْبَيِّنِ لَا يَضُرُّ، وَالثَّانِي وَعَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ التَّغَيُّرَ بِهِمَا أَيْ بِوَرِقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ لَا يَضُرُّ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ بَيِّنًا أَوْ غَيْرَ بَيِّنٍ مَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ فِي بِئْرِ الْحَاضِرَةِ بَيِّنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَيِّنٍ هَذَا حَلُّ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلْتُ عَنْ آبَارِ الصَّحَارِي الَّتِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى طَيِّهَا بِالْخَشَبِ لِعَدَمِ مَا تُطْوَى بِهِ سِوَى ذَلِكَ فَيَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِهِ؟ فَأَجَبْتُ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ثُمَّ سُئِلْتُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ عَنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا أَجَبْتُ بِهِ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَ فِيهِ فَذَكَرَ احْتِجَاجَهُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ آبَارَ الصَّحَارِي لَمَّا كَانَتْ لَا يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الْخَشَبِ وَالْعُشْبِ اللَّذَيْنِ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى طَيِّهَا بِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ مِنْ الطُّحْلُبِ وَالْحَمْأَةِ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ لَا يَصِحُّ بِذَلِكَ هَذَا بَعِيدٌ كَنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْغُدْرَانِ بِمَا يَسْقُطُ فِيهِ مِنْ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ النَّابِتَةِ عَلَيْهِ وَاَلَّتِي جَلَبَتْهَا الرِّيحُ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ بِهِ وَهَذَا مِنْ الشُّذُوذِ الْخَارِجِ عَنْ أَصْلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمِيَاهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْإِبْيَانِيَّ فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا إذَا

سَقَطَ وَرَقُ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشُ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ فَإِنَّ مَذْهَبَ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيِّ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ وَيَشُقُّ تَرْكُ اسْتِعْمَالِهِ كَالطُّحْلُبِ انْتَهَى. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا سَعَفُ النَّخْلِ وَوَرَقُ الزَّيْتُونِ وَالتِّبْنُ فَيَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ إلَّا وَقَدْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَصَلَّى أَعَادَ مَا لَمْ يَذْهَبْ الْوَقْتُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهَذَا نَحْوُ الْأَوَّلِ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَدِيرِ وَإِنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الْمُخَالِطِ الطَّاهِرِ أَقَلَّ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا وَكَانَ تَرْكُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ هَذَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاعْتَمَدَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ عَلَى هَذَا فَذَكَرَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ قَالَ: وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - وَنَحْوُهُ فِي الصَّغِيرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَلِهَذَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ بِنَاءَ اللَّخْمِيِّ وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَلَمَّا تَكَلَّمَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ: أَمَّا الْحَشِيشُ وَأَوْرَاقُ الشَّجَرِ تَسْقُطُ فِي الْمَاءِ فَتُغَيِّرُهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَمَنَعَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ إنْ وَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُهُ انْتَهَى. يُشِيرُ بِهِ إلَى مَسْأَلَةِ السُّلَيْمَانِيَّة وَأَنَّ مَالِكًا إنَّمَا تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ لِاشْتِبَاهِ أَمْرِهِ هَلْ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ وَتَبِعَ ابْنَ عَرَفَةَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: وَفِيمَا غَيَّرَ لَوْنَهُ وَرَقٌ أَوْ حَشِيشٌ غَالِبٌ، ثَالِثُهَا يُكْرَهُ لِلْعِرَاقِيِّينَ الْإِبْيَانِيُّ وَقَوْلُ السُّلَيْمَانِيَّة تُعَادُ الصَّلَاةُ بِوُضُوئِهِ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمُخْتَصَرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَكَى عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ حَكَى اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَا تَغَيَّرَ مِنْ وَرِقِ شَجَرٍ نَبَتَ عَلَيْهِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي مَاءِ الْبِئْرِ الْمُتَغَيِّرِ بِوَرَقِ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ طُرُقًا: الْأُولَى لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِبْيَانِيِّ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِشُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَابْنِ رُشْدٍ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجُعِلَ مِثْلُ ذَلِكَ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا تُطْوَى بِهِ الْبِئْرُ مِنْ الْخَشَبِ وَالْعُشْبِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَوْلُ مَنْ خَالَفَهُ، الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لِلَّخْمِيِّ أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ وَمُقَابِلُهُ بِالْكَرَاهَةِ، الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَوْلُ الْإِبْيَانِيِّ وَالثَّالِثَ مَا فِي السُّلَيْمَانِيَّة، الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ وَرَقَ الشَّجَرِ النَّابِتِ لَا يَضُرُّ اتِّفَاقًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَيْهِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَنُقُولِهِمْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِأَنَّهُ قَوْلُ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَيُقَدِّمَهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُ الْإِبْيَانِيِّ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي غَايَةِ الشُّذُوذِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّمَا اعْتَمَدَ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَصَّلَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَدَلَّ آخِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى أَنْ فَتْوَاهُ غَيْرُ

فرع تغير الماء بما هو متأصل فيه

قَاصِرَةٍ عَلَى مَا تُطْوَى بِهِ الْبِئْرُ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ صَوَابٌ انْتَهَى. لَكِنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ بِبِئْرِ الْبَادِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ مَا يُعْسَرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ السُّقُوطِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمُطْلَقِ وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُضَافِ [فَرْعٌ تغير الْمَاء بِمَا هُوَ مُتَأَصِّل فِيهِ] (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْمَاءِ شَجَرَةٌ فَتَغَيَّرَ الْمَاءُ بِعُرُوقِهَا فَنَقَلَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ إلَّا إذَا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ الْأَرْضُ الَّتِي هُوَ بِهَا عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مُثْمِرَةً فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَالْمَاءُ مُضَافٌ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ قَالَهُ الْأَشْيَاخُ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مِمَّا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا خَالَطَ الْمَاءَ شَيْءٌ أَجْنَبِيٌّ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا وَلَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَوْصَافِ الْمَاءِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ وَالرِّيحَ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ فَهَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ الْمُخَالِطُ الْمُوَافِقُ لِأَوْصَافِ الْمَاءِ كَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَاءِ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْمَوْجُودَةَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إنَّمَا هِيَ أَوْصَافٌ لِلْمَاءِ وَالْمُخَالِطِ وَأَدْنَى الْأُمُورِ فِي ذَلِكَ الشَّكُّ فِيهِ أَوْ لَا يَجْعَلُهُ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمَاءِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى أَوْصَافِ خِلْقَتِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَالنَّظَرُ فِي الْجَعْلِ وَعَدَمِ الْجَعْلِ وَعُدِلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي تَقْدِيرِ مُوَافِقِ صِفَةِ الْمَاءِ مُخَالِفًا نَظَرٌ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ التَّقْدِيرِ وَعَدَمِهِ أَيْ هَلْ نُقَدِّرُهُ مُخَالِفًا أَوْ لَا نُقَدِّرُهُ مُخَالِفًا لَا فِي كَيْفِيَّةِ التَّقْدِيرِ بِمَعْنَى أَنَّا لَا نَدْرِي بِأَيِّ نَوْعٍ نُلْحِقُهُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ فَعَدَلَ إلَى لَفْظِ الْجَعْلِ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَى هَذَا لَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى شَيْءٍ قَالَ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ. قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَطَاءٍ اللَّهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ: وَقَدْ تَرَدَّدَ سَنَدٌ فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ دُونَ كِفَايَتِهِ فَخَلَطَهُ بِمَاءِ الزَّرْجُونِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ هَلْ يَتَطَهَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ تَطَهَّرَ بِغَيْرِ الْمَاءِ جَزْمًا قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَطَهَّرُ بِهِ ثُمَّ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ فَيَنْظُرُ فِي الْوَاقِعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَجْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يُخَالِطَ الْمَاءَ مَا هُوَ مُوَافِقٌ بِصِفَتِهِ كَالرَّيَاحِينِ الْمَقْطُوعَةِ الرَّائِحَةِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُتَغَيِّرًا بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَيُخَالِطُهُ مَائِعٌ مُخَالِطٌ لِصِفَتِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ التَّمَسُّكُ بِبَقَاءِ أَوْصَافِ الْمَاءِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالُهَا أَوْ يُظَنُّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُخَالِطُ لِلْمَاءِ هُوَ الْأَكْثَرُ قَالَ: وَلَا تُقَدَّرُ الْأَوْصَافُ الْمُوَافِقَةُ مُخَالِفَةً لِعَدَمِ الِانْضِبَاطِ مَعَ التَّقْدِيرِ إذْ يَلْزَمُ إذَا وَقَعَتْ نُقْطَةٌ أَوْ نُقْطَتَانِ مِنْ مَاءِ الزَّهْرِ أَنْ لَا تُؤَثِّرَ لِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ لَأَثَّرَتْ لِأَنَّهَا تُغَيِّرُهُ. وَكَذَلِكَ رُبَّمَا غَيَّرَهُ مِقْدَارٌ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مِنْ مَاءٍ آخَرَ مِنْ مِيَاهِ الْوَرْدِ لِرَدَاءَتِهِ فَلَوْ رُوعِيَ مِثْلُ هَذَا لَمَا انْضَبَطَ وَالشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ تَقْتَضِي طَرَحَ ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّرْنَاهُ بِالْوَسَطِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجَعَلْنَا الْمَاءَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مُغَيَّرٍ فِي صُورَةٍ مَا إذَا كَانَ مُغَيَّرًا بِقَرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذَكَرَهُ هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَعَلَ ابْنُ رَاشِدٍ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ الْبَوْلَ إذَا ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ حَتَّى صَارَ كَالْمَاءِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ نَاصِرِ الدِّينِ أَنَّ الْمُخَالِطَ إذَا كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ مُطْلَقًا. (قُلْتُ) : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ النَّظَرَ فِي

جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْمُخَالِطَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَوْصَافِهِ لِغَيْرِ الْمَاءِ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَفْصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ الْمُخَالِطِ هَلْ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَوْصَافِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ إنَّهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ اسْتَعْمَلَهُ وَتَيَمَّمَ وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ وَقَدْ يُقَالُ: الْأَصْلُ فِي الْمَاءِ الطَّهُورِيَّةُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ مَا يَسْلُبُهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَعْنِي مَسْأَلَةَ الرِّيقِ وَأَمَّا حَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ شَيْءٌ فِي أَمْرِ الْمُخَالِطِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَالْمُخَالِطُ يَسِيرًا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى صِفَاتِهِ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَيَنْظُرُ إلَى كَثْرَةِ الْمَاءِ وَقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَكْثَرَ مِنْ آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَهُوَ طَهُورٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ يَسِيرٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا وَالْمُخَالِطُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ. كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَوْصَافِهِ لَغَيَّرَ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ طَاهِرًا كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا وَفِي كَلَامِ سَنَدٍ فِي مَسْأَلَةِ مَاءِ الزَّرْجُونِ إشَارَةٌ إلَى هَذِهِ وَكَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي تَقْدِيرِهِ مُوَافِقَ صِفَةَ الْمَاءِ مُخَالِفًا نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُوَافِقَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فِي قَلِيلِ أَوْ كَثِيرِ الرِّوَايَاتِ وَالْأَقْوَالُ وَاضِحَةٌ بِبَيَانِ حُكْمِ صُوَرِهِ وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى التَّغْيِيرِ الْمَحْسُوسِ وَلِذَا قِيلَ مَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَابِسِيِّ وَتَقْدِيرُ الْمُوَافِقُ مُخَالِفًا قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ كَالْمُتَحَرِّكِ سَاكِنًا انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قَدْرِ الْمُخَالِطِ وَالْمُخَالِفِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَدْرِ مَا يَضُرُّ وَمَا لَا يَضُرُّ وَإِلَى هَذَا مَالَ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ أَنَّ الطَّهُورَ إذَا خَالَطَهُ مَائِعٌ لَا يُخَالِفُ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ وَرِيحَهُ كَالْعَرَقِ وَمَاءِ الشَّجَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَهُورٌ بَعِيدٌ لِإِطْلَاقِهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ كَوْنِ الْمُخَالِطِ أَكْثَرَ غَيْرَ مُرَادَةٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَإِذَا كَانَ الْمُخَالِطُ أَكْثَرَ تَبِعَهُ الْمَاءُ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ مَانِعَةٌ مِنْ التَّبَعِيَّةِ وَلِاسْتِلْزَامِهِ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ فِيمَا قَالَ سَنَدٌ إنَّهُ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ) ش: قَوْلُهُ بِمَاءِ الظَّاهِرِ فِيهِ أَنَّهُ بِالْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِ هَمْزٍ فَيَكُونُ مَا اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي وَفِيهِ بُعْدٌ وَتَكَلُّفٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ أَيْ وَفِي التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ الَّذِي جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْقَوْلَانِ رَاجِعَانِ إلَى خِلَافٍ فِي حَالِ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَكَّ الْمَاءُ عَمَّا يُضِيفُهُ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَازُ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَنْعُ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ التَّغَيُّرُ لِأَثَرٍ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الرِّيقِ قَدْرٌ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الرِّيقِ لَغَيَّرَ الْمَاءَ وَلِأَنَّ الرِّيقَ لَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ جِدًّا حَتَّى يَظْهَرَ لُعَابُهُ فِي الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مَا ذَكَرْنَا وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ إنَّهُ لَوْ طَالَ مُكْثُ الْمَاءِ فِي فَمِهِ أَوْ حَصَلَ مِنْهُ مَضْمَضَةٌ لَانْتَفَى الْخِلَافُ لِغَلَبَةِ الرِّيقِ وَقَيَّدَ غَيْرُهُ أَيْضًا الْخِلَافَ بِأَنْ لَا يَكُونُ فِي الْفَمِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ مَعَ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ الطَّهُورِيَّةُ لِأَنَّهَا أَصْلٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي تَطْهِيرِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَلَمْعَةٍ ذَكَرهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ إلَّا بِفِيهِ لِقَطْعِ يَدَيْهِ أَوْ نَجَاسَتِهِمَا وَتَقْيِيدُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ الْخِلَافَ بِتَطْهِيرِ الْخَبَثِ إنْ كَانَ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الرِّوَايَاتِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِ سَمَاعِهِ وَرِوَايَةُ مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِهِ

وَكِلَاهُمَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِمَا الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا رِوَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) دَلَّ كَلَامُ التَّوْضِيحِ السَّابِقُ وَكَلَامُ ابْنِ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا الشَّكُّ فِي حُصُولِ الْقَدْرِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَأْثِيرُهُ مِنْ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا احْتِمَالُ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ هُنَا وَهُنَاكَ فَرْضَ وُقُوعِهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ: هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَإِنْ كَانَ خِلَافًا حَقِيقِيًّا وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُخَالِطِ لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَعْتَبِرُ بَقَاءَ صِدْقِ اسْمِ الْمَاءِ وَأَشْهَبُ يَنْظُرُ إلَى أَنَّهُ خُولِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ لَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمُوَافِقَ وَقَعَ مِنْهُ فِي الْمَاءِ قَدْرُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا أَوْ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ لَأَثَّرَ فِي الْمَاءِ فَافْتَرَقَتْ الْمَسْأَلَتَانِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : فَرْضُهُ أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشُّيُوخِ السَّابِقِ وَدَلَّ آخِرُ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ هُنَا عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَنَقْلُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا خُولِطَ بِطَاهِرٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ طَهُورٌ؟ . (قُلْتُ) : كَأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْمُخَالِطِ أَنْ يَطْهُرَ تَغَيُّرُهُ كَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ فَلَمَّا لَمْ يُغَيِّرْ دَلَّ عَلَى قِلَّتِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِصِفَةِ الْمَاءِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى قِلَّتِهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ هُوَ أَحَدُ الطُّرُقِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَتَطَهَّرُ بِهِ وَالْمَاءِ الَّذِي لَا يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ ذَكَرَ قِسْمًا ثَالِثًا وَهِيَ الْمِيَاهُ الَّتِي يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا مَعَ الْحُكْمِ بِطَهُورِيَّتِهَا فَبَدَأَ مِنْهَا ب الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ طَهُورٌ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ يُرِيدُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَطَهَّرَ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَإِنْ تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَهَلْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ الْمَكْرُوهَةِ الْآتِيَةِ، وَالْكَرَاهَةُ لَا تَقْتَضِي الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَإِنَّمَا الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ كَمَا أَخَذَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ السُّلَيْمَانِيَّة فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ يَتَغَيَّرُ بِوَرَقِ الشَّجَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ فَيَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا وَالثَّانِي أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَعَزَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ لِلْأَبْهَرِيِّ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ مَرَّةً وَلَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ إنْ كَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِيهِ فَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْمَنْعِ فَيَكُونُ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى مَعْنَى لَا خَيْرَ فِيهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ وِفَاقًا لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ عِيَاضٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَجَعَلُوا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا وَرَدَّ بِأَنَّ مَالِكًا مَنَعَ الْمُتَوَضِّئَ مِنْ مَسْحِ رَأْسِهِ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَنْعِ لِقِلَّتِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وِفَاقٌ وَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ إسْقَاطُ لَفْظِهِ أَحَبُّ إلَيَّ كَمَا اخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَحَمَلَهَا عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا قَالَ

صَاحِبُ الِاسْتِيعَابِ انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ كَرَاهِيَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْ الْمَنْعِ مِنْهُ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ لِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ وَقِيلَ أَزَالَ الْمَانِعَ وَقِيلَ لِكَوْنِهِ لَا يُعْلَمُ سَلَامَتُهُ مِنْ الْأَوْسَاخِ وَقِيلَ إنَّهُ قَدْ ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ فِي عِبَادَةٍ فَلَا يَقْوَى لِعِبَادَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ وَقِيلَ إنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ جَمْعُ ذَلِكَ وَاسْتِعْمَالُهُ وَالرَّاجِحُ فِي تَعْلِيلِ الْكَرَاهَةِ كَوْنُهُ مُخْتَلِفًا فِي طَهُورِيَّتِهِ وَاقْتَصَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ: فَإِنْ انْتَفَيَا كَمَا فِي الْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا مَنْعَ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي الْأَوْضِيَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَفِي غَسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ اُحْتُمِلَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ صُورَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَنْ يَسِيلَ الْمَاءُ فِي صَحْفَةٍ أَوْ طَسْتٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ أَوْ يَغْتَسِلُ فِي قَصْرِيَّةٍ وَهُوَ نَقِيُّ الْجِسْمِ انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ هُوَ مَا قُطِرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ أَوْ اتَّصَلَ بِهَا فِي وُضُوءٍ أَوْ جَنَابَةٍ بِشَرْطِ سَلَامَتِهَا مِنْ النَّجَسِ وَالْوَسَخِ وَإِلَّا فَهُوَ مَاءٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ مَاءٌ مُضَافٌ فَلَهُ حُكْمُ ذَلِكَ وَهَذَا الْأَخِيرُ نَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْمَاءَ بِمُجَرَّدِ اتِّصَالِهِ بِالْعُضْوِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ لَهُمْ فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْمَاءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ هُوَ الْمَجْمُوعُ عَنْ الْأَعْضَاءِ لَا مَا يَفْضُلُ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَلَا الْمُسْتَعْمَلُ فِي بَعْضِ الْعُضْوِ إذَا جَرَى لِلْبَعْضِ الْآخَرِ وَقَالَ فِي فُرُوقِهِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ طَهُورٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ وَاتَّصَلَ بِهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا وَضَعَ الْمُتَوَضِّئُ أَوْ الْمُغْتَسِلُ أَعْضَاءَهُ فِي الْمَاءِ وَغَسَلَهَا فِيهِ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ هَلْ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الْيَسَارَةِ فِي كَرَاهَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ ثَبَتَ اشْتِرَاطُهَا فَهَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِتَكْثِيرِهِ بِمَاءِ أَوْضِيَةٍ أُخْرَى وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ لَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ؟ وَإِذَا زَالَتْ الْكَرَاهَةُ عَنْ هَذَا الْكَثِيرِ ثُمَّ فُرِّقَ حَتَّى كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ يَسِيرًا هَلْ تَعُودُ الْكَرَاهَةُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ بِزَوَالِهَا وَلَا مُوجِبَ لِعَوْدِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. (قُلْتُ) : فِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْيَسَارَةِ فِي الْحُكْمِ بِكَرَاهَةِ الْمُسْتَعْمَلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ لَهُ صُورَتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَقَاطَرَ الْمَاءُ عَنْ الْأَعْضَاءِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْأَعْضَاءِ كَأَنْ يَغْتَسِلَ فِي قَصْرِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَقَاطِرَ عَنْ الْأَعْضَاءِ يَسِيرٌ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ يَكُونُ الْمَاءُ كَثِيرًا وَقَدْ يَكُونُ يَسِيرًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ بِالْكَرَاهَةِ هُوَ الْيَسِيرُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ اغْتَسَلَ فِي مَاءِ حِيَاضِ الدَّوَابِّ حَيْثُ غَسَلَ أَذَاهُ قَبْلَ دُخُولِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ اغْتَسَلَ فِي قَصْرِيَّةٍ فَلَا خَيْرَ فِي مَائِهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جُنُبٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي مِثْلِ حِيَاضِ الدَّوَابِّ: لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ لِكَثْرَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِوُضُوحِهِ وَلِذَلِكَ لَوْ صُبَّ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ حَتَّى صَارَ كَثِيرًا فَلَا يُشَكُّ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَهَا وَهِيَ مَا إذَا جُمِعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي أَوْضِيَةٍ أَوْ اغْتِسَالٍ حَتَّى صَارَ كَثِيرًا فَهَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عَنْهُ أَمْ لَا فَاخْتَارَ انْتِفَاءَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَجُمِعَ حَتَّى صَارَ كَثِيرًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَعْمَلِ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ كَرَاهَةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ حَالَ الِانْفِرَادِ كَانَ لِلْمَجْمُوعِ حُكْمُ أَجْزَائِهِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَفِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِاشْتِرَاطِ الْيَسَارَةِ فِي كَرَاهَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا قَدْرَ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِ مَا يَسْقُطُ مِنْ أَعْضَائِهِ فَعَلَ وَغَسَلَ بِذَلِكَ الْمَاءِ بَاقِي أَعْضَائِهِ وَيَصِيرُ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا تَوَضَّأَ بِهِ مَرَّةً نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ وَجَعَلَهُ

ابْنُ يُونُسَ مِنْ بَابِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ فَقَالَ هَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْجَمِيعِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ الشَّيْخُ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا قَدْرَ وُضُوئِهِ بِمُسْتَعْمِلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ تَعَيَّنَ خَرَّجَهُ الصَّقَلِّيُّ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ كُلِّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ لَمْ يَظْهَرْ لِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ كُلُّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَإِنْ قِيلَ إنَّ طَهَارَةَ الْأَوَّلِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى طَهَارَةِ الْأَخِيرِ فَيَكُونُ مَا أُخِذَ مِنْ الْعُضْوِ الْأَوَّلِ وَاسْتَعْمَلَهُ غَيْرُ هَذَا التَّوَضِّي فِي طَهَارَةٍ قَبْلَ كَمَالِ طَهَارَةِ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ أَوَّلًا عَارِيًّا عَنْ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَا بِشَرْطِ التَّمَامِ وَلَمْ يَحْصُلْ إلَى الْآنَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ عَنْهُ حَتَّى يُنْظَرَ مَآلَ أَمْرِ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ هَلْ تُتِمُّ طَهَارَتُهُ أَمْ لَا انْتَهَى. (قُلْتُ) : فَيَظْهَرُ مِنْ آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا تَمَّتْ الطَّهَارَةُ حَكَمَ لِمَا أُخِذَ أَوَّلًا بِالْكَرَاهَةِ وَلَوْ كَانَ قَدْ اُسْتُعْمِلَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَظْهَرُ لِكَلَامِ ابْنِ هَارُونَ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَجْهٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَمَّتْ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالْحَاصِلُ) أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَا يَغْتَرُّ بِقَوْلِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْبَحْثُ أَنَّهُ يَجْمَعُهُ وَلَكِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَقَبِلَهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ. (الرَّابِعُ) مَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَمَسَحَهُ بِبَلَلِ ذِرَاعَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سَلَفٍ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِرَاعَيْهِ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الْمَسْحُ قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلَلُ لِحْيَتِهِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ قَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَمَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِإِجَازَتِهِ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِهِ كَلَامَ مَالِكٍ عَلَى الْمَنْعِ وَأَمَّا عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إذَا وَجَدَ مَاءً غَيْرَهُ يَمْسَحُ بِهِ رَأْسَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إدْخَالَ الْمُحْدِثِ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا إذَا انْفَصَلَتْ الْيَدُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى أَصْلِنَا وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الِاغْتِرَافَ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَقْدِهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ الِاخْتِيَارُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ جَمِيعًا لِغَسْلِ وَجْهِهِ وَبَقِيَّةِ أَعْضَائِهِ أَوْ الِاخْتِيَارُ أَنْ يُدْخِلَ الْيُمْنَى فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) وَلَا بَأْسَ بِمَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: الْمَاءُ الَّذِي يَنْتَضِحُ فِي إنَاءِ الْمُغْتَسِلِ عَلَى وَجْهَيْنِ: مَا تَطَايَرَ مِنْ جَسَدِهِ: وَمَا تَطَايَرَ مِنْ الْأَرْضِ وَكِلَاهُمَا لَا يَضُرُّ إذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ تَطَايُرُ نَجَاسَةٍ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ عِيَاضٌ ظَاهِرُهُ مَا يَنْتَضِحُ مِنْ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ النَّاسُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَكَانُ ظَاهِرًا أَوْ مُنْحَدِرًا لَا تَثْبُتُ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ يُبَالُ فِيهِ وَيَسْتَنْقِعُ الْمَاءُ فَهُوَ نَجِسٌ وَيَنْجُسُ مَا طَارَ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضِ شُيُوخنَا: يُحْمَلُ قَوْلُهَا عِنْدِي عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ مَا يَكُونُ فِي بَدَنِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فَإِنَّ إمْرَارَ يَدَيْهِ مَعَ الْمَاءِ لِلتَّدَلُّكِ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْإِنَاءِ عَفْوٌ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي يَدَيْهِ وَهُوَ

تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَمَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ مِنْ أَنَّ الْمَكَانَ مُنْحَدِرٌ نَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ بَيِّنٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) : عَادَتُهُ إذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُشِيرُ بِهِ إلَى ابْنِ عَرَفَةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ بِإِدْخَالِ يَدَيْهِ فِيهِ بَعْدَ دَلْكِ جَسَدِهِ بِهِمَا وَلَوْ كَانَ فِي جَسَدِهِ نَجَاسَةٌ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ عِيَاضٍ السَّابِقَ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ ضَرُورَةٌ فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، (السَّابِعُ) لَا إشْكَالَ فِي كَرَاهَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَأَمَّا فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ فَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمُسْتَعْمَلِ لِأَنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى قَالَ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَانْظُرْ هَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَوْضِيَةِ وَالِاغْتِسَالَاتِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ أَمْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ كَوْنُهُ غَيْرَ طَهُورٍ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَشْتَمِلُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ يَشْتَمِلُ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا يُنَجِّسُ مَا أَصَابَهُ. مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الَّذِي تَطَهَّرَ بِهِ أَوَّلًا طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ عَلَى التُّرَابِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَنَّ الْمَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ الْحَدَثِ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي الْأَوْضِيَةِ وَالِاغْتِسَالَاتِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ تَرَدُّدٌ أَيْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَفِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِهِ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ أَوْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ نَجَسٌ وَلَا وَسَخٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَقْيِيدَ الْكَرَاهَةِ بِالْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ ابْنُ بَشِيرٍ وَصَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَغَيْرُهُمَا كَرَاهَةَ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ مِنْ الْأَشْيَاخِ مَنْ أَطْلَقَ كَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. (قُلْتُ) : وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي قَوَاعِدِهِ لِأَنِّي لَمْ أَقِفْ لَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَلَى حَمْلِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) كَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ السَّابِقُ فِي بَيَانِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ بِالْأُولَى يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْأَوْضِيَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَنَصُّهُ تَحْرِيرٌ إذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ الطَّهَارَةِ بِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: سَبَبُهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ وَالثَّانِي إزَالَتُهُ لِلْمَانِعِ فَإِنْ انْتَفَيَا مَعًا كَالرَّابِعَةِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا مَنْعَ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ اُحْتُمِلَ الْخِلَافُ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَوْ فِي التَّجْدِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَانِعًا وَإِنْ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ وَغُسْلُ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ أَزَالَ مَانِعَ وَطْئِهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَلَمْ تُؤَدِّ بِهِ عِبَادَةً وَفِي قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصْرِيحٌ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ لَا يَتَوَضَّأُ بِمَا قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ مَرَّةً إشَارَةٌ لِلْعِبَادَةِ وَإِزَالَةِ الْمَانِعِ مَعًا وَنَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالتَّجْدِيدِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : أَوَّلُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ بِسُقُوطِ طَهُورِيَّةِ الْمُسْتَعْمَلِ وَآخِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّعْلِيلَ بِمَا ذَكَرَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ سَنَدٍ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ مَاءَ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسَاوٍ لِوُضُوءِ التَّجْدِيدِ فَيَدْخُلُ فِيهِ التَّرَدُّدُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي وُضُوءِ التَّجْدِيدِ وَقَالَ وَلَوْ جُمِعَ مَاءُ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَهَلْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ أَوْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَاءٌ رُفِعَ بِهِ حَدَثٌ الظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ فَإِنَّ الْحَادِثَ مَا لَهُ بِالْمَاءِ

تَعَلُّقُ حُصُولٍ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأُولَى وَغَيْرِهَا فَالْجَمْعُ لَهُ حُكْمُ الطَّهَارَةِ الْوَاحِدَةِ انْتَهَى. فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَاءَ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَكْرُوهٌ وَبِلَا تَرَدُّدٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الطِّرَازِ هُوَ الْمُرَجَّحُ لِعَدَمِ كَرَاهَةِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ الْحَدَثِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ. (الثَّانِي) الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ وَفِي غَسْلِ التَّبَرُّدِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ السَّالِمِ مِنْ النَّجَسِ وَالْوَسَخِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ السَّابِقِ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ أَصْبَغُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا قَالَ: وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ تَوَضَّأَ بِهِ الْأَوَّلُ مُحْدِثًا أَوْ مُجَدِّدًا أَوْ غَسَلَ بِهِ ثَوْبًا طَاهِرًا وَأَمَّا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ فَظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَقَطْ انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ اغْتِسَالِ الْجُنُبِ فِي الْقَصْرِيَّةِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ طَهُورٌ وَالثَّانِي قَوْلُ أَصْبَغَ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ وَرَدَّهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَضَعَّفَهُ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ إشَارَةٌ إلَى خُرُوجِهِ مِنْ الْخِلَافِ (الثَّالِثُ) مَاءُ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ نَقَلَ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَصَّ فِيهِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يَتَخَرَّجُ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا عَلَى مَسْأَلَةِ مَا أَدْخَلَ الْكَافِرُ يَدَهُ فِيهِ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بِطَهَارَتِهِ وَسَحْنُونٌ بِنَجَاسَتِهِ. (قُلْتُ) : لَا يَتَخَرَّجُ لِأَنَّ هَذَا أَشَدُّ، وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ لِلْقَرَافِيِّ وَذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الذَّخِيرَةِ السَّابِقَ فِي بَيَانِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ. (قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ بِنَجَسٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِهِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الَّذِي رَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا تُفْسِدُهُ النَّجَاسَةُ إلَّا أَنْ تُغَيِّرَ وَصَفًّا مِنْ أَوْصَافِهِ فَسُؤْرُ النَّصْرَانِيِّ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَإِنْ أَيْقَنَ بِنَجَاسَةِ يَدَيْهِ وَفَمِهِ مَكْرُوه مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ ابْتِدَاءً وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ عَدَمِ سِوَاهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالتَّطْهِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَيْ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَمُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ الطَّاهِرُ. وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِهِ وَالتَّيَمُّمِ حَكَى الثَّلَاثَةَ ابْنُ بَشِيرٍ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ رَابِعًا أَنَّهُ طَهُورٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَعَزَاهُ لِرِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَالَ: لَا يُوجَدُ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مُعَوَّلَ الْبَغْدَادِيِّينَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَقَدْ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَكَاهُ وَلَمْ يَعْزِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَاءُ كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ إلَّا مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِنَجَاسَةٍ حَلَّتْ فِيهِ مُعَيَّنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَعَلَى هَذَا يَتَوَضَّأُ بِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَكَاهُ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ ثُمَّ رَدَّهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ رَدُّ ابْنِ بَشِيرٍ بِشَيْءٍ لِأَنَّ حَاصِلَهُ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) : كَلَامُ اللَّخْمِيِّ صَرِيحٌ فِي عَزْوِهِ لِأَبِي مُصْعَبٍ لِأَنَّهُ قَالَ: اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ

أَقْوَالٍ فَقِيلَ هُوَ عَلَى أَصْلِهِ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ نَجِسٌ، وَقِيلَ مَشْكُوكٌ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ أَخَذَ يَعْزُو هَذِهِ الْأَقْوَالَ لِقَائِلِيهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ وَعَزَا الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِرِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَكَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيّ بِأَنْ يَجْعَلَ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ فِي كَلَامِهِ أَوَّلًا رِوَايَةَ أَبِي مُصْعَبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّهُ طَهُورٌ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَتَتَوَضَّأُ بِمُثَنَّاتَيْنِ فَوْقِيَّتَيْنِ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَلِطَ مِنْ رَوَاهُ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ وَبُضَاعَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ قِيلَ: إنَّهُ اسْمٌ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَقِيلَ: لِمَوْضِعِهَا وَالْحِيَضُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ هِيَ الْخِرَقُ الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْحَيْضُ وَالْمُلْقِي لِذَلِكَ السُّيُولُ لِأَنَّ الْبِئْرَ كَانَتْ فِي مَحِلٍّ مُنْحَدِرٍ وَقِيلَ الرِّيحُ وَقِيلَ الْمُنَافِقُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» . قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقِيلَ إنَّهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ لَكِنْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِذَا عُلِمَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِجَاجُ عَلَى ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ كَرَاهَةِ هَذَا الْمَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَدَّ الْمُصَنِّفُ الْيَسِيرَ بِأَنَّهُ قَدْرُ آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَآنِيَةِ الْغُسْلِ فَآنِيَةُ الْغُسْلِ قَلِيلٌ وَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْوُضُوءِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى آنِيَةِ الْوُضُوءِ لَتَوَهَّمَ أَنَّ آنِيَةَ الْغُسْلِ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى آنِيَةِ الْغُسْلِ لَتَوَهَّمَ أَنَّ آنِيَةَ الْوُضُوءِ نَجِسَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْدِيدِ الْيَسِيرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ لِمَالِكٍ. (قُلْتُ) : وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُ الْحُبُّ وَالْجَرَّةُ وَالْحُبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الزِّيرُ وَلَيْسَ هُوَ بِالْجِيمِ لِأَنَّ الْجُبُّ كَثِيرٌ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُرَادُ بِالْحُبِّ الصَّغِيرِ بِدَلِيلِ عَطْفِ الْجَرَّةِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي الْجَرَّةِ وَالزِّيرِ بِخِلَافِ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْجُبِّ وَالْمَاجِلُ لَا تُفْسِدُهَا النَّجَاسَةُ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ إلَّا أَنْ تُغَيِّرَهَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَدْرِهِ أَيْ التَّيْسِيرِ طَرِيقَانِ: الْأُولَى لِلْمُقَدِّمَاتِ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَةُ لِلْإِبْيَانِيِّ فِي كَوْنِ مَاءِ الْجَرَّةِ وَالزِّيرِ يُحِلُّهُ مَا فَوْقَ الْقَطْرَةِ مِنْ النَّجَسِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ مِنْ الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا مَا غَيَّرَهُ مَعْرُوفٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ وَسَمَاعِ مُوسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى، فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ النَّجَسِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْجَرَّةِ وَالزِّيرِ وَلَا تَقْتَضِي كَرَاهَةَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْيَسِيرَ هُوَ الْقُلَّتَانِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَهُوَ الرَّطْلُ الْآتِي ذِكْرُهُ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفُ جِدًّا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ كَثِيرٌ. وَهَذَا الْقَائِلُ حَكَمَ بِأَنَّهُ قَلِيلٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ أَسَانِيدَهُ مَعْلُولَةٌ وَلَكِنَّهُ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ وَالْمَفْهُومُ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ أَرْجَحُ مِنْهُ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

تنبيهات

فِي الْإِحْيَاءِ لَمَّا ذَكَرَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ مَا نَصُّهُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُنْتُ أَوَدُّ أَنَّ مَذْهَبَهُ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ قَلَّ فَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ إذْ الْحَاجَةُ مَاسَةٌ إلَيْهِ وَمَثَارُ الْوَسْوَاسِ اشْتِرَاطُ الْقُلَّتَيْنِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُلَّتَيْنِ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَبِإِصْغَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنَاءَ لِلْهِرَّةِ وَبِوُضُوءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ هُوَ يَعْنِي حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ تَمَسُّكٌ بِالْمَفْهُومِ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ وَتَرْكُ الْمَفْهُومِ بِأَقَلِّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مُمْكِنٌ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا قَوْلًا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ بِمِقْدَارٍ بَلْ بِالْعَادَةِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْيَسِيرَ هُوَ الَّذِي إذَا حَرَّكَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ تَحَرَّكَ الْآخَرُ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمُخَالِطُ نَجِسًا فَإِنْ غَيَّرَ لَوْنَ الْمَاءِ أَوْ طَعْمَهُ كَانَ نَجِسًا بِإِجْمَاعٍ وَإِنْ غَيَّرَ رِيحَهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَالْمَاءُ كَثِيرٌ بِحَيْثُ إذَا حَرَّكَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّك فِي الْحَالِ الطَّرَفُ الثَّانِي فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهَذَا غَرِيبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ] [الْمَاءُ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ ثُمَّ فُرِّقَ أَوْ اُسْتُعْمِلَ حَتَّى صَارَ قَلِيلًا فَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ فَلَا يَكُونُ مَكْرُوهًا وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي. (الثَّانِي) لَوْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا وَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ وَقُلْنَا إنَّهُ مَكْرُوهٌ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مُطْلَقٌ حَتَّى صَارَ كَثِيرًا فَلَا إشْكَالَ فِي طَهُورِيَّتِهِ، وَنُصُوصُهُمْ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ جَمَعَ إلَيْهِ مِيَاهً قَلِيلَةً كُلٌّ مِنْهَا قَدْ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ حَتَّى صَارَ الْمَجْمُوعُ كَثِيرًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَصِيرُ طَهُورًا وَهُوَ مِمَّا يَقْوَى فِيهِ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا جُمِعَ حَتَّى صَارَ كَثِيرًا. (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ بَعْضِ الْمِصْرِيِّينَ فِي إنَاءِ وُضُوءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَصُبَّ فِيهِ الْمَاءُ حَتَّى فَاضَ وَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ كَبِيرًا وَالنَّجَاسَةُ يَسِيرَةٌ وَصُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ كَثِيرٌ حَتَّى تَحَقَّقَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَصُبَّ الْمَاءُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ صَغِيرًا وَالنَّجَاسَةُ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ النَّجَسُ كَثِيرًا فِي الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ وَصُبَّ الْمَاءُ حَتَّى فَاضَ فَالْغَالِبُ عَدَمُ طَهَارَتِهِ انْتَهَى، يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ. (الرَّابِعُ) مَنْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَانْظُرْ عَلَى الْمَشْهُورِ هَلْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ أَيْ لَا فِي وَقْتٍ وَلَا بَعْدَهُ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ النَّصْرَانِيِّ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَيُعِيدُ الْوُضُوءَ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ مَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ فَكَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَكَالْقَوْلِ الثَّانِي وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَذْهَبِهِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ كَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا فَقِيلَ إنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ قَالَ بِتَرْكِهِ وَيَتَيَمَّمُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. [الْمَاءُ الْجَارِي حُكْمُهُ كَالْكَثِيرِ] (الْخَامِسُ) أَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي فَحُكْمُهُ كَالْكَثِيرِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَأَطْلَقَ وَهَكَذَا نَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي اللُّبَابِ: وَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي فَحُكْمُهُ كَالْكَثِيرِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ إذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ كَثِيرًا وَالْجِرْيَةُ لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمُرَادُهُ جَمِيعُ مَا فِي الْجِرْيَةِ وَاحْتُرِزَ بِعَدَمِ الِانْفِكَاكِ عَنْ مِيزَابِ السَّانِيَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : فِي عَزْوِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ نَظَرٌ لِأَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا عَلَى مَنْ عَزَاهُ لَهَا وَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا لِلْمَازِرِيِّ

كَمَا تَقَدَّمَ وَلِصَاحِبِ الْكَافِي وَلَهُ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْمَجْمُوعِ جَمِيعُ مَا فِي الْجِرْيَةِ كَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَكِنَّهُ اعْتَرَضَهُ وَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ مَحِلِّ سُقُوطِ النَّجَاسَةِ إلَى مُنْتَهَى الْجِرْيَةِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ مَحَلِّ السُّقُوطِ غَيْرُ مُخَالِطٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ دَعْوَاهُ أَنَّ عَزْوَ ابْنِ الْحَاجِبِ يَعْنِي مِنْ أَصْلِ الْجَرْيِ وَهْمٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِطٍ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَهُمَا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ نَقْلٌ بِالْمَعْنَى مَا نَصُّهُ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْنِيَ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَصْلِ الْجَرْي لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتَبِرُهُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلتَّكْثِيرِ بِهِ وَيَصْدُقُ عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ مُخَالِطٌ إذَا لَيْسَ مِنْ الْكَثِيرِ الْمُخَالِطِ بِمَا لَا يُغَيِّرُهُ أَنْ يُمَازِجَ الْمُخَالِطُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ إذْ ذَاكَ مُحَالٌ كَغَدِيرٍ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ بِطَرَفٍ مِنْهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّ مَا فَوْقَ مَحِلِّ السُّقُوطِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْوَاقِعُ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ فَوْقَ الْوَاقِعِ لَمْ تَضُرَّهُ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا قَالَ ابْنُ هَارُونَ: إلَّا أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ جِدًّا انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ قَرُبَ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَاءَ جَارٍ فَلَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَى مَا فَوْقَ مَحِلِّ السُّقُوطِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْمَاءِ تُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ فَتُغَيِّرُهُ: إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْجَارِي نَجَاسَةٌ فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً مَعَ الْمَاءِ فَمَا فَوْقَهَا طَاهِرٌ إجْمَاعًا وَأَمَّا الْجِرْيَةُ الَّتِي فِيهَا وَهِيَ مَا بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا فَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ تَقِرُّ فِيهِ الْمَيْتَةُ لِأَنَّهُ يَتَحَرَّكُ مَعَهَا بِحَرَكَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا الْجِرْيَةُ الَّتِي تَحْتَهَا فَطَاهِرَةُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يَلِيهَا لِأَنَّ الْمَاءَ رُبَّمَا يَسْبِقُ جَرْيُهُ جَرْيَهَا سِيَّمَا إذَا قَوِيَتْ الْأَرْيَاحُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَائِمَةً وَالْمَاءُ يَجْرِي عَلَيْهَا فَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي بِئْرِ السَّانِيَةِ وَشَبَهُهَا مِمَّا مَاؤُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَالْمَيْتَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَالنَّهْرُ الْجَارِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يَتَوَقَّى مَا قَرُبَ مِنْ النَّجَاسَةِ مِنْ تَحْتِ جَرْيِهَا انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا فَوْقَ النَّجَاسَةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ بَعْدَ مَحِلِّ السُّقُوطِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْرِيَ الْمَاءُ بِذَلِكَ الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِهِ فِي مَحِلِّ الْوُقُوعِ فَيَنْظُرُ إلَى مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ يَكُونُ يَسِيرًا وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرًا وَالْمَحِلُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا أَجْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُعْتَبَرُ هُنَا الْمَجْمُوعُ مِنْ مَحِلِّ النَّجَاسَةِ إلَى آخِرِ الْجِرْيَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَنْحَلَّ الْمُغَيِّرُ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يُنْظَرُ إلَى مَجْمُوعِ مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَمَحِلِّ تَأْثِيرِ ذَلِكَ الْحَالِّ الْمُغَيِّرِ فَلَوْ كَانَ مَجْمُوعُ الْجِرْيَةِ كَثِيرًا وَمِنْ مَحِلِّ الْوُقُوعِ إلَى مَحِلِّ الِاسْتِعْمَالِ يَسِيرًا جَازَ الِاسْتِعْمَالُ لِكَوْنِ الْمُغَيِّرِ قَدْ ذَهَبَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيُنْظَرُ إلَى مَجْمُوعِ مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ وَكَذَلِكَ يُنْظَرُ لِقَوْلِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مَا بَيْنَ مَحِلِّ الْوُقُوعِ وَمَحِلِّ تَأْثِيرِ ذَلِكَ الْمُغَيِّرِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجِرْيَةُ الَّتِي فِيهَا النَّجَاسَةُ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ مَحِلِّ النَّجَاسَةِ إلَى مُنْتَهَى الْجَرْيِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا مَا ظَهَرَ مِنْ الْبَحْثِ فِي كَلَامِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَمْ أَرَهَا مَنْصُوصَةً لِلْمُتَقَدِّمِينَ هَكَذَا، نَعَمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كَافِيهِ إنَّ الْمَاءَ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَرَى بِهَا فَمَا بَعْدَهَا مِنْهُ طَاهِرٌ وَأَشَارَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَن أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» إلَى أَنَّ الْجَارِيَ كَالْكَثِيرِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ ظَاهِرَةً فَيُعْتَبَرُ الْمَحِلُّ الَّذِي هِيَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كُرِهَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي

شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَن أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» الَّذِي لَا يَجْرِي قَالَ عِيَاضٌ: التَّقْيِيدُ بِلَا يَجْرِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْجَارِي وَأَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّ الْجَارِيَ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وَيَخْلُفُهَا طَاهِرٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَارِيَ كَالْكَثِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا يَغْلِبُهُ الْبَوْلُ وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تَسْقُطَ النَّجَاسَةُ وَيَمُرَّ الْمَاءُ بِهَا وَبَعْضُهَا بَاقٍ بِمَحِلِّ السُّقُوطِ، فَالْمَجْمُوعُ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ تَطْهُرُ فِي خَلَلِ مَا بَيْنَهُمَا فَيَنْظُرُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بِطَرَفِ السَّطْحِ فَيَنْزِلُ الْمَطَرُ فَيَمُرُّ مَاءُ السَّطْحِ بِتِلْكَ النَّجَاسَةِ وَيَجْتَمِعُ جَمِيعُهَا فِي قَصْرِيَّةٍ أَوْ زِيرٍ تَحْتَ الْمِيزَابِ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا بِأَنَّهُ مِنْ صُوَرِ الْجَارِي كَالْكَثِيرِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا تَبْقَى النَّجَاسَةُ بِمَحِلِّ السُّقُوطِ فَالْمَجْمُوعُ بَيْنَ أَجْزَاءِ مَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَمُنْتَهَى الْجَرْيِ وَقَوْلُهُ احْتِرَازًا عَنْ مِيزَابِ السَّانِيَةِ أَيْ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ قَلِيلٌ وَإِذَا وَقَفَتْ الدَّابَّةُ انْقَطَعَ. (السَّادِسُ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ إذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ طَهُورٌ فَأَحْرَى إذَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا وَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا إذَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ طَهُورٌ بِلَا كَرَاهَةٍ خِلَافًا لِلْقَابِسِيِّ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ يَقَعُ فِيهِ الْبُصَاقُ وَالْمُخَاطُ وَشَبَهُهُ قَالَ سَنَدٌ: وَغَيْرُهُ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكْثُرْ حَتَّى يُغَيِّرَهُ فَيَكُونُ مُضَافًا. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي لُعَابِ الْكَلْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْحِمَارِ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِسُؤْرِهَا انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ سُؤْرِ الْكَلْبِ الْقَلِيلِ فَيُكْرَهُ وَبَيْنَ مَا أَصَابَهُ لُعَابُهُ فَلَا يُكْرَهُ. ص (أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذَّكَرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ لِأَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ أَخَفُّ مِنْ سُؤْرِ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ يَرَى الْكَلْبَ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ: لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ. وَنَقَلَهُ سَنَدٌ بِلَفْظِ وَالْكَلْبُ أَيْسَرُ مُؤْنَةً مِنْ السِّبَاعِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلَةِ سُؤْرِهِ وَصَلَّى عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ قَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ وَابْنُ وَهْبٍ: وَلَا يُعْجِبُنِي ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ بِهِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْكَثِيرِ كَالْحَوْضِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ يُرِيدُ وَإِنْ عَلِمَ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ سُؤْرُ كَلْبٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَطْرَحُهُ وَيَتَيَمَّمُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلِابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الْمُتَوَضِّئُ بِهِ فِي الْوَقْتِ. ص (وَرَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ) ش: يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُهُ يُغْتَسَلُ فِيهِ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ كَمَا قَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ يُغْتَسَلُ كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ مُعَدٍّ لِلْغُسْلِ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَانَ مَنْ يَغْتَسِلُ فِيهِ نَجِسُ الْأَعْضَاءِ أَوْ طَاهِرُهَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمُغَيِّرَ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا عَمِلَ عَلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَبْحِرًا أَوْ كَالْقَصْرِيَّةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بَيْنَ ذَلِكَ كَالْحَوْضِ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا الْمُسْتَبْحِرُ وَالْمَاءُ الْمُعَيَّنُ كَالْغَدِيرِ الْكَبِيرِ وَالْبِرْكَةِ الْكَبِيرَةِ وَالْبِئْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ كَالْقَصْرِيَّةِ وَهِيَ الْمِرْكَنُ فَلَا إشْكَالَ فِي كَرَاهِيَتِهِ إنْ كَانَ الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ نَجَسُ الْأَعْضَاءِ أَوْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ يَسِيرٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وَإِنْ كَانَ الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ غَيْرُ جُنُبٍ فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِهِ قَالَ سَنَدٌ: قَوْلُهُ لَا خَيْرَ فِيهِ عَلَى أَيْ وَجْهٍ قُدِّرَ لِأَنَّهُ إنْ اغْتَسَلَ بِنَجَاسَةٍ فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى

مَا عُرِفَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَدَثٍ وَقَدْ عَظُمَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْجُنُبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا يُغْسَلُ فِيهِ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ وَشَبَهُهُ مِنْ الطَّهَارَاتِ وَمَذْهَبُهُ خَارِجٌ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ حَيْثُ السُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْجَنَابَةِ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرِ فَإِنَّ أَدِيمَ الْجِلْدِ إذَا كَانَ طَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْمَاءِ كَانَ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ كَمُرُورِهِ عَلَى أَدِيمِ الْقِرَبِ انْتَهَى، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي نَحْوَهُ وَأَمَّا الْحَوْضُ وَنَحْوُهُ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَغْتَسِلُ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ فَإِنْ فَعَلَ أَفْسَدَهُ إذَا كَانَ مِثْلَ حِيَاضِ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْأَذَى قَبْلَ دُخُولِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَفْسَدَهَا يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّنْجِيسَ وَالصَّوَابُ حَمْلُهَا عَلَى التَّنْجِيسِ وَعَلَيْهِ يَقُومُ مِنْهُ مِثْلُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ آنِيَةَ الْغُسْلِ لَا تُنَجِّسُهَا الْقَطْرَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ بَلْ مَالَهُ بَالٌ كَاَلَّذِي عَلَى جَسَدِ الْجُنُبِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ نَاجِي إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْيَسِيرَ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ أَفْسَدَتْهُ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَعَلِيٍّ أَنَّ نَحْوَ الْجَرَّةِ وَالزِّيرِ وَالْحَوْضِ يَسِيرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَيُكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي مَاءٍ وَاقِفٍ إذَا كَانَ يَسِيرًا وَوَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ جَازَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ وَيَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا وَيُكْرَه لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي بِئْرٍ قَلِيلَةِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَلَا بَأْسَ انْتَهَى، بَلْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الْجَرَّةَ وَالزِّيرَ وَالْحَوْضَ مِنْ الْكَثِيرِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَرٍ نَحْوِ مَا فِي الْجَلَّابِ وَنَصُّهُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ وَانْغَمَسَ فِيهِ جُنُبٌ انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْتَ) : هَذَا الَّذِي ذَكَرْتَهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ (قُلْتُ) : أَمَّا الْمُسْتَبْحِرُ الْكَبِيرُ فَلَا إشْكَالَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ كَلَامِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّا إنْ حَمَلْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يُغْتَسَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ وَلَا يَفْطِنُ بِهِ وَلَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ اغْتِسَالِ جُنُبٍ أَوْ غَسْلِ نَجَاسَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ لِكَوْنِهِ يُسَخَّنُ بِالْأَقْذَارِ وَالنَّجَاسَاتِ وَلِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِيهِ فَرُبَّمَا يَتَنَاوَلُ أَخْذُهُ بِيَدِهِ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ لِدِينِهِ فَإِذَا كُرِهَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي فَمَا بَالُكَ بِمَا يَكْثُرُ فِيهِ الِاغْتِسَالُ وَلِمَا يُخْشَى مِنْ سُرْعَةِ التَّغَيُّرِ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ بَلْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِي حِيَاضِ الرِّيفِ الَّتِي يَغْتَسِلُ فِيهَا النَّصَارَى وَالْجُنُبُ: لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا وَلَا يُجِيزُ لِأَحَدٍ الْغُسْلُ فِيهَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ تَغَيُّرُ أَحَدِ أَوْصَافِهِ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا فِي الْوَاضِحَةِ وَلِمَالِكٍ فِي رَسْمٍ حَلَفَ لَا يَبِيعُ سِلْعَةً سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَقَالَ قَبْلَهُ فِي حَوْضِ الْحَمَّامِ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِنَجَاسَةٍ لِكَثْرَةِ الْمُنْغَمِسِينَ فِيهِ إذْ يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ أَجْسَامُهُمْ جَمِيعُهَا طَاهِرَةً وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا (قُلْتُ) : وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَلَوْ لَمْ يُغَيِّرْهُ وَعَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا أَنَّ مِثْلَ الْحَوْضِ يَسِيرٌ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ أَيْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَيُنْظَرُ إلَى الْمَاءِ فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ فَهُوَ غَيْرُ طَهُورٍ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِهِ فَهُوَ طَهُورٌ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِكَثْرَةِ الْمُغْتَسِلِينَ فِيهِ وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بَيَانُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمُغْتَسِلِينَ فِي الْمَاءِ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِنَجَاسَةٍ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالنَّجَاسَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى

فرع تغير الماء في البرك المعدة للوضوء

هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ يَتَكَرَّرُ فِيهِ الِاغْتِسَالُ وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَنْصُوصًا فَيُقَيِّدُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ لَا يَكْثُرُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ جِدًّا وَبِأَنْ يَكُونَ مَنْ يَغْتَسِلُ فِيهِ غَيْرَ نَجِسِ الْأَعْضَاءِ وَإِلَّا أَفْسَدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تغير الْمَاء فِي الْبَرْك الْمَعِدَة للوضوء] (فَرْعٌ) الْبِرَكُ الْمُعَدَّةُ لِلْوُضُوءِ فِي الْمَيَاضِي مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ مِنْهَا لِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ فِيهَا النَّجَاسَةَ وَإِنْ تَحَقَّقَ غَسْلُهُمْ النَّجَاسَةَ فِيهَا وَكَثْرَتُهُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِنْهَا وَهَذَا فِيمَا تَطُولُ إقَامَةُ الْمَاءِ فِيهِ وَأَمَّا مَا يَفْرُغُ بِسُرْعَةٍ وَيُجَدَّدُ لَهُ مَاءٌ آخَرُ فَأَمْرُهُ خَفِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْمَعْنَى الثَّانِي وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا أَمَّا الْمُسْتَبْحِرُ فَلَا إشْكَالَ فِي خُرُوجِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِكْمَالِ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ: حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى خُرُوجِهِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَكَرِهَ مَالِكٌ الِاغْتِسَالَ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَمْ لَا وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَوْ لَمْ يَغْسِلْهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةٌ بِالْغُسْلِ فِيهِ دُونَ الْوُضُوءِ فِيهِ وَيُعْطَى بِظَاهِرِهِ أَنَّ التَّنَاوُلَ مِنْهُ لِلتَّطْهِيرِ خَارِجَهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ أَتَى الْجُنُبُ بِئْرًا قَلِيلَةَ الْمَاءِ وَبِيَدِهِ قَذِرٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَتَى الْجُنُبُ بِئْرًا قَلِيلَةَ الْمَاءِ وَبِيَدِهِ قَذِرٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: يَحْتَالُ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَيَغْرِفَ وَيَغْتَسِلَ وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ يَغْتَسِلُ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهَا أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُنَجِّسْهَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مُعَيَّنًا، قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: إنَّمَا كُرِهَ لَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ إذَا وَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمُضْطَرِّ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ ذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ يَحْتَالُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَأْخُذُهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ وَفِي سَمَاعِ مُوسَى بِفِيهِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَلَا يَكُونُ مُضَافًا إذَا مَجَّهُ مَكَانَهُ وَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى يَطُولَ مَقَامَهُ وَيُمَضْمِضَهُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ أَوْ بِفِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُضَافًا يُرِقْهُ فَلَا تَطْهُرُ يَدُهُ وَلَا يَزُولُ عَنْهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَإِنْ عَيَّنَهَا تَزُولُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ الَّذِي أَدْخَلَهَا فِيهِ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَفِي الطِّرَازِ يَحْتَالُ بِرَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ أَوْ بِغَرْفٍ أَوْ عُشْبٍ قَالَ: وَقَوْلُ عَلِيٍّ تَفْسِيرٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي قَوْلِ عَلِيٍّ هُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ فَيَتَعَيَّنُ وَقَالَ سَنَدٌ: قَوْلُهُ وَيَحْتَالُ وَيَغْرِفُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْبِرَكِ وَأَمَّا الْبِئْرُ إذَا نَزَلَ ثُمَّ اغْتَرَفَ رَجَعَ الْمَاءُ إلَى الْبِئْرِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَلَطَّفَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ يَدِهِ وَتَقْلِيلِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَرْفَعُ بِهِ الْمَاءَ فِي فِيهِ ثُمَّ يَصْعَدُ إلَى أَعْلَى الْبِئْرِ فَيَبِلُّ يَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِالْأَرْضِ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِرَارًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَلِّلُ النَّجَاسَةَ مِنْ يَدِهِ فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ الطُّلُوعِ وَالنُّزُولِ فَعَلَ مَا يُمْكِنُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا أَنْ يَبُلَّ يَدَيْهِ بِفِيهِ وَيَمْسَحَ فِي حَائِطِ الْبِئْرِ يَفْعَلْهُ مِرَارًا حَتَّى لَا يَبْقَى لِلنَّجَاسَةِ فِي يَدِهِ عَيْنٌ تَطْهُرُ وَلَا تُحَسُّ فَلَا يُؤَثِّرُ مَا يُقَدَّرُ بَقَاؤُهُ بِيَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ رَفْعِهِ الْمَاءَ بِيَدِهِ إلَى جَسَدِهِ فِي الْبِئْرِ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَيْهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغْرِفَ أَوْ يَنْغَمِسَ قُلْنَا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّهُ إذَا اغْتَرَفَ وَقَلَّلَ الْمَاءَ وَبَالَغَ فِي التَّدَلُّكِ لَا يَكَادُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْبِئْرِ مِنْهُ كَبِيرُ طَائِلٍ وَقَدْ أَنْكَرَ مَالِكٌ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى سَالَ أَوْ قَطَرَ مِنْ عَلَى جَسَدِهِ بِشَيْءٍ إلَى الْبِئْرِ أَمْكَنَ أَنْ يَمُدَّ يَدَيْهِ فَيَغْتَرِفَ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ وَمُرَاعَاةٌ لِلظَّاهِرِ انْتَهَى. يَعْنِي ظَاهِرَ النَّهْيِ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الرَّاكِدِ [فَرْعٌ الْغُسْل فِي الْحِيَاض قَبْل غَسَلَ الْأَذَى] (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ إنْ اغْتَسَلَ بِهِ فِي الْحِيَاضِ أَوْ فِي الْقَصْرِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمَاءِ الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَسْلُهُ وَحُكْمُ الْجَنَابَةِ بَاقٍ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَغُسْلُهُ يُجْزِيهِ

وَلَكِنْ يُغْتَسَلُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِأَجَلِ النَّجَاسَةِ وَقَالَ بَعْدَهُ: إنْ تَغَيَّرَ أَفْسَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ الْمَشْكُوكُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَإِنَاءِ الْمَاءِ يُشْرَبُ مِنْهُ مَا لَا يَتَوَقَّى مِنْ النَّجَاسَاتِ تَدْخُلُهُ الْأَقْوَالُ الَّتِي فِي تِلْكَ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنْ صَلَّى بِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْبَاجِيُّ يَغْسِلُ جَسَدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَا يَنْوِي بِالْغُسْلِ الثَّانِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهَا وَقَدْ ارْتَفَعَتْ وَلَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَرَّدَ إلَّا جُزْأَهُ مِنْ طَهَارَةِ أَعْضَائِهِ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ جَارٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَاءِ الْيَسِيرِ تُحِلُّهُ النَّجَاسَةُ. ص (وَسُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ) ش: تَقَدَّمَ ضَبْطُ السُّؤْرِ وَبَيَانُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ سُؤْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَسُؤْرُ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةُ مِنْ الْمَاءِ أَيْضًا إذَا كَانَ يَسِيرًا كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا تَقَدَّمَ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يُصَرِّحْ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ وَصَرَّحَ بِهَا ابْنُ الْجَلَّابِ وَصَاحِبُ التَّلْقِينِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِذَكَرِ شَارِبِ الْخَمْرِ عَنْ النَّصْرَانِيِّ مَعَ ذِكْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ مِنْ شَرْبَةِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا عَنْ قَوْلِهِ شَارِبِ خَمْرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِمَا وَهِيَ لِمَا لَا يَعْقِلُ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ وَقَوْلُهُ شَارِبِ خَمْرٍ يَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كَثْرَةِ شُرْبِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ طَهَارَةُ الْيَدِ وَالْفَمِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُمَا فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. ص (لَا إنْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ إذَا عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَالْهِرِّ وَالْفَأْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِهِ مِنْ الْمَاءِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَلِمَا وُرِدَ فِي الْهِرَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ» هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِأَوْ فِي بَابِ الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ بِالْوَاوِ وَبِحَذْفِ عَلَيْكُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ: يُحْتَمَلُ أَوْ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلنَّوْعَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَاتِ الْوَاوِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةُ الطَّوَّافُونَ الْخَدَمُ وَالْمَمَالِيكُ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ بِرِفْقٍ وَعِنَايَةٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّوَّافِينَ مِنْ الْخَدَمِ وَالصِّغَارِ الَّذِينَ سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ الْحِجَابُ وَالِاسْتِئْذَانُ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ إنَّمَا سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَكَثْرَةِ مُدَاخَلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ فَلِذَا يُعْفَى عَنْ الْهِرَّةِ لِلْحَاجَةِ أَشَارَ إلَى نَحْوِ هَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَدِيثُ يَتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِخَدَمِ الْبَيْتِ وَمَنْ يَطَّوَّفُ عَلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَالثَّانِي شَبَّهَهَا بِمَنْ يَطَّوَّفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَمَعْنَاهُ الْأَجْرُ فِي مُوَاسَاتِهَا كَالْأَجْرِ فِي مُوَاسَاةِ مَنْ يَطَّوَّفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي قَدْ يَأْبَاهُ سِيَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ مِنْ الطَّعَامِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ سُؤْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ مِنْ الطَّعَامِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَالطَّيْرُ

فرع سؤر الكافر والنصراني

وَالْأَوِزُّ وَالدَّجَاجُ الْمُخَلَّاةُ وَالسِّبَاعُ الَّتِي تَصِلُ إلَى النَّتْنِ إنْ شَرِبَتْ مِنْ طَعَامِ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ أُكِلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَفْوَاهِهَا وَقْتَ شُرْبِهَا أَذًى فَلَا يُؤْكَلُ انْتَهَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ الْحَمْلُ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ فَيُرَاقَانِ نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ، وَالثَّانِي الْحَمْلُ عَلَى الطَّهَارَةِ فِيهَا نَظَرٌ إلَى الْأَصْلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَالثَّالِثُ الْمَشْهُورُ يُطْرَحُ الْمَاءُ دُونَ الطَّعَامِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْهَا لِاسْتِجَازَةِ طَرْحِ الْمَاءِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لِاسْتِجَازَةِ طَرْحِ الْمَاءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ لِأَنَّ الْمَاءَ يُسْتَجَازُ طَرْحُهُ عَلَى النُّفُوسِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَمَعْنَى اسْتِجَازَةِ الطَّرْحِ أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الطَّعَامِ فَيَجُوزُ طَرْحُهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَهَى، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: ظَاهِرُهُ جَوَازُ طَرْحِهِ لِغَيْرِ سَبَبٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ: وَالسَّرْفُ فِيهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَازُ مُقَيَّدًا بِمَا حَصَلَ فِيهِ شُبْهَةٌ كَشُرْبِ مَا عَادَتُهُ اسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ مِنْهُ وَالْمَنْعُ لِغَيْرِ سَبَبٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّرْفُ فِيهِ بِدْعَةً فِيمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ فِي عِبَادَةٍ جَاءَ مِنْ الشَّرْعِ التَّقْلِيلُ فِي ذَلِكَ أَمَّا إرَاقَةُ الْمَاءِ لَا فِي عِبَادَةِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اخْتِيَارًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا أَبُو الْفَضْلِ أَبُو الْقَاسِمِ الْبُرْزُلِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْإِسْرَافُ حَرَامٌ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقِلَّةُ مَاءٍ بِلَا حَدٍّ. (فَائِدَةٌ) أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ «الْهِرَّةِ أَنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» وَقَالَ: لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [فَرْعٌ سُؤْر الْكَافِر وَالنَّصْرَانِيّ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِ النَّصْرَانِيِّ يَقُومُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاهَدْتُ شَيْخَنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يُفْتِي بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا أَخْرَجَ الدِّرْهَمَ مِنْ فِيهِ وَدَفَعَهُ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ انْتَهَى. ص (كَمُشَمَّسٍ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُشَبَّهُ بِالْمُخْرَجِ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُشَمَّسِ وَهُوَ الْمُسَخَّنُ بِالشَّمْسِ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْمُشَمَّسُ كَغَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى خِلَافِ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الْمُسَخَّنَ بِالشَّمْسِ لِلطِّبِّ وَاقْتَصَرَ عِيَاضٌ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَسَنَدٌ فِي الْمُشَمَّسِ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ هُوَ فِي قَوَاعِدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِهَا خِلَافًا بَلْ قَالَ: لَعَلَّهُ إنَّمَا كَرِهَهُ طِبًّا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ الْآتِي وَكَلَامَ سَنَدٍ فِي الطِّرَازِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْهَبَ كَرَاهَتُهُ وَنَصَّهُ فَرْعٌ وَكُرِهَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ فَقَالَ لَا تَفْعَلِي هَذَا يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ» وَنَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى. وَصَدَّرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ بِكَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يَخْرُجُ مِنْ الْإِنَاءِ مِثْلُ الْهَبَاءِ بِسَبَبِ التَّشْمِيسِ فِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ فَيَعْلَقُ بِالْأَجْسَامِ فَيُوَرِّثُ الْبَرَصَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِصَفَائِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُسَخَّنُ بِالنَّارِ وَالْمُشَمَّسُ كَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الذَّخِيرَةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ نَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ كَرَاهَةَ الْمُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ

عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَنْبَغِي كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِ الْمُشَمَّسِ قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَبِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ لَوْ شُمِّسَ فِي أَوَانِي الصُّفْرِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ لَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْبَرَصِ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ التَّجْرِبَةَ إنْ قَضَتْ بِضَرَرِ اسْتِعْمَالِهِ فَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مَا رَوَى لِمَا عُلِمَ شَرْعًا مِنْ طَلَبِ الْكَفِّ عَمَّا يَضُرُّ عَاجِلًا. وَلَمْ يَلْزَمْ بِمَا قِيلَ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَلْزِمُ الضَّرَرَ إلَّا نَادِرًا لَا يَحْرُمُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ مَا اسْتَلْزَمَهُ غَالِبًا فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الظَّنَّ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ كَوْنِ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَفِي كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ أَعْنِي قَوْلَهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا كُلَّهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وَقَالَهُ أَنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ وَهَذَا ضَعِيفُ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُشَمَّسَ لَا أَصْلَ لِكَرَاهَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فِيهِ شَيْءٌ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ بِكَرَاهَةِ الْمُشَمَّسِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَقَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فِيهِ شَيْءٌ لَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ النَّفِيسِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ إنَّ مُقْتَضَى الطِّبِّ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَهُوَ عُمْدَةٌ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُكْرَهُ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فِي الْأَوَانِي الْمُنْطَبِعَةِ وَهِيَ الْمُطْرَقَةُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: جَمِيعُ مَا يُطْرَقُ وَقِيلَ كُلُّ مَا يُطْرَقُ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِصَفَائِهِمَا وَقِيلَ إنَّهَا مِنْ النُّحَاسِ خَاصَّةً وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ الْمُشَمَّسِ قَوِيٌّ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْإِمَامِ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ نَقَلَهُ ابْنُ الْفَرَسِ عَنْ مَالِكٍ وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ كَوْنِهِ فِي أَوَانِي الصُّفْرِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَجَوَّزَ ابْنُ الْفُرَاتِ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَمُشَمَّسٍ رَاجِعًا إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ (قُلْتُ) : وَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ قَالَ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى رَفْعِهِ الْحَدَثَ بَلْ لِمُنْفَصِلٍ عَنْهُ قَالَ وَيَتَعَيَّنُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْمَكْرُوهَةِ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَالظَّوَاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ إرْشَادٍ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ وَلَيْسَتْ كَرَاهَةً شَرْعِيَّةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ الشَّرْعِيَّةَ يُثَابُ تَارِكُهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) : فِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حَيْثُ نَهَى الشَّرْعُ عَنْ شَيْءٍ أُثِيبَ عَلَى تَرْكِهِ كَمَنْ تَرَكَ أَكْلَ السُّمِّ امْتِثَالًا لِنَهْيِ الشَّرْعِ عَنْ التَّسَبُّبِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ ابْنِ الْإِمَامِ السَّابِقُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ نَحْوَ مَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ: هَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ، (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَانْظُرْ هَلْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِتَبْرِيدِهِ أَوْ لَا أَوْ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِلْأَطِبَّاءِ أَمَّا إنْ قِيلَ إنَّ الْعِلَّةَ تُحَلِّلُ أَجْزَاءً مِنْ الْإِنَاءِ فَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِتَبْرِيدِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، (الرَّابِعُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْمُشَمَّسِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ تَبَرُّدٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَفِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ بِهِ مِنْ الْبَدَنِ وَأَمَّا غُسْلُ النَّجَاسَةِ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْبَدَنِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ

فرع الماء المسخن بالنجاسة

بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ شُرْبُهُ وَأَكْلُ طَعَامٍ طُبِخَ فِيهِ إنْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يَضُرُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ، (الْخَامِسُ) أَمَّا الْمُشَمَّسُ فِي الْبِرَكِ وَالْأَنْهَارِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ: لِعَدَمِ إمْكَانِ الصِّيَانَةِ وَتَأْثِيرِ الشَّمْسِ انْتَهَى،. (قُلْتُ) : وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ وَقَوْلُهُ وَتَأْثِيرِ الشَّمْسِ أَيْ وَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ الشَّمْسِ، (السَّادِسُ) الْمُسَخَّنُ بِالنَّارِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ ابْنُ الْكَرَوِيِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ التَّسْخِينِ فَإِنْ كَانَ شَدِيدَ التَّسْخِينِ كُرِهَ وَمِثْلُهُ شَدِيدُ الْبُرُودَةِ قَالَ: لِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِسْبَاغَ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ أَنَّ الْمُسَخَّنَ يُسْتَعْمَلُ وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُ الْقِدْرِ [فَرْعٌ الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَةِ] (فَرْعٌ) يُكْرَهُ الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْكَرَوِيِّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَا وَقَعَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ تَفْضِيلِ الْبَارِدِ عَلَى الْمُسَخَّنِ إنَّمَا ذَلِكَ لِكَوْنِهِ يَشُدُّ الْأَعْضَاءَ وَلِنَشَاطِ النَّفْسِ بَعْدَهُ فِي إقْلِيمِ الْحِجَازِ وَحَرَارَةِ الْبِلَادِ وَقَالَ غَيْرُهُ: لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرَّفَاهِيَةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ وَأَنَا أَفْعَلُهُ كَثِيرًا وَنَقَلَ فِي الْبَيَانِ كَرَاهَتَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنَعُّمِ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ لِلْحَدِيثِ فَقَدْ أَصَابَ. (تَنْبِيهٌ وَفَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ: هَذَا وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ الْبَارِدِ مَعَ وُجُودِ الْمُسَخَّنِ أَفْضَلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَطْلُبْ مِنْ عِبَادِهِ الْمَشَاقَّ وَلِأَنَّ الْقُرَبَ كُلَّهَا تَعْظِيمٌ وَتَوْقِيرٌ وَلَيْسَ عَيْنُ الْمَشَاقِّ تَعْظِيمًا وَلَا تَوْقِيرًا وَإِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُمْ تَحْصِيلَ الْمَصَالِحِ فَإِنْ لَمْ تُحَصَّلْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظُمَ الْأَجْرُ لِقُرْبِ الْإِخْلَاصِ فَلِذَلِكَ كَانَ ثَوَابُ أَشَقِّ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَّحِدَيْنِ وَالْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهَا أَعْظَمَ كَالْوُضُوءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُضُوءِ فِي الصَّيْفِ وَهَذَا مِنْ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَالصَّوْمِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَشِدَّةِ الْقَيْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ أَوْ فَصْلِ الْبَرْدِ وَإِنْ أَمْكَنَ حُصُولُ الْمَصَالِحِ بِدُونِ مَشَقَّةٍ وَأَرَادَ أَحَدٌ فِعْلَ الْأَشَقِّ طَلَبًا لِمَزِيدِ الثَّوَابِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِالْبَارِدِ مَعَ وُجُودِ الْمُسَخَّنِ وَكَسَلْوِكِ الطَّرِيقِ الْأَبْعَدِ إلَى الْجَامِعِ وَالْحَجِّ دُونَ الْأَقْرَبِ مَعَ إمْكَانِ سُلُوكِهِ قَصْدًا لِمَا ذُكِرَ كَانَ غَالِطًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَشَقَّةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَرُبَّمَا كَانَ فِي فِعْلِهِ الْعِقَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَفْسَدَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَتَسْخِينُ الْمَاءِ لِدَفْعِ بَرْدِهِ لِيَقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ لَا يَمْنَعُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي كَثْرَةِ الْخُطَا إلَى الْمَسَاجِدِ نَحْوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَقَبِلَهُ وَأَيَّدَهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْبُرْزُلِيِّ. [فَرْعٌ دُخُولُ الْحَمَّامِ] (فَرْعٌ) وَأَمَّا دُخُولُ الْحَمَّامِ فَوَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَاتِ وَفَتَاوَى الشُّيُوخِ وَاَلَّذِي حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي جَامِعِ الْمُقَدِّمَاتِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ ابْنُ شَاسٍ وَالْقَرَافِيُّ وَابْنُ نَاجِي وَالْقَلْشَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ دُخُولَهُ لِلرَّجُلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ إذَا كَانَ خَالِيًا قَالَ ابْنُ نَاجِي أَوْ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ. الثَّانِي إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ أَوْ مَعَهُ مَنْ لَا يَسْتَتِرُ فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ وَمَنْ فَعَلَهُ كَانَ جُرْحَةٌ فِي حَقِّهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْبَيَانِ: وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي دِينِهِ وَقَدْحٌ فِي شَهَادَتِهِ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ دُخُولِهِ مَعَ مَنْ لَا يَسْتَتِرُ بَلْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَى مَائِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِدُخُولِهِ وَمَنْ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَ كَالْعَادِمِ لِلْمَاءِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ غَاضًّا بَصَرَهُ لِإِخْرَاجِهِ لَا لِمُقَامِهِ فِيهِ إذْ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. فَعَلَى قَوْلِهِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ صَارَ عَادِمًا لِلْمَاءِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا كَانَ مَسْتُورًا مَعَ مَسْتُورِينَ

فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْغُسْلِ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ فِيهِ وَاَللَّهُ مَا دُخُولُهُ بِصَوَابٍ فَكَيْفَ يَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَوَجْهُ كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا مَعَ مَسْتُورِينَ مَخَافَةً أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةِ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إذْ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ دَخَلَهُ مَعَ النَّاسِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْبَيَانِ: وَأَمَّا كَرَاهَةُ الِاغْتِسَالِ مِنْ مَائِهِ فَلِأَنَّهُ يُسَخَّنُ بِالْأَقْذَارِ وَالنَّجَاسَاتِ وَلِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي فَرُبَّمَا تَنَاوَلَ أَخْذُهُ بِيَدِهِ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ لِدِينِهِ. وَقَالَ قَبِلَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي حَوْضِ الْحَمَّامِ وَهُوَ مَلَآنِ يُجْزِئُهُ فِي طَهَارَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ طَاهِرًا يُرِيدُ بِذَلِكَ الرَّجُلِ وَالْمَاءِ جَمِيعًا وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ الْغُسْلُ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا لَا أَنَّهُ يُبِيحُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِوَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، (وَالثَّانِي) كَرَاهَةُ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي هُوَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ جَائِزٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يَصِحُّ بِعَشَرَةِ شُرُوطٍ ذَكَرَهَا ابْنُ شَاسٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ إلَّا بِنِيَّةِ التَّدَاوِي أَوْ التَّطَهُّرِ وَأَنْ يَقْصِدَ أَوْقَاتَ الْخَلْوَةِ وَقِلَّةِ النَّاسِ وَأَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ بِإِزَارٍ صَفِيقٍ وَأَنْ يَطْرَحَ بَصَرَهُ إلَى الْأَرْضِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْحَائِطَ لِئَلَّا يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى مَحْظُورٍ وَأَنْ يُغَيِّرَ مَا يَرَى مِنْ مُنْكَرٍ بِرِفْقٍ بِقَوْلِهِ: اسْتَتِرْ سَتَرَكَ اللَّهُ وَأَنْ لَا يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ عَوْرَتِهِ أَنْ يُدَلِّكَهَا وَهِيَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَخْذَيْنِ هَلْ هُمَا عَوْرَةٌ أَمْ لَا وَأَنْ يَدْخُلَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ وَأَنْ يَصُبَّ مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَأَنْ يَتَذَكَّرَ عَذَابَ جَهَنَّمَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دُخُولِهِ وَحْدَهُ اتَّفَقَ مَعَ قَوْمٍ يَحْفَظُونَ أَدْيَانَهُمْ عَلَى كِرَائِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَلْيَجْتَهِدْ فِي غَضِّ الْبَصَرِ. وَإِنْ حَضَرَ وَقْتَ صَلَاةٍ فِيهِ اسْتَتَرَ وَصَلَّى فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ انْتَهَى هَذِهِ آدَابٌ مِنْهَا وَاجِبٌ وَمِنْهَا مَنْدُوبٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَدْخَلِ وَقَالَ فِيهِ: وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ مَعَ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ تَحْتَ سَقْفٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْ هُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَيَصُونُ نَظَرَهُ وَسَمْعَهُ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاغْتِسَالُ فِي النَّهْرِ وَإِنْ كَانَ يَجِدُ فِيهِ ذَلِكَ وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ وَفِيهَا مَا فِيهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانِهِ وَأَمَّا زَمَانُنَا فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُجِيزَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَالْغَالِبُ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَنَّ شَاطِئَ النَّهْرِ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مِثْلُ مَا فِي الْحَمَّامَاتِ وَكَذَلِكَ الْفَسَاقِي الَّتِي فِي الْمَيَاضِي وَالرِّبَاطَاتِ إذْ أَنَّهَا مَحِلُّ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ وَمَا أَتَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَلْفَاظَ الْعُلَمَاءِ عَلَى عُرْفِهِمْ وَزَمَانِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَصُّ كُلُّ زَمَانٍ بِعَادَتِهِ وَعُرْفِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْغُسْلِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي زَمَانِ الدِّفَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَمَّامِ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ وَأَمَّا زَمَنُ الْبَرْدِ فَدُخُولُ الْحَمَّامِ أَفْضَلُ خَشْيَةَ أَنْ يَضُرَّهُ الْمَاءُ الْبَارِدُ انْتَهَى، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا دُخُولُ النِّسَاءِ فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ وَلَا تَدْخُلُهُ امْرَأَةٌ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ وَقَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِهَا هَذَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَمَّامَ مُحَرَّمٌ عَلَى النِّسَاءِ وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَدُخُولُ النِّسَاءِ الْحَمَّامَاتِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِنَّ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَقَالَ: لَوْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِنَّ لَمَا جَازَ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ لَهُنَّ فِي الْمَرَضِ جَائِزٌ وَمَعَ الصِّحَّةِ مَكْرُوهٌ وَإِذَا كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ مُؤْتَزِرَاتٍ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَنَحْوُهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَرَاهَتَهُ لَهُنَّ لِغَيْرِ عِلَّةٍ إذَا كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهَا فِي حَقِّهِنَّ وَإِنَّمَا بَحَثَ فِي نَفْيِ التَّحْرِيمِ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَأَمَّا فِي الرِّجَالِ فَقَالَ: تَرْكُهُ أَحْسَنُ وَفَسَّرَ

فرع فيمن منع زوجته من الحمام

الشُّرَّاحُ قَوْلَ الرِّسَالَةِ مِنْ عِلَّتِهِ بِالْمَرَضِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقَابَلُوهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَافَةِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَقَدْ ذَاعَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَسْتَتِرْنَ إلَّا الْقَلِيلَ وَذَلِكَ الْقَلِيلُ يَرَى عَوْرَةَ غَيْرِهِ فَأَرَاهُ الْيَوْمَ مَجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ إلَّا أَنْ يَخْلُوَ لَهَا أَوْ تَكُونَ مَعَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا. [فَرْعٌ فِيمَنْ مَنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ الْحَمَّامِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ السُّيُورِيِّ فِيمَنْ مَنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ الْحَمَّامِ: فَهُوَ صَوَابٌ وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَإِذَا اُضْطُرَّتْ إلَيْهِ وَكَانَ مَا يُؤَدَّى فِي إخْلَائِهِ لَا يُجْحَفُ بِهِ وَلَمْ تَكُنْ تَرَى فِي خُرُوجِهَا مَا لَا يَجُوزُ جَازَ وَلَزِمَهُ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ» لَكِنْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مَنَعَ سَحْنُونٌ دُخُولَ الرَّجُلِ الْحَمَّامَ بِزَوْجِيَّتِهِ مَعًا وَأَجَازَهُ بِإِحْدَاهُمَا وَذَكَرَ ابْنُ الرَّقِيقِ فِي تَارِيخِ الْقَيْرَوَانِ أَنَّ أَسَدَ بْنَ الْفُرَاتِ أَجَابَ الْأَمِيرَ بِجَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِجَوَارِيهِ وَخَطَّأَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ لِحُرْمَةِ الْكَشْفِ بَيْنَهُنَّ وَالصَّوَابُ مَعَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْقَسَم وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنْ رُئِيَتْ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا) ش قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: قَوْلُهُ رُئِيَتْ مَبْنِيٌّ مِنْ رَأَى مَقْلُوبُ رَاءٍ بِجَعْلِ اللَّامِ مَكَانَ الْعَيْنِ وَبِالْعَكْسِ وَهِيَ لُغَةٌ وَأَكْثَرُهُمْ يَنْطِقُ بِهِ هَكَذَا وَالْمَبْنِيُّ مِنْ رَأَى يُقَالُ فِيهِ رُئِيَ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالْقَلْبُ فِي رَأَى كَثِيرٌ مُسْتَعْمَلٌ كَمَا قَالَهُ فِي التَّسْهِيلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ وَالْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَاتِ إذَا رُئِيَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ لِلْمَاءِ أَوْ لِلطَّعَامِ عُمِلَ عَلَيْهَا فَإِنْ غَيَّرَتْ الْمَاءَ ضَرَّتْ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَإِنَّهُ يُطْرَحُ كُلُّهُ إنْ كَانَ مَائِعًا وَإِنْ كَانَ جَامِدًا طُرِحَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ السَّرَيَانُ فِيهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ عَطْفًا عَلَى الْمَاءِ يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ الطَّعَامِ لِلْمَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ تُيُقِّنَتْ عَلَى فِيهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ تُتَيَقَّنُ وَإِنْ لَمْ تَرَ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ قُطِعَ بِنَجَاسَةِ أَفْوَاهِهَا وَقَالَ فِيمَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ: إلَّا أَنْ تُعْلَمَ نَجَاسَةٌ فِيهِ عِنْدَ الشُّرْبِ وَلِيَدْخُلَ فِي كَلَامِهِ مَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْإِمَامِ هَذَا إنْ جَعَلْنَا رَأَى بَصْرِيَّةً وَإِنْ جُعِلَتْ عِلْمِيَّةً فَلَا إشْكَالَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ سُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ إلَى آخِرِهِ وَتُيُقِّنَ نَجَاسَةُ يَدِهِ كَذَلِكَ فَيَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ ظَاهِرُهُ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الرُّؤْيَةِ وَقْتُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ لَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ الْحَاجِبِ زَمَنَ الرُّؤْيَةِ وَعَادَةُ الْفُقَهَاءِ تَقْيِيدُهُ فَيَقُولُونَ إنَّ رُئِيَتْ فِي أَفْوَاهِهَا وَقْتَ شُرْبِهَا نَجَاسَةٌ وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِعَدَمِ رُؤْيَةِ النَّجَاسَةِ حَالَ التَّنَاوُلِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُرَ حَالَ تَنَاوُلِهِ بَعْدَ أَنْ رُئِيَ مُسْتَعْمَلًا لَهَا دُونَ غَيْبَةٍ يُمْكِنُ ذَهَابُ أَثَرِهَا مِنْ فِيهِ لَكَانَ كَمَا لَوْ رُئِيَتْ لِتَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ بِفَمِهِ وَلَيْسَ عَدَمُ رُؤْيَتِهَا مِمَّا يُنَافِي ذَلِكَ وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ مَا يَقْتَضِي هَذَا ثُمَّ قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ غَيْبَةٍ لَا يَبْقَى مَعَهَا ظَنُّ بَقَاءِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ بِفِيهَا انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا كَانَتْ الرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَأَمَّلْ. ص (وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِرَاكِدٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ نَزْحٌ بِقَدْرِهِمَا لَا إنْ وَقَعَ مَيِّتًا) ش: قَوْلُهُ بَرِّيٌّ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الْبَرِّيَّ الَّذِي

لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْمَاءِ وَالْمَيْتَةِ أَيْ بِقَدْرِ الْمَاءِ كَثْرَةً وَقِلَّةً وَكِبَرِ الْمَيْتَةِ وَصِغَرِهَا فَقَوْلُهُ إذَا مَاتَ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ وَأُخْرِجَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجَسَدِهِ نَجَاسَةٌ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ فَيَكُونُ مَاءٌ يَسِيرٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى ذَلِكَ الْحَيَوَانِ مُخَالَطَةَ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ أَنْكَرَ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ نُمَيْرٍ فِي قَصْرِيَّةٍ شَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَأُخْرِجَتْ حَيَّةً أَنَّهُ يُرَاقُ وَقَالَ هُوَ: بَعِيدٌ وَشُذُوذٌ لَا وَجْهَ لَهُ وَقَالَ: إنَّ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِثْلَهُ وَمَالَ ابْنُ الْإِمَامِ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَالَ: إنَّهُ إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةَ يَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ ظَاهِرِهِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَظْهَرُ فِي الطَّعَامِ فَلَا يُرَاقُ بِالشَّكِّ وَأَمَّا فِي الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْإِمَامِ فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ قَلِيلًا فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ حَيَّةً وَأُخْرِجَتْ وَهِيَ بِالْحَيَاةِ لَمْ يَفْسُدْ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُضُوءِ وَأَمَّا فِي الشُّرْبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مَاتَ مَا إذَا وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ النَّزْحُ كَمَا يُصَرَّح بِهِ. وَقَوْلُهُ بَرِّيٌّ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْبَحْرِيِّ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ لَمْ يُسْتَحَبَّ النَّزْحُ وَقَوْلُهُ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ السَّائِلَةِ الدَّمُ الْجَارِي لِذَلِكَ قَيَّدَ النَّفْسَ بِالسَّيَلَانِ فَإِنَّ النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى ذَاتِ الشَّيْءِ وَعَلَى الرُّوحِ وَعَلَى الدَّمِ فَقَيْدُهَا بِالسَّيَلَانِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَقَوْلُهُ بِرَاكِدٍ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْجَارِي فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ النَّزْحُ وَالرَّاكِدُ الْوَاقِفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ كَالْبِئْرِ أَوْ لَا مَادَّةَ لَهُ كَالصِّهْرِيجِ وَالْبِرْكَةِ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَجِبُ النَّزْحُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ دَابَّةَ بَحْرٍ أَوْ دَابَّةَ بَرٍّ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَوْ لَيْسَتْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ إلَّا أَنَّ مَا تَغَيَّرَ بِمَيْتَةِ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ نَجِسٌ وَغَيْرُهُ طَاهِرٌ عَلَى خِلَافٍ فِيمَا تَغَيَّرَ بِالْبَرِّيِّ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَيْتَاتِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَإِذَا وَجَبَ النَّزْحُ فَمَا لَهُ مَادَّةٌ يُنْزَحُ حَتَّى يَزُولَ تَغَيُّرُهُ وَمَا لَيْسَتْ لَهُ مَادَّةٌ يُطْرَحُ كُلُّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ يَاءٍ سَاكِنَةٍ: وَيُغْسَلُ الْمَاجِلُ مِنْهُ فَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ يُنْزَحُ بَعْضُهُ فَفِي طَهُورِيَّةِ الْبَاقِي الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدٍ بِتَجْهِيلِ مَنْ قَالَ فِي مَاجِلٍ قَلِيلِ الْمَاءِ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ وَغَيَّرَتْهُ أَنَّهُ يُطَيَّنُ حَتَّى يَكْثُرَ مَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَقَوْلُهُ نُدِبَ نَزْحٌ يَعْنِي بِهِ أَنَّ النَّزْحَ مَعَ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يَجِبُ النَّزْحُ وَقِيلَ يَجِبُ فِيمَا لَا مَادَّةَ لَهُ وَقِيلَ يَجِبُ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ. (تَنْبِيهٌ) وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثِّيَابِ الَّتِي أَصَابَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا يُفْسِدُهَا الْغُسْلُ قَالَهُ فِي رَسْمٍ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَيُطْرَحُ مَا عُجِنَ بِهِ أَوْ حَلَّ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقِّي لِلْمُتَشَابِهِ انْتَهَى. وَعَلَّلَ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِهِ أَبَدًا وَيَحْرُمُ أَكْلُ مَا عُجِنَ بِهِ أَوْ طُبِخَ وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ عَلَى هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالْحِكْمَةُ فِي النَّزْحِ) أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الْحَيَوَانَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ تُفْتَحُ مَسَامُّهُ وَتَسِيلُ رُطُوبَاتُهُ وَيَفْتَحُ فَاهُ طَلَبًا لِلنَّجَاةِ فَيَدْخُلُ الْمَاءُ وَيَخْرُجُ بِرُطُوبَاتٍ وَذَلِكَ مِمَّا تَعَافُهُ النُّفُوسُ فَأَمَرَ بِالنَّزْحِ لِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا نُزِحَ يُنْقَصُ الدَّلْوُ شَيْئًا يَسِيرًا لِأَنَّهُ إذَا مُلِئَ تَطْفُو الدُّهْنِيَّةُ وَتَرْجِعُ إلَى الْمَاءِ

فرع النزح قبل إخراج الميتة

فَلَا يَكُونُ لِلنَّزْحِ مَعْنَى. [فَرْعٌ النَّزْحُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَيْتَةِ] (فَرْعٌ) يَكْفِي النَّزْحُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَيْتَةِ كَمَا ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْعَطَّارِ فِي بِئْرٍ بِجِوَارِ أَفْرَانٍ اسْتَقَوْا مِنْهَا كَثِيرًا لِعَجْنِهِمْ ثُمَّ اسْتَقَى شَخْصٌ آخَرُ وَعَجَنَ ثُمَّ طَلَعَ لَهُ فَأْرٌ مَيْتَةٌ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ قَبْلَهُ قَدْ نَزَحُوهُ وَطَيَّبُوهُ وَقَوْلُهُ بِقَدْرِهِمَا يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُنْزَحُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ عِنْدَ مَالِكٍ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْمَاءِ وَالْمَيْتَةِ وَلِذَلِكَ ثَنَّى الضَّمِيرَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَخْتَلِفُ النَّزْحُ بِاخْتِلَافِ طُولِ إقَامَةِ الْحَيَوَانِ فِي الْمَاءِ وَقِلَّةِ ذَلِكَ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَيْسَ لِمِقْدَارِ مَا يُنْزَحُ حَدٌّ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ مَا مَاتَ مِنْ صَغِيرٍ وَطُولِ إقَامَةٍ وَقِلَّةِ الْمَاءِ وَمُقَابِلِهَا وَكَذَلِكَ لَمْ يَحُدَّهُ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي: كُلَّمَا كَثُرَ النَّزْحُ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِمْ وَأَوْلَى وَأَبْلَغَ وَأَحْوَطَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ تَحْدِيدِ الْمُرَاقِ بِأَرْبَعِينَ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِئَلَّا يَكْثُرَ الْعَامِّيُّ الْمُوَسْوِسُ أَوْ يُقَلِّلَ الْمُتَسَاهِلَ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اسْتَفْتَاهُ قَوْمٌ فِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ: انْزِعُوا مِنْهَا أَرْبَعِينَ خَمْسِينَ سِتِّينَ دَلْوًا ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا قُلْت لَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُجْزِيهِمْ وَالْأَكْثَرُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ قُلْتُ لَهُمْ خَمْسِينَ لَأَبْطَلْتُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَهِيَ مِثْلُهَا وَمَنَعْتُهُمْ عَنْ سِتِّينَ وَهِيَ أَبْلَغُ وَقَوْلُهُ لَا إنْ وَقَعَ مَيْتًا أَيْ فَلَا يُسْتَحَبُّ النَّزْحُ كَمَا تَقَدَّمَ يُرِيدُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ. ص (وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتُحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ وَعَدَمُهَا أَرْجَحُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمُكَاثِرَةِ مَاءٍ مُطْلَقٍ خَالَطَهُ أَمْ لَا فَالْأَوَّلُ طَهُورٌ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَلِكَ كَالْبِئْرِ يَنْزَحُ مِنْهَا حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ وَكَالصِّهْرِيجِ يَتَغَيَّرُ بِمَيْتَةٍ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَكْثُرَ مَاؤُهُ بِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ جَهَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ بَعْضَهُمْ فِي قَوْلِهِ فِي مَاجِلٍ قَلِيلِ الْمَاءِ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ يُطَيَّنُ حَتَّى يَكْثُرَ مَاؤُهُ. ثُمَّ يُشْرَبُ قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ شَرِبَ وَتَجْهِيلُهُ فِي تَأْخِيرِ طَرْحِهِ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ غَيْرَ الْمَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ وَمِنْهُ مَا إذَا نُزِعَ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي لَا مَادَّةَ لَهُ بَعْضُهُ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمْ فِي طَهُورِيَّتِهِ قَوْلَيْنِ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْقَوْلَ بِالطَّهُورِيَّةِ وَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ عَدَمَ الطَّهُورِيَّةِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَفِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كَلَامِهِ إلَّا الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ إذَا زَالَ عَيْنُهَا بِالْمَاءِ الْمُضَافِ وَسَيَأْتِي. وَذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ إنْ حَمَلَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ عَلَى نَفْسِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَهُوَ وَهْمٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقِيسَهُ عَلَيْهِ فَبَعِيدٌ وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَرْزُوقٍ شَرْحَ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَفِيهِ نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ نَقْلِ ابْنُ يُونُسَ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّنْ قَبْلَ ابْنِ بَشِيرٍ فَقَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ فِي طَهُورِيَّةِ النَّجِسِ يَزُولُ بِغَيْرِهِ بِلَا نَزْحٍ قَوْلَانِ لَا أَعْرِفُهُ فَبَقِيَ وَجْدَانِ الْقَوْلَيْنِ مَعًا فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوِجْدَانِ عَدَمُ الْوُجُودِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِمَا حَكَى الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْقَابِسِيُّ مِنْ رَدِّ بَعْضِهِمْ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ يَقُولُ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الرَّادَّ مُقَلِّدٌ لِخَلِيلٍ فِي نَقْلِهِ كَالشَّارِحِ نَعَمْ أَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَذَكَرَ بَعْضُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَلِنَأْتِ بِأَكْثَرِ مِمَّا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَقْصُودُ. قَالَ: وَسُئِلَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْجُبِّ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ تَمُوتُ فِيهِ الدَّابَّةُ وَتَنْشَقُّ وَالْمَاءُ كَثِيرٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا فَلَمَّا أُخْرِجَتْ وَحُرِّكَ الْمَاءُ ذَهَبَتْ الرَّائِحَةُ هَلْ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُشْرَبُ؟ قَالَ: إذَا خَرَجَتْ الْمَيْتَةُ فَلْيَنْزَحْ مِنْهُ حَتَّى يَذْهَبَ دَسَمُهَا وَالرَّائِحَةُ وَاللَّوْنُ إنْ كَانَ بِهِ لَوْنٌ إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا عَلَى مَا وَصَفْتُ طَابَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا رَخَّصَ فِيهِ قَطُّ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ

تنبيهات فيما تغير بنجس

ابْنِ وَهْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ عَنْهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ عَلَى مَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بِئْرِ بِضَاعَةَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ فِي جِبَابٍ تُحْفَرُ بِالْمَغْرِبِ فَتَسْقُطُ فِيهَا الْمَيْتَةُ فَيَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ وَرِيحُهُ ثُمَّ يَطِيبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى، فَظَهَرَ وُجُودُ الْقَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا نُزِحَ بَعْضُهُ فَأَحْرَى إذَا لَمْ يُنْزَحْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَهَابُ التَّغَيُّرِ مَعَ النَّزْحِ كَانَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مَعَ النَّزْحِ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مُخَالَطَةُ الْمُغَيِّرِ فَيَجِبُ بَقَاءُ حُكْمِهِ وَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ وَالثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ أَبِي أَوَيْسً وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَشَيْخُهُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ بِضَمِّ الطَّاءَيْنِ وَبَيْنَهُمَا رَاءٌ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَقَدْ عَايَنْتُ فِي صِهْرِيجِ دَارِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ هِرًّا قَدْ انْتَفَخَ وَتَزَلَّعَ وَتَغَيَّرَ مِنْهُ رِيحُ الْمَاءِ وَطَعْمُهُ وَلَوْنُهُ فَنَزَعَ الْهِرَّ وَتَرَكَ الصِّهْرِيجَ حَتَّى يُنْزَحَ فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمَّ رَفَعَ مِنْهُ الْمَاءَ فَإِذَا هُوَ سَالِمُ الْأَوْصَافِ فَشَرِبَ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي دَارِهِ وَفِيهَا مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَطَلَبَتِهِ وَلَمْ يُنْزَحْ مِنْهُ دَلْوٌ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِالِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَهُمَا فِيمَا لَا مَادَّةَ لَهُ وَلَمْ يُنْزَحْ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا لَهُ مَادَّةٌ أَوْ نُزِحَ بَعْضُهُ أَوْلَى بِالطَّهُورِيَّةِ وَانْظُرْ مَا الَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هَلْ الْقَوْلُ بِالطَّهُورِيَّةِ أَوْ الْقَوْلُ بِعَدَمِهَا وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا غَيْرَ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ إنْكَارُ الْقَوْلِ بِالطَّهُورِيَّةِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَاتَتْ فِيهِ دَابَّةٌ وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْقَوْلَيْنِ وَشَهَّرَ عَدَمَ الطَّهُورِيَّةِ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُخَالِطُ نَجِسًا فَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا مَا دَامَ مُتَغَيِّرًا فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بَعْدُ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالْبَوْلِ فَلَا يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَالتَّطْهِيرِ وَكَذَلِكَ إنْ أُزِيلَ بَعْضُ الْمَاءِ فَسَلِمَتْ أَوْصَافُهُ فَالْقَوْلَانِ انْتَهَى وَأَمَّا إنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِإِلْقَاءِ تُرَابٍ فِيهِ أَوْ طِينٍ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ لَوْنُ الطِّينِ وَلَا رِيحُهُ وَلَا طَعْمُهُ وَجَبَ أَنْ يَطْهُرَ لِزَوَالِ التَّغَيُّرِ وَإِنْ ظَهَرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمُلْقَى فَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ وَلَمْ يُجْزَمْ فِيهِ بِشَيْءٍ، قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَالْأَظْهَرُ النَّجَاسَةُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ. [تَنْبِيهَاتٌ فِيمَا تَغَيَّرَ بِنَجَسٍ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا فِيمَا تَغَيَّرَ بِنَجَسٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ فَجَزَمَ ابْنُ الْكَرَوِيِّ بِطَهُورِيَّتِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَحَكَى ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِيهِ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَمَنْشَؤُهُمَا هَلْ الْمُعْتَبَرُ سَلَامَةُ الْأَوْصَافِ أَوْ مُخَالَطَةُ الْمُغَيِّرِ فَيَبْقَى حُكْمُهُ وَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ انْتَهَى وَحَكَاهُمَا الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. (قُلْتُ) : وَالْأَظْهَرُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالطَّهُورِيَّةِ أَخْذًا مِمَّا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالطُّرْطُوشِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ فِيمَا تَغَيَّرَ بِنَجِسٍ، (الثَّانِي) إنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُخَالَطَةِ مَاءٍ مُطْلَقٍ قَلِيلٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَقَالَ الْبِسَاطِيّ فِي شَرْحِهِ وَلَوْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مَحِلَّ النِّزَاعِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ سَلِمَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّقْلِ فِيمَا إذَا زَالَ بِقَلِيلِ الْمُطْلَقِ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ: وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِهِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِمُطْلَقٍ يَسِيرٍ وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَكَلَامُ ابْنِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا كَاثَرَهُ الطَّهُورُ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ وَزَالَ بِهِ التَّغَيُّرُ فَالْأَظْهَرُ نَفْيُ الْخِلَافِ فِيهِ إنْ انْتَهَى إلَى مَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ جُمْلَةُ هَذَا التَّغَيُّرِ كَانَ كَثِيرًا أَوْ ثُبُوتُهُ إنْ انْتَهَى إلَى مَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ كَانَ قَلِيلًا وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلَ بِطَهُورِيَّتِهِ عِنْدَ ذَهَابِ التَّغَيُّرِ بِالتَّكَاثُرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَمَّا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ كَانَ نَجِسًا فَطُرُوُّ مَاءٍ عَلَيْهِ كَطُرُوِّهِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ لِذَلِكَ أَنْ يُرَاعَى كَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ انْتَهَى، (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ: الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ. وَأَمَّا الْمَاءُ الْيَسِيرُ

فرع الاغتراف من الماء قبل التطهر

فَهُوَ بَاقٍ عَلَى التَّنْجِيسِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْخِلَافُ فِي الْبَوْلِ نَفْسِهِ إذَا زَالَتْ رَائِحَتُهُ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْخِلَافُ فِي بَوْلِ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ الْمَاءُ فِي مَعِدَتِهِ وَيَبُولُهُ بِصِفَتِهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَجَاسَتُهُ وَلَوْ زَالَتْ رَائِحَتُهُ وَبِهِ الْفَتْوَى وَالْخِلَافُ فِي الْبَوْلِ الْمُتَقَطِّعِ الرَّائِحَةِ وَبَوْلِ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ الْمَاءُ فِي جَوْفِهِ غَرِيبٌ فَاعْلَمْهُ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الْبَوْلِ بَعِيدٌ جِدًّا وَفِي كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ السَّابِقِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إنْ بَيَّنَ وَجْهًا) ش: يَعْنِي أَنَّ النَّجَاسَةَ تَثْبُتُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ إذَا بَيَّنَ وَجْهَهَا سَوَاءٌ اخْتَلَفَ مَذْهَبُ السَّائِلِ وَالْمُخَبِّرِ أَوْ اتَّفَقَ يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ الْمُخَبِّرُ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً قَالَهُ الْمَازِرِيُّ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ كَافِرٍ وَلَا فَاسِقٍ. ص (أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا) ش: يَعْنِي وَكَذَلِكَ تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا اتَّفَقَ مَذْهَبُ السَّائِلِ وَالْمُخَبِّرِ وَلَوْ لَمْ يُبَيَّنْ وَجْهَهَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا كَانَ الْمُخَبِّرُ عَالِمًا بِمَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَمَا لَا يُنَجِّسُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَاءِ مَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ أَوْ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنْهُ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ. ص (وَإِلَّا فَقَالَ يُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ) ش: يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُخَبِّرُ وَجْهَ النَّجَاسَةِ وَلَا وَافَقَ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ السَّائِلِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الْأَحْسَنُ تَرْكُهُ. ص (وَوُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ كَعَكْسِهِ) ش: يَعْنِي إذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَكَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَرَدَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْمَاءِ فَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِالنَّجَاسَةِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا صَارَ نَجِسًا وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَهُورٌ لَكِنَّهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا كُرِهَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَاعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ تَحِلُّهُ النَّجَاسَةُ وَأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ إذَا انْفَصَلَ عَلَى حَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي. (قُلْتُ) : وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَازِرِيُّ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ. [فَرْعٌ الِاغْتِرَاف مِنْ الْمَاء قَبْل التَّطَهُّر] (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ حَوْضِ: الْحَمَّامِ وَهُوَ نَجِسٌ فَيَتَطَهَّرُ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ وَيُدْخِلُ يَدَيْهِ فِيهِ وَيُدَلِّكُ جَسَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَصُبَّ عَلَى يَدَيْهِ الْمَاءَ مِمَّا يَصِلُ إلَيْهِمَا مِنْ جَسَدِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ مَاءَ الْحَوْضِ لَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ مُحَقَّقَةً كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَالدَّمِ وَإِنَّمَا هُوَ نَجِسٌ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ لِكَثْرَةِ الْمُسْتَعْمَلِينَ فِيهِ وَقَدْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ الْبَوْلِ فِي قَدْرِ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ الرَّجُلُ لَمَا تَنَجَّسَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَكَيْفَ بِرَدِّ يَدَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ الْمَحْكُومِ بِنَجَاسَتِهِ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَالِيَ بِهِ وَأَنْ يَتَسَاهَلَ فِيهِ وَلَوْ نَجَّسَ طَهُورَهُ بِرَدِّ يَدَيْهِ لَوَجَبَ أَنْ يَنْجُسَ الْمَاءُ الَّذِي نَقَلَهُ إلَى جِسْمِهِ لِمُلَاقَاتِهِ إيَّاهُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ وَعَلَى أَنَّ الْحَوْضَ مِنْ الْيَسِيرِ وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا إذَا أَصَابَ يَدَ الْمُغْتَسِلِ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْمَاءِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمَا انْتَضَحَ فِي إنَاءِ الْجُنُبِ مِنْ غُسْلِهِ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمِثْلُهُ يَقَعُ فِيمَنْ يَكُونُ بِجَسَدِهِ نَجَاسَةٌ فَيَصُبُّ عَلَيْهَا مِنْ إنَاءٍ طَاهِرٍ وَيُدَلِّكُ يَدَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرٌ. [فَصْلٌ الطَّاهِرُ أَنْوَاعٌ] ص (فَصْلٌ الطَّاهِرُ مَيِّتُ مَا لَا دَمَ لَهُ) ش: لَا خَفَاءَ فِي مُنَاسَبَةِ هَذَا الْفَصْلِ لِلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ

فِيهِ أَنَّ مَا تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ طَاهِرٌ، وَمَا تَغَيَّرَ بِنَجِسٍ نَجِسٌ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَالْأَشْيَاءِ النَّجِسَةِ، وَقَدَّمَ الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الطَّهَارَةُ فَقَالَ الطَّاهِرُ مَيِّتُ مَا لَا دَمَ لَهُ يَعْنِي أَنَّ الطَّاهِرَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَيْتَةُ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ الَّذِي لَا دَمَ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ رُطُوبَةٌ كَالْعَنْكَبُوتِ وَالْجُدَاجُدُ وَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ وَالصِّرْصَارِ وَالْخَنَافِسِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْجَرَادِ وَالنَّحْلِ وَالدُّودِ وَالسُّوسِ وَفِي مَيْتَةِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً طَرِيقَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ: الْأُولَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَأَمَّا الْبَرِّيُّ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَ سَنَدٌ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهَا نَجِسَةٌ لَكِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ غَيْرَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَيْتَةُ بَرِّيٍّ ذِي نَفْسٍ سَائِلَةٍ غَيْرِ إنْسَانٍ كَالْوَزَغِ نَجِسٌ وَنَقِيضُهَا طَاهِرٌ وَفِي الْآدَمِيِّ قَوْلَانِ لِابْنِ شَعْبَانَ مَعَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَصَّارِ مَعَ سَحْنُونٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ مَيْتَةُ غَيْرِ ذِي النَّفْسِ السَّائِلَةِ نَجِسَةٌ وَسَمِعَا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا مَاتَ فِيهِ خَشَاشٌ وَيُبَيِّنُهُ إنْ بَاعَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ شَرْطِ ذَكَاتِهِ كَقَوْلِ الْقَاضِي خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ: الْمُفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ شَرْطِ ذَكَاتِهِ أَكْلُهُ لَا أَكْلُ مَا حَلَّ فِيهِ لِثُبُوتِهِ عَلَى شَرْطِ ذَكَاتِهِ إنْ بُيِّنَ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. فَصَدَّرَ بِالْحُكْمِ بِطَهَارَةِ مَيْتَةِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ نَجَاسَتَهُمَا وَأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَا مَاتَ فِيهِ الْخَشَاشُ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقْ وَيَتَقَطَّعْ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَلَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ فَلَا إشْكَالَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا تَفَرَّقَ فِيهِ وَتَغَيَّرَ مِنْهُ الْمَاءُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَاءِ الْمُضَافِ وَهَلْ هُوَ نَجِسٌ أَمْ لَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَمَذْهَبُ أَشْهَبَ تَنْجِيسُ مَا خَالَطَهُ بِطَبْخٍ أَوْ شِبْهِهِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُنَجِّسَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً كَيْفَ كَانَ، وَأَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ إذَا تَحَلَّلَ فِيهِ أَوْ طُبِخَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ إذَا كَانَ مُخْتَلِطًا بِهِ وَغَالِبًا عَلَيْهِ، وَإِنْ تَمَيَّزَ الطَّعَامُ مِنْهُ أُكِلَ دُونَهُ إذْ لَا يُؤْكَلُ الْخَشَاشُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَّا بِذَكَاةٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ خَرَّجَ أَكْلَهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْجَرَادِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ صَرَّحَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخَشَاشَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَابْنِ رُشْدٍ إنَّمَا عَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ مَيْتَةَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً نَجِسَةٌ وَأَنَّهَا تُنَجِّسُ مَا لَاقَتْهُ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ: إنَّ مَيْتَةَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً نَجِسَةٌ وَعَزَاهُ لِسَحْنُونٍ وَلَيْسَ مِنْهُ الْوَزَغُ وَالسَّحَالِي وَلَا شَحْمَةُ الْأَرْضِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْوَزَغُ مِنْ الْخَشَاشِ وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ لَحْمٍ وَدَمٍ، وَمِنْ جِنْسِ الْحَنَشِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ الثَّانِي لَا يُؤْكَلُ الْوَزَغُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْخَشَاشُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ فِيهَا الضَّمَّ أَيْضًا هُوَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ انْتَهَى. وَالْجَدَاجِدُ جَمْعُ جُدْجُدٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ الْجِيمِ مِنْ بَابِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: وَالْجُدْجُدُ كَهُدْهُدٍ مِثْلُ الْجَرَادِ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْجِيمِ مِنْ بَابِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: وَالْجُدْجُدُ بِالضَّمِّ صَرَّارُ اللَّيْلِ وَهُوَ قُفَّازٌ وَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْجَرَادِ وَالْجَمْعُ الْجَدَاجِدُ وَالْجَدْجَدُ بِالْفَتْحِ الْأَرْضُ الصُّلْبَةُ انْتَهَى. وَالصَّرَّارُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْأُولَى هُوَ الْجُدْجُدُ سُمِّيَ بِصَوْتِهِ، يُقَالُ صَرَّ وَصَرْصَرَ إذَا صَاحَ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ وَصَرَّارُ اللَّيْلِ الْجُدْجُدُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْجُنْدُبِ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُسَمِّيهِ الصَّرَى انْتَهَى. وَالزُّنْبُورُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِضَمِّ الزَّايِ مَعْلُومٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الزُّنْبُورُ الدَّبْرُ وَهُوَ يُؤَنَّثُ وَالزِّنْبَارُ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ الزَّنَابِيرُ

وَأَرْضٌ مُزْبِرَةٌ كَثِيرَةُ الزَّنَابِيرِ كَمَا أَنَّهُمْ رَدُّوهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ وَحَذَفُوا الزِّيَادَاتِ كَمَا قَالُوا أَرْضٌ مُعْقِرَةٌ وَمُثْعِلَةٌ أَيْ كَثِيرَةُ الْعَقَارِبِ وَالثَّعَالِبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ الزُّنْبُورُ أَمِيرُ النَّحْلِ وَالزُّنْبُورُ الْخَفِيفُ الظَّرِيفُ انْتَهَى. وَالْخَنَافِسُ جَمْعُ خُنْفَسٍ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْمَدُّ مَعْلُومٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ وَيُقَالُ لِهَذِهِ الدُّوَيْبَّةِ خَنْفِسَاءُ بِفَتْحِ الْخَاءِ مَمْدُودَةً وَالْأُنْثَى خُنْفَسَاءَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْخُنْفَسَةُ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ أَصْغَرُ مِنْ الْجُعْلِ مُنْتِنَةُ الرِّيحِ وَالْأُنْثَى خُنْفَسَةٌ وَخُنْفَسَاءُ وَخُنْفَسَاءَةٌ وَضَمُّ الْفَاءِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لُغَةٌ انْتَهَى. فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ فَتْحَ الْفَاءِ أَشْهُرُ وَاقْتَضَى أَيْضًا أَنَّ خَنْفِسَاءَ لَا يُقَالُ إلَّا لِلْمُؤَنَّثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْبَحْرِيِّ) ش: بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَحِلِّ مَا أَيْ وَمَيْتَةُ الْبَحْرِيِّ يَعْنِي أَنَّ مَيْتَةَ الْحَيَوَانِ الْبَحْرِيِّ طَاهِرَةٌ وَسَوَاءٌ مَاتَ بِنَفْسِهِ وَوُجِدَ طَافِيًا أَوْ بِالِاصْطِيَادِ أَوْ أُخْرِجَ حَيًّا أَوْ أُلْقِيَ فِي النَّارِ أَوْ دُسَّ فِي طِينٍ أَوْ وُجِدَ فِي بَطْنِ حُوتٍ أَوْ فِي بَطْنِ طَيْرٍ مَيِّتًا لَكِنَّ هَذَا يُغْسَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَسَوَاءٌ صَادَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ. ص (وَلَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الْبَحْرِيَّ إذَا كَانَ لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ وَلَا تَطُولُ حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ فَلَا إشْكَالَ فِي طَهَارَةِ مَيْتَتِهِ، وَإِنْ طَالَتْ حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَيْتَتَهُ طَاهِرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ دِينَارٍ مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ فَيَكُونَ طَاهِرًا، أَوْ فِي الْبَرِّ فَيَكُونَ نَجِسًا وَعَزَاهُ لِعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ كَالضِّفْدَعِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَكَالسُّلَحْفَاةِ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ الْحَاءِ وَحُكِيَ فِي الْقَامُوسِ فَتْحُ اللَّامِ وَسُكُونُ الْحَاءِ وَكَالسَّرَطَانِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَاتِ، قِيلَ: وَهُوَ تُرْسُ الْمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ السُّلَحْفَاةُ هِيَ تُرْسُ الْمَاءِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مَا نَصَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ مَيْتَةُ الضَّفَادِعِ الْبَرِّيَّةِ نَجِسَةٌ لَا تُؤْكَلُ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَا ذَكَّى) ش: يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِّيَ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ مِنْ ذَبْحٍ، أَوْ نَحْرٍ، أَوْ عَقْرٍ فِيمَا يُذَكَّى بِالْعَقْرِ فَهُوَ طَاهِرٌ. ص (وَجُزْؤُهُ إلَّا مُحَرَّمَ الْأَكْلِ) ش: أَشَارَ بِهِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّ السِّبَاعَ إذَا ذُكِّيَتْ لِأَخْذِ جُلُودِهَا فَإِنَّ جَمِيعَ أَجْزَائِهَا تَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ لَحْمَهَا مَكْرُوهٌ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ وَمُبَاحِهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهَا تَعْمَلُ فِي مُحَرَّمِ الْأَكْلِ أَيْضًا فَتَطْهُرُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ بِالذَّكَاةِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يُؤْكَلُ، كَذَا أَطْلَقَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ مِنْ الْجَوَاهِرِ اسْتَثْنَى الْخِنْزِيرَ وَأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَلَوْ ذُكِّيَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لِغِلَظِ تَحْرِيمِهِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: " وَجُزْؤُهُ " الْجَنِينَ يُوجَدُ مَيِّتًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِحِلِّهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَيْتَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْإِمَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنِينُ فِي الْمُذَكَّى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ حَكَمَ بِأَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ، وَأَمَّا الْمَشِيمَةُ بِمِيمَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَيُقَالُ لَهَا السَّلَى بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْقَصْرِ وَهِيَ وِقَاءُ الْمَوْلُودِ فَقَدْ حَكَمَ ابْنُ رُشْدٍ بِطَهَارَتِهَا وَأَنَّهَا كَلَحْمِ النَّاقَةِ الْمُذَكَّاةِ ذَكَرَهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ رَادًّا عَلَى مَنْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ طَرْحِ السَّلَى عَلَى ظَهْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَنَّ سُقُوطَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُصَلِّي لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْإِمَامِ وَفَهِمَ مِنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ جَوَازَ أَكْلِهِ فَعَزَاهُ لِلسَّمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيُّ عَنْ الصَّائِغِ أَنَّهُ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ بَائِنٌ مِنْ النَّعْجَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهِ ثُمَّ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَابْنُ جَمَاعَةَ إنَّهُ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ إنْ أَكَلَ الْوَلَدُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَخَصَّ بَعْضُهُمْ الْمَشِيمَةَ بِالْآدَمِيِّينَ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ حَتَّى الْأَمْعَاءُ الَّتِي فِيهَا الْفَرْثُ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مِمَّا لَا يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ فَلَا

يُؤْكَلُ مَا اتَّصَلَ بِرَوْثِهِ حَتَّى يُغْسَلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ لِنَجَاسَةِ رَوْثِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ص (وَصُوفٌ وَوَبَرٌ وَزَغَبُ رِيشٍ وَشَعْرٌ وَلَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشَّعَرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا يُطْلَقُ عَلَى شَعْرِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ فَهُوَ عَامٌّ وَالصُّوفُ لِلشَّاةِ فَهُوَ أَخُصُّ مِنْهُ وَالْوَبَرُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ صُوفُ الْإِبِلِ وَالْأَرْنَبِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْقَامُوسِ الشَّعْرُ مَا لَيْسَ بِصُوفٍ وَلَا وَبَرٍ وَالرِّيشُ لِلطَّائِرِ وَالزَّغَبُ مَا اكْتَنَفَ الْقَصَبَةَ. ص (إنْ جُزَّتْ) ش: هَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ إذَا أُخِذَتْ مِنْ غَيْرِ الْمُذَكَّى قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَنْفَصِلَ مَجْزُوزَةً بَلْ لَوْ نُتِفَتْ وَقُطِعَ مُبَاشِرُ اللَّحْمِ طَهُرَ. (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ هَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهَا فِي حَالِ اتِّصَالِهَا بِالْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُجَزَّ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ بِالطَّهَارَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ شَعْرُ الْمَيْتَةِ طَوِيلًا وَصَلَّى عَلَيْهِ مُصَلٍّ، أَوْ كَانَ الْمُصَلِّي يُبَاشِرُ رِيشَ الْقَصَبَةِ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَا اتَّصَلَ بِهَا فَقَطْ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَأَنْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ الشَّعْرُ وَالرِّيشُ مَبْسُوطًا فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي الْمُصَلِّي، أَوْ مُمْسِكًا لَهُ بِيَدِهِ لَمْ تَصِحَّ كَمَا قَالَ سَنَدٌ فِيمَنْ رَبَطَ حَبْلًا فِي مَيْتَةٍ إنَّهُ إنْ كَانَ طَرَفُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْبِسَاطِ، وَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي وَسَطِهِ، أَوْ مَمْسُوكًا بِيَدِهِ لَمْ تَجُزْ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا جُزَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ مَيْتَةٍ فَاسْتُحِبَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنْ تُغْسَلَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَلَا مَعْنَى لَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ أَذًى وَأَوْجَبَ ابْنُ حَبِيبٍ غَسْلَهَا فَإِنْ تُيُقِّنَتْ نَجَاسَتُهُ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ الصُّوفِ وَمَا مَعَهُ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمَيْتَةِ، أَوْ بَيْعَ مَا نُسِجَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَكْرَهُهُ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ صُوفِ الْحَيِّ وَلِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ. ص (وَالْجَمَادُ وَهُوَ جِسْمٌ غَيْرُ حَيٍّ وَمُنْفَصِلٍ عَنْهُ) ش: الْجَمَادُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ لُغَةً الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ وَالسَّنَةُ الَّتِي لَا مَطَرَ فِيهَا وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِهِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ابْنُ رَاشِدٍ: الْجَمَادُ مَا لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ انْتَهَى. فَيَتَنَاوَلُ النَّبَاتَ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْعَالَمُ حَيَوَانٌ وَنَبَاتٌ وَجَمَادٌ فَجَعَلَ الْجَمَادَ مُقَابِلًا لِلْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَ وَأَصْلُ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لِابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ. قَالَ وَنَعْنِي بِذَلِكَ مَا لَا تَحِلُّهُ حَيَاةٌ، أَوْ يَنْفَصِلُ عَنْ ذِي حَيَاةٍ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَنَعْنِي بِالْجَمَادِ مَا لَيْسَ بِرُوحٍ وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْ رُوحٍ فَرَأَى الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا كَالْإِتْيَانِ بِالْجِنْسِ الْبَعِيدِ لِصِدْقِهَا عَلَى الْعَرَضِ وَالْجَوْهَرِ فَأَبْدَلَهَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ جِسْمٌ غَيْرُ حَيٍّ إلَى آخِرِهِ فَقَوْلُهُ جِسْمٌ جِنْسٌ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَالْجَمَادَ وَقَوْلُهُ غَيْرُ حَيٍّ فَصْلٌ يُخْرِجُ الْحَيَوَانَ وَقَوْلُهُ وَمُنْفَصِلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى حَيٍّ أَيْ وَغَيْرُ مُنْفَصِلٍ عَنْ حَيٍّ وَخَرَجَ بِهِ جَمِيعُ الْفَضَلَاتِ الْمُنْفَصِلَاتِ عَنْ الْحَيِّ الطَّاهِرِ مِنْهَا وَالنَّجِسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إخْرَاجِهَا مِنْ حَدِّ الْجَمَادِ كَوْنُهَا نَجِسَةً وَالْأَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ نَجِسًا؛ لِأَنَّا أَخْرَجْنَا مِنْ حَدِّ الْجَمَادِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ أَجْزَاءَ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلَةَ عَنْهُ دَاخِلَةٌ فِي الْجَمَادِ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْجَمَادَاتُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرَةٌ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْجَمَادَاتِ الْمَحْكُومَ لَهَا بِالطَّهَارَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حَيَوَانٍ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَيَوَانِ، أَوْ بَعْضَهَا جَمَادَاتٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْجَمَادَ مَا لَيْسَ بِذِي رُوحٍ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَمُرَادُهُ بِالْعِنَايَةِ قَوْلُهُمْ وَنَعْنِي بِكَذَا وَكَذَا وَدَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَمِيعُ الْمَائِعَاتِ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ وَزَيْتٍ وَنَحْوِهَا وَلَا يُقَالُ: الْجَمَادُ مُقَابِلُهُ الْمَائِعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الَّذِي يُقَابِلُ الْمَائِعَ الْجَامِدُ لَا الْجَمَادُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْجَمَادِ مُفْرَدًا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْجَمَادَاتُ بِالْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْجَمَادَ اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى

فائدة حكم الشراب المتخذ من قشر البن

الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. ص (إلَّا الْمُسْكِرَ) ش: أَيْ فَإِنَّهُ نَجِسٌ أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَائِدَةً تَنْفَعُ الْفَقِيهَ يَعْرِفُ بِهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُفْسِدِ وَالْمُرْقِدِ فَالْمُسْكِرُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ وَالْمُفْسِدُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ لَا مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَعَسَلِ الْبَلَادِرِ وَالْمُرْقِدُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ وَالْحَوَاسَّ كَالسَّيْكَرَانِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْإِسْكَارِ ثَلَاثَةٌ أَحْكَامٍ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ الْحَدُّ وَالنَّجَاسَةُ وَتَحْرِيمُ الْقَلِيلِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحَشِيشَةِ قَوْلَانِ: هَلْ هِيَ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ، أَوْ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ؟ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِهَا فَاخْتَارَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهَا مِنْ الْمُخَدِّرَاتِ قَالَ لِأَنِّي لَمْ أَرَهُمْ يَمِيلُونَ إلَى الْقِتَالِ وَالنُّصْرَةِ بَلْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَرُبَّمَا عَرَضَ لَهُمْ الْبُكَاءُ، وَكَانَ شَيْخُنَا الشَّهِيرُ بِعَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ يَخْتَارُ أَنَّهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ؛ لِأَنَّا رَأَيْنَا مَنْ يَتَعَاطَاهَا يَبِيعُ أَمْوَالَهُ لِأَجَلِهَا وَلَوْلَا أَنَّ لَهُمْ فِيهَا طَرَبًا لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا يَبِيعُ دَارِهِ لِيَأْكُلَ بِهَا سَيْكَرَانًا وَهُوَ وَاضِحٌ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَلَفْظُ الْقَرَافِيِّ فِي الْحَشِيشَةِ أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لَا مُسْكِرَةٌ وَبِهَذَا الْفَرْقُ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: " إلَّا الْمُسْكِرَ " مِنْ شُمُولِهِ لِلنَّبَاتِ الْمُغَيِّبِ لِلْعَقْلِ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ فَإِنَّهَا مُفْسِدَاتٌ، أَوْ مُرْقِدَاتٌ لَا مُسْكِرَاتٌ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ فِي الْحَشِيشَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تُحَمَّسَ فَتَكُونَ نَجِسَةً وَفِيهَا الْحَدُّ وَقَبْلَ أَنْ تُحَمَّسَ فَلَا حَدَّ وَلَا نَجَاسَةَ وَاخْتَارَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْمُوفِي أَرْبَعِينَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهَا وَإِنَّمَا فِيهَا التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ عَنْ الْمُلَابَسَةِ، قَالَ: وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَفْيُونَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ وَقَالَ مَنْ صَلَّى بِهِ، أَوْ بِالْبَنْجِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ قَالَ كَأَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ مَا لَا يَصِلُ إلَى التَّأْثِيرِ فِي الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ انْتَهَى. (قُلْتُ:) فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِأَكْلِ الْأَفْيُونِ وَصَارَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ تَرْكِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي عَقْلِهِ وَحَوَاسِّهِ وَيَسْعَى فِي تَقْلِيلِ ذَلِكَ وَقَطْعِهِ جَهْدَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ وَيَنْدَمَ عَلَى مَا مَضَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا الْعَقَاقِيرُ الْهِنْدِيَّةُ فَإِنْ أُكِلَتْ لِمَا تُؤْكَلُ لَهُ الْحَشِيشَةُ امْتَنَعَ أَكْلُهَا، وَإِنْ أُكِلَتْ لِلْهَضْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ لَمْ تُحَرَّمْ وَلَا يُحَرَّمُ مِنْهَا إلَّا مَا أَفْسَدَ الْعَقْلَ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْجَوْزَةَ وَكَثِيرَ الزَّعْفَرَانِ وَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ، قَلِيلُهَا جَائِزٌ وَحُكْمُهَا الطَّهَارَةُ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَجَازَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَكْلَ الْقَلِيلِ مِنْ جَوْزَةِ الطِّيبِ لِتَسْخِينِ الدِّمَاغِ وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَخْتَلِطَ مَعَ الْأَدْوِيَةِ، وَالصَّوَابُ الْعُمُومُ انْتَهَى. وَالشَّيْكَرَانُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْكَافِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ اللَّبَنِ نَوْعٌ يُغَطِّي الْعَقْلَ إذَا صَارَ قَارِصًا وَيُحْدِثُ نَوْعًا مِنْ السُّكْرِ كَمَا يُذْكَرُ عَنْ لَبَنِ الْخَيْلِ فَإِنْ شُرِبَ لِذَلِكَ حُرِّمَ وَيُحَرَّمُ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي يُغَطِّي الْعَقْلَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) أَمَّا لَبَنُ الْخَيْلِ فَيُحَرَّمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِحُرْمَةِ أَكْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ الْمُفْسِدَاتِ الْحَبُّ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْقَمْحِ الْمَجْلُوبِ مِنْ دَهْلَكَ الْمُسَمَّى بِالزِّيوَانِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ جَوَازُ مَا سُقِيَ مِنْ الْمُرْقِدِ لَقَطْعِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمُرْقِدِ مَأْمُونٌ وَضَرَرَ الْعُضْوِ غَيْرُ مَأْمُونٍ. (فَرْعٌ) مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ وَالْجَوْزَةِ وَنَحْوِهَا وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمِذْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ أَكْلِهِ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ الْأَكْلِ جَازَ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَصْرِفُهُ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَيُؤْمَنُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَفِي سَائِرِ الْمَعَاجِينِ الْمُغَيِّبَةِ لِلْعَقْلِ يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ مِنْهُ الْقَدْرَ الْمُغَيِّبَ لِلْعَقْلِ وَيُؤْمَنُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ حُكْم الشَّرَاب الْمُتَّخَذُ مِنْ قِشْرِ الْبُنِّ] (فَائِدَةٌ) ظَهَرَ فِي هَذَا الْقَرْنِ وَقَبْلَهُ بِيَسِيرٍ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ قِشْرِ الْبُنِّ يُسَمَّى الْقَهْوَةَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْ مُتَغَالٍ فِيهِ يَرَى

أَنَّ شُرْبَهُ قُرْبَةٌ، وَمِنْ غَالٍ يَرَى أَنَّهُ مُسْكِرٌ كَالْخَمْرِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ لَا إسْكَارَ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَنْشِيطٌ لِلنَّفْسِ وَيَحْصُلُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ طَرَاوَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ عِنْدَ تَرْكِهِ كَمَنْ اعْتَادَ أَكْلَ اللَّحْمِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْمُفْرِحَاتِ فَيَتَأَثَّرُ عِنْدَ تَرْكِهِ. وَيَحْصُلُ لَهُ انْشِرَاحٌ بِاسْتِعْمَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ تَعْرِضُ لَهُ الْحُرْمَةُ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا وَيُدِيرُونَهَا كَمَا يُدِيرُونَ الْخَمْرَ وَيُصَفِّقُونَ وَيُنْشِدُونَ أَشْعَارًا مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ فِيهَا الْقَوْلُ وَذِكْرُ الْمَحَبَّةِ وَذِكْرُ الْخَمْرِ وَشُرْبِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَسْرِي إلَى النَّفْسِ التَّشَبُّهُ بِأَصْحَابِ الْخَمْرِ خُصُوصًا مَنْ كَانَ يَتَعَاطَى مِثْلَ ذَلِكَ فَيُحَرَّمُ حِينَئِذٍ شُرْبُهَا لِذَلِكَ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَبِيعُهَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ كَالْحَشِيشَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا قِيلَ، وَمِنْهَا أَنَّ شُرْبَهَا فِي مَجَامِعِ أَهْلِهَا يُؤَدِّي لِلِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ يَتَعَاطَيْنَ بَيْعَهَا كَثِيرًا وَلِلِاخْتِلَاطِ بِالْمُرْدِ لِمُلَازَمَتِهَا لِمَوَاضِعِهَا وَلِسَمَاعِ الْغِيبَةِ وَالْكَلَامِ الْفَاحِشِ وَالْكَذِبِ الْكَثِيرِ مِنْ الْأَرَاذِلِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ لَشُرْبِهَا مِمَّا تَسْقُطُ الْمُرُوءَةُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَلْتَهُونَ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ غِيبَةً بِهَا وَلِوُجُودِ مَا يُلْهِي مِنْ الشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِ فِي مَوَاضِعِهَا. وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ لِذَاتِ الشَّارِبِ لَهَا كَمَا أَخْبَرَنِي وَالِدِي - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الشَّيْخِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ الْعَلَامَةِ أَحْمَدَ زَرُّوق أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهَا فَقَالَ أَمَّا الْإِسْكَارُ فَلَيْسَتْ مُسْكِرَةً وَلَكِنْ مَنْ كَانَ طَبْعُهُ الصَّفْرَاءَ وَالسَّوْدَاءَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ شُرْبُهَا؛ لِأَنَّهَا تَضُرُّهُ فِي بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ، وَمَنْ كَانَ طَبْعُهُ الْبَلْغَمَ فَإِنَّهَا تُوَافِقُهُ وَقَدْ كَثُرَتْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاشْتُهِرَتْ وَكَثُرَ فِيهَا الْجِدَالُ وَانْتَشَرَ فِيهَا الْقِيلُ وَالْقَالُ وَحَدَثَتْ بِسَبَبِهَا فِتَنٌ وَشُرُورٌ وَاخْتَلَفَتْ فِيهَا فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ وَتَصَانِيفُهُمْ وَنُظِمَتْ فِي مَدْحِهَا وَذَمِّهَا الْقَصَائِدُ فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَجْتَنِبَهَا بِالْكُلِّيَّةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ كُلِّهَا الْمُوجِبَةِ لِلْحُرْمَةِ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ عَرَضْت هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَيِّدِي الشَّيْخِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مُحَمَّدِ بْنِ عَرَّافٍ وَعَلَى سَيِّدِي الْوَالِدِ - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمَا - فَاسْتَحْسَنَاهُ وَأَمَرَا بِكِتَابَتِهِ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ هُنَا لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ اسْتَوْعَبَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. ص (وَالْحَيُّ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَلَوْ تَوَلَّدَ مِنْ الْعَذِرَةِ، وَقِيلَ: إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، وَقِيلَ: وَالْمُشْرِكَ نَقَلَهُ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِمَّا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا فِي بَطْنِهِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ. ص (وَدَمْعُهُ وَعَرَقُهُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَرَقُ الدَّوَابِّ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا طَاهِرٌ وَقَبِلَهُ سَنَدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا بَلْ قَالَ هُوَ كَعَرَقِ الْآدَمِيِّ وَقَبِلَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: عَرَقُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَلَبَنُهَا تَابِعٌ لِلُحُومِهَا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِعَرَقِ الْبِرْذَوْنِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّوَقِّي مِنْهُ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي نَجَاسَتِهِ خِلَافًا فَمَا قَالَهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَلُعَابُهُ وَمُخَاطُهُ وَبَيْضُهُ) ش: اللُّعَابُ بِضَمِّ اللَّامِ مَا سَالَ مِنْ الْفَمِ. وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ؟ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ إنْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ فَإِنْ قُلْنَا: بِنَجَاسَتِهِ وَكَانَ مُلَازِمًا لِشَخْصٍ فَهُوَ كَدَمِ الْبُرْغُوثِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ الَّتِي تُشْبِهُ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِنَا إذَا تَغَيَّرَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا لَا نَجِسًا. (قُلْتُ:) لَا وَجْهَ لِهَذَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مِنْ الْفَمِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ فَكَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إنْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ

وَيُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ بِنَتْنِهِ وَصُفْرَتِهِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الرَّأْسُ عَلَى مِخَدَّةٍ فَمِنْهُ وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعِدَةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ إذَا لَازَمَ شَخْصًا عُفِيَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا) ش: جَعَلَهُ الشَّارِحُ رَاجَعَا لِلْبَيْضِ وَأَشَارَ بِلَوْ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَانْظُرْ لِمَ أَشَارَ لِلْخِلَافِ فِيهِ دُونَ الْعَرَقِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَغَيْرَهُ حَكَوْا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا؟ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْبَيْضِ أَقْوَى، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّبَنَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ طَاهِرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْبَيْضِ بَلْ لَبَنُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى الْخِلَافِ فِي لَبَنِ الْجَلَّالَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْضِهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَبَنَ الْجَلَّالَةِ مُبَاحٌ، وَكَذَلِكَ النَّحْلُ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً فَعَسَلُهَا طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَهُ فِي رَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَسَلِ النَّجِسِ: " لَا بَأْسَ أَنْ يُعْلَفَ النَّحْلُ " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْحَيُّ إلَى آخِرِهِ إذْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا لَا اخْتِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ أَكْلَ لُحُومِ الْمَاشِيَةِ وَالطَّيْرِ الَّذِي يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ حَلَالٌ جَائِزٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَعْرَاقِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَبْوَالِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فِي الطَّيْرِ تُصَادُ بِالْخَمْرِ تَشْرَبُهُ فَتَسْكَرُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا فِي جَدْيٍ رَضَعَ خِنْزِيرَةً: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُذْبَحَ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ غِذَائِهِ وَلَوْ ذُبِحَ مَكَانَهُ فَأُكِلَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ تَأْكُلُ الْجِيَفَ وَتُذْبَحُ مَكَانَهَا وَأَكْلُهَا حَلَالٌ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَافِعٍ لَكِنْ حَكَى اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَيَوَانِ يُصِيبُ النَّجَاسَةَ هَلْ تَنْقُلُهُ عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ تِلْكَ النَّجَاسَةَ؟ فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حُكْمِهِ فِي الْأَصْلِ فِي أَسْآرِهَا وَأَعْرَاقِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، وَقِيلَ: يَنْقُلُهَا وَجَمِيعُ ذَلِكَ نَجِسٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي عَرَقِ السَّكْرَانِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَذْهَبَ مَنْفَعَةُ مَا تَغَذَّى بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَخَرَّجَ عَلَى نَجَاسَةِ لَبَنِ الْمَيْتَةِ نَجَاسَةَ لَبَنِ الشَّاةِ تَشْرَبُ مَاءً نَجِسًا، وَبَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ فَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي وُجُودَ الْخِلَافِ فِي نَجَاسَةِ الْحَيِّ إذَا أَكَلَ النَّجَاسَةَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي اللُّحُومِ وَإِذَا جَعَلْتُمْ قَوْلَهُ وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا رَاجِعًا إلَى الْحَيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ اقْتَضَى وُجُودَ الْخِلَافِ فِي الْحَيِّ نَفْسِهِ فَالْجَوَابُ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ بِنَجَاسَةِ اللَّحْمِ إنَّ الْحَيَّ نَفْسَهُ نَجِسٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ الشَّارِبَ لِلْخَمْرِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مُدَّةَ مَا يُرَى بَقَاؤُهُ فِي بَطْنِهِ، وَأَمَّا الْعَرَقُ وَالْبَيْضُ وَكَذَا اللَّبَنُ فَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ حَتَّى مِنْ الْآدَمِيِّ وَالشَّارِبَ الْخَمْرِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ الطَّهَارَةُ، قَالَ وَالْخِلَافُ فِي عَرَقِ السَّكْرَانِ فِي حَالِ سُكْرِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ صَحْوِهِ، وَأَمَّا لَوْ طَالَ عَهْدُهُ فَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ بِأَنَّهُ إذَا عَرِقَ وَتَخَلَّلَ الْعَرَقُ الْأَوَّلُ النَّجَسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اغْتَسَلَ وَغَسَلَ الثَّوْبَ الَّذِي عَرِقَ فِيهِ. (قُلْتُ:) وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْعَرَقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَنَجَاسَتُهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَمْرٍ عَارِضٍ، وَأَمَّا اللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ وَالدَّمْعُ فَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِيهَا خِلَافًا صَرِيحًا بَلْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَمَّا الْعَرَقُ مِنْ الْحَيِّ فَنُقِلَ فِيهِ الِاتِّفَاقُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ سَكْرَانُ مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: وَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ فَمَا دَامَتْ مُسْتَصْحَبَةً لِلْحَيَاةِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَعْرَاقَهَا وَأَسْآرَهَا وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا إذَا لَمْ تَسْتَعْمِلْ نَجَاسَةً فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا اسْتَعْمَلَتْ النَّجَاسَةَ نَجُسَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا فَأَحْرَى لُعَابُهَا، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَاللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ مِنْ الْحَيِّ طَاهِرٌ ": كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ: مَا لَمْ يَكُنْ الْحَيَوَانُ مِمَّا يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ انْتَهَى. فَهَذَا مُقْتَضَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَعْمِلِ

لِلنَّجَاسَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الدَّمْعَ أَيْضًا قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْبِسَاطِيِّ يُعَارِضُ ذَلِكَ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْضُ مِنْ الطَّيْرِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْضَ الْحَشَرَاتِ مُلْحَقٌ بِلَحْمِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ بَشِيرٍ. (قُلْتُ:) بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَشَرَاتِ إذَا أُمِنَ سُمُّهَا مُبَاحَةٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَمَا ذَكَرَ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ قَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ وَبَيْضُ الطَّيْرِ طَاهِرٌ وَسِبَاعُهُ وَالْحَشَرَاتِ كَلَحْمِهَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَالثَّانِي) قَالَ الْبِسَاطِيُّ هُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ شُهِرَ هُنَا أَنَّ عَرَقَ السَّكْرَانِ وَبَيْضَ الْجَلَّالَةِ طَاهِرٌ وَفِيمَا يَأْتِي أَنَّ رَمَادَ النَّجِسِ وَدُخَانَهُ نَجِسٌ وَالْقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ أَعْرَاضُهَا هَلْ تَطْهُرُ، أَوْ لَا؟ فَانْظُرْ مَنْ فَصَّلَ. (قُلْتُ:) أَمَّا الْمُصَنِّفُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلتَّوْضِيحِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَوْضِيحِهِ فِي اللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالْعَرَقِ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ كَعَبْدِ الْحَقِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ يُونُسَ الطَّهَارَةُ وَذَكَرَ فِي رَمَادِ الْمَيْتَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، أَمَّا وَجْهُ التَّفْصِيلِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ فِي اللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالْعَرَقِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي رَمَادِ الْمَيْتَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا الْمِذْرَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةُ أَيْ الْفَاسِدَ وَهُوَ مَا عَفِنَ، أَوْ صَارَ دَمًا، أَوْ مُضْغَةً، أَوْ فَرْخًا مَيِّتًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا اخْتَلَطَ فِيهِ الصَّفَارُ بِالْبَيَاضِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ طَاهِرٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ عَفَنٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ يُوجَدُ فِي وَسَطِ بَيَاضِ الْبَيْضِ أَحْيَانَا نُقْطَةُ دَمٍ فَمُقْتَضَى مُرَاعَاةِ السَّفْحِ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ لَا تَكُونُ نَجِسَةً وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ غَيْرُهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ يُؤْمَرُ بِغَسْلِ الْبَيْضِ قَبْلَ كَسْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ فَتَاوَى ابْنِ رُشْدٍ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ التُّونُسِيِّ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فِي الَّذِي يَجْعَلُ الْبَيْضَ فِي الطَّعَامِ لَا يَغْسِلُهُ عِنْدَ شَيِّهِ وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ بِأَذَى الدَّجَاجِ أَنَّ غَسْلَ الْبَيْضِ حَسَنٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الطَّعَامَ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الطَّيْرِ جَلَّالَةً وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ بَوْلِهَا أَوْ اسْتِقْذَارًا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْخَارِجُ بَعْدَ الْمَوْتِ) ش: يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَضَلَاتِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَالدَّمْعُ وَالْعَرَقُ وَاللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ مِنْ الْحَيِّ طَاهِرٌ " يَعْنِي أَنَّهَا مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسَةٌ، وَمِنْ الْمُذَكَّى طَاهِرَةٌ، وَمِنْ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالدَّمْعُ وَالْعَرَقُ وَالْمُخَاطُ وَالْبُصَاقُ كَمَحِلِّهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ عِنْدِي أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ خَاصٌّ بِالْبَيْضِ قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْعَرَقِ وَاللُّعَابِ وَالْمُخَاطِ وَالدَّمْعِ وَالْبَيْضِ وَهُوَ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ مِنْ الْإِزَالَةِ إلَّا أَنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ فِي الْبَيْضِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا، أَوْ يَابِسًا وَهُوَ كَذَلِكَ، أَمَّا الرَّطْبُ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الْيَابِسُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ خِلَافًا لِابْنِ نَافِعٍ حَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الضَّحَايَا مِنْ الْبَيَانِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ وَاقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ فَأَوْهَمَ كَلَامُهُمَا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. ص (وَلَبَنُ آدَمِيٍّ إلَّا الْمَيِّتِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَحِلُّ اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِ الْمَيْتَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْوِعَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَبَنَ مَيْتَةِ آدَمِيٍّ فَفِيهِ خِلَافٌ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ بِالتَّنْجِيسِ، وَقِيلَ: إنَّهُ طَاهِرٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَا يَخْرُجُ مِنْ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ مِنْ لُعَابٍ وَمُخَاطٍ وَدَمْعٍ، وَإِنَّ حُكْمَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَتِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَا يُبَانُ مِنْ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ". ص

وَلَبَنُ غَيْرِهِ تَابِعٌ) ش: فَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْمُبَاحِ وَنَجِسٌ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَمَكْرُوهٌ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَكَرَاهَتُهُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ. ص (وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ مِنْ مُبَاحٍ) ش: كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ ظَاهِرُهُ لَا يُغْسَلُ لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا، أَمَّا وُجُوبًا فَنَعَمْ، وَأَمَّا اسْتِحْبَابًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: غَسْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، نَقَلَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَالِاسْتِحْبَابُ ظَاهِرٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِمَا إذَا خَرَجَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. ص (إلَّا الْمُتَغَذِّي بِنَجَسٍ) ش: يُرِيدُ وَلَوْ بِشُرْبِ مَاءٍ نَجِسٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ اسْتَثْنَى الْمُتَغَذِّيَ بِنَجَسِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا لَا يَصِلُ لِلنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: إنْ شُوهِدَ اسْتِعْمَالُهُ لَهَا فَبَوْلُهُ وَعَذِرَتُهُ نَجِسَانِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُنْفَى عَنْهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى النَّجَاسَةِ تَغْلِيبًا. (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَمَامِ يُصِيبُ أَرْوَاثَ الدَّوَابِّ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ مَنْ صَلَّى بِخَرِبَتِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا تَأْكُلُ أَرْوَاثَ الدَّوَابِّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهَا أَكَلَتْهَا وَلَوْ تَحَقَّقَ لَقَالَ إنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ ذَرْقَ مَا يَأْكُلُ النَّجَسَ عِنْدَهُ نَجِسٌ انْتَهَى. وَيُرِيدُ إذَا صَلَّى بِهِ غَيْرَ عَامِدٍ، وَأَمَّا الْعَامِدُ فَيُعِيدُ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّسْمِ الَّذِي بَعْدَهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ خُرْءِ الْحَمَامِ يُصِيبُ الثَّوْبَ قَالَ هُوَ عِنْدِي خَفِيفٌ وَغَسْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ يَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ انْتَهَى. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ذَرْقِ الْخُطَّافِ الَّذِي عَيْشُهُ الذُّبَابُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ لَا تُؤْكَلُ الْجَرَادُ وَشِبْهُهَا إلَّا بِذَكَاةٍ، فَأَجَابَ ذَرْقُ الطَّيْرِ طَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى الْفَضْلَتَيْنِ تَابِعَتَيْنِ لِلُّحُومِ وَقَالَ فِي رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ إنَّ ذَرْقَ الْبَازِي نَجِسٌ، وَإِنْ أُكِلَ ذُكِّيَ إنَّ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي مَنَعَ مِنْ أَكْلِ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ السِّبَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَيَوَانَ إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْكُلَ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَكْلُهُ لَهَا فَأَمْرُهُ خَفِيفٍ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ رَوْثِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبِسَاطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ الَّذِي يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْغِذَاءِ مِنْهُ كَكِرْشِهِ وَأَمْعَائِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحُوتِ يُوجَدُ فِي بَطْنِ الطَّيْرِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا إذَا ذُبِحَ بِحِدْثَانِ اسْتِعْمَالِهِ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ. ص (وَقَيْءٌ إلَّا الْمُتَغَيِّرُ عَنْ الطَّعَامِ) ش: هَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا خَرَجَ مِنْ الْقَيْءِ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَمَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ فَنَجِسٌ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ نَجِسٌ كَيْفَمَا كَانَ التَّغَيُّرُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا سَنَدٌ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إذَا تَغَيَّرَ إلَى أَحَدِ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ إنْ شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ، أَوْ قَارَبَهَا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْقَيْءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ، أَوْ قَارَبَهَا نَجِسٌ اتِّفَاقًا، وَمَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ الطَّعَامِ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَاهِرٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ أَلْزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ أَنْ يَقُولَ بِنَجَاسَةِ الْقَيْءِ مُطْلَقًا، وَمَا تَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَامِ وَلَمْ يُقَارِبْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بِأَنْ يَسْتَحِيلَ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَامِ وَيَسْتَعِدَّ لِلْهَضْمِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ بِأَنْ تَظْهَرَ فِيهِ حُمُوضَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ نَجِسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ بَشِيرٍ وَعِيَاضٍ. (فَرْعٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَيْءَ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَامِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ خَرَجَ مَعَهُ بَلْغَمٌ، أَوْ صَفْرَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْقَلْسُ مَاءٌ

حَامِضٌ طَاهِرٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَائِلِ الطَّهَارَةِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ السَّهْوِ وَلَمْ يَحْكُوا غَيْرَهُ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ التُّونُسِيِّ نَحْوَهُ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ رُشْدٍ وَالتُّونُسِيِّ أَنَّ الْقَيْءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا إذَا شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ، أَوْ قَارَبَهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَيُفَصَّلُ فِيهِ كَمَا فِي الْقَيْءِ قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى الْقَيْءِ فَمَنْ قَلَسَ وَجَبَ أَنْ يُفَرِّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَغَيِّرِ وَغَيْرِهِ وَالْقَلْسُ هُوَ دُفْعَةٌ مِنْ الْمَاءِ تَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ أَوْ يَقْذِفُهُ رِيحٌ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ طَعَامٌ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِنْهُ مَا يَكُونُ مُتَغَيِّرًا عَلَى حَسَبِ مَا يَسْتَحِيلُ إلَيْهِ وَمَا يُخَالِطُهُ مِنْ فَضَلَاتِ الْمَعِدَةِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَغَيَّرُ أَوْ يَتَغَيَّرُ بِطَعْمِ الْمَاءِ فَلَا يَجِدُ صَاحِبُهُ زِيَادَةً عَلَى طَعْمِ أَكْلِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَيْءِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ مَالِكٍ يَعْنِي فِي الْمُوَطَّإِ رَأَيْتُ رَبِيعَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَقْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ مِرَارًا ثُمَّ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُصَلِّيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْقَلْسُ مَا يَخْرُجُ عِنْدَ الِامْتِلَاءِ، أَوْ بِرَدِّ الْمِزَاجِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ الطَّعَامُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ وَنَصُّهُ: الْقَلْسُ مَاءٌ، أَوْ طَعَامٌ يَسِيرٌ يَخْرُجُ إلَى الْفَمِ عَلَى وَجْهٍ قَائِمٍ فِي قَوْلِهِ وَلْيَتَمَضْمَضْ لَيْسَتْ الْمَضْمَضَةُ عَلَيْهِ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمَضْمِضَ مِنْ ذَلِكَ فَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَلْسَ لَا يَكُونُ طَعَامًا يَتَغَيَّرُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ تَنْظِيفُ الْفَمِ وَإِزَالَةُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ رَائِحَةِ الطَّعَامِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَلْسِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ فَهُوَ نَجِسٌ فَيَقْطَعُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ الْقَيْءُ، أَوْ الْقَلْسُ مُتَغَيِّرًا وَجَبَ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَيُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَذْهَبُ بِالْبُصَاقِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَإِذَا شَابَهَ الْقَيْءُ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ فَاخْتُلِفَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ وَسَيَأْتِي وَالْقَلْسُ بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمٌ وَبِسُكُونِهَا مَصْدَرُ قَلَسَ يَقْلِسُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ. ص (وَصَفْرَاءُ وَبَلْغَمٌ) ش: قَالَ سَنَدٌ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ صَفْرَاءَ الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ كَمَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَرَائِرِ، وَالْمَرَائِرُ أَصْلُ الصَّفْرَاءِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْبَلْغَمُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْبُصَاقِ وَالنُّخَامِ انْتَهَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرَّأْسِ، أَوْ مِنْ الصَّدْرِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ الْبَلْغَمَ وَالصَّفْرَاءَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ مِنْ وِعَاءٍ نَجِسٍ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْقُلُ عَنْ الْقَرَافِيِّ: الْبَلْغَمُ طَاهِرٌ وَالسَّوْدَاءُ نَجِسٌ وَفِي الصَّفْرَاءِ قَوْلَانِ وَاَلَّذِي فِي الْقَوَاعِدِ وَالذَّخِيرَةِ أَنَّ الصَّفْرَاءَ كَالْبَلْغَمِ، وَالْقَوْلَانِ حَاصِلَانِ مِنْ نَقْلِ الْقَرَافِيِّ وَنَقْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَرَارَةُ مُبَاحٍ) ش: كَذَا قَيَّدَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَرَائِرَ بِالْمُبَاحِ فَقَالَ وَالْمَعِدَةُ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ وَالْبَلْغَمُ وَالصَّفْرَاءُ وَمَرَائِرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ نَجِسَانِ وَلَمْ يُقَيِّدْ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمَرَائِرَ بِالْمُبَاحِ بَلْ قَالَ: الْمَذْهَبُ طَهَارَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ صَفْرَاءَ كَمَا يَحْكُمُ بِطَهَارَةِ الْمَرَائِرِ وَالْمَرَائِرُ هِيَ أَصْلُ الصَّفْرَاءِ، وَانْظُرْ مَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْكَلَامِ؟ فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَرَارَةِ حَالَ كَوْنِهَا فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُبَاحِ وَلَا لِلْمَرَارَةِ فَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالثَّمَانِينَ: بَاطِنُ الْحَيَوَانِ مُشْتَمِلٌ عَلَى رُطُوبَاتٍ كَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْي وَالْبَلْغَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِنَجَاسَةٍ، فَمَنْ حَمَلَ حَيَوَانًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعِدَةُ طَاهِرَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ نَجِسَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيَّ طَاهِرٌ. وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَرَائِرِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهَا فَقَدْ قَالَ سَنَدٌ: إنَّهُ أَصْلُ الصَّفْرَاءِ وَإِنَّ الصَّفْرَاءَ الْخَارِجَةَ مِنْ الْجَوْفِ طَاهِرَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَرَارَةِ بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ فَيُسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَبِمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهَا إنْ انْفَصَلَتْ مِنْ مُذَكًّى تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ فَهِيَ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمُذَكَّى طَاهِرَةٌ، وَإِنْ انْفَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهِيَ نَجِسَةٌ،

فرع دخل في دبر الإنسان خرقة ونحوها ثم أخرجت

وَكَانَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ التَّنْصِيصَ عَلَيْهَا لِوُقُوعِهَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَالذَّخِيرَةِ. [فَرْعٌ دَخَلَ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ خِرْقَةٌ وَنَحْوُهَا ثُمَّ أُخْرِجَتْ] (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ خِرْقَةٌ وَنَحْوُهَا ثُمَّ أُخْرِجَتْ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ عَلَى نَجَاسَةِ الْقَيْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَدَمٌ لَمْ يُسْفَحْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَسْفُوحُ الْجَارِي، وَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ كَالْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَالْبَاقِي فِي مَحِلِّ التَّذْكِيَةِ وَفِي الْعُرُوقِ وَهُوَ طَاهِرٌ مُبَاحُ الْأَكْلِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: نَجِسٌ وَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِالْبَاقِي فِي مَحِلِّ التَّذْكِيَةِ هَلْ أَثَرَ الدَّمِ الَّذِي فِي مَحِلِّ ذَبْحِ الشَّاةِ، أَوْ الدَّمِ الَّذِي يَبْقَى فِي مَحِلِّ نَحْرِ الشَّاةِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ سَلْخِهَا إذَا طُعِنَتْ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ خِلَافًا بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الرَّأْسِ إذَا شُوطِيَ بِدَمِهِ هَلْ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ أَمْ لَا وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ بَعْضِ الْإِفْرِيقِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّمِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ نَحْرِ الشَّاةِ بَعْدَ سَلْخِهَا قَوْلَانِ قَالَ كَانَ يَمْضِي لَنَا أَنَّهُ بَقِيَّةُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَجَعَلَهُ هُنَا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ الْعُرُوقِ بَعْدَ خُرُوجِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَهُوَ خِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّ الْبَاقِيَ فِي الْعُرُوقِ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَقَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ إذَا قُطِعَتْ الشَّاةُ وَظَهَرَ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ شُوِيَتْ قَبْلَ تَقْطِيعِهَا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ أَكْلِهَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْإِمَامِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ الْحَسَنِ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ إنَّ مَا تَطَايَرَ مِنْ الدَّمِ مِنْ اللَّحْمِ عِنْدَ قَطْعِهِ عَلَى الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فَغَسْلُهُ مُسْتَحْسَنٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ: " إنَّ الْمَسْفُوحَ هُوَ الدَّمُ الْجَارِي " أَنَّ مَا لَمْ يَجْرِ مِنْ الدَّمِ دَاخِلٌ فِي غَيْرِ الْمَسْفُوحِ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ، أَوْ مَيْتَةٍ، أَوْ حَيَوَانٍ حَيٍّ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ الدَّمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: نَجِسٌ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَالْأَوَّلُ: دَمُ الْإِنْسَانِ وَدَمُ مَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَدَمُ مَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إذَا خَرَجَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، أَوْ فِي حِينِ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَسْفُوحٌ وَاخْتُلِفَ فِيمَا بَقِيَ فِي الْجِسْمِ بَعْدَ الذَّكَاةِ وَفِي دَمِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَفِي دَمِ الْحُوتِ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ دَمَ الْآدَمِيِّ وَالْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ وَالْمَيْتَةِ نَجِسٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ جَرَى، أَوْ لَمْ يَجْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ هُنَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي لَمْ يَجْرِ بَعْدَ مُوجِبِ خُرُوجِهِ شَرْعًا فَهُوَ طَاهِرٌ، فَخَرَجَ الدَّمُ الْقَائِمُ بِالْحَيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ وَلَا بِالنَّجَاسَةِ وَالدَّمُ الْمُتَعَلِّقُ بِلَحْمِ الْمَيْتَةِ وَأَنَّهُ نَجِسٌ وَمَا جَرَى عِنْدَ الذَّكَاةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا نَجِسٌ. (الثَّانِي) : الدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ الشَّاةِ إذَا شُقَّ هَلْ هُوَ مَسْفُوحٌ، أَوْ غَيْرُ مَسْفُوحٍ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ فَتَأَمُّلِهِ. ص (وَمِسْكٌ) ش: الْمِسْكُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فَارِسِيّ مُعَرَّبٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ الْمَشْمُومَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فَإِنْ أَنَّثَهُ اللِّسَانُ فَعَلَى مَذْهَبِ الذَّهَبِ وَالْغَسْلِ؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ مِسْكٌ وَمَسَكَةٌ كَمَا تَقُولُ ذَهَبَةٌ حَمْرَاءُ وَغَسْلَةٌ وَأَنْشَدَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَأْنِيثِهِ وَمِنْ أَرْدَانِهَا الْمِسْكُ يَنْفَحُ وَقَالَ أَرَادَ الرَّائِحَةَ، وَالْمَسْكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ جِلْدٌ يُقَالُ: مَسْكُ ثَوْرٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ غُلَامٌ فِي مَسْكِ شَيْخٍ. وَجَمْعُهُ مُسُوكٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْجِلْدَ مَسَكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالسِّينِ خَطَأٌ وَفِي الْحَدِيثِ أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي يَدِهَا مَسَكَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالسِّينِ، الْوَاحِدَةُ مَسَكَةٌ بِفَتْحِهِمَا وَهُوَ سِوَارٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْقُرُونِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْ الذَّهَبِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. (قُلْتُ:) وَهُوَ الْآنَ فِي الْحِجَازِ

يُتَّخَذُ مِنْ الذَّهَبِ وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيهِ مِسْكَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ النَّحْلُ، وَالْمُسْكُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْبُخْلُ، وَالْمُسُكُ بِضَمِّهِمَا الْبُخْلُ أَيْضًا وَالْمَسَكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْبُخْلُ وَفِي الْحَدِيثِ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ إنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ يَكْسِرُ الْمِيمَ وَرِوَايَةُ الْمُتْقِنِينَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، وَكَذَا هُوَ لِأَبِي بَحْرٍ وَلِلْمُسْتَمْلِي قَالَ وَبِالْوَجْهَيْنِ قَيَّدْتُهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ وَبِالْكَسْرِ ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَرِوَايَةُ الْمُحَدِّثِينَ صَحِيحَةٌ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ انْتَهَى. وَحُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى طَهَارَتِهِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ قَوْلًا بِنَجَاسَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ كَاسْتِعْمَالِهِ اُنْظُرْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ انْتَهَى. (قُلْتُ:) لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ كَالْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ الْمُمْسَكِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَأْرَتُهُ) ش: هِيَ الْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمِسْكُ وَيُسَمَّى النَّافِحَةَ وَاخْتُلِفَ فِي هَمْزِهِ فَقِيلَ الصَّوَابُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَارَ يَفُورُ لِفَوَرَانِ رِيحِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ هَمْزُهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةِ الْفَأْرَةِ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فَارَةُ الْمِسْكِ مَيْتَةٌ وَيُصَلَّى بِهَا، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهَا كَخُرَّاجٍ يَحْدُثُ بِالْحَيَوَانِ تَجْتَمِعُ فِيهِ مَوَادُّ ثُمَّ تَسْتَحِيلُ مِسْكًا، وَمَعْنَى كَوْنِهَا مَيْتَةً أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بِذَكَاةِ مَنْ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَإِنَّمَا حُكِمَ لَهَا بِالطَّهَارَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّهَا اسْتَحَالَتْ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ الدَّمِ وَخَرَجَتْ عَنْ اسْمِهِ إلَى صِفَاتٍ وَاسْمٍ يَخْتَصُّ بِهَا فَطَهُرَتْ لِذَلِكَ كَمَا يَسْتَحِيلُ الدَّمُ وَسَائِرُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيَوَانُ مِنْ النَّجَاسَاتِ إلَى اللَّحْمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ مَرْزُوقٍ بَعْدَ الْكَلَامِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ، وَتَتِمَّةُ كَلَامِ ابْنِ مَرْزُوقٍ وَكَمَا يَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ إلَى الْخَلِّ طَاهِرًا، وَكَمَا يَسْتَحِيلُ مَا بِهِ مِنْ الْعَذِرَةِ وَالنَّجَاسَةِ تَمْرًا، أَوْ بَقْلًا فَيَكُونُ طَاهِرًا وَإِنَّمَا لَمْ تَنْجُسْ فَأْرَةُ الْمِسْكِ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ وَلَا جُزْءٍ مِنْهُ فَتَنْجُسُ بِعُذْرِ الذَّكَاةِ وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي الْحَيَوَانِ كَمَا يَحْدُثُ الْبَيْضُ فِي الطَّيْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَكِنَّ تَشْبِيهَهُ لَهُ بِالْبَيْضِ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الطَّيْرِ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ إذَا أُخِذَ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ الظَّبْيَةِ فَإِنَّ الْبَيْضَ الَّذِي يَخْرُجُ بَعْدَ الْمَوْتِ نَجِسٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ. وَيَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِهِمْ طَهَارَةُ الْمِسْكِ وَفَأْرَتِهِ وَلَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْحَيَوَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ انْفَصَلَتْ الْفَأْرَةُ بَعْدَ مَوْتِ الظَّبْيَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ. ص (وَزَرْعٌ بِنَجَسٍ) ش: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْقَمْحَ النَّجِسَ إذَا زُرِعَ وَنَبَتَ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا غَيْرُ الْقَمْحِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الزَّرْعَ إذَا سُقِيَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ لَا تَنْجُسُ ذَاتُهُ، وَإِنْ تَنَجَّسَ ظَاهِرُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَالْبَقْلُ وَالْكُرَّاثُ وَنَحْوُهُ كَالزَّرْعِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي إذَا سُقِيَ الزَّرْعُ بِمَاءٍ نَجِسٍ فَالْمَاءُ الَّذِي تَضْمَنَّهُ طَاهِرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ وَزَرْعٌ مُلَابِسٌ لِلنَّجَاسَةِ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ " إنَّ الْبَقْلَ لَا يُسْقَى بِالْمَاءِ النَّجِسِ إلَّا أَنْ يُقْلَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا لَيْسَ بِنَجِسٍ " لَا وَجْهَ لَهُ، إذْ لَوْ نَجُسَ بِسَقْيِهِ لِلْمَاءِ النَّجِسِ لَكَانَتْ ذَاتُهُ نَجِسَةً وَلَمْ يَطْهُرْ بِتَغْلِيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - حُكْمُ سَقْيِهِ لِلْمَاءِ النَّجِسِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ ظَاهِرِ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ مِنْ أُصُولِ الزَّرْعِ إلَّا أَنْ يُسْقَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ يَبْلُغُ إلَى مَا بَلَغَ إلَيْهِ النَّجِسُ وَالْمُنَجِّسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخَمْرٌ تَحَجَّرَ) ش: أَيْ صَارَ حَجَرًا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالطِّرْطَارِ وَيَسْتَعْمِلُهُ الصَّبَّاغُونَ، وَهَذَا إذَا ذَهَبَ مِنْهُ الْإِسْكَارُ أَمَّا لَوْ كَانَ الْإِسْكَارُ بَاقِيًا فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ بُلَّ فَشُرِبَ أَسْكَرَ فَلَيْسَ بِطَاهِرٍ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي مَسَائِلِ الْأَشْرِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ خُلِّلَ) ش: أَيْ وَلَوْ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ

فرع حكم من حمل قشرة القملة في الصلاة

وَنَحْوِهِ وَيَطْهُرُ الْخَلُّ وَمَا أُلْقِيَ فِيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي قُلَّةِ خَمْرٍ ثَوْبٌ ثُمَّ تَخَلَّلَتْ وَالثَّوْبُ فِيهَا طَهُرَ الثَّوْبُ وَالْخَلُّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْأَشْرِبَةِ: إذَا بَقِيَ فِي إنَاءٍ خَمْرٌ يَسِيرٌ فَصُبَّ عَلَيْهِ عَصِيرٌ، أَوْ خَلٌّ فَقَالَ أَصْبَغُ فَسَدَ الْجَمِيعُ قَالَ الْبَاجِيُّ، أَمَّا فِي الْعَصِيرِ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ لَا يُصَيِّرُ الْخَمْرَ عَصِيرًا فَهُوَ عَصِيرٌ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَأَمَّا الْخَلُّ فَلَا؛ لِأَنَّ الْخَلَّ يُصَيِّرُ الْخَمْرَ خَلًّا فَيَطْهُرُ الْجَمِيعُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ الْخَلُّ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ يُقَدَّرُ فِيهَا أَنَّ الْخَمْرَ تَخَلَّلَتْ انْتَهَى. (قُلْتُ) فَإِنْ تُرِكَ الْعَصِيرُ حَتَّى صَارَ خَلًّا طَهُرَ الْجَمِيعُ. (فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ تَخْلِيلِهَا فَحُكِيَ فِي الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ الْإِكْمَالِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَإِنْ فَعَلَ أَكَلَ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْجَوَاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالنَّجِسُ مَا اسْتَثْنَى) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّاهِرِ شَرَعَ يُبَيِّنُ النَّجِسَ فَقَالَ وَالنَّجِسُ مَا اسْتَثْنَى أَيْ بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ إلَّا مُحَرَّمَ الْأَكْلِ وَمَا بَعْدَهُ، أَوْ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ جُزَّتْ فَالْمُسْتَثْنَيَات ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ إلَّا مُحَرَّمَ الْأَكْلِ وَقَوْلُهُ إنْ جُزَّتْ وَقَوْلُهُ إلَّا الْمُسْكِرَ وَقَوْلُهُ إلَّا الْمِذْرَ وَالْخَارِجَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَوْلُهُ إلَّا الْمَيِّتَ وَقَوْلُهُ إلَّا الْمُتَغَذِّيَ بِنَجَسٍ وَقَوْلُهُ إلَّا الْمُتَغَيِّرَ عَنْ الطَّعَامِ وَقَوْلُهُ وَالنَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ. ص (وَمَيِّتُ غَيْرِ مَا ذَكَرَ) أَيْ وَمِنْ النَّجَسِ مَيِّتُ غَيْرِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ مَيِّتُ مَا لَا دَمَ لَهُ وَمَيِّتُ الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ حَصَلَتْ فِيهِ ذَكَاةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ كَاَلَّذِي يُذْكِيهِ الْمَجُوسِيُّ وَعَابِدُ الْوَثَنِ وَالْكِتَابِيُّ لِصَنَمِهِ، أَوْ الْمُسْلِمُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا. قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ فَإِنَّ حُكْمَ هَذِهِ حُكْمُ الْمَيْتَةِ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَا صَادَهُ الْكَافِرُ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ. ص (وَلَوْ قَمْلَةً) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ دَمُهُ مَنْقُولًا كَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَعُوضِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقِيلَ مَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ، وَقِيلَ: نَجِسَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقُرَادُ وَالذُّبَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَشَهَرَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ الْقَوْلَ بِنَجَاسَةِ الْقَمْلَةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً وَيُفْهَمُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقَمْلَةِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ مَا عَدَاهَا، وَكَذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ قَالَ الْبُرْغُوثُ لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَأَمَّا الْقَمْلَةُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً فَيُفْهَمُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ، وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ فَقَالَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى بِنَجَاسَةِ الْقَمْلَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِنْسَانِ بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تُرَابٍ، وَلِأَنَّهُ وَثَّابٌ فَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَعُوضَ وَالذُّبَابَ وَالْبَقَّ مِثْلُ الْبُرْغُوثِ فِيمَا ذَكَرَ وَاقْتَصَرَ فِي الْجَلَّابِ عَلَى أَنَّ الذُّبَابَ وَالْبَعُوضَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَجَزَمَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَيْتَاتِ بِأَنَّ الذُّبَابَ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً فَقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ السَّائِلَةِ مَا لَهُ دَمٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا وَلَيْسَ بِمَنْقُولٍ فَإِنَّ الذُّبَابَ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، وَقَدْ وُجِدَ فِيهِ دَمٌ وَعُدَّ فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ الْحُكْمُ فِيمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرَادَ مِثْلُهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ دَمُهُ مَنْقُولًا فَإِنَّ الرَّاجِحَ فِيهِ أَنَّهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إلَّا الْقَمْلَةَ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْحُكْمَ بِنَجَاسَةِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ مِنْ الذُّبَابِ وَشِبْهِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الْمَسْفُوحِ مِنْ السَّمَكِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى طَهَارَةِ مَيْتَتِهِ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حُكْم مَنْ حَمَلَ قِشْرَةَ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ] (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَنْ حَمَلَ قِشْرَةَ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ يُفْتِي بِأَنَّ قِشْرَهَا نَجِسٌ وَيَنْقُلُهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَقُولُ حَامِلُ الْقِشْرَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى

فرع الصئبان الذي يتولد من القمل

بِنَجَاسَةٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ يُفْتِي بِخِفَّةِ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً وَحَمَلَهَا الثَّانِي عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمَذْهَبِ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الشَّبِيبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثٍ فَأَقَلَّ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ اسْتَخَفَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَسَمِعْتُ عَنْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرْتُهُ مِنْ الْفُضَلَاءِ الصَّالِحِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ احْتَاجَ إلَى قَتْلِ قَمْلَةٍ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا يَنْوِي بِقَتْلِهَا الذَّكَاةَ لِيَكُونَ جِلْدُهَا طَاهِرًا فَلَا يَضُرُّهُ، وَلَا أَدْرِي هَلْ رَأَى ذَلِكَ مَنْقُولًا، أَوْ قَالَهُ مِنْ رَأْيِهِ إجْرَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ؟ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَأَبْحَاثَ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْقَمْلَ مُبَاحٌ أَكْلُهُ، أَوْ مَكْرُوهٌ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا بَلْ رَأَيْتُ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقَمْلَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ يَكُونُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ شَاسٍ فِي أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي مُحَرَّمِ الْأَكْلِ وَتُطَهِّرُهُ. [فَرْعٌ الصِّئْبَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقَمْلِ] (فَرْعٌ) الصِّئْبَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقَمْلِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَلَا شَكَّ فِي طَهَارَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَمْلَةَ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةً وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَهُوَ مَحِلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ. [ميتة الْآدَمِيِّ هَلْ هِيَ طَاهِرَة] ص (وَآدَمِيًّا وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِطَهَارَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا قَالَ فِي أَوَائِلِ الْجَنَائِزِ مِنْ الْبَيَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَيْسَ بِنَجِسٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِطَهَارَتِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تُعَضِّدُهُ الْآثَارُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا لِحُرْمَةِ الْآدَمِيَّةِ وَكَرَامَتِهَا وَتَفْضِيلِ اللَّهِ لَهَا وَذَهَبَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ أَيْضًا وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَاسْتَظْهَرَهُ فَقَالَ: وَالظَّاهِرُ طَهَارَةُ الْآدَمِيِّ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ الظَّاهِرُ طَهَارَةُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ لِتَقْبِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَصَلَاتِهِ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِيهِ وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَصِّ أَظْفَارِهِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: الِاعْتِكَافُ لَا يُنَافِي إصْلَاحَ الرَّأْسِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَا إصْلَاحَ الظُّفْرِ وَهُوَ أَيْضًا طَاهِرٌ لَا يَنْجُسُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ نَجِسٌ تَكُونُ الْأَظْفَارُ نَجِسَةً انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَشْهِيرِ الْقَوْلِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَلَا مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَحْكِي الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ الطَّهَارَةَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ اللَّخْمِيِّ أَخَذَ الْقَوْلَ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ مِنْ نَجَاسَةِ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ فَقَدْ أَخَذَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْقَوْلَ بِالطَّهَارَةِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ إدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ [فَرْعٌ فِي أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء طَاهِرَة] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَدْخُلُ عِنْدِي أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ يَجِبُ الِاتِّفَاقُ عَلَى طَهَارَةِ أَجْسَادِهِمْ، وَقَدْ قِيلَ: بِطَهَارَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْحَدَثِ فَكَيْفَ بِجَسَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَيْتَة الْآدَمِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا عَدَا أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى طَهَارَتِهَا لَا سِيَّمَا جَسَدَ

نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ص (وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ مِنْ قَرْنٍ وَعَظْمٍ وَظِلْفٍ وَعَاجٍ وَظُفْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ، أَوْ مَيِّتٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَالْقَرْنُ وَالْعَظْمُ مَعْرُوفَانِ وَالظِّلْفُ بِالظَّاءِ لِلْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالظَّبْيِ وَالظُّفْرُ بِالظَّاءِ أَيْضًا لِلْبَعِيرِ وَالْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ وَالنَّعَامِ وَالْعَاجُ عَظْمُ الْفِيلِ وَاحِدُهُ عَاجَةٌ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ عَلَى إبَانَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِبَانَةِ الْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَيْتَةٍ مَا أُبِينَتْ مِنْهُ فَالطَّاهِرُ كَالسَّمَكِ وَغَيْرِهِ وَاضِحٌ وَأَمَّا مَا أُبِينَ مِنْ أَعْضَاءِ الْآدَمِيِّ الْحَيِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ بِنَجَاسَتِهَا وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِطَهَارَتِهَا قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ سَلَّمَ ابْنُ الْقَصَّارِ طَهَارَتَهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ، وَإِبَانَةُ الْعُضْوِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْمَوْتِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ بِطَهَارَةِ الْعُضْوِ الْمُبَانِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ رَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ الْآدَمِيِّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يُخْتَلَفُ فِي نَجَاسَتِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَتِهِ بِلَا كَلَامٍ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَيْتَتِهِ وَعَلَى الطَّهَارَةِ: قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: مَا أُخِذَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ طَاهِرٌ لِمُوَافَقَةِ الْمَأْخُوذِ الْكُلَّ وَقَبْلَ مَوْتِهِ نَجِسٌ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَبَحَثَ مَعَهُ فِيهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا أُبِينَ مِنْ الْآدَمِيِّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَالْخِلَافِ فِي مَيْتَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ حُكْمَ الْمَأْخُوذِ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الظُّفْرِ حُكْمُ الْمَيْتَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ، وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبْتَ صَيْدًا فَأَبَنْتَهُ أَوْ أَبْقَيْتَهُ مُعَلَّقًا بِحَيْثُ لَا يَعُودُ لِهَيْئَتِهِ أَخَذَ شَيْخُنَا مِنْهَا أَنَّ مَنْ أَبَانَ طَرَفَ ظُفْرِهِ مِنْ أَصْلِهِ وَبَقِيَ مُعَلَّقًا بِالْأَصْلِ وَعَادَتُهُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ لِهَيْئَتِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُصَلِّيًا بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الظُّفْرَ نَجِسٌ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ حُكْمُ مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، وَمِنْ السَّمَكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ السِّنَّ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لِدُخُولِهَا فِي الْعَظْمِ وَسَكَتَ عَنْ اللَّحْمِ لِدُخُولِهِ مِنْ بَابِ أَحْرَى إذْ لَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَصَبَةَ رِيشٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْقَصَبَةِ نَجِسٌ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَالرِّيشُ شَبِيهُ الشَّعْرِ كَالشَّعْرِ وَشَبِيهُ الْعَظْمِ كَالْعَظْمِ وَمَا بَعْدُ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ الْقَوْلَيْنِ فِي أَطْرَافِ الْفُرُوقِ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا النَّجَاسَةُ فَيَكُونُ الْمَشْهُورُ فِي الْقَصَبَةِ كُلِّهَا النَّجَاسَةُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي رِيشِ الْمَيْتَةِ طُرُقٌ فَذَكَرَ طَرِيقَةَ ابْنِ شَاسٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ مَا اتَّصَلَ بِالْعَظْمِ كَالْجِسْمِ، وَطَرَفُهُ كَالشَّعْرِ وَرَوَى الْبَاجِيُّ مَا لَهُ سِنْخٌ فَكَاللَّحْمِ وَمَا لَا كَالزَّغَبِ طَاهِرٌ، وَالسِّنْخُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ خَاءٌ مُعْجَمَةُ: الْأَصْلُ فَعَلَى مَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْجِسْمِ طَاهِرٌ يَكُونُ طَرَفُ الْقَصَبَةِ

طَاهِرًا، وَأَمَّا كَلَامُ الْبَاجِيِّ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْتَضِي نَجَاسَة جَمِيعِ الْقَصَبَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا بَعْدُ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَعْنِي بِالْبَعْدِ هُنَا عُلُوَّهُ عَمَّا قَارَبَ الْجِسْمَ مِنْ شِبْهِ الْعَظْمِ ص (وَجِلْدٍ وَلَوْ دُبِغَ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. ص (وَرُخِّصَ فِيهِ مُطْلَقًا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ مُطَهَّرٌ طَهَارَةً مُقَيَّدَةً أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ وَحْدَهُ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ رُشْدٍ نَجِسٌ وَلَكِنْ رُخِّصَ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يُطَهِّرُهُ الدِّبَاغُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْتُ، وَقَوْلُهُ: " وَرُخِّصَ فِيهِ مُطْلَقًا " فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَيَكُونُ عَائِدًا إلَى مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الْمَذْهَبِ وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عُمُومُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي دُخُولَ جِلْدِ الْإِنْسَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ سَلْخُهُ وَلَا اسْتِعْمَالُهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّنْجِيسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ، وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَائِرِ الْجُلُودِ حَتَّى جِلْدِ الْخِنْزِيرِ. (قُلْتُ) فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْحُكْمَ بِنَجَاسَةٍ وَأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَجُلُودُ الْمَيْتَاتِ كُلِّهَا نَجِسَةٌ وَلَوْ دُبِغَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَيْتَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّرْخِيصَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ دَلَّ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ بِاتِّفَاقٍ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ فَتَأَمَّلْهُ. ص (إلَّا مِنْ خِنْزِيرٍ) . ش هَذَا هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ كَغَيْرِهِ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ الدَّبْغِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ هَلْ الْإِهَابُ خَاصٌّ بِجِلْدِ الْأَنْعَامِ أَوْ يُطَلَّقُ عَلَى جِلْدِ غَيْرِهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بَعْدَ دَبْغِهِ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَكَيْفِيَّةُ الدِّبَاغِ نَزْعُ الْفَضَلَاتِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُعْتَادَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَلَا يَكْفِي التَّشْمِيسُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى الْبَاجِيّ: الدَّبْغُ مَا أَزَالَ شَعْرَهُ وَرِيحَهُ وَدَسَمَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَا فِي اشْتِرَاطِ زَوَالِ الشَّعْرِ مِنْ النَّظَرِ لِمَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ الْأَقْرِبَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الدَّبْغَ مَا أَزَالَ الرِّيحَ وَالرُّطُوبَةَ وَحَفِظَ الْجِلْدَ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ كَمَا تَحْفَظُهُ الْحَيَاةُ، وَلَعَلَّ مَا فِي الرِّوَايَةِ فِي الْجُلُودِ الَّتِي الشَّأْنُ فِيهَا زَوَالُ الشَّعْرِ كَالَّتِي يُصْنَعُ مِنْهَا الْأَنْعِلَةُ لَا الَّتِي يُجْلَسُ عَلَيْهَا وَتُصْنَعُ مِنْهَا الْأَفْرِيَةُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ زَوَالُ الشَّعْرِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ صُوفَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ وَاقْتَصَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الدَّبْغِ آلَةٌ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَا دُبِغَ بِهِ جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ مِلْحٍ، أَوْ قَرَظٍ فَهُوَ لَهُ طَهُورٌ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ حِكْمَةَ الدِّبَاغِ إنَّمَا هِيَ بِأَنْ يُزِيلَ عُفُونَةَ الْجِلْدِ وَيُهَيِّئَهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى الدَّوَامِ فَمَا أَفَادَ ذَلِكَ جَازَ بِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَبِيُّ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الدَّبْغَ يُفِيدُ حَتَّى مِنْ الْكَافِرِ وَفِي مُسْلِمٍ حَدِيثٌ نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَا دَبَغُوهُ مُسْتَثْنًى مِمَّا أَدْخَلُوا فِيهِ أَيْدِيَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ هَلْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْلَخَ الْمَيْتَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا يَصِلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا بِذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ دَبْغِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْبَغْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا يُفْرَشُ وَلَا يُطْحَنُ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْبَغَ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْحَنُ عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّبْغِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. ص (فِي يَابِسٍ وَمَاءٍ) ش: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رُخِّصَ أَيْ رُخِّصَ فِي اسْتِعْمَالِ جِلْدِ

فرع أستعمال النعال من جلد الميتة

الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ فِي الْيَابِسَاتِ وَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُؤَاجَرُ عَلَى طَرْحِ الْمَيْتَةِ بِجِلْدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ دُبِغَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُلْبَسُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ لِلصَّلَاةِ، وَأَمَّا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَجَائِزٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الِاسْتِقَاءُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَرْبَلَ عَلَيْهَا وَيُجْلَسَ، وَهَذَا وَجْهُ الِانْتِفَاعِ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَزَادَ: وَتُمْتَهَنُ لِلْمَنَافِعِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَلَا يُطْحَنُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ عَلَيْهَا يُؤَدِّي إلَى زَوَالِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ تَخْتَلِطَ أَجْزَاءُ الْمَيْتَةِ بِالدَّقِيقِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَانْظُرْ هَلْ أَجَازَ الِاسْتِقَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَعَلَى هَذَا يُتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ سُئِلَ أَيُتَوَضَّأُ مِنْ السِّقَاءِ مِنْ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ قَالَ: إنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إنْ انْفَضَّ ذَلِكَ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَقَبِلَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُغَرْبَلُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا اتِّقَاءً لِمَا يَتَحَتَّتُ مِنْهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عُمُومُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ مُطْلَقًا انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ يُغَرْبَلُ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنْهُ فَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ الْجَوَازُ وَنَصَّ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ عَلَى أَنَّهُ يَكْرَهُ الْوُضُوءَ مِنْ آنِيَةٍ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَجِلْدِهَا، وَإِنْ دُبِغَ. [فَرْعٌ أستعمال النِّعَال مِنْ جلد الْمَيِّتَة] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ مَسَائِلِ بَعْضِ الْمِصْرِيِّينَ: كَانَ شَيْخُنَا يَقُولُ إذَا وَجَدَ النِّعَالَ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ: فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الرِّجْلَ إذَا تَوَضَّأَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَاءِ انْتَهَى. (قُلْتُ) بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الرِّجْلُ إذَا بُلَّتْ وَلَاقَاهَا فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْيَابِسَاتِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَضَ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ وَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ يُوهِمُ أَنَّ مَالِكًا كَانَ لَا يَسْتَعْمِلُهُ مُطْلَقًا بَلْ يُوهِم أَنَّ ذَلِكَ فِي جِلْدِ مَا ذُكِّيَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا الَّذِي كَرِهَهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ الِاسْتِقَاءُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ: وَنَقْصُ تَمَامِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي الْمَاءِ غَيْرَ مُحَرِّمٍ لَهُ بِخِلَافِ الْيَابِسَاتِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا أَتَّقِي الْمَاءَ فِيهَا يَعْنِي جُلُودَ الْمَيْتَةِ فِي خَاصَّتِي وَلَا أُحَرِّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى جُلُود الْمَيِّتَة] (فَرْعٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ اكْتِفَاءً بِدُخُولِ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ لَحْمُ مَيْتَةٍ أَوْ عَظْمُهَا، أَوْ جِلْدُهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ، أَوْ جِلْدُ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ يُرِيدُ صَلَّى بِذَلِكَ نَاسِيًا ثُمَّ قَالَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلَّى عَلَى جِلْدِهَا وَإِنْ دُبِغَ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لِلْحَدِيثِ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَوَّى بَيْنَهُمَا كَتَسْوِيَتِهِ فِي الْبَيْعِ انْتَهَى. وَعَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَدْبُوغِ وَغَيْرِهِ حَمَلَهَا سَنَدٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالصَّلَاةَ فِيهَا وَعَلَيْهَا دُبِغَتْ أَوْ لَمْ تُدْبَغْ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْمَنْعِ. (فَرْعٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لُبْسَهُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا، وَهَذَا حُكْمُ هَذِهِ الْفِرَاءِ الَّتِي تُجْعَلُ مِنْ جُلُودِ السِّنْجَابِ وَنَحْوِهِ. ص (وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ) ش: هَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ أَشَارَ فِيهِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَأَتَى بِهَا لِكَوْنِ ظَاهِرِهِ مُخَالِفًا لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ نَجَاسَةِ الْعَاجِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ وَأَكْرَهُ الْأَدْهَانَ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ وَالْمَشْطَ بِهَا وَالتِّجَارَةَ فِيهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي زَادَ فِي الْأُمِّ: لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ انْتَهَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ أَنَّ قَبْلَهُ كَرِهَ أَخَذَ الْعَظْمِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَرَآهُ مَيْتَةً. قَالَ ابْنُ نَاجِي الْكَرَاهَةُ عَلَى

التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ وَرَآهُ مَيْتَةً، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَرَاهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ فِي الْأُمِّ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ مُحْتَمِلَةً فَالَّتِي فِي الْقَرْنِ وَالْعَظْمِ وَالسِّنِّ مِثْلُهَا فَلَا مَعْنَى لِاقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ لِعَزْوِ الَّتِي فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ لِلْمُدَوِّنَةِ، قَالَ: وَاَلَّذِي غَرَّهُ اخْتِصَارُ الْبَرَاذِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ فِي نَابِ الْفِيلِ أَنَّهَا مَيْتَةٌ، وَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمِيعِ عَلَى بَابِهَا وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ بَعْضِهِمْ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: إنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ شِهَابٍ أَجَازُوا أَنْ يُمْتَشَطَ بِأَمْشَاطِهِ وَمَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ عِظَامَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ شَيْخِهِ الْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ مَالِكًا يَكْرَهُهُ يَعْنِي الْعَظْمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ التَّحْرِيمُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ ثُمَّ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَابِ الْفِيلِ: إنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِيهِ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ انْتَهَى. وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي تَنْجِيسَهُ وَهُوَ أَنَّهُ جُزْءُ مَيْتَةٍ وَمَا يَقْتَضِي الطَّهَارَةَ وَهُوَ عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَنَافَسُ فِي اتِّخَاذِهِ، وَقِيلَ: إنْ سُلِقَ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْعَاجِ بَلْ عَامٌّ، فَإِنَّ أَنْيَابَ الْفِيلِ قُرُونٌ مُنْعَكِسَةٌ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعَظْمِ وَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ وَالسِّنِّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ طَاهِرَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَحُلُّهَا الْحَيَاةُ، وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَرَفِهَا وَأَصْلِهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْعَظْمِ وَحَكَى الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ رَابِعًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُسْلَقَ، أَوْ لَا وَإِذَا حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ عَلَى بَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَابْن الْمَوَّازِ يَكُونُ خَامِسًا. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) هَذَا إنْ لَمْ يُذَكَّ الْفِيلُ فَإِنْ ذُكِّيَ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ مِنْ غَيْرِ دَبْغٍ كَجُلُودِ السِّبَاعِ وَعِظَامِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَكْلُ لُحُومِهَا. (الثَّانِي) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَجَّسُ الدُّهْنُ وَالْمَاءُ وَنَحْوُهُ بِجَعْلِهِ فِي الْعَاجِ وَنَحْوِهِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَسَمَ فِيهِ وَلَا وَدَكَ وَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَرُطُوبَةِ فَرْجٍ: مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. ص (وَالتَّوَقُّفُ فِي الْكِيمَخْتِ) ش: أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ، وَإِنْ ذُكِّيَ وَتَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الْكِيمَخْتِ وَرَأَيْتُ تَرْكَهُ أَحَبَّ إلَيَّ انْتَهَى. وَتَوَقُّفُهُ لِأَجَلِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي تَرْكَهُ، وَعَمَلَ السَّلَفِ يُعَارِضُهُ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مَا زَالَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِالسُّيُوفِ وَفِيهَا الْكِيمَخْتُ وَمَا يَتَّقُونَ شَيْئًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَأَصْلِهِ لِابْنِ يُونُسَ فِي الْكِيمَخْتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) : قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ " فَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (الثَّانِي) : الْجَوَازُ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (الثَّالِثُ) : الْجَوَازُ فِي السُّيُوفِ خَاصَّةً لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ فَمَنْ صَلَّى بِهِ فِي غَيْرِ السُّيُوفِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَعَادَ أَبَدًا انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكِيمَخْتِ النَّجَاسَةُ وَأَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَيَكُونُ رَابِعًا، لَكِنَّ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَشْيَاخُ أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَمْلٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: الصَّلَاةُ فِي الْكِيمَخْتِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ اسْتَخَفَّ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَاسْتِجَازَةِ السَّلَفِ لَهُ فَرَأَى فِي الْعُتْبِيَّةِ الْمَنْعَ مِنْهُ وَالتَّشْدِيدَ فِيهِ مِنْ التَّعَمُّقِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ رَأَى الْكِيمَخْتَ مُسْتَثْنًى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فِيهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيُّ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْكِيمَخْتِ فَقَالَ هَذَا تَعَمُّقٌ، وَقَدْ صَلَّى الصَّحَابَةُ بِأَسْيَافِهِمْ وَفِيهَا الدِّمَاءُ وَظَاهِرُ هَذَا

الْكَلَامِ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى كَالدَّمِ فِي السَّيْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ غَيْرَ الْكِيمَخْتِ لَا يَسُدُّ مَسَدَهُ وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَاخْتَصَّتْ بِهِ الرُّخْصَةُ لِنَوْعِ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَلَا يُصَلَّى فِي الْكِيمَخْتِ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي النَّجَاسَةَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَ فِيهِ قَوْلًا بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ هُنَا مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ، نَعَمْ نَقَصَ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَهُ: " وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ " وَهِيَ الَّتِي تُفِيدُ الْحُكْمَ فِيهِ، وَقَدْ تَعَقَّبَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ إسْقَاطَ ذَلِكَ وَارْتَكَبَهُ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَنِيٍّ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ) ش: الْمَنِيُّ بِفَتْحٍ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَآخِرُهُ تَحْتِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ وَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ وَالْمَذْيُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَبِكَسْرِ الذَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا حَكَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ ثَوْرَانِ الشَّهْوَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَمَذْيُهَا بَلَّةٌ تَعْلُو فَرْجَهَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: الْمَذْيُ يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ فِي النِّسَاءِ أَكْثَرُ قَالَ وَإِذَا هَاجَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ مِنْهَا انْتَهَى. وَفِي الصِّحَاحِ كُلُّ ذَكَرٍ يَمْذِي وَكُلُّ أُنْثَى تَمْذِي يُقَالُ: مَذَتْ الشَّاةُ أَيْ أَلْقَتْ بَيَاضًا مِنْ رَحِمِهَا انْتَهَى. وَالْوَدْيُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ فَهُوَ تَصْحِيفٌ وَضَبَطَهُ فِي الطِّرَازِ بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْوَدْيُ بِالْمُهْمَلَةِ صِغَارُ النَّخْلِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ خَاثِرٌ يَخْرُجُ بِأَثَرِ الْبَوْلِ، أَوْ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ. وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ فِيهِ الْخِلَافَ عَنْ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ نَجِسٌ لِأَصْلِهِ، أَوْ لِمَمَرِّهِ. (قُلْتُ) وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمَشْهُورُ نَجَاسَةُ مَنِيِّهِ يَعْنِي الْآدَمِيَّ وَقَالَ فِي عُمْدَتِهِ وَفِي الْمَنِيِّ قَوْلَانِ، وَأَمَّا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَلْ هُوَ نَجِسٌ لِأَصْلِهِ أَوْ لِمَمَرِّهِ عَلَى مَحِلِّ الْبَوْلِ فَمَعْلُومٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَلَيْهِمَا مَنِيُّ الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ نَجِسًا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ نَجِسًا مِنْ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ بَوْلَهُ طَاهِرٌ وَلَا مِنْ الْمَكْرُوهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَوْلَهُ تَابِعٌ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَالْأَرْوَاثُ وَالْأَبْوَالُ وَالْمَنِيُّ تَوَابِعُ يَعْنِي اللُّحُومَ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَبِهِ فَسَّرَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَهُ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ قَالَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَجَاسَتُهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا فِي شَامِلِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ مِنْ كُتُبِهِ. وَأَمَّا الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ فَبِنَقْلِ شَاسٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِمَا، فَقَالَ ابْنُ هَارُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالْمُحَرَّمِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا إنْ أَجْرَيْنَا ذَلِكَ مُجْرَى بَوْلِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ، أَوْ مُجْرَى مَنِيِّهِ فَفِيهِ الْخِلَافُ قَالَ ابْنُ نَاجِي نَخْتَارُ أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَكَذَلِكَ وَافَقَ عَلَى نَجَاسَتِهِ مَنْ خَالَفَ فِي الْمَنِيِّ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ غَيْرَ الْآدَمِيِّ لَهُ مَذْيٌ وَوَدْيٌ وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ فَضَلَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى نَجَاسَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ مَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَغَسْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْرِيعٌ وَفِي التَّوْضِيحِ لَا دَلَالَةَ فِي مَنِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِادِّعَاءِ أَنَّهُ مِنْهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ نَجِسًا، وَفِي الْأَبِيِّ مَا يَقْتَضِي تَسْلِيمَ أَنَّ مَنِيَّهُ وَفَضَلَاتِهِ طَاهِرَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ بِطَهَارَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ وَلَهُمْ قَوْلَانِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ حُرْمَةُ أَكْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ) ش: الْقَيْحُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَكَسْرُ الْقَافِ لَحْنٌ قَالَ

تنبيه الطاهر إذا اتصل به نجس رطب

ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ الْمِدَّةُ الَّتِي لَا يُخَالِطُهَا دَمٌ مِنْ قَاحَ يَقِيحُ. وَالصَّدِيدُ مَاءُ الْجُرْحِ الرَّقِيقُ وَالْمُخْتَلِطُ بِالدَّمِ قَبْلَ أَنْ تُغَلَّظَ الْمِدَّةُ وَالْمُدَّةُ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ الْفُرَاتِ وَغَيْرُهُمَا، وَذَكَرَ سَنَدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ أَنَّهُ مَا سَالَ مِنْ مَوْضِعِ حَكِّ الْبَثَرَاتِ مِنْ الصَّدِيدِ وَأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جَسَدِ الْإِنْسَانِ وَذَكَرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَوَاسِيرِ أَنَّ الْجِلْدَ إذَا كُشِطَ وَرَشَحَ مِنْهُ بَلَلٌ فَهُوَ نَجِسٌ وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي قَوَاعِدِهِ فِي أَنْوَاعِ النَّجَاسَةِ: " الثَّانِي الدِّمَاءُ كُلُّهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَمَا تَوَلَّدَ عَنْهَا مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ مِنْ حَيٍّ، أَوْ مَيِّتٍ وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا " انْتَهَى. وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا يَسِيلُ مِنْ نَفْطِ النَّارِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا يَسِيلُ مِنْ نَفِطَاتٍ فِي الْجَسَدِ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَثَرُ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَأْ. ص (وَرُطُوبَةِ فَرْجٍ) ش: نَكَّرَ الرُّطُوبَةَ وَالْفَرْجَ لِيَعُمَّ كُلَّ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: كُلُّ مَائِعٍ خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٌ وَذَلِكَ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْمَنِيِّ وَدَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَلِ فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ كُلُّ بَلَلٍ يَخْرُجُ مِنْهُمَا كَالْهَادِي الْخَارِجِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَائِعٍ مَا لَيْسَ بِمَائِعٍ كَالدُّودِ وَالْحَصَا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُمَا طَاهِرَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا يَكْتَسِبَانِ النَّجَاسَةَ بِمَا يَعْلَقُ بِهِمَا مِنْ بَوْلٍ، أَوْ غَائِطٍ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ: مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مِنْ طَاهِرٍ كَالرِّيحِ فَلَا اسْتِنْجَاءَ فِيهِ وَخُرُوجُ الْحَصَا وَالدُّودِ دُونَ شَيْءٍ إنْ أَمْكَنَ مَعَ بُعْدِهِ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ طَاهِرٌ كَالرِّيحِ وَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ. عَنْ الْبُرْزُلِيِّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّوَاةَ وَالْحَصَا وَالذَّهَبَ وَمَا لَا يَتَحَلَّلُ إذَا بُلِعَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَطْنِ لَا يَنْجُسُ إلَّا ظَاهِرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ عِيَاضٌ مَاءُ الْفَرْجِ وَرُطُوبَتُهُ عِنْدَنَا نَجِسٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبُولُ النَّوَوِيِّ: " نَقْلَ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ إذَا أُلْقِيَ الْجَنِينُ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةُ فَرْجِ أُمِّهِ طَاهِرٌ بِإِجْمَاعٍ لَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ فِي رُطُوبَةِ الْفَرْجِ " يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ تَنْجِيسُ مَا اتَّصَلَ بِهِ نَجَسٌ رَطْبٌ بِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْإِجْمَاعِ وَلَقَدْ اسْتَوْعَبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَا ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّ مَنْ رَفَعَ جَنِينَ بَقَرَةٍ حِينَ وَضَعَتْهُ وَهُوَ مَبْلُولٌ وَأَلْصَقَهُ بِثَوْبِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ بَلَلُهُ دَمًا وَإِلَّا فَهُوَ كَبَلَلِ بَوْلِهَا، وَلَوْ كَانَ جَنِينَ فَرَسٍ أَلْصَقَهُ بِثَوْبِهِ كَذَلِكَ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ الْبُرْزُلِيُّ: فِي هَذَا نَظَرٌ عَلَى مَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ أَنَّ بَلَلَ جَنِينِ الْآدَمِيِّ حِينَ خُرُوجِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى طَهَارَتِهِ وَكَانَ شَيْخُنَا يَتَعَقَّبُهُ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا أَحْرَى لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَكْلِ الْخَيْلِ انْتَهَى. فَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ قَدَّاحٍ وَابْنُ عَرَفَةَ يُسْتَثْنَى مِنْ رُطُوبَةِ فَرْجٍ رُطُوبَةُ مَا بَوْلُهُ طَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ الطَّاهِرُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ نَجِسٌ رَطْبٌ] (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ تَنْجِيسُ مَا اتَّصَلَ بِهِ نَجَسٌ رَطْبٌ طَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ. وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ فِيمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا طَاهِرًا يَابِسًا عَلَى ثَوْبٍ مَبْلُولٍ نَجِسٍ تَنَجَّسَ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ بِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ غَسَلَهُ وَحْدَهُ وَإِلَّا غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى بِهِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ نَتَفَ إبِطَهُ يَغْسِلُ يَدَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ يُسْتَحَبُّ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ غَيْرُهُ يَجِبُ لِمَا تَعَلَّقَ بِالشَّعْرِ مِنْ النَّجَاسَةِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ أُصُولُ الشَّعْرِ تَصِلُ لِيَدِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَمْتَخِطُ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ فِي يَدِهِ فَيَجِدُ بِالْمُخَاطِ شَعْرًا بِأُصُولِهِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ وَفِيهِ عَظْمُ مَيْتَةٍ غَطَّاهُ الْمَاءُ وَالطِّينُ فَغَسَلَ رِجْلَهُ وَجَعَلَهَا عَلَى الْعَظْمِ وَنَقَلَهَا إلَى ثِيَابِهِ أَنَّ ثَوْبَهُ لَا يَنْجُسُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إنْ كَانَ الْعَظْمُ بَالِيًا فَوَاضِحٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ التُّونُسِيُّ فِي التَّعْلِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ دَسَمٍ وَلَحْمٍ فَالصَّوَابُ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَتَعَلَّقُ بِرِجْلِهِ إلَّا أَنْ

يُوقِنَ أَنَّ رُطُوبَةَ النَّجَاسَةِ قَدْ ذَهَبَتْ جُمْلَةً وَلَمْ يَبْقَ إلَّا رُطُوبَةُ الْمَاءِ فَيَكُونَ كَالْعَظْمِ الْبَالِي وَسَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْقَمْلَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا. وَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُغْتَسِلِ يَتَجَفَّفُ بِالثَّوْبِ فِيهِ الدَّمُ قَالَ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَخْرُجُ بِالتَّجْفِيفِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ إنْ التَّجْفِيفُ بَلَّهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا أَصَابَ جَسَدَهُ غَسَلَهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ. ص (وَدَمٍ مَسْفُوحٍ) ش: أَيْ سَائِلٍ. ص (وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ) ش: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السَّمَكِ هَلْ لَهُ دَمٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا دَمَ لَهُ وَاَلَّذِي يَنْفَصِلُ عَنْهُ رُطُوبَةٌ تُشْبِهُ الدَّمَ لَا دَمٌ، وَلِذَلِكَ لَا تَسْوَدُّ إذَا تُرِكَتْ فِي الشَّمْسِ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ بَلْ تَبْيَضُّ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ اسْوِدَادِهِ لَوْ سَلِمَ مِنْ كُلِّ السَّمَكِ فَذَلِكَ لِمَا خَالَطَهُ مِنْ الرُّطُوبَةِ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ دَمَهُ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ مَسْفُوحُهُ نَجِسٌ وَغَيْرُ مَسْفُوحِهِ طَاهِرٌ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِمَالِكٍ فِيهِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَشُرِعَتْ ذَكَاتُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي دَمِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا سَالَ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِإِلْقَائِهِ فِي النَّارِ حَيًّا وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَكْرَهُ ذَلِكَ كَرَاهَةً غَيْرَ شَدِيدَةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْحُوتَ مُذَكًّى فَالْحَيَاةُ الَّتِي تَبْقَى فِيهِ كَالْحَيَاةِ الَّتِي تَبْقَى فِي الذَّبِيحَةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا فَيُكْرَهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يُكْرَهُ فِي الْأُخْرَى انْتَهَى. وَقَالَ مَالِكٌ فِي تُرْسِ الْمَاءِ، وَقِيلَ: لَهُ أَنَّهُ يَعِيشُ أَيَّامًا مَا أَرَاهُ إلَّا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَمَا أَرَى ذَبْحَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَجَّلُوا بِذَلِكَ مَوْتَهُ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا إلَّا أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُ عَلَى النَّاسِ انْتَهَى. ص (وَذُبَابٍ) ش: تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً؛ لِأَنَّ ذَا النَّفْسِ السَّائِلَةِ هُوَ مَا لَهُ دَمٌ غَيْرُ مَنْقُولٍ وَالذُّبَابُ كَغُرَابٍ وَاحِدُ الذُّبَابِ بِالْكَسْرِ كَغِرْبَانِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْوَاحِدُ ذُبَابَةٌ بِمُوَحَّدَتَيْنِ وَلَا يُقَالُ: ذُبَانَةٌ بِالنُّونِ وَمَنَعَ ابْنُ سِيدَهْ أَنْ يُقَالَ: ذُبَابَةٌ أَيْضًا قَالَ الذُّبَابُ هُوَ الْوَاحِدَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إلَّا أَنَّهُ لِيَسَارَةِ دَمِهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مِنْهُ إلَّا مَا كَثُرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَوْدَاءَ) ش: قَالَ سَنَدٌ هِيَ مَائِعٌ أَسْوَدُ يَكُونُ كَالدَّمِ وَهَذِهِ صِفَةُ النَّجَاسَاتِ. ص (وَرَمَادٍ نَجِسٍ وَدُخَانِهِ) ش: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ دُخَانُ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ قَالَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُطْبَخُ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَلَا يُسَخَّنُ بِهَا مَاءٌ لِوُضُوءٍ، أَوْ عَجِينٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَهْلًا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ أَكْلُ الطَّعَامِ وَلَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ أَيْضًا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الدُّخَانُ لَا يَنْعَكِسُ فِيمَا طُبِخَ، أَوْ سُخِّنَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَنْعَكِسُ فَإِنَّ الطَّعَامَ لَا يُؤْكَلُ وَالْمَاءَ لَا يَنْجُسُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ انْعِكَاسُ دُخَانِ مَيْتَةٍ فِي طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ يُنَجِّسُهُ انْتَهَى. وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ خِلَافُ ذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَا يُؤْكَلُ الْخُبْزُ الَّذِي يُوقَدُ بِأَرْوَاثِ الْحَمِيرِ، وَأَمَّا مَا طُبِخَ فِي الْقُدُورِ فَأَكْلُهُ خَفِيفٌ وَيُكْرَهُ بَدَأَ وَلَا يُوقَدُ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ لِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ الْخُبْزَ قَدْ خَالَطَهُ مِنْ عَيْنِ نَجَاسَةِ الرَّوْثِ وَسَرَى فِيهِ، وَأَمَّا مَا طُبِخَ فِي الْقُدُورِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ مِنْ أَجْلِ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ دُخَانِ الرَّوْثِ النَّجِسِ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ مِنْ أَجْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الدُّخَانَ نَجِسٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا نَجِسًا انْتَهَى. فَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا بِعَدَمِ نَجَاسَتِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَنَقَلَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَاهُ وَلَمْ يُنَبِّهَا عَلَيْهِ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَبَخَّرَ بِلُحُومِ السِّبَاعِ إذَا كَانَتْ ذُكِّيَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً وَلَمْ يَكُنْ دُخَانُهَا يَعْلَقُ بِالثِّيَابِ كَمَا يَعْلَقُ دُخَانُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَإِنْ كَانَ يَعْلَقُ بِالثِّيَابِ فَلَا يُعْجِبُنِي. ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُ دُخَانِ

الْمَيْتَةِ حُكْمُ رَمَادِهَا وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ جَارٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَظْهَرُ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ الطَّهَارَةُ انْتَهَى. وَعَزَى ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَيْسَتْ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ النَّجَاسَةُ بَلْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ أَشَدُّ مِنْ رَمَادِهَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ وَرَمَادُ النَّجِسِ نَجِسٌ وَخَرَّجَ مِنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ وَبَيْضِهَا طَهَارَتَهُ وَهَلْ دُخَانُهُ كَذَلِكَ، أَوْ طَاهِرٌ خِلَافٌ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُوقَدُ بِالنَّجَاسَةِ لَا عَلَى خُبْزٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَلَا تَسْخِينِ مَاءٍ فَإِنْ فُعِلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِلْ مِنْ الرَّمَادِ وَالدُّخَانِ شَيْءٌ إلَى الْمَطْبُوخِ وَالْمَخْبُوزِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الرَّمَادِ فَهُوَ نَجِسٌ، أَوْ مِنْ الدُّخَانِ فَنَجِسٌ أَيْضًا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْبُيُوعِ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَخَّصَ فِي الْخُبْزِ بِالزِّبْلِ بِمِصْرَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَمُرَاعَاةً لِمَنْ يَرَى أَنَّ النَّارَ تُطَهِّرُ وَأَنَّ رَمَادَ النَّجَاسَةِ طَاهِرٌ وَلِلْقَوْلِ بِطَهَارَةِ زِبْلِ الْخَيْلِ وَلِلْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهِ، وَمِنْهَا وَمِنْ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ قَالَ فَيُخَفَّفُ الْأَمْرُ مَعَ هَذَا الْخِلَافِ وَإِلَّا فَيَتَعَذَّرُ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ مَعِيشَتِهِمْ غَالِبًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لِلنَّاسِ. (الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ أَنَّ الدُّخَانَ النَّجِسَ لَا يُنَجِّسُ مَا لَاقَاهُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ بَلْ إنَّمَا يُنَجِّسُ إذَا عَلِقَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُلُوقِ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهُ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الرَّائِحَةِ فَلَا. (الثَّالِثُ) ذُكِرَ فِي الطِّرَازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُرْتَكِ الْمَصْنُوعِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ لَا يُصَلَّى بِهِ وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُصَلَّى بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى الشَّيْخُ إنْ جُعِلَ مُرْتَكٌ صُنِعَ مِنْ عَظْمِ مَيْتَةٍ لِقُرْحَةٍ وَجَبَ غَسْلُهُ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ فَلَيْسَ بِنَجَاسَةٍ لِحَرْقِهِ بِالنَّارِ وَخَفَّفَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الصَّلَاةَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَرْهَمُ النَّجِسُ يُغْسَلُ عَلَى الْأَشْهَرِ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا أَرَى أَنْ يُوقَدَ بِهَا فِي الْحَمَّامَاتِ انْتَهَى. فَإِنْ جَعَلَ فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا عَرَقُ الْحَمَّامِ فَقَالَ عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ خَفَّفَ أَبُو عِمْرَانَ مَا يَقْطُرُ مِنْ عَرَقِ الْحَمَّامِ، وَإِنْ أُوقِدَ تَحْتَهُ بِالنَّجَاسَةِ وَرَأَى أَنَّ رُطُوبَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَصْعَدُ إلَى ذَلِكَ الْعَرَقِ لِلْحَائِلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مِنْ أَرْضِ الْحَمَّامِ وَخُرُوجَ أَدْخِنَتِهِ عَنْهُ خَارِجًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرَقُ مِنْ بُخَارِ الرُّطُوبَةِ وَالْمِيَاهِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَكَانَ الْبُخَارُ الْمُتَصَعِّدُ مِنْهَا وَعَرَقُهَا نَجِسٌ كَدُخَانٍ النَّجَاسَةِ وَبُخَارِهَا فَإِنَّهُ لَا شَكَّ بَعْضُ أَجْزَائِهَا وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَرَقُ الْحَمَّامَاتِ الَّتِي يُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِهَا مِيَاهُ الْحِيَاضِ النَّجِسَةِ وَلَا يُتَحَفَّظُ دَاخِلَهَا مِنْ الْبَوْلِ وَالنَّجَاسَاتِ انْتَهَى. وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَكَذَا الرَّجْرَاجِيُّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ الدُّخَانُ النَّجِسُ بِالْعَرَقِ لَتَنَجَّسَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق الشُّيُوخُ يَذْكُرُونَ فِي الْقَطْرَةِ مِنْ سَقْفِهِ قَوْلَيْنِ مَبْنَاهُمَا انْقِلَابُ الْأَعْيَانِ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ جَعْلِ عِيَاضٍ بُخَارَ الْمِيَاهِ الْمُتَنَجِّسَةِ نَجِسًا أَنَّ دُخَانَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَنَجِّسَةِ نَجِسٌ، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَرَقَ الْحَمَّامِ مِنْ الرُّطُوبَاتِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ فِي الْمُغْنِي إذَا اسْتَحَالَ الدُّخَانُ النَّجِسُ مَاءً فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَاءِ الْمُتَقَاطِرِ مِنْ حَائِطِ الْحَمَّامِ: إنَّهُ يُغْسَلُ وَيَحْتَاجُونَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَى جَوَابٍ عَمَّا إذَا اسْتَحَالَ الطَّاهِرُ مَاءً فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ مُطَهِّرٌ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْمَاءِ إنَّمَا هُوَ الدُّخَانُ فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا لَا مُطَهِّرًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْعَرَقَ إنَّمَا هُوَ مِنْ رُطُوبَاتِ الْمِيَاهِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فَهُوَ جُزْءُ مَاءٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغَيُّرٌ فَهُوَ مُطَهِّرٌ، وَكَذَلِكَ الْقِدْرُ إذَا أُوقِدَ تَحْتَهَا بِالنَّجَاسَةِ وَهِيَ مُغَطَّاةٌ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الدُّخَانِ وَعَرِقَ غِطَاؤُهَا فَهُوَ طَاهِرٌ وَفِي الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ الصَّحِيحُ طَهَارَةُ عَرَقِ الْحَمَّامِ وَمَا سَقَطَ مِنْ سَقْفِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ هُنَا لَوْ جُعِلَ فِي الْقِدْرِ مَاءٌ

فرع الفخار المطبوخ بالنجاسة

نَجِسٌ، أَوْ مُتَنَجِّسٌ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ وَغُطِّيَ بِإِنَاءٍ صَقِيلٍ فَاسْتَحَالَ الدُّخَانُ مَاءً وَزَالَ تَغَيُّرُهُ فَهَلْ هُوَ مُطَهِّرٌ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا لَكِنْ نَصُّوا عَلَى مَا تَقَاطَرَ مِنْ دُخَانِ الْحَمَّامِ إذَا وَقَدَ تَحْتَهُ بِالنَّجَاسَةِ فَحَكَى أَبُو عُمْرَانِ أَنَّهُ خَفِيفٌ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَاءِ نَفْسِهِ فَيَضْعُفُ الْخِلَافُ فِي بُخَارِهِ، وَصُورَتُنَا الْمَاءُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّ الْبُخَارَ إذَا كَانَ مِنْ نَجَاسَةٍ كَانَ مَا يَقْطُرُ مِنْهُ نَجِسًا فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ. [فَرْعٌ الْفَخَّارُ الْمَطْبُوخُ بِالنَّجَاسَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَالْفَخَّارُ الْمَطْبُوخُ بِالنَّجَاسَةِ نَجِسٌ وَلَوْ غُسِلَ وَقَبْلَ أَنْ يُغْلَى فِيهِ مَاءٌ كَقُدُورِ الْمَجُوسِ وَصُوِّبَ، وَالْمُصَوِّبُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي عِيَاضٌ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِقُدُورِ الْمَجُوسِ الَّتِي تُطْبَخُ فِيهَا الْمَيْتَةُ فَقَوْلُ الشَّامِلِ كَقُدُورِ الْمَجُوسِ تَشْبِيهٌ فِي طَهَارَتِهَا بِالْغَلْيِ لَا فِي الْخِلَافِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوقَدَ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ عَلَى طُوبٍ، أَوْ حِجَارَةٍ فَقَالَ: ظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ اسْتِعْمَالُ الطُّوبِ وَالْجِيرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَطَهَارَتُهُ إذَا لَمْ يَخُصَّهُ فِي شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ مَا طُبِخَ بِهِ فَخَّارٌ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ يَقُولُ إنْ طُبِخَتْ الْقِلَالُ وَالْجِرَارُ وَهِيَ يَابِسَةٌ فَهِيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ طُبِخَتْ رَطْبَةً فَهِيَ نَجِسَةٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ وَقَالَ بَعْدَهُ قَالَ: مِثْلُهُ الْآجُرُّ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خُبْثُهُ مُطْلَقًا انْتَهَى. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الشَّهْبَاءِ وَهِيَ رَمَادُ النَّجَاسَةِ يُخْلَطُ مَعَ الْجِيرِ وَالتُّرَابِ وَيُبْنَى فِيهِ بَيْتُ الْمَاءِ أَيْ مَخَازِنُهُ مِثْلُ الْبِئْرِ وَالْمَاجِلِ وَالْخَابِيَةِ وَطُهْرُهَا أَنَّهُ إذَا رَفَعَ مِنْ الْآبَارِ أَعْلَاهَا وَغَسَلَ ظَاهِرَ الْخَوَابِي وَنَحْوَهَا أَنَّهَا تَطْهُر وَذَلِكَ أَنَّهُ رَآهَا مُتَنَجِّسَةً يُخْلَطُ النَّجِسُ مَعَ غَيْرِهِ فَتَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، أَوْ النَّزَحِ وَأَنَّ الشَّهْبَاءَ رَمَادُ النَّجَاسَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ فَيُرَاعَى لِلضَّرُورَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَنَقَلَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي رَمَادِ نَجِسٍ يُجْعَلُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ يَمْنَعُ الْقَطْرَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَقْطُرُ نَجِسٌ ثُمَّ يَطْهُرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْمَاءِ وَأَنَّهُ صَارَ رَمَادًا وَفِيهِ خِلَافٌ فَيُغْتَفَرُ لِلضَّرُورَةِ وَالدَّوَامِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ حَيْثُ مَنَعَ أَنْ يُوقَدَ مِنْهَا عَلَى طَعَامٍ، أَوْ مَاءٍ وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْآجُرِّ وَالْحِجَارَةِ وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْلُصَ بِهَا الْفِضَّةُ وَالْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الشَّامِلِ فِي الْفَخَّارِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ وَغَيْرِهِ نَجَاسَةُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَوْلٍ وَعَذِرَةٍ مِنْ آدَمِيٍّ) ش: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ الظَّاهِرَ طَهَارَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ لِإِقْرَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَارِبَةَ بَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ) ش: قَالَ فِي الْمُغْنِي حِمَارُ الْوَحْشِ إذَا دَجَنَ لَمْ يُؤْكَلْ عِنْد مَالِكٍ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي حُكْمُ بَوْلِهِ انْتَهَى. فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ نَجِسًا وَيُخْتَلَفُ فِي حُكْمِ بَوْلِهِ بِتَوَحُّشِهِ وَتَأَنُّسِهِ. [فَرْعٌ بَوْلُ الْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ بَوْلُ الْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُ نَجِسَانِ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِنَجَاسَةِ غِذَائِهِ وَبَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطِّيَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلِدُ وَلَا يَبِيضُ فَهُوَ كَفَأْرَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْوَجِيزِ لِابْنِ غَلَّابٍ إلْحَاقُ الْوَطْوَاطِ بِالْفَأْرِ فِي اللَّحْمِ وَالْبَوْلِ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَالْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُمَا نَجِسٌ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَحَمَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْوُجُوبِ قَائِلًا؛ لِأَنَّ بَوْلَهَا نَجِسٌ وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ فِي الْفَأْرِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ قَالَ وَفِي مَجْهُولِ الْجَلَّابِ أَنَّ الْمَشْهُورَ التَّحْرِيمُ وَذَكَرَ عَنْ سَنَدٍ أَنَّ بَوْلَ الْفَأْرِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَكَذَا نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ بَوْلَ الْهِرِّ وَالْفَأْرِ وَالطَّعَامَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَلَحْمِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ تَحْرِيمهَا فَبَوْلُهَا نَجِسٌ، وَكَذَا الْوَطْوَاطُ وَالْهِرُّ وَمَا وَقَعَا فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ نَجِسٌ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا. ص (وَيَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ قَلَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الطَّعَامَ الْمَائِعَ يَتَنَجَّسُ بِالنَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ

فرع التخفيف فيما اختلف في نجاسته

كَثِيرًا كَالزِّيرِ وَالْجُبِّ وَسَوَاءٌ حَصَلَ فِيهِ تَغَيُّرٌ أَمْ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَنَّ الْمَاءَ لَهُ قُوَّةُ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الطَّعَامُ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَهُوَ فِي غَايَةِ الشُّذُوذِ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَجَاسَةِ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ بِالنَّجَسِ الْقَلِيلِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَوَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ نَجَاسَةِ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ الْمَائِعِ بِقَلِيلِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ تَقَعُ فِيهِ الْقَطْرَةُ مِنْ الْبَوْلِ أَوْ الْخَمْرِ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُنَجِّسُهُ وَالطَّعَامُ وَالْوَدَكُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا فَفَهِمَهَا الْبَاجِيّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ لِلْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَيْنِ وَأَوَّلَ ابْنُ رُشْدٍ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْوَدَكِ لَا تُؤَثِّر فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ قَالَ: وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا أَيْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا يَتَغَيَّرُ بَعْضُ أَوْصَافِهِ فَيَنْجُسُ بِالنَّجَاسَةِ وَيَنْضَافُ بِالطَّعَامِ قَائِلًا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ يَسِيرَ النَّجَاسَةِ لَا يُنَجِّسُ الطَّعَامَ إلَّا دَاوُد. وَمَنْ شَذَّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ الْأُصُولَ قَالَ وَقَدْ سُئِلَ عُلَمَاءُ الْبِيرَةِ عَنْ فَأْرَةٍ طُحِنَتْ مَعَ قَمْحٍ فِي رَحَا الْمَاءِ فَقَالَ يُغَرْبَلُ الدَّقِيقُ وَيُؤْكَلُ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَمْرٍ فَقَالَ عَلَيْهِمْ بِحِرْزِ الْعُجُولِ لَا يُؤْكَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا غَلَّطَ عُلَمَاءُ الْبِيرَةِ مَنْ حَمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْعَجَبُ مِنْ الْقَرَافِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ اقْتَصَرَ فِي ذَخِيرَتِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْعُتْبِيَّةِ هَذِهِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهَا، وَقَدْ اسْتَبْعَدَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَأْوِيلَ ابْنِ رُشْدٍ لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالظَّاهِرُ حَمْلُهَا عَلَى الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ التَّخْفِيف فِيمَا اخْتَلَفَ فِي نَجَاسَته] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الدَّوَابِّ تَدْرُسُ الزَّرْعَ فَتَبُولُ فِيهِ فَخَفَّفَهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا يُعْفَى عَنْ بَوْلِ فَرَسِ الْغَازِي بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنَّمَا خُفِّفَ ذَلِكَ مَعَ الضَّرُورَةِ مِنْ أَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهَا، وَأَمَّا مَا لَا اخْتِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا يُخَفَّفُ مَعَ الضَّرُورَةِ وَعَدَّهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ فِي الْمَعْفُوَّاتِ. [فَرْعٌ وَقَوْع الْقَمْلَةُ فِي الدَّقِيقِ أَوْ غَيْر ذَلِكَ] (فَرْعٌ) ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَالِمٍ الْكِنْدِيِّ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا وَقَعَتْ الْقَمْلَةُ فِي الدَّقِيقِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْغِرْبَالِ لَمْ يُؤْكَلْ الْخُبْزُ، وَإِنْ مَاتَتْ فِي شَيْءٍ جَامِدٍ طُرِحَتْ كَالْفَأْرَةِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ فِي الْبُرْغُوثِ أَيْضًا وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا أَيْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هَلْ يَنْجُسَانِ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا الْفَرْقُ إذَا كَثُرَ الْعَجِينُ؛ لِأَنَّ الْقَمْلَةَ لَا تَنْمَاعُ فِي جُمْلَةِ الْعَجِينِ فَتُنَجِّسَهُ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِمَوْضِعِهَا مِنْهُ فَإِنَّمَا تُحَرِّمُ الْقَمْلَةُ اللُّقْمَةَ الَّتِي هِيَ فِيهَا فَلَمَّا لَمْ تُعْرَفْ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَحْرُمَ الْيَسِيرُ مِنْهُ إذَا كَثُرَ كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ أُخْتًا بِبَلْدَةٍ مِنْ الْبِلَادِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا لَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ نِسَاءِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِخِلَافِ اخْتِلَاطِهَا بِالْعَدَدِ الْيَسِيرِ فَإِذَا خَفَّفْنَا تَنَاوُلَ شَيْءٍ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْقَمْلَةُ فِيمَا بَقِيَ خَفَّفْنَا تَنَاوُلَ الْبَقِيَّةِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْقَمْلَةِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَرَوْثِ الْفَأْرَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ وَمَا لَا يَعْسُرُ كَبَوْلِ ابْنِ آدَمَ فَيُنَجِّسُ لِمَا بَعْدُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَكْلِ طَعَامٍ طُبِخَ فِيهِ رَوْثُ الْفَأْرَةِ وَفِي السُّؤَالِ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ وَرَوْثُهَا غَالِبٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فَفَتْوَاهُ إمَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَسْأَلَةِ سَحْنُونٍ فِي الزَّرْعِ، أَوْ لِلْخِلَافِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي بَوْلِهَا وَفِي الطَّعَامِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ. [فَرْعٌ وُقُوع النَّجَاسَةُ الْقَلِيلَةُ فِي الطَّعَامِ] . (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْقَلِيلَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الطَّعَامِ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ كَالدَّمِ الْقَلِيلِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ هَلْ يُعْفَى عَنْهَا فِي الطَّعَامِ، أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْعَفْوِ كَمَا سَيَأْتِي وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَدُونَ دِرْهَمٍ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ اُخْتُلِفَ فِي الدَّمِ الْيَسِيرِ هَلْ يُغْتَفَرُ مُطْلَقًا عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ حَتَّى يَصِيرَ كَالْمَائِعِ الطَّاهِرِ وَاغْتِفَارٌ مَقْصُورٌ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَقْطَعُ لِأَجَلِهِ إذَا ذَكَرَهُ وَلَا يُعِيدُ، وَأَمَّا قَبْلُ فَيُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ قَالَ: الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ

فرع سقوط الفأرة في السمن أو الزيت

مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَعَزَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَهُوَ ظَاهِرُ خِلَافِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الصَّلَاةِ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُلَاقِيَ النَّجَاسَةُ مَائِعًا كَاللَّبَنِ، أَوْ جَامِدًا ثُمَّ يَصِيرُ مَائِعًا كَالدَّقِيقِ يُعْجَنُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ نَجَسٌ بِأَشْيَاءَ طَاهِرَةٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ مَائِعَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ النَّجَسُ أَنَّهُ لَا يُطْرَحُ الْجَمِيعُ لِأَجَلِ الشَّكِّ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ تُفَّاحَةٌ نَجِسَةٌ، أَوْ رُطَبَةٌ، أَوْ نَحْوُهَا بِكَوْمِ تُفَّاحٍ، أَوْ رُطَبٍ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: " وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّ نَجَاسَةً أَصَابَتْ ثَوْبَهُ لَا يَدْرِي مَوْضِعَهَا غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ تِلْكَ النَّاحِيَةَ غَسَلَهَا " قَالُوا: يَقُومُ مِنْهَا إذَا وَقَعَتْ قِطْعَةٌ مِنْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ فِي كُدْسِ لَحْمٍ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ تِلْكَ النَّاحِيَةَ تَرَكَهَا وَأَكَلَ مَا بَقِيَ، وَإِلَّا طَرَحَ كُلَّهُ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَا كَانَ كَثِيرًا جِدًّا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَا لَاقَاهُ نَجَسٌ لَا يَتَحَلَّلُ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) لَا خُصُوصِيَّةَ لِلطَّعَامِ بِمَا ذَكَرَ كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ بَلْ هُوَ حُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ حَتَّى الْمَاءِ الْمُضَافِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَثِيرُ طَعَامٍ إنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ سُقُوط الْفَأْرَة فِي السَّمْن أَوْ الزَّيْت] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ حَارِثٍ: وَإِنْ عُلِمَ، أَوْ ظُنَّ أَنَّ السَّمْنَ، أَوْ الزَّيْتَ إنَّمَا جَمَدَ بَعْدَ سُقُوطِ الْفَأْرَةِ فِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذَّائِبِ يَبْقَى جَمِيعُهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " وَيَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ قَلَّ " مَا مَاتَ فِيهِ حَيَوَانٌ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا أَوْ صُبَّ عَلَى حَيَوَانٍ مَيِّتٍ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ سَنَدٌ إذَا قُلْنَا: يُطْرَحُ الْمَائِعُ جَمِيعُهُ فَهَلْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تَمُوتَ فِيهِ، أَوْ تَسْقُطَ فِيهِ مَيْتَةٌ؟ فَفِي النَّوَادِرِ لِسَحْنُونٍ فِي زَيْتٍ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً يَابِسَةً أَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ، وَيُبْسُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ صَبُّوا عَلَيْهَا الزَّيْتَ وَهِيَ يَابِسَةٌ وَلَمْ تَمُتْ فِيهِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ النَّجَاسَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ يُبْسُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ صَبُّوا عَلَيْهَا الزَّيْتَ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الزَّيْتَ يُرَطِّبُهَا، أَوْ كَانَتْ مَاتَتْ فِيهِ بَلْ الزَّيْتُ يَدْبَغُ وَيَمُصُّ الرُّطُوبَاتِ وَلَكِنْ لَمَّا صُبَّ وُجِدَتْ الْفَأْرَةُ جَافَّةً فِي زَمَنٍ وَلَمْ يَطُلْ مُقَامُهَا فِي الزَّيْتِ حَتَّى تُمَصَّ فَدَلَّ جَفَافُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى صَبِّ الزَّيْتِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ النَّيْسَابُورِيُّ عَمَّنْ بَاعَ زَيْتًا فَاكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَقْفِزَةٍ فَجَاءَ الْمُشْتَرِي يُفَرِّغُهُ فِي وِعَائِهِ وَالْبَائِعُ فَوَجَدَ فَأْرًا مَيِّتًا، فَأَجَابَ إنْ كَانَ يَعْرِفُ الزَّيَّاتُونَ مَا صُبَّ عَلَيْهِ الزَّيْتُ مِمَّا وَقَعَ فِي الزَّيْتِ وَكَانُوا يُمَيِّزُونَ ذَلِكَ وَلَا يَخْتَلِطُ بِمَا صُبَّ عَلَيْهِ يُبَاعُ وَيُبَيَّنُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ، وَمَا وَقَعَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ غُسِلَ لَكِنَّ مَنْ أَرَادَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ، أَوْ مَلَكَهُ أَنْ يَسْتَصْبِحَ بِهِ فَلْيَفْعَلْ وَيَتَحَفَّظْ مِنْهُ لِئَلَّا يُصِيبَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُنَجِّسَهُ، وَلَا يُوقِدُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ يُبَاعُ وَيُبَيَّنُ، وَيَقْرُبُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِمَّا إذَا وُجِدَ الْفَأْرُ يَابِسًا أَنَّ مَالِكًا وَسَحْنُونًا خَفَّفَاهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَفِي قَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي كَثِيرِ الطَّعَامِ الْمَائِعِ قَوْلَانِ " مَا نَصُّهُ: الْمَشْهُورُ نَجِسٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا مَاتَتْ فِيهِ دَابَّةٌ مِنْ عَسَلٍ ذَائِبٍ لِإِطْلَاقِهِ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُبَاعُ دُونَ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ قَلِيلًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ فَرَّغَ عَشْرَ جِرَارِ سَمْنٍ فِي سِتِّينَ زِقًّا ثُمَّ وَجَدَ فِي جَرَّةٍ مِنْهَا فَأْرَةً يَابِسَةً لَا يَدْرِي فِي أَيْ الزِّقَاقِ فَرَّغَهَا أَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَكْلُ جَمِيعِهَا وَبَيْعُهُ. وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ سَمْنٌ مَائِعٌ وَزَيْتٌ وَخَلٌّ وَنَحْوُهُ يَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَجَاسَةِ السَّمْنِ الذَّائِبِ وَشِبْهِهِ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا إذَا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ، أَوْ وَقَعَتْ مَيِّتَةً قَالَ وَشَذَّ قَوْمٌ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فَجَعَلُوا الْمَائِعَ كُلَّهُ كَالْمَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ

مَالِكًا قَالَ إذَا أُخْرِجَتْ الْفَارَّةُ مِنْ الزَّيْتِ حِينَ مَاتَتْ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُج مِنْهَا شَيْءٌ فِيهِ لَكِنِّي أَخَافُ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي زَيْتٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ يَابِسَةٌ ذَلِكَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّ يُبْسَهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ فِيهِ وَإِنَّمَا صُبَّ عَلَيْهَا وَهِيَ يَابِسَةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا حُكِيَ عَلَى طُولِ مُقَامِهَا فِي الْحَالَيْنِ وَلَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِ سَحْنُونٍ عَلَى هَذَا لِدَلَالَةِ يُبْسِهَا عَلَى مَوْتِهَا قَبْلَ صَبِّهِ لِامْتِنَاعِ يُبْسِهَا مَعَ مَوْتِهَا فِيهِ وَعَلَى أَنَّهَا أُخْرِجَتْ بِقُرْبِ صَبِّهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ كَوْنُهَا يَابِسَةً، أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُلَمَاءِ مَنْ لَيْسَ بِمُقَلَّدٍ فَلَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ الَّذِي يَأْتِي انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ يَعْنِي مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ يَعْنِي مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْمُنْتَقَى: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ فِيهِ وَكَانَ ذَائِبًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا فِيهِ يُنَجِّسُهُ وَذَكَرَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْإِمَامِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا أُخْرِجَتْ حِينَ مَاتَتْ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا فِيهِ شَيْءٌ، وَلَكِنِّي أَخَافُ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيَرَى أَنَّ لِمَوْتِ الْحَيَوَانِ فِي الزَّيْتِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ مَزِيَّةً فِي تَنْجِيسِهِ. وَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ لِمَا خَافَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ فِي الزَّيْتِ وَالْقَوْلَانِ فِيهِمَا نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةٍ وَلَا نَجَاسَةٍ وَلَا يُوصَفُ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَشَدَّ نَجَاسَةً مِنْ الْمَيْتَةِ، وَقَدْ تَنَجَّسَ الزَّيْتُ بِمُجَاوَرَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ اللَّخْمِيُّ هَلْ يَطْهُرُ الزَّيْتُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَأَجَابَ هَذَا رَاجِعٌ إلَى صِفَةِ النَّجَاسَاتِ فَإِنْ كَانَتْ دُهْنِيَّةً فَلَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلُو عَلَى الْمَاءِ وَيَنْضَافُ لِلزَّيْتِ وَلَا يُذْهِبُهُ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ بِهِ عَكْرِيَّةً يَقَعُ فِيهَا التَّطْهِيرُ بِالْمَاءِ لِاسْتِهْلَاكِهِ إيَّاهَا كَمَا أَنَّ الدَّمَ يُنْهِكُهُ الْمَاءُ وَلَا يَعْلُو عَلَى الزَّيْتِ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَا يَخْرُجُ عِنْد الْمَوْتِ وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ حَتَّى انْتَفَخَ فَلَا يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ؛ لِأَنَّ دُهْنِيَّتَهُ تَخْرُجُ حِينَئِذٍ وَبِهَذَا أَخَذَ، فَإِنْ كَانَ زَمَنَ مَسْغَبَةٍ جَازَ أَكْلُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَلَا بَيْعٍ وَأَجَابَ الصَّائِغُ بِأَنَّ غَسْلَ الزَّيْتِ لَا أَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَسْلِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَلَا تَزُولُ مِنْ الزَّيْتِ لِمُخَالَطَتِهَا لَهُ وَلِمُحَاوَرَتِهَا إيَّاهُ وَعَدَمِ ذَهَابِهَا وَأَجَابَ الْمَازِرِيُّ إنْ تَغَيَّرَ لَوْنُ الزَّيْتِ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ رِيحُهُ فَلَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ وَيُرَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَجَازَ اسْتِعْمَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ مَعَ الْغَسْلِ وَبَعْضُهُمْ اجْتَنَبَهُ أَصْلًا وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُبَيَّنَ لِعَيْبِهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْمَشْهُورُ اجْتِنَابُهُ أَصْلًا، وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ الْمُحَقِّقِينَ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ، وَتَطْهِيرُهُ عِنْدَهُمْ أَحْسَنُ وَالِاحْتِيَاطُ أَفْضَلُ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكُ» انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ إنْ مَاتَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ، أَوْ صُبَّ عَلَيْهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَقْوَالٌ: قِيلَ: إنَّهُ لَا يَنْجُسُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلٍ كَمَا حَكَاهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ شِبْهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ وَابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْجِبَابِ تَكُونُ فِي الشَّامِ لِلزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَيْسَ الزَّيْتُ كَالْمَاءِ وَبِذَلِكَ سَمِعْتُ انْتَهَى. وَجَعَلُوهُ هُوَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقِيلَ: إنَّهُ إذَا صُبَّ عَلَى الْمَيْتَةِ لَا يَنْجُسُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَحْنُونٍ لَكِنْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الطِّرَازِ وَابْنِ الْإِمَامِ أَنَّهُمَا تَأَوَّلَاهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطُلْ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ فَرْحُونٍ وَصَاحِبَ الْجَمْعِ حَكَيَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الزَّيْتِ مَيِّتَةً وَأُخْرِجَتْ مَكَانَهَا لَمْ تُنَجِّسْ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ نَجِسٌ وَلَكِنَّهُ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَقِيلَ: إنْ وَقَعَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً قَبِلَ التَّطْهِيرَ، وَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ يَقْبَلْ التَّطْهِيرَ

فرع وجود فأرة ميتة في زير من أزيار زيت

وَقِيلَ: إنْ كَانَ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا طُرِحَ، وَالْمَشْهُورُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَمُقْتَضَى فَتْوَى الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ إنْ صُبَّ عَلَى الْمَيْتَةِ فَيُبَاعُ وَيُبَيَّنُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ الشَّجَرَةِ تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ، وَإِنْ بُيِّنَ، قَالَ هُوَ الْمَنْصُوصُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ حَاشَا ابْنَ وَهْبٍ. وَالثَّانِي جَوَازُ بَيْعِهِ إنْ بُيِّنَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وُجُود فَأْرَة ميتة فِي زير مِنْ أزيار زَيْت] (فَرْعٌ) إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي أَزْيَارِ زَيْتٍ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْأُولَى فَأْرَةً مَيِّتَةً فَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ أَنَّ الثَّلَاثَ الْقِلَالَ الْأُولَى نَجِسَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَفِي الرَّابِعِ وَمَا بَعْدَهُ قَوْلَانِ فَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ مِائَةً وَذَكَرَ ابْنُ مُحْرِزٍ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ طَاهِرَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ مَا إذَا زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَعَلَى ذَلِكَ أَجْرَيْتُ مَسْأَلَةً عِنْدَنَا وَهِيَ أَنَّ الْكَيَّالَ اكْتَالَ جَرَّةً وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا ثُمَّ كَالَ بَعْدَهَا أَجْرَارًا وَظُرُوفًا أُخْرَى ثُمَّ فُرِّغَتْ الْأُولَى فَوَجَدَ فِيهَا فَأْرَةً مَيِّتَةً فَوَقَعَتْ الْفَتْوَى أَنَّ مَا قَرَبَ مِنْ الْأُولَى نَجِسٌ لِبَقَاءِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ فِي الْمِكْيَالِ، وَمَا بَعُدَ عَنْ الْأُولَى يُبَاعُ بَعْدَ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمِكْيَالِ إلَّا حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا عَنْ ابْنِ الْحَارِثِ الطَّهَارَةُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ ". ص (كَجَامِدٍ إنْ طَالَ وَأَمْكَنَ السَّرَيَانُ وَإِلَّا فَبِحَسْبِهِ) ش: يَعْنِي أَنْ الطَّعَامَ الْجَامِدَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَأَمْكَنَ سَرَيَانُهَا فِيهِ جَمِيعِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ نَجِسًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَرَيَانُهَا فِي جَمِيعِهِ فَيَنْجُسُ مِنْهُ بِحَسَبِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ طَالَ وَأَمْكَنَ السَّرَيَانُ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: الْجَامِدُ الَّذِي إذَا أُخِذَ جُزْءٌ لَمْ يَتَرَادَّ مِنْ الْبَاقِي مَا يَمْلَأُ مَوْضِعَهُ عَنْ قُرْبٍ، وَإِنْ تَرَادَّ فَهُوَ مَائِعٌ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ صَابُونٍ لَا سَائِلٍ وَلَا جَامِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ هَلْ يُغْسَلُ بِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى الْجُمُودِ طُرِحَتْ وَمَا حَوْلَهَا وَإِلَى الِانْحِلَالِ غُسِلَ بِهِ ثُمَّ يُطَهَّرُ الثَّوْبُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ مَيْتَةٌ، أَوْ تَمُوتَ فِيهِ دَابَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا وَقَعَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً فَإِنَّهَا تُطْرَحُ وَحْدَهَا. [فَرْعٌ هَرْيِ زَيْتُونٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: أَفْتَى شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَرْيِ زَيْتُونٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ فَإِنَّهُ نَجِسٌ كُلُّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ قَالَ وَكَانَ يَتَقَدَّمُ لَنَا أَنَّ الصَّوَابَ فِي كُلِّ مَا وُجِدَ فَوْقَ الْفَأْرِ مِنْ الْهَرْيِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَمَا تَحْتَهُ أَنَّهُ يُلْقَى وَمَا حَوْلَهُ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي رَأْسِ مُطْمَرٍ خِنْزِيرٌ وَنَحْوُهُ أُلْقِيَ وَمَا حَوْلَهُ وَأُكِلَ مَا بَقِيَ وَلَوْ تَشَرَّبَتْ الْمَطْمُورَةُ وَأَقَامَتْ مُدَّةً كَثِيرَةً مِمَّا يُظَنُّ أَنَّهَا تُسْقَى مِنْ صَدِيدِهَا لَمْ تُؤْكَلْ، وَذَكَرَ عَنْ أَحْكَامِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ يُطْرَحُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَالَ وَهُوَ إغْرَاقٌ وَمُخَالِفٌ لِفَتْوَى ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَفَتْوَى ابْنِ عَرَفَةَ أَغْرُبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الزَّيْتُونَ لَيْسَ بِجَافٍّ كُلَّ الْجَفَافِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِي زِيرِ تَمْرٍ وَجَدَ فِيهِ وَزَغَةٌ مَيِّتَةً أَنَّهَا تُلْقَى وَمَا حَوْلَهَا وَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَوْتَهَا فِي مَوْضِعِهَا حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَإِنْ غُسِلَ كَانَ أَحْسَنَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ أَتَاهُمْ مِنْ الْفَأْرِ فِي وَقْتِ الدِّرَاسِ مَا لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَإِذَا دَرَسُوا فَلْيَتَّقُوا مَا رَأَوْا فِيهِ جَسَدَ الْفَأْرَةِ وَمَا رَأَوْا فِيهِ دِمَاءً عَزَلُوهُ وَحَرَثُوهُ وَأَكَلُوا مَا سِوَى ذَلِكَ وَلَهُمْ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَوْا فِيهِ دَمًا بِالْبَرَاءَةِ أَنَّهُ دُرِسَ فِيهِ فَأْرَةٌ وَيُخْرِجُونَ زَكَاتَهُ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُونَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهُ تَطَوُّعًا وَمَا كَانَ فِيهِ الدَّمُ ظَاهِرًا لَا يُبَاعُ وَلَكِنْ يُحْرَثُ. [فَرْعٌ وُقُوع نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ فِي غَسْلِ جَامِدٍ وَنَحْوِهِ] (فَرْعٌ) لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّجَاسَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْجَامِدِ مَائِعَةً، أَوْ غَيْرَ مَائِعَةٍ فِي أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى إمْكَانِ السَّرَيَانِ

فرع وقعت دابة في طعام وأخرجت حية

قَالَ فَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ فِي غَسْلِ جَامِدٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ أُدْرِكَتْ فِي حَالِ وُقُوعِهَا فَنُزِعَتْ وَمَا حَوْلَهَا لَمْ يَكُنْ بِبَاقِيهِ بَأْسٌ كَالْقَطْرَةِ مِنْ الدَّمِ تَقَعُ فِي اللَّبَنِ الْجَامِدِ فَتُرْفَعُ بِمَا حَوْلَهَا وَيُتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَثَرٌ، وَإِنْ طَالَ حَبِينُهَا حَتَّى سَرَتْ النَّجَاسَةُ فِيهِ كُلِّهِ طُرِحَ وَلَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّجَاسَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَائِعِ مَائِعَةً، أَوْ يَابِسَةً فَفِي الْبُرْزُلِيِّ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ إذَا وَقَعَتْ رِيشَةُ غَيْرِ الْمُذَكَّى فِي طَعَامٍ مَائِعٍ طُرِحَ. [فَرْعٌ وَقَعَتْ دَابَّة فِي طَعَام وَأُخْرِجَتْ حَيَّةً] (فَرْعٌ) إذَا وَقَعَتْ الدَّابَّةُ وَأُخْرِجَتْ حَيَّةً لَمْ تُفْسِدْ الطَّعَامَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ عَلَى جَسَدِهَا نَجَاسَةً فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ مُخَالَطَتَهَا لِلنَّجَاسَةِ قَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الْبَيَانِ، وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ نُمَيْرٍ فِي قَصْرِيَّةِ شَرَابِ فُقَاعٍ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَأُخْرِجَتْ حَيَّةً إنَّهُ يُرَاقُ هُوَ بَعِيدٌ وَشُذُوذٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: إنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةَ يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ ظَاهِرِهِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ طُرِحَ مِنْ الْجَامِدِ بِحَسَبِ مَا سَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ] (فَرْعٌ) إذَا طُرِحَ مِنْ الْجَامِدِ بِحَسَبِ مَا سَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَإِنَّ الْبَاقِيَ طَاهِرٌ يُؤْكَلُ وَيُبَاعُ لَكِنْ قَالَ الْجُزُولِيُّ: يُبَيَّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تُقَذِّرُهُ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِمْ طُرِحَتْ وَمَا حَوْلَهَا أَيْ وَمَا قَارَبَهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا الْتَفَّ عَلَيْهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ وَحْدَهَا لَا تُطْرَحُ إلَّا بِمَا يَلْتَفُّ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الطِّرَازِ. ص (وَلَا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ وَلَحْمٌ طُبِخَ وَزَيْتُونٌ مُلِّحَ وَبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجَسٍ وَفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الطَّعَامَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَأَخَذَ يُبَيِّنُ مَا لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَصَابَتْهَا النَّجَاسَةُ وَقَوْلُهُ بِنَجَسٍ مُتَعَلِّقٌ بِصُلِقَ وَيُقَدَّرُ ضَمِيرٌ فِيمَا قَبْلَهُ، وَتَنَازُعُ أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ عَوَامِلَ نَفَاهُ أَبُو حَيَّانَ وَابْنُ هِشَامٍ وَذَكَرَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ إثْبَاتَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَالْمُصَنَّفُ يَسْتَعْمِلُهُ وَقَوْلُهُ زَيْتٌ لَا يُرِيدُ خُصُوصِيَّةَ الزَّيْتِ بَلْ. وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعُلِمَ أَنَّ غَيْرَ الْأَدْهَانِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَاللَّبَنِ

وَالْمَرَقِ أَوْلَى بِعَدَمِ قَبُولِ التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَدْهَانِ هَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَدْهَانَ يُخَالِطُهَا الْمَاءُ ثُمَّ يَنْفَصِلُ عَنْهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُمَازِجُهَا جَمِيعَهَا وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَطْهِيرِ الزَّيْتِ الْمَخْلُوطِ بِالنَّجَسِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: أَمَّا زَيْتٌ خُلِطَ بِنَجَسٍ فَفِي تَطْهِيرِهِ بِطَبْخِهِ بِمَاءٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. ثَالِثُهَا إنْ كَثُرَ. وَرَابِعُهَا إنْ تَنَجَّسَ بِمَا مَاتَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَا بِمَوْتِهَا فِي الزَّيْتِ، فَالْأَوَّلُ لِسَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَفُتْيَا ابْنِ اللَّبَّادِ، وَالثَّانِي لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّالِثُ لِأَصْبَغَ، وَالرَّابِعُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّ النَّجَاسَةَ إنْ كَانَتْ دُهْنِيَّةً فَلَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ لَكِنْ إنْ كَانَ زَمَنَ مَسْغَبَةٍ جَازَ أَكْلُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْغَبَةٌ اُنْتُفِعَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ قَوْلًا رَابِعًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ، فَإِنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ دُهْنِيَّةً فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ لِمُمَازَجَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ يَأْكُلُهُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَلَعَلَّهُ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ الطَّعَامَ لَا يَنْجُسُ بِمَا خَالَطَهُ إلَّا إذَا غَيَّرَهُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْبُرْزُلِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الزَّيْتَ لَا يَطْهُرُ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الصَّائِغُ وَالْمَازِرِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ أَنَّهُ يُطْبَخُ بِالْمَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَيْفِيَّتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَنْ يُؤْخَذَ إنَاءٌ فَيُوضَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّيْتِ وَيُوضَعَ عَلَيْهِ مَاءٌ أَكْثَرُ مِنْهُ وَيَنْقُبَ الْإِنَاءَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَيَسُدَّهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ يَمْخُضَ الْإِنَاءَ ثُمَّ يَفْتَحَ الْإِنَاءَ فَيَنْزِلَ الْمَاءُ وَيَبْقَى الزَّيْتُ، يَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَاءُ صَافِيًا انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ الصِّفَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَحْمٌ طُبِخَ بِنَجَسٍ " شَامِلٌ لِمَا نَجُسَ، أَوْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فِي حَالِ طَبْخِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ اللَّحْمِ مِنْ الْمَطْبُوخَاتِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَطْهِيرِ اللَّحْمِ يُطْبَخُ بِمَاءٍ نَجِسٍ، أَوْ تَقَعُ فِيهِ نَجَاسَةٌ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إنْ وَقَعَتْ بَعْدَ طِيبِهِ، الْأَوَّلُ لِسَمَاعِ مُوسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي لِسَمَاعِ أَشْهَبَ، وَالثَّالِثُ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ وَتَبِعَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وَهُوَ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ وَالصَّقَلِّيَّ نَقَلَاهُ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة انْتَهَى. (قُلْتُ) كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ يَأْبَى ذَلِكَ اعْتِمَادُهُ فِي التَّوْضِيحِ تَشْهِيرُ ابْنِ بَشِيرٍ عَدَمُ الطَّهُورِيَّةِ فِي هَذَا الْأَصْلِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي اللَّحْمِ إذَا طُبِخَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَسْأَلَةِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ طِيبِهِ بَلْ كَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُ الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّهُ خِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ وَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْحِسِّ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: اللَّحْمُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ بَعْدَ طَبْخِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَامِدِ مِنْ السَّمْنِ فَيُؤْكَلُ بَعْدَ أَنْ يُغْسَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْمَرَقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: " وَزَيْتُونٌ مُلِّحَ بِنَجِسٍ " بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ جُعِلَ فِيهِ مِلْحٌ نَجِسٌ إمَّا وَحْدَهُ وَإِمَّا مِلْحٌ مَعَ مَاءٍ نَجِسٍ وَمِثْلُهُ فِي الْجُبْنِ وَاللَّيْمُونِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الزَّيْتِ النَّجِسِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ التَّطْهِيرِ، وَمِنْهُ الزَّيْتُونُ يُمَلَّحُ بِمَاءٍ نَجِسٍ هَلْ يَطْهُرُ بِعَرْضِهِ عَلَى مَاءٍ طَاهِرٍ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا زَيْتُونٌ مُلِّحَ بِمَاءٍ نَجِسٍ فَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي اللَّحْمِ وَرَأَى إسْمَاعِيلُ طَرْحَهُ لِسُقُوطِ فَأْرَةٍ فِيهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ تَنَجَّسَ زَيْتُونٌ قَبْلَ طِيبِهِ طُرِحَ وَبَعْدَهُ غُسِلَ وَأُكِلَ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْفُرَاتِ عَنْ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي صِفَةِ تَطْهِيرِ الْمِلْحِ وَالْمَطْبُوخِ إذَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ بَعْد نُضْجِهِ وَطَبْخِهِ أَنَّهُ يُغْسَلُ أَوَّلًا بِمَاءٍ حَارٍّ ثُمَّ ثَانِيَةً بِمَاءٍ بَارِدٍ ثُمَّ ثَالِثَةً بِحَارٍّ ثُمَّ رَابِعَةً بِبَارِدٍ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الصِّفَةَ لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: " وَبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجِسٍ " يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا وَقَعَ فِي سَمَاع يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا فِي الْبَيْضِ يُسْلَقُ فَيُوجَدُ فِي إحْدَاهُنَّ فَرْخٌ إنْ

فروع مناسبة

أَكَلَهُنَّ كُلَّهُنَّ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَسْقِي بَعْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ صَحِيحٌ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَلَيْسَتْ فِيهِ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالنَّجِسِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ قِشْرِ الْبَيْضِ هَلْ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُلَاحِظُ هَذَا الْمَعْنَى. الْخِلَافُ فِي الْبَيْضِ الطَّاهِرِ يُسْلَقُ مَعَ النَّجِسِ هَلْ يَنْجُسُ ذَلِكَ الطَّاهِرُ أَمْ لَا؟ وَهُوَ خِلَافٌ يَرْجِعُ إلَى الْحِسِّ، وَوَجْهٌ آخِرُ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ النَّجِسِ شَيْءٌ يَدْخُلُ فِي مَسَامِّ الطَّاهِرِ فَيُنَجِّسَهُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِلَّخْمِيِّ وَنَصَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ لَا تُؤْكَلُ بَيْضَةٌ طُبِخَتْ مَعَ أُخْرَى فِيهَا فَرْخٌ لِسَقْيِهَا إيَّاهَا اللَّخْمِيّ إثْرَ ذِكْرِهِ رِوَايَتَيْ تَطْهِيرِ لَحْمٍ طُبِخَ بِمَاءٍ نَجِسٍ، وَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ تُؤْكَلُ السَّلِيمَةُ وَصَوَّبَهُ؛ لِأَنَّ صَحِيحَ الْبَيْضِ لَا يَنْفُذُهُ مَائِعٌ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي جَمْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا هَلْ يَنْجُسُ أَمْ لَا؟ وَالْخِلَافُ فِيمَا قَبْلَهَا هَلْ يَطْهُرُ أَمْ لَا؟ . (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَنْجُسُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي السَّمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَصْلُحُ أَكْلُهُنَّ وَلَوْ كَانَ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ لَقَالَ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا: إنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ مُوسَى: " إنَّ اللَّحْمَ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ "، فَتَأَمَّلْهُ. وَصَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى السُّوقِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ. (تَنْبِيهٌ) لَوْ أُلْقِيَتْ بَيْضَةٌ فِي مَاءٍ نَجِسٍ بَارِدٍ، أَوْ دَمٍ، أَوْ بَوْلٍ فَإِنَّهَا تُغْسَلُ وَتُؤْكَلُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَقَوْلُهُ: " وَفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ " صِفَةٌ لِمَحْذُوفِ أَيْ يُنَجِّسُ غَوَّاصٌ وَالْغَوَّاصُ الْكَثِيرُ النُّفُوذِ وَالدُّخُولِ فِي أَجْزَاءِ الْإِنَاءِ كَالْخَمْرِ وَالْخَلِّ النَّجِسِ وَالْبَوْلِ وَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ وَفُهِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْغَوَّاصِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ النَّجِسُ غَوَّاصًا لَمَا أَثَّرَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْن هَارُونَ وَعِنْدِي أَنَّ الْفَخَّارَ إذَا كَانَ مَطْلِيًّا طَهُرَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي غَسْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْلِيًّا لَمْ يَطْهُرْ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ وَقَبِلَهُ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَاحْتَرَزَ بِالْفَخَّارِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَدْهُونَةِ كَالصِّينِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَاَلَّتِي لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ كَالنُّحَاسِ وَالزُّجَاجِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ النَّجَسُ أَقَامَ فِي الْإِنَاءِ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ النَّجَاسَةَ سَرَتْ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ فِي جِرَارِ الْخَمْرِ هَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا أَمْ لَا؟ وَأَمَّا إذَا أَصَابَتْ نَجَاسَةٌ إنَاءَ فَخَّارٍ وَأُزِيلَتْ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَغُسِلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَطْهُرُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَأَمَّا فَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ فَحَكَى الْبَاجِيُّ فِي تَطْهِيرِ آنِيَةِ الْخَمْرِ يُطْبَخُ مَا فِيهَا رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَمْلُوءً مَاءٌ وَأَصَابَتْ النَّجَاسَةُ ظَاهِرَهُ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَيَكْفِي غَسْلُ ظَاهِرِهِ، يُؤْخَذُ مِمَّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي قُلَّةٍ مَمْلُوءَةٍ أُقْعِدَتْ عَلَى عَذِرَةٍ رَطْبَةٍ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُرَسَّبَ إلَى أَسْفَلُ انْتَهَى. [فُرُوع مُنَاسِبَةً] (وَلْنَذْكُرْ هُنَا فُرُوعًا مُنَاسِبَةً الْأَوَّلُ:) يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَائِعَ الَّذِي لَيْسَ بِدُهُنٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ بِلَا خِلَافٍ وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْقَوْلَ بِتَطْهِيرِ اللَّحْمِ يُطْبَخُ بِنَجِسٍ قَالَ: وَيُرَاقُ الْمَرَقُ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ عَنْ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ. (الثَّانِي:) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ رَأَيْتُ لِابْنِ أَبِي دُلَفَ الْقَرَوِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ فِيمَا إذَا شَوَّطَ الرَّأْسَ بِدَمِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لِمُتَأَخِّرِي الْقَرَوِيِّينَ: فَعَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا خَرَجَ اسْتَحَالَ رُجُوعُهُ عَادَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُهَا. وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا دَخَلَتْ تَخْرُجُ بِخِلَافِ الدَّمِ لَا يُدْرَى هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا؟ وَالْأَصْلُ النَّجَاسَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَحْكِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْتُ) وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ

فِي آخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَنَصُّهُ: وَلَوْ شَوَّطَ الرَّأْسَ وَلَمْ يَغْسِلْ الْمَذْبَحَ ثُمَّ غَسَلَ بَعْدَ التَّشْوِيطِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَغْسِلْ بَعْدَ التَّشْوِيطِ، وَقَدْ تَنَاهَى فِيهِ النَّارُ بِالتَّشْوِيطِ حَتَّى إذَا ذَهَبَ الدَّمُ الَّذِي كَانَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْبَحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَهَابِ جَمِيعِهِ بِالتَّشْوِيطِ فَلْيَجْتَنِبْ أَكْلَ مَا فِي الْمَذْبَحِ مِنْ اللَّحْمِ وَيُؤْكَلُ بَاقِيهِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : جَعَلَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مَا سُمِطَ مِنْ الْكِبَاشِ وَالدَّجَاجِ وَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ قَبْلَ غَسْلِ مَا بِهَا مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ مِنْ قَبِيلِ مَا طُبِخَ بِالنَّجَاسَةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فَضْلِ خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ إذَا ذُبِحَتْ الشَّاةُ فَسَالَ دَمُهَا وَبَقِيَ فِي الْمَذْبَحِ مَا بَقِيَ فَلَوْلَا أَنَّا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَكَاتَفَ مِمَّا بَقِيَ فِي مَنْحَرِهَا مِنْ بَقَايَا الدَّمِ الْجَارِي لَاخْتَرْنَا أَنْ يُطْبَخَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ وَلَكِنْ لِبَقِيَّةِ مَا اتَّقَيْنَا مِنْ هَذَا نَأْمُرُ بِغَسْلِ الْمَذْبَحِ، وَإِنْ طُبِخَ ذَلِكَ وَلَمْ يُغْسَلْ فَاَلَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ نَزَلَ ذَلِكَ بِهِ أَنْ يَغْسِلَ اللَّحْمَ وَيَأْكُلَهُ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَنَّ دَجَاجَةً لَمْ يُغْسَلْ مَذْبَحُهَا فَسُمِطَتْ فِي مَاءٍ حَارٍّ ثُمَّ غُسِلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ طُبِخَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ شُوِيَتْ وَإِذَا كَانَ الدَّمُ فِي الدَّجَاجَةِ لَمْ يَتَعَدَّ الْمَنْحَرَ كَانَ خَفِيفًا إنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ أَثَرٌ يَتَكَاثَفُ فَنَحْنُ نَكْرَهُهُ حَتَّى يُغْسَلَ وَيُسْتَحَبُّ إنْ لَمْ يُغْسَلْ وَطُبِخَتْ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ أَنْ يُغْسَلَ اللَّحْمُ وَيُؤْكَلَ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ فِي اللُّغَةِ الْجَارِي انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَسْمُوطَ أَخَفُّ مِنْ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ الَّذِي يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْمَسْمُوطَ لَا يُتْرَكُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَتَأَثَّرَ بِالنَّجَاسَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَهْمَا نَجُسَ بِالْحَرَارَةِ يَنْكَمِشُ وَيَنْقَبِضُ وَيَدْفَعُ مَا فِيهِ مِنْ الرُّطُوبَةِ حَتَّى يَتَأَثَّرَ وَيَبْتَدِئَ فِي النُّضْجِ فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ فَيَكُونُ قَبُولُهُ لِلتَّطْهِيرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَنَجَّسَ ظَاهِرُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا بُلَّ فِي مَاءٍ نَجِسٍ حَبٌّ أَوْ فُولٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَشَرَّبَ بِالنَّجَاسَةِ فَلَا يَطْهُرُ كَمَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ الْفَأْرِ تَقَعُ فِي مُطْمَرٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْقَمْحِ يُبَلَّ مِنْ بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ فَهِمَ أَنَّ الْمَاءَ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ كَالْمَيْتَةِ لَا يَحِلُّ مِنْهُ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ الْمَيْتَةِ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ " يُشِيرُ إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ تَعَالَى عَنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَالَ الْوَانُّوغِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ أَكَلَتْ دَابَّةٌ حَبًّا وَأَلْقَتْهُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ بَاقِيَةً بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَنَبَتَ فَهُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبُتُ فَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَلَا إشْكَالَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي نَجَاسَتِهِ إنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا بُلَّ الْحَبُّ وَنَحْوُهُ وَلَمْ يَتَشَرَّبْ بِالنَّجَاسَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ سَأَلْتُ ابْنَ عَرَفَةَ عَمَّنْ جَعَلَ دُبَّاءَ، أَوْ بَقْلًا فِي مَاءٍ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْمَاءِ فَأْرَةً قَالَ يَغْسِلُهُ وَيَأْكُلُهُ انْتَهَى. وَمُرَادُهُ إذَا أَخْرَجَهُ بِسُرْعَةٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ جِلْدٌ، أَوْ ثَوْبٌ فَأُخْرِجَ مَكَانَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: إنَّ الْقَمْحَ إذَا أَصَابَ ظَاهِرَهُ الدَّمُ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَلَيْسَ هُوَ كَالْقَمْحِ إذَا تَشَرَّبَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) إذَا وُجِدَ حُوتٌ فِي بَطْنِ طَيْرٍ مَيِّتٍ فَقِيلَ لَا يُؤْكَلُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصَّيْدِ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ أَكْلِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ، وَكَالْجَدْيِ يَرْضَعُ خِنْزِيرَةً، وَالطَّيْرُ يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ فَإِنَّهُ يُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ بِحِدْثَانِ مَا أَكَلَتْهُ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ: وَفَرَّقَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ بِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي نَجَاسَةٍ أَخَفُّ مِنْ

حُصُولِهَا فِي بَطْنِ الطَّيْرِ لِسَرَيَانِ النَّجَاسَةِ فِيهِ بِالْحَرَارَةِ فَأَشْبَهَ طَبْخَ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّارَ فِي الْحَرَارَةِ أَشَدُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَصَلَتْ فِي بَطْنِ خِنْزِيرٍ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّحْمَ وَنَحْوَهُ مِمَّا فِيهِ رُطُوبَةٌ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ قَبْلَ طَبْخِهِ، أَوْ بَعْدَ طَبْخِهِ وَلَمْ يُطْبَخْ بِهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَتَشَرَّبْ بِهَا وَتَسْرِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) إذَا حُمِّيَتْ السِّكِّينُ، أَوْ الْخَاتَمُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ طُفِئَتْ فِي مَاءِ نَجِسٍ فَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَأَنَّ لَابِسَهُ حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْمَاءَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُهَيِّجُ الْحَرَارَةَ الَّتِي حَصَلَتْ بِالنَّارِ فِي دَاخِلِ الْحَدِيدِ فَتَدْفَعُ عَنْهَا الْمَاءَ؛ لِأَنَّ طَبْعَهُ ضِدَّ طَبْعِ الْحَرَارَةِ لَكِنَّهُ يُهَيِّجُهَا وَيُخْرِجُهَا إلَى خَارِجِ ذَاتِ الْحَدِيدِ فَإِذَا انْفَصَلَتْ فَلَا يَقْبَلُ الْحَدِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا بِدَاخِلِهِ لِكَوْنِهِ جَمَادًا مُتَرَاصَّ الْأَجْزَاءِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ نَجِسٌ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهَا تُغْسَلُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إذَا حُمِّيَا فِي النَّارِ وَطُفِئَا فِي مَاءٍ نَجِسٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ سَأَلَتْ عَنْهَا شَيْخَنَا الْإِمَامَ وَهِيَ إذَا بَلَعَ الشَّمْعَ وَذَهَبَ ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ الْمَخْرَجِ فَكَانَ شَيْخُهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ يَقُولُ بِغَسْلِهَا وَتَكُونُ طَاهِرَةً كَالنَّوَاةِ وَالْحَصَاةِ إذَا أَلْقَاهَا بَعْدَ أَنْ ابْتَلَعَهَا صَحِيحَةً، وَخَالَفَهُ شَيْخُهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ: الصَّوَابُ نَجَاسَةُ الشَّمْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَيَّعُ بِالْحَرَارَةِ وَيُدَاخِلُهُ بَعْضُ أَجْزَاءِ مَا فِي الْبَطْنِ فَيَنْجُسُ بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ وَالصَّوَابُ نَجَاسَتُهُ كَفَضْلَةِ الْإِنْسَانِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ يُوَافِقُ عَلَى النَّوَاةِ وَالْحَصَاةِ وَالذَّهَبِ تُغْسَلُ وَتَكُونُ طَاهِرَةً وَلَوْ ابْتَلَعَ ذَلِكَ مَنْ فَضْلَتُهُ طَاهِرَةٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى غَسْلِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّامِنُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّامِلِ أَنَّ قُدُورَ الْمَجُوسِ تَطْهُرُ بِتَغْلِيَةِ الْمَاءِ فِيهَا وَنَحْوُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ. (التَّاسِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ عَرَفَةَ عَنْ حَمْلِ الطَّعَامِ فِي الْإِنَاءِ الْمُعَدِّ لِلنَّجَاسَةِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا فَقَالَ سُئِلْتُ عَنْهَا وَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي. (الْعَاشِرُ) قَالَ الْمُقْرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَّلِ قَوَاعِدِهِ: مَا يُعَافُ فِي الْعَادَاتِ يُكْرَهُ فِي الْعِبَادَاتِ كَالْأَوَانِي الْمُعَدَّةِ بِصُوَرِهَا لِلنَّجَاسَاتِ، وَالصَّلَاةِ فِي الْمَرَاحِيضِ، وَالْوُضُوءِ بِالْمُسْتَعْمَلِ. ص (وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ لَا نَجَسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ) ش: مُرَادُهُ بِالْمُتَنَجِّسِ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْأَصْلِ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَنَحْوِهِ تَقَعُ فِيهِ فَأْرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ، وَبِالنَّجَسِ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ نَجِسَةً كَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْآدَمِيِّ وَشَمِلَ سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ فَيُسْتَصْبَحُ بِالزَّيْتِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَيُتَحَفَّظُ مِنْهُ وَيُعْمَلُ مِنْهُ الصَّابُونُ لَكِنْ تُغْسَلُ الثِّيَابُ مِنْهُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَيُدْهَنُ بِهِ الْحَبْلُ وَالْعَجَلَةُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ وَفِي رَسْمِ الْبَزَّار مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ خَفَّفَ

دَهْنَ النِّعَالِ بِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الدِّبَاغِ: لِأَنَّ الْغَسْلَ يَأْتِي عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ تَفْسِيرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّفْسِيرِ أَيْضًا لِإِجَازَتِهِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ أَنَّهُ يُدْهَنُ بِهِ الدِّلَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَسَلِ النَّجِسِ لَا بَأْسَ بِعَلْفِهِ لِلنَّحْلِ قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ الَّذِي يُعْجَنُ، أَوْ يُطْبَخُ بِمَاءٍ نَجِسٍ يُطْعَمُ لِلْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ يُسْقَى لِلدَّوَابِّ وَالزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ كَرَاهَةُ سَقْيِهِ لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلِمَا يَسْرُعُ قَلْعُهُ مِنْ الْخُضَرِ رَوَى الْعُتْبِيُّ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي صِفَةِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ مَا نَصَّهُ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ طُهِّرَ مَا صُبِغَ بِبَوْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْكُ الصَّبْغِ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ أَنَّ الْبَوْلَ يُجْعَلُ فِي الصِّبْغِ لَا أَنَّهُ يُصْبَغُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِبْغٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَغَيْرُهُ وَدَخَلَ فِي إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ إذَا بُيِّنَ ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ كَالزَّيْتِ النَّجِسِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي الْبَيْعِ. وَذَكَرَ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي مَطْمُورٍ وَقَعَ فِيهِ خِنْزِيرٌ فَوُجِدَ مَيِّتًا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ ذَلِكَ الطَّعَامُ وَلَا يَزْرَعُهُ صَاحِبُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيُغَيِّبُهُ عَنْ النَّصَارَى حَتَّى لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي مَطْمُورٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ أَنَّهَا تُلْقَى وَمَا حَوْلَهَا وَيُؤْكَلُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ طَالَ مُقَامُهَا حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهَا تُسْقَى مِنْ صَدِيدِهَا وَتَشْرَبُ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَزُرِعَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ الدَّمُ فِي ظَاهِرِهِ غُسِلَ وَأُكِلَ وَمَا شُكَّ فِي وُصُولِ الصَّدِيدِ إلَيْهِ زُرِعَ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَبْلُغُ إلَيْهِ الصَّدِيدُ أُكِلَ وَإِذَا جَاءَ فِي وَقْتِ الدِّرَاسِ فَأْرٌ كَثِيرٌ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ. فَقَالَ سَحْنُونٌ هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَإِذَا دَرَسُوا فَلْيُلْقُوا مَا رَأَوْا مِنْ جَسَدِ الْفَأْرَةِ، وَمَا رَأَوْا مِنْ دَمٍ فِي الْحَبِّ عَزَلُوهُ وَحَرَقُوهُ وَلَهُمْ أَكْلُ مَا سِوَاهُ وَلَهُمْ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَوْا فِيهِ دَمًا مَعَ بَيَانِ أَنَّهُ دُرِسَ وَفِيهِ فَأْرَةٌ وَيُخْرِجُونَ زَكَاتَهُ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُونَ مِنْهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَتَصَدَّقُونَ بِهِ تَطَوُّعًا. وَمَا كَانَ فِيهِ الدَّمُ ظَاهِرًا لَا يُبَاعُ وَلَا يُسَلَّفُ وَلَكِنْ يُحْرَثُ، وَلَهُمْ سَلَفُهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الدَّمُ وَاحْتَاجَهُ الْمُتَسَلِّفُ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ هَلْ هُوَ خِلَافٌ أَوْ لَا فَيَكُونَ الْخِنْزِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ؟ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافٌ وَأَنَّ مَا فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ جَارٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: " فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ " أَيْ فَلَا يُسْتَعْمَلُ الْمُتَنَجِّسُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَحْرَى النَّجِسُ فَلَا يُوقَدُ فِيهِ بِزَيْتٍ نَجِسٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُبْنَى بِطُوبٍ نَجِسٍ وَلَا بِطِينٍ نَجِسٍ قَالَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَلْ لَا يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِ بِثَوْبٍ نَجِسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ عَرَفَةَ أَفْتَى بِأَنَّ أَلْوَاحَ الْبُتَّانِيِّ يَعْنِي الَّتِي لِلْخَمْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقَفَ بِهَا الْمَسْجِدُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ إنَاءَ الْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ لِغَوْصِهِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِطَهُورٍ مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنْ جُعِلَ مِنْهَا إنَاءٌ لِلْمَاءِ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسْجِدٍ بُنِيَتْ حِيطَانُهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ: إنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ تُلَيَّسُ حِيطَانُهُ وَيُصَلَّى فِيهِ وَلَا يُهْدَمُ هُوَ الصَّحِيحُ لَا غَيْرُهُ، وُجِدَ بِهِ رِوَايَةٌ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَأَمَامَهُ جِدَارُ مِرْحَاضٍ وَمَوْضِعُهُ طَاهِرٌ جَائِزَةٌ وَأَجَازَ لِلْمَرِيضِ بَسْطَ ثَوْبٍ كَثِيفٍ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فَإِذَا طُيِّنَ الطِّينُ النَّجِسُ بِطِينٍ طَاهِرٍ كَثِيفٍ لَمْ يَكُنْ لِدَاخِلِهِ حُكْمٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: " وَآدَمِيٍّ " عَلَى

فرع مصحف كتب من دواة ثم بعد الفراغ وجد فيها فأرة ميتة

حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَغَيْرِ أَكْلِ آدَمِيٍّ إذْ لَا يَصِحُّ نَفْيُ كُلِّ مَنْفَعَةٍ تُضَافُ لِلْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ وَعَمَلُهُ صَابُونًا وَعَلَفُ الطَّعَامِ النَّجِسِ لِلدَّوَابِّ وَالْعَسَلِ النَّجِسِ لِلنَّحْلِ وَهُوَ مِنْ مَنَافِعِهِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَالنَّوْمِ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَقْتٌ يُعْرَقُ فِيهِ فَيُكْرَهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَأْتِي هُنَا قَرِيبًا أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالنَّجَسِ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ جَائِزٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورِينَ فَأَحْرَى بِالْمُتَنَجِّسِ، وَعَلَى الْقَوْلِ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ دَهْنِ النَّعْلِ وَلِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي وَقْتٍ يُعْرَقُ فِيهِ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ: " آدَمِيٍّ " الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالْعَاقِلَ وَالْمَجْنُونَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ قَالَ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مَنْعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا عَبْدُهُ الْكَافِرُ وَزَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَالَ سَنَدٌ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَأْمُرُهُمْ وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ قَالَ سَنَدٌ: وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِخِطَابِهِمْ أَكْلُهُ حَرَامٌ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَعَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فَإِطْعَامُهُ لَهُمْ كَإِطْعَامِهِ لِلْبَهَائِمِ. [فَرْعٌ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وُجِدَ فِيهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ] (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وُجِدَ فِيهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ أَنَّهُ إنْ تُبُيِّنَ أَنَّ الْفَأْرَةَ كَانَتْ فِي الدَّوَاةِ مُنْذُ بَدَأَ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِيهِ وَيُدْفَنُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَيَقَّنُ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَلَا يَتَحَتَّمُ دَفْنُهُ بَلْ إنْ أَرَادَ مَحَاهُ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ فَيَدْفِنُهُ، أَوْ يُحْرِقُهُ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قَالَ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي إنْ أَمْكَنَ غَسْلُ أَوْرَاقِهِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ فِي رَقِّ وَالْمِدَادُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْغَسْلِ أَنْ يَغْسِلَ وَيَنْتَفِعَ بِهِ، وَيُحْمَلَ عَلَى الطَّهَارَةِ كَمَا إذَا صَبَغَ بِمُتَنَجِّسِ وَغَسَلَ وَبَقِيَ لَوْنُ الصِّبْغِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ دَفْنِهِ، أَوْ حَرْقِهِ وَنَحْوِهِ، أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ كَذَلِكَ كَمَا أُجِيزَ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِصْبَاحُ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ وَذِكْرُ اللَّهِ طَاهِرٌ لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ مِنْ الْوَاقِعَاتِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمَسْأَلَةِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَوْلُهُ لَا نَجَسَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجِسِ مُطْلَقًا. أَمَّا أَكْلُهُ وَالتَّدَاوِي بِهِ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ عَنْ الْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ نَاجِي وَالْجُزُولِيِّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ حَكَى الزَّنَاتِيُّ فِيمَا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ الْخَمْرُ فِي دَوَاءٍ بِالطَّبْخِ أَوْ بِالتَّرْكِيبِ حَتَّى يَذْهَبَ عَيْنُهَا وَيَمُوتَ رِيحُهَا وَقَضَتْ التَّجْرِبَةُ بِإِنْجَاحِ ذَلِكَ الدَّوَاءِ قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَقْضِ التَّجْرِبَةُ بِإِنْجَاحِهِ لَمْ يَجُزْ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالنَّجَسِ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ فَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ فِيهِ قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَأَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا بِحُرْمَتِهِ قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى غَسْلُ الْقُرْحَةِ بِالْبَوْلِ إذَا أَنْقَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ وَقَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ هَذَا مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الشُّرْبِ وَالصَّحِيحُ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمَا فِيهِ خَمْرٌ وَلَا بِنَجِسٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا هَذَا الْخِلَافُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ يَعْنِي وَيُمْنَعُ فِي الْبَاطِنِ اتِّفَاقًا وَمَا عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِالصَّحِيحِ عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ شَاسٍ بِالْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْن عَبْدِ السَّلَامِ وَأَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ عَثَرَ أَنْ يَبُولَ عَلَى عَثْرَتِهِ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنَّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الشُّرْبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَلَوْ طِلَاءً وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا بِشُرْبِ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَأَمَّا التَّدَاوِي بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شُرْبٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِالْخَمْرِ وَمُبَاحٌ بِالنَّجَاسَاتِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ غَسْلِ الْقُرْحَةِ بِالْبَوْلِ، أَوْ بِالْخَمْرِ قَالَ فِيهَا مَالِكٌ

فرع التداوي بشرب بول الأنعام

إذَا أَنْقَى ذَلِكَ بِالْمَاءِ بَعْدُ فَنَعَمْ، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ الْخَمْرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ - الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ تَعَمُّدًا إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَ نَجَاسَتَهُ - يُتَدَاوَى بِهِ وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُدْخِلُهَا مَنْ يُرِيدُ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ وَالْغَمْصِ عَلَيْهِ، قِيلَ: لَهُ فَالْبَوْلُ عِنْدَكَ أَخَفُّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْبَاجِيُّ أَيْضًا فِي جَامِعِ الْمُنْتَقَى وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافَ ذَلِكَ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ الْمَشْهُورُ مَنْعُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي نَجَسِ غَيْرِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ وَحَكَى الْجُزُولِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَبِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَمْرَ تُطْفِئُ حَرَارَةَ النَّارِ وَاقْتَصَرَ الزَّنَاتِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَائِلًا: إذْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّلَطُّخِ بِنَجَاسَةٍ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْغَرَضِ مِنْهَا وَحِكَايَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ مِمَّنْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَقَدْ نَقَلَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ شَيْخِهِ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَصْلُ مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ حَتَّى لَوْ أَرَاقَ إنْسَانٌ خَمْرًا فِي بَالُوعَةٍ فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا مِنْ كُنَاسَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُطْعِمُ الْمَيْتَةَ لِكِلَابِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَبْهَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَنْتَفِعُ بِلَحْمِهَا بِأَنْ يُطْعِمَهُ لِكِلَابِهِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ يَصُبُّهَا عَلَى نَارٍ يُطْفِئُهَا بِهَا وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْخَمْرِ فِي شَيْءٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " لَا يُنْتَفَعُ بِهَا " هَلْ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ الْكَرَاهَةِ؟ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَا إشْكَالَ فِيهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ أَكْرَهُ الْخَمْرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلْ الظَّاهِرُ الْمَنْعُ إذَا قَصَدَ مُجَرَّدَ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَلَمْ يَأْذَنْ فِي إبْقَاءِ الْيَدِ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ إرَاقَتَهَا وَطَفْيَ النَّارِ بِهَا، أَوْ كَنْسَ الْبَالُوعَةِ بِهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فِي الطَّيْرِ يُوضَعُ بِهَا الْخَمْرُ فَتَشْرَبُ وَتَسْكَرُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ الْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْتُ: يُرِيدُ وَيُكْرَهُ صَيْدُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لَا الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُحَرَّمٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَأَمَّا إطْعَامُ الْمَيْتَةِ لِكِلَابِهِ وَهِيَ فِي مَحِلِّهَا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، وَأَمَّا حَمْلُهَا لِكِلَابِهِ فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَحْمِلُهَا لِكِلَابِهِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: وَلَا يُطْبَخُ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَلَا يُسَخَّنُ بِهَا الْمَاءُ لِوُضُوءٍ، أَوْ عَجِينٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوقَدَ بِهَا عَلَى طُوبٍ أَوْ حِجَارَةٍ لِلْجِيرِ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ بَعِيدٌ وَعَلَى أَنَّهُ وَجَدَهَا مُجْتَمِعَةً فَأَطْلَقَ النَّارَ فِيهَا أَبْعَدُ؛ لِأَنَّ طَبْخَ الطُّوبِ وَالْجِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِتَرْتِيبٍ وَعَمَلٍ وَعَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَفِيهِ أَيْضًا الِانْتِفَاعُ بِالْمَيْتَةِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ لَا نَجَسَ، وَكَذَلِكَ جَعْلُ الْعَذِرَةِ فِي الْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَتَخْلِيصُ الْفِضَّةِ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي التَّبَخُّرِ بِلُحُومِ السِّبَاعِ إذَا لَمْ تَكُنْ ذُكِّيَتْ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ دُخَانُهَا يَعْلَقُ بِالثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَقُ فَلَا يُعْجِبنِي، وَإِطْلَاقُهُ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَسِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي الْوَقِيدِ وَلَا طِلَاءِ السُّفُنِ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْجَهْمِ وَالْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُوقِدَ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ إذَا تَحَفَّظَ مِنْهُ. [فَرْعٌ التَّدَاوِي بِشُرْبِ بَوْلِ الْأَنْعَامِ] (فَرْعٌ) يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشُرْبِ بَوْلِ الْأَنْعَامِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا بَوْلُ كُلِّ مَا يُبَاحُ لَحْمُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ بَيْنَ بَوْلِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا

فرع من نقص منه سن أو عظم هل يجوز له رده

إذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ فِي الطَّهَارَةِ أَنْ تَسْتَوِيَ فِي إجَازَةِ التَّدَاوِي بِشُرْبِهَا. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَلْبَانَ تَابِعَةٌ لِلُّحُومِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي بِلَبَنِ الْأَتَانِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي جَوَازِ أَكْلِهَا حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ وَعَطَاءٍ وَرَوَى إبَاحَةَ التَّدَاوِي بِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى إجَازَةِ ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَقَالَ قَبْلَهُ: إنَّ أَبْوَالَهَا نَجِسَةٌ لَا يَحِلُّ التَّدَاوِي بِشُرْبِهَا قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ قَالَ: وَمَنْ أَجَازَ أَكْلَهَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَبَنُهَا. [فَرْعٌ مِنْ نقص مِنْهُ سن أَوْ عظم هَلْ يَجُوز لَهُ رِدّه] (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ مَنْ سَقَطَتْ مِنْهُ سِنُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ نَجِسٌ كَسِنِّ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمَذْهَبِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَفِي الْبُرْزُلِيِّ إذَا قُلِعَ الضِّرْسُ وَرُبِطَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ فَإِنْ رَدَّهُ وَالْتَحَمَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ لِلضَّرُورَةِ. [فَرْعٌ انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَجَبَرَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ أَيْضًا: مَنْ انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَجَبَرَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَسْرُهُ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْإِشْرَافِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي إخْرَاجِهِ حَرَجًا وَإِفْسَادَ لَحْمٍ فَسَقَطَتْ إزَالَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْجُرْحِ دَمٌ وَقَيْحٌ وَلَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ إلَّا بِإِفْسَادِ اللَّحْمِ، قَالَ: وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ انْتَهَى. وَهَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَأَمَّا ابْتِدَاءً فَمَعْلُومٌ مِنْ الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. (تَنْبِيهٌ) مَنْ أَجَازَ اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ فَذَلِكَ إذَا كَانَ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى إلَى الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ فَلَا فَإِنْ اسْتَعْمَلَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْمُرْتَكِ النَّجِسِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْمَرْهَمِ النَّجِسِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا أُجْبِرَ عَظْمُهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ خَوْفُ قُوَّةِ الضَّرَرِ هُنَاكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُصَلَّى بِلِبَاسِ كَافِرٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا بَاشَرَ جِلْدَهُ أَمْ لَا كَانَ مِمَّا تَلْحَقُهُ النَّجَاسَاتُ فِي الْعَادَةِ كَالذَّيْلِ، أَوْ لَا كَالْعِمَامَةِ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْجِنْسُ وَسَوَاءٌ الذِّكْرُ وَالْأُنْثَى قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ ظَاهِرٌ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا لَبِسَهُ الْكَافِرُ غَسِيلًا، أَوْ جَدِيدًا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَهُ سَنَدٌ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا وَفِي مَعْنَى الثِّيَابِ الْأَخْفَافُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَرْعٌ قَالَ وَحُكْمُ شَارِبِ الْخَمْرِ كَحُكْمِ الْكَافِرِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَعَلَى ذَلِكَ ثِيَابُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ قَالَ الْأَشْيَاخُ فِي مَعْنَاهُمْ مَنْ يُشْرِبُ الْخَمْرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَغْسِلُ جَمِيعَ مَا لَبِسُوهُ مِنْ الثِّيَابِ انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ كَابْنِ بَشِيرٍ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَقَيَّدَهُ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي وَكَلَامُهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ هَلْ يُصَلِّي فِي ثِيَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ فَوَقَعَ لِزِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ إلَّا مَا عَلِمَ فِيهِ نَجَاسَةً رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهَا حَتَّى يَغْسِلَهَا وَإِذَا أَيْقَنَ بِطَهَارَتِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَالِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا يَجْرِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي طَهَارَةِ عَرَقِ النَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ انْتَهَى مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. ص (بِخِلَافِ نَسْجِهِ) ش: فَيَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إجْمَاعًا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَالْمَجُوسِيُّ مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا نَسَجُوهُ وَمَا لَبِسُوهُ لِلضَّرُورَةِ الْعَامَّةِ فِيمَا نَسَجُوهُ وَبِأَنَّهُمْ يَتَوَقَّوْنَ فِيهِ بَعْضَ التَّوَقِّي لِئَلَّا تَفْسُدَ عَلَيْهِمْ أَشْغَالُهُمْ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا ذَوُو الصِّنَاعَاتِ مِنْهُمْ يَعْنِي الْكُفَّارَ مِثْلُ مَنْ يَقُصُّ الْمِلَفَّ وَالْخَيَّاطِ وَالصَّائِغِ يَمَسُّ الْحُلِيَّ

وَالدَّرَاهِمَ بِيَدِهِ أَوْ فِيهِ فَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يُفْتِي بِغَسْلِ كُلِّ مَا لَمَسُوهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِمْ لِاسْتِغْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ بِمِثْلِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ غَيْرُهُ يُفْتِي بِاغْتِفَارِ هَذَا كُلِّهِ قِيَاسًا عَلَى مَا نَسَجُوهُ وَأَكْلِ الْمَائِعِ مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ صَنْعَتُهُمْ تَفْتَقِرُ إلَيْهِمْ فِيهَا كَالصَّوَّاغِينَ فِي الْأَغْلَبِ، وَكَذَا يَسْأَلُونَ عَنْ طَبْخِ الْخُبْزِ فِي الْكُوشَةِ الَّتِي يُخَالِطُونَ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْكَافِرَ أَدْخَلَ الدِّرْهَمَ فِي فِيهِ فَإِنَّهُ نَقَلَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي سُؤْرِ النَّصْرَانِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ شَاهَدَهُ يُفْتِي غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَخْرَجَ الدِّرْهَمَ مِنْ فِيهِ وَدَفَعَهُ لِمُسْلِمٍ لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَأَقَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ الْوَانُّوغِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِمَا خَاطَهُ الذِّمِّيُّ قَالَ: لِنَجَاسَةِ رِيقِهِ قَالَ وَلَوْ صَلَّى بِخَيْطٍ رُومِيٍّ فِي جَيْبِهِ لَمْ يُعَدَّ كَنَسْجِهِمْ. وَفِي مَسَائِلِ أَبِي عِمْرَانَ الزَّنَاتِيّ فِي الْبُيُوعِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ وَمَا عَمِلَهُ الصُّنَّاعُ كَالْخَيَّاطِ وَالْخَرَّازِ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الطَّهَارَةِ كَالْمَنْسُوجِ كَافِرًا كَانَ، أَوْ مُسْلِمًا مُصَلِّيًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الصُّنَّاعِ التَّحَفُّظُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ النَّسَّاجَةُ وَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا وَالْحَالِبَةُ لِلَّبَنِ وَالْمَاخِضَةُ لَهُ وَالْجَامِعَةُ لِلزُّبْدِ مِنْ الْقِرْبَةِ وَالسَّاقِيَةُ لِلْمَاءِ وَالْخَادِمَةُ لِلطَّعَامِ وَالْمُغَرْبِلَةُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ وَيُتَحَقَّقَ، وَصَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ فِيمَا أَلْغَى فِيهِ الْغَالِبَ وَقَدَّمَ النَّادِرَ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ وَلَا يَسْتَنْجُونَ وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةَ، وَأَخَذَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: وَالثِّيَابُ الَّتِي يَلِي غَسْلَهَا الْكُفَّارُ طَاهِرَةٌ، وَكَذَلِكَ مَا يَنْسِجُ الْمَجُوسُ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَإِذَا عَلَا الْكَلْبُ ثَوْبًا، أَوْ فُرُشًا لَمْ يَنْجُسَا وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ بِثِيَابِ الْقَصَبِ الْمَصْبُوغَةِ بِالْبَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ بِجُلُودِ الثَّعَالِبِ وَالسِّنَّوْرِ إذَا كَانَا ذُكِّيَا. ص (وَلَا بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ) . ش قَالَ الشَّارِحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ هُوَ فِيهِ لَا تُمْنَعُ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ آخَرُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُعَدًّا لِلنَّوْمِ دَائِمًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الصَّغِيرِ، وَكَذَا فِي الْكَبِيرِ وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ وَابْنِ مَرْزُوقٍ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَنْظُرَا فِيهِ بَلْ وَجَّهَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ بِأَنَّهُ هُوَ يَعْرِفُ طَهَارَتَهُ مِنْ نَجَاسَتِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرَ وَلَوْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَيَلْحَقُ بِمَا يُحَاذِي الْفَرْجَ مَا يَنَامُ فِيهِ وَلَوْ مِنْ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِنْ السُّوقِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَأَمَّا مَا يُنَامُ فِيهِ فَلَا يُصَلَّى فِيهِ حَتَّى يُغْسَلَ كَانَ بَائِعُهُ مَنْ كَانَ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ قِلَّةُ التَّحَفُّظِ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَجْهَلُ طَهَارَتَهُ، وَأَمَّا مَا أَخْبَرَكَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ مُصَلٍّ ثِقَةٌ عَدْلٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ مَرْزُوقٍ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِثِيَابِ غَيْرِ الْمُصَلِّي إلَّا مَا كَانَ مُعَدًّا لِرَأْسِهِ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ جَائِزَةٌ، قَالَ اللَّخْمِيُّ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ حَتَّى لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مَنَعُوا الصَّلَاةَ بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ مِنْ أَجْلِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَتِهِ وَالشَّكّ فِي نَجَاسَةِ ثَوْبِ رَأْسِ غَيْرِ الْمُصَلِّي أَقْوَى بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يُبَالِي أَيْنَ تَصِلُ انْتَهَى. وَقَدْ سَمِعَتْ الْوَالِدَ - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَا بِثِيَابِ غَيْرِ مُصَلٍّ إلَّا لِرَأْسِهِ) . ش كَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَعَلَى مَنْ اشْتَرَى رِدَاءً مِنْ السُّوقِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَهُ عَنْهُ

وَإِلَّا فَهُوَ فِي غَسْلِهِ فِي سَعَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ عَلِمَ أَنَّ بَائِعَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُصَلِّي لَمْ يُصَلِّ بِهِ حَتَّى يُغْسَلَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَائِعَهُ فَيَنْظُرُ إلَى الْأَشْبَهِ مِمَّنْ يَلْبَسُ ذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ بِالْغَسْلِ أَفْضَلُ انْتَهَى. وَنَصَّ سَنَدٌ عَلَى أَنَّ مَا اُشْتُرِيَ مِنْ مُسْلِمٍ مَجْهُولِ الْحَالِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامَةِ قَالَ: وَإِنْ شَكَّ فِيهِ نَضَحَ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ سَنَدٍ وَاللَّخْمِيّ؛ لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ قَالَ الْغَسْلُ أَفْضَلُ وَسَنَدٌ قَالَ يَنْضَحُ وَالنَّضْحُ هُوَ الْوَاجِبُ فِيمَا شَكَّ فِيهِ قَالَ سَنَدٌ إثْرَ كَلَامِهِ هَذَا: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ ظَاهِرٌ فِي النَّجَاسَةِ كَثَوْبِ مَنْ عُرِفَ بِالْخَمْرِ وَالصِّبْيَانِ، وَمَنْ لَا يَتَحَرَّزُ: غَسَلَهُ انْتَهَى. وَفِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا مَلْبُوسًا مِنْ السُّوقِ وَفِي الْبَلَدِ يَهُودٌ وَنَصَارَى مُخْتَلِطِينَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي لِبَاسِهِمْ أَنَّ لَهُ الصَّلَاةَ بِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَرِيبَ أَمْرًا فَيَغْسِلَهُ، أَوْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِي الْبَلَدِ النَّصَارَى أَوْ يَبِيعَهُ مَنْ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَقَدْ لَبِسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ وَفِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْمِصْرِيِّينَ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا، أَوْ فَرْوًا، أَوْ بُرْنُسًا، أَوْ عِمَامَةً فَإِنْ كَانَتْ جَدِيدَةً فَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَلْبُوسَةً وَأَخْبَرَ التَّاجِرُ بِطَهَارَتِهَا، وَكَذَا مَنْ اُشْتُرِيَتْ مِنْهُ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ صَدَّقَهُمَا، وَإِنْ شَكَّ فِي خَبَرِ التَّاجِرِ وَشَكَّ فِي الْحَوَائِجِ غَسَلَهَا بِخِلَافِ الْعِمَامَةِ انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ وَمَا قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا فِي الْقُمُصِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَأَمَّا مَا يُسْتَعْمَلُ لِلرَّأْسِ مِنْ مِنْدِيلٍ، أَوْ عِمَامَةٍ فَالْأَمْرُ فِيهِ أَخَفُّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَلَامَتُهُ كَانَ الْبَائِعُ مِمَّنْ يُصَلِّي أَوْ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَلَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ، وَأَمَّا مَا يُلْبَسُ فِي الْوَسَطِ فَلَا أَرَى أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ كَانَ الْبَائِعُ مِمَّنْ يُصَلِّي أَمْ لَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْ الْبَوْلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ الصَّلَاةَ بِالنَّجَاسَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ. ص (وَلَا بِمُحَاذِي فَرْجِ غَيْرِ عَالَمٍ) ش: قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ أَيْ مُقَابِلِ فَرْجِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ كَالسَّرَاوِيلِ وَالْمِئْزَرِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالْمُصَنَّفُ تَبِعَ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَزَادَ ابْنُ شَاسٍ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَهُوَ حَسَنٌ وَقَوْلُهُ: " مُحَاذِي " صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ ثَوْبٍ مُحَاذٍ انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَزَادَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ يَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ مَا يُحَاذِي الْفَرْجَ وَمَا تَحْتَهُ لِوُصُولِ الْبَلَلِ مِنْ الْفَرْجِ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ انْتَهَى. فَإِذَا حَمَلَ عَلَى هَذَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَأَصْلُهُ لِابْنِ هَارُونَ وَاعْتَرَضَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ بِأَنَّ ظَاهِرَ النَّقْلِ أَنَّ الدُّبُرَ غَيْرُ دَاخِلٍ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ عِلْمِ الِاسْتِبْرَاءِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الدُّبُرِ قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ دُبُرَ الثَّوْبِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ غَسْلُ مَا يُحَاذِي الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ لِوُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ بِالْعَالِمِ الْعَالِمُ بِآدَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَكُلُّ مَنْ وُلِّيَ فِي الشَّرِيعَةِ أَمْرًا فَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ إنَّ قُمُصَ النِّسَاءِ مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُنَّ لَا يُصَلِّينَ، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ لِمَنْ يُصَلِّي انْتَهَى. وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فَقَالَ نِسَاءُ الْحِجَازِ يُصَلِّينَ إلَّا أَنَّهُنَّ يُحْمَلْنَ عَلَى الْجَهْلِ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا أَنَّ ذَلِكَ غَالِبٌ عَلَيْهِنَّ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الثَّوْبَ كَانَ لِعَالِمَةٍ بِالِاسْتِبْرَاءِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ ثَوْبُ الصَّبِيِّ عِنْدَهُمْ نَجِسٌ وَالصَّوَابُ إنْ اسْتَقَلَّ بِغَسْلِ حَدَثِهِ فَهُوَ نَجِسٌ وَقُبُلُهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حَاضِنَتَهُ تُنَظِّفُهُ انْتَهَى. وَلَفْظُهُ فِي الْعَارِضَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي إلَى آخِرِهِ قَالَ وَدَلِيلُهُ حَمْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ أَنَّ ثِيَابَهُمْ تُحْمَلُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي ثِيَابُ الصَّبِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْبَوْنِيُّ بِالْعَكْسِ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أُمَامَةَ وَنَقَلَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ

فرع بيع ثوب جديدا به نجاسة لم تبين

تَرْجِيحٍ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّ أُمَّهَا كَانَتْ تُنَظِّفُهَا لِأَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ عِيَاضٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أُمَامَةَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ ثِيَابَ الصَّبِيَّانِ وَأَبْدَانَهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّجَاسَةَ قَالَ الْأَبِيُّ حَمْلُ ثِيَابِ الصَّبِيَّانِ عَلَى الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ فِي صِبْيَانٍ عَلِمَتْ أَهَالِيهمْ بِالتَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ الْغَالِبُ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ لُبْسِهِمْ لَهَا وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمَامَةَ فَحَمْلُهَا إلْغَاءُ الْحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ. (فَرْعٌ) ثِيَابُ مَنْ الْغَالِبُ عَلَى صَنْعَتِهِ النَّجَاسَةُ كَالْمُرْضِعَةِ وَالْجَزَّارِ وَالْكَنَّافِ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الطَّهَارَةُ، وَلِذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي سُؤَالِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ عَمَّنْ يُصَلِّي إلَى جَنْبِهِ كَالْجَزَّارِ وَنَحْوِهِ. [فَرْعٌ بَيْع ثَوْب جَدِيدًا بِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُبَيِّنْ] (فَرْعٌ) مَنْ بَاعَ ثَوْبًا جَدِيدًا وَبِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِبُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جَدِيدًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَا إنْ كَانَ لَبِيسًا وَيَنْقُصُ بِالْغَسْلِ كَالْعِمَامَةِ وَالثَّوْبِ الرَّفِيعِ وَالْخُفِّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ عَيْبًا انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ ذِكْرِهِ بَعْضَ هَذَا الْكَلَامِ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيهِ إذَا اشْتَرَى مِنْ النَّوْعِ الَّذِي تُحْمَلُ ثِيَابُهُمْ عَلَى النَّجَاسَةِ وَلَمْ تَظْهَرْ نَجَاسَةٌ انْتَهَى. أَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْبُيُوعِ، وَأَمَّا الثِّيَابُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ ثِيَابَ الْكُفَّارِ إذَا قُلْنَا: لَا يُصَلَّى بِمَا لَبِسُوهُ حَتَّى يُغْسَلَ فَمَنْ بَاعَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَهَلْ ذَلِكَ عَيْبٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ فَمَا كَانَ غَسْلُهُ نَقْصًا فَهُوَ عَيْبٌ وَمَا كَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَهُوَ خَفِيفٌ وَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا غَيْرَ جَدِيدٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْوَانُّوغِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَاشِيَتِهِ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَوَجَدَهُ لِنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ: إنْ كَانَ جَيِّدًا يُنْقِصُهُ الْغَسْلُ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَسُئِلَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا لَبِيسًا مِنْ النَّصْرَانِيِّ فَقِيلَ لَهُ: لَا يَحِلُّ لَكَ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَأَنَا أَرُدُّهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ وَجَهِلَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ إلَّا بَعْدَ الْغَسْلِ فَلَا رَدَّ لَهُ وَقَالَ سَنَدٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَمَا يُنْقِصُهُ الْغَسْلُ فَهُوَ عَيْبٌ وَلَوْ مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا فَلَا انْتَهَى. وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا بِجَامِعِ أَنَّهَا مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى وَلَوْ مِنْطَقَةً وَآلَةَ حَرْبٍ) ش: ذَكَرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يَسُوغُ اتِّخَاذُهُ وَلُبْسُهُ مِنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَوَانِيهَا وَأَوَانِي الْجَوَاهِرِ وَمَا يُحَرَّمُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَا أَنَّ الْحُلِيَّ لَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ اللِّبَاسِ وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ لُبْسَهُ مِنْهُ لَا يُصَلِّي بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ النَّجِسَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَاءَ يَحْتَاجُ إلَى إنَاءٍ يُجْعَلُ فِيهِ غَالِبًا فَبَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» وَالْكَلَامُ عَلَى لِبَاسِ الْحَرِيرِ يَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَصْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَقَوْلُهُ: " ذَكَرٍ " ظَاهِرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَمْ لَا وَأَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَى وَلِيِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يُلْبِسَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُلِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي حُلِيِّ الْأَصَاغِرِ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ غَيْرَهُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ تَحْلِيَةِ الصَّبِيِّ بِالْفِضَّةِ وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرَمَ بِالْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ وَفِي أَرْجُلِهِمْ الْخَلَاخِلُ وَعَلَيْهِمْ الْأَسْوِرَةُ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ حُلِيَّ الذَّهَبِ وَأَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ جَوَازَ تَحْلِيَتِهِمْ بِالْفِضَّةِ وَكَرَاهَةَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ

وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفِضَّةَ، وَنَصُّهُ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَلِّيَ وَلَدَهُ الذَّهَبَ وَلَا يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَأْثَمْ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَا جَاءَ مِنْ تَحْرِيمِهِ عَلَى الذُّكُورِ أُجِرَ، وَأَمَّا إنْ سَقَاهُ خَمْرًا، أَوْ أَطْعَمَهُ خِنْزِيرًا فَإِنَّهُ آثِمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُمَا بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي كَوْنِ حُلِيِّ الصَّبِيِّ كَصَبِيَّةٍ فَلَا يُزَكِّي أَوْ كَرَجُلٍ فَيُزَكِّي قَوْلَانِ اللَّخْمِيُّ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهَا: " لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمُوا وَعَلَيْهِمْ الْأَسْوِرَةُ "، وَابْنُ شَعْبَانَ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ غَيْرَهُ انْتَهَى، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي خِطَابِهِمَا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَشُهِرَ فِي الشَّامِلِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحُلِيَّ الْمُحَرَّمَ لَا حِلْيَةَ صَبِيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ وَحُلِيُّ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمُبَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَحَمَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْكَرَاهَةَ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْكَرَاهَةُ مَعْنَاهَا التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُمْ الْحَرِيرَ كَمَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ لِلرِّجَالِ عِنْده وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ الْخَلَاخِلَ وَالْأَسْوِرَةَ لَهُمْ مِنْ الْفِضَّةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ كَالذَّهَبِ إلَّا الْخَاتَمَ وَحْدَهُ وَآلَةَ الْحَرْبِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ التُّونُسِيُّ ظَاهِرُ جَوَابِهِ أَوَّلًا جَوَازُهُ فِي الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَالْأَشْبَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْكَبِيرُ؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَيَأْتِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ جَوَازِ إلْبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْهُ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ تَحْلِيَةَ الصَّغِيرِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ لُبْسُهَا مُبَاحًا لَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَحَلَّى ذَهَبًا أَوْ حَلَّى وَلَدَهُ مِثْلَ خَرْبَصَيصَةٍ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» وَالْخَرْبَصِيصَةُ هِيَ الَّتِي تَتَرَاءَى فِي الرَّمَلِ لَهَا بَصِيصٌ كَأَنَّهَا عَيْنُ جَرَادَةٍ انْتَهَى. فَفِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَلِذَا اعْتَمَدَهُ وَأَطْلَقَ هُنَا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الشُّيُوخِ وَشَهَرَهُ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ نُقُولِ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ مُحَلًّى هُوَ مَا جُعِلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُحَلَّى مِنْ الثِّيَابِ كَاَلَّذِي جُعِلَ لَهُ أَزْرَارٌ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، أَوْ نُسِجَ بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى. وَمِثْلُهُ مَا جُعِلَتْ لَهُ حَبْكَةٌ مِنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْحَرَامُ مَا عَدَاهُ مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْحُلِيُّ مُتَّصِلًا بِثِيَابِهِمْ، أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهَا، وَكَذَلِكَ مَا يُلْبَسُ فِي الْيَدِ مِنْ غَيْرِ الْخَاتَمِ وَفِي الْأُذُنِ، وَإِذَا حُرِّمَ الْمُحَلَّى فَأَحْرَى الْحُلِيُّ نَفْسُهُ مِنْ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِلَ وَنَحْوِهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَلَوْ مِنْطَقَةً بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ نَوْعٌ مِنْ الْحِرْمِ الَّذِي يُشَدُّ بِهَا الْوَسَطُ. وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالْجَوَازُ إلَّا فِي السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالسَّكَاكِينِ وَالْمَهَامِيزِ، وَالْجَوَازُ فِي هَذِهِ وَفِيمَا يُتَّقَى بِهِ. ص (إلَّا الْمُصْحَفَ) ش: أَيْ فَيَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي جِلْدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ خَارِجٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَحْزَابِ وَالْأَعْشَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْجُزُولِيُّ يَعْنِي فِي أَعْلَاهُ وَلَا يُكْتَبُ بِهِ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ الْأَعْشَارَ وَلَا الْأَحْزَابَ وَلَا الْأَخْمَاسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ بِالْحُمْرَةِ وَقَالَ فِي رَسْمِ سَلْعَةَ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَعْشِيرِ الْمُصْحَفِ فَقَالَ يُعَشِّرُهُ بِالسَّوَادِ وَأَكْرَهُ الْحُمْرَةَ وَذَكَرَ تَزْيِينَ الْمَصَاحِفِ بِالْخَوَاتِمِ فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً فَقِيلَ لَهُ

وَبِالْفِضَّةِ قَالَ الْفِضَّةُ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ لِأُمَّهَاتِ الْمَصَاحِفِ أَنْ تُشَكَّلَ وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِيمَا يَتَعَلَّمُ فِيهِ الْغِلْمَانُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَيْ مِنْ خَارِجِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَلِّيَ غَشْيَتَهُ بِالْفِضَّةِ وَيَرْوِي مِنْ زِينَتِهِ أَيْ زِينَةِ أَعْلَاهُ وَخَارِجِهِ، وَوَجْهُ كَرَاهَتِهِ لِتَزْيِينِ دَاخِلِهِ بِالْخَاتَمِ وَتَعْشِيرِهِ بِالْحُمْرَةِ أَنَّهُ يُلْهِي الْقَارِئَ وَيُشْغِلَهُ عَنْ تَدْبِيرِ آيَاتِهِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى كُرِهَ تَزْوِيقُ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا كَرَاهَتُهُ لِلشَّكْلِ فَلِأَنَّهُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ إذْ لَمْ يَجِئْ مَجِيئًا مُتَوَاتِرً فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِأَيِّ الشَّكْلَيْنِ أُنْزِلَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: وَتَحْلِيَةُ غَيْرِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكُتُبِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ، وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَعَدَّ فِي الزَّاهِي مِمَّا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ الْأَحْرَازَ مِنْ الْقُرْآنِ وَمَا مَعَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: أَمَّا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ فَإِنْ كَانَتْ يُكْتَبُ بِهَا الْقُرْآنُ فَتُجْرَى عَلَى تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ تَجُوزُ بِالْفِضَّةِ وَفِي الذَّهَبِ خِلَافٌ. وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ لَكِنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا مَفْسَدَةُ الْكُتُبِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ، وَكَذَلِكَ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ فِي الْحَرِيرِ وَتَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِهِ أَيْ جَائِزَةٌ وَصَرَّحَ فِي الْجَامِعِ أَيْضًا بِأَنَّ كَتْبَ الْقُرْآنِ فِيهِ جَائِزٌ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابَةُ الْعِلْمِ أَوْ السُّنَّةِ فَتُجْرَى عَلَى جَوَازِ افْتِرَاشِهِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ مَنْعُ افْتِرَاشِهِ لِلرِّجَالِ وَقَالَ قَبْلَهُ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ: الْكِتَابَةُ فِي الْحَرِيرِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الرِّجَالُ كَكُتُبِ الْمُرَاسِلَاتِ فَلَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النِّسَاءُ كَكُتُبِ الصَّدَاقِ فَهَذَا يُلْحَقُ بِافْتِرَاشِهِنَّ الْحَرِيرَ فِي تَحْرِيمِهِ خِلَافٌ وَهُوَ فِي الصَّدَاقِ أَبْلَغُ فِي الْإِسْرَافِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْتُ: إنْ كَانَ الِافْتِرَاشُ لِلرِّجَالِ فَالْخِلَافُ فِيهِ عِنْدَنَا وَيَجْرِي عَلَيْهِ كِتَابَتُهُمْ الرَّسَائِلَ وَالْعِلْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَلَا يُعْلَمُ فِي مَذْهَبِنَا إلَّا جَوَازُهُ فَيَجُوزُ فِي حَقِّهِنَّ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى إكْسَاءِ الْحِيطَانِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَقَعُ مِنْ تَحْلِيَةِ الْإِجَازَةِ بِالذَّهَبِ وَذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ، أَوْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ. وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ الشَّرِيفِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَوَانِيِّ أَنَّهُ اسْتَشَارَ شَيْخَهُ الْقَاضِيَ ابْنَ قَدَّاحٍ عَنْ الْكَتْبِ بِالذَّهَبِ فِي الْإِجَازَةِ فِي آيَةٍ تُعْرَضُ، أَوْ تَصْلِيَةٍ فَأَجَابَهُ بِأَنْ قَالَ: التَّعْظِيمُ هُوَ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فَكَتَبَهَا بِالسَّوَادِ خَالِصًا قَالَ وَرَأَيْتُ أَجَائِزَ كَثِيرَةً مُحَوَّقَةً بِالذَّهَبِ وَفِيهَا الْفَوَاصِلُ كَذَلِكَ فِيهَا شَهَادَاتٌ لِشُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَكَذَا رَأَيْت شُيُوخَنَا يَفْعَلُونَ وَاتَّبَعْنَاهُمْ نَحْنُ اقْتِدَاءً بِهِمْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصْحَفِ إذْ هِيَ مِنْ اتِّبَاعِ كَتْبِ الْمُصْحَفِ وَتَعْظِيمِهِ وَرَأَيْت خِتْمَةً فِي جَامِعِ الْقَيْرَوَانِ أُدْرِكَتْ زَمَنَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فَمَنْ بَعْدَهُ مُحَبَّسَةً مَكْتُوبَةً كُلُّهَا بِالذَّهَبِ وَمُغَشَّاةً بِالْحَرِيرِ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ جُزْءًا وَلَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْقُرُونُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَعَلَّ الْعُذْرَ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا مَنْعُ كِتَابَةِ مَا عَدَا الْمُصْحَفَ بِالذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ وَكَرَاهَةُ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَاسْتِحْسَانٌ مِنْ شُيُوخِهِ وَشُيُوخِهِمْ قَابِلٌ لِلْبَحْثِ وَالْكَلَامِ. ص (وَالسَّيْفَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَسَوَاءٌ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ بِأَصْلِهِ كَالْقَبْضَةِ، أَوْ كَانَتْ فِي الْغِمْدِ. ص (وَالْأَنْفَ) ش: لِئَلَّا يُنْتِنَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاوِي. ص (وَرَبْطَ سِنٍّ) ش: كَذَلِكَ مَا يَسُدُّ بِهِ مَحِلَّ سِنٍّ سَقَطَتْ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (مُطْلَقًا) ش: أَيْ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمَعْرُوفِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالذَّهَبِ قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَخَاتَمَ الْفِضَّةِ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ قَدَّاحٍ مَسْأَلَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ الْمَنْقُولُ أَنَّ الذَّهَبَ لَا يَجُوزُ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ فِيهِ مِسْمَارُ ذَهَبٍ، وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ فَمَكْرُوهٌ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَزْدِيرُ وَالرَّصَاصُ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ

فرع نقش الخواتم ونقش أسماء أصحابها عليها ونقش اسم الله فيها

حَدِيدٍ» الْجَوَازُ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِوَلَدِهِ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ صِينِيٍّ قَالَ وَخَاتَمُ الْفِضَّةِ مُسْتَحَبٌّ وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهُ فِي الْيَدِ الْيُسْرَى. (قُلْتُ) عَنْ بَعْضِ الْأَوَائِلِ كَرَاهَتُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ الطَّبْعِ كَمَا اتَّخَذَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ وَقَالَ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ الْإِمَامُ: وَهَذَا إذَا اُتُّخِذَ لَلسُّنَّةِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يَفْعَلُهُ غَالِبًا إلَّا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، أَوْ يَقْصِدُ بِهِ غَرَضَ سَوْءٍ فَأَرَى أَنْ لَا يُبَاحَ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ اتِّخَاذُهُ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ لِمَعْصِيَةٍ، أَوْ لِمُبَاهَاةٍ لَا لِقَصْدٍ حَسَنٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَمَّا خَاتَمُ النُّحَاسِ فَمَكْرُوهٌ إلَّا لِمَنْ بِهِ صَفْرَاءُ فَيَتَخَتَّمُ بِهِ لِلتَّدَاوِي انْتَهَى. وَمِثْلُهُ مَا يُجْعَلُ فِي الذِّرَاعِ وَنَحْوِهِ مِنْ النُّحَاسِ لِلتَّدَاوِي وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَذَكَرَ فِي أَوَاخِرِ جَامِعِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ التَّخَتُّمَ فِي الْيَمِينِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْسَرِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِ الْخَاتَمِ فِي يَمِينِهِ لِلْحَاجَةِ يَتَذَكَّرُهَا، أَوْ يَرْبِطُ خَيْطًا فِي أُصْبُعِهِ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي الْخِنْصَرِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ وَزْنَهُ دِرْهَمَانِ فِضَّةً وَفَصَّهُ مِنْهُ وَجَعَلَهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ وَانْظُرْ إنْ كَانَ أَثْقَلَ مِنْ هَذَا وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ خَاتَمًا فِي خِنْصَرِ الْيُمْنَى وَخَاتَمًا فِي خِنْصَرِ الْيُسْرَى هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ يُمْنَعُ؟ وَيُحْمَلُ أَنَّهُ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ انْتَهَى. وَفِي الْجَامِعِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: وَمِنْهَا أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنْ وَجْهِ كَرَاهَةِ مَالِكٍ التَّخَتُّمَ فِي الْيَمِينِ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا وَهَلْ يُسَامَحُ الْأَعْسَرُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ فَأَجَابَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ اسْتِحْسَانِ التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ هُوَ الصَّوَابُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْتَهُ حُجَّةٌ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا تُتَنَاوَلُ بِالْيَمِينِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَهُوَ إذَا أَرَادَ التَّخَتُّمَ تَنَاوَلَ الْخَاتَمَ بِيَمِينِهِ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْبَعَ بِهِ عَلَى مَالٍ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ شَيْءٍ تَنَاوَلَهُ بِيَمِينِهِ مِنْ شِمَالِهِ فَطَبَعَ بِهِ ثُمَّ رَدَّهُ فِي شِمَالِهِ إذْ أَصْلُ مَا اُتُّخِذَ الْخَاتَمُ لِلطَّبْعِ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا غَيْرَ مَطْبُوعٍ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْسَرِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ الْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ " فَصُّهُ مِنْهُ " كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ أَنَّ فَصَّهُ كَانَ حَبَشِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَبَشِيًّا أَيْ حَجَرًا مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ، أَوْ عَلَى لَوْنِ الْحَبَشَةِ، أَوْ كَانَ جَزَعًا، أَوْ عَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي فَصُّهُ مِنْهُ، وَنَسَبَهُ إلَى الْحَبَشَةِ لِصِفَةٍ فِيهِ إمَّا صِنَاعَةٌ، أَوْ نَقْشٌ انْتَهَى. وَالْفَصُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ فِيهِ الْكَسْرُ وَحَكَى ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ التَّثْلِيثَ [فَرْعٌ نَقْشُ الْخَوَاتِمِ وَنَقْشُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا عَلَيْهَا وَنَقْشُ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا] (فَرْعٌ) وَيَجُوزُ نَقْشُ الْخَوَاتِمِ وَنَقْشُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا عَلَيْهَا وَنَقْشُ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا قَالَ فِي الْإِكْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ ابْنِ بَطَّالٍ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مِنْ شَأْنِ الْخُلَفَاءِ وَالْقُضَاةِ نَقْشُ أَسْمَائِهِمْ فِي خَوَاتِمِهِمْ وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ "، وَنَقْشُ خَاتَمِ مَالِكٍ " حَسْبِي اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ " وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: «مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا» وَفِي كَلَامِ الْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ التَّعْبِيرُ بِلَا يَجُوزُ فِي الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَرَاهَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ وَالْيُسْرِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ فَصَّهُ كَانَ حَبَشِيًّا وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ مِنْ الْجِلْدِ وَالْعُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ طَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ إيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ

«كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ» فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا كَانَ حَدِيدًا صِرْفًا قَالَ وَقَدْ قَالَ النَّقَّاشُ فِي كِتَابِ الْأَحْجَارِ خَاتَمُ الْبُولَادِ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيَاطِينِ إذَا لَوَى عَلَيْهِ فِضَّةً فَهَذَا يُؤَيِّدُ الْمُغَايِرَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَلَوْ قَلَّ) ش: أَيْ لَا الْخَاتَمُ الَّذِي بَعْضُهُ فِضَّةٌ وَبَعْضُهُ ذَهَبٌ فَلَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُ الْخَاتَمِ الَّذِي بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ، أَوْ صَرِيحُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: وَأَمَّا الْخَاتَمُ فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اتِّخَاذُهُ وَلَا جُزْءٍ مِنْهُ ذَهَبًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ فِي بَعْضِ طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ إلَّا الْكَرَاهَةَ وَنَصَّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَجْعَلُ فِي فَصِّ خَاتَمِهِ مِسْمَارَ الذَّهَبِ فَكَرِهَ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ: فَيُخْلَطُ بِحَبَّةٍ، أَوْ حَبَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لِئَلَّا يَصْدَأَ فَكَرِهَ ابْنُ رُشْدٍ مِسْمَارَ الذَّهَبِ فِي الْخَاتَمِ كَالْعَلَمِ مِنْ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ مَالِكٌ يَكْرَهُهُ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ فَمَنْ تَرَكَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أُجِرَ، وَمَنْ فَعَلَهُ لَمْ يَأْثَمْ، وَخَلْطُ الْيَسِيرِ مِنْ الذَّهَبِ فِي الْفِضَّةِ كَالْجُزْءِ وَشِبْهِهِ. مَالِكٌ يَكْرَهُهُ وَغَيْرُهُ يُجِيزُهُ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ سِوَى شُرَّاحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَبْعُدُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ الْمُمَوَّهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَإِنَاءِ نَقْدٍ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ ذَكَرٍ وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ الْأَوَّلِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَالثَّانِي مِنْ إضَافَتِهِ لِمَفْعُولِهِ، أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِبْقَاءِ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى جَرِّهِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَحْسُنُ الْمُبَالَغَةُ فِي قَوْلِهِ: " وَإِنْ لِامْرَأَةٍ " أَيْ وَحَرَامٌ اسْتِعْمَالُ إنَاءِ النَّقْدِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ لِامْرَأَةٍ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى مُحَلًّى أَيْ وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ إنَاءَ النَّقْدِ، قَالَ: وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى " اسْتِعْمَالُ " فَيَجِبُ رَفْعُهُ - ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَهُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ إنَاءُ النَّقْدِ أَيْ اسْتِعْمَالُهُ انْتَهَى. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّصْبِ فَلَا تَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ إذْ يَصِيرُ تَقْرِيرُهُ وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ إنَاءَ نَقْدٍ، وَإِنْ كَانَ لِامْرَأَةٍ بَلْ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ اسْمَ كَانَ عَائِدٌ إلَى الْإِنَاءِ فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَهَا وَيَجُوزُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَنْ يَسْتَعْمِلُهَا مِنْ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْرِمُونَهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. ص (وَاقْتِنَاؤُهُ، وَإِنْ لِامْرَأَةٍ) ش: أَيْ ادِّخَارُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ، وَكَذَا يُحَرَّمُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى صِيَاغَتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَهُ وَأَتْلَفَهُ إذَا لَمْ يُتْلِفْ مِنْ الْعَيْنِ شَيْئًا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَأَمَّا بَيْعُهَا فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا تُمْلَكُ إجْمَاعًا كَذَا أَطْلَقَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَبَحَثَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُقَابِلُ الصَّنْعَةَ شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُقَابَلَةِ فَلَا يَسْلَمُ هَذَا الْحُكْمُ لِلْبَاجِيِّ قَالَ فِي الْعُمْدَةِ وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَنْ تَطَهَّرَ مِنْهُمَا أَثِمَ وَصَحَّ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: وَإِنْ كَانَتْ تُرَادُ لِلتَّجَمُّلِ فَذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ انْتَهَى بِالْمَعْنَى ص (وَفِي الْمُغَشَّى وَالْمُمَوَّهِ) ش: الْمُغَشَّى إنَاءٌ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ غُطِّيَ بِرَصَاصٍ، أَوْ نُحَاسٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَالْمُمَوَّهُ إنَاءٌ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ طُلِيَ بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمُغَشَّى وَاسْتَظْهَرَ فِي الْمُمَوَّهِ الْإِبَاحَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) بَلْ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَيْلٌ إلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ فِي الْمُغَشَّى، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ فَالْأَظْهَرُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ، وَالْمَنْعُ بَعِيدٌ

فرع اتخاذ الأواني من الفخار ومن العظام الطاهرة وغير ذلك

وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَظْهَرَهُ فِي الْإِكْمَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْخَاتَمَ الَّذِي بَعْضُهُ ذَهَبٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُهُمْ بِالْمُمَوَّهِ الطِّلَاءُ الَّذِي لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ وَلَوْ اجْتَمَعَ. وَاتُّفِقَ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَنْعِ فِيمَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ، وَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا إذَا بَلَغَ ذَهَبُهَا النِّصَابَ وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ هَذَا النُّحَاسَ الْمُكْفَتَ أَيْ الَّذِي يُحْفَرُ وَيُنْزَلُ فِيهِ فِضَّةٌ هَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ بِالْمُمَوَّهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَبِلَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. ص (وَالْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلْقَةِ) ش: الْمُضَبَّبُ إنَاءٌ مِنْ فَخَّارٍ، أَوْ عُودٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْكَسَرَ فَشُعِبَ كَسْرُهُ بِخُيُوطٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ جُمِعَ بِصَحِيفَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَذُو الْحَلْقَةِ إنَاءٌ مِنْ عُودٍ، أَوْ غَيْرِهِ جُعِلَ لَهُ حَلْقَةٌ وَكَالْمِرْآةِ وَاللَّوْحِ وَنَحْوِهِمَا وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلْقَةِ الْمَنْعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْجَوَازَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُشْرَبَ فِي إنَاءٍ مُضَبَّبٍ وَلَا يُنْظَرَ فِي مِرْآةٍ فِيهَا حَلْقَةٌ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي عَزَاهُ الْمَازِرِيُّ لِلْمَذْهَبِ، وَكَذَا بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْخِلَافِ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا كَرَاهَةُ الشُّرْبِ فِي الْإِنَاءِ الْمُضَبَّبِ كَمَا كُرِهَ النَّظَرُ فِي مِرْآةٍ فِيهَا حَلْقَةُ فِضَّةٍ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِعْمَالُ الْمُضَبَّبِ إذَا كَانَ يَسِيرًا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَعِلَّةُ مُجَرَّدِ السَّرَفِ لَا تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَأَوَانِي الْبِلَّوْرِ الَّتِي لَهَا الثَّمَنُ الْكَثِيرُ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهَا عِنْدَنَا جَائِزٌ غَيْرُ حَرَامٍ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلسَّرَفِ انْتَهَى. ص (وَإِنَاءِ الْجَوْهَرِ قَوْلَانِ) ش: كَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْفَيْرُوزَجِ، وَكَذَا الْبِلَّوْرُ كَمَا حَكَاهُ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْبِلَّوْرُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا كَسِنَّوْرِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ اللَّامُ كَسِبَطْرٍ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا كَتَنُّورِ حَكَاهَا فِي الْقَامُوسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَقِيقَ لَيْسَ مِنْهَا وَقَالَ ابْنُ الْكَرُوفِ أَرَى النَّفَاسَةَ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ نَفِيسًا فِي مَوْضِعٍ غَيْرَ نَفِيسٍ فِي غَيْرِهِ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ سَابِقٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا بِالْكَرَاهَةِ وَعَزَاهُ لِابْنِ سَابِقٍ وَحَكَاهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ قَالَهُ فِي الْإِكْمَالِ. (فَرْعٌ) هَلْ يَجُوزُ لُبْسِ الْخَاتَمِ مِنْ هَذِهِ الْجَوَاهِرِ أَوْ جَعْلُ الْفَصِّ مِنْهُ، أَوْ جَعْلُهَا فِي الْعُنُقِ، أَوْ الذِّرَاعِ وَنَحْوُ ذَلِكَ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى اتِّخَاذِ الْآنِيَةِ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [فَرْعٌ اتِّخَاذُ الْأَوَانِي مِنْ الْفَخَّارِ وَمِنْ الْعِظَامِ الطَّاهِرَةِ وَغَيْر ذَلِكَ] (فَرْعٌ) يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْأَوَانِي مِنْ الْفَخَّارِ، وَمِنْ الْحَدِيدِ، وَمِنْ الرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ، وَمِنْ الْخَشَبِ، وَمِنْ الْعِظَامِ الطَّاهِرَةِ إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْقَوَانِينِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ الْمُقَوْقَسُ الْقِبْطِيُّ صَاحِبُ مِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «حَدَّثَنِي الْمُقَوْقَسُ قَالَ

فرع الاكتحال بمرود الذهب والفضة

أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَحَ قَوَارِيرَ فَكَانَ يَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ» انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْمَسِيلِيُّ فِي نُكَتِ التَّفْسِيرِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى الْأَمِيرِ أَبِي الْحَسَنِ بِلُؤْلُؤَةٍ صَغِيرَةٍ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَاءِ الْعَذْبِ وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شُهُودٌ لَا بَأْسَ بِهِمْ انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّشَبُّهَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] إنَّمَا هِيَ لِلتَّغْلِيبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأُجَاجِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَجَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقًا) ش: قَالَ فِي الزَّاهِي وَمَا اتَّخَذَهُ النِّسَاءُ لِشُعُورِهِنَّ وَأَزْرَارِ جُيُوبِهِنَّ وَأَقْفَالِ ثِيَابِهِنَّ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى لِبَاسِهِنَّ فَجَائِزٌ. اُنْظُرْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِشُعُورِهِنَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يُلَفِّفُنَّ فِيهِ شُعُورَهُنَّ لَا الْمِشْطُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَالْمُدْهُنِ بَلْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمِشْطَ الْمُضَبَّبَ كَالْإِنَاءِ الْمُضَبَّبِ وَقَبِلَهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (غَرِيبَةٌ) ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ لِلنِّسَاءِ وَقَالَ: لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْنَ الذَّهَبَ فَلْيُصَفِّرْنَهُ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ شِبْهِهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ نَعْلًا) ش: وَكَذَا الْقَبْقَابُ. وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْخِلَافِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا جَعْلُ الْقَبْقَابِ مِنْ الْفِضَّةِ فَأَحْفَظُ لِأَبِي حَفْصِ بْنِ الْعَطَّارِ أَنَّهُ حَكَى خِلَافًا فِي ذَلِكَ عَنْ الْقَرَوِيِّينَ هَلْ هُوَ مِنْ اللِّبَاسِ، أَوْ الْأَوَانِي؟ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْفِرَاشِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الْمَنْعَ فِي الْقَبْقَابِ انْتَهَى. قَالَ فِي الزَّاهِي وَلَيْسَ اتِّخَاذُ النَّعْلِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُلِيِّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ الْحُلِيِّ فَقَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي كَلَامِ أَبِي حَفْصٍ الْمُتَقَدِّمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (لَا كَسَرِيرٍ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَكَذَا الْمَكَاحِلُ وَالْمَرَايَا الْمُحَلَّاةُ وَأَقْفَالُ الصَّنَادِيقِ وَالْأَسِرَّةُ وَالْمَذَابُّ وَالْمِقْرَمَاتِ وَشِبْهُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَلَا تَحْلِيَتُهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَا لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ مَا يُتَّخَذُ فِي الْجُدْرَانِ وَالسُّقُوفِ وَالْأَخْشَابِ كَمَا فِي الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الزَّاهِي: وَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ رُءُوسًا لِلزُّجَاجِ وَأَزْرَارًا وَأَقْفَالًا لِثِيَابِ الرِّجَالِ وَقَصَبًا لِلْأَطْفَالِ وَالْكِبَارِ وَأَغْشِيَةً لِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الْأَحْرَاز وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالْمَرَايَا جَمْعُ مِرْآةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَصَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُجَوَّفُ وَالْمَذَابُّ جَمْعُ مِذَبَّةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُطْرَدُ بِهِ الذُّبَابُ وَالْأَسِرَّةُ جَمْعُ سَرِيرٍ وَالْمِقْرَمَاتُ جَمْعُ مِقْرَمَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ سِتْرٌ فِيهِ نَقْشٌ وَتَصَاوِيرُ وَقَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. [فَرْعٌ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجِيزُ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَقُولُ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّدَاوِي كَجَعْلِ الذَّهَبِ فِي الْمَاءِ لِقُوَّةِ الْقَلْبِ وَطَفْيِهِ كَذَلِكَ وَعِنْدِي أَنَا مِرْوَدٌ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْنَاهُ فِي تَرْكِهِ نِصْفُهُ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَسَأَلْتُ عَنْهُ بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ فَقَالَ أَحْسَنُ الْمَرَاوِدِ عُودُ الْآبِنُوسِ وَيَلِيهِ الذَّهَبُ وَيَلِيهِ الْفِضَّةُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ حَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّدَاوِي بِجَعْلِ الْأَنْفِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي أَنَّ الطَّبِيبَ إذَا قَالَ لِلْعَلِيلِ مِنْ مَنَافِعِكَ طَبْخُ غِذَائِكَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. [فَرْعٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَكْرَهُ تَزْوِيقَ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ فَإِنْ كَانَتْ حَيْثُ لَا تَشْغَلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَرَأَيْت ذَلِكَ فِي جَامِعِ الْقَيْرَوَانِ، وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ قُرُونٌ وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ مَنْ يُنْكِرُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ فَقَالَ لِي شَيْخُنَا الْإِمَامُ: إنَّ الْوُلَاةَ هُمْ الَّذِينَ وَضَعُوهُ وَجُدِّدَ فِي وَقْتِ إمَامَتِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - مَكْرُوهًا. [فَصْلٌ بَيَانِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ] ص (فَصْلٌ هَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ، وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ

سُنَّةٌ، أَوْ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ خِلَافٌ) ش لَمَّا ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ الْأَشْيَاءَ الطَّاهِرَةَ وَالْأَشْيَاءَ النَّجِسَةَ أَتْبَعَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِبَيَانِ حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَبَيَانِ مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيَانِ كَيْفِيَّةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَدَأَ بِبَيَانِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ وَقَوْلُهُ إزَالَةُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ سُنَّةٌ وَقَوْلُهُ، أَوْ وَاجِبَةٌ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: إنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُبْتَدَأُ الَّذِي قَبْلَهُ أَعْنِي إزَالَةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا بَلْ هُوَ مُبْتَدَأٌ أُخْبِرَ عَنْهُ بِأَحَدِ خَبَرَيْنِ. وَهَلْ اسْتِفْهَامٌ عَنْ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ خِلَافٌ هُوَ الْمُعَيَّنُ لِذَلِكَ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ تَقْدِيرُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ الْمُصَلِّي وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: فَقِيلَ: إنَّ إزَالَتَهَا عَنْ ذَلِكَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهَا، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ. وَقِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ ذِكْرِ النَّجَاسَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهَا بِوُجُودِ مَاءٍ مُطْلَقٍ يُزِيلُهَا بِهِ، أَوْ وُجُودِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ، أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَكَانِ النَّجِسِ إلَى مَكَان طَاهِرٍ. وَأَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ لَهَا وَالْعَجْزِ عَنْ إزَالَتِهَا فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بَلْ تَكُونُ حِينَئِذٍ سُنَّةً كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ شَهَرَ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ وَأَنَّ طَرِيقَةَ اللَّخْمِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ: وَصَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى ذِكْرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. (قُلْتُ:) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي التَّعْبِيرِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْنَى تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِحُكْمِهَا، أَوْ جَاهِلًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ أَبَدًا، وَمَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا لَهَا، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا، أَوْ عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا سُنَّةٌ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ " تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ " وَذِكْرِ كَلَامِ مَنْ وَافَقَهُ مِنْ الشُّيُوخِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ رَفْعَ النَّجَاسَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ سُنَّةٌ، فَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَلَى مَذْهَبِهِ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا بِنَجَاسَةٍ، أَوْ مُضْطَرًّا إلَى الصَّلَاةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. وَأَمَّا مَنْ صَلَّى عَالِمًا غَيْرَ مُضْطَرٍّ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ عَامِدًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ رَفْعَ النَّجَاسَاتِ عَنْ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ فَرْضٌ بِالذِّكْرِ سَاقِطٌ بِالنِّسْيَانِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ وَلَا يُعِيدُ إلَّا فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرْضٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ تَحَرُّزًا مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ انْتَهَى فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ

وَاحِدٌ بَلْ فِي كَلَامِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ارْتِضَاءٌ لِلْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى: إنَّهَا عِبَارَةٌ غَيْرُ مُخَلِّصَةٍ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ فَقِيلَ: فَرْضٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَبَدًا عَالِمًا كَانَ، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، وَقِيلَ: إنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ نَاسِيًا، أَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ. وَأَمَّا مَنْ صَلَّى بِهِ مُتَعَمِّدًا، أَوْ جَاهِلًا وَهُوَ يَجِدُ ثَوْبًا طَاهِرًا أَعَادَ أَبَدًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ عَامِدًا مُسْتَخِفًّا بِصَلَاتِهِ، أَوْ جَاهِلًا وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ رَفْعِ النَّجَاسَةِ بِأَنَّهُ فَرْضٌ بِالذِّكْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدِي بِعِبَارَةٍ مُخَلِّصَةٍ، وَقَدْ رَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَامِدًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْوَقْتِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَنْ مَسَحَ الْمَحَاجِمَ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: لِلِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْحِ إذْ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: مَعْنَاهُ نَاسِيًا انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ مِنْ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمِمَّنْ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِزَالَةَ سُنَّةٌ ابْنُ يُونُسَ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ بِأَنَّ مَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا يُعِيدُ أَبَدًا قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ وَالِاسْتِجْمَارَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ مَيْتَةٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ، وَلَوْ اسْتَجْمَرَ سَاهِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ صَلَّى بِهَا فِي ثَوْبِهِ. وَابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ عَظْمِهَا أَوْ لَحْمِهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى بِذَلِكَ نَاسِيًا انْتَهَى. وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَاسِحِ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ إذَا صَلَّى بَعْدَ الْبُرْءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا كَمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَمِمَّنْ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي تَرْجَمَةِ أَقْسَامِ الطَّهَارَةِ، وَفِي تَرْجَمَةِ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ، أَوْ حَرِيرٍ، وَفِي بَابِ الرُّعَافِ وَمَعَ ذَلِكَ فَكَلَامُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ عَامِدًا يُعِيدُ أَبَدًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ ذِكْرِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَنَصُّهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، أَوْ وُجُوبَ السُّنَنِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّمَكُّنِ لِنَصِّ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ نَاسِيًا، أَوْ ذَاكِرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إزَالَتُهَا فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا كَمَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِمْ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا، أَوْ عَلَى ثَوْبٍ طَاهِرٍ: إنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ مَا هَذَا سَبِيلُهُ فَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا: لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ وَسَحْنُونٌ فِيمَنْ تَرَكَ السُّورَةَ عَامِدًا: إنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ إنَّهُ مَسْنُونٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَامِدًا أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ جَمِيعُهُ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَأَنْتَ تَرَى صَاحِبَ التَّهْذِيبِ مَعَ تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ قَدْ ارْتَضَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا، وَحِكَايَةُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ عَنْ أَشْهَبَ، وَنَحْوُ هَذَا لِلتِّلْمِسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ آدَابِ الْإِحْدَاثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ: إنَّ حُكْمَ كُلِّ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لِسَهْوٍ، أَوْ عَدَمِ مَا يُزِيلُهَا بِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَمَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا قَادِرًا أَعَادَ أَبَدًا عَلَى ظَاهِرِ

الْمَذْهَبِ انْتَهَى. فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مُؤَدَّى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي التَّفْرِيعِ وَاحِدٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّفَارِيعَ الْآتِيَةَ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إنَّمَا تَتَمَشَّى عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهُ وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ كَذِكْرِهَا فِيهَا. (تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْبِيرِ بِالسُّنِّيَّةِ، أَوْ الْوُجُوبِ إنَّمَا ذَلِكَ حَيْثُ أَرَدْنَا بَيَانَ الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ نُرِدْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي وُجُودِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَالْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ وَابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى. فَإِنْ قُلْتَ سَيَأْتِي أَنَّ فِي بُطْلَانِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ عَامِدًا قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا هُوَ الْمَشْهُورُ الثَّانِي. (قُلْتُ:) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَهُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْعُمْدَةُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى النُّصُوصِ فِيهَا لَا عَلَى مَا يَتَخَرَّجُ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ فَتَأَمَّلْهُ. فَإِنْ قُلْتَ: لَعَلَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي تَأْثِيمِ الْعَامِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَعَدَمِ تَأْثِيمِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ. (قُلْتُ:) صَرَّحَ فِي الْمَعُونَةِ بِأَنَّ الْعَامِدَ آثِمٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ وَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ أَبَدًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيَّ أَنَّهُ ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَأْثِيمِ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ بِهَا، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ وَاسْتُشْكِلَ إذْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُجُوبِ، وَعِنْدِي أَنَّ التَّأْثِيمَ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَفِي الْوَاجِبِ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الطُّرُقَ اخْتَلَفَتْ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَ طُرُقٍ: الْأُولَى: لِابْنِ الْقَصَّارِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّلْقِينِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْخِلَافِ فِي إعَادَةِ الْمُصَلِّي بِهَا فَعَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِيَّتِهَا. الثَّانِيَةُ: لِلْجَلَّابِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْبَيَانِ وَالْأَجْوِبَةِ بِلَا خِلَافٍ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِعَادَةِ لِتَرْكِ السُّنَنِ عَمْدًا. الثَّالِثَةُ: لِلْمَعُونَةِ فِيهَا رِوَايَتَانِ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ. الرَّابِعَةُ: لِلَّخْمِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْوُجُوبُ وَالسُّنِّيَّةُ وَالثَّالِثُ الْوُجُوبُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ. (قُلْتُ:) تَبِعَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي عَزْوِ الطَّرِيقِ الْأُولَى لِلرِّسَالَةِ ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ، فَقَالَ: وَطَهَارَةُ الْبُقْعَةِ لِلصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ، وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، وَقِيلَ: وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَكَذَا اعْتَرَضَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَزْوِهِ الطَّرِيقَ الْأُولَى لِلرِّسَالَةِ، وَفِي عَزْوِ ابْنِ عَرَفَةَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةِ لِلْبَيَانِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمُ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِيهَا وَأَنَّ الْمَشْهُورَ السُّنِّيَّةُ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى عَزْوِ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِلَّخْمِيِّ وَعَزَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلًا رَابِعًا بِالِاسْتِحْبَابِ. (تَنْبِيهٌ) نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْأَوَّلُ وَأُسْقِطَ مِنْهُ لَفْظَةٌ فَسَدَ بِهَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، أَوْ مُضْطَرًّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ فَيُوهِمُ أَنَّ حُكْمَ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ كَالنَّاسِي وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ جَاهِلًا بِنَجَاسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا، وَقَدْ رَاجَعْتُ مِنْهَا نُسَخًا مُتَعَدِّدَةً فَوَجَدْتُهَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُفَرِّعُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا وَلَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَهُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا

وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ لَا يُرِيدُ بِهِ خُصُوصِيَّةَ الثَّوْبِ بَلْ الْمُرَادُ كُلُّ مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ مِنْ خُفٍّ وَسَيْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ مُصَلٍّ أَيْ مَرِيدُ الصَّلَاةِ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ تَجَنُّبَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ قَصْدِ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ، أَوْ بِفِعْلٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: وَأَمَّا تَجَنُّبُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ وَيُكْرَهُ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُعْرَقُ فِيهِ، وَقِيلَ: إنَّ تَجَنُّبَهَا وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَجِّسَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ: حَتَّى لَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّغَائِرِ. (قُلْتُ:) وَجَعَلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِهِ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ، فَقَالَ: أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ الصَّغِيرَ وَالْحَائِضَ وَالْجُنُبَ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْإِزَالَةُ إلَّا عِنْدَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَوْ فِعْلِهَا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَعِنْدَ الطُّهْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: إنَّهَا فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهَا فَهِيَ مِنْ السَّرَائِرِ الَّتِي تُبْلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي مَعَ هَذَا تَنْظِيفُ ثَوْبِهِ وَأَنْ يُعِدَّ مَنْ وَجَدَ لِلْخَلَاءِ ثَوْبًا يَنْفِي بِهِ الشَّكَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ جَازَ أَنْ يَأْتِيَ الْخَلَاءَ وَيُجَامِعَ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ إعْدَادِ ثَوْبِ الْخَلَاءِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَنَكَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ مُصَلٍّ لِيَشْمَلَ الْمُفْتَرِضَ وَالْمُتَنَفِّلَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ بِنَجَاسَةٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْعَقِدْ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَطَرَأَتْ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مُحْدِثًا مُتَعَمِّدًا قَالَهُ سَنَدٌ. (قُلْتُ:) ، وَقَدْ عَدَّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَكُونُ رِدَّةً الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ النَّافِلَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَكَيْفَ يَجِبُ لَهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ شَرْحِ الْخُطْبَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ مَعْنَيَانِ مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ وَمِثْلُ الْوُضُوءِ لِلنَّافِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَلَوْ تَعَدَّدَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ مِنْ مَحَلٍّ دُونَ مَحَلٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقْلِيلَ النَّجَاسَةِ مَطْلُوبٌ بِخِلَافِ غَسْلِ بَعْضِ مَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّ غَسْلَهُ يَزِيدُهُ انْتِشَارًا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُرْضِعِ وَلْتَدْرَأْ الْبَوْلَ جُهْدَهَا وَقَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ يَعْنِي أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ تُطْلَبُ مِنْ ثَوْبِ الْمُصَلِّي وَعَنْ كُلِّ مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ. وَلَوْ كَانَ طَرَفُ ذَلِكَ الثَّوْبِ، أَوْ الْعِمَامَةِ، أَوْ نَحْوَهُ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُعَدُّ حَامِلًا لِذَلِكَ فِي الْعُرْفِ وَلِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِ الْمُصَلِّي، وَقِيلَ: لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ بِلَوْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي طَرَفِ عِمَامَتِهِ سَوَاءٌ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إنْ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَنَجَاسَةُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ مُعْتَبَرَةٌ، وَقِيلَ: إنْ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ عَاتٍ، فَقَالَ: إنْ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ جَعَلَهَا كَالْحَصِيرِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهَا وَيَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ فَالْأَرْجَحُ فِي الْعِمَامَةِ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ حَامِلًا لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَالْأَرْجَحُ فِي

الْحَصِيرِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَتَقْيِيدُنَا طَرَفَ الْعِمَامَةِ بِكَوْنِهِ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ يُؤْخَذُ مِنْ الْإِغْيَاءِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا حَسُنَ الْإِغْيَاءُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ غَيْرَ طَرَفِ عِمَامَتِهِ، وَلَوْ كَانَ طَرَفَ عِمَامَتِهِ. وَقَوْلُهُ وَبَدَنُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ثَوْبٍ وَيَعْنِي أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مَطْلُوبَةٌ عَنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي أَيْضًا كَطَلَبِ إزَالَتِهَا عَنْ ثَوْبِهِ وَلَا شَكَّ فِي تَنَاوُلِهِ لِظَاهِرِ جَسَدِ الْمُصَلِّي وَلِمَا هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ كَدَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ سَنَدٌ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ دَاخِلُ الْعَيْنَيْنِ فَلَوْ اكْتَحَلَ بِمَرَارَةِ خِنْزِيرٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَمَرْنَاهُ بِغَسْلِ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ أُذُنَيْهِ نَجَاسَةٌ أُمِرَ بِمَسْحِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ صِمَاخَيْهِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَنْ دَمِيَ فَمُهُ فَمَجَّ الرِّيقُ حَتَّى انْقَطَعَ الدَّمُ لَمْ يَطْهُرْ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الرُّعَافِ بِأَنَّ دَاخِلَ الْفَمِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَهَذَا بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَإِنَّ دَاخِلَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَكَذَلِكَ دَاخِلُ الْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَاطِنِ الْجَسَدِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَاخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنْهُ إذَا أُدْخِلَتْ فِيهِ أَمْ لَا. أَمَّا مَا يَتَوَلَّدُ فِي بَاطِنِ الْآدَمِيِّ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا أُدْخِلَ إلَى الْبَاطِنِ مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ شَيْئًا نَجِسًا، فَقَالَ التُّونُسِيُّ: مَا يُدَاخِلُ الْجَسَدَ مِنْ طَهَارَةٍ أَوْ نَجَاسَةٍ لَغْوٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: مَا أُدْخِلَ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ كَمَا بِظَاهِرِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ نَجَاسَةٍ أُدْخِلَتْ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ كَمَا بِظَاهِرِهِ وَلَغْوَهَا. نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُعِيدُ شَارِبُ قَلِيلِ خَمْرٍ لَا يُسْكِرُهُ صَلَاتَهُ أَبَدًا مُدَّةَ مَا يَرَى بَقَاءَهَا بِبَطْنِهِ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ: مَا يُدَاخِلُ الْجَسَدَ مِنْ طَهَارَةٍ، أَوْ نَجَاسَةٍ لَغْوٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَانَ عِنْدِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ لَفْظَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَاقْتَصَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالثَّمَانِينَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، فَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّجَسِ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ، أَوْ بَاطِنِهِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الشَّاطِرِ وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَانْظُرْ إذَا تَابَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَقَايَأَ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَيَصِيرُ كَصَاحِبِ السَّلَسِ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَا يُخْتَلَفُ فِيمَنْ اسْتَدَانَ لِفَسَادٍ وَتَابَ هَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَقَطَعَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ بِالْأَوَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِذَلِكَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَيْءِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتُبْ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ الْقَيْءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَعَلَى قَوْلِ التُّونُسِيِّ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يَتَحَفَّظُ عَلَى ثَوْبِهِ وَفَمِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّجَاسَاتِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَقَوْلُهُ: " وَمَكَانِهِ " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثَوْبٍ وَيَعْنِي أَنَّ النَّجَاسَةَ تُطْلَبُ إزَالَتُهَا عَنْ مَكَانِ الْمُصَلِّي أَيْضًا كَطَلَبِ إزَالَتِهَا عَنْ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَكَانِ مَحَلُّ قِيَامِهِ وَسُجُودِهِ وَقُعُودِهِ وَمَوْضِعِ كَفِيهِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلْيَكُنْ كُلُّ مَا يُمَاسُّ بَدَنَ الْمُصَلِّي عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ طَاهِرًا. وَقَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ: وَأَمَّا مَا لَا يَمَسُّهُ فَلَا يَضُرُّهُ انْتَهَى. وَلَا يَضُرُّهُ مَا كَانَ أَمَامَهُ، أَوْ عَلَى يَمِينَهُ أَوْ شِمَالِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ جِدَارُ مِرْحَاضٍ، أَوْ قَبْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مَوْضِعُهُ طَاهِرًا. قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى الْجِدَارِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَحَلُّ قِيَامِ الْمُصَلِّي وَقُعُودِهِ وَسُجُودِهِ وَمَوْضِعِ كَفِيهِ لَا أَمَامَهُ، أَوْ يَمِينَهُ، أَوْ شِمَالَهُ انْتَهَى. . وَقَالَ سَنَدٌ: إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْجِدَارِ نَجِسًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ إلَى

النَّجَاسَةِ وَهِيَ أَمَامَهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَعِيدَةً جِدًّا، أَوْ يُوَارِيَهَا عَنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ دُونَهَا مَا لَا يُوَارِيهَا فَذَلِكَ كَلَا شَيْءٍ قَالَ: وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْجِدَارِ طَاهِرًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِدَاءً كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَاجِهَ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مُتَنَجِّسٌ انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى جِدَارِ الْمِرْحَاضِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ وَالْمَأْبُونِ فِي دُبُرِهِ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ وَصَلَّى حِذَاءَهُمْ، أَوْ هُمْ أَمَامَهُ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا فِي وَقْتٍ، وَلَا فِي غَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ تَعْظِيمَ شَأْنِ الْقِبْلَةِ فَمِنْ الِاخْتِيَارِ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُنَزِّهَ قِبْلَتَهُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ: وَسُقُوطُ طَرَفِ ثَوْبِ الْمُصَلِّي عَلَى جَافِّ نَجَاسَةٍ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ لَغْوٌ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَحْكِ عِيَاضٌ غَيْرَهُ قَالَ: وَمِثْلُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ مَتَى كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا يُلَاقِيهِ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِ الْمُصَلِّي فَلَا يُعِيدُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَحْفَظُ فِي الْإِكْمَالِ أَنَّ ثِيَابَ الْمُصَلِّي إذَا كَانَتْ تُمَاسُّ النَّجَاسَةَ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهَا فَلَا تَضُرُّهُ. وَفَرَّعَ الْبُرْزُلِيُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَلَّى إلَى جَنْبِ مَنْ يَتَحَقَّقُ نَجَاسَةُ ثِيَابِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَجْلِسُ عَلَيْهَا، أَوْ يَسْجُدُ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَأَمَّا إنْ لَاصَقَهُ فَلَا يَضُرُّهُ. وَأَمَّا إنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَسْتَنِدُ الْمُصَلِّي لِحَائِضٍ، وَلَا لِجُنُبٍ فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُسْتَنِدَ شَرِيكُ الْمُسْتَنَدِ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لِنَجَاسَةِ ثِيَابِهِ وَيُعِيدُ إنْ فَعَلَ فِي الْوَقْتِ. وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ أَثَرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ عَنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِفُ عِيَاضًا فِيمَا قَالَهُ وَيَرَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى عَلَى نَجَاسَةٍ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى فِرَاشٍ يُحَاذِي صَدْرَهُ مِنْهُ ثَقْبٌ بِأَسْفَلِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تَمَسَّهُ أَنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ مَا يُبَاشِرُهُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَارْتَضَاهُ ابْنُ نَاجِي هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَيَكْفِيهِ قَبُولُ ابْنِ عَرَفَةَ لَهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ذَكَرَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ طَرَفَ الْعِمَامَةِ عَلَى النَّجَاسَةِ لَا يَضُرُّ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الطَّرَفِ نَجِسًا، أَوْ مَوْضُوعًا عَلَى النَّجَاسَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ أَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ فِيهَا. (فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ بَيْنَ رُكْبَتَيْ الْمُصَلِّي وَوَجْهِهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ سَنَدٌ إنْ رَآهَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ خَلْفَ عَقِبِهِ، أَوْ قُدَّامَ أَصَابِعِهِ فَتَحَوَّلَ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَثَرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ بَعْضِ فُضَلَاءِ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى فِرَاشٍ يُحَاذِي صَدْرَهُ مِنْهُ ثَقْبٌ أَسْفَلَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُمَاسَّهُ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ مَا يُبَاشِرُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ النِّعَالِ وَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ عَلَى يَسَارِهِ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ فَلَا يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى يَمِينِ غَيْرِهِ فَيَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ كَانَ بَيْنَ ذَقَنِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلْيَتَحَفَّظْ أَنْ يُحَرِّكَهُ فِي صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُبَاشِرًا لَهُ فِيهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ لِأَجْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ خِرْقَةٌ، أَوْ مَحْفَظَةٌ يَجْعَلُهُ فِيهَا انْتَهَى. فَإِنْ فَعَلَ وَحَرَّكَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي، فَقَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مُحَاذَاةِ صَدْرِهِ وَبَطْنِهِ إنْ سَجَدَ انْتَهَى. وَكَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يَجِدَ الشَّخْصُ بَيْنَ يَدَيْهِ رِيشَةَ حَمَامٍ فَيَتَجَافَى عَنْهَا بِصَدْرِهِ وَيَسْجُدُ وَتَصِيرُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَوَجْهِهِ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ مُصَلًّى وَيُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ فَلَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا نَادِرًا. وَسَمِعْتُ سَيِّدِي الْوَالِدِ يَحْكِي عَنْ

بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِمَّا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى ثَوْبِ مُصَلٍّ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ مَعْطُوفٌ عَلَى طَرَفِ عِمَامَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مُشَارَكَتُهُ لَهُ انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْ طَرَفِ حَصِيرٍ لِمُصَلٍّ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَصِيرِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ فَرَشَهُ الْمُصَلِّي وَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَانَ فِي طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُلَابِسُهَا الْمُصَلِّي فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى طَرَفِ حَصِيرٍ بِطَرَفِهِ الْآخَرِ نَجَاسَةٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَإِنْ تَحَرَّكَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِطَهَارَةِ بُقْعَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى مُرَاعَاةِ تَحَرُّكِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَذَكَرَ التَّعْلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَحَرَّكَ فَقَوْلَانِ انْتَهَى. وَرَجَّحَ سَنَدٌ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَلَوْ تَحَرَّكَ قَالَ: كَالْمَرْكِبِ يَكُونُ فِي بَعْضِ خَشَبَةٍ نَجَاسَةٌ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي وَكَالسَّقْفِ يَضْطَرِبُ بِالْمُصَلِّي، وَفِي بَعْضِ أَرْضِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ إجْمَاعًا وَمِثْلُهُ مَنْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ وَعَلَى الْحَصِيرِ ثَوْبٌ نَجِسٌ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحَصِيرِ، وَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. ، وَقَدْ سَبَقَهُ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَنَقْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ اعْتِبَارَ نَجَاسَةِ طَرَفِ الْحَصِيرِ سَاكِنَةً لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) حَمَلَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ وَشُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لَفْظِهَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ الْمُرَادُ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ الْمُوَالِي لِلْأَرْضِ وَالْوَجْهُ الْمُوَالِي لِلْمُصَلِّي طَاهِرٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَنَجَاسَةٍ فُرِشَ عَلَيْهَا ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَقَبِلَهُ الْوَانُّوغِيُّ وَالْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْهَيْدُورَةِ تَكُونُ النَّجَاسَةُ بِأَحَدِ وَجْهَيْهَا دُونَ الْآخَرِ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الْفَقِيهِ أَبِي مَيْمُونَةَ فَقِيهِ فَاسَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَالْجَارِي عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَفْصٍ وَقَبِلُوهُ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْإِبْيَانِيُّ فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ الْآتِيَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْفِرَاشِ النَّجِسِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَنْفُذْ النَّجَاسَاتُ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِي الْمُصَلِّي وَالْهَيْدُورَةُ الْجِلْدُ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا طَاهِرًا كَثِيفًا وَيُصَلِّي عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ فِيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ بِمَقْلُوبِ مَحَلِّ الْمُصَلِّي مِنْ حُصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ تَنْفُذْ لَا تَضُرُّ وَقَدْ نَصُّوا عَلَيْهِ حَتَّى فِي النَّعْلِ يَكُونُ فِي أَسْفَلِهَا نَجَاسَةٌ فَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ فِي قِيَامِهِ عَلَى وَجْهَيْهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَثَرُ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ ثِيَابِ الْمُصَلِّي إذَا كَانَتْ تُمَاسُّ النَّجَاسَةَ. وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّ مَنْ حَرَّكَ نَعْلَهُ وَهِيَ فِي وِعَاءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ، أَوْ يَقْطَعُ فَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ بِيَدِهِ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَةِ النَّعْلِ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِنَادِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ نَجَاسَةُ النَّعْلِ فَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَغْلِبُ الْأَصْلُ فِيهَا عَلَى الْغَالِبِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا بِصَدْرِهِ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ مَنْ فَرَشَ طَاهِرًا عَلَى مُتَنَجِّسٍ، أَوْ نَجِسٍ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا جَازَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَفِيهِ خِلَافٌ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الصِّحَّةُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: أَفْتَى ابْنُ قَدَّاحٍ بِأَنَّ مَنْ حَرَّكَ نَعْلَهُ، أَوْ رَفَعَهُ فِي مَحْفَظَةٍ، أَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ صَدْرِهِ لَمَّا يَسْجُدُ وَهُوَ فِي مَحْفَظَةٍ أَنَّهُ يَقْطَعُ. وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ هَذَا إغْرَاقٌ فِي الْفَتْوَى وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ نَعْلَهُ، وَلَوْ مُبَاشَرَةً أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي غَلَبَ فِيهَا الْأَصْلُ عَلَى الْغَالِبِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا لَا أَعْرِفُهُ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْقَطْعِ فِيمَنْ حَرَّكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّكَ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَالْقَطْعُ فِيمَنْ رَفَعَهَا؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ

وَمَسَائِلُهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُحَقَّقِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَحَرِّكِ وَالْحَامِلِ هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ بَيْتِ الشَّعْرِ، أَوْ الْخِبَاءِ إذَا كَانَ فِي أَطْرَافِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ بَوْلُ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ كَانَ سَطْحُ رَأْسِ الْمُصَلِّي يُمَاسُّ الْخِبَاءَ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْعِمَامَةِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ فَلَا يَضُرُّهُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ السَّقْفِ إذَا كَانَتْ فِيهِ كُوَّةٌ تَقَابُلُ مِرْحَاضًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، أَوْ كَانَ فِي الْحَصِيرِ نَقْبٌ لَا تَصِلُ ثِيَابُ الْمُصَلِّي إلَى مَا تَحْتَهُ مِنْ النَّجَسِ لَكِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَعْلَى فَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَصِحُّ صَلَاةُ صَاحِبِ السَّقْفِ وَيُعِيدُ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْحَصِيرِ لِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ. وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ يُفْتِي بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ نَاجِي مَا يُؤَيِّدُ فَتْوَى الْغُبْرِينِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ إذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ طَرَفِ الْحَصِيرِ وَالْعِمَامَةِ، فَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ حَبْلٌ مَرْبُوطٌ بِطَرَفِهِ مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَ طَرَفُ الْحَبْلِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْبِسَاطِ، وَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي وَسَطِهِ، أَوْ مُمْسِكًا لَهُ بِيَدِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. (فَرْعٌ) قَالَ: فَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَرْبُوطًا فِي دَنِّ خَمْرٍ وَالدَّنُّ طَاهِرٌ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّنَّ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ وَعَقْدُ الْحَبْلِ بِالدَّنِّ كَعَقْدِ الْحَبْلِ بِحَبْلِ آخَرَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ: فَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَرْبُوطًا فِي قَارِبٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ جِرَارُ خَمْرٍ، أَوْ كَانَ الْقَارِبُ فِي مَاءٍ نَجِسٍ فَإِنْ كَانَ الرَّبْطُ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَحَرَّكَ تَحَرَّكَ الْقَارِبُ مَعَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ إنَّمَا يُعَدُّ مُمْسِكًا لِلْقَارِبِ وَالْقَارِبُ طَاهِرٌ وَالنَّجَاسَةُ جَاوَرَتْهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَبَطَهُ فِي رَأْسِ دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ عَلَى نَجَسٍ إلَّا أَنَّهُ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ طَرَفَ الْمِنْدِيلِ الْمُلْقَى إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي هَذَا الْفَرْعِ قَوْلَانِ قِيلَ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا فِي الْقَارِبِ لَا يُجْزِيهِ فَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَشْدُودًا بِرَأْسِ دَابَّةٍ عَلَيْهَا رَحْلٌ نَجِسٌ فَيَظْهَرُ هُنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً عَلَى بَوْلِهَا أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَهَا فِعْلٌ فَتُعَدُّ هِيَ الْحَامِلَةُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَارِبِ فَإِنَّهُ آلَةٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ عُودٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَرْبُوطٍ بِحَبْلٍ وَلِأَجْلِ هَذَا تُؤَثِّرُ النَّجَاسَةُ الَّتِي هُوَ عَائِمٌ فِيهَا، وَلَا تُؤَثِّرُ فِي الدَّابَّةِ النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ وَاقِفَةٌ عَلَيْهَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا الْأَخِيرِ تَرْجِيحُ الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَارِبِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ، أَوْ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ خِلَافُ شَرْطٍ عَدَمِيٍّ مَرْكَبٍ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ، وَلَا النَّافِيَةِ وَفِعْلُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُخَرَّجٌ مِنْ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ عَلَى مَا قُلْنَا فِي بَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَيُقَالُ تَقْدِيرُهُ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ، أَوْ مَكَانِهِ ذَاكِرًا قَادِرًا أَبَدًا وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ أَيْ، وَإِنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ إمَّا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَصْلًا، أَوْ عَلِمَ بِهَا وَنَسِيَهَا، أَوْ صَلَّى بِهَا عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ فِي الظُّهْرَيْنِ إلَى الِاصْفِرَارِ وَالْمُرَادُ بِالظُّهْرَيْنِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَيُغَلِّبُونَ الْأَخَفَّ كَالْعُمْرَيْنِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَالْمُذَكَّرَ كَالْقَمَرَيْنِ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْأَسْبَقَ كَالظُّهْرَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَفِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ مِنْ إعَادَةِ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُعِيدُهُمَا إلَى الْمَغْرِبِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ: يُعِيدُ الْعَاجِزُ لِلْغُرُوبِ وَالنَّاسِي لِلِاصْفِرَارِ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَجَعَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْمُعِيدِينَ لِصَلَاتِهِمْ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي الْأَبْيَاتِ الَّتِي نَظَمَهَا فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ

تنبيهات وقت الجمعة الذي تعاد فيها إذا صلاها بنجاسة

وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ اللَّيْلَ كُلَّهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (قُلْتُ:) هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْبَرَاذِعِيُّ فِي اخْتِصَارِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِهِ يَعْنِي وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ اللَّيْلُ كُلُّهُ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تُعَادُ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، فَقَالَ: فَيُعِيدُ الظُّهْرَ إلَى مِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعَصْرَ إلَى الِاصْفِرَارِ وَالْمَغْرِبَ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَالْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَخَرَّجَ الْبَاجِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِعَادَةِ الظُّهْرَيْنِ إلَى الِاصْفِرَارِ أَنَّ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تُعَادَانِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفِهِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْإِعَادَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ قَالَ: وَأَمَّا الصُّبْحُ فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَإِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَإِنْ قُلْنَا لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْإِسْفَارُ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إعَادَةُ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ وَالْعِشَاءَيْنِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي الصُّبْحِ رِوَايَتَانِ فَرُوِيَ عَنْهُ إلَى الْإِسْفَارِ. وَرُوِيَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تُعَادَانِ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ، وَالْفَجْرُ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ الظُّهْرَيْنِ بِالذِّكْرِ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ تُعَادَ إلَى الْغُرُوبِ كَمَا أَنَّ الْعِشَاءَيْنِ تُعَادَانِ إلَى الْفَجْرِ وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا هِيَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ فَأَشْبَهَتْ التَّنَفُّلَ فَكَمَا لَا يَتَنَفَّلُ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَذَلِكَ لَا يُعِيدُ فِيهِ إلَّا مَا وَجَبَتْ إعَادَتُهُ فِي الْوَقْتِ وَكَمَا جَازَ التَّنَفُّلُ اللَّيْلَ كُلَّهُ جَازَتْ الْإِعَادَةُ فِيهِ انْتَهَى. وَاعْتُرِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا هِيَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ وَبِأَنَّ كَرَاهَةَ النَّافِلَةِ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِمَا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ بَلْ تُكْرَهُ النَّافِلَةُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا تُعَادَ الصُّبْحُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ وَجَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَعْنِي عَدَمَ إعَادَةِ الصُّبْحِ بَعْدَ الْإِسْفَارِ ابْنُ الْكَرُوفِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تُعَادُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْحَاضِرَتَيْنِ نِسْيَانًا وَفِيمَنْ قَدَّمَ الْحَاضِرَةَ عَلَى الْفَوَائِتِ الْيَسِيرَةِ: إنَّهُ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لِلْغُرُوبِ. (قُلْتُ:) وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذِهِ الْإِيرَادَاتِ بِأَنْ يُقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ كَرَاهَةَ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْإِسْفَارِ أَشَدُّ مِنْهَا قَبْلَهُ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ قَبْلَهُ وَكَرَاهَتِهِمَا بَعْدَهُ، وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَتْ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ إلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَشْبَهَتْ النَّافِلَةَ فَمُنِعَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الْكَرَاهَةُ أَشَدُّ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وَالصُّبْحِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الصُّبْحِ قَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ وَقْتٌ مُخْتَارٌ لِلصُّبْحِ وَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهَا وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ أَنَّ التَّرْتِيبَ آكَدُ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْفَائِتَةَ، وَلَوْ أَدَّى لِخُرُوجِ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ وَيَصِيرُ قَضَاءً بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ غَسْلِهَا صَلَّى بِهَا وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ جَعَلَ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ إزَالَتَهَا سُنَّةٌ وَحَكَى فِيهَا قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ تَرْكَهَا مَعَ النِّسْيَانِ أَخَفُّ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ نَسِيَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَبْنِي، وَلَوْ طَالَ، وَمَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَطُلْ. [تَنْبِيهَاتٌ وَقْت الْجُمُعَةِ الَّذِي تُعَادُ فِيهَا إذَا صَلَّاهَا بِنَجَاسَةٍ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ الَّتِي تُعَادُ فِيهَا إذَا صَلَّاهَا بِنَجَاسَةٍ فَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ الْأَوَّلُ أَنَّ وَقْتَهَا يَخْرُجُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا وَعَزَاهُ فِي النَّوَادِرِ لِاخْتِيَارِ سَحْنُونٍ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِرِوَايَةِ سَحْنُونٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ. الثَّانِي أَنَّهُ يَخْرُجُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلظُّهْرِ وَعَزَاهُ فِي النَّوَادِرِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لَهُ

وَلِسَحْنُونٍ. الثَّالِثُ أَنَّهُ يُعِيدُهَا مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ وَعَزَاهُ فِي النَّوَادِرِ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ ابْنِ عَرَفَةَ (الثَّانِي) يَخْرُجُ وَقْتُ الْفَائِتَةِ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا فَلَا تُعَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا مُنْذُ شَهْرٍ فَصَلَّاهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِثَوْبٍ نَجِسٍ يُعِيدُهَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهَا: قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ بِتَمَامِهَا يَخْرُجُ وَقْتُهَا انْتَهَى. وَكَذَلِكَ لَا تُعَادُ النَّافِلَةُ إلَّا مَا سَيَأْتِي فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَنَّهُ يُعِيدُهُمَا بِالْقُرْبِ. (الثَّالِثُ) وَهَلْ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَاجِبَةٌ، أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إعَادَةَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي مَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ نَاجِي، فَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ ثُمَّ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ وَنَسِيَ أَنْ يُعِيدَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُعِيدُ أَبَدًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ نَسِيَ أَنْ يُعِيدَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَسِيَ بَلْ وَكَذَلِكَ الْعَامِدُ عِنْدَهُمْ قَالَ: وَاخْتَارَ ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ وَكَلَامُ سَنَدٍ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ النَّجَاسَةَ حَتَّى فَرَغَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا فَإِنْ تَعَمَّدَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسَائِلَ تُعَادُ فِيهَا الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ مَنْ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ نَسِيَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ بَعْدَهُ وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا بِالْإِعَادَةِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَيَجْرِي فِي كُلِّ مَنْ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِعَادَةِ الظُّهْرَيْنِ لِلْغُرُوبِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ الصَّلَاةَ كُلَّهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْرِكْ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَّا بَعْضَهَا فَقَدْ فَاتَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقْتُهَا انْتَهَى. وَعَلَى قِيَاسِهِ يُقَالُ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَالصُّبْحِ فَتَأَمَّلْهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ سُقُوطَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُصَلِّي مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ يُرِيدُ، وَلَوْ سَقَطَتْ عَنْهُ النَّجَاسَةُ مَكَانَهَا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَسَوَاءٌ أَمْكَنَهُ نَزْعُهَا، أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَسَوَاءٌ نَزَعَهَا، أَوْ لَمْ يَنْزِعْهَا، وَقَالَ مُطَرِّفٌ إنْ أَمْكَنَهُ نَزْعُهَا نَزَعَهَا وَبَنَى وَإِلَّا ابْتَدَأَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَزْعُهَا يَتَمَادَى لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيُعِيدُ، حَكَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَسْقَطَ الشَّارِحُ مِنْهُ قَوْلَهُ وَيُعِيدُ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خَلَلًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ فَرِيضَةً، أَوْ نَافِلَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ النَّافِلَةِ إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ حَمْلَ النَّجَاسَةِ، قَالَ سَنَدٌ: كَمَا لَوْ عَبَثَ بِقُرْحَةٍ فِي جَسَدِهِ عَامِدًا فَسَالَتْ عَلَى جَسَدِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ فَيَقْطَعُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا مَعَ سَعَةِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ كَمَا سَيَأْتِي. ص (كَذِكْرِهَا فِيهَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَبْتَدِئُ الْفَرْضَ بِإِقَامَةٍ وَلَا يَبْتَدِئُ النَّافِلَةَ إلَّا أَنْ يُحِبَّ، قَالَ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُهُ يَبْتَدِئُ بِإِقَامَةٍ طَالَ، أَوْ لَمْ يُطِلْ، وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ قَائِلًا؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ الْأُولَى كَانَتْ لِصَلَاةٍ فَاسِدَةٍ فَبَطَلَتْ لِبُطْلَانِهَا، وَقَالَ آخَرُونَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الطُّولِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بِالْقُرْبِ فَلَا يَفْتَقِرُ لِإِقَامَةٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَقَالَ لَا تَأْوِيلَانِ لِلشُّيُوخِ، وَقَالَ سَنَدٌ قَوْلُهُ فِي النَّافِلَةِ إلَّا أَنْ يُحِبَّ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَقْضِيَ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ لَا تُقْضَى بَلْ يُرِيدُ إلَّا أَنْ

فروع رأى أن النجاسة في الصلاة فلما هم بالقطع نسي وتمادى

يَتَطَوَّعَ بِنَافِلَةٍ أُخْرَى انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي الصَّلَاةِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ اسْتِحْسَانٌ (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا وَالْقَطْعُ مَشْرُوطٌ بِسِعَةِ الْوَقْتِ. وَأَمَّا مَعَ ضِيقِهِ فَقَالَ ابْنُ هَارُونَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي التَّمَادِي؛ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ النَّجَاسَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَآهَا وَخَشِيَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ وَالْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ لَتَمَادَى لِعَدَمِ قَضَاءِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الْجُمُعَةِ نَظَرٌ إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَدَلٌ انْتَهَى. وَتَرَدَّدَ سَنَدٌ فِي كَوْنِهِ يَقْطَعُ أَمْ لَا ثُمَّ رَجَّحَ الْقَطْعَ. (قُلْتُ:) وَالْمُرَادُ بِسِعَةِ الْوَقْتِ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ هُنَا الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (قُلْتُ:) وَهَذَا الْحُكْمُ يَجْرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّمَادِي فِي الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الرُّعَافِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فَيَجْرِي قَطْعُ الْمَأْمُومِ فِي الْجُمُعَةِ بِنَاءً عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا وَعَدَمِهِ وَيَقْطَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ نَزْعُ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا. [فُرُوعٌ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا هَمَّ بِالْقَطْعِ نَسِيَ وَتَمَادَى] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَوْ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا هَمَّ بِالْقَطْعِ نَسِيَ وَتَمَادَى قَالَ فِي الشَّامِلِ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ سَنَدٌ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الصِّحَّةَ. (الثَّانِي) لَوْ رَآهَا فِي الصَّلَاةِ فَقَطَعَهَا وَذَهَبَ لِيَغْسِلَهَا فَنَسِيَ وَصَلَّى بِهَا ثَانِيَةً قَالَ سَنَدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَهَلْ يَعْتَدُّ بِصَلَاتِهِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى بِهَا ابْتِدَاءً سَاهِيًا، أَوْ لَا يُعْفَى عَنْهُ لِمَوْضِعِ ذِكْرِهِ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ سَاهِيًا ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا قَبْلَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ سَنَدٌ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَحْتَ قَدَمِهِ فَرَآهَا فَتَحَوَّلَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ حِينَ رَآهَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَوْ خَلْفَ عَقِبِهِ، أَوْ قُدَّامَ أَصَابِعِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا عَلَيْهَا خَرَجَتْ عَلَى الْخِلَافِ فِي الثَّوْبِ، إذَا أَمْكَنَ طَرْحُهُ هَلْ يَقْطَعُ أَوْ يَتَحَوَّلُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ تَحْتِ الْبِسَاطِ تَحْتَ قَدَمِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ الْقَطْعُ فَكَذَلِكَ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَلَوْ رَأَى بِمَحَلِّ سُجُودِهِ نَجَاسَةً بَعْدَ رَفْعِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ مُتَنَحِّيًا عَنْهُ. وَقُلْتُ: يَقْطَعُ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ مَنْ عَلِمَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ، أَوْ شَرَّقَ، أَوْ غَرَّبَ قَطَعَ وَابْتَدَأَ صَلَاتَهُ بِإِقَامَةٍ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَأُخْبِرْتُ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي فُقَهَاءِ الْقَيْرَوَانِ فِيمَنْ رَأَى بِعِمَامَتِهِ بَعْدَ سُقُوطِهَا نَجَاسَةً فِي صَلَاتِهِ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَطْعُ. ص (لَا قَبْلَهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى النَّجَاسَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَرَهَا عَلَى الْمَعْرُوفِ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. ص (أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا) ش: هَذَا إذَا لَمْ يَحْمِلْ النَّعْلَ بِرِجْلِهِ وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ. وَأَمَّا إذَا حَرَّكَهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ وَالْبَرْزَلِيِّ وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَاجِي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّعْلِ يَنْزِعُهَا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَالثَّوْبِ تَبْطُلُ، وَلَوْ طَرَحَهُ أَنَّ الثَّوْبَ حَامِلٌ لَهُ وَالنَّعْلَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ وَالنَّجَاسَةَ فِي أَسْفَلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَةِ حَائِلًا كَثِيفًا فَإِذَا عَلِمَ بِتِلْكَ النَّجَاسَةِ أَزَالَ رِجْلَيْهِ غَيْرَ مُحَرِّكٍ لَهُ سَلِمَ مَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ وَتَحْرِيكِهَا قَالَ: وَهَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ سَنَدٌ عَنْ الْإِبْيَانِيِّ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: كَظَهْرِ حَصِيرٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ انْتَهَى. (قُلْتُ:) قَوْلُهُ وَتَحْرِيكُهَا لِيَخْرُجَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ قَدَّاحٍ بِالْبُطْلَانِ إذَا حَرَّكَهَا وَتَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ عَدَمُ الْبُطْلَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ عَلِمَهَا بِنَعْلِهِ فلِلْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ إنْ أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ دُونَ تَحْرِيكٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ الصَّلَاةُ فِي النَّعْلِ رُخْصَةٌ مُبَاحَةٌ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَذَلِكَ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَةُ النَّعْلِ قَالَ الْأَبِيُّ: ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ

يُفْعَلَ الْيَوْمَ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ يَعْنِي مِنْ إنْكَارِ الْعَوَامّ وَذَكَرَ حِكَايَةً وَقَعَتْ مِنْ ذَلِكَ أَدَّتْ إلَى قَتْلِ اللَّابِسِ قَالَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ الْعَوَامّ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ فِي الْمَشْيِ بِنَعْلِهِ قَالَ الْأَبِيُّ بَلْ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ بِالنَّعْلِ مَخْلُوعَةً إلَّا وَهِيَ فِي كِنٍّ. وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْضًا وَذَكَرَ كَرَاهَتَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الزَّوَاوِيِّ وَأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي عَلِيٍّ الْقَرَوِيِّ إدْخَالَهُ الْأَنْعِلَةَ غَيْرَ مَسْتُورَةٍ وَقَالَ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ فَلَا تَفْعَلْ، وَفِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ: وَيَنْوِي امْتِثَالَ السُّنَّةِ فِي أَخْذِ الْقَدَمِ يَعْنِي النَّعْلَ بِالشِّمَالِ حِينَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَحِينَ خُرُوجِهِ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّهُ يَسْلَمُ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فَتَرَى أَحَدَهُمْ إذَا دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ يَأْخُذُ قَدَمَهُ بِيَمِينِهِ وَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ أَحَدُهُمْ مِنْ كِتَابٍ فَيَكُونَ الْكِتَابُ فِي شِمَالِهِ فَيَقَعَ فِي مَحْذُورَاتٍ مِنْهَا جَهْلُ السُّنَّةِ فِي مُنَاوَلَةِ كِتَابِهِ وَقَدَمِهِ وَمِنْهَا مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ عِنْدَ أَوَّلِ دُخُولِ بَيْتِ رَبِّهِ وَمِنْهَا ارْتِكَابُهُ الْبِدْعَةَ فَيَسْتَفْتِحُ عِبَادَتَهُ بِهَا وَمِنْهَا اقْتِدَاءُ النَّاسِ بِهِ وَمِنْهَا التَّفَاؤُلُ وَهُوَ أَعْظَمُ الْجَمِيعِ فِي أَخْذِ الْكِتَابِ بِالشِّمَالِ، وَيَنْوِي امْتِثَالَ السُّنَّةِ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ نَعْلَهُ فِي قِبْلَتِهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَلْفَهُ يَتَشَوَّشُ فِي صَلَاتِهِ وَقَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ جَمْعُ خَاطِرِهِ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ رُوِيَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي أَبِي دَاوُد صَرِيحًا، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ النَّهْيُ عَمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ النُّخَامَةُ مَعَ كَوْنِهَا طَاهِرَةً فَمَا بَالُكَ بِالْقَدَمِ الَّتِي قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ فِي الطَّرِيقِ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِيهَا فَيَجْعَلُهُ عَلَى يَسَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَلَى يَسَارِهِ فَلَا يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَنْ يَمِينِ غَيْرِهِ فَيَجْعَلُهُ إذْ ذَاكَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ كَانَ بَيْنَ ذَقَنِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَيَتَحَفَّظُ أَنْ يُحَرِّكَهُ فِي صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُبَاشِرًا لَهُ فِيهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ لِأَجْلِ هَذَا أَنْ تَكُونَ لَهُ خِرْقَةٌ، أَوْ مَحْفَظَةٌ يَجْعَلُ فِيهَا قَدَمَهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَبِيُّ أَفْتَى بَعْضُهُمْ فِيمَنْ أَزَالَ نَعْلًا عَنْ مَوْضِعٍ وَوَضَعَهُ بِآخَرِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَصَوَّبْتُ هَذِهِ الْفُتْيَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ) ش: لَمَّا ذَكَرَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَمَا تُطْلَبُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَعْفُوَّاتِ مِنْ ذَلِكَ، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَ عِشْرُونَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَاعِدَةٌ كُلُّ مَأْمُورٍ يَشُقُّ عَلَى الْعِبَادِ فِعْلُهُ سَقَطَ الْأَمْرُ بِهِ وَكُلُّ مَنْهِيٍّ شَقَّ عَلَيْهِمْ اجْتِنَابُهُ سَقَطَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْمَشَاقُّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَيُعْفَى عَنْهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ طَهَارَةُ الْحَدَثِ، أَوْ الْخَبَثِ تُذْهِبُ النَّفْسَ، أَوْ الْأَعْضَاءَ فَيُعْفَى عَنْهَا إجْمَاعًا، وَمَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ السُّفْلَى لَا يُعْفَى عَنْهَا إجْمَاعًا كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الشِّتَاءِ، وَمَشَقَّةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَتَخْتَلِفُ فِي إلْحَاقِهَا بِالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَتُؤَثِّرُ فِي الْإِسْقَاطِ أَوْ بِالْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا فَلَا تُؤَثِّرُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَخَرَّجُ الْخِلَافُ فِي فُرُوعِ هَذَا الْفَصْلِ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ جَسَدِ مَنْ عُفِيَ عَنْهُ ثُمَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ مِنْ نَوْعِهِ كَبَوْلِ الْمُرْضَعِ ثُمَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَبَوْلِ فَرَسِ الْغَازِي ثُمَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَطِينِ الْمَطَرِ. ص (كَحَدَثٍ مُسْتَنْكِحٍ) ش: إطْلَاقُ الْحَدَثِ عَلَى مَا يَسْتَنْكِحُ مَجَازٌ فِقْهِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ وَهَذَا رَأْيُ الْعِرَاقِيِّينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ بَوْلَ صَاحِبِ السَّلَسِ كَالْعَدَمِ وَيَشْتَرِطُونَ فِي الْحَدَثِ الصِّحَّةَ وَالِاعْتِيَادَ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلًا بِأَنَّ بَوْلَ صَاحِبِ السَّلَسِ حَدَثٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلْمَشَقَّةِ ذَكَرَهُ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِطْلَاقُ الْحَدَثِ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ حَقِيقَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَنَكَّرَهُ لِيَعُمَّ كُلَّ حَدَثٍ وَسَوَاءٌ أَصَابَ الثَّوْبَ، أَوْ الْبَدَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَكَانَ فَأَمَّا إنْ أَصَابَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى مَكَان طَاهِرٍ. وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مِنْ

جُمْلَةِ مَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَاخِلٌ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَنْكِحْ كَانَ حَيْضًا وَهُوَ حَدَثٌ. وَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ، أَوْ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدَثِ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْحَرَجِ بِمُصَلٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمُسْتَنْكِحِ فَتْحُ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْحَدَثِ الْمُسْتَنْكِحِ هُنَا هَلْ هُوَ مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، أَوْ يُغْتَفَرُ هُنَا كُلُّ مَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ، وَلَوْ كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ إذَا أَتَى فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، أَوْ أَكْثَرَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ فَسَّرَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الِاسْتِنْكَاحَ فِي بَابِ السَّهْوِ بِأَنْ يَأْتِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ قَالَا. وَأَمَّا إذَا أَتَى بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ قَالَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ هُنَا وَقَدْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنَّ الْأَحْدَاثَ الْمُسْتَنْكَحَةِ مِثْلُ الدُّمَّلَ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الدَّمَامِلِ سَيَأْتِي أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ كُلِّ مَا يَسِيلُ مِنْهَا إذَا لَمْ تُنْكَ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَشَقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي صَاحِبِ السَّلَسِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لَهُ فِيهِ الْوُضُوءُ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ اعْتِبَارًا بِالْوُضُوءِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُسْتَحَبُّ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ السَّائِلَةِ كَالْقُرُوحِ وَشَبَهِهَا لَا تُغْسَلُ إلَّا أَنْ تَتَفَاحَشَ وَتُخَالِفَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا أَوْكَدُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ نَضْحُهُ إذَا كَانَ مُسْتَنْكِحًا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فَانْظُرْهُ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ إنَّ السَّلَسَ جَمِيعَهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَنْقُضُ فَإِنَّهُ قَالَ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَعَنْ حَدَثٍ مُسْتَنْكِحٍ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا لِغَيْرِ الْكَافِي وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَعَدَمُ نَقْضِهِ قَائِمٌ. (قُلْتُ:) مُرَادُهُ بِمَا مَرَّ مَسْأَلَةُ الدُّمَّلِ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ نَصٌّ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْحَدَثِ الْمُسْتَنْكِحِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) وَاسْتُحِبَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَدْرَأَ ذَلِكَ بِخِرْقَةٍ قَالَ سَنَدٌ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي بِالْخِرْقَةِ وَفِيهَا النَّجَاسَةُ كَمَا يُصَلِّي بِثَوْبِهِ قَالَ سَنَدٌ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَبْدِيلُ الْخِرْقَةِ قَالَ الْإِبْيَانِيُّ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَيَغْسِلُهَا وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لَا يُسْتَحَبُّ وَغَسْلُ الْفَرْجِ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَذْهَبُ الْإِبْيَانِيِّ لُزُومُ الْخِرْقَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا: إذَا عُفِيَ عَنْ الْأَحْدَاثِ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا وَقِيلَ لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعَفْوِ الضَّرُورَةُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ صَلَاةُ صَاحِبِهَا بِغَيْرِهِ إمَامًا، انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ حَكَى أَوَّلًا الْخِلَافَ مُطْلَقًا ثُمَّ خَصَّ فَائِدَتَهُ بِجَوَازِ إمَامَتِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا إمَامَتُهُ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَحَكَى ذَلِكَ سَنَدٌ هُنَا عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِثَوْبِهِ إلَّا إذَا أَيْقَنَ طَهَارَتَهُ وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً وَصَحَّتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاتِهِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ الْمُرْتَبِطَةُ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: دَمُ الْبَثَرَاتِ وَقَيْحُهَا وَصَدِيدُهَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا فِي حَقِّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ فَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ فَفِي الْعَفْوِ عَنْهُ قَوْلَانِ. (فَرْعٌ) الْحَدَثُ الْمُسْتَنْكِحُ وَالْجُرْحُ بِمُصَلٍّ وَالدَّمَامِلُ يَسِيلُ وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ وَبَوْلُ فَرَسِ الْغَازِي بِأَرْضِ الْحَرْبِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ، وَلَا تَجِبُ إزَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيُؤْمَرَ بِهَا انْتَهَى. أَيْ يُؤْمَرُ بِالْإِزَالَةِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَثَرُ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَ. وَقَالَ ابْنُ مُعَلًّى فِي مَنْسَكِهِ إذَا كَثُرَ وَجَبَ غَسْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ مَعَ عَدَمِ الْكَثْرَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ. (فَرْعٌ) إذَا بَرِئَ صَاحِبُ السَّلَسِ فَلَا يُعْفَى عَمَّا كَانَ فِي ثَوْبِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى طِينِ الْمَطَرِ. ص (وَبَلَلُ بَاسُورٍ) ش: قَالَ عِيَاضٌ: الْبَاسُورُ

بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ وَجَعُ الْمَقْعَدَةِ وَتَوَرُّمُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَرَجَ الثَّآلِيلُ هُنَاكَ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ. قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَأَمَّا بِالنُّونِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ انْفِتَاحُ عُرُوقِ الْمَقْعَدَةِ وَجَرَيَانُ مَادَّتِهَا. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَفِي الْحَدِيثِ كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ وَيَكُونُ هُوَ شِفَاءً مِنْ الْبَاسُورِ فَيُرْوَى بِالْبَاءِ وَالنُّونِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ عَنْ عِيَاضٍ وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ التَّنْبِيهَاتِ، أَوْ سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْت. قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي نَجَاسَةِ بَلَّةِ الْبَاسُورِ. وَخَرَّجَهُ سَنَدٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَلَّةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ. قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ هُنَا هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِي الْعُضْوِ مِنْ مِدَّةٍ فَهُوَ مِثْلُ مَا اجْتَمَعَ فِي الدُّمَّلِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ عَنْ سَنَدٍ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ عَلَى جِهَةِ الْبَحْثِ، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ لَكِنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَالْمَكَانُ نَجِسٌ بِمَا يَلْقَاهُ مِنْ نَجَاسَةِ الْخَارِجِ فَتَنْجَسُ الْيَدُ بِذَلِكَ انْتَهَى. ص (فِي يَدٍ إنْ كَثُرَ الرَّدُّ، أَوْ ثَوْبٍ) . ش الشَّرْطُ رَاجِعٌ إلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّ مَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْهُ، أَوْ الْجَسَدَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكْثُرْ الرَّدُّ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ الْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَيْدُ الْكَثْرَةِ رَاجِعٌ إلَى إصَابَةِ الْبَلَلِ لِلْيَدِ بِخِلَافِ مَا يُصِيبُ الثَّوْبَ فَهُوَ مِثْلُ مَا يُصِيبُ مِنْ الدُّمَّلِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ أَنَّ مَا يُغْتَفَرُ لِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَمَحَالِّهِ سَوَاءٌ كَانَ وُجُودُهُ فِيهَا مُتَسَاوِيًا، أَوْ لَا كَالنَّعْلِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهَا ضَرُورَةٌ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ رَاجِعٌ لِلْيَدِ وَالثَّوْبِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّصُوصِ. وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِفَاعِلِ كَثُرَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ لَا الْمُصِيبُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ الضَّرُورَةُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ كَثْرَةِ الْإِصَابَةِ لَا كَثْرَةِ الْمُصِيبِ إذْ قَدْ يُصِيبُ يَدَهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي إزَالَتِهِ وَلَوْ أَصَابَ يَدَهُ شَيْءٌ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ، كُلُّ مَرَّةٍ كَالنُّقْطَةِ يُعَدُّ ذَلِكَ ضَرُورَةً تُبِيحُ الصَّلَاةَ بِهَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَفْوُ بِاضْطِرَارِهِ لِرَدِّهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الِاضْطِرَارُ لِلرَّدِّ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ يَدِهِ أَمْ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِهِ فَيَغْسِلُ يَدَهُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْمَقْعَدَةِ إنْ كَانَ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. . وَأَمَّا النَّاسُورُ بِالنُّونِ فَهُوَ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي تُمْصِلُ، وَالثَّآلِيلُ جَمْعُ ثُؤْلُولٍ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ثُمَّ هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ، وَقَدْ تُخَفَّفُ قَالَهُ الزُّبَيْدِيُّ. (تَنْبِيهٌ) عَدَّ ابْنُ نَاجِي ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا إلَّا عِنْدَ التَّفَاحُشِ. وَذَكَرَ مِنْهَا ثَوْبَ صَاحِبِ الْبَوَاسِيرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عِنْدَ التَّفَاحُشِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَثَوْبُ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ) ش: أَيْ وَعُفِيَ عَمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُرْضِعَةِ يُرِيدُ وَجَسَدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ حَالَ كَوْنِهَا مُجْتَهِدَةً فِي التَّحَفُّظِ مِنْهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَدْرَأُ الْبَوْلَ جُهْدَهَا وَتَغْسِلُ مَا أَصَابَ ثَوْبَهَا مِنْ الْبَوْلِ جُهْدَهَا. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَمَا رَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنَّمَا يُعْفَى عَمَّا قَدْ يُصِيبُهَا، وَلَا تَعْلَمُ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَوْبَ الْمُرْضِعِ لَا يَخْلُو مِنْ إصَابَةِ بَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ أَنَّ مَا رَأَتْهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ هَارُونَ وَصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ نَاجِي وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا إذَا اجْتَهَدَتْ فِي دَرْءِ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَتْهُ وَأَنَّهَا إنَّمَا تُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ إذَا تَفَاحَشَ وَسَيَأْتِي لَفْظُ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ نَاجِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَثَرُ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ أَيْضًا، فَقَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْتَغْسِلْ مَا أَصَابَ ثَوْبَهَا مِنْهُ جُهْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ؛ لِأَنَّهَا مَعَ اجْتِهَادِهَا فِي دَرْئِهِ كَالْمُسْتَنْكَحَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَتَدْرَأُ الْبَوْلَ جُهْدَهَا فَتَكُونُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَأَصْحَابِ الْأَسْلَاسِ، فَقَوْلُ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي

شَرْحِهِ مَا رَأَتْهُ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنَّمَا يُعْفَى عَمَّا قَدْ يُصِيبُهَا وَلَا تَعْلَمُ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَوْبَ الْمُرْضِعِ لَا تَخْلُو مِنْ إصَابَةِ بَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ - مُخَالِفٌ لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ ابْنِ فَرْحُونٍ مِنْ إصَابَةِ بَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهَا مِنْ غَائِطِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: بِذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْعَفْوَ عَنْ بَوْلِهِ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ سَيَلَانِهِ وَعَدَمِ انْضِبَاطِ أَحْوَالِهِ وَلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ بِتَكَرُّرِ غَسْلِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ غَائِطِهِ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى. (قُلْتُ:) وَاَلَّذِي فِي عِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْعَفْوُ عَنْ بَوْلِهِ. (الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَجْتَهِدُ، ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ، فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْعَفْوِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى ذَلِكَ. (قُلْتُ:) وَكَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ نَعَمْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ سُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَمَّنْ لَهُ صَنْعَةٌ يَحْتَاجُ لِوَضْعِ الزِّبْلِ فِيهَا فَيَضْطَرُّ إلَى أَنْ يُصِيبَ ثَوْبَهُ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيُعِدُّ ثَوْبًا لِلصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ بِهِ، وَلَا يَتْرُكْهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا. الْبُرْزُلِيُّ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا لِلصَّنْعَةِ، وَلَا يُصْلِحُهَا إلَّا ذَلِكَ فَهُوَ كَثَوْبِ الْمُرْضِعِ وَفَرَسِ الْغَازِي بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ وَمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَنَّهَا تَجْتَهِدُ فِي أَنْ لَا يُصِيبَهَا، أَوْ يَكُونَ لَهَا ثَوْبٌ غَيْرُ الَّذِي تُرْضِعُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خُصُوصِيَّةُ الْأُمِّ، وَلَوْ كَانَتْ ظِئْرًا مَثَلًا مَا عُفِيَ عَنْهَا وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ وَتَجْتَهِدُ وَالْأَقْرَبُ رَدُّهُمَا إلَى وِفَاقٍ فَإِنْ كَانَتْ الظِّئْرُ مُضْطَرَّةً إلَى مَا تَأْخُذُهُ عُفِيَ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُ ابْنِ هَارُونَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ الظِّئْرُ كَالْأُمِّ مُطْلَقًا يُقَيِّدُ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَدْخُلُ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّهَا أُمّ بِالرَّضَاعِ وَالْعِلَّةُ فِيهَا مَوْجُودَةٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ يُقَيِّدُ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْمَشَذَّالِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ أَنَّ الْجَزَّارَ وَالْكَنَّافَ كَذَلِكَ، وَانْظُرْ الظِّئْرَ هَلْ هِيَ كَالْأُمِّ، أَوْ لَا مَا نَصُّهُ. (قُلْتُ:) إذَا صَحَّ عِنْدَهُ إلْحَاقُ الْأَوَّلِينَ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى، وَقَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ شُمُولِ اللَّفْظِ لَهَا وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَتَوَقَّفَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي الظِّئْرِ أَيْضًا وَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ نَاجِي مِنْ التَّفْصِيلِ ظَاهِرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّوْضِيحِ، فَقَالَ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ وَلَدَهَا، أَوْ غَيْرَهُ وَاحْتَاجَتْ، أَوْ كَانَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَا انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْوَانُّوغِيُّ مِنْ إلْحَاقِ الْجَزَّارِ وَالْكَنَّافِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْإِمَامِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي أَشْيَاخِ الْمَغْرِبِ. ص (وَنُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ) ش: لَفْظُ الْأُمَّهَاتِ. وَأَمَّا الْأُمُّ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَوْبٌ تُرْضِعُ فِيهِ فَاخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا شُرَّاحُهَا. قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَإِلَّا فَمَا يَلْزَمُهَا نَزْعُ ثَوْبِهَا، وَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَتَكَرَّرُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَتْ مُسْتَنْكَحَةً، وَاَلَّذِي قَالَهُ مُتَّجِهٌ سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَجِدُ ثَوْبَيْنِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ نَاجِي وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا غَسْلُ مَا رَأَتْ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ثَوْبٍ طَاهِرٍ انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يَقُولُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي صَاحِبِ الدُّمَّلِ وَالْجُرْحِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ عُذْرِ الْأَوَّلِ مُتَّصِلٌ بِهِ وَسَبَبَ عُذْرِ هَذِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِسَنَدٍ بِأَبْسَطَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ وَشِبْهِهِمَا وَبَيْنَ الْمُرْضِعِ: إنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَا يُمْكِنُهُمَا الصِّيَانَةُ مِنْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ

فَلَا فَائِدَة فِي تَجْدِيدِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْمُرْضِعِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) عَدَّ ابْنُ نَاجِي مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْأَثْوَابِ الَّتِي لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا إلَّا عِنْدَ التَّفَاحُشِ ثَوْبَ الْمُرْضِعِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عِنْدَ التَّفَاحُشِ. ص (وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا) . ش يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا كَانَ دُونَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ دَمَ حَيْضٍ، أَوْ مَيْتَةٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الْحَيْضِ لِمُرُورِهِ عَلَى مَحَلِّ الْبَوْلِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَشْرَسَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَا عَنْ يَسِيرِ دَمِ الْمَيْتَةِ، وَخَرَّجَ سَنَدٌ عَدَمَ الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْخِنْزِيرِ. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ مِنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ، أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَرَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْعَفْوَ خَاصٌّ بِمَا كَانَ مِنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ وَمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ فَكَالْبَوْلِ. وَفِي اللَّخْمِيِّ يُخْتَلَفُ فِي الدَّمِ الْيَسِيرِ يَكُونُ فِي ثَوْبِ الْغَيْرِ ثُمَّ يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ لِإِمْكَانِ الِانْفِكَاكِ. قَالَ سَنَدٌ مَا أَرَاهُ قَالَهُ إلَّا مِنْ رَأْيِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ فِي الْعَفْوِ عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ قَوْلَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوَاهِرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَثَرَاتِ وَالْجُرْحِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ يُعْفَى عَنْ الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ وَنَقَلَ الْخِلَافَ فِيهِ غَيْرُهُ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْيَسِيرِ وَتَبِعَ ابْنُ نَاجِي الْمُصَنِّفَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ شَاسٍ، فَقَالَ: وَقِيلَ: إنْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ غَسَلَهُ. حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي دَمِ الْحَيْضِ وَحَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ فِي سَائِرِ الدِّمَاءِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ قَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَائِضِ وَغَيْرِهَا. قَالَ التُّونُسِيُّ وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ إذَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ بَدَنِ الْمَرْءِ فِي ثَوْبِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ مَا أَرَاهُ إلَّا نَظَرًا مِنْهُ لَا نَقْلًا. وَاعْتَرَضَ ابْنُ نَاجِي وَابْنُ فَرْحُونٍ مَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ شَاسٍ اعْتَمَدَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي لَفْظَ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ هَذَا كَالنَّصِّ فِي أَنَّهُ مِنْ رَأْيِهِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ غَيْرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التُّونُسِيِّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَشَارَ إلَى إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي دَمِ الْحَيْضِ لِنُدُورِ سَيْلِهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ فِي الْبَدَنِ لَا الثَّوْبِ انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْيَسِيرِ الْمَذْكُورِ هَلْ يُغْتَفَرُ مُطْلَقًا عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ حَتَّى يَصِيرَ كَالْمَائِعِ الطَّاهِرِ، أَوْ اغْتِفَارُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَقْطَعُ لِأَجْلِهِ إذَا ذَكَرَهُ فِيهَا، وَلَا يُعِيدُ. وَأَمَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَالثَّانِي عَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ نَاجِي قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَنَقُلْ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِثْلَ مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اعْتَمَدَ تَرْجِيحَ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِمَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ، أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ نَفْيَ الْوُجُوبِ. (تَنْبِيهٌ) يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الدَّمَ الْيَسِيرَ وَجَمِيعَ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا إذَا أَصَابَتْ طَعَامًا أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ وَغَيْرِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (تَفْرِيعٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ فِيهَا إذَا رَآهُ فِي الصَّلَاةِ تَمَادَى وَلَمْ يَنْزِعْهُ، وَإِنْ نَزَعَهُ فَلَا

بَأْسَ. قَالَ سَنَدٌ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ لَا بَأْسَ الِاسْتِحْبَابَ وَعَدَمَهُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ عَلَى مَذْهَبِهَا الِاسْتِحْبَابُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ عَمَلٍ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ لَهُ النَّزْعَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصًا وَبِهِ قَالَ الْقَابِسِيُّ وَرَآهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ إصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا كَثِيرُهُ. وَقَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ مِمَّا لَيْسَ فِي نَزْعِهِ مَشَقَّةٌ، وَلَا شُغْلٌ فِي الصَّلَاةِ كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالرِّدَاءِ وَالْعِمَامَةِ وَالْإِزَارِ وَشِبْهِهِ مُرَاعَاةً لِخِفَّةِ الْعَمَلِ وَقُرْبِهِ. وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِهِ انْتَهَى. وَهُوَ يُؤَيِّدُ اسْتِحْبَابَ النَّزْعِ وَكَانَ ابْنُ يُونُسَ قَبِلَ كَلَامَ الْقَابِسِيِّ. وَأَمَّا سَنَدٌ فَقَالَ: إذَا كَانَ فِي نَزْعِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَلَا يَنْزِعْهُ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَتَرْكُ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَاجِبٌ وَفِعْلُ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالدِّرْهَمِ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رَاشِدٍ وَمَجْهُولُ الْجَلَّابِ أَيْ الدَّائِرَةُ الَّتِي تَكُونُ بِبَاطِنِ الذِّرَاعِ مِنْ الْبَغْلِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ، وَفِي التِّلِمْسَانِيِّ شَارِحِ الْجَلَّابِ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ النُّقُولُ فِيهَا نَظَرٌ وَالدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْمُرَادُ بِهِ سِكَّةٌ قَدِيمَةٌ لِمَالِكٍ تُسَمَّى رَأْسَ الْبَغْلِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ: الدَّرَاهِمُ تَخْتَلِفُ، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الدَّرَاهِمَ الْمَسْكُوكَةَ، وَقَدْ أَوْقَفْتُ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ عَلَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَكَانَ قَدْ شَرَعَ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ مَا ذَكَرَ ابْنُ رَاشِدٍ فَرَجَعَ وَأَصْلَحَ كِتَابَهُ. (قُلْتُ:) وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمِ قَدْرُ فَمِ الْجُرْحِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقِيلَ: إنَّ الْيَسِيرَ قَدْرُ الْخِنْصَرِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ: إنَّ الْمُرَادَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - مِسَاحَةُ رَأْسِهِ لَا طُولُهُ فَإِنَّ طُولَهُ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ. وَقَالَ فِي مَجْهُولِ الْجَلَّابِ يَعْنُونَ بِهِ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ الْمُرَادُ إذَا كَانَ مُنْطَوِيًا انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَأُجِيبَكُمْ بِتَحْدِيدِهِ، هُوَ ضَلَالُ الدَّرَاهِمِ تَخْتَلِفُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْعَارِضَةِ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَعْتَمِدْ الْمُتَأَخِّرُونَ تَشْهِيرَهُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ كَثِيرِ الدَّمِ وَكَثِيرُهُ نِصْفُ الثَّوْبِ فَأَكْثَرَ قَالَ وَكُلُّ مَنْ لَقِيتُهُ يَقُولُ هُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، وَفِي أَوَّلِ الْإِكْمَالِ وَنَقَلَ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِنَا فِي ذَلِكَ قَوْلًا مُنْكَرًا عِنْدَنَا انْتَهَى. فَلَعَلَّهُ الْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمِ. الثَّانِي جَعَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الدِّرْهَمَ مِنْ حَيِّزِ الْكَثِيرِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَجَعَلَهُ فِي الرُّعَافِ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَرِوَايَةُ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِرْشَادِ فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ سَابِقٍ أَنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ يَسِيرٌ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ، وَفِي الدِّرْهَمِ رِوَايَتَانِ. وَطَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الدِّرْهَمَ كَثِيرٌ اتِّفَاقًا وَقَدْرُ الْخِنْصَرِ يَسِيرٌ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي الدِّرْهَمِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَالِاعْتِرَاضُ يَأْتِي عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ خِلَافُ ذَلِكَ قَالَ: فَأَمَّا مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ فَكَثِيرٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا الْخِنْصَرُ فَيَسِيرٌ وَمَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْخِنْصَرِ فِيهِ قَوْلَانِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ عَيْنُ الدَّمِ دُونَ أَثَرِهِ وَأَنَّ مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ مِنْ أَثَرٍ يَسِيرٌ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ) ش: تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا وَمَا

تنبيهات البول هل يعفى عن يسيره

ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ عَنْ التُّونُسِيِّ، وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهَا وَصَرَّحَ ابْنُ هَارُونَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُمَا كَالدَّمِ ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى الدَّمِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ. [تَنْبِيهَاتٌ الْبَوْلِ هَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ يَسِيرَ مَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَكَثِيرَهُ سَوَاءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا فِي الْبَوْلِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْإِكْمَالِ فِي حَدِيثِ شَقِّ الْعَسِيبِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ، فِيهِ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْكَثِيرَ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا خَفَّفُوهُ فِي الدَّمِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْبَوْلِ وَرَخَّصَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي مِثْلِ رُءُوسِ الْإِبَرِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يُغْسَلُ وَحَكَى الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ أَنَّ غَسْلَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ وَالتَّنَزُّهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِ: وَحُكِيَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ مَالِكٍ اغْتِفَارُ مَا تَطَايَرَ مِنْ الْبَوْلِ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ ثُمَّ اغْتِفَارُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًا فِي كُلِّ يَسِيرٍ مِنْ الْبَوْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّرُورَةِ لِتَكَرُّرِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إلَى آخِرِهِ أَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ يُوهِمُ أَنَّ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ غَيْرُ مَا فِي الْإِكْمَالِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَهْمٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ ظَاهِرُ نَقْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ الْقَاضِي الْعَفْوُ عَنْ رُءُوسِ الْإِبَرِ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ التَّطَايُرِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ بَطَّالٍ عَنْهُ أَنَّهُ فِيمَا تَطَايَرَ وَهُوَ أَقْرَبُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ حِينَئِذٍ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَشْهُورَ: وَالْأَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْعَفْوُ وَالْأَقْرَبُ مِنْ احْتِمَالِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الدَّمِ الْعَفْوُ عُمُومًا فَكَذَلِكَ الْبَوْلُ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْأَحْدَاثِ الْمُسْتَنْكِحَةِ أَلْحَقَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بِهَذَا الْقَبِيلِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ الْبَوْلِ الْمُتَطَايِرِ مِنْ الطُّرُقَاتِ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكِنَّهُ كَثِيرٌ مُتَكَرِّرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُهُ وَتَكَرُّرُهُ وَكَثْرَتُهُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ ثَوْبٍ، وَلَا خُفٍّ، وَلَا جَسَدٍ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ. وَالْبَاجِيُّ وَعَمَّا تَطَايَرَ مِنْ نَجَاسَةِ الطَّرِيقِ وَخَفِيَتْ عَيْنُهُ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَقَبِلَهُ الْمَازِرِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الطُّرُقَاتِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ الْبَوْلِ وَتَطَايُرُهُ فِيهَا فَإِذَا وَطِئَ بِرِجْلِهِ، أَوْ خُفِّهِ أَوْ وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّرِيقِ فَلَا يَغْسِلُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَبْلُولًا، وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةُ مَنْ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ بِالْقَبْقَابِ فَنَزَلَتْ رِجْلُهُ وَهِيَ مَبْلُولَةٌ فَأَخَذَتْ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ فَصَلَّى بِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: لِأَنَّ غُبَارَ الطَّرِيقِ الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ كُلِّ نَجَاسَةٍ مَا عَدَا الْأَخْبَثَيْنِ وَهُوَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ فَدُونَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق يَعْنِي أَنَّ كُلَّ نَجَسٍ خَارِجٍ مِنْ الْجَسَدِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ إلَّا الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الدَّمَ وَتَوَابِعَهُ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ انْتَهَى. وَعُمُومُ كَلَامِ الْإِرْشَادِ مُشْكِلٌ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْبَوْلُ وَالرَّجِيعُ وَالْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ وَخَرْءُ الطَّيْرِ الَّتِي تَصِلُ إلَى النَّتْنِ وَزِبْلُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالُهَا قَلِيلَةً وَكَثِيرَةً سَوَاءٌ يُغْسَلُ وَتُقْطَعُ مِنْهُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: " الدَّمَ وَتَوَابِعَهُ " مَا يَسِيلُ مِنْ الْجِرَاحِ مِنْ مَائِيَّةٍ، أَوْ مِنْ نَفْطِ النَّارِ وَمَا يُنْفَطُ أَيَّامَ الْحَرِّ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّ نَجَاسَةَ ذَلِكَ وَاضِحٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَيَكُونُ مَا خَرَجَ مِنْ تِلْكَ النَّفَّاطَاتِ مِنْ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الدُّمَّلِ مِنْ غَيْرِ نَكْءٍ

يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ. (الثَّالِثُ) إذَا اتَّصَلَ الْيَسِيرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ بِمَائِعٍ فَهَلْ الْعَفْوُ بَاقٍ أَمْ لَا لَمْ أَرَ نَصًّا صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَفْوَ بَاقٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرُ الْمَعْفُوِّ إنْ بَقِيَ طَعْمُهُ لَمْ يَضُرَّ يَعْنِي أَنَّ الْمَعْفُوَّ لَا يَلْزَمُ إزَالَتُهُ فَإِنْ أُزِيلَ وَبَقِيَ طَعْمُهُ أَوْ غَيْرُهُ عُفِيَ عَنْهُ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الْكُلِّ يَسْتَلْزِمُ الْعَفْوَ عَنْ الْجُزْءِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِيمَنْ دَمِيَ فَمُهُ ثُمَّ مَجَّ رِيقَهُ حَتَّى ذَهَبَ فَهَلْ يُطَهِّرُهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ لِعُلَمَائِنَا قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ طَهَارَتُهُ بِالْمَاءِ إنْ كَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا عُفِيَ عَنْهُ، وَلَا يُطَهِّرُ الرِّيقُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا يَكْفِي مَجُّ الرِّيقِ فَيَنْقَطِعُ الدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَمُصُّهُ بِفِيهِ وَيَمُجُّهُ وَالْيَسِيرُ عَفْوٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي لَا يَأْخُذُ مِنْ الثَّوْبِ بِفِيهِ، وَقَوْلُهُ وَالْيَسِيرُ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي لَوْ مَصَّ الْيَسِيرَ بِفِيهِ حَتَّى زَالَ اكْتَفَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مُصَلٍّ أَخَذَ نُخَامَةً بِكُمِّهِ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دَمًا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِيَسَارَتِهِ، وَلَوْ وَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمَعْفُوَّاتِ، وَلَوْ عَرِقَ مِنْ الْمُسْتَجْمِرِ مَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ فَقَوْلَانِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَيَعْنِي عَرِقَ فَانْتَشَرَ حَتَّى أَصَابَ الثَّوْبَ وَالْجَسَدَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي فَصْلِ آدَابِ الْحَدَثِ وَعَرَقُ الْمَحَلِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ مَعْفُوٌّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ تَجَفَّفَ بَعْدَ غَسْلِهِ بِثَوْبٍ فِيهِ دَمٌ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَخْرُجُ بِالتَّجْفِيفِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا فِي جَسَدِهِ فَكُلُّ هَذِهِ النُّقُولِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عُفِيَ عَنْهُ مِنْ دَمٍ وَغَيْرِهِ لَا يَضُرُّهُ اتِّصَالُهُ بِمَائِعٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ يَصِيرُ كَالْمَائِعِ الطَّاهِرِ. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَبَوْلُ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْمَعْفُوِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ قُيُودٍ: كَوْنُهُ مِنْ فَرَسٍ وَكَوْنُهُ لِغَازٍ وَكَوْنُهُ بِأَرْضِ حَرْبٍ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ قَيْدٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ لَهُ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى قَيْدٌ مِنْ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ مَنْ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَسُئِلَ عَنْ الْفَرَسِ فِي مِثْلِ الْغَزْوِ وَالْأَسْفَارِ يَكُونُ صَاحِبُهُ يَمْسِكُهُ فَيَبُولُ فَيُصِيبُهُ، فَقَالَ أَمَّا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُمْسِكُهُ. وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَلْيَتَّقِهِ مَا اسْتَطَاعَ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُسَافِرُ التَّوَقِّيَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا الْغَازِي فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَوْضِعُ تَخْفِيفٍ لِلضَّرُورَةِ كَمَا خُفِّفَ مَسْحُ الْخُفِّ مِنْ الرَّوْثِ الرَّطْبِ وَجُوِّزَ لِلْمُرْضِعِ الصَّلَاةُ بِثَوْبِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ مَعَ دَرْئِهَا الْبَوْلَ جُهْدَهَا، وَقَالَ سَنَدٌ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ - إنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوَقِّي - أَنَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فِي مَعِيشَةِ السَّفَرِ بِالدَّوَابِّ انْتَهَى. وَالْمَفْهُومُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ وَسَنَدٍ أَنَّ الضَّرُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ مَعَ الْقُيُودِ الْأَرْبَعَةِ فَلِذَلِكَ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَفْوِ حِينَئِذٍ فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ الْقُيُودِ أُمِرَ بِالتَّوَقِّي جُهْدَهُ فَمَا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ كَثَوْبِ الْمُرْضِعِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ سَفَرٍ مُبَاحٍ يَضْطَرُّ الْمُسَافِرُ فِيهِ إلَى مُلَابَسَةِ دَابَّتِهِ فَرَسًا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ التَّحَفُّظِ وَمَا كَانَ مِنْ السَّفَرِ وَاجِبًا، أَوْ مَنْدُوبًا فَهُوَ أَوْلَى وَمَا كَانَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَاجِيِّ فِي دَوَابِّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّفَرِ فِي مَعِيشَتِهِ فَأَظْهَرُ لِتَكَرُّرِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَاجُّ لِطُولِهِ وَشِدَّةِ اضْطِرَارِهِ إلَى مُلَابَسَةِ دَابَّتِهِ وَخُصُوصًا حَاجُّ الْمَغْرِبِ وَنَحْوِهِ فِي الْبُعْدِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ بَوْلِ فَرَسِ الْغَازِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيُؤْمَرَ بِغَسْلِهِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي الْكَلَامِ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا

إلَّا عِنْدَ التَّفَاحُشِ وَعَدَّ مِنْهَا ثَوْبَ الْغَازِي بِأَرْضِ الْحَرْبِ يَمْسِكُ فَرَسَهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عِنْدَ التَّفَاحُشِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ هُنَا الْعَفْوَ عَنْ بَوْلِ الدَّوَابِّ فِي الزَّرْعِ حِينَ دَرْسِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُنَجِّسُ كَثِيرَ طَعَامٍ مَائِعٍ إلَخْ. ص (وَأَثَرُ ذُبَابٍ مِنْ عَذِرَةٍ) ش: لَا مَفْهُومَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْعَذِرَةِ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّهُ إذَا عُفِيَ عَنْ الْعَذِرَةِ مَعَ إمْكَانِ ظُهُورِ مَا أَصَابَ مِنْهَا فَغَيْرُهَا مِمَّا لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ كَالْبَوْلِ، أَوْ مِمَّا نَجَاسَتُهُ مُحَقَّقَةٌ كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ إمَّا مِثْلُهَا، أَوْ أَوْلَى وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ التَّعْبِيرُ بِالنَّجَاسَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا كَانَ كَالذُّبَابِ فِي عَدَمِ إمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ كَالْبَعُوضِ وَالنَّمْلِ وَنَحْوِهِ فَحُكْمُهُ كَالذُّبَابِ. وَأَمَّا بَنَاتُ وَرْدَانِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ إلْحَاقِهَا بِذَلِكَ لِإِمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهَا فَإِنْ أَصَابَ مِنْ أَثَرِهَا شَيْءٌ غُسِلَ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) وَرَدَ فِي حَدِيثِ الذُّبَابِ أَنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الْآخَرِ دَاءً، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ يَتَّقِي بِاَلَّذِي فِيهِ الدَّاءُ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ فِي بَعْضِهِ السُّمَّ قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ الطُّرُقِ تَعْيِينُ الْجَنَاحِ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الْأَيْسَرِ فَعَلِمَ أَنَّ الْأَيْمَنَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «عُمُرُ الذُّبَابِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً وَالذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ إلَّا النَّحْلَ» وَمُسْنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ كَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ بَلْ لِيُعَذَّبَ بِهِ أَهْلُ النَّارِ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ الْعُفُونَةِ، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّ رَجِيعَهُ يَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ أَبْيَضَ وَبِالْعَكْسِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي أَمَاكِنِ الْعُفُونَةِ وَيُبْتَدَأُ خَلْقُهُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْ التَّوَالُدِ وَهُوَ أَكْثَرُ الطُّيُورِ سِفَادًا، أَوْ رُبَّمَا بَقِيَ عَامَّةَ الْيَوْمِ عَلَى الْأُنْثَى وَيُحْكَى أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ لِأَيِّ شَيْءٍ خُلِقَ الذُّبَابُ، فَقَالَ: مَذَلَّةً لِلْمُلُوكِ، وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ فَاسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ، رَحْمَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ. ص (وَمَوْضِعُ حِجَامَةٍ مُسِحَ) ش: أَيْ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ قَبْلَ الْمَسْحِ فَإِذَا بَرِئَ الْمَاسِحُ غَسَلَ وَحُكْمُ الْفِصَادَةِ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ) . ش هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ يُونُسَ وَتَأَوَّلَا الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ وَمُقَابِلُهُ تَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَبِالْإِطْلَاقِ. ص (وَكَطِينِ مَطَرٍ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ بِالْمُصِيبِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا بَأْسَ بِطِينٍ الْمَطَرِ الْمُسْتَنْقِعِ فِي السِّكَكِ وَالطُّرُقِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، أَوْ الْخُفَّ أَوْ النَّعْلَ، أَوْ الْجَسَدَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْعَذِرَةُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ وَمَا زَالَتْ الطُّرُقُ وَهَذَا فِيهَا وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ يَخُوضُونَ فِي طِينِ الْمَطَرِ وَيُصَلُّونَ وَلَا يَغْسِلُونَهُ قَالَ عِيَاضٌ وَالْمُسْتَنْقِعُ بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ سَنَدٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ مَطْرَةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا بَيْنَ مَا أَصَابَ حِينَ نُزُولِ الْمَطَرِ، أَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْمُسْتَنْقِعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ فِي الْجُمْلَةِ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَأَتَى بِالْكَافِ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَاءُ الرَّشِّ الَّذِي فِي الطُّرُقَاتِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَنَحْوُ الْمُسْتَنْقِعِ مِنْ فَضَلَاتِ النِّيلِ فِي الطُّرُقَاتِ. ص (إلَّا إنْ غَلَبَتْ) . ش أَيْ لَا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ غَالِبَةً عَلَى الطِّينِ وَهَذَا مَعْنَى مَا قَيَّدَ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ، فَقَالَ يُرِيدُ مَا لَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ غَالِبَةً، أَوْ عَيْنًا قَائِمَةً وَقَبِلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَقَيَّدَ بِهِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ سَنَدٌ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا النَّجَاسَاتُ يُرِيدُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ النَّجَاسَاتِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ النَّجَاسَةَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَيُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ طِينُ مِرْحَاضٍ فِي مَوْضِعٍ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ بِطِينِ الْمَطَرِ وَهَذَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَسْلِ مِثْلِ هَذَا بِخِلَافِ غَسْلِ مَا يَكُونُ مِنْ الطِّينِ انْتَهَى. وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا

حَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ هَارُونَ كَلَامَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَذَكَرَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَتَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ فِي وُجُودِ النَّجَاسَةِ وَعَدَمِهَا فَهَذَا يُصَلِّي بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِتَرْجِيحِ الطَّهَارَةِ بِالْأَصْلِ. الثَّانِي أَنْ يَتَرَجَّحَ احْتِمَالُ وُجُودِهَا فَهَذَا يُصَلِّي بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ وَيَغْسِلُهُ عَلَى رَأْيِ أَبِي مُحَمَّدٍ تَرْجِيحًا لِلْغَالِبِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودَهَا وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ لِاخْتِلَاطِهَا بِالطِّينِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَيَغْسِلُهُ عَلَى رَأْيِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَحْسَنُ لِتَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ، وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ. الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَهُنَا يَجِبُ غَسْلُهَا انْتَهَى. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ كَانَ فِيهَا الْعَذِرَةُ يُحْمَلُ عَلَى الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ، وَفِي عَيْنِ النَّجَاسَةِ قَوْلَانِ يُحْمَلُ عَلَى الثَّالِثَةِ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَلَا يُعْلَمُ فِيهَا خِلَافٌ وَيَبْعُدُ وُجُودُهُ، وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا يَقُولُ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ:) فَحَمْلُ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ: " غَالِبَةً " عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ وُجُودَ النَّجَاسَةِ مُحَقَّقٌ فَالظَّاهِرُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَا لَمْ تَكُنْ غَالِبَةً أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ غَالِبَةً عَلَى الطِّينِ، أَوْ تَكُونُ عَيْنًا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَظَاهِرُهَا الْعَفْوُ إلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ أَبْقَى الْمُدَوَّنَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا لَكِنْ ذَكَرَ بِالتَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا إذَا تَسَاوَتْ الطُّرُقُ فِي وُجُودِ ذَلِكَ فِيهَا وَكَانَ لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافًا انْتَهَى. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَا إنْ أَصَابَ عَيْنَهَا إلَى أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَمَّنْ أَصَابَتْهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَوْ كَانَ فِي الطِّينِ نَجَاسَةٌ فَطَارَتْ عَلَى ثَوْبِهِ ثُمَّ تَطَايَرَ عَلَيْهَا الطِّينُ فَأَخْفَى أَثَرَهَا لَوَجَبَ غَسْلُهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ الْعَفْوُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الطُّرُقِ الَّتِي لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهَا حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَتْ إحْدَى الطَّرِيقِينَ أَخَفُّ نَجَاسَةٍ مِنْ الْأُخْرَى لَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ الْأَكْثَرِ نَجَاسَةً انْتَهَى. وَهَذَا إنَّمَا قَالُوهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ غَالِبَةً، أَوْ عَيْنًا قَائِمَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ أَرَ مَنْ اشْتَرَطَهُ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا صَادَفَ الْمَطَرُ النَّجَاسَةَ، وَإِنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ بَعْدَ نُزُولِهِ فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ، وَلَا يَظْهَرُ لِهَذَا كَبِيرُ مَعْنًى انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: خَصَّ الْمَغْرِبِيُّ قَوْلَهُ: " يَخُوضُونَ فِي طِينِ الْمَطَرِ وَيُصَلُّونَ، وَلَا يَغْسِلُونَهُ " بِالْمَسْجِدِ الْمُحَصَّبِ كَمَسْجِدِهِمْ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحَصَّبِ الْمَفْرُوشُ بِالْحُصْرِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُلَوِّثُ الْحُصْرَ وَبِهِ الْفَتْوَى عِنْدَنَا بِأَفْرِيقِيَّةِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ: لَا نَصَّ فِي طِينِ الْمَطَرِ يَبْقَى فِي الثَّوْبِ لِلصَّيْفِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ كَثَوْبِ صَاحِبِ السَّلَسِ بَعْدَ بُرْئِهِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ أَشَدُّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ إنَّمَا يُعْفَى عَنْ مَاءِ الْمَطَرِ فِي الطُّرُقِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ نُزُولِهِ وَرَآهُ خِلَافَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَانْظُرْ إذَا جَفَّ هَلْ يُغْسَلُ مَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَمْ لَا انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ غَسْلُ الثَّوْبِ إذَا ارْتَفَعَ الْمَطَرُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَذَكَرَ نَاجِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ خَرَّجَ غَسْلَ الثِّيَابِ مِنْهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ بَعْدَ الْبُرْءِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) لَا شَكَّ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ طَهَارَةَ الطِّينِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَكَذَا مَعَ الشَّكِّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ إصَابَتُهُ بَعْدَ تَكَرُّرِ الْمَطَرِ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ بِهَا النَّجَاسَةُ حَتَّى غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهَا وَأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَيَمْضِي زَمَنُ وُقُوعِ الْمَطَرِ وَتَكَرُّرِهِ وَيَجِفُ الطِّينُ وَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ وُجُوبُ الْغَسْلِ هَذَا حُكْمُ طِينِ الْمَطَرِ. وَأَمَّا طِينُ الْمَاءِ الْمُسْتَنْقِعِ

فِي الطُّرُقَاتِ وَمَاءُ الرَّشِّ الَّذِي لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الطُّرُقُ غَالِبًا فَهَذَا يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ مِنْهُ دَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الطُّرُقُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ أَنَّ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ تُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَهِيَ طِينُ الْمَطَرِ وَأَبْوَابُ الدُّورِ وَحَبْلُ الْبِئْرِ وَالذُّبَابُ يَقَعُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَقَطْرُ سَقْفِ الْحَمَّامِ وَمِيزَابُ السُّطُوحِ وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ وَمَا نَسَجَهُ الْمُشْرِكُونَ انْتَهَى. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَذَيْلُ امْرَأَةٍ مُطَالٍ لِلسَّتْرِ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا أَنْ تُطِيلَ ذَيْلَهَا مَا لَيْسَ لِلرَّجُلِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ رِجْلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَبْلُغَ بِالْإِطَالَةِ شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا عَلَى مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ فَإِذَا قَصَدَتْ بِالْإِطَالَةِ السَّتْرَ ثُمَّ مَشَتْ فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً فَمَعْفُوٌّ عَنْ الذَّيْلِ الْوَاصِلِ إلَيْهَا، وَفِي الرَّطْبَةِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ لَا يُعْفَى وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْفَى انْتَهَى. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعْنَاهُ فِي الْقِشْبِ الْيَابِسِ وَالْقِشْبِ بِسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الرَّجِيعُ الْيَابِسُ أَصْلُهُ الْخَلْطُ بِمَا يُفْسِدُهُ قَالَهُ عِيَاضٌ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْقَشَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَجَاءَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الشِّينِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّ النَّجَاسَاتِ فِي الطُّرُقَاتِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا مَعَ التَّصَرُّفِ الَّذِي لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ فَخُفِّفَ أَمْرُهَا إذَا خَفِيَ عَيْنُهَا وَلَمْ تُتَيَقَّنْ النَّجَاسَاتُ، فَإِذَا مَرَّتْ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ أَخْفَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ سَقَطَ حُكْمُهَا، وَلَوْ لَمْ تَمُرَّ عَلَى الْمَوْضِعِ الطَّاهِرِ حَتَّى زَالَتْ النَّجَاسَةُ لَوَجَبَ عَلَيْهَا غَسْلُهَا وَإِنَّمَا يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِهِ وَخَافَتْ أَنْ تَكُونَ أَصَابَتْ ثَوْبَهَا وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا فِي الطُّرُقَاتِ مِنْ الطِّينِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي لَا تَخْلُو مِنْ الْعَذِرَةِ وَالْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الطِّينُ وَأَخْفَى عَيْنَهَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْهَا، وَلَوْ ظَهَرَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ لَوَجَبَ غَسْلُهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا شَكَّتْ فِي إصَابَةِ النَّجَاسَةِ لَهَا، أَوْ فِي نَجَاسَةِ مَا أَصَابَهَا وَلَا يَلْزَمُهَا غَسْلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ النَّضْحُ فِي الْأُولَى فَقَطْ. وَقَالَ التُّونُسِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا تَنْفَكُّ مِنْهُ الطُّرُقَاتُ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَجِّسُ ذَيْلَهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْخُفِّ قَالَ سَنَدٌ: وَلَعَمْرِي إنَّ تَخْرِيجَ ذَلِكَ عَلَى الْخُفِّ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الثَّوْبِ كُلَّ وَقْتٍ فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ رُبَّمَا كَانَتْ فَوْقَ مَشَقَّةِ غَسْلِ الْخُفِّ فَإِنَّ الْخُفَّ بِغَسْلِهِ وَبِنَزْعِهِ يَنْشَفُ، وَالثَّوْبُ إنْ تَرَكَهُ عَلَيْهِ مَبْلُولًا فَمَشَقَّةٌ إلَى مَشَقَّةٍ، وَإِنْ نَزَعَهُ فَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَجِدُ ثَوْبًا آخَرَ يَلْبَسُهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَخِلَافُ الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي عَزَاهُ الدَّاوُدِيُّ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ. وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا تَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا سَحَبَتْ ذَيْلَهَا فِي أَرْضٍ نَدِيَةٍ نَجِسَةٍ ثُمَّ جَرَّتْهُ عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْمَشْهُورِ أَيْضًا فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ النَّضْحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّضْحِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اُعْتُرِضَ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْقِشْبِ الْيَابِسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَقُ بِالثَّوْبِ، وَأَيُّ شَيْءٍ يَبْقَى حَتَّى يُطَهِّرَهُ مَا بَعْدَهُ وَالِاعْتِرَاضُ لِلْبَاجِيِّ ثُمَّ أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْقِشْبُ غُبَارًا يَعْلَقُ بِالثَّوْبِ فَإِذَا مَرَّ عَلَى مَا بَعْدَهُ طَهَّرَهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الذَّيْلَ يَابِسٌ. وَجَزَمَ بِذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ اسْتَطْرَدَ إلَى ذِكْرِ مَسْأَلَةِ الرِّجْلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ قَالَ: وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْمَشْهُورِ فِي ذَيْلِ الْمَرْأَةِ أَنَّ الذَّيْلَ يُلْبَسُ وَالْمَكَانُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ شِبْرًا، أَوْ ذِرَاعًا ظَاهِرُهُ الشَّكُّ، وَفِي آخِرِ الْمُوَطَّإِ إنَّهُ

قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُرْخِيهِ شِبْرًا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إذًا يَنْكَشِفُ قَالَ فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» . وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيُّ فِي تَأْلِيفٍ لَهُ فِي الْعِمَامَةِ: وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيَجُوزُ لَهُنَّ الْإِسْبَالُ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْيَدِ وَهُوَ شِبْرَانِ كَمَا أَفَادَتْهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد انْتَهَى. قَالَ الْبَاجِيُّ وَهَذَا أَمْرٌ وَارِدٌ بَعْدَ الْحَصْرِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْرُكَ مَا تَسْتَتِرُ بِهِ، وَقَالَ قَبْلَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ خُفٌّ وَلَا جَوْرَبٌ كُنَّ يَلْبَسْنَ الْخُفَّ وَيَمْشِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ نِسَاءُ الْعَرَبِ يَلْبَسْنَ الْخُفَّ فَكُنَّ يُطِلْنَ الذَّيْلَ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَبِسَتْ الْخُفَّ، أَوْ الْجَوْرَبَ لَا تُؤْمَرُ بِإِطَالَةِ الذَّيْلِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِتَسْتَتِرَ مَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ لَبِسَتْهُ لَا لِقَصْدِ السَّتْرِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ الْجُزُولِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَجُرَّهُ لِلْخُيَلَاءِ كَالرَّجُلِ. (الثَّالِثُ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَيْلَ الْمَرْأَةِ الْمُطَالَ لِلسَّتْرِ يُصِيبُهُ رَطْبُ النَّجَاسَةِ لَا يَطْهُرُ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ الْمُخَالِفِ لِلْحَدِيثِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَرِجْلٌ بُلَّتْ يَمُرَّانِ بِنَجَسٍ يَبَسٍ يَطْهُرَانِ بِمَا بَعْدَهُ) ش: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَيْلِ الْمَرْأَةِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّجْلِ فَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إذْ بَلَّ رِجْلَهُ ثُمَّ مَرَّ بِهَا عَلَى نَجِسٍ يَابِسٍ ثُمَّ مَرَّ بِهَا عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِالْمُرُورِ الثَّانِي أَيْ يُعْفَى عَمَّا تَعَلَّقَ بِهَا وَلِذَا أَدْخَلَهَا فِي الْمَعْفُوَّاتِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ. قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَطَأُ الْمَوْضِعَ الْقَذِرَ الْجَافَّ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَدْ وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ تَلَا {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] . قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْضِعُ قَذَرٍ لَا يُوقَنُ بِنَجَاسَتِهِ فَحَمَلَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْ مِثْلِ هَذَا يَضُرُّ فَهُوَ مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ، وَلَوْ أَيْقَنَ بِنَجَاسَتِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَعْلَقُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا مِنْ أَجْلِ بَلَلِهِمَا انْتَهَى. وَحَمَلَ غَيْرُ ابْنِ رُشْدٍ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ نَجِسٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ مَعْنَاهُ إذَا مَشَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ كَمَسْأَلَةِ الذَّيْلِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الرِّوَايَةَ قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ ذَلِكَ إذَا مَشَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الدِّرْعَ يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الرِّجْلَ إذَا رَفَعَهَا بِالْخَضِرَةِ لَمْ يَنْمَاعَ مِنْ تِلْكَ النَّجَاسَةِ إلَّا شَيْءٌ لَا قَدْرَ لَهُ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ سَنَدٍ مَيْلٌ لِكَلَامِ ابْنِ اللَّبَّادِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ اللَّبَّادِ وَاللَّخْمِيِّ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي ابْنَ اللَّبَّادِ رَأَى أَنَّ رِجْلَيْهِ لَمَّا كَانَتَا لَا تَسْلَمُ أَنْ يَعْلَقَ بِهِمَا أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مَسْحِهِمَا فَإِذَا مَشَى عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ امْتَسَحَتْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِمَسْحِ الْأَرْضِ عَنْ غَسْلِ الْمَاءِ كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَهُ، وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا يُغَيِّرُ أَجْزَاءَ الْمَاءِ الْبَاقِي فِي رِجْلَيْهِ فَلَمَّا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخُ كُلُّهُمْ عَلَى حَمْلِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَذِرِ النَّجِسُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ وَاقْتَصَرَ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ اللَّبَّادِ لِاقْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ وَجَمَاعَةٍ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِتَأْوِيلِ غَيْرِهِ مَا عَدَا ابْنَ رُشْدٍ إذْ فِيهِ زِيَادَةُ اشْتِرَاطِ أَنْ يَمْشِيَ بِهَا عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ إلَّا أَنَّ فِي قِيَاسِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الذَّيْلِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الرِّجْلَ مَبْلُولَةٌ وَالذَّيْلَ يَابِسٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ يَبِسٌ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً مُشَبَّهَةً فَيُنَوَّنُ. ص (وَخُفٌّ وَنَعْلٌ مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ وَبَوْلِهَا إنْ دَلْكًا لَا غَيْرَهُ) ش: الرَّوْثُ عِبَارَةٌ عَنْ رَجِيعِ غَيْرِ ابْنِ آدَمَ يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ أَثَرِ مَا يُصِيبُ الْخُفَّ وَعَمَّا يُصِيبُ النَّعْلَ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا، وَلَوْ كَانَتْ

رَطْبَةً كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِشَرْطِ أَنْ يُدَلِّكَ ذَلِكَ فَإِذَا دَلَّكَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ الْمَشَقَّةُ وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا لِكَوْنِ الْأَرْوَاثِ مُخْتَلِفًا فِي نَجَاسَتِهَا وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِعَدَمِ الْعَفْوِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْعَفْوِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِابْنِ حَبِيبٍ ثَالِثٌ بِالْعَفْوِ عَنْ الْخُفِّ دُونَ النَّعْلِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَصَّ سَحْنُونٌ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ خَاصٌّ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا الدَّوَابُّ. وَأَمَّا مَا لَا يَكْثُرُ فِيهِ الدَّوَابُّ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إشَارَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِلْمَشَقَّةِ وَالْمَشَقَّةُ إنَّمَا هِيَ مَعَ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ بِمَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. (الثَّانِي) الدَّلْكُ هُوَ الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ، أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى التُّرَابِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ وَيَجُوزُ بِالْخِرَقِ وَنَحْوِهَا كَالِاسْتِجْمَارِ قَالَ سَنَدٌ: وَيَمْسَحُ حَتَّى لَا يُخْرِجَ الْمَسْحُ شَيْئًا كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ زَوَالُ الرِّيحِ كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ إنَّمَا هُوَ مَسْحُهُ، وَقَدْ أَتَى بِهِ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى مُخْتَصَرًا. (الثَّالِثُ) إذَا عُفِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَقُلْنَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِمَا فَيَجُوزُ إدْخَالُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَشْيُ بِهِمَا فِيهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِمَا فِيهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى قَالَهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّرًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْذِرُهُ وَيُفْسِدُ حُصْرَهُ فَيُمْنَعُ مِنْ الْمَشْيِ بِهِمَا فِيهِ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي النَّعْلِ وَإِدْخَالِهِمَا الْمَسْجِدَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) كُلُّ مَا يُمْشَى بِهِ كَالْإِقْرَافِ وَالسَّمْسَكِينِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّعْلِ وَالْخُفِّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ. وَقَوْلُهُ لَا غَيْرُهُ يَعْنِي أَنَّ غَيْرَ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا إذَا أَصَابَ الْخُفَّ، أَوْ النَّعْلَ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ وَبَوْلِ بَنِي آدَمَ وَخُرْءِ الْكِلَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَالَ سَنَدٌ وَمِثْلُهَا الدَّجَاجُ الْمُخَلَّاةُ. (قُلْتُ:) وَمِثْلُ ذَلِكَ رَوْثُ الْهِرَّةِ وَبَوْلُهَا وَالْعِلَّةُ نُدُورُ ذَلِكَ فِي الطُّرُقَاتِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ إذَا وَطِئَ عَلَى دَمٍ، أَوْ عَذِرَةٍ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الطُّرُقَاتِ نَادِرٌ فَإِنْ كَثُرَ صَارَ كَرَوْثِ الدَّوَابِّ انْتَهَى. وَالرَّوْثُ عِبَارَةٌ عَنْ رَجِيعِ غَيْرِ ابْنِ آدَمَ قَالَهُ فِي الْعَارِضَةِ لَا يَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي غَيْرِهِ إلَى الْخُفِّ وَالنَّعْلِ فَلَا يُعْفَى عَنْ غَيْرِ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ لَا مَاءَ مَعَهُ وَيَتَيَمَّمُ إلَى آخِرِهِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عِنْدَ كَلَامِهِ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ يُجْزِي فِيهَا زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَهِيَ النَّعْلُ وَالْخُفُّ وَالْقَدَمُ وَالْمَخْرَجَانِ وَمَوْضِعُ الْحِجَامَةِ وَالسَّيْفُ الصَّقِيلُ وَالثَّوْبُ وَالْجَسَدُ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي أَنَّ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ لَا يُجْزِي مَسْحُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الصَّقِيلِ. ص (فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ لَا مَاءَ مَعَهُ وَيَتَيَمَّمُ) ش: أَيْ فَلِأَجْلِ أَنَّ مَا عَدَا أَرْوَاثَ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالَهَا لَا يُعْفَى عَنْهُ وَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْهُ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَصَابَ خُفَّهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ أَنْ يَخْلَعَ الْخُفَّ وَيَتَيَمَّمَ، وَلَا يُصَلِّيَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا لِإِبْطَالِ الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ وَالِانْتِقَالِ إلَى الطَّهَارَةِ التُّرَابِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَهُ بَدَلٌ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ لَا بَدَلَ لَهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) أَخَذَ مِنْهُ الْمَازِرِيُّ تَقَدُّمَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَكْفِيهِ لِأَحَدِ الطَّهَارَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَظُنُّ أَنِّي وَقَفْتُ لِأَبِي عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ وَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَنْقُلُهُ عَنْهُ وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْخَبَثِ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا وَذَكَرَ ابْنُ هَارُونَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ وَيَتَوَضَّأُ، وَقِيلَ: يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَيَتَيَمَّمُ وَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ

مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّهُ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَيَتَيَمَّمُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ. (الثَّانِي) هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ جَمْعُ الْمَاءِ مِنْ أَعْضَائِهِ طَهُورًا. وَأَمَّا إنْ أَمْكَنَهُ جَمْعُهُ طَهُورًا مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَجْمَعُهُ وَيَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّهُ طَهُورٌ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَوْلُهُ الْمَاسِحُ مُشْكِلٌ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخُصُّهُ بَلْ الْمُرَادُ مَنْ حُكْمُهُ الْمَسْحُ، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ أَلْبَتَّةَ فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَيْهِ مَجَازٌ اهـ. (قُلْتُ:) هَذَا الْكَلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إطْلَاقِ الْمُشْتَقِّ عَلَى مَحَلِّهِ حَقِيقَةُ بَقَاءِ مَعْنَى ذَلِكَ الْمُشْتَقِّ فِي الْمَحَلِّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً حَالَ التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ فَالضَّارِبُ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِيمَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالضَّرْبِ وَالْقَائِمُ إنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِيمَنْ تَلَبَّسَ بِالْقِيَامِ وَإِنَّ إطْلَاقَ الْمُشْتَقِّ عَلَى الْمَحَلِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَجَازٌ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْمَاسِحُ حَقِيقَةً مَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالْمَسْحِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْمَسْحُ، أَوْ مَنْ يَمْسَحُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَجَازٌ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي، وَقِيلَ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي مَجَازٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِيمَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْمَسْحُ وَإِلَّا، فَمَنْ لَمْ يَمْسَحْ يَنْزِعُ الْخُفَّ وَيُصَلِّي بِوُضُوئِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَاخْتَارَ إلْحَاقَ رِجْلِ الْفَقِيرِ، وَفِي غَيْرِهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَانِ) . ش يَعْنِي أَنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَ إلْحَاقَ رِجْلَ الْفَقِيرِ فِي أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ أَثَرِ مَا يُصِيبُهَا مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا إذَا دُلِكَتْ، وَفِي رِجْلِ غَيْرِ الْفَقِيرِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّجْلَ لَا نَصَّ فِيهَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيّ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَفُرِّقَ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَاخْتَارَ التُّونُسِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ إلْحَاقَهَا بِالْخُفِّ وَالنَّعْلِ مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ وَالْقَرَافِيُّ قَوْلًا بِعَدَمِ الْإِلْحَاقِ مُطْلَقًا، وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ اللَّخْمِيَّ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي غَيْرِ رِجْلِ الْفَقِيرِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادُهُ وَلَكِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ فِي رِجْلِ الْفَقِيرِ بِمُوَافَقَتِهِ لِاخْتِيَارِ التُّونُسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَمَّا لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ اخْتِيَارُهُ فِي مُقَابِلِهِ لِمُعَارَضَتِهِ لِاخْتِيَارِ التُّونُسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنْ تَيَسَّرَ لَهُ الْغَسْلُ وَوَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَلْيُصَلِّ بِهَا إذَا مَسَحَ رِجْلَيْهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالنَّعْلِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَوَاقِعٌ عَلَى مَارٍّ، وَإِنْ سَأَلَ صَدَّقَ الْمُسْلِمَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا وَقَعَ عَلَى الْمَارِّ تَحْتَ سَقِيفَةٍ وَشِبْهِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ نَجَسٌ يُعْفَى عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَعْفُوَّاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ النَّجَاسَةَ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مِنْ بُيُوتِ النَّصَارَى فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى النَّجَاسَةِ، الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ حَلْفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَلَيْسَتْ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَمُرُّ تَحْتَ سَقِيفَةٍ فَيَقَعُ عَلَيْهِ مَاؤُهَا قَالَ أَرَاهُ فِي سَعَةٍ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ نَجَاسَةً زَادَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَإِنْ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا هُوَ طَاهِرٌ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا نَصَارَى فَلَا أَرَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا قَالَ يُصَدِّقُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ النَّجَاسَةَ فَسُؤَالُهُمْ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَلَوْ قَالُوا لَهُ لَمَّا سَأَلَهُمْ: هُوَ نَجَسٌ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ انْتَهَى. وَعَزَا الشَّارِحُ هَذِهِ

الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ أَصْبَغَ وَلَيْسَتْ فِيهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا إذَا تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ إمَّا بِرَائِحَةٍ، أَوْ بِعَلَامَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، أَوْ يَكُونُ الْوَاقِعُ مِنْ بُيُوتِ النَّصَارَى فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّجَاسَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. (الثَّانِي) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ سُؤَالِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. (الثَّالِثُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ صَدَّقَ الْمُسْلِمَ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ الْكَافِرَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا مَا يَسِيلُ مِنْ بُيُوتِ النَّصَارَى فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَلَا يُصَدَّقُونَ إنْ قَالُوا إنَّهُ طَاهِرٌ زَادَ فِي سَمَاعِ عِيسَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَاعِدًا عِنْدَهُمْ فَيُصَدَّقُ إنْ كَانَ عَدْلًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَتَكَرَّرَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ حَلْفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ. ص (وَكَسَيْفٍ صَقِيلٍ لِإِفْسَادِهِ مِنْ دَمٍ مُبَاحٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ السَّيْفَ الصَّقِيلَ: وَشِبْهَهُ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِي فِي قَوْلِهِ وَكَسَيْفٍ مَا كَانَ صَقِيلًا وَفِيهِ صَلَابَةٌ كَالْمُدْيَةِ وَالْمِرْآةِ وَالزُّجَاجِ وَخَرَجَ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ صَقِيلًا كَالثَّوْبِ الصَّقِيلِ وَالْبَدَنِ وَالظُّفُرِ وَبِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَ قَوْلَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَنْ السَّيْفِ الصَّقِيلِ وَشِبْهِهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: لِإِفْسَادِهِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي تَعْلِيلِ الْعَفْوِ هُوَ الْإِفْسَادُ بِالْغَسْلِ لِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْعَفْوِ الْمَسْحَ وَخَرَجَ بِذَلِكَ الزُّجَاجُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ شَابَهُ السَّيْفَ فِي الصَّقَالَةِ وَالصَّلَابَةِ لَكِنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ دَمٍ مُبَاحٍ أَنَّ الْعَفْوَ خَاصٌّ بِالدَّمِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ أَكْثَرِ عِبَارَاتِهِمْ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَدَمُ التَّخْصِيصِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَسْحُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ مِنْ صَقِيلٍ كَافٍ لِإِفْسَادِ غَسْلِهِ، وَقِيلَ: لِانْتِقَالِهَا، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَكْثَرُ مَثَلِهِمْ فِي السَّيْفِ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّمِ فَيَحْتَمِلَ أَنْ لَا يُقْصَرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْوَاصِلَةِ إلَيْهِ انْتَهَى، وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَقَوْلُهُ مُبَاحٌ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْقَيْدَ عَنْ بَعْضِهِمْ، فَقَالَ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ بِأَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُبَاحًا كَمَا فِي الْجِهَادِ وَالْقِصَاصِ، وَلَا يُعْفَى عَنْ دَمِ الْعُدْوَانِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَادَ فَقَالَ وَهَذَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَاصِي هَلْ يَتَرَخَّصُ أَمْ لَا؟ (قُلْتُ:) وَالْقَيْدُ الْمَذْكُورُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ الْآتِي ذِكْرُهُ وَلِذَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَيَدْخُلُ فِي الْمُبَاحِ مَا كَانَ مِنْ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ وَيَخْرُجُ مَا كَانَ عَنْ ذَكَاةٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ فِي الْعَفْوِ مَسْحَ الدَّمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَلَفْظُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِالسَّيْفِ فِي الْغَزْوِ وَفِيهِ دَمٌ أَنْ لَا يُغْسَلَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَيُصَلِّي بِهِ قَالَ عِيسَى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَسَحَهُ مِنْ الدَّمِ، أَوْ لَمْ يَمْسَحْهُ، قَالَ عِيسَى: يُرِيدُ فِي الْجِهَادِ، أَوْ فِي الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ عَيْشُهُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ:) وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ السَّيْفِ إلَّا بَعْدَ الْمَسْحِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَالِكٍ. ابْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ. وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَابْنِ شَاسٍ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَأَثَرُ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَأْ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ الثَّوْبَ وَالْجَسَدَ مِنْ أَثَرِ الدُّمَّلِ مِنْ دَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ إذَا لَمْ يُنْكَأْ وَإِنَّمَا سَالَتْ بِنَفْسِهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ قُرْحَةٍ إنْ تَرَكَهَا صَاحِبُهَا لَمْ تَسِلْ، وَإِنْ نَكَأَهَا سَالَتْ فَمَا خَرَجَ مِنْ هَذِهِ مِنْ دَمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَصَابَ ثَوْبَهُ، أَوْ جَسَدَهُ غَسَلَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ قَطَعَهَا وَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الرُّعَافِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَيَفْتِلُهُ، وَلَا يَنْصَرِفُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُكَفُّ وَتُمْصَلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُنْكَأَ فَلْيُصَلِّ وَلْيَدْرَأْهَا بِخِرْقَةٍ، وَلَا يَقْطَعُ لِذَلِكَ

وَلَا يَغْسِلُ مِنْهُ الثَّوْبَ إذَا أَصَابَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ مِثْلُ الدُّمَّلِ، وَقَوْلُهُ نَكَأَهَا بِالْهَمْزِ أَيْ قَشَّرَهَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَمْ تُنْكَأْ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَتَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى حَالِهَا عِنْدَ خُرُوجِ الْمَادَّةِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَسِيلُ مِنْهَا بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَشَّرَ فَيُعْفَى عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ سَاوَوْا بَيْنَ أَثَرِ الدُّمَّلِ وَأَثَرِ الْجُرْحِ وَالْجُرْحُ إنَّمَا يَكُونُ بِشَقِّ الْجِلْدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الدُّمَّلِ الْوَاحِدَةِ. وَأَمَّا إذَا كَثُرَتْ كَالْجَرَبِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى نَكْئِهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَا زَالَ شَيْخُنَا يَقُولُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ عِيَاضٍ وَلَمْ أَجِدْهُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَنَصُّهُ الْحَكَّةُ وَمَا يَكُونُ مِنْ الدَّمَامِلِ وَالْقُرُوحِ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْحَةِ الَّتِي لَا تُكَفُّ، وَإِنْ كَانَ دَمُ ذَلِكَ إنَّمَا يَسِيلُ بِالْحَكِّ لَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ مَنْ بِهِ ذَلِكَ تَرْكُ الْحَكِّ وَتَرْكُهُ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الدُّمَّلَ إذَا لَمْ تُنْكَأْ يُعْفَى عَنْ أَثَرِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مُتَّصِلًا، أَوْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَمْ لَا. وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ كَالْجُرْحِ يُمْصَلُ وَالدُّمَّلِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ بِخِلَافِ مَا يُنْكَأُ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ ثَانِيًا قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الرُّعَافِ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْفَى عَنْ أَثَرِهَا إذَا لَمْ تُنْكَأْ قَالَ: وَلَوْ سَالَتْ قُرْحَتُهُ أَوْ نَكَأَهَا تَمَادَى إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا إلَّا أَنْ تُمْصَلَ بِنَفْسِهَا، وَلَا تَكُفَّ فَيَدْرَؤُهَا بِخِرْقَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَتَمَادَى إذَا مَصَلَتْ بِنَفْسِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُفَّ. وَأَمَّا لَوْ رَجَا الْكَفَّ لِقَطْعٍ، وَإِنْ سَالَتْ بِنَفْسِهَا وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ لَفْظَهَا الْمُتَقَدِّمَ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الْجُرْحِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ فَعَلَى الْمَجْرُوحِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالَتِهِ، وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَقِّي مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إلَّا إذَا كَثُرَتْ وَتَفَاحَشَتْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهَا وَالثَّانِي أَنْ لَا يَتَّصِلَ خُرُوجُهُ وَأَمْكَنَ التَّوَقِّي مِنْ نَجَاسَتِهِ وَدَمِهِ فَإِنْ انْبَعَثَتْ فِي الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِنَجَاسَةِ جِسْمِهِ وَثَوْبِهِ فَلْيَغْسِلْ مَا بِهِ الدَّمُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْهَا لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعُفِيَ عَمَّا يَشُقُّ. وَفِيهَا لَا يُغْسَلُ دَمُ قُرْحَةٍ تَسِيلُ دُونَ إنْكَاءٍ وَمُتَفَاحِشَهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ. الْبَاجِيُّ إنْ لَمْ يَتَّصِلْ سَيْلُهُ وَأَمْكَنَ التَّوَقِّي مِنْهُ قَطَعَ لَهُ الصَّلَاةَ، وَلَوْ سَالَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَمَادَى إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْكَفَّ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ كَثِيرًا وَرَجَا الْكَفَّ لِقَطْعٍ، وَإِنْ سَالَتْ بِنَفْسِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. فَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عَسِرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ سَوَاءٌ اتَّصَلَ، أَوْ كَانَ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ وَلَمْ يَنْضَبِطْ وَتَكَرَّرَ وَشَقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَبِهِ يُفَسَّرُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُكَفُّ وَتَمْصُلُ. وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ مُتَّصِلًا أَيْ مُتَكَرِّرًا بِحَيْثُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْبَاجِيِّ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَّصِلَ خُرُوجُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ خُرُوجُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ تَكَرَّرَ وَلَمْ يَشُقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ مَرَّةً، وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ وَأَمْكَنَ التَّوَقِّي مِنْ نَجَاسَتِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي الدُّمَّلِ يَنْفَقِعُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: إنَّهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلْيَنْصَرِفْ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الْبَاجِيِّ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ خُرُوجُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّوَقِّي مِنْهُ لِتَكَرُّرِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَوْ مَرَّتَيْنِ

فِي الْيَوْمِ خُصُوصًا إذَا لَمْ يَنْضَبِطْ وَقْتُ خُرُوجِهِ فَيَتَعَارَضُ فِيهِ مَفْهُومَا كَلَامِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَكِنْ يَتَرَجَّحُ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَابِ أَنَّ كُلَّ مَا شَقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ يُعْفَى عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ السَّلَسِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ مِنْهُ أَمْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ فَرْجِهِ أَنَّ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ السَّائِلَةِ كَالْقُرُوحِ وَشِبْهِهَا لَا تُغْسَلُ إلَّا أَنْ تَتَفَاحَشَ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّجَاسَاتِ مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَتَفَاحَشَ جِدًّا فَيُؤْمَرُ بِهَا وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا، أَوْ يُمْكِنَ لِمَشَقَّةٍ كُبْرَى كَالْجُرْحِ يَمْصُلُ وَالدَّمِ يَسِيلُ وَالْمَرْأَةِ تُرْضِعُ وَالْأَحْدَاثِ تُسْتَنْكَحُ وَالْغَازِي يُضْطَرُّ إلَى إمْسَاكِ فَرَسِهِ، وَخَصَّ مَالِكٌ هَذَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَيُرَجَّحُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَقَدْ أَطَلْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مُنْصِفًا. (الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلْيَدْرَأْهَا بِخِرْقَةٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي اسْتِحْبَابًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ إنْ تَفَاحَشَ كَدَمِ بَرَاغِيثَ إلَّا فِي صَلَاةٍ) . ش يَعْنِي أَنَّ الدُّمَّلَ وَالْجُرْحَ إذَا كَانَا يَمْصُلَانِ بِأَنْفُسِهِمَا يُعْفَى عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهُمَا، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إلَّا إذَا تَفَاحَشَ فَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ إذَا تَفَاحَشَ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ أَثَرُ الدُّمَّلِ وَالْجُرْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَقْطَعُهَا، أَوْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا، وَكَذَلِكَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ لَا تُقْطَعُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحَكَى صَاحِبُ الْعُمْدَةِ قَوْلَيْنِ إذَا تَفَاحَشَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ بِالْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ التَّفَاحُشِ فَقِيلَ: مَا يُسْتَحْيَا بِهِ فِي الْمَجَالِسِ مِنْ النَّاسِ، وَقِيلَ: مَا لَهُ رَائِحَةٌ، نَقَلَهُمَا التَّادَلِيُّ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ خِلَافًا وَنَصُّهُ: وَمَا حَدُّ التَّفَاحُشِ؟ قَالَ رَبِيعَةُ: فِي الشَّيْءِ الْمُلَازِمِ مِثْلُ الْجُرْحِ يَمْصُلُ وَأَثَرِ الْبَرَاغِيثِ إذَا تَفَاحَشَ مَنْظَرُ ذَلِكَ، أَوْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ فَاغْسِلْهُ وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُقْبَلُ صَاحِبُهُ، وَلَا يُقْرَبُ إلَّا بِتَقَذُّرٍ وَتَكَرُّهٍ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: أَلْحَقَ صَاحِبُ الْحُلَلِ بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ دَمَ الْبَقِّ وَالْقُمَّلِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مِنْهُمَا تُتَقَذَّرُ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ دَمَ الْبَرَاغِيثِ مَتَى تَفَاحَشَ يُغْسَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَادِرًا بَلْ فِي زَمَنِ هَيَجَانِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ غَيْرِ الْمُتَفَاحَشِ النَّادِرِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ شَاسٍ فَجَعَلَا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي زَمَنِ هَيَجَانِهِ مَعْفُوٌّ، وَإِنْ تَفَاحَشَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّوْضِيحِ: أَكْثَرُ النَّاسِ لَمْ يَذْكُرُوا الْقَيْدَ الْأَخِيرَ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْمُدَوَّنَةِ: ثَمَانِيَةُ أَثْوَابٍ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا إلَّا مَعَ التَّفَاحُشِ: ثَوْبُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْمُرْضِعِ وَصَاحِبِ السَّلَسِ وَصَاحِبِ الْبَوَاسِيرِ وَالْجُرْحِ السَّائِلِ وَالْقُرْحَةِ وَثَوْبُ الْغَازِي الَّذِي يَمْسِكُ فَرَسَهُ فِي الْجِهَادِ وَثَوْبُ الْمُتَعَيِّشِ فِي سَفَرِهِ بِالدَّوَابِّ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ انْتَهَى. ص (وَيَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ بِلَا نِيَّةٍ بِغَسْلِهِ) ش: لَمَّا قَدَّمَ حُكْمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ وَمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ تَكَلَّمَ الْآنَ فِي كَيْفِيَّةِ إزَالَةِ مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَبِمَاذَا تَكُونُ؟ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ كَانَ بَدَنًا، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ أَرْضًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ إذَا أُرِيدَ تَطْهِيرُهُ إنَّمَا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ، وَلَا يَطْهُرُ بِغَيْرِ الْغَسْلِ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَالرَّحْلِ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا وَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ مِنْ الدَّمِ وَمَوْضِعِ الْحِجَامَةِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِجْمَارُ فِي الْمَخْرَجَيْنِ وَالثَّوْبِ الصَّقِيلِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَفْوِ عَنْ مَحَلِّهِ وَإِلَّا فَالْمَحَلُّ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ بَعْدَهَا، وَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِغَسْلِهِ، وَالْغَسْلُ فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ بِحَسَبِهَا، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ:

النَّجَاسَةُ إمَّا حُكْمِيَّةٌ، أَوْ عَيْنِيَّةٌ فَالْحُكْمِيَّةُ يَكْفِي فِيهَا وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ وَالْعَيْنِيَّةُ لَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ عَيْنِهَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ نَجَاسَةٌ كَلَوْنِ الْمَاءِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْمَذْيُ وَنَحْوُهُمَا فَيَجِبُ أَنْ يُكَاثِرَ بِالْمَاءِ خَاصَّةً إذْ لَيْسَ لَهَا عَيْنٌ تُزَالُ فَكَفَى مِنْ مَاءٍ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِنْ نُقْطَةٍ مِنْ مَذْيٍ، وَنَجَاسَةٌ تُخَالِفُ لَوْنَ الْمَاءِ فَيَلْزَمُ صَبُّ الْمَاءِ حَتَّى تَذْهَبَ عَيْنُهَا، وَقَالَ فِي حَدِيثِ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَقَوْلُهُ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ أَيْ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَأَتْبِعْهُ الْمَاءَ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْعَرْكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنَّ الرَّجُلَ الْكَبِيرَ لَوْ بَالَ عَلَى ثَوْبِهِ وَأَتْبَعَهُ مَاءً لَكَانَ ذَلِكَ تَطْهِيرًا لِلْمَحَلِّ كَامِلًا، وَقَالَ فِي حَدِيثِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ إذَا اسْتَقَرَّتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْأَرْضِ صُبَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُهَا، وَيُسْتَهْلَكُ الْبَوْلُ فِيهَا بِذَهَابِ رَائِحَتِهِ وَلَوْنِهِ وَتَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِذَلِكَ قَالَ الْهَرَوِيُّ لَا تَطْهُرُ إلَّا بِأَنْ تُحْفَرَ وَيُجْعَلَ عَلَى ظَاهِرِهَا تُرَابٌ طَاهِرٌ وَلَيْسَ الذَّنُوبُ تَقْدِيرًا وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ غَلَبَةِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ لِلنَّجَاسَةِ وَاسْتِهْلَاكِهَا فِيهِ وَإِذَا بَالَ رَجُلَانِ فِي مَوْضِعٍ كَفَى ذَنُوبٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ لِكُلِّ رَجُلٍ ذَنُوبٌ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ أُهْرِيقَ عَلَى الْمَوْضِعِ مَاءٌ، أَوْ جَاءَ عَلَيْهِ مَطَرٌ طَهُرَ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ نَصَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ يَكْفِي فِي تَطْهِيرِهَا صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَقَطْ، وَالْبَوْلُ وَغَيْرُهُ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مُتَتَابِعًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالُ النَّجَاسَةِ إنَّهُ يَطْهُرُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَرْكٍ، وَلَا عَصْرٍ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: وَطَهُورُ الْأَرْضِ مِنْ الْبَوْلِ صَبُّ دَلْوٍ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا، وَمَنْ أَصَابَهُ نَجَسٌ وَهَطَلَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ فَاغْتَسَلَ بِهِ طَهَّرَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَدَعَا بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّ عَلَيْهِ: فِيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَائِعَةَ دُونَ لُزُوجَةٍ يَكْفِي فِي تَطْهِيرِهَا صَبُّ الْمَاءِ وَإِتْبَاعُهُ دُونَ دَلْكٍ، وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّلْكُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يُغْسَلُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ بَلْ مَا يُغْمَرُ النَّجَاسَةَ وَيَغْلِبُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذَهَابُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَإِذَا زَالَتْ بِصَبِّ الْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى الدَّلْكِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَظْهَرُ لَهُ عَيْنٌ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ كَالْبَوْلِ، وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ سَبْعَةَ أَمْثَالِ الْبَوْلِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَاءِ أَنْ يَقْطُرَ بَعْدَ صَبِّهِ عَلَيْهَا إلَى الْأَرْضِ بَلْ إذَا صُبَّ الْمَاءُ وَغَمَرَ النَّجَاسَةَ اُسْتُهْلِكَتْ وَذَهَبَ حُكْمُهَا فَإِنْ انْدَفَعَتْ الْغُسَالَةُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ بَدَنٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَصِيرِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهَا فَيُشْتَرَطُ فِي طَهَارَةِ مَا انْدَفَعَتْ إلَيْهِ أَنْ تَكُونَ الْغُسَالَةُ الْمُنْدَفِعَةُ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَةَ نَجِسَةٌ فَإِنْ انْدَفَعَتْ مُتَغَيِّرَةً صُبَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْدَفِعَ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي غَسْلِ ثَوْبِ الْمُحْرِمِ: فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى حَتٍّ وَعَرْكٍ كَالْبَوْلِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ فَإِنَّهُ يُوَاصِلُ صَبَّ الْمَاءِ وَيَتَوَاصَلُ وَيَتَلَطَّفُ فِي غَسْلِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْعَيْنِيَّةَ لَا يَكْفِي إجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ مُحَاوِلَةِ إزَالَةِ أَوْصَافِهَا الثَّلَاثَةِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ، أَوْ مَا وُجِدَ مِنْهَا انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمِيَّةَ هِيَ الَّتِي لَا طَعْمَ لَهَا، وَلَا لَوْنَ، وَلَا رِيحَ كَالْبَوْلِ إذَا جَفَّ وَطَالَ أَمْرُهُ، وَالْعَيْنِيَّةُ نَقِيضُ الْحُكْمِيَّةِ وَبِهَذَا فَسَّرَهُمَا الشَّافِعِيَّةُ. (وَالْحَاصِلُ) مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَاَلَّتِي يُمْكِنُ زَوَالُهَا بِالْمَاءِ كَالْبَوْلِ وَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ أَوْ بِمُكَاثَرَةِ صَبِّ الْمَاءِ كَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَرْكٍ وَدَلْكٍ وَمَا لَا يُزَالُ إلَّا بِالْعَرْكِ وَالدَّلْكِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَا يَكْفِي مُرُورُ الْمَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا عَنْهُ بِإِذْهَابِ الْعَيْنِ وَالْأَثَرِ انْتَهَى. لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُرُورَ الْمَاءِ لَا يَكْفِي فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ بَلْ الْمَقْصُودُ إزَالَةُ عَيْنِهَا وَأَثَرِهَا فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فِي النَّضْحِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ حُكْمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ يَعْنِي بِهِ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ

وَحَكَى الْقَرَافِيُّ قَوْلًا بِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ افْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ وَابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلَهُمْ لَا تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا تُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَالثَّانِيَ عَلَى أَنَّهَا تَعَبُّدٌ فَهُوَ تَنَاقُضٌ. قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ وَأَوْرَدْتُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ دُرُوسِ أَشْيَاخِي فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ جَوَابٌ إلَّا مَا لَا يَصْلُحُ. (قُلْتُ:) مِمَّا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ وَلَيْسَ فِي التَّرْكِ نِيَّةٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فِي النَّضْحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ التَّعَبُّدَ فِيمَا تَقَعُ بِهِ الْإِزَالَةُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلنِّيَّةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (فَائِدَةٌ) الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ اسْمُهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ، وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ، وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى ذَنُوبًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَيُطْلَقُ الذَّنُوبُ عَلَى النَّصِيبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا} [الذاريات: 59] أَيْ نَصِيبًا مِنْ الْعَذَابِ وَقِيلَ إنَّهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ الذَّنُوبِ الَّذِي هُوَ الدَّلْوُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقُونَ وَيَجْعَلُونَ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ ذَنُوبًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَالَ سَنَدٌ السَّجْلُ دَلْوٌ أَصْغَرُ مِنْ الذَّنُوبِ وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ وَهِيَ دُونَ الْغَرْبِ وَفَوْقَ السَّجْلِ. ص (إنْ عَرَفَ وَإِلَّا فَبِجَمِيعِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَكُمَّيْهِ بِخِلَافِ ثَوْبِهِ فَيَتَحَرَّى) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَحَقَّقَ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ لِمَحَلٍّ فَإِنْ عَرَفَ مَوْضِعَهَا مِنْهُ غَسَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مَعَ تَحَقُّقِهِ الْإِصَابَةَ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ جَمِيعَ مَا شَكَّ فِي إصَابَةِ النَّجَاسَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَحَقَّقَ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ وَجَبَ غَسْلُهَا وَلَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ مَوْضِعُهَا تَعَيَّنَ غَسْلُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ زَوَالُهَا إلَّا بِذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّ نَجَاسَةً أَصَابَتْ ثَوْبَهُ لَا يَدْرِي مَوْضِعَهَا غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ غَسَلَهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَعُمُّ بِهِ الثَّوْبَ وَيَضِيقُ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى مَوْضِعَهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ كَكُمَّيْهِ يَعْنِي أَنَّ الثَّوْبَ الْمُتَّصِلَ إذَا تَحَقَّقَتْ إصَابَةُ النَّجَاسَةِ لَهُ وَشَكَّ فِي مَحَلِّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَلَوْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي جِهَتَيْنِ مُتَمَيِّزَتَيْنِ كَالْكُمَّيْنِ، وَلَا يَجْتَهِدُ فِي أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ سَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَجْتَهِدُ فَمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ أَنَّهُ النَّجِسُ غَسَلَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الثَّوْبَيْنِ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكُمَّيْنِ مُتَّصِلَانِ بِالثَّوْبِ وَالثَّوْبَيْنِ مُنْفَصِلَانِ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ ثَوْبَيْهِ فَيَتَحَرَّى يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ لِأَحَدِ ثَوْبَيْهِ وَطَهَارَةَ الْآخَرِ فَاشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى أَيْ يَجْتَهِدَ بِعَلَامَةٍ تُمَيِّزُ لَهُ الطَّاهِرَ مِنْهُمَا مِنْ النَّجِسِ فَمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ صَلَّى بِهِ وَمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّهُ نَجِسٌ تَرَكَهُ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُصَلِّي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ ثَوْبٍ كَالْأَوَانِي، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَكْثُرْ، هَذَا تَحْصِيلُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَتَحَرَّى فِي الثِّيَابِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الضَّرُورَةِ وَكَلَامُهُ فِي الْجَوَاهِرِ قَرِيبٌ مِنْهُ وَنَصَّ سَنَدٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِ وُجُودِ مَا يَغْسِلُ بِهِ الثَّوْبَيْنِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَكَذَا نَقْلُ صَاحِبِ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَرَّى إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا طَاهِرًا، أَوْ مَا يُطَهِّرُ بِهِ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ وَنَقَلَهُ عَنْ سَنَدٍ أَيْضًا، قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِ الْإِطْلَاقُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِضَرُورَةٍ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ

مُضْطَرًّا فَقَدْ أَدْخَلَ احْتِمَالَ الْخَلَلِ فِي صَلَاتِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّكِّ فِي الثَّوْبَيْنِ، أَوْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ فَيَتَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ. وَأَمَّا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّحَرِّي فِيهِ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنْ التَّوْضِيحِ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُ بِهِ الثَّوْبَ وَضَاقَ الْوَقْتُ، وَهَكَذَا قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ بِأَنَّهُ إذَا تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ صَلَّى بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ. وَأَمَّا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ وَالشَّكِّ فِي جَمِيعِ الثَّوْبِ فَيَغْسِلَ جَمِيعَهُ. قَالَ: وَفِي التَّحْقِيقِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَقَدْ أَغْفَلُوا كُلُّهُمْ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ عَنْهُ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ وَجَدَ ثَوْبًا طَاهِرًا كَمَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَالثَّانِي عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ يُعِيدُ فِي الْآخَرِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ يَرَى إذَا صَلَّى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَعَادَ فِي الْآخَرِ مَكَانَهُ فَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّ إحْدَى صَلَاتَيْهِ قَدْ وَقَعَتْ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى بِأَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَعْزِمْ فِي صَلَاتِهِ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ إذَا صَلَّى بِنِيَّةِ الْإِعَادَةِ فَحَصَلَتْ النِّيَّةُ غَيْرُ مُخْلَصَةٍ لِلْفَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعَادَهَا لَمْ يُخْلِصْ نِيَّتَهُ فِي إعَادَتِهِ لِلْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى أَنَّهَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ هُوَ الطَّاهِرَ. وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ فَيَتَحَرَّى صَلَاتَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَصَلَّى بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِنَجَاسَتِهِ لَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ ثُمَّ إنْ وَجَدَ فِي الْوَقْتِ ثَوْبًا طَاهِرًا أَعَادَ اسْتِحْبَابًا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّظَرِ فِيمَا إذَا صَلَّى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَعَادَ فِي الْآخَرِ يَأْتِي نَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ حَسَنٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ يُصَلِّي بِأَحَدِهِمَا أَيْ بَعْدَ أَنْ يَتَحَرَّى وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُجِيزُ لَهُ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِهِمَا بِلَا تَحَرٍّ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرِّي اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَحَرَّى أَيْ اجْتَهَدَ فَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَحِينَئِذٍ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ إنْ وَجَدَ ثَوْبًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ إذْ هُوَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُرَجِّحُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنِ هَارُونَ أَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ ضَعِيفَةٍ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ الطَّهَارَةُ عَلَى انْفِرَادِهِ فَيَسْتَنِدُ إلَى أَصْلٍ، وَلَا كَذَلِكَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ قَدْ بَطَلَ لِتَحَقُّقِ حُصُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَكَذَا قَالُوا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَلَوْ فَصَلَ هَذَا الثَّوْبَ نِصْفَيْنِ بَقِيَ وُجُوبُ الْغَسْلِ عَلَى مَا كَانَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَسْمُ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَجِسًا وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُمَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي فِيهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ: وَلَوْ فَصَلَهُمَا جَازَ لَهُ التَّحَرِّي إجْمَاعًا يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي فِي الثَّوْبَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ فِيمَا إذَا قَسَمَ الثَّوْبَ: فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَسَمَ فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ بَلْ النَّجَاسَةُ بَعِيدَةٌ مِنْهُ لَكَانَ مِثْلَ أَحَدِ الْكُمَّيْنِ انْتَهَى. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحَرِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لِثُبُوتِ النَّضْحِ فِيمَا شَكَّ فِي وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَالْيَقِينُ وَهَذَانِ الْوَصْفَانِ غَيْرُ مَوْجُودَيْنِ فِي الثَّوْبَيْنِ. (قُلْتُ:) وَإِذَا مَشَيْنَا عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ لَمْ يَحْتَجْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَصَدَّرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِالْقَوْلِ

بِالتَّحَرِّي ثُمَّ قَالَ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّانِي) إذَا قُلْنَا لَا يَتَحَرَّى إلَّا مَعَ الضَّرُورَةِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُتَيَمِّمِ فَالْآيِسُ يَتَحَرَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالرَّاجِي فِي آخِرِهِ وَالْمُتَرَدِّدُ فِي وَسَطِهِ أَوْ يُقَالُ لَا يُصَلِّي بِالتَّحَرِّي إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ. تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْجَمْعِ، وَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى الثَّانِي قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ بَدَلٌ عَنْ طَهَارَةٍ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ لَا بَدَلَ لَهَا فَيُؤَخَّرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ ثُمَّ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَلٍّ بِالنَّجَاسَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا انْتَهَى. (قُلْتُ:) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى إلَّا مَعَ الضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُ يَفْصِلُ فِيهِ كَالتَّيَمُّمِ وَأَنَّهُ إنْ وَجَدَ ثَوْبًا طَاهِرًا، أَوْ مَا يَغْسِلُ بِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا بِالتَّحَرِّي مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا غَسْلُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَا حَكَمَ اجْتِهَادُهُ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا إذَا لَبِسَهُمَا وَصَلَّى بِهِمَا قَالَ فَتَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَهُوَ الَّذِي غَسَلَهُ، وَالْآخَرَ طَاهِرٌ بِالِاجْتِهَادِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ نَجِسٌ وَبَعْضُهُ طَاهِرٌ، قَالَ: وَهَذَا قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ لَا يَكُونُ الثَّوْبَانِ ثَوْبًا، وَلَا الثَّوْبُ ثَوْبَيْنِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) لَا اعْتِبَارَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْعَدَدِ عِنْدَنَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي عَيْنِهَا إزَالَةُ الْعَيْنِ، وَفِي حُكْمِهَا إصَابَةُ الْمَاءِ الْمَحَلَّ وَاسْتَحَبَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثَ غَسَلَاتٍ لِحَدِيثِ الْقَائِمِ مِنْ النَّوْمِ وَأَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلٍ التَّسْبِيعَ فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ إلَّا الْأَرْضَ فَوَاحِدَةٌ لِحَدِيثِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ. ص (بِطَهُورٍ مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ) ش: هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَغْسِلُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَحَلَّ النَّجِسَ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْفَصِلَ الْمَاءُ عَنْ الْمَحَلِّ طَهُورًا بَاقِيًا عَلَى صِفَتِهِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ يُرْفَعَانِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الطَّهُورُ فَلِمَ أَعَادَهُ فَالْجَوَابُ إنَّمَا أَعَادَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ كَذَلِكَ أَيْ طَهُورًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي قَوْلِهِ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ أَنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْحَصْرَ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَدِّ لِمَا يُرْفَعُ بِهِ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ، وَكَذَا يُقَالُ هُنَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ الطَّهُورِ وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَابِعُوهُ قَوْلًا أَنَّهَا تُزَالُ بِكُلِّ قُلَاعٍ كَالْخَلِّ وَإِنَّمَا حُكِيَ فِي النَّوَادِرِ الْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الْمُضَافِ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَأَبُو الْفَرَجِ: اُخْتُلِفَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ فَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُطَهِّرُهُ إلَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ اللَّخْمِيَّ ذَكَرَ خِلَافًا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ قَالَ وَأَرَاهُ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا بَصَقَ دَمًا ثُمَّ بَصَقَ حَتَّى زَالَ إنَّهُ يَطْهُرُ وَرُدَّ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا اغْتَفَرَهُ لِيَسَارَتِهِ لِاشْتِرَاطِهِ عَدَمَ تَفَاحُشِهِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ: بَلْ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي مَسْحِ السَّيْفِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ لَوْ جَفَّفَتْ الشَّمْسُ مَوْضِعَ بَوْلٍ لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَكْفِي فَرْكُ الْمَنِيِّ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَالْفَرْكُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ النَّارُ لَا تُطَهِّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ انْفَصَلَ الْمَاءُ مُتَغَيِّرًا فَالْمَحَلُّ نَجِسٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَغُسَالَتُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرَةٌ نَجِسَةٌ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَمَغْسُولِهَا، وَغَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ قَالُوا: طَاهِرَةٌ كَمَغْسُولِهَا اهـ. ثُمَّ بَحَثَ فِي كَوْنِ الْغُسَالَةِ إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ طَاهِرَةً وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ وَغَيْرُ الْمُتَغَيِّرَةِ طَاهِرَةٌ: وَلَا يَضُرُّ بَلَلُهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْمُنْفَصِلِ يَعْنِي مَا غُسِلَ بِهِ لِنَجَاسَةٍ إذَا انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ وَالْمَحَلُّ نَجِسَانِ وَإِنْ انْفَصَلَ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ فَهُمَا طَاهِرَانِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اُسْتُدِلَّ بِالتَّغَيُّرِ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ جُزْءُ الْبَاقِي فِي الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّرَةً فَهِيَ نَجِسَةٌ وَعُلِمَ أَنَّ الثَّوْبَ لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ وَعُلِمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ انْفَصَلَتْ عَنْ الثَّوْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ قَدْ يَكُونُ التَّغَيُّرُ

مِنْ أَوْسَاخٍ فِي الثَّوْبِ مُتَكَاثِفَةٍ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْحَالِ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قُلْتُ: الصَّوَابُ التَّنْجِيسُ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ إذْ يَبْعُدُ أَنْ تَخْرُجَ النَّجَاسَةُ وَيَبْقَى الْوَسَخُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ صَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَا يَخْرُجُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِخُرُوجِ الْآخَرِ اهـ. (قُلْتُ:) مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذَا زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَطَعْمُهَا وَلَوْنُهَا وَرِيحُهَا، أَوْ زَالَ الطَّعْمُ وَعَسُرَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ وَتَحَقَّقَ أَنَّ التَّغَيُّرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَوْسَاخِ أَمَّا إنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مِنْ صِبَاغٍ الثَّوْبِ كَالْمَصْبُوغِ بِالنِّيلِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِ الصَّبْغِ، وَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ: إنَّ الْمَصْبُوغَ بِالنِّيلِ الْمُتَنَجِّسِ يَطْهُرُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِهِ أَنْ يَنْقَطِعَ النِّيلُ اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ طَهُرَ مَا صُبِغَ بِبَوْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْكُ الصَّبْغُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ اهـ. وَمُرَادُهُ بِمَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ مَا جُعِلَ الْبَوْلُ فِي صِبَاغِهِ وَلَيْسَ الْبَوْلُ نَفْسُهُ صَبْغًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ عَنْ مَالِكٍ فِي أَوَانِي الْخَمْرِ خِلَافًا فَرُوِيَ عَنْهُ تُغْسَلُ وَتُسْتَعْمَلُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا طُبِخَ فِيهَا الْمَاءُ وَغُسِلَتْ طَهُرَتْ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تُكْسَرُ وَتُشَقُّ الظُّرُوفُ فَقِيلَ: عُقُوبَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَقِيلَ إنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهَا تَغُوصُ فِيهَا قَالَ الْأَبِيُّ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ لِلْغَوْصِ وَالْتَزَمَ عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صُبِغَ بِهِ ثَوْبٌ لَمْ يَطْهُرْ فَعُورِضَ بِمَا صُبِغَ بِالْوَرْجَلَةِ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْوَرْجَلَةَ مُتَنَجِّسَةٌ لَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ قَالَ الْأَبِيُّ وَالظَّاهِرُ طَهَارَةُ إنَاءِ الْخَمْرِ إذَا غُسِلَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ لَا يَضُرُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَاءَ لَا يَصِلُ إلَى مَا يَصِلُ إلَيْهِ الْخَمْرُ، وَكَذَا أَفْتَى الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ بِأَنَّ أَلْوَاحَ الْبَتَّاتِيِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقَفَ بِهَا الْمَسْجِدَ قَالَ. وَأَمَّا الْأَقْبَابُ الْمَصْنُوعَةُ مِنْهَا فَمَاؤُهَا طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ اهـ. ص (وَلَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ النَّجَسِ إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ وَانْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْ الْمَحَلِّ طَهُورًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ انْفَصَلَ طَهُورًا، وَالْمَاءُ الْبَاقِي فِي الْمَحَلِّ كَالْمُنْفَصِلِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالُوا لَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ حَتَّى يُعْصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَعَ زَوَالِ طَعْمِهِ لَا لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسِرَا) ش: قَوْلُهُ مَعَ مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ، وَأَجَازَ الْبِسَاطِيُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَلْزَمُ عَصْرُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَحَلَّ النَّجَسِ يَطْهُرُ بِكَذَا مَعَ زَوَالِ طَعْمِ النَّجَسِ فَإِنْ بَقِيَ طَعْمُ النَّجَسِ لَمْ يَطْهُرْ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الطَّعْمِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ الطَّعْمِ، وَإِنْ عَسِرَ، وَقَوْلُهُ: " لَا لَوْنٍ وَرِيحٍ " مَعْطُوفَانِ عَلَى زَوَالٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ، لَا زَوَالَ لَوْنٍ وَرِيحٍ عَسِرَ زَوَالُهُمَا أَيْ يَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ بِكَذَا بِشَرْطِ زَوَالِ طَعْمِ النَّجَسِ لَا بِشَرْطِ زَوَالِ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ إذَا عَسِرَ، أَوْ إنْ لَمْ يَعْسُرْ زَوَالُهُمَا لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ مَعَ بَقَاءِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَبَقَاءُ اللَّوْنِ أَشَدُّ مِنْ بَقَاءِ الرِّيحِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ بَقِيَ الطَّعْمُ بَعْدَ زَوَالِ الْجُرْمِ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ فَالْمَحَلُّ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ دَلِيلٌ عَلَى بَقَائِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ، أَوْ الرِّيحُ وَقَلْعُهُ مُتَيَسِّرٌ بِالْمَاءِ فَإِنْ تَعَسَّرَ قَلْعُهُ عُفِيَ عَنْهُ وَكَانَ الْمَحَلُّ طَاهِرًا وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ كَمَا يُعْفَى عَنْ الرَّائِحَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إذَا عَسِرَ زَوَالُهَا مِنْ الْيَدِ أَوْ الْمَحَلِّ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إدْرَاكُ بَقَاءِ الطَّعْمِ فَإِنَّ ذَوْقَ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ أَيْ لَوْ ذَاقَ فَوَجَدَ الطَّعْمَ لَمْ يَطْهُرْ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْفَمِ أَوْ دَمِيَتْ اللِّثَةُ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ زَادَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة، وَكَذَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ الطَّعْمِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَوْقُ الْمَحَلِّ اسْتِظْهَارًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّانِي) الْمُعْتَبَرُ فِي إزَالَةِ ذَلِكَ هُوَ الْإِزَالَةُ بِالْمَاءِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ: " وَقَلْعُهُ تَيَسَّرَ بِالْمَاءِ " فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ زَوَالُ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ بِغَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَنَحْوُهُ فِي

كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَلَوْ أَمْكَنَ زَوَالُ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ بِأُشْنَانٍ، أَوْ صَابُونٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَفِي حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ يَسَارٍ فِي الدَّمِ الْعَسِرِ الزَّوَالِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكْفِيكَ الْمَاءُ، وَلَا يَضُرُّكَ أَثَرُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقِيسَ الرِّيحُ عَلَى اللَّوْنِ بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ. (الثَّالِثُ) لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ مَعًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. (الرَّابِعُ) إذَا عُسِرَ زَوَالُ اللَّوْنِ، أَوْ الرِّيحِ فَالْمَحَلُّ طَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَكَمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ نَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِاغْتِفَارِهِ الرَّائِحَةَ فِي الْمَاءِ أَنْ يَغْتَفِرَهَا فِي الْإِزَالَةِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَعْسُرْ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ دَلَالَةَ الشَّيْءِ عَلَى حُدُوثِ أَمْرٍ أَضْعَفُ مِنْهَا عَلَى بَقَائِهِ لِقُوَّتِهِ بِالِاسْتِصْحَابِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. ص (وَالْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ) . ش الْغُسَالَةُ هِيَ الْمَاءُ الَّذِي غُسِلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، وَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّرَةً وَسَوَاءٌ كَانَ تَغَيُّرُهَا بِالطَّعْمِ، أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَيْسَتْ كَحُكْمِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ تَغَيُّرُهَا بِالنَّجَاسَةِ أَوْ بِوَسَخٍ فِي الثَّوْبِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ تَغَيُّرُهَا بِصَبْغٍ فِي الثَّوْبِ وَبُولِغَ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ حَتَّى غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّغَيُّرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الصَّبْغِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِطَهَارَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّرَةً كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُضَافًا بِغَيْرِ شَيْءٍ طَاهِرٍ وَغُسِلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ حَتَّى زَالَ عَيْنُهَا وَأَثَرُهَا وَخَرَجَ الْمَاءُ كَهَيْئَتِهِ الْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِطَهَارَةِ الْغُسَالَةِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْعِ الْآتِي أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ أَصْلًا فِي مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَحْكُمُوا بِنَجَاسَةِ الْبَلَلِ الَّذِي فِي الثَّوْبِ فَكَذَلِكَ الْبَلَلُ الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ انْفَصَلَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ وَإِلَّا كَانَ هَذَا مُعَارِضًا لِلْفَرْعِ الْآتِي فَتَأَمَّلْهُ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغُسَالَةَ الَّتِي لَمْ تَتَغَيَّرْ طَاهِرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَلَا شَكَّ فِي طَهَارَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَقَالُوا كَذَلِكَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ وُرُودِهَا عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ فَيُشَكِّلُ مَذْهَبَهُ مِنْ جُلِّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُ الْمُتَغَيِّرَةِ قَالُوا طَاهِرَةً كَمَغْسُولِهَا. (قُلْتُ:) يُرَدُّ بِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ لَهَا وَبِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مَا تَوَضَّأَ بِهِ لَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا أَصَابَهُ إنْ كَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ طَاهِرًا وَعَلَى قَوْلِهِمْ الْتَزَمَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ لَوْ غُسِلَتْ قَطْرَةٌ مِنْ بَوْلٍ فِي بَعْضِ جَسَدٍ، أَوْ ثَوْبٍ وَشَاعَتْ غُسَالَتُهَا غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ لَمْ تَنْفَصِلْ عَنْهُ كَانَ طَاهِرًا اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَيَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ. (قُلْتُ:) اسْتِشْكَالُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ انْتَقَلَتْ لِلْغُسَالَةِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَرَدَّهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الشَّافِعِيَّةِ بِمَنْعِ انْتِقَالِهَا بَلْ نَقُولُ: الْمَاءُ قَهَرَهَا وَغَلَبَهَا فَكَأَنَّهُ أَعْدَمَهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَهَلْ يَجُوزُ رَفْعُ الْحَدَثِ وَزَوَالُ النَّجَاسَةِ بِهَذِهِ الْغُسَالَةِ؟ أَجْرَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْمَاءِ الْيَسِيرِ تَحُلُّهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُزِيلُ النَّجَسَ، وَلَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ اهـ. (قُلْتُ:) ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ الْغُسَالَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا خِلَافًا فِيمَا رَأَيْنَاهُ اهـ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ هَارُونَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. (قُلْتُ:) قَالَ سَنَدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إنَّهُ إذَا غَسَلَ

النَّجَاسَةَ رَجَعَ فَاسْتَعْمَلَ غُسَالَتَهَا فِي طَهَارَتِهِ اهـ. وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ تَغَيُّرِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ لَا سِيَّمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ نَجِسَةً إذَا كَانَ تَغَيُّرُهَا بِالنَّجَاسَةِ لَا بِالْأَوْسَاخِ. ص (وَلَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا) . ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أُزِيلَتْ النَّجَاسَةُ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إمَّا بِمَاءٍ مُضَافٍ، أَوْ بِشَيْءٍ قُلَاعٍ غَيْرِ الْمَاءِ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ وَقُلْنَا إنَّ ذَلِكَ لَا يُطَهِّرُ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ وَإِنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِهَا، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ ثُمَّ لَاقَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَهُوَ مَبْلُولٌ شَيْئًا، أَوْ لَاقَاهُ شَيْءٌ مَبْلُولٌ بَعْدَ أَنْ جَفَّ، أَوْ فِي حَالِ بَلَلِهِ فَهَلْ يَتَنَجَّسُ مَا لَاقَاهُ، أَوْ لَا يَتَنَجَّسُ قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِ التَّنْجِيسِ زَادَ الْمُصَنِّفُ إذْ الْأَعْرَاضُ لَا تَنْتَقِلُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ اخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ الْقَابِسِيُّ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ إذَا دَهَنَ الدَّلْوَ الْجَدِيدَ بِالزَّيْتِ وَاسْتَنْجَى مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ الْقَابِسِيُّ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الثِّيَابِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يُعِيدُ الِاسْتِنْجَاءَ دُونَ غَسْلِ ثِيَابِهِ اهـ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوَالِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ مُضَافٍ، أَوْ بِشَيْءٍ قُلَاعٍ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ لَوْ زَالَ عَيْنُهَا بِمُضَافٍ أَوْ قُلَاعٍ فِي تَنْجِيسِ رَطْبٍ بِمَحَلِّهَا نَقْلًا عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَابِسِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ مُجَهِّلًا لِمُخَالِفِهِ وَالتُّونُسِيُّ مَعَ عَبْدِ الْحَقِّ وَمَعْرُوفٌ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ وَابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا اتِّفَاقًا فَعُزِيَ الْقَوْلُ بِالتَّنْجِيسِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَابِسِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَعَزَا الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّنْجِيسِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَلِلشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَلِابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا اتِّفَاقًا وَلِعَبْدِ الْحَقِّ وَالْقَابِسِيِّ أَيْضًا فَيَكُونُ لَهُ قَوْلَانِ مَعْرُوفُهُمَا الثَّانِي عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ: إنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا وَمَا عَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا اسْتَجْمَرَ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ عَرِقَ الْمَحَلُّ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ الثِّيَابَ وَيُعْفَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مَعْفُوٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْهُ. (قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَفْوِ صَحِيحٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَعْفُوَّاتِ فِيمَا إذَا اتَّصَلَ بِالْمَعْفُوِّ مَائِعٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ هُنَا بَاقِيَةٌ، وَالْمَحَلُّ الَّذِي تُصِيبُهُ نَجِسٌ لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا الثَّوْبَ وَجَبَ نَضْحُهُ) ش: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا تَحَقَّقَ النَّجَاسَةَ وَتَحَقَّقَ إصَابَتَهَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا شَكَّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَشُكَّ فِي الْإِصَابَةِ أَيْ هَلْ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ أَمْ لَا. وَالثَّانِي أَنْ يَتَحَقَّقَ الْإِصَابَةَ وَيَشُكَّ فِي الْمُصِيبِ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَمْ لَا. وَالثَّالِثُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِمَا أَيْ فِي الْإِصَابَةِ، وَفِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَقْسَامِ الشَّكِّ قِسْمًا آخَرَ وَهُوَ إذَا تَحَقَّقَ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ وَشَكَّ فِي الْإِزَالَةِ، قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ مُتَيَقَّنَةٌ فَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَالضَّمِيرُ فِي إصَابَتِهَا لِلنَّجَاسَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا تَحَقَّقَ نَجَاسَةَ شَيْءٍ وَشَكَّ هَلْ أَصَابَ ذَلِكَ الشَّيْءُ النَّجَسُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَمْ يُصِبْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْضَحَهُ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ النَّضْحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا الْقِسْمُ مُتَّفَقٌ فِيهِ عَلَى النَّضْحِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: يَلْزَمُ النَّضْحُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. (قُلْتُ:) حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ ذَهَبَ إلَى غَسْلِ مَا شَكَّ فِيهِ مِنْ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَلَمْ يَرَ النَّضْحَ إلَّا مَعَ الْغَسْلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ يَعْنِي قَوْلَهُ اغْسِلْ ذَكَرَك وَأُنْثَيَيْك وَانْضَحْ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ خُرُوجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَعَلَّ ابْنَ بَشِيرٍ لَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَلِهَذَا جَزَمَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُ النَّضْحُ بِلَا خِلَافٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ النَّضْحِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَقَدْ قَالَ سَنَدٌ: اُخْتُلِفَ فِي النَّضْحِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ

أَوْ مُسْتَحَبٌّ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ شَيْئًا وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وُجُوبُ النَّضْحِ وَاسْتِحْبَابُهُ وَوُجُوبُ الْغَسْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ سَنَدٍ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَدَلِيلُهُ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بِنَضْحِ الْحَصِيرِ الَّذِي اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ وَذَلِكَ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِيهِ، وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ شَكَّ فِي ثَوْبِهِ هَلْ أَصَابَهُ مَنِيٌّ: اغْسِلْ مَا رَأَيْت وَانْضَحْ مَا لَمْ تَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُسْتَدِلًّا عَلَى ثُبُوتِ النَّضْحِ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْجَمْعِ أَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالنَّضْحِ فِيمَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَخَالَفَنَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَوَافَقَهُمَا ابْنُ لُبَابَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّضْحِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ فَالنَّضْحُ يَنْشُرُهَا اهـ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ يُوَافِقُهُمَا فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّضْحِ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا فِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا شَكَّ فِيهِ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالثَّوْبِ احْتِرَازٌ مِنْ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ حُكْمَهُ، وَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَاكَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَمَثَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا شَكَّ الْجُنُبُ، أَوْ الْحَائِضُ هَلْ أَصَابَ ثَوْبَهُمَا شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا يَخْفَى أَثَرُ الدَّمِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ أَبْيَضَ فَلَا أَثَرَ لِلِاحْتِمَالِ وَهُوَ وَهْمٌ قَالَ مَعْنَاهُ فِي الْجَلَّابِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيمَنْ تَرَكَ النَّضْحَ، وَكَذَا لَوْ نَامَ فِي ثَوْبِهِ وَرَأَى فِي جِهَةٍ مِنْهُ بَلَلًا وَشَكَّ فِي الْأُخْرَى هَلْ أَصَابَهَا شَيْءٌ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَا رَأَى وَيَنْضَحُ مَا لَمْ يَرَ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ النَّضْحَ إنَّمَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ، وَالشَّكُّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ فَأَمَّا الْوَهْمُ فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ. وَأَمَّا الظَّنُّ فَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ إلَّا صَاحِبَ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ النَّضْحَ لِلشَّكِّ، وَكَذَلِكَ إنْ ظَنَّ أَنَّ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً فَلْيَرُشَّهُ اهـ. (قُلْتُ:) وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُعَوِّلْ فِي أَمْرِ النَّجَاسَةِ إلَّا عَلَى الْمُحَقَّقِ فَأَجَازَ الصَّلَاةَ بِالنِّعَالِ الَّتِي يُمْشَى بِهَا فِي الطُّرُقَاتِ، وَفِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَقَبِلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ. وَالْمُزِيلُ لِلْوَسْوَاسِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ طَاهِرَةً بِيَقِينٍ فَمَا لَا يُشَاهَدُ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَا يَعْلَمُهَا يَقِينًا يُصَلِّي بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَصَّلَ بِالِاشْتِبَاهِ إلَى تَقْدِيرِ النَّجَاسَاتِ اهـ. فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مُنَاطَةٌ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَفِي رَسْمِ نَذْرٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسَأَلْتُهُ عَنْ جِدَارِ الْمِرْحَاضِ يَكُونُ نَدِيًّا يُلْصِقُ بِهِ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ قَالَ أَمَّا إنْ كَانَ نَدَاهُ شَبِيهًا بِالْغُبَارِ فَلْيَرُشَّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَلَلًا أَوْ شَبِيهًا بِهِ فَلْيَغْسِلْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا كَانَ شَبِيهًا بِالْغُبَارِ فَلَا يُوقَنُ بِتَعَلُّقِهِ بِثَوْبِهِ فَكَذَلِكَ قَالَ يَنْضَحُهُ؛ لِأَنَّ النَّضْحَ طُهُورٌ لِمَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ مِنْ الثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ بَلَلًا، أَوْ شَبِيهًا بِالْبَلَلِ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِثَوْبِهِ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ النَّجَاسَةِ لِلثَّوْبِ وَجَبَ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ نَدَاوَةُ الْجِدَارِ شَبِيهَةً بِالْبَلَلِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُهَا لِلثَّوْبِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَالَ فِي رِيحٍ فَظَنَّ أَنَّ الرِّيحَ رَدَّتْ عَلَيْهِ مِنْ بَوْلِهِ فَلْيَغْسِلْهُ إنْ أَيْقَنَ بِذَلِكَ وَلَا يَنْضَحْهُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ كَالْغَسْلِ) . ش يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ النَّضْحِ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ كَمَا يُعِيدُهَا مَنْ تَرَكَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الْمُحَقَّقَةِ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا، أَوْ عَاجِزًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ لِلْفَجْرِ، وَفِي الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَعَزَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَقَطْ وَعَزَاهُ ابْنُ مُعَلَّى لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ

أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَبِهِ صَدَّرَ فِي الشَّامِلِ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَعَلَّ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ قَوْلَانِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا إعَادَةَ أَصْلًا وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَنَّ النَّضْحَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمْ انْتَهَى. وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ النَّضْحَ وَاجِبٌ وَلَكِنَّهُ فَرْضٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ إلَّا لِلصَّلَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِيهَا كَالْغَسْلِ بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَنْبِيهٌ: قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمُ يُعِيدُ الْجَاهِلُ وَالْعَامِدُ أَبَدًا بِخِلَافِ النَّاسِي مُقَيَّدٌ فِي الْوَاضِحَةِ بِمَا إذَا شَكَّ هَلْ أَصَابَ ثَوْبَهُ شَيْءٌ مِنْ جَنَابَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ. وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ أَثَرَ الِاحْتِلَامِ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى وَجَهِلَ أَنْ يَنْضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا صَلَّى وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْضَحَهُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ قَالَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ مُنَاقَشَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ ثُمَّ إنَّ ابْنَ حَبِيبٍ قَيَّدَهُ، وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَطْلَقَاهُ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِنَفْيِ الْإِعَادَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا احْتَلَمَ وَغَسَلَ مَا رَأَى وَلَمْ يَنْضَحْ مَا لَمْ يَرَهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ بِتَرْكِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا مَعَ النِّسْيَانِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي النَّضْحِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِانْخِفَاضِ رُتْبَتِهِ عَنْ الْغَسْلِ. (الرَّابِعُ) لَوْ تَرَكَ النَّضْحَ وَغَسَلَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أُمِرَ بِمَسْحِ رَأْسِهِ، أَوْ خُفَّيْهِ فَغَسَلَ ذَلِكَ وَالْأَقْيَسُ الْإِجْزَاءُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّخْرِيجِ نَظَرٌ قَالَ الْبِسَاطِيُّ، وَلَا أَظُنُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ هُنَا فِي الْإِجْزَاءِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. (قُلْتُ:) ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِالْإِجْزَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ تَقْلِيمِ ظُفُرِ الْمُحْرِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (الْخَامِسُ) إذَا تَرَكَ نَضْحَ الْجَسَدِ وَصَلَّى فَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الثَّوْبِ ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ. ص (وَهُوَ رَشٌّ بِالْيَدِ) ش: يَعْنِي أَنَّ النَّضْحَ هُوَ الرَّشُّ بِالْيَدِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ هُوَ غَمْرُ الْمَحَلِّ بِالْمَاءِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيَتَعَيَّنُ لِأَحَدِهِمَا بِالْقَرِينَةِ فَفِي مَحَلِّ الشَّكِّ يُحْمَلُ عَلَى الرَّشِّ وَفِي التَّحْقِيقِ عَلَى الصَّبِّ فَيَرُشُّ الْجِهَةَ الَّتِي شَكَّ فِيهَا، وَلَا يَرُشُّ جِهَتَيْ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يَشُكَّ فِيهِمَا مَعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي صِفَتِهِ طُرُقٌ عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ رَشُّ ظَاهِرِ مَا شَكَّ فِيهِ وَبَاطِنَهُ. عِيَاضٌ هَذَا فِيمَا شَكَّ فِي نَاحِيَتِهِ وَإِلَّا فَاَلَّتِي شَكَّ فِي نَيْلِهَا فَقَطْ. الْقَابِسِيُّ رَشُّ مَوْضِعِ الشَّكِّ بِيَدِهِ رَشَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّهُ، وَإِنْ رَشَّهُ بِفِيهِ أَجْزَأَهُ. عِيَاضٌ لَعَلَّهُ بَعْدَ غَسْلِ فِيهِ مِنْ بُصَاقِهِ وَإِلَّا كَانَ مُضَافًا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ فِي رَشِّ الْجِهَتَيْنِ، وَفِي الرَّشِّ بِالْفَمِ تَفْسِيرٌ لَا خِلَافٌ، وَكَذَا مَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْمِيمُ الْمَحَلِّ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْآتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فِي النَّضْحِ وَأَنَّهُ إنْ رَشَّهُ بِفِيهِ بَعْدَ تَنْظِيفِهِ مِنْ الْبُصَاقِ أَجْزَأَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ وَشَامِلِهِ الْقَوْلَ بِالرَّشِّ بِالْفَمِ وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ عِيَاضٌ وَجَعَلَاهُ خِلَافَ الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ص (بِلَا نِيَّةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ النَّضْحَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَلَوْ رَشَّ الْمَحَلَّ مَطَرٌ وَنَحْوُهُ كَفَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَجَاسَةٌ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَتْ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ

النَّضْحِ تَعَبُّدًا قَالَ: لِأَنَّ حُكْمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ غَلَبَةُ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِمْ الْغُسَالَةُ الْغَيْرُ الْمُتَغَيِّرَةُ طَاهِرَةٌ وَمَاءُ النَّضْحِ غَالِبٌ لِقِلَّةِ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَتْ. قَالَ فَإِنْ رَدَّ بِأَنَّ الرَّشَّ غَيْرُ مَلْزُومٍ لِوُصُولِ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ لِكَوْنِهِ رَشًّا لَا يَعُمُّ سَطْحَ الْمَحَلِّ الْمَشْكُوكِ فِيهِ بِلَا غَلَبَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَثْرَةَ نُقَطِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِهِ فَقَطْ مَظِنَّةٌ لِنَيْلِ نَجَاسَتِهِ إنْ كَانَتْ وَالظَّنُّ كَافٍ انْتَهَى. وَقِيلَ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ لِظُهُورِ التَّعَبُّدِ فِيهِ إذْ هُوَ تَكْثِيرٌ لِلنَّجَاسَةِ لَا إزَالَةٌ لَهَا، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّعَبُّدَ فِيمَا تَقَعُ بِهِ الْإِزَالَةُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلنِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَصَرُوا الْإِزَالَةَ عَلَى الْمَاءِ فِي الْمَشْهُورِ؟ وَذَلِكَ تَعَبُّدٌ لَا تَلْزَمُ النِّيَّةُ مَعَهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَكَمَا لَا تَلْزَمُ النِّيَّةُ فِي الْغُسْلِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِهِ فَكَذَلِكَ فِي النَّضْحِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ: وَالْقَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ لِابْنِ مُحْرِزٍ وَالثَّانِي لِبَعْضِهِمْ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ افْتِقَارِهِ لِلنِّيَّةِ. (تَنْبِيهٌ) إذَا قُلْنَا فِي الْجَسَدِ إنَّهُ يُنْضَحُ، أَوْ فِي الْأَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ) ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ أَوْجُهِ الشَّكِّ وَهُوَ مَا إذَا تَحَقَّقَ الْإِصَابَةَ وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ النَّضْحِ، وَقَالَ الْبَاجِيّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: فِيهِ النَّضْحُ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِجَامِعِ حُصُولِ الشَّكِّ وَأَيْضًا فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ طَهُورٌ لِكُلِّ مَا شَكَّ فِيهِ وَاسْتَضْعَفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ النَّضْحَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ هُنَا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ أَكْثَرَ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَغَيْرِهَا طَاهِرَةٌ فَإِلْحَاقُ هَذَا الْمُصِيبِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ أَوْلَى وَلِأَنَّ هَذَا الْمُصِيبَ إنْ رُجِعَ فِيهِ إلَى الْأَصْلِ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ رُجِعَ إلَى الْغَالِبِ فَالْغَالِبُ كَذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ لَا إنْ شَكَّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ شَكَّ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ مَعْطُوفٌ عَلَى وَجَبَ مُقَدَّرٌ بِشَرْطِهِ أَيْ، وَلَا يَجِبُ نَضْحُهُ إنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ:) مَا مَعْنَى مُقَدَّرٌ بِشَرْطِهِ (قُلْتُ:) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ الْمُتَأَخِّرِ شَرْطًا (فَإِنْ قُلْتَ:) عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْجَزَاءِ. (قُلْتُ:) نَعَمْ حَالَ التَّلَفُّظِ بِهِ وَلَيْسَ كُلُّ مُقَدَّرٍ يَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ سَوَاءٌ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا إنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَةُ الْمُصِيبِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ وَشَكَّ هَلْ أُزِيلَتْ عَنْهُ النَّجَاسَةُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا كَالثَّوْبِ مَثَلًا، أَوْ الْجَسَدِ الَّذِي تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ وَشَكَّ فِي إزَالَتِهَا عَنْهُ ثُمَّ أَصَابَ غَيْرَهُ وَهُوَ رَطْبٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِمْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ وَأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا لِثَوْبٍ وَجَبَ نَضْحُهُ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (أَوْ فِيهِمَا) ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَشُكَّ فِي الْإِصَابَةِ، وَفِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ وَالنَّضْحُ سَاقِطٌ هُنَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ لَمَّا تَرَكَّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ ضَعُفَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَرْعَ تَتْمِيمًا لِلْمَسْأَلَةِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَاسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ. ص (وَهَلْ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ خِلَافٌ) . ش يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْجَسَدِ هَلْ هُوَ كَالثَّوْبِ فَإِذَا شَكَّ هَلْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وَجَبَ نَضْحُهُ، أَوْ لَيْسَ هُوَ كَالثَّوْبِ بَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ الْأَصَحُّ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ طَهُورٌ لِكُلِّ مَا شَكَّ فِيهِ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ شَعْبَانَ وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيِّ وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِأَبِي عِمْرَانَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْمَذْهَبَ وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِابْنِ شَعْبَانَ وَضَعَّفَهُ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَغْسِلُ أُنْثَيَيْهِ مِنْ

الْمَذْيِ إلَّا أَنْ يَخْشَى إصَابَتَهُ إيَّاهُمَا، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْبَيَانِ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ غَسْلِ الْجَسَدِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَصْلُ مَالِكٍ أَنَّ مَا شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ مِنْ الْأَبْدَانِ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ بِخِلَافِ الثِّيَابِ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ لِلشَّكِّ فِي نَجَاسَتِهَا، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ يَنْضَحُ مَا شَكَّ فِيهِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ انْتَهَى. (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَزَادَ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ: " وَهَذَا شُذُوذٌ " وَلَعَلَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ سَقَطَتْ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا لَذَكَرَهَا فَإِنَّهَا أَبْيَنُ فِي تَضْعِيفِ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِمَّا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِذَا عَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ شَاذِّ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ وَكَلَامُ الْعُتْبِيَّةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هَذَا شَرْحُهَا: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ نَضْحِ الثَّوْبِ فَقَالَ: تَخْفِيفٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَأُنْثَيَيْكَ وَانْضَحْ» وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْضَحُ وَهُوَ حَسَنٌ وَتَخْفِيفٌ يُرِيدُ تَخْفِيفًا لِمَا شُكَّ فِيهِ فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا قَالَهُ يَقْتَضِي النَّضْحَ فِي الْجَسَدِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَغْسِلُ أُنْثَيَيْهِ مِنْ الْمَذْيِ إلَّا أَنْ يَخْشَى إصَابَتَهُ إيَّاهُمَا فَأَخَذَ مِنْهُ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ إذَا خَشَى إصَابَتَهُمَا يَغْسِلُهُمَا وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الْأَخْذَ بِأَنَّهُ تَعَلُّقٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَضَعَّفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ الْأَخْذَ لِجَوَازِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْقَطِعًا أَيْ لَكِنْ إنْ خَشِيَ إصَابَتَهُمَا وَجَبَ النَّضْحُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى إلَّا أَنْ يَخْشَى إصَابَتَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ إصَابَتَهُمَا، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَسَنَدٌ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْغَسْلُ فِي الْجَسَدِ مَعَ الشَّكِّ وَفَرَّقَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّوْبِ بِأَنَّ النَّضْحَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَصِيرِ، وَفِي الثَّوْبِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي غَسْلِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ جَفَافُهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنَّمَا قَالَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى خُصُوصِ الْجَسَدِ أَمَرَ بِالْغَسْلِ وَإِنَّمَا أُخِذَ النَّضْحُ فِيهِ مِنْ تَعْمِيمِهِ بِقَوْلِهِ هُوَ طَهُورٌ لِكُلِّ مَا شُكَّ فِيهِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّخْصِيصِ انْتَهَى. بَلْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْخَاصَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ، وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى ابْنِ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ مُسَاوَاةُ الْجَسَدِ لِلثَّوْبِ بِمَا قَالَهُ سَنَدٌ وَعَبْدُ الْحَقِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِغَسْلِ الْجَسَدِ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ بِنَضْحِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اللَّفْظُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَذْيِ هُوَ الَّذِي فِي الْأُمَّهَاتِ وَاخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ بِلَفْظِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهَا مِنْهُ، وَاعْتَرَضَهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَقْتَضِي الْغَسْلَ مَعَ الشَّكِّ بِخِلَافِ لَفْظِ الْأُمَّهَاتِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَاجِي بِقَوْلِهِ: هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيِّ. (الثَّانِي) ذَكَرَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ قَالَ يَغْسِلُ الْجَسَدَ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَهْمٌ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي اُخْتُلِفَ فِي الْبُقْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ لَا يَكْفِي النَّضْحُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ لِيُسْرِ الِانْتِقَالِ إلَى الْمُحَقَّقِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّطِّيُّ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ثُبُوتُ النَّضْحِ فِيهَا قَالَ وَمِثْلُهُ فِي قَوَاعِدِ عِيَاضٍ وَزَعَمَ التَّادَلِيُّ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ هُوَ ظَاهِرُ اسْتِدْلَالِ ابْنِ يُونُسَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ النَّضْحِ بِنَضْحِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَصِيرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَصِيرُ كَالثَّوْبِ لِمَشَقَّةِ غَسْلِهَا انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَرَفَة فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا: وَالْبُقْعَةُ تُغْسَلُ اتِّفَاقًا لِيُسْرِ الِانْتِقَالِ إلَى مُحَقَّقٍ وَبَعْضُ شُيُوخِنَا الْفَاسِيِّينَ كَالْجَسَدِ وَنَقَلَهُ عَنْ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ فَبَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ جَمَاعَةَ وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ السَّطِّيُّ وَنَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَاجِي ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَسَدِ وَنَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ الشَّارْمَسَاحِيِّ أَنَّهَا تُغْسَلُ اتِّفَاقًا. (قُلْتُ:) وَجَزَمَ الشَّيْبِيُّ فِي

شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِمَا قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فَقَالَ: وَلَا يُجْزِئُ النَّضْحُ فِي الْأَرْضِ بِحَالٍ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ الْبُقْعَةَ كَالْجَسَدِ وَأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ إنْ أَرَادَ بِكَوْنِهَا كَالْجَسَدِ أَنَّهَا تُنْضَحُ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى النَّضْحَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ فِي الْقَوَاعِدِ جَعَلَهَا مُخَالِفَةً لِلْجَسَدِ فَإِنَّهُ حَكَى فِي الْجَسَدِ الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا، وَإِنْ أَرَادَ بِكَوْنِهَا كَالْجَسَدِ أَنَّ فِيهَا الْخِلَافَ كَمَا فِيهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقَوَاعِدِ، وَنَصُّهَا: الْمُزَالُ عَنْهُ النَّجَاسَةُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جَسَدُ الْمُصَلِّي وَمَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ مِنْ لِبَاسٍ وَخُفٍّ وَسَيْفٍ وَشِبْهِهِ وَمَا هُوَ مُصَلٍّ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَالنَّضْحُ يَخْتَصُّ بِكُلِّ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَةٌ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الْجَسَدَ فَقِيلَ: يُنْضَحُ، وَقِيلَ: يُغْسَلُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ وَنَحْوَهُمَا يُنْضَحَانِ إذَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِمَا وَهُوَ وَهْمٌ ظَاهِرٌ، وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ فِي قَوْلِهِ " وَهُوَ طَهُورٌ لِكُلِّ مَا شُكَّ فِيهِ ": لَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ صِدْقِ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ لِمَنْ شَذَّا طَرَفًا مِنْ التَّحْصِيلِ لِنَقْضِهَا بِالْأَرْضِ وَالْمَاءِ وَالطَّعَامِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: أَمَّا الْأَرْضُ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَأَمَّا الْمَطْعُومَاتُ فَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَاءَ. (قُلْتُ:) وَلَا شَكَّ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّا لَوْ تَحَقَّقْنَا الْإِصَابَةَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ، وَلَا لَوْنُهُ، وَلَا رِيحُهُ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ هَذَا مَعَ التَّحْقِيقِ وَالظَّاهِرُ انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ مَعَ الشَّكِّ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا: إنَّهُ لَا يَنْجَسُ بِذَلِكَ الْمَاءُ، وَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِكَرَاهَةِ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا الشَّكُّ إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ وَشُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ أَمْ لَا فَإِنَّهُ طَهُورٌ. وَأَمَّا الْمَطْعُومَاتُ فَالْأَمْرُ فِيهَا أَظْهَرُ، وَقَدْ قَالُوا فِي سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ مِنْ الطَّعَامِ إنَّهُ لَا يُطْرَحُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ الشَّكُّ وَالطَّعَامُ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا تَحَقَّقَتْ الْإِصَابَةُ لِلْجَسَدِ وَشُكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصَّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ كَالثَّوْبِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قُلْنَا حُكْمُهُ الْغَسْلُ فَإِنْ مَشَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَضْحٌ فَكَذَلِكَ الْجَسَدُ، وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ النَّضْحُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ غَسْلُ الْجَسَدِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ، أَوْ نَجِسٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي وَالْخِلَافُ فِيهَا شَهِيرٌ كَثِيرٌ وَالْأَوَانِي جَمْعُ آنِيَةٍ وَآنِيَةٌ جَمْعُ إنَاءٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى: إنْ اشْتَبَهَ الطَّهُورُ بِالْمُتَنَجِّسِ وَذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَوَانِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ تُغَيِّرُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ تَغَيُّرَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْأَوَانِي جَمِيعِهَا بِقَرَارِهِ، أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، أَوْ تَكُونُ الْأَوَانِي مُتَغَيِّرَةً تَغَيُّرًا وَاحِدًا بَعْضُهَا بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَمْ يَسْلُبْهُ التَّطْهِيرَ وَبَعْضُهَا بِشَيْءِ نَجِسٍ كَانَ مُتَغَيِّرًا، أَحَدُهُمَا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ طُرِحَ فِيهِ وَالْآخَرُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ طُرِحَ فِيهِ، أَوْ يَكُونَ الْمَاءُ يَسِيرًا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ. وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَبِهَ الطَّهُورُ بِالنَّجِسِ كَمَا إذَا اشْتَبَهَ الْمَاءُ بِالْبَوْلِ الْمَقْطُوعِ الرَّائِحَةِ الْمُوَافِقِ لِصِفَةِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا بَيَّنَّا تَعَدُّدَ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ لَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِكَيْفِيَّةِ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ إذْ لَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ أَنْ يُبَيِّنَ صُورَةَ مَسْأَلَةٍ فِي جُزْئِيَّةٍ إلَّا بِحَسَبِ التَّبَرُّعِ وَتَقْرِيبِ الْبَيَانِ لَكِنَّ مَسْأَلَةَ الْأَوَانِي يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْمَلَ مِنْ فَرْضِهَا فِي جُزْئِيَّةٍ، أَوْ أَكْثَرَ إنْ أَمْكَنَ لِاعْتِقَادِ بَعْضِهِمْ صِحَّةَ فَرْضِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فَرْضُهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ أَنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ مَنْصُوصٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَخَرَّجَهَا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى الْأُولَى وَرَأَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ

ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُنَا وَبِهِ أَقُولُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ اشْتِبَاهُ إنَاءِ بَوْلٍ كَمُتَنَجِّسٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ يَعْنِي أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْ آخَرَ وَيُصَلِّي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَتْ الْأَوَانِي خَمْسَةً وَالنَّجِسُ مِنْهَا اثْنَانِ فَيَتَوَضَّأُ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَيُصَلِّي بِكُلِّ وُضُوءٍ صَلَاةً، وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ ثَلَاثَةً تَوَضَّأَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا وَصَلَّى بِكُلِّ وُضُوءٍ صَلَاةً، وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ أَرْبَعَةً تَوَضَّأَ مِنْهَا جَمِيعَهَا وَصَلَّى، كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ. (وَحَاصِلُ) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فِيمَا عَلِمْتَ: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَحْنُونٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. (الثَّانِي) كَالْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ بِالْمَاءِ الثَّانِي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ زَادَ فِي التَّوْضِيحِ فِي نَقْلِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ. (الثَّالِثُ) يَتَحَرَّى أَحَدَهُمَا وَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي وَتَحَرِّيهِ كَمَا يَتَحَرَّى فِي الْقِبْلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. الرَّابِعُ كَقَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ إنْ قَلَّتْ الْأَوَانِي وَكَقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ إنْ كَثُرَتْ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ. (الْخَامِسُ) يَتْرُكُ الْجَمِيعَ وَيَتَيَمَّمُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُرِيقَهَا قَبْلَ تَيَمُّمِهِ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُرِيقُهَا وَيَتَيَمَّمُ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَاءِ وَسَحْنُونٌ جَعَلَ وُجُودَهَا كَالْعَدَمِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَزْوُ الْبَاجِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ: التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْقَوْلِ الرَّابِعِ لِابْنِ الْقَصَّارِ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ مَسْلَمَةَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ مِمَّا سَبَقَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ مُقَيِّدًا، فَقَالَ إلَّا أَنْ تَكْثُرَ الْمِيَاهُ فَلَا يَغْتَسِلُ ثَلَاثِينَ مَرَّةً اهـ. وَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ. (الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي حَتَّى يَفْرُغَ فَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ يَتَطَهَّرُ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِعَدَدِ النَّجَسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ مِثْلُ مَا قِيلَ: فِي الثِّيَابِ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعَهُ الْوُصُولُ إلَى تَعْيِينِ الطَّهَارَةِ، وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ وَهْمٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِظَاهِرٍ فَاسِدٍ وَقَبِلَهُ مَعَ يَسِيرِ تَقْيِيدِهِ إذْ لَا يَقُولُ أَحَدٌ فِي أَوَانٍ ثَلَاثٍ أَحَدُهَا نَجِسٌ: إنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِعَدَدِهَا اهـ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا فِي التَّوْضِيحِ، فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ الْخِلَافُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَوَانٍ فِيهَا وَاحِدٌ نَجِسٌ فَمَا وَجْهُ التَّيَمُّمِ وَمَعَهُ مَاءٌ مُحَقَّقُ الطَّهَارَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَمَا وَجْهُ مَنْ يَقُولُ يُسْتَعْمَلُ الْجَمِيعُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ إذَا اسْتَعْمَلَ إنَاءَيْنِ تَبْرَأُ ذِمَّتَهُ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْأَقْوَالِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ النَّجِسِ مِنْ الطَّاهِرِ، أَوْ تَعَدَّدَ النَّجِسُ وَاتَّحَدَ الطَّاهِرُ اهـ. (الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ بِالْمَاءِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ كَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ: عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَسْلَمَةَ يَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ بِالْمَاءِ الَّذِي بَعْدَهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا، وَإِنَّهُمَا يَرَيَانِ غَسْلَ الْوُضُوءِ كَافِيًا فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى أَعْضَاءٍ طَاهِرَةٍ كَابْنِ الْجَلَّابِ، قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ نَقْلِ الشُّيُوخِ أَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَإِنَّمَا تَرَكَ الْغَسْلَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَجَاسَةِ مَا تَطْهُرُ بِهِ وَلِأَنَّ

الْأَصْلَ عَدَمُ التَّنْجِيسِ اهـ. (قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ أَخِيرًا هُوَ الظَّاهِرُ فِي تَوْجِيهِ تَرْكِ الْغَسْلِ إلَّا أَنَّ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِلْوُضُوءِ ثَانِيَةً يُجْزِي عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِذَلِكَ فَيُشْكِلُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَبِمَا أَصَابَ غَيْرَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ ابْنَ مَسْلَمَةَ قَالَ يَغْسِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَتَأَمَّلْهُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ قَوْلَ ابْنِ مَسْلَمَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِثْلَهُ إلَّا الْغَسْلَ مِنْ الْإِنَاءِ الثَّانِي لِعَدَمِ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعِبَارَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَمَّا حَكَيْنَا قَوْلَ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَهِيَ عِبَارَةُ النَّوَادِرِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ مِمَّا قَبْلَهُ لِإِيهَامِهَا أَنَّ الْغَسْلَ مَقْصُورٌ عَلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ بِمُتَنَجِّسٍ، أَوْ نَجِسٍ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهَا وَيُصَلِّي صَلَاةً وَاحِدَةً قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الْخَامِسُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِعَدَدِ النَّجِسِ هُوَ حَيْثُ يَعْلَمُ عَدَدَ النَّجِسِ وَعَدَدَ الطَّاهِرِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِعَدَدِ الْجَمِيعِ أَيْ يُصَلِّي بِكُلِّ وُضُوءٍ صَلَاةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ. (السَّادِسُ) تَقَدَّمَ أَنَّ أَحَدَ أَوْجُهِ الصُّورَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَسِيرًا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَحُكْمُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِأَحَدِهِمَا وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ بِالثَّانِي وَيُصَلِّيَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْيَقِينِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُ، أَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَاءً طَاهِرًا مُحَقَّقَ الطَّهَارَةِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ التَّحَرِّي، وَلَا يَمْتَنِعُ التَّوَضِّي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَنَصُّهُ إنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ عَلَى فَاقِدِهِ بِنَجَسٍ فَفِي تَيَمُّمِهِ وَتَعَدُّدِ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ بِعَدَدِهِ وَوَاحِدٌ إلَى آخِرِهِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ يَعْنِي التَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ الظَّنُّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا التَّوَضُّؤُ بِالْجَمِيعِ، أَوْ بِعَدَدِ النَّجِسِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّطْهِيرَ بِمُتَحَقِّقِ الطَّهَارَةِ يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الصَّلَاةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَخِلَافِ مَا رُوِيَ فَتَرْكُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ اهـ. وَقَدْ فَهِمَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ عَلَى هَذَا فَقَالَ: وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ وَجَدَ مَاءً تَيَقَّنَ طَهُورِيَّتَهُ لَمْ يَجْتَهِدْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلِلْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَذَكَرَهَا فَجَعَلَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ مَعَ عَدَمِ الْوُجُودِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى اسْتِعْمَالِ مَاءٍ مَشْكُوكٍ فِي نَجَاسَتِهِ فِي أَعْضَائِهِ وَثِيَابِهِ. (الثَّامِنُ) إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا عَمِلَ عَلَيْهِ إنْ بَيَّنَ وَجْهَ النَّجَاسَةِ، أَوْ كَانَ مَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِ وَإِلَّا فَلَا، نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِطَهَارَةِ أَحَدِهَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ لَا نَصَّ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجْرِي عَلَى مَا قَالُوا فِي النَّجَاسَةِ فَلَا يَقْبَلْهُ إلَّا بِأَحَدِ الشَّرْطَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَانْضَافَ إلَى ذَلِكَ خَبَرُ الْعَدْلِ فَيَسْتَعْمِلُهُ. (قُلْتُ:) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَاءِ مَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ، أَوْ عَدَمَ طَهُورِيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَبِلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ. (التَّاسِعُ) الْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالِاجْتِهَادِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ كَالْبَصِيرِ، أَوْ لَا، قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الذَّخِيرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَتَأَتَّى مِنْهُ الِاجْتِهَادُ. (الْعَاشِرُ) إذَا أُهْرِيقَتْ الْأَوَانِي وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ لَا نَصَّ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ زَادَ عَنْهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْبُدَاءَةِ بِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ الْمَشْكُوكِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي يَعْمَلُ عَلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَإِنْ غَلَبَ

عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَتُهُ تَرَكَهُ، أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي فِي تَحْدِيدِ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الِاشْتِبَاهُ الِالْتِبَاسُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي فَلَا بُدَّ هُنَاكَ مِنْ أَمَارَةٍ، أَوْ دَلِيلٍ فَلَيْسَ الِالْتِبَاسُ بِحَقِيقِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَمَارَاتِ. (قُلْتُ:) وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ الْقَائِلَيْنِ بِالتَّحَرِّي، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أَحَدِ الْأَوَانِي إلَّا بِالِاجْتِهَادِ وَطَلَبِ عَلَامَةٍ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ الطَّهَارَةَ اهـ. فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ فَالظَّاهِرُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُ يَتْرُكُ الْجَمِيعَ وَيَتَيَمَّمُ وَنَقَلَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ الْغَزَالِيِّ مُتَمِّمًا بِهِ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّانِي عَشَرَ) عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي لَوْ صَلَّى بِمَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَإِنْ كَانَ إلَى الْيَقِينِ فِي اجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ تَغَيَّرَ إلَى الظَّنِّ فَيَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي نَقْضِ الظَّنِّ بِالظَّنِّ كَالْمُصَلِّي إلَى الْقِبْلَةِ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ أَخْطَأَ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ، فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: عَلَى التَّحَرِّي، إنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بِعِلْمٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَبِظَنٍّ قَوْلَانِ كَنَقْضِ ظَنِّ الْحَاكِمِ بِظَنِّهِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بِعِلْمٍ عَمِلَ عَلَيْهِ لَا بِظَنٍّ عَلَى الْأَظْهَرِ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) فِي تَوْجِيهِ الْأَقْوَالِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ هَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَ لَهَا مَأْخَذٌ مِنْ نَصٍّ يَمَسُّهَا أَوْ يُقَارِبُهَا وَإِنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِعُمُومَاتٍ بَعِيدَةٍ، مِثْلُ مَا اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ التَّحَرِّي بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ، وَأَصْحَابُ التَّيَمُّمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» اهـ. وَقَدْ وَجَّهَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِوُجُوهٍ نَذْكُرُ بَعْضَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ. أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فَلِأَنَّ الشَّخْصَ مَعَهُ مَاءٌ مُحَقَّقُ الطَّهَارَةِ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَيَقُّنِ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ إلَّا بِذَلِكَ وَلَمْ تُغْسَلْ الْأَعْضَاءُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَجَاسَتِهَا. وَهُوَ وَجْهُ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ رَأَى الْغَسْلَ أَقْرَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِلطَّهَارَةِ لِتَيَقُّنِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ الْوُضُوءِ الثَّانِي. وَوَجْهُ الثَّالِثِ الْقِيَاسُ عَلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الرَّابِعِ أَنَّ الْغَالِبَ مَعَ الْكَثْرَةِ إصَابَةُ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْقِلَّةِ وَلِأَنَّهُ مَعَ الْكَثْرَةِ يَشُقُّ اسْتِعْمَالُهَا. وَأَمَّا مَعَ الْقِلَّةِ فَيَخِفُّ أَمْرُهَا. وَوَجْهُ الْخَامِسِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَبَاحَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَهُوَ هُنَا عَادِمٌ لَهُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ، وَإِلْزَامُ وُضُوءَيْنِ وَصَلَاتَيْنِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالتَّحَرِّي لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ بِيَقِينٍ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا خِفَّةُ أَمْرِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي إزَالَتِهَا، وَلَا كَذَلِكَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي اشْتِرَاطِ الْمُطْلَقِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ: وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا فَانْظُرْهُ. يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَتَحَرَّى فِي الثِّيَابِ إنْ كَانَ الْقَائِلُ هُنَا بِالتَّحَرِّي يَقُولُ فِي الْأَوَانِي بِهِ فَحَسَنٌ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (الْخَامِسَ عَشَرَ) عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ غَيْرَ جَازِمَةٍ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِمَا صَلَّى وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ إنْ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ كَانَ ذَلِكَ رَفْضًا لِلْأُولَى، وَإِنْ نَوَى بِهَا النَّفَلَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَإِنْ نَوَى التَّفْوِيضَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ نِيَّةٍ جَازِمَةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِمَا صَلَّى لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ وَاحِدٍ فَلَا يَكْتَفِي بِدُونِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَنِيَّتُهُ جَازِمَةٌ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضُهُ وَهُوَ لَازِمٌ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ لَا يَدْرِي عَيْنَهَا وَهَذَا وَهْمٌ وَقَعَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَبِهَذَا يَسْقُطُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الثَّانِيَةَ إنْ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ كَانَ ذَلِكَ رَفْضًا لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ فَرْضُهُ، وَبِهِ يَسْقُطُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْوِيضِ اهـ. وَالْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ

صَاحِبُ الْجَمْعِ بِهِ يُجَابُ عَنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الثِّيَابِ. (السَّادِسَ عَشَرَ) إذَا اشْتَبَهَتْ الْأَوَانِي عَلَى رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَيَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْأَوَانِي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَيُصَلُّونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي فَإِنْ اتَّفَقَ تَحَرِّيهِمْ عَلَى إنَاءٍ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمْ فَتَحَرَّى كُلُّ وَاحِدٍ خِلَافَ مَا تَحَرَّاهُ الْآخَرُ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَمْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمْ بِصَاحِبِهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَطَهَّرَ لَهَا بِالْمَاءِ الَّذِي خَالَفَهُ فِيهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَتْ الْأَوَانِي وَكَثُرَ الْمُجْتَهِدُونَ وَاخْتَلَفُوا فَكُلُّ مَنْ ائْتَمَّ مِنْهُمْ بِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ تَطَهَّرَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ: عَدَمُ الِائْتِمَامِ عِنْدِي مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الطَّاهِرُ مِنْهَا وَاحِدًا. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الطَّاهِرُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لَجَازَ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ إذْ لَا يَجْزِمُ بِخَطَأِ إمَامِهِ هَذَا إنْ كَانَ مَذْهَبُهُ تَصْوِيبَ الْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الصَّوَابَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْتُ:) فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ إنْ كَثُرَتْ الْأَوَانِي فَلَا يَمْتَنِعُ الِائْتِمَامُ إلَّا بِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ تَطَهَّرَ بِالنَّجِسِ، وَقَدْ بَحَثَ صَاحِبُ الْجَمْعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَطَالَ. (السَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ فَرْعًا مُرَتَّبًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ لَوْ كَانَ مَعَهُ إنَاءَانِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُمَا وَصَلَّى عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةً وَهُوَ يَعْلَمُ الْإِنَاءَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ آخِرًا صَلَّى صَلَاةً بِالطَّهَارَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ مِنْ الْإِنَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا وَصَلَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ، أَوْ كَانَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْإِنَاءَ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ آخِرًا تَوَضَّأَ بِالْإِنَاءَيْنِ كَمَا فَعَلَ أَوَّلًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ أَعْضَاءَهُ مِنْ الْإِنَاءِ الَّذِي يَبْتَدِئُ الْآنَ مِنْهُ الطَّهَارَةَ. (قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَنَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ عَرَفَ الْآخَرَ وَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَلَا يَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ النَّوَادِرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ إجْرَاءٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ نَصٌّ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَتَفَرَّعُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَصَّ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ: " غَسَلَ أَعْضَاءَهُ مِنْ الْإِنَاءِ الثَّانِي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ " وَرَأَى أَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ مَعَ بَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَغْسِلَ أَعْضَاءَهُ خَاصَّةً ثُمَّ يُصَلِّيَ وَرَوَى بَعْضُ أَشْيَاخِي أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ جَرَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَمَذْهَبُهُ صِحَّةُ رَفْضِ الطَّهَارَةِ، قَالَ: فَلَعَلَّهُ رَفَضَ الطَّهَارَةَ الْأُولَى، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ تَحْقِيقٍ يَطُولُ الْكَلَامُ مِنْ أَجْلِهَا انْتَهَى. وَلَعَلَّ بَعْضَ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَمْعِ ذَكَرَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْإِشْكَالَ فَحَكَى لَهُ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ أَوْرَدَهُ عَلَى ابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيّ حِينَ وَصَلَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةِ وَأَنَّ ابْنَ جَمَاعَةَ جَاوَبَهُ بِالْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ بَحَثَ فِي الْجَوَابِ وَأَطَالَ. وَمِمَّا يَرُدُّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورِ أَنَّ سَحْنُونًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ ذَكَرَاهُ أَيْضًا وَلَيْسَ مَذْهَبُهُمَا الرَّفْضَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْجَوَابُ لَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ الثَّانِي مَلْزُومًا لِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْتَزَمَ رَفْضَ الْأَوَّلِ نِيَّةً وَفِعْلًا فَتَأَمَّلْهُ، وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ قَدْ يُؤَوَّلُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ غَسْلُ إنَاءِ مَاءٍ وَيُرَاقُ لَا طَعَامٌ وَحَوْضٌ سَبْعًا) ش: لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَبَيَّنَ مَا يُعْفَى عَنْهُ وَمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ

وَحُكْمَ الشَّكِّ تَعَرَّضَ هُنَا لِحُكْمِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ إذْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ وَتَرَدَّدَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَهَلْ هُوَ لِلنَّجَاسَةِ، أَوْ تَعَبُّدٌ فَحَسُنَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ذِكْرُهُ بِأَثَرِ الْكَلَامِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهَا بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَفِي الْمُوَطَّإِ وَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» هَذَا لَفْظُ الْمُوَطَّإِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ سَبْعًا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ» ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» ، وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ» وَرُوِيَ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَكِنْ هُنَا قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَهِيَ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَةِ الْكَلْبِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ النَّدْبُ، أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي لَبَنٍ، أَوْ طَعَامٍ أُكِلَ وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الْإِنَاءُ، وَإِنْ كَانَ يُغْسَلُ سَبْعًا لِلْحَدِيثِ فَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ وَكَانَ يُضَعِّفُهُ، وَقَالَ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ وَكَانَ يَرَى الْكَلْبَ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَعْنَى يُضَعِّفُ الْوُجُوبَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ عِيَاضٌ: تُنُوزِعَ كَثِيرًا فِي الضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِهِ يُضَعِّفُهُ فَقِيلَ: أَرَادَ تَضْعِيفَ الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ ظَاهِرُهُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَعَارَضَ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، وَقِيلَ: أَرَادَ تَضْعِيفَ الْوُجُوبَ، وَقِيلَ: تَوْقِيتَ الْعَدَدِ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ الْوُجُوبَ كَمَا نَحَا إلَيْهِ الْقَابِسِيُّ انْتَهَى. وَمَا اخْتَارَهُ عِيَاضٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ الْأَشْهَرُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَمُعَارَضَةُ الْآيَةِ مُنْتَفِيَةٌ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ بَعْدَ غَسْلِ الصَّيْدِ، أَوْ تَقْيِيدِ الْحَدِيثِ بِالْمَاءِ فَقَطْ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَفَهِمَ سَنَدٌ الِاسْتِحْبَابَ إنْ كَانَ نَفْيُ الْمَاءِ وَحْدَهُ قَالَ: فَإِنَّهُ يُقِيمُ مِنْهُ التَّرْخِيصَ وَعَدَمَ التَّحَتُّمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ وَالْوُجُوبَ رِوَايَتَانِ، قَالَ: وَفِي وُجُوبِهِ وَنَدْبِهِ رِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُمَا مُسْتَنْبَطَانِ فَالِاسْتِحْبَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَالْوُجُوبُ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ كَابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ لِوُلُوغِ الْكَلْبِ مِنْ مَائِهِ سَبْعًا نَدْبًا وَرُوِيَ وُجُوبًا وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّدْبِ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْوَافِي، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ إنَاءُ مَاءٍ يَعْنِي أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْغَسْلِ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا وَلَغَ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ. وَأَمَّا إذَا وَلَغَ فِي إنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ، أَوْ مَا لَيْسَ فِي إنَاءٍ بَلْ فِي حَوْضٍ، أَوْ بِرْكَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْدَبُ غَسْلُ إنَاءِ الطَّعَامِ، وَلَا الْحَوْضِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يُغْسَلُ إنَاءُ الطَّعَامِ أَيْضًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بَنَى الْمَازِرِيُّ الْخِلَافَ عَلَى خِلَافِ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ إذْ الْغَالِبُ عِنْدَهُمْ وُجُودُ الْمَاءِ لَا الطَّعَامِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّ الْوُلُوغَ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ، أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ وَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ بِبِنَائِهِ عَلَى الثَّانِي وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّانِيَ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَوَجَّهَ سَنَدٌ الْمَشْهُورَ بِأَنَّ الْغَسْلَ تَعَبُّدٌ؛ لِأَنَّ لُعَابَ الْكَلْبِ طَاهِرٌ فَيَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: «إذَا وَلَغَ

الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ» إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَغْلَبِ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْأَوَانِيَ الَّتِي تَبْتَذِلُهَا الْكِلَابُ هِيَ أَوَانِي الْمَاءِ لَا أَوَانِي الزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَشِبْهِهِ مِنْ الطَّعَامِ فَإِنَّهَا مُصَانَةٌ فِي الْعَادَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى غَسْلِ إنَاءِ الطَّعَامِ فِي طَرْحِهِ ثَالِثُهَا إنْ قَلَّ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ رِوَايَتَيْ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَازِرِيِّ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُطْرَحُ، وَلَوْ عُجِنَ بِمَائِهِ طُرِحَ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ أَدْخَلَهَا الْمُكَلَّفُ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ: إذَا قُلْنَا بِغَسْلِ إنَاءِ الطَّعَامِ فَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ جَامِدًا فَلَحِسَ مِنْهُ الْكَلْبُ هَلْ يُغْسَلُ اعْتِبَارًا بِالْمَائِعِ، أَوْ لَا يُغْسَلُ كَمَا لَوْ خَطَفَ سَهْمَ لَحْمٍ مِنْ الْجِيفَةِ، أَوْ طَائِرًا وَقَعَ فِي إنَاءٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْسَلُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ وُلُوغًا بِخِلَافِ مَا خَطِفَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِغَسْلِ جَمِيعِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْخِلَافُ فِي إنَاءِ الطَّعَامِ. وَأَمَّا الْحَوْضُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْغَسْلُ مُخْتَصٌّ بِالْإِنَاءِ فَلَوْ وَلَغَ فِي حَوْضٍ لَمْ يُغْسَلْ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَمَا ذَكَرَهُ لَا أَعْرِفُهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِنَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ وَقَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ. (قُلْتُ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ قَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ قَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ وَابْنُ وَهْبٍ: وَلَا يُعْجِبُنِي ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ بِهِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا، وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْكَثِيرِ كَالْحَوْضِ وَنَحْوِهِ، وَفِي آخِرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْ الْحِيَاضِ وَإِنْ كَانَتْ الْكِلَابُ تَشْرَبُ مِنْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ لِقَوْلِ عُمَرَ لَا تَضُرُّنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابًا وَطَهُورًا» وَالْكَلْبُ أَيْسَرُ مُؤْنَةً مِنْ السِّبَاعِ إذْ قِيلَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يُوقَنَ أَنَّ فِيهِ نَجَاسَةً ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْجَلَّابِ أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ مَكْرُوهَانِ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي خَطْمِهِمَا نَجَاسَةٌ وَمَعْنَاهُ إذَا شَرِبَ مِنْ الْمَاءِ الْيَسِيرِ. وَأَمَّا إذَا شَرِبَ مِنْ الْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَمِنْ الْحَوْضِ فَلَا وَجْهُ لِلْكَرَاهَةِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قَصْرُ الْغَسْلِ عَلَى إنَاءِ الْمَاءِ صَوَابٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَبُّدِ ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ وَلَغَ فِي حَوْضٍ، أَوْ نَهْرٍ لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ، أَوْ لِكَثْرَتِهِ فَيَضْعُفُ الْخِلَافُ أَوْ لِلْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ انْتَهَى. فَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِرَاقَةَ وَكَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَغَسْلَ الْإِنَاءِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي إنَاءِ الْمَاءِ لَا فِي الْحَوْضِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْجَمْعِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: " وَيُرَاقُ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْإِنَاءِ بَعْدَ أَنْ يُرَاقَ الْمَاءُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاقَ الْمَاءُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَلَا يُرَاقُ الطَّعَامُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَالِكٌ بِاسْتِجَازَةِ طَرْحِ الْمَاءِ قَالَ وَأَرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَيُلْقَى لِكَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ، وَقِيلَ: يُرَاقُ الْمَاءُ وَالطَّعَامُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِنَاءً عَلَى التَّعْلِيلِ بِالنَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: لَا يُرَاقَانِ لِلتَّعَبُّدِ وَنُسِبَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: سُؤْرُ الْمَأْذُونِ طَاهِرٌ وَسُؤْرُ غَيْرِهِ نَجِسٌ، وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَدْوِيِّ فَيُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْحَضَرِيِّ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: يَسِيرُ الْمَاءِ كَالطَّعَامِ وَلَا يُرَاقُ الْحَوْضُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا. (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: وَهَلْ يُشْرِبُ ذَلِكَ الْمَاءُ وَيُؤْكَلُ مَا عُجِنَ بِهِ؟ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْغَسْلَ تَعَبُّدٌ، أَوْ لِتَشْدِيدِ النَّهْيِ جَازَ، وَإِنْ قُلْنَا لِلنَّجَاسَةِ، أَوْ لِلْقَذَارَةِ، أَوْ مَخَافَةَ الْكَلْبِ مُنِعَ انْتَهَى. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُغْسَلُ سَبْعًا تَعَبُّدًا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَلَا يَنْبَغِي الْوُضُوءُ بِهِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ لِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ وَعَلَى أَنَّ لِلنَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ بِالْمَاءِ الْمَوْلُوغِ فِيهِ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا نَصًّا فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَزْوِينِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُجْزِي لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُغْسَلُ لِلنَّجَاسَةِ

لَا يَجُوزُ غَسْلُ الْإِنَاءِ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَبُّدِ لَا يَنْبَغِي غَسْلُ الْإِنَاءِ بِهِ إذَا وَجَدَ غَيْرَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَقِيلَ إنَّهُ يَغْسِلُ الْإِنَاءَ بِهِ كَمَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ الْإِنَاءَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ أَنْ يُغْسَلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنْ يُغْسَلَ مِنْ مَاءٍ غَيْرِهِ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْإِنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ فَإِنْ غَسَلَهُ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بِهِ يُجْزِيهِ فَمَا يَصِحُّ بِهِ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ بِهِ غَسْلُ الْإِنَاءِ، وَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ نَجِسٌ يَقُولُ إنَّهُ لَا يُجْزِيهِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ بِهِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ فَلْيُرِقْهُ وَيَغْسِلْهُ سَبْعًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ تَعَبُّدًا إلَّا لِلنَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَارَقَ سُؤْرُ الْكَلْبِ سُؤْرَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْهُ سَبْعًا وَفِي إرَاقَتِهِ وَكَرَاهَةِ الْوُضُوءِ بِهِ وَإِنْ عُلِمَتْ طَهَارَتُهُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ إنْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَةُ فَمِهِ فَلَا يُرَاقُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ سُؤْرَهُ أَخَفُّ مِنْ سُؤْرِ غَيْرِهِ وَأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ. ص (تَعَبُّدًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْغَسْلَ الْمَذْكُورَ تَعَبُّدٌ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ لِطَهَارَةِ الْكَلْبِ وَقِيلَ لِقَذَارَتِهِ، وَقِيلَ: لِنَجَاسَتِهِ وَعَلَيْهِمَا فَكَوْنُهُ سَبْعًا قِيلَ: تَعَبُّدًا وَقِيلَ لِتَشْدِيدِ الْمَنْعِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ نُهُوا فَلَمْ يَنْتَهُوا قَبْلَهُ وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ بِالصَّحَابَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَشْدِيدِ الْمَنْعِ وَكَوْنِهِمْ نُهُوا فَلَمْ يَنْتَهُوا أَنَّ الْأَوَّلَ تَشْدِيدُ ابْتِدَاءٍ وَالثَّانِيَ تَشْدِيدٌ بَعْدَ تَسْهِيلٍ وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ كَوْنَ الْمَنْعِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ كَلْبًا فَيَكُونَ قَدْ دَاخَلَ مِنْ لُعَابِهِ الْمَاءَ مَا يُشْبِهُ السُّمَّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ تَحْدِيدُهُ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّ السَّبْعَ مِنْ الْعَدَدِ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ التَّدَاوِي لَا سِيَّمَا فِيمَا يُتَوَقَّى مِنْهُ السُّمُّ، وَقَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ» ، وَقَالَ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ» ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرُدَّ عَلَيْهِ بِنَقْلِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ الْكَلْبَ يَمْتَنِعُ مِنْ وُلُوغِ الْمَاءِ، وَأَجَابَ حَفِيدُهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَمَّا فِي أَوَائِلِهِ فَلَا. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ التَّعَبُّدَ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا مَعَ أَنَّا نَجْزِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حِكْمَتِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَاهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ دَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: إذَا سَمِعْت نِدَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ إنَّمَا يَدْعُوكَ لِخَيْرٍ أَوْ يَصْرِفُكَ عَنْ شَرٍّ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَالنَّفَقَاتِ لِسَدِّ الْخَلَّاتِ وَأَرْشِ جَبْرِ الْجِنَايَاتِ الْمُتْلِفَاتِ وَتَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسُّكْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ صَوْنًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَنْسَابِ وَالْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ عَنْ الْمُفْسِدَاتِ وَيُقَرِّبُ لَك مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِثَالٌ فِي الْخَارِجِ: إذَا رَأَيْنَا مَلِكًا عَادَتُهُ يُكْرِمُ الْعُلَمَاءَ وَيُهِينُ الْجُهَّالَ ثُمَّ أَكْرَمَ شَخْصًا غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ عَالِمٌ فَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إذَا شَرَعَ حُكْمًا عَلِمْنَا أَنَّهُ شَرَعَهُ لِحِكْمَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَتْ لَنَا فَنَقُولُ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فَنَقُولُ هُوَ تَعَبُّدٌ انْتَهَى. ص (بِوُلُوغِ كَلْبٍ مُطْلَقًا لَا غَيْرِهِ) . ش يَعْنِي أَنَّ الْغَسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ سَبَبُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فَقَطْ فَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يُغْسَلْ خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ عِنْدَنَا تَعَبُّدٌ وَعِنْدَهُ لِلنَّجَاسَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ غَالِبُ ظَنِّي أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قَالَ سَنَدٌ: لَا يَتَنَزَّلُ إدْخَالُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مَنْزِلَةَ الْوُلُوغِ، وَفِي ابْنِ عَاتٍ يَتَنَزَّلُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ، أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَغْسِلْهُ وَنَقَلَهُ خَلِيلٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَذْهَبِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. (قُلْت) نَقَلَهُ سَنَدٌ وَنَصُّهُ: وَالْغَسْلُ مُتَعَلِّقٌ

بِوُلُوغِ الْكَلْبِ فَقَطْ، وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَلْبُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَمْ يُغْسَلْ سَبْعًا خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ إذَا لَعِقَ الْكَلْبُ يَدَ أَحَدِكُمْ لَا يَغْسِلُهَا. وَيُقَالُ: وَلَغَ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وُلُوغًا بِضَمِّ الْوَاوِ إذَا شَرِبَ. أَبُو عُبَيْدَةَ فَإِذَا شَرِبَ كَثِيرًا فَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَيُسْتَعْمَلُ الْوُلُوغُ فِي الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْآدَمِيِّ وَيُسْتَعْمَلُ الشُّرْبُ فِي الْجَمِيعِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّيْرِ يَلَغُ إلَّا الذُّبَابُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا يَعْنِي أَنَّ الْغَسْلَ لَا يَخْتَصَّ بِالْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ بَلْ يَغْسِلُ مِنْ وُلُوغِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْوَافِي قَالَهُ السَّيِّدُ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: هُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْكِتَابِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ، أَوْ لِلْعَهْدِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ زَرْقُونٍ بِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَضَرِيِّ وَعَزَيَاهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ وَتَفْسِيرُ اللَّخْمِيّ بِالْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ ثَالِثًا يَعْنِي أَنَّ اللَّخْمِيَّ فَسَّرَ الْحَضَرِيَّ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْحَضَرِ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا مَنْهِيًّا عَنْ اتِّخَاذِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: " لَا غَيْرِهِ " يَعْنِي أَنَّ الْغَسْلَ خَاصٌّ بِالْكَلْبِ فَلَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يُلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ وَهُمَا رِوَايَتَانِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ لِلتَّعَبُّدِ، أَوْ لِلْقَذَارَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَإِذَا أُلْحِقَ بِهِ الْخِنْزِيرُ فَيُلْحَقُ بِهِ سَائِرُ السِّبَاعِ لِاسْتِعْمَالِهَا لِلنَّجَاسَةِ وَانْدِرَاجِهَا فِي الِاسْمِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ فَعَدَا عَلَيْهِ الْأَسَدُ فَأَكَلَهُ» . (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَانْظُرْ لَوْ نَشَأَ وَلَدٌ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِالْكَلْبِ قَالَ وَالْأَحْوَطُ وُجُوبُ الْغَسْلِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِتَبَعِيَّةِ أُمِّهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ لِقَوْلِهِ: كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا. ص (عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ) ش: أَيْ لَا يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ إلَّا عِنْدَ قَصْدِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ الْإِنَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْأَكْثَرِ وَلِرِوَايَةِ عَبْدِ الْحَقِّ، وَقِيلَ: يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ بِفَوْرِ الْوُلُوغِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِتَخْرِيجِ الْمَازِرِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَلِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَبَنَى ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ تَعَبُّدٌ فَيَجِبُ عِنْدَ الْوُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تُؤَخَّرُ، أَوْ لِلنَّجَاسَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُبْنَى الْخِلَافُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ هَلْ هُوَ لِلْفَوْرِ، أَوْ لِلتَّرَاخِي؟ اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الذَّخِيرَةِ تَرْجِيحُ الثَّانِي لِتَقْدِيمِهِ إيَّاهُ، قَالَ: وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ إلَّا عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ هَلْ يُغْسَلُ فَوْرًا، أَوْ عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ، أَوْ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ غُسِلَ عِنْدَ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الِاسْتِعْمَالُ بِالْقَصْدِ، أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ؟ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ اسْتِعْمَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يُغْسَلُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ الْآخَرُ يُغْسَلُ وَلَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كُسِرَ لَزِمَ غَسْلُ شِقَاقِهِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ اهـ. وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَرُبَّمَا بِمَا ذُكِرَ فِي ثَمَرَةِ الْخِلَافِ هُنَا هَلْ يَلْزَمُ غَسْلُ الْإِنَاءِ إذَا كُسِرَ وَفِيهِ بُعْدٌ اهـ. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَالَ سَنَدٌ مَذْهَبُ مَالِكٍ غَسْلُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بِفَوْرِ الْوُلُوغِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ غَسْلَهُ إنَّمَا يُرَادُ لِيُسْتَعْمَلَ أَرَأَيْت لَوْ كُسِرَ بَعْدَ الْوُلُوغِ أَكَانَ يُغْسَلُ شِقَاقُهُ؟ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ بِغَسْلِ شِقَاقِهِ، فَتَأَمَّلْهُ. ص (بِلَا نِيَّةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ النِّيَّةُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ قَالَا وَإِنَّمَا يَفْتَقِرُ التَّعَبُّدُ إلَى النِّيَّةِ

فصل فرائض الوضوء وسننه وفضائله

إذَا فَعَلَهُ الشَّخْصُ فِي نَفْسِهِ أَمَّا هَذَا وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَمَا شَابَهَهُمَا فَلَا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي النَّضْحِ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْغَسْلَ هُنَا يُزِيلُ اللُّعَابَ فَالنَّضْحُ لَا يُزِيلُ شَيْئًا فَكَانَ تَعَبُّدًا بِخِلَافِ إنَاءِ الْكَلْبِ وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ: فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ فِي الْمَاءِ فَهَلْ يَغْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعًا، أَوْ بِحَسَبِ الْمَاءِ الَّذِي أَلْقَاهُ فِيهِ وَاسْتَعْمَلَهُ مَرَّةً فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ قَالَ الْبَاجِيُّ لَا نِيَّةَ وَهَلْ يَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ قِيَاسًا عَلَى النَّضْحِ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، الْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ. (فَرْعٌ) آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ غَسْلِهِ لَا يَسْقُطُ الْغَسْلُ، وَلَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِ مَا أَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَاءُ وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ طَهَارَتُهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) هَلْ يُشْتَرَطُ الدَّلْكُ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَالظَّاهِرُ عَلَى أُصُولِنَا الِاشْتِرَاطُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ عِنْدَنَا لَا تَتِمُّ حَقِيقَتُهُ إلَّا بِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ لَا نَصَّ إنْ أَرَادَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فَمَمْنُوعٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ لَكِنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَقَالَ: فَرْعٌ وَإِذَا شُرِطَ فِيهِ النِّيَّةُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْحَكُّ بِالْيَدِ كَمَا يُشْتَرَطُ التَّدَلُّكُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ أَوْ يُجْزِي تَمَضْمُضُهُ بِالْمَاءِ؟ هَذَا لَا نَصَّ فِيهِ أَصْلًا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْتَرَطُ دَلْكُهُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ مَأْمُورٌ بِهِ فِيهِ خَرَجَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ مِنْ غَسْلِ الْأَوَانِي، وَقَدْ يُطْلَقُ الْغَسْلُ مِنْ غَيْرِ دَلْكٍ يُقَالُ: غَسَلَتْ السَّمَاءُ الْأَرْضَ بِالْمَطَرِ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لَا يُشْتَرَطُ الدَّلْكُ، وَفِي كَلَامِهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهَا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَإِنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي أَنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْغُسْلِ فَقِيلَ: هُوَ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْمَغْسُولِ، وَقِيلَ: هُوَ إمْرَارُ الْيَدِ مَعَ الْمَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ، أَوْ عَرْكُ الْمَحَلِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَبُّ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ شَيْءٍ فَإِذَا زَالَ كَانَ غُسْلًا وَكَانَ الْمَحَلُّ مَغْسُولًا أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُزَالُ؟ اهـ. ص (وَلَا تَتْرِيبَ) ش: يَعْنِي أَنَّ تَتْرِيبَ الْإِنَاءِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ قَالَهُ عِيَاضٌ، أَوْ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَفِي بَعْضِهَا إحْدَاهُنَّ، وَفِي بَعْضِهَا أُولَاهُنَّ وَبَعْضُهَا فِي أُخْرَاهُنَّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا لَمْ يَقُلْ مَالِكٌ بِالتَّعْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ. ص (وَلَا يَتَعَدَّدُ بِوُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ) ش: أَيْ لَا يَتَعَدَّدُ الْغَسْلُ الْمَذْكُورُ بِتَعَدُّدِ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْإِنَاءِ، وَلَا بِتَعَدُّدِ الْكِلَابِ فَلَوْ وَلَغَ كَلْبٌ فِي إنَاءٍ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أَوْ وَلَغَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْكِلَابِ فِي إنَاءٍ كَفَى فِي ذَلِكَ سَبْعُ غَسَلَاتٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ إذَا تَسَاوَتْ مُوجِبَاتُهَا اُكْتُفِيَ بِأَحَدِهَا كَتَعَدُّدِ النَّوَاقِضِ فِي الطَّهَارَةِ وَالسَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَمُوجِبَاتِ الْحُدُودِ، وَقِيلَ يَتَعَدَّدُ حَكَى الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا نَصَّ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ فِيهِ عَدَمُ التَّكَرُّرِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ حِكَايَةِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَذَكَرَ سَنَدٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا إلَّا عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: عَدَمُ التَّعَدُّدِ يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِالنَّجَاسَةِ وَالِاسْتِقْذَارِ، وَالتَّعَدُّدُ يُنَاسِبُ مَنْ قَالَ بِالتَّعَبُّدِ، وَالْمَشْهُورُ خِلَافُ مَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْكَلْبِ هَلْ هِيَ لِلْمَاهِيَّةِ، أَوْ لِلْجِنْسِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَكَرَّرُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَتَكَرَّرُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي الصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ وَبِالتَّعَدُّدِ فِي وُلُوغِ الْكِلَابِ، فَلِلشَّافِعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ وَفَضَائِلَهُ] ص (فَصْلٌ: فَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ، وَالذَّقَنِ

وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ) ش أَيْ هَذَا فَصْلٌ أَذْكُرُ فِيهِ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ وَفَضَائِلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَضَى كَلَامُهُ عَلَى وَسَائِلِ الطَّهَارَةِ الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ بَيَانُ الْمَاءِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ، وَبَيَانُ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ، وَبَيَانُ حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَكَيْفِيَّةِ إزَالَتِهَا وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مَقَاصِدِ الطَّهَارَةِ وَهِيَ الْوُضُوءُ، وَنَوَاقِضُهُ، وَالْغُسْلُ، وَنَوَاقِضُهُ وَمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ أَوْ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ مَسْحُ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْفُصُولُ الثَّلَاثَةُ وَسَائِلَ؛ لِأَنَّ بِمَعْرِفَتِهَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَوَسِيلَةُ الشَّيْءِ مَا يُوصِلُ إلَيْهِ وَبَدَأَ مِنْ الْمَقَاصِدِ بِالْوُضُوءِ لِتَكَرُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ إمَّا وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا. وَالْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ وَهِيَ الْأَمْرُ الَّذِي يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: فَرْضٌ وَيُجْمَعُ عَلَى فُرُوضٍ، وَيُطْلَقُ الْفَرْضُ شَرْعًا عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ وَجَوَازُ الْإِتْيَانِ بِهَا كَوُضُوءِ النَّافِلَةِ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَيُشَارِكُهُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّهُ يَأْثَمُ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ بِدُونِهِ، وَيَنْفَرِدُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ مَعَ تَرْكِ الْعِبَادَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَيْهِ. وَالْوُضُوءُ بِضَمِّ الْوَاوِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ الْفَتْحُ فِيهِمَا وَعَنْ غَيْرِهِ الضَّمُّ فِيهِمَا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ. حَكَى اللُّغَاتِ الثَّلَاثَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ بِالْمَدِّ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ، وَيُطْلَقُ الْوُضُوءُ فِي اللُّغَةِ عَلَى غَسْلِ عُضْوٍ فَمَا فَوْقَهُ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ» وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَسْلُ الْيَدِ وَمَحْمَلُهُ عِنْدَنَا مَا إذَا أَصَابَهَا أَذًى مِنْ عَرَقٍ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ وَيُصَحِّحُ الْبَصَرَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: وَيُصَحِّحُ الْبَصَرَ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ غَسْلُ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اُخْتُلِفَ مَتَى فُرِضَتْ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ حِينَ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ فَهَمَزَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَقِبِهِ فَتَوَضَّأَ وَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَقَالَ ابْنُ الْجَهْمِ: كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ سُنَّةً ثُمَّ فُرِضَتْ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ. نَقَلَهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَتَمُّ فَلْيُنْظَرْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ: جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. (الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ فِي غَزْوَةِ السَّوِيقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا مَا نَصُّهُ فِيهِ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ بَقَايَا دِينِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا بَقِيَ فِيهِمْ الْحَجُّ وَالنِّكَاحُ، وَلِذَلِكَ سَمَّوْهَا جَنَابَةً، وَقَالُوا: رَجُلٌ جُنُبٌ لِمُجَانَبَتِهِمْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلِذَلِكَ عَرَفُوا مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْقُرْآنِ أَعْنِي قَوْلَهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَفْسِيرِهِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ مُحْدِثًا فَلْيَتَوَضَّأْ، بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَبَيَّنَ الْوُضُوءَ وَأَعْضَاءَهُ وَكَيْفِيَّتَهُ وَسَبَبَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ فِي الْجَنَابَةِ انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَعَارَضَهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» وَالْأُمَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ لَا بِالْوُضُوءِ (وَأُجِيبَ) بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ أَنَّهُ اخْتَصَّتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ دُونَ أُمَمِهَا إلَّا أُمَّةَ

مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ حَجَرٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (قُلْتُ) : وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فِي حَدِيثِ جُرَيْجٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فَيَتَّجِهُ حُجَّةً عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا وَتَصْحِيحٌ لِتَأْوِيلِ اخْتِصَاصِهَا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، فَتَحَصَّلَ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ، وَاخْتُلِفَ فِي اخْتِصَاصِهَا بِهِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اخْتِصَاصِهَا. وَالسِّيمَا بِكَسْرِ السِّينِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ: الْعَلَامَةُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْأَصِيلِيِّ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) الْوُضُوءُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَرْضٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَمُبَاحٌ، وَمَمْنُوعٌ. (فَالْوُضُوءُ الْفَرْضُ) لِكُلِّ عِبَادَةٍ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ فَرْضُهُمَا وَنَفْلُهُمَا وَلَمْسُ الْمُصْحَفِ، وَقِيلَ: إنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّفْلِ مِنْهُمَا وَمَسَّ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَرُدَّ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ طَهَارَةٍ مَعْصِيَةٌ وَأَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ تِلْكَ النَّافِلَةُ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا بَلْ عَدَّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِيمَا يَكْفُرُ بِهِ فِعْلَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، (وَالْمُسْتَحَبُّ) الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا كَانَ قَدْ فُعِلَتْ بِهِ عِبَادَةٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ وَوُضُوءُ الْإِمَامِ لِخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: فَرِيضَةٌ وَالْوُضُوءُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةُ وَلِلنَّوْمِ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا، وَقِيلَ: إنَّ وُضُوءَ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ سُنَّةٌ وَلِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا، وَلِقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَلِاسْتِمَاعِهِمَا، وَلِلدُّعَاءِ، وَالْمُنَاجَاةِ، وَلِلذِّكْرِ، وَلِصَاحِبِ السَّلَسِ، وَمِنْهُ الْمُسْتَحَاضَةُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا كَانَ إتْيَانُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ أَوْ تَسَاوَيَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلِأَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلِّهَا مَا عَدَا الطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ فَيَجِبُ لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ خِلَافًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ: وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ فِي أَمْرِ الْجُنُبِ بِالْوُضُوءِ لِلْأَكْلِ عِنْدَنَا عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَهَلْ ذَلِكَ لِأَذًى أَصَابَهَا؟ (وَالْمُبَاحُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: هُوَ الْوُضُوءُ لِلدُّخُولِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَلِرُكُوبِ الْبَحْرِ وَشِبْهِهِ مِنْ الْمَخَاوِفِ، وَلِيَكُونَ الشَّخْصُ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَا يُرِيدُ بِهِ صَلَاةً يَعْنِي اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ يُرِيدُ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ فِي هَذَا كُلِّهِ: إنَّهُ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ. (قُلْتُ) وَجَزَمَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ بِاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِذَلِكَ وَزَادَ وَلِقِرَاءَةِ الْعِلْمِ. قَالَ: وَالْمُبَاحُ الْوُضُوءُ لِلتَّنْظِيفِ وَالتَّبَرُّدِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِاسْتِحْبَابِهِ لِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: مِنْ الْمُبَاحِ الْوُضُوءُ لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ فِي هَذَا كُلِّهِ الِاسْتِحْبَابُ مَا عَدَا التَّنْظِيفَ وَالتَّبَرُّدَ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ التَّنْظِيفَ وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا شَرْعًا لَمْ يُطْلَبْ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِخُصُوصِهَا لَهُ. وَحَدِيثُ «بُنِيَ الدِّينُ عَلَى النَّظَافَةِ» ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ هَكَذَا وَفِي الضُّعَفَاءِ لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «تَنَظَّفُوا فَإِنَّ الْإِسْلَامَ نَظِيفٌ» وَلِلطَّبَرَانِيِّ سَنَدٌ ضَعِيفٌ جِدًّا «النَّظَافَةُ تَدْعُو إلَى الْإِيمَانِ» انْتَهَى. (قُلْتُ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَاب الِاسْتِئْذَانِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ إيَاسٍ وَهُوَ مُضَعَّفٌ (وَالْوُضُوءُ الْمَمْنُوعُ) هُوَ الْمُحَدَّدُ قَبْلَ أَنْ تُفْعَلَ بِهِ عِبَادَةٌ، وَالْوُضُوءُ لِغَيْرِ مَا شُرِّعَ لَهُ الْوُضُوءُ أَوْ أُبِيحَ. وَجَعَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ جُزَيٍّ وَالشَّبِيبِيُّ الْوُضُوءَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَزَادُوا الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ وَعَدُّوا فِيهِ وُضُوءَ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ، وَزَادَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَوُضُوءَ النَّافِلَةِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْأَوَّلَيْنِ الِاسْتِحْبَابُ، وَفِي وُضُوءِ النَّافِلَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ الْفَرِيضَةُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَلِذَلِكَ تَرَكْتُ هَذَا الْقِسْمَ. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: الْوُضُوءُ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ فَرِيضَةٌ بِلَا خِلَافٍ

وَأَمَّا الْوُضُوءُ لِغَيْرِ الْفَرْضِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ كَحُكْمِ مَا يُفْعَلُ بِهِ مِنْ فَرِيضَةٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ فَرْضٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ لَا تُسْتَبَاحُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا فَالْمَجِيءُ بِهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَعْصِيَةٌ وَاسْتِخْفَافٌ بِالْعِبَادَةِ، فَيَلْزَمُ الْمَجِيءُ بِشُرُوطِهَا فَرْضًا، كَمَا أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا. قَالَ الْقَبَّابُ: وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ إلَّا الْقَوْلَ الثَّانِيَ، قَالَ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَخْتَلِفَا فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَمْنُوعَةٌ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّافِلَةِ لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ فَعَادَ الْخِلَافُ إلَى عِبَادَةٍ، فَمَنْ لَاحَظَ كَوْنَ النَّافِلَةِ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَأْثَمْ وَكَذَلِكَ طُهْرُهَا قَالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ وَمَنْ لَاحَظَ كَوْنَهُ إذَا تَلَبَّسَ بِهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَثِمَ قَالَ: إنَّهُ فَرْضٌ. (قُلْتُ) وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى التَّفْسِيرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ لِلْفَرْضِ فَمَنْ نَفَاهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الثَّانِيَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَمَا حُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ تَجْوِيزِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) لِلْوُضُوءِ شُرُوطٌ، وَفُرُوضٌ، وَسُنَنٌ، وَفَضَائِلُ، وَمَكْرُوهَاتٌ، وَمُبْطِلَاتٌ، وَهِيَ نَوَاقِضُهُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَرَائِضَهُ، وَسُنَنَهُ، وَفَضَائِلَهُ، وَيَذْكُرُ نَوَاقِضَهُ فِي فَصْلٍ بَعْدَ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَهُ، وَلَا مَكْرُوهَاتِهِ فَنَذْكُرُ الشُّرُوطَ هُنَا لِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَنَذْكُرُ الْمَكْرُوهَاتِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَنَقُولُ: شُرُوطُ الْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا، وَمِنْهَا: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ فَقَطْ، وَمِنْهَا: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ فَقَطْ. فَالْأَوَّلُ خَمْسَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ بُلُوغُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَقْلُ، وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ، وَانْقِطَاعُ دَمِ النِّفَاسِ، وَوُجُودُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. وَالثَّانِي سِتَّةٌ: دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَتَذَكُّرُ الْفَائِتَةِ، وَالْبُلُوغُ، وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهِ، وَعَدَمُ السَّهْوِ وَالنَّوْمِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَطْلُوبِ لَهَا الْوُضُوءُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَثُبُوتُ حُكْمِ الْحَدَثِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ أَوْ الشَّكُّ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَالثَّالِثُ) هُوَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَكُونُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ، وَشُرُوطُ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَشُرُوطُ صِحَّتِهِ كَالْوُضُوءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي عَدَدِهَا فَعَدَّهَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا سِتَّةً: الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ، وَالنِّيَّةُ، وَالْمُوَالَاةُ. وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْفَوْرِ وَجَعَلُوا الدَّلْكَ رَاجِعًا لِلْغُسْلِ، وَعَدَّهَا ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُمَا سَبْعَةً: السِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالْمَاءُ الْمُطْلَقُ. وَعَدَّهَا ابْن رُشْدٍ ثَمَانِيَةً: السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالتَّرْتِيبُ. وَعَدَّهَا غَيْرُهُ ثَمَانِيَةً أَيْضًا لَكِنَّهُ جَعَلَ بَدَلَ التَّرْتِيبِ الْجَسَدَ الطَّاهِرَ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى عَدِّ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ: وَأَمَّا النِّيَّةُ فَنَعْتُهَا بِالشَّرْطِيَّةِ أَظْهَرُ مِنْ نَعْتِهَا بِالْفَرْضِيَّةِ. وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الدَّلْكَ وَالْمُوَالَاةَ يَرْجِعَانِ إلَى صِفَةِ الْغُسْلِ، وَعَدَّهَا الْمُصَنِّفُ سَبْعَةً: الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَالنِّيَّةُ وَالدَّلْكُ، وَالْمُوَالَاةُ. إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، وَلَمْ يَعُدَّ التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي، وَلَمْ يَعُدَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يُعِدَّ الْجَسَدَ الطَّاهِرَ كَمَا عَدَّهُ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي ارْتَضَاهُ فِي تَوْضِيحِهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَابْنُ عَرَفَةَ هُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْمَحَلِّ قَبْلَ وُرُودِ الْمَاءِ لِغَسْلِ الْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ قَوْلِ عَبْدِ الْحَقِّ وَبَعْضِ شُيُوخِهِ فِي انْغِمَاسِ الْجُنُبِ وَالْمَازِرِيِّ فِي نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَسَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِوُضُوئِهِ بِطَهُورٍ يَنْقُلُهُ لِأَعْضَائِهِ وَبِهَا مَاءٌ نَجِسٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا فِي مَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ

غَيْرَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا أَصَابَهُ إنْ كَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا طَاهِرًا. عَدَمُ شَرْطِ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ قَبْلَ وُرُودِ الْمَاءِ لِغَسْلِ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِلْجَلَّابِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ فِي اشْتِبَاهِ الْآنِيَةِ وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ فَمَا قَبْلَهُ يُرَدُّ بِكَوْنِهِ لِاحْتِمَالِ قُصُورِ وُضُوئِهِ الثَّانِي عَنْ مَحَلِّ الْأَوَّلِ، وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْبَاجِيِّ: رَأَيْت لِابْنِ مَسْلَمَةَ مَنْ كَانَ بِذِرَاعِهِ نَجَاسَةٌ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُنَقِّهَا أَعَادَ أَبَدًا يُرَدُّ بِأَنَّ نَصَّهَا فِي النَّوَادِرِ بِزِيَادَةٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ مَحَلَّهَا وَلَوْ كَانَتْ بِرَأْسِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ بَعْضِهِ لَا شَيْءَ فِيهِ، فَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ إعَادَتَهُ لِتَرْكِ مَحَلِّهَا إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا فِيهِ كَصَلَاتِهِ بِنَجَاسَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيث مَيْمُونَةَ فِي الْغُسْلِ: وَإِنْ شَاءَ نَوَى الْجَنَابَةَ عِنْدَ غَسْلِ الْأَذَى وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ مَحَلِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُرَدَّ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: شَرْطُهَا ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَأْتِي فِي بَابِ الْغُسْلِ مَعَ كَلَامِ الْجُزُولِيّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ وَغَيْرِهِمَا وَأَنَّهُ إذَا غَسَلَ مَوْضِعَ الْأَذَى بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ هُوَ قَوْلُهُ فِيمَنْ نَزَلَ فِي حَوْضٍ نَجِسٍ ثُمَّ خَرَجَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَغَرَفَ بِهِمَا مِنْ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَفِيهِ الْمَاءُ النَّجِسُ ثُمَّ رَدَّهُمَا وَغَرَفَ بِهِمَا وَغَسَلَ بَقِيَّةَ أَعْضَائِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ وَأَرَاهُ سَهْلًا، وَقَدْ قَالَ: هَذَا مِمَّا أَجَازَهُ النَّاسُ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ نَجَسَ طَهُورُهُ بِرَدِّ يَدَيْهِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ مَسَّ بِهِمَا جِسْمَهُ فِي نَقْلِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَغَسْلِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَنْجَسَ الْمَاءُ الَّذِي نَقَلَهُ إلَيْهِ بِمُلَاقَاتِهِ إيَّاهُ فَلَا يَطْهُرُ أَبَدًا، وَفِي الْإِجْمَاعِ عَلَى فَسَادِ هَذَا مَا يَقْضِي بِفَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ طُهْرَهُ يَنْجَسُ بِذَلِكَ وَإِنَّ الْغُسْلَ لَا يُجْزِي وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُنَجِّسُ ثَوْبًا أَصَابَهُ إنْ كَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: يَقُومُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي أَعْضَاءِ الْمُتَوَضِّئِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ الطَّهَارَةَ فِي حَقِّ الْمُتَوَضِّئِ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْإِطْلَاقِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْجَلَّابِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْمَاءِ الْيَسِيرِ: تَحِلُّهُ النَّجَاسَةُ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَعِبَارَةُ الْجَلَّابِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيمَا يَنْسُبُونَهُ إلَيْهَا وَنَصُّهَا: وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَالْمَكَانِ مَسْنُونَةٌ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ مَعَ وُجُودِهَا فِيهَا، فَوَجَبَ إزَالَتُهَا لِذَلِكَ لَا لِنَفْسِهَا فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحِنَّاءِ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ مِنْ الدَّنَسِ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا انْضَافَ الْمَاءُ بَعْدَ وُصُولِهِ لِلْعُضْوِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ وَعَلَى الدَّلْكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: إنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ تَحِلُّهُ نَجَاسَةٌ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْضَافُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْعُضْوِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهِيَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَقِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْفَوْرُ وَالتَّرْتِيبِ. (قُلْتُ) وَمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ حَكَاهُ ابْنُ حَارِثٍ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا الْخِلَافَ وَسَيَأْتِي، وَيُزَادُ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ الدَّلْكُ وَالْجَسَدُ الطَّاهِرُ فَتَتِمُّ الْجُمْلَةُ عَشْرَةً، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْآيَةِ فَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ حَدِّهِ عَرْضًا وَطُولًا فَقَالَ: فَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ سَبْعٌ (الْفَرِيضَةُ) الْأُولَى غَسْلُ الْوَجْهِ وَفَرْضِيَّتُهَا ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَحَدُّهُ عَرْضًا مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَهَذَا

أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ لِلْخِلَافِ فِي الْغَايَةِ هَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُغَيَّا أَمْ لَا؟ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: مِنْ الْعِذَارِ إلَى الْعِذَارِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ نَقِيَّ الْخَدِّ فَكَالْأَوَّلِ وَإِلَّا فَكَالثَّانِي. حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَانْفَرَدَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بِأَنَّ غَسْلَ مَا بَيْنِ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ سُنَّةٌ وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْوَجْهِ وَجَبَ وَإِلَّا سَقَطَ وَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ سُنَّةً إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فَتَحْصُلُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَأَنَّ مَا بَيْنَ الْعِذَارَيْنِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِالْجَمِيعِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ غَالِبًا. وَوَجْهُ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ ظَاهِرٌ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ التَّنَازُعُ فِي الْمُوَاجَهَةِ هَلْ تَتَنَاوَلُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَالْعِذَارُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَارِضِ وَالْعَارِضُ صَفْحَةُ الْخَدِّ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ: وَانْظُرْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَغْسِلُ مِنْ الْعِذَارِ إلَى الْعِذَارِ، هَلْ يَدْخُلُ الْعِذَارُ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ دُخُولُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: قُلْتُ: الْأَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَدَمُهُ. (قُلْتُ) الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ. (الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيُّ خَفِيفُ الْعِذَارِ كَمَنْ لَيْسَ لَهُ عِذَارٌ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (الثَّالِثُ) عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: إنَّ غَسْلَ مَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ سُنَّةٌ فَيَغْسِلُهُ مَعَ الْوَجْهِ وَلَا يُفْرِدُهُ بِالْغَسْلِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْحِ الْأُذُنِ حَيْثُ طَلَبَ لَهَا تَجْدِيدَ الْمَاءِ أَنَّ إفْرَادَهُ بِالْغَسْلِ يُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدَّ الْوَجْهِ طُولًا فَقَالَ: وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ. يَعْنِي أَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ طُولًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ إلَى مُنْتَهَى الذَّقَنِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ لِحْيَةٌ وَأَمَّا مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ فَيَغْسِلُ ظَاهِرَهَا وَلَوْ طَالَتْ. وَالذَّقَنُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاء أَيْضًا، وَحُكِيَ كَسْرُ اللَّامِ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَاللَّحْيُ الْعَظْمُ الَّذِي تَنْبُتُ فِيهِ اللِّحْيَةُ. هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْفَاكِهَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي تَنْبُتُ فِيهِ الْأَسْنَانُ السُّفْلَى وَتَنْبُتُ اللِّحْيَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمَا أَدْرِي لِمَ قَيَّدُوهُ بِالْأَسْنَانِ السُّفْلَى وَقَدْ قَالُوا فِي بَابِ الْجِرَاحِ: اللَّحْيُ الْأَعْلَى وَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي أَحْكَامِ الْجِرَاحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ تَفْسِيرَ اللَّحْيِ الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ اللَّحْيَيْنِ اللَّذَانِ أُخِذَا فِي تَفْسِيرِ الذَّقَنِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَسْرُ اللَّامِ فِي اللِّحْيَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَتَسْمِيَةُ اللِّحْيَةِ دَقْنًا بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ فِي اللُّغَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ إنْ جَعَلْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْأُذُنَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى وَمَا بَيْنَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ اقْتَضَى كَلَامُهُ خُرُوجَ الذَّقَنِ مِنْ حَدِّ الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ الذَّقَنَ دَاخِلٌ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا فِي الْمِرْفَقِ مِنْ الْخِلَافِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَى " مَا " مِنْ قَوْلِهِ: غَسْلَ عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَزِمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَفْحَشُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ غَسْلَهُمَا فَقَطْ. (قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي: إنَّ غَسْلَ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ مَعَ غَسْلِ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالذَّقَنِ يَسْتَكْمِلُ غَسْلَ جَمِيعِ الْوَجْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ مِنْ الْوَجْهِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأُذُنَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَالذَّقَنِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ مَعْطُوفَانِ عَلَى مَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ هُوَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْأُذُنَيْنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ فَيَغْسِلُ ذَلِكَ مَعَ الذَّقَنِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ لِحْيَةٌ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ لِحْيَةٌ فَيَغْسِلُ ذَلِكَ مَعَ غَسْلِ ظَاهِرِهَا. (الثَّانِي) قَوْلُهُ: مَنَابِتُ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ يَعْنِي الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا فِي الْعَادَةِ أَنْ يَنْبُتَ فِيهَا شَعْرُ الرَّأْسِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الْغَمَمِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَمِيمَيْنِ

وَهُوَ نَبَاتُ الشَّعْرِ عَلَى الْجَبْهَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ ذَلِكَ، يُقَالُ: رَجُلٌ غَمٌّ وَامْرَأَةٌ غَمَّاءُ وَالْعَرَبُ تَذِمُّ بِهِ وَتَمْدَحُ بِالنَّزْعِ؛ لِأَنَّ الْغَمَمَ يَدُلُّ عَلَى الْبَلَادَةِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالنَّزْعُ بِضِدِّ ذَلِكَ قَالَ: فَلَا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَنَا ... أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَالْجَبْهَةُ مَا أَصَابَ الْأَرْضَ فِي حَالِ السُّجُودِ وَالْجَبِينَانِ مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وَالْعَارِضَانِ وَالْعَنْفَقَةُ وَأَهْدَابُ الْعَيْنِ وَالشَّارِبِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ فَمَا كَانَ كَثِيفَ الشَّعْرِ غُسِلَ ظَاهِرُهُ وَلَمْ يَجِبْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَمَا كَانَ خَفِيفًا وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ. (قُلْتُ) لَهُ وَمَا حَدُّ الْوَجْهِ الَّذِي إذَا قَصُرَ عَنْهُ الْمُتَوَضِّئُ أَعَادَ فَقَالَ لِي: دَوْرُ الْوَجْهِ. (قُلْتُ) فَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ وَالذَّقَنُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّحْيَ الْأَسْفَلَ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ فِيهِ مُوضِحَةٌ، فَقَالَ: أَخْطَأَ مَنْ يَقُولُ هَذَا قَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْأَنْفَ لَا مُوضِحَةَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. وَاللَّحْيُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ فِي الْوُضُوءِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ الذَّقَنُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَا تَحْتَهُ وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَفِي النَّوَادِرِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا تَحْتَ ذَقَنِهِ وَمَا تَحْتَ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِهِ لِلرِّسَالَةِ وَزَادَ فِيهِ: وَلَقَدْ رَأَيْت شَيْخَ الْمَالِكِيَّةِ نُورَ الدِّينِ السَّنْهُورِيَّ يَغْسِلُهُ وَهُوَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ فَلَا أَدْرِي لِوَرَعٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْوَجْهِ. قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ التُّونُسِيُّ: لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ انْتَهَى. وَاحْتُرِزَ بِهِ أَيْضًا مِنْ الصَّلَعِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ خُلُوُّ النَّاصِيَةِ مِنْ الشَّعْرِ، وَالنَّاصِيَةُ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَلَا تَدْخُلُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ النَّزَعَتَانِ كَمَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَالنَّزَعَتَانِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْعَيْنِ تَثْنِيَةُ نَزَعَةٍ بِفَتْحِهِمَا أَيْضًا وَهُمَا بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هُمَا الْخَالِيَتَانِ مِنْ الشَّعْرِ عَلَى جَنْبَيْ الْجَبِينِ الذَّاهِبَتَيْنِ عَلَى جَنْبَيْ الْيَافُوخِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُمَا بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ فَهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَيُقَالُ لَهُمَا الْجَلَحَتَانِ مِنْ الْجَلَحِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ، وَفِي الصِّحَاحِ رَجُلٌ أَنْزَعُ بَيْنَ النَّزَعِ وَهُوَ الَّذِي انْحَسَرَ عَنْ جَانِبَيْ جَبْهَتِهِ وَمَوْضِعُهُ النَّزَعَةُ وَهُمَا النَّزَعَتَانِ قَالَهُ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَالَ فِي فَصْلِ الْجِيمِ مِنْ بَابِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْجَلَحُ فَوْقَ النَّزَعِ وَهُوَ انْحِسَارُ الشَّعْرِ عَنْ جَانِبَيْ الرَّأْسِ، أَوَّلُهُ النَّزَعُ ثُمَّ الْجَلَحُ ثُمَّ الصَّلَعُ وَقَدْ جَلِحَ بِالْكَسْرِ فَهُوَ أَجْلَحُ بَيِّنُ الْجَلَحِ وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْجَلَحَةُ، وَقَالَ سَنَدٌ: النَّزَعَتَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَهُمَا الْجَلَحَتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي سَمْتِ النَّاصِيَةِ وَمَا يَلِي الْجَلَحَتَيْنِ إلَى الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ انْتَهَى فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ الَّذِي فِي الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ لَا مِنْ الْوَجْهِ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ شَعْرَ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ يَدْخُلُ فِي الْمَسْحِ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي مِنْ فَوْقِ الْعَظْمِ مِنْ حَيْثُ يَعْرِضُ الصُّدْغُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَحْلِقُهُ الْمُحْرِمُ وَأَمَّا مَا دُون ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ شَعْرُ الْعَارِضَيْنِ مِنْ الْخِفَّةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ لَزِمَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَارِضَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ مَوْضِعِ الْعَظْمِ وَحَيْثُ يَبْتَدِئُ نَبَاتُ الشَّعْرِ مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: النَّزَعَتَانِ مِنْ الرَّأْسِ يُمْسَحَانِ وَلَا يُغْسَلَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ وَشَعْرُ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ مَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلٌ مِنْهُ فِي دَوْرِ الْوَجْهِ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ اهـ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ وَهُوَ الدَّاخِلُ إلَى الْجَبِينِ مِنْ جَانِبَيْ الْوَجْهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الرَّأْسِ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ:

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ التَّحْذِيفُ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْعَادَةِ إذْ لَمْ يَجْعَلْهُ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْ الْوَجْهِ انْتَهَى. وَيُرِيدُ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْجَبِينِ جِدًّا وَيُجَاوِزُ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ السَّابِقُ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَفْسِيرِ مَوْضِعِ التَّحْذِيفِ: هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ مُتَّصِلًا بِالصُّدْغِ وَضَابِطُهُ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى طَرَفِ الْأُذُنِ، وَالطَّرَفَ الثَّانِيَ عَلَى أَعْلَى الْجَبْهَةِ فَمَا نَزَلَ عَنْهُ إلَى جَانِبِ الْوَجْهِ فَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَشْرَافَ يَحْذِفُونَ الشَّعْرَ عَنْهُ لِيَتَّسِعَ الْوَجْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ: صَحَّحَ الْجُمْهُورُ أَنَّ مَوْضِعَ التَّحْذِيفِ مِنْ الرَّأْسِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّعْرَ الَّذِي فِي الصُّدْغَيْنِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ إلَّا مَا كَانَ دَاخِلًا مِنْ ذَلِكَ فِي دَوْرِ الْوَجْهِ كَالْأَغَمِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا إشْكَالَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يُبَيِّنُوا فِي الْمَذْهَبِ حَدَّ الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ الْأُذُنِ إلَى طَرَفِ الْجَبْهَةِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ وَفِي تِلْكَ الْجِهَةِ يَنْبُتُ الشَّعْرُ عَادَةً لِغَيْرِ الْأَغَمِّ، فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى مَا حَدَّدُوهُ فِي الطُّولِ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى مَا حُدُودُهُ فِي الْعَرْضِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَحِدُّهُ مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ دَخَلَ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ إلَى دُخُولِهِ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِغَسْلِهِ إمَّا عَلَى أَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ طُولًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ سَوَاءٌ فِي الْجَبْهَةِ أَوْ فِي الصُّدْغِ إلَى آخِرِ الذَّقَنِ وَعَرْضًا مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ، وَلَيْسَ وَتَدَا الْأُذُنِ مِنْهُ، وَمِنْهُ الْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ، وَطَرَفُ اللَّحْيِ الْأَسْفَلُ الْخَارِجُ مِنْ تَحْتِ الْأُذُنِ فِي سَمْتِ الْأُذُنِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْأُذُنِ وَاللَّحْيَيْنِ الْخَارِجَيْنِ مِنْ تَحْتِ الْأُذُنِ فِي سَمْتِ الْأُذُنِ فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ اللَّحْيَ الْأَسْفَلَ مِنْ الْوَجْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّدْغَ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ هُوَ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَبِهِ فَسَّرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهُ دُونَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ فَهُوَ مِنْ الْوَجْهِ وَمَا كَانَ فَوْقَهُ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ، وَقَوْلُهُمْ: يَجِبُ غَسْلُ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْأُذُنِ يَعْنُونَ بِهِ مَا كَانَ تَحْتَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ: وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ وَلَوْ طَالَتْ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مِنْ لِحْيَتِهِ إلَّا مَا اتَّصَلَ مِنْهَا بِوَجْهِهِ لَا مَا طَالَ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي سَمَاع مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَجَزَمَ بِنِسْبَةِ الثَّانِي لِسَمَاعِ مُوسَى قَالَ: وَقَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي مَسْحِ مَا طَالَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَا حَاذَى الْمَمْسُوحَ مِنْ الرَّأْسِ. قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ هَلْ يُعْتَبَرُ الْأَصْلُ فَيَجِبُ أَوْ يُعْتَبَرُ الْمُحَاذَى وَهُوَ الصَّدْرُ فَلَا يَجِبُ؟ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَاعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِغَسْلِ ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَيْهَا مَعَ الْمَاءِ وَتَحْرِيكُهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُحَرِّكُ اللِّحْيَةَ فِي الْوُضُوءِ وَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَا خِلَافَ أَنَّ التَّحْرِيكَ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَقَالَ سَنَدٌ: إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ تَخْلِيلُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَيْهَا مَعَ الْيَدِ وَيُحَرِّكُ يَدَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَنْبُو بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ

فَيَمْنَعُ بَعْضُهُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى بَعْضٍ فَإِذَا حَرَّكَ ذَلِكَ حَصَلَ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ ظَاهِرِهِ انْتَهَى. وَهَذَا التَّحْرِيكُ غَيْرُ التَّخْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي التَّخْلِيلِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَصِفَةُ التَّحْرِيكِ هُوَ أَنْ يُدَافِعَ مَا انْصَبَّ مِنْ الْمَاءِ عَلَيْهَا حَتَّى يُدَاخِلَهَا مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ بِالْأَصَابِعِ: وَلَفْظُ النَّوَادِرِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَعْنَى تَحْرِيكِهَا تَحْرِيكُ الْيَدِ عَلَيْهَا عِنْدَ مُرُورِ الْيَدِ عَلَيْهَا لِيُدَاخِلَهَا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَنْبُو عَنْهُ الْمَاءُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: يَنْبُو أَيْ يَنْدَفِعُ وَيَتَبَاعَدُ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ لَمْ يُمِرَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ أَعَادَ وَلَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ انْتَهَى. (الثَّانِي) إذَا كَانَ عَلَى الشَّعْرِ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ وَجَبَ إزَالَتُهُ فَإِنْ لَمْ يُزِلْهُ ثُمَّ قَصَّ الشَّعْرَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْحَائِلُ هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِيُسْتَكْمَلَ غَسْلُ الْوَجْهِ، كَمَا يَجِبُ مَسْحُ بَعْضِ الْوَجْهِ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ لِيَسْتَكْمِلَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَهُمَا مِنْ بَابِ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُحَرِّكُ اللِّحْيَةَ فِي الْوُضُوءِ وَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ يَغْسِلُ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ لِيَتَحَقَّقَ تَعْمِيمُ الْوَجْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ اتِّفَاقًا إذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ. وَأَجَبْتُهُ بِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْوَجْهُ إلَّا بَعْدَ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْحِ الْجَبِيرَةِ: إذَا بَرِئَتْ وَنَسِيَ غَسْلَهَا انْتَهَى. وَيَعْنِي بِشَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ أَحَدُ نَقْلَيْ شُيُوخِنَا وَهُمَا جَارِيَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِيمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ، فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ وَكَذَا اُخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّوْمِ؟ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَصْلُهُ لِابْنِ هَارُونَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ " وَمَبْدَؤُهُ مِنْ مَبْدَأِ الْوَجْهِ ": هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِاسْتِيعَابِ الْوَجْهِ كَمَا لَا يَجِبُ مَسْحُ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ لِاسْتِيعَابِ الرَّأْسِ، فَأَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ دُونَ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي صِفَةِ غَسْلِ الْوَجْهِ غَاسِلًا لَهُ مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ: قَالَ شَارِحُهَا الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنِ شَعْبَانَ: السُّنَّةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَوَّلِهَا، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَسْفَلِهَا أَجْزَأَهُ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِيمَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ، وَعَدَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ تَرْتِيبَ أَعْلَى الْعُضْوِ عَلَى أَسْفَلِهِ وَسَيَأْتِي فِي غَسْلِ الْيَدِ نَحْوُهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَعَدَّ فِي اللُّمَعِ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ. (الْخَامِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْعَامَّةِ فِي الْوُضُوءِ أُمُورٌ مِنْهَا صَبُّ الْمَاءِ مِنْ دُونِ الْجَبْهَةِ وَهُوَ مُبْطَلٌ، وَنَفْضُ الْيَدِ قَبْلَ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ لِلشَّيْطَانِ» قَالَ الدَّمِيرِيُّ: لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ وَهُوَ جَهْلٌ لَا يَضُرُّ. وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ فِي مَرَاقِي الزَّلَفِ، وَالتَّشَهُّدُ وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ قَالَ: وَالْأَذْكَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْأَعْضَاءِ لَا أَصْلَ لَهَا وَأَنْكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنْ يَكُونَ فِي الْوُضُوءِ ذِكْرٌ غَيْرُ التَّسْمِيَةِ أَوَّلَهُ وَالتَّشَهُّدُ آخِرَهُ، نَعَمْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ عَلَى وُضُوئِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ مِنْ خَيْرٍ؟» فَتَرْجَمَ النَّسَائِيُّ لِذَلِكَ فَقَالَ: بَابُ

مَا يَقُولُ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَابْنُ السِّينِيِّ بَابُ مَا يَقُولُ بَيْنَ ظَهْرَانِي وُضُوئِهِ وَذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ فِي حِلْيَةِ الْأَبْرَارِ انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ: وَلَا يَنْفُضُ يَدَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَى وَجْهِهِ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ بِاتِّفَاقٍ وَلَا يَرُشُّهُ رَشًّا وَلَا يَلْطِمُهُ لَطْمًا وَلَا يَكُبُّ وَجْهَهُ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ، بَلْ يُفَرِّغُهُ تَفْرِيغًا حَالَ كَوْنِهِ غَاسِلًا لَهُ بِيَدَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُدَلِّكُهُ بِهِمَا مَعَ الْمَاءِ أَوْ أَثَرِهِ مُتَّصِلًا بِهِ دَلْكًا وَسَطًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ الْوَسَخِ الْخَفِيِّ بَلْ مَا ظَهَرَ وَحَالَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْعُضْوِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. ص (فَيَغْسِلُ الْوَتَرَةَ وَأَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ وَظَاهِرَ شَفَتَيْهِ) . ش: الْوَتَرَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَهِيَ الْحَاجِزُ بَيْنَ ثُقْبَيْ الْأَنْفِ. وَالْأَسَارِيرُ جَمْعُ أَسِرَّةِ وَهِيَ خُطُوطُ الْجَبْهَةِ وَالْكَفِّ، الْوَاحِدُ سِرَرُ بِوَزْنِ عِنَبٍ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ جَمْعُ أَسْرَارٍ كَأَعْنَابٍ فَالْأَسَارِيرُ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَفِي الْحَدِيثِ: تَبْرُقُ أَسَارِيرُ جَبْهَتِهِ وَفِي الْمُفْرَدِ لُغَةٌ أُخْرَى وَهِيَ سِرَارٌ وَجَمْعُهُ أَسِرَّةٌ كَزِمَامٍ وَأَزِمَّةٍ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: هِيَ التَّكَاسِيرُ أَوْ الْعُطُوفُ أَوْ الطَّيَّاتُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ دَاخِلَةٌ فِي تَحْدِيدِ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهَا لِآنِ الْمَاءَ يَنْبُو عَنْهَا، قَالَ الْجُزُولِيُّ فَيَلْزَمُ الْمُتَوَضِّئَ أَنْ يَتَحَفَّظَ عَلَيْهَا فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ كَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» فَنَبَّهَ عَلَى الْوَتَرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْحَدِرُ مِنْ أَعْلَى الْأَنْفِ فَلَا يُصِيبُهَا، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الرِّسَالَةِ: وَمَا تَحْتَ مَارِنِهِ مِنْ ظَاهِرِ أَنْفِهِ وَالْمَارِنُ طَرَفُ الْأَنْفِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَنَبَّهَ عَلَى الْأَسَارِيرِ لِاحْتِيَاجِهَا أَيْضًا إلَى إمْرَارِ الْيَدِ لِنُبُوِّ الْمَاءِ عَمَّا أَصَابَتْهَا: وَنَبَّهَ عَلَى ظَاهِرِ الشَّفَتَيْنِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمَا مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَدَاخِلِ الْفَمِ وَدَاخِلِ الْأَنْفِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَغَسْلُ مَا بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ وَظَاهِرِ الشَّفَتَيْنِ فَرْضٌ انْتَهَى. فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ أَنْ لَا يَضُمَّ شَفَتَيْهِ فَمَنْ ضَمَّ شَفَتَيْهِ حِينَ غَسْلِ الْوَجْهِ فَقَدْ تَرَكَ لَمْعَةً مِنْ وَجْهِهِ، قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَلَا يُطْبِقُ شَفَتَيْهِ خِيفَةَ أَنْ تَبْقَى هُنَاكَ لَمْعَةٌ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى مَا غَار مِنْ الْأَجْفَانِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُتَحَفَّظُ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَا جُرْحًا بَرَأَ. ص (بِتَخْلِيلِ شَعْرٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَخْلِيلُهَا مُطْلَقًا فَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِتَخْلِيلِ شَعْرٍ إلَخْ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ يَجِبُ غَسْلُ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ وَغَسْلُ ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ مَعَ تَخْلِيلِ الشَّعْرِ الَّذِي تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ وَالْبَشَرَةُ الْجِلْدُ وَالْمُرَادُ ظُهُورُهَا عِنْدَ التَّخَاطُبِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْلِيلِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَخْلِيلُ الْكَثِيفِ وَهُوَ مَا لَا تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَذَكَرَ الشَّعْرَ لِيَعُمَّ شَعْرَ اللِّحْيَةِ وَغَيْرِهَا كَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْحَاجِبِ وَالْهُدْبِ. قَالَ فِي التَّلْقِينِ: فَإِنْ كَانَ عَلَى الْوَجْهِ شَعْرٌ لَزِمَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْظُرُ فَمَا كَانَ كَثِيفًا قَدْ سَتَرَ الْبَشَرَةَ سَتْرًا لَا تَتَبَيَّنُ مَعَهُ انْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَيْهِ وَسَقَطَ فَرْضُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا تَتَبَيَّنُ مَعَهُ الْبَشَرَةُ لَزِمَ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَشَرَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى خَدٍّ أَوْ شَفَةٍ أَوْ حَاجِبٍ أَوْ عِذَارٍ أَوْ عَنْفَقَةٍ وَيَلْزَمُ فِيمَا انْسَدَلَ عَنْ الْبَشَرَةِ كَلُزُومِهِ فِيمَا تَحْتَ الْبَشَرَةِ انْتَهَى. وَالْهُدْبُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تَضُمُّ الشَّعْرَ النَّابِتَ عَلَى أَجْفَانِ الْعَيْنِ وَاحِدُهُ هُدْبَةٌ وَكَذَلِكَ هُدْبَةُ الثَّوْبِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي آدَابِ الْكِتَابَةِ فِي بَابِ مَا يَضَعُهُ النَّاسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ: مِنْ ذَلِكَ أَشْفَارُ الْعَيْنِ يَذْهَبُ النَّاسُ إلَى أَنَّهَا الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى حَرْفِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ غَلَطٌ إنَّمَا الْأَشْفَارُ حَرْفُ الْعَيْنِ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا الشَّعْرُ، وَالشَّعْرُ هُوَ الْهُدْبُ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ الْفُصَحَاءِ سَمَّى الشَّعْرَ شَفْرًا فَإِنَّمَا سَمَّاهُ بِمَنْبَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَجِبُ تَخْلِيلُ خَفِيفِ

الشَّعْرِ دُونَ كَثِيفِهِ فِي اللِّحْيَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى الْهُدْبِ، وَقِيلَ: وَكَثِيفُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْخَفِيفُ مَا تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ مِنْ تَحْتِهِ وَالْكَثِيفُ مَا لَا تَظْهَرُ قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ، وَقَوْلُهُ: يَجِبُ تَخْلِيلُ خَفِيفِ الشَّعْرِ أَيْ بِأَنْ يُوَصِّلَ الْمَاءَ إلَى الْبَشَرَةِ، وَقَوْلُهُ: دُونَ كَثِيفِهِ أَيْ فَلَا يَجِبُ انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّخْلِيلِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَلِهَذَا قَالَ سَنَدٌ: الْمَذْهَبُ اسْتِوَاءُ كَثِيفِ اللِّحْيَةِ وَخَفِيفِهَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ التَّخْلِيلِ وَقَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْخَفِيفِ: " يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ " لَا يُنَاقِصُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى عَارِضَيْهِ وَحَرَّكَهُمَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى كُلِّ مَحَلٍّ مَكْشُوفٍ مِنْ الشَّعْرِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَيْهَا مِنْ الْيَدِ وَيُحَرِّكُ يَدَهُ عَلَيْهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ خِلَافًا فِي الْمَعْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّخْلِيلِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَكَرَ الْهُدْبَ لِمَا رَآهُ لِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ وَفِي الْحَاجِبَيْنِ مِنْ سُقُوطِ التَّخْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي شَعْرِهِمَا الْخِفَّةُ، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْهُدْبِ مُتَّجِهٌ أَيْ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْخِفَّةُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا لَصِقَ مِنْ الْقَذَى فِي قَوْلِهِ: وَنَفْضُ غَيْرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ سُقُوطِ تَخْلِيلِ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ كَثِيفَةً، وَلَا يَصِلُ إلَى بَشَرَتِهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَقَدْ خَرَجَ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ عَنْ الْمُوَاجَهَةِ وَانْتَقَلَتْ الْمُوَاجَهَةُ إلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الشَّعْرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ نَفَى التَّخْلِيلَ وَعَابَ تَخْلِيلَهَا فَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْإِبَاحَةَ وَالْكَرَاهَةَ اهـ. (قُلْتُ) جَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِالثَّانِي فَإِنَّهُ عَزَا الْكَرَاهَةَ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ فِي تَخْلِيلِهَا فِي الْوُضُوءِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا لَا تُخَلَّلُ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ: إنَّ تَخْلِيلَهَا مَكْرُوهٌ وَكَذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: إنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: عَابَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْهَا: وَعَابَ مَالِكٌ تَخْلِيلَهَا فِي الْوُضُوءِ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَمْ يَأْتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ فِي وُضُوئِهِ، وَجَاءَ أَنَّهُ خَلَّلَ أُصُولَ شَعْرِهِ فِي الْجَنَابَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَيُحَرِّكُهَا فِي الْوُضُوءِ بِأَنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَا يُخَلِّلُهَا. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْوُجُوبُ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ. يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ وَكَثِيفُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي بِلَا قِيَاسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْغَسْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: الِاسْتِحْبَابُ لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ أَتُخَلِّلُ لِحْيَتَكَ؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي؟ لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ» . (قُلْتُ) حَدِيثُ عَمَّارٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مَعْلُولٌ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ: لَيْسَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ شَيْءٌ صَحِيحٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ شَيْءٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَوْلُ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمُ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُهَا فِي الْوُضُوءِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ. قَالَ ابْنُ نَاجِي وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ أَرَادَ دَلَالَةَ ذَلِكَ وَكَثِيرًا مَا يَتَسَامَحُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا سِيَّمَا ابْنُ الْجَلَّابِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ لَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ فِيمَا عَلِمْتَ وَإِنَّمَا هُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَلَهُ نَحْوُهُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى عَدَمِ ارْتِضَائِهِ

بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا: وَالْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقِيلَ: إنَّ تَخْلِيلَهَا سُنَّةٌ ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الزَّنَاتِيِّ شَارِحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَأْبَاهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْخِلَافُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْغَسْلِ يَأْتِي فِي فَصْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا كُلُّهُ فِي اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ، فَأَمَّا الْخَفِيفَةُ فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ لِمَا تَحْتَهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ تَخْلِيلِ الْكَثِيفَةِ فَهَلْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى دَاخِلِ الشَّعْرِ فَقَطْ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ؟ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَازِرِيُّ. (قُلْتُ) حَكَاهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْغُسْلِ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَذَكَرَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: تَخْلِيلُهَا وَاجِبٌ لِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ انْتَهَى. وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا وَهَلْ يَضْرِبُ أَصَابِعَهُ فِيهَا مِنْ أَعْلَاهَا أَوْ مِنْ أَسْفَلِهَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ شَبْلُونٍ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لِنُدُورِهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ فِي نُزْهَةِ الطَّالِبِ. (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَحَكَاهُ سَنَدٌ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ. (الرَّابِعُ) فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشْهُورِ هُنَا وَبَيْنَ الْمَشْهُورِ فِي الْغَسْلِ فَإِنَّهُ يَجِب فِيهِ تَخْلِيلُ الْكَثِيفِ؟ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْغَسْلِ الْمُبَالَغَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَلَكِنْ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ فِيهِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُوَاجَهَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (لَا جُرْحًا بَرَأَ أَوْ خُلِقَ غَائِرًا) ش: يُقَالُ: بَرَأَ الْجُرْحُ يَبْرَأُ وَيَبْرُؤُ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِي الْمَاضِي، وَبِفَتْحِهَا وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ، وَالضَّمُّ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: بَرِيءَ يَبْرَأُ بِكَسْرِهَا فِي الْمَاضِي، وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ، وَبَرُؤَ يَبْرُؤ بِضَمِّهَا فِيهِمَا، وَأَمَّا إبْدَالُ هَمْزَتِهِ أَلِفًا بَعْدَ الْفَتْحَةِ وَوَاوًا بَعْدَ الضَّمَّةِ وَيَاءً بَعْدَ الْكَسْرَةِ فَشَاذٌّ؛ لِأَنَّ إبْدَالَ الْهَمْزَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ شَاذٌّ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْجُرْحِ إذَا بَرَأَ غَائِرًا وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ غَسْلُ مَا خُلِقَ مِنْ وَجْهِهِ غَائِرًا مِنْ أَجْفَانِهِ أَوْ غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ: غَائِرًا حَالٌ مِنْ نَائِبِ فَاعِلِ خُلِقَ وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ لِفَاعِلِ بَرَأَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ فِي الْحَالِ. (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ اسْتِغْوَارُ ذَلِكَ كَثِيرًا لَا يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّوَادِرِ مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ. قَالَ فِيهَا نَاقِلًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: وَلْيُحَافِظْ عَلَى غَسْلِ مَا تَحْتَ مَارِنِهِ بِيَدِهِ وَمَا غَارَ مِنْ أَجْفَانِهِ وَأَسَارِيرِ جَبْهَتِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا غَارَ مِنْ جُرْحٍ بَرَأَ عَلَى اسْتِغْوَارٍ كَثِيرٍ أَوْ كَانَ خَلْقًا خُلِقَ بِهِ، وَلَا غَسْلُ مَا تَحْتَ ذَقَنِهِ انْتَهَى. قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ ظَاهِرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ وَشَقَّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَجُرْحٍ بَرَأَ عَلَى اسْتِغْوَارٍ كَثِيرٍ، وَمَا كَانَ خَلْقًا خُلِقَ بِهِ فَإِنَّهُ يَشُقُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ بِالْيَدِ، وَلَوْ كَانَ أَثَرُ الْجُرْحِ ظَاهِرًا لَوَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ وَغَسْلُهُ كَمَوْضِعِ الْقَطْعِ مِنْ الْكُوعِ وَأَصَابِعِ الْقَدَمِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ النَّوَادِرِ: هَذَا يَرْجِعُ إلَى حَرْفٍ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ كُلَّ مَا أَمْكَنَهُ غَسْلُهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَغَوْرُ الْعَيْنِ مِمَّا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ وَهُوَ مِمَّا يُوَاجَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ غَوْرُ الْجُرْحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَوْرًا دَاخِلًا أَوْ طَالِعًا بِحَيْثُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى جَمِيعِهِ أَوْ لَا يُوَاجَهُ بِجَمِيعِهِ، أَوْ يَكُونُ ضَيِّقًا فَيَغْسِلُ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ طَالِعًا كَذَا رَأَيْتُهُ فِي ثَلَاثِ نُسَخٍ مِنْ الطِّرَازِ وَلَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّ جَوَانِبَ الْغَوْرِ طَالِعَةٌ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ كَلَامَ النَّوَادِرِ وَقَبِلَهُ وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَغَيْرِهِ وَقَبِلُوهُ بَلْ لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَيَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ مَارِنِهِ وَظَاهِرِ شَفَتَيْهِ وَأَسَارِيرِ

جَبْهَتِهِ وَغَائِرِ مَا تَحْتَ مَارِنِهِ وَغَائِرِ أَجْفَانِهِ لَا مَا غَارَ جِدًّا مِنْ جُرْحٍ أَوْ خِلْقَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ: وَوَصْفُ الِاسْتِغْوَارَ بِكَوْنِهِ كَثِيرًا هُوَ الصَّوَابُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِغْوَارَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْكَثْرَةِ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ سُقُوطِ غَسْلِهِ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا فِي الِاسْتِغْوَارِ الْكَثِيرِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مَحْدُودٌ بِرُؤْيَةِ قَعْرِهِ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ وَعَدَمِهَا. (قُلْتُ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَمِيلُ إلَى حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَوَابٍ. (تَنْبِيهٌ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلْكٍ وَجَبَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: لَوْ انْتَقَبَتْ كَفُّهُ بِسَهْمٍ وَنَفَذَتْ وَانْدَمَلَتْ نَافِذَةً لَزِمَهُ غَسْلُ دَاخِلِهَا إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَيْهَا، وَلَوْ اتَّصَلَ طَرَفَاهَا وَانْدَمَلَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْبُهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، وَيُؤْثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ حَتَّى عَمِيَ. (قُلْتُ) وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ: وَفِعْلُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَنْ هَذَا احْتَرَزَ الشَّيْخُ فِي الرِّسَالَةِ. وَيُمِرُّ يَدَيْهِ عَلَى مَا غَارَ مِنْ ظَاهِرِ أَجْفَانِهِ كَمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) ش: هَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ، وَهِيَ ثَانِيَةٌ أَيْضًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْمِرْفَقُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا وَهُوَ آخِرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَفْصِلِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَّكِئَ يَرْتَفِقُ بِهِ إذَا أَخَذَ بِرَاحَتِهِ رَأْسَهُ مُتَّكِئًا عَلَى ذِرَاعَيْهِ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِمِرْفَقَيْهِ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ الْفَرِيضَةُ الثَّانِيَةُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ، وَبِهَذَا عَبَّرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَعَدَلُوا عَنْ لَفْظِ الْآيَةِ إلَيْهَا لِبَيَانِ وُجُوبِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْلِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَيْهِ فَإِلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة: 14]- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] أَوْ تَقُولُ: الْيَدُ حَقِيقَةً مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَ " إلَى " لِلْغَايَةِ، وَالْغَايَةُ إذَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ الْمُغَيَّا فَهِيَ دَاخِلَةٌ أَوْ " إلَى " غَايَةٌ لِلْمَتْرُوكِ أَيْ اُتْرُكُوا مِنْهَا إلَى الْمَرَافِقِ وَقِيلَ: إنَّ لَفْظَةَ الْيَدِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مَعَانٍ ثَلَاثٍ: مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْكُوعِ، وَمِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ، وَمِنْ الْأَصَابِعِ إلَى آخِرِ الْعَضُدِ، وَأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ إجْمَالٌ، وَإِنْ قُلْنَا: " إلَى " بِمَعْنَى مَعَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ غَسْلَ الْيَدِ إلَى الْكُوعِ ثُمَّ يَغْسِلُ الْمِرْفَقَ، وَمِثْلُهُ يَكُونُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ شَارَكَهُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ غَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى شَرَعَ فِي الْعَضُدِ. وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ» وَمِثْلُهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَسْلَ يَدَيْهِ حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ» وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَيِّنٌ فَلَمَّا أَدْخَلَ الْمِرْفَقَيْنِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِمَا وَقِيلَ: إنَّ الْمِرْفَقَيْنِ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَبْلُغَهُمَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ، وَقِيلَ يَدْخُلَانِ لَا لِأَجْلِهِمَا بَلْ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِدُخُولِهِمَا وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَبِي الْفَرَجِ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ، وَإِدْخَالُهُمَا أَحْوَطُ لِزَوَالِ تَكَلُّفِ التَّحْدِيدِ لَكِنْ فَسَّرَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِالِاسْتِحْبَابِ فَيَكُونُ رَابِعًا. ص (وَبَقِيَّةُ مِعْصَمٍ إنْ قُطِعَ) ش: الْمِعْصَمُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعُ السِّوَارِ مِنْ الْيَدِ وَرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْيَدِ. قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا قُطِعَ بَعْضُ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْكُوعِ وَجَبَ غَسْلُ الْمِعْصَمِ وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ الْمِعْصَمِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَالْكُوعُ رَأْسُ الذِّرَاعِ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ، وَالْكُرْسُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ رَأْسُهُ مِمَّا يَلِي الْخِنْصَرَ، وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا زَنْدٌ بِفَتْحِ الزَّايِ وَهُمَا زَنْدَانِ، وَقَوْلُهُ: إنْ قُطِعَ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا يُقَالُ: لَهُ بَقِيَّةُ غَالِبًا إلَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ وَلَوْ قَالَ: وَبَقِيَّةُ مِعْصَمٍ قُطِعَ بِدُونِ إنْ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ، وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: كَكَفٍّ بِمَنْكِبٍ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قُلْتُ) وَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ. (فَرْعٌ) فَلَوْ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمِرْفَقِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: سَقَطَ يَعْنِي الْفَرْضَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَغْسِلُ أَقْطَعَ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَبَقِيَّةَ الْكَفَّيْنِ إذْ الْقَطْعُ تَحْتَهُمَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: قَالَ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] وَالْكَعْبَانِ اللَّذَانِ إلَيْهِمَا حَدُّ الْوُضُوءِ هُمَا اللَّذَانِ فِي السَّاقَيْنِ، وَلَا يَغْسِلُ ذَلِكَ أَقْطَعَ الْمِرْفَقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمِرْفَقَ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِمَا الْقَطْعُ إلَّا أَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ وَالنَّاسُ أَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْعَضُدَيْنِ فَيَغْسِلُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَبَقِيَّتَهُمَا وَالتَّيَمُّمُ مِثْلُهُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) تَعَقَّبَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَدًّا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ قِصَاصًا فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْجَنَابَةِ بِالْمِرْفَقَيْنِ فَقَدْ يَكُونُ دُونَهُمَا وَأَجَابَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ جَوَابٌ لِمَسْأَلَةٍ مَفْرُوضَةٍ، وَمُرَادُهُ بِالْعَرَبِ الْعَرَبُ الَّذِينَ لَمْ تُغَيَّرْ طِبَاعُهُمْ الْعَجَمِيَّةُ، وَبِالنَّاسِ الْعَارِفُونَ بِكَلَامِ الْعَرَبِ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ يُشِيرُ إلَى تَرَدُّدٍ عِنْدَهُ فِي حَقِيقَةِ الْمِرْفَقِ هَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ طَرَفِ السَّاعِدِ أَوْ عَنْ مَجْمَعِ طَرَفَيْ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ؟ قَالَ: وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ قَطَعَ الْمِرْفَقَ سَقَطَ إجْمَالًا وَإِذَا أُخِذَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ مَا يُسَمَّى مِرْفَقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ سَقَطَ الْوُجُوبُ لِسُقُوطِ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيمَا إذَا فُصِلَ عَظْمُ الذِّرَاعِ عَنْ عَظْمِ الْعَضُدِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الْعَضُدِ أَمْ لَا؟ وَأَصْلُ اخْتِلَافِهِمْ الِاخْتِلَافُ فِي مُنْتَهَى الْمِرْفَقِ، هَلْ هُوَ طَرَفُ عَظْمِ السَّاعِدِ وَقَدْ زَالَ بِالْقَطْعِ فَلَا يُغْسَلُ أَوْ هُوَ مَجْمَعُ الْعَظْمَاتِ وَقَدْ بَقِيَ أَحَدُهُمَا فَيُغْسَلُ؟ فَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ سَابِقٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ وَلِهَذَا قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ: نَقُولُ قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] لَمْ يَذْكُرْ الْمَرَافِقَ إلَّا لِامْتِدَادِ الْغَسْلِ إلَيْهِمَا سَوَاءٌ قُلْنَا إلَى ابْتِدَائِهِمَا أَوْ إلَى اسْتِغْرَاقِهِمَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي دُخُولِهِمَا فِي الْغَسْلِ لَا فِي وُجُوبِ مَزِيدٍ عَلَيْهِمَا. وَالْمَرَافِقُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مُنْتَهَى الذِّرَاعَيْنِ فَإِذَا خَرَجَ الذِّرَاعُ بِنِهَايَتِهِ فَقَدْ خَرَجَ الْمِرْفَقُ قَطْعًا إلَّا أَنْ يَزْهَقَ الْقَاطِعُ فَيَفْصِلُ بَقِيَّةً مِنْ الْمِرْفَقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْعَضُدِ يَعْرِفُ ذَلِكَ النَّاسُ وَتَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلِيَغْسِلْ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ إذَا زَادَ الْمَاءُ عَلَى مِرْفَقَيْهِ فَذَلِكَ لِضَرُورَةِ اسْتِيعَابِ الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا يُمْسِكُ الصَّائِمُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ، فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ الْمِرْفَقَيْنِ فَإِذَا زَالَ الْمِرْفَقَانِ سَقَطَ حُكْمُ تَوَابِعِهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَلَوْ وَقَعَ الْقَطْعُ دُونَ الْمِرْفَقِ فَانْكَشَطَتْ جِلْدَةٌ وَبَقِيَتْ مُعَلَّقَةً فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالذِّرَاعِ أَوْ بِالْمِرْفَقِ وَجَبَ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْعَضُدَ إلَى الْمِرْفَقِ وَبَقِيَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْعَضُدِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا اعْتِبَارًا بِأَصْلِهَا فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ الذِّرَاعِ وَسَيَكُونُ لِلذِّرَاعِ جِلْدَةٌ أُخْرَى،

وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ مِنْ الْعَضُدِ وَبَلَغَتْ إلَى الْمِرْفَقِ أَوْ الذِّرَاعِ وَبَقِيَتْ مُتَدَلِّيَةً فِيهِ وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَ الذِّرَاعِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهَا وَمَوْضِعِ اسْتِمْدَادِ حَيَاتِهَا. قَالَ: وَهَذَا التَّفْرِيعُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَنْهَجِ الصَّوَابِ إلَّا الْفَرْعَ الْأَخِيرِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِرْفَقِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا مِنْ قَبْلُ، وَمَا لَا يَجِبُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَا يَصِيرُ وَاجِبًا انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ سَابِقٍ شَيْئًا مِنْ هَذَا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ وَقَعَ الْقَطْعُ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمِرْفَقِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ذَلِكَ وَلَا مَسْحُهُ خِلَافًا لِابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِظَاهِرِ الْيَدِ وَقَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طُهْرٌ ثَانٍ إلَّا بِوُجُودِ سَبَبِ أَصْلِ الطَّهَارَةِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ فِي كَفِّهِ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْيَدِ وَالْيَدُ تَتَنَاوَلُهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا إحْسَاسٌ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ إنْ وَجَدَ الْأَقْطَعُ مَنْ يُوَضِّئُهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بِأُجْرَةٍ، كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَدَرَ عَلَى لَمْسِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَدَلُّكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَأْتِي بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْوُضُوءِ وَيَسْقُطُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّدَلُّكِ فَإِذَا فَاتَ التَّدَلُّكُ فَلَا غَسْلَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَسْحُ وَجْهِهِ بِالْأَرْضِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّهِ وَاعْتِبَارًا بِمَا تَصِلُ إلَيْهِ الْيَدُ مِنْ الظَّهْرِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ. (قُلْتُ) وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا وَجْهَ لِمُقَابِلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّلْكَ يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهُ كَمَا ذُكِرَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَسْلِ فَرْجِهِ، وَفِي فَصْلِ الْغُسْلِ الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى بَدَنِهِ، وَفِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاع ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْأَقْطَعِ أَيَتَيَمَّمُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ لَهُ: كَيْفَ يَتَيَمَّمُ؟ قَالَ: كَيْفَ يَتَوَضَّأُ؟ قِيلَ: يُوَضِّئُهُ غَيْرُهُ. فَقَالَ: كَمَا يَتَوَضَّأُ كَذَلِكَ يَتَيَمَّمُ التَّيَمُّمُ مِثْلُ الْوُضُوءِ. وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ. (فَرْعٌ) وَمَنْ طَالَتْ أَظَافِرُهُ وَخَرَجَتْ عَنْ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ كَأَهْلِ السِّجْنِ وَغَيْرِهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَصَلَّى فَهَلْ يَخْرُجُ عَلَى مَا طَالَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ عَنْ حَدِّ الْعُضْوِ أَوْ لَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ يُعَدُّ زِيَادَةً فِي الْعُضْوِ بِخِلَافِ الظُّفْرِ فَإِنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْيَدِ، وَلِهَذَا نَجِدُ أَصْلَهُ حَيًّا كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَإِنَّمَا هُوَ لَمَّا طَالَ انْقَطَعَتْ الْحَيَاةُ عَنْهُ فَصَارَ كَأُصْبُعٍ لَحِقَهَا شَلَلٌ أَوْ زَمَانَةٌ؟ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ الطِّرَازِ وَجَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: وَغَسْلُ مَا طَالَ مِنْ الظُّفْرِ كَالْمَسْجُونِ كَمَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِيمَا طَالَ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ جَزَمَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَرَكَهُ وَصَلَّى فَهَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ لَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ؟ . (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَلَوْ سَلَّمْنَا دُخُولَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ وُجُوبُ غَسْلِ مَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا طَالَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلَامُ عَلَى إزَالَةِ وَسَخِ الْأَظْفَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَنَقْضِ غَيْرِهِ. ص (كَكَفٍّ بِمَنْكِبٍ) ش: الْكَفُّ الْيَدُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمَاتِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ خُلِقَتْ لَهُ كَفٌّ فِي مَنْكِبِهِ وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ عَضُدٌ وَلَا سَاعِدٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ تِلْكَ الْكَفِّ وَقَالَهُ فِي السُّلَيْمَانِيَّة وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَنْ نَبَتَتْ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ فَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا مِنْ مِرْفَقِهِ أَوْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْعَضُدِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ

إنْ كَانَتْ قَصِيرَةً لَا تَبْلُغُ مَحَلَّ الْفَرْضِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً بِحَيْثُ تُحَاذِي الذِّرَاعَ فَهَلْ لَا يَجِبُ إذْ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى يَدًا؟ قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِلشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ أَيْضًا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَلَكِنَّهُ رَآهُ عَنْهُ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ فَذَكَرَهُ وَكَلَامُ الطِّرَازِ أَتَمُّ تَحْرِيرًا مِمَّا تَقَدَّمَ. قَالَ: لَوْ كَانَتْ لَهُ كَفٌّ زَائِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فِي ذِرَاعِهِ وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَ يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَّرْنَا يَدًا زَائِدَةً فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَلَوْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْعَضُدِ أَوْ الْمَنْكِبِ فَإِنْ كَانَتْ بِمِرْفَقٍ وَجَبَ غَسْلُهَا إلَى الْمِرْفَقِ لَتَنَاوُلِ الْخِطَابِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمِرْفَقٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْخِطَابِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ أَصَابِعُهَا إلَى حَدِّ الْمِرْفَقِ أَمْ لَمْ تَبْلُغْ، وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَذُكِرَ عَنْهُمْ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ نَبَتَ ذِرَاعٌ فِي الذِّرَاعِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا وَإِنْ نَبَتَ فِي الْعَضُدِ فَلَمْ يَمْتَدَّ إلَى الذِّرَاعِ الْأَصْلِيَّةِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُمَا، وَإِنْ امْتَدَّ إلَى الذِّرَاعِ الْأَصْلِيَّةِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا، وَجَعَلَهَا عَبْدُ الْحَمِيدِ مَسْأَلَةَ نَظَرٍ وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَأَجْحَفَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي اخْتِصَارِهِ فَقَالَ: لَوْ نَبَتَ فِي ذِرَاعٍ أُخْرَى أَوْ فِي الْعَضُدِ وَامْتَدَّتْ إلَى الذِّرَاعِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْجَبَ بَعْضُهُمْ غَسْلَ الثَّانِيَةِ عَبْدُ الْحَمِيدِ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَمْتَدَّ الذِّرَاعُ إلَى الذِّرَاعِ الْأَصْلِيَّةِ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا وَلَوْ كَانَتْ لَهَا مِرْفَقٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَيَشْهَدُ لَهُ الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة. (فَرْعٌ) قَالَ فِي السُّلَيْمَانِيَّة فِي امْرَأَةٍ خُلِقَتْ مِنْ سُرَّتِهَا إلَى أَسْفَلَ خِلْقَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَى فَوْقٍ خِلْقَةَ امْرَأَتَيْنِ: أَنَّهَا تَغْسِلُ مِنْهَا مَحَلَّ الْأَذَى وَتَغْسِل الْوَجْهَيْنِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً وَالْأَيْدِي الْأَرْبَعَ وَتَمْسَحُ الرَّأْسَيْنِ وَتَغْسِلُ الرِّجْلَيْنِ، نَقَلَهُ عَنْهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ، وَقَوْلُهُ: فَرْضًا أَوْ سُنَّةً يَعْنِي تَغْسِلُ الْمَفْرُوضَ وَالْمَسْنُونَ كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ زَادَ فِي السُّلَيْمَانِيَّة قِيلَ لَهُ: أَفَتُوطَأُ هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِلَفْظِ وَيَصِحُّ وَطْؤُهَا بِنِكَاحٍ وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَنْعِ ذَلِكَ لِوَحْدَةِ مُتْعَةِ الْوَطْءِ لِاتِّحَادِ مَحَلِّهِ. (قُلْتُ) وَانْظُرْ لَوْ كَانَ رَجُلًا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيْضًا امْرَأَةً نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ مَحَلِّ الْوَطْءِ أَوْ يُمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ فَوْقُ، وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَا امْرَأَةً وَاحِدَةً فَتَأَمَّلْهُ أَيْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَرَأَيْت فِي تَارِيخِ ابْنِ الْأَثِيرِ فِي حَوَادِثِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ أَنَّ صَبِيَّةً وُلِدَتْ لَهَا رَأْسَانِ وَرَقَبَتَانِ وَوَجْهَانِ وَأَرْبَعُ أَيْدٍ عَلَى بَدَنٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ فِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي آخِرِهَا: رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ بَلْدَةً مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ فَرَأَيْت بِهَا إنْسَانًا مِنْ وَسَطِهِ إلَى أَسْفَلِهِ بَدَنُ امْرَأَةٍ وَمِنْ وَسَطِهِ إلَى فَوْقِهِ بَدَنَانِ مُفْتَرِقَانِ بِأَرْبَعِ أَيْدٍ وَرَأْسَيْنِ وَوَجْهَيْنِ وَهُمَا يَتَقَاتَلَانِ وَيَتَلَاطَمَانِ وَيَصْطَلِحَانِ وَيَأْكُلَانِ وَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ غِبْتُ عَنْهُمَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعْتُ فَقِيلَ أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَكَ فِي أَحَدِ الْجَسَدَيْنِ تُوُفِّيَ وَرُبِطَ مِنْ أَسْفَلِهِ بِحَبْلٍ وَثِيقٍ وَتُرِكَ حَتَّى ذَبُلَ ثُمَّ قُطِعَ، فَعَهْدِي بِالْجَسَدِ الْآخَرِ فِي السُّوقِ جَائِيًا وَذَاهِبًا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي السُّلَيْمَانِيَّة: وَمَنْ خُلِقَ بِلَا يَدَيْنِ وَلَا رِجْلَيْنِ وَلَا دُبُرٍ وَلَا ذَكَرٍ وَيَتَغَوَّطُ وَيَبُولُ مِنْ سُرَّتِهِ يَغْسِلُ مَكَانَ الْقَذَرِ وَيَفْعَلُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِوَجْهِهِ وَرَأْسِهِ خَاصَّةً نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِلَفْظِ: وَمَنْ لَا يَدَ لَهُ وَلَا رِجْلَ وَلَا دُبُرَ وَلَا ذَكَرَ وَفَضْلَتُهُ مِنْ سُرَّتِهِ فَهِيَ كَدُبُرِهِ، وَفَرْضُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ سَاقِطٌ فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: كَدُبُرِهِ أَنَّهُ إذَا مَسَّهَا لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. ص (بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ) ش: كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا بِالْبَاءِ الَّتِي لِلْمُصَاحَبَةِ يَعْنِي أَنَّ الْفَرِيضَةَ الثَّالِثَةَ هِيَ غَسْلُ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ

مَعَ تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ وَكَأَنَّهُ فِي نُسْخَةِ الْبِسَاطِيِّ بِالْوَاوِ فَقَالَ: مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى غَسْلِ وَيُحْتَمَلُ النَّصْبُ عَلَى الْمَعِيَّةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى قَوْلِهِ بِمِرْفَقِيِّهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ هُوَ الْمَشْهُور قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي طَلَبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الطَّلَبِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ نَدْبٌ؟ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَالْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ انْتَهَى. (قُلْتُ) قَوْلُهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي طَلَبِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَبِالِاسْتِحْبَابِ لِابْنِ شَعْبَانَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَالْأَوَّلُ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ التَّدَلُّكِ وَالثَّانِي عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ أَوْ لِأَنَّهَا يَحْتَكُّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ التَّدَلُّكِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَأَمَّا ابْنُ بَشِيرٍ فَحَكَى الْوُجُوبَ وَالسُّقُوطَ وَظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ فَتَكُونُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ إلَى النَّدْبِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا. (قُلْتُ) حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّخْلِيلِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَالَ: وَتَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا أَوْجَبَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ شَعْبَانَ. ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ إنْكَارِهِ لِوُجُوبِهِ لَمَّا أَخْبَرْتُهُ بِحَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَلِّلُهُمَا فِي وُضُوئِهِ» انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْوُجُوبُ وَالِاسْتِحْبَابُ وَالْإِنْكَارُ انْتَهَى. وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَنَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي طَلَبِ التَّخْلِيلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ دَلِيلٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِابْنِ لَهِيعَةَ: ثَالِثُهَا مَا سُمِعَ مِنْهُ قَبْلَ حَرْقِ كُتُبِهِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: فِي رُجُوعِ مَالِكٍ إلَى الْوُجُوبِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَخْلِيلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَرُجُوعِ مَالِكٍ إلَى مَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ لِمَكَانَتِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ قَرَأَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ عَالِمٍ وَمَعَ هَذَا كَانَ يَقُولُ: لَوْلَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَضَلَلْتُ. وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ لِلْوُجُوبِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد بِأَنَّ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فَوَجَبَ دَلْكُهُ، وَاسْتَدَلَّ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ نَقَلَ وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصِّحَاحِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ يَتَخَلَّلُ الْأَصَابِعَ وَهِيَ تَمَاسُّ بَعْضَهَا فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ حَقِيقَةُ الْغَسْلِ وَنَحْوُهُ لِلْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ: لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْيَدِ، وَإِنَّمَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيلِهَا لِيَحْصُلَ اسْتِيعَابُهَا أَوْ ذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ لِاحْتِكَاكِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ؟ . (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بِحَيْثُ يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي خِلَالِ الْيُمْنَى مِنْ ظَاهِرِهَا لَا مِنْ بَاطِنِهَا وَالْيُمْنَى فِي خِلَالِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَلَا يُدْخِلُهَا مِنْ بَاطِنِهَا؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيكٌ وَالتَّشْبِيكُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَا يَتَوَصَّلُ لِمَقْصُودِ دَلْكِ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ مُسْتَوْفًى انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَصِفَةُ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَهَا فِي فَرْجِ بَعْضٍ مِنْ ظَاهِرٍ لَا مِنْ بَاطِنٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ بِخِلَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إنَّمَا تُخَلَّلُ مِنْ أَسْفَلِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ، وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى فِي غَسْلِهَا وَأَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي غَسْلِهَا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُكْرَهُ التَّشْبِيكُ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي التَّعَالِيقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْوُضُوءِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا كُلُّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ جِهَةُ الْأَوْلَى، وَكَيْفَمَا خَلَّلَ أَجْزَاهُ،

وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْجُزُولِيِّ وَيُخَلِّلُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ. (الثَّانِي) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا: ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّحَفُّظَ عَلَى الْبَرَاجِمِ وَهِيَ عُقُودُ الْأَنَامِلِ مِنْ مَحَلِّ اشْتِرَاكِهَا، وَعَلَى الرَّوَاجِبِ وَهِيَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ قَائِلًا: يَجْمَعُهَا ثُمَّ يَحُكُّهَا فِي كَفِّهِ وَالتَّحَفُّظُ عَلَى بَاطِنِ الْكَفِّ أَيْضًا انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَنَحْوُهُ لِلْجُزُولِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَفِي الصِّحَاحِ الْبَرْجَمَةُ بِالضَّمِّ وَاحِدَةُ الْبَرَاجِمِ وَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ الَّتِي بَيْنَ الْأَشَاجِعِ، وَالرَّوَاجِبُ وَهِيَ رُءُوسُ السُّلَامَيَاتِ مِنْ ظَاهِرِ الْكَفِّ إذَا قَبَضَ الْقَابِضُ كَفَّهُ نُشِرَتْ وَارْتَفَعَتْ انْتَهَى. وَقَالَ: الْأَشَاجِعُ أُصُولُ الْأَصَابِعِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِعَصَبِ ظَاهِرِ الْكَفِّ، الْوَاحِدُ شَجَعٌ وَنَاسٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَشْجَعَ مِثْلُ أَصْبَعٍ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَبُو الْغَوْثِ وَقَالَ: وَالرَّاجِبَةُ فِي الْأَصَابِعِ وَاحِدَةُ الرَّوَاجِبِ وَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ الَّتِي تَلِي الْأَنَامِلَ ثُمَّ الْبَرَاجِمَ ثُمَّ الْأَشَاجِعَ اللَّاتِي يَلِينَ الْكَفَّ، وَفِي الْقَامُوسِ الرَّوَاجِبُ وَهِيَ أُصُولُ الْأَصَابِعِ أَوْ بُطُونُ مَفَاصِلِهَا أَوْ هِيَ قَصَبُ الْأَصَابِعِ أَوْ مَفَاصِلُهَا أَوْ ظَاهِرُ السُّلَامَيَاتِ أَوْ مَا بَيْنَ الْبَرَاجِمِ مِنْ السُّلَامَيَاتِ، وَاحِدَتُهَا رَاجِبَةٌ وَرُجْبَةٌ وَفَسَّرَ الْأَشَاجِعَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الصِّحَاحِ وَقَالَ: الْبُرْجُمَةُ بِالضَّمِّ الْمِفْصَلُ الظَّاهِرُ أَوْ الْبَاطِنُ مِنْ الْأَصَابِعِ أَوْ رُءُوسُ السُّلَامَيَاتِ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: السُّلَامَيَاتُ عِظَامُ الْأَصَابِعِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْإِشَارَاتِ وَقَالَ: أَرَى وَاحِدَهَا سُلَامَى بِضَمِّ السِّينِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْجَمْعُ سُلَامَيَاتٌ قَالَ: وَهِيَ الْمَفَاصِلُ وَالْأَعْضَاءُ وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْبَرَاجِمُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمَّهَا وَهِيَ الْعُقَدُ الْمُشَنَّجَةُ الْجِلْدِ فِي ظُهُورِ الْأَصَابِعِ وَهِيَ مَفَاصِلُهَا فِي وَسَطِهَا بَيْنَ الرَّوَاجِبِ وَالْأَشَاجِعِ، وَالرَّوَاجِبُ هِيَ الْمَفَاصِلُ الَّتِي تَلِي رُءُوسَ الْأَصَابِعِ، وَالْأَشَاجِعُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْمَفَاصِلُ الَّتِي تَلِي ظَهْرَ الْكَفِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الرَّوَاجِبُ وَالْبَرَاجِمُ جَمِيعًا هِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَآخَرُونَ: وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْبَرَاجِمِ وَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَسَّرَ الرَّوَاجِبَ بِأَنَّهَا رُءُوسُ الْأَصَابِعِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَنْبَغِي فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَنْ يَخْتِمَ الْمُتَطَهِّرُ أَبَدًا بِالْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ مُرَاعَاةً لِظَاهِرِ الْغَايَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، لَكِنَّ الْأَدَبَ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِغَسْلِ أَوَّلِهَا. ص (لَا إجَالَةِ خَاتَمِهِ) ش: بِالْجَرِّ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ أَيْ الْفَرِيضَةُ الثَّانِيَةُ غَسْلُ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ مَعَ تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ لَا مَعَ إجَالَةِ خَاتَمِهِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ إجَالَةَ الْخَاتَمِ أَيْ تَحْرِيكَهُ لَا تَجِبُ فِي الْوُضُوءِ يُرِيدُ وَلَا فِي الْغُسْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ضَيِّقًا أَوْ وَاسِعًا وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَدْ عَضَّ فِي أُصْبُعِهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ خَاتَمِهِ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا فِي الْغُسْلِ وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. قَالَ: لَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُحَرِّكَ خَاتَمَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِأَبِي زَيْدٍ فِي الَّذِي يَكُونُ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ قَدْ عَضَّ وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَلِسًا فَالْمَاءُ يَصِلُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَيَغْسِلُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَضَّ بِأُصْبُعِهِ صَارَ كَالْجَبِيرَةِ لِمَا أَبَاحَ الشَّارِعُ لَهُ مِنْ لِبَاسِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِيمَنْ لَصِقَ بِذِرَاعِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَجِينِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: كَلَامُ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ تَعْلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَاتَمَ لَمَّا كَانَ لِبَاسُهُ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ كَالْخُفِّ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَاءَ لِرِقَّتِهِ يَصِلُ إلَى مَا تَحْتَهُ. قَالَ

ابْنُ فَرْحُونٍ: وَالتَّعْلِيلَانِ ضَعِيفَانِ (أَمَّا الثَّانِي) فَلِأَنَّ الْإِجَالَةَ مَطْلُوبَةٌ لِتَحْصِيلِ الدَّلْكِ لَا لِوُصُولِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَسْحٌ وَالْأَصْلُ الْغَسْلُ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُفِّ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا يُقَاسَ عَلَيْهَا، وَعَلَى صِحَّتِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْبَسَهُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِكَوْنِ لُبْسِهِ مَطْلُوبًا وَلِيَسَارَةِ مَحَلِّهِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْوِيَةٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَكَذَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ تَجِبُ إجَالَتُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ تَعْمِيمَ الْيَدِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِبَاحَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ وَقِيلَ: تَجِبُ إجَالَةُ الضَّيِّقِ دُونَ الْوَاسِعِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْزِعُهُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ يَحْتَمِلُ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ إنْ أَرَادَ النَّدْبَ فَلَهُ وَجْهٌ لِتَيَقُّنِ حُصُولِ الدَّلْكِ وَإِنْ أَرَادَ الْوُجُوبَ فَلَا مَعْنَى لَهُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ مُحْتَمِلُ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ يُرَدُّ بِأَنَّ لَفْظَ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَهُ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَلِهَذَا قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَجَعَلَ الْقَابِسِيُّ الثَّالِثَ تَفْسِيرًا انْتَهَى. وَأَكْثَرُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْجُزُولِيِّ قَوْلًا بِعَكْسِ الثَّالِثِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ ضَيِّقًا لَا تَجِبُ إجَالَتُهُ، وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا وَجَبَتْ إجَالَتُهُ وَهُوَ غَرِيبٌ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَيْهِ وَكَانَ ضَيِّقًا فَيَنْبَغِي إذَا نَزَعَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ أَنْ يَغْسِلَ مَحَلَّهُ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ لَمْ يُجْزِهِ كَالْجَبِيرَةِ، إلَّا إنْ كَانَ يَتَيَقَّنُ إيصَالَ الْمَاءِ وَإِصَابَتَهُ لِمَا تَحْتَهُ انْتَهَى. وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَإِذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَيْهِ وَكَانَ ضَيِّقًا فَنَزَعَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَوْضِعَهُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْمَاءِ لِمَا تَحْتَهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْجَبِيرَةِ وَعَبَّرَ عَنْ غَسْلِ الْخَاتَمِ بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَرْضُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ صَارَ كَالْجَبِيرَةِ الَّتِي حُكْمُهَا الْمَسْحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الطِّرَازِ هَذَا حُكْمُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ وَلَا يُعْفَى عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهُ وَدَلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ حَتَّى قَالَ سَحْنُونٌ: يُعِيدُ لَابِسُهُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَبِلُوهُ وَنَحْوُهُ مَا حَكَى ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ شَيْخِهِ الشَّبِيبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ الْإِجَالَةِ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا وَيُخَصَّصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِلُبْسِهِ الْمَعْصِيَةَ فَإِنْ قَصَدَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إجَالَتِهِ وَنَزْعِهِ. قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْعَاصِيَ لَا يَتَرَخَّصُ بِالْقَصْرِ وَالْفِطْر، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ هُنَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يَقُولُ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِلِبَاسِهِ الْمَعْصِيَةَ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى النَّزْعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ لَا أَعْرِفُهُ، وَأُصُولُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ عُمُومًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ الْعَاصِيَ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَهَلْ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَكِنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّبِيبِيُّ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ: " لَا بُدَّ مِنْ إجَالَتِهِ أَوْ نَزْعِهِ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِأَوْ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ وَيَأْتِي الْكَلَامُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى بِخَاتَمِ الذَّهَبِ فِي فَصْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَاتَمَ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ لَا يَنْتَهِي إلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ كَمَا فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِنَزْعِهِ ابْتِدَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَرَاهَةِ لُبْسِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَنَقْصِ غَيْرِهِ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ هَذِهِ

اللَّفْظَةُ مِمَّا تَحَيَّرَ الشُّرَّاحُ فِي ضَبْطِهَا وَمَعْنَاهَا وَعَلَى أَيْ شَيْءٍ مَعْطُوفَةٍ فَمِنْ قَائِلٍ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ مِنْ النُّقْصَانِ، وَيَجْعَلُهُ مَصْدَرًا مُضَافًا لِغَيْرِ مَعْطُوفًا عَلَى مِعْصَمٍ أَيْ يَجِبُ غَسْلُ بَقِيَّةِ مِعْصَمٍ وَبَقِيَّةِ نَقْصِ غَيْرِهِ قَالَ: وَأَرَادَ بِهِ مَسْأَلَةَ السُّلَيْمَانِيَّة يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَةَ فِيمَنْ خُلِقَ بِلَا يَدَيْنِ وَلَا رِجْلَيْنِ وَلَا ذَكَرٍ وَلَا دُبُرٍ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: قَالَ هَذَا الْقَائِلُ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ قَوْلُهُ فِي التَّهْذِيبِ: وَيَغْسِلُ أَقْطَعَ الرِّجْلَيْنِ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَبَقِيَّةَ الْكَعْبَيْنِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَقُولُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِي دُخُولِ مَسْأَلَةِ السُّلَيْمَانِيَّة تَحْتَ كَلَامِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى إجَالَةٍ أَيْ وَلَا غَسْلِ عُضْوٍ مَنْقُوصٍ غَيْرِ الْمِعْصَمِ. وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عُضْوِ الْمَحْذُوفِ انْتَهَى. أَكْثَرُهُ بِالْمَعْنَى، وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَضْبُوطًا بِالضَّبْطِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِغَيْرِ وَأَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمِعْصَمِ لَكِنَّهُ جَعَلَ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى بَقِيَّةٍ أَيْ يَجِبُ غَسْلُ بَقِيَّةِ الْمِعْصَمِ وَغَسْلُ نَقْصِ غَيْرِهِ أَيْ بَقِيَّتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَسَطِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ مُبْتَدَأً أَوْ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ نَقْصُ غَيْرِ الْمِعْصَمِ كَذَلِكَ أَيْ كَنَقْصِ الْمِعْصَمِ يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا إذَا خُلِقَ نَاقِصَ الْمِعْصَمِ وَخُلِقَتْ كَفُّهُ بِمَنْكِبِهِ سَقَطَ غَسْلُ الْمِعْصَمِ. كَذَلِكَ إذَا خُلِقَ نَاقِصَ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ غَيْرَ الْمِعْصَمِ سَقَطَ غَسْلُ ذَلِكَ الْعُضْوِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ السُّلَيْمَانِيَّة. ذَكَرَ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الْكَبِيرِ لَكِنْ بِعِبَارَةٍ مُخْتَصَرَةٍ قَدْ يَعْسُرُ فَهْمُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي مِنْهُمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمُ فِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ ثُمَّ قَالَ الْبِسَاطِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَقَالَ آخَرُ: هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ لُصِقَ بِذِرَاعِهِ قَدْرُ الْخَيْطِ مِنْ الْعَجِينِ لَا يَصِلُ الْمَاءُ لِمَا تَحْتَهُ فَصَلَّى بِذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى إجَالَةٍ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ ابْنِ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى بَقِيَّةٍ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَقُولُ مَا مَعْنَى النَّقْضِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْإِزَالَةُ فَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا تَكَلَّمَا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَكَلَامُهُ الْآن فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَوَضِّئُ وَعِنْدِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى إجَالَةٍ وَأَنَّهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مُضَافًا إلَى غَيْرِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى هَكَذَا وَلَا تَجِبُ إجَالَةُ الْخَاتَمِ وَلَا نَقْضُ غَيْرِهِ أَيْ إزَالَتُهُ مِمَّا يُشْبِهُ كَالْحِلَقِ الَّتِي تَلْبَسُهَا الرُّمَاةُ بَلْ يَكْفِي إجَالَتُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَنُقِضَ غَيْرُهُ أَيْ نُزِعَ وَلَكِنِّي لَمْ أَرَ ذَلِكَ مَنْقُولًا وَلَا يَبْعُدُ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ انْتَهَى. وَفِي عِبَارَتِهِ مُسَامَحَةٌ حَيْثُ جَزَمَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ عِنْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى إجَالَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي مِنْهُمَا لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْعَطْفِ وَإِنَّمَا تَكُونُ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ. (قُلْتُ) وَتَحَصَّلَ لِي فِي ذَلِكَ مِمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الشُّرَّاحِ احْتِمَالَاتٌ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ " نَقْصِ " إنْ كَانَ بِسُكُونِ الْقَافِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا مَعْطُوفًا عَلَى بَقِيَّةِ أَيْ يَجِبُ غَسْلُ بَقِيَّةِ مِعْصَمٍ وَيَجِبُ غَسْلُ نَقْصِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَيْ بَقِيَّتِهِ. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى كَفٍّ بِمَنْكِبٍ وَهُوَ كَالْأَوَّلِ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ وَنَقْصُ غَيْرِ الْمِعْصَمِ كَذَلِكَ أَيْ كَنَقْصِ الْمِعْصَمِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَمَا قَبْلَهُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى إجَالَةِ أَيْ لَا تَجِبُ إجَالَةُ الْخَاتَمِ وَلَا غَسْلُ عُضْوٍ مَنْقُوصٍ غَيْرَ الْمِعْصَمِ يَعْنِي أَنَّ الْعُضْوَ إذَا نَقَصَ مِنْ الشَّخْصِ سَقَطَ عَنْهُ غَسْلُهُ، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ عَائِدٌ عَلَى الْمِعْصَمِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ يَدُورُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي شُرُوحِهِ أَيْ وَنَقْصُ غَيْرِ الْمِعْصَمِ كَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ بَقِيَّةَ غَيْرِ الْمِعْصَمِ كَبَقِيَّةِ الْمِعْصَمِ وَأَنْ

يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ إذَا نَقَصَ مِنْ الشَّخْصِ عُضْوٌ غَيْرُ الْمِعْصَمِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ غَسْلُهُ كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ الْمِعْصَمِ إذَا لَمْ يُخْلَقْ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَطْفِ عَلَى إجَالَةٍ، وَإِنَّمَا حَكَاهُ الْبِسَاطِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَاسْتَبْعَدَهُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ نَقْضٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا، فَإِنْ جُعِلَ اسْمًا فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى بَقِيَّةٍ أَيْ يَجِبُ نَقْضُ غَيْرِ الْخَاتَمِ مِنْ عَجِينٍ وَشَمْعٍ وَغَيْرِهِ. (الثَّانِي) : أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى إجَالَةِ أَيْ لَا يَجِبُ نَقْضُ غَيْرِ الْخَاتَمِ أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ وَيُشِيرُ إلَى مَسْأَلَةِ مَنْ لُصِقَ بِذِرَاعِهِ أَوْ ظُفْرِهِ قَدْرُ الْخَيْطِ مِنْ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ وَصَلَّى، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى بَقِيَّةٍ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى إجَالَةٍ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ ابْنِ دِينَارٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْبِسَاطِيُّ عَنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ. (قُلْتُ) وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُعِلَ مَعْطُوفًا عَلَى بَقِيَّةٍ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى: وَيَجِبُ غَسْلُ بَقِيَّةِ مِعْصَمٍ وَغَسْلُ نَقْضِ غَيْرِهِ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ وَإِذَا جُعِلَ مَعْطُوفًا عَلَى إجَالَةٍ يَصِيرُ الْمَعْنَى لَا تَجِبُ إجَالَةُ الْخَاتَمِ وَلَا نَقْصُ غَيْرِهِ أَيْ نَقْضُ غَيْرِ الْخَاتَمِ مِنْ الْحَائِلَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ إزَالَتُهُ ابْتِدَاءً وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَائِلُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا، وَقَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْيَسِيرِ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَائِدٌ إلَى الْخَاتَمِ وَغَيْرُ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ السِّتَّةِ مَجْرُورَةٌ بِالْإِضَافَةِ. وَإِنْ جَعَلْنَا اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِعْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَوْ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْفَاعِلُ ضَمِيرًا يَعُودُ إلَى الْمُتَوَضِّئِ وَغَيْرُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي فَغَيْرُ مَرْفُوعَةٌ عَلَى النِّيَابَةِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَائِدٌ إلَى الْخَاتَمِ أَيْضًا كَالْوَجْهَيْنِ قَبْلَهُ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ غَازِيٍّ وَقَالَ: هَذَا أَمْثَلُ مَا يُضْبَطُ بِهِ وَأَبْعَدُهُ مِنْ التَّكَلُّفِ وَالضَّمِيرُ فِي غَيْرِهِ لِلْخَاتَمِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ إذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ أَيْ وَنَزْعُ غَيْرِ الْخَاتَمِ مِنْ كُلِّ حَائِلٍ فِي يَدٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا يَجْعَلهُ الرُّمَاةُ وَغَيْرُهُمْ فِي أَصَابِعِهِمْ مِنْ عَظْمٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا يُزَيِّنُ بِهِ النِّسَاءُ وُجُوهَهُنَّ وَأَصَابِعَهُنَّ مِنْ النَّقْطِ الَّذِي لَهُ جَسَدٌ وَمَا يُكَثِّرْنَ بِهِ شُعُورَهُنَّ مِنْ الْخُيُوطِ وَمَا يَكُونُ فِي شَعْرِ الْمَرْأَةِ مِنْ حِنَّاءَ أَوْ حَنْتِيتٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَهُ تَجَسُّدٌ أَوْ مَا يُلْصَقُ بِالظُّفْرِ أَوْ بِالذِّرَاعِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ عَجِينٍ أَوْ زِفْتٍ أَوْ شَمْعٍ أَوْ نَحْوِهَا وَكَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُعَيَّنَةً فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الضَّبْطِ وَإِرَادَةِ هَذَا الْعُمُومِ أَوْ بَعْضِهِ وَلَا سِيَّمَا الْحِنَّاءُ فَإِنَّهُ سَكَتَ عَنْ تَعْيِينِهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَشَاهِيرِ الْكُتُبِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا لَا يُسْكَتُ عَنْهُ غَالِبًا إلَّا إذَا أَدْرَجَهُ فِي عُمُومٍ. (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا تَحَدَّثَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْخَاتَمِ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَقَدْ لُصِقَ بِظُفْرِهِ أَوْ بِذِرَاعِهِ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنْ الْعَجِينِ أَوْ الْقِيرِ أَوْ الزِّفْتِ قَوْلَيْنِ وَقَالَ: الْأَظْهَرُ مِنْهُمَا تَخْفِيفُ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو زَيْدِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلِ أَشْهَبَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ. . (قُلْتُ) لَا خَفَاءَ أَنَّ هَذَا فِي الْيَسِيرِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ، وَكَوْنُ ابْنِ رُشْدٍ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْخَاتَمِ مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ لَفْظَ الْمُؤَلِّفِ انْتَهَى. (قُلْتُ) لَا خَفَاءَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُخَالِفًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَا اسْتَظْهَرَهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ

قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ: أَمَّا حُكْمُ اللُّمْعَةِ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْإِيعَابِ وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَ لُمْعَةً مِنْ مَفْرُوضَاتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ لَصِقَ بِذِرَاعَيْهِ قَدْرُ الْخَيْطِ مِنْ الْعَجِينِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ فَيُصَلِّي بِذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وَهَذَا لَمْ يَغْسِلْ وَجْهَهُ وَإِنَّمَا غَسَلَ وَجْهَهُ إلَّا لُمْعَةً وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» وَقَوْلُهُ لِمَنْ تَرَكَ قَدْرَ ظُفْرٍ عَلَى رِجْلِهِ «أَعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ اسْمَ الْغَسْلِ يَثْبُتُ بِدُونِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ مِنْ الرَّأْسِ فِي مَسْحِهِ هَذَا الْقَدْرُ لَأَجْزَاهُ، فَكَذَلِكَ الْوَجْهُ فَإِنَّ الْكُلَّ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَاغْتِفَارُ ذَلِكَ الْقَدْرِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَالْخَاتَمِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي تَرْكِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا كَانَتْ لُمْعَةً يَسِيرَةً كَالْخَيْطِ الرَّقِيقِ مِنْ الْعَجِينِ وَالْمَشْهُورُ اغْتِفَارُهُ ذَكَرَهُ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ بِهِ وَصَرَّحَ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَقْضِ غَيْرِهِ مَا يَجْعَلُهُ الرُّمَاةُ وَغَيْرُهُمْ فِي أَصَابِعِهِمْ مِنْ عَظْمٍ وَنَحْوِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - إذَا كَانَ ذَلِكَ ضَيِّقًا يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَاسِعًا يَدْخُلُ الْمَاءُ تَحْتَهُ فَتَكْفِي إجَالَتُهُ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ فَإِنَّهُ إنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا هُوَ حَائِلٌ فَقَالَ: أَيْ وَنَقْضِ غَيْرِ الْخَاتَمِ مِنْ كُلِّ حَائِلٍ فِي يَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبُرْزُلِيِّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ السُّيُورِيِّ يُزَالُ الْقَذْيَ مِنْ أَشْفَارِ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَشُقَّ جِدًّا، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: فَإِنْ صَلَّى بِهِ وَكَانَ يَسِيرًا مِثْلَ خَيْطِ الْعَجِينِ وَالْمِدَادُ فِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ فِيهِ الْإِعَادَةُ وَأَحْفَظُ لِابْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ انْتَهَى. (فَرْعٌ) نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَنْ صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ فِي عَيْنِهِ عَمَشًا أَنَّهُ قَالَ: صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ دَلَكَ عَيْنَيْهِ بِيَدَيْهِ فِي وُضُوئِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا صَارَتْ بَعْدَ الصَّلَاةِ انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْقَذَى، بَلْ كُلُّ حَائِلٍ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ طَرَأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ طَرَأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَهَذَا جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعِيدُ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا، وَالْقَذَى مَقْصُورٌ وَأَشْفَارُ الْعَيْنِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا أَثَرُ الْحِنَّاءِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ بِلُمْعَةٍ قَالَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ تُخَضِّبُ يَدَيْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ مِمَّا كَانَ النِّسَاءُ يَتَحَرَّيْنَهُ لِئَلَّا يَنْقُضَ خِضَابُهُنَّ الطُّهُورَ لِلصَّلَاةِ. ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ وَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّ صَبْغَ الْخِضَابِ الَّذِي يَحْصُلُ فِي يَدَيْهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ عَنْهَا بِالْغُسْلِ إذَا اغْتَسَلَتْ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْحِنَّاءَ لَيْسَتْ بِلُمْعَةٍ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا أَثَرُ النَّشَادِرِ فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ: كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنَّاءِ وَلَا يَعُدُّهُ لُمْعَةً وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يَعُدُّهُ لُمْعَةً وَيَنْقُلُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَائِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عِنْدَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ، فَعَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْخِضَابُ بِهِ وَكَذَا عِنْدَهُ الْحُرْقُوصُ الَّذِي لَا يُزَالُ بِالْمَاءِ بَلْ بِالتَّقْشِيرِ. قَالَ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَزُولُ بِالْمَاءِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُهُ كَالْحُرْقُوصِ الْمُسَمَّى بِالْغُبَارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) الظَّاهِرُ فِي النَّشَادِر مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَخُرُوجُ أَثَرِهِ عِنْدَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ حَائِلًا؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ أَيْضًا كَذَلِكَ يَخْرُجُ أَثَرُهُ عَنْ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَعُدُّوهُ حَائِلًا، وَأَمَّا الْحُرْقُوصُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَفْصُ وَالْغَالِبُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا عُمِلَ

فِي الْجِسْمِ يَكُونُ حَائِلًا إلَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا جِدًّا كَاَلَّذِي يَعْمَلُهُ النِّسَاءُ فِي أَظْفَارِهِنَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْقَى أَثَرُهُ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى رِقَّةِ الْعَفْصِ وَثُخْنِهِ وَتَجَسُّدِهِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ التُّونُسِيِّينَ فِي النَّشَادِرِ فَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِلُمْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَقِيلَ: لُمْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَشَّرُ وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّائِلَ قِشْرَةُ الْيَدِ لِحَرَارَةِ مَائِهَا وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ الْقَيْرَوَانِيُّ بِأَنَّ الْحُرْقُوصَ لُمْعَةٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ السِّوَاكُ مِمَّا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الشَّفَتَيْنِ انْتَهَى. وَيَعْنِي بِالسِّوَاكِ الْجَوْزَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمِدَادُ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَائِلِ وَنَصُّهُ أَثَرُ كَلَامِهِ السَّابِقِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَا مِنْ مِثْلِهِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَيَنْتَقِلُ الْفَرْضُ لِلْجِسْمِ الْحَائِلِ كَمَا فِي الظُّفْرِ يُكْسَى مَرَارَةً مِنْ ضَرُورَةٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَعَلَى يَدَيْهِ مِدَادٌ فَرَآهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ: إنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ إذَا أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى الْمِدَادِ، ثُمَّ قَالَ: إذَا كَانَ الَّذِي كَتَبَ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْكَاتِبَ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْكَاتِبِ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الْمِدَادِ وَاضِحٌ فِي إعْطَاءِ الْمِدَادِ حُكْمَ مَا تَحْتَهُ، فَإِنْ قِيلَ: الْمِدَادُ غَيْرُ حَائِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ مَا يَصْبُغُ كَالْحِنَّاءِ قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحِنَّاءَ تُزَالُ وَيَبْقَى أَثَرُهَا بِخِلَافِ الْمِدَادِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ حَائِلٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ هُوَ الْكَاتِبَ مَعْنًى انْتَهَى. بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ قَبْلَ فَصْلِ التَّيَمُّمِ بِيَسِيرٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: وَمَنْ تَوَضَّأَ عَلَى مِدَادٍ بِيَدِهِ لَمْ يَضُرَّهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى مِدَادِ يَدَيْهِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى مِدَادٍ بِيَدِهِ أَجْزَأَهُ وَعَزَاهُ الطِّرَازُ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَقَيَّدَهُ بِالْكَاتِبِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِرِقَّتِهِ وَعَدَمِ تَجَسُّدِهِ إذْ هُوَ مِدَادُ مَنْ مَضَى انْتَهَى. (قُلْتُ) قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ بِالْكَاتِبِ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ أَنَّ الْمُقَيِّدَ لَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَمُحَمَّدٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فَإِنَّ لَفْظَهُ: ثُمَّ قَالَ: إذَا كَانَ الَّذِي كُتِبَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِنْ الرِّوَايَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَقْيِيدَ بَعْضِ شُيُوخِ ابْنِ عَرَفَةَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَتَأَمَّلْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ إنَّ الْكَاتِبَ قَيَّدَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا إلَخْ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ غَازِيٍّ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ السُّيُورِيّ هَلْ يَلْزَمُ زَوَالُ وَسَخِ الْأَظْفَارِ فِي الْوُضُوءِ؟ فَأَجَابَ لَا تُعَلِّقْ قَلْبَكَ بِهَذَا إنْ أَطَعْتَنِي وَاتْرُكْ الْوَسْوَاسَ وَاسْلُكْ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ الصَّالِحِ تَسْلَمْ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: أَرَادَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ تَرْكُ هَذَا التَّعَمُّقِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْعَجِينِ وَالْمِدَادِ فِي الظُّفْرِ الَّذِي فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا حُكْمُ دَاخِلِ الْجِسْمِ وَلِتَكَثُّرِهِ فِي الْإِنْسَانِ فَأَشْبَهَ مَا عُفِيَ عَنْهُ مِنْ جِلْدِ الْبَثْرَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَخْلُو الْجِسْمُ مِنْهُ غَالِبًا وَإِنْ كَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ حَكَى فِيهِ الْخِلَافَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ الشَّرِيعَةِ التَّسَامُحُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ ذَا وَسْوَسَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَخْلِيلِ قَصِّ الْأَظْفَارِ إذْ قَدْ يَحْصُلُ تَحْتَهَا مَا يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، وَهَذَا فِيمَا لَمْ يَطُلْ مِنْهَا طُولًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَتَخْلِيلُ أَصَابِعِ يَدَيْهِ وَمَا يَكُونُ تَحْتَ رُءُوسِ الْأَظْفَارِ مِنْ الْوَسَخِ مَانِعٌ إذَا طَالَتْ انْتَهَى. يُرِيدُ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ وَبِهَذَا أَيْضًا يُقَيَّدُ إطْلَاقُ الْبُرْزُلِيِّ وَمَا فِي نَظْمِ قَوَاعِدِ ابْنِ رُشْدٍ أَعْنِي قَوْلَهُ

وَوَسَخُ الْأَظْفَارِ إنْ تَرَكْتَهُ ... فَمَا عَلَيْكَ حَرَجٌ أَوْ زِلْتَهُ. (فَرْعٌ) قَدْ يَتَرَبَّى عَلَى الشَّعْرِ الَّذِي فِي الْإِبْطِ وَفِي رَأْسِ الْفَخْذَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الْوَسَخِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ، وَيَلْتَصِقُ بِالشَّعْرِ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْحَكِّ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ وَيَشُقُّ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ إذَا لَمْ يُتْرَكْ الشَّعْرُ مُدَّةً طَوِيلَةً تَزِيدُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ وَفِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا مَا يُجْعَلُ فِي الرَّأْسِ مِنْ حِنَّاءَ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَا يَكْثُرُ بِهِ الشَّعْرُ مِنْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ، وَكَذَا الْكَلَامُ عَلَى التَّلْبِيدِ وَقَدْ أَطَلْتُ الْكَلَامُ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ) ش: هَذِهِ الْفَرِيضَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْفَرَائِضِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَهِيَ مَسْحُ الرَّأْسِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ فَإِنْ تُرِكَ بَعْضُهُ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يُجْزِئُ الثُّلُثَانِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الثُّلُثُ وَقَالَ أَشْهَبُ: تُجْزِئُ النَّاصِيَةُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَعُمَّ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ إذَا أَوْعَبَ رَأْسَهُ. ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ بَعْضَهُ وَإِنْ قَلَّ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ وَيَصِحُّ فِي عَلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّف: مَا عَلَى الْجُمْجُمَةَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ الْعُلُوِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص: 4] وَعَلَى هَذَا فَالْجُمْجُمَةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا أَنْ تَكُونَ اسْمًا لِعَدَمِ دُخُولِ مِنْ عَلَيْهَا وَأَنْ تَكُونَ حَرْفَ جَرٍّ وَالْجُمْجُمَةُ مَجْرُورَةً بِهَا، وَالْجُمْجُمَةُ هِيَ عَظْمُ الرَّأْسِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الدِّمَاغِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ فَائِدَتَيْنِ الْأُولَى: أَنَّ الْفَرْضَ مَسْحُ مَا كَانَ فَوْقَ الْجُمْجُمَةِ مِنْ الشَّعْرِ إنْ كَانَ ثَمَّ شَعْرٌ أَوْ الْجِلْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَعْرٌ، فَالشَّعْرُ هُوَ الْأَصْلُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِخِلَافِ غَسْلِ الْوَجْهِ فَإِنَّهُ فِيهِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] إنْ رَاعَيْنَا الِاشْتِقَاقَ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا عَلَا فَيَتَنَاوَلُ اللَّفْظُ الشَّعْرَ لِعُلُوِّهِ وَالْبَشَرَةَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِعُلُوِّهِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّعٍ وَلَا رُخْصَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الرَّأْسَ هُوَ الْعُضْوُ فَثَمَّ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ امْسَحُوا شَعْرَ رُءُوسِكُمْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَسْحُ الْبَشَرَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ فَيَكُونُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ الشَّعْرِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَكُونُ الشَّعْرُ أَصْلًا فِي الرَّأْسِ فَرْعًا فِي اللِّحْيَةِ وَالْأَصْلُ الْوَجْهُ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مُنْتَهَى الرَّأْسِ آخِرُ الْجُمْجُمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ سَنَدٌ: وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ حَيْثُ يَتَّصِلُ عَظْمُ الرَّأْسِ بِفَقَارِ الْعُنُقِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: إلَى آخِرِ مَنْبَتِ الشَّعْرِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُبَايِنٌ لِلرَّأْسِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُوضِحَةٌ كَمَا فِي الرَّأْسِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَمَبْدَؤُهُ مِنْ مَبْدَأ الْوَجْهِ وَآخِرُهُ مَا تَحُوزُهُ الْجُمْجُمَةُ وَقِيلَ: مَنَابِتُ شَعْرِ الْقَفَا الْمُعْتَادِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِهِ كَابْنِ هَارُونَ وَابْنِ رَاشِدٍ وَالْأَبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَعَزَوْا الشَّاذَّ لِابْنِ شَعْبَانَ، وَنَحْوُهُ لِلْقَرَافِيِّ وَالْفَاكِهَانِيِّ وَابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَعَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي صِفَةِ الْمَسْح: يَبْدَأُ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ. فَفَهِمَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ كَقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ فَقَالَ فِي حَدِّ الرَّأْسِ: وَهُوَ مِنْ مُلَاصِقِ الْوَجْهِ، وَآخِرُهُ فِيهَا، وَفِي سَمَاعِ مُوسَى رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ حَتَّى آخِرَ شَعْرِ الْقَفَا وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ شَعْبَانَ وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ حَتَّى آخِرَ الْجُمْجُمَةِ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي سَمَاعِ مُوسَى قَالَ مَالِكٌ: يَمْسَحُ رَأْسَهُ فَيَمُرُّ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى قَفَاهُ. (قُلْتُ) وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا الرَّأْسُ فَهُوَ مَا صَعِدَ عَنْ الْجَبْهَةِ إلَى آخِرِ الْقَفَا طُولًا وَإِلَى الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا، وَكَذَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ لَكِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ كُلَّهُمْ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ

صَاحِب الطِّرَازِ وَيُمْكِنُ رَدُّ ذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إلَى آخِرِ شَعْرِ رَأْسِهِ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ. (الثَّانِيَةُ) الْقَفَا مَقْصُورٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَقْفِيَةٌ وَقُفِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَفِيهِ لُغَاتٌ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْجَمِيعِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَحْكِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الْخِلَافَ ابْتِدَاءً فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ أَرَهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ عَرَفَةَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ قَالَ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ إثْرَ ذِكْرِهِ الْأَقْوَالَ. هَذَا الْقَدْرُ الْوَاجِبُ وَالْكَمَالُ فِي الْإِكْمَالِ اتِّفَاقًا وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً وَهُوَ ظَاهِرُ عَزْوِ ابْنِ رُشْدٍ لِأَشْهَبَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ أَشْهَبَ مَنْ تَرَكَ غَيْرَ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وُضُوءُهُ جَائِزٌ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُتَعَلِّقُ الْإِجْزَاءِ ظَاهِرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَقْوَالٍ وَمَذَاهِبَ لَا فِي مُرَاعَاةِ خِلَافٍ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ شَيْءٍ قَبْلَ فِعْلِهِ وَسُقُوطِهِ بِتَرْكِهِ لَا عَلَى مَعْنَى رَعْيِ الْخِلَاف لَا يُعْقَلُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِانْقِلَابِ الْوَاجِبِ غَيْرَ وَاجِبٍ وَقَوْلُهُ: مُتَعَلِّقُ الْإِجْزَاءِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ عَزْوِ ابْنِ رُشْدٍ لِأَشْهَبَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى إجَازَةِ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَبُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ سَنَدٌ: وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّ مَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَعُمَّهُ؟ فَقَالَ: يُعِيدُ أَرَأَيْت إنْ غَسَلَ بَعْضَ وَجْهِهِ وَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرٌ بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الْوَجْهِ فَكَمَا لَمْ يَقَعْ الِامْتِثَالُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ بِالِاسْتِيعَابِ كَذَلِكَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَاعْتِبَارًا بِمَسْحِ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَفْعَالُ الْقُرَبِ تُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَأَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ لَمَا مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ لِلضَّرُورَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَأَكْثَرُهُ يُجْزِئُ عَنْ أَقَلِّهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ الثَّانِي: اُنْظُرْ هَلْ يَذْهَبُ بِهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فِي قَوْلٍ أَوْ بَعْضِ شَعْرَةٍ فِي قَوْلٍ؟ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ رَأْسَهُ ظَاهِرُ هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جُزْءٍ مُعْتَبَرٍ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ إنْ لَمْ يَعُمَّ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ بِإِجْزَاءِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَعُمَّ عُرْفًا أُخِذَ جُزْءٌ جَيِّدٌ مِنْهُ. (قُلْتُ) وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاع أَشْهَبَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى إجَازَةِ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَشْهَبُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَذَهَبَ أَشْهَبُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَبَعًا لِابْنِ هَارُونَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ قَوْلُهُ الْمُطْلَقُ إلَى قَوْلِهِ الْمُقَيَّدِ، زَادَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَفْظُهُ قَوِيٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ لِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَعُمَّ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُقَيَّدِ بِالنَّاصِيَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّمَا شَرَّكَ بَيْنَهُمْ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ الْمُجْزِئِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكُلُّ

هَذَا الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ إذَا وَقَعَ الْمَسْحُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَكْفِي بَعْضُهُ اتِّفَاقًا، وَضَعَّفَهُ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُدَاءَةِ بِالْمُقَدَّمِ أَوْ بِغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَيُرَدُّ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَطِيَّةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى النَّصِّ بِذَلِكَ فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَرْضٍ اتِّفَاقًا إنَّمَا هِيَ حَيْثُ التَّعْمِيمِ، أَمَّا حَيْثُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا انْتَهَى. (قُلْتُ) وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ غَرِيبٌ وَمَا قَالَهُ الشَّبِيبِيُّ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَانْظُرْ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ كَافِيًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَمْسُوحُ مِمَّا يُحَاذِي الرَّأْسَ إذَا كَانَ الشَّعْرُ طَوِيلًا؟ فَإِنْ كَانَ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ يَذْهَبُ إلَى سُقُوطِ مَسْحِ مَا اسْتَدْلَى مِنْ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ مَسْحُ مَا طَالَ مِنْ الشَّعْرِ. (قُلْتُ) هَذَا الرَّدُّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ بَحْثَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَيُفْرِغُهُ عَلَى بَاطِنِ يَدِهِ الْيُسْرَى قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: يَعْنِي وَيُرْسِلُهُمَا حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِمَا إلَّا الْقَلِيلُ وَإِنْ شَاءَ غَمَسَهُمَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا لَكِنَّ اخْتِيَارَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلُ وَاخْتِيَارَ مَالِكٍ الْأَخِيرُ اسْتِحْبَابًا فِيهِمَا انْتَهَى. (السَّادِسُ) اُخْتُلِفَ إذَا جَفَّ الْبَلَلُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ اسْتِيعَابِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ يُجَدِّدُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: قَدْ يَكْثُرُ الْمَاءُ فَيَكْفِي الْمُسَبِّحَةُ الْوَاحِدَةُ وَقَدْ يَقِلُّ فَتَكُونُ اثْنَيْنِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي مَسْحِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُجَدَّدُ وَقَالَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُوسَى أَنَّ مَسْحَهُ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ، وَعَنْ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ الْأَوَّلُ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ وَلَيْسَ فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَيَّدَ عَبْدُ الْحَقِّ إجْزَاءَ الْأُصْبُعِ بِتَكْرَارِ إدْخَالِهَا فِي الْمَاءِ، زَادَ ابْنُ نَاجِي وَأَطْلَقَهُ اللَّخْمِيُّ. (قُلْتُ) سَبَقَ عَبْدَ الْحَقِّ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ صَاحِبُ النَّوَادِرِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ رِوَايَةَ الْعُتْبِيَّةِ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ تَكَرُّرَ بَلَلِ أُصْبُعِهِ بِالْمَاءِ، وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَنَصُّهُ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ وَلَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ تَرْجِيحٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْمَحَلِّ، وَيُفَارِقُ مَسْحَ الْخُفِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّأْسَ هُوَ الْمُطَهَّرُ بِالْمَاءِ وَالْخُفُّ لَيْسَ هُوَ الْمُطَهَّرُ وَإِنَّمَا الْمُطَهَّرُ الرِّجْلُ فَلَا مَعْنَى لِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَحَلٍّ لَا يَتَطَهَّرُ، لَكِنْ شُرِعَ نَقْلُ الْمَاءِ فِيهِ ابْتِدَاءً وَلِأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ لَهُ تَأْكِيدُ الْأَصْلِيَّةِ وَمَسْحَ الْخُفِّ لَهُ تَخْفِيفُ الْبَدَلِيَّةِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ يُفْسِدُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَيْفِيَّةِ نَقْلِ الْمَاءِ وَحُكْمِهِ إذَا مَسَحَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ وَذِرَاعَيْهِ فِي الدَّلْكِ. (السَّابِعُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَبْدَأَ الْمَسْحِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ فَإِنَّ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ مَبْدَأٌ لِلْوَجْهِ وَلِلرَّأْسِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَبْدَؤُهُ مِنْ عِنْدِ الْوَجْهِ الثَّانِي. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَيَمْسَحُ الرَّأْسَ إلَخْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَعَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (بِعَظْمِ صُدْغَيْهِ مَعَ الْمُسْتَرْخِي) ش: مَا ذَكَرَهُ هُوَ حَدُّ الرَّأْسِ عَرْضًا وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ، يَعْنِي أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْجُمْجُمَةِ مَعَ مَا عَلَى عَظْمَاتِ صُدْغَيْهِ مَعَ مَا اسْتَرْخَى مِنْ الشَّعْرِ وَطَالَ وَلَوْ نَزَلَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصُّدْغَ هُوَ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَأَنَّ مَا كَانَ عَنْهُ فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ عَلَى الْعَارِضَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النَّزَعَتَانِ وَمَوْضِعُ

التَّحْذِيفِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَشَعْرُ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي دَوْرِ الْوَجْهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيَمْسَحُ النَّزَعَتَيْنِ وَمَا ارْتَفَعَ إلَى الرَّأْسِ مِنْ شَعْرِ الصُّدْغَيْنِ وَيَمْسَحُ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: يَمْسَحُ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ خَلْفَ الْأُذُنِ، وَمَتَى تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ جُزْءًا مِنْ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَسْحِ شَعْرِ الْمُسْتَرْخِي عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَتَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا كَالرَّجُلِ وَتَمْسَحُ عَلَى الْمُسْتَرْخِي مِنْ شَعْرِهَا نَحْوَ الدَّلَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ الطَّوِيلُ الشَّعْرِ مِنْ الرِّجَالِ، وَالدَّلَالَيْنِ تَثْنِيَةُ دَلَالٍ هُوَ مَا اسْتَرْخَى مِنْ الشَّعْرِ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَرْخَى عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ، وَعَزَاهُ ابْنُ نَاجِي لِأَبِي الْفَرَجِ وَابْنِ عَرَفَةَ لِلْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ لِظَاهِرِ مَا فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ لَيْسَ بِرَأْسٍ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ لَمَّا نَبَتَ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِهِ كَمَا أَنَّ مَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْحَرَمِ وَإِنْ طَالَ وَخَرَجَ عَنْهُ إلَى الْحِلِّ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ مَسْحُ الْمُنْسَدِلِ فَهَلْ يُسَنُّ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَمْسَحَ إلَى قَفَاهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِاسْتِيعَابِهِ كَمَالُ الْإِيعَابِ وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ الِاسْتِحْبَابُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ مَطْلُوبٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ عَارَضَ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ فِي الضَّحَايَا لَا بَأْسَ بِصَيْدِ طَائِرٍ عَلَى غُصْنٍ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يُحْكَمْ لِلْفَرْعِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ وَرَدَّهُ ابْنُ نَاجِي بِأَنَّ وِزَانَ مَا طَالَ مِنْ الشَّعْرِ طَرَفُ الْغُصْنِ لَا الطَّائِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَنْقُضُ ضَفْرَهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ) ش: الضَّفْرُ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَتْلُ الشَّعْرِ بَعْضِهِ بِبَعْضِ وَالْعَقْصُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ مَا ضُفِرَ مِنْهُ قُرُونًا صِغَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَهُوَ مَصْدَرُ عَقَصَ شَعْرَهُ يَعْقِصُهُ عَقْصًا، قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَقْصُ ضَرْبٌ مِنْ الضَّفْرِ وَهُوَ أَنْ يَلْوِيَ الشَّعْرَ عَلَى الرَّأْسِ، وَقَالَ اللَّيْثُ هُوَ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ كُلَّ خُصْلَةٍ مِنْ شَعْرِهَا فَتَلْوِيَهَا ثُمَّ تَعْقِدَهَا فَيَبْقَى فِيهَا الْتِوَاءٌ ثُمَّ تُرْسِلَهَا فَكُلُّ خُصْلَةٍ عَقِيصَةٌ وَرُبَّمَا اتَّخَذَتْ الْمَرْأَةُ عَقِيصَةً مِنْ شَعْرِ غَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عَقَصَتْ شَعْرَهَا شَدَّتْهُ فِي قَفَاهَا وَلَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: عَقِيصَةٌ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ فِي تَقْيِيدِ أَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ الْعَقْصُ أَنْ تَجْمَعَ ضَفْرَهُ وَتَرْبِطَهُ بِخَيْطٍ وَالضَّفْرُ أَنْ تَرْبِطَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّ الْعَقْصَ جَمْعُ عِقَاصٍ قَالَ: وَهُوَ أَنْ تَجْمَعَ الْمَرْأَةُ مَا تَضْفُرُهُ مِنْ شَعْرِهَا إلَى خَلْفِهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ شَعْرُهَا مَعْقُوصًا مَسَحَتْ عَلَى ضَفْرِهَا وَلَا تَنْقُضُ شَعْرَهَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْحِ التَّخْفِيفُ وَفِي نَقْضِ الشَّعْرِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ أَعْظَمُ مَشَقَّةٍ وَلِأَنَّ الْعِقَاصَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَفَا فَأَمْرُهُ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَأْتِي عَلَيْهِ الْمَسْحُ وَمَا انْسَدَلَ مِنْ الشَّعْرِ عَنْ الْقَفَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ مَعْقُوصًا وَمَرَّ الْمَسْحُ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْعِقَاصِ فَهُوَ يُعَدُّ مَمْسُوحًا مَعَ خِفَّةِ أَمْرِهِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى وَجْهِ شَعْرِهَا الْمَعْقُوصِ وَالضَّفَائِرِ مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تَنْقُضُ عِقَاصَهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: ضَفْرَهُ عَائِدٌ إلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الرُّتْبَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: إنَّهُ يَعُودُ إلَى الشَّعْرِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ حَلُّ الْعِقَاصِ لَمْ يَلْزَمْ حَلُّ الضَّفْرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نَقْضِ الضَّفْرِ عَدَمُ نَقْضِ الْعَقْصِ؛ لِأَنَّ

الْعَقْصَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ هُوَ جَمْعُ مَا ضُفِرَ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَمْسَحُ عَلَى عِقَاصِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهَا وَلَا تَنْقُضُ شَعْرَهَا وَقَدْ نَسَبَ فِي الذَّخِيرَةِ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تَمْسَحُ عَلَى الشَّعْرِ الْمَعْقُوصِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْعَقِيصَةُ الَّتِي يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَا تَكُونُ بِخَيْطٍ يَسِيرٍ وَأَمَّا لَوْ كَثُرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَائِلٌ قَالَ الْبَاجِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَثَّرَتْ شَعْرَهَا بِصُوفٍ أَوْ شَعْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِيعَابِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ أَصْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ قُرُونُ شَعْرِهَا مِنْ شَعْرِ غَيْرِهَا أَوْ مِنْ صُوفٍ أَسْوَدَ كَثَّرَتْ بِهِ شَعْرَهَا لَمْ يُجْزِهَا الْمَسْحُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْزِعَهُ إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى شَعْرِهَا مِنْ أَجَلِهِ، وَفِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَإِذَا كَانَ مَا كَثَّرَتْ بِهِ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْقَفَا أَوْ نَازِلًا عَنْهُ دَخَلَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَسْحِ مَا انْسَدَلَ. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: هَذَا إذَا كَانَ عِقَاصُهَا مِثْلَ عِقَاصِ الْعَرَبِ تَفْتِلُهُ ضَفَائِرَ صِغَارًا وَتَرْبِطُهُ بِالْخَيْطِ وَالْخَيْطَيْنِ، وَأَمَّا إنْ فَتَلَتْهُ عَلَى نَاحِيَتَيْنِ وَأَكْثَرَتْ عَلَيْهِ الْخُيُوطَ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِّهِ وَإِنْ مَسَحَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَنَحْوُهُ لِلْجُزُولِيِّ. (قُلْتُ) وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا كَانَ مَا كَثَّرَتْ بِهِ شَعْرَهَا ظَاهِرًا فَوْقَ الشَّعْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مُسْتَبْطَنِ الشَّعْرِ فَلَا يَضُرُّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنَّاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَصْلُ الشَّعْرِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَهَذَا إذَا وُصِلَ بِمَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ، وَأَمَّا خَيْطُ الْحَرِيرِ الَّذِي لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ وَلَا قُصِدَ بِهِ الْوَصْلُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّجَمُّلُ وَالتَّحْسِينُ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ الْإِكْمَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا تَنْقُضُ عَقْصَهَا: يَعْنِي وَلَكِنْ تَسْقِيهِ الْمَاءَ وَتَضْغَثُهُ بِيَدِهَا ضَغْثًا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ دَاخَلَ الشَّعْرَ وَبَلَّ الْبَشَرَةَ. وَهَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ سَرَى ذِهْنُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الْغُسْلِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَلَوْ رَفَعَتْ الضَّفَائِرَ مِنْ أَجْنَابِ الرَّأْسِ وَعَقَصَتْ الشَّعْرَ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ وَهُوَ لَوْ تُرِكَ انْسَدَلَ عَنْ الرَّأْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَسْحُهُ؛ لِأَنَّهُ حَائِلٌ دُونَ مَا يَجِبُ مَسْحُهُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ هُوَ كَالْعِمَامَةِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ عَلَى الرَّأْسِ حِنَّاءُ فَلَا تَمْسَحُ حَتَّى تَنْزِعَهُ فَتَمْسَحُ عَلَى الشَّعْرِ. قَالَ فِي الطِّرَازِ: إنَّ جَعْلَ الْحِنَّاءِ لِلضَّرُورَةِ وَالتَّدَاوِي مِنْ حَرٍّ وَشِبْهِهِ جَازَ وَلَا يَجِبُ نَزْعُهُ كَالْقِرْطَاسِ عَلَى الصُّدْغِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَاسَّةٍ وَهِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ إيصَالَ الْمَسْحِ لِلرَّأْسِ كَالثَّوْبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ حِنَّاءٌ وَكَانَتْ لِضَرُورَةٍ فَهِيَ كَالدُّهْنِ يُمْسَحُ عَلَيْهَا كَالْحَائِلِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ مَسَحَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى مَا بَقِيَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي الْقَدْرِ الْمُجْزِئِ، وَلَا يُجْزِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا كَانَ الْجَمِيعُ. (قُلْتُ) قَوْلُهُ: إنْ كَانَ التَّدَاوِي فَلَا يَنْزِعُهُ يُرِيدُ إذَا خَافَ بِنَزْعِهِ ضَرَرًا فَإِنْ كَانَ الْحِنَّاءُ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ وَهُوَ لِضَرُورَةٍ مَسَحَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ وَعَلَى الْحِنَّاءِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ نَزَعَهُ، فَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْحِنَّاءِ وَكَانَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِهِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق عَنْ شَيْخِهِ الْقُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأُفْتِي النِّسَاءَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْحِنَّاءِ

لِأَنَّا إذَا مَنَعْنَاهُمْ مِنْهُ تَرَكْنَ الصَّلَاةَ وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ فِعْلِهَا جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فَارْتِكَابُ الْأَخَفِّ أَوْلَى فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْتُ) يُشِيرُ بِالْخِلَافِ إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فِي الْفَرْعِ الْآتِي بَعْدَهُ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ أَعَادَتْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. قَالَ فِي الطِّرَازِ: يُرِيدُ إذَا أَمْكَنَهَا الْمَسْحُ عَلَى رَأْسِهَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ اخْتِيَارًا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاشْتَرَطَ ابْنُ حَنْبَلٍ أَنْ يُلْبَسَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنْ تَكُونَ الْعِمَامَةُ تَحْتَ الْحَنَكِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهَا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْجَوَازِ إذَا مَسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَمُتَعَلِّقُهُمْ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» وَمَا فِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ «مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ مَسَحَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» قَالَ: وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَالْعِمَامَةُ لَا تُسَمَّى رَأْسًا، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الْبَاءُ لِلتَّأْكِيدِ كَأَنَّهُ قَالَ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ نَفْسَهَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمَرَافِقِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ» الْحَدِيثَ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ» وَكَانَ قَدْ مَسَحَ رَأْسَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ فِيهِ لَكَانَ مَسْحُهَا شَرْطًا وَلَا قَائِلَ بِهِ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ: لَا، حَتَّى تَمْسَحَ الشَّعْرَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُعْرَفْ لِذَلِكَ نَكِيرٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ فَإِنْ مَسَحَتْ عَلَى الْخِمَارِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَتْ الصَّلَاةَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُعِيدُ الْوُضُوءَ قَالَ سَحْنُونٌ: لِأَنَّهَا مُتَعَمِّدَةٌ. يُرِيدُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَرَكَتْهُ سَهْوًا وَإِنَّمَا فَعَلَتْهُ جَهْلًا وَالْجَاهِلُ وَالْعَامِدُ سَوَاءٌ. (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَعَادَتْ الْوُضُوءَ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَامِدَةً وَكَذَا إنْ كَانَتْ جَاهِلَةً؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ كَالْعَامِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كَالسَّاهِي، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ سَاهِيَةً فَتَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا فَقَطْ وَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَأَمَّا إنْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَتْ سَاهِيَةً مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَتَى مَا ذَكَرَتْ وَأَعَادَتْ غَسْلَ رِجْلَيْهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، وَحَدُّهُ جَفَافُ الْأَعْضَاءِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ كَانَتْ عَامِدَةً أَوْ جَاهِلَةً فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ جِدًّا فَإِنَّهَا تُزِيلُ الْحَائِلَ وَتَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا وَتُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهَا، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ أَعَادَتْ الْوُضُوءَ وَلَا يُحَدُّ الْقُرْبُ هُنَا بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ بَلْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ وَقَعَ الْمَسْحُ عَلَى الْحِنَّاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَهْلًا ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَنَزَعَهُ بِالْقُرْبِ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَلَا يُشْبِهُ مَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ عَبَثًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَإِنْ طَالَ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ كَالْعَامِدِ لَا كَالسَّاهِي، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا مَسَحَ رَأْسَهُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ وَالصَّلَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: فَرْعٌ إنْ مَسَحَتْ عَلَى الْوِقَايَةِ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ مَسَحَ رَجُلٌ عَلَى الْعِمَامَةِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَبَطَلَ وُضُوءُهُ وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا وَإِنْ فَعَلَهُ جَهْلًا فَقَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَمْسَحُ عَلَى حَائِلٍ مَعَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ فَجَائِزٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ الطِّرَازِ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ أَحْمَدَ عِنْدِي أَقْرَبُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرَجِّحُهُ شَيْخُنَا، يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ وَلَا يُفْتِي بِهِ وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَاوَمَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ مُدَاوَمَتَهُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيُؤْذِنَ بِالْإِبَاحَةِ، وَكَوْنُهُ

لِعُذْرٍ دَعْوَى. (قُلْتُ) يَرُدُّ مَا قَالَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّهُ حَضَرَ ابْنُ رَاشِدٍ دَرْسَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ الْمُدَرِّسُ: الدَّلِيلُ لَنَا عَلَى مَالِكٍ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى حَائِلٍ أَصْلُهُ الشَّعْرُ فَإِنَّهُ حَائِلٌ، فَأَجَابَهُ ابْنُ رَاشِدٍ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا تَعَذَّرَتْ اُنْتُقِلَ إلَى الْمَجَازِ إنْ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَإِلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُ إنْ تَعَدَّدَ وَالشَّعْرُ هُنَا أَقْرَبُ وَالْعِمَامَةُ أَبْعَدُ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى الشَّعْرِ فَلَمْ يَجِدْ جَوَابًا وَنَهَضَ قَائِمًا وَأَجْلَسَهُ بِإِزَائِهِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ عِيَاضٌ الْحِنَّاءُ مَمْدُودٌ انْتَهَى. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: الْحِنَّاءُ مُذَكَّرٌ مَمْدُودٌ وَاحِدُهُ حِنَّاءَةٌ. (السَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ كَانَتْ الْحِنَّاءُ فِي مُسْتَبْطَنِ الشَّعْرِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَمْنَعْ؛ لِأَنَّ مُسْتَبْطَنَ الشَّعْرِ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَسْحِ وَلِهَذَا تَعَلَّقَ الْمَسْحُ بِظَاهِرِ الضَّفِيرَةِ دُونَ بَاطِنِهَا، وَقَدْ أَجَازَ الشَّرْعُ التَّلْبِيدَ فِي الْحَجِّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوهُ وَلَفْظُ ابْنِ عَرَفَةَ: الطِّرَازِ: إنْ كَانَ الْحِنَّاءُ بِبَاطِنِ الشَّعْرِ لَمْ يَمْنَعْ كَالتَّلْبِيدِ انْتَهَى. (الثَّامِنُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَتَّى يَنْزِعَهُ: هَلْ بِالْمَاءِ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الشُّيُوخِ؟ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ الشَّيْخُ وَمَنْ يَقُولُ بِالْمَاءِ يَقُولُ لِئَلَّا يَنْضَافَ الْمَاءُ الَّذِي يَمْسَحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ مُلَاقَاتِهِ بِيَدِهِ يَنْضَافُ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ تَكُونُ أَعْضَاؤُهُمْ غَيْرَ نَقِيَّةٍ مِنْ الدَّنَسِ فَإِذَا فَرَّغَ الْمَاءَ عَلَى أَوَّلِ الْعُضْوِ لَمْ يَصِلْ إلَى آخِرِهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ مِنْ الدَّنَسِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَهَبَتْ الْحِنَّاءُ أَوْ انْتَشَرَ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ بَعْضِ الشُّيُوخِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْحِنَّاءِ. قَالَ ابْنُ هَارُونَ: يُرِيدُ إذَا كَانَ مُتَجَسِّدًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى صَبْغِهِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ هَارُونَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَجَسِّدًا مِمَّا تَرُشُّ بِهِ رَأْسَهَا أَوْ تَجْعَلُهُ فِي شَعْرِهَا وَمَا زَالَ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ يَجْعَلْنَ الطِّيبَ فِي رُءُوسِهِنَّ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُرَى وَبِيصُ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِهِ وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يُضِيفُ الْمَاءَ حَالَةَ الْمَسْحِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَهْلِ بِالسُّنَّةِ وَالتَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الْقَذْفِ فِي الْمَرْأَةِ تَعْمَلُ نَضُوحًا مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَتَمْتَشِطُ بِهِ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ ابْنُ رُشْدٍ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِيهِ إجَازَتُهُ أَيْضًا عَلَى تَرْخِيصٍ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حَائِلٌ يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَيْهِ وَهَذَا نَصٌّ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ مَا هُوَ مُتَجَسِّدٌ يَحُولُ بَيْنَ الشَّعْرِ وَالْمَاءِ وَأَمَّا النَّضُوحُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَإِنَّهُ يُلَبِّدُ الشَّعْرَ وَيَضُمُّهُ عَنْ الِانْتِشَارِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ جَوَازُ تَصْمِيغِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ وَمَسْأَلَةُ الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الْأَشْرِبَةِ وَالْحُدُودِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. وَقَوْلُهُ: وَالْكَرَاهَةُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حَائِلٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُبَّائِيُّ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَمْسَحُ عَلَى حِنَّاءٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الْمَاءِ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْعُضْوَ لَا تَضُرُّ وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَدْهُنُونَ وَيَتَمَنْدَلُونَ بِأَقْدَامِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَاءَ يَنْضَافُ بِمُلَاقَاتِهِ لِلْعُضْوِ مِمَّا عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ الْمُتَقَدِّمَ وَزَادَ عَلَيْهِ قَالَ: وَقَدْ نَصَّ أَبُو زَيْدٍ الْبُرْنُوسِيُّ فِي تَقْيِيدِهِ عَلَى الْجَلَّابِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا إذَا نَقَضَتْهَا وَزَالَ نَقْضُهَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الطِّيبِ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنَّاءِ: قَالَ الْفَقِيهُ: لَا يَمْسَحُ حَتَّى يُزِيلَهَا بِالْمَاءِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا نَقَضَهَا، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى هُنَاكَ مَا يُضِيفُ الْمَاءَ انْتَهَى. وَزَادَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ وَالطَّفْلِ وَالْمَشْطِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْشُطْهُ بِالطَّفْلِ يَنْضَافُ الْمَاءُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ انْتَهَى (قُلْتُ) وَمَا قَالَ الْجُزُولِيُّ إنَّهُ الْأَبْيَنُ هُوَ الَّذِي ضَعَّفَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمَا وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ. وَبِيصُ الطِّيبِ بَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ وَهُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ وَالنَّضُوحُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى وَزْنِ صَبُورٍ مَا يَنْضَحُ بِهِ مِنْ الطِّيبِ أَيْ يَرُشُّ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّضْحِ. (التَّاسِعُ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْحَائِلِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ عَلَى رَأْسِهِ الدُّهْنَ لِعِلَّةٍ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْسَحَ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَى الدُّهْنِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ بِأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْحِنَّاءِ حَتَّى يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَنْضَافَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ وَيَتَجَسَّدَ عَلَى الشَّعْرِ حَتَّى يَصِيرَ حَائِلًا يَمْنَعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْعَاشِرُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَإِذَا مَسَحَتْ عَلَى الْحِنَّاءِ لِعِلَّةٍ ثُمَّ أَزَالَتْهُ وَهِيَ عَلَى وُضُوءٍ مَسَحَتْهُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْجَبِيرَةِ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنِ نَاجِي أَنَّ الْمُلَبَّدَ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الشَّعْرِ الْمُلَبَّدِ وَلَا يَكُونُ حَائِلًا وَقَالَ الْجُزُولِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ: وَانْظُرْ الْمُحْرِمَ إذَا لَبَّدَ رَأْسَهُ قَالُوا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ وَلَا رَاعَوْا الْحَائِلَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا الشَّارْمَسَاحِيُّ وَقَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَيْضًا قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ الْحَجِّ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى التَّلْبِيدِ فِي الْوُضُوءِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْإِضَافَةُ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُضِيفُ الْمَاءَ إضَافَةً تُؤَثِّرُ، وَأَمَّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْحَائِلِ انْتَهَى. (الثَّانِيَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَكَذَلِكَ الْقَطْرَانُ الَّذِي يَجْعَلُهُ الْعَوَاتِقُ فِي رُءُوسِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْمُلَبَّدِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا: يُمْسَحُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا كُلُّهُ يَرُدُّ مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ ذَلِكَ يُضِيفُ الْمَاءَ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرَّجُلَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ شَعْرٌ طَوِيلٌ وَضَفْرُهُ أَوْ عَقَصَهُ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا فَتَلَ رَأْسَهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ وَحَكَى الْبَلَنْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْتِلَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَزَادَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَتَمْسَحُ عَلَى مَا اسْتَرْخَى مِنْ شَعْرِهَا: وَكَذَلِكَ طَوِيلُ الشَّعْرِ مِنْ الرِّجَالِ. ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ طَوِيلُ الشَّعْرِ مِنْ الرِّجَال وَإِنْ كَانَ مَضْفُورًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَنَقَلَ الْمَغْرِبِيُّ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَاسْتَشْكَلَهُ؛ لِأَنَّ الضَّفْرَ فِي حَقِّهِ مُبَاحٌ (فَإِنْ قُلْتُ) قَدْ نَصَّ الْبَلَنْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يُضَفِّرُوا رُءُوسَهُمْ وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: وَلَوْ ضَفَرَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الرَّابِعُ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. نَبَّهَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي هَذَا الْفَرْضِ دُونَ سَائِرِ الْفُرُوضِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْوُضُوءِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا لَبَّدَتْ رَأْسَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطِّيبِ وَرُبَّمَا ضَفَرَتْهُ بِشَعْرِ غَيْرِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ بِمَسْحِ جَمِيعِهِ كَالرَّجُلِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: نَبَّهَ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ الْمُسَامَحَةَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّغِيرِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ: رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ رَاجِعٌ إلَى الْمَاسِحِ يَعْنِي وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَعْنِي مَسْحَ الْجَمِيعِ وَالصُّدْغَيْنِ وَالْمُسْتَرْخِيَ وَعَدَمَ نَقْضِ الضَّفْرَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا كَانَ فِي الشَّعْرِ صُوفٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَرْكَبُ الشَّعْرَ وَيَمْنَعُ مُبَاشَرَتَهُ أَوْ الْتَصَقَ بِالشَّعْرِ شَمْعٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَمْنَعُ غَسْلَهُ وَمَسْحَهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ بَعْدَ وُضُوئِهِ قَرَضَهُ بِمِقْرَاضٍ هَلْ يُجْزِئُهُ وُضُوءُهُ؟ يَخْرُجُ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ مَا غُسِلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ هَلْ يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْحَدَثِ عَنْهُ وَيَطْهُرُ فِي نَفْسِهِ أَوْ لَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يَكْمُلَ الْجَمِيعُ؟

فَإِنْ قُلْنَا: يَرْتَفِعُ صَلَّى بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَبْقَ مِنْهَا فِعْلٌ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْتَفِعُ أَعَادَ الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ نَاقِصَةً وَتَعَذَّرَ تَمَامُهَا. (قُلْتُ) الْمَشْهُورُ هُوَ الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِغَسْلِ الْجَمِيعِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: يُعِيدُ الطَّهَارَةَ مُشْكِلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَغْسِلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَقَوْلُهُ: تَعَذَّرَ إتْمَامُهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّعْرِ إذَا قُرِضَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ نُتِفَ مِنْ أَصْلِهِ فَمَوْضِعُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ: وَأُرَخِّصُ لِلْعَرُوسِ أَيَّامَ سَابِعِهَا أَنْ تَمْسَحَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى مَا فِي رَأْسِهَا مِنْ الطِّيبِ وَتَتَيَمَّمَ إنْ كَانَ فِي جَسَدِهَا؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (السَّادِسَ عَشَرَ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ حُكِيَ فِي تَعَالِيقِ الْمَذْهَبِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى سَحْنُونٍ وَقَالَ: تَوَضَّأْتُ لِلصُّبْحِ وَصَلَّيْتُ بِهِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ ثُمَّ أَحْدَثْتُ وَتَوَضَّأْتُ فَصَلَّيْتُ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ أَنَّنِي نَسِيتُ مَسْحَ رَأْسِي مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ فَقَالَ: لَهُ امْسَحْ رَأْسَكَ وَأَعِدْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، فَذَهَبَ وَأَعَادَهَا وَنَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ، فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: امْسَحْ رَأْسَكَ وَأَعِدْ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ، وَوَجْهُ الْفِقْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَوَّلًا بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِتَطَرُّقِ الشَّكِّ لِلْجَمِيعِ وَالذِّمَّةُ مَعْمُورَةٌ بِالصَّلَوَاتِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْبَرَاءَةُ، فَلَمَّا أَعَادَهَا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ صَارَتْ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ قَدْ صُلِّيَتْ بِوُضُوءَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَأَحَدُهُمَا صَحِيحٌ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَسِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَصُلِّيَتْ وَأُعِيدَتْ بِوُضُوئِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ فِيهِ فَتَجِبُ إعَادَتُهَا بَعْدَ الْمَسْحِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعُ كُلُّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِوُضُوءٍ، وَهَذَا فَرْعٌ لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنْ صَلَّى الْخَمْسَ بِوُضُوءٍ وَاجِبٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ وُضُوءِ أَحَدِهَا مَسَحَهُ وَأَعَادَ الْخَمْسَ فَلَوْ أَعَادَهَا نَاسِيًا فَجَوَابُ ابْنِ رُشْدٍ بِمَسْحِهِ وَإِعَادَةِ الْعِشَاءِ فَقَطْ، وَتَوْهِيمُهُ مَنْ قَالَ: يُعِيدُ الْخَمْسَ وَاضِحُ الصَّوَابِ، وَعَزْوُ الْقَرَافِيِّ جَوَابَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ التَّعَالِيقِ لِسَحْنُونٍ لَمْ أَجِدْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي الرَّأْسِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: (الْأَوَّلُ) هَلْ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدِهِ الْيُمْنَى؟ (الثَّانِي) هَلْ يُجَدِّدُ الْمَاءَ أَوْ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ؟ . (الثَّالِثُ) نَقْلُ الْمَاءِ إلَيْهِ. (الرَّابِعُ) إذَا غَسَلَهُ بَدَلًا مِنْ مَسْحِهِ. (الْخَامِسُ) صِفَةُ مَسْحِهِ. (السَّادِسُ) هَلْ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا؟ (السَّابِعُ) إذَا حَلَقَهُ. (الثَّامِنُ) هَلْ الْبَدْءُ مِنْ مُقَدَّمِهِ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ (التَّاسِعُ) هَلْ الرَّدُّ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ؟ . (الْعَاشِرُ) إذَا جَفَّ الْمَاءُ فِي أَثْنَاءِ مَسْحِهِ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) هَلْ يَمْسَحُ مَا طَالَ مِنْ الشَّعْرِ أَمْ لَا؟ (الثَّانِيَ عَشَرَ) إذَا مَسَحَ بَعْضَهُ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) هَلْ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ؟ . (الرَّابِعَ عَشَرَ) هَلْ يَمْسَحُ عَلَى الْقَفَا؟ وَزَادَ خَامِسَ عَشَرَ وَهُوَ هَلْ يَمْسَحُ بَعْضَ الْوَجْهِ مَعَ الرَّأْسِ؟ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، أَمْ لَا يَمْسَحُ؟ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى سِتَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشْرَ وَهِيَ الْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى التِّسْعَةِ الْأُوَلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَيُدْخِلَانِ يَدَيْهِمَا تَحْتَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا كَانَ شَعْرُهُمَا مَضْفُورًا أَوْ مَعْقُوصًا أَوْ مَسْدُولًا مِنْ غَيْرِ ضَفْرٍ وَلَا عَقْصٍ وَمَسَحَا عَلَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إلَى آخِرِ الْمُنْسَدِلِ مِنْهُ وَالْمَضْفُورِ وَالْمَعْقُوصِ فَإِنَّهُمَا إذَا رَدَّا أَيْدِيَهُمَا إلَى الْمُقَدَّمِ يُدْخِلَانِ أَيْدِيَهُمَا تَحْتَهُ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَتُدْخِلُ يَدَيْهَا مِنْ تَحْتِ عِقَاصِ شَعْرِهَا فِي رُجُوعِ يَدَيْهَا فِي الْمَسْحِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهَا: لِتَمْسَحْ مَا غَابَ عَنْهَا وَمَا وَالَى ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِهَا وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ، وَهَلْ إدْخَالُ الْيَدَيْنِ تَحْتَ الْعِقَاصِ مَنُوطٌ بِالْوُجُوبِ لِتَمَامِ الْمَسْحِ أَوْ بِالرَّدِّ؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَانْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: وَيُدْخِلُ الْمَعْقُوصُ شَعْرُهُ يَدَيْهِ تَحْتَهُ

عِنْدَ رَدِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَسُنَّةُ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ كَسُنَّةِ وُضُوءِ الرَّجُلِ سَوَاءً غَيْرَ أَنَّهَا إذَا مَسَحَتْ رَأْسَهَا بَدَأَتْ مِنْ أَصْلِ شَعْرِ قُصَّتِهَا فَتَذْهَبُ بِيَدِهَا عَلَى جَمِيعِ شَعْرِ قُصَّتِهَا وَأَدْلَتْهَا وَجَمِيعَ شَعْرِ رَأْسِهَا، مَضْفُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْفُورٍ، مَجْمُوعًا كَانَ أَوْ مَسْدُولًا عَلَى ظَهْرِهَا حَتَّى تَبْلُغَ إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ تُدْخِلُ يَدَيْهَا مِنْ تَحْتِهِ فَتُحَوِّلُهُ حَتَّى تَرُدَّ يَدَيْهَا بِهِ أَوْ بِضَفَائِرِهَا الْمُرْسَلَةِ إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لَا بُدَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَجْمَعَهُ فِي قَبْضَتِهَا جَمَعَتْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهَا إلَّا أَنْ تَنْتَقِلَ بِيَدَيْهَا فَعَلَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْمَاءَ ثَانِيَةً، وَإِنْ شَاءَتْ اكْتَفَتْ بِالْأُولَى إنْ كَانَ بَقِيَ فِي يَدَيْهَا مِنْ بَلَلِهَا شَيْءٌ وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ ذَاتُ الْقُرُونِ إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَعُمَّ بِيَدَيْهَا رَأْسَهَا وَقُرُونَهَا، فَإِنْ فَرَّطَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهَا الْإِعَادَةُ مَتَى عَلِمَتْ قُبْحَ مَا صَنَعَتْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ بِاخْتِصَارِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ بِتَمَامِهِ. ص (وَغَسْلُهُ مُجْزِئٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا غَسَلَ رَأْسَهُ فِي الْوُضُوءِ بَدَلًا عَنْ مَسْحِهِ فَإِنَّ غَسْلَهُ يُجْزِئُهُ عَنْ مَسْحِهِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ هُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْغَسْلِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْمَسْحِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ إعْمَالًا لِدَلِيلِ الْجَوَازِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سَابِقٍ وَلَمْ يَعْزُهُمَا، وَعَنْهُ نَقَلَهُمَا ابْنُ شَاسٍ وَشُرَّاحُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِجْزَاءُ غَسْلِهِ لِابْنِ شَعْبَانَ، ابْنُ سَابِقٍ: أَبَاهُ غَيْرُهُ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ أَصَحُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ قَدْ رَجَحَ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ مَعْرُوفٌ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بِتَشْهِيرِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ غَسْلَهُ مُجْزِئٌ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّاسِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمَوَّاقُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ. (الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَسْلُهُ مُجْزِئٌ لَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ ابْتِدَاءً وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ بِالْإِجْزَاءِ الْجَوَازُ ابْتِدَاءً وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: لَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ نَصٌّ بِجَوَازِهِ ابْتِدَاءً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَسْلُهُ ثَالِثُهَا يُكْرَهُ: ظَاهِرُ هَذَا النَّقْلِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَفِي وُجُودِهِ عِنْدِي نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَجَعْلُهُمْ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَإِذَا كَانَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ ابْتِدَاءً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُجْزِي فِي الْغُسْلِ اتِّفَاقًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّ الْمُغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ رَأْسَهُ فَغُسْلُهُ لَهُ فِي الْجَنَابَةِ يُجْزِيهِ عَنْ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَأَيُّ وُضُوءٍ أَعَمُّ مِنْ الْغُسْلِ. وَقَرَّرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ هَارُونَ وَلَمْ يَعْتَرِضَا عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ هَلْ تَضْمَحِلُّ شُرُوطُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى أَوْ إنَّمَا يَضْمَحِلُّ مِنْهَا مَا تُوَافِقُ فِيهِ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى؟ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُجْزِئُ فِي الْغُسْلِ اتِّفَاقًا: إنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ فَحَقٌّ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْوِيُّ، وَإِنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ حُصُولِ فَضْلِ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ فَلَا لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَنْعَ تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ النَّاتِئَيْنِ بِمِفْصَلَيْ السَّاقَيْنِ) ش: هَذِهِ الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ الْفَرَائِضِ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا وَهِيَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَبِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ

بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْل، وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ الْوَاجِبُ الْمَسْحُ وَلَا يَجُوزُ الْغَسْلُ، وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُكْتَرَثُ بِمَنْ يَخْرُجُ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَالْغَسْلُ وَاجِبٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَشَارَ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إلَى وُجُوبِهِمَا مَعًا وَهُوَ بَعِيدٌ. (قُلْتُ) بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَهُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْمَسْحِ وَالتَّخْيِيرِ: وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ. قَالَ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْقِرَاءَتَيْنِ فَعَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ يَكُونُ وُجُوبُ الْغَسْلِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجَرِّ فَظَاهِرُهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَسْحِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ إلَّا الْغَسْلُ فَيَتَعَيَّنُ وَيُجَابُ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى الرُّءُوسِ وَإِنَّمَا هِيَ مَخْفُوضَةٌ عَلَى الْجَوَازِ. حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمُحَقِّقُونَ وَرَأَوْا أَنَّ الْخَفْضَ عَلَى الْجِوَارِ لَا يَحْسُنُ فِي الْمَعْطُوفِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ حَاجِزٌ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ وَمُبْطِلٌ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَرَأَوْا أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى ذَلِكَ حَمْلٌ عَلَى شَاذٍّ يَنْبَغِي صَوْنُ الْقُرْآنِ عَنْهُ وَقَالُوا: الْخَفْضُ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَطْفِ عَلَى لَفْظِ الرُّءُوسِ، فَقِيلَ: الْأَرْجُلُ مَغْسُولَةٌ لَا مَمْسُوحَةٌ فَأَجَابُوا بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمَسْحَ هُنَا هُوَ الْغَسْلُ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: حَكَى لَنَا مَنْ لَا يُتَّهَمُ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ قَالَ: الْمَسْحُ خَفِيفُ الْغَسْلِ يُقَالُ: تَمَسَّحْتُ لِلصَّلَاةِ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَخُصَّتْ الرِّجْلَانِ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْمَغْسُولَاتِ بِاسْمِ الْمَسْحِ لِيَقْتَصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتَا مَظِنَّةَ الْإِسْرَافِ. (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: بِكَعْبَيْهِ الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ مَعَ كَعْبَيْهِ وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا يَجِبُ إدْخَالُهُمَا وَقِيلَ: يَدْخُلَانِ احْتِيَاطًا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْخِلَافُ فِي دُخُولِهِمَا فِي الْغَسْلِ كَالْخِلَافِ فِي دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَفَرَّقَ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ بِدُخُولِ الْكَعْبَيْنِ بِخِلَافِ الْمِرْفَقَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرِّجْلِ لَا يَتَنَاوَلُ السَّاقَ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَدْخُلَا فَلَا بُدَّ لِذِكْرِهِمَا مِنْ فَائِدَةٍ ثُمَّ رَدَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ الْكَعْبَانِ كَالْمِرْفَقَيْنِ. عِيَاضٌ قَدْ يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْقَطْعَ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ بِخِلَافِ الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْكَعْبَيْنِ بِقَوْلِهِ: النَّاتِئَيْنِ بِمِفْصَلَيْ السَّاقَيْنِ، وَالنَّاتِئُ الْمُرْتَفِعُ مِنْ نَتَأَ يَنْتَأُ نُتُوءًا وَهُوَ بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الْكَسْرَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ الْكَعْبَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقِيلَ: هُمَا الْكَائِنَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيَاضٌ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ مَالِكًا أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: زَادَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: وَقِيلَ: هُمَا مُجْتَمَعُ الْعُرُوقِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ ظَاهِرِ كِتَابِ الْوَقَارِ وَنَصُّهُ: وَقِيلَ: هُمَا الْمِفْصَلَانِ اللَّذَانِ عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِظَاهِرِ كِتَابِ الْوَقَارِ (قُلْتُ) وَقِيلَ: إنَّهُمَا مُؤَخَّرَا الرِّجْلِ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ: وَيُنْسَبُ لِمَالِكٍ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَلِأَنَّ الْكَعْبَ مَا نَتَأَ وَظَهَرَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّكَعُّبِ وَهُوَ الظُّهُورُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ، وَيُقَالُ امْرَأَةٌ كَاعِبٌ إذَا ارْتَفَعَ ثَدْيُهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ ارْتِفَاعَ اللَّذَيْنِ فِي طَرَفِ السَّاقِ أَظْهَرُ وَلِأَنَّ الْأَرْجُلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ وَاسْمُ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ وَالْعَامُّ يَقَعُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَيَكُونُ كُلُّ رِجْلٍ مَعْنَاهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ هَذَا الِاسْتِدْلَال فِي مَجْلِسِ الرَّبَعِيِّ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

فَمَا بَقِيَ فِي الْمَجْلِسِ إلَّا مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْقَرَافِيَّ فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ لَقَالَ إلَى الْكِعَابِ كَمَا قَالَ إلَى الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ حِينَئِذٍ كَعْبَيْنِ كَمَا أَنَّ لِكُلِّ يَدٍ مِرْفَقًا فَيُقَابَلُ الْجَمْعُ بِالْجَمْعِ، فَلَمَّا عَدَلَ عَنْهُ إلَى التَّثْنِيَةِ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْكَعْبَانِ اللَّذَانِ فِي طَرَفِ السَّاقِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى اغْسِلُوا كُلَّ رِجْلٍ إلَى سَاقِهَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الَّذِينَ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي الْكَعْبَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي مُنْتَهَى الْغَسْلِ وَأَنَّ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: يَنْتَهِي الْغَسْلُ إلَى الْكَعْبِ الَّذِي عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا خَارِجِهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْفَرَسِ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ إلَيْهِمَا انْتَهَى حَدُّ الْوُضُوءِ هُمَا النَّاتِئَانِ فِي السَّاقَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَنَقَلَ الزَّنَاتِيُّ أَيْضًا اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمَا اللَّذَانِ فِي جَنْبَيْ السَّاقَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ رَاجِعٌ إلَى اللُّغَةِ وَكَذَا قَالَ الزَّنَاتِيُّ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الْكَعْبِ النَّاتِئِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ وَمَا فَوْقَهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْفَرَسِ وَالزَّنَاتِيُّ مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَكَلَامُ مَنْ تَقَدَّمَ يُؤْذِنُ بِالْخِلَافِ فِيهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَالَ: تَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِمَا فِي الْغَسْلِ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَوْرَدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ عَدَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فِي الْفَرَائِضِ مَعَ أَنَّ غَسْلَهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ لَيْسَ بِفَرْضٍ لِجَوَازِ تَرْكِهِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ، وَالْوَاجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا) ش: يَعْنِي أَنَّ تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالتَّخْلِيلُ أَطْيَبُ لِلنَّفْسِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَ وَلِلْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ كَابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ وَفِي أَثْنَائِهِ إنْكَارُهُ. (قُلْتُ) يُشِيرُ بِالْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ قَالَ: يُجْزِئُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ تَخْلِيلَهُمَا حَسَنٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَفِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا يُخَلِّلُ وَنَحْوَهُ. رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: وَلَا خَيْرَ فِي الْجَفَاءِ وَالْغُلُوِّ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ قَالَ فِي اللِّحْيَةِ: يُحَرِّكُ ظَاهِرَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهَا وَهُوَ مِثْلُ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَالْيَدُ لَا تُخَلَّلُ، وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْإِنْكَارِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَفِي أَثْنَائِهِ إنْكَارُهُ. عَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِالْإِنْكَارِ لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: رَجَّحَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْوُجُوبَ فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ» وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكًا يُنْكِرُ التَّخْلِيلَ قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ بِالْحَدِيثِ فَرَجَعَ إلَيْهِ انْتَهَى. يَعْنِي الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنَّمَا أَتَى فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ قَوْلٌ بِالْإِنْكَارِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْيَدَيْنِ لِالْتِصَاقِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ

فَأَشْبَهَ مَا بَيْنَهُمَا الْبَاطِنَ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْقَوْلِ بِالْإِنْكَارِ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَيْضًا، لَكِنَّ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ يَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بِهِ لِلْمَشْهُورِ حَيْثُ كَانَ فِي الْيَدَيْنِ الْوُجُوبُ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الِاسْتِحْبَاب وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يُوَافِقُ الْمَشْهُورَ فِي وُجُوبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَاسْتِحْبَابِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَذَكَرَ فَرْقَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْيَدَيْنِ فَرْضُهُمَا الْغَسْلِ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرِّجْلَيْنِ هَلْ فَرْضُهُمَا الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ كَمَا تَقَدَّمَ؟ وَالثَّانِي: أَنَّ الرِّجْلَيْنِ يَسْقُطُ غَسْلُهُمَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيَسْقُطَانِ فِي التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْيَدَيْنِ وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ الشَّبِيبِيّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي إلَى أَنْ مَاتَ بِتَخْلِيلِ مَا بَيْنَ إبْهَامِ الرِّجْلِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ فَقَطْ لِانْفِرَاجِ مَا بَيْنَهُمَا وَعَزَا لِلرِّسَالَةِ الْإِبَاحَةَ قَالَ: فَتَحْصُلُ فِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. يُرِيدُ بِفَتْوَى شَيْخِهِ وَبِمَا عَزَاهُ لِلرِّسَالَةِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ بِهِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّارِحُ وَالشَّيْخُ زَرُّوق فَكَانَ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ رَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ الصَّحِيحُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَبْدَأُ بِتَخْلِيلِ خِنْصَرِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ يُمْنَى أَصَابِعِهَا وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِهَا وَيَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهُ يُمْنَى أَصَابِعِهَا وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِهَا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَقَدَّمَ عَنْ الْجُزُولِيِّ أَنَّهُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ الرِّجْلَيْنِ مِنْ أَسْفَلَ بِخِلَافِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ يُخَلِّلُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ شَاءَ خَلَّلَ أَصَابِعَهُ. يَعْنِي بِأَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ فِي خِلَالِ أَصَابِعِهِمَا مَعَ الْمَاءِ. قَالُوا: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يُخَلِّلَهُمَا مِنْ أَسْفَلِهِمَا وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنَّحْرِ وَعَنْ تَخْلِيلِ الْيَدَيْنِ بِالذَّبْحِ وَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ» وَذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ حَدِيثًا آخَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّلُ بِالْمُسَبِّحَةِ» وَهُوَ أَمْكَنُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْغَسْلِ فَأَمَّا أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ تَخْلِيلَهُمَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ فِي الْوُضُوءِ فَأَحْرَى أَنْ يَجِبَ فِي الْغُسْلِ، وَأَمَّا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي الْغَسْلِ كَحُكْمِهِمَا فِي الْوُضُوءِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ فِي بَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ: وَفِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا مَا فِي الْوُضُوءِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ النَّدْبُ وَقَالَ الْمَوَّاقُ بْنُ حَبِيبٍ هُوَ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَوَاجِبٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْلِ وَاسْتِحْبَابُهُ فِي الْوُضُوءِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ خُصُوصًا فِي الْغُسْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ لِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَلَمَ ظُفْرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ) ش: الظُّفْرُ بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةُ وَضَمُّ الْفَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَانِيَةٌ بِكَسْرِ الظَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ بِضَمِّ الظَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، وَفِيهِ لُغَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ أُظْفُورٌ عَلَى وَزْنِ عُصْفُورٍ وَقَوْلُهُ: قَلَمَ مُقْتَضَى كَلَامِ الصِّحَاحِ أَنَّهُ مَعَ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ. قَالَ: فِيهَا قَلَّمْتُ ظُفْرِي وَقَلَّمْتُ أَظْفَارِي يُشَدَّدُ لِلْكَثْرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ: قَلَّمْتُ ظُفْرِي يُرِيدُ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَالَ فِي

الْمُحْكَمِ: قَلَمَ ظُفْرَهُ يَقْلِمُهُ قَلْمًا وَقَلَّمَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يُقَالُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مَعَ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ غَسْلَ مَوْضِعِ الْأَظْفَارِ وَلَا يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ. وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصِّهَا عَلَى اخْتِصَارِ صَاحِبِ الطِّرَازِ. قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَهُ ثَانِيَةً، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ بَعْدَ كَلَامِ مَالِكٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا مِنْ لَحْنِ الْفِقْهِ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي مُرَادِهِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُخْتَصِرِينَ، وَأَسْقَطَ الْبَرَاذِعِيُّ فِي اخْتِصَارِهِ تَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي مُرَادِهِ فَإِنَّ اللَّحَنَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ الصَّوَابُ وَأَصْلُهُ الْفِطْنَةُ، وَبِسُكُونِهَا مَعْنَاهُ الْخَطَأُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ بِالسُّكُونِ عَلَى الصَّوَابِ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ اللَّحْنَ مِنْ الْأَضْدَادِ، يُطْلَقُ عَلَى الصَّوَابِ وَعَلَى الْخَطَأِ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَضْدَادِ إذَا كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا مِنْ لَحْنِ الْفِقْهِ فِيهِ تَأْوِيلَانِ فَقِيلَ: يَعْنِي مِنْ صَوَابِ الْفِقْهِ، وَقِيلَ: يَعْنِي مِنْ خَطَأِ الْفِقْهِ. قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَإِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ صَوَابِ الْفِقْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إلَى جَوَابِ مَالِكٍ أَوْ إلَى الْفِعْلِ أَيْ أَنَّهُ صَوَابٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ يَعْنِي إعَادَةَ الْمَسْحِ وَغَسْلَ الْأَظْفَارِ، وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ خَطَأِ الْفِقْهِ. غَيْرَ أَنَّ الْأَشْبَهَ بِعِلْمِ الرَّجُلِ أَنَّهُ عَابَ فِعْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَكَذَا قَالَ فِي النُّكَتِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الصَّوَابُ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخَطَأُ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي مَسْلَمَةَ مُوَافِقٌ لِمَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ كَلَامِ مَالِكٍ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا ابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ وَاَلَّذِي تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي إشْرَاقِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَالِكٍ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: رَوَيْنَاهُ بِسُكُونِ الْحَاءِ وَكُتِبَتْ مِنْ أَصْلِ الشَّيْخِ قَالَ سَحْنُونٌ: مَعْنَاهُ مِنْ خَطَأِ الْفِقْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا غَيْرُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ مَنْ قَالَ: يُرِيدُ بِالْخَطَأِ قَوْلَ مَنْ خَالَفْنَا، وَلَا إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: صَوَابُ الْفِقْهِ يَعْنِي قَوْلَنَا؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَا يُوَافِقُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَيَرَى عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ الْوُضُوءَ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ أَيْضًا وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الصَّوَابَ فَتُفْتَحُ الْحَاءُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: بَلْ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَصَوَّبَهُ عِيَاضٌ أَنَّ مُرَادَهُ الْخَطَأُ فَتُسَكَّنُ الْحَاءُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَذْهَبُهُ الْإِعَادَةَ فَلَا يُصَوَّبُ غَيْرُ مَذْهَبِهِ. (قُلْتُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَصْوِيبُ مَذْهَبِهِ عَلَى كِلَا الضَّبْطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِالْفَتْحِ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ بِالسُّكُونِ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ مَالِكٍ غَيْرَ أَنَّ السُّكُونَ يَتَرَجَّحُ بِقَوْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ رَوَيْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ: " يُعِيدُ الْوُضُوءَ " أَنَّ وُضُوءَهُ انْتَقَضَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي وَمِثْلُهُ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ بِلَفْظِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ كَنَزْعِ الْخُفِّ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ وَاخْتَارَهُ أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ لَا أَنَّهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِنَفْسِ الْإِزَالَةِ. (قُلْتُ) فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَكَذَا يَحْكِي ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَقَالَ: وَلَوْ حَلَقَهُ فَفِي إعَادَةِ مَسْحِهِ ثَالِثُهَا يَبْتَدِئ الْوُضُوءَ، وَعَنْ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَهُوَ إعَادَةُ مَسْحِهِ فَقَطْ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ، وَالثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ إعَادَةِ مَسْحِهِ لِلْمَذْهَبِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِنَقْلِ عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ كَنَزْعِ الْخُفِّ وَظَاهِرُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ نَاجِي أَنَّ الْوُضُوءَ يَبْطُلُ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ، وَلَوْ أَعَادَ غَسْلَ مَوْضِعِ الْأَظْفَارِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ بِالْقُرْبِ وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْوُضُوءَ يَبْطُلُ بِنَزْعِ الْخُفِّ وَأَنَّ

تنبيهات إذا نبت للمرأة لحية

غَسْلَ مَا تَحْتَهُ بِالْقُرْبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ يَقُولُ بِذَلِكَ وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ بِمَا نَقَلَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ مَعَ الطُّولِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ مَسْأَلَةِ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْهُ الْآتِيَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لَهُ وَفْرَةٌ فَحَلَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمَسْحَ انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَلَا يَعُودُ بِزَوَالِ شَيْءٍ مِنْهُ كَمَا إذَا مَسَحَ وَجْهَهُ فِي التَّيَمُّمِ أَوْ غَسَلَهُ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قُطِعَ أَنْفُهُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ بِمِنًى ثُمَّ يَنْزِلُونَ إلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَعَادَ مَسْحَ رَأْسِهِ إذَا حَلَقَهُ لِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ لِطَهَارَةِ الْجَنَابَةِ وَهِيَ كَانَتْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنَابِتَ الشَّعْرِ لَمْ تُغْسَلْ وَهِيَ مِنْ الْبَشَرَةِ الْمَأْمُورِ بِغَسْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخُفِّ وَسُقُوطِ الْجَبِيرَةِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَسْحَ الشَّعْرِ أَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ غَسْلُ الْأَظْفَارِ، بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ بَدَلٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْأَصْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَمْ يُعِدْ غُسْلَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (الثَّانِي) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِمَّنْ هُوَ خَارِجُ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَفِي لِحْيَتِهِ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَفِي غَسْلِ مَحَلِّهَا قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَلَا يَغْسِلُ مَحَلَّهَا وَقَالَ الشَّارِقِيُّ: يَغْسِلُهُ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَ لِابْنِ بَطَّالٍ وَعَزَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَبِيرَةِ لِابْنِ الطَّلَّاعِ قَالَ: وَبِهِ فَتْوَى الشُّيُوخِ قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرَّأْسِ أَنَّ شَعْرَهُ أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ شَعْرِهَا وَاقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَصِّ الشَّارِبِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَنَصُّهُ وَمَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ هَلْ يُعِيدُ غَسْلَهُ؟ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ لَا وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ وَالرَّأْسُ وَالْأَظْفَارُ بَابٌ وَاحِدٌ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ [تَنْبِيهَاتٌ إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) وَانْظُرْ إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ وَحَلَقَتْهَا هَلْ حُكْمُهَا كَحُكْمِ الرَّجُلِ أَوْ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا لِلْخِلَافِ فِي جَوَازِ حَلْقِهَا إيَّاهَا؟ لَمْ أَقِفْ فِيهَا عَلَى نَصٍّ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) وَانْظُرْ إذَا حَلَقَهَا بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ هَلْ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ غَسْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّأْسِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالْأَرْجَحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ بِضْعَةٌ الْآتِيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ لِحْيَتَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَحْلِقَهَا الْغَيْرُ أَوْ تَسْقُطَ فَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَدْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ وَفَرَضَهَا الْأَقْفَهْسِيُّ فِيمَنْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ فَقَالَ: لَوْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ. وَفَرَضَهَا ابْنُ نَاجِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَبِيرَةِ فِيمَنْ سَقَطَتْ لِحْيَتُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُحْلَقَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا أَوْ شَارِبُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ قَالَ: وَمِنْهُ تَحْذِيفُ الْمَغَارِبَةِ لِمَا حَوَالَيْ الْعَارِضَيْنِ وَالشَّارِبِ وَحَكَى الْجُزُولِيُّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ. (الرَّابِعُ) وَحَلْقُ اللِّحْيَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الشَّارِبُ وَهُوَ مُثْلَةٌ وَبِدْعَةٌ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ أَوْ شَارِبَهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَيَخْشَى طُولَ شَارِبِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي جَامِعِهِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْفَى شَارِبَهُ يَوْجَعُ ضَرْبًا وَهُوَ بِدْعَةٌ وَإِنَّمَا الْإِحْفَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَجِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ فَأَحْفَى شَارِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ وَيُؤْذِيَهُ، وَقَدْ رُخِّصَ لَهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا دَعَتْ

ضَرُورَةٌ إلَى حَلْقِهِ أَوْ حَلْقِ اللِّحْيَةِ لِمُدَاوَاةِ مَا تَحْتَهَا مِنْ جُرْحٍ أَوْ دُمَّلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَذَكَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْفِطْرَةِ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خُلِقَ لَهَا لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ بِحِلَاقِ غَيْرِهَا مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ مَا نَصُّهُ مِنْهُمْ مِنْ جَعَلَ حِلَاقَ شَعْرِ الْجَسَدِ سُنَّةً وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، الْجُزُولِيُّ وَهَذَا لِلرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَحَلْقُ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ مُثْلَةٌ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الطَّبَرِيِّ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقُ شَعْرِ جَسَدِهَا لِلْمُثْلَةِ فَمُثْلَةُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ أَشَدُّ فَتَأَمَّلْهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ الزَّنَاتِيِّ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الطَّبَرِيِّ وَلَعَلَّ الزَّنَاتِيَّ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الطَّبَرِيَّ أَوْ حَكَاهُ عَنْهُ، فَظَنَّ النَّاقِلُ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - جَوَازُ حَلْقِ الْمَرْأَةِ مَا نَبَتَ لَهَا مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (السَّادِسُ) مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةُ لَحْمٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ قُشِّرَ مِنْهَا جِلْدَةٌ أَوْ قِشْرَةٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِ الْجِلْدِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ لَغَسَلَ مَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مَسَحَهُ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي غَسْلِهِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ احْتَجَّ فِي مَسْأَلَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ بِزَوَالِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَلَا يَصْلُحُ الِاحْتِجَاجُ إلَّا بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ الْعُضْوَ ثُمَّ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ بَاطِنِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ فِي تِلْكَ الطَّهَارَةِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ تَلْحَقُهُمْ الْجِرَاحُ وَيُصَلُّونَ بِحَالِهِمْ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا طَهَّرَ جُرْحَهُ لِمَكَانِ وُضُوئِهِ أَوْ غَسَلَهُ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَلَمْ يَعْزُهُ لَهُ بَلْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ قِيلَ: وَأَمَّا مَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ بِضْعَةُ لَحْمٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ أَوْ يَمْسَحُهُ إنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ وَرَدَّهُ سَنَدٌ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُجْرَحُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ بِلَا إعَادَةٍ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ حَلْقِ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ: فَإِيجَابُ اللَّخْمِيِّ عَمَّنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْهَا غَسَلَ مَا ظَهَرَ أَوْ مَسَحَهُ إنْ شَقَّ حِلَاقُهَا. وَخَطَأُ الطِّرَازِ يُخْرِجُهُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ ابْنُ نَاجِي فَقَالَ: وَأَوْجَبَ اللَّخْمِيُّ عَلَى مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْهَا غَسْلَ مَا ظَهَرَ أَوْ مَسْحَهُ إنْ شَقَّ قِيلَ: وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ ذَكَرَ رَدَّ صَاحِبِ الطِّرَازِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَعَزَا شَيْخُنَا الْبُرْزُلِيُّ مَا نُسِبَ لِلْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَلِكَ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ لَا يَغْسِلُ مَوْضِعَهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَكَذَلِكَ الشَّارِبُ وَالْبِضْعَةُ وَالشَّوْكَةُ إذَا قَطَعَ عَنْهَا وَاللِّحْيَةُ إذَا حُلِقَتْ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمَ، وَرَدَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ إذَا كُشِطَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَهَذَا مِنْ التَّعَمُّقِ وَالْغُلُوِّ، وَقَالَ فِي أَلْغَازِهِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَشَرَ قِشْرَةً. (فَإِنْ قُلْتَ) رَجُلٌ صَلَّى بِلُمْعَةٍ فِي أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ وَهُوَ صَحِيحُ الْجَسَدِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (قُلْتُ) هَذَا فِيمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَشَرَ قِشْرَةً مِنْ يَدِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَوْضِعِ الْقَشْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الطِّيبِيُّ فِي طُرَرِهِ عَلَى التَّهْذِيبِ وَذَكَره أَبُو عَلِيِّ بْنُ قَدَّاحٍ فِي الْقِشْرَةِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ فِيمَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ قَشَرَ جِلْدَةً مِنْ بَثْرَةٍ أَوْ جَرَبٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَتَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ خِلَافُهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ قَشَرَ قِشْرَةً مِنْ جِلْدِهِ أَوْ جُرْحٍ أَوْ بَثْرَةٍ أَوْ قَطَعَ قِطْعَةَ لَحْمٍ

مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ غَسَلَهُ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَوْضِعِ الْقِشْرَةِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا مَا يَنْبُتُ بِإِزَاءِ الظُّفْرِ الَّذِي يُسَمَّى بِالسَّيْفِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَحَلِّهِ إذَا زَالَ، بِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ وَقَالَ لِلسَّائِلِ: بِهَذَا قَالَ صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَيْدٍ إذْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ دَارِ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ الْمَدْفُونِ بِهَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ، وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ لَا يُجِيزُ فِي هَذِهِ لِنُدُورِ مَسْأَلَتِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ مَسْأَلَتِنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (وَالدَّلْكُ) ش: لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْفَرَائِضِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَبَدَأَ مِنْهَا بِالدَّلْكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْغَسْلِ وَلِهَذَا لَمْ يَعُدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَرِيضَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ ذَكَرَهُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الدَّلْكَ فَرْضٌ فِي مَغْسُولِ الْوُضُوءِ جَمِيعِهِ: الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، بِخِلَافِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الدَّلْكِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ؟ الْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُولِ مُسَمَّى الْغَسْلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَادْلُكِي جَسَدَكِ بِيَدِكِ» وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ عِلَّتَهُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَسَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى غَسْلًا، وَقَدْ فَرَّقَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالِانْغِمَاسِ، وَالثَّانِي نَفْيُ وُجُوبِهِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ اسْمِ الْغَسْلِ بِدُونِهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَحَقُّقِ إيصَالِ الْمَاءِ فَمَنْ تَحَقَّقَ إيصَالَ الْمَاءِ لِطُولِ مُكْثٍ أَجْزَأَهُ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِأَبِي الْفَرَجِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَزَاهُ لَهُ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِأَبِي الْفَرَجِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الدَّلْكِ، وَالْخِلَافُ فِي الْغَسْلِ كَالْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغَسْلِ فَقَطْ دُونَ الْوُضُوءِ أَيْ فَيَجِبُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَحَكَى الْمِسْنَاوِيُّ قَوْلًا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا أَعْرِفُهُ فَيَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. (قُلْتُ) بَلْ خَمْسَةٌ وَالْخَامِسُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ، وَإِنْكَارُ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ عَجِيبٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: التَّدَلُّكُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ وَغَيْرُهُ: مُسْتَحَبٌّ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ. وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ يُطْلِقُونَ الْمُسْتَحَبَّ عَلَى السُّنَّةِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمُوَالَاةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ حَكَى ابْنُ بَطَّالٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّدَلُّكِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. الشَّيْخُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ فِيهَا فَاغْسِلُوا وَآيَةَ الْغُسْلِ فِيهَا فَاطَّهَّرُوا، وَأَحَادِيثُ الْوُضُوءِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّدَلُّكِ وَأَحَادِيثُ الْغُسْلِ إنَّمَا فِيهَا أَفَاضَ الْمَاءَ وَاغْتَسَلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغُسْلِ فَقَطْ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْبَعَةُ فُرُوعٍ: حَقِيقَةُ الدَّلْكِ وَمُقَارَنَتُهُ لِلْمَاءِ وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهِ وَنَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ. (فَرْعٌ) فَأَمَّا حَقِيقَةُ الدَّلْكِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَهِيَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي نَهْرٍ يَنْوِي بِهِ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَمُرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَمُرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَعَلَى الْمُغْتَسِلِ وَالْمُتَوَضِّئِ أَنْ يُمِرَّ الْيَدَ مَعَ الْمَاءِ فِي حِينِ غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ، فَإِنْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ حِينَ غُسْلِهِ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ أَوْ غَمَسَهَا فِي الْمَاءِ وَلَمْ يُمِرَّ الْيَدَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ عِنْدَ مَالِكٍ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ: فَيُفْرِغُهُ

عَلَيْهِ غَاسِلًا لَهُ بِيَدَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَدْلُكُهُ بِهِمَا مَعَ الْمَاءِ أَوْ أَثَرِهِ مُتَّصِلًا بِهِ دَلْكًا وَسَطًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ الْوَسَخِ الْخَفِيِّ بَلْ مَا ظَهَرَ وَحَالَ بَيْنَ مُبَاشَرَةِ الْمَاءِ لِلْعُضْوِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَا يَلْزَمُ إزَالَةُ الْوَسَخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَجَسِّدًا، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: وَالْغَسْلُ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ لَا إرْسَالُ الْمَاءِ فَقَطْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْلُكَ وَجْهَهُ وَإِنْ طَافَهُ وَخَفَّ إمْرَارُ الْيَدِ يُجْزِي إذَا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَسْلِ، وَمَا أَنْقَى مِنْ بَشَرَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ إذَا كَانَ لَا وِقَايَةَ لِلْوَجْهِ مِمَّا يُوقَى بِهِ سَائِرُ الْجَسَدِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَأَمَّا مُقَارَنَةُ الدَّلْكِ لِصَبِّ الْمَاءِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُقَارِنًا لِصَبِّ الْمَاءِ وَلَا يَكْفِي إذَا كَانَ عَقِبَ الصَّبِّ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الثَّانِيَةُ غَسْلُ الْوَجْهُ بِنَقْلِ الْمَاءِ إلَيْهِ مَعَ الدَّلْكِ. قَوْلُهُ: مَعَ الدَّلْكِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُنْقَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الدَّلْكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِصَبِّ الْمَاءِ وَلَا يَكْفِي إذَا كَانَ بِأَثَرِ الصَّبِّ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَابِسِيِّ خِلَافَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يَكْفِي كَوْنُهُ عَقِبَ صَبِّ الْمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ هَارُونَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الْغُسْلِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ. فَقَالَ: وَلَوْ تَدَلَّكَ عَقِيبَ الِانْغِمَاسِ أَوْ الصَّبِّ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَدَلَكَ وَلَوْ بَعْدَ الْمَاءِ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ: الدَّلْكُ إمْرَارُ الْيَدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مَعَ الْمَاءِ وَفِي اشْتِرَاطِ مُقَارَنَتِهِ لِصَبِّ الْمَاءِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهَا يُؤَدِّي إلَى مَشَقَّةٍ وَلِأَنَّ الْمَاءَ إذَا صُبَّ عَلَى الْجَسَدِ يَبْقَى زَمَانًا فَإِذَا تَدَلَّكَ عَقِبَ الصَّبِّ وَالْمَاءُ يَسِيلُ عَلَى جَسَدِهِ كَانَ كَمَنْ تَدَلُّكَ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ، وَقَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَعْرُكُهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى. وَالْعَرْكُ الدَّلْكُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِفَاضَةِ فِي كُلِّ مَغْسُولٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأُ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ جَوَازَ التَّعَقُّبِ مَعَ الِاتِّصَالِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: الْفَرْضُ السَّابِعُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَالدَّلْكِ وَحَقِيقَتِهِ إمْرَارُ الْيَدِ مَعَ الْمَاءِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى أَثَرِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ وَتَرْجِيحُهُ لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ الْبَاجِيِّ نَحْوَ قَوْلِ الْقَابِسِيِّ وَنَصُّهُ: شُرِطَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ قَبْلَ ذَهَابِ الْمَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ مَسْحٌ ابْنُ عَرَفَةَ يَأْتِي فِي الْغُسْلِ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْغُسْلِ وَقَدْ حَكَى ابْنُ هَارُونَ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافَ هُنَا كَالْخِلَافِ هُنَاكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ فِي الدَّلْكِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ضَرُورَةٍ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَيَنْوِي الْمَغْسُولُ لَا الْغَاسِلُ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ هَلْ يُجْزِيهِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ غَاسِلًا لَهُ: لَا خِلَافَ فِي النِّيَابَةِ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيُؤْخَذُ جَوَازُهَا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ إذْ كَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا عَلَى الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَيَنْوِي الْمَفْعُولُ لَا الْفَاعِلُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ هَلْ يُجْزِيهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَلَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةً عَلَى أَنْ يَغْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ عُضْوًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ فَقَوْلَانِ، مَنْ قَالَ التَّرْتِيبُ فَرْضٌ لَا يُجْزِيهِ، وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي بَابِ الْغُسْلِ وَشَهَرَ الْإِجْزَاءُ، وَلَفْظُ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ: فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقِيلَ: يُجْزِيهِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِيهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ فَعَلَ حَرَامًا وَيُجْزِيهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ شَعْبَانَ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِجْزَاءُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَسْمِ النُّذُورِ وَالْجَنَائِزِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ

الْجَوَارِي رِجْلَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلصَّلَاةِ قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيٍ، قِيلَ لَهُ: أَلَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ اللَّمْسِ قَالَ: لَا لَعَمْرِي وَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شُغْلٍ أَوْ عُذْرٍ يَجِدُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ فِي لَمْسِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ الِالْتِذَاذَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ، فَلَوْ الْتَذَّ ابْنُ عُمَرَ لَمَا صَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَلِيَ الْمُغْتَسِلُ أَوْ الْمُتَوَضِّئُ أَوْ الْمُتَيَمِّمُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ وَلِيَ ذَلِكَ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ، وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ اسْتِنْكَافًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِكْبَارًا عَنْهَا وَتَهَاوُنًا بِهَا انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَنَصُّهُ: سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَمَّنْ تَوَضَّأَ عَلَى نَهْرٍ فَلَمَّا فَرَغَ خَضْخَضَ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ فَقَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَغْسِلُهُمَا وَلَا يُجْزِيهِ قَالَ أَصْبَغُ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ غَسَلَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؟ قَالَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ يُجْزِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْغَسْلَ فِي اللُّغَةِ لَا يُفْعَلُ إلَّا بِصَبِّ الْمَاءِ وَإِمْرَارِ الْيَدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ مِنْ دَلْكِ إحْدَى رِجْلَيْهِ بِالْأُخْرَى فِي دَاخِلِ الْمَاءِ إنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُمَا بِيَدَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ دَلْكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَا يُمْكِنُهُ أَوْ لَعَلَّهُ فَعَلَهُ اسْتِخْفَافًا مِنْ فَاعِلِهِ وَتَهَاوُنًا إذَا فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ فَتَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْوُضُوءِ؟ قُلْتُ أَمَّا فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ فَتَجُوزُ، وَأَمَّا فِي الدَّلْكِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنِيبُ مَرِيضًا. قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ غَسْلِ وَجْهِهِ وَلَّى غَيْرَهُ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي كَانَ يَلِي مِنْ نَفْسِهِ، وَأَجْزَأَ ذَلِكَ الْغَسْلُ عَنْ مُرَادِهِ، وَنِيَّتُهُ بِحَسَبِ مَا نَوَاهُ وَأَرَادَهُ وَغَيْرُ نَافِعٍ لَهُ مَا يَنْوِيه الْمَأْمُورُ مِنْ وِفَاقِهِ أَوْ خِلَافِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَلِيَ مِنْهُ مَا كَانَ يَلِي مِنْ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ فِيهَا الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ كَانَ كَمَا وَصَفْنَا، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْوُضُوءِ: وَلَوْ وَلَّى ذَلِكَ يَعْنِي غَسْلَ أَعْضَائِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مُكْرَهًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَجْزَأَهُ وَلَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ عِنْدَ فِعْلِ الْفَاعِلِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَأَحْدَثَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْفَاعِلِ تَمَّ لَهُ ذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ نَوَى الطَّهَارَةَ بَعْدَ أَنْ غُسِلَتْ بَعْضُ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِذَلِكَ أَعَادَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ بَعْضَ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ أَنْ أَعَادَ ذَلِكَ الْعُضْوَ وَحْدَهُ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنَكِّسِ. هَذَا إذَا أَعَادَ غَسْلَهُ بِالْقُرْبِ وَإِلَّا كَانَ مُفَرِّقًا لِلطَّهَارَةِ عَمْدًا فَلَا يُجْزِيهِ انْتَهَى. بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى (قُلْتُ) وَقَدْ تَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَقْطَعِ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْغُسْلِ وَفِي آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا نَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، فَلَوْ أَرْسَلَ الْمَاءَ مِنْ يَدَيْهِ ثُمَّ مَرَّ بِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ لَمْ يُجْزِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَلَيْسَ بِغَسْلٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّقْلِ حَمْلُ الْمَاءِ بِالْيَدِ إلَى الْعُضْوِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، فَلَوْ أَصَابَ الْمَطَرُ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوْ جَسَدِهِ أَوْ خَاضَ بِرِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ وَتَدَلَّكَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا أَنَّ الْجُنُبَ إذَا انْغَمَسَ فِي نَهْرٍ وَتَدَلَّكَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إذَا نَصَبَ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ حَتَّى حَصَلَ فِيهِمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ

فِي التَّوْضِيحِ: الصُّوَرُ ثَلَاثٌ مِنْهَا مَا اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ النَّقْلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّهْرِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ. يُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا انْغَمَسَ فِي النَّهْرِ وَتَدَلَّكَ فِيهِ لِلْغُسْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ الْمَاءَ بِيَدِهِ إلَيْهِ وَلَا صَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ سَحْنُونٍ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. (قُلْتُ) لِسَحْنُونٍ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ فَيُصِيبُهُ الْمَطَرُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ وَيَتَوَضَّأَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا هَلْ يَتَجَرَّدُ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمَطَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَزِيرًا؟ قَالَ: إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَا يَبُلُّ جِلْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَجَرَّدَ وَيَتَطَهَّرَ. ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا إذَا نَصَبَ يَدَهُ لِلْمَطَرِ فَحَصَلَ فِيهَا مِنْ الْمَطَرِ مَا يَكُونُ بِنَقْلِهِ إلَى وَجْهِهِ وَسَائِرِ أَعْضَائِهِ غَاسِلًا لَهُ وَمِنْ بَلَّتِهِ مَا يَمْسَحُ بِهِ رَأْسَهُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الرَّأْسِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَا أَصَابَهُمَا مِنْ الْمَطَرِ دُونَ أَنْ يَنْقُلَ إلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَدَيْهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ رَوَاهُ عَنْهُ عِيسَى فِيمَا حَكَى الْفَضْلُ وَذَلِكَ أَيْضًا قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَأَبْقَى رِجْلَيْهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَغَسَلَهُمَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى بِهِ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَدَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إجْمَاعَهُمْ عَلَى إجْزَاءِ انْغِمَاسِ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ وَتَدَلُّكِهِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلَّ صُوَرِ الْغَسْلِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِيهَا، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى صُوَرِ الِانْغِمَاسِ وَلَوْ اغْتَسَلَ خَارِجَ الْمَاءِ كَانَ كَالْوُضُوءِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَقَالَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَبِالثَّانِي قَطَعَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ بِمَا أَصَابَهَا مِنْ الْمَطَرِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ قَوْلَانِ، مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ فِي النَّهْرِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا لَوْ لَاقَى بِرَأْسِهِ الْمَطَرَ ثُمَّ مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ حُكِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ مَسَحَ بِمَا عَلَى رَأْسِهِ مِنْ بَلَلِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونًا قَالَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِمَاءِ الْمَطَرِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى هَذَا فَاتَّفَقَ نَقْلُ الْبَاجِيِّ وَابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِجْزَاءِ فِي الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَسْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاجِيِّ: وَأَمَّا إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ يَعْنِي الرَّأْسَ فَهُوَ أَنْ يَنْقُلَ بَلَلَ الْمَاءِ بِيَدِهِ إلَيْهِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ جَافَّةً عَلَى بَلَلِ رَأْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَسْحٍ بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْحٌ بِيَدِهِ، حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي يَتَوَضَّأ بِالْمَطَرِ يَنْصِبُ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ فَيَمْسَحُ بِالْبَلَلِ رَأْسَهُ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى جَسَدِهِ بِمَا صَارَ فِيهِ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَاءَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ لَمْ يَكُنْ الْمَاسِحُ مَاسِحًا بِالْمَاءِ وَمَاءُ الْغُسْلِ يَعْلَقُ بِالْيَدِ وَيَتَصَرَّفُ مَعَهَا عَلَى أَعْضَاءِ الْغُسْلِ كَانَ فِي الْيَدِ مَاءٌ أَمْ لَا لِكَثْرَتِهِ فَيَكُونُ غَاسِلًا بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] يَقْتَضِي وُجُوبَ النَّقْلِ إذْ التَّقْدِيرُ أَلْصِقُوا بَلَلَ أَيْدِيكُمْ بِرُءُوسِكُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ

الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ وَأَقَامَ مِنْهَا عَدَمَ وُجُوبِ النَّقْلِ هِيَ قَوْلُهَا: وَمَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَكَهُمَا فِيهِ بِيَدَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ اهـ. (قُلْتُ) وَيَقُومُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَة أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي نَهْرٍ إلَى آخِرِهِ. وَقَدْ أَقَامَهُ مِنْهَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ نَاجِي فِيهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا وَنَصِّ مَا فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمُ عَنْ الَّذِي يَتَوَضَّأ وَيَنْسَى غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَيَمُرُّ بِنَهْرٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَيَخُوضُهُ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَلَكَ إحْدَى رِجْلَيْهِ بِالْأُخْرَى أَجْزَأَهُ. ابْنُ الْقَاسِمُ إذَا دَلَكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَكَانَ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَسِيَهَا وَفَارَقَ مَحَلَّ وُضُوئِهِ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَهُ ارْتُفِضَتْ النِّيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَزِمَهُ تَجْدِيدُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَأَبْقَى رِجْلَيْهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا وَغَسَلَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْقَاهُمَا ظَنًّا أَنَّهُ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ، فَإِنْ أَبْقَاهُمَا قَاصِدًا لِغَسْلِهِمَا فِي النَّهْرِ لَمْ يَحْتَجْ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَأَجْزَأَهُ غَسْلُهُمَا فِي النَّهْرِ دُونَ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّهْرِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أَدْخَلَهُمَا فِيهِ وَدَلَكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ انْتَهَى. وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهِ لَا يَعْنِي مَا يُعْطِيه ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِنْ رَفْعِ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ بَلْ حُصُولَهُ عَلَى سَطْحِ الْوَجْهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ حَتَّى لَوْ أَلْقَى وَجْهَهُ إلَى مِيزَابٍ أَوْ مَطَرٍ وَابِلٍ وَأَتْبَعَ الدَّلْكَ لَكَفَاهُ وَكَذَا الْمَنْقُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (فَإِنْ قُلْتُ) لَا يَحْتَاجُ هَذَا إلَى بَيَانٍ لِأَنَّ مِثْلَ مَا ذَكَرْت لَا يَلْتَبِسُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ (قُلْتُ) قَدْ يَلْتَبِسُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْمَسْحِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ أَنْ يُلَاقِيَ بِرَأْسِهِ مَاءَ الْمَطَرِ ثُمَّ يَمْسَحَهُ بِيَدَيْهِ فَقَدْ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي تَغْلِيطِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ قُصُورٌ يَعْنِي لِأَنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْضًا جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ مَسْحَ رَأْسِهِ بِمَا نَالَهُ مِنْ رَشٍّ دُونَ يَدَيْهِ مُجْزِئًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ، نَقْلِ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَمَنْ لَقِينَاهُ عَدَمَ إجْزَائِهِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ وَفِي بَابِ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَحَكَى ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ مُنْغَمِسٌ فِي الْمَاءِ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غُسْلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِ الْمَاءَ بَلْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ نَقْلِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَا يَدْفَعُ أَنْ يُسَمَّى هَذَا غُسْلًا انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ مِنْ صُوَرِ النَّقْلِ فَقَالَ: وَمِنْهَا مَا اُتُّفِقَ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ النَّقْلِ وَهِيَ إذَا أَخَذَ الْإِنْسَانُ الْمَاءَ ثُمَّ نَفَضَهُ مِنْ يَدِهِ وَمَرَّ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْعُضْوِ فَلَا يُجْزِئُهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَلَيْسَ بِغُسْلٍ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ أَرْسَلَ الْمُتَوَضِّئُ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ الْمَاءَ مِنْ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى وَجْهِهِ لَا مَاءَ فِيهِمَا إلَّا الْبَلَّةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَكُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ مَاسِحٌ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْحَ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِمِثْلِ الْخُفَّيْنِ وَالرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ فَهَذَا الشَّأْنُ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ بِالْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ يَمْسَحُ، وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ أَصْبَغَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ الشَّيْخِ زَرُّوق أَنَّ نَفْضَ الْيَدِ قَبْلَ إيصَالِ

الْمَاءِ إلَى الْوَجْهِ مُبْطَلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ صَبُّهُ مِنْ دُونِ الْجَبْهَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ خِلَافُ مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ. وَنَصُّهُ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَبُلُّ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ وَيُمِرُّهُمَا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ هَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ أَوْ يَلْزَمُ نَقْلُ الْمَاءِ إلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْبَلَلِ؟ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ النَّقْلُ. (قُلْتُ) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ نَقْلَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ - بِمَعْنَى إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ - وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَأَمَّا حَمْلُ الْمَاءِ إلَيْهِ بِالْيَدِ فَلَا يَجِبُ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ انْغِمَاسِ الْجُنُبِ فِي النَّهْرِ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَصَابَ الْمَطَرُ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوْ جِسْمِهِ أَوْ خَاضَ بِرِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ فَعَلَى الرَّاجِحِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَسْحُهُ بِالْبَلَلِ الْحَاصِلِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَسْحُهُ بِبَلَلٍ لِحْيَتَهُ أَوْ ذِرَاعَيْهِ يَأْتِي فِي الْمُوَالَاةِ. ص (وَهَلْ الْمُوَالَاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا وَإِنْ عَجَزَ بَنَى مَا لَمْ يَطُلْ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلَا أَوْ سَنَةٍ؟ خِلَافٌ) ش هَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ السَّادِسَةُ وَهِيَ الْمُوَالَاةُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ فِي الْأَجْسَامِ وَهِيَ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْأَمَاكِنِ، مَجَازٌ فِي الْأَفْعَالِ، وَمِنْهُ الْوَلَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالتَّوَالِي انْتَهَى. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الطَّهَارَةِ فِي زَمَنٍ مُتَّصِلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ فَاحِشٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْفَوْرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى أَشَدُّ لِكَوْنِهَا تَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ فِيمَا بَيْنَ الْأَعْضَاءِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْعُضْوِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا لَفْظُ الْفَوْرِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا الصَّحِيحُ عَدَّهَا مِنْ الْفَرَائِضِ وَأَشَارَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمَنَاهِي وَالتُّرُوكِ، احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي تَرْكِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَهُوَ أَصْلُ التُّرُوكِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي حُكْمِ الْمُوَالَاةِ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، سَاقِطَةٌ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَشَهَّرَهُ أَيْضًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَشَهَّرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ انْتَهَى. (قُلْتُ) لَكِنَّهُ وَافَقَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، فَجَعَلَ التَّفْرِيقَ عَمْدًا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ فِيهَا: وَأَمَّا الْفَوْرُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: فَرْضٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ، وَسُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالثَّالِثُ فَرْضٌ فِيمَا يُغْسَلُ سُنَّةً فِيمَا يُمْسَحُ وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ فَرَّقَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا، وَعَلَى الثَّانِي إنْ فَرَّقَهُ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَرَّقَهُ عَامِدًا فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ لِتَرْكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِهَا عَامِدًا؛ لِأَنَّهُ كَاللَّاعِبِ الْمُتَهَاوِنِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُعَبِّرُ عَلَى مَذْهَبِهِ هَذَا فِي الْفَوْرِ أَنَّهُ فَرْضٌ بِالذِّكْرِ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَزَعَمَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الْمُوَالَاةِ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ فَحَكَى الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَعْنِي الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ: وَالْخَامِسُ وَاجِبَةٌ فِي الْمَغْسُولِ وَالْمَمْسُوحِ الْبَدَلِيِّ دُونَ الْأَصْلِيِّ رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالسَّادِسُ مُسْتَحَبَّةٌ حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَجَعَلَهُ

ابْنُ هَارُونَ سَادِسًا كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ يُطْلِقُونَ عَلَى السُّنَّةِ الِاسْتِحْبَابَ، وَالسَّابِعُ وَاجِبَةٌ إذَا تَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرُ وَاجِبَةٍ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ حَكَاهُ ابْنُ جَمَاعَةَ وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْخَمْسَةَ الْأُوَلَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَحْكِي الْخَمْسَةَ الْأَقْوَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي حُكْمِهَا ابْتِدَاءً وَابْنُ الْحَاجِبِ ذَكَرَ الْخِلَافَ أَوَّلًا فِي حُكْمِهَا بِالسُّنِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ ثُمَّ حَكَى فِيهَا الْخِلَافَ إذَا نَزَلَ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ وَالْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَقْوَى مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِلْوُجُوبِ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَعَطْفُ الْأَعْضَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي جَعْلَهَا فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ. (قُلْتُ) وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلْفَوْرِ وَبِأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَمِنْ حَقِّ الْجَزَاءِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ الشَّرْطِ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» فَنَفَى الْقَبُولَ عِنْدَ انْتِفَائِهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَرَّةٌ مَرَّةً عَلَى الصَّحِيحِ لَا إلَيْهِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْقُيُودِ وَإِلَّا لَانْدَرَجَ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ الْمَخْصُوصُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: الْإِشَارَةُ إلَى الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ بَقِيَ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لِصُورَةِ النِّزَاعِ، أَمَّا إسْقَاطُ الْوُجُوبِ مَعَ النِّسْيَانِ فَلِضَعْفِ مَدْرَكِ الْوُجُوبِ بِالْمُتَأَكِّدِ بِالنِّسْيَانِ، وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِدْلَالِ وِرْدُهُ يَطُولُ. (قُلْتُ) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ فَرَّقَ الطَّهَارَةَ عَامِدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا، وَمَنْ فَرَّقَهَا نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا بَنَى، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا سُنَّةٌ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْبِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا. (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ بَلْ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ عَمْدًا. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ (قُلْتُ) وَحَكَى الِاتِّفَاقَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيّ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ. وَنَصُّهُ: وَأَمَّا التَّفْرِيقُ غَيْرُ الْمُتَفَاحِشِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالتَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مُغْتَفَرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَقَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي إذَا فَرَّقَ الْوُضُوءَ تَفْرِيقًا يَسِيرًا فَهُوَ مُغْتَفَرٌ فَيَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُضُوئِهِ. وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا قَارَبَ الشَّيْءَ هَلْ يُعْطَى حُكْمُهُ أَمْ لَا؟ وَنَحْوَهُ حَكَى صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا التَّفْرِيقُ الْمُؤَثِّرُ هُوَ الْعَمْدُ فَهَلْ يَسْتَوِي قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عُذْرٌ مَشْهُورُ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يُحَرِّمُ الْمُوَالَاةَ وَحُكْمَ الْفَوْرِ لَا يُفْسِدُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُغْتَسِلِ مِنْ الْجَنَابَةِ: إذَا مَسَّ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَائِهِ يَمُرُّ بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَيُجْزِيهِ وَهَذَا تَفْرِيقٌ فِي الْغُسْلِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَشَّفُ مِنْ وُضُوئِهِ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي تَفْرِيعِهِ: لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الطَّهَارَةِ وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَسَلَ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي وُضُوئِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْتَسَلَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمِّ فَتَرَكَ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُضُوءَهُ وَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ حَتَّى غَسَلَهُمَا» . (الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ مَكْرُوهٌ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ مُوَافِقًا، وَقَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ الْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ يَحْكِي الْمَنْعَ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَكَذَا كَلَامُ غَيْرِهِ لَكِنَّ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ الْيَسِيرَةُ فَغَيْرُ مُفْسِدَةٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ إلَّا أَنَّهَا تُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَحَدُّ الْيَسِيرِ مَا لَمْ تَجِفَّ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ، كَمَا قَالُوا فِي حَقِّ مَنْ قَصُرَ مَاؤُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ نَحْوُ مَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ. (قُلْتُ) هَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مُغْتَفَرٌ وَهَذَا عِنْدِي لَا يُحَدُّ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ كَمَا حُدَّ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ لِلْمَاءِ بَلْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ عُذْرِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا سَتَرَاهُ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعَجْزَ عُذْرًا يُعْذَرُ بِهِ فِي التَّفْرِيقِ مَعَ عَدَمِ جَفَافِ الْأَعْضَاءِ، وَالتَّفْرِقَةُ الْيَسِيرَةُ مُغْتَفَرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ بِلَا عُذْرٍ فَتَأَمَّلْهُ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَأَخَذَ يُبَيِّنُ حُكْمَ مَا إذَا تَرَكَ الْمُوَالَاةَ نِسْيَانًا أَوْ عَجْزًا وَبَدَأَ بِالنِّسْيَانِ فَقَالَ: وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ لُمْعَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى وُضُوئِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَغْسِلُ ذَلِكَ الْعُضْوَ أَوْ اللُّمْعَةَ مُطْلَقًا طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ. يُرِيدُ وَيُعِيدُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْعُضْوِ أَوْ تِلْكَ اللُّمْعَةِ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ مَفْرُوضَةً كَانَتْ أَوْ مَسْنُونَةً. قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَكَرَ بِالْقُرْبِ قَبْلَ جَفَافِ أَعْضَائِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الطُّولِ بِجَفَافِ أَعْضَائِهِ لَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَلَا مَا بَعْدَ تِلْكَ اللُّمْعَةِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ أَعَادَ ذَلِكَ وَمَا يَلِيهِ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ أَعَادَهُ فَقَطْ، وَحَدُّ الطُّولِ الْجَفَافُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ إعَادَةِ الْمُنَكَّسِ، وَحَدُّهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ وَإِلَّا فَيُعِيدُهُ مَعَ تَابِعِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ حُكْمَ الْمُنَكَّسِ وَالْمَنْسِيِّ فِي الْإِعَادَةِ سَوَاءٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ إعَادَةَ مَا بَعْدَهُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ فَلَوْ لَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالشَّيْخُ زَرُّوق وَالْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا كَانَتْ إعَادَةُ مَا بَعْدَ الْمَنْسِيِّ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ حُصُولِ التَّرْتِيبِ فَتَكُونُ الْإِعَادَةُ سُنَّةً وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَإِنَّمَا يُعِيدُ مَا يَلِيه إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ لِلتَّرْتِيبِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ سُنَّةٌ فَلَوْ تَرَكَ إعَادَةَ مَا يَلِيه لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ: إنَّ السُّنَنَ الَّتِي يَتَدَارَكُهَا وَيَأْتِي بِهَا أَرْبَعَةٌ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ، وَلَا مَعْنَى لِتَدَارُكِهِ لِلتَّرْتِيبِ إلَّا إتْيَانَهُ لِمَا فَعَلَهُ فِي مَحَلِّهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَإِعَادَةُ مَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلتَّرْتِيبِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالِاسْتِحْبَابِ مَا يُقَابِلُ الْوُجُوبَ فَهُوَ شَامِلٌ لِلسُّنَّةِ أَيْ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِالْمُسْتَحَبِّ الَّذِي هُوَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ السُّنَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِلتَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْهُ. وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي إعَادَةِ مَا بَعْدَ الْمُنَكَّسِ الْآتِي ذِكْرُهُ وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا بَعْدَ الْمَنْسِيِّ مِنْ

مَسْنُونَاتِ الْوُضُوءِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ التَّبَعِ لِلْفَرَائِضِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّهُ لَا يُعِيدُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّالِثُ) مَا وَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَإِعَادَةِ مَا بَعْدَ الْمَنْسِيِّ فِي الْقُرْبِ وَعَدَمِ الْإِعَادَةِ مَعَ الْبُعْدِ؟ فَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ: بِنِيَّةٍ يَعْنِي إذَا قُلْنَا فِي النِّسْيَانِ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ فَلَوْ حَصَلَ غَسْلُ الْعُضْوِ الْمَنْسِيِّ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَنْوِيَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَكَهُمَا بِيَدِهِ فِيهِ وَلَمْ يَنْوِ تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ رِجْلَيْهِ وَظَنَّ أَنَّهُ أَكْمَلَ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَ مَا لَمْ يُطِلْ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ نَسِيَ الْمُوَالَاةَ ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ تَرَكَهَا عَجْزًا كَمَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ وَقَامَ لِطَلَبِهِ فَيَبْنِي مَا لَمْ يُطِلْ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ فَأُهْرِيقَ أَوْ غُصِبَ أَوْ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ بِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُ كِفَايَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْبَاجِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَوَضَّأَ بَعْضِ وُضُوئِهِ فَعَجَزَ مَاؤُهُ فَقَامَ لِطَلَبِهِ فَإِنْ قَرُبَ بَنَى وَإِنْ تَبَاعَدَ وَجَفَّ وَضُوءُهُ ابْتَدَأَ وُضُوءَهُ قَالَ عِيَاضٌ: ذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه فَكَانَ كَالْمُفَرِّطِ وَالْمُغَرِّرِ وَلَوْ أَعَدَّ مَا يَكْفِيهِ فَأُهْرِيقَ لَهُ أَوْ غُصِبَ لَكَانَ حُكْمُهُ كَالنَّاسِي وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يَبْنِي إذَا عَجَزَ وَإِنْ طَالَ، وَحَمَلَهُ الْبَاجِيُّ عَلَى الْخِلَافِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَهَذَا إذَا ذَكَرَ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ) وَبَعْضُ الشُّيُوخِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ عِيَاضٌ هُوَ اللَّخْمِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيمَا إذَا غُصِبَ مِنْهُ الْمَاءُ أَوْ أُهْرِيقَ أَنَّهُ يَبْنِي وَلَوْ طَالَ وَنَصُّهُ: وَيَنْبَغِي مُوَالَاةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ غُلِبَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ أُهْرِيقَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ وَإِنْ بَعُدَ طَلَبُهُ لِلْمَاءِ، وَاخْتَلَفَ إذَا فَرَّقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ كَانَ مُجْبَرًا عَلَى التَّفْرِيقِ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَإِنْ طَالَ بِلَا خِلَافٍ وَنَصُّهُ: التَّفْرِيقُ لِلْعُذْرِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُجْبَرًا عَلَى التَّفْرِيقِ وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَأَلْحَقَ بِهِ اللَّخْمِيُّ مَنْ ابْتَدَأَ بِمَاءٍ كَافٍ فَأَرَاقَهُ لَهُ رَجُلٌ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَإِنْ طَالَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. الثَّانِي: أَنْ يُفَرِّقَ نَاسِيًا وَهَذَا يَبْنِي وَإِنْ طَالَ. الثَّالِثُ: أَنْ يَعْجَزَ مَاؤُهُ وَقَدْ ابْتَدَأَ بِمَا ظَنَّهُ كَافِيًا وَهَذَا يَبْنِي فِيمَا قَرُبَ دُونَ مَا بَعُدَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْذَرَ بِاجْتِهَادِهِ، وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ إنْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه ثُمَّ غُصِبَ لَهُ أَوْ أُرِيقَ لَهُ أَوْ أَرَاقَهُ هُوَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ طَالَ طَلَبُهُ لِلْمَاءِ، وَقِيلَ: يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ، وَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَزِيزَةَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ الْبِنَاءُ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنِ بَزِيزَةَ: ذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْعَاجِزِ ثَلَاثَ صُوَرٍ. (الْأُولَى) أَنْ يَقْطَعَ أَنَّ الْمَاءَ يَكْفِيه. (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَقْطَعَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَكْفِيه. (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَشُكَّ فِي ابْتِدَاءِ وُضُوئِهِ هَلْ يَكْفِيه أَمْ لَا فَفِي كُلِّ صُورَةٍ قَوْلَانِ الِابْتِدَاءُ وَالْبِنَاءُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْأُولَى الْبِنَاءُ وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الِابْتِدَاءُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَقَالَ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ: مَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه فَأُهْرِيقَ أَوْ غُصِبَ سَوَّى اللَّخْمِيُّ بَيَّنَهُ وَبَيَّنَ النَّاسِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ أَوْ نَصُّهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ إذْ النِّسْيَانُ يَتَعَذَّرُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَالْإِهْرَاقِ فَإِنَّهُ نَادِرٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَاجِزَ إذَا أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه ثُمَّ غُصِبَهُ أَوْ أُهْرِيقَ لَهُ أَوْ أَهْرَاقَهُ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفْرِيقِ يَبْنِي وَإِنْ طَالَ كَالنَّاسِي بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ وَعِنْد بَعْضِهِمْ عَلَى الرَّاجِحِ. فَكَانَ يَنْبَغِي

لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْ يَحْكِيَ فِيهَا خِلَافًا إنْ كَانَ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ كَلَامُ الْبَاجِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَحَكَى فِي الطِّرَازِ عَنْ التُّونُسِيِّ تَرَدُّدًا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا. (تَنْبِيهٌ) اسْتَثْنَى الرَّجْرَاجِيُّ مِنْ صُوَرِ الْعَجْزِ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ مَا إذَا أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ قَطْعًا فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ تَعَمَّدَ وَأَخَذَ مَا لَا يَكْفِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَمَّدَ إلَى تَفْرِيقِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَذَّالِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَعَجَزَ مَاؤُهُ يُرِيدُ إذَا أَعَدَّ مَا يَكْفِيهِ وَإِلَّا ابْتَدَأَ. (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا مِمَّا يُغْتَفَرُ ابْتِدَاءً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلَا أَيْ الْأَعْضَاءُ وَالزَّمَانُ وَهَذَا بَيَانٌ لِحَدِّ الطُّولِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْجِسْمِ الْمُعْتَدِلِ فِي الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَفَافِ مَظِنَّةُ الْقُرْبِ فِي الْعَادَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُفُوفِ لِأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٍ فَكَانَ قِيَامُ الْبَلَلِ عِنْدَهُمْ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَيَتَّصِلُ الْأَخِيرُ بِأَثَرِ الْغَسْلِ السَّابِقِ وَقِيلَ: بَلْ الطُّولُ مُحَدَّدٌ بِالْعُرْفِ حَكَاهُ الْقَابِسِيُّ وَعِيَاضٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَعَزَا الْفَاكِهَانِيُّ الْأَوَّلَ لِابْنِ حَبِيبٍ فَقَطْ وَهُوَ قُصُورٌ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. (قُلْتُ) قَدْ عَزَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي بَاب صِفَةِ الْوُضُوءِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَأَمَّا حَدُّ التَّفَاحُشِ فَأَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّ الضَّابِطَ فِي التَّفَاحُشِ أَنْ يَجِفَّ مَا غُسِلَ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ فِي الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ وَالْمِزَاجِ الْمُعْتَدِلِ مِنْ النَّاسِ وَأَمَّا فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ فَعَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ: وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِقْدَارُهُ مَا يَجِفُّ وَضُوءُهُ فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلٍ، وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَزِيدُ فِي الْأَعْضَاءِ الْمُعْتَدِلَةِ يُرِيدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرُّطُوبَةِ وَالْقَشَابَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُهُ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ الْجِسْمَ الْمُعْتَدِلَ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ الْبَدَنَ الْمُعْتَدِلَ اعْتِدَالُ الْمِزَاجِ، لَا كَوْنُ الشَّخْصِ بَيْنَ الشَّبَابِ وَالشُّيُوخَةِ بَلْ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ غَالِبًا، وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الطُّولِ التَّحْدِيدُ بِالْعُرْفِ، وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: هُنَا دَقِيقَةٌ فِي اعْتِبَارِ الْجَفَافِ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرْ الْجَفَافُ مِنْ آخِرِ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الْأَعْضَاءِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ فَصْلٌ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ قَبْلَ جَفَافِ مَاءِ الْيَدَيْنِ وَبَعْدَ جَفَافِ مَاءِ الْوَجْهِ هَلْ يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَكَذَلِكَ هَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ الْأُولَى حَتَّى لَوْ طَالَ الْفَصْلُ نِسْيَانًا بَيْنَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَغَسَلَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ غَسَلَ الْعُضْوَ الَّذِي يَلِي الثَّانِيَةَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَجِفُّ فِيهَا بَلَّةُ الْأُولَى دُونَ الثَّالِثَةِ هَلْ يَضُرُّ أَمْ لَا؟ قَالَهُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اغْتِفَارُ ذَلِكَ جَمِيعِهِ وَأَنَّهُ مَا دَامَ الْبَلَلُ مَوْجُودًا جَازَ الْبِنَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يَبْنِي فِي النِّسْيَانِ مُطْلَقًا فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ ذِكْرِهِ فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ عَامِدًا بَطَلَ وُضُوءُهُ إنْ تَفَاحَشَ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ لَمْ يَبْطُلْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ أَخَّرَ حِينَ ذَكَرَهُ فَكَالْمُتَعَمِّدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ هَذِهِ اللُّمْعَةَ لَمْ يَغْسِلْهَا فِي الْوَقْتِ ثُمَّ غَسَلَهَا بِالْقُرْبِ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَرَاخَى الْمِقْدَارَ الَّذِي لَوْ فَرَّقَ فِيهِ طَهَارَتَهُ لَمْ يَبْتَدِئْ الطَّهَارَةَ لِقُرْبِ ذَلِكَ لَمْ يَبْتَدِئْ جَمِيعَ طَهَارَتِهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ ابْتِدَاءُ طَهَارَتِهِ مِنْ أَوَّلِهَا نَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ ذَكَرَ اللُّمْعَةَ أَوْ الْعُضْوَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَجِدْ فِيهِ مَا يَغْسِلُهَا بِهِ فَحَكَى فِي النُّكَتِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدِ مِنْ شُيُوخِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ إنْ طَالَ طَلَبُهُ لِلْمَاءِ ابْتَدَأَ جَمِيعَ طَهَارَتِهِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَهُ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِلْإِبْيَانِيِّ أَنَّهُ يَبْنِي مُطْلَقًا وَجَدَ الْمَاءَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ، وَمَضَى مُبَادِرًا، وَالثَّانِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّكَتِ وَنَصُّهُ بَعْدَ

مسح بعض الأعضاء بما تبقى من ماء في اللحية أو غيرها

مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْإِبْيَانِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ النُّكَتِ خِلَافَ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا وَأَنَّهُ كَمَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ فِي ابْتِدَاءِ طَهَارَتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ مِثْلُ الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْ شُيُوخِنَا ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْإِبْيَانِيِّ وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا أَنَّهُ عَزَاهُمَا لِلْإِبْيَانِيِّ وَشُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ ابْنُ نَاجِي وَلَمْ يَعْزُوَاهُ لِلْوَاضِحَةِ كَمَا ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَسِيَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ ثُمَّ نَسِيَ فَهَلْ يَبْنِي فِي النِّسْيَانِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَرَكَ بَعْضَ مَفْرُوضِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْضَ الْغُسْلِ أَوْ لُمْعَةً عَامِدًا حَتَّى صَلَّى أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ سَهْوًا حَتَّى طَاوَلَ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَقَطْ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ حِينَ ذَكَرَهُ اسْتَأْنَفَ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ تَرْكُ ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فَلَمْ يُعْذَرْ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي وَمِثْلُهُ فِي الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ وَيَصِلُهُ بِآخِرِ صَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ ابْتَدَأَ. ظَاهِرُهُ وَلَوْ سَهْوًا وَيُعَارِضُهُمَا غَسْلُ النَّجَاسَةِ إذَا رَآهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى وَنَسِيَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَرَهَا. وَأُجِيبَ بِضَعْفِ النَّجَاسَةِ وَقَدْ قِيلَ فِيهَا بِالْفَضِيلَةِ وَبِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهَا بِخِلَافِ اللُّمْعَةِ فَإِنَّ غَسْلَهَا وَاجِبٌ فَوْرًا لِذَاتِهَا لِيَصِحَّ الْوُضُوءُ الَّذِي هِيَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ عُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي خِلَافُ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ بِوُضُوءٍ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ وُضُوءِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ يَمْسَحُهُ وَيُعِيدُ الْخَمْسَ، فَإِنْ أَعَادَ الْخَمْسَ نَاسِيًا لِمَسْحِ رَأْسِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَمْسَحُهُ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَ فَقَطْ وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ سَحْنُونٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي عُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ اللُّمْعَةُ مِنْ مَغْسُولِ الْوُضُوءِ غَسَلَ مَوْضِعَهَا ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ إنْ نَسِيَ عُضْوًا غَسَلَهُ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ غَسَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَمَرَّةً وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْبُعْدِ غَسَلَ مَوْضِعَ اللُّمْعَةِ فَقَطْ ثَلَاثًا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالشَّبِيبِيُّ قَالَ الْجُزُولِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا غَسَلَ تِلْكَ الْأَعْضَاءَ أَوَّلًا مَرَّةً مَرَّةً فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. (فَرْعٌ) إذَا تَحَقَّقَ مَوْضِعَ اللُّمْعَةِ غَسَلَهَا خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَوْضِعَهَا غَسَلَ الْعُضْوَ كُلَّهُ. (قُلْتُ) وَهَذَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ لُمْعَةً أَوْ عُضْوًا فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ بَلْ شَكَّ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ غَسَلَهُ فَلْيَغْسِلْ مَا شَكَّ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِ وُضُوئِهِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعُضْوِ بَلَلٌ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ غَسَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَلَلٌ غَسَلَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طُولٍ مِمَّا يَجِفُّ فِيهِ لَوْ كَانَ غَسَلَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ غَسْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) مَنْ ذَكَرَ لُمْعَةً مِنْ غُسْلِهِ أَوْ عُضْوًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَغْسِلُهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ التَّثْلِيثَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ فِي الْغُسْلِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَأَعْرِفُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ ذَكَرَ لُمْعَةً مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى يَدَيْهِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ يَدٍ هِيَ إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ مَوْضِعَهَا مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَأَعَادَ بَقِيَّةَ وُضُوئِهِ، وَإِنْ طَالَ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا. [مسح بَعْض الأعضاء بِمَا تَبْقَى مِنْ مَاء فِي اللِّحْيَة أَوْ غَيْرهَا] (فَرْعٌ) فَإِنْ ذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَمْسَحَهُ بِمَا فِي ذِرَاعَيْهِ أَوْ لِحْيَتِهِ مِنْ

بَلَلٍ لِقِلَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِحْيَتُهُ عَظِيمَةً بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ كِفَايَةُ الْمَسْحِ فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ قَطَعَ وَلَمْ يُجْزِهِ مَسْحُهُ بِمَا فِي لِحْيَتِهِ مِنْ بَلَلٍ وَيَسْتَأْنِفُ مَسْحَهُ وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ إنْ كَانَ وَضَوْءُهُ قَدْ جَفَّ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا وَهُوَ كَذَلِكَ، عَزَاهُ الْعُتْبِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَاهُ غَيْرُهُ لِمَالِكٍ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَسْحِ رَأْسِهِ بِفَضْلِ ذِرَاعَيْهِ قَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ، قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ مَسَحَ بِفَضْلِ ذِرَاعَيْهِ وَبِفَضْلِ لِحْيَتِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ: يُعِيدُ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَسْحٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَسْحُ رَأْسِهِ بِفَضْلِ ذِرَاعَيْهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الْمَسْحُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ دَلِيلٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُحِبُّ فِيمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ يَكْرَهُونَ أَنْ يَقُولُوا هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادِ، وَيَكْتَفُونَ بِقَوْلِهِمْ أَكْرَهُهُ وَلَا أُحِبُّهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ. فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ فَضْلُ اللِّحْيَةِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلْمَسْحِ، وَعَلَى هَذَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَسْحٍ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عَظُمَتْ لِحْيَتُهُ فَكَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَاءِ كِفَايَةٌ لِلْمَسْحِ وَأَجَازَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِمَنْ ذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَقَدْ بَعُدَ عَنْهُ الْمَاءُ أَنْ يَمْسَحَ بِذَلِكَ الْبَلَلِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْخِلَافُ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِثْلَ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ خَرَّجَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (قُلْتُ) وَكَذَا ابْنُ بَشِيرٍ وَفِي التَّخْرِيجِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ أَوْ كَانَ مُتَغَيِّرًا أَوْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ قَرِيبًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْمُدَوَّنَةِ لَا خِلَافًا، وَلِهَذَا قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَجْهُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلِنَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ هُوَ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَلَلِ فِي شَعْرِ وَجْهِهِ لَا يَكَادُ فِي غَالِبِ النَّاسِ أَنْ تَقَعَ بِهِ الْكِفَايَةُ فِي إيعَابِ يَدَيْهِ فَضْلًا عَنْ إيصَالِ الْبَلَلِ مِنْ يَدَيْهِ إلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ: إنْ لَمْ يُوعِبْ جَمِيعَ رَأْسِهِ بِالْمَاءِ مَسْحًا لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوعِبْ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ غَسْلًا فَإِنْ صَوَّرَ مُصَوِّرٌ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَجِدُ مِنْ الْمَاءِ كِفَايَتَهُ يَعْنِي فِي لِحْيَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ إلَّا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَقِلُّ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِعُمُومِ الْمَاءِ غَالِبَ الْأَحْوَالِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ: إنْ كَانَ الْبَلَلُ لَمْ يَعُمَّ رَأْسَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعُمُّ لَكِنَّهُ مُتَغَيِّرٌ بِأَوْسَاخٍ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ قَرِيبٌ فَمَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَا خِلَافٌ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي كَلَامَ ابْنِ رَاشِدٍ وَاسْتَبْعَدَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ الْوُقُوعِ. قَالَ: وَيَرُدُّهُ نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ بَعُدَ عَنْ الْمَاءِ فَلْيَمْسَحْ بِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي بَلَلِ الذِّرَاعَيْنِ أَنَّهُ كَبَلَلِ اللِّحْيَةِ وَرَدَّهُ بِنَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ

ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ مَسَحَ بِبَلَلِ ذِرَاعَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ وَجْهِهِ أَوْ الْفَرْضِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ) ش: هَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ السَّابِعَةُ وَكَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ حَارِثٍ: اتِّفَاقًا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَآخِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا نَصٌّ فِي وُجُوبِهَا مِنْ أَوَّلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] لِأَنَّهُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوُضُوءِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ إلَّا فِعْلُ أَمْرٍ لِأَجْلِ فِعْلِ أَمْرٍ آخَرَ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» وَالشَّطْرُ هُنَا النِّصْفُ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا فِي الْإِيمَانِ، وَإِذَا وَجَبَتْ فِي الْكُلِّ وَجَبَتْ فِي الشَّطْرِ وَمُقَابِلِ الْأَشْهَرِ، وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ حَكَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَازِرِيُّ نَصًّا فِي الْوُضُوءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِي الْغُسْلِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي التَّخْرِيجِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ فِي الْغُسْلِ أَقْوَى انْتَهَى. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ فِي الطَّهَارَةِ شَائِبَتَيْنِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا النَّظَافَةُ تُشْبِهُ مَا صُورَتُهُ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَمِنْ حَيْثُ مَا شُرِطَ فِيهَا مِنْ التَّحْدِيدِ فِي الْغَسَلَاتِ وَالْمَغْسُولِ وَالْمَاءِ أَشْبَهَتْ التَّعَبُّدَ فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَهُ صَحِيحٌ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْأَصَحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ. (تَنْبِيهٌ) الْكَلَامُ عَلَى النِّيَّةِ طَوِيلٌ مُتَشَعِّبٌ وَقَدْ صَنَّفَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابًا يَتَعَلَّقُ بِهَا سَمَّاهُ الْأُمْنِيَةُ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَهُوَ كِتَابٌ حَسَنٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَجَعَلَ كِتَابَهُ الْمَذْكُورَ مُشْتَمِلًا عَلَى عَشْرَةِ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَةِ النِّيَّةِ، الثَّانِي: فِي مَحَلِّهَا مِنْ الْمُكَلَّفِ، الثَّالِثُ: فِي دَلِيلِ وُجُوبِهَا، الرَّابِعُ: فِي حِكْمَةِ إيجَابِهَا، الْخَامِسُ: فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، السَّادِسُ: فِي شُرُوطِهَا، السَّابِعُ: فِي أَقْسَامِ النِّيَّةِ، الثَّامِنُ: فِي أَقْسَامِ الْمَنْوِيِّ، التَّاسِعُ: فِي مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَطَهِّرُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ، الْعَاشِرُ: فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ النِّيَّةُ تَقْبَلُ الرَّفْضَ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا تِسْعَةُ أَبْحَاثٍ فَذَكَرَ التِّسْعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَتَكَلَّمَ عَلَى الْعَاشِرِ أَعْنِي الرَّفْضَ فِي السَّابِعِ أَعْنِي بَيَانَ أَقْسَامِهَا، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: النَّظَرُ فِي النِّيَّةِ فِي عَشْرَةِ أَبْحَاثٍ فَذَكَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي ذَكَرهَا الْقَرَافِيُّ ثَمَانِيَةً وَتَرَكَ الثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ وَجَعَلَ بَدَلَهُمَا بَيَانَ مَحَلِّهَا مِنْ الْفِعْلِ وَبَيَانَ كَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِهَا، وَزَادَ فِي الْعَاشِرِ بَيَانَ عُزُوبِهَا أَيْضًا، فَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّهَا مِنْ الْفِعْلِ فَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شُرُوطِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تَعَلُّقِهَا فَأَشَارَ إلَيْهِ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَأَمَّا عُزُوبُهَا فَذَكَرَهُ فِي أَقْسَامِهَا، فَتَكُونُ الْأَبْحَاثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّيَّةِ عَشْرَةً كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ. (الْأَوَّلُ) فِي حَقِيقَتِهَا قَالَ النَّوَوِي: هِيَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَالْعَزِيمَةُ عَلَى فِعْلِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَاهِلِيَّةِ نَوَاك اللَّهُ بِحِفْظِهِ أَيْ قَصَدَكَ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: هِيَ قَصْدُ الْإِنْسَانِ بِقَلْبِهِ مَا يُرِيدُهُ بِفِعْلِهِ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْعَزْمِ وَالْإِرَادَاتِ لَا مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِرَادَةِ الْمُطْلَقَةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ بِخِلَافِهَا كَمَا يُرِيدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَتُسَمَّى شَهْوَةً وَلَا

تُسَمَّى نِيَّةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَزْمِ أَنَّ الْعَزْمَ تَصْمِيمٌ عَلَى إيقَاعِ الْفِعْلِ وَالنِّيَّةَ تَمْيِيزٌ لَهُ فَهِيَ أَخْفَضُ مِنْهُ رُتْبَةً وَسَابِقَةٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ: هِيَ إرَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِإِمَالَةِ الْفِعْلِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ لَا بِنَفْسِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ. فَفَرْقٌ بَيْنَ قَصْدِنَا لِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَصْدِنَا لِكَوْنِ ذَلِكَ قُرْبَةً أَوْ فَرْضًا أَوْ أَدَاءً فَالصِّفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْكَسْبِ تُسَمِّي إرَادَةً، وَالصِّفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِإِمَالَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ تُسَمَّى نِيَّةً، وَتُفَارِقُ النِّيَّةُ الْإِرَادَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ النَّاوِي، وَالْإِرَادَةَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا نُرِيدُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِحْسَانَهُ وَلَيْسَتْ فِعْلَنَا انْتَهَى. مُخْتَصَرًا وَعَرَّفَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهَا صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِإِمَالَةِ فِعْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ. (الثَّانِي) فِي بَيَانِ مَحَلِّهَا مِنْ الْمُكَلَّفِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَكْثَرُ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَقَلُّ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْقَلْبِ، وَأَقَلُّ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَكْثَرُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي الدِّمَاغِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَحَلُّهَا الْقَلْبُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَيْلِ وَالنَّفْرَةِ وَالِاعْتِقَادِ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الدِّمَاغِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ كُلَّهَا أَعْرَاضُ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ فَحَيْثُ وُجِدَتْ النَّفْسُ وُجِدَ الْجَمِيعُ قَائِمًا بِهَا، فَالْعَقْلُ سَجِينُهَا وَالْعُلُومُ وَالْإِرَادَاتُ صِفَاتُهَا وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ تَعَالَى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة: 22] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] وَلَمْ يَضِفْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ إلَى الدِّمَاغِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ أَكْثَرُ الْمُتَشَرِّعِينَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ عِيَاضٌ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ: قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَأَقَلُّ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ، وَأَكْثَرُ الْفَلَاسِفَةِ وَأَقَلُّ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ إذَا أُصِيبَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَبَطَلَتْ الْعُلُومُ وَالْفِكْرُ وَأَحْوَالُ النَّفْسِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِقَامَةَ الدِّمَاغِ لَعَلَّهَا شَرْطٌ وَالشَّيْءُ يَفْسُدُ لِفَسَادِ شَرْطِهِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا جَزْمَ بَلْ النُّصُوصُ وَارِدَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ وَذَكَرَ الْآيَاتِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَزِمَ عَلَى أُصُولِنَا أَنَّ النَّفْسَ فِي الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يُنْسَبُ لِلْعَقْلِ مِنْ الْفِكْرِ وَالْعُلُومِ صِفَاتٌ لِلنَّفْسِ فَتَكُونُ النَّفْسُ فِي الْقَلْبِ عَمَلًا بِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ النَّفْسَ هِيَ الرُّوحُ وَهِيَ الْعَقْلُ تُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ مَيْلِهَا إلَى الْمَلَاذِّ وَالشَّهَوَاتِ وَرُوحًا بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْجَسَدِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَقْلًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُحَصِّلَةً لِلْعُلُومِ فَصَارَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ بِاعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ، وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ فِي الْقَلْبِ كَانَتْ النِّيَّةُ وَأَنْوَاعُ الْعُلُومِ وَجَمِيعُ أَحْوَالِ النَّفْسِ فِي الْقَلْبِ، وَالْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ لَمْ أَرَهَا فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ وَإِنَّمَا رَأَيْت الْعِبَارَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ الْأُخْرَى ذَكَرَهَا الْمَازِرِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَزَادَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ: وَهَذَا أَمْرٌ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ وَظَوَاهِرُ السَّمْعِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْجِسْمَ قَالِبٌ لِلنَّفْسِ هِيَ فِيهِ كَالسَّيْفِ فِي الْغِمْدِ وَكَالسُّلْطَانِ الْجَالِسِ بِقُبَّتِهِ، وَالْقَلْبُ سَرِيرٌ وَالدِّمَاغُ كُرْسِيُّهُ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّأْسِ عَشْرَ حَوَاسَّ: خَمْسًا ظَاهِرَةً: الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ وَيُشَارِكُهُ فِي هَذَا سَائِرُ الْبَدَنِ، وَخَمْسًا بَاطِنَةً: هِيَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ وَمَرْكَزُهُ مُقَدَّمُ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْمُصَوَّرَةُ وَهِيَ أَعْلَى مِنْهُ، وَالْقُوَّةُ الْخَيَالِيَّةُ وَهِيَ فِي وَسَطِ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْحَافِظَةُ فِي مُؤَخَّرِ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ أَعْلَى مِنْهَا.

وَالْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ تُوَصِّلُ لِلْبَاطِنَةِ وَهِيَ تُوَصِّلُ لِلنَّفْسِ وَالْمُحَرِّكُ لِلْحَوَاسِّ هُوَ الْقَلْبُ اللَّحْمَانِيُّ وَالنَّفْسُ وَالرُّوحُ بِمَعْنًى. (تَنْبِيهٌ) يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَةٌ مِنْ الْجِرَاحِ وَهِيَ مَنْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ خَطَأً فَذَهَبَ عَقْلُهُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَلَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ دِيَةُ الْعَقْلِ وَدِيَةُ الْمَأْمُومَةِ أَوْ الْمُوضِحَةِ لَا يُدْخِلُ بَعْضَ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ إذْ لَيْسَ الرَّأْسُ عِنْدَهُ مَحَلَّ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ الْقَلْبُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الشَّرْعِ، فَهُوَ كَمَنْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَأَذْهَبَ سَمْعَهُ فِي ضَرْبَةٍ وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا لَهُ دِيَةُ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّأْسُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفَلَاسِفَةِ وَهُوَ كَمَنْ أَذْهَبَ بَصَرَ رَجُلٍ وَفَقَأَ عَيْنَهُ فِي ضَرْبَةٍ، وَهَذَا فِي الْخَطَأِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ ذَهَبَ عَقْلُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَوَاضِحٌ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ فَدِيَةُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي وَفِي الْمَأْمُومَةِ لَهُ دِيَتُهَا وَدِيَةُ الْعَقْلِ. (الثَّالِثُ) فِي دَلِيلِ وُجُوبِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لَمَّا ذَكَرْنَا حُكْمَهَا وَبِهِ عَبَّرَ ابْنُ رَاشِدٍ فَقَالَ: الثَّانِي فِي بَيَانِ حُكْمِهَا وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. (الرَّابِعُ) فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ لِيَتَمَيَّزَ مَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى عَمَّا لَيْسَ لَهُ أَوْ تَتَمَيَّزَ مَرَاتِبُ الْعِبَادَاتِ فِي أَنْفُسِهَا لِتَمْيِيزِ مُكَافَأَةِ الْعَبْدِ عَلَى فِعْلِهِ وَيَظْهَرُ قَدْرُ تَعْظِيمِهِ لِرَبِّهِ، فَمِثَالُ الْأُولَى الْغُسْلُ يَكُونُ عِبَادَةً وَتَبَرُّدًا وَحُضُورُ الْمَسَاجِدِ يَكُونُ لِلصَّلَاةِ وَفُرْجَةً وَالسُّجُودُ لِلَّهِ أَوْ لِلصَّنَمِ، وَمِثَالُ الثَّانِي الصَّلَاةُ لِانْقِسَامِهَا إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَالْفَرْضُ إلَى فَرْضٍ عَلَى الْأَعْيَانِ وَفَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضٍ مَنْذُورٍ وَفَرْضٍ غَيْرِ مَنْذُورٍ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ كَيْفِيَّةُ تَعَلُّقِهَا بِالْفِعْلِ فَإِنَّهَا لِلتَّمْيِيزِ، وَتَمْيِيزُ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِإِضَافَتِهِ إلَى سَبَبِهِ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ بِوَقْتِهِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ بِحُكْمِهِ الْخَاصِّ بِهِ كَالْفَرِيضَةِ أَوْ بِوُجُودِ سَبَبِهِ كَرَفْعِ الْحَدَثِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ سَبَبٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، فَإِذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ارْتَفَعَ وَصَحَّ الْوُضُوءُ، وَلَمَّا كَانَتْ حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا مَا ذُكِرَ كَانَتْ الْقُرَبُ الَّتِي لَا لَبْسَ فِيهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَعْظِيمِهِ وَجَلَالِهِ وَالْخَوْفِ مِنْ عَذَابِهِ وَالرَّجَاءِ لِثَوَابِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ لِجَمَالِهِ وَكَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فَإِنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ لِجَنَابِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ مُنْصَرِفَةٌ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِصُورَتِهَا فَلَا جَرَمَ، وَلَمْ تَفْتَقِرْ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى وَلَا حَاجَةَ لِلتَّعْلِيلِ بِأَنَّهَا لَوْ افْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَكَذَلِكَ يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى نِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَا يُثَابُ عَلَى الْفِعْلِ مُفْرَدًا لِانْصِرَافِهَا بِصُورَتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْفِعْلُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ مَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا هُوَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ حَسَنَةً وَاحِدَةً وَعَلَى فِعْلِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إذَا نَوَى فَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ هِيَ الْمَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتُ وَسَائِلُ وَالْوَسَائِلِ أَنْقَصُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَعُلِمَ مِنْ الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ إذَا كَانَتْ نُصُوصًا فِي شَيْءٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَكَذَلِكَ الْأَعْيَانُ الْمُسْتَأْجَرَةُ إذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ فِيهَا مُتَعَيِّنَةً لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَعْيِينٍ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ خِبَاءً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ النُّقُودُ إذَا كَانَ بَعْضُهَا غَالِبًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْحُقُوقُ إذَا تَعَيَّنَتْ لِرَبِّهَا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا. وَلِمُلَاحَظَةِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِمَا فَمَنْ رَأَى أَنَّهُمَا مُتَعَيِّنَانِ لِلَّهِ تَعَالَى بِصُورَتِهِمَا قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ فِيهِمَا، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي رَمَضَانَ قَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ الْغِذَاءِ وَنَحْوِهِ وَقَلَّمَا يَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ يَكُونُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ لِلتَّجْدِيدِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ أَوْجَبَ النِّيَّةَ. (الْخَامِسُ) فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا إمَّا مَطْلُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ، وَالْمُبَاحُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فِيهِ، وَالْمَطْلُوبُ نَوَاهٍ وَأَوَامِرُ، فَالنَّوَاهِي يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ إلَيْهَا، فَزَيْدٌ الْمَجْهُولُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ وَقَدْ خَرَجْنَا عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ لَمْ نَشْعُرْ بِهِ،

نَعَمْ إنْ شَعَرْنَا بِالْمُحَرَّمِ وَنَوَيْنَا تَرْكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى حَصَلَ لَنَا مَعَ الْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ الثَّوَابُ فَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَالْأَوَامِرُ مِنْهَا مَا يَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ انْتِفَاعُ أَرْبَابِهَا، وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الْفَاعِلِ فَيَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَالصَّلَوَاتِ وَالطَّهَارَاتِ وَالصِّيَامِ وَالنُّسُكِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُضُوعُ لَهُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا قُصِدَتْ مِنْ أَجَلِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالنِّيَّاتِ. (السَّادِسُ) فِي شُرُوطِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمُكْتَسَبٍ لِلنَّاوِي فَإِنَّهَا مُخَصَّصَةٌ وَتَحْصِيلُ غَيْرِ الْمَفْعُولِ لِلْمُخَصِّصِ مُحَالٌ، وَكَذَلِكَ امْتَنَعَ نِيَّةُ الْإِنْسَانِ لِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ نِيَّةُ الْإِمَامِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ حَالَ الْإِمَامَةِ مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاتِهِ حَالَ الِانْفِرَادِ وَالْإِمَامَةُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَالنِّسَبُ عَدَمِيَّةٌ وَالْعَدَمُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَةُ الْعَبْدِ فَهَذِهِ النِّيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُكْتَسَبٍ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ النِّيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِمُكْتَسَبٍ وَلَا مُكْتَسَبَ اسْتِقْلَالًا أَوْ تَبَعًا لِمُكْتَسَبٍ كَالْوُجُوبِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّدْبِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى، وَلَيْسَ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ بِمُكْتَسَبٍ لِلْعَبْدِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ فَحَسُنَ الْقَصْدُ إلَيْهَا تَبَعًا لِقَصْدِ الْمُكْتَسَبِ فَكَذَلِكَ الْإِمَامَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِعْلًا زَائِدًا عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمُكْتَسَبٍ وَهُوَ الصَّلَاةُ فَأَمْكَنَ الْقَصْدُ إلَيْهَا تَبَعًا. (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ مَعْلُومَ الْوُجُوبِ أَوْ مَظْنُونَ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمَشْكُوكَ تَكُونُ النِّيَّةُ فِيهِ مُتَرَدِّدَةً فَلَا تَنْعَقِدُ فَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ طَهَارَةُ الْكَافِرِ قَبْلَ اعْتِقَادِهِ الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ غَيْرُ مَعْلُومَيْنِ وَلَا مَظْنُونَيْنِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الشَّرْطِ فُرُوعٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْمَنْوِيِّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ لَوْ عَرَا عَنْ النِّيَّةِ لَكَانَ أَوَّلُهَا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَغَيْرِهَا، وَآخِرُ الصَّلَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِهَا فَإِذَا كَانَ أَوَّلُهَا مُتَرَدِّدًا كَانَ آخِرُهَا كَذَلِكَ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمُ لِلْمَشَقَّةِ فَجَوَّزُوا عَدَمَ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِأَوَّلِ الْمَنْوِيِّ لِإِتْيَانِ أَوَّلِ الصَّوْمِ حَالَةَ النَّوْمِ غَالِبًا، وَالزَّكَاةُ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى إخْرَاجِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا. (السَّابِعُ) فِي أَقْسَامِهَا النِّيَّةُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لَكِنَّهَا تَنْقَسِمُ بِحَسَبِ مَا يَعْرِضُ لَهَا إلَى قِسْمَيْنِ: فِعْلِيَّةٌ مَوْجُودَةٌ وَحُكْمِيَّةٌ مَعْدُومَةٌ فَإِذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ فَهَذِهِ نِيَّةٌ فِعْلِيَّةٌ، ثُمَّ إذَا ذَهَلَ عَنْهَا فَهِيَ نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِاسْتِصْحَابِهَا وَكَذَلِكَ الْإِخْلَاصُ وَالْإِيمَانُ وَالنِّفَاقُ وَالرِّيَاءُ وَجَمِيعُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ إذَا شَرَعَ فِيهَا وَاتَّصَفَ الْقَلْبُ بِهَا كَانَتْ فِعْلِيَّةً، ثُمَّ إذَا ذَهَلَ عَنْهَا حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِبَقَاءِ أَحْكَامِهَا لِمَنْ اتَّصَفَ بِهَا حَتَّى لَوْ مَاتَ الْإِنْسَانُ مَغْمُورًا بِالْمَرَضِ لَحَكَمَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِالْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِالْوِلَايَةِ أَوْ الصِّدِّيقِيَّةِ وَجَمِيعِ الْمَعَارِفِ، وَعَكْسُهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ ثُمَّ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه: 74] مَعَ أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ أَحَدٌ مُجْرِمًا وَلَا كَافِرًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا أَيْضًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى عُزُوبِهَا. (الثَّامِنُ) فِي أَقْسَامِ الْمَنْوِيِّ وَأَحْوَالِهِ الْمَنْوِيُّ مِنْ الْعِبَادَاتِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ كَالصَّلَاةِ، وَالثَّانِي مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَعَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ أَيْضًا مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ نَظَافَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ مَطْلُوبٌ لِلصَّلَاةِ مُكَمِّلٌ لِحُسْنِ هَيْئَاتِهَا، وَالثَّانِي مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ فَقَطْ كَالتَّيَمُّمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ، وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُهِمُّ فَلَا جَرَمَ إذَا نَوَى التَّيَمُّمَ دُونَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ بِالنِّيَّةِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً، وَاَلَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ يَتَخَيَّرُ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ قَصْدِهِ لَهُ لِكَوْنِهِ

مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَبَيْنَ قَصْدِهِ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ دُونَهُ، فَالْأَوَّلُ كَقَصْدِهِ الْوُضُوءَ وَالثَّانِي كَقَصْدِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ أَوْ شَيْئًا لَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ إلَّا بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِبَاحَةُ صَحَّ لِاسْتِلْزَامِ هَذِهِ الْأُمُورِ رَفْعَ الْحَدَثِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا فُرُوعٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا. (التَّاسِعُ) فِي مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَطَهِّرُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَرْفَعُ الْحَدَثَ. (الْعَاشِرُ) فِي مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ النِّيَّةُ تَقْبَلُ الرَّفْضَ وَفِي مَعْنَى عُزُوبِهَا وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعُزُوبُهَا بَعْدَهُ وَرَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَبْحَاثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّيَّةِ مُخْتَصَرًا مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ وَكِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ وَمِمَّا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَمِنْ التَّوْضِيحِ، وَلْنَرْجِعْ إلَى حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَقَوْلُهُ: وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ وَجْهِهِ أَوْ الْفَرْضِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ كَيْفِيَّةَ النِّيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ هِيَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ، فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ هِيَ الْقَصْدُ إلَيْهِ بِتَخْصِيصِهِ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ كَرَفْعِ الْحَدَثِ، أَيْ الْوَصْفِ الْقَائِمِ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ إذْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّ فِي الْوُضُوءِ يَنْوِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، وَرُفِعَ الْمَنْعُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ طَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ. وَأَمَّا فِي التَّيَمُّمِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ حَتَّى يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْ كَلَامَ التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ نَوَى مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ الْفَرْضِ أَيْ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَا كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا مِنْهُ سَوَاءٌ نَوَى اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِهِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْمَطْلُوبُ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ امْتِثَالَ الْأَمْرِ، وَهَذِهِ مَتَى حَضَرَ ذَكَرَ جَمِيعَهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْصِدَ ذِكْرَ أَحَدِهَا دُونَ الْآخَرِ بَلْ هِيَ مُتَلَازِمَةٌ. وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ بَعْضُهَا أَجْزَأَ عَنْ جَمِيعِهَا وَلَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ جَمِيعُهَا وَقَصَدَ بِطَهَارَتِهِ بَعْضَهَا نَاوِيًا عَدَمَ حُصُولِ الْآخَرِ فَالطَّهَارَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ حَاصِلَةٍ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ: أَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ، أَوْ أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوْ أَمْتَثِلُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِيجَابِ وَلَا أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا أَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَهَذَا أَتَى بِنِيَّةٍ مُتَضَادَّةٍ شَرْعًا فَتَتَنَافَى النِّيَّةُ وَتَكُونُ كَالْعَدَمِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَأَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوْ الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لَصَحَّ وُضُوءُهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَرْزُوقٍ التِّلِمْسَانِيُّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ الْفَرْضِ: هَذِهِ النِّيَّةُ إذَا صَاحَبَتْ وَقْتَ الْفَرْضِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْهُ فَفِي صِحَّتِهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ رَخَّصُوا فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ. (قُلْتُ) أَمَّا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْفَرْضِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضِيَّةَ وُضُوئِهِ ذَلِكَ فَكَذِبٌ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَحْضُرْ، وَإِنْ نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْمَنْوِيِّ، وَإِنْ نَوَى فَرْضَ مَا يَأْتِي لَمْ يَصِحَّ الْجَزْمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَصِلُ إلَيْهِ أَوْ لَا؟ وَإِنْ نَوَى إنْ بَقِيَتْ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ كَمُغْتَسِلٍ قَالَ: إنْ كُنْتُ جُنُبًا فَهَذَا لَهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْفَرْضَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَالثَّانِي مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ، كَقَوْلِنَا: الْوُضُوءُ لِلنَّافِلَةِ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْضُ الْمَنْوِيُّ هُنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي مَنَعَ مِنْهَا الْحَدَثُ فَهُوَ

رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى اسْتِبَاحَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَدَثُ وَإِلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بَعْدُ: إنَّ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مُتَلَازِمَةٌ مَتَى ذُكِرَ جَمِيعُهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْصَدَ ذِكْرُ أَحَدِهَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيِّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهَذَا إذَا كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ الَّتِي يَتَوَضَّأُ لَهَا غَيْرَ فَرْضٍ وَأَمَّا إذَا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَعْطَى نِيَّةَ الْفَرْضِ بِالْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ: فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ وَسَتْرَ الْعَوْرَةِ وَالِاسْتِقْبَالَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ اسْتِبَاحَةُ مَمْنُوعٍ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَحُكْمُ الْغُسْلِ حُكْمُ الْوُضُوءِ فَمَنْ نَوَى بِغُسْلِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ جَنَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَلَا أَحْفَظُ فِيهَا نَصًّا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ الْغُسْلُ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ وَاسْتِبَاحَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَأَمَّا لَوْ نَوَى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ لَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا تَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ. انْتَهَى. وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْغُسْلِ: وَاجِبُهُ نِيَّةٌ وَمُوَالَاةٌ كَالْوُضُوءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَ وَجْهِهِ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ النِّيَّةِ عِنْدَ أَوَّلِ الْفَرَائِضِ وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: يَبْدَأُ بِالنِّيَّةِ أَوَّلَ الْفِعْلِ وَيَسْتَصْحِبُهَا إلَى أَوَّلِ الْمَفْرُوضِ انْتَهَى. وَهَكَذَا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ، وَنَصُّهُ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفُتْيَا وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ يَنْوِيهَا أَوَّلَهُ وَيَسْتَصْحِبُهَا ذِكْرًا إلَى غَسْلِ الْوَجْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّمَا يَنْوِي عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَعْرَى غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عَنْ نِيَّةٍ فَإِنْ قَالُوا يَنْوِي لَهُ نِيَّةً مُفْرَدَةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلْوُضُوءِ نِيَّتَانِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ. (قُلْتُ) يَلْزَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ يَقُولُوا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّتَيْنِ قَطْعًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ نُصُوصَهُمْ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالُوا: يَغْسِلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا بِنِيَّةٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: الْمَضْمَضَةُ غَسْلُ بَاطِنِ الْفَمِ بِنِيَّةٍ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِثْلُ الْمَضْمَضَةِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يَنْوِي بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ أَنَّهَا سُنَنٌ لِلْوُضُوءِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ تَحْصُلْ السُّنَّةُ، ثُمَّ يَنْوِي عِنْدَ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ مَعَ تَبَرُّدٍ) ش: يَعْنَى أَنَّ النِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ إذَا صَحِبَهَا قَصْدُ التَّبَرُّدِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَا يَضُرُّهَا مَا صَحِبَهَا وَبِذَلِكَ صُدِّرَ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَوَضَّأَ لِحَرٍّ يَجِدُهُ لَا يَنْوِي بِهِ غَيْرَهُ لَمْ تُجْزِهِ لِصَلَاةِ فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَلَا مَسِّ مُصْحَفٍ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ وَلَا لِنَحْوِهِ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى مَعَ التَّبَرُّدِ الصَّلَاةَ لَأَجْزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ فَإِذَا نَوَاهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُضَادًّا لِلْوُضُوءِ وَلَا مُؤَثِّرًا فِي التَّطْهِيرِ مِنْ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْحَدَثِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَالتَّبَرُّدَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَا تَضَادَّ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعِبَادَةِ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ وَهَا هُنَا الْبَاعِثُ الْأَمْرَانِ انْتَهَى. وَكَانَ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِلَوْ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ. (قُلْتُ) وَمَسْأَلَةُ الْبَرْدِ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ فِيهَا فِي شَرْحِ

مَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْمُسْتَبَاحِ) ش: مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْعَصْرَ أَوْ يَنْوِيَ أَنْ يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ دُونَ الصَّلَاةِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى اسْتِنَابَةَ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ وَلَمْ يَخْرُجْ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، لَكِنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ جَارِيَةٌ فِي السُّورَتَيْنِ فَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ الْجَمِيعَ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا، وَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ مَا نَوَاهُ. أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ فِيهَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ أَنَّهُ حَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهَا، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ مَا نَوَاهُ اتِّفَاقًا، وَفِي غَيْرِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ يَسْتَبِيحُهُ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ أَعْنِي إذَا أَخْرَجَ بَعْضَ الْأَحْدَاثِ وَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذَا أَخْرَجَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي رَفْعَ الْحَدَثِ وَالْفَرْضِ وَاسْتِبَاحَةَ مَمْنُوعٍ حَيْثُ قُلْتُمْ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ؟ (فَالْجَوَابُ) مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ إخْرَاجَ بَعْضِ الْمُسْتَبَاحِ رَاجِعٌ إلَى مُتَعَلِّقِ النِّيَّةِ، وَإِخْرَاجَ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ النِّيَّةِ فَالتَّنَاقُضُ الْأَوَّلُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ، وَالثَّانِي رَاجِعٌ إلَى الْمَاهِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَكَذَا إخْرَاجُ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ رَاجِعٌ إلَى الْمَاهِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (أَوْ نَسِيَ حَدَثًا لَا أَخْرَجَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ أَحْدَاثًا فَنَوَى حَدَثًا مِنْهَا نَاسِيًا غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحُكْمِ فَإِنْ نَوَى حَدَثًا وَأَخْرَجَ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ بَالَ وَتَغَوَّطَ وَنَوَى رَفْعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ النِّيَّةَ تَفْسُدُ بِذَلِكَ لِلتَّنَاقُضِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَوَى حَدَثًا وَلَمْ يَنْوِ الْآخَرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَيَتَعَارَضُ فِيهِ مَفْهُومَا كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ نَسِيَ حَدَثًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ أَخْرَجَهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ أَجْزَأَهُ وَالثَّانِي أَظْهَرُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَظَاهِرُ النُّصُوصِ الْإِجْزَاءُ وَسَوَاءٌ ذَكَرَ الْحَدَثَ الْأَوَّلَ أَمْ لَا وَالْخِلَافُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ كَثِيرٌ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْحَدَثَ الْأَوَّلَ فَيُجْزِئُهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ فَلَا يُجْزِئُهُ إذْ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَلَوْ نَوَى حَدَثًا غَيْرَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ غَلَطًا فَنَصَّ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ. (قُلْتُ) وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ غَلَطًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى حَدَثًا غَيْرَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ عَمْدًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (أَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ: لَوْ قَصَدَ الطَّهَارَةَ الْمُطْلَقَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قِسْمَانِ: طَهَارَةُ نَجَسٍ وَطَهَارَةُ حَدَثٍ، فَإِذَا قَصَدَ قَصْدًا مُطْلَقًا وَأَمْكَنَ صَرْفُهُ لِلنَّجَسِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيِّ: وَمَنْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ قِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ أَجْزَأَهُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ بِهِ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَوَضَّأَ يُرِيدُ صَلَاةَ النَّافِلَةِ أَوْ قِرَاءَةً فِي الْمُصْحَفِ أَوْ يُرِيدُ بِهِ طُهْرَ صَلَاةٍ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ. قَالَ سَنَدٌ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ مُطْلَقًا

أَنْ يُرِيدَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَتَعْيِينٍ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الْبَرَاذِعِيُّ عَلَى هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ: أَوْ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ، وَهَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ إذَا نَوَى بِوُضُوئِهِ التَّطْهِيرَ وَلَمْ يَرْتَبِطْ قَصْدُهُ بِصَلَاةٍ وَلَا بِذِكْرِ حَدَثٍ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: يُجْزِئُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَقَعُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَعَلَى إزَالَةِ النَّجَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينٍ، وَذَكَرَ الْبَاجِيّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ يَعْنِي ابْنَ شَعْبَانَ فِيمَنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي التَّطْهِيرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَنَابَةَ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: لَا يُجْزِيهِ، وَقَالَ مَرَّةً: يُجْزِيهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَيَتَخَرَّجُ فِي الْوُضُوءِ مِثْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ فِي الْوُضُوءِ نِيَّةً تَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَهِيَ غَسْلُ أَعْضَائِهِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ فِي الْغُسْلِ قَرَائِنُ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَقْدِمَةُ الْوُضُوءِ وَتَخْلِيلُ أُصُولِ الشَّعْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ إثْرَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصَّهُ، الْمَازِرِيُّ: نِيَّةُ التَّطْهِيرِ الْأَعَمِّ مِنْ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ لَغْوٌ. الْبَاجِيُّ: فِي إجْزَاءِ نِيَّةِ التَّطْهِيرِ لَا الْجَنَابَةِ رِوَايَتَا ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ اللَّخْمِيُّ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَوَضَّأَ يُرِيدُ الطُّهْرَ لَا الصَّلَاةَ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. وَفِيهَا مَنْ تَوَضَّأَ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمَازِرِيِّ وَالْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قَصَدَ الطُّهْرَ الْأَعَمَّ وَتَعَلُّقَ قَصْدِهِ بِالطُّهْرِ يُفِيدُ كَوْنَهُ أَعَمَّ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْبَاجِيُّ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قَصَدَ الطَّهَارَةَ وَلَمْ يَرْتَبِطْ قَصْدُهُ بِكَوْنِهَا مِنْ حَدَثٍ فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَاز وَالْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ فِعْلِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْحَدَثِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَانْظُرْ تَحْرِيرَ الشَّامِلِ ص (أَوْ اسْتِبَاحَةَ مَا نُدِبَتْ لَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ نُدِبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا مَنَعَهُ الْحَدَثُ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي قَصَدَ إلَيْهِ يَصِحُّ فِعْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ الْقَصْدُ إلَيْهِ الْقَصْدَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا تَضَمَّنَهُ الْقَصْدُ إلَى مَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَاعِدَةُ هَذَا أَنَّ مَنْ نَوَى مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِطَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ غَيْرَهُ، وَمَنْ نَوَى شَيْئًا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ كَالنَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ غَيْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ لِأَنَّهُ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ فَنِيَّتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْوُضُوءَ لِلنَّوْمِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا أَوْ لِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ مِنْ فِعْلِهَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ لَكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى طَهَارَةٍ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْوُضُوءِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ انْتَهَى. (الثَّانِي) لَا يُقَالُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتِبَاحَةُ مَا نُدِبَتْ لَهُ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَمَا نُدِبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ لَمْ يَكُنْ الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (أَوْ قَالَ إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَلَهُ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَطَهَّرَ وَقَالَ: إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَهَذَا الطُّهْرُ لِذَلِكَ الْحَدَثِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ

كَانَ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ عِيسَى مِنْ رَأْيِهِ يُجْزِيهِ، وَقَالَ الْبَاجِيّ: أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غُسْلِ الشَّاكِّ فَيُجْزِيهِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فَالْقَوْلَانِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيّ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّ سَمَاعَ عِيسَى فِي الْوَهْمِ لَا الشَّكِّ، وَالظَّنُّ بَاقٍ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَنْ شَكَّ هَلْ أَجْنَبَ أَمْ لَا؛ اغْتَسَلَ وَيَخْتَلِف هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ اسْتِحْبَابٌ فَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا أَجْزَأَهُ غُسْلُهُ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ فِي الظُّهْرِ فَصَلَّاهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ تُجْزِيهِ، وَإِنْ قَالَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ أَكُونَ أَجْنَبْتُ وَلَيْسَ بِشَكٍّ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَنَسِيتُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ فَإِنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا اغْتَسَلَ وَلَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ الْأَوَّلُ انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرِّوَايَةَ إنْ كَانَتْ فِي الشَّكِّ فَهِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ طُهْرِ الشَّاكِّ وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْوَهْمِ وَالتَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ انْتَهَى. كَلَامُهُ. (قُلْتُ) يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ سَقْطٌ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَلِذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: شَكُّ الْجَنَابَةِ كَالْحَدَثِ وَتَجْوِيزُ جَنَابَتِهِ دُونَ شَكٍّ لَغْوٌ لَوْ اغْتَسَلَ لَهُ ثُمَّ تَيَقَّنَ لَمْ يُجْزِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَوَّلًا هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا لَا تَجِبُ فَتَوَضَّأَ أَوْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا بَنَيْنَا عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَتَوَضَّأَ أَوْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ بِوُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْفَضِيلَةَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ رَفْعَ الْحَدَثِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ: إنْ جَزَمَ بِبَقَاءِ الطَّهَارَةِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا اتِّفَاقًا فَإِنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ عِيسَى وَإِنْ تَرَجَّحَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ فَيُجْزِئُهُ عَلَى قَوْلِ عِيسَى، وَفِي إجْزَائِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرٌ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَإِنْ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ وُجُودُ الْحَدَثِ وَلَا نَفْيُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَيُجْزِئُهُ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ فَتَوَضَّأَ لَهُ فَقَوْلَانِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. (قُلْتُ) قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا اتِّفَاقًا أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّجْدِيدُ إذَا صَلَّى بِهِ. وَقَوْلُهُ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نُصُوصِهِمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ كَانَ شَكُّهُ غَيْرَ مُقْتَضٍ لِلْوُضُوءِ كَالتَّرَدُّدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى سَبَبٍ مَعَ تَقَدُّمِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْحَدَثِ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ قَاصِدًا أَنَّهُ كَانَ خَرَجَ مِنْهُ حَدَثٌ فَهَذَا الْوُضُوءُ لَهُ لَا يُجْزِئُهُ وُضُوءُهُ لِلتَّرَدُّدِ الْحَاصِلِ فِي النِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ وُضُوءُ الشَّاكِّ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ وُضُوءَهُ قَدْ بَطَلَ بِالشَّكِّ وَأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَيَنْوِي حِينَئِذٍ رَفْعَ الْحَدَثِ جَزْمًا فَهَذَا يُجْزِئُهُ وُضُوءُهُ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَهَذَا الْوُضُوءُ لِذَلِكَ الْحَدَثِ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا فَإِنْ صَلَّى بِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ. هَذَا إذَا كَانَ قَدْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا وَهْمٌ وَتَجْوِيزٌ فَيُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ وَإِنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَصَدَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحْدَثَ فَهَذَا الْوُضُوءُ لَهُ ثُمَّ صَلَّى بِذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَ حَدَثِهِ فَيُجْزِئُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ سَلَّمَ عَلَى الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ وَنَظَائِرِهَا، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ

مسألتين الأولى عزوب النية وهو انقطاعها والذهول عنها

فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلَ عِيسَى مَا نَصُّهُ: وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا إذَا تَطَهَّرَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهَذَا تَعْلِيقُ نِيَّةٍ لَا تَنْجِيزُ نِيَّةٍ، وَجَزْمُ النِّيَّةِ إذَا عُدِمَ كَانَ خَلَلًا فِي الشَّرْطِ فَوَجَبَ مِنْهُ الْخَلَلُ فِي الْمَشْرُوطِ؛ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ قَصْدٌ وَهَذَا تَرَدُّدٌ لَا قَصْدٌ فَلَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ، وَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الشَّاكُّ إذَا لَزِمَ التَّطْهِيرَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ لَا تَرَدُّدَ فِيهَا انْتَهَى بِلَفْظِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ عَائِدًا إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ. ص (أَوْ جَدَّدَ فَتَبَيَّنَ حَدَثَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِنِيَّةِ التَّجْدِيدِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ بِوُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ الْفَضِيلَةَ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ رَفْعَ الْحَدَثِ. ص (أَوْ تَرَكَ لُمْعَةً فَانْغَسَلَتْ بِنِيَّةِ الْفَضْلِ) ش: قَالَ فِي الْقَامُوسِ: اللُّمْعَةُ بِالضَّمِّ قِطْعَةٌ مِنْ النَّبَاتِ أَخَذَتْ فِي الْيُبْسِ، وَالْمَوْضِعُ لَا يُصِيبُهُ الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ لُمْعَةً مِنْ مَغْسُولِ الْوُضُوءِ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى فَانْغَسَلَتْ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ أَخَّرَ غَسْلَهَا عَمْدًا حَتَّى طَالَ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْقَوْلَانِ يُشْبِهَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُجَدِّدِ، وَرَأَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْإِجْزَاءَ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ هُنَا بَاقِيَةٌ مُنْسَحِبَةٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُجَدِّدِ وَرُدَّ بِأَنَّ الِانْسِحَابَ فِي النِّيَّةِ إنَّمَا يُجْزِئُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحَلِّ نِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لَهُ وَهُنَا نِيَّةُ الْفَضِيلَةِ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ مُضَادَّةٌ لِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ يَنْوِي فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْفَرِيضَةَ أَوْ الْفَضِيلَةَ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (أَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى الْأَعْضَاءِ) ش: قَالَ سَنَدٌ صُورَتُهُ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي تَمَامِ وُضُوئِهِ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ انْتَهَى. يُرِيدُ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ وَنِيَّةِ إتْمَامِ الْوُضُوءِ عَلَى الْفَوْرِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ وَيَكْمُلُ وُضُوءُهُ إلَّا بِالْجَمِيعِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا ذَكَرَ اسْتِشْكَالَ تَصْوِيرِ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ بِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إنْ لَمْ يَنْوِ الْعُضْوَ مُعَيَّنًا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ نَوَاهُ مُعَيَّنًا فَقَدْ زَادَ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُعَيَّنًا أَتَمُّ مِنْ نِيَّتِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ضَرُورَةَ رُجْحَانِ دَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ عَلَى دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ، وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ نِيَّتَهُ مُعَيَّنًا إنْ كَانَ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالْمَجْمُوعِ فَهُوَ كَمَا قُلْتُمْ، يَعْنِي أَنَّهُ زَادَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ رَفْعَهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَكَذَا سَائِرُ أَعْضَائِهِ فَهُوَ مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، بَلْ قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِلَى اسْتِظْهَارِ ابْنِ رُشْدٍ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالْأَظْهَرُ فِي الْأَخِيرِ الصِّحَّةُ [مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى عُزُوبُ النِّيَّة وَهُوَ انْقِطَاعُهَا وَالذُّهُولُ عَنْهَا] ص (وَعُزُوبُهَا بَعْدَهُ وَرَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ) ش ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ (الْأُولَى) مِنْهُمَا عُزُوبُ النِّيَّةِ وَهُوَ انْقِطَاعُهَا وَالذُّهُولُ عَنْهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ عَائِدٌ إلَى الْوَجْهِ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ وَجْهِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الذُّهُولَ عَنْ النِّيَّةِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي مَحَلِّهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ مُغْتَفَرٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ مُغْتَفَرٌ يُعْطِي أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُهَا

المسألة الثانية رفض النية

إلَى آخِرِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ. (قُلْتُ) مَا لَمْ يَأْتِ مَا يُضَادُّهَا إمَّا نِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَعْتَقِدَ انْقِضَاءَ الطَّهَارَةِ وَكَمَالَهَا، وَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ بَعْضَهَا ثُمَّ يَأْتِي بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا يُجْزِئُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَفْضُ النِّيَّةِ] (وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَفْضُ النِّيَّةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ أَيْضًا، وَالرَّفْضُ فِي اللُّغَةِ التَّرْكُ، وَمَعْنَاهُ هُنَا تَقْدِيرُ مَا وُجِدَ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالنِّيَّةُ كَالْمَعْدُومِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّفْضَ لَا يَضُرُّ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ كَمَالِ الْوُضُوءِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ إذَا رَجَعَ وَكَمَّلَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ بِالْقُرْبِ عَلَى الْفَوْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، أَمَّا إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ فِي أَثْنَائِهِ ثُمَّ لَمْ يُكْمِلْهُ أَوْ كَمَّلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ أَوْ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ بَعْدَ طُولٍ فَلَا إشْكَالَ فِي بُطْلَانِهِ، وَأَمَّا إذَا كَمَّلَهُ بِالْقُرْبِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ هُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ جَمَاعَةَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوخِ، وَقَالَ: إنَّ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ مِنْ غَرَائِبِ أَنْقَالِهِ. وَأَمَّا إذَا رَفَضَ الْوُضُوءَ بَعْدَ كَمَالِهِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ بَعْدَ كَمَالِهِ لَا يُؤَثِّرُ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحَكَى اللَّخْمِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَحَكَى ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ: الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. وَرَجَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ الرَّفْضَ لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي تَأْثِيرِ رَفْضِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْعَبْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ عَدَمُ الرَّفْضِ، عَكْسُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ قَالَ: رَفْضُ النِّيَّةِ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَبْدِيُّ فَذَكَرَ الْكَلَامَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ انْتَهَى. وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَانْظُرْهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الشُّيُوخِ يُنْكِرُ إطْلَاقَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ: إنَّ الْعِبَادَةَ الْمُشْتَرَطَ فِيهَا النِّيَّةُ إمَّا أَنْ تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِمَا، أَوْ لَا تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِهَا، أَوْ تَنْقَضِيَ حِسًّا دُونَ الْحُكْمِ كَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ انْقَضَى حِسًّا لَكِنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ بَاقٍ، فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا خِلَافَ فِي تَأْثِيرِهِ فِيهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ هُوَ الثَّالِثُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَوْ سَاعَدَتْ الْأَنْقَالُ انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَفَضَ الْوُضُوءَ وَهُوَ لَمْ يُكْمِلْهُ أَنَّ رَفْضَهُ لَا يُؤَثِّرُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا رَفَضَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا رَفْضٌ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَكَلَامُهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ هُوَ مَا نَصَّهُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ؟ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ تُوجِبْ فِيهِ النِّيَّةَ، وَالْحَجُّ مُحْتَوٍ عَلَى أَعْمَالٍ مَالِيَّةٍ وَبَدَنِيَّةٍ لَمْ يَتَأَكَّدْ طَلَبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا فَرَفْضُ النِّيَّةِ فِيهِمَا رَفْضٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّفْضِ وَلِأَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً شَاقَّةً وَيَتَمَادَى فِي فَاسِدِهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ

تَأْثِيرِ الرَّفْضِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى تَقْدِيرِ رَفْضِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. (قُلْتُ) كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَأَنَّهُ جَارٍ فِي الرَّفْضِ قَبْلَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ كَمَالِهَا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِإِطْلَاقٍ لَا يُرْتَفَضُ وَلَوْ رَفَضَهُ فِي أَثْنَائِهِ، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ قَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: مَذْهَبُ الْكَافَّةِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ إحْرَامِهِ، وَقَالَ دَاوُد: يُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْعَدِمُ بِمَا يُضَادُّهُ حَتَّى لَوْ وَطِئَ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَغَايَةُ رَفْضِ الْعِبَادَةِ أَنْ يُضَادَّهَا فَمَا لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُفْسِدُهُ لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُضَادُّهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إذَا رُفِضَ إحْرَامُهُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ بَاقٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ. وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ الرَّفْضُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهِ فَأَحْرَى بَعْدَ كَمَالِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَقَعَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا لِرَفْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا نَقْلًا اللَّخْمِيِّ انْتَهَى. وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ جَمَاعَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرْتَفَضُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الرَّفْضَ يَرْجِعُ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْضُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِبَادَةَ كُلَّهَا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ لَا يُرْتَفَضُ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ كَمَالِهِ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ يُرْتَفَضُ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ إلَّا الْإِحْرَامَ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ فَقَالَ: وَرَفْضُ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لَا يُرْتَفَضُ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهُ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ يَقْطَعُ النِّيَّةَ عَنْهُ بَطَلَتْ كُلُّهَا إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّهُمَا لَا يُرْتَفَضَانِ سَوَاءٌ رَفَضَهُمَا فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْغُسْلِ: وَاخْتُلِفَ إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ، وَالْفَتْوَى بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ اسْتَحَالَ رَفْعُهُ وَأَمَّا الرَّفْضُ قَبْلَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ: لَا يُؤَثِّرُ رَفْضُهُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ، وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ أَنْقَالِهِ، وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ أَنَّ الرَّفْضَ يُؤَثِّرُ وَلَوْ بَعْدَ الْكَمَالِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي إبْطَالَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَبَحَثَ فِيهِ وَأَطَالَ خُصُوصًا فِي الْفُرُوقِ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: إنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ لَمْ أَجِدْ مَا يَقْتَضِي انْدِفَاعَهُ فَالْأَحْسَنُ الِاعْتِرَافُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ بَعْدَ إكْمَالِهِ وَأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُرْتَفَضُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصُّهُ رَفْضُ الطَّهَارَةِ يَنْقُضُهَا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ: مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ

يَنَمْ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ يَصِحُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَقُولُ هُوَ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ رَفْضُهُ. وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَصَحَّ رَفْضُهَا كَالصَّلَاةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ تَبْطُلْ بِالرَّفْضِ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى انْتَهَى مِنْ تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ ص (وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ خِلَافٌ) ش: أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَشْهَرُ التَّأْثِيرُ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ خِلَافُهُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَّامِ وَالنَّهْرِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلِ الْيَسِيرِ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى اخْتِلَافُهُمْ فِيمَنْ مَشَى إلَى الْحَمَّامِ أَوْ النَّهْرِ نَاوِيًا غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَلَمَّا أَخَذَ فِي الطُّهْرِ نَسِيَهَا قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُجْزِيهِ فِيهِمَا. وَشَبَّهَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ بِمَنْ أَمَرَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا لَهُ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجْزِيهِ فِي النَّهْرِ لَا فِي الْحَمَّامِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ النِّيَّةَ بَعُدَتْ بِاشْتِغَالِهِ بِالتَّحْمِيمِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ لِلنَّهْرِ لِيَغْسِلَ ثَوْبَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ فَغَسَلَ ثَوْبَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَحَمَّمْ قَبْلَ الْغُسْلِ فِي الْحَمَّامِ لَأَجْزَأَهُ الْغُسْلُ كَالنَّهْرِ سَوَاءٌ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إلَى الْحَمَّامِ بِنِيَّةِ أَنْ يَتَحَمَّمَ ثُمَّ يَغْتَسِلَ لَمْ تَرْتَفِضْ عِنْدَهُ النِّيَّةُ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ قَوْلًا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَمَّامِ وَالنَّهْرِ وَفُهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْيَسِيرِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. ص (وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثَلَاثًا تَعَبُّدًا بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ مُفْتَرِقَتَيْنِ) ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ سُنَنِهِ، وَعَدَّهَا ثَمَانِيَةً: الْأُولَى: غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ شَيْءٍ يُغْسَلُ فِي الْوُضُوءِ وَالْمَشْهُورُ كَمَا ذَكَرَ أَنَّ غَسْلَهُمَا سُنَّةٌ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَالِثًا وَهُوَ إنْ كَانَ عَهْدُهُ بِالْمَاءِ قَرِيبًا فَمُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَسُنَّةٌ. قَالَ: وَخَارِجُ الْمَذْهَبِ فِيهَا أَقْوَالٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُنْتَبِهِ مِنْ النَّوْمِ دُونَ غَيْرِهِ. (الثَّالِثُ) إنْ كَانَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَالْبَيَاتُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيْلِ. (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ جُنُبًا وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ: أَوَّلًا يُرِيدُ فِي أَوَّلِ وُضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا

فِي الْإِنَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: اُخْتُلِفَ هَلْ يَغْسِلُهُمَا ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَقَوْلُهُ: تَعَبُّدًا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ: يَغْسِلُهُمَا لِلنَّظَافَةِ وَقَوْلُهُ: بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ إلَّا إذَا غَسَلَهُمَا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَنَوَى بِذَلِكَ الْغَسْلِ سُنَّةَ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ غَسْلَهُمَا تَعَبُّدٌ. وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ. وَكَذَا غَسْلُهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ، وَعَلَى النَّظَافَةِ خِلَافُهُ فِي الْجَمِيعِ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَنَّ لِنَظِيفِ الْيَدِ الْغَسْلُ وَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ تَنْظِيفٌ كَمَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ أَوَّلًا لِلنَّظَافَةِ مَعَ أَنَّا نَأْمُرُ بِهِ نَظِيفَ الْجِسْمِ؟ فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ، قَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ، وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ يَدِهِ فَإِنْ شَاءَ أَفْرَغَ عَلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَا الْمَاءَ وَغَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذِهِ قَوْلَةٌ مُتَهَافِتَةٌ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ إنَّمَا شُرِعَ مُقَدَّمًا عَلَى إدْخَالِهَا الْإِنَاءَ هَذَا وَضَعَّفَهُ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُدْخِلُهُمَا ثُمَّ يَغْسِلُهُمَا فَلَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مِثْلِهِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَالَهُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (الثَّانِي) إنَّمَا يَكُونُ غَسْلُهُمَا سُنَّةً إنْ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ الطَّاهِرَتَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي إنَائِهِ. أَبُو عُمَرَ الْمَشْهُورُ: كَرَاهَةُ تَرْكِهِ. أَشْهَبُ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَدْخَلَهُمَا مَنْ نَامَ فِي إنَائِهِ فَلَا بَأْسَ بِمَائِهِ. ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ غَافِقٍ التُّونُسِيِّ: أَفْسَدَهُ وَلَوْ كَانَ طَاهِرَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَيْقَنَ: نَجَاسَتَهُمَا فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَيْقَنَ طَهَارَتَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ شَكَّ فَكَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَاتَ جُنُبًا فَنَجِسٌ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْإِنَاءِ اُنْظُرْ: ذِكْرَ الْإِنَاءِ هَلْ هُوَ مَقْصُودٌ فَلَا يَدْخُلُ الْحَوْضُ أَمْ لَا؟ أَمَّا الْجَارِي فَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَانْظُرْهُ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَمِثْلُ الْجَارِي الْمَاءُ الْكَثِيرُ مِثْلُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ وَالْبِرْكَةِ الْكَبِيرَةِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ مُوسَى فِيمَنْ يَرِدُ عَلَى الْحِيَاضِ وَيَدُهُ نَجِسَةٌ وَقَدْ قَالَ فِي رَسْمِ كَتَبَ: عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ، مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِثْلَ الْمِهْرَاسِ وَالْغَدِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ مِنْهُ إلَّا بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا دَنَسًا أَدْخَلَهَا، وَلَا يَأْخُذُ الْمَاءَ بِفِيهِ لِيَغْسِلَهَا إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. قَالَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً فَلَا يُدْخِلْهَا حَتَّى يَغْسِلَهَا وَلْيَتَحَيَّلْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ نَحْوُ هَذَا وَزَادَ فِيهِ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي أَخْذَهُ بِفِيهِ مِنْ التَّعَمُّقِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ مُوسَى: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: أَرَى أَنْ يَحْتَالَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَ مَا يَغْسِلُ بِهِ يَدَهُ إمَّا بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِيلَةٍ فَلَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا مُعَيَّنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي غَسْلِ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إمَّا بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ إذَا أَخَذَهُ بِفِيهِ يَنْضَافُ بِالرِّيقِ فَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْيَدِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَإِنْ عَيَّنَهَا تَزُولُ وَإِنْ بَقِيَ حُكْمُهَا، وَإِذَا زَالَ عَيْنُهَا مِنْ يَدِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَنْجَسْ الْمَاءُ الَّذِي أَدْخَلَهَا فِيهِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا: تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ إذَا وَجَدَهُ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِهِ فِي مِثْلِ الْمِهْرَاسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُفْرِغَ

مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ فَإِنْ أَيْقَنَ بِطَهَارَةِ يَدِهِ أَدْخَلَهَا، وَإِنْ أَيْقَنَ بِنَجَاسَتِهَا لَمْ يُدْخِلْهَا فِيهِ، وَاحْتَالَ لِغَسْلِهَا بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ بِطَهَارَتِهَا وَلَا نَجَاسَتِهَا فَقِيلَ: إنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمِهْرَاسِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُدْخِلُهَا فِيهِ وَلْيَحْتَلْ لِغَسْلِهَا بِأَخْذِ الْمَاءِ بِفِيهِ أَوْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي إنَاءٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُفْرِغَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ فَلَا يُدْخِلُهُمَا فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُمَا، فَإِنْ أَدْخَلَهُمَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهُمَا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ إنْ كَانَتْ يَدُهُ طَاهِرَةً، وَنَجِسٌ إنْ كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِيَدِهِ نَجَاسَةً فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَسَوَاءٌ أَصْبَحَ جُنُبًا أَوْ غَيْرَ جُنُبٍ انْتَهَى مِنْ رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ. (فَرْعٌ) وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَوْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالْمَقْصُودُ غَسْلُهُمَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَسَوَاءٌ تَوَضَّأَ مِنْ الْإِنَاءِ أَوْ مِنْ النَّهْرِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِيلَةٍ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي آخِرِ جَامِعِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا بِيَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ يُغَيِّرُ الْمَاءَ أَوْ لَا يُغَيِّرُهُ، فَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُهُ فَلَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُهُ فَلْيُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلْ يَدَهُ بِمَا يَغْرِفُ بِهَا مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأْ أَوْ يَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ إدْخَالَ يَدِهِ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْيَسِيرِ تَحِلُّهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ وَيَتَيَمَّمُ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ: وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ يُفْرِغُ ثَلَاثًا عَلَى الْيُمْنَى فَيَغْسِلُهَا ثُمَّ يُفْرِغُ بِهَا عَلَى الْيُسْرَى فَيَغْسِلُهَا انْتَهَى. قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الِاخْتِيَارَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوُضُوءِ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَيَغْسِلَهُمَا جَمِيعًا اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَفْرَغَ عَلَى الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا وَحْدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْإِنَاءِ فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى فَغَسَلَهَا أَيْضًا وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضِيقٌ. وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى لِابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ اخْتِيَارِ مَالِكٍ هَذَا، وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُهُمَا فِي تَمَامِ الْوُضُوءِ هَلْ يُدْخِلُ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْإِنَاءِ أَمْ يُدْخِلُ الْوَاحِدَةَ وَيُفْرِغُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَيَتَوَضَّأُ؟ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ الْوَاحِدَةِ فَيَغْسِلَهُمَا جَمِيعًا هُوَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ لِمَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَرَأَى وَاسِعًا أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلَهَا وَحْدَهَا ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ فَيُفْرِغَ بِهَا عَلَى الْأُخْرَى فَيَغْسِلَهَا أَيْضًا وَحْدَهَا، وَأَمَّا فِي بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ فَاخْتَارَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْإِنَاءِ فَيَغْرِفَ بِهِمَا جَمِيعًا لِوَجْهِهِ ثُمَّ لِسَائِرِ أَعْضَائِهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُدْخِلُ يَدَهُ الْوَاحِدَةَ فَيَغْرِفُ بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَا يُغْرَفُ بِيَدِهِ الْوَاحِدَةِ يَكْفِيه لِغَسْلِ وَجْهِهِ وَهُوَ أَمْكَنُ لَهُ مِنْ أَنْ يَغْرِفَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وَلَعَلَّ الْإِنَاءَ يَضِيقُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَغْرِفُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْغُسْلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ «ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: اُخْتُلِفَ فِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَغَسْلِهِمَا قَبْلَ إدْخَالِ الْإِنَاءِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَغْسِلُ الْيُمْنَى ثُمَّ يُدْخِلُهَا فِي الْإِنَاءِ فَيُفْرِغُ عَلَى الْيُسْرَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَيْهِمَا فَيَغْسِلَهُمَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. مِنْ بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ. (حِكَايَةٌ) وَمَوْعِظَةٌ: ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ الْمُبْتَدِعِينَ سَمِعَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»

قَالَ كَالْمُسْتَهْزِئِ: أَنَا أَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدِي، كَانَتْ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَصْبَحَ وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي دُبُرِهِ إلَى ذِرَاعِهِ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُفَصِّلِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. ص (وَمَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ) ش يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ الثَّانِيَةَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْمَضْمَضَةُ، وَالسُّنَّةَ الثَّالِثَةَ مِنْ سُنَنِهِ الِاسْتِنْشَاقُ. فَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ فَهِيَ بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ وَالتَّرَدُّدُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَضْمَضَ النُّعَاسُ فِي عَيْنَيْهِ وَمَضْمَضَ الْمَاءَ فِي الْإِنَاءِ أَيْ حَرَّكَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الطِّرَازِ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مَصْمَصَةٌ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَصْمَصَةُ مُعْجَمَةٌ وَغَيْرُ مُعْجَمَةٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ جَعْلُكَ الْمَاءَ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ تُحَرِّكُهُ انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي اللُّغَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمَصْمَصَةُ يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ مِثْلُ الْمَضْمَضَةِ إلَّا أَنَّهَا بِطَرَفِ اللِّسَانِ وَالْمَضْمَضَةُ بِالْفَمِ كُلِّهِ انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَاضِي: هِيَ إدْخَالُ الْمَاءِ فَاهُ فَيُخَضْخِضُهُ وَيَمُجُّهُ ثَلَاثًا انْتَهَى. وَلَفْظُهُ فِي التَّلْقِينِ صِفَتُهَا أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ إلَى فِيهِ ثُمَّ يُخَضْخِضُهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: هِيَ فِي الْوُضُوءِ أَنْ يُخَضْخِضَ الْمَاءَ بِفِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَضْخَضَةَ وَالْمَجَّ دَاخِلَانِ فِي حَقِيقَتِهَا وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّلْقِينِ: فَأَدْخَلَ الْمَجَّ فِي ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا إذَا ابْتَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ وَالْغَالِبُ لَا أَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِّ وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَبِأَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ إدَارَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهُ لِتَقْيِيدِهِمْ ذَلِكَ بِالْخَضْخَضَةِ وَهِيَ التَّحْرِيكُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَفِي الزَّاهِي لِابْنِ شَعْبَانَ وَلَا يَمُجُّ الْمُتَوَضِّئُ الْمَاءَ حَتَّى يُخَضْخِضَهُ فِي فِيهِ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْمَضْمَضَةُ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ بِالْأُصْبُعِ أَوْ بِقُوَّةِ الْفَمِ زَادَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ يَمُجُّهُ فَأُدْخِلَ فِي حَقِيقَةِ الْمَجِّ قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا لِلسُّنَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا زَادَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْعَادَةُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ السُّنَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي الْفَمِ دِرْهَمٌ أَدَارَهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَحَلِّهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِتَقِيِّ الدِّينِ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ إدَارَةِ الدِّرْهَمِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَصِلُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَيُمَضْمِضُ فَاهُ: يَجْعَلُ فِيهِ الْمَاءَ ثُمَّ يُخَضْخِضُهُ وَيَمُجُّهُ بِقُوَّةٍ فَإِنْ فَتَحَ فَاهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ دُونَ دَفْعٍ فَفِي مَجْهُولِ الْجَلَّابِ قَوْلَانِ، وَلَوْ لَمْ يَمُجَّ الْمَاءَ وَابْتَلَعَهُ فَقَوْلَانِ أَيْضًا زَادَ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ ذَكَرَهُمَا الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ انْتَهَى. وَمَجْهُولُ الْجَلَّابِ هُوَ للشَّارْمَساحِيِّ وَصَرَّحَ بِاسْمِهِ فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلْفَاكِهَانِيِّ: قَالَ النَّوَوِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ إدَارَةَ الْمَاءِ فِي الْفَمِ لَا تَلْزَمُ. وَسَمِعْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ: إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ: " الْجُمْهُورُ " فَإِنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُ فَانْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ النَّوَوِيِّ: وَظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ التَّلْقِينِ لُزُومُهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الزَّاهِي، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الْخَضْخَضَةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُعَارِضُهُ إلَّا مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى مَذْهَبِنَا، وَفِي ابْتِلَاعِ الْمَاءِ قَوْلَانِ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ تَرْجِيحُ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغِيلِسِيَّةِ عَنْ شَيْخِهِ الْقُورِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْمَجِّ مِنْ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ: رَأَيْت شَيْخَنَا يَتَوَضَّأُ بِصَحْنِ الْمَسْجِدِ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَبْتَلِعُ الْمَضْمَضَةَ حَتَّى سَمِعْتُهُ مِنْهُ انْتَهَى. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الظَّاهِرَ إجْزَاءُ الِابْتِلَاعِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي إرْسَالِ الْمَاءِ دُونَ رَفْعِ الْإِجْزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَلَا يُصَوِّتُ بِمَجِّ الْمَاءِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ حِينَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ وَمَكْرُوهُ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ آدَابِ الْأَكْلِ وَأَمَّا

الِاسْتِنْشَاقُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّنَشُّقِ وَهُوَ الشَّمُّ يَقُولُ اسْتَنْشَقْتُ الشَّيْءَ إذَا شَمَمْتُهُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ جَذْبُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا فَضِيلَةٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ ص (وَبَالَغَ مُفْطِرٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُبَالِغُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْمُبَالَغَةُ بِرَدِّ الْمَاءِ إلَى الْغَلْصَمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ خَوْفًا مِمَّا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ مِنْهُ، فَإِنْ وَقَعَ وَسَبَقَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ تَعَمَّدَ كَفَّرَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ بَلْ هِيَ الْأَصْلُ لِحَدِيثِ «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَحُكْمُ الْمُبَالَغَةِ فِي الصَّوْمِ فِيهِمَا الْكَرَاهَةُ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي أَقَاصِي الْفَمِ وَلَا يَجْعَلُهُ وَجُورًا، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى أَقْصَى الْأَنْفِ وَلَا يَجْعَلُهُ سَعُوطًا انْتَهَى. ص (وَفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ وَجَازَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَرْفَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ فِعْلَهُمَا بِسِتٍّ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَفْضَلُ، وَحَكَى الْبَاجِيّ فِي ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فِي كُلِّ غَرْفَةٍ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ. (قُلْتُ) وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَجَعَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ مِنْ الْجَائِزِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، قَالَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْخُذَ غَرْفَةً يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ، ثُمَّ يَأْخُذُ أُخْرَى يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ، ثُمَّ غَرْفَةً ثَالِثَةً يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ شَاءَ مَضْمَضَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ. الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ وَاتِّبَاعُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَوْلَى انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي كَوْنِ الْأَوْلَى فِعْلَهُمَا مِنْ غَرْفَةٍ ثَلَاثًا أَوْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ: قَوْلَا أَصْحَابِنَا فِي فَهْمِ قَوْلِ مَالِكٍ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى. (الثَّانِي) إذَا قُلْنَا الْأَكْمَلُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ فَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِثَلَاثٍ عَلَى الْوَلَاءِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ كَذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ الثَّانِيَ فِيمَا إذَا أَتَى بِهِمَا بِسِتِّ غَرَفَاتٍ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مَا نَصُّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَضْمَضَةِ ثَلَاثًا نَسَقًا مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ الِاسْتِنْثَارِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ وَكَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ جَوَازُ مَا ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا جَمَعَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِهَا أَوَّلًا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَجَازَا بِغَرْفَةٍ. قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَيْسِيُّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ أَجْمَعُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ إحْدَاهُمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُمَضْمِضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ

(الثَّالِثُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا فِي الْجَائِزَاتِ وَيَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ لِاخْتِيَارِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ. (الرَّابِعُ) ذَكَرَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ اخْتِيَارَ مَالِكٍ أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاسْتِنْشَاقُ كُلُّهُ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ كُلِّهَا وَيَسْلَمَ مِنْ التَّنْكِيسِ انْتَهَى. وَهُوَ غَرِيبٌ أَعْنِي كَوْنَهُ اخْتِيَارَ مَالِكٍ. (الْخَامِسُ) بَقِيَ مِنْ صِفَاتِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ صِفَةٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَهَا وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ غَرْفَةً فَيَتَمَضْمَضُ مِنْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ غَرْفَةً ثَانِيَةً فَيَتَمَضْمَضُ مِنْهَا الثَّالِثَةَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا الْمَرَّةَ الْأُولَى ثُمَّ غَرْفَةً ثَالِثَةً يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا مَرَّتَيْنِ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهَا. (السَّادِسُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِيُمْنَاهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَأْثُورٌ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ فِي الزَّاهِي: وَحَمْلُ الْمَاءِ لِذَلِكَ يَعْنِي لِلْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِالْيُمْنَى خَاصَّةً. (السَّابِعُ) قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مِنْ عِلَّةٍ تَمْنَعُهُ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ انْتَهَى. (الثَّامِنُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَعْنِي الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَلَاثٍ فَإِنَّ مَغْسُولَاتِ الْوُضُوءِ كُلَّهَا كَذَلِكَ، وَكَانَ مُرَادُهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - بِقَوْلِهِ أَحْسَنُ أَيْ أَحْسَنُ مِنْ الِاثْنَيْنِ لَا أَحْسَنُ مِنْ الْوَاحِدَةِ، إذْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْحُسْنِ صِيغَةُ أَفْعَلَ. وَلَوْ قَالَ: وَيُجْزِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَكَانَ أَبْيَنَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا: وَيُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَيَعْنِي بِحَيْثُ يَفْعَلُ لِكُلٍّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً أَوْ لِوَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأُخْرَى وَاثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ الْفَعْلَاتُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَوْ الْغَرَفَاتُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأَنْفِهِ الْمَاءَ وَيَسْتَنْثِرُهُ ثَلَاثًا: تَقَدَّمَتْ كَرَاهَةُ مَالِكٍ لِمَا دُونَهَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ فَفِي الصَّحِيحِ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ تَقَدَّمَتْ كَرَاهَةُ مَالِكٍ لِمَا دُونَهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ الِاسْتِنْشَاقُ جَذْبُ الْمَاءِ بِأَنْفِهِ وَنَثْرُهُ بِنَفَسِهِ وَيَدُهُ عَلَى أَنْفِهِ ثَلَاثًا، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ دُونَهُمَا. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق أَيْ دُونَ الثَّلَاثِ وَدُونَ الْيَدِ عَلَى الْأَنْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قُلْتُ) الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ ابْنِ عَرَفَةَ دُونَهَا بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ أَيْ دُونَ جَعْلِ الْيَدِ عَلَى الْأَنْفِ، وَكَأَنَّهُ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ زَرُّوق بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ. (التَّاسِعُ) قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْعَدَدِ فَعَلَهُ وَلَا حَرَجَ انْتَهَى. (قُلْتُ) بِأَنْ يَكُونَ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ص (وَاسْتِنْثَارٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ الرَّابِعَةَ الِاسْتِنْثَارُ وَهُوَ لُغَةً طَرْحُ الْمَاءِ مِنْ الْأَنْفِ بِالنَّفَسِ، مَأْخُوذٌ مِنْ نَثَرْتُ الشَّيْءَ إذَا طَرَحْتُهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَحْرِيكِ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ، وَفِي الشَّرْعِ طَرْحُ الْمَاءِ مِنْ أَنْفِهِ بِنَفَسِهِ مَعَ وَضْعِ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ دُونَ وَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ: هَكَذَا يَفْعَلُ الْحِمَارُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالُوا وَإِنَّمَا يَمْسِكُهُ مِنْ أَعْلَاهُ ثُمَّ يَمُرُّ لِآخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُنَظِّفُ وَيَشُدُّ أَصَابِعَهُ بِالْإِخْرَاجِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ هُوَ الْأَوْلَى وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْثُرُهُ بِنَفَسِهِ وَأُصْبُعِهِ: مُرَادُهُ الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةُ مِنْ الْيَدِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهَا الْمُعَدَّةُ لِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَيَفْعَلُهُمَا بِالْيُمْنَى وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَسْتَنْثِرُ بِالْيُسْرَى وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْتَهَى. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِنْثَارَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ مَيْلٌ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ عِنْدَنَا سُنَّتَانِ وَعَدَّهُمَا بَعْضُ شُيُوخِنَا

سُنَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِهِمَا وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ: ظَاهِرُ اقْتِصَارِ الرِّسَالَةِ وَالتَّلْقِينِ وَالْجَلَّابِ وَالصَّقَلِّيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّهُمَا - يَعْنِي الِاسْتِنْشَاقَ وَالِاسْتِنْثَارَ - سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْكَافِي الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَهُوَ نَصُّ الْمُقَدِّمَاتِ، وَقَوْلُ أَوَّلِ الرِّسَالَةِ مِنْ سُنَنِهِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْثَارُ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي، وَقَوْلُهُ آخِرَهَا كَالتَّلْقِينِ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَمَسْحُ وَجْهَيْ كُلِّ أُذُنٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَسْحَ وَجْهَيْ الْأُذُنَيْنِ أَيْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا سُنَّةٌ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَالْأَبْهَرِيُّ إلَى أَنَّ مَسْحَهُمَا فَرْضٌ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: دَاخِلُهُمَا سُنَّةٌ وَفِي ظَاهِرِهِمَا اخْتِلَافٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِيهِ الِاسْتِحْبَابَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلنَّدْبِ أَوَّلًا فَيَكُونُ ثَالِثًا. قَالَ اللَّخْمِيُّ: الصِّمَاخَانِ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا وَفِي فَرْضِ ظَاهِرِ إشْرَافِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا قَوْلَا ابْنِ مَسْلَمَةَ مَعَ قَوْلِهَا الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فَاخْتُلِفَ فِي الظَّاهِرِ فَقِيلَ: مَا يَلِي الرَّأْسَ، وَقِيلَ: مَا يُوَاجَهُ بِهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إلَى الْحَالِ وَإِلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْأُذُنِ فِي الْخِلْقَةِ كَالْوَرْدَةِ ثُمَّ تَنْفَتِحُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَحْسُنُ النَّظَرُ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسْحَ ظَاهِرِهِمَا مُخَالِفٌ لِمَسْحِ بَاطِنِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) لَكِنْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: الرَّابِعَةُ: أَنْ يَمْسَحَ أُذُنَيْهِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، ظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ، وَبَاطِنَهُمَا بِأُصْبُعَيْهِ وَيَجْعَلُهُمَا فِي صِمَاخَيْهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ أَيْضًا: وَظَاهِرُهَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَقِيلَ: مَا يُوَاجِهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: بِأُصْبُعَيْهِ أَيْ بِسَبَّابَتَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَيَجْعَلُهُمَا فِي صِمَاخَيْهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ سُقُوطُ الْمَسْحِ عَنْهُمَا. ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَتَتَبَّعُ غُضُونَهُمَا أَيْ كَالْخُفَّيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ تَتَبُّعَ غُضُونِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ تَتَبُّعُ غُضُونِهِمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ بِالْمَسْحِ التَّخْفِيفُ وَالتَّتَبُّعُ يُنَافِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا انْتَهَى. يَعْنِي الْخِلَافَ فِي فَرْضِ ذَلِكَ وَسُنَنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَيْفِيَّةُ مَسْحِهِمَا مُطْلَقٌ فِي الرِّوَايَاتِ وَفِي الْمُوَطَّإِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ فَقَالَ عِيسَى: يَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ سِوَى سَبَّابَتَيْهِ يُمِرُّهُمَا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا دَاخِلَهُمَا وَخَارِجَهُمَا. الْبَاجِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «بَاطِنُهُمَا بِالسَّبَّابَةِ وَظَاهِرُهُمَا بِالْإِبْهَامِ» . (قُلْتُ) نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ يَمْسَحُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ وَإِبْهَامَيْهِ وَإِنْ شَاءَ غَمَسَهُمَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا انْتَهَى. ص (وَتَجْدِيدُ مَائِهِمَا) ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ السَّادِسَةَ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لِمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْمَاءِ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: هُوَ مُخَيَّرٌ فِي التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّجْدِيدَ مَعَ الْمَسْحِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ التَّجْدِيدَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ هُوَ السُّنَّةُ وَالتَّجْدِيدُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ التَّجْدِيدَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْ التَّجْدِيدِ وَالْمَسْحِ سُنَّةً، وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَقْتَضِي أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ فَرْضٌ وَأَنَّ السُّنَّةَ فِي التَّجْدِيدِ، وَنَصُّهُ سُنَنُ الْوُضُوءِ اثْنَتَا عَشْرَ مِنْهَا أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَهِيَ الْمَضْمَضَةُ

وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ مَعَ تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا، وَالْمَنْصُوصُ لِمَالِكٍ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ فِي تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا وَقَدْ قِيلَ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ: إنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ يُمْسَحَانِ مَعَهُ وَلَا يُجَدَّدُ لَهُمَا الْمَاءُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ يُغْسَلَانِ مَعَهُ وَقِيلَ: بَاطِنُهُمَا مِنْ الْوَجْهِ وَظَاهِرُهُمَا مِنْ الرَّأْسِ، وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَثَمَانٍ قِيلَ فِيهَا: إنَّهَا سُنَنٌ وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ، وَعُدَّ مِنْهَا اسْتِيعَابُ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّبْيِينِ وَالتَّقْسِيمِ قَالَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: الْأُذُنَانِ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ عِنْدَهُ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ نَسِيَهُمَا فِي وُضُوئِهِ وَصَلَّى مَعَ أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ عِنْدَهُ وَاجِبٌ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ اسْتِيعَابُ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ انْتَهَى. نَعَمْ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسْحِ وَالتَّجْدِيدِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَقَالَ لَمَّا عَدَّ سُنَنَ الْوُضُوءِ: وَمَسْحُ دَاخِلَ الْأُذُنَيْنِ وَفِي ظَاهِرِهِمَا اخْتِلَافٌ قِيلَ: فَرْضٌ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا سُنَّةٌ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ أَرَادَ أَنْ يَنْسِبَ ذَلِكَ لِابْنِ يُونُسَ فَعَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي غَيْرِ الْمُقَدِّمَاتِ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَسْحَ وَالتَّجْدِيدَ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَسَحَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ فَقَدْ أَتَى بِإِحْدَى السَّنَّتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَرَدُّ مَسْحِ رَأْسِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ السَّابِعَةَ رَدُّ الْيَدَيْنِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ رَدَّهُمَا مِنْ الْمُؤَخَّرِ إلَى الْمُقَدَّمِ، وَإِنْ بَدَأَ فِي الْمَسْحِ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَتَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرُدَّهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْفَرْضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَاحِدٌ وَهُوَ بُلُوغُ الْيَدَيْنِ إلَى مُؤَخَّرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُمَا لَأَجْزَأَهُ، وَالسُّنَّةُ رَدُّهُمَا مِنْ الْقَفَا إلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَإِنْ بَدَأَ رَجُلٌ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ لَكَانَ الْمَسْنُونُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا عَدَّ السُّنَنَ: وَرَدُّ الْيَدَيْنِ مِنْ مُنْتَهَى الْمَسْحِ لِمَبْدَئِهِ سُنَّةٌ. ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ قِيلَ: فَضِيلَةٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَرَدَّ الْيَدَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّدَّ لَا يَكُونُ سُنَّةً إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمُؤَخَّرِ إلَى الْمُقَدَّمِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ سُنَّةً وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي لَهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ انْتَهَى. وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَدَّ الْيَدَيْنِ ثَالِثَةً فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي رَدِّ الْيَدَيْنِ ثَالِثَةً فَقِيلَ: لَا فَضِيلَةَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَنْ يُمِرَّ الْيَدَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى الْمُؤَخَّرِ نَحْوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ يُرِيدُ وَلَا يَسْتَأْنِفُ الْمَاءَ لِلثَّانِيَةِ وَلَا لِلثَّالِثَةِ، وَلَا فَائِدَةَ فِي إعَادَةِ الْيَدِ لِلثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ فِي الْيَدِ بَلَلٌ، وَالْغَالِبُ بَقَاءُ الْبَلَلِ فِي الْيَدِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَفِي كَوْنِ رَدِّ الْيَدَيْنِ ثَالِثَةً فَضِيلَةً قَوْلَا إسْمَاعِيلَ وَالْأَكْثَرِ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ. (الثَّالِثُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيّ هَذَا أَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا بَقِيَ فِي الْيَدِ بَلَلٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا بَلَلٌ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. (الرَّابِعُ) يُكْرَهُ التَّكْرَارُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ ص (وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ الثَّامِنَةَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَنْ يُرَتِّبَ فَرَائِضَهُ

فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَرَائِضَهُ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ: وَاجِبٌ حَكَاهُ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقِيلَ: وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ وَعَزَاهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَعْزُهُ بَلْ قَالَ: تَأَوَّلَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِيهَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَمَا أَدْرِي مَا وُجُوبُهُ. قَالَ سَنَدٌ هُوَ تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ. قَالَ: وَالْهَاءُ فِي وُجُوبِهِ عَائِدٌ عَلَى التَّرْتِيبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى إعَادَةِ الْوُضُوءِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَتَحَصَّلَ فِي حُكْمِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَدَلَ عَنْ أَحْرُفِ التَّرْتِيبِ وَهِيَ الْفَاءُ وَثُمَّ إلَى الْوَاوِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي إلَّا مُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا أُبَالِي إذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ بِالْبُدَاءَةِ بِالرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ خَرَّجَ الْأَثَرَيْنِ الدَّارَقُطْنِيّ مَعَ صُحْبَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُولَ عُمْرِهِ، فَلَوْلَا اطِّلَاعُهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ابْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى. وَحَيْثُ انْتَفَى الْوُجُوبُ قُلْنَا: إنَّهُ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَتَّبَ الْأَعْضَاءَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى» وَبِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِيهَا، فَكَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فِيهَا كَالصَّلَاةِ «وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا» وَفِعْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ كَذَلِكَ، «وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاسَبَاتٌ تَقْتَضِي أَنَّ التَّرْتِيبَ مَطْلُوبٌ وَنَحْنُ نُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَرْجِعُ إلَى النَّهْيِ عَنْ التَّنْكِيسِ وَالنَّهْيُ يَفْتَرِقُ عَمْدُهُ مِنْ نِسْيَانِهِ انْتَهَى. وَوَجْهُ الِاسْتِحْبَابِ أَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى الْوُجُوبُ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْهَيْئَاتِ كَالِابْتِدَاءِ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَبِأَوَّلِ الْعُضْوِ وَبِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيَسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ وَإِلَّا مَعَ تَابِعِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ فَمَنْ نَكَّسَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ إنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ أَعَادَ الْوُضُوءَ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إعَادَةِ الْمُنَكَّسِ وَمَا بَعْدَهُ مَعَ الْقُرْبِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، قَالَ: وَلَفْظُهُ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ لِيَسَارَةِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) مَنْ نَكَّسَ بَعْضَ عُضْوٍ فَحُكْمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ حُكْمُ الْمُنَكَّسِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِيمَنْ غَسَلَ يَدَيْهِ أَوَّلَ وُضُوئِهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ غَسْلَ كَفَّيْهِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ: إنْ كَانَ قَصَدَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ أَوَّلًا السُّنَّةَ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلْيُعِدْ مَا صَلَّى بِذَلِكَ، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْفَرْضَ فَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ. قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ انْتَهَى. كَأَنَّهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ أَوَّلًا: لَا يُجْزِئُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ أَوَّلًا السُّنَّةَ أَمْ لَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ نَاسِيًا فَأَمَّا مَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ عَامِدًا فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:

قَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُ مَعَ الْعَمْدِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالنَّاسِي فَلَا يُعِيدُ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ فَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ وَكَذَا هُنَا وَالْخِلَافُ هُنَا أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ سُنَنَ الصَّلَاةِ أَقْوَى وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يُذَمُّ تَارِكُهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا قُلْنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوُضُوءِ أَخَّرَ مَا قَدَّمَ ثُمَّ غَسَلَ مَا بَعْدَهُ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَاعَدَ وَجَفَّ وَضُوءُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَدْرِي مَا وُجُوبُهُ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ النِّسْيَانِ. (قُلْتُ) وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ أَنَّهُ عَزَا لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ اسْتِحْبَابًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ إعَادَةَ مَا بَعْدَ الْمُنَكَّسِ فِي الْقُرْبِ مَسْنُونَةٌ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ التَّرْتِيبِ خِلَافًا لِابْنِ نَاجِي وَالْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. (الثَّالِثُ) جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْجَفَافَ حَدًّا لِلْبُعْدِ فِي الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُوَالَاةِ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا لَا يُجَدَّدُ بِالْجَفَافِ بَلْ دُونَ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ. (الرَّابِعُ) الْمُنَكَّسُ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَنْ مَوْضِعِهِ الْمَشْرُوعِ لَهُ، فَلَوْ بَدَأَ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ مَسَحَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤَخِّرُ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، فَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَعَادَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَأْسَهُ فَقَطْ، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَبْلَ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ فَيَتَّفِقُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ بَدَأَ فِي الْإِعَادَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ إنَّمَا كَانَتْ لِوُقُوعِ ذَلِكَ قَبْلَ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ، فَإِذَا أَعَادَهُ فَقَدْ وَقَعَ بَعْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ وَبَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الْآنَ مَسْحَ رَأْسِهِ لِيَقَعَ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ فَيُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ مِنْ هَذَا صُوَرًا كَثِيرَةً مَرْجِعُهَا إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (الْخَامِسُ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالتُّونُسِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِمَا يَأْتِي مِنْ التَّنْكِيسِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَنْ بَدَأَ بِغَسْلِ ذِرَاعَيْهِ أَوْ بِمَسْحِ رَأْسِهِ قَبْلَ غَسْلِ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا قَدَّمَهُ فَقَطْ وَهُوَ غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ أَوْ مَسْحُ الرَّأْسِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ رِجْلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَوَقَعَ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَفْرِقَةِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَنْكِيسِهِ نَاسِيًا إذَا فَرَّقَ وُضُوءَهُ. قَالَ: وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ فَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَا نَسِيَهُ فَذَكَرَهُ بَعْدَ الْبُعْدِ فَيَفْعَلُهُ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا إذَا نَكَّسَ وُضُوءَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ كَالْمَنْسِيِّ لَلَزِمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ فِي الْعَمْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّسَ مُشَبَّهٌ بِالْمَنْسِيِّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَتَأَمَّلْهُ. وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ الِاسْتِشْكَالِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ إعَادَةَ الْمُقَدَّمِ إنَّمَا هِيَ لِحُصُولِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُدِّمَ عَلَيْهِ بِإِعَادَةِ الذِّرَاعَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّمَا هِيَ لِيَحْصُلَ

التَّرْتِيبُ بَيْنَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْوَجْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا لَا بَيْنَ الذِّرَاعَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ لِحُصُولِ ذَلِكَ أَوَّلًا، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْجَوَابَ لِبَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ. قَالَ: وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ وَذَكَرَ الِاعْتِرَاضَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَلَمْ يَعْزُهُ. (قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِإِعَادَةِ الْمُنَكَّسِ وَمَا بَعْدَهُ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ لِيَأْتِيَ بِالْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ، وَمَعَ الْبُعْدِ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْخِلَافِ فِيهِ لِحُصُولِ الْخَلَلِ فِي الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ مِنْ أَوَّلِهِ قَدْ حَصَلَ وُضُوءُهُ مُفَرَّقًا، وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّ مَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ نَاسِيًا وَمُتَعَمِّدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَيُجَابُ بِحُصُولِ الْمُوَالَاةِ أَوَّلًا انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. (السَّابِعُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فَنَكَّسَ وُضُوءَهُ فَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا؟ ص (وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ وَبِالصَّلَاةِ وَسُنَّةٍ فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ فَرْضًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا لَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِذَلِكَ الْفَرْضِ الَّذِي نَسِيَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَيْضًا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الَّذِي نَسِيَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمُوَالَاةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِيُنَبِّهَ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً وَقَوْلُهُ: أَتَى بِهِ يُرِيدُ وَبِمَا بَعْدَهُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُعْدِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْكِيسِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُنَكَّسِ وَالْمَنْسِيِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا حُكْمُ مَا إذَا أَخَّرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا لَهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فَقَطْ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا بِالْقُرْبِ أَوْ بِالْبُعْدِ وَإِنْ كَانَ صَلَّى بِذَلِكَ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً لَمْ يُفْعَلْ فِي مَوْضِعِهَا فِعْلٌ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَحَقِيقَةُ مَا يُعَادُ مِنْ السُّنَنِ الْمَتْرُوكَةِ فِي الْوُضُوءِ وَمَا لَا يُعَادُ أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ إذَا تُرِكَتْ وَلَمْ يُؤْتَ فِي مَحَلِّهَا بِعِوَضٍ فَإِنَّهَا تُعَادُ، وَهَذَا كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبِ وَكُلِّ سُنَّةٍ عُوِّضَتْ فِي مَحَلِّهَا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ عَائِدًا مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ فَلَا تُعَادُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا قَدْ حَصَلَ فِيهِ الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا يُجْزِئُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَفْظُهُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: كُلُّ سُنَّةٍ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يُعِدْ مَوْضِعَهَا مَنْ فَعَلَ فَإِنَّهَا إذَا تُرِكَتْ لَا تُعَادُ كَمَنْ تَرَكَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَالِاسْتِنْثَارَ وَرَدَّ الْيَدَيْنِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْتُ يُرَدُّ بِعُمُومِ نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إعَادَةُ مَا تُرِكَ مِنْ مَسْنُونِهِ وَإِنْ سَلِمَ فِي الْيَدَيْنِ فَلِاسْتِحَالَةِ تَلَافِيهِ لِتَقْيِيدِهِ بِالْقَبْلِيَّةِ وَتَلَافِيهَا مُسْتَحِيلٌ أَوْ مُوجِبٌ إعَادَةَ الْوُضُوءِ، فَتَصِيرُ السُّنَّةُ وَاجِبَةً انْتَهَى. (قُلْتُ) قَدْ سَلِمَ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ إذَا كَانَ لَا يُعِيدُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا رَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالِاسْتِنْثَارُ وَهُمَا أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ إعَادَتَهُمَا تَسْتَلْزِمُ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْ مَسْحِهِ مِنْ غَيْرِ بَلَلٍ فِي الْيَدِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْثَارُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَّا بِإِعَادَةِ الِاسْتِنْشَاقِ، فَالصَّوَابُ تَقْيِيدُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ بِمَا عَدَا الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَنْ سَهَا عَنْ رَدِّ يَدَيْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَخْذِ الْمَاءِ لِرِجْلَيْهِ فَلْيُعِدْ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنْ بَلَّ

يَدَيْهِ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْرَارُ مَسْحٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ السُّنَنَ الَّتِي تُفْعَلُ إذَا تُرِكَتْ الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا، وَالتَّرْتِيبُ. (الثَّانِي) إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُوَطَّإِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ السَّهْوِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ مَعَ الْعَمْدِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي السَّهْوِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَمَنْ تَرَكَهُمَا وَصَلَّى أُمِرَ بِإِعَادَتِهِمَا مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَعَادَهُمَا فَهَلْ يُعِيدُ مَا بَعْدَهُمَا إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ كَمَا فِي الْمَفْرُوضِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: الْإِعَادَةُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَنَفْيُهَا لِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَوَجْهُ عَدَمِ الْإِعَادَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا وَبَيْنِهَا وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ مُسْتَحَبٌّ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَغْسُولَاتِ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ عِنْدَهُ سُنَّةٌ لَكِنَّهُ أَخَفُّ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَعَمْرِي أَنَّهُ خِلَافُ مَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ. (الثَّالِثُ) إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ الْوُضُوءَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِتْيَانِ بِهَا. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (الرَّابِعُ) إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ عَامِدًا حَتَّى طَالَ فَقَدْ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ وَلَوْ بَنَى عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ صَلَّى بِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَضُرُّ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ قَدْرِهِ، وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا بِالْقُرْبِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يَفْعَلُهَا أَيْضًا وَلَوْ طَالَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَامِدًا: فِي اسْتِحْبَابِ إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ قَوْلَيْنِ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ مَا تَرَكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الزَّاهِي وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَمَنْ تَرَكَهُمَا وَصَلَّى أُمِرَ بِفِعْلِهِمَا، وَقَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَعَمِّدِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: بِفِعْلِهِمَا أَيْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَقَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ كَمَا ذُكِرَ، وَنَفْيُهَا، وَالثَّالِثُ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْإِعَادَةُ أَبَدًا، نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَهَذَا إمَّا لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ وَاجِبَتَانِ، وَإِمَّا لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَنِ عَمْدًا لَعِبٌ وَعَبَثٌ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْبَيَانِ وَأَمَّا الْعَامِدُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا إعَادَةَ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، فَقِيلَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ يُعِيدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَبَدًا انْتَهَى. وَمَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ النَّاسِيَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِهِ وَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُعِيدَ النَّاسِي أَيْضًا فِي الْوَقْتِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِيهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَيَفْعَلُهُمَا تَارِكُهُمَا. وَفِي إعَادَةِ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ ثَالِثُهَا فِي الْعَمْدِ لِلَّخْمِيِّ وَنَقَلَهُ وَسَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَخَرَّجَ إعَادَتَهُ

أَبَدًا مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ عَمْدًا، قَالَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يُعِيدُ النَّاسِي اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ هُوَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ فَمَنْ تَرَكَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُ وَلَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ نَاسِيًا، فَإِنْ تَرَكَهُمَا مُتَعَمِّدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ عَمْدًا، وَلَا خِلَافَ هَاهُنَا أَنَّهُ يُعِيدُ لَا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ يَلْزَمُ إذَا قِيلَ: فِي سُنَّةٍ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ فِي كُلِّ سُنَّةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ مُتَبَايِنَةُ الرُّتَبِ فِي التَّأْكِيدِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَكَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ فِيمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ مُتَعَمِّدًا وَتَصْحِيحُهُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ إعَادَةِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَامِدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا: وَمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسَحَ دَاخِلَ أُذُنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى صَلَّى أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَأَعَادَ مَا تَرَكَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَقَالَ سَنَدٌ: إنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَعَلَهُ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ وَأَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهُمَا عَامِدًا وَصَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فَفِي صَلَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْمَذْكُورِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَضَعَّفَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُخَرَّجًا مِنْ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قُلْتُ يُرَدُّ تَخْرِيجُهُ بِأَنَّ سُنَّةَ الصَّلَاةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ وَالْوُضُوءُ وَسِيلَةٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَفِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ رَاشِدٍ إشَارَةٌ إلَى هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ رَاجِعًا إلَى تَرْكِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ السَّهْوِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ بِذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ؟ أَمَّا السُّنَنُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْإِعَادَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّنْكِيسِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَلَا الْوُضُوءَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَنَصُّهُ: وَأَمَّا دَاخِلُ الْأُذُنَيْنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَيُعِيدُهُمَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَأَمَّا خَارِجُ الْأُذُنَيْنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فَرْضٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمَا فَرْضٌ فَإِنْ تُرِكَتَا فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْسُوحَتَانِ فِي الرَّأْسِ وَالْمَسْحُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِيَسَارَتِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ الْقِيَاسُ الْإِعَادَةُ وَيُجَدِّدُ لَهُمَا الْمَاءَ فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فَلَا يُعِيدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ أَنَّهُ يُجَدِّدُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا

يَجِبُ مَسْحُهُمَا فَتَرَكَهُمَا سَهْوًا حَتَّى صَلَّى فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ فَقِيلَ: اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِمَا خِلَافَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَالثَّانِي وُجُوبُ مَسْحِهِمَا لَمْ يَرَ مَالِكٌ الْإِعَادَةَ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِحْسَانِ وَيَخْرُجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ؛ لِأَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنْ تَرَكَ ثُلُثَ رَأْسِهِ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ فَكَيْفَ بِمَنْ تَرَكَ مَسْحَ أُذُنَيْهِ؟ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ عَمْدًا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فَتَعْلِيلُ الْأَبْهَرِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ تَرَكَهُمَا عَمْدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ، وَحَمَلُوا قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى السَّهْوِ اسْتِحْسَانًا انْتَهَى. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ بَعْضَ هَذَا وَصَرَّحَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّ مَنْ نَسِيَ مَسْحَ أُذُنَيْهِ أَوْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا قَالَ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ نَسِيَهُمَا وَهُمَا عِنْدَهُ مِنْ الرَّأْسِ وَمَسْحُ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّجْدِيدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُجَدِّدُ لَهُمَا مَاءً وَيُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا، فَمَنْ مَسَحَهُمَا مَعَ رَأْسِهِ أَوْ تَرَكَهُمَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ، إلَّا أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْمَسْحِ لِمَا يَسْتَقْبِلُ وَنَقْصِدُ فِي الْعَمْدِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ سُنَنِ الْوُضُوءِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْفَرِيضَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا إذَا تَرَكَهَا وَلَا بِالْإِعَادَةِ، وَالثَّالِثُ يُعَادُ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَكَلَامُ سَنَدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ الْخَامِس: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا يُرِيدُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ غَسَلَهُ فَلْيَغْسِلْ مَا شَكَّ فِيهِ انْتَهَى. وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ وُضُوئِهِ، وَقَوْلُهُ: بَعْضَ وُضُوئِهِ شَامِلٌ لِلسُّنَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا فَإِنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا بَنَى عَلَى الْخَاطِرِ السَّابِقِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَنْكِحِ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ: يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرِهِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيُلْهِي عَنْهُ، قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ مَسْحَ رَأْسِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَكْثُرُ عَلَيْهِ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ صَلَّى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ أَيْ شَكَّ وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَمْسَحُهُ وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْكِحًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَفَضَائِلُهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ شَرَعَ يَذْكُرُ الْفَضَائِلَ وَهِيَ الْمُسْتَحَبَّاتُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ فِيهِ طَاهِرًا، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأ فِي مَوْضِعِ الْخَلَاءِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ لَمَّا ذَكَرَ أَدِلَّةَ الْفَضَائِلِ فَقَالَ: لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ الْوَسْوَاسِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْهُ وَعَدَّ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْفَضَائِلِ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ الْمَوْضِعَ الطَّاهِرَ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَدَّ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي الْخَلَاءِ وَلَا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ لَمَّا عَدَّ الْفَضَائِلَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَأَمَّا وَضْعُ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِدَرَجَةِ الْفَضَائِلِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ مُجَاوَرَةُ الْوُضُوءِ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا تُعَدُّ فِي

الْفَضَائِلِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ خَافَ أَنْ تُصِيبَهُ النَّجَاسَةُ فَلَا يَتَوَضَّأُ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَلَا يُلْحَقُ بِرُتْبَةِ الْفَضَائِلِ انْتَهَى. (قُلْتُ) فَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْثِ وَإِلَّا فَقَدْ عَدَّهُ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ وَهَذَا مِثْلُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي وَضْعِ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ. (فَرْعٌ) عَدَّ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَالشَّبِيبِيُّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ. (فَرْعٌ) عُدَّ مِنْ الْفَضَائِلِ اسْتِشْعَارُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الْوُضُوءِ. (فَرْعٌ) وَعَدَّ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَيْضًا مِنْ الْفَضَائِلِ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ عَنْ الْأَرْضِ. قَالَ: لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ مَا يَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْقُرْطُبِيَّةِ: وَالسَّابِعُ الْفَوْرُ وَأَنْتَ جَالِسٌ. قَوْلُهُ: وَأَنْتَ جَالِسٌ زِيَادَةٌ لِإِصْلَاحِ الْوَزْنِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ الْجُلُوسُ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا لِلتَّمَكُّنِ انْتَهَى. هَكَذَا قَالَ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَوْلُ النَّاظِمِ وَأَنْتَ جَالِسٌ أَتَى بِهِ لِتَمَامِ الْبَيْتِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ الْجَهَلَةُ وَأَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ. ص (وَقِلَّةُ مَاءٍ بِلَا حَدٍّ كَالْغُسْلِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَيْ مُسْتَحَبَّاتِهِ تَقْلِيلَ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ تَقْلِيلُ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ تَقْلِيلَ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مُسْتَحَبٌّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَالْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَالشَّبِيبِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهَا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَنْكَرَ مَالِكٌ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَقْطُرَ الْمَاءُ أَوْ يَسِيلَ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ مَضَى يَتَوَضَّأُ بِثُلُثِ الْمُدِّ. وَلَفْظُ الْأُمِّ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَذْكُرُ قَوْلَ النَّاسِ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَقْطُرَ أَوْ يَسِيلَ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَطِّرْ قَطِّرْ إنْكَارًا لِذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْت عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَضْلِ يَأْخُذُ الْقَدَحَ فَيَجْعَلُ فِيهِ قَدْرَ ثُلُثِ مُدِّ هِشَامٌ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَفْضُلُ مِنْهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَعْجَبَ مَالِكًا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا أَعْجَبَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ إحْكَامُ الْغُسْلِ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ بِمُدٍّ وَتَطَهَّرَ بِصَاعٍ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِنِصْفِ الْمُدِّ» وَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا الْعَالِمُ السَّالِمُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَإِلَى فِعْلِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَشَارَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ مَضَى يَتَوَضَّأُ بِثُلُثِ الْمُدِّ يَعْنِي مُدَّ هِشَامٍ لَا ثُلُثَ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُ إحْكَامُ الْوُضُوءِ بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ: وَقِلَّةُ الْمَاءِ مَعَ إحْكَامِ الْغُسْلِ سُنَّةٌ، وَالسَّرَفُ مِنْهُ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلِقُ السُّنَّةَ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: لَمْ يُرِدْ بِالسُّنَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَبِّ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالسُّنَّةِ هُنَا ضِدَّ الْبِدْعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق يَعْنِي سُنَّةً يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا أَعْجَبَ مَالِكًا وَاسْتَحْسَنَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إلَخْ. وَعَبَّاسٌ الْمَذْكُورُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: هُوَ عَبَّاسٌ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: وَالشُّيُوخُ يَقُولُونَ عَيَّاشٌ يَعْنِي بِمُثَنَّاةِ تَحْتِيَّةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُدَّ هِشَامٍ مُدٌّ وَثُلُثَا مُدٍّ بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَفْيِ التَّحْدِيدِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يُجْزِي فِي الْغُسْلِ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا أَرْطَبَ مِنْ أَعْضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ عِيَاضٌ لِابْنِ شَعْبَانَ وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَهُوَ ابْنُ شَعْبَانَ، وَعَزَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ لِلشَّيْخِ

أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيّ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيّ نَحْوَهُ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ: أَقَلُّ مَاءِ الْوُضُوءِ مُدٌّ، وَالْغُسْلِ صَاعٌ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّحْدِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَقَلُّ الْمِقْدَارِ مَا كَانَ يَكْتَفِي بِهِ سَيِّدُ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ فِي الْوُجُودِ أَعْلَمُ مِنْهُ وَلَا أَرْفَقُ وَلَا أَحْوَطُ وَلَا أَسْوَسُ بِأُمُورِ الشَّرْعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ أَيْضًا: وَإِذَا قُلْنَا يَتَوَضَّأ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ فَمَعْنَاهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَكَيْلُ الْمُدِّ وَالصَّاعِ بِالْمَاءِ أَضْعَافُ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ فَتَفَطَّنْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ: وَالتَّقْدِيرُ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ فِي الْكَيْلِ لَا فِي الْوَزْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: أَيْ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ مُدًّا مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُدِّ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ جِدًّا وَمِنْ الطَّعَامِ أَضْعَافُهُ انْتَهَى. يَعْنِي قَدْرَ وَزْنِ الْمُدِّ مِنْ الْمَاءِ. (الرَّابِعُ) الْوَاجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ الْإِسْبَاغُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ التَّعْمِيمُ، وَإِنْكَارُ مَالِكٍ التَّحْدِيدَ بِأَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِ التَّحْدِيدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ عَدَمِ السَّيَلَانِ مَسْحٌ بِغَيْرِ شَكٍّ قَالَهُ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَدِّ الْوُضُوءِ أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدَّهُ انْتَهَى. يَعْنِي التَّقْطِيرَ وَالسَّيَلَانَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ التَّحْدِيدَ بِقَطْرِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ غَالِبًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ التَّحْدِيدَ بِأَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ: يَعْنِي أَنْكَرَ السَّيَلَانَ عَنْ الْعُضْوِ لَا السَّيَلَانَ عَلَى الْعُضْوِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَمَّا السَّيَلَانُ عَنْ الْعُضْوِ فَغَيْرُ مَطْلُوبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَإِيعَابُهَا بِهِ إمَّا أَنَّهُ يَقْطُرُ أَوْ يَسِيلُ عَنْهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ السَّيَلَانِ قَوْلَيْنِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ سَحْنُونٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ. (فَائِدَةٌ) حَكَى عِيَاضٌ خِلَافًا فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ قَطَرَ هَلْ هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ أَوْ مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ. (الْخَامِسُ) التَّقْلِيلُ مُسْتَحَبٌّ مَعَ الْأَحْكَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّسَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْقَدْرُ الْكَافِي فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ فَمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكْفِيه فَهُوَ بِدْعَةٌ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكْفِيه فَقَدْ أَدَّى السُّنَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيدِ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ: وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمُسْتَعْمَلِ وَعَادَتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ، إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ لَلَزِمَ الْحَرَجُ لِمَا عُلِمَ مِنْ اخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَكْفِيهِ الْيَسِيرُ لِرِفْقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْفِيهِ إلَّا الْكَثِيرُ لِإِسْرَافِهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ لَوَجَبَ أَنْ يُفَارِقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَادَتَهُ وَيَسْتَعْمِلَ مَنْ يَكْفِيهِ الْيَسِيرُ زِيَادَةً عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيَقْتَصِرُ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِالْكَثِيرِ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ مَعَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ، وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِسْبَاغِ بِالْقَلِيلِ أَنْ يُقَلِّلَ الْمَاءَ وَلَا يَسْتَعْمِلَ زِيَادَةً عَلَى الْإِسْبَاغِ انْتَهَى. (السَّادِسُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّرَفَ هُوَ مَا زِيدَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشُّيُوخُ كَمَا سَنَقِفُ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: السَّرَفُ الْإِكْثَارُ فِي غَيْرِ حَقٍّ وَالْغُلُوُّ الزِّيَادَةُ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: فِي الرِّسَالَةِ: وَالسَّرَفُ فِيهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ، قَالَ فِي شَرْحِهِ الشَّيْخُ زَرُّوق وَالْبِدْعَةُ لُغَةً الْمُحْدَثُ، وَفِي الشَّرْعِ إحْدَاثُ أَمْرٍ فِي الدِّينِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنْهُ، وَمَرْجِعُهُ لِاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْهُ لِمَنْ يَرَاهُ كَمَالًا فَأَمَّا مَنْ يَعْتَرِيهِ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَةٍ يَعْتَقِدُ نَقْصَهَا وَأَنَّ

مَا يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْهُ بِدْعَةً إلَّا مِنْ حَيْثُ صُورَتِهِ، ثُمَّ الْبِدْعَةُ مُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ بِهَذِهِ حَدَّ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعَارِضْ وَاجِبًا وَلَا رَفَعَتْ حُكْمًا أَصْلِيًّا وَقَدْ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: رُوِّينَا عَنْ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّرَفُ فِي الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرِّسَالَةِ، وَالسَّرَفُ فِيهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُوَسْوِسِ، وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَيُغْتَفَرُ فِي حَقِّهِ لِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّوَادِرِ: وَالْقَصْدُ فِي الْمَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَالسَّرَفُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهَا الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا فِي الْعَارِضَةِ بِأَنَّ السَّرَفَ مَكْرُوهٌ، وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ فِي مَكْرُوهَاتِ الْوُضُوءِ الْإِكْثَارَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ عَسِرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا. عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ قَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ سَنَدٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَفْعُ غَسْلِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَقَدْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدٍّ: اُنْظُرْ هَلْ هَذَا حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً أَوْ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ أَوْ حِين تَوَضَّأَ ثَلَاثًا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ بِمُدٍّ يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَطَهَّرَ بِصَاعٍ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَذَلِكَ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَسْوَسَةُ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ أَوْ خَبَالٌ فِي الْعَقْلِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ: لَا تَعْتَرِي الْوَسْوَسَةُ إلَّا صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْ التَّحَفُّظ فِي الدِّينِ وَلَا تَدُومُ إلَّا عَلَى جَاهِلٍ أَوْ مُهَوَّسٍ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَا مِنْ اتِّبَاعِ الشَّيَاطِينِ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا: وَآفَةُ ذَلِكَ يَعْنِي الْإِسْرَافَ فِي صَبِّ الْمَاءِ مِنْ جِهَاتٍ هِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا اتَّكَلَ عَلَيْهِ وَفَرَّطَ فِي الدَّلْكِ وَأَبْطَأَ بِهِ الْحَالُ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاءِ مِمَّنْ يُرِيدُ الطَّهَارَةَ أَوْ غَيْرَهَا أَوْ يَأْلَفُ ذَلِكَ فَلَا تُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ مَعَ قِلَّةِ الْمَاء لِأُلْفَةِ الْكَثْرَةِ أَوْ يَبْقَى مُشَوَّشَ الْقَلْبِ. قَالَ: قَالُوا: أَوْ يُوَرِّثُ ذَلِكَ الْوَسْوَاسَ فَلَا يُمْكِنُ مَعَهُ زَوَالُ الشَّكِّ وَقَدْ جَرَّبْنَا ذَلِكَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى ص (وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ التَّيَمُّنُ فِي الْأَعْضَاءِ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِيَمِينِهِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَدْخَلَهُ سَحْنُونٌ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: خَرَّجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَهِيَ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوُضُوءِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ أَفْعَالِ الْخَيْرِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ ابْتَدَأَ بِغَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى أَجْزَأَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قُلْتُ) غَسَلَ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مُسْتَحَبٌّ، وَالزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَمْنُوعَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ نَدَبَ الشَّرْعُ لِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْجَنْبَيْنِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَلَمْ يَنْدُبْ لِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنْ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ وَالصُّدْغَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَنَافِعَ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْجُرْأَةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ وَلَيْسَتْ لِلْيَسَارِ حَتَّى أَنَّ الْخَاتَمَ يَضِيقُ فِي الْيُمْنَى وَيَتَّسِعُ فِي الْيُسْرَى، وَمَنْ اعْتَبَرَ ذَلِكَ وَجَدَهُ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ الْأُولَى وَأَمَّا الْأُذُنَانِ وَنَحْوُهُمَا فَمُسْتَوِيَانِ فِي الْمَنَافِعِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا. (قُلْتُ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْسَرَ يُقَدِّمُ الْيُمْنَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ عَلَى يَمِينِ الْمُتَوَضِّئِ إنْ كَانَ مَفْتُوحًا، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّ جَعْلَ الْإِنَاءِ

عَلَى الْيَمِينِ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْكَنِيَّةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي الْأَقْدَاحِ وَمَا تَدْخُلُ الْأَيْدِي فِيهِ، وَأَمَّا الْأَبَارِيقُ فَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِجَعْلِهِ عَلَى الْيَسَارِ لِيَسْكُبَ الْمَاءَ بِيَسَارِهِ فِي يَمِينِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) قَالَ عِيَاضٌ: الِاخْتِيَارُ فِيمَا ضَاقَ عَنْ إدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ وَضْعُهُ عَلَى الْيَسَارِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمَا. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا وَضْعُ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِدَرَجَةِ الْفَضَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَمْرٌ بِذَلِكَ وَقَدْ لَا يَتَيَسَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ الْأَوَانِي انْتَهَى. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَدَّهُ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ لَهُ، وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُتَوَضِّئُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ بِمُقَدَّمِهِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَارِدُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ قَوْلًا بِالسُّنِّيَّةِ، وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ وَسَطِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى حَدِّ مَنَابِتِ شَعْرِهِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى حَيْثُ بَدَأَ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) سَبَبُ الِاخْتِلَافِ قَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ» بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَقِيلَ: الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَالْمُرَادُ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِقْبَالِ تَفَاؤُلًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَقْبَلَ بِهِمَا عَلَى قَفَاهُ وَأَدْبَرَ بِهِمَا عَنْ قَفَاهُ فَإِنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، وَقِيلَ: بَدَأَ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَمْنَعُ هَذَا قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرُهُ بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْخَاءِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى مَقْدَمُ وَمُؤْخَرُ مُخَفَّفٌ وَالثَّالِثُ مَكْسُورٌ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الِابْتِدَاءُ بِالْمُقَدَّمِ غَيْرُ خَاصٍّ بِالرَّأْسِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ انْتَهَى. وَعَدَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ تَرْتِيبَ أَعْلَى الْعُضْوِ عَلَى أَسْفَلِهِ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ لَمَّا عَدَّ فَضَائِلَ الْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: لَوْ بَدَأَ الْمَاسِحُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ أَجْزَأَهُ إذْ الْمُفْتَرَضُ الْمَسْحُ بِالرَّأْسِ وَالْمَسْنُونُ تَبْدِئَةُ مُقَدَّمِهِ، وَيُوعَظُ فَاعِلُ هَذَا وَيُجْفَى وَيُقَبَّحُ لَهُ فِعْلُهُ لِخِلَافِ مَا أَتَى مِنْ السُّنَّةِ إنْ كَانَ عَالِمًا، وَيُعَلَّمُهَا إنْ كَانَ جَاهِلًا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَأَ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ مِنْ الذَّقَنِ أَوْ فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مِنْ كَعْبَيْهِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا. (الثَّانِي) انْفَرَدَ ابْنُ الْجَلَّابِ بِصِفَةٍ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ذَكَرَهَا فِي تَفْرِيعِهِ فَقَالَ: وَالِاخْتِيَارُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ ثُمَّ يَبْدَأُ بِيَدَيْهِ فَيُلْصِقَ طَرَفَيْهِمَا مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى مُؤَخَّرِهِ وَيَرْفَعَ رَاحَتَيْهِ عَنْ فَوْدَيْهِ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى مُقَدَّمِهِ وَيُلْصِقَ رَاحَتَيْهِ بِفَوْدَيْهِ وَيُفَرِّقَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي عَبْدَ الْوَهَّابِ: سَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ الْجَلَّابِ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا فَقَالَ: اخْتَرْتُهَا لِئَلَّا يَكُونَ مُكَرِّرًا لِلْمَسْحِ. وَفَضِيلَةُ التَّكْرَارِ مَخْصُوصَةٌ بِالْغَسْلِ، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا أَبَا الْحَسَنِ يَعْنِي ابْنَ الْقَصَّارِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالتَّكْرَارُ الَّذِي لَا فَضِيلَةَ فِيهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَرَدَ بِأَنَّ التَّكْرَارَ الْمَكْرُوهَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَالْفَوْدَانِ تَثْنِيَةُ فَوْدٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَهُمَا جَانِبَا الرَّأْسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَشَفْعُ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ شَفْعُ الْمَغْسُولِ وَتَثْلِيثُهُ فَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فَضِيلَتَانِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ،

وَقِيلَ: إنَّهُمَا سُنَّتَانِ، وَقِيلَ: الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالثَّالِثَةُ فَضِيلَةٌ. نَقَلَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ابْنُ عَبْدُ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فَضِيلَةٌ وَالثَّالِثَةَ سُنَّةٌ وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الْفَضِيلَةِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يَهْتَمَّ بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ فَيُؤْتِي بِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَضِيلَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: احْتَجَّ لَهُ بَعْضُهُمْ بِتَرْتِيبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْفَضْلَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَبِقَوْلِهِ فِي الثَّالِثَةِ: «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» انْتَهَى. (قُلْتُ) وَكَأَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ بِتَرْتِيبِهِ الْفَضْلَ عَلَى الثَّانِيَةِ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ» ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ خَامِسٌ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْجَوْزَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: وَعُمْدَتُهُ رِوَايَةُ عَلِيٍّ وَلَا دَلِيلَ فِيهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ شَرْحَ الْجَوْزَقِيِّ لِلْمَازِرِيِّ مَشْهُورٌ وَلَمْ أَسْمَعْ شَرْحَهُ لِلَّخْمِيِّ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) يَفْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الْأُولَى مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ وَتَتَبُّعِ الْمَغَابِنِ وَالدَّلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: يَغْسِلُ وَجْهَهُ هَكَذَا ثَلَاثًا. (الثَّانِي) اُخْتُلِفَ هَلْ يَفْعَلُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ أَوْ بِنِيَّةِ فِعْلِ مَا أَمْكَنَ تَرْكُهُ مِنْ الْأُولَى أَوْ بِنِيَّةِ إكْمَالِ الْفَرْضِ كَإِعَادَةِ الْفَذِّ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ بِنِيَّةِ فِعْلِ الْوُجُوبِ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَعَزَا الْأَوَّلَ لِلْمَازِرِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالرَّابِعَ لِلْبَيَانِ. قَالَ: وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِأَنَّ التَّكْرَارَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ تَيَقُّنِ حُصُولِ مَا وَجَبَ فَلَيْسَ هُنَاكَ شَكٌّ لِتَنَافِي الشَّكِّ وَالْيَقِينِ. قَالَ: وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ فَلَا يُعِيدُ إنْ تَبَيَّنَ تَرْكَهُ؛ لِأَنَّ فِي إجْزَاءِ نِيَّةِ الْوَاجِبِ دُونَ جَزْمٍ خِلَافٌ. قَالَ: وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الثَّالِثَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَقَرَّرُ دُونَ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبِهِ فَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ بِإِعَادَتِهَا؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهَا وَفَضْلُ ثَانِيَةِ الْغُسْلِ خَاصٌّ بِهَا لَا تَتَّصِلُ بِهِ الْأُولَى، فَامْتَنَعَ تَحْصِيلُهُ لَهَا بِهِ انْتَهَى مَبْسُوطًا، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: هَلْ يُؤْمَرُ الْمُتَوَضِّئُ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةَ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْوِي شَيْئًا مُعَيَّنًا. نَعَمْ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ الْمُسْبَغَةِ فَهُوَ فَضِيلَةٌ، قَالَ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْوِي بِذَلِكَ الْفَضِيلَةَ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّكْرَارِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ، وَاحْتَجَّ بِصَلَاةِ الْفَذِّ فِي الْجَمَاعَةِ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ. قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأُولَى فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْزَاءُ دُونَهَا فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَسْبَغَ فِي الْأُولَى اعْتَقَدَ فِي الثَّانِيَةِ الْفَضِيلَةَ لَا مَحَالَةَ. وَوِزَانُ طُولِ الرُّكُوعِ طُولُ التَّدَلُّكِ فِي الْأُولَى، وَأَمَّا إعَادَةُ الْمَكْتُوبَةِ بِنِيَّةِ أَنَّهَا الْفَرْضُ فَذَلِكَ لِرَجَاءِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْمَفْرُوضَةُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْإِسْبَاغَ إذَا وَقَعَ بِالْأُولَى لَا تَكُونُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَتَرَكَ مِنْهُ مَوْضِعًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ إلَّا فِي الثَّالِثَةُ فَإِنْ لَمْ يَخُصَّ الثَّالِثَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ أَجْزَأَهُ هـ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَيُكَرِّرُ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ اللُّمْعَةِ دُونَ جَمِيعِ الْعُضْوِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْإِسْرَافِ الْمَكْرُوهِ، وَقَالَ: فِي تَكْرِيرِهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ تَكْرِيرِ الْغَسْلِ فِيمَا غَسَلَ، وَإِنْ خَصَّ الثَّانِيَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَةِ الْمُجَدِّدِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِذَا لَمْ يُسْبِغْ فِي الْأُولَى وَأَسْبَغَ فِي الثَّانِيَةِ كَانَ بَعْضُ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَهُوَ إسْبَاغُ مَا عَجَزَ عَنْ الْأُولَى وَبَعْضُهَا فَضِيلَةٌ وَهُوَ مَا تَكَرَّرَ مِنْهَا عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَسْبَغَ أَوَّلًا، وَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَابِعَةٍ يَخُصُّ بِهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَا يَعُمُّ فِي الرَّابِعَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّهْيُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: وَإِنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ الْإِسْبَاغُ بِالْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ الْوُجُوبَ فِيمَا شَكَّ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ بَقِيَتْ لُمْعَةٌ

عَلِمَ مَوْضِعَهَا خَصَّهَا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا إنْ كَانَ بَعْدَ إكْمَالِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ إكْمَالِهِ نَوَى بِاَلَّتِي تَلِيهَا الْوُجُوبَ فِي مَوْضِعِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا زَادَ عَلَى مَوْضِعِهَا فَعَلَى الْخِلَافِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ نَحْوَهُ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يُكَرِّرُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ أَوْ شَكَّ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَضْلَ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَرْضَ، وَإِنْ شَكَّ نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَمَتَى شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ فَيَنْوِي الْوُجُوبَ فَإِنْ نَوَى الْفَضِيلَةَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ فَقَوْلَانِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ بِالْأُولَى وَعَمَّ بِالثَّانِيَةِ صَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَيَزِيدُ رَابِعَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلَافٌ. وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى وَقُلْنَا يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَهَلْ يَأْتِي بِرَابِعَةٍ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ التَّبْصِرَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَرَّةً إذَا أَسْبَغَ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: الْوُضُوءُ مَرَّتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ قِيلَ لَهُ: فَالْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ اثْنَتَيْنِ إذَا عَمَّتَا وَهَذَا احْتِيَاطٌ وَحِمَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِيَّ إذَا رَأَى مَنْ يَقْتَدِي بِهِ تَوَضَّأَ مَرَّةً فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يُحْسِنُ الْإِسْبَاغَ فَيُوقِعَهُ فِيمَا لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ بِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الطِّرَازِ وَاقْتَصَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى بَعْضِهِ فَقَالَ: جَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّهَا إلَّا مِنْ عَالِمٍ يَعْنِي لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا الْإِسْبَاغُ وَذَلِكَ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الْعُلَمَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ فَقِيلَ: لِتَرْكِ الْفَضِيلَةِ جُمْلَةً، وَقِيلَ: مَخَافَةَ أَنْ لَا يَعُمَّ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا لِلْعَالِمِ بِالْوُضُوءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَقَالَ: الْوُضُوءُ مَرَّتَانِ، قِيلَ: فَوَاحِدَةٌ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا مِنْ عَالِمٍ اهـ وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي فِي قَوَاعِدِهِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ لِغَيْرِ الْعَالِمِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، الثَّانِي الْكَرَاهَةُ، الثَّالِثُ الْكَرَاهَةُ لِلْعَالِمِ خَاصَّةً، الرَّابِعُ عَكْسُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ شَدِيدَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ فِي الطِّرَازِ أَوَائِلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ فَضِيلَةِ التَّكْرَارِ انْتَهَى. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّكْرَارَ فَضِيلَةٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ فِي تَرْكِهِ كَرَاهَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِهِ وَرُوِيَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ. الْمَازِرِيُّ لِلْحَطِّ عَنْ الْفَضِيلَةِ، وَالْقَابِسِيُّ لَا يَكَادُ يَسْتَوْعِبُ بِوَاحِدَةٍ وَلِذَا رَوَى بِزِيَادَةٍ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ. الْمَازِرِيُّ: هَذِهِ غُرَّةُ الْإسْفَرايِينِيّ فَحَكَى عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ اثْنَتَيْنِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَإِنْ عَمَّتَا انْتَهَى. الْخَامِسُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَشْفِيعَ الْمَغْسُولِ فَضِيلَةٌ وَتَثْلِيثَهُ فَضِيلَةٌ ثَانِيَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ إذْ ظَاهِرُهَا خِلَافُ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَأَنْ يُكَرِّرَ الْغَسْلَ ثَلَاثًا أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ هِيَ الْفَضِيلَةُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا جُزْءَ فَضِيلَةٍ، وَقَدْ اشْتَهَرَ خِلَافُهُ مِنْ أَنَّهُمَا فَضِيلَتَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ سُنَّتَانِ أَوْ الْأُولَى سُنَّةٌ وَالثَّانِيَةُ فَضِيلَةٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (وَهَلْ الرِّجْلَانِ كَذَلِكَ أَوْ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ؟ وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلَافٌ) ش ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَسْأَلَتَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ خِلَافًا أَيْ

قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ الْأُولَى: هَلْ الرِّجْلَانِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَيَغْسِلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا أَوْ فَرْضُهُمَا الْإِنْقَاءُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي التَّثْلِيثَ عَامًّا وَهُوَ الَّذِي فِي الرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّ فَرْضَهُمَا الْإِنْقَاءُ. قَالَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي آخِرِهِ «وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَسَخَ يَعْلَقُ بِهِمَا كَثِيرًا وَالْمَطْلُوبُ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْقَاءِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: زَعَمَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي تَكْرِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ قَالَ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غَسْلِهِمَا الْإِنْقَاءُ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ غَالِبًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَنَدٌ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرِّجْلَيْنِ نَفْيُ التَّحْدِيدِ انْتَهَى. (قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ عَلَى غَرْفَةٍ بَلْ يَعُمُّهُمَا أَوَّلًا بِالْغَسْلِ ثُمَّ يُكَرِّرُ ذَلِكَ ثَلَاثًا. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ: رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَكَانَ يُبَالِغُ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْأَوْسَاخِ غَالِبًا لِاعْتِيَادِهِمْ الْمَشْيَ حُفَاةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَلْ تُكْرَهُ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِب الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ الْحَاجِبِ الْكَرَاهَةُ، وَنَقَلَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهَا تُمْنَعُ. قَالَ: وَنَقَلَ سَنَدٌ اتِّفَاقَ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمَنْعِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ بِالتَّرَدُّدِ لَكَانَ أَجْرَى عَلَى طَرِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ الْمَذْكُورِينَ نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَشَهَرَ مِنْهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمْ الْمَنْعَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ الْحُرْمَةُ وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْعَ مُقَابِلًا لِلْكَرَاهَةِ، وَفِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ فِي تَوْجِيهِ الْكَرَاهَةِ: مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ، وَأَيْضًا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ مَا نَصُّهُ، وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنْ أَبْحَاثِهِمْ التَّحْرِيمُ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَالْأَقْرَبُ رَدُّهَا لِقَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، إنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ الْمُسْتَوْعِبَةُ الْعُضْوِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْعُضْوَ إلَّا بِغَرْفَتَيْنِ فَهُوَ غَرْفَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ أَوْ السُّنَّةَ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مِنْ وَرَاءِ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَصَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ بِالتَّحْرِيمِ فَقَالَ: وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الرَّابِعَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَجْهٍ لَكِنَّهَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: فَمَنْ عَمَّ الْعُضْوَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَتَى بِالْفَرْضِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ كَرَاهَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ خِيفَةَ أَنْ لَا يَعُمَّ بِهَا أَوْ خِيفَةَ أَنْ لَا يَرَاهُ مَنْ لَا يُحْسِنُ فَيَقْتَدِي بِهِ فَلَا يَعُمُّ بِوَاحِدَةٍ. (الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْمُقْتَصِرَ عَلَى الْوَاحِدَةِ تَارِكٌ لِلْفَضْلِ وَتَارِكُ الْفَضْلِ مُقَصِّرٌ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِإِجْمَاعٍ، كَمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا عَمَّ بِهَا بِإِجْمَاعٍ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنَّ تَشْبِيهَ ذَلِكَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ بِحُرْمَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا بَلْ الْكَلَامُ فِي كَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّبِيبِيِّ أَنَّ

الْمَشْهُورَ فِي ذَلِكَ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِهِ: وَالرَّابِعَةُ مَمْنُوعَةٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: إجْمَاعًا وَتَرَكَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَأَمَّا ابْنُ نَاجِي فَاقْتَصَرَ عَلَى آخِرِ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ السَّرَفِ فِي الْمَاءِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّأْكِيدُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ زَادَ فِيمَنْ تَوَضَّأَ بِنَفْسِهِ فَزَادَ الرَّابِعَةَ، وَقَوْلُهُ: اسْتَزَادَ فِيمَنْ يُوَضِّئُهُ غَيْرُهُ فَطَلَبَ مِنْ الَّذِي يُوَضِّئُهُ زِيَادَةَ الرَّابِعَةِ ص (وَتَرْتِيبُ سُنَنِهِ أَوْ مَعَ فَرَائِضِهِ) ش يَعْنِي أَنَّ تَرْتِيبَ سُنَنِ الْوُضُوءِ فِي أَنْفُسِهَا مُسْتَحَبٌّ بِأَنْ يُقَدِّمَ غَسْلَ يَدَيْهِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، وَيُقَدِّمَ الْمَضْمَضَةَ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ، وَيُقَدِّمَ هَذِهِ السُّنَنَ عَلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، وَكَذَلِكَ تَرْتِيبُ السُّنَنِ مَعَ الْفَرَائِضِ بِأَنْ يُقَدِّمَ السُّنَنَ الْأُوَلَ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ، وَيُقَدِّمَ الْفَرَائِضَ الثَّلَاثَ عَلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا فَمُسْتَحَبٌّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَلِكَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَقَالَ: وَفِي سُقُوطِ رَعْيِهِ يَعْنِي التَّرْتِيبَ فِي الْمَسْنُونِ وَوُجُوبِهِ نَقَلَ عِيَاضٌ مَعَ أَبِي عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنُ زَرُّوق مَعَ الصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: يُعِيدُ عَامِدُ تَنْكِيسِهِ فِي مَفْرُوضِهِ أَوْ مَسْنُونِهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْنِي بِسُقُوطِ رَعْيِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ، وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّنَنِ مَعَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ: إنَّهُ يَتَمَضْمَضُ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ وَجْهِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ أَخَفَّ مِنْ تَرْتِيبِ الْفَرَائِضِ فِي أَنْفُسِهَا فَقَالَ مَرَّةً: إنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ إذَا نَكَّسَهُ مُتَعَمِّدًا كَالْمَفْرُوضِ مَعَ الْمَفْرُوضِ، وَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا فَارَقَ وُضُوءَهُ وَقَالَ: إنْ نَكَّسَهُ سَاهِيًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ فَضْلٌ: مَعْنَاهُ إذَا فَارَقَ الْوُضُوءَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَارِقْ وُضُوءَهُ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ مَا قَدَّمَ وَيَغْسِلُ مَا بَعْدَهُ عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ مَسْنُونِ الْوُضُوءِ فَذَكَرَهُ بِحَضْرَةِ وُضُوئِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا نَسِيَ وَمَا بَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ الْمَفْرُوضِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) إذَا ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ فَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ الْجُلُوسَ الْوَسَطَ حَتَّى فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَنْ شَيْخِهِ الشَّبِيبِيِّ أَنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى وُضُوئِهِ وَيَفْعَلُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بَعْدَ فَرَاغِهِ. قَالَ: وَكَذَا أَفْتَى شَيْخُنَا الْبُرْزُلِيُّ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ بِرُجُوعِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ. قَالَ: وَأَفْتَى شَيْخُنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّغْبِيُّ بِرُجُوعِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَتْوَاهُ لِفَتْوَى مَنْ ذَكَرَ خِلَافَهُ فَوَقَفَ بَعْضُ طَلَبَتِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ فَعَرَّفَهُ بِهِ فَتَمَادَى عَلَى فَتْوَاهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلَفْظُ الْمُوَطَّإِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَ: فَلْيَتَمَضْمَضْ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ وَجْهِهِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَاجِيُّ فِيهِ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي هَلْ يَتَمَضْمَضُ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَوْ يَسْتَمِرُّ عَلَى وُضُوئِهِ حَتَّى يَفْرُغَ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (وَسِوَاكٌ وَإِنْ بِأُصْبُعٍ) ش يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ السِّوَاكَ وَالسِّوَاكُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الْعُودِ الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَقَالَ اللَّيْثُ: إنَّ الْعَرَبَ تُؤَنِّثُهُ أَيْضًا، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هَذَا مِنْ عَدَدِ اللَّيْثِ أَيْ أَغَالِيطِهِ الْقَبِيحَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ: وَالسِّوَاكُ مَصْدَرُ سَاكَ فَمَهُ يَسُوكُهُ سَوْكًا، فَإِنْ قُلْتَ اسْتَاكَ لَمْ تَذْكُرْ الْفَمَ، وَجَمْعُ السِّوَاكِ سُوكٌ بِضَمَّتَيْنِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ سُؤُكٌ بِالْهَمْزِ

ثُمَّ قِيلَ: إنَّ السِّوَاكَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَاكَ إذَا دَلَكَ وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ جَاءَتْ الْإِبِلُ تَسَّاوَكُ أَيْ تَتَمَايَلُ هُزَالًا، وَالسِّوَاكُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ اسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الْأَسْنَانِ لِتَذْهَبَ الصُّفْرَةُ وَغَيْرُهَا عَنْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَالْكَلَامُ فِي حُكْمِهِ، وَوَقْتِهِ، وَآلَتِهِ، وَكَيْفِيَّتِهِ. أَمَّا حُكْمُهُ فَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مُثَابَرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِظْهَارِهِ وَالْأَمْرِ بِهِ انْتَهَى. كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى مُثَابَرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ عَلَيْهِ، وَالْمُثَابَرَةُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُوَاظَبَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتَهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُجْمَعٌ عَلَى صِحَّةِ إسْنَادِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ النَّوَوِي: وَغَلِطَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ فَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْهُ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ هُوَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ مَرْفُوعًا وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ذَكَرَهُ قَبْلَ أَبْوَابِ الْأَذَانِ. قَالَ الْبَاجِيّ: قَوْله «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» عَلَى مَا عَلِمْتُمْ مِنْ إشْفَاقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ وَرِفْقِهِ بِهِمْ وَحِرْصِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا أَمْرُ الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ دُونَ النَّدْبِ فَهُوَ نَدَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى السِّوَاكِ وَلَيْسَ فِي النَّدْبِ إلَيْهِ مَشَقَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إعْلَامٌ بِفَضِيلَتِهِ وَاسْتِدْعَاءٌ لِفِعْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ، وَقَالَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ قَوْلُهُ: «مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ فَهَذَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَثْبُتُ بِحَدِيثِ الْأَعْرَجِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْأَمْرِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ فِيهِمَا وَأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِنَصِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا مَا ذُكِرَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ وَاجِبٌ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَاكُوا» وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَيُفَسِّرُ مَا احْتَجَّ بِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ إنَّ السِّوَاكَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِلصَّلَاةِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ عِنْدَهُ وَاجِبٌ وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَ: وَقَدْ أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ نَقْلَ الْوُجُوبِ عَنْ دَاوُد وَقَالُوا: إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَالْجَمَاعَةِ وَلَوْ صَحَّ إيجَابُهُ عَنْ دَاوُد لَمْ يَضُرَّ مُخَالَفَتُهُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْحُكْمُ عَنْهُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالسِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَلَكِنَّهُ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا أَحَدُهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَطَهِّرًا بِمَاءٍ أَوْ بِتُرَابٍ أَوْ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا، الثَّانِي عِنْدَ الْوُضُوءِ، الثَّالِثُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، الرَّابِعُ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ، الْخَامِسُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ، وَتَغَيُّرُهُ يَكُونُ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهَا أَكْلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَمِنْهَا طُولُ السُّكُوتِ، وَمِنْهَا كَثْرَةُ الْكَلَامِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَأَمَّا وَقْتُهُ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ: يَسْتَاكُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَتَمَضْمَضُ بَعْدَهُ لِيُخْرِجَ الْمَاءُ مَا يَنْثُرُهُ السِّوَاكُ، وَلَا يَخْتَصُّ السِّوَاكُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ

فِي الْحَالَاتِ الَّتِي يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْفَمُ كَالْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ لِتَغَيُّرِ الْفَمِ لِمَرَضٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ صَمْتٍ كَثِيرٍ أَوْ مَأْكُولٍ مُغَيِّرٍ. قَالَ: وَأَمَّا آلَتُهُ فَهِيَ عِيدَانُ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ أَوْ بِأُصْبُعِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ الْقَلَحَ وَالْقَلَحُ صُفْرَةُ الْأَسْنَانِ. فَإِنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعٍ حَرْشَاءَ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ فَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَيَتَجَنَّبُ مِنْ السِّوَاكِ مَا فِيهِ أَذًى لِلْفَمِ كَالْقَصَبِ فَإِنَّهُ يَجْرَحُ اللِّثَةَ وَيُفْسِدُهَا وَكَالرَّيْحَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ فِيهِ فَسَادٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى. وَلَفْظُ الطِّرَازِ: يَسْتَاكُ قَبْلَ وُضُوئِهِ حَتَّى إذَا تَمَضْمَضَ بَعْدَهُ أَخْرَجَ الْمَاءُ مَا يَنْثُرُهُ السِّوَاكُ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِيَاكِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوُضُوءِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ ثُمَّ قَالَ سَنَدٌ: فَمَنْ لَا يَسْتَاكُ بِعُودٍ وَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى أَسْنَانِهِ فِي مَضْمَضَةٍ قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ السِّوَاكِ الْخَفِيفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ زِيَادَةً عَلَى مَحْضِ التَّمَضْمُضِ فِي التَّنَظُّفِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ بِالْيُمْنَى أَوْلَى. وَقَالَ: رَوَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ بِقَضْبِ الشَّجَرِ. قَالَ: وَأَفْضَلُهَا الْأَرَاكُ قَالَ: وَضَعُفَ كَرَاهِيَةُ بَعْضِهِمْ بِذِي صِبْغٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ لِجَوَازِ الِاكْتِحَالِ وَفِيهِ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ. قَالَ: وَفِي رَدِّهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الِاكْتِحَالَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِنَّ. قَالَ: وَفِي إجْزَاءِ غَاسُولٍ تَمَضْمَضَ بِهِ عَنْهُ قَوْلَا ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِعُودِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ قَالَ: وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا فَأُصْبُعُهُ يُجْزِئُ زَادَ الْأَبِيُّ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَاسْتَاكَ بِهَا فَلَا يُدْخِلُهَا الْإِنَاءَ خَوْفَ إضَافَةِ الْمَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَاكُ بِالْيُمْنَى وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ بِالشِّمَالِ؛ لِأَنَّهَا مَسَّتْ الْأَذَى وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِهِ فَحَسَنٌ يَعْنِي مَعَ الْمَضْمَضَةِ بِرِفْقٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالدَّلْكِ، وَقَدْ رُوِيَ بِأُصْبُعَيْهِ بِالْإِفْرَادِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ، وَبِالتَّثْنِيَةِ يَعْنِي مَعَ الْإِبْهَامِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَهُوَ بِالْيُمْنَى وَقِيلَ: بِالْيُسْرَى. وَلْيَتَّقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِقُوَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْبَلْغَمِ وَيُضِيفُ الْمَاءَ بِمَا يَنْقَلِعُ مِنْهَا وَرُبَّمَا أَجْرَى دَمًا أَوْ أَثَارَ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ اسْتِحْبَابُ غَسْلِهَا مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ بِهَا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ أَدْخَلَهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ وَاسْتَخَفَّهُ لِيَسَارَةِ مَا عَلَيْهَا ذَكَرَهُ الشَّبِيبِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى مِنْ الشَّيْخِ زَرُّوق وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ بِأُصْبُعِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ بِغَيْرِ الْأُصْبُعِ أَفْضَلُ وَلَكِنَّهُ يُجْزِئُ بِالْأُصْبُعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَرْجَحِيَّةِ غَيْرِ الْأُصْبُعِ فَالْأَمْرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأُصْبُعَ كَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. اللَّخْمِيُّ: وَالْأَخْضَرُ لِلْمُفْطِرِ أَوْلَى وَظَاهِرُ التَّلْقِينِ هُمَا لَهُ سَوَاءٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفَضَّلَ الْأَخْضَرَ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الْإِنْقَاءِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُكْرَهُ بِعُودِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَأَفْضَلُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ عُودُ الْأَرَاكِ وَكَوْنُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَنْ يَكُونَ إبْهَامُهُ تَحْتَ الْعُودِ وَالسَّبَّابَةُ فَوْقَ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ أَسْفَلَ انْتَهَى. وَهَذَا بَعِيدٌ فَانْظُرْهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَاكَ مِمَّا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ حَصَلَ الِاسْتِيَاكُ كَالْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَالسَّعْدِ وَالْأُشْنَانِ، وَأَمَّا الْأُصْبُعُ فَإِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً لَمْ يَحْصُلْ السِّوَاكُ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً حَصَلَ بِهَا السِّوَاكُ. قَالَ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مُتَوَسِّطٍ لَا شَدِيدِ الْيُبْسِ يَجْرَحُ وَلَا رَطْبٍ لَا يُزِيلُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا وَلَا يَسْتَاكُ طُولًا لِئَلَّا يُدْمِي لَحْمَ أَسْنَانِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُمِرَّ السِّوَاكَ عَلَى أَطْرَافِ أَسْنَانِهِ وَكَرَاسِيِّ أَضْرَاسِهِ وَسَقْفِ حَلْقِهِ إمْرَارًا لَطِيفًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي سِوَاكِهِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فَمِهِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ سِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَوَّدَ الصَّبِيُّ السِّوَاكَ لِيَعْتَادَهُ انْتَهَى. وَقَالُوا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَيُرْوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«وَاسْتَاكُوا عَرْضًا وَادَّهِنُوا غِبًّا» أَيْ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ «وَاكْتَحِلُوا وِتْرًا» فَالسِّوَاكُ عَرْضًا أَسْلَمُ لِلِّثَةِ مِنْ التَّقَلُّعِ وَالِادِّهَانُ إذَا كَثُرَ يُفْسِدُ الشَّعْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَالسِّوَاكُ وَإِنْ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فَعِنْدِي مَا عَرَا عَنْ شَائِبَةِ تَعَبُّدٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَسْنَانَ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَغْسُولَاتِ لِجَلَائِهِ عِوَضًا عَنْ الْعِيدَانِ لَمْ يَأْتِ بِالسُّنَّةِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَاكَ بِسِوَاكِهِ غَسَلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السِّوَاكِ الْأَوَّلِ غَسَلَهُ انْتَهَى. وَالْأَطْيَبُ لِلنَّفْسِ غَسْلُهُ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ثِيَابِهِ أَوْ بِمَوْضِعٍ تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا سُئِلَتْ بِأَيِّ شَيْءٍ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ فَقَالَتْ بِالسِّوَاكِ» قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: مَعْنَاهُ تَكْرَارُهُ لِذَلِكَ وَمُثَابَرَتُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَقْتَصِرُ فِيهِ فِي نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ عَلَى الْمِرَارِ الْمُكَرَّرَةِ، وَخُصَّ بِذَلِكَ دُخُولُهُ بَيْتَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ ذَوُو الْمُرُوءَةِ بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَجِبُ عَمَلُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي الْمَجَالِسِ الْحَفِلَةِ انْتَهَى. وَرَدَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْمَعْنَى بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَسْتَاكُ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ يَقُولُ أُعْ أُعْ وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ» وَقَالَ: إنَّ بَعْضَهُمْ تَرْجَمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِاسْتِيَاكِ الْإِمَامِ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِهِ وَرَجَّحَ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّ السِّوَاكَ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرَبِ فَلَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ بِأُصْبُعٍ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ السِّوَاكُ بِالْأُصْبُعِ فِي مَضْمَضَةٍ أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ، فَالْأَوَّلُ قَالَ سَنَدٌ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ الْخَفِيفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ زِيَادَةً عَلَى مَحْضِ الْمَضْمَضَةِ فِي التَّنْظِيفِ انْتَهَى. وَالثَّانِي قَالَ سَنَدٌ وَلِابْنِ الصَّبَّاغِ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَلِكَ سِوَاكٌ، وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ لَيْسَ الْأُصْبُعُ بِأَنْ يَكُونَ سِوَاكًا لِلسِّنِّ بِالْأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ السِّنُّ سِوَاكًا لِلْأُصْبُعِ انْتَهَى. ص (وَتَسْمِيَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ: وَفَضَائِلُهُ سِتٌّ التَّسْمِيَةُ مُكَمِّلَةٌ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ: قَالُوا: وَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَهُ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: قُلْتُ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ خَاصَّةً أَجْزَأَهُ وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْجِمَاعِ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي» وَأَمَّا عِنْدَ إغْلَاقِ الْبَابِ وَإِطْفَاءِ الْمِصْبَاحِ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَانْظُرْ هَلْ الْأَوْلَى إضَافَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْخَاصِّ أَوْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ؟ وَأَمَّا عِنْدَ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ فَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ أَنْ يُقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَحَسَنٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ: يَعْنِي بِالتَّسْمِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا مِثْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ تَنَظُّفًا أَوْ تَبَرُّدًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَقَعُ تَأْوِيلُ التَّسْمِيَةِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ مُبْتَدَأِ الْوُضُوءِ. ص (وَدُخُولٌ وَضِدُّهُ لِمَنْزِلٍ وَمَسْجِدٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَدُخُولُ خَلَاءٍ. ص (وَلُبْسٌ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلُبْسُ ثَوْبٍ وَنَزْعُهُ. ص (وَإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ. قَالَ: كَ شَكِّهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ هَلْ هُوَ الْعِيدُ؟) ش فَفِي فِي كَرَاهَتِهَا

فصل آداب قضاء الحاجة

وَعَدَمِ كَرَاهَتِهَا وَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِتْيَانِ بِهَا قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَفِي فِعْلِهَا نَقْلَا الْمَازِرِيُّ عَنْ الْأَشْيَاخِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ شَكَّ هَلْ غَسَلَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَوْلَانِ لِلشُّيُوخِ قِيلَ: يَأْتِي بِأُخْرَى قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا، خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْذُورِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَاخْتُلِفَ إذَا شَكَّ هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَقِيلَ: إنَّهُ يَفْعَلُهَا كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا لِتَرْجِيحِ السَّلَامَةِ مِنْ مَمْنُوعٍ عَلَى تَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ. (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَبِهِ أَدْرَكْتُ كُلَّ مَنْ لَقِيتُ يُفْتِي وَخَرَّجَ الْمَازِرِيُّ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مَنْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ عَاشِرًا. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى ابْنِ الْجَلَّابِ قِيلَ: لَهُ مَا يَخْتَارُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، قَالَ الصَّوْمُ قِيلَ: لَهُ بِنَاءً عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، قَالَ: نَعَمْ انْتَهَى. قَالَ فِي الشَّامِلِ فَقِيلَ: يَأْتِي بِأُخْرَى وَقِيلَ: لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ، سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ صَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ إذَا شَكَّ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ هَلْ يُكْرَهُ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ مَحْظُورٌ فَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ مَحْظُورٌ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ هُوَ مَحْظُورٌ وَهُوَ خَطَأٌ لِإِيهَامِهِ أَنَّ صَوْمَ التَّاسِعِ مَعَ الشَّكِّ مَحْظُورٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَازِرِيِّ إنَّمَا اخْتَارَ الصَّوْمَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمُخَرَّجَ عَلَيْهَا لَيْسَ فِيهَا قَوْلٌ بِالْمَنْعِ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّوْمِ هَلْ هُوَ أَيْضًا بَاقٍ عَلَى الطَّلَبِ أَوْ يُكْرَهُ؟ . (فَرْعٌ) يُقْبَلُ الْغَيْرُ فِي الْإِخْبَارِ بِكَمَالِ الْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي الشَّكِّ فِي الطَّوَافِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. . [فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ] (فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) هَذَا الْفَصْلُ يُذْكَرُ فِيهِ آدَابُ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَقَسَّمَهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ عَامٌّ فِي الْفَضَاءِ وَالْكَنِيفِ، وَقِسْمٌ خَاصٌّ بِالْكَنِيفِ، وَقِسْمٌ خَاصٌّ بِالْفَضَاءِ انْتَهَى مِنْ الْبِسَاطِيِّ. ص (نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ وَمِنْهُ بِرَخْوٍ نَجِسٍ) ش الرَّخْوُ مُثَلَّثٌ الْهَشُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ قَالَ الْأَشْيَاخُ: لَا يَخْلُو الْمَوْضِعُ الْمَقْصُودُ لِلْبَوْلِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إنْ كَانَ طَاهِرًا رَخْوًا فَالْأَوْلَى الْجُلُوسُ؛؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلسَّتْرِ وَلَا يَحْرُمُ الْقِيَامُ وَإِنْ كَانَ صُلْبًا نَجِسًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَقْصِدَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَامَ خَافَ أَنْ يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَلَسَ خَافَ أَنْ يَتَلَطَّخَ بِنَجَاسَةِ الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ صُلْبًا طَاهِرًا فَلَيْسَ إلَّا الْجُلُوسُ؛ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ التَّلَطُّخَ بِالنَّجَاسَةِ إنْ جَلَسَ وَلَا يَأْمَنُهَا إنْ قَامَ، وَإِنْ كَانَ رَخْوًا نَجِسًا فَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا الْقِيَامُ؛ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ التَّطَايُرَ وَإِنْ جَلَسَ خَافَ التَّلَطُّخَ وَمَحْصُولُ هَذَا أَنَّهُ يَجْتَنِبُ النَّجَاسَةَ وَيَفْعَلُ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِلسَّتْرِ، وَاجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ آكَدُ مِنْ السَّتْرِ إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يُرَى فِيهِ. انْتَهَى، وَأَصْلُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُنْتَقَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمَوْضِعِ الرَّخْوِ فَقَطْ فَأَشَارَ إلَى الرَّخْوِ الطَّاهِرِ بِقَوْلِهِ: نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ، وَإِلَى الرَّخْوِ النَّجَسِ بِقَوْلِهِ: وَمُنِعَ بِرَخْوٍ نَجِسٍ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ فَالْأَوْلَى الْجُلُوسُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ أَوْلَى وَأَفْضَلُ وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ قَائِمًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَطَايَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَا بَأْسَ تَرِدُ لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: اُخْتُلِفَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا فَأُجِيزَ وَكُرِهَ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَكَانَ الْمَوْضِعُ رَخْوًا فَإِنَّهُ يُسْتَشْفَى بِهِ مِنْ وَجَعِ الصُّلْبِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلُوا مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا. انْتَهَى، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْقِيَاسُ

أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ إذَا سَلِمَ مِنْ إصَابَةِ الْبَوْلِ وَالْهُتْكَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ وَاجِبٍ وَلَا ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ مَنْعِ الْجُلُوسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَا يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ ابْنِ بَشِيرٍ وَلَفْظُ الْبَاجِيِّ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَنَصُّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ دَمِثًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَذِرٌ بَالَ الْبَائِلُ فِيهِ قَائِمًا وَلَمْ يَبُلْ جَالِسًا؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ يُفْسِدُ ثَوْبَهُ وَهَذَا يَأْمَنُ مِنْ تَطَايُرِ الْبَوْلِ إذَا وَقَفَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ كَانَ رَخْوًا نَجِسًا بَالَ قَائِمًا مَخَافَةَ أَنْ تَتَنَجَّسَ ثِيَابُهُ وَأَقْوَى مَا رَأَيْت فِي ذَلِكَ عِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى كَلَامَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ عَنْ الْأَشْيَاخِ: قِيَامُهُ بِرَخْوٍ طَاهِرٍ جَائِزٌ وَمُقَابِلُهُ بِدْعَةٌ أَيْ يَتْرُكُهُ وَجُلُوسُهُ بِصُلْبٍ طَاهِرٍ لَازِمٌ وَمُقَابِلُهُ مُقَابِلُهُ، فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَمُقَابِلُهُ مُقَابِلُهُ أَنَّ الْقِيَامَ لَازِمٌ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجُلُوسَ حَرَامٌ وَالْقِيَامَ وَاجِبٌ إذَا تَحَفَّظَ الشَّخْصُ عَلَى ثِيَابِهِ بَلْ عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ صَرِيحَةٌ فِي الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا عَدَّ الْآدَابَ: وَأَنْ يَبُولَ جَالِسًا إنْ كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَ نَجِسًا رَخْوًا فَلَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ فَتَأَمَّلْهُ. وَلَمْ يُتَابِعْ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْمُصَنِّفَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالْمَنْعِ بَلْ قَالَ: وَجُلُوسُهُ بِمَكَانٍ رَخْوٍ إنْ كَانَ طَاهِرًا وَإِلَّا بَالَ قَائِمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الصُّلْبُ فَأَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اجْتِنَابُهُ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَلَا أَعْرِفُهُ إلَّا لِأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ قُلْت ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْتَنِبَ الْمَوْضِعَ الصُّلْبَ احْتِرَازًا مِنْ الرَّشَاشِ وَأَطْلَقَ فِي ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُخْشَى مِنْ تَطَايُرِ الْبَوْلِ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا فَيَنْبَغِي تَجَنُّبُهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْجَوَاهِرِ فِيهَا إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا صُلْبًا تَجَنَّبَهُ وَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ لِأَبِي عَسْكَرٍ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَطْلُبَ مَوْضِعًا رَخْوًا قَالَ شُرَّاحُهُ: لَا صُلْبًا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ فَقَالَ: وَاتِّقَاءُ الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ صُلْبًا طَاهِرًا فَلَيْسَ إلَّا الْجُلُوسُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ إنْ كَانَ مَوْضِعًا طَاهِرًا صُلْبًا يُخَافُ أَنْ يَتَطَايَرَ مِنْهُ الْبَوْلُ إذَا بَالَ قَائِمًا فَحُكْمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ يَبُولَ الْبَائِلُ فِيهِ جَالِسًا؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ تُبِيحُ الْجُلُوسَ وَصَلَابَةُ الْأَرْضِ تَمْنَعُ الْوُقُوفَ لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَوْلِ مَا يُنَجِّسُ ثِيَابَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ صُلْبًا طَاهِرًا تَعَيَّنَ الْجُلُوسُ وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ جُلُوسَهُ لَازِمٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي وَقَبِلَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْجُلُوسَ وَاجِبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقِيَامَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ: وَأَكْرَهُهُ بِمَوْضِعٍ يَتَطَايَرُ فِيهِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ فِي مَوْضِعٍ صُلْبٍ يَتَطَايَرُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّقْسِيمَ الْمُتَقَدِّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ هَذَا التَّقْسِيمَ بِعَيْنِهِ وَانْظُرْ الْكَرَاهَةَ هَلْ هِيَ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ عَلَى بَابِهَا تَجْرِي عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. انْتَهَى، وَحَمْلُهَا عَلَى الْمَنْعِ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يَأْمَنَ تَطَايُرَ الْبَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَنْ مَحِلِّهِ أَوْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَيُرِيدَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُهَا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَجَنُّبِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَجَنَّبْهُ وَأَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهِ هَلْ يَقُومُ أَوْ يَجْلِسُ؟ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ شَيْءٌ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّخْوِ وَأَمَّا إذَا بَقِيَ كَلَامُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ عَكْسُ الْمُرَادِ، وَأَنَّ الْجُلُوسَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا وَالْقِيَامُ جَائِزٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِقَاضِي الْحَاجَةِ شَامِلٌ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ لَكِنْ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ إذَا كَانَ الْمَكَانُ رَخْوًا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْبَوْلِ قَالَ؛ لِأَنَّ الْغَائِطَ لَا يَجُوزُ إلَّا جَالِسًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا الْغَائِطُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا جَالِسًا عَلَى كُلِّ حَالٍ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلِيلٌ

وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ انْتَهَى. ص (وَاعْتِمَادٌ عَلَى رِجْلٍ وَاسْتِنْجَاءٌ بِيَدٍ يُسْرَيَيْنِ) ش: عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ فِي الْآدَابِ أَنْ يُقِيمَ عُرْقُوبَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِهَا وَأَنْ يَسْتَوْطِئَ الْيُسْرَى وَأَنْ يَتَوَكَّأَ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى قَالَ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ، وَقَوْلُهُ: وَاسْتِنْجَاءٌ بِيَدٍ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ يَدُ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ؟ فَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ السِّمَنِ بِحَيْثُ لَا تَصِلُ يَدُهَا إلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ غَيْرَهَا يَغْسِلُ لَهَا ذَلِكَ مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكْشِفَ عَلَيْهَا غَيْرَ زَوْجِهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ زَوْجُهَا أَنْ يَغْسِلَ لَهَا ذَلِكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَلَهُ الْأَجْرُ فِي ذَلِكَ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَإِنْ أَبَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَاجِبًا، وَتُصَلِّي هِيَ بِالنَّجَاسَةِ وَلَا تَكْشِفُ عَلَيْهَا أَحَدًا؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَكَشْفَهَا مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ إزَالَتَهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَارْتِكَابُهُ أَيْسَرُ مِنْ الَّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ تَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ تَطَوَّعَتْ الزَّوْجَةُ بِغَسْلِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى عَوْرَتِهِ غَيْرَ مَنْ ذُكِرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصَلَاتُهُ بِالنَّجَاسَةِ أَخَفُّ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، انْتَهَى، وَقَوْلُهُ يُسْرَيَيْنِ نَعْتٌ لِرِجْلٍ وَيَدٍ وَيَتَعَيَّنُ قَطْعُهُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) يُقَالُ لِلْيُسْرَى: (يَسَارٌ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: بِالْفَتْحِ، وَلَا تَقُلْ: يِسَارٌ بِالْكَسْرِ، وَفِي الْمُحْكَمِ الْيَسَارُ وَالْيِسَارُ نَقِيضُ الْيَمِينِ. الْفَتْحُ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ أَفْصَحُ وَعَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ الْكَسْرُ، وَلَفْظُ الْجَمْهَرَةِ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَوَّلُهَا يَاءٌ مَكْسُورَةٌ عَدَا يِسَارٍ شُبِّهَتْ بِالشِّمَالِ وَقَدْ تُفْتَحُ. انْتَهَى، وَيُقَالُ: جَلَسَ يَسْرَتَهُ وَيَمْنَتَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا وَسُكُونِ ثَانِيهِمَا أَيْ جَلَسَ عَلَى يَسَارِهِ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ ص (وَبَلُّهَا قَبْلَ لُقِيِّ الْأَذَى وَغَسْلُهَا بِكَتُرَابٍ بَعْدَهُ) ش: أَيْ قَبْلَ مُلَاقَاتِهَا النَّجَاسَةَ فَيَبُلُّهَا قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: لِئَلَّا تَعْلَقَ بِهَا الرَّائِحَةُ. ص (وَسَتْرٌ إلَى مَحِلِّهِ) ش: أَيْ مَحِلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ يُرِيدُ وَإِلَى جُلُوسِهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَحِلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَمْ يُطْلَبْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسِّتْرِ بَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ بِالسِّتْرِ إلَى الْجُلُوسِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْآدَابِ وَالْجُلُوسُ وَإِدَامَةُ السِّتْرِ إلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدِيمَ السِّتْرَ إلَى الْجُلُوسِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي السَّتْرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْ إدَامَةُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إلَى الْجُلُوسِ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ لَا يُخْشَى عَلَى الثِّيَابِ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا جَازَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ قَبْلَ الْجُلُوسِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَأَنْ يُدِيمَ السِّتْرَ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَمِنَ مِنْ نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الزَّاهِي وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ» . (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا إذَا كَانَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ وَإِلَّا فَالسَّتْرُ وَاجِبٌ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسَتْرٌ إلَى مَحِلِّهِ فِيهِ بَيَانُ حُكْمِ السَّتْرِ عِنْدَ الْجُلُوسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْإِسْبَالِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَرَأَيْت فِي الْإِيضَاحِ لِلنَّاشِرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إسْبَالُ الثَّوْبِ إذَا فَرَغَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَإِنْ خَافَهُ رَفَعَ قَدْرَ حَاجَتِهِ. ص (وَإِعْدَادُ مُزِيلِهِ) ش: فِي الْحَدِيث اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَأَعِدُّوا النُّبَلَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: جَمْعُ (نُبْلَةٍ) كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ وَالْمُحَدِّثُونَ يَفْتَحُونَ النُّونَ وَالْبَاءَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ النُّبَلُ حِجَارَةُ الِاسْتِنْجَاءِ يَعْنِي بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ: النَّبَلُ بِالْفَتْحِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصِغَرِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي الْمُقَرِّبِ فِي

حَدِيثِ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَأَعِدُّوا النُّبَلَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ حِجَارَةُ الِاسْتِنْجَاءِ وَالضَّمُّ اخْتِيَارُ الْأَصْمَعِيِّ انْتَهَى. وَأَمَّا النَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَهُوَ السِّهَامُ وَأَمَّا النُّبْلُ بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَهُوَ الْفَضْلُ كَمَا قَالَ وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا ... كَفَى الْمَرْءُ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ. ص (وَوِتْرُهُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ: الَّذِي سَمِعْت اسْتِحْبَابَهُ إلَى سَبْعٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَدْخَلِ. ص (وَتَقْدِيمُ قُبُلِهِ) ش: قَالَ سَنَدٌ: هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَنْ يَحْصُلُ لَهُ قِطَارُ الْبَوْلِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ لِدُبُرِهِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ الدُّبُرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْقُبُلَ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ. ص (وَتَفْرِيجُ فَخِذَيْهِ) ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ عِنْدَ الْبَوْلِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَالْإِسْهَالِ: لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُطْلَبُ أَيْضًا عِنْدَ الْغَائِطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إسْهَالٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِفْرَاغِ مَا فِي الْمَحِلِّ. ص (وَاسْتِرْخَاؤُهُ) ش: أَيْ قَلِيلًا كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَى التَّنْبِيهِ بِالِاسْتِرْخَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِي غُضُونِ الْمَحِلِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحِلَّ ذُو غُضُونٍ يَنْقَبِضُ عِنْدَ حَسِّ الْمَاءِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِذَا اسْتَرْخَى تَمَكَّنَ مِنْ الْإِنْقَاءِ، وَقِيلَ: يَتَمَكَّنُ بِذَلِكَ مِنْ تَقْطِيرِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ وَالْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عُمْرَانِ الْجَوْزِيُّ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ يُخَافُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ اسْتَرْخَى مِنْهُ ذَلِكَ لِعُضْوٍ فَيَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ يَغْسِلْهُ عَلَى ظَاهِرِ بَدَنِهِ فَيُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ انْتَهَى. ص (وَتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ) ش: ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَدَّهُ أَيْضًا فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَطْلُوبَةِ قَالَ: وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَنَصُّهُ وَأَنْ لَا يَدْخُلَ حَاسِرَ الرَّأْسِ، قِيلَ: خَوْفَ أَنْ تَعْلَقَ الرَّائِحَةُ بِشَعْرِهِ وَقِيلَ: لِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ أَجْمَعُ لِمَسَامِّ الْبَدَنِ وَأَسْرَعُ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَدْخُلَ حَاسِرَ الرَّأْسِ بَلْ يَسْتُرُهُ وَلَوْ بِكُمِّهِ خَوْفًا مِنْ الْجِنِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ) ش: عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَقْعُدَ حَتَّى يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ قَالَ: إذَا قَعَدَ لَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الْقُعُودَ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ فَإِذَا رَآهُ بَعْدَ جُلُوسِهِ قَامَ وَقَطَعَ عَلَيْهِ بَوْلَهُ وَرُبَّمَا نَجَّسَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَقَالَ فِي الزَّاهِي وَلَا تَجْلِسُ حَتَّى تَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا. (فَرْعٌ) عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَأَنْ لَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَذِكْرُ وِرْدٍ بَعْدَهُ وَقَبْلَهُ) ش: أَمَّا مَا وَرَدَ بَعْدَهُ فَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ: غُفْرَانَك، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّغَنِيهِ طَيِّبًا وَأَخْرَجَهُ عَنِّي خَبِيثًا، قَالَهُ فِي الْعَارِضَةِ قَالَ: وَبِذَلِكَ سُمِّيَ نُوحًا عَبْدًا شَكُورًا وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي، وَرُبَّمَا قَالَ: غُفْرَانَك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَعِنْدَ الْجَلَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ وَأَخْرَجَ عَنِّي مَشَقَّتَهُ وَأَبْقَى فِي جِسْمِي قُوَّتَهُ وَقَوْلُهُ غُفْرَانَك بِالنَّصْبِ أَيْ أَسْأَلُك غُفْرَانَك أَوْ اغْفِرْ غُفْرَانَك وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ تَكْرَارَ غُفْرَانَك مَرَّتَيْنِ. وَوَجْهُ سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ هُنَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ فِي تَيْسِيرِ الْغِذَاءِ وَإِيصَالِ مَنْفَعَتِهِ وَإِخْرَاجِ فَضْلَتِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا ذَلِكَ لِتَرْكِهِ الذِّكْرَ حَالَ

الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَتْرُكُ الذِّكْرَ إلَّا غَلَبَةً فَرَآهُ تَقْصِيرًا، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ الذِّكْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَإِنَّهُ يُثَابُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ الْحَمْدُ عَلَيْهِ لَا الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ وَنُظِرَ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ لَا تُحْصَى فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ مَتَى أَتَتْهُ نِعْمَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا الْوَجْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى أَنَّهُ لَيُعَدُّ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ دَأْبُهُ الِاسْتِغْفَارَ تَجِدُهُ عِنْدَ حَرَكَاتِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا وَرَدَ قَبْلَهُ فَهُوَ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» (وَالْخَلَاءُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ الْمَكَانُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ نُقِلَ إلَى مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِالْقَصْرِ الرَّطْبُ مِنْ الْحَشِيشِ وَخَلَا أَيْضًا حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ وَفِعْلُ اسْتِثْنَاءٍ وَالْخِلَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ فِي النُّوقِ كَالْحُرُنِ فِي الْخَيْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَفِي أُخْرَى إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ (وَالْخُبُثُ) بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، يُرِيدُ ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الْبَاءِ، قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: وَيُرَادُ بِهِ الْكُفْرُ وَبِالْخَبَائِثِ الشَّيَاطِينُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُسْكِنُونَ الْبَاءَ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ ضَمُّهَا نَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ الْإِسْكَانَ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ التِّينِ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ النَّجِسِ وَالرِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي صِفَةِ الذِّكْرِ هُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ النَّجِسِ الرِّجْسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. زَادَ فِي الزَّاهِي بَعْدَ قَوْلِهِ: الرِّجْسِ النَّجِسِ، الضَّالِّ الْمُضِلِّ. (تَنْبِيهٌ) وَيُجْمَعُ مَعَ هَذَا الذِّكْرِ التَّسْمِيَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا التَّسْمِيَةُ الدُّخُولَ لِلْخَلَاءِ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ وَيَبْدَأُ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَقَالَ: إنَّهُ فِي حَالِ تَقَدُّمَةِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى. قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّعَوُّذَ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ رِجْلَهُ وَلَفْظُ الْإِرْشَادِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى قَائِلًا: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ وَمِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَقُولُ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِهِ إلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ غَيْرَ مُعَدٍّ لِلْحَدَثِ وَقِيلَ بِجَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لَهُ وَحُكْمُهُ تَقَدُّمَةِ هَذَا الذِّكْرِ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سِتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ» وَالسِّتْرُ هُنَا بِكَسْرِ السِّينِ اسْمٌ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. (فَائِدَتَانِ الْأُولَى) خُصَّ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالِاسْتِعَاذَةِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَلَاءٌ وَلِلشَّيَاطِينِ بِعَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ تَسَلُّطٌ بِالْخَلَاءِ مَا لَيْسَ لَهُ فِي الْمَلَأِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» الثَّانِي أَنَّهُ مَوْضِعُ قَذَرٍ يُنَزَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَنْ جَرَيَانِهِ عَلَى اللِّسَانِ فَيَغْتَنِمُ الشَّيْطَانُ عَدَمَ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يَطْرُدُهُ فَأُمِرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ ذَلِكَ لِيَعْقِدَهَا عِصْمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَخْرُجَ. (الثَّانِيَةُ) كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومًا مِنْ الشَّيْطَانِ حَتَّى مِنْ الْمُوَكَّلِ بِهِ بِشَرْطِ اسْتِعَاذَتِهِ كَمَا أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ بِشَرْطِ اسْتِغْفَارِهِ، انْتَهَى. مِنْ أَوَّلِ الْعَارِضَةِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ. ص (فَإِنْ فَاتَ فَفِيهِ إنْ لَمْ يَعُدْ) ش: إنَّمَا قَدَّمَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ: بَعْدَهُ، عَلَى قَوْلِهِ: قَبْلَهُ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ هَذَا الْفَرْعَ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقُولُ: الذِّكْرُ الْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحِلِّ الْحَدَثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لَا فَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحِلِّ قَالَهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحِلِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْجَوَاهِرِ. (تَنْبِيهٌ) قَيَّدَ ابْنُ هَارُونَ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ جُلُوسِهِ لِلْحَدَثِ

قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالذِّكْرُ قَبْلَ مَوْضِعِهِ وَفِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَدٍّ قَوْلُهُ وَفِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَدٍّ يَعْنِي قَبْلَ جُلُوسِهِ لِلْحَدَثِ وَأَمَّا فِي حَالِ الْجُلُوسِ فَلَا؛ لِأَنَّ الصَّمْتَ حِينَئِذٍ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِ وَلِذَلِكَ لَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَقُولُ الذِّكْرَ فِيهِ وَيَفُوتُ بِالدُّخُولِ وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَبِكَنِيفٍ نَحَّى ذِكْرَ اللَّهِ هَلْ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَالنُّقُولُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَنْعُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي جَوَازِهِ فِي الْمُعَدِّ قَوْلَانِ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخَاتَمٍ فِيهِ ذِكْرٌ شَبَّهَ الْخَلَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْخَاتَمِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْخَاتَمِ الْمَنْعُ وَالرِّوَايَةُ بِالْجَوَازِ مُنْكَرَةٌ، ثُمَّ الْمَنْعُ فِي الْخَاتَمِ قَوِيٌّ مِنْ الذِّكْرِ لِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةِ لَهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَنْعُ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُشَبَّهِ لِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهِيَ غَيْرُ حَاصِلَةٍ فِي الْمُشَبَّهِ، وَأُخِذَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فِي مَنْعِ مُبَايَعَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَيْهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا أَيْضًا قَوْلٌ بِالْجَوَازِ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ فَقَالَ: وَيُقَدَّمُ الذِّكْرُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا بَعْدَ وُصُولِهِ إنْ كَانَ مَوْضِعًا غَيْرَ مُعْتَادٍ لِلْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا لَهُ فَقَوْلَانِ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ وَهُمَا جَارِيَانِ أَيْضًا فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ مَكْتُوبٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ. انْتَهَى، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُعَدِّ وَقِيلَ بِجَوَازِهِ وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ وَمُقْتَضَاهُ حُرْمَةُ الذِّكْرِ وَوُجُوبُ تَنْحِيَةِ كُلِّ مَا فِيهِ ذِكْرٌ وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ وَابْنُ الْفُرَاتِ وَالْأَقْفَهْسِيُّ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالْمَنْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْمَنْعِ بَلْ قَالَ وَيُؤْمَرُ مُرِيدُ الْحَدِيثِ بِذِكْرٍ، نَحْوُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ قَبْلَ فِعْلِهِ فِي غَيْرِ مُعَدٍّ لَهُ وَفِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَبْلَ دُخُولِهِ وَرَوَى عِيَاضٌ جَوَازَهُ فِيهِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ كَذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ وَنَصُّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَاضِرَةِ قَبْلَ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ، انْتَهَى. وَكَلَامُ عِيَاضٍ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِكْمَالِ، وَنَصُّهُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَالسَّلَفُ فِي هَذَا أَيْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخَلَاءِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى جَوَازِ ذِكْرِهِ تَعَالَى فِي الْكَنِيفِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَرَوَى كَرَاهَةَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ الْكَنِيفِ بِالْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. فَلَمْ يَحْكِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا الْجَوَازَ وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ قُدُومِ الْمُرِيدِ مِنْ السَّفَرِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ هُنَاكَ لِلِارْتِيَاعِ وَمَا يُشْبِهُهُ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: هَلْ يَجُوزُ نَقْشُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخَاتَمِ؟ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَسْتَنْجِي بِهِ فِي يَدِهِ؟ قَوْلَانِ قِيلَ: يَجُوزُ، وَهَذِهِ قَوْلَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبَاحَ ذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْخَلَاءِ بِخَاتَمٍ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ يُصِرَّ الدَّرَاهِمَ فِي خِرْقَةٍ مَنْجُوسَةٍ وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كُلِّهِ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَجَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَمَعَهُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّهُ يُسْتَخْفَ فِي الْخَاتَمِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، قَالَ وَلَوْ نَزَعَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَفِيهِ سِعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ مَضَى يَتَحَفَّظُونَ مِنْ هَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَلِيُحَوِّلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعَامِلَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الَّتِي فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» . انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُلْبَسُ فِي الشِّمَالِ وَهَلْ يُسْتَنْجَى بِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ وَإِنَّ نَزْعَهُ أَحْسَنُ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ وَفِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَا كُتِبَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحُرُوزِ يُجْعَلُ لَهُ خِرْقَةٌ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ: إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى دَرَاهِمَ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُعْطَاهَا نَجِسًا وَأَعْظَمَ ذَلِكَ إعْظَامًا شَدِيدًا وَكَرِهَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ: وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِخَاتَمِي وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِحَسَنٍ مِنْ فِعْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ عُضَّ بِأُصْبُعِهِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَحْوِيلُهُ إلَى الْيَدِ الْأُخْرَى كُلَّمَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ فَيَكُونُ إنَّمَا تَسَامَحَ فِيهِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَشْبَهُ بِوَرَعِهِ وَفَضْلِهِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ قِيلَ لَهُ: أَسْتَنْجِي بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: ذَلِكَ عِنْدِي خَفِيفٌ وَلَوْ نَزَعَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا سَعَةٌ وَمَا كَانَ مَنْ مَضَى يَتَحَفَّظُ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِخَاتَمِي وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَنْقُوشٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ: إنْ نَزَعَهُ فَحَسَنٌ وَمَا سَمِعْت أَحَدًا انْتَزَعَ خَاتَمَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ اسْتَنْجَى وَهُوَ فِي يَدَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَعْطِسُ وَهُوَ يَبُولُ أَوْ عَلَى حَاجَةٍ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَكْرَهُ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى حَالَتَيْنِ عَلَى خَلَائِهِ وَهُوَ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ وَالدَّلِيلُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رُوِيَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ فِي أَحْيَانِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ إنَّ ذِكْرَ اللَّهِ يَصْعَدُ إلَى اللَّهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ دَنَاءَةِ الْمَوْضِعِ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا بِنَصٍّ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ عَلَى مَعْنَى إذَا أَرَادَ وَأَطْلَقَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ الْآثَارِ وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ ارْتِفَاعُ النَّصِّ فِي جَوَازِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَنْعُ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ فِي جَوَازِ الذِّكْرِ عُمُومًا وَمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَبُولُ، فَقَالَ: إذَا رَأَيْتنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ فَعَلْت لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك» لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَدَمَ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُ أَدَبًا لَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِكَوْنِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَوْ لِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى مَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، وَإِذَا كَانَ فِي خَاتَمِهِ بِسْمِ اللَّهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَمَّا عَدَّ الْآدَابَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا حَالَ جُلُوسِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُشَمِّتَ عَاطِسًا وَلَا يَحْمَدَ

إنْ عَطَسَ وَلَا يُحَاكِي مُؤَذِّنًا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْفُرُوقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَمَّا عَدَّ الْآدَابَ وَأَنْ يَتْرُكَ التَّشَاغُلَ بِالْحَدِيثِ وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَحْرَى أَنْ لَا تَجُوزَ الْقِرَاءَةُ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: لَمَّا عَدَّ الْخِصَالَ الْمَطْلُوبَةَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَإِنْ سَلَّمَ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَر: وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَعْنِي قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي الْخَلَاءِ فَلْيَنْزِعْ مَا عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُهُ فِي الْإِرْشَادِ لَهُ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِكَنِيفٍ نَحَّى ذِكْرَ اللَّهِ أَنَّ فِي الِاسْتِذْكَارِ نَحْوَهُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَكْتُوبًا فِي رِقَاعٍ أَوْ مَنْقُوشًا فِي خَاتَمٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْجِهَادِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرُ فِي الْمَوَاضِعِ الدَّنِسَةِ بِنَجَاسَةٍ أَوْ قَذَارَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَمَنْ أَجَازَ دُخُولَ الْخَلَاءِ مُسْتَصْحِبًا مَعَهُ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ أَوْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ أَوْ يُجِيزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْخَاتَمِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] فَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ انْتَهَى. (قُلْت) فَهَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّقُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَلْخِيصِهِ وَتَحْصِيلِهِ عَلَى حَسَبِ مَا فَهِمْتُهُ لِيَقْرَبَ لِلْفَهْمِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الدُّخُولِ إلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَوَازَ إذَا أُطْلِقَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ لَا أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَعْنِي فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ السُّكُوتَ مُسْتَحَبٌّ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَتَحَصَّلُ فِي الذِّكْرِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَالدُّخُولِ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، أَمَّا الْجَوَازُ فَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَمِنْ اعْتِذَارِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَحْوِيلُهُ إلَى الْيَدِ الْيُمْنَى كُلَّمَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَمِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ وَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَمِنْ كَلَامِ الْبُرْزُلِيّ. وَأَمَّا الْمَنْعُ فَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَهَلْ مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ أَوْ التَّحْرِيمُ؟ أَمَّا الذِّكْرُ فِيهِ وَالدُّخُولُ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ قُرْآنٌ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْمَنْعَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ إنَّمَا مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا يُوَافِقُهُ وَهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالتَّحْرِيمِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْجَوَاهِرِ بِعَدَمِ جَوَازِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ كَرِهُوا الْقِرَاءَةَ فِي الطَّرِيقِ لِيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمَنْعِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الذِّكْرَ هُنَا أَشَدُّ كَرَاهَةٍ مِنْ إدْخَالِ مَا فِيهِ ذِكْرٌ وَهَذَا حَيْثُ لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الذِّكْرُ هُنَاكَ لِلِارْتِيَاعِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مَعَهُ حِرْزٌ وَهُوَ يَخَافُ مِنْ مُفَارِقَتِهِ إيَّاهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَحْرُوزًا عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا حَمْلَهُ لِلْمُحْدِثِ وَلِلْجُنُبِ وَهُمَا مَمْنُوعَانِ مِنْ مَسِّ الْقُرْآنِ وَحَمْلِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ إدْخَالُهُ مَعَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيَاعَ فَيَجُوزُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى كِتَابِهِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ: الذِّكْرُ عِنْدَ نَفْسِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَفْسِ الْجِمَاعِ لَا يُكْرَهُ بِالْقَلْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ حَالَتُهُ فَلَيْسَ مِمَّا شُرِعَ لَنَا وَلَا نُدِبْنَا إلَيْهِ وَلَا نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ يَكْفِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْحَيَاءُ وَالْمُرَاقَبَةُ وَذِكْرُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إخْرَاجِ هَذَا الْقَذَرِ الْمُؤْذِي الَّذِي لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَقَتَلَ صَاحِبَهُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذِّكْرِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِاللِّسَانِ انْتَهَى.

مسألة الاستنجاء بالخاتم

[مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ] وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ فَيَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِعْلِهِ، وَالْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: اُخْتُلِفَ هَلْ يَسْتَنْجِي بِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَأَنْ لَا يَفْعَلَ أَحْسَنُ؟ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» فَإِذَا نُزِّهَتْ الْيُمْنَى عَنْ ذَلِكَ فَذِكْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَهُوَ فِي هَذَا أَوْلَى انْتَهَى، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي تَوْجِيهِ اجْتِنَابِهِ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى مَا نَصُّهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَخْلَعَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَخَتَّمَ فِي شِمَالِهِ انْتَهَى، وَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا، وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ: أَنْ يُنْزَعَ الْخَاتَمُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: فِيهَا شَرْحٌ مُشْكِلٌ. رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي وَهَذِهِ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَجْرِيَ النَّجَاسَةُ عَلَى اسْمِهِ قَدْ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ مَنْبُوشٌ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَتَرَكْت الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ لِحُرْمَةِ اسْمِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَرِيمُ الشَّرِيفُ وَلَكِنْ رَأَيْت لِلِاشْتِرَاكِ حُرْمَةً. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ وَالْخَاتَمُ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ كَانَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إجَازَةُ ذَلِكَ لَكِنْ هِيَ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَنْ آخِرِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَرَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يُلْتَفَتَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُنْسَبَ إلَى آحَادِ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ لِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ التَّعْظِيمِ لِجَنَابِ اللَّهِ وَجَنَابِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنَّهُ بِالشِّمَالِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَاتَمٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ نَقَلَهُ إلَى النَّهْيِ قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الشَّامِيُّ فِي شَرْحِهِ وُجُوبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَسُكُوتٌ إلَّا لِمُهِمٍّ) ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: مِنْ الْخَصَائِلِ الْمَطْلُوبَةِ تَرْكُ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ذِكْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِيذَ عِنْدَ الِارْتِيَاعِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فِي أَمْرٍ يَقَعُ مِثْلُ حَرِيقٍ أَوْ أَعْمَى يَقَعُ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يَحْمَدُ لَوْ عَطَسَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يُجِيبُ مُؤَذِّنًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَبِالْفَضَاءِ تَسَتُّرٌ وَبُعْدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي الْفَضَاءِ أَنْ يَسْتَتِرَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَأَنْ يَبْعُدَ حَتَّى لَا يَسْمَعُوا لَهُ صَوْتًا وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الْغَائِطَ أَبْعَدَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ أَبْعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: (الْبَرَازُ) بِالْفَتْحِ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ خَرَجَ إلَى الْمُغَمَّسِ، قَالَ نَافِعٌ: وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مِيلَيْنِ مِنْ مَكَّةَ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو يَعْلَى. (قُلْت) وَهَذَا الْإِبْعَادُ لَيْسَ لِلتَّسَتُّرِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ تَعْظِيمُ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَذِكْرُهُ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ» قَالَ فِي الطِّرَازِ إثْرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَحْضُرُهَا وَيَرْصُدُهَا بِالْأَذَى فَأَمَرَ بِالسَّتْرِ لِئَلَّا يَقَعَ عَلَيْهِ بَصَرٌ أَوْ تَهُبُّ رِيحٌ فَتُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَقَصَدَهُ بِالْأَذَى. انْتَهَى. وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسَتُّرِ عَنْ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَتِرُ بِشَيْءٍ وَلَا يَكُونُ بَعِيدًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. ص (وَاتِّقَاءُ جُحْرٍ) ش:

فرع الاستنجاء في غير موضع قضاء الحاجة

بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَهُوَ الثَّقْبُ الْمُسْتَدِيرُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُسْتَطِيلُ وَيُسَمَّى السَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ اتِّقَاءُ الْجُحْرِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ فَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ هُنَاكَ بَعْضُ الْهَوَامِّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إنَّ سَبَبَ مَوْتِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ بَالَ فِي جُحْرٍ، وَقَالَتْ الْجِنُّ فِي ذَلِكَ: نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ ... الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ ... فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهْ وَهَذَا إذَا لَاقَاهُ بِغَيْرِ الذِّكْرِ وَاخْتُلِفَ إذَا بَعُدَ عَنْهَا فَوَصَلَ بَوْلُهُ إلَيْهَا فَكُرِهَ خِيفَةً مِنْ حَشَرَاتٍ تَنْبَعِثُ عَلَيْهِ مِنْ الْكُوَّةِ وَقِيلَ: يُبَاحُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْحَشَرَاتِ إنْ كَانَتْ فِيهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْهُ وَنَصَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلْيَتَّقِ الْجُحْرَ وَالْمَهْوَاةَ وَلْيَبُلْ دُونَهُمَا وَيَجْرِي إلَيْهِمَا وَاسْتِشْكَالُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا يُرَدُّ بِأَنَّ حَرَكَةَ الْجِنِّ فِي فَرَاغِ الْمَهْوَاةِ لَا فِي سَطْحِهَا [فَرْعٌ الِاسْتِنْجَاء فِي غَيْر مَوْضِع قَضَاء الْحَاجَة] (فَرْعٌ) عَدَّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَطْلُوبَةِ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ أَوْ يَغْتَسِلُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» قَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْلَكٌ يَذْهَبُ فِيهِ الْبَوْلُ وَهَذَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَنْجَى بِغَيْرِهِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ ص (وَرِيحٌ) ش: وَمِنْهُ الْمَرَاحِيضُ الَّتِي لَهَا مَنْفَذٌ لِلْهَوَاءِ فَيَدْخُلُ الْهَوَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ وَيَخْرُجُ مِنْ آخَرَ فَإِذَا بَالَ فِيهِ رَدَّتْهُ الرِّيحُ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَبُولَ فِي وِعَاءٍ ثُمَّ يَفْرُغُهُ فِي الْمِرْحَاضِ أَوْ يَبُولَ عَلَى الْأَرْضِ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمِرْحَاضِ بِحَيْثُ يَسِيلُ إلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُهُ مِمَّا يَرُدُّهُ الرِّيحُ شَيْءٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا يُطْلَبُ بِاتِّقَاءِ الرِّيحِ وَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ اتِّقَاءُ مَا بِهَا، وَاَلَّذِي فِي الْمَدْخَلِ أَنَّهُ يَتَّقِي مَهَابَّ الرِّيَاحِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ، وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آدَابِ التَّصَرُّفِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَ أَنْ يَتَّقِيَ مَهَابَّ الرِّيَاحِ انْتَهَى. ص (وَمَوْرِدٌ) ش: الْمَوْرِدُ مَوْضِعُ الْوُرُودِ مِنْ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ الْمَوَارِدُ ضِفَّةُ النَّهْرِ وَمَشَارِعُ الْمِيَاهِ فَإِذَا اتَّقَى الْمَوَارِدَ فَالْمَاءُ نَفْسُهُ أَحْرَى وَيُوجَدُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ نَهْيُ كَرَاهَةٍ وَإِرْشَادٍ وَهُوَ فِي الْقَلِيلِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَقِيلَ: النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَفْسُدُ لِتَكْرَارِ الْبَائِلِينَ وَيَظُنُّ الْمَارُّ أَنَّهُ تَغَيَّرَ مِنْ قَرَارِهِ وَيَلْحَقُ بِالْبَوْلِ التَّغَوُّطُ فِيهِ وَصَبُّ النَّجَاسَةِ. انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي الْقَلِيلِ إذْ قَدْ يَتَغَيَّرُ فَيُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ قَرَارِهِ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِبَعْضِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى الْكَثِيرِ فَعَلَى بَابِهَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا. (فَائِدَةٌ) (وَالضِّفَّةُ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَانِبُ النَّهْرِ وَضِفَّتَاهُ جَانِبَاهُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهِ الْفَتْحَ. ص (وَطَرِيقٌ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَغَوَّطَ فِي ظِلِّ الْجِدَارِ وَالشَّجَرِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَضِفَّةِ الْمَاءِ وَقُرْبِهِ. انْتَهَى، وَضِفَّةُ الْمَاءِ جَانِبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَائِدَةٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ، وَهِيَ الْفَعْلَةُ الَّتِي يُلْعَنُ بِهَا فَاعِلُهَا كَأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِلَّعْنِ وَمَحِلٌّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا مَرُّوا بِهِ لَعَنُوا فَاعِلَهُ. انْتَهَى، وَقَوْلُهُ (الْبِرَازَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى مَا اسْتَصْوَبَهُ النَّوَوِيُّ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ الْغَائِطُ وَالْمَوَارِدُ جَمْعُ مَوْرِدٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قَالَ: وَمَا اللَّاعِنَانِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طُرُقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: اللَّاعِنَيْنِ أَيْ الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَّعْنِ الْبَاعِثَيْنِ النَّاسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلَعْنِ مَنْ فَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ وَإِنَّمَا الظِّلُّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ النَّاسُ وَيَتَّخِذُونَهُ مَقِيلًا وَمَنَاخًا، (وَاللَّاعِنُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ لَعَنَ، فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَمَاكِنُ لَاعِنَةً؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ اللَّعْنِ. انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمَلَاعِنُ جَمْعُ مَلْعَنٍ وَمَفْعَلُ اسْمُ مَكَان وَلَمَّا كَانَ التَّخَلِّي فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ سَبَبًا فِي لَعْنِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ سُمِّيَتْ مَلَاعِنَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» ، الْحَدِيثَ سُمِّيَ فَاعِلُ ذَلِكَ لَعَّانًا مَجَازًا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ. انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَلَاعِنُ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ وَهِيَ قَارِعَةُ الطَّرِيقِ وَفِي الْحَدِيثِ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا كَمَا قَالَ الْمُؤَلَّفُ كَالطُّرُقِ وَالظِّلَالِ سَوَاءٌ كَانَ ظِلَالَ الشَّجَرِ أَوْ الْجِدَارَاتِ وَالشَّاطِئِ وَالرَّاكِدِ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ إلَيْهَا فَيَجِدُونَ الْعَذِرَةَ فَيَلْعَنُونَ فَاعِلَهَا. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: سُمِّيَتْ هَذِهِ مَلَاعِنَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَكَانِ بِمَا يَقَعُ فِيهِ كَتَسْمِيَةِ الْحَرَمِ حَرَمًا وَالْبَلَدِ آمِنًا لِمَا حَلَّ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَأَمْنِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ يَقَعُ فِيهَا لَعْنُ الْفَاعِلِ لِلْغَائِطِ سُمِّيَتْ مَلَاعِنَ. انْتَهَى، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا اللَّعَّانَانِ» ؟ الْحَدِيثَ، فَذَكَرَ اللَّعَّانَيْنِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ أَبِي دَاوُد لِلْمُنْذِرِيِّ، وَفِي مُخْتَصَرِ جَامِعِ الْأُصُولِ اللِّعَانَانِ بِالتَّخْفِيفِ تَثْنِيَةُ لَاعِنٍ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ وَلَمْ يَعْزُهُ فِي مُخْتَصَرِ جَامِعِ الْأُصُولِ إلَّا لِأَبِي دَاوُد فَيُحَرَّرُ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِهِ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّاعِنَ أَوْ اللَّعَّانَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ وَآخِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْمٌ لِلْفَاعِلِ فِيهَا، وَتَوْجِيهُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ وَتَوْجِيهُ ابْنِ رَاشِدٍ يُنَاسِبُ الثَّانِيَ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَلَاعِنِ فَهَلْ هُوَ جَمْعُ مَلْعَنٍ أَوْ مَلْعَنَةٍ؟ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَظِلٌّ) ش: سَوَاءٌ كَانَ ظِلَّ شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ يُسْتَظَلُّ بِهِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ عِيَاضٌ وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ يَحْرُمُ الْقُعُودُ عِنْدَهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَقَدْ قَضَاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ حَائِشٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ ظِلًّا انْتَهَى (وَالْحَائِشُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ النَّخْلُ الْمُلْتَفُّ وَنَصُّهُ وَفِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ حَائِشَ نَخْلٍ فَقَضَى فِيهِ حَاجَتَهُ، الْحَائِشُ النَّخْلُ الْمُلْتَفُّ الْمُجْتَمِعُ كَأَنَّهُ لِالْتِفَافِهِ يَحُوشُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَأَصْلُهُ مِنْ الْوَاوِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لِأَجْلِ لَفْظِهِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَبُّ إلَيْهِ مَا اسْتَتَرَ بِهِ إلَيْهِ حَائِشَ نَخْلٍ أَوْ حَائِطٍ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. انْتَهَى، مِنْ بَابِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَمِثْلُ الظِّلِّ الشَّمْسُ أَيَّامَ الشِّتَاءِ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَفْظُهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَمِثْلُهُ: الشَّمْسُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنْ يَجْتَنِبَ بِيَعَ الْيَهُودِ وَكَنَائِسَ النَّصَارَى لِئَلَّا يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِنَا كَمَا نَهَى عَنْ سَبِّ الْآلِهَةِ الْمَدْعُوَّةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِئَلَّا يَسُبُّوا اللَّهَ تَعَالَى انْتَهَى (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْأَوَانِي النَّفِيسَةِ لِلسَّرَفِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ فِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِحُرْمَةِ اتِّخَاذِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا. (فَرْعٌ) يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي مَخَازِنِ الْغَلَّةِ اهـ مِنْهُ. ص (وَصُلْبٌ) ش: بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْمَوْضِعُ الشَّدِيدُ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَشَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ وَصُلَّبٌ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. ص (وَبِكَنِيفٍ نَحَّى ذِكْرَ اللَّهِ) ش: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَالْكَنِيفُ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَيُسَمَّى الْمُذْهَبَ وَالْمِرْفَقَ وَالْمِرْحَاضَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي النِّهَايَةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَجَدْنَا مَرَافِقَهُمْ قَدْ اُسْتُقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ يُرِيدُ الْكُنُفَ وَالْحُشُوشَ

وَاحِدُهَا مِرْفَقٌ بِالْكَسْرِ وَفِي الصِّحَاحِ (الْمِرْفَقُ) وَالْمِرْفَقُ مَعًا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْكَسْرِ هُوَ مَا ارْتَفَقْت بِهِ مِنْ الْأَمْرِ وَانْتَفَعْت بِهِ ثُمَّ، قَالَ: وَمَرَافِقُ الدَّارِ مَصَابُّ الْمَاءِ وَنَحْوِهَا. انْتَهَى، وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِهِمْ فِي حَاشِيَةِ الصِّحَاحِ أَنَّ الْمِرْفَقَ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ مَفْتُوحُ الْمِيمِ وَالْفَاءِ قَالَ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي مُقَدَّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي (الْمَرَاحِيضُ) جَمْعُ مِرْحَاضٍ وَهُوَ بَيْتُ الْخَلَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّحْضِ وَهُوَ الْغَسْلُ. انْتَهَى، وَفِي الصِّحَاحِ رَحَضْت يَدِي وَثَوْبِي أَرْحَضُهُ رَحْضًا غَسَلْتُهُ، وَالثَّوْبُ رَحِيضٌ وَمَرْحُوضٌ وَالْمِرْحَاضُ خَشَبَةٌ يُضْرَبُ بِهَا الثَّوْبُ إذَا غُسِلَ وَالْمِرْحَاضُ الْمُغْتَسَلُ. انْتَهَى، وَزَادَ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمِرْحَاضُ الْمُغْتَسَلُ وَمِنْهُ قِيلَ لِمَوْضِعِ الْخَلَاءِ: الْمِرْحَاضُ. انْتَهَى. وَيُقَالُ لَهُ: الْحُشُّ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْحُشُوشُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ الْمَرَاحِيضُ وَالْكُنُفُ وَأَصْلُهَا مِنْ الْحَشِّ، قَالَ: وَهُوَ النَّخْلُ الْمُجْتَمِعُ يُقَالُ هُنَا بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَانُوا يَسْتَتِرُونَ بِهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ مِنْ الْحَشِّ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الدُّبُرُ؛ لِأَنَّهُ يَكْتَنِفُ الْكُنُفَ وَيَتَبَرَّزُ مِنْهُ فِيهَا انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وَمَعْنَى مُحْتَضَرَةٍ أَيْ تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ وَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ: إنَّ (الْحَشَّ) إذَا كَانَ مَعْنَاهُ الدَّبَرَ بِالْفَتْحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالضَّمِّ، وَفِي الصِّحَاحِ وَالْحَشُّ يَعْنِي بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ الْمَخْرَجُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبَسَاتِينِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْمِحَشَّةُ الدُّبُرُ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحُشُوشُ مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، الْوَاحِدُ حَشٌّ بِالْفَتْحِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْبُسْتَانِ، وَيُقَالُ لِمَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْخَلَاءُ بِالْمَدِّ وَأَصْلُهُ الْمَكَانُ الْخَالِي ثُمَّ نُقِلَ إلَى مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ بِاسْمِ شَيْطَانٍ فِيهِ، يُقَالُ لَهُ: خَلَاءٌ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَتَخَلَّى فِيهِ أَيْ يَتَبَرَّزُ وَجَمْعُهُ أَخْلِيَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ: الْكِرْيَاسُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَفِي الصِّحَاحِ الْكِرْيَاسُ الْكَنِيفُ فِي أَعْلَى السَّطْحِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَمَا يُدْرَى مَا يُصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَائِسِ، وَالْكَرَائِسُ الْمَرَاحِيضُ تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى سَطْحٍ فَإِنَّمَا هُوَ كَنِيفٌ. انْتَهَى وَأَمَّا (الْكَرَابِسُ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: هِيَ ثِيَابٌ خَشِنَةٌ وَاحِدُهَا كِرْبَاسُ، قَالَ: وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَرَابِيسُ جَمْعُ كِرْبَاسَ وَهُوَ الْقُطْنُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ كَرَابِيسَ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ مِنْ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ انْتَهَى، وَأَمَّا الْبَرَازُ فَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْفَضَاءِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ بَعُدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي النِّهَايَةِ (الْبَرَازُ) بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ فَكَنَّوْا بِهِ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا كَنَّوْا عَنْهُ بِالْخَلَاءِ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ عَنْ الثَّلَاثِ: الْبَرَازَ فِي الْمَوْرِدِ وَالظِّلِّ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَرَازُ هَاهُنَا مَفْتُوحٌ وَهُوَ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ. وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ مِنْ الْمُبَارِزَةِ فِي الْحَرْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ كِنَايَةٌ عَنْ ثِقَلِ الْغِذَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَالصَّوَابُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: الْبِرَازُ بِالْكَسْرِ ثِقَلُ الْغِذَاءِ وَهُوَ الْغَائِطُ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى الْفَضَاءِ الْوَاسِعِ هُنَا إلَّا بِكُلْفَةٍ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الرُّوَاةُ عَلَيْهِ لَمْ يُصَرْ إلَيْهِ انْتَهَى (قُلْت) بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْفَتْحُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّهَايَةِ ص (وَيُقَدِّمُ يُسْرَاهُ دُخُولًا وَيُمْنَاهُ خُرُوجًا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا الْأَدَبَ خَاصٌّ بِالْكَنِيفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: وَهَذَا الْأَدَبُ

لَا يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بَلْ تُقَدَّمُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الصَّحْرَاءِ فَإِذَا فَرَغَ قَدَّمَ الْيُمْنَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى إذَا فَرَغَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْيَسَارِ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمُسَاوَاتِهِ لِمَا قَبْلَهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ لِلْبَوْلِ صَارَ دُنْيَا كَالْخَلَاءِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ النَّاشِرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْإِيضَاحِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي عِلَلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ، قَالَ: وَلَوْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ وَاعْتَمَدَ عَلَى عَصًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهَا بِالرِّجْلِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الدَّمِيرِيُّ تُقَدَّمُ الْيُسْرَى لِلْمَوْضِعِ الدَّنِيءِ كَالْحَمَّامِ وَمَوْضِعِ الظَّلَامِ ص (وَجَازَ بِمَنْزِلٍ وَطْءٌ وَبَوْلٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا وَإِنْ لَمْ يَلْجَأْ أُوِّلَ بِالسَّاتِرِ وَبِالْإِطْلَاقِ) ش يُرِيدُ وَغَائِطٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ يَجُوزُ فِي الْمَنْزِلِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي مِرْحَاضٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ سَاتِرٌ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَالْمُجَامَعَةِ إلَّا فِي الْفَلَوَاتِ وَأَمَّا فِي الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى وَالْمَرَاحِيضِ الَّتِي عَلَى السُّطُوحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَلِي الْقِبْلَةَ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى الْجَوَازُ فِي الْمَرَاحِيضِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِقَوْلِهِ: إنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ الصَّحَارِي وَالْفَيَافِي وَلَمْ يُعْنَ الْمَدَائِنُ وَالْقُرَى لِدَلِيلِ جَوَازِ مُجَامَعَةِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي الِانْحِرَافِ عَنْهَا وَهُوَ تَأْوِيلُ اللَّخْمِيِّ وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا أَبُو الْوَلِيدِ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْكَنِيفِ لِلْمَشَقَّةِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقِيلَ: إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي السَّطْحِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِدَارٌ. انْتَهَى، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ فِي الْفَلَاةِ وَالسُّطُوحِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَى الِانْحِرَافِ فِيهَا قَالَ الشَّيْخُ: لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ السُّطُوحَ وَمَا شَرَطَ فِي هَذَا بَلْ أَبَاحَ ذَلِكَ فِي السُّطُوحِ مُجْمَلًا وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَغَوَّطَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا مُسْتَدْبِرَهَا فِي سَطْحٍ لَا يُحِيطُ بِهِ جُدُرٌ وَذَلِكَ كَالْفَيَافِيِ وَقَالَ: إنَّهُ مَنْصُوصٌ هَكَذَا وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِلْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّمَا تُحْمَلُ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَطْحٍ يُحِيطُ بِهِ جُدُرٌ وَهَذَا عِنْدِي لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا فَرْقَ عِنْدِي بَيْنَ سَطْحٍ مَسْتُورٍ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِرْحَاضٌ وَسَاتِرٌ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ نَاجِي وَإِذَا كَانَ مِرْحَاضٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ فَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى لِلْمَازِرِيِّ فِي الْمُعَلِّمِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا قَالَ وَقَبِلَهُ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالثَّانِيَةُ لِعَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَجُوزُ، قَالَ: وَقَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِنَا لَا يَجُوزُ وَزَعْمُهُ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ مُوَافِقٌ لَهَا بَعِيدٌ انْتَهَى يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُمَا التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَأُوِّلَ بِالسَّاتِرِ وَبِالْإِطْلَاقِ وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى عِيَاضٍ بِأَنَّهُ قَبِلَ فِي الْإِكْمَالِ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَقَبِلَ فِي التَّنْبِيهَاتِ كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ، وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ سَاتِرٌ وَلَمْ يَكُنْ مِرْحَاضً فَفِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ وَنَقَلَهُمَا عَنْهُ الْأَبِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصُّ كَلَامِ الْأَبِيِّ عَنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْمُدُنِ بِسَاتِرٍ دُونَ مِرْحَاضٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: الظَّاهِرُ الْجَوَازُ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لَهَا وَعَدَمُ الْجَوَازِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَجْمُوعَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بِسَاتِرٍ فَقَطْ، أَيْ وَفِي الْجَوَازِ بِسَاتِرٍ فَقَطْ قَوْلَا التَّلْقِينِ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْهَا وَابْنِ رُشْدٍ

تنبيهات جمع الوطء مع البول وتقديمه عليه

وَالْمَجْمُوعَةِ مَعَ الْمُخْتَصَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْمُصَلِّينَ أَوْ لِلْقِبْلَةِ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ وَلَا مِرْحَاضٌ وَكَانَ ذَلِكَ بِالْمَنْزِلِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ عِيَاضٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ الْجَوَازُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَوْضِعُ إنْ كَانَ لَا مَرَاحِيضَ وَلَا سَاتِرَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَا الِاسْتِدْبَارُ أَوْ يَكُونُ فِيهِ مَرَاحِيضُ وَسَاتِرٌ فَيَجْلِسُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْمَرَاحِيضُ أَوْ يَكُونُ سَاتِرٌ وَلَا مَرَاحِيضَ فَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الْعِلَّةُ حُرْمَةُ الْمُصَلِّينَ فَيَجُوزُ بِالسَّاتِرِ أَوْ حُرْمَةُ الْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَصْلًا؟ انْتَهَى، وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِ عِيَاضٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَهَلْ يَجُوزُ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ الْمَدَائِنِ؟ ظَاهِرُ الْكِتَابِ يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ مَنَعَهُ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى فَجُعِلَ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سَطْحٌ لَا مِرْحَاضَ فِيهِ وَلَا سَاتِرَ كَالْفَضَاءِ الَّذِي فِي الْمَدَائِنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا لِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ إذَا كَانَ فِي الصَّحَارِي، وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فِي الْمَدَائِنِ فَأَجَازَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي وَالسُّطُوحِ الَّتِي يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الِانْحِرَافِ وَأَمَّا الْمَرَاحِيضُ الَّتِي عُمِلَتْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ الْحَدِيثِ فَقَالَ مَنْ نَصَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: إنَّ ذَلِكَ لِحَقِّ مَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحَارِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ إلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقِيلَ: ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الصَّحَارِي وَالْمُدُنُ وَهُوَ أَحْسَنُ ثُمَّ احْتَجَّ لِذَلِكَ وَنَصَرَهُ وَقَدْ بَنَى الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ الْخِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي الشَّوَارِعِ الَّتِي فِي الْمُدُنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ هِيَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ فَيَجُوزُ أَوْ لِلْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ جَمْعِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فِي جَمْعِ الْمُصَنِّفِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ تَأْوِيلَ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَادِعِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ عَلَى مُسَاوَاةِ حُكْمِهِمَا وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَجَازَ الْوَطْءَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا فِي الْمُدُنِ وَالصَّحَارِي وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْمِرْحَاضَ بِذَاتِهِ كَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الِاضْطِرَارُ إلَيْهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ وَسَنَدٌ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا إلَّا لِمِرْحَاضٍ يُلْجَأُ إلَيْهِ وَأَرَادَ بِيَلْجَأُ إلَيْهِ أَنَّهُ يُضْطَرُّ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ إلَّا مُسْتَقْبِلًا أَوْ مُسْتَدْبِرًا وَأَمَّا لَوْ تَأَتَّى فِيهِ الِانْحِرَافُ لَكَانَ كَالصَّحْرَاءِ. [آدَاب الْجِمَاع] (الثَّالِثُ) يَنْبَغِي لِلْمُجَامِعِ أَنْ يَسْتَتِرَ هُوَ وَأَهْلُهُ بِثَوْبٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِهَا قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ اجْتِمَاعِ الرَّجُلِ بِأَهْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَامِعَهَا وَهُمَا مَكْشُوفَانِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ يَسْتُرُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَعَابَهُ وَقَالَ فِيهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعُرْبَانِ وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُغَطِّي رَأْسَهُ إذْ ذَاكَ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ فَلَا يُجَامِعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَا مُسْتَدْبِرَهَا وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ. انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَطْءَ عَلَى السَّطْحِ لَا يَجُوزُ كَالْبَرِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي السَّطْحِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ نَقَلَ هُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آدَابِ قَاضِي الْحَاجَةِ فَقَالَ: السَّادِسَةُ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، السَّابِعَةُ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَهَا إلَّا فِي الْمَنَازِلِ الْمَبْنِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِقْبَالِ أَوْ الِاسْتِدْبَارِ مَا لَمْ يَكُنْ سَطْحٌ فَأُجِيزَ وَكُرِهَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّعْلِيلِ هَلْ النَّهْيُ احْتِرَامًا لِلْقِبْلَةِ فَيُكْرَهُ أَوْ إكْرَامًا لِلْمَلَائِكَةِ فَيَجُوزُ؟ وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ إنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي السَّطْحِ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ انْتَهَى

ص (لَا فِي الْفَضَاءِ) ش: أَيْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَعْنِي الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَالْوَطْءَ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ نَاجِي الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا مُسْتَدِلًّا بِرِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنِ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ وَبِرِوَايَةِ الْمَازِرِيِّ الْمَنْعُ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ قَالَ: وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَرَامٌ فِي الْفَلَوَاتِ. انْتَهَى وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَفْظُهُ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ لَا يَسْتَقْبِلُ وَلَا يَسْتَدْبِرُ بِفَلَاةٍ عَلَى النَّهْيِ وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ وَرِوَايَةُ الْمَازِرِيِّ الْمَنْعُ فَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ يُفَسَّرُ قَوْلُهَا كُرِهَ. ص (وَبِسَتْرٍ قَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا) ش: ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ الْجَوَازُ مَعَ السَّاتِرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ نَاجِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مَعَ السَّاتِرِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي فَضَاءٍ أَوْ مَنْزِلٍ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُخْتَارُ التَّرْكُ فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَهُ مُطْلَقٌ فَتَأَمَّلْهُ نَعَمْ ذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَضَاءِ فَقَطْ إذَا كَانَ فِيهِ سَاتِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي اخْتَارَهُ تَجَنُّبَ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الْفَضَاءِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ وَأَطَالَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَمِنْ مُسْنَدِ الْبَزَّارِ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ» لَهُ فَتَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فِي الصَّحَارِي وَالْفَيَافِي إذَا لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمِرْحَاضِ إذَا كَانَ سَاتِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمِرْحَاضِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَاتِرٌ وَفِي الْفَضَاءِ وَالسُّطُوحِ بِسَاتِرٍ أَوْ بِغَيْرِ سَاتِرٍ وَفِي الْفَضَاءِ بَيْنَ الشَّوَارِعِ فِي الْمُدُنِ وَفِي الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي إذَا كَانَ سَاتِرٌ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَالْجَوَازُ أَرْجَحُ فِي الْجَمِيعِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَيَحْرُمُ فِي الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي مِنْ غَيْرِ سَاتِرٍ وَيَجُوزُ فِي الْمَنْزِلِ إذَا كَانَ سَاتِرٌ وَيُخْتَلَفُ فِيهِ فِي السُّطُوحِ مِنْ غَيْرِ سَاتِرٍ وَفِي الْفَيَافِي بِسَاتِرٍ وَالْجَوَازُ أَرْجَحُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي لِلشَّخْصِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ مُطْلَقًا إلَّا لِضَرُورَةٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ أَقِفْ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى نَصٍّ فِي مِقْدَارِ السُّتْرَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَاقِلًا عَنْ مَذْهَبِهِمْ هِيَ قَدْرُ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ وَهُوَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا فَإِنْ زَادَ فَهُوَ حَرَامٌ كَالصَّحْرَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِنَا أَخْذًا مِنْ السُّتْرَةِ. انْتَهَى، وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ أَيْضًا عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِم ثُمَّ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا أَرْخَى ذَيْلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَفَى قَالَ الْأَبِيُّ: وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفِي عَلَى التَّعْلِيلِ بِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ. انْتَهَى قُلْت لَمَّا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْخِلَافِ فِي التَّعْلِيلِ وَانْتَصَرَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ أَلْزَمَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَرْخَى ذَيْلَهُ أَنْ يَبُولَ. ص (لَا الْقَمَرَيْنِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ: إنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِقْبَالُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّهْيِ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ: أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَإِنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُمَا يَلْعَنَانِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا آدَابَ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْقَمَرَيْنِ إنَّمَا هُوَ اسْتِقْبَالُهُمَا لَا اسْتِدْبَارُهُمَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَعَدَّ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ فِي الْآدَابِ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا يَسْتَدْبِرَهَا. انْتَهَى، وَقَالَ الْمَوَّاقُ الْجُزُولِيُّ فِي آدَابِ الْأَحْدَاثِ: أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ وَلَا يَسْتَدْبِرَهُمَا. ابْنُ هَارُونَ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. انْتَهَى. ص (وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ) ش: هَكَذَا قَالَ سَنَدٌ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قِبْلَةً انْتَهَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَوَجَبَ

اسْتِبْرَاءٌ بِاسْتِفْرَاغِ أَخْبَثَيْهِ) ش: (الِاسْتِبْرَاءُ) فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ كَالِاسْتِسْقَاءِ طَلَبُ السَّقْيِ وَالِاسْتِفْهَامُ طَلَبُ الْفَهْمِ فَإِنَّ الِاسْتِفْعَالَ أَصْلُهُ الطَّلَبُ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ فِي الطَّهَارَةِ هُوَ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَذَلِكَ بِاسْتِفْرَاغِ مَا فِي الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْأَخْبَثَيْنِ وَهُمَا الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَهُوَ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْأَذَى انْتَهَى وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَالَ وَتَغَوَّطَ أَنْ يَسْتَبْرِئَ نَفْسَهُ وَيَسْتَنْثِرَ وَعَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ سُنَنِ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ الْقِبَابُ فِي شَرْحِهِ لَا أَدْرِي لِمَ أَدْخَلَ الِاسْتِبْرَاءَ فِي بَابِ السُّنَنِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى وُجُوبِهِ إلَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَرَادَ هَاهُنَا السُّنَّةَ بِمَعْنَى الطَّرِيقَةِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ تَكُونُ السُّنَّةُ كَوْنَهُ بِالسُّلْتِ وَالنَّتْرِ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِلتَّخَلُّصِ. انْتَهَى قُلْت قَوْلُهُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى وُجُوبِهِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ فِي صَاحِبِ الْقَبْرِ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ. ص (مَعَ سَلْتِ ذَكَرٍ وَنَتْرٍ خَفَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجَيْنِ مَعَ سَلْتِ الذَّكَرِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ وَيَمُرُّهُمَا مِنْ أَصْلِهِ إلَى الْكَمَرَةِ وَنَتَرَهُ أَيْ جَذَبَهُ سَلْتًا وَنَتْرًا خَفِيفَيْنِ وَالنَّتْرُ بِالتَّاءِ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ قَالَ الشَّارِحُ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مُسْنَدًا: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثًا وَيَجْعَلُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ فَيُمِرُّهُمَا مِنْ أَصْلِهِ إلَى كَمَرَتِهِ» انْتَهَى، وَذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: النَّتْرُ جَذْبٌ فِيهِ قُوَّةٌ وَجَفْوَةٌ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ أَحَدَكُمْ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَنْثِرُ عِنْدَ بَوْلِهِ.» الِاسْتِنْتَارُ الِاسْتِفْعَالُ مِنْ النَّتْرِ يُرِيدُ بِهِ الْحِرْصَ عَلَيْهِ وَالِاهْتِمَامَ بِهِ وَهُوَ بَعْثٌ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْبَوْلِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: النَّتْرُ الْجَذْبُ بِجَفَاءٍ، نَتَرَهُ يَنْتُرُهُ فَانْتَتَرَ، وَاسْتَنْتَرَ الرَّجُلُ مِنْ بَوْلِهِ اجْتَذَبَهُ وَاسْتَخْرَجَ بَقِيَّتَهُ مِنْ الذَّكَرِ. قَالَ اللَّيْثُ النَّتْرُ الْجَذْبُ فِيهِ جَفْوَةٌ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالنَّتْرُ الْجَذْبُ بِجَفْوَةٍ وَمِنْهُ: «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» انْتَهَى، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوهُ فِي مَادَّةِ نَتَرَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرُوا بَعْدَهُ مَادَّةَ نَثَرَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ بَالَ أَنْ يَقُومَ وَيَقْعُدَ أَوْ يَزِيدَ فِي التَّنَحْنُحِ وَلَكِنْ يَنْتُرُ وَيَسْتَفْرِغُ جَهْدَهُ عَلَى مَا يَرَى أَنَّ يَقْتَضِيهِ مِنْ إطَالَةٍ أَوْ إقْصَارٍ قَالَ فِي شَرْحِ غَرِيبِهِ يَنْتُرُ وَيَجْذِبُ، قَالَ اللَّيْثُ: النَّتْرُ جَذْبٌ فِيهِ قُوَّةٌ وَيُرِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَذَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ» أَيْ يَجْذِبُهُ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَذَا كَأَنَّهُ يُشِيرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَى أَنَّ النَّتْرَ مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْجَذْبُ بِقُوَّةٍ وَلَكِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ النَّتْرُ الْخَفِيفُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ السَّلْتَ وَالنَّتْرَ وَاجِبَانِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَبَّابِ السَّابِقِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ: وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي يَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ أَنْ يَنْتَفِضَ وَيَتَنَحْنَحَ وَيَقُومَ وَيَقْعُدَ وَلَا يَمْشِيَ وَيَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ بِأَيْسَرِهِ بِالنَّفْضِ وَالسَّلْتِ الْخَفِيفِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الَّذِي يُكْثِرُ السَّلْتَ وَيَقُومُ وَيَقْعُدُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَوَابٍ. انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْجَلَّابُ الِاسْتِبْرَاءُ إخْرَاجُ مَا بِالْمَحِلَّيْنِ مِنْ أَذًى وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ، وَرُوِيَ بِالنَّفْضِ وَالسَّلْتِ الْخَفِيفَيْنِ بِالْيُسْرَى. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَا يَسْلِتُ ذَكَرَهُ إلَّا بِرِفْقٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ كَالضَّرْعِ طَالَمَا أَنْتَ تَسْلِتُهُ يُعْطِي فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَدَمِ التَّنَظُّفِ. انْتَهَى اللَّخْمِيُّ مِنْ عَادَتِهِ احْتِبَاسُهُ فَإِذَا قَامَ نَزَلَ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يَقُومَ ثُمَّ يَقْعُدَ فَإِنْ أَبَى نَقَضَ وُضُوءَهُ مَا نَزَلَ مِنْهُ بَعْدَهُ. مَالِكٌ رَبِيعَةُ أَسْرَعُ امْرِئٍ وُضُوءًا وَأَقَلُّهُ لُبْثًا فِي الْبَوْلِ وَابْنُ هُرْمُزَ يُطِيلُهُمَا وَيَقُولُ: مُبْتَلًى لَا تَقْتَدُوا بِي، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: يَتَفَقَّدُ نَفْسَهُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَيَعْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فَرُبَّ شَخْصٍ

القراءة لمن يتنشف

يَحْصُلُ لَهُ التَّنْظِيفُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَنْهُ وَآخَرُ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقُومَ وَيَقْعُدَ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَمْزِجَتِهِمْ وَفِي مَآكِلِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ عَلَيْهِمْ فَقَدْ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ يَعْهَدُ مِنْ نَفْسِهِ عَادَةً، فَيَعْمَلُ عَلَيْهَا فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ يَتَوَسْوَسُ فِي طَهَارَتِهِ فَيَكُونُ يَعْمَلُ عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ حَالِ مِزَاجِهِ وَغِذَائِهِ وَزَمَانِهِ، فَلَيْسَ الشَّيْخُ كَالشَّابِّ وَلَا مَنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ كَمَنْ أَكَلَ الْخُبْزَ وَلَيْسَ الْحَرُّ كَالْبَرْدِ. انْتَهَى، وَقَالَ: إذَا اسْتَنْجَى فَلْيَكُنْ الْإِنَاءُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى لِيَسْكُبَ بِهَا الْمَاءَ وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى الْمَحِلِّ يَعْرُكُهُ وَيُوَاصِلُ صَبَّ الْمَاءِ وَيُبَالِغُ فِي التَّنْظِيفِ خِيفَةَ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْفَضَلَاتِ فَيُصَلِّيَ بِالنَّجَاسَاتِ وَعَذَابُ الْقَبْرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، قَالَ: وَيَحْذَرُ أَنْ يُدْخِلَ أُصْبُعَهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ أَشْرَارِ النَّاسِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ. انْتَهَى، وَقَوْلُ الرِّسَالَةِ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق يَعْنِي وَلَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ وَيُشْبِهُ اللِّوَاطَ فِي الدُّبُرِ وَالسِّحَاقَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْمُبْتَدِعَةِ وَفِي السُّلَيْمَانِيَّة فِي اسْتِنْجَاءِ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تَغْسِلُ قُبُلَهَا كَغَسْلِ اللَّوْحِ وَلَا تُدْخِلُ يَدَيْهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا كَمَا تَفْعَلُ مَنْ لَا دِينَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: إذَا قَامَ يَسْتَبْرِئُ فَلَا يَخْرُجُ بَيْنَ النَّاسِ وَذَكَرُهُ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ ثَوْبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَوْهَةٌ وَمُثْلَةٌ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ فِي الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ إذْ ذَاكَ فَيَجْعَلُ عَلَى فَرْجِهِ خِرْقَةً يَشُدُّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَنَظَّفَ. انْتَهَى (الثَّانِي) يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ نَتْفِ إبْطٍ أَوْ غَيْرِهِ لِئَلَّا يُبْطِئَ فِي خُرُوجِ الْحَدَثِ وَالْمَقْصُودُ الْإِسْرَاعُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ الْمَحِلِّ بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا يَسَّرَ عَلَيْهِ الطَّهَارَةَ. انْتَهَى [الْقِرَاءَةِ لِمَنْ يَتَنَشَّفُ] (الثَّالِثُ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ لِمَنْ يَتَنَشَّفُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، وَالثَّالِثُ الْجَوَازُ إنْ لَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ رُطُوبَةٌ ذُكِرَ هَذَا الْفَرْعُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ. وَقَالَ أَيْ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّلَامَةَ حَرُمَ وَإِنْ تَحَقَّقَ جَازَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ قَالَ ابْنُ نَاجِي: قُلْت: الصَّوَابُ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ عِنْدِي أَشَدُّ مِنْ دُخُولِ النَّجَاسَةِ مَلْفُوفَةً وَفِيهَا قَوْلَانِ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ] (فَائِدَةٌ) يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ كَيْفَ صَارَ حَالُهُ فَإِنَّهُ كَانَ طَيِّبًا يُغَالِي فِيهِ وَيُزَاحِمُ عَلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي فَبِمُجَرَّدِ مُخَالَطَتِهِ لِلْآدَمِيِّ تَقَذَّرَ وَصَارَ نَجِسًا يُهْرَبُ مِنْهُ وَيَعَافُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُخَالِطُهُ الْآدَمِيُّ مِنْ الثِّيَابِ النَّظِيفَةِ وَالرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ عَنْ قَلِيلٍ يَتَقَذَّرُ وَيُعَافَ وَيَتَنَبَّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يَحْذَرُ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ آثَارُ الْخُلْطَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا خَالَطَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغَيِّرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسَبَبِ خُلْطَتِهِ كَمَا يُغَيِّرُ كُلُّ مَا خَالَطَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَيَتَنَبَّهُ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا دُفِنَ أَكَلَهُ الدُّودُ ثُمَّ يَرْمِيهِ مِنْ جَوْفِهِ قَذِرًا مُنْتِنًا، إلَّا أَنَّ ثَمَّ قَوْمًا لَا يَأْكُلُهُمْ الدُّودُ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ الْمُحْتَسِبُونَ، فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى لَا سَبِيلَ إلَيْهَا فَيُجْتَهَدُ فِي تَحْصِيلِ إحْدَى الدَّرَجَاتِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ وَانْظُرْ الْمَدْخَلَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. ص (وَنُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وَحَجَرٍ ثُمَّ مَاءٍ) ش هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ مَنْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَا نَصُّهُ، نَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ. انْتَهَى قُلْت وَهَذَانِ النَّقْلَانِ غَرِيبَانِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ مَنَعَ الِاسْتِجْمَارَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بَلْ لَا أَعْرِفُهُمَا فِي الْمَذْهَبِ لَكِنْ نَقَلَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ

وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ كَمَا لَا تُزَالُ النَّجَاسَةُ بِالطَّعَامِ. انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا نَقَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَتَبَ قَبْلَ قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ضَادًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَلَعَلَّهُ فِي الْإِكْمَالِ وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: شَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَمَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِعَذْبِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنْعُهُ بِطَعَامٍ لِأَجْلٍ. انْتَهَى، ثُمَّ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ فِي الْإِكْمَالِ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ وَلَا بُدَّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَحْجَارِ وَحْدَهَا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَأَجْزَأَهُ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبَقِيَ هُنَا فَرْعٌ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ الْحَجُّ يُزِيلُ الْحُكْمَ أَوْ لَا يُزِيلُ الْحُكْمَ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالِاسْتِنْجَاءُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ: إنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ؟ ، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ تُزَالُ بِالْحَجَرِ أَنَّ الْحَجَرَ يُزِيلُ الْحُكْمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْحُكْمَ وَنَصُّهُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ وَلِأَنَّ الْمَحِلَّ بَعْدَ مَسْحِهِ بِالْأَحْجَارِ نَجِسٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غُسِلَ نَجِسَتْ غُسَالَتُهُ أَوْ لَا أَثَرَ لِلْحِجَارَةِ فِي تَطْهِيرِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّخْفِيفُ فَقَطْ. انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) ش: فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَصَى وَالدُّودِ وَالدَّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: وَيُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ فِي النَّادِرِ كَالْحَصَى وَالدَّمِ وَالدُّودِ كَمَا فِي الْغَائِطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآكِدٍ مِنْهُ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فَأَمَّا الْحَصَى وَالدُّودُ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ بِلَّةٍ فَقَالَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَنْجِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ كَالرِّيحِ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَنْجِي مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بِلَّةٌ فَمَاذَا يُزَالُ فَإِنْ تَخَيَّلَ فِيهِ أَدْنَى بِلَّةٍ فَذَلِكَ مِمَّا يُعْفَى عَنْ قَذِرِهِ وَكَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ بِبِلَّةٍ طَاهِرَةٍ فَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِمَكَانِ الْبِلَّةِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِجْمَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَجَمَّرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّمِ انْتَهَى فَمَا ذَكَرَهُ فِي الدَّمِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْمَنِيُّ بِالْمَاءِ إنْ عُنِيَ بِهِ مَنِيُّ الصِّحَّةِ غَيْرَ مَنِيِّ صَاحِبِ السَّلَسِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ غُسْلَ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَإِنْ عُنِيَ بِهِ مَنِيُّ الْمَرَضِ كَمَنِيِّ صَاحِبِ السَّلَسِ فَلِمَ لَا يَكُونُ كَالْبَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ لِمَرَضٍ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَمَعَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ فَقَطْ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ قُلْت وَكَذَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَكَذَا مَنْ جَامَعَ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَنِيِّ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَبَوْلِ امْرَأَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ بَوْلَ الْمَرْأَةِ يَتَعَيَّنُ فِي غُسْلِهِ الْمَاءُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّ الْبَوْلَ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِجْمَارِ فِي حَقِّهَا وَكَذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ: إنَّ الْمَرْأَةَ وَالْخَصِيَّ لَا يَكْفِيهِمَا الْأَحْجَارُ فِي الْبَوْلِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. انْتَهَى، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ سَنَدٍ: الْمَرْأَةُ لَا يُجْزِيهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ مِنْ الْبَوْلِ لِتَعَدِّيهِ مَخْرَجَهُ إلَى جِهَةِ الْمَقْعَدَةِ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ. انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَرَافِيِّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ وَالْقَرَافِيِّ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ سَنَدٍ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ: هَذَا وُضُوءُ النِّسَاءِ، فَقَالَ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ

فرع إذا انسد المخرجان

فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُجْزِيهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ مِنْ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى مَخْرَجَهُ وَيَجْرِي إلَى مَقَاعِدِهِنَّ وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ انْتَهَى وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بَوْلُ امْرَأَةٍ أَنَّ حُكْمَهَا فِي الْغَائِطِ كَحُكْمِ الرَّجُلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ] (فَرْعٌ) إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ وَصَارَ الْخَارِجُ يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبِهِ فَهَلْ يَكْفِي فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ؟ قَالَ فِي الطِّرَازِ: رُخْصَةُ الِاسْتِجْمَارِ مُخْتَصَّةٌ بِمَحِلِّ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ دُونَ سَائِرِ الْجَسَدِ فَإِذَا خَرَجَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ سَائِرِ الْجَسَدِ عَدَا الْمَخْرَجَيْنِ أُمِرَ بِالْغُسْلِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ انْفَتَحَ مَخْرَجٌ آخَرُ لِلْخُبُثِ هَلْ يَسْتَجْمِرُ فِيهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ فِيهِ إذَا اسْتَمَرَّ وَصَارَ كَالْمُعْتَادِ انْتَهَى وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْفَتْحُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَانْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَإِنَّهُ صَارَ كَالْمَخْرَجِ كَمَا سَيَأْتِي فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَوْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْفَتِحِ هَلْ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ أَمْ لَا؟ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ فَيَكْفِي فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ فَلَا يَكْفِي فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ لَا يَنْتَشِرُ عَنْ مَحِلِّ خُرُوجِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ يَنْتَشِرُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَوْلِ الْمَرْأَةِ وَالْخَصِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَمَذْيٌ بِغَسْلِ ذَكَرِهِ كُلِّهِ فَفِي النِّيَّةِ وَبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِهَا أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ قَوْلَانِ) ش قَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى النِّيَّةِ وَأَمَّا غَسْلُ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يَعْنِي نَفْسَهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ تَتَعَدَّى مَحِلَّ وُجُوبِهَا وَلَمْ يَعْزُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ إلَّا لِلْإِبْيَانِيِّ، وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِبَعْضِهِمْ وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِلشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ رَاشِدٍ. وَقَوْلُهُ: وَبُطْلَانُ صَلَاةِ تَارِكِهَا يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فَغَسَلَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ النِّيَّةِ أَوْ لَا تَبْطُلُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ؟ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ النِّيَّةَ هُوَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا، قَالَ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا وَمَنْ قَالَ: لَا تَجِبُ قَالَ: لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهَا وَكَلَامُهُ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ فَقَالَ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِغَسْلِ جَمِيعِهِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ لَا ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِافْتِقَارِهِ إلَى نِيَّةٍ لَوْ غَسَلَهُ بِلَا نِيَّةٍ وَصَلَّى هَلْ يُعِيدُ أَوْ لَا؟ وَمُقْتَضَى إيجَابِ النِّيَّةِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ وَتَرْكُ الْإِعَادَةِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ، قَوْلَانِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ غَسْلَ ذَكَرِهِ كُلِّهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ مَحِلِّ الْأَذَى فَاخْتُلِفَ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِبْيَانِيِّ أَوْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ غَسْلَ جَمِيعِ الذَّكَرِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا يُعِيدُ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: يُعِيدُ أَبَدًا. وَأَجْرَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ غَسْلَ جَمِيعِ الذَّكَرِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مَنْ لَمْ يَغْسِلْ إلَّا مَخْرَجَ الْأَذَى وَصَلَّى لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَغْسِلُهُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ وَيَتَوَضَّأُ انْتَهَى فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ذَكَرَهُ فَالْغَالِبُ أَنْ يُنْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ وَيَحْتَرِزَ مِنْ مَسِّ ذَكَرِهِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَجَنْبِهِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهُ صَحِيحٌ قَدْ صَلَّى بِهِ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ بُطْلَانِهِ فَتَأَمَّلْهُ. قُلْت وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ مَحَلِّ الْأَذَى فَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: يُعِيدُ أَبَدًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ نَقَلَهُ الْقَفْصِيُّ فِي أَسْئِلَتِهِ عَنْهُ وَبِهِ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ يُفْتِي، انْتَهَى. نَقَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ هَذَا الْقَوْلَ

الثَّالِثَ لَكِنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ النِّيَّةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الْمَذْيِ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ وَرَأَى أَنَّ غَسْلَهُ لَمَّا كَانَ تَعَبُّدًا أَشْبَهَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَاسْتَقْرَأَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَغْسِلُ الذَّكَرَ عِنْدَ إرَادَةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ غَسَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَعُوِّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَلْزَمُ غَسْلُ الْأُنْثَيَيْنِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَمِنْ الْمَذْيِ إلَّا أَنَّهُ يُخْشَى أَنْ يُصِيبَهُمَا إنَّمَا عَلَيْهِ غَسْلُ ذَكَرِهِ فَعُوِّلَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ ظَانًّا أَنَّ مُرَادَهُ إنَّمَا عَلَيْهِ غَسْلُ ذَكَرِهِ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ فِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ لَا يَغْسِلَ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنَّمَا يَغْسِلُ الذَّكَرَ خَاصَّةً انْتَهَى وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ بِاخْتِصَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ. ص (وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ) ش: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ الرِّيحِ قَالَ سَنَدٌ هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْإِشْرَافِ أَنَّ قَوْمًا يُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ كَأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ يَرَى أَنَّ الرِّيحَ تَنْقُلُ أَجْزَاءً مِنْ النَّجَاسَةِ تُدْرِكُ نَجَاسَةَ الشَّمِّ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّيحَ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَوْ وَجَبَ مِنْهُ الِاسْتِنْجَاءُ لَوَجَبَ غَسْلُ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يَلْقَاهُ فَإِنْ قِيلَ: تَصْحَبُهُ أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ، فَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ وَلَوْ ثَبَتَ فَقُدِّرَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ يَبْقَى بَعْدَ مَسْحِ الْأَحْجَارِ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِمَا يُرْوَى لَيْسَ مِنَّا مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ الرِّيحِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ صَاحِبُ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ بَشِيرٌ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي زَهْرِ الْفِرْدَوْسِ وَقَالَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ شَرْقِيِّ بْنِ قَطَامِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. ص (وَجَازَ بِيَابِسٍ طَاهِرٍ مُنَقٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ وَلَا مُحْتَرَمٍ وَلَا مُبْتَلٍّ وَنَجِسٍ وَأَمْلُسَ وَمُحَدَّدٍ وَمُحْتَرَمٍ مِنْ مَطْعُومٍ وَمَكْتُوبٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجِدَارٍ وَرَوْثٍ وَعَظْمٍ) ش: فَاعِلُ جَازَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَنُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وَحَجَرٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِجْمَارِ بِكُلِّ يَابِسٍ طَاهِرٍ مُنَقٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ وَلَا مُحْتَرَمٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلَةُ قَصْرُ الِاسْتِجْمَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَقَاسَ فِي الْمَشْهُورِ كُلَّ جَامِدٍ عَلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِنْقَاءُ وَرَأَى فِي الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ فَيُقْتَصَرُ بِهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ لَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَتَعْلِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّوْثَةَ؛ لِأَنَّهَا رِجْسٌ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ غَيْرِ الْحَجَرِ وَإِلَّا لَعَلَّلَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَجَرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ» وَلَا دَلِيلَ لَهُ يَعْنِي الْقَوْلَ الْآخَرَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوَّلًا: يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ رَاشِدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَحْجَارَ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ وُجُودًا. (تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدْرٍ أَوْ كِبْرِيتٍ وَنَحْوِهِ، أَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ كَالْخِرَقِ وَالْخَشَبِ وَشَبَهِهِ فَمَنَعَهُ دَاوُد وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَشْهُورَ وَذَهَبَ أَصْبَغُ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ إلَّا بِالْأَحْجَارِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَجْنَاسِ الْأَرْضِ كَالْخِرَقِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالنُّخَالَةِ وَالسُّحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ يَمْسَحُ مَا فِي الْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِمَدْرٍ يَعْنِي بِالْمَدْرِ الطُّوبَ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْمَدْرُ الطِّينُ الْيَابِسُ وَغَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْأَشْيَاءُ الَّتِي يُسْتَجْمَرُ بِهَا فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ فَصِنْفٌ يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ وَصِنْفٌ يُمْنَعُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْإِجْزَاءِ إذَا

نَزَلَ وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي الْجَوَازِ وَفِي الْإِجْزَاءِ، فَالْأَوَّلُ الْأَرْضُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ صَخْرٍ وَمَدْرٍ وَكِبْرِيتٍ وَزِرْنِيخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، انْتَهَى. وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّ أَصْبَغَ يُخَالِفُ فِي غَيْرِ الْأَحْجَارِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ: تَمَسَّكَ دَاوُد بِلَفْظِ الْأَحْجَارِ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ، لَكِنَّ مَالِكًا وَغَيْرَهُ يَسْتَحِبُّ الْحِجَارَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا انْتَهَى وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: يَابِسٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبْتَلَّةِ؛ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ تَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي الْإِخْرَاجِ بِذِكْرِ الْمُبْتَلِّ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَائِعَاتِ مِنْ بَابٍ أَحْرَى، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: طَاهِرٍ، مِنْ النَّجِسِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا يُبَاشِرُ بِهِ الْمَحِلَّ فَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْحَجَرِ نَجَاسَةٌ جَازَ الِاسْتِجْمَارُ بِالْجَنْبِ الْآخَرِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُنَقٍّ مِنْ الْأَمْلَسِ كَالزُّجَاجِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحْرِفٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: غَيْرِ مُؤْذٍ، مِنْ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ كَالزُّجَاجِ الْمُحْرِفِ وَالْقَصَبِ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَا مُحْتَرَمٍ، مِمَّا لَهُ حُرْمَةً مِنْ الْمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا وَالْمَكْتُوبِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجِدَارِ وَالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ. أَمَّا الْمَطْعُومَاتُ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ وَتَخْتَلِفُ الْحُرْمَةُ بِحَسَبِ مَا كُتِبَ قَالَ: وَفِي مَعْنَى الْمَكْتُوبِ الْوَرِقُ غَيْرُ الْمَكْتُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّشَا، انْتَهَى. (قُلْت) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَلَوْ كَانَ الْمَكْتُوبُ بَاطِلًا كَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْحُرُوفِ وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي حَدِيثِ الصَّحِيفَةِ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُتِبَتْ فِي أَثْنَاءِ مَا تَجِبُ إهَانَتُهُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بَعْدَ تَحْرِيفِهِمَا فَيَجُوزُ إحْرَاقُهَا وَإِتْلَافُهَا وَلَا يَجُوزُ إهَانَتُهَا لِمَكَانِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُمَا بَاطِلٌ لِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّحْرِيفِ وَلَكِنْ حُرْمَةُ أَسْمَاءِ اللَّهِ لَا تُبَدَّلُ عَلَى وَجْهٍ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَقَامَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حُرْمَةَ أَسْمَائِهِ بِأَنْ مَحَاهَا وَأَبْقَى مَا عَدَاهَا مِنْ الصَّحِيفَةِ. فَلَوْلَا أَنَّ الْأَسْمَاءَ مُتَمَيِّزَةً عَمَّا هِيَ فِيهِ بِحُرْمَةٍ لَمَا كَانَ لِتَمْيِيزِهَا بِالْمَحْوِ مَعْنًى وَلِهَذَا مُنِعَ الْكَافِرُ مِنْ كَتْبِ اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ، وَتِلْكَ حُجَّةُ الْمَازِنِيِّ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ إقْرَاءِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ لِكَافِرٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى احْتِرَامِ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ وَلَكِنْ لَا يَبْلُغُ الْأَمْرُ إلَى إيجَابِ الطَّهَارَةِ لِمَسِّهَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ كَالطَّعَامِ وَالْمِلْحِ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَلَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِمَسْجِدٍ لِحُرْمَتِهِ أَوْ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ أَوْ فِي وَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَهَذَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَكَثِيرًا مَا يُتَسَاهَلُ الْيَوْمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سِيَّمَا مَا سُبِّلَ لِلْوُضُوءِ فَتَجِدُ الْحِيطَانَ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ الْقَذَرِ لِأَجْلِ اسْتِجْمَارِهِمْ فِيهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْتَجْمَرَ فِي حَائِطِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْزِلُ الْمَطَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُصِيبُهُ بَلَلٌ وَيَلْتَصِقُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ إلَيْهِ فَتُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ فَيُصَلِّي بِهَا، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَائِطِ حَيَوَانٌ فَيَتَأَذَّى بِهِ وَقَدْ رَأَيْت عِيَانًا بَعْضَ النَّاسِ اسْتَجْمَرَ فِي حَائِطٍ فَلَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ كَانَتْ هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ وَرَأَى فِي ذَلِكَ شِدَّةً عَظِيمَةً، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. قُلْت وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ حَضَرَ قِرَاءَةَ هَذَا الْمَحِلِّ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَتَسَامَحَ النَّاسُ بِالتَّمَسُّحِ بِالْحِيطَانِ وَذَلِكَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْضَمُّونَ إلَيْهَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ وَبَلَلِ الثِّيَابِ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فِي حِيطَانِ الْمَرَاحِيضِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تَصِيرُ نَجِسَةً مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَيَكُونُ قَدْ اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ،

انْتَهَى. وَنَقَلَ بَعْضَهُ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ لِتَخْصِيصِ ابْنِ الْحَاجِبِ جِدَارَ الْمَسْجِدِ إلَّا الْأَوْلَوِيَّةُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْإِكْمَالِ يَنْبَغِي الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ، وَأَمَّا الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَجُوزُ بِنَجِسٍ وَكَذَلِكَ الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ وَالْحُمَمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِمَا إذَا كَانَا طَاهِرَيْنِ وَيُحْتَمَلُ إذَا كَانَا نَجِسَيْنِ يَابِسَيْنِ وَيُحْتَمَلُ الْمَجْمُوعُ وَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَيْنِ، وَيَكُونُ وَجْهُ الْمَنْعِ فِي الطَّاهِرَيْنِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا تَأْتِينِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَنَا فِيهَا رِزْقًا. فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَا طَاهِرَيْنِ أَوْ نَجِسَيْنِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُسْتَجْمَرُ بِهَا هَلْ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ، أَمَّا الْمَطْعُومَاتُ وَالْمَكْتُوبَاتُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَجُوزُ بِنَجِسٍ وَلَا نَفِيسٍ وَلَا بِذِي حُرْمَةٍ كَطَعَامٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ بِشَيْءٍ مَكْتُوبٍ، وَكَذَلِكَ الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ وَالْحُمَمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ وَقَبِلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ رَاشِدٍ وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا لَهُ حُرْمَةٌ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكُلِّ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ هَذَا فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُمْنَعُ بِذِي حُرْمَةٍ أَوْ شَرَفٍ كَالطَّعَامِ وَالْفِضَّةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ إلَّا فِي جِدَارٍ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ، وَأَمَّا النَّجِسُ وَالْمُبْتَلُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَكَذَلِكَ الْأَمْلَسُ وَالْمُحَدَّدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَأَمَّا الرَّوْثُ وَالْعَظْمُ فَالنَّجِسُ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي حُكْمِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الطَّاهِرُ مِنْهُمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِنَّ اللَّخْمِيَّ نَقَلَ فِيهَا وَفِي النَّجِسِ الْجَامِدِ قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ فَغَايَرَ بَيْنَ عِبَارَتِهِ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، حَيْثُ عَبَّرَ بِالْمَنْعِ وَنَصُّ كَلَامِهِ الرَّابِعُ مَا كَانَ طَاهِرًا وَلَيْسَتْ لَهُ حُرْمَةٌ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَظْمُ وَالْبَعْرُ، وَالْخَامِسُ مَا كَانَ مِنْ النَّجَاسَةِ جَامِدًا رَوْثًا أَوْ غَيْرَهُ، اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا سَمِعْت فِيهِ نَهْيًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَكَرِهَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ فَجَحَفَ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّخْفِيفِ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْجَلَّابِ: يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْعِظَامِ وَسَائِرِ الطَّعَامِ وَيُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالرَّوْثِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ إلَّا الْعَظْمَ الطَّاهِرَ وَالرَّوْثَ الطَّاهِرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُمَمَةً وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْحُمَمُ الْفَحْمُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْحُمَمَةُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَصَحُّ فِيهَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ: إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ وَالنَّقْلُ يُؤَيِّدُهُ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَالْحُمَمَةِ، قَالَ: مَا سَمِعْت فِيهَا نَهْيًا وَلَا أَرَى بِهَا بَأْسًا فِي عِلْمِي، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قِيلَ: وَإِنَّمَا مَنَعْت الْحُمَمَةَ؛ لِأَنَّهَا تُسَوِّدُ الْمَحِلَّ وَلَا تُزِيلُ النَّجَاسَةَ، انْتَهَى. قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ التِّلِمْسَانِيِّ هُوَ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ لَهُ وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَنَصُّهُ، أَمَّا الْفَحْمُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: اسْتَخَفَّ مَالِكٌ مَا سِوَى الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ وَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْخِيمِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحُمَمَةِ، قَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: فَقَدْ رُجِّحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ

فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَقَدْ جَزَمَ فِي الشَّامِلِ بِالْجَوَازِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التُّرَابُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْجَلَّابِ وَنَصُّهُ: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِجْمَارِ بِغَيْرِ الْحِجَارَةِ مِنْ الْمَدْرِ وَالْخَزَفِ وَالطِّينِ وَالْآجُرِّ وَلَا بَأْسَ بِالْخِرَقِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ وَالنُّخَالَةِ وَالسُّحَالَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَجَازَهُ فِي الْجَلَّابِ بِالتُّرَابِ، وَتَعْلِيلُ عِيَاضٍ مَنْعَ الْحُمَمَةِ بِأَنَّهَا كَالتُّرَابِ خِلَافُهُ وَبِالنُّخَالَةِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ بِأَنَّ بِهَا طَعَامًا وَمَنَعَ سَحْنُونٌ غَسْلَ الْيَدِ بِهَا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَلَعَلَّهُ فِي الْخَالِصَةِ، انْتَهَى. قُلْت كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ النُّخَالَةَ فِي نُسْخَتِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِهِ: (النُّخَالَةُ) مَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَأْرَةِ عِنْدَ الْمَسْحِ (وَالسُّحَالَةُ) مَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَشَبِ عِنْدَ النَّشْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ النُّخَالَةُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَكْلِ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ جِنْسِ الْمَأْكُولَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْجَامِدَاتِ وَإِنَّمَا لَهَا حُرْمَةٌ عِنْدَ اخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا فَأَمَّا عِنْدَ انْفِرَادِهَا فَلَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيُسْتَنْجَى بِالسُّحَالَةِ وَالنُّجَارَةِ كَمَا يُسْتَنْجَى بِالتُّرَابِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ، انْتَهَى. (الرَّابِعُ) أَجَازَ فِي الْإِكْمَالِ الِاسْتِجْمَارَ بِالْأَرْضِ وَنَصُّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَجْمِرُ بِيَمِينِهِ أَمَّا مَتَى أَمْكَنَهُ حَجَرٌ ثَابِتٌ يَتَمَسَّحُ بِهِ أَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِرْخَاءُ حَتَّى يَتَمَسَّحَ بِالْأَرْضِ أَوْ بِمَا يُمْكِنُهُ التَّمَسُّحُ بِهِ مِنْ ثَابِتٍ طَاهِرٍ جَامِدٍ فَنَعَمْ، انْتَهَى. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الِاسْتِجْمَارِ بِالتُّرَابِ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالُوا: وَيَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْآجُرِّ وَالْخِرَقِ وَالتُّرَابِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ الطَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَنْجَى بِالْأَرْضِ انْتَهَى. ص (فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ كَالْيَدِ دُونَ الثَّلَاثِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ مَا لَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ بَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ اسْتَجْمَرَ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ إنْقَاءٌ أَجْزَأَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إنْقَاءٌ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا اسْتَجْمَرَ بِيَدِهِ وَأَنْقَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ. وَالثَّانِيَةَ أَنَّهُ إذَا اسْتَجْمَرَ بِدُونِ الثَّلَاثِ وَأَنْقَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: وَهِيَ مَا إذَا اسْتَجْمَرَ بِمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ فَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَنَصُّهُ: فَلَوْ اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ أَوْ مَا بَعْدَهُ فَفِي إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ قَوْلَانِ، أَيْ مَا ذَكَرَ بَعْدَ النَّجِسِ مِنْ ذِي الْحُرْمَةِ وَالرَّوْثِ وَالْقَوْلُ بِإِعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ لِأَصْبَغَ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُشْكَلُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِيمَا إذَا اسْتَجْمَرَ بِنَجِسٍ وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مُسْتَحَبَّةٌ، انْتَهَى. قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا عَدَا النَّجِسَ فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالنَّجِسِ لَا يَظْهَرُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِيمَنْ اسْتَجْمَرَ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ وَأَنْقَى: أَجْزَأَهُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ بَقِيَ فِي الْمَحِلِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ الرَّطْبِ تَبْقَى رُطُوبَتُهُ أَوْ رَوْثٍ يَتَفَتَّتُ فَهَذَا لَا يُجْزِئُهُ وَيُؤْمَرُ بِغَسْلِ الْمَحِلِّ مِنْ تِلْكَ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ طَارِئَةٌ عَلَيْهِ وَقَالَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إنْ عَلِقَتْ رُطُوبَةُ الْمَيْتَةِ أَوْ تَفَتَّتْ الرَّوْثَةُ عَلَى الْمَحِلِّ تَعَيَّنَ الْغَسْلُ، انْتَهَى. قُلْت يَعْنِي أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَسْلُ الْمَحِلِّ بِالْمَاءِ وَلَا يَكْفِي الِاسْتِجْمَارُ وَلَوْ اسْتَجْمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ سَنَدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِمَا فِيهِ رُطُوبَةٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ يُرِيدُ إذَا صَلَّى بِذَلِكَ نَاسِيًا مَا إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَلْيُعِدْ أَبَدًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْت وَمِثْلُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالنَّجِسِ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَبْلُولِ فَإِنَّهُ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) لَا يُقَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ أَبْقَتْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعُودُ لِلْجَمِيعِ حَتَّى النَّجِسِ وَالْمَبْلُولِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّجِسَ وَالْمَبْلُولَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا إنْقَاءٌ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

فصل نواقض الوضوء

الثَّانِي) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شُرُوطَ الشَّيْءِ الَّذِي يُسْتَجْمَرُ بِهِ وَهَكَذَا كُلُّهُ إذَا قَصَدَ الِاسْتِجْمَارَ الشَّرْعِيَّ وَإِلَّا اتَّقَى مَا لَهُ حُرْمَةٌ وَإِذَايَةٌ وَنَحْوُهُمَا، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَصَدَ إزَالَةَ عَيْنِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحِلِّ لِيَغْسِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيُزِيلَهَا بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُزَالَ بِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ أَوْ فِيهِ إذَايَةٌ وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا يَكُونُ مَائِعًا أَوْ مَبْلُولًا بَلَلًا يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الِاسْتِجْمَارُ بِالْيَدِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ زَادَ فِي الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا احْتِرَازًا مِنْ يَدِ نَفْسِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ بِيَدِهِ وَلَفْظُهُ ثُمَّ يَمْسَحُ مَا فِي الْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِمَدْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِيَدِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ أَنَّهُ إذَا عَدِمَ الْأَحْجَارَ فَلَا يَتْرُكُ فَضِيلَةَ الِاسْتِجْمَارِ بَلْ يَسْتَجْمِرُ بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى بَعْدَ غَسْلِهَا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ: إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الْمُجَرَّدِ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الَّذِي يَعْقُبُهُ الِاسْتِنْجَاءُ قُلْت وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِالْإِجْزَاءِ فَقَالَ: لَوْ اسْتَنْجَى بِأُصْبُعِهِ وَأَنْقَى بِثَلَاثٍ أَوْ غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَلَا يُجْزِئُ كَالْعَقِبِ وَكَذَنَبِ دَابَّةٍ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْلَعَ صُوفًا مِنْ ذَنَبِ شَاةٍ فَيَتَمَسَّحَ بِهِ مُتَّصِلًا بِهَا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا يُتَّقَى مِنْ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ: لَوْ اسْتَنْجَى بِأَصَابِعِهِ أَوْ ذَنَبِ دَابَّةٍ أَوْ شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَأَنْقَى أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْيَدِ جَائِزٌ عَلَى مَا فِي الرِّسَالَةِ وَالْمَدْخَلِ فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ وَيُؤْمَرُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ مِنْ يَدِهِ هَذَا إذَا أَرَادَ الِاسْتِجْمَارَ الشَّرْعِيَّ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لِيَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَوْلُهُ: بِيَدِهِ يَعْنِي الْيُسْرَى وَيَعْنِي إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَمُرَادُهُ بِالْيَدِ الْأُصْبُعُ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَيُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا يُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا فِي الطِّرَازِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: إنَّ الْيَدَ مَعَ الْإِنْقَاءِ كَافِيَةٌ خِلَافًا لِمَا ذُكِرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَنْقَى بِدُونِ الثَّلَاثِ فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْقَاءُ دُونَ الْعَدَدِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَابْنُ شَعْبَانَ بِوُجُوبِ الْإِنْقَاءِ وَالْعَدَدِ فَإِنْ أَنْقَى بِحَجَرٍ أَوْ حَجَرَيْنِ أَجْزَأَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّثْلِيثُ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِالثَّلَاثِ وَأَنْقَى بِأَرْبَعٍ اُسْتُحِبَّ الْخَامِسُ لِلْوِتْرِ فَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِخَمْسٍ وَأَنْقَى بِسِتٍّ اُسْتُحِبَّ السَّابِعُ ثُمَّ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ، اُنْظُرْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّبِيبِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَحَمَلَ شُيُوخُنَا حَدِيثَ الثَّلَاثِ عَلَى النَّدْبِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى [فَصْلٌ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ] ص (فَصْلٌ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِحَدَثٍ وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ) ش هَذَا الْفَصْلُ يَذْكُرُ فِيهِ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ وَتُسَمَّى مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَاخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَمَعَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَقَالَ: بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا يُنْقِضُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْحَدَثَ السَّابِقَ عَلَى الْوُضُوءِ وَالنَّاقِضُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُضُوءِ وَالنَّوَاقِضُ جَمْعُ نَاقِضٍ وَنَاقَضَ الشَّيْءَ وَنَقِيضُهُ مَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَتَعْبِيرُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالنَّوَاقِضِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْمُوجِبِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ، انْتَهَى. يَعْنِي وَكَانَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْوُضُوءِ نَاسَبَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهَا بِالنَّوَاقِضِ وَإِلَّا فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُوجِبِ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى السَّابِقِ وَعَلَى الْمُتَأَخِّرِ وَأَيْضًا فَالتَّعْبِيرُ بِالنَّقْضِ قَدْ يُوهِمُ بُطْلَانَ الطَّهَارَةِ السَّابِقَةِ وَإِذَا بَطَلَتْ بَطَلَ مَا فَعَلَ بِهَا مِنْ الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ

لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الرَّفْضِ: لَا نَقُولُ: إنَّ الطَّهَارَةَ بَطَلَتْ بِالْحَدَثِ، وَلَكِنْ انْتَهَى حُكْمُهَا كَمَا يَنْتَهِي حُكْمُ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا إذَا تَوَضَّأَ وَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ لِلْحَدَثِ الثَّانِي لَا الْحَدَثِ الْأَوَّلِ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفَاعِلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصْفًا لِمُذَكَّرٍ عَاقِلٍ يَجُوزُ جَمْعُهُ عَلَى فَوَاعِلَ كَخَارِجٍ وَخَوَارِجَ وَطَالِقٍ وَطَوَالِقَ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ: وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَدُّوهُ مَسْمُوعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي مَوَاضِعَ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ: إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ وَإِذَا أَرَادَ فِيهِ كَلَامًا فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَقَرِيبٌ، انْتَهَى. وَنَوَاقِضُ الْوُضُوءِ (أَحْدَاثٌ) وَأَسْبَابٌ فَالْأَحْدَاثُ جَمْعُ حَدَثٍ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ (وَالْأَسْبَابُ) جَمْعُ سَبَبٍ وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ: الْحَبْلُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] أَيْ فَلْيُمْدِدْ بِحَبْلٍ إلَى سَقْفِ بَيْتِهِ فَإِنَّ السَّقْفَ يُسَمَّى سَمَاءً لِعُلُوِّهِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ السَّبَبُ فِي عِلَّةِ الشَّيْءِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَيْهِ وَالسَّبَبُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ هُوَ مَا أَدَّى إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ كَالنَّوْمِ الْمُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الرِّيحِ مَثَلًا وَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ الْمُؤَدِّيَانِ إلَى خُرُوجِ الْمَذْيِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ الْحَدَثَ يُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِيَادِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ فَتَمَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا مِنْ مَخْرَجَيْهِ إلَخْ قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَارِجُ أَفَادَ بِهِ أَنَّ الدَّاخِلَ غَيْرُ حَدَثٍ وَلَا سَبَبَ فَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِحُقْنَةٍ، وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ مُوجِبٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَذْيُ الْمَرْأَةِ بِلَّةٌ تَجِدُهَا فَيَجِبُ بِهَا الْوُضُوءُ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِي الْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ ابْنُ حَبِيبٍ: مَذْيُ الْمَرْأَةِ بِلَّةٌ تَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ وَوَدْيُهَا يَخْرُجُ بِأَثَرِ الْبَوْلِ انْتَهَى. ص (لَا حَصًى وَدُودٌ وَلَوْ بِبِلَّةٍ) ش: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ الدُّبُرِ أَوْ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَقَدَّمَ غَسْلُ ذَلِكَ وَالِاسْتِجْمَارُ مِنْهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ جَافًّا بِغَيْرِ دَمٍ فَهَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، انْتَهَى. وَلَعَلَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَبِسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ كَسَلَسِ مَذْيٍ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ وَنُدِبَ إنْ لَازَمَ أَكْثَرَ لَا إنْ شَقَّ) ش هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ لَا يُنْقَضُ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ لَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّ السَّلَسَ يُنْقِضُ مُطْلَقًا وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ السَّلَسَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يُلَازِمَ وَلَا يُفَارِقَ فَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَلَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ صَاحِبِهِ بِالْبَوْلِ الْمُعْتَادِ. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مُلَازَمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مُفَارِقَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ إلَّا أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِبَرْدٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَلَا يُسْتَحَبُّ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَتَسَاوَى إتْيَانُهُ

وَمُفَارَقَتُهُ فَفِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَاسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَفْصِيُّ: وَالْمَشْهُورُ لَا يَجِبُ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: الظَّاهِرُ الْوُجُوبُ. (الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَتُهُ أَكْثَرَ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ مُسْتَحَبٌّ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوفٍ بِبَيَانِ حُكْمِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَبَيَانِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْوُضُوءُ وَمَا لَا يَجِبُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَمَا لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَبِسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ، فَأَفَادَ أَنَّ الْوُضُوءَ يُنْقَضُ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ إذَا كَانَتْ مُفَارَقَتُهُ أَكْثَرَ، وَعُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: فَارَقَ أَكْثَرَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا تَسَاوَى إتْيَانُهُ وَانْقِطَاعُهُ أَوْ كَانَ إتْيَانُهُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَ مُلَازِمًا لَا يُفَارِقُ وَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا شَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّسَاوِي، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ إذَا كَانَتْ مُلَازَمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ مَا لَمْ يَشُقَّ وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَعَ التَّسَاوِي مِنْ بَابِ الْأَوْلَى فَهُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ لَا يُفَارِقُ أَصْلًا، فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَخْصَرَ عِبَارَتَهُ وَمَا أَلْطَفَ إشَارَتَهُ وَكَمْ فِيهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الِاخْتِصَارِ الْعَجِيبِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ التَّحْقِيقِ بِأَوْفَرَ نَصِيبٍ. وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا هَذَا التَّقْسِيمُ لَا يَخُصُّ حَدَثًا دُونَ حَدَثٍ وَقَدْ قَالَ الْإِبْيَانِيُّ فِيمَنْ بِجَوْفِهِ عِلَّةٌ وَهُوَ شَيْخٌ يَسْتَنْكِحُهُ الرِّيحُ: إنَّهُ كَالْبَوْلِ، وَسُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ رَجُلٍ إنْ تَوَضَّأَ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ لَمْ يُنْتَقَضْ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ. وَرَدَّهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ يُمْنَعُ كَوْنَهُ نَاقِضًا، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ ذَكَرَهُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَحَكَى فِي الشَّامِلِ فِي ذَلِكَ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَيْنِ وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَقَدْ سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ إنْ تَوَضَّأَ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ صَلَاتُهُ حَتَّى تُنْتَقَضَ طَهَارَتُهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ لَمْ يَحْدُثْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَرَأَيْت أَنَّ صَلَاتَهُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْلَى ذَكَرَهُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قُلْت وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ الْإِبْيَانِيُّ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْقِيَامِ كَخُرُوجِ رِيحٍ أَنَّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ لَا يَمْلِكُ خُرُوجَ الرِّيحِ إذَا قَامَ أَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ عَنْهُ نَظَرٌ أَوْ أَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَلَسٌ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عَنْ الطُّلَيْطِلِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ذُو مَرَضٍ مَا يُسَاعِدُ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَسَلَسِ مَذْيٍ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ فَيُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ سَلَسَ الْمَذْيِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ قَادِرًا عَلَى رَفْعِهِ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ وَلَا يُفْصَلُ فِيهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ كَثُرَ الْمَذْيُ لِلْعُزْبَةِ أَوْ التَّذَكُّرِ فَالْمَشْهُورُ الْوُضُوءُ. وَفِي قَابِلِ التَّدَاوِي قَوْلَانِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَادِرِ لَا كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ طَلَبِ النِّكَاحِ، وَشِرَاءُ السَّرِيَّةِ مَعْذُورٌ أَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ وَفِي قَابِلِ التَّدَاوِي قَوْلَانِ رَاجِعًا إلَى سَلَسِ الْبَوْلِ خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ هَذَا فِي الْبَوْلِ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَمَنْ سَلِسَ بَوْلُهُ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الْعِلَاجِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْقَادِرِ عَلَى رَفْعِ سَلَسِ الْمَذْيِ بِالتَّسَرِّي وَالتَّزْوِيجِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: سَلَسُ الْمَنِيِّ لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ ذَكَرَهُ فِي إعَادَةِ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ وَالْغُسْلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَدْ يَخْرُجُ الْمَنِيُّ بِلَا لَذَّةٍ وَلَا إنْعَاظٍ وَهَذَا لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَنِيُّ السَّلَسِ. ص (وَفِي اعْتِبَارِ الْمُلَازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى الْمُلَازَمَةِ هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِقْدَارُ ثُلُثَيْ سَاعَةٍ مَثَلًا وَيَنْقَطِعُ عَنْهُ مِقْدَارَ ثُلُثِهَا ثُمَّ يَأْتِي ثُلُثَيْ سَاعَةٍ وَكَذَلِكَ يَعُمُّ سَائِرَ نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقَيْنَاهُ يَقُولُ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُلَازَمَةُ وَمُفَارَقَتُهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الزَّمَنُ الَّذِي يُخَاطَبُ فِيهِ بِالْوُضُوءِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ

مُنَاسِبًا لَكِنَّهُ مِنْ الْفَرْضِ النَّادِرِ وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ فَلَا يَخْلُو وَقْتٌ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ بَوْلٍ سَوَاءٌ لَازَمَ أَكْثَرَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَقَلَّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ النَّقْضِ فَتَسْتَوِي مَشَقَّةُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَيَلْزَمُ اسْتِوَاءُ الْحُكْمِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا عِبْرَةَ بِمُفَارَقَتِهِ وَمُلَازَمَتِهِ إذْ لَيْسَ هُوَ مُخَاطَبًا حِينَئِذٍ بِالصَّلَاةِ، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يَمِيلُ إلَيْهِ شَيْخُنَا وَكَانَ يَقُولُ مَا مَعْنَاهُ: إنَّهُ لَا تُؤْخَذُ مَسْأَلَةٌ عَلَى عُمُومِهَا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ إتْيَانُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُخْتَلِفًا فِي الْوَقْتِ فَيُقَدِّرُ فِي ذِهْنِهِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ وَقْتُ إتْيَانِهِ مُنْضَبِطًا يَعْمَلُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَخَّرَهَا وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْوَقْتِ قَدَّمَهَا، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ. وَمَا رَدَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّهُ فَرْضٌ نَادِرٌ لَيْسَ بِظَاهِرٍ إذْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مِنْ الْفُرُوضِ النَّادِرَةِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ فَقَالَ: وَالْمُلَازَمَةُ وَالْمُفَارَقَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَيُقَدِّرُ بِذِهْنِهِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ اللُّزُومُ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ الْأَيَّامَ قَوْلَا شَيْخَيْ شُيُوخِنَا ابْنِ جَمَاعَةَ وَالْبُوذَرِيِّ وَالْأَظْهَرُ عَدَدُ صَلَوَاتِهِ وَفَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَكْثَرَ بِإِتْيَانِ الْبَوْلِ ثُلُثَيْ سَاعَةٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَعَقَّبَهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ فَرْضٌ نَادِرٌ بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِ مِنْهُ قَصْرُ وُجُودِ الْبَوْلِ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ وَهْمٌ إنَّمَا مُرَادُ ابْنِ جَمَاعَةَ قَصْرُ الْمُعْتَبَرِ مِنْهُ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ أَيْضًا: إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ لَمْ يَخْلُ وَقْتُ صَلَاةٍ مِنْ بَوْلٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَا بُدَّ مِنْ نَاقِضٍ فَيَسْتَوِي مَشَقَّةُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، يُرَدُّ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ لِمَا اخْتَارَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَلَفَ التُّونُسِيُّونَ هَلْ تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ وَقِيلَ بِالْأَيَّامِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْبُوذَرِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ وَرَدَّ الشَّيْخُ خَلِيلٌ، نَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِ وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ اللُّزُومَ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ الْيَوْمَ قَوْلَا شَيْخَيْ شُيُوخِنَا إلَى آخِرِهِ، وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ جَمَاعَةَ الْمُعْتَبَرُ مُلَازَمَتُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ يَأْتِي فِي غَالِبِ وَقْتِ الصَّلَاةِ سَقَطَ الْوُضُوءُ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ هَارُونَ وَالشَّيْخُ الْمَنُوفِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ الثَّانِي تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ بِالْأَيَّامِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّانِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الثَّالِثُ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الرَّابِعُ اخْتِيَارُ ابْنِ عَرَفَةَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: وَأَمَّا السَّلَسُ وَالِاسْتِحَاضَةُ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْوُضُوءُ انْتَهَى فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (مِنْ مَخْرَجَيْهِ أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنْ انْسَدَّا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) ش: هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: الْخَارِجُ، يَعْنِي الْحَدَثُ هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ، يَعْنِي الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ إذَا انْفَتَحَ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ ثُقْبَةٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَانْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ هَكَذَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَزِيزَةَ وَنَحْوُهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ يَدْخُلُ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ وَتَكُونَ الثُّقْبَةُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ، الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَنْسَدَّ أَوْ تَكُونَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَيْضًا، الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَنْسَدَّ أَيْضًا وَتَكُونَ الثُّقْبَةُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَهَكَذَا حَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَزِيزَةَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ تَرْجِيحُ عَدَمِ النَّقْضِ وَأَنَّهُ الْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَائِلِ بَابِ أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ: إنْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَلَا وُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا عَدَمُ النَّقْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ مُنْسَدًّا وَكَانَ الْفَتْحُ فِي الْمِعَى الْأَسْفَلِ وَدُونَ الْمَعِدَةِ فَهَذَا يُنْقَضُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ الْفَتْحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَاخْتَلَفَ هَاهُنَا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ

الْمُزَنِيّ: لَا وُضُوءَ فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ الْوُضُوءُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ لَا يَكُونُ عَلَى نَعْتِ مَا يَكُونُ مِنْ أَسْفَلِهَا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَلْ يَكْفِي فِي هَذِهِ الثُّقْبَةِ الْمُنْفَتِحَةِ الِاسْتِجْمَارُ؟ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ: ثُقْبَةٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ (وَالْمَعِدَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَنُقِلَ أَيْضًا مِعْدَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَنْحَدِرَ إلَى الْأَمْعَاءِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَرِشِ لِلْحَيَوَانِ وَجَمْعُهَا مِعَدٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ كَذَا قَالَ فِي التَّسْهِيلِ، وَقَالَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ شُرُوحِ الشَّافِيَةِ لِابْنِ الْحَاجِبِ فِي التَّصْرِيفِ أَنَّ جَمْعَهَا مَعِدٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. قُلْت وَهَذَا لَيْسَ بِجَمْعٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَوْزَانِ الْجَمْعِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ جَمْعٍ نَحْوَ نَبْقٌ وَنَبْقَةٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَادَّعَى النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعِدَةِ السُّرَّةُ قَالَ: وَحُكْمُ الْمُنْفَتِحِ فِي السُّرَّةِ وَمَا حَاذَاهَا حُكْمُ مَا فَوْقَهَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهَا الْمَكَانُ الْمُنْخَسِفُ تَحْتَ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَالْأَطِبَّاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ انْتَهَى. قُلْت وَلَمْ أَقِفْ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا خَرَجَ الْقَيْءُ بِصِفَةِ الْمُعْتَادِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَادِرًا لَمْ يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ صَارَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْ مَحِلِّهِ وَصَارَ مَوْضِعُ الْقَيْءِ مَحِلًّا لَهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ مَحِلِّهِ أَكْثَرَ لَمْ يَجِبْ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ: قَوْلُهُ بِصِفَةِ الْمُعْتَادِ أَيْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَا بِكُلِّ الصِّفَاتِ انْتَهَى. قُلْت أَمَّا إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الثُّقْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْسَدَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ النَّقْضِ حِينَئِذٍ ص (وَبِسَبَبِهِ وَهُوَ زَوَالُ عَقْلٍ وَإِنْ بِنَوْمٍ ثَقُلَ وَلَوْ قَصُرَ لَا خَفَّ وَنُدِبَ إنْ طَالَ) ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْأَحْدَاثُ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَسْبَابُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا هُوَ مَا أَدَّى إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ مَا نُقِضَ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَدَثِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا التَّعْرِيفُ وَقَعَ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمَحْدُودِ وَهُوَ مُجْتَنَبٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ، وَلَوْ قَالَ: وَهُوَ مَا كَانَ مُؤَدِّيًا إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ لَكَانَ أَبْيَنَ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ: لَكَانَ أَحْسَنَ مَكَانَ أَبْيَنَ وَحَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَسْبَابَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: زَوَالِ الْعَقْلِ وَلَمْسِ مَنْ يُشْتَهَى وَمَسُّ الذَّكَرِ. وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: تَرِدُ عَلَيْهِ الرِّدَّةُ وَرَفْضُ الْوُضُوءِ وَالشَّكُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْأَحْدَاثِ وَلَا فِي الْأَسْبَابِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ حَصْرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، انْتَهَى يَعْنِي كَلَامَ ابْنِ هَارُونَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَوَاقِضُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَحْدَاثًا وَلَا تُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ بِهَا لِمَعْنًى آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهَا تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْوُضُوءُ وَالرَّفْضُ إنَّمَا يُبْطِلُهُ لِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي النِّيَّةِ وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ إنَّمَا يُوجِبُهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهَا بِيَقِينٍ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِيهَا وَالشَّكُّ فِي حُصُولِ الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي حُصُولِ الْمَشْرُوطِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ، وَلَا يُفْصَلُ فِيهِ كَمَا يُفْصَلُ فِي النَّوْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ رَاكِبًا الْخُطْوَةَ وَنَحْوَهَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَثْقَلَ نَوْمَهُ وَطَالَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَنَوْمُهُ رَاكِبًا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ طَوِيلٌ وَلَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ

نَامَ مُحْتَبِيًا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَشِبْهِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْتَبِي النَّائِمِ وَلَا عَلَى الْقَائِمِ النَّائِمِ وُضُوءٌ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: السُّنَّةُ فِيمَنْ نَامَ رَاكِبًا أَوْ سَاجِدًا أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: مَنْ اسْتَثْقَلَ نَوْمًا عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ خُنِقَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا تَوَضَّأَ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَمَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ بِإِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ جُنُونٍ تَوَضَّأَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ بِنَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَالْأَوَّلُ وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لِكَيْفِيَّةِ نَقْضِهَا فِي طُولٍ أَوْ قِصَرٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَاقِضَةٌ مُطْلَقًا وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْقَلِيلُ فِي ذَلِكَ كَالْكَثِيرِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ حَدَثَانِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِمَا الثِّقَلُ كَمَا اشْتَرَطَهُ فِي النَّوْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُمَا سَبَبَانِ وَخَرَجَ عَلَى الْقَوْلِ مَنْ جُنَّ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا بِحَضْرَةِ قَوْمٍ وَلَمْ يُحِسُّوا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَاعْتُرِضَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ لِابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ أَطْلَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا سَبَبَانِ إلَّا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَنْهُمَا الْوُضُوءَ دُونَ تَفْصِيلٍ، وَالثَّانِي لِبَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إحْسَاسِهِمْ عَدَمَ الْحَدَثِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ، انْتَهَى. وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِابْنِ عَرَفَةَ نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَلَفْظُهُ وَكَوْنُ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ حَدَثًا أَوْ سَبَبًا نَقْلًا اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ وَالْقَاضِي إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ قَالَا: إنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ يُنْقِضَانِ دُونَ تَفْصِيلٍ فَفَهِمَ اللَّخْمِيُّ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا عِنْدَهُمَا حَدَثَانِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا النَّوْمُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حَدَثٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سَبَبٌ، انْتَهَى. قُلْت طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ وَهِيَ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّ الثَّقِيلَ الطَّوِيلَ يُنْقِضُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّقِيلُ الْقَصِيرُ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ النَّقْضُ وَالْقَصِيرُ الْخَفِيفُ لَا يُنْقِضُ بِلَا خِلَافٍ وَالطَّوِيلُ الْخَفِيفُ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَعَلَامَةُ الِاسْتِثْقَالِ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ أَوْ انْحِلَالُ حَبْوَتِهِ أَوْ سَيَلَانُ رِيقِهِ أَوْ بُعْدُهُ عَنْ الْأَصْوَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَلَا يَتَفَطَّنُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ مُحْتَبِيًا قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي إذَا اسْتَيْقَظَ لِحَلِّ حَبْوَتِهِ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِحَلِّهَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَكَذَلِكَ مَنْ بِيَدِهِ مِرْوَحَةٌ وَاسْتَيْقَظَ لِسُقُوطِهَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا تَوَضَّأَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ: وَيُغْتَفَرُ النُّعَاسُ الْخَفِيفُ وَالْأَوْلَى لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ خَنْقَ الْجِنِّ غَيْرُ الْجُنُونِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَظِنَّةُ الرَّابِعَةُ الْخَنْقُ مِنْ الْجِنِّ، الْخَامِسَةُ الْإِغْمَاءُ السَّادِسَةُ ذَهَابُ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ لَا بِالْجِنِّ. (الثَّانِي) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ أَوْ سُكْرٍ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَلَالٍ قَالَ فِي الْأُمِّ: أَوْ سُكْرٍ مِنْ لَبَنٍ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَوْلُهُ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْ اسْتِتَارِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَزُولُ بِالنَّوْمِ وَلَا بِإِغْمَاءٍ وَالسُّكْرُ إنَّمَا يَسْتَتِرُ خَاصَّةً، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَجْنُونِ يَخْبِطُهُ الْجِنُّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى حَالِهِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْوَى فِي النَّفْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ الَّذِي لَا يُفِيقُ فَإِنَّهُ قَدْ زَالَ عَقْلُهُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: زَوَالُ الْعَقْلِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاتِّسَاعِ وَالْمَجَازِ، انْتَهَى. (الرَّابِعُ) مَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي عَنْ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ نُقِلَ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ نَصَّا عَلَى أَنَّهُمَا حَدَثَانِ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمَا وَنَصُّهُ وَيَخْتَلِفُ فِي الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ خُنِقَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا كَانَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذُكِرَ عَنْهُ أَوَّلًا أَنَّ النَّوْمَ

فرع من غلبه هم حتى ذهل وذهب عقله

حَدَثٌ. [فَرْعٌ مَنْ غَلَبَهُ هَمٌّ حَتَّى ذَهِلَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَمَنْ غَلَبَهُ هَمٌّ حَتَّى ذَهِلَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، قِيلَ لَهُ: هُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَحَدَ مَعْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُرِيدَ الَّذِي يَخْتَارُهُ وَيَقُولَ بِهِ: إنَّهُ يَتَوَضَّأُ أَوْ يُرِيدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَالِسًا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ بِخِلَافِ الْمُضْطَجِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَالِسَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَرْضِ وَغَفْلَتُهُ فِي حُكْمِ غَفْلَةِ الْوَسْنَانِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِاخْتِصَارٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ حَصَلَ لَهُ هَمٌّ أَذْهَلَ عَقْلَهُ يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَصَلَ لَهُ هَمٌّ أَذْهَلَ عَقْلَهُ: يَتَوَضَّأُ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ: وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَلَا يَزُولُ بِغَيْرِهَا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْهَمِّ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَذَكَرَ التَّادَلِيُّ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ غَيْبَةِ الْعَقْلِ بِالْوَجْدِ وَالْحَالِ وَنَظَرَهُ غَيْرُهُ بِمَنْ اسْتَغْرَقَ فِي حُبِّ الدُّنْيَا حَتَّى غَابَ عَنْ إحْسَاسِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ هَلْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي حُبِّ الدُّنْيَا؟ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَيَكُونُ نَاقِضًا بِخِلَافِ غَيْبَةِ الْوَجْدِ، وَالْحَالُ أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْغَيْبَةِ فِي الْوَجْدِ وَالْمَعْنَى وَالْحَالُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ نَاقِضًا وَكَانَ هَذَا الْقَائِلُ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ التَّادَلِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: وَلَا وُضُوءَ مِنْ الْوَجْدِ إذَا اسْتَغْرَقَ عَقْلُهُ فِي حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى غَابَ عَنْ إحْسَاسِهِ فَهَذَا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ عَقْلُهُ انْتَهَى. ص (وَلَمْسٌ يَلْتَذُّ صَاحِبُهُ بِهِ عَادَةً) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَلْمُوسُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى أَمَّا الْأُنْثَى فَلَا كَلَامَ فِيهَا وَأَمَّا الذَّكَرُ فَقَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ السَّبْتِيُّ فِي مَنْسَكِهِ: قَالَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ: يَنْبَغِي لِلطَّائِفِ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ النَّظَرِ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ حَالَ طَوَافِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّذَّةَ بِالنَّظَرِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَيَكُونُ طَوَافُهُ فَاسِدًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. (قُلْت) وَالْقَوْلَانِ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ وَالْقَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ مُلَامَسَةِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهَا تُنْقِضُ الطَّهَارَةَ عِنْدَ قَوْمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَذْهَبُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَيْضًا التَّحَفُّظُ مِنْ مُصَافَحَتِهِ وَمُعَانَقَتِهِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ (الثَّالِثُ) يَعْنِي مِنْ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ اللَّمْسُ لِلَّذَّةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَالْقُبْلَةُ وَالْجِسَةُ وَلَمْسُ الْغِلْمَانِ أَوْ فَرْجِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ قَالَ شَارِحُهُ سَيِّدِي أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ " وَالْغِلْمَانِ " يَعْنِي أَنَّ لَمْسَ الْغِلْمَانِ لِمَنْ قَصَدَ بِهِ اللَّذَّةَ كَلَمْسِ النِّسَاءِ وَهَذَا فِعْلُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَهَا دُونَ قَصْدٍ تَوَضَّأَ كَمَا مَضَى تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْمُلَامَسَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ فَقَدْ ذَكَرَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَكَرِ الْغَيْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا مَسَّتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ رَجُلٍ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَبِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: يَعْنِي إذَا لَمَسَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَلَمَسَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ. وَرَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَنْتَقِضُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ بَلْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى الْمُلَامِسِ كَيْفَ كَانَ وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا لَمَسَ الْمَرْأَةَ فَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى

الْمَرْأَةِ إذَا لَمَسَتْ الرَّجُلَ انْتَهَى وَبَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ مَسُّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: فَرْعٌ وَلَمْسُ الْأَمْرَدِ بِلَذَّةٍ يُوجِبُ الْوُضُوءَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْأَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ: وَفُرُوجُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ مِثْلُ ذَلِكَ يَعْنِي إذَا لَمَسَ رَجُلٌ فَرْجَ بَهِيمَةٍ قَاصِدًا الِالْتِذَاذَ أَوْ مَسَّتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ قَاصِدَةً التَّلَذُّذَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَاعْتَرَضَهُ وَنَصُّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ وَذَكَرُ الْبَهِيمَةِ كَالْغَيْرِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُ ذَكَرُ الْبَهِيمَةِ كَالْغَيْرِ يُرِيدُ بِمُبَايِنَةِ الْجِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: فَرْجُ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا لِلَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ انْتَهَى. فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ " لَا " زَائِدَةً مِنْ النَّاسِخِ وَيَكُونُ التَّعْلِيلُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمَازِرِيُّ بِفَرْجِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّ فَرْجَ الْبَهِيمَةِ مَظِنَّةَ اللَّذَّةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْسُ اللَّمْسِ أَخَصُّ مِنْ الْمَسِّ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ الْمَعْنَى بِالْمُلَامَسَةِ الطَّلَبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} [الجن: 8] أَيْ طَلَبْنَاهَا وَفِي الْحَدِيثِ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» أَيْ اُطْلُبْ فَلَا يُقَالُ لِمَنْ مَسَّ شَيْئًا: لَمَسَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسَّهُ ابْتِغَاءَ مَعْنًى يَطْلُبُهُ فِيهِ مِنْ حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ صَلَابَةٍ أَوْ رَخَاوَةٍ أَوْ عِلْمِ حَقِيقَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] الْآيَةَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: تَمَاسَّ الْحَجَرَانِ، وَلَا يُقَالُ: تَلَامَسَا. لَمَّا كَانَتْ الْإِرَادَةُ وَالطَّلَبُ مُسْتَحِيلَةً مِنْهُمَا وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} [الجن: 8] أَيْ طَلَبْنَا السَّمَاءَ أَوْ أَرَدْنَاهَا وَفِي الْحَدِيثِ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَالْمَسُّ الْتِقَاءُ الْجِسْمَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَصْدِ مَعْنًى أَوْ لَا وَاللَّمْسُ هُوَ الْمَسُّ لِطَلَبِ مَعْنًى وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اللَّمْسُ نَاقِضًا عِنْدَنَا إلَّا مَعَ قَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا حَسُنَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِاللَّمْسِ، وَلَمَّا كَانَ مَسُّ الذَّكَرِ نَاقِضًا مُطْلَقًا حَسُنَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْمَسِّ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُلْتُمْ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ اللَّذَّةَ وَوَجَدَهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ طَلَبٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ بِالطَّلَبِ كَانَ أَوْلَى بِالنَّقْضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّمْسُ مُلَاصَقَةٌ مَعَ إحْسَاسٍ وَالْمَسُّ أَعَمُّ مِنْهُ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ عِلْمِ الْكَلَامِ: إنَّ اللَّمْسَ هُوَ الْقُوَّةُ الْمَبْثُوثَةُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ تُدْرَكُ بِهَا الْحَرَارَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ عِنْدَ الِالْتِمَاسِ وَالِالْتِصَاقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ كَظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ) ش: قَالَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ شَعْرَ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ تَلَذُّذًا فَقَالَ: إنْ مَسَّهُ تَلَذُّذًا فَأَرَى عَلَيْهِ الْوُضُوءَ وَإِنْ مَسَّهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ وُضُوءًا وَمَا عَلِمْت أَحَدًا يَمَسُّ شَعْرَ امْرَأَتِهِ تَلَذُّذًا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ: الشَّعْرُ لَا لَذَّةَ فِي مَسِّهِ بِمُجَرَّدِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إنْ مَسَّهُ تَلَذُّذًا فَأَرَى عَلَيْهِ الْوُضُوءَ إنْ مَسَّهُ عَلَى جِسْمِهَا فَيَكُونُ فِي مَسِّهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَمَسُّ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ عَلَى ثَوْبٍ مُتَلَذِّذًا بِذَلِكَ فَالْتَذَّ، أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ بِاتِّفَاقٍ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ كَثِيفًا وَأَمَّا أَنْ يَمَسَّهُ عَلَى غَيْرِ جِسْمِهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ الْتَذَّ بِذَلِكَ وَاشْتَهَى إلَّا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ بُكَيْرٍ: إنْ الْتَذَّ مَعَ وُجُودِ اللَّذَّةِ دُونَ لَمْسٍ يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عِنْدِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى. ص (أَوْ حَائِلٍ وَأُوِّلَ بِالْخَفِيفِ وَبِالْإِطْلَاقِ) ش قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَا يُمْنَعُ حَائِلٌ مُطْلَقًا وَإِنْ خَفَّ تَأْوِيلَانِ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ النَّقْضَ مُطْلَقًا وَقَيَّدَهُ ابْنُ زِيَادٍ بِمَا إذَا كَانَ خَفِيفًا وَحَمَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْخِلَافِ وَحَمَلَهُ فِي الْبَيَانِ

وَالْمُقَدِّمَاتِ عَلَى التَّفْسِيرِ فَالْأَوَّلُ تَأْوِيلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالثَّانِي تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيّ رِوَايَةُ عَلِيٍّ أَحْسَنُ إنْ كَانَ بِالْيَدِ وَإِنْ ضَمَّهَا فَالْكَثِيفُ كَالْخَفِيفِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَائِلِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْيَدِ وَأَمَّا لَوْ ضَمَّهَا إلَيْهِ فَالْحَائِلُ كَالْعَدَمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ زَادَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَوْ قَبَضَ مِنْهَا، انْتَهَى. يُرِيدُ بِيَدِهِ. ص (كَإِنْعَاظٍ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْإِنْعَاظِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَسِيسٌ فَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُمْذِيَ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْكَسِرُ إلَّا عَنْ مَذْيٍ وَهَذَا مَعَ عَدَمِ الِاخْتِيَارِ وَأَرَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَادَتِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْذِي كَانَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ يُمْذِي نُقِضَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُ تَوَضَّأَ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَبَرَ ذَلِكَ بِالْحَضْرَةِ أَوْ بَعْدَ التَّرَاخِي فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا كَانَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَإِنْ أَنْعَظَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ لَا يُمْذِي مَضَى عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُمْذِي قَطَعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِنْعَاظُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَلَا يُخْشَى مِنْ مِثْلِهِ الْمَذْيُ. وَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ الْمَذْيَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِنْعَاظِ وَلَا يُخْشَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلُ فَيَقْضِي الصَّلَاةَ، وَلَوْ شَكَّ اُخْتُلِفَ هَلْ تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: إنَّهُ لَا وُضُوءَ فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ فَإِنْ انْكَسَرَ عَنْ مَذْيٍ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَلَا وَلَيْسَ الْمَذْيُ عِنْدِي مِنْ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ مَظِنَّةً، انْتَهَى. وَفِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّيُورِيّ عَنْ الْإِنْعَاظِ بِتَذَكُّرٍ هَلْ يُنْقِضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ لَوْ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ مَا أَفْسَدَهَا فَكَذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الْفَحْلِ فَإِنْ قِيلَ: لَا يَنْكَسِرُ إلَّا عَنْ بِلَّةٍ قَالَ: قَدْ قِيلَ: وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ عِنْدِي. الْبُرْزُلِيُّ: إنْ وَقَعَ انْكِسَارُهُ عَنْ بِلَّةٍ ظَهَرَتْ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ نَاقِضٌ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ وَيَشُقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَا يَقْدِرَ عَلَى رَفْعِهِ فَيَكُونَ كَتَكْرِيرِ الْمَذْيِ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَالْمَشْهُورُ صِحَّتُهَا. يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرَزَ لِقَنَاةِ الذَّكَرِ وَاخْتَارَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إنْ أَنْعَظَ فِي صَلَاتِهِ يَتَذَكَّرُ الْمَوْتَ وَالنَّارَ وَمَا يَكْسِرُ شَهْوَتَهُ وَيَتَفَقَّدُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَإِنْ ظَهَرَتْ بِلَّةٌ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُ الشَّيْخِ قَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ إلَّا أَنَّهُ اخْتَارَ عَدَمَ الْوُضُوءِ، وَلَوْ خَرَجَ إذْ لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَهُ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ قَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ عَدَمِ التَّكَرُّرِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَذَّةٍ بِمَحْرَمٍ عَلَى الْأَصَحِّ) ش: كَلَامُ سَنَدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّذَّةَ بِالْمَحْرَمِ تَنْقُضُ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَلَا أَثَرَ لِمَحْرَمٍ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ وَإِنْ وُجِدَتْ اللَّذَّةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ اللَّذَّةُ فِي لَمْسِ ذَاتِ الْمَحْرَمِ اُنْتُقِضَتْ الطَّهَارَةُ لَا يَبْعُدُ إجْرَاءُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُرَاعَاةِ الصُّوَرِ النَّادِرَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ الْتَذَّ بِالْمَحْرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْجَلَّابِ وَنَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ اللَّذَّةُ انْتَقَضَ وَبُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصُّوَرِ النَّادِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ: النِّسَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يُوجَدُ فِي تَقْبِيلِهِنَّ لَذَّةٌ وَهُنَّ الصِّغَارُ اللَّوَاتِي لَا يُشْتَهَى مِثْلُهُنَّ فَلَا وُضُوءَ فِي تَقْبِيلِهِنَّ وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ اللَّذَّةَ وَوَجَدَهَا بِقُبْلَةٍ، إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ فِي التَّذْكَارِ بِالِالْتِذَاذِ، وَقِسْمٌ لَا يَنْبَغِي فِي تَقْبِيلِهِنَّ لَذَّةٌ وَهُنَّ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ فَلَا وُضُوءَ فِي تَقْبِيلِهِنَّ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ إلَى الِالْتِذَاذِ بِذَلِكَ مِنْ الْفَاسِقِ الَّذِي لَا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي تَقْبِيلِهِنَّ الْحَنَانُ وَالرَّحْمَةُ فَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقْصِدَ سِوَاهُ، وَقِسْمٌ يَبْتَغِي فِي تَقْبِيلِهِنَّ اللَّذَّةَ وَهُنَّ مَنْ سِوَى ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ بِتَقْبِيلِهِنَّ مَعَ وُجُودِ اللَّذَّةِ أَوْ الْقَصْدِ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ. وَاخْتُلِفَ إذَا عُدِمَ الْأَمْرَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَحْرَمِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. هَذَا وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَبِلَ الْمَازِرِيُّ كَلَامَ

الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَجَعَلَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ الْأَصَحُّ عَدَمُ النَّقْضِ وَلَوْ وُجِدَتْ اللَّذَّةُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ غَازِيٍّ قَائِلًا وَالْحَقُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَالْآخَرُ غَايَتُهُ أَنَّهُ تَخْرِيجٌ أَوْ تَمَسُّكٌ بِظَاهِرٍ سَهْلِ التَّأْوِيلِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ هُوَ الْأَصَحُّ؟ ، انْتَهَى. قُلْت وَالظَّاهِرُ النَّقْضُ كَمَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْإِرْشَادِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَمُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِهِ الْمُتَّصِلِ وَلَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا) ش: احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا مَسَّ ذَكَرَ الْغَيْرِ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُلَامَسَةِ إنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا نُقِضَ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَلْمُوسُ إنْ وَجَدَ لَذَّةً انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيَّ خِلَافَهُ فَانْظُرْهُ وَقَوْلُهُ الْمُتَّصِلِ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمُنْقَطِعِ فَلَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ ثُمَّ مَسَّهُ فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَلَى أَنَّ بَزِيزَةَ حَكَاهُ فِي الْمَذْهَبِ فَقَالَ: إذَا مَسَّهُ فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّ بَزِيزَةَ حَكَاهُ فِي الْمَذْهَبِ فَقَالَ إذَا مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا أَوْ ذَكَرَ صَبِيٍّ أَوْ فَرْجَ صَبِيَّةٍ فَهَلْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَلَوْ مَسَّ مَوْضِعَ الْجَبِّ فَلَا نَصَّ عِنْدَنَا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ وَالْجَارِي عَلَى أَصْلِنَا نَفْيُهُ لِعَدَمِ اللَّذَّةِ غَالِبًا انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ (قُلْت) نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي فَقَالَ: وَالْخَصِيُّ الْمَجْبُوبُ مِثْلُ الْمَرْأَةِ، وَالْخَصِيُّ الْقَائِمُ الذَّكَرِ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً، انْتَهَى. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعَارِضَةِ فَقَالَ: إذَا مَسَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَيْسَ يَصِحُّ هَذَا شَرِيعَةً وَلَا حَقِيقَةً، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لَا وُضُوءَ عَلَى الْمَجْبُوبِ مِنْ مَسِّ مَوْضِعِ الْقَطْعِ كَمَسِّ الدُّبُرِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَالْعِنِّينُ وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لَا الْقِيَاسِ قَالَ: وَلَوْ مَسَّتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ مَيِّتٍ بَالِغٍ لَمْ يَنْقُضْ ذَلِكَ طُهْرَهَا إلَّا أَنْ يُحَرِّكَ مِنْهَا لَذَّةً، انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا مَسَّهُ عَلَى حَائِلٍ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ الْخَفِيفِ فَيُنْقِضُ وَبَيْنَ الْكَثِيفِ فَلَا يُنْقِضُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ رَاشِدٍ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْأَشْهَرُ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. وَرَوَى عَلِيٌّ: عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ النَّقْضِ مُطْلَقًا لِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ» انْتَهَى. قُلْت وَهَذَا الْفَرْعُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَسِّ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ فِي الْغَالِبِ لِمَسٍّ دُونَ حَائِلٍ، وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) عَكَسَ ابْنِ عَرَفَةَ النَّقْلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَسُّهُ فَوْقَ كَثِيفٍ لَغْوٌ وَفَوْقَ خَفِيفٍ. الْأَشْهَرُ رِوَايَةُ عَلِيٍّ يُنْقَضُ، انْتَهَى. كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْت مِنْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْأَشْهَرَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إذَا مَسَّ خُنْثَى ذَكَرَهُ وَقُلْنَا بِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَكَذَلِكَ إنْ مَسَّ فَرْجَهُ فِي الْفَتْوَى وَالتَّوْجِيهِ انْتَهَى مِنْ الْعَارِضَةِ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فَرْعٌ فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَمَنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَإِنْ قُلْنَا بِنَفْيِ الْوُجُوبِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ. وَالثَّانِيَةُ لَا يُعِيدُهَا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ آثَارٌ تَشْهَدُ لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّيْخِ زَرُّوق إنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَعَادَ أَبَدًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: فِي الْوَقْتِ، وَثَالِثُهَا فِي الْعَمْدِ أَبَدًا وَفِي السَّهْوِ فِي الْوَقْتِ وَرَابِعُهَا مِثْلُهُ وَفِي السَّهْوِ السُّقُوطُ وَخَامِسُهَا أَبَدًا فِي الْكَمَرَةِ وَفِي الْعَسِيبِ السُّقُوطُ وَسَادِسُهَا لَا إعَادَةَ وَسَابِعُهَا يُعِيدُ فِيمَا قَرُبَ كَالْيَوْمَيْنِ، ذَكَرَهَا كُلَّهَا الشَّبِيبِيُّ فِي اخْتِصَارِ الْفَاكِهَانِيِّ. ص (وَبِرِدَّةٍ) ش: يَعْنِي إذَا تَابَ قَبْلَ نَقْضِ وُضُوئِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَا تُبْطِلُهُ الرِّدَّةُ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِفَرْضِ الْعَيْنِ: وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ مُوجِبُ الْغُسْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَصُّهُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَالرِّدَّةِ: وَهِيَ أَنْ يَكْفُرَ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ، انْتَهَى. وَفِي الْعَارِضَةِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي بَابِ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ عِنْدَمَا يُسْلِمُ مَا نَصُّهُ: تَفْرِيعٌ: إنْ اغْتَسَلَ وَصَلَّى ثُمَّ ارْتَدَّ فَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ هَلْ يُنْقَضُ غُسْلُهُ وَوُضُوءُهُ؟ وَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ الْكُلِّ، انْتَهَى. وَمِنْ النُّكَتِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ الْقَرَوِيِّينَ: إذَا اغْتَسَلَ رَجُلٌ مِنْ جَنَابَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَلَا وُضُوءَ إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا اسْتِحْبَابًا، وَإِنَّمَا قَالَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَأَعْرِفُ فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْمُرْتَدِّ: يَغْتَسِلُ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، انْتَهَى. ص (وَبِشَكٍّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ) ش: هَذَا إذَا شَكَّ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا صَلَّى ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَفِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى فِي مَسْأَلَةِ مَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا لَا يَدْرِي مَتَى وَقَعَ مِنْهُ وَقَالَ سَنَدٌ الشَّكُّ

فِي الْحَدَثِ لَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَخَيَّلَ لَهُ الشَّيْءُ فَلَا يَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ أَهُوَ حَدَثٌ أَمْ لَا؟ وَالْأُخْرَى أَنْ يَشُكَّ هَلْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ وَشِبْهُهُ؟ وَهَذَا ظَاهِرُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ: لَا يَدْرِي أَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ وَالصُّورَتَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا أَمَّا مَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَتَخَيَّلَ لَهُ الشَّيْءُ لَا يَدْرِي هَلْ هُوَ حَدَثٌ أَوْ غَيْرُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ وَجَدَ بَلَلًا وَشَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَدْرِ مِنْ الْمَاءِ هُوَ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَمَا سَمِعْت مَنْ أَعَادَ الْوُضُوءَ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَإِذَا فَعَلَ هَذَا تَمَادَى بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ تَأْخُذُهُ الْوَسْوَسَةُ. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَكٌّ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ وَلَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ كَانَ شَكُّهُ غَيْرَ مُقْتَضٍ لِلْوُضُوءِ كَالتَّرَدُّدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى سَبَبٍ مَعَ تَقَدُّمِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْحَدَثِ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) فَرَّعَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ لِلشَّكِّ لَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيّ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ ذِكْرِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَرْعَ قَرِيبًا. ص (إلَّا الْمُسْتَنْكِحُ) ش: (الْمُسْتَنْكِحُ) هُوَ الَّذِي يَشُكُّ فِي كُلِّ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ أَوْ يَطْرَأُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْرَأْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِمَسِّ

فرع فرج البهيمة لا يوجب وضوءا

دُبُرٍ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ فَرْجِ صَغِيرَةٍ أَوْ قَيْءٍ أَوْ أَكْلِ جَزُورٍ أَوْ ذَبْحٍ أَوْ حِجَامَةٍ أَوْ قَهْقَهَةٍ بِصَلَاةٍ) ش لَا بِمَسِّ دُبُرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَحَمْدِيسٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا بِمَسِّ أُنْثَيَيْنِ وَهُمَا الْخُصْيَتَانِ خِلَافًا لِعُرْوَةِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ أَدْخَلَهُمَا فِي مَعْنَى الْفَرْجِ وَلَا بِمَسِّ صَغِيرَةٍ وَكَذَا فَرْجُ صَغِيرَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا بِخُرُوجِ قَيْءٍ أَوْ قَلْسٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُنْتَقَضُ بِأَكْلِ جَزُورٍ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَلَا بِمَسِّ صَلِيبٍ وَذَبْحِ بَهِيمَةٍ وَمَسِّ وَثَنٍ وَكَلِمَةٍ قَبِيحَةٍ وَقَلْعِ ضِرْسٍ وَإِنْشَادِ شِعْرٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ، وَلَا بِخُرُوجِ دَمِ حِجَامَةٍ وَفَصَادَةٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا بِقَهْقَهَةٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (وَالدُّبُرُ) يُسَمَّى الشَّرَجَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ تَشْبِيهًا لَهُ بِشَرَجِ السُّفْرَةِ الَّتِي يُؤْكَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ مُجْتَمَعُهَا، وَكَذَلِكَ تُسَمَّى الْمَجَرَّةُ شَرَجَ السَّمَاءِ عَلَى أَنَّهَا بَابُهَا وَمُجْتَمَعُهَا. (فَرْعٌ) (الْإِرْفَاغُ) وَاحِدُهَا رُفْغٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَعْلَى أَصْلِ الْفَخِذِ مِمَّا يَلِي الْجَوْفَ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ: هُوَ الْعَصَبُ الَّذِي بَيْنَ الشَّرَجِ وَالذَّكَرِ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يُوجِبُ وُضُوءًا. [فَرْعٌ فَرْجُ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا] (فَرْعٌ) فَرْجُ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا خِلَافًا لِلَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ، انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. ص (وَنُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَيَغْسِلَ الْغَمَرَ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ يَعْنِي وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَإِنْ غَسَلْت يَدَك مِنْ الْغَمَرِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمِيمِ الدَّسَمُ وَاللَّبَنُ فَحَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي الصَّلَاةِ أَبُو عِمْرَانَ إنْ صَلَّى شَارِبُ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَكَ مُسْتَحَبًّا، انْتَهَى. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ يَقْطَعُ اللَّحْمَ النِّيءَ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ أَتَرَى أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ؟ قَالَ: يَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا اسْتَحَبَّهُ هُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْمُرُوءَةَ وَالنَّظَافَةَ مِمَّا شُرِعَ فِي الدِّينِ وَقَدْ اسْتَحَبَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَيَغْسِلَ مِنْ الْغَمَرِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ فَكَيْفَ بِاللَّحْمِ النِّيءِ؟ ، انْتَهَى مِنْ رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ فِي آخِرِ السُّؤَالِ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إذَا أَكَلَ مَسَحَ يَدَهُ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ وَمَعْنَى مَا ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَكَلَ مَسَحَ يَدَهُ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِي مِثْلِ التَّمْرِ وَالشَّيْءِ الْجَافِّ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِيَدِهِ إلَّا مَا يُذْهِبُهُ أَدْنَى الْمَسْحِ وَأَمَّا مِثْلُ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَمَا يَكُونُ لَهُ الدَّسَمُ وَالْوَدَكُ فَلَا؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ مِنْهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ «، وَقَدْ تَمَضْمَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السَّوِيقِ» وَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، وَغَسَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَدَهُ مِنْ اللَّحْمِ وَتَمَضْمَضَ مِنْهُ ذَكَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ: تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ التُّونُسِيِّينَ هَلْ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَيَغْسِلَ الْغَمَرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: يَتَمَضْمَضَ، فَيَكُونُ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ أَوْ هُوَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ فَيَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ آكَدَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ صَلَّى بِذَلِكَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ قَالَ فِيهِ. [فَرْعٌ مَنْ مَسَحَ إبِطَهُ أَوْ نَتَفَهُ] (فَرْعٌ) مَنْ مَسَحَ إبِطَهُ أَوْ نَتَفَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ إبِطِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ عَنْ ثَوْبِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَرْوِحَةِ الْمُسْتَكْرَهَةِ كَالْبَيْضِ إذَا كَانَ فِيهِ رِيحٌ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ فَانْظُرْهُ. ص (وَتَجْدِيدُ وُضُوءٍ إنْ صَلَّى بِهِ) ش: ظَاهِرُهُ صَلَّى بِهِ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ أَوْ طَافَ بِهِ سَبْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ. (فَرْعٌ) رَوَى مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ

فِيمَنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ. قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا يُوهِمُ بِظَاهِرِهِ أَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّافِلَةِ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ غَيْرُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ فَسَّرَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ طُهْرٌ عَلَى طُهْرٍ لَا عَلَى الْإِيجَابِ يُرِيدُ كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَدِّدَ لِلْفَرْضِ طُهْرًا اُسْتُحِبَّ أَيْضًا فِي النَّافِلَةِ مِثْلُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَائِلِ تَبْصِرَتِهِ وَلَا فَضِيلَةَ فِي تَكْرَارِ الْغُسْلِ عَقِيبَ الْغُسْلِ وَلَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ إلَّا مَا وَرَدَتْ فِيهِ السُّنَّةُ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَوُقُوفِ عَرَفَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْوُضُوءُ الْمَمْنُوعُ تَجْدِيدُهُ قَبْلَ أَدَاءِ فَرِيضَةٍ بِهِ وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّبِيبِيِّ فِي الْوُضُوءِ الْمُسْتَحَبِّ وَتَجْدِيدُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَ صَلَاةٍ فَرْضٌ ثُمَّ قَالَ: الْمَمْنُوعُ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ تَجْدِيدُهُ قَبْلَ صَلَاةِ فَرْضٍ بِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَفِعْلُهُ لِغَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ أَوْ أُبِيحَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُجَدِّدُ إذَا صَلَّى وَفَعَلَ فِعْلًا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُجَدِّدُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِذَلِكَ بِالْوُضُوءِ وَبِالطُّهْرِ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطُّهْرُ وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي الِاسْتِعْدَادِ بِالْغُسْلِ وُجُوبُهُ دُونَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْدَادَ بِهِ يَكُونُ دُونَ وُجُوبٍ إذْ يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ بَعْدَ صَلَاتِهِ بِهِ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَرْضًا بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِدْعَةً وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعِبَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) إنْ لَمْ يُصَلِّ بِالْوُضُوءِ فَلَا يُعِيدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأَ أَوَّلًا وَاحِدَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَكِنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ) ش وَانْظُرْ هَلْ يُؤْمَرُ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالتَّمَادِي يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَالْبَاجِيِّ عَنْ سَنَدٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيَجِدُ بَلَلًا فَيَقْطَعُ فَلَا يَبْدُ شَيْئًا ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَيَجِدُ الْبَلَلَ كَيْفَ يَصْنَعُ هَلْ يُجْزِئُهُ التَّمَادِي عَلَى الشَّكِّ وَيَخْتَبِرُ بَعْدَ السَّلَامِ؟ فَأَجَابَ أَنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيَسْتَبْرِئُ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الشَّكِّ وَظَهَرَتْ السَّلَامَةُ صَحَّتْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَعَادَهَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ، انْتَهَى، مِنْ مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ. ص (وَمَسُّ مُصْحَفٍ وَإِنْ بِقَضِيبٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْدِثَ يُمْنَعُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي «كِتَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرًا» وَيَحْرُمُ مَسُّ جِلْدِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَحْرَى طَرَفُ الْوَرَقِ الْمَكْتُوبِ وَمَا بَيْنَ الْأَسْطُرِ مِنْ الْبَيَاضِ وَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَلَوْ بِقَضِيبٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ: وَلَا يُقَلِّبُ وَرَقَهُ بِعُودٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ يُقَلَّبُ لَهُ أَوْرَاقُهُ وَلَا يَجُوزُ مَسُّ جِلْدِ الْمُصْحَفِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ الطُّرَةَ وَالْهَامِشَ وَالْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْأَسْطُرِ وَلَوْ بِقَضِيبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُصْحَفًا جَامِعًا أَوْ جُزْءًا أَوْ وَرَقَةً فِيهَا بَعْضُ سُورَةٍ أَوْ لَوْحًا أَوْ كَتِفًا مَكْتُوبَةً انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْحُكْمُ فِي كُتُبِ الْمُصْحَفِ كَالْحُكْمِ فِي مَسِّهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاسْتَخَفَّ مَالِكٌ أَنْ يَكْتُبَ الْآيَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْكِتَابِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ صَحِيفَةً فِيهَا الْبَسْمَلَةُ وَشَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْمَوَاعِظِ

فرع لو خاف على المصحف غرقا أو حرقا أو يد كافر

وَلَا بَأْسَ بِمَا يُعَلَّقُ فِي عُنُقِ الصَّبِيِّ وَالْحَائِضِ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا خُرِزَ عَلَيْهِ أَوْ جُعِلَ فِي شَمْعٍ وَلَا يُعَلَّقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى الْحَامِلُ، انْتَهَى. [فَرْعٌ لَوْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ غَرَقًا أَوْ حَرْقًا أَوْ يَدَ كَافِرٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الثَّانِي قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ غَرَقًا أَوْ حَرْقًا أَوْ يَدَ كَافِرٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا لِلضَّرُورَةِ وَيُكْرَهُ كَتْبُ الْقُرْآنِ فِي حَائِطِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي اسْتِصْحَابِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ وَالدُّخُولُ بِهِ الْخَلَاءَ وَالْمُجَامَعَةُ وَكَذَا حَمْلُ الْخَتْمَةِ عَلَى وَجْهِ الْحِرْزِ لِغَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ فِيهِ خِلَافٌ. [فَرْعٌ مَسِّ الْمُحْدِثِ لِلْمَنْسُوخِ لَفْظُهُ مِنْ الْقُرْآن] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَصْلِيِّ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُ مَسِّ الْمُحْدِثِ لِلْمَنْسُوخِ لَفْظُهُ يَعْنِي كَآيَةِ الرَّجْمِ وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةَ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ذَكَرَهَا فِي الْمُوَطَّإِ بِدُونِ قَوْلِهِ إذَا زَنَيَا وَكَآيَةِ الرَّضَاعِ قَالَ الرَّهُونِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْأَشْبَهُ عِنْدَ الْآمِدِيِّ الْمَنْعُ، وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ إذْ لَمْ يَبْقَ قُرْآنًا مَتْلُوًّا وَلَيْسَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَتَضَمُّنُهُ لِلْحُكْمِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَالْأَخْبَارِ الْأُلْهِيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَمَّا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ دُونَ لَفْظِهِ فَلَهُ حُكْمُ مَا لَمْ يُنْسَخْ بِإِجْمَاعٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْآمِدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ حَنْبَلِيَّ الْمَذْهَبِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ مَسِّهِ لِلْمُحْدِثِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ. [فَائِدَةٌ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي أَكْفَانِهِ خَتْمَةُ قُرْآنٍ] (فَائِدَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ زِيَادَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي أَكْفَانِهِ خَتْمَةُ قُرْآنٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ أَوْ أَدْعِيَةٍ حَسَنَةٍ هَلْ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ تُنَفَّذْ وَقَدْ عَمِلَ ذَلِكَ فَهَلْ يُنْبَشُ وَيُخْرَجُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: لَا أَرَى تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ وَتُجَلُّ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الصَّدِيدِ وَالنَّجَاسَةِ فَإِنْ فَاتَ فَأَمْرُ الْأَدْعِيَةِ خَفِيفٌ وَالْخَتْمَةُ يَجِبُ أَنْ تُنْبَشَ وَتُخْرَجَ إذَا طُمِعَ فِي الْمَنْفَعَةِ بِهَا وَأُمِنَ مِنْ كَشْفِ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَمَضَرَّتِهِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَتِهِ. قُلْت وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِتُونُسَ فَحَكَى شَيْخُنَا عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ فِي الَّذِي أَوْصَى أَنْ تُجْعَلَ مَعَهُ إجَارَتُهُ أَنَّهَا تُجْعَلُ بَيْنَ أَكْفَانِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ وَتُخْرَجُ إذَا أَرَادُوا دَفْنَهُ وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهَا تُجْعَلُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَوْقَ جِسْمِهِ بِحَيْثُ لَا يُخَالِطُهَا شَيْءٌ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا مِنْ التُّرَابِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ رُطُوبَاتِ الْمَيِّتِ. وَفِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ مَعَهُ جُزْءٌ أَلِفَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهُ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، وَكَذَا أَوْصَى آخَرُ أَنْ يُدْفَنَ بِخَاتَمٍ فِيهِ مَكْتُوبُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ وَهَذَا عِنْدِي قَرِيبٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ التَّلْقِينُ وَالْبَرَكَةُ وَقَدْ أَجَازَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ. ص (وَتَفْسِيرٍ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَسْأَلَةٌ لَا يُكْرَهُ مَسُّ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ لِلْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَا يُسَمَّى قُرْآنًا بَلْ لَوْ كُتِبَ الْقُرْآنُ بِالْقَلَمِ الْأَعْجَمِيِّ جَازَ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ بَلْ تَفْسِيرٌ لِلْقُرْآنِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ بُدِّلَتْ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّهَا هِيَ أَوْ غَيْرُهَا انْتَهَى وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَجُزْءٍ لِمُتَعَلِّمٍ وَإِنْ بَلَغَ) ش ظَاهِرُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ الْكَامِلَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَسُّ الصِّبْيَانِ

فصل الطهارة الكبرى وهي الغسل

لِلْمَصَاحِفِ لِلتَّعْلِيمِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَائِزًا، انْتَهَى مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُخْتَلِفِينَ إلَى مَكَّةَ بِالْفَوَاكِهِ وَالطَّعَامِ يَقُومُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخِطَابَيْنِ هَذِهِ أَنَّ مَنْ كَثُرَ تَرْدَادُهُ إلَى الْمَسْجِدِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحِيَّةُ وَمِثْلُهُ مَنْ خَرَجَ إلَى السُّوقِ لَا يَلْزَمُهُ السَّلَامُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَ وَمِثْلُهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ لِلْمُتَعَلِّمِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَالنَّاسِخِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ لِلنَّاسِخِ أَنْ يَكْتُبَ الْمُصْحَفَ مُحْدِثًا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَّا مُتَطَهِّرًا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ مُلَازَمَةِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَبْعُدُ جَرْيُهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُعَلَّمِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا هَلْ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. [فَصْلٌ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الْغُسْلُ] ص (فَصْلٌ يَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِمَنِيٍّ) ش: لَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ الْوُضُوءُ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ (الْغُسْلُ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْمَاءِ، وَأَمَّا الْغِسْلُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُغْتَسَلُ بِهِ مِنْ أُشْنَانٍ وَسِدْرٍ وَنَحْوِهِمَا وَالْأُشْنَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ تَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَلَيْسَتَا وَاجِبَتَيْنِ وَإِنَّمَا هُمَا سُنَّتَانِ، وَكَذَلِكَ مَسْحُ دَاخِلِ الْأُذُنِ وَهُوَ الصِّمَاخُ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ وَهُوَ تَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: ظَاهِرِ الْجَسَدِ، الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا أَصْحَابُنَا فِي بَابِ الْغُسْلِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيُتَابِعُ عُمْقَ سُرَّتِهِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: لَا سِيَّمَا إنْ كَثُرَتْ تَكَامِيشُهُ أَوْ ارْتَفَعَتْ دَائِرَتُهُ لِسِمَنٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ إنْ شَقَّ جِدًّا وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ سَقَطَ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَتَحْتَ حَلْقِهِ وَتَحْتَ جَنَاحَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: أَيْ مَا سَتَرَهُ الذَّقَنُ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ وَجَنَاحَيْهِ أَيْ إبْطَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالسُّرَّةِ فِي الْخَفَاءِ وَاجْتِمَاعِ الْعَضَلَاتِ، ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي وُضُوئِهِ: إنْ قَدَّمَهُ وَإِلَّا فَفِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: نَدْبًا كَمَا فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: كَمَا يَفْعَلُ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ فَيَعْرُكُ عَقِبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَمَا لَا يَكَادُ يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ بِسُرْعَةٍ مِنْ جَسَاوَةٍ أَوْ شُقُوقٍ وَفِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا مَا فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَشْهُورُ النَّدْبُ، انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي بَابِ حُكْمِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ. فَرْعٌ إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ فَهَلْ يَجِبُ مِثْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: مَا عَلِمْت ذَلِكَ وَلَا فِي الْجَنَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِيمَنْ تَرَكَ تَدْلِيكَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْجَنَابَةِ لَا يُجْزِئُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ فَرْضَ الْغَسْلِ فِي هَذَا الْعُضْوِ فِي الْجَنَابَةِ مُجَانِسٌ لِغَسْلِ الْوُضُوءِ وَكِلَاهُمَا تَعَبَّدْنَا فِيهِمَا بِتَحْصِيلِ اسْمِ الْغَسْلِ فَمَا وَجَبَ فِي مَحِلِّ الْغَسْلِ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ فِي الْآخَرِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي حَصْرِ أَسْبَابِهِ: فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ هُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِسَبَبِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فَقَوْلُهُ: بِمَنِيٍّ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ وَحَذْفِ صِفَةِ الْمَوْصُوفِ أَيْ بِسَبَبِ خُرُوجِ مَنِيٍّ كَائِنٍ لِلَّذَّةِ الْمُعْتَادَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَحْذُوفَةِ قَوْلُهُ: لَا بِلَا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ. ص (وَإِنْ بِنَوْمٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لِلَّذَّةِ

الْمُعْتَادَةِ وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ فِي حَالَةِ النَّوْمِ فَإِنْ حَصَلَتْ اللَّذَّةُ فِي النَّوْمِ وَخَرَجَ الْمَنِيُّ مَعَهَا فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَإِنْ حَصَلَتْ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ فِي النَّوْمِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَنِيَّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ احْتَلَمَ فَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَنَصُّهُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَيْقَظَ وَوَجَدَ الْمَنِيَّ وَلَمْ يَرَ احْتِلَامًا أَنَّ عَلَيْهِ الْغُسْلَ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: قَالَ مُجَاهِدٌ: إذَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا، قَالَ: عَلَيْهِ الْغُسْلُ» ، انْتَهَى وَانْظُرْ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا مَرَّ نَقَلَهُ. ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ وَجَدَ الْأَثَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ احْتَلَمَ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. ص (أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلَا جِمَاعٍ وَلَمْ يَغْتَسِلْ) ش يَعْنِي، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْغُسْلُ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَنِيُّ بِسَبَبِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ بِلَا جِمَاعٍ وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ ذَهَابِهَا وَكَانَ لَمْ يَغْتَسِلْ لِتِلْكَ اللَّذَّةِ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَغْتَسِلْ؛ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لِتِلْكَ اللَّذَّةِ ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، الْمَفْهُومُ هُنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِبَيَانِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي وُجُودِ اللَّذَّةِ مَعَ عَدَمِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ هَذَا أَوْلَى مَا يُعْتَذَرُ بِهِ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بُعْدٌ فَغَيْرُهُ مِمَّا اعْتَذَرَ بِهِ أَشَدُّ تَكَلُّفًا كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلَا جِمَاعٍ، وَلَوْ اغْتَسَلَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْيَنَ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ لِعَدَمِ الْمُقَارَنَةِ لِلَّذَّةِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مِمَّا اُعْتُذِرَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلَا جِمَاعٍ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ: (إحْدَاهُمَا) أَنْ لَا يَكُونَ خَرَجَ مَعَ اللَّذَّةِ الْمُعْتَادَةِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ. (وَالثَّانِي) أَنْ تَكُونَ خَرَجَ مَعَهَا بَعْضُ مَنِيٍّ ثُمَّ خَرَجَتْ بَقِيَّتُهُ بَعْدَ ذَهَابِهَا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَنِيِّ شَيْءٌ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِسَبَبِ اللَّذَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَأَعَادَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِسَبَبِ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَنِيِّ أَوَّلًا، فَإِنْ اغْتَسَلَ لَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " وَلَمْ يَغْتَسِلْ " عَائِدٌ إلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ مَفْهُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ لَمْ يَغْتَسِلْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ الْأَوَّلَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ؛ وَلِذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ بِهِ " وَلَمْ يَغْتَسِلْ " وَهُوَ إصْلَاحٌ بِتَكَلُّفٍ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ الْتَذَّ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَهَابِهَا جُمْلَةٌ فَثَالِثُهَا إنْ كَانَ عَنْ جِمَاعٍ وَقَدْ اغْتَسَلَ فَلَا يُعِيدُ مَا نَصُّهُ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: " وَقَدْ اغْتَسَلَ " لَا فَائِدَةَ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلَا جِمَاعٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ الشَّخْصَ إذَا الْتَذَّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَلَمْ يُنْزِلْ ثُمَّ أَنْزَلَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ مِمَّا لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ ثُمَّ أَنْزَلَ فَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مُرَاعَاةً لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ؛ مُرَاعَاةً لِوُجُودِ اللَّذَّةِ، انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الْوَسَطِ. قُلْت قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ، غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ أَرَهُ فِيهِ إنَّمَا قَالَهُ فِيمَنْ جَامَعَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي الصَّغِيرِ: يَعْنِي لَوْ الْتَذَّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَلَمْ يُنْزِلْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَمْنَى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، انْتَهَى. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَكَلَامُهُ فِي الشَّامِلِ حَسَنٌ نَحْوُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ

الْمُتَقَدِّمِ وَتَفْرِيقُ الشَّارِحِ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الْمَنِيُّ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَغْتَسِلَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لَا فَائِدَةَ لَهُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: إذَا انْتَقَلَ الْمَنِيُّ وَلَمْ يَظْهَرْ لَمْ يُوجِبْ غُسْلًا، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُوجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِانْتِقَالِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ حَصَلَتْ لَمْ تَكْمُلْ وَلِأَنَّهُ حَدَثٌ فَلَمْ تَلْزَمْ الطَّهَارَةُ إلَّا بِظُهُورِهِ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي الْمَنَامِ: وَلَوْ اضْطَرَبَ الْبَدَنُ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَمْ يَخْرُجْ أَوْ وَصَلَ لِأَصْلِ الذَّكَرِ أَوْ وَسَطِهِ فَلَا غُسْلَ وَلَوْ وَصَلَ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي تَغْسِلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اغْتَسَلَتْ وَالْبِكْرُ لَا يَلْزَمُهَا حَتَّى يَبْرُزَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا كَدَاخِلِ الْإِحْلِيلِ، انْتَهَى. وَجَزَمَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ فَانْظُرْهُ، وَفِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ جَوَابُك فِي رَجُلٍ احْتَلَمَ وَهَمَّ أَنْ يُنْزِلَ فَانْتَبَهَ أَوْ نُبِّهَ فَلَمْ يُنْزِلْ شَيْئًا فَلَمَّا أَنْ قَامَ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ أَنْزَلَ هَلْ عَلَيْهِ غُسْلٌ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ جَامَعَ فَقُطِعَ عَلَيْهِ أَوْ كَسِلَ فَاغْتَسَلَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَنْزَلَ هَلْ عَلَيْهِ غُسْلٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ أَمَّا الَّذِي احْتَلَمَ وَلَمْ يُنْزِلْ حَتَّى اسْتَيْقَظَ وَتَوَضَّأَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَأَمَّا الَّذِي جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ حَتَّى اغْتَسَلَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُعِيدُ الْغُسْلَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلَا جِمَاعٍ وَذَكَرَ فِي الطِّرَازِ قَوْلًا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَيَتَحَصَّلُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَانِ وَالْخِلَافُ مَوْجُودٌ سَوَاءٌ اغْتَسَلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مُقَارَنَتُهُ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَوْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بِلَا جِمَاعٍ، احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ ذَهَابِ اللَّذَّةِ بِالْجِمَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ غُسْلٌ إذَا كَانَ قَدْ اغْتَسَلَ لِلْجِمَاعِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: كَمَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى. ص (لَا بِلَا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ) ش: قَالُوا: كَمَنْ حَكَّ لِجَرَبٍ أَوْ نَزَلَ فِي مَاءٍ حَارٍّ أَوْ رَكَضَ دَابَّتَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَحَسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ ثُمَّ اسْتَدَامَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْحَجِّ: إنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُهُ فَانْظُرْهُ. ص (وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ) ش: يَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةِ مَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى وَإِلَى مَسْأَلَةِ مَنْ الْتَذَّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: أَمَّا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْغُسْلِ فَفِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ وَرَجَّحَ عَدَمَ الْإِعَادَةِ قَالَ: وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ جُنُبًا بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَاءِ لَمْ يُجْزِهِ انْتَهَى. ص (وَمَغِيبِ حَشَفَةِ بَالِغٍ) ش: قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ:

جَاءَتْ السُّنَّةُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَذَلِكَ إذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلَا جَمِيعًا إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ كَانَ ذَلِكَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ نَائِمَيْنِ أَوْ مُسْتَيْقِظَيْنِ طَائِعَيْنِ أَوْ مُكْرَهَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَمَنْ قَعَدَ عَنْ الْمَحِيضِ مِنْ النِّسَاءِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ فِي مَيْتَةٍ أَوْ فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ اسْتَعْمَلَتْ ذَلِكَ مِنْ ذَكَرِ بَهِيمَةٍ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَالْمَرْأَتَانِ يَفْعَلَانِ مَا يَفْعَلُ شِرَارُ النِّسَاءِ يَغْتَسِلَانِ بِالْإِنْزَالِ لَا بِالْفِعْلِ وَيُؤَدَّبَانِ أَدَبًا بَلِيغًا يَبْلُغُ مِائَةَ سَوْطٍ وَهُوَ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ وَقَدْ قِيلَ: مِائَةُ سَوْطٍ غَيْرُ سَوْطٍ؛ كَيْ لَا يَبْلُغَ بِهِمَا الْحَدُّ فِيمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ أَثَرٌ مَرْفُوعٌ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالْأَدَبِ الْمُجَاوِزِ لِلْحَدِّ فِيمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَيْ يَتَنَاهَى عَنْ مُوَافَقَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحْبَسَانِ مَعَ هَذَا إنْ كَانَتَا بَالِغَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَبْلُغْ زُجِرَتْ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْأَدَبِ، انْتَهَى، مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (فَرْعٌ) مِنْهُ قَالَ وَلَوْ غَابَتْ حَشَفَةُ الْعِنِّينِ فِي فَرْجِ زَوْجَتِهِ أَوْجَبَ ذَلِكَ الْغُسْلَ عَلَيْهِمَا وَالصَّدَاقُ وَإِفْسَادَ الْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَلَمْ يُحْصِنْهَا وَلَمْ يُحِلَّهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هُوَ فَقِيلَ: يَتَحَصَّنُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَتَحَصَّنُ. وَالصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى غَيَّبَ ذَلِكَ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَعَلَيْهَا وَالِاخْتِيَارُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً وَلَا تَحِلُّ وَإِنَّمَا مُنِعَ إحْلَالُهَا؛ لِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ فَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمَا لَا يَحِلُّ لَا يُحْصِنُ وَلَوْ قِيسَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَغَيْرُهُ لَكَانَ قِيَاسًا مُحْتَمَلًا لَوْلَا كَرَاهَةُ الشُّذُوذِ عَنْ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ حَشَفَةَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا لَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ اللَّذَّةِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي ذَكَرِ الصَّغِيرِ بَلْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي مَغِيبِ حَشَفَةِ الْمُرَاهِقِ وَهُوَ مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا مَا لَمْ تُنْزِلْ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِلْإِنْزَالِ، وَقَوْلُهُ: بِمَغِيبِ حَشَفَةِ بَالِغٍ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ غَابَ بَعْضُ الْحَشَفَةِ لَا غُسْلَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الرِّسَالَةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّ غَيْرَهَا كَاللَّخْمِيِّ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحُلَلِ عَنْ غَيْرِ اللَّخْمِيِّ إنْ غَابَ الثُّلُثَانِ مِنْهَا وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا. قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ: بَعْضُ الْحَشَفَةِ لَغْوٌ انْتَهَى. وَبَعْضُهَا أَعَمُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قَوْلِهِ: " وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ يُوجِبُ الْغُسْلَ ": يُغْنِي إذَا غَابَتْ كُلُّهَا لَا بَعْضُهَا انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ مَغِيبَ الْحَشَفَةِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَلَوْ كَانَتْ مَلْفُوفَةً وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ اللَّفُّ رَقِيقًا وَأَمَّا الْكَثِيفُ فَلَا وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يُخَرِّجُ فِيهِ قَوْلًا بِوُجُوبِ الْغُسْلِ مُطْلَقًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي لَمْسِ النِّسَاءِ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ كَثِيفٍ. قُلْت وَلَا يَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ بِنَفْيِ الْغُسْلِ مُطْلَقًا مِنْ أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ أَخَصُّ فِي اسْتِدْعَاءِ اللَّذَّةِ وَقَالَ التَّادَلِيُّ اُخْتُلِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الْحَائِلُ رَقِيقًا وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا وَمَا ذَكَرَهُ لَا أَعْرِفُهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا أَيْ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ قِيَاسًا عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ مَلْفُوفَةً الْأَشْبَهُ إنْ كَانَتْ رَقِيقَةً أَوْجَبَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ عَنْ شَيْخِهِ الْفِهْرِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قَوْلِهِ: وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَفِي كَوْنِهَا بِحَائِلٍ ثَلَاثَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّمْسِ وَمَسِّ الذَّكَرِ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَإِنْ أَدْخَلَتْ امْرَأَةُ الْعِنِّينِ فَرْجَهُ وَجَبَ الْغُسْلُ فَظَاهِرُهُ لَا يُشْتَرَطُ الِانْتِشَارُ فَانْظُرْ ذَلِكَ، انْتَهَى. ص (فِي فَرْجِهِ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَوْ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ يَعْنِي فِي مَحِلِّ الِافْتِضَاضِ وَأَمَّا فِي مَحِلِّ الْبَوْلِ فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَأَبْعَدَهُ التَّادَلِيُّ قَائِلًا: قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ كَالدُّبُرِ وَهُوَ يُوجِبُ الْغُسْلَ. قُلْت يُرِيدُ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ لَا غُسْلَ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَحْوُهُ لَهُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي

الْعَارِضَةِ إذَا غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَيَكُونَ عُضْوًا زَائِدًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فَإِذَا أَلْغَيْت الشَّكَّ أَسْقَطْت الْغُسْلَ وَإِنْ اعْتَبَرْتُهُ أَوْجَبْت الْغُسْلَ، بِخِلَافِ دُبُرِهِ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ فِيهِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِأَنَّك إنْ قَدَّرْته رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ، انْتَهَى. نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَمِنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ وَجَدَتْ امْرَأَةٌ إنْسِيَّةٌ مِنْ نَفْسِهَا أَنَّهُ يَطَؤُهَا جِنِّيٌّ وَتَنَالُ مِنْهُ مَا تَنَالُ مِنْ الْإِنْسِيِّ مِنْ اللَّذَّةِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبِهِ أَقُولُ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ ظَاهِرُ مَا لَمْ تُنْزِلْ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِلْإِنْزَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّجُلَ كَذَلِكَ. ص (وَإِنْ مِنْ بَهِيمَةٍ وَمَيِّتٍ) ش: قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَمَغِيبُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ مُكْرَهٍ وَلَا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يُعَادُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: وَلَا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتَةِ إنْ كَانَتْ قَدْ غُسِّلَتْ قُبَيْلَ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعَادُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ سَاقِطٌ عَنْهَا وَمَا تَعَبَّدَ بِهِ الْحَيُّ مِنْ غُسْلِهَا قَدْ انْقَضَى عَلَى وَجْهِهِ، انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ لِمُرَاهِقٍ كَصَغِيرَةٍ وَطِئَهَا بَالِغٌ) . ش: الصُّوَرُ الْعَقْلِيَّةُ أَرْبَعٌ: (الْأُولَى) أَنْ يَكُونَا بَالِغَيْنِ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ. (الثَّانِي) عَكْسُهُ أَنْ يَكُونَا غَيْرَ بَالِغَيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْمُرَاهِقِ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا غُسْلَ وَقَدْ يُؤْمَرَانِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا غُسْلَ إلَّا أَنْ تُنْزِلَ. (الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ غَيْرَ بَالِغَةٍ وَهِيَ مِمَّنْ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا غُسْلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُمِرَتْ بِالْوُضُوءِ لِيُسْرِهِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ كَمَا أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُؤْمَرُ الصَّغِيرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا وَطِئَهَا الْكَبِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ طَهَارَةٌ كَالْوُضُوءِ فَتُؤْمَرُ بِهِ أَوَّلًا لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ كَالصَّوْمِ وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ سَحْنُونٍ قَالَا: وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ غُسْلٍ أَعَادَتْ، قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا تُعِيدُ بِقُرْبِ ذَلِكَ لَا أَبَدًا وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، انْتَهَى وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ وُجُوبًا وَتُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ عِنْدَ أَشْهَبَ أَبَدًا، مَا نَصُّهُ: وَفِي كَوْنِ غَيْرِ الْبَالِغَةِ مِثْلَهَا أَيْ مِثْلَ الْبَالِغَةِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ قَوْلَا ابْنِ سَحْنُونٍ مَعَ الصَّقَلِّيِّ عَنْ أَشْهَبَ وَالْوَقَارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّتْ دُونَ غُسْلٍ فِي إعَادَتِهَا أَبَدًا أَوْ بِالْقُرْبِ قَوْلَا أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَلْ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالْغُسْلِ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّبِيَّةِ يَطَؤُهَا الرَّجُلُ؟ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا كَانَتْ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَإِنْ صَلَّتْ بِلَا غُسْلٍ أَعَادَتْ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ لَا تَغْتَسِلُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَقَدْ تَكُونُ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً فَتُؤْخَذُ بِذَلِكَ تَمْرِينًا، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ فِيمَا صَلَّتْهُ بِلَا غُسْلٍ تُعِيدُهُ فِيمَا قَرُبَ وَلَا تُعِيدُ أَبَدًا أَحْسَنُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِهَا تَمْرِينًا فَالْإِعَادَةُ حَسَنَةٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤْمَرْ بِذَلِكَ تَرَكَتْ الْغُسْلَ كُلَّ حِينٍ وَلَا تُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ سِيمَةِ الْفَرَائِضِ وَلَا فَرْضَ، انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً جِدًّا فَلَا غُسْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: إذَا جُومِعَتْ بِكْرٌ فَحَمَلَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحْمِلُ حَتَّى تُنْزِلَ أَفَادَ فِيهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْفِهْرِيُّ، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَتُعِيدُ مَا صَلَّتْ مِنْ يَوْمِ جُومِعَتْ إلَى ظُهُورِ حَمْلِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (وَاسْتُحْسِنَ وَبِغَيْرِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ اسْتَحْسَنَ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ لِلنِّفَاسِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ بِلَا دَمٍ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ

إذَا خَرَجَ الْوَلَدُ بِغَيْرِ دَمٍ وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ اُسْتُحْسِنَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ وَلَدَتْ بِغَيْرِ دَمٍ فَرِوَايَتَانِ مَا نَصُّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ الْوُجُوبُ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلَيْنِ وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِمَا فِي حِكَايَةِ الرِّوَايَةِ بِنَفْيِ الْغُسْلِ أَوْ الْقَوْلِ بِنَفْسِهِ وَنَصُّهُ: وَسَمِعَ أَشْهَبُ مَنْ وَلَدَتْ دُونَ دَمٍ اغْتَسَلَتْ اللَّخْمِيُّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ لِلدَّمِ لَا لِلْوَلَدِ وَلَوْ اغْتَسَلَتْ لِخُرُوجِهِ لَا لِلدَّمِ لَمْ يُجْزِهَا ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَى سَمَاعِ أَشْهَبَ دُونَ دَمٍ كَثِيرٍ إذْ خُرُوجُهُ بِلَا دَمٍ وَلَا بَعْدَهُ مُحَالٌ عَادَةً وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ نَفْيَهُ رِوَايَةً وَابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. قُلْت إنْ أَرَادَ نَفْيَ الْوُجُوبِ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ وَلَمْ تُرَدْ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غُسْلٌ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْغُسْلَ وَقَالَ: لَا يَأْتِي الْغُسْلُ إلَّا بِخَيْرٍ. انْتَهَى. وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ اسْتِحْبَابِهِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ مَا يَقْتَضِي نَفْيَ ذَلِكَ بَلْ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَيُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ انْتَهَى وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ فِي بَابِ النِّفَاسِ وَنَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الَّتِي تَلِدُ وَلَا تَرَى دَمًا تَغْتَسِلُ أَوْ فِي ذَلِكَ شَكٌّ: لَا يَأْتِي الْغُسْلُ إلَّا بِخَيْرٍ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ اغْتِسَالَ النُّفَسَاءِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ خُرُوجِ الْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ وَلَوْ نَوَتْ الِاغْتِسَالَ لِخُرُوجِ الْوَلَدِ دُونَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ مَا أَجْزَأَهَا طُهْرُهَا، انْتَهَى. فَكَانَ ابْنُ عَرَفَةَ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَ مَالِكٍ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ اسْتِحْسَانٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّخْمِيَّ إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ اسْتِحْسَانٌ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَيَتَّفِقُ كَلَامُهُ (فَإِنْ قُلْتُ) فَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ إلَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَأَيْنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ قُلْت حَكَاهُ فِي التَّلْقِينِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ: السَّبَبُ الْخَامِسُ إلْقَاءُ الْوَلَدِ جَافًّا قَالَ الْقَاضِي فِي التَّلْقِينِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِخُرُوجِ مَائِهَا وَالْوَلَدُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَائِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ خُلِقَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا بِخُرُوجِهِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مَاءَهَا قَدْ اسْتَحَالَ عَنْ هَيْئَتِهِ الَّتِي بِهَا يَجِبُ الْغُسْلُ فَأَشْبَهَ حَالَةَ السَّلَسِ بَلْ هَذَا أَشَدُّ بُعْدًا، انْتَهَى. قُلْت مَا ذَكَرَهُ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهَا قَدْ اغْتَسَلَتْ لِتِلْكَ الْجَنَابَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ عَنْ إيلَاجٍ أَوْ حَمَلَتْ وَهِيَ بِكْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْبِكْرِ إذَا حَمَلَتْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ إنْزَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ يَحْكِي عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّهُ شَاهَدَ خُرُوجَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ بِلَا دَمٍ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَعْقُبْهُ دَمٌ بَعْدَهُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ جَافًّا بِغَيْرِ دَمٍ فَهَلْ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، انْتَهَى. وَلَعَلَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (لَا بِاسْتِحَاضَةٍ وَنُدِبَ لِانْقِطَاعِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ إذَا انْقَطَعَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَبَرَأَتْ مِنْ تِلْكَ الْعِلَّةِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهَا لِانْقِطَاعِهِ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا تَغْتَسِلُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ وَاخْتَارَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهُمْ نَقَلُوا عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً بِوُجُوبِ الْغُسْلِ لِانْقِطَاعِهِ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: اسْتَشْكَلُوا ظَاهِرَ الرِّسَالَةِ بِوُجُوبِهِ إنْ كَانَ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُدَوَّنَةَ فَالْمَشْهُورُ قَدْ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ فَقُصُورٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَوْلُهُ: وَانْقِطَاعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، تَوَسُّعٌ فِي

الْعِبَارَةِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ مِنْهُ اسْتِنَانًا وَإِنَّمَا خَلَطَهُ بِذِكْرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِهِ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ انْقِطَاعَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ لَا يُوجِبُ غُسْلًا وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ أَمْ لَا ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَتْيَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ اسْتِحَاضَةٌ، إذَا لَمْ تَكُنْ اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضِ عِنْدَ دُخُولِهَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ كَأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيَجِبُ غُسْلُ كَافِرٍ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِمَا ذُكِرَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَتَلَفَّظَ بِالشَّهَادَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا تَقَدَّمَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْغُسْلِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِلْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ سَبَبٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: الْغُسْلُ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. وَأَلْزَمَهُ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَقُولَ بِسُقُوطِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إنْ كَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدَثٍ فِي حَالِ الْكُفْرِ جَبَّ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَكَذَا حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِلْجَنَابَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَبُّدٌ وَإِنَّ قَوْلَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ ثَالِثٌ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّعَبُّدِ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ، لَكِنْ الْمُصَنِّفُ مَعَ ابْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّهُ قَالَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ هَلْ ذَلِكَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ لِأَنَّ الْكَافِرَ، جُنُبٌ انْتَهَى. قُلْت بَلْ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ لِلْإِسْلَامِ جَعَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَصُّهُ: الِاغْتِسَالَاتُ الْوَاجِبَةُ خَمْسَةٌ: وَهِيَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي هَذَا الْأَخِيرِ، انْتَهَى. هَكَذَا قَالَ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَفِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ. وَالْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فَرِيضَةٌ؛ لِأَنَّهُ جُنُبٌ ثُمَّ زَادَ فِيهِ وَقَالَ: وَقَدْ تَعَقَّبَ ابْنُ الْفَخَّارِ عَلَى الشَّيْخِ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيُّ لَوْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْوِ جَنَابَةً وَإِنَّمَا يَقْصِدُ التَّنَظُّفَ وَزَوَالَ الْأَوْسَاخِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ انْتَهَى، وَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ إذَا اغْتَسَلَ نَوَى الْجَنَابَةَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ وَنَوَى بِهِ الْإِسْلَامَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الطُّهْرَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فِيهِ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّهُ وَيَنْوِي بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ اعْتَقَدَ بِهِ الْإِسْلَامَ وَلَمْ تَخْطِرْ الْجَنَابَةُ بِقَلْبِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إنْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ: وَإِنْ تَيَمَّمَ أَوْ اغْتَسَلَ لِلْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الطُّهْرَ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) لَوْ كَانَ الْكَافِرُ يَعْتَقِدُ دِينًا يَرَى الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَاغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَتِهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ تَخْرِيجًا عَلَى صِحَّةِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهَا إذَا أَسْلَمَتْ بَقِيَ زَوْجُهَا عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ بِذَلِكَ الْغُسْلِ قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الذِّمِّيَّةِ وَقَعَ صَحِيحًا حَالَ الْكُفْرِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَمْ يَقَعْ عِبَادَةً، وَصِحَّةُ الْغُسْلِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَكُونُ إلَّا بِوُقُوعِ الْغُسْلِ مِنْهَا عِبَادَةً وَقُرْبَةً وَالْكُفْرُ لَا يَصِحُّ مَعَهُ قُرْبَةٌ بِوَجْهٍ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ إذَا أَسْلَمَتْ يَجُوزُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْحَيْضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيُؤْمَرُ مَنْ أَسْلَمَ بِأَنْ يَخْتَتِنَ وَأَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ إنْ كَانَ شَعْرُ رَأْسِهِ عَلَى غَيْرِ زِيِّ الْعَرَبِ كَالْقَزَعَةِ وَشِبْهِهَا وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَحْلِقَ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَسْلَمْت، فَقَالَ لَهُ: أَلْقِ شَعْرَ الْكُفْرِ. وَأَنَّهُ قَالَ لِلْآخَرِ: أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» وَقَوْلُهُ: شَعْرَ الْكُفْرِ أَيْ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ

مِنْ زِيِّ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَدْخُلُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَلَمْ يُرَوْا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لَعَلَّهُ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْقَرَافِيُّ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِلَفْظِ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا وَآخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا الْإِسْلَامُ إلَّا لِعَجْزٍ) ش: ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَّلِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشِّفَاءِ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ ثُمَّ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ اتِّسَاعِ وَقْتِ الشَّهَادَةِ بِلِسَانِهِ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُسْتَوْجِبٌ لِلْجَنَّةِ وَذَكَرَ فِيمَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَطَالَتْ مُهْلَتُهُ وَعُلِمَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهَا وَلَا مَرَّةً فِي عُمْرِهِ قَوْلَيْنِ أَيْضًا، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَإِذَا جَمَعْت الْمَسْأَلَتَيْنِ حَصَلَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْإِجْزَاءُ فِيهِمَا وَعَدَمُهُ وَثَالِثُهَا الصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْقَبَّابِ وَالتُّونُسِيِّ. ص (وَإِنْ شَكَّ أَمَذْيٌ أَمْ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ وَأَعَادَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ كَتَحَقُّقِهِ) ش قَوْلُهُ: أَمَذْيٌ، لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَذْيِ بَلْ إذَا شَكَّ هَلْ هُوَ مَنِيٌّ أَمْ لَا قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: مَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ بَلَلًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنَامَ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَنَمْ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَامَ فِيهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ احْتِلَامٌ أَمْ شَكَّ فَإِنْ شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوْ اُسْتُحِبَّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِلْغَاءِ الشَّكِّ أَوْ اسْتِعْمَالِهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ احْتَلَمَ وَجَبَ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْغُسْلِ إذَا لَمْ يَلْبَسْهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا لَبِسَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْتَلِمُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُحْتَلِمُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْغُسْلِ: أَسْبَابُهُ سَبْعٌ: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْزَالُ الْمَاءِ الدَّافِقِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالشَّكُّ فِي أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَسْتَنْكِحْ ذَلِكَ وَتَجْدِيدُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالْوِلَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ جَافًّا وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَانْقِطَاعُ دَمِ النِّفَاسِ وَالْمَوْتُ فِي غَيْرِ الشُّهَدَاءِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: السَّبَبُ الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ الشَّكُّ فِي تَحَقُّقِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالْإِنْزَالِ بِأَنْ وَجَدَ بَلَلًا وَهُوَ لَا يَدْرِي أَهُوَ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَقٍ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَغْتَسِلُ. وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْوُضُوءُ مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ. وَقَالَ ابْنِ سَابِقٍ: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ، انْتَهَى. ص (وَوَاجِبُهُ نِيَّةٌ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَيَنْوِي الطَّهَارَةَ عِنْدَ أَوَّلِ وَاجِبِهِ كَالْوُضُوءِ. ص (وَمُوَالَاةٌ كَالْوُضُوءِ) ش: مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ مَنْ غَسَلَ جَسَدَهُ وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ لِخَوْفِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يَدَعُ جَسَدَهُ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ فَيَغْسِلَ رَأْسَهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الْغُسْلَ قَالَ سَنَدٌ: فَلَوْ بَدَأَ غُسْلَهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَكَمَّلَ غُسْلَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِتَبْعِيضِ النِّيَّةِ، انْتَهَى. ص (وَتَخْلِيلُ شَعْرٍ) ش: أَطْلَقَ فِيهِ لِيَعُمَّ كُلَّ شَعْرٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْأَشْهَرُ وُجُوبُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَمُرَادُهُ بِغَيْرِهِمَا شَعْرُ الْحَاجِبِينَ وَالْهُدْبِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبِطِ وَالْعَانَةِ

إنْ كَانَ فِيهِمَا شَعْرٌ انْتَهَى ص (وَدَلْكٌ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَكْفِي وَحْدَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَغْسُولِ حَيْثُ الْإِمْكَانُ وَالْقُرْبُ فَإِنْ بَعُدَ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ، وَإِنْ صَلَّى أَعَادَ أَبَدًا انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يَعْنِي إذَا تَرَكَ الدَّلْكَ ثُمَّ قَالَ: وَلْيَحْذَرْ مِنْ أُمُورٍ: أَحَدُهَا التَّدَلُّكُ بِالْحَائِطِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِأَهْلِهَا وَرُبَّمَا كَانَتْ بِهَا نَجَاسَةٌ أَوْ بَعْضُ الْمُؤْذِيَاتِ إلَّا مَا يَكُونُ مُعَدًّا لِذَلِكَ وَحَائِطِ الْحَمَّامِ خُصُوصًا قَالُوا: تُورِثُ الْبَرَصَ وَتَمْكِينُ الدَّلَّاكِ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ وَتَمْكِينُ مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ مِنْ دَلْكِ بَدَنِهِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ نَاعِمًا وَيَتَّقِي الْوَسْوَسَةَ جَهْدَهُ وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، إنْ كَانَ مُبْتَلًى بِهَا كَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ مِرَارًا وَقَوْلُهُ: حَتَّى يُوعَبُ جَمِيعُ جَسَدِهِ يَعْنِي بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ دَلْكُهُ وَلَا يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا يَكْفِيهِ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. ص (أَوْ اسْتِنَابَةٌ) ش: هَذَا إذَا كَانَ ضَرُورَةً قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: فَإِنْ وَكَّلَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقِيلَ: يُجْزِئُهُ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ فَعَلَ حَرَامًا وَيُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَفِي نَظْمِ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَا يَصِحُّ الدَّلْكُ بِالتَّوْكِيلِ إلَّا لِذِي آفَةٍ أَوْ عَلِيلٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يُدَلِّكَ لِزَوْجَتِهِ مَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ مِنْ جَسَدِهَا وَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَصِلْ لِغَسْلِ فَرْجِهَا لِلسِّمَنِ الَّذِي بِهَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ لَهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ تُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ وَلَا تُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ فِعْلِهِ وَهِيَ عَاصِيَةٌ إنْ تَسَبَّبَتْ لِلسِّمَنِ غَيْرُ عَاصِيَةٍ إنْ لَمْ تَتَسَبَّبْ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ لَا يَجِبُ عَلَى امْرَأَتِهِ غَسْلُ عَوْرَتِهِ إذَا لَمْ يَصِلْ لَهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً إنْ قَدَرَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ، وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ غَسْلِهِ وَهُوَ فِي الْعِصْيَانِ وَعَدَمِهِ كَالْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّ التَّسَبُّبَ مِنْهُ أَقْبَحُ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ الْمَدْخَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ تَعَذَّرَ سَقَطَ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ سَقَطَ وَلْيُكْثِرْ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ فِي مَحِلِّهِ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. ص (وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا وَصِمَاخُ أُذُنَيْهِ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ سُنَنِهِ وَذَكَرَ مِنْهَا أَرْبَعًا وَبَقِيَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ الِاسْتِنْثَارُ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهَا اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الِاسْتِنْشَاقِ، وَلَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، السُّنَّةُ الْأُولَى غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا أَيْ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْتَوْعَبًا. السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ مَسْحُ الصِّمَاخَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا تَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَلَا بَاطِنُ الْأُذُنَيْنِ أَيْ الصِّمَاخُ وَمَسْحُهُ سُنَّةٌ، انْتَهَى. وَجَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُسْتَحَبًّا فَقَالَ: وَبَاطِنُ الْأُذُنَيْنِ الصِّمَاخُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُ وَظَاهِرُهُمَا كَالْجَسَدِ، انْتَهَى. وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَسْلَ الصِّمَاخَيْنِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيَغْسِلُ أَشْرَافَ أُذُنَيْهِ وُجُوبًا وَصِمَاخَهُمَا سُنَّةً، وَلَا يَصُبُّ الْمَاءَ فِيهَا صَبًّا بَلْ يُكْفِئُهُمَا عَلَى كَفِّهِ مَمْلُوءَةً مَاءً وَيُدِيرُ أُصْبُعَهُ إثْرَ ذَلِكَ أَوْ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَ، انْتَهَى. فَتَبِعَ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْبِيرِ غَسْلَ الصِّمَاخَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَتِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيُرَاعَى فِي غَسْلِ بَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى التَّجَعُّدِ وَالتَّكَسُّرِ بِحَمْلِ الْمَاءِ فِي الْيَدِ إلَى الْأُذُنِ وَوَضْعِهَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ يُدَلِّكُهَا، اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ انْتَهَى. قُلْت وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ جَمَاعَةَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ بِأَعْلَاهُ وَمَيَامِنِهِ. ص (وَمَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ فِي الْغُسْلِ كَمَا أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ: " وُضُوءُ الصَّلَاةِ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ وَتَقَدَّمَ وَيُثَلِّثُ مَغْسُولَهُ

وَيُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ، وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَسُنَّةٌ كَالْوُضُوءِ وَمِثْلُهُمَا بَاطِنُ الْأُذُنَيْنِ يَعْنِي الصِّمَاخَيْنِ وَكَذَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَأَمَّا تَكَرُّرُ الْمَغْسُولِ فَقَالَ خَلِيلٌ حَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ وَلَا فَضِيلَةَ فِي تَكْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغُسْلِ، انْتَهَى خَلِيلٌ، أَمَّا مَسْحُ الرَّأْسِ فَإِنْ قَدَّمَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَلَى تَأْخِيرِهِمَا فَفِي تَرْكِ الْمَسْحِ رِوَايَتَانِ: وَجْهُ التَّرْكِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يَغْسِلُهُ حِينَئِذٍ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَخَرَجَتْ الرِّجْلَانِ بِدَلِيلِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ إلَّا أَنَّهُمَا تَبَعُ الرَّأْسِ انْتَهَى. فَأَمَّا مَسْحُ الصِّمَاخَيْنِ فَسُنَّةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ بَدْءٌ بِإِزَالَةِ الْأَذَى) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِيَقَعَ الْغُسْلُ عَلَى أَعْضَاءٍ طَاهِرَةٍ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الْأَكْمَلَ أَنْ يَغْسِلَ مَوَاضِعَ الْأَذَى ثُمَّ يَغْسِلَ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَيَبْدَأُ الْجُنُبُ بِغَسْلِ مَوَاضِعِ الْأَذَى ثُمَّ يَغْسِلُ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فِي حِينِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَغَسَلَ غُسْلًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: هَذَا هُوَ الْغُسْلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ غَسْلَةً وَاحِدَةً يَنْوِي بِذَلِكَ رَفْعَ الْحَدَثِ وَزَالَتْ مَعَ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ أَجْزَأَهُ. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ وُجُوبِ الْإِزَالَةِ أَوَّلًا كَمَا يُفْهِمُهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ حَقٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ الْعُضْوِ مُطْلَقًا وَلَوْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ بِحُصُولِ الطَّهَارَةِ لِهَذَا الْمُتَطَهِّرِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ طَهَارَةِ الْحَدَثِ، انْتَهَى. قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ شَيْخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ حُصُولِهِمَا مَعًا، وَفِي الْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ وَاخْتُلِفَ إذَا غَسَلَ مَوَاضِعَ الْأَذَى بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَزَوَالِ النَّجَاسَةِ غُسْلًا وَاحِدًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ شَرَّكَ بَيْنَهُمَا الْمَازِرِيُّ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَرْعٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى ذَكَرِهِ نَجَاسَةٌ فَغَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ أَجْزَأَهُ وَفِي تَهْذِيبِ عَبْدِ الْحَقِّ حِكَايَةٌ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْحَوَائِلِ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَإِنْ نَوَاهُ حَتَّى يَغْسِلَ الْمَحِلَّ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَطْ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى بَشَرَتِهِ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ أَوْ الْحَدَثِ فَقَدْ وَفَّى بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ حَقِيقَةِ الْغُسْلِ وَإِنْ بَقِيَ حَائِلٌ فَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَزُولَ، وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى حَقِيقَةً غَسْلُ الْبَشَرَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ. قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُرَدَّ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: شَرْطُهَا ذَلِكَ. ص (ثُمَّ بِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ كَامِلَةً مَرَّةً) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يُزِيلَ الْأَذَى ثُمَّ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ. قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأَ، أَيْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ عَنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ وَلَوْ نَوَى الْفَضِيلَةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ غُسْلِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ يُرِيدُ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَنَصُّهُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأَ. اللَّخْمِيُّ. وَيَنْوِيَ الْجَنَابَةَ وَإِنْ نَوَى الْوُضُوءَ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. وَفِي الْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَيُجْزِئُهُ وَهُوَ إنَّمَا يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ فَإِنْ نَوَى بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ تُجْزِئُهُ، وَفِيهِ خِلَافُ الْمَازِرِيِّ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ فِيمَا يَأْتِي، وَغُسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غُسْلِ مَحِلِّهِ وَلَوْ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ وَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ خِلَافَ

الْمَشْهُورِ وَنَصُّهُ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَوَى بِهَذَا الْوُضُوءِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْأَصْغَرِ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى سَاقِطَةٌ عَنْهُ وَالْحَدَثُ فِي الْكُبْرَى ثَابِتٌ عَلَيْهِ وَالسَّاقِطُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الثَّابِتِ وَقِيلَ: يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ نَابَ عَنْ فَرْضٍ نَقَلَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَلَوْ تَوَضَّأَ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْجَنَابَةَ لَأَجْزَأَهُ غَسْلُ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَيُكْمِلُ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الْغُسْلِ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ غَرَّهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ نَوَى الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ ذَاكِرًا أَنَّهُ مُحْدِثٌ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا أَنَّ نِيَّةَ الْأَصْغَرِ تُجْزِئُ عَنْ الْأَكْبَرِ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى رَفْعَ الْأَصْغَرِ فَقَطْ لَا رَفْعَ الْأَكْبَرِ فَهَذِهِ نِيَّةٌ مُتَدَافِعَةٌ فَلَا يُجْزِئُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ: مَنْ نَسِيَ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَبْلَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ تَوَضَّأَ بَعْدَهُ انْتَهَى مُحَرَّرًا مِنْ بَابِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: كَامِلَةً، يَعْنِي فَيُقَدِّمُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا إلَى آخِرِ غُسْلِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ يَجْمَعُ ذَلِكَ فِيهِمَا لِتَمَامِ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ إنْ كَانَ آخِرَ غُسْلِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ وَالْغُسْلُ تَابِعٌ مَنْدُوبٌ فَيَكُونُ فَاصِلًا وَفِيهِ بَحْثٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَخَيَّرَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَاسْتَحَبَّ الْبَاجِيُّ تَأْخِيرَ غَسْلِهِمَا لِيَأْتِيَ بِالْغُسْلِ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَهَذَا لِتَعَارُضِ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى حَدِيثُ مَيْمُونَةَ بِتَفْرِيقِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ وَأَتَى حَدِيثُ عَائِشَةَ بِكَمَالِهِ أَوَّلًا، وَلَمْ يَدْرِ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِ فَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّفْرِيقَ عَلَى حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْن الْمَوَّازِ تَمَامَهُ أَوَّلًا إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا إذَا فَرَّقَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ عَنْ وُضُوئِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُجْزِئُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: إنْ اغْتَسَلَ فِي مَوْضِعِ طِينٍ فَتَأْخِيرُهُمَا أَوْلَى وَإِنْ اغْتَسَلَ فِي مَوْضِعٍ نَقِيٍّ فَتَقْدِيمُهُمَا أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا يُرِيدُ فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ الْمُسْتَحَبِّ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْفَوْرِ انْتَهَى. ص (وَأَعْلَاهُ وَمَيَامِنُهُ) ش: اعْلَمْ أَنَّ ظَوَاهِرَ نُصُوصِهِمْ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْلَى بِمَيَامِنِهِ وَمَيَاسِرِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَسْفَلِ بِمَيَامِنِهِ وَمَيَاسِرِهِ وَمَيَامِنُ كُلٍّ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَيَاسِرِ كُلٍّ، بَلْ صَرِيحُ عِبَارَةِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ وَنَصُّهُ، وَأَمَّا صِفَةُ الْكَمَالِ فَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ ثُمَّ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يُزِيلَ الْأَذَى إنْ كَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْوِيَ رَفْعَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَغْسِلَ السَّبِيلَيْنِ وَمَا وَالَاهُمَا، ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وَيَنْوِيَ بِوُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَإِذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ غَمَسَ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ وَخَلَّلَ بِهِمَا شَعْرَ رَأْسِهِ ثُمَّ يَغْرِفَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ حَتَّى يُوعَبَ غُسْلُهُ ثُمَّ يُضْغِثَهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُنْقِلَ الْمَاءَ إلَى أُذُنَيْهِ يَغْسِلُ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا ثُمَّ مَا تَحْتَ ذَقَنِهِ وَعُنُقِهِ وَعَضُدَيْهِ ثُمَّ مَا تَحْتَ إبِطَيْهِ وَيُخَلِّلَ عُمْقَ سُرَّتِهِ بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ يُفَرِّغَ الْمَاءَ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَجْمَعَ يَدَيْهِ خَلْفَهُ فِي التَّدَلُّكِ ثُمَّ يَغْسِلَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ مَا تَحْتَ الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ السَّاقَ الْيُمْنَى ثُمَّ السَّاقَ الْيُسْرَى ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَإِنْ اسْتَعَانَ بِإِنَاءٍ لَهُ أُنْبُوبٌ يُفَرِّعُ عَلَى جَسَدِهِ بِهِ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ السَّرَفِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَيُقَدِّمُ أَعَالِيَهُ وَيَخْتِمُ بِصَدْرِهِ وَبَطْنِهِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْبَابٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ تَأْخِيرَ صَدْرِهِ عَنْ ظَهْرِهِ انْتَهَى. ص (وَتَثْلِيثُ رَأْسِهِ) ش: قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: ثُمَّ يَغْمِسُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق إثْرَ وُضُوئِهِ وَمَا قَدَّمَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ يُفَرِّغُ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ وَيَرْفَعُهُمَا مِنْ الْإِنَاءِ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرَ قَابِضٍ بِهِمَا شَيْئًا مِنْ

الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِهِ؛ لِيَأْنَسَ بِبَرْدِ الْمَاءِ فَلَا يَتَضَرَّرُ وَيَقِفُ الشَّعْرُ فَيَدْخُلُ الْمَاءُ عِنْدَ الْغُسْلِ لِأُصُولِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَيْهِ وَفْرَةٌ أَمْ لَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ الْجُورَائِيُّ: وَيَبْدَأُ فِي ذَلِكَ مِنْ مُؤَخَّرِ الْجُمْجُمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الزُّكَامِ وَالنَّزْلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ مُجَرَّبٌ ثُمَّ يَغْرِفُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ إثْرَ تَخْلِيلِهِ وَالتَّثْلِيثُ مُسْتَحَبٌّ. ابْنُ حَبِيبٍ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَوْ عَمَّ بِوَاحِدَةٍ زَادَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ إذْ كَذَلِكَ فُعِلَ، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ اجْتَزَأَ بِالْوَاحِدَةِ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَكْفِ الثَّلَاثُ زَادَ إلَى الْكِفَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. عِيَاضٌ يُفَرَّقُ الثَّلَاثُ عَلَى الرَّأْسِ فَلِكُلِّ جَانِبٍ وَاحِدَةٌ وَالثَّالِثَةُ لِلْوَسَطِ وَقِيلَ: الْكُلُّ لِلْكُلِّ وَكُلٌّ جَائِزٌ اهـ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: أَعْلَمُ أَنَّ لِلتَّخْلِيلِ فَائِدَتَيْنِ فِقْهِيَّةً وَطِبِّيَّةً: وَهُمَا سُرْعَةُ إيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ وَلِتَأْنَسَ رَأْسُهُ بِالْمَاءِ فَلَا يَتَأَذَّى لِانْقِبَاضِهِ عَلَى الْمَسَامِّ، انْتَهَى. ص (وَقِلَّةُ الْمَاءِ بِلَا حَدٍّ) ش: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ: وَقِلَّةُ الْمَاءِ بِلَا حَدٍّ كَالْغُسْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ وَمِمَّا رَوَيْنَاهُ عَنْ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّرَفُ فِي الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرِّسَالَةِ وَالسَّرَفُ مِنْهُ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ وَكُلُّ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ ذِي الْوَسْوَاسِ وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَيُغْتَفَرُ فِي حَقِّهِ لِلِابْتِدَاءِ بِهِ، انْتَهَى. ص (وَوُضُوءُهُ لِنَوْمٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: لَا يَنَامُ الْجُنُبُ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ حَتَّى يَتَوَضَّأَ جَمِيعَ وُضُوئِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْحَائِضِ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وُضُوءُ الْجُنُبِ لِنَوْمِهِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ نَهَارًا، وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، رَوَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا: لَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِتَرْكِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ذَلِكَ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ. وَالظَّاهِرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي كِتَابِ الذِّكْرِ: قَوْلُهُ: إذَا أَخَذْت مَضْجَعَك أَيْ إذَا أَرَدْت أَنْ تَنَامَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّك الْأَيْمَنِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَتَضَمَّنَ ثَلَاثَ سُنَنِ الْوُضُوءِ لِلنَّوْمِ لِيَمُوتَ عَلَى طَهَارَةٍ وَاخْتَلَفَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا هَلْ يَسْتَبِيحُ بِهَذَا الْوُضُوءِ الصَّلَاةَ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ لِيَبِيتَ عَلَى طَهَارَةٍ اسْتَبَاحَ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا. قَالَ: لِلْأَثَرِ. قُلْت وَهَذَا الْوُضُوءُ يُنْقِضُهُ الْحَدَثُ الْوَاقِعُ قَبْلَ الِاضْطِجَاعِ لَا الْوَاقِعِ بَعْدَهُ، وَالسُّنَّةُ الثَّانِيَةُ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ النَّوْمِ وَالنَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، انْتَهَى. مُحَرَّرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ مِنْ الْإِكْمَالِ. ص (لَا تَيَمُّمٌ) هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ يَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَعَلَيْهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ. تَنْبِيهٌ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَجَرِ بَلْ عَلَى التُّرَابِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ مَرْوَانُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَوْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ قَالَ: فَإِنْ عَجَزَ الْجُنُبُ عَنْ الْوُضُوءِ فَلْيَتَيَمَّمْ وَلَا يَتَيَمَّمُ إلَّا مِنْ جِدَارِ تُرَابٍ يَعْلَقُ تُرَابُهُ بِالْكَفَّيْنِ فَأَمَّا الْجِدَارُ يَكُونُ حَجَرًا فَلَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَ لِي أَصْبُغ بْن الْفَرَجِ وَأَخْبَرَنِي عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَحْوِ هَذَا التَّفْسِيرِ انْتَهَى وَلَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَيَمَّمَ عَلَى الْحَائِطِ فَكَانَ رُخْصَةً لَا يَتَعَدَّى بِهَا مَحِلَّهَا وَالرُّخَصُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّشَاطِ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِلْغُسْلِ لَمْ يَتَوَضَّأْ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ. ص (وَلَمْ يَبْطُلْ إلَّا بِجِمَاعٍ) ش: قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: وَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ هَذَا الْوُضُوءِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَلَا يُنْقِضُهُ إلَّا مُعَاوَدَةُ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِرَفْعِ حَدَثٍ فَيُنْقِضُهُ الْحَدَثُ، وَإِنَّمَا شُرِعَ عِبَادَةً فَلَا يُنْقِضُهُ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِلنَّوْمِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ. وَإِنْ نَامَ

الرَّجُلُ عَلَى طَهَارَةٍ وَضَاجَعَ زَوْجَتَهُ وَبَاشَرَهَا بِجَسَدِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ إلَّا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ اللَّذَّةَ، انْتَهَى. ص (وَتَمْنَعُ الْجَنَابَةُ مَوَانِعَ الْأَصْغَرِ وَالْقِرَاءَةَ إلَّا كَآيَةٍ لِلتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْجَنَابَةَ تَمْنَعُ الْمَوَانِعَ الَّتِي تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ يَمْنَعُ مِنْهَا وَيَزِيدُ بِمَنْعِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا كَالْآيَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ الْآيَتَانِ وَالثَّلَاثُ، وَقَوْلُهُ: لِلتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْقِرَاءَةِ بَلْ عَلَى مَعْنَى التَّعَوُّذِ وَالرُّقَى وَالِاسْتِدْلَالِ وَنَحْوِهِ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا يُعَدُّ قَارِئًا وَلَا لَهُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ قَالَ (تَنْبِيهٌ) : حَمْلُ الْقُرْآنِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا لَا يُذْكَرُ إلَّا قُرْآنًا كَقَوْلِهِ {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ} [الشعراء: 160] فَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقِرَاءَةِ لَا تَعَوُّذَ فِيهِ، وَثَانِيهِمَا مَا هُوَ تَعَوُّذٌ كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُمَا لِلضَّرُورَةِ وَدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمُتَعَوَّذِ مِنْهُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمُعَوِّذَتَانِ جَمِيعًا فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ صَحِيفَةً فِيهَا الْبَسْمَلَةُ وَشَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْمَوَاعِظِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَلَا يَجُوزُ إسْرَارٌ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ لِسَانٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَقْرَأْ وَإِنَّمَا فَكَّرَ، وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ ذَلِكَ؟ انْتَهَى. قُلْت نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْقَلْبِ لَا يَحْنَثُ بِهَا وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ وَلَا يُحَرِّكَ لِسَانَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي تُسَرُّ فِي الصَّلَاةِ كُلُّهَا هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ فَمَنْ قَرَأَ فِي قَلْبِهِ فَكَالْعَدِمِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ فِي قَلْبِهِ انْتَهَى. ص (وَدُخُولُ مَسْجِدٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ مَسْجِدِ بَيْتِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ وَفِي الطِّرَازِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْمُحْبَسِ وَالْمُسْتَأْجَرِ إنْ كَانَ يَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْإِجَارَةِ حَانُوتًا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ مَالِكٌ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُفْرَشُ لَهُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فِي الصَّيْفِ فَيَبِيتُ فِيهِ وَلَا تَأْتِيهِ امْرَأَةٌ وَلَا تَقْرَبُهُ وَكَانَ فَقِيهًا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ إنَّ لِظَهْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِلْمَسْجِدِ إلَخْ فَانْظُرْهُ. ص (وَلِلْمَنِيِّ تَدَفُّقٌ وَرَائِحَةُ طَلْعٍ أَوْ عَجِينٍ) ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: خَوَاصُّ الْمَنِيِّ ثَلَاثَةٌ: الْأُولَى الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْفُتُورِ عَقِبَهُ. الثَّانِيَةُ الرَّائِحَةُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ. الثَّالِثَةُ الْخُرُوجُ بِتَدَفُّقٍ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ إذَا

فصل المسح على الخفين

انْفَرَدَتْ اقْتَضَتْ كَوْنَهُ مَنِيًّا وَإِنْ فُقِدَتْ كُلُّهَا فَلَيْسَ بِمَنِيٍّ. ص (وَغَسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غُسْلِ مَحِلِّهِ) ش: قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ إلَخْ ابْنُ نَاجِي يَقُومُ مِنْ هَذَا إنَّ مَنْ نَوَى بِوُضُوءِ غَسْلِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَغَسَلَ بَقِيَّةَ جَسَدِهِ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى انْتَهَى. [فَصْلُ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] ص (فَصْلُ رُخِّصَ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) . ش إنَّمَا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَى الرَّجُلِ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي يَضْطَرُّ غَالِبًا إلَى الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ وَتَوْطِئَةً لِذِكْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ. ص (وَإِنْ مُسْتَحَاضَةً) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَمْسَحُ الْمُسْتَحَاضَةُ عَلَى خُفِّهَا وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا فِي الْمَسْحِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهَا إذَا لَبِسَتْ بَعْدَ تَطَهُّرِهَا وَقَبْلَ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا شَيْءٌ مَسَحَتْ كَمَا يَمْسَحُ غَيْرُهَا، وَإِنْ لَبِسَتْهُ وَالدَّمُ سَائِلٌ مَسَحَتْ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا عَلَى قَوْلِ: أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى قَوْلٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ قَالَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا سَوَاءٌ لَبِسَتْهُ بَعْدَ طُهْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا شَيْءٌ، أَوْ بَعْدَ أَنْ سَالَ؛ لِأَنَّ مَا سَالَ لَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ إلَّا أَنَّا إذَا اسْتَحْبَبْنَا أَنْ تُطَهِّرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِمَكَانِ مَا يَسِيلُ مِنْ الدَّمِ اسْتَحْبَبْنَا أَنْ يَكُونَ لُبْسُهَا لِلْخُفِّ عَقِيبَ غُسْلِهَا مِنْ الْحَيْضِ أَوْ وُضُوئِهَا قَبْلَ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا سَالَ مِنْهَا شَيْءٌ ثُمَّ لَبِسَتْ خُفَّهَا وَاسْتَحْبَبْنَا لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِمَكَانِ مَا خَرَجَ مِنْهَا كَانَ لِذَلِكَ الْخَارِجِ حُكْمُ الْحَدَثِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَضَّأُ مِنْ خَارِجٍ تَقَدَّمَ عَلَى لُبْسِ الْخُفِّ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إنْ كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ، وَقُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لُبْسُهَا لِلْخُفِّ قَبْلَ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلِأَنَّهَا إنْ لَبِسَتْهُ بَعْدَ أَنْ سَالَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهَا لَبِسَتْ الْخُفَّ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (مَسْحُ جَوْرَبٍ جِلْدٍ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ) ش: قَوْلُهُ مَسْحُ هُوَ نَائِبُ فَاعِلِ رُخِّصَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْجَوْرَبُ مَا كَانَ عَلَى شَكْلِ الْخُفِّ مِنْ كَتَّانٍ، أَوْ قُطْنٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: جِلْدٍ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ " أَيْ مِنْ فَوْقِ الْقَدَمِ وَتَحْتِهَا، وَلَا يُرِيدُ بِالْبَاطِنِ مَا يَلِي الرِّجْلَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ مَسَحَ عَلَى الْأَعْلَى مِنْهُمَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَكَانَ يَقُولُ لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُمَا وَتَحْتَهُمَا جِلْدٌ مَخْرُوزٌ وَقَدْ بَلَغَ الْكَعْبَيْنِ فَيُمْسَحُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِمَا أَصْلًا، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ " مِنْ فَوْقِهِمَا وَمِنْ تَحْتِهِمَا جِلْدٌ مَخْرُوزٌ " أَيْ أَنَّ الْجِلْدَ مِنْ فَوْقِ الْقَدَمِ وَمِنْ تَحْتِ الْقَدَمِ، وَلَيْسَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ مِنْ تَحْتِهِمَا مَا يَلِي الرِّجْلَ، انْتَهَى. وَالْجُرْمُوقَانِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ جَوْرَبٌ مُجَلَّدٌ مِنْ تَحْتِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ. ص (وَخُفٍّ

وَلَوْ عَلَى خُفٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَوْ كَانَا فَوْقَ خُفَّيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَيَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِلَوْ وَالْخِلَافُ جَارٍ سَوَاءٌ لَبِسَ الْأَعْلَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْأَسْفَلَيْنِ أَوْ بَعْدَ أَنْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَزَعَمَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا لَبِسَ الْأَعْلَيَيْنِ عَقِبَ طَهَارَةِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَأَمَّا إذَا لَبِسَ الْأَوَّلَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفًّا آخَرَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْأَعْلَى قَوْلًا وَاحِدًا وَتَأْوِيلُهُ هَذَا لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلْ الْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ مُطْلَقًا، بَلْ الصُّورَةُ الَّتِي جَعَلَ فِيهَا الْخِلَافَ هِيَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ قَوْلًا وَاحِدًا وَاَلَّتِي جَعَلَ فِيهَا الْجَوَازَ قَوْلًا وَاحِدًا هِيَ أَحْرَى بِالْخِلَافِ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) شَرْطُ مَسْحِهِ عَلَى الْأَعْلَيَيْنِ أَنْ يَكُونَ لَبِسَهُمَا وَهُوَ عَلَى الطُّهْرِ الَّذِي لَبِسَ بَعْدَهُ الْأَسْفَلَيْنِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ وَمَسَحَ عَلَى الْأَسْفَلَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ لَبِسَ الْأَسْفَلَيْنِ عَلَى طُهْرٍ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ لَبِسَ الْأَعْلَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَمْسَحَ عَلَى الْأَسْفَلَيْنِ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْأَعْلَيَيْنِ ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَصْلُهُ لِابْنِ يُونُسَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا عَلَى خُفٍّ، أَوْ جَوْرَبًا مُجَلَّدًا عَلَى خُفٍّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا لَوْ لَبِسَ جَوْرَبًا تَحْتَ الْخُفِّ، أَوْ لَفَّ عَلَى رِجْلَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا لَفَائِفَ ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفُّ فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ لَبِسَ فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ خُفَّيْنِ وَفِي الْأُخْرَى خُفًّا وَاحِدًا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَزَعَ إحْدَى الْخُفَّيْنِ الْأَعْلَيَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ نَزْعٌ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّهُ إذَا نَزَعَ إحْدَى الْأَعْلَيَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ الْآخَرِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ أَنَّ مِنْ حُجَّةِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقِيَاسَ عَلَى مَا إذَا لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى نَعْلَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (إلَّا الْمِهْمَازُ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَنَصُّهَا: " وَسُئِلَ عَنْ الرُّكُوبِ بِالْمَهَامِيزِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَرَاهُ خَفِيفًا ". ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَا تُمْلَكُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا مَا أَذِنَ اللَّهُ مِنْ رُكُوبِهَا إلَّا بِهِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَقِيلَ: لِسَحْنُونٍ فَإِذَا سَافَرَ بِمَهَامِيزَ هَلْ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَلَا يَنْزِعُ الْمَهَامِيزَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَرَاهُ خَفِيفًا. ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ شَأْنُهُ التَّخْفِيفُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْغُضُونَ وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا سَتَرَهُ الْمَهَامِيزُ؟ انْتَهَى. وَحَكَاهَا فِي النَّوَادِرِ بِلَفْظِ: قَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ بِالْمَهَامِيزِ وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَلَا يَنْزِعُهَا، وَهَذَا خَفِيفٌ. (قُلْتُ) فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ عَدَمَ نَزْعِ الْمَهَامِيزِ خَاصٌّ بِالْمُسَافِرِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ وَلَا يَنْزِعُهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ وَلَا يَنْزِعُهُمَا لِلْمَسْحِ، وَلَا بَعْدَهُ، يَعْنِي لِأَنَّهُ صَارَ بَعْضَ الْمَمْسُوحِ فَإِذَا نَزَعَهُ صَارَ لُمْعَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ سَحْنُونٍ جَوَازُ الرُّكُوبِ بِالْمَهَامِيزِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِسُرْعَةِ السَّيْرِ فِي الْحَجِّ عَلَى الدَّوَابِّ وَأَكْرَهُ الْمَهَامِيزَ يُدْمِيهَا، وَلَا يُصْلِحُ الْفَسَادَ وَإِذَا كَثُرَ ذَلِكَ خَرَقَهَا وَقَدْ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْخُسَهَا حَتَّى يُدْمِيَهَا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمَا ذَكَرَهُ سَحْنُونٌ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْمَهَامِيزِ بَيِّنٌ لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالرَّاكِبِ

وَشَأْنُ الرُّخَصِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ تَكُونَ أَسْبَابُهَا عَامَّةً قَالَ ابْنُ نَاجِي: غَيْرُ الرَّاكِبِ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى ذَلِكَ. ص (طَاهِرٍ) ش: فَلَا يُمْسَحُ عَلَى خُفٍّ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ، وَلَوْ دُبِغَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ. ص (وَسَتَرَ مَحَلَّ الْفَرْضِ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُطِعَ الْخُفُّ إلَى فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ شُرِخَ عَلَى مَوْضِعِ الْغَسْلِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ لَا يُرَى مِنْهُ الْقَدَمُ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ فِيهِ شَرْخٌ يُفْتَحُ وَيُغْلَقُ فَإِذَا غَلَقَهُ جَازَ الْمَسْحُ وَإِذَا فَتَحَ غَلْقَهُ بَطَلَ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُبَيِّنُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَشَى بَانَ مِنْهُ، انْتَهَى. ص (بِطَهَارَةِ مَاءٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ وُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِمَا فِي طَهَارَةِ الْغُسْلِ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا تَضَمَّنَ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ اللُّبْسِ، وَطَهَارَتُهُمَا تَحْصُلُ مِنْ الْوُضُوءِ كَمَا تَحْصُلُ مِنْ الْغُسْلِ، انْتَهَى. وَقَبِلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ فِي الطِّرَازِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُمْسَحُ عَلَى لُبْسٍ عَلَى طَهَارَةِ الْغُسْلِ، لَا أَعْرِفُهُ. (قُلْتُ) وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيّ يَصِحُّ الْمَسْحُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: لُبْسُهُمَا وَهُوَ كَامِلُ الطَّهَارَةِ وَكَوْنُهُ عَلَى الْعَادَةِ لَا يُخَفِّفُ عَلَى نَفْسِهِ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَكَوْنُهُ مُتَوَضِّئًا لَا مُتَيَمِّمًا وَكَوْنُ طَهَارَتِهِ الْآنَ لِلْوُضُوءِ لَا لِغُسْلِ جَنَابَةٍ، وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّهَارَةُ الَّتِي يُمْسَحُ فِيهَا لِقَوْلِهِ وَكَوْنُ طَهَارَتِهِ الْآنَ وَلَعَلَّ لَفْظَةَ " الْآنَ " سَقَطَتْ مِنْ نُسْخَةِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) وَيَدْخُلُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ مَا إذَا لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْنِ آخَرَيْنِ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْأَعْلَيَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ ص (وَعِصْيَانٍ بِلُبْسِهِ، أَوْ سَفَرِهِ) . ش قَالَ فِي الطِّرَازِ قُلْنَا: يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ فَهَلْ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَنْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: لَا يَمْسَحُ، وَلَا يَتَرَخَّصُ بِرُخْصَةٍ حَتَّى يَتُوبَ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ لَا تَخْتَصُّ رُخْصَتُهُ بِالسَّفَرِ حَتَّى إذَا جَعَلْنَا سَفَرَهُ مَلْغِيًّا لَا حُكْمَ لَهُ وَجَبَ أَنْ يُبْقِيَ رُخَصَ السَّفَرِ وَيُلْغِيَ مَعَهُ فَاللُّبْسُ عَلَى هَذَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِحَالٍ، وَلَا بِسَفَرٍ وَلَا بِحَضَرٍ، انْتَهَى. ص (لَا أَقَلَّ إنْ الْتَصَقَ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا لَا دُونَهُ إنْ الْتَصَقَ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كِلْتَا اللَّفْظَتَيْنِ لَيْسَتَا فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّهُ رَأَى بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَةِ الْمُبَيَّضَةِ أَنِّي مُقْتَصِرٌ فِي هَذَا عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ أَحَدِ اللَّفْظَتَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَلَفْظَةُ " لَا أَقَلَّ " أَخَصْرُ فَهِيَ أَوْلَى، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفِيهِ طُولٌ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ فَاسْتَقْرَيْنَا مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخَرْقِ الْيَسِيرِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخَرْقِ الْكَبِيرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ وَقَامَتْ الْأَدِلَّةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ

فرع إذا قطع الخف وشرج وجعل له غلق

عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ آخِرُ حَدِّ الْيَسِيرِ وَأَوَّلُ حَدِّ الْكَثِيرِ وَجَبَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى مَا كَانَ الْخَرْقُ فِيهِ دُونَ الثُّلُثِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى مَا كَانَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ أَعْنِي ثُلُثَ الْقَدَمِ مِنْ الْخُفِّ لَا ثُلُثَ جَمِيعِ الْخُفِّ، وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخَرْقِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ مُلْتَصِقًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالشَّقِّ، وَتَحْصِيلُهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي الْخُفِّ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ فَلَا يَمْسَحُ، عَلَيْهِ ظَهَرَتْ مِنْهُ الْقَدَمُ أَوْ لَمْ تَظْهَرْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَّسِعْ وَيَنْفَتِحْ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ الْقَدَمُ فَإِنْ عَرُضَ الْخَرْقُ حَتَّى تَظْهَرَ مِنْهُ الْقَدَمُ فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا كَالثُّقْبِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْسِلَ مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ قَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُمْكِنُهُ الْغَسْلُ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْمَسْحُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَسْحٌ وَغَسْلٌ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ تَخْرُجَ الرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَاتُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا تَمَزَّقَ الْخُفُّ مِنْ أَسْفَلِهِ امْتَنَعَ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَاهُ صَحِيحًا، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَرْقِ لِكَوْنِهِ إذَا تَرَكَ مَسْحَهُ إنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ إذَا قُطِعَ الْخُفُّ وَشُرِجَ وَجُعِلَ لَهُ غَلْقٌ] (فَرْعٌ) إذَا قُطِعَ الْخُفُّ وَشُرِجَ وَجُعِلَ لَهُ غَلْقٌ مِثْلُ السِّبَاطِ فَإِذَا غُلِقَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَوْ كَانَ الْخَرْقُ الْمُتَفَاحِشُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قُطِعَا مِنْ ثَمَّ جَمِيعًا. ص (أَوْ لَبِسَهُمَا ثُمَّ كَمَّلَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَمِنْهُ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ لُمْعَةً فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فَغَسَلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُمَا بَعْدَ غَسْلِ اللُّمْعَةِ ثُمَّ لَبِسَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ يَمْسَحُ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (حَتَّى يَخْلَعَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ الْكَمَالِ) ش: فَإِذَا لَبِسَ الْخُفَّ فِي الْيَمِينِ قَبْلَ غَسْلِ الْيُسْرَى ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ فِيهَا الْخُفَّ فَيَخْلَعُ الْيُمْنَى ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَلَا يَخْلَعُ الْيُسْرَى، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا كَافٍ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ لَكِنْ يَفُوتُ فِيهِ فَضِيلَةُ الِابْتِدَاءِ بِالْمَيَامِنِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَخْلَعَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيَسَارِ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا هَذَا النِّزَاعُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَزَعَ خُفَّ الْيَمِينِ لِأَجْلِ عُودٍ وَقَعَ فِيهِ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى خَلْعٍ وَبَنَوْا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَطْهُرُ كُلُّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ أَوْ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْجَمِيعِ؟ وَمِمَّا بَنَوْا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَةَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أَمْ لَا؟ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ فِي بَابِ مَسِّ الذَّكَرِ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ مَذْهَبَ أَبِي مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ يَقُولُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَهَذَا يُبْنَى عَلَى أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ لَا يَمْسَحُ حَتَّى يَخْلَعَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ الْكَمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ فَمِنْ شَرْطِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَنْ تَكُونَ الطَّهَارَةُ قَدْ كَمُلَتْ وَهِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ تَكْمُلْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِهَا شَيْئًا مِنْ مَوَانِعِ الْحَدَثِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَا لَابِسٍ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ أَوْ لِيَنَامَ وَفِيهَا

يُكْرَهُ) ش: هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِلَا تَرَفُّهٍ، وَاللَّابِسُ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ مَثَّلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِمَنْ جَعَلَ حِنَّاءَ فِي رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّيْنِ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ لَبِسَ الْخُفَّ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ، أَوْ لِلنَّوْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ، وَإِنْ مَسَحَ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ هَارُونَ وَقَوْلُهُ وَفِيهَا يُكْرَهُ يَعْنِي أَنَّهُ كَرِهَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَلْبَسَ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ كَمَسْأَلَةِ الْحِنَّاءِ، أَوْ لِلنَّوْمِ قَالَ فِيهَا وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ تَعْمَلُ الْحِنَّاءَ أَوْ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَنَامَ، أَوْ يَبُولَ فَيَتَعَمَّدُ لُبْسَ الْخُفِّ لِلْمَسْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشُّيُوخِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا قَالَ فِي الْبَيَانِ اُخْتُلِفَ فِي الْمَرْأَةِ تَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ لِتَمْسَحَ عَلَى الْخِضَابِ فَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعْجِبُنِي، وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْكَرَاهَةُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا شَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ غَسْلُهُ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا غَسَلَ كَفَّيْهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُهُ وَيَمْسَحُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الْإِعَادَةُ لِيَأْتِيَ بِالْمَقْصُودِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَمَسَحَ الطِّينَ أَوْ غَسَلَهُ لِيَمْسَحَ الْخُفَّ فِي الْوُضُوءِ فَنَسِيَ الْمَسْحَ لَمْ يُجْزِهِ وَيَمْسَحُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِعَدَمِ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا نَوَى النَّظَافَةَ مِنْ الطِّينِ قَالَ فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ إزَالَةَ الطِّينِ وَالْوُضُوءَ جَمِيعًا لَأَجْزَأَهُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ غَسَلَ النَّجَاسَةَ عَنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ بِنِيَّةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَرَفْعِ الْحَدَثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْإِجْزَاءُ. (قُلْتُ) وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: " إنْ غَسَلَهُ لِلنَّجَاسَةِ مُسْتَتْبِعًا نِيَّةَ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ " لَا أَعْرِفُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ مُطَرِّفٌ: وَمَنْ مَسَحَ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَنْزِعَ وَيَغْسِلَ إذَا صَلَّى فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ، وَمَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ يَنْوِي إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ نَزَعَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَيَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ كَتَعَمُّدِ تَأْخِيرِ غَسْلِهِمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ. ص (وَتَتَبَّعَ غُضُونَهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَعِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ يَتَتَبَّعُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي غُضُونِ الْجَبْهَةِ فِي التَّيَمُّمِ كَأَنَّهُ رَآهُ مِنْ ظَاهِرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا وَذَكَرَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا شَيْئًا، وَكَذَا ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فِي التَّيَمُّمِ عَنْ ابْنِ الْقُرْطِيِّ - بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ ابْنُ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ، وَذَكَرَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ هَارُونَ قِيلَ: فِي التَّيَمُّمِ: إنَّهُ يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ لَا أَعْرِفُهُ وَلَا يَتَخَرَّجُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ أَخَفُّ، انْتَهَى. فَمَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ غَرِيبٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الرِّسَالَةِ. ص (وَبَطَلَ بِغُسْلٍ وَجَبَ) ش: لَوْ قَالَ بِمُوجِبِ غُسْلٍ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ يَحْصُلُ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ، وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ. ص (وَبِخَرْقِهِ كَثِيرًا) ش: تَقَدَّمَ تَحْدِيدُ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ فَإِذَا انْخَرَقَ

خَرْقًا كَثِيرًا نَزَعَهُ مَكَانَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ قَطَعَهَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ. . ص (وَبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفٍّ) . ش قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخْرَجَ جَمِيعَ قَدَمِهِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ، وَقَدْ كَانَ مَسَحَ عَلَيْهِمَا غَسَلَ مَكَانَهُ فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّ إخْرَاجَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ لَا يَضُرُّهُ فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلٍ هُنَا، انْتَهَى. (قُلْتُ) صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْجَلَّابِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِي وَصَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ حُكْمُ الْمَسْحِ بِوُصُولِ أَكْثَرِ الرِّجْلِ لِلسَّاقِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَسْحِ كَوْنُ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ، وَلَوْ تَوَضَّأَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي سَاقِ الْخُفِّ ثُمَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لَمْ يُجِزْهُ الْمَسْحُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَأَصْلُهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ. ص (لَا الْعَقِبِ) ش: أَيْ فَلَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ بِذَلِكَ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ وُصُولُ الْعَقِبِ لِسَاقِ الْخُفِّ لِقَصْدِ نَزْعِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَرَدَّهَا، أَوْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَرَكَةِ وَالْمَشْيِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي إلْغَاءِ الرَّفْضِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَأَصْلُهُ فِي الطِّرَازِ. ص (أَوْ أَحَدِهِمَا) ش: أَيْ: أَحَدِ الْأَعْلَيَيْنِ فَإِنَّهُ يُبَادِرُ لِمَسْحِ الْأَسْفَلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ الْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ الشَّبِيبِيُّ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعُودَ ضَمِيرُ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْخُفَّيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبَادِرُ لِغَسْلِ الرِّجْلِ الَّتِي نَزَعَهَا فَقَطْ، وَلَا يَنْزِعُ الْأُخْرَى، وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْسُرْ نَزْعُ الْأُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا: يَمْسَحُ عَلَى مَا تَحْتَ الْمَنْزُوعِ فَمَسَحَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ الَّذِي نَزَعَهُ جَازَ لَهُ إذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى خُفًّا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ تَحْصُلُ بِسَتْرِ الرِّجْلَيْنِ بِجِنْسِ الْخُفِّ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الْأُخْرَى فَمِنْ الْأَوْلَى أَنْ يَمْسَحَ إذَا كَانَ مَا عَلَيْهِمَا سَوَاءً، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ هُوَ فِي رَسْمِ نَقْدِهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَمَالُ الطَّهَارَةِ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَعَ الْخُفَّ الَّتِي مَسَحَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ فَلَمَّا مَسَحَ عَلَى الْأَسْفَلِ صَارَ قَدْ طَهُرَ بَعْدَ أَنْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْتُ: يُرَدُّ بِمَنْعِ النَّقْضِ بِمُجَرَّدِ النَّزْعِ بَلْ مَسْحُ الْأَسْفَلِ إثْرَ نَزْعِ الْأَعْلَى كَدَوَامِ لُبْسِ الْأَعْلَى، انْتَهَى، فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: خَمْسَةُ نَظَائِرَ: التَّيَمُّمُ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمَسْحُ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْغَسْلُ عَلَى الْأَظْفَارِ فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمَذْهَبُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى عَدَمُ الرَّفْعِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (كَالْمُوَالَاةِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ فَأَخَّرَ الْغَسْلَ ابْتَدَأَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: أَخَّرَ قَدْرَ مَا يَجِفُّ فِيهِ الْوُضُوءُ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَقَوْلُهُ أَخَّرَ يُرِيدُ عَامِدًا، وَأَمَّا النَّاسِي فَيَبْنِي طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنْ فُرُوعِ الْمُوَالَاةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ فِي الْحَالِ أَجْزَأَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ أَوَّلِ الطَّهَارَةِ وَتَمَامِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ. (قُلْتُ) لِتَحْدِيدٍ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْعَجْزِ، وَأَمَّا مَعَ الْعَمْدِ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ فَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ هَارُونَ

أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ: إنَّهُ يَتَحَدَّدُ أَيْضًا بِالْجَفَافِ، وَالْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ نَزَعَ رِجْلًا وَعَسُرَتْ الْأُخْرَى وَضَاقَ الْوَقْتُ فَفِي تَيَمُّمِهِ وَمَسْحِهِ عَلَيْهِ، أَوْ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وَإِلَّا مُزِّقَ أَقْوَالٌ:) . ش صَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَعَطَفَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُمَزِّقُهُ " بِقِيلَ " وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالتَّمْزِيقِ مُطْلَقًا وَزَادَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلًا رَابِعًا وَهُوَ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَذَكَرَ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا قَلَّ ثَمَنُهُ مَزَّقَهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ. ص (وَنُدِبَ نَزْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ) . ش ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ نَافِعٍ بِتَحْدِيدِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَإِنَّهَا وِفَاقٌ لِلْمَذْهَبِ لِأَجْلِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ. (قُلْتُ) وَصَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِ نَزْعِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَأَظُنُّهُ فِي الْمَعُونَةِ فَانْظُرْهُ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَصَاحِبُ الْكَافِي. ص (وَوَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى طَرَفِ أَصَابِعِهِ وَيُسْرَاهُ تَحْتَهَا وَيُمِرُّهُمَا لِكَعْبَيْهِ) . ش هَذِهِ صِفَةُ الْمَسْحِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَلْ يُجَدِّدُ الْمَاءَ لِكُلِّ رِجْلٍ أَمْ لَا؟ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا تَحْمِلْ الْمَاءَ بِيَدَيْكَ فَتَصُبَّهُ عَلَى خُفَّيْكَ وَلَكِنْ تُرْسِلُهُ وَتَمْسَحُ الْيُمْنَى ثُمَّ تَأْخُذُ الْمَاءَ لِلْيُسْرَى فَتُرْسِلُهُ مِنْ يَدَيْكَ ثُمَّ تَمْسَحُ عَلَى الْيُسْرَى، وَلَيْسَ فِيهِمَا إلَّا بَلَّةُ الْمَاءِ الَّذِي أَرْسَلْتَ مِنْ يَدَيْكَ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ مُوسَى إنْ عَمَّ مَسْحُهُ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ كَرَأْسِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (تَنْبِيهٌ) يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْخُفِّ بِالْمَسْحِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: وَهَذَا أَصْلُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَجِبُ الْإِيعَابُ، ثُمَّ قَالَ: وَحُجَّتُنَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ صَحَّ فِيهِ الْغَسْلُ وَجَبَ إذْ لَوْ انْتَفَى الْوُجُوبُ لَمَا صَحَّ أَصْلُهُ السَّابِقُ وَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَرِّرًا فِي آخِرِ الْعُضْوِ وَجَبَ إيعَابُهُ كَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. ص (وَهَلْ الْيُسْرَى كَذَلِكَ أَوْ الْيُسْرَى فَوْقَهَا؟ تَأْوِيلَانِ) . ش الثَّانِي تَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ تَأْوِيلُ ابْنِ شَبْلُونٍ وَاخْتَارَ سَنَدٌ الثَّانِيَ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَوَهِمَ ابْنُ شَبْلُونٍ فِي تَأْوِيلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّأْوِيلَ الثَّانِيَ أَرْجَحُ. (تَنْبِيهٌ) وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَمْسَحُ الرِّجْلَ الْيُسْرَى حَتَّى يَغْسِلَ الْيَدَ الَّذِي يَمُرُّ بِهَا مِنْ تَحْتِ الْخُفِّ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَيُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ طَهَارَةَ خُفِّهِ. ص (وَمَسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: " مَسَحَ " فِعْلٌ وَمُرَادُهُ بِمُوجِبِ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ مَسْحُ أَعْلَاهُ دُونَ أَسْفَلِهِ، وَلَا مَسْحُ أَسْفَلِهِ دُونَ أَعْلَاهُ إلَّا أَنَّهُ مَسَحَ أَعْلَاهُ وَصَلَّى فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يَمْسَحُ بُطُونَهُمَا فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ عِنْدَهُ وَاجِبَانِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي تَرْكِ الْأَسْفَلِ عَلَى الْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي بِلَفْظِ: وَلَا يُجْزِئُ، وَقَالَ ظَاهِرُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَأَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَهُوَ أَرَادَ، وَلَا يَجُوزُ فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ اُخْتُلِفَ فِي الْوَاجِبِ مِنْ مَسْحِهِمَا مَشْهُورُهَا وُجُوبُ مَسْحِ الْأَعْلَى وَاسْتِحْبَابُ مَسْحِ الْأَسْفَلِ. الثَّانِي وُجُوبُهُمَا لِابْنِ نَافِعٍ. وَالثَّالِثُ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَقَالَ فِي الْقَوَانِينَ: الْوَاجِبُ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَيُسْتَحَبُّ أَسْفَلُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَسْحَ الْأَسْفَلِ مُسْتَحَبٌّ فَيَصِحُّ عَلَى هَذَا أَنْ يُقِرَّ مَسْحَ - بِالسُّكُونِ - عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى

فصل في التيمم

الْمَسْحِ وَالْمَعْنَى يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْجَلَّابِ وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلِهِمَا، فَإِنْ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا دُونَ أَسْفَلِهِمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِمَا دُونَ أَعْلَاهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إيجَابًا، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ) ش: أَيْ: فَيُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَيُعِيدُ الْوُضُوءَ أَبَدًا وَكُلُّ ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَهَلْ يُعِيدُ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَوْ أَسْفَلَ الْخُفِّ فَقَطْ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَرَأَى أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ جَاهِلًا حَتَّى طَالَ كَانَ فِيهِ خَرْمُ الْمُوَالَاةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَمْسَحُ أَسْفَلَهُ فَقَطْ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ وَسَيَذْكُرُهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ [فَصَلِّ فِي التَّيَمُّم] ص (فَصْلٌ يَتَيَمَّمُ) ش: لَمَّا ذَكَرَ الطَّهَارَةَ الْمَائِيَّةَ بِقِسْمَيْهَا وَمَا يَنُوبُ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ذَكَرَ مَا يَنُوبُ عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ أَعْنِي كَوْنَهُ نَائِبًا عَنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كَوْنِهِ أَصْلًا، أَوْ نَائِبًا عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ خِلَافٌ، وَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] أَيْ: تَقْصِدُونَهُ وَشَرْعًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: طَهَارَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَزَادَ الْمُنَاوِيُّ بَعْدَ قَوْلِنَا: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ " ضَرُورِيَّةً "، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِمَا: تُرَابِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْجِيرِ وَغَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِمَا كَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ " ضَرُورِيَّةٌ "؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ عَلَى الْجِيرِ يُرِيدُ قَبْلَ طَبْخِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا وَقَوْلُهُمَا تُرَابِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التُّرَابُ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: طَهَارَةُ تُرَابِهِ تُفْعَلُ مَعَ الِاضْطِرَارِ دُونَ الِاخْتِيَارِ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] . الْآيَةَ وَأَحَادِيثُ يَأْتِي بَعْضُهَا، وَمِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ: «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا.» وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِهَا وَإِحْسَانًا وَلِيَجْمَعَ لَهَا بَيْنَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ إيجَادِهَا وَالْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهَا إشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَقِيلَ فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ: إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - لَمَّا عَلِمَ مِنْ النَّفْسِ الْكَسَلَ وَالْمَيْلَ إلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ شَرَعَ لَهَا التَّيَمُّمَ عِنْدِ عَدَمِ الْمَاءِ لِئَلَّا تَعْتَادَ بِتَرْكِ الْعِبَادَةِ فَيَصْعُبُ عَلَيْهَا مُعَاوَدَتُهَا عِنْدَ وُجُودِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَشْعِرُ بِعَدَمِ الْمَاءِ مَوْتَهُ وَبِالتُّرَابِ إقْبَارَهُ فَيَزُولُ عَنْهُ الْكَسَلُ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَلَا أَعْرِفُهَا لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَقْوَالٌ مُتَبَايِنَةٌ بَلْ كُلٌّ عَبَّرَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ لَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِإِجْمَاعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ لِلْمُسَافِرِ عَزِيمَةٌ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: التَّيَمُّمُ يَجِبُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ جَمَاعَةَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ قَالَ التَّادَلِيُّ وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ عَزِيمَةٌ فِي حَقِّ الْعَادِمِ لِلْمَاءِ رُخْصَةٌ فِي حَقِّ الْوَاجِدِ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ. وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا لَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْوَاجِدِ إذْ قَدْ يَتَكَلَّفُ وَيَسْتَعْمِلُهُ وَمَعَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ وَاجِبًا. وَالْقَوْلُ بِالرُّخْصَةِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَادِمِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ تَقْتَضِي إمْكَانَ الْفِعْلِ الْمُرَخَّصِ فِيهِ وَتَرْكَهُ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَالْعَادِمُ لِلْمَاءِ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى تَرْكِ التَّيَمُّمِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَنْتَهِي إلَى الْوُجُوبِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهَا إذَا انْتَهَتْ إلَيْهِ صَارَتْ عَزِيمَةً وَزَالَ عَنْهَا اسْمُ الرُّخْصَةِ

انْتَهَى. وَفِيمَا قَالَهُ التَّادَلِيُّ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعَاجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِخَوْفِ ضَرَرٍ أَوْ زِيَادَةِ مَرَضٍ لَا يُقَالُ بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لِلْمَاءِ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ وَارْتَكَبَ الْخَطَرَ صَحَّ مَعَ إثْمِهِ فِي إقْدَامِهِ عَلَى الْخَطَرِ، وَإِنْكَارُهُ كَوْنَ الرُّخْصَةِ تَنْتَهِي لِلْوُجُوبِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ تَقْسِيمِهِمْ إيَّاهَا لِلْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَخِلَافُ الْأُولَى، وَالْحَقُّ أَنَّهُ رُخْصَةٌ تَنْتَهِي فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلْوُجُوبِ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، أَوْ خَافَ الْهَلَاكَ بِاسْتِعْمَالِهِ، أَوْ شَدِيدَ الْأَذَى، وَبَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً، أَوْ عَزِيمَةً تَيَمُّمَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَعَلَى أَنَّهُ عَزِيمَةٌ يَتَيَمَّمُ وَعَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ لَا يَتَيَمَّمُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً وَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْبَتِهِ مِنْ عِصْيَانِهِ كَمَا أَنَّ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ يُخَاطَبُ بِهَا الْكَافِرُ وَيَتَوَقَّفُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (ذُو مَرَضٍ) ش: أَيْ: صَاحِبُ الْمَرَضِ وَمَيْدُ الْبَحْرِ مَرَضٌ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْمَبْطُونُ وَالْمَائِدُ عَلَى الْوُضُوءِ تَيَمَّمَا فَحَمَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ وَقَالَ سَنَدٌ: يُرِيدُ إذَا عَظُمَتْ بَطْنُهُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ تَنَاوُلِ الْمَاءِ وَرَفْعِهِ مِنْ الْإِنَاءِ، وَكَذَلِكَ الْمَائِدُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْسِكَ نَفْسَهُ حَتَّى يَرْفَعَ الْمَاءَ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ، انْتَهَى. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَنْ لَا يَجِدَا مَنْ يُوَضِّئُهُمَا، أَوْ لَا يَسْتَطِيعَانِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَمَلَهُ الطُّلَيْطِلِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَنْ انْطَلَقَتْ بَطْنُهُ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ مَبْطُونًا بِبَطَنٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ بَطْنُهُ لَا يَسْتَطِيعُ إمْسَاكَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْأَحْدَاثِ الْمُسْتَنْكَحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَرِيبٌ مِنْ فَتْوَى اللَّخْمِيِّ وَلَعَلَّهُ اغْتَرَّ بِظَاهِرِ لَفْظِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ: وَمَنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بِيَدَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَخْرَجَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْ عِلَّةٍ نَزَلَتْ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، أَوْ جَارِيَةٌ غَسَلَتْ ذَلِكَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَقَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهَا فَعَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَا زَوْجَةٌ، وَلَا خَادِمٌ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَسَفَرٍ أُبِيحَ) ش: دَخَلَ السَّفَرُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ: جَائِزٌ لَشَمِلَ كَلَامُهُ ذَلِكَ نَصًّا، وَخَرَجَ الْمَكْرُوهُ وَالْحَرَامُ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ إبَاحَةِ السَّفَرِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ فِيهِ الْخِلَافَ فَقَالَ وَشَرَطَ الْقَاضِي إبَاحَةَ السَّفَرِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْأَصَحِّ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمَشَذَّالِيُّ بِلَفْظِ وَشَرَطَ الْقَاضِي إبَاحَةَ السَّفَرِ فَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَرَخَّصُ بِالْعِصْيَانِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: نَفْيُ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّرَخُّصَ بِسَبَبِ الْعِصْيَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ التَّيَمُّمِ خَاصَّةً وَهُوَ الْأَقْرَبُ مِنْ مُرَادِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ التَّرَخُّصِ عُمُومًا كَالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي مِنْ التَّرَخُّصِ بِسَبَبِ الْعِصْيَانِ إلَّا رُخْصَةً يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، وَأَمَّا رُخْصَةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَلَا يَمْنَعُ الْعِصْيَانُ مِنْهَا وَمَعْنَى هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا يَمْسَحُ فِي الْحَضَرِ فَهَلْ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَنْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: لَا يَمْسَحُ، وَلَا يَتَرَخَّصُ بِرُخْصَةٍ حَتَّى يَتُوبَ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا تَخْتَصُّ رُخْصَتُهُ بِالسَّفَرِ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَيْضًا فِي بَابِ الْقَصْرِ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِلَا خِلَافٍ، وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي

مَسْحِ الْخُفَّيْنِ: وَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ وَيُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ الْخِلَافَ وَصَحَّحَ مَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ التَّعْبِيرُ بِالْعِصْيَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْمَكْرُوهِ خِلَافَ مَا تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْمُصَنِّفِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ الْمَكْرُوهَ لَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ تَحْرِيمًا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَقَالُوا إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ قَصَرَ فِيهِ مَعَ اشْتِرَاطِهِمْ هُنَاكَ إبَاحَةَ السَّفَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَأَحْرَى هُنَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) مَثَّلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْعَاقِّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُخَالِفِ لِشَيْخِهِ الَّذِي فَوَّضَ إلَيْهِ أُمُورَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا عَزَمَ عَلَى التَّوْبَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - السَّفَرَ، فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ، أَوْ دُونَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ: الْأُولَى اشْتِرَاطُهُ. الثَّانِيَةُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. الثَّالِثَةُ فِيهِ قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِسَفَرِ الْقَصْرِ وَقَالَ التُّونُسِيُّ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ نَصُّ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَإِنْ قَصَرَ سَفَرَهُ، وَقِيلَ: كَالْقَصْرِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْإِشْرَافِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا فِي سَفَرِ الْقَصْرِ، وَاشْتَرَطَ آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الطِّرَازِ مِمَّا يُصَحِّحُ وُجُودَ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْعِصْيَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَا يُقَالُ: هَذَا الْفَرْعُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يَمْنَعُ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا فِي التَّيَمُّمِ لِلسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ فَعَلَى الصَّحِيحِ مَنْ عَدِمَ اشْتِرَاطَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَكُونُ كَالْحَاضِرِ لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا لِلْفَرَائِضِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِقَامَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَلَبِ الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُبَاحُ السَّفَرُ لِلتَّجْرِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّيَمُّمِ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمْ عَلَى الْتِمَاسِ الْعَقْدِ ضَرْبٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَالِ وَتَنْمِيَتِهِ وَقَبِلَهُ هُوَ وَعِيَاضٌ وَقَالَ الْأَبِيُّ: قُلْتُ: إنَّمَا فِيهِ الْإِقَامَةُ لِحِفْظِ الْمَالِ وَحِفْظُهُ وَاجِبٌ بِخِلَافِ السَّفَرُ لِتَنْمِيَتِهِ وَقَالَ عِيَاضٌ فِيهِ جَوَازُ الْإِقَامَةِ بِمَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ لِحَوَائِجِ الْإِنْسَانِ وَمَصَالِحِهِ وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ هُوَ مَا لَزِمَهُ مِنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ، أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ عَدِمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ طَلَبُهُ عِنْدَ كُلِّ طَهَارَةٍ وَنَحْوِهِ لِلْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْأَبِيُّ الْمَصْلَحَةُ هُنَا حِفْظُ الْمَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ الْإِقَامَةِ لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ، انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. وَمَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ ظَاهِرٌ بَلْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ عَنْ الْبَاجِيِّ صَرِيحًا قَالَ مَا نَصَّهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَابْنِ مَسْلَمَةَ جَوَازُ سَفَرِ التَّجْرِ وَالرَّعْيِ حَيْثُ يَتَيَقَّنُ عَدَمَ الْمَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَيَقُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ الْخُرُوجُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَكَان يُحْدِثُ فِيهِ عَلَى أَمْيَالٍ دُونَ مَا إذَا كَانَ يَشُكُّ هَلْ فِيهِ مَاءٌ أَمْ لَا؟ وَانْظُرْ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ هَلْ يَجِبْ حَمْلُ الْمَاءِ، أَوْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ اسْتِعْدَادُ الْمَاءِ لَهَا وَشَاهَدْتُ فِي حَالِ صِغَرِي فَتْوَى شَيْخِنَا الشَّبِيبِيِّ بِذَلِكَ الْأَمْرِ وَلَا أَدْرِي هَلْ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ؟ وَنَفْسِي إلَى الْوُجُوبِ أَمْيَلُ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ

خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَغَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَضَى إلَيْهِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِلَفْظِ: مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى الْمِيلِ وَالْمِيلَيْنِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى مَا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا حَيْثُ تَدْعُوهُ إلَى الْخُرُوجِ ضَرُورَةٌ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ سَبَبٍ يَنْقُلُ إلَى التَّيَمُّمِ إلَّا عِنْدَ حَاجَةٍ، أَوْ حُدُوثِ ضَرُورَةٍ. (الْخَامِسُ) دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا وَعَصَى فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ ص (لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ يَتَيَمَّمَانِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ أَمَّا تَيَمُّمُهُمَا لِلْفَرَائِضِ فَحَكَى ابْنُ الْحَارِثِ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَرِيضِ الْوَاجِدِ لِلْمَاءِ عِنْدَهُ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِتَعَذُّرِ مَسِّهِ، أَوْ لِضَعْفِهِ عَنْ تَنَاوُلِهِ قَائِلًا: أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَاءُ غَائِبًا عَنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ، وَلَا مَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ يَتَيَمَّمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ فِيهَا وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَبَّهْتُ عَلَى بَحْثِهِ فِي الْأَوْرَاقِ الَّتِي كَتَبْتُهَا عَلَيْهِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ هَارُونَ: أَنَّهُ إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا خِلَافَ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ خَافَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا تَيَمُّمُهُمَا لِلنَّوَافِلِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ فِي الْمُسَافِرِ قَالَ: وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيَّ: وَالْمَرِيضُ مِثْلُهُ ص (وَحَاضِرٍ صَحَّ لِجِنَازَةٍ إنْ تَعَيَّنَتْ) . ش يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِرَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسَافِرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ لِلْجِنَازَةِ إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَا يُوجَدَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يُحَصِّلَ الْمَاءَ أَوْ يَصِلَ إلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْجِنَازَةِ بَيْنَ أَنْ تَتَعَيَّنَ أَوْ لَا، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَيَّدَ بِهِ سَنَدٌ الْمُدَوَّنَةَ قَالَ فِيهَا: وَلَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ بِتَيَمُّمٍ إلَّا مُسَافِرٌ عَدِمَ الْمَاءَ فَقَيَّدَهُ سَنَدٌ بِأَنْ لَا تَتَعَيَّنَ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُتَوَضِّئٌ، أَوْ يُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءُ أَوْ يَمْضُوا إلَيْهِ، قَالَ: وَإِلَّا صَلَّوْا عَلَيْهَا بِالتَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ تَبِعَ ابْنَ بَشِيرٍ فِي التَّفْرِقَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ مُقَيَّدَةٌ بِذَلِكَ وَأَنَّ التَّفْرِقَةَ الْمَذْكُورَةَ ذَكَرَهَا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَكَالْفَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ تُدْفَنُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ فَيَتَيَمَّمُ لَهَا الْمُسَافِرُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا الْمَرِيضُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ الْمَرِيضَ يَتَيَمَّمُ لِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَيَتَيَمَّمُ لَهَا، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الْعَادِمُ الْمَاءَ وَيَكُونُ نِيَّةُ الْمُسَافِرِ عَلَى الْمَرِيضِ، أَوْ سَكَتَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ عَنْ حُضُورِ الْجَنَائِزِ، انْتَهَى. وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَادِمَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: حُكْمُ الْمَرِيضِ الْمُقِيمِ فِيمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ وَفِي كَلَامِ الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يُتَمَسَّكُ بِالْحَصْرِ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ يَخَافُ إنْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ، أَوْ الْوُضُوءِ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ لَهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ صَحِبَهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَانْتَقَضَتْ تَيَمَّمَ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلٌ عَلَى مَا قِيلَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ اللَّاحِقَ بِالدَّاخِلِينَ فِيهِ بَعْدَ تَلَبُّسِهِمْ

بِهِ وَسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِمْ يَلْحَقُ بِهِمْ وَيَقَعُ فِعْلُ الْجَمِيعِ فَرْضًا مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ أَوَّلًا وَمَنْ لَحِقَ بِهِ وَأَيْضًا إذَا كَانَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ خِطَابُ الْجَمِيعِ حَتَّى يَفْعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْيِينِهِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ نَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّالِثُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْجِنَازَةَ الْمُتَعَيِّنَةَ جَمَاعَةٌ جَازَ لَهُمْ الْجَمِيعِ التَّيَمُّمُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ تَيَمُّمِهِمْ وَدُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ وَاسْتِشْكَالِهِ أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي عَدَمَ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَفَرْضٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ لِلْجِنَازَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ كَمَا نُبِّهَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا يَظْهَرُ إذَا قِيلَ إنَّ عَادِمَ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ لَا يُصَلِّي، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلِّيَ هَذَا بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِتَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَزِيدُهُ إلَّا خَيْرًا، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِذَا تَيَمَّمَ الصَّحِيحُ وَصَلَّى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُعِيدُ أَبَدًا، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي الصَّحِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجُونًا وَهُوَ فِي ضِيقٍ مِنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمَاءَ خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَأَجَازَ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ أَيْضًا يُعِيدُ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَطْلُبُ الْمَاءَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إذَا طَلَبَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ خِلَافَ ظَنِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ خَافَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ ذَهَبَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ، وَلَا غَيْرِهِ إذَا تَوَضَّأَ وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ فِي الْحَضَرِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ إذَا تَوَضَّأَ، انْتَهَى. وَإِطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُعِيدُ صَادِقٌ عَلَى ذَلِكَ أَعْنِي نَفْيَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. ص (غَيْرِ جُمُعَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ يَتَيَمَّمُ لَهَا إذَا خَشِيَ الْفَوَاتَ وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ عَزَا هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ الْقَصَّارِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ إنْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ إذَا خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْقِيَاسُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهَا إذَا خَافَ الْفَوَاتَ فَلَيْسَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْجُمُعَةِ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِلٌ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ بَالَغَ سَنَدٌ فِي إنْكَارِ التَّيَمُّمِ لِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: يَتَيَمَّمُ وَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ مَا بَعُدَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ اخْتِيَارُ ذَلِكَ. (قُلْتُ) وَهُوَ حَسَنٌ إذَا تَحَقَّقَ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ إذَا ذَهَبَ لِلْوُضُوءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُعِيدُ) ش: يَعْنِي إذَا تَيَمَّمَ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِلْفَرْضِ وَصَلَّاهُ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَفَرْضٍ ص (لَا سُنَّةٍ) ش: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا وَعَزَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ لِلْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ سَبِيلُ السُّنَنِ فِي التَّيَمُّمِ سَبِيلُ الْفَرَائِضِ الْوِتْرِ وَالْفَجْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْخُسُوفِ وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلْعَيْنِيَّةِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ دُونَ السُّنَنِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْعِيدَيْنِ وَعَزَاهُ

اللَّخْمِيُّ لِلْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّهُ: وَيُخْتَلَفُ فِي السُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّوَافِلِ وَلَا لِلسُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَلَى الْكِفَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ ابْنِ سَحْنُونٍ وَكَلَامَ ابْنِ وَهْبٍ الْمُتَقَدِّمَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَازَ لِلسُّنَنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِ الْوَتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفَرَاغَ الْإِمَامِ مِنْ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَمَلَ كَلَامَ سَنَدٍ ابْنُ سَحْنُونٍ عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ قَالَ: وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنْ تَوَضَّأَ وَإِنْ تَيَمَّمَ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَدَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: حِكَايَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ فِي السُّنَنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ التَّيَمُّمِ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ فِي الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ التَّيَمُّمُ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنْ تَنَاوَلَتْهُ كَانَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، وَإِنْ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ لَهَا، انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْجِنَازَةِ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ: وَوَجَّهَ الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ بِالْمَنْعِ فَلَمْ يَجِبْ لِلتَّيَمُّمِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكَمَا لَوْ مَرَّ بِسَجْدَةٍ وَهُوَ فِي سُوقِهِ، أَوْ دَخَلَ فِي طَرِيقِهِ مَسْجِدًا فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ التَّحِيَّةَ، أَوْ يَقْرَأَ فِي حَانُوتِهِ وَهُوَ جُنُبٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُهُ، انْتَهَى. وَيَنْبَغِي لِلشَّخْصِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَلَا يُبَاحُ إلَّا بِهَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ بِالتَّيَمُّمِ إذَا خَافَ فَوَاتَهُ وَكُلُّ فِعْلٍ تُنْدَبُ لَهُ الطَّهَارَةُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ، أَوْ الدُّعَاءِ وَالْمُنَاجَاةِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَخَافَ فَوَاتَ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا خَيْرًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَيْسَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ إحْدَاثُ قَوْلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا حَصَلَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَتَقْلِيدُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ الَّذِي عَدِمَ الْمَاءَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ لِلسُّنَنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُرَادُهُ إذَا خَشِيَ إنْ تَشَاغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ أَوْ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَالْمَشْهُورُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْحَاضِرِ مِنْ التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَرَجَتْ الْفَرَائِضُ لِإِدْرَاكِ الْوَقْتِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. فَجَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَنْ يَخَافُ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْعَوْفِيِّ وَالْوَانُّوغِيِّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْوَانُّوغِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ الْغُسْلَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: وَصَلَّى، وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ دُخُولِهِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَا أَنَّهُ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي الْأَخْذِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ هَلْ مُرَادُهُ الْجُنُبُ الصَّحِيحُ، أَوْ الْمَرِيضُ؟ وَقَدْ نَقَلَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْوَانُّوغِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ إعَادَةِ مَا صَلَّى مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ لِلصَّلَاةِ؟ فَقَدْ يُقَالُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالْإِعَادَةَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِمَا وَلِقَوْلِهِ لَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ لِسُنَّةٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَيَجُوزُ لِقَوْلِهَا يَتَيَمَّمَانِ لِلطَّوَافِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ أَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَلْ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يَكَادُ يُتَصَوَّرُ فِي الطَّوَافِ إلَّا لِلْمَرِيضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا وَسَطَ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ

لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى الْمَاءِ وَيَصِيرَ فِي مَعْنَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ كَالْجِنَازَةِ الْمُتَعَيَّنَةِ، أَوْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمَاءِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ صَارَ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ نَصًّا عَنْ الْمَذْهَبِ لَكِنْ رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ فَيَجِبُ إذَا اُضْطُرَّ لِدُخُولِهِ أَنْ يُبَاحَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَقَدْ أَرَيْنَاكَ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقًا يُرْشِدُكَ لِمَا سِوَاهُ، انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي التَّيَمُّمِ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ نَفْسِهِ وَقَالَ بَعْدَهُ، انْتَهَى، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْبَاجِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ. (قُلْتُ) وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ وَنَصُّهُ: فَإِنْ الْتَجَأَ الْجُنُبُ إلَى دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِيَأْخُذَ مِنْهُ الْمَاءَ لِغُسْلِهِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كُلَّ فِعْلٍ مُنِعَ مِنْهُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَطَهَّرَ فَإِنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ لِذَلِكَ بِالْمَاءِ اسْتَبَاحَهُ بِالتُّرَابِ كَالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ إذَا الْتَجَأَ إلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ، انْتَهَى. وَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ فِي التَّوْجِيهِ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ لِلسُّنَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ جُنُبٌ وَالدَّلْوُ فِيهِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ لِأَخْذِهِ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ انْتَظَرَ مَنْ يَأْتِي فَيُنَاوِلُهُ إيَّاهُ. (قُلْتُ) مِثْلُهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ أَوْ يَدْخُلُ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؟ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سَأَلَ مَالِكًا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهَا فَأَجَابَهُ ابْنُ الْحَسَنِ بِالْأَوَّلِ وَسَكَتَ مَالِكٌ وَعَكْسُهُ أَنْ تُصِيبَهُ جَنَابَةٌ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْبُخَارِيِّ جَوَازَ الْخُرُوجِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ " بَابُ جَوَازِ خُرُوجِ الْجُنُبِ مِنْ الْمَسْجِدِ " وَأَدْخَلَ خُرُوجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَسْلِ رَأْسِهِ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. (قُلْتُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمَ (قُلْتُ) ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَأَعَادَ مُحَمَّدٌ سُؤَالَهُ فَأَعَادَ مَالِكٌ جَوَابَهُ فَأَعَادَ مُحَمَّدٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ: يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ لِأَخْذِ الْمَاءِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ مَالِكٌ، انْتَهَى. مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمَشَذَّالِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ فِي عَكْسِ الْفَرْعِ: فَإِنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ فَهَذَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ لِخُرُوجِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْخَبَرِ وَالنَّظَرِ أَمَّا الْخَبَرُ فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْرَمَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ خَرَجَ» وَلَمْ يُرَ وَاحِدٌ أَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَأَمَّا النَّظَرُ فَلِأَنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِالتَّيَمُّمِ كَانَ لُبْثًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ فَكَانَ خُرُوجُهُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ يُعَدُّ تَرْكًا لِلْكَوْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَزْعًا عَنْهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ إذَا احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ الْعَوْفِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَكَلَامَ سَنَدٍ مَا نَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا نَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا لَوْ نَامَ فِي بَيْتِ الْمَسْجِدِ فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِخُرُوجِهِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ كَانَ مُضْطَرًّا لِلْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ تَيَمَّمَ لِلْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ لِخُرُوجِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَيَمُّمِهِ عَلَى تُرَابِ الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (إنْ عَدِمُوا مَاءً كَافِيًا) ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَالْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَيُصْرَفُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَيَعْنِي أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهُمْ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ مِنْهَا عَدَمُ الْمَاءِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الْأُولَى عَدَمُ الْمَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِيَةُ وُجُودُ

مَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَمَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ، وَلَا لِلْغُسْلِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ. الثَّالِثَةُ وُجُودُ مَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ. وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ سَوَاءٌ كَمَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي جُنُبٍ مُسَافِرٍ اغْتَسَلَ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَصَلَّى فَبَقِيَ عَلَيْهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَيَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَقَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَذَهَبَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَى أَنَّهُ يَبْنِي التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ وَيُكْمِلُ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاَلَّذِي يُرَاعَى مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَنْ يَجِدَ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ فَإِنْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ الْكِفَايَةِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ مَا وَجَدَ مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فَرْضَهُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ إمَّا الْمَاءُ وَإِمَّا التُّرَابُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مُغْنِيًا عَنْ التَّيَمُّمِ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ وُجُودُ الْكِفَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: يَسْتَعْمِلُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: فَإِنْ وَجَدَ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ مَعَ الْجُنُبِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا يَتَوَضَّأُ بِهِ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَحْدَثَ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ بِهِ أَذًى غَسَلَهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَلَا يَتَوَضَّأُ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي اخْتِصَارِهِ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ وَصَلَّى تَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا، وَإِنْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ، أَوْ نَامَ ثُمَّ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ الْوُضُوءِ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا، وَكَذَلِكَ يَعُودُ بِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ ثَانِيَةٍ وَنَقَلَهُ سَنَدٌ أَيْضًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا إذَا قِيلَ: إنَّ حُكْمَ الْوُضُوءِ مُطْرَحٌ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ مَا ذَكَرَهُ بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِلْزَامِ الْغُسْلِ لِلْوُضُوءِ، انْتَهَى. بَلْ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْغُسْلِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُجْزِئُ الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ مَا يَسْتَعْمِلُ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ يُجْزِئُ فِي الْإِجْزَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْكَمَالِ وَلَا خِلَافَ عَلِمْتُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِ الْوُضُوءِ تَقْدِيرًا، أَوْ يُقَدَّرُ الْآتِي بِالْغُسْلِ آتِيًا بِالْوُضُوءِ حُكْمًا، انْتَهَى. أَوْ لَعَلَّ هَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا: الْتَزَمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا اسْتِعْمَالَهُ فِي الْوُضُوءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ الْأَعْرَجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يُزِيلُ بِهِ بَعْضَ النَّجَاسَةِ وَيَأْتِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ عَوْرَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَدَ مِنْ الطَّعَامِ يَسِيرًا لَا يَمْسِكُ رَمَقَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَيْتَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ طَهَارَةُ بَعْضِ الْمَحِلِّ وَسَتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَفِي أَكْلِ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ إمْسَاكٌ لِلرَّمَقِ، وَتَقَدَّمَ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ، أَوْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْفُوَّاتِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ مَا سَقَطَ مِنْ أَعْضَائِهِ وَيُكْمِلَ وُضُوءَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَدَ مَاءً مُسْتَعْمَلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ هُنَاكَ بَلْ قَالَ ابْنُ هَارُونَ إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا فِي

أَوَّلِ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ خَاصَّةً وَإِنْ جَمَعَهُ مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ حَيْثُ أَوْرَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ بَحْثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي انْتِقَالِهِ لِلتَّيَمُّمِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَحْثٌ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا مَنْصُوصًا. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْبَرْزَلِيِّ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَا يَغْسِلُ بِهِ الْأَعْضَاءَ الْمَفْرُوضَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَيَتْرُكُ السُّنَنَ، وَلَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَغَيْرِهِ فِي الْمَاءِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَالْمَاءُ الْمُضَافُ كَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَشَرْحِهِ، وَنَصُّهُ: قَالَ فِي التَّلْقِينِ: شَرْطُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْمَاءِ الَّذِي يَطْهُرُ بِهِ، أَوْ عَدَمُ بَعْضِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِيُخْرِجَ الْمَاءَ الْمُضَافَ وَالْمَاءَ الْيَسِيرَ تَحِلُّهُ النَّجَاسَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ، وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَوَانِي عِنْدَ مَنْ يَقُولُ يَتَيَمَّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) لَوْ وَجَدَ مَاءً لِلْغَيْرِ أَوْ مَاءً مُسَبَّلًا لِلشُّرْبِ خَاصَّةً هَلْ يُعَدُّ فَاقِدًا لِلْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَقْدَ الشَّرْعِيَّ كَالْفَقْدِ الْحِسِّيِّ وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَمَعَهُ جُنُبٌ فَرَبُّهُ أَوْلَى بِهِ قَالَ رَبُّهُ أَوْلَى لَا لِكَوْنِهِ مَيِّتًا بَلْ لِمِلْكِهِ، انْتَهَى. وَالْمَاءُ الْمُسَبَّلُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ إيَّاهُ فَلَا يُصْرَفُ فِي غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ حَمَلَ مَاءً عَلَى دَابَّةٍ وَدِيعَةً عِنْدَهُ تَعَدِّيًا هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ؟ قَالَ: لَا وَيَتَيَمَّمُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يُعِدْ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ. ص (أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا، أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ) . ش الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ لِمَنْ ذُكِرَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافُوا الْمَرَضَ، أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَتَيَمَّمُ لِمَا أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهُ فَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ يَتَيَمَّمَانِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِلْفَرْضِ فَقَطْ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: خَوْفُ تَلَفٍ، أَوْ زِيَادَةُ مَرَضٍ، أَوْ تَأْخِيرُ بُرْءٍ، أَوْ حُدُوثُ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، انْتَهَى. وَاكْتَفَى الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا عَنْ خَوْفِ التَّلَفِ إذْ هُوَ أَحْرَى بِالنِّسْبَةِ إلَى خَوْفِ الْمَرَضِ وَفِي الْجَوَاهِرِ السَّبَبُ الْخَامِسُ الْمَرَضُ الَّذِي يُخَافُ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَهُ فَوَاتُ الرُّوحِ أَوْ فَوْتُ مَنْفَعَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، أَوْ تَأَخُّرَ الْبُرْءِ، أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَكَذَلِكَ إنْ خَافَ الصَّحِيحُ نَزْلَةً، أَوْ حُمَّى فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَرَوَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّيَمُّمِ بِمُجَرَّدِ خَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ، أَوْ زِيَادَتِهِ إنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتَأَلَّمُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَخَافُ عَاقِبَتَهُ لَزِمَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ جَمِيعَهُ، وَلَفْظُهُ فِي الْآخِرِ: وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ فَلَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَشْهَبُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَرِيضٍ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ قَائِمًا لَقَدِرَ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ قَالَ: فَلْيُفْطِرْ وَلْيُصَلِّ جَالِسًا، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَافَ الْجُنُبُ الصَّحِيحُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ ثَلْجٍ، أَوْ بَرْدٍ يَتَيَمَّمُ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَجْدُورُ وَالْمَحْصُوبُ إذَا أَصَابَتْهُمَا جَنَابَةٌ وَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا تَيَمَّمَا لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَحْدَثَا أَوْ لَمْ يُحْدِثَا، انْتَهَى مِنْ اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَكَلَامُ سَنَدٍ فِي شَرَحَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الصَّحِيحُ الْحَاضِرُ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ مِنْ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحَيْ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ. (فَرْعٌ) يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ سَنَدٌ وَأَصْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ

وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ قَالَ سَنَدٌ: فَرْعٌ: إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّي قَائِمًا فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي عِرْقِهِ وَخَافَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ عَنْهُ الْعِرْقُ وَدَامَتْ عِلَّتُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: إنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي إيمَاءً إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ زَوَالِ عِرْقِهِ لَمْ يُعِدْهُ وَمَا قَالُوهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ فَإِنَّ دَوَامَ الْمَرَضِ فِي مَعْنَى زِيَادَةِ الْمَرَضِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُنَا بَحْثٌ يَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ وَهُوَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى الْخَوْفِ فَهَلْ يَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ اعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْخَوْفِ، أَوْ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا خَوْفًا نَشَأَ عَنْ سَبَبٍ: أَمَّا إذَا كَانَ عَنْ جُبْنٍ وَخَوْرٍ لَا عَنْ سَبَبٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَوْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ كَأَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ تَجْرِبَةٌ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ مِمَّا يُقَارِبُهُ فِي الْمِزَاجِ أَوْ بِخَبَرِ عَارِفٍ بِالطِّبِّ. ص (أَوْ عَطَشَ مُحْتَرَمٍ مَعَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ لِمَنْ تَقَدَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ أَيْضًا إذَا خَافُوا عَطَشَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا خَافَ الْعَطَشَ إنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَعَهُ تَيَمَّمَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَظَنِّ عَطَشِهِ أَوْ عَطَشِ مَنْ مَعَهُ مِنْ آدَمِيٍّ، أَوْ دَابَّةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَظَنِّ عَطَشِهِ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا كَالْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمَا إذَا خَافَ عَطَشَهُ، أَوْ عَطَشَ مَنْ مَعَهُ تَيَمَّمَ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ الْعِبَارَتَيْنِ وَجَدْتَ بَيْنَهُمَا فَرْقًا؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْعَطَشِ أَوْ تَوَهَّمَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ عِبَارَاتِهِمْ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْح ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَصُّ مَا فِي التَّلْقِينِ: الرَّابِعُ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى إنْسَانٍ التَّلَفَ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ، أَوْ يَخَافَ ذَلِكَ فِي ثَانِي حَالٍ وَيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِهِ: أَمَّا إذَا خَافَ عَطَشًا يُمْرِضُهُ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ، وَأَمَّا خَوْفُهُ تَلَفَ آخَرَ مِنْ الْعَطَشِ فَيُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِ غَيْرِهِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ عَلَى غَيْرِهِ الْمَوْتَ، أَوْ ضَرَرًا أَشْبَهَ الْمَوْتَ وَقَيَّدَ الْقَاضِي كَلَامَهُ هُنَا بِخَوْفِ التَّلَفِ لِلِاخْتِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا خَوْفُهُ مِنْ مَرَضِ غَيْرِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ: " أَوْ يَخَافَ ذَلِكَ فِي ثَانِي حَالٍ إلَخْ "؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخَافَ التَّلَفَ فِي الْحَالِ، أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَشْرَبُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ هُنَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ اشْتَرَطَ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تُنَاطُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لَا بِالشَّكِّ وَالْوَهْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَثُرَتْ الرُّفْقَةُ وَكَثُرَ مَعَهُ الْفُقَرَاءُ كَالرَّكْبِ وَالْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي مِثْلِ الْمَفَاوِزِ وَالْخُبُوتِ لَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ أَنْ يَخَافَ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ الْمَوْتَ مِنْ الْعَطَشِ فَيُبَاحُ التَّيَمُّمُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَسْقِيَ الْفُقَرَاءَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْضُلُ عَنْ شُرْبِهِ وَشُرْبِ مَنْ مَعَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ فِي خَوْفِ الْمَرَضِ نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي خَوْفِ الْعَطَشِ بَيْنَ أَنْ يَخَافَ الْمَوْتَ، أَوْ يَخَافَ ضَرَرًا لَا يَمُوتُ مَعَهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الطِّرَازِ وَالذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ نَقْلُ الْمَازِرِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخَافَ عَلَى غَيْرِهِ الْمَرَضَ أَوْ التَّلَفَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَرٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى غَيْرِهِ الْمَرَضَ، أَوْ خَوْفَ عَطَشٍ مُتَوَقَّعٍ وَلَوْ عَلَى رَقِيقٍ، أَوْ دَابَّةٍ فَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَسْقِيهِ فَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ مَعَهُ مَاءٌ قَلِيلٌ وَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَاسْتَسْقَاهُ أَيَسْقِيهِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ: ذَلِكَ يَخْتَلِفُ. أَمَّا رَجُلٌ يَخَافُ أَنْ يَمُوتَ فَيَسْقِيَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُ الْأَمْرُ الْمَخُوفُ فَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ عَطَشًا خَفِيفًا وَلَكِنْ إنْ أَصَابَهُ مِنْ

ذَلِكَ أَمْرٌ يَخَافُهُ فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ خَوْفُهُ عَلَى الرَّجُلِ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ، وَقَدْ قَالَ فِي رَسْمٍ الْوُضُوءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: إنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ قَدْرُ وُضُوئِهِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَهُوَ كَمَا قَالَ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا التَّلَفَ، وَلَا الْمَرَضَ، وَإِنَّمَا بِهِ عَطَشٌ خَفِيفٌ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ شُرْبُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالتَّيَمُّمُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الدَّابَّةِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَنَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ، أَوْ خِنْزِيرٌ يَقْتُلُهُمَا، وَلَا يَدَعُ الْمَاءَ لِأَجْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ ابْنُ هَارُونَ قَدْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ قَتْلِ الْكَلْبِ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ الْمَذْهَبُ جَوَازُ قَتْلِهِ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَإِذَا جَازَ قَتْلُهُمَا وَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ غَيْرَ جَائِزٍ تَعَيَّنَ قَتْلُهُمَا، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ سَبَبِيَّةِ عَطَشِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ الدَّمِ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ إلَّا عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا إنْ لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهَا وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً إنْ أُكِلَ لَحْمُهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُجْحِفُ بِهِ ذَبَحَهَا وَإِنْ أَجْحَفَ بِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ وَثَمَنُهُ يَسِيرٌ يَتْرُكُهُ يَمُوتُ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، انْتَهَى. وَعَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ احْتَرَزَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْتُ إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ، أَوْ بَيْعُ لَحْمِهِ بِرَخْصِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْمَاءَ، وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ أُلْغِيَ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَيُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْآدَمِيَّ بِالْمَعْصُومِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ وَالْمُرْتَدَّ وَالزَّانِيَ الْمُحْصَنَ وَنَحْوَهُمْ لَا يُرَاعَى الْخَوْفُ مِنْ عَطَشِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا ثَبَتَ سَبَبُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قَدْ يُقَالُ: إنَّ خَوْفَ الْعَطَشِ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ جَمْعُ الْمَاءِ وَيَشْرَبُهُ، وَأَمَّا مَعَ الْإِمْكَانِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَإِنْ قِيلَ تَعَافُهُ النَّفْسُ قِيلَ: عِيَافَتُهُ لَا تَنْهَضُ حُجَّةً فِي الْعُدُولِ عَنْ الْمَاءِ وَقُصَارَى مَا يُخَافُ مِنْهَا الْمَرَضُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ إذَا خَافَ حُدُوثَ الْمَرَضِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا إطْرَاحُ النَّظَرِ فِي جَمْعِهِ وَشُرْبِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ذَكَرَ الشَّيْخُ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ وَاسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَأَيْضًا فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ كَمَا تَقَدَّمَ. (الْخَامِسُ) كَمَا يُرَاعَى فِي الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ شُرْبِهِ فَكَذَلِكَ يُرَاعَى أَنْ يَفْضُلَ عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عَجْنٍ، أَوْ طَبْخٍ يَطْبُخُهُ لِمَصْلَحَةِ بَدَنِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الطَّبْخِ فَأَحْرَى الْعَجْنُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِطَلَبِهِ تَلَفَ مَالٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ يُبَاحُ لَهُمْ التَّيَمُّمُ إذَا خَافُوا بِسَبَبِ طَلَبِهِمْ الْمَاءَ تَلَفَ مَالٌ مِنْ لُصُوصٍ، أَوْ سِبَاعٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَكُونُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ طَلَبٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ أَنَّهُمَا يَتَيَمَّمَانِ إذَا خَافَا أَنْ يُسْرَقَ مَتَاعُهُمَا إذَا ذَهَبَا إلَى الْمَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقِيلَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ تَلَفِ الْمَالِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَأَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْخَوْفَ، وَلَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَأَمَّا مَعَ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي الْمَالِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْإِعَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ نَظَرٌ كَالْمُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ خَوْفًا مِنْ لُصُوصٍ، أَوْ سِبَاعٍ، انْتَهَى. فَحُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لَكِنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْيَسِيرِ مَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ فَأَقَلُّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَيَمَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى

أَعْلَمُ. (الثَّانِي) شَمِلَ قَوْلُنَا: لُصُوصٌ مَنْ يَخَافُ طُرُوَّهُ، وَمَنْ يَكُونُ مَعَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: أَوْ يَخَافُ لُصُوصًا أَوْ سِبَاعًا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَوْ كَانَ مَنْ هُوَ مَعَهُ غَيْرَ مَأْمُونٍ مَتَى فَارَقَهُ ذَهَبَ بِرَحْلِهِ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا الْخَوْفَ عَلَى النَّفْسِ مِنْ اللُّصُوصِ، أَوْ السِّبَاعِ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ تَعْمِيمُهُ ذَلِكَ. (الرَّابِعُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: مِنْ أَسْبَابِ التَّيَمُّمِ خَوْفُ فَوَاتِ الرَّفِيقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ كَرَاهَةَ تَعْرِيسِهِمْ دُونَ الْمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ خَوْفًا عَلَى مَا لَهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا إعَادَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ أَصْبَغُ: يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُونَ أَبَدًا وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَبْسُوطَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يَجُوزُ لَهُمْ مِنْ النُّزُولِ دُونَ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْعَقْدِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عَدَمِ شِرَاءِ الْمَاءِ إذَا رَفَعُوا عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ سُقُوطَ طَلَبِهِ عَلَى مِيلٍ وَنِصْفِ مِيلٍ خَوْفَ سَلَّابَةٍ، أَوْ سِبَاعٍ ابْنُ رُشْدٍ. مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَطْلُبُهُ فِي الْمِيلِ إنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا وَفِي النَّوَادِرِ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَلْيَتَيَمَّمْ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَجِدُ مِنْ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي رَسْم الْبَزِّ، وَأَمَّا الْمِيلَانِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ مِيلَيْنِ. ص (أَوْ خُرُوجَ وَقْتٍ) ش: أَيْ: وَكَذَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ ذُكِرَ إذَا خَافُوا خُرُوجَ الْوَقْتِ بِسَبَبِ طَلَبِهِمْ لِلْمَاءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ خَافَ فِي الْحَضَرِ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ إنْ ذَهَبَ إلَى النِّيلِ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ فِي مِثْلِ الْمَعَافِرِ وَأَطْرَافِ الْفُسْطَاطِ فَلْيَتَيَمَّمْ وَيُصَلِّ، وَلَا يَذْهَبُ إلَى الْمَاءِ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إنْ اشْتَغَلَ بِرَفْعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ خَافَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ ذَهَبَ الْوَقْتُ يَتَيَمَّمُ وَفِي التَّلْقِينِ الثَّالِثُ أَنْ يَخَافَ مَتَى تَشَاغَلَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ لِضِيقِهِ أَوْ لِتَأَخُّرِ الْمَجِيءِ بِهِ، أَوْ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ كَالدَّلْوِ وَالرِّشَا فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ أَقْسَامِ الْحَاضِرِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِطَلَبِ الْمَاءِ، وَمَنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِرَفْعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ الْآلَةِ وَالرَّابِعُ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَسَيُصَرِّحُ بِحُكْمِهَا وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ، قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ عَبْدٍ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ يَتَيَمَّمُ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصُّبْحَ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْإِسْفَارُ فَإِنَّمَا يُعَالِجُ طَلَبَ الْمَاءِ مَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يُسْفِرَ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ يَنْتَقِلُ إلَى التَّيَمُّمِ إذَا خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ مِنْ اعْتِبَارِ الضَّرُورِيِّ هُنَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيّ: الْأَوْقَاتُ الَّتِي تُؤَدَّى فِيهَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْقَاتُ الِاخْتِيَارِ لَا أَوْقَاتُ الضَّرُورَاتِ فَكُلُّ وَقْتٍ تُؤَدَّى فِيهَا الصَّلَاةُ بِالْوُضُوءِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ مَعَ الِاخْتِيَارِ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تُؤَدَّى فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَصْلُ مُتَّحِدًا أَخَّرَ الْقَيْدَ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي وَالشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ خِلَافُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ عَسْكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) وَالْمُرَادُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَنْ لَا يُدْرِكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ بِحُصُولِ رَكْعَةٍ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا إذَا خَافَ خُرُوجَ

الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ فِي ذَلِكَ مَا يُدْرِكُ بِهِ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فَقِيلَ: يُدْرِكُ بِرَكْعَةٍ كَالضَّرُورِيِّ، وَقِيلَ: بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَقِيلَ: لَا يُدْرِكُ إلَّا بِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ جَمِيعِهَا (الثَّانِي) الْمُرَاعَى فِي التَّشَاغُلِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ قَدْرَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّرَاخِي وَالْوَسْوَاسِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ وَكَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا، وَهَذَا أَحْرَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (كَعَدَمِ مُنَاوِلٍ أَوْ آلَةٍ) ش: أَيْ: وَكَذَلِكَ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ تَنَاوُلِهِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ، أَوْ لَمْ يَجِدْ آلَةً يَتَنَاوَلُهُ بِهَا وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَكَذَا لَوْ وَجَدَ الْآلَةَ وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إنْ اشْتَغَلَ بِرَفْعِهِ مِنْ الْبِئْرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا، أَوْ بِطَلَبِهِ خُرُوجَ وَقْتٍ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ حُكْمِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ. ص (وَهَلْ إنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ؟ خِلَافٌ) ش: أَيْ: فَوَاتَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ أَيْضًا فِيمَا إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ، وَلَا يُقَالُ: يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ فَقَدْ قَالَ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِيمَنْ كَانَ فِي حَضَرٍ وَمَعَهُ بِئْرٌ إنْ عَالَجَهَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَالَ يُعَالِجُهَا، وَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي إذَا خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْإِرْشَادِ مِنْ اعْتِبَارِ الضَّرُورِيِّ هُنَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ هُوَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ فَلَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ إلَّا إذَا خَافَ خُرُوجَهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوْلُ بِالتَّيَمُّمِ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ رَوَاهُ الْأَبْهَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ قَائِلًا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَشَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا أَعْلَمُ مَنْ شَهَّرَهُ. (قُلْتُ) يَكْفِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ اخْتِيَارُ مَنْ ذَكَرْنَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ عَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِبَعْضِ عُلَمَائِنَا وَابْنُ عَرَفَةَ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ حَكَى فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِمَنْ هُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ قَوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَتَّى سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَعَ قُوَّتِهِ وَالرَّاجِحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَقَامَهُ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ خَافَ فِي الْحَضَرِ: إنْ ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ أَهَلَّ لِتَيَمُّمٍ فَخَرَجَ الْوَقْتُ عَقِيبَ تَيَمُّمِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا شُرِعَ لِأَجْلِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَقَدْ ذَهَبَ قَالَهُ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا قَائِلًا، وَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِ بَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ وَمَيْلِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِهِ قَائِلًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا إذَا أَحْرَمَ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ وَهُوَ التَّلَبُّسُ بِالْعِبَادَةِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَنْ يَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ إذَا تَشَاغَلَ بِالطَّلَبِ فَأَحْرَى فِيمَنْ يَخَافُ خُرُوجَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ أَبِنَزْعِهِ مِنْ الْبِئْرِ، أَوْ بِطَلَبِ آلَةٍ يَنْزِعُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْعَوْفِيُّ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ بَارِدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ بِهِ إلَّا بِتَسْخِينِهِ وَهُوَ لَوْ سَخَّنَهُ، أَوْ بُعِثَ إلَيْهِ مِنْ الْحَمَّامِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ إلَى أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ فِي الَّذِي إذَا تَشَاغَلَ بِالْمَاءِ ذَهَبَ الْوَقْتُ وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ فَإِنَّ كَوْنَهُ لَا يَقْدِرُ لِمَرَضٍ فَهَذَا مَرِيضٌ لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ خَائِفِ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَزَادَ هَذَا إذَا كَانَ لِمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ لِمَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمَشَقَّةُ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ تُوجِبُ

التَّرَخُّصَ كَانَ كَالْمَرِيضِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْمَشَقَّةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ مَرَضٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي خَوْفِ الْمَرَضِ وَبَحَثَ مَعَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي تَخْطِئَتِهِ لِبَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ قَائِلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَالَ: الْمَرِيضُ الْمُنْدَرِجُ فِي الْآيَةِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ مُطْلَقًا، وَهَذَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ وَجْهٍ فَيُطَالَبُ بِاسْتِعْمَالِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ تَشَاغُلُهُ بِتَحْصِيلِ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُفِيتُهُ الْوَقْتَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ يُفِيتُهُ صَحَّ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ، انْتَهَى. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْخِينُ الْمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمِنْهُ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ حُكْمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا: أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا تَذَكَّرَ النَّجَاسَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَقْطَعُ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ رَكْعَةً فَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ إذَا تَشَاغَلَ بِرَفْعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهَذَا أَوْلَى بِالتَّمَادِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالنَّجَاسَةِ أَخَفُّ بِالصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ لِوُجُوبِ رَفْعِهِ إجْمَاعًا، انْتَهَى. أَوَّلُهُ بِالْمَعْنَى، وَمِنْ قَوْلِهِ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بِاللَّفْظِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ حَتَّى لَا يَسَعَ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ رَكْعَةً فَالظَّاهِرُ مِثْلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَخْرِيجَ الْفَرْعِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى وَأَقْرَبُ وَتَخْرِيجَ الْفَرْعِ الثَّانِي عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَقْرَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ نَصَّ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ إنْ ضَاقَ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ اُنْظُرْهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ التَّوْضِيحِ ص (وَجَازَ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَسُّ مُصْحَفٍ وَقِرَاءَةٌ وَطَوَافٌ وَرَكْعَتَاهُ بِتَيَمُّمِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إنْ تَأَخَّرَتْ) . ش قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى بَعْدَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بِتَيَمُّمِهِمَا فَمَا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ ذِكْرَ الْجِنَازَةِ وَعَبَّرَ عَمَّا دُونَ الْفَرْضِ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِالسُّنَّةِ فَتَكُونُ الرَّغِيبَةُ وَالنَّافِلَةُ أَحْرَى (فَإِنْ قُلْتُ) أَمَّا السُّنَّةُ فَمَا دُونَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ فَجَوَازُهَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّفْلِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِ النَّفْلِ، وَأَمَّا الْجِنَازَةُ إذَا تَعَيَّنَتْ فَكَيْفَ يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمِ غَيْرِهَا، وَأَمَّا الطَّوَافُ فَقَدْ أَطْلَقَهُ هُنَا كَابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ يَقُولُ فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِطَوَافِ النَّفْلِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ الطَّوَافَ بَعْدَ الْفَرْضِ كَالنَّفْلِ لَا أَعْرِفُهُ فِي وَاجِبِهِ فَكَيْفَ بِهِ بَعْدَ النَّفْلِ. (قُلْتُ) لَعَلَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا لَا فَرْضٌ آخَرُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْخَمْسِ، أَوْ جِنَازَةً تَعَيَّنَتْ أَوْ طَوَافًا وَاجِبًا فَيَكُونُ قَيْدًا لِمَا أَطْلَقَ هُنَا فِي الْجِنَازَةِ وَالطَّوَافِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ وَبَطَلَ الثَّانِي، وَلَوْ مُشْتَرَكَةً مَا يُبْعِدُهُ، وَلَا بُدَّ عَلَيَّ أَنِّي لَا أَذْكُرُ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْجِنَازَةِ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ تَعَيَّنَتْ أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْتُ) قَوْلُهُ إنْ تَأَخَّرَتْ إنَّمَا يَحْسُنُ اشْتِرَاطُهُ فِي تَيَمُّمِ الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ. (قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُهُ بِالنِّسْبَةِ لِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ وَبِالنِّسْبَةِ لِتَيَمُّمِ النَّفْلِ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ يَعْرِفُهُ ذِهْنُ السَّامِعِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ حَسَنٌ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى (تَنْبِيهَاتٍ. الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَى أَنِّي لَا أَذْكُرُ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْجِنَازَةِ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ تَعَيَّنَتْ أَمْ لَا. (قُلْتُ) صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَنَصُّهُ إذَا قُلْنَا: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ، أَوْ بَيْنَ فَرْضِ مُعَيَّنٍ

وَفَرْضِ كِفَايَةٍ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجْمَعُ إذَا قَدَّمَ الْمَكْتُوبَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا كَانَتْ وَاصِلَةً بِالْفَرِيضَةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ جِنَازَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ جَنَائِزُ عِدَّةٌ يَجْتَمِعْنَ، أَوْ يُفَرَّقْنَ إذَا كُنَّ نَسَقًا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُصَلِّي عَلَى جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ إذَا تَعَيَّنَتْ صَارَتْ فَرْضًا وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَرْضِ كِفَايَةٍ أَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ: يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ اتِّصَالُ النَّافِلَةِ بِالْفَرِيضَةِ، أَوْ اتِّصَالُ النَّوَافِلِ فِي أَنْفُسِهَا؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلُ وَكِلَاهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَفِي سَمَاعِ مُوسَى وَصَرَّحَ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِاشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي السَّمَاعِ: أَرَأَيْت إنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَيُصَلِّي ثُمَّ لَمْ يَزَلْ فِي الْمَسْجِدِ فِي حَدِيثٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ يَتَنَفَّلُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ قَالَ: إنْ طَالَ ذَلِكَ فَلْيَتَيَمَّمْ تَيَمُّمًا آخَرَ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا فَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصْلُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ نَافِلَةً وَلَا فَرِيضَةً وَأَنْ لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا فَأُجِيزَ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا اتَّصَلَ مِنْ النَّوَافِلِ، وَالنَّافِلَةُ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْفَرِيضَةِ اسْتِحْسَانًا وَمُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِكَوْنِهَا لِاتِّصَالِهَا بِهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا طَالَ مَا بَيْنَهُمَا سَقَطَتْ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَرَجَعَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ التَّيَمُّمِ، انْتَهَى. وَفِي الْجَلَّابِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ إذَا أَتَى بِهَا فِي أَثَرِهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ نَوَافِلَ عِدَّةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ إذَا كُنَّ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَإِذَا قَطَعَهُنَّ وَأَخَّرَ بَعْضَهُنَّ عَنْ بَعْضٍ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. وَفِي الْمُنْتَقَى، وَإِنْ صَلَّى نَوَافِلَ مُتَّصِلَةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا نَافِلَةً، أَوْ نَوَافِلَ وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْفَرِيضَةِ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِشَرْطِيَّةِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ. (قُلْتُ) ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَنَصُّهُ: مِنْ شَرْطِ جَوَازِ إيقَاعِ النَّفْلِ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ أَنْ يَكُونَ النَّفَلُ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ فَلَا يَتَنَفَّلُ بِهِ، وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَشَرَطَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنْ تَكُونَ النَّافِلَةُ مَنْوِيَّةً عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لَمْ يُصَلِّهَا، انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى مَا رَأَيْتُهُ أَوَّلًا فِي نُسَخِ ابْنِ غَازِيٍّ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا بِشَرْطٍ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْبَاءِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَتَيْنِ مُصَحَّحَتَيْنِ مِنْهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ مُصَلَّحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالشَّامِلِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ مَعَ تَكَلُّمِهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْبَيَانِ، وَلَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَا فِي الْأَجْوِبَةِ، وَلَا فِي كِتَابِ التَّقْيِيدِ وَالتَّقْسِيمِ لَهُ بَلْ كَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِيءُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَاكِرِ صَلَوَاتٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ أَوْ طَلَبَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِمَا اتَّصَلَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي نَوَاهَا عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا وَإِذَا قُلْنَا: أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي الْفَرَجِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهَا إجَازَةُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَالنَّوَافِلِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ إذَا اتَّصَلَتْ وَكَانَ تَيَمُّمُهُ لَهَا كُلِّهَا تَقَدَّمَتْ النَّوَافِلُ أَوْ تَأَخَّرَتْ وَأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مِنْ النَّوَافِلِ إلَّا مَا نَوَاهُ أَيْضًا بِتَيَمُّمِهِ وَاتَّصَلَ عَمَلُهُ وَأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ لِمَكْتُوبَةٍ نَافِلَةً لَمْ يَنْوِهَا وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَكْتُوبَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ النَّافِلَةِ بِتَيَمُّمِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا اتَّصَلَتْ بِهَا قِيلَ: لَهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ

عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَ عَلَى أَصْلِهِ فِيهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةٌ لِلْخِلَافِ فِي الْأَصْلِ، انْتَهَى. فَانْظُرْهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ إلْزَامًا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَعَلَّهُ حَصَلَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ سَقْطٌ فَأَوْهَمَهُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ وَكَشَفْتُ عَنْ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثِينَ مُصَنَّفًا مِنْ مُصَنَّفَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهَا إلَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَمَنْ تَبِعَهُ بَلْ نُصُوصُهُمْ مُقْتَضِيَةٌ لِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ مِنْهَا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي التَّلْقِينِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ إذَا قَدَّمَ الْفَرْضَ، وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ الْفَرْضُ بِتَيَمُّمِ النَّفْلِ، انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ النَّفَلَ كَانَ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ جَازَ النَّفَلُ أَيْضًا مَعَهُ لِلتَّبَعِيَّةِ لَكِنْ بَعْدَهُ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ اسْتَبَاحَ النَّفَلَ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى تَبَعٌ لِلْأَعْلَى وَإِذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ النَّافِلَةَ فَعَلَ سَائِرَ النَّوَافِلِ، فَإِنْ نَوَى مَسَّ الْمُصْحَفِ فِعْلَ الْقِرَاءَةِ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ، أَوْ يُقَالُ الْوُضُوءُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ؟ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَضْعُفُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْوُضُوءِ وَهُوَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ نَوَى نَفْلًا لَمْ يَجُزْ الْفَرْضُ وَصَلَّى مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ قَوْلُهُ وَصَلَّى مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْفَرْضَ جَازَ لَهُ فِعْلُ مَا شَاءَ مِنْ النَّفْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّيَمُّمُ لِلنَّفْلِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُ النَّفْلِ بِتَيَمُّمِ النَّفْلِ أَوْلَى فَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ النَّافِلَةَ إلَّا أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَ الْفَرِيضَةِ أَقْوَى مِنْ تَيَمُّمِ النَّافِلَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ الْآنَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ نَافِلَةً مَخْصُوصَةً، أَوْ يَنْوِي النَّفَلَ عُمُومًا، فَإِنْ نَوَى عُمُومَ النَّفْلِ، أَوْ نَوَى صَلَاةَ نَافِلَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. فَإِذَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِ نَافِلَةٍ غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الثَّانِيَةُ مَنْوِيَّةٌ فَأَحْرَى أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ نَافِلَةً لَمْ تَكُنْ مَنْوِيَّةً، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَمَّا أُلْزِمَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ نَافِلَةً غَيْرَهَا لَمْ يَنْوِهَا أُلْزِمَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ إلَّا مَا نَوَاهُ مِنْ النَّوَافِلِ فَتَأَمَّلْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الرَّابِعُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ تَأَخَّرَتْ شَرْطٌ فِي جَوَازِ إيقَاعِ النَّفْلِ بِالتَّيَمُّمِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ، وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ تَأَخُّرَ النَّفْلِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النَّفْلِ فَإِنَّ النَّفَلَ صَحِيحٌ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى الْفَرْضِ لَكِنْ لَا يُصَلِّي بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ الْفَرْضَ الَّذِي نَوَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ ثُمَّ صَلِّي نَافِلَةً فَقَالَ سَنَدٌ النَّافِلَةُ نَفْسُهَا صَحِيحَةٌ فَهَلْ يُصَلِّي بِهِ الْفَرِيضَةَ؟ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّى قَبْلَهَا نَافِلَةً فَلْيُعِدْ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى النَّافِلَةَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ لِلْمَكْتُوبَةِ وَقَالَ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِلصُّبْحِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَهَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَهَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ بِاخْتِصَارٍ، فَإِنْ صَلَّى بِتَيَمُّمِهِ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَةَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى النَّافِلَةَ، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُعِيدُ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَفِيفٌ وَأَرَى أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ قَالَ: وَإِنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ أَوْ قِرَاءَةِ مُصْحَفٍ ثُمَّ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ أَعَادَ أَبَدًا وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَصَلَّى بِهِ الصُّبْحَ، أَوْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ الْبَرْقِيّ عَنْ أَشْهَبَ: تُجْزِئُهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ

بِتَيَمُّمِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَا يُجْزِئُهُ إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَصَلَّى بِهِ فَرِيضَةً أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّى قَبْلَهَا نَافِلَةً، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، أَوْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَرِيضَةً فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُعِيدُ أَبَدًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَيُعِيدُ فِي الثَّانِيَةِ أَبَدًا مِنْ بَابِ أَوْلَى ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يُعِيدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَفِي الثَّانِيَةِ أَبَدًا وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُعِيدُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (الْخَامِسُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَازَ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إيقَاعُ السُّنَّةِ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِمَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِهِ قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي قَوْلَهُ إذَا قُلْنَا: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ، أَوْ فَرْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجْمَعُ إذَا قَدَّمَ الْمَكْتُوبَةَ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ؟ يُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ أَبِيهِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِلْعَتَمَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوِتْرَ. فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَفِي الْوَاضِحَةِ لَهُ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِ الْعِشَاءِ وَيَصِلَهَا مِنْ النَّفْلِ بِمَا شَاءَ، انْتَهَى. وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَقْوَى وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْوَاضِحَةِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ (السَّادِسُ) إذَا جَازَ إيقَاعُ السُّنَّةُ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ فَإِيقَاعُ السُّنَّةِ بِتَيَمُّمِ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَهَذَا وَاضِحٌ وَوَقَعَ فِي التَّوْضِيحِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ قَالَ مَا نَصُّهُ: (فَرْعٌ) قَالَ سَحْنُونٌ: سَبِيلُ السُّنَنِ فِي التَّيَمُّمِ سَبِيلُ الْفَرَائِضِ الْوَتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ وَالْعِيدَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْخُسُوفُ تَيَمُّمٌ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ، وَإِيرَادُ اللَّخْمِيِّ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الْحَاضِرَ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ كُلِّهَا لَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي سُنَّةً بِتَيَمُّمِ أُخْرَى فَإِنَّهُ قَالَ: فَصَلَّى الصَّلَوَاتِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ وَسُنَنٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَعَلَى الْكِفَايَةِ وَنَوَافِلُ فَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَيَتَيَمَّمُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّافِلَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ الْمَرِيضِ الْمُقِيمِ فِيمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ وَيُخْتَلَفُ فِي تَيَمُّمِهِ لِلنَّفْلِ وَاخْتُلِفَ فِي تَيَمُّمِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِلْفَرَائِضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَيُخْتَلَفُ فِي السُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّوَافِلِ، وَلَا لِلسُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَلَى الْكِفَايَةِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى يَتَيَمَّمُونَ لِخُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا الْمُسَافِرُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُتَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَيَقْرَأَ حِزْبَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: إذَا خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ طَاهِرًا فَأَحْدَثَ وَلَمْ يَجِد مَاءً تَيَمَّمَ، وَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمْ يَتَيَمَّمْ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا قَصَدَ إلَى التَّيَمُّمِ اخْتِيَارًا وَالْأَوَّلُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَانْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ السُّنَنَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ مَعَ وُجُودِهِ إذَا كَانَ مَتَى تَوَضَّأَ فَاتَ إدْرَاكُهَا إمَّا لِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْوِتْرِ، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ لِفَرَاغِ الْإِمَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ، انْتَهَى. وَأَشَارَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَقْوَالِ فَقَالَ: وَفِي تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ لِلسُّنَنِ ثَالِثُهَا لِلْعَيْنِيَّةِ كَالْفَجْرِ لَا لِلْكِفَايَةِ كَالْعِيدَيْنِ لِابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ بَشِيرٍ عَنْهُمَا وَاللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: اُخْتُلِفَ فِي تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ لِلسُّنَنِ عَلَى ثَلَاثَةِ

أَقْوَالٍ فَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوِتْرِ، أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْعِيدَيْنِ قَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ، وَقِيلَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِجَمِيعِهَا وَعَزَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ لِلْعَيْنِيَّةِ دُونَ الْكِفَايَةِ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ قَالَ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي الْأَوَّلُ، انْتَهَى. وَهُوَ تَابِعٌ لِابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا ذَكَرَاهُ عَنْهُ، وَأَمَّا صَاحِبُ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الْقَوْلَ بِتَيَمُّمِ الْحَاضِرِ لِلسُّنَنِ فَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَيَمَّمُ، خَرَّجَ التُّونُسِيُّ الْخِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ التَّخْرِيجَ وَقَوْلُ ابْنِ سَحْنُونٍ سَبِيلُ السُّنَنِ فِي التَّيَمُّمِ كَسَبِيلِ الْفَرَائِضِ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْخُسُوفِ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَقْدِرُ يَمَسُّ الْمَاءَ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ وَالْمُسَافِرِ، وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ إنْ تَوَضَّأَ إلَّا أَنَّهُ يُدْرِكُ الصُّبْحَ، فَإِنْ تَيَمَّمَ أَدْرَكَهُمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَدَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَالْقَصْدُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي سُنَّةً بِتَيَمُّمِ سُنَّةٍ أُخْرَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِتَيَمُّمِهِ ذَلِكَ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ طَالَ تَنَفُّلُهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَالَ التُّونُسِيُّ: مَا لَمْ يَطُلْ تَنَفُّلُهُ جِدًّا وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: يَتَنَفَّلُ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلتَّبَعِيَّةِ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُكْثِرَ مِنْهَا، وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَنْتَهِي لِدُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ عِنْدِي بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ النَّفْلِ تَابِعٌ لِلْفَرِيضَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّابِعِ حَالَ عَدَمِ الْمَتْبُوعِ حِسًّا وَحُكْمًا، انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ التُّونُسِيِّ وَكَلَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَاسْتَظْهَرَهُ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ التُّونُسِيِّ وَقَبْلَهُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ لِلْمُتَيَمِّمِ التَّنَفُّلَ مَا لَمْ يَطُلْ وَقَبْلَهُ وَلَفْظُ النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلِلْمُتَيَمِّمِ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ مَا لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ وَانْظُرْ إذَا تَيَمَّمَ آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيَظْهَرُ عَلَى كَلَامِ التُّونُسِيِّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ص (وَلَوْ قَصْدًا وَبَطَلَ الثَّانِي) . ش قَالَ سَنَدٌ: إذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضَيْنِ فَهَلْ يَصِحُّ بِهِ الْأَوَّلُ، أَوْ لَا يَصِحُّ بِتَيَمُّمِهِ أَصْلًا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالنِّيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَنِيَّةٌ أُخْرَى فَهُوَ كَمَنْ تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ وَنِيَّةِ الْجَنَابَةِ. ص (لَا بِتَيَمُّمٍ لِمُسْتَحَبٍّ) ش: كَذَا فِي النُّسَخِ بِدُخُولِ لَامِ الْجَرِّ عَلَى مُسْتَحَبٍّ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ خُرُوجُهَا وَأَنْ يَقُولَ لَا بِتَيَمُّمٍ مُسْتَحَبٍّ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ نَفْسُهُ مُسْتَحَبًّا كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّوْمِ. ص (وَلَزِمَ مُوَالَاتُهُ) . ش يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ مُوَالَاةَ أَفْعَالِ التَّيَمُّمِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَالتَّرْتِيبُ: وَالْمُوَالَاةُ كَالْوُضُوءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ إجْرَاءُ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي التَّرْتِيبِ هُنَا، وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ فَلَا يُمْكِنُ إجْرَاءُ كُلِّ تِلْكَ الْأَقْوَالِ إذْ لَا يَتَأَتَّى قَوْلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ وَالْمَغْسُولِ خَلِيلٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بِالْبُطْلَانِ إذَا فَرَّقَ التَّيَمُّمُ نَاسِيًا مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ اتِّصَالِهِ بِالصَّلَاةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُوَالَاةِ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ فَرَّقَ تَيَمُّمَهُ وَطَالَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ التَّيَمُّمَ وَإِنْ قَرَّبَ أَجْزَاهُ وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْوُضُوءِ مَنْ نَسِيَ بَعْضَ تَيَمُّمِهِ حَتَّى طَالَ أَعَادَ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ بِأَمْرٍ يُطَوِّلُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهَا، انْتَهَى. وَلِهَذَا جَزَمَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِلُزُومِ الْمُوَالَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُشْبِهُهُ بِالْوُضُوءِ كَمَا فَعَلَ بِالْغُسْلِ، الْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ مُوَالَاتَهُ مَعَ مَا فَعَلَ لَهُ وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْبِسَاطِيُّ قَالَ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا لِاسْتِلْزَامِهِ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَفْعَالِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، انْتَهَى. وَلَا إشْكَالَ

فِي اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ التَّيَمُّمِ بِمَا فَعَلَ لَهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ هُنَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِالتَّيَمُّمِ فَذَلِكَ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ بِهِ، وَإِنْ تَنَفَّلَ بَعْدَ فَرْضِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِالْفَرِيضَةِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِيَتَنَفَّلَ شَرَعَ فِي تَنَفُّلِهِ عَقِيبَ تَيَمُّمِهِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ تَأَخَّرَ تَنَفُّلُهُ فَلَا يَتَنَفَّلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ وَيُؤَخِّرَ فِعْلَهَا إلَى آخِرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَسَنُبَيِّنُ الْأَصْلَ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَلَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَيُؤَخِّرُ فِعْلَهَا، وَمِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ قَالَ التِّلِمْسَانِيّ: وَخَالَفَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَأَجَازَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ تَرَاخَى عَنْ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَرٍ مُخْتَصَرِ الْمَعُونَةِ وَلَهُ شَرْطَانِ، طَلَبُ الْمَاءِ وَاتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا بَعْدَهُ مُتَرَاخِيَةً عَنْهُ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَابْنِ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ وَالشَّبِيبِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ فَصَلَّى نَافِلَةً قَبْلَهَا أَنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ وَجْهُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى فِعْلِهَا فَمَتَى وَقَعَ فِي حَالَةٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ فَاَلَّذِي يَتَيَمَّمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ شَرَعَ فِي غَيْرِهَا قَدْ تَيَمَّمَ لَهَا فِي وَقْتٍ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّيَمُّمِ لَهَا فِيهِ إذْ الْحَاجَةُ لَهَا إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلِهَا، انْتَهَى. بِاخْتِصَارِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ لَا يَتَنَفَّلُ بِهِ وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَوَجَّهَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ: وَسُئِلَ السُّيُورِيّ عَمَّنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْفَرِيضَةِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطَعَ هَلْ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؟ فَأَجَابَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَطُلْ، فَإِنْ طَالَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَضُرُّهُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ فَإِنَّ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَذَانِ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُنَا قَاعِدَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ لَهُ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ بِهَا أُخْرَى فَإِنَّمَا الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَشْهُورِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِي الْمُشَبَّهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمُشَبَّهِ، وَقَدْ ظَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَلْزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَمْرًا شَنِيعًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يُشِيرُ إلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي تَشْبِيهِهِ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَبُولُ هِبَةِ مَاءٍ) ش: قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمِنَّةَ فِيهِ، انْتَهَى. مِنْ قَوَاعِدِ النِّكَاحِ. ص (أَوْ قَرْضِهِ) ش: سِيَاقُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَذَلَ لَهُ الْمَاءَ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ فَأَحْرَى عَلَى جِهَةِ الْقَرْضِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ فِيهِ تَعْمِيرُ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَرِيبٌ، وَقَدْ قَالُوا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ الثَّمَنَ لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ وَذَكَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا بَذَلَ لَهُ ثَمَنَ الْمَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَلِيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَطَلَبَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَوْ تَوَهُّمَهُ لَا تَحَقُّقَ عَدَمِهِ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ

كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ) ش هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُوَالَاتُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ طَلَبُ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا كَانَ يَتَوَهَّمُ وُجُودَهُ وَتَحْصِيلَهُ بِطَلَبِهِ فَأَحْرَى إذَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، أَوْ ظَنَّ وُجُودَهُ فَقَوْلُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ يَعْنِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا طَلَبَ الْمَاءَ لِصَلَاةٍ، وَلَمْ يَجِدْهُ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَطْلُبُ الْمَاءَ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ فِي حُكْمِ الْأُولَى فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ بِالطَّلَبِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ الْأُولَى، أَوْ كَانَ فِيهِ وَحَدَثَ مَا يُوجِبُ تَوَهُّمَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يَقْتَضِي تَوَهُّمَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ، وَقَدْ أَشَارَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَى هَذَا وَقَوْلُهُ لَا تَحَقُّقُ عَدَمِهِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ يُرِيدُ بِالتَّحَقُّقِ غَلَبَةَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَعْمُولٌ بِهِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ بِالْعَدَمِ فَقَدْ لَا يُتَصَوَّرُ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمَهُ طَلَبَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَدْخُلُ فِي هَذَا الظَّانُّ وَالشَّاكُّ وَالْمُتَوَهِّمُ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَوَهَّمَ وُجُودَهُ حَوَالَيْهِ فَلْيَتَرَدَّدْ إلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَلَا مَشَقَّةٌ، وَلَا يَتَحَدَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ إذْ الشَّابُّ لَيْسَ كَالْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْمُتَوَهِّمَ لَا يَطْلُبُ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ تَحَقُّقَ الْعَدَمِ بِظَنِّ الْعَدَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْعَدَمَ كَانَ وُجُودُهُ مُتَوَهَّمًا وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى التَّحَقُّقُ أَوَّلًا عَلَى بَابِهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالْمُرَادُ بِالتَّحَقُّقِ الِاعْتِقَادُ الَّذِي لَا تَرَدُّدَ فِيهِ لَا التَّحَقُّقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الطَّلَبِ فَلَيْسَ مَنْ ظَنَّ الْعَدَمَ كَمَنْ شَكَّ، وَلَا الشَّاكُّ كَالْمُتَوَهِّمِ، انْتَهَى. وَقَبِلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَبَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ هُوَ الطَّلَبُ الَّذِي لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَيْسَ الشَّيْخُ كَالشَّابِّ، وَلَا الرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ وَلَا الضَّعِيفُ كَالْقَوِيِّ قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَنْ تَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ مِنْهُ عَلَى مِيلٍ أَوْ نِصْفِ مِيلٍ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ عَنَاءَ ذَلِكَ، أَوْ سَلَّابَةً، أَوْ سِبَاعًا لَا أَرَى عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَسَوَاءٌ تَخَوَّفَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ وَدَلِيلُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَخَوَّفْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ عَلَى الْمِيلِ وَالنِّصْفِ وَفِي النَّوَادِرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَلْيَتَيَمَّمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَجِدُ مِنْ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ وَذَلِكَ مُفَسَّرٌ فِي رَسْمِ الْبَزِّ، وَأَمَّا الْمِيلَانِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ مِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَجْمُوعَ الْمِيلِ وَنِصْفِهِ يَسِيرٌ وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي الْجَرْيِ لِإِدْرَاكِ الْمَاءِ وَلَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ وَلَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ أَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعُدُولِ لَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي يَعْدِلُ لَهَا عَنْ الطَّرِيقِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ فَاتَهُ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِي نِصْفِ الْمِيلِ إلَّا الْعَنَاءَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، انْتَهَى. مِنْ الْمَوَّاقِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ الَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ، وَلَا يَتَحَدَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ يُرِيدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُعْتَادِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَطَلَبُ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ إنَّمَا يَجِبُ مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِطَلَبِهِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ طَلَبِهِ فِي رَحْلِهِ وَسُؤَالِ مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يَرْجُو وُجُودَهُ عِنْدَهُ، وَلَا يَخْشَى أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ وَالْعُدُولِ إلَيْهِ عَنْ طَرِيقِهِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا عَلَى قَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى

نَفْسِهِ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقَالُوا فِي الْمِيلَيْنِ كَثِيرٌ وَفِي الْمِيلِ وَنِصْفِ الْمِيلِ مَعَ الْأَمْنِ أَنَّهُ يَسِيرٌ وَذَلِكَ لِلرَّاكِبِ، أَوْ لِلرَّجُلِ الْقَوِيِّ الْقَادِرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ مِنْ رُفْقَتِهِ إذَا كَانَتْ الرُّفْقَةُ قَلِيلَةً وَكَانَ لَا يَتَحَقَّقُ بُخْلَهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَيَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ حَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: يَسْأَلُ مَنْ يَلِيهِ، وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي الرُّفْقَةِ فَيَسْأَلَهُمْ وَلَكِنْ يَسْأَلُ أَوَّلَ مَنْ يَلِيهِ وَيَرْجُو ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ فَلَا يَسْأَلُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْنَعُونَهُ فَلْيَسْأَلْهُمْ، انْتَهَى. وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: لَوْ تَرَكَ طَلَبَ الْمَاءِ عِنْدَ مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يَرْجُو وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْأَلْ فِي الرُّفْقَةِ الْكَثِيرَةِ لَمْ يُعِدْ وَفِي الصَّغِيرَةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانُوا رَجُلَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً أَعَادَ أَبَدًا وَضَعَّفَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ قَوْلَ أَصْبَغَ بِأَنَّ تَوَجُّهَ الْخِطَابِ بِالطَّلَبِ مِنْ النَّفَرِ الْيَسِيرِ مِنْ الرُّفْقَةِ الْكَثِيرَةِ كَتَوَجُّهِهِ لَوْ كَانُوا بِانْفِرَادِهِمْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا وَجْهَ أَيْضًا لِإِيجَابِهِ الْإِعَادَةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إذَا كَانُوا مِثْلَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَقَالَ: أَرَى إنْ كَانَ الْغَالِبُ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ يُعْطُونَهُ إذَا طَلَبَ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَطْلُبْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّلَبُ، انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ مِمَّنْ يَلِيهِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ سَوَاءٌ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ رُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ كَثِيرَةٍ خِلَافًا لَأَصْبَغَ، وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ فِي إعْطَائِهِمْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَيْضًا خِلَافًا لِأَصْبَغَ فِي تَفْصِيلِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (أُجِيبَ) عَنْ تَفْرِقَةِ أَصْبَغَ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مَظِنَّةُ وُجُودِ الْمَاءِ لِامْتِنَاعِ اتِّكَالِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ لِانْفِرَادِهِمْ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ حَالِ الثَّلَاثَةِ الرُّفَقَاءِ أَقْرَبُ مِنْ عِلْمِ حَالِ غَيْرِهِمْ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ مِمَّنْ يَلِيهِ فَقَالُوا لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا بِالْمَاءِ لَمْ يَمْنَعُوهُ فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ مَنَعُوهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ عِنْدَ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ مِمَّنْ كَانَ يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَبَهُ مِنْهُ كَوُجُودِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْبَغَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي الطَّلَبِ مِمَّنْ يَلِيهِ مِنْ الرُّفْقَةِ ثَالِثُهَا إنْ كَانُوا نَحْوَ الثَّلَاثَةِ طَلَبَ وَإِلَّا أَعَادَ أَبَدًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: وُجُوبُ الطَّلَبِ وَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ أَبَدًا، وَالثَّانِي نَفْيُ الْوُجُوبِ، وَالثَّالِثُ يَجِبُ فِي الرُّفْقَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ أَعَادَ أَبَدًا، وَلَا يَجِبُ فِي الرُّفْقَةِ الْكَثِيرَةِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ رَاشِدٍ: وَلَمْ نَرَ أَحَدًا نَقَلَ مَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الطَّلَبِ إلَى آخِرِهِ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. ص (وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ) ش: أَيْ: وَلَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ أَنْ يَنْوِيَ بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي يُرِيدُهَا، أَوْ الْفِعْلَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَرَّضَ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، أَوْ الْأَكْبَرِ، فَإِنْ نَسِيَ وَهُوَ جُنُبٌ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ، انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ جُنُبٍ أَجْزَأَهُ تَيَمُّمُهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ قَالَ: وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِحْضَارُهُ حَالَ التَّيَمُّمِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ وَفِي الْأَكْبَرِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْمُتَعَلِّقِ

فَإِنْ تَرَكَ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا، أَوْ نَاسِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي نِيَّةِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْإِعَادَةِ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُعِيدُ أَبَدًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَعْلِيلُهُ فِيهَا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا كَانَ لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ أَبَدًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَفْظُ الْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْدُورِ وَالْمَحْصُوبِ إذَا خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمَا جَنَابَةٌ أَنَّهُمَا يَتَيَمَّمَانِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَحْدَثَا فِي ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُحْدِثَا يَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: أَرَأَيْت الْجُنُبَ إذَا نَامَ، وَقَدْ تَيَمَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَحْدَثَ بَعْدَ مَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَمَعَهُ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ، أَوْ يَتَيَمَّمُ؟ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَغْسِلُ بِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلَيْسَ يَرَاهُ عَلَى الْجُنُبِ لَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِتَيَمُّمِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيَعُودُ إلَى حَالِ الْجَنَابَةِ كُلَّمَا صَلَّى، وَلَا يُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ وَلَكِنْ يَنْتَقِضُ جَمِيعُ التَّيَمُّمِ وَيَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ كُلَّمَا صَلَّى، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَهُ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ قَالَ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَلَا يَتَوَضَّأُ قَالَ: وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ فَلْيَتَيَمَّمْ، وَلَا يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْدَثَ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ الَّذِي كَانَ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ مَوْضِعُ الْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى مَكْتُوبَةٍ فَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ، أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ نَجَاسَةٍ كَانَ قَدْ مَسَّهَا بِيَدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ تَيَمُّمِ الْحَدَثِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَنْوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ أَصْلًا وَالْأَوَّلُ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَهِيَ تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلِاسْتِبَاحَةِ مِنْ الْحَدَثِ إمَّا الْأَكْبَرُ أَوْ الْأَصْغَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أَجْزَأَهُ عَنْ تَيَمُّمٍ لِوُضُوءٍ، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ إذَا تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ أَنَّهُ جُنُبٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ جُنُبٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ثُمَّ وَجَّهَ ذَلِكَ (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ لَا يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَنْ يُعَيِّنَ بِنِيَّتِهِ الْفِعْلَ الْمُسْتَبَاحَ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ مُشْتَرَطٌ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى مَعْنَى الْإِيجَابِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ قَالَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ الْبَاجِيِّ وَهُوَ فِي الْمُنْتَقَى فِي تَرْجَمَةِ وُضُوءِ النَّائِمِ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ عَزَا الْقَوْلَ بِالِاسْتِحْبَابِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ نَصٌّ عَنْهُمَا وَاَلَّذِي فِي الْمُنْتَقَى وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَهَا يَتَيَمَّمُ لَهَا أَيْضًا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا: وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَهُ لَهَا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ جَزَمَ بِهِ سَنَدٌ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ لِلْأُولَى ذَكَرَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمَهَا فِي التَّرْتِيبِ بَعْدَ الْأُولَى صَلَّى الْأُولَى ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلثَّانِيَةِ فَصَلَّاهَا، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمَهَا فِي التَّرْتِيبِ قَبْلَ الْأُولَى لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِهِ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِيهَا: مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ إيجَابُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ خَصَّصَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ صَلَاتَانِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اتَّصَلَتَا وَنَوَاهُ لَهُمَا، وَلَا صَلَاةَ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لِغَيْرِهَا، وَلَا صَلَاةَ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لَهَا

إذَا صَلَّى بِهِ غَيْرَهَا، أَوْ تَرَاخَى عَنْ الصَّلَاةِ بِهِ اشْتِغَالًا بِمَا سِوَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ، أَوْ طَلَبَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا، انْتَهَى. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَفْعَلُ بِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْفَرْضِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ مُتَّصِلًا بِهِ وَدُخُولُ وَقْتِ الْفَائِتَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَذَكُّرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى فِعْلِهَا وَذَلِكَ عِنْدَ تَذَكُّرِهَا وَالْقِيَامِ إلَى فِعْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَمَنْ مَعَهُ فِيمَا يَنْوِيهِ الْمُتَيَمِّمُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْيِينُ الْفِعْلِ الْمُسْتَبَاحِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِعْلًا أَصْلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، وَإِنْ أَرَادَ فَرْضًا قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ كَمَنْ عَيَّنَ لِمَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْجَمِيعِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِمْ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ بَعْضِ مَا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ثُمَّ يَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ الَّتِي يُرِيدُ فِعْلَهَا مِنْ فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اسْتِبَاحَةَ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى مُطْلَقَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْفَرْضُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ فَيَكُونُ كَمَنْ نَوَى النَّفَلَ فَلَا يُجْزِئُهُ الْفَرْضُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَلَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا خِلَافٍ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ اسْتِبَاحَةَ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ إمَّا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. أَمَّا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ رَفْعَ الْحَدَثِ وَاسْتِبَاحَةَ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالْفَرِيضَةَ وَذَكَرَ هُنَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ وَبَقِيَتْ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ مَسْكُوتًا عَنْهَا مِنْ جِهَتِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا تَكْفِي هَهُنَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، لَا رَفْعَ الْحَدَثِ لِلْحَصْرِ كَمَا يُوهِمُهُ لَفْظُهُ، انْتَهَى. وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ إلَى أَنَّ الْجُنُبَ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ أَيْ: الصَّلَاةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَخَرَجَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصِيبَ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ بِالتَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ الْأَصْغَرَ وَيُجْزِئُهُ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ تَكَرَّرَ أَيْ: التَّيَمُّمُ وَيَعْنِي بِهِ إذَا نَوَى الْأَكْبَرَ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى تَيَمُّمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ حَدَثٌ أَصْغَرُ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: أَيْ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: وَطَلَبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَيْ يَطْلُبُ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الصَّلَاةُ، انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْفَرْعَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْ بَالَ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ لِجَنَابَةٍ جَازَ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ إنَّمَا يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ فِي أَحْكَامِهِ كَمَا لَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ هَذَا مُخَالِفٌ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ مُوَافِقٌ لِأَخْذِهِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَعُودُ جُنُبًا عَلَى مَا اخْتَصَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَقَالَ سَنَدٌ: إذَا تَيَمَّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ نَافِلَةً، أَوْ يَتْلُوَ الْقُرْآنَ، فَإِنْ أَحْدَثَ فَلَا يَتْلُو حَتَّى يَتَيَمَّمَ وَقَالَ

بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَقْرَأُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهُوَ يَبْطُلُ بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَحْدَثَ لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَ التَّيَمُّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَقَالَ سَنَدٌ أَيْضًا إذَا تَيَمَّمَ الْمَرِيضُ وَالْمَجْدُورُ، وَمَنْ فِي بَابِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثَ الْوُضُوءِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوُضُوءِ لَمْ يَتَوَضَّأْ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ قَائِمَةٌ حَتَّى يَغْتَسِلَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَهُوَ يَتَيَمَّمُ مِنْ الْجَنَابَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ. (تَنْبِيهٌ) لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ إلَّا قَوْلُهُ هُنَا وَنِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَصْلِ الْجَبِيرَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ فِيهَا: وَالتَّيَمُّمُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَمِنْ الْوُضُوءِ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصِّفَةِ وَالْمَشْرُوعِيَّة وَقَالَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ الْغُسْلَ فَقَطْ وَصَلَاتُهُ الْأُولَى تَامَّةٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: وَتَكُونُ الْجَنَابَةُ مِنْ وَطْءٍ فَيَكُونُ ذَكَرُهُ نَجِسًا مِنْ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَإِنْ كَانَتْ مِنْ احْتِلَامٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى عَلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ أَثَرُ الْمَنِيِّ نَجِسٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ وَفِي الْوَقْتِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنِيَّةُ أَكْبَرَ الْحَائِضُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَنْوِيَ بِتَيَمُّمِهَا ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ سَافَرَ فَكَانَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ لِمُوجِبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ لُمْعَةً مِنْ غُسْلِ تِلْكَ الْجَنَابَةِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا اسْتَدْرَكَ غَسْلَهَا وَصَحَّ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَأَعَادَ مَا صَلَّاهُ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ بَعُدَ الْمَاءُ أَعَادَ مَعَ ذَلِكَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَا تَنُوبُ عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُقَالُ إنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، انْتَهَى. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: ص (وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) ش: إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَفَائِدَةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: وَطْءُ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ بِهِ، وَلُبْسُ الْخُفَّيْنِ بِهِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ إذَا وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَهُ، وَإِمَامَةُ الْمُتَيَمِّمِ لِلْمُتَوَضِّئِينَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَتَكُونُ خَمْسَةً. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النُّكَتِ: يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَإِمَامَةُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى أَصْلِنَا فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ كَصَاحِبِ السَّلَسِ، انْتَهَى. وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ص (وَتَعْمِيمُ وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ لِكُوعَيْهِ) . ش هَذَا أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ لَزِمَ أَيْ: وَلَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ تَعْمِيمُ وَجْهِهِ بِالْمَسْحِ وَتَعْمِيمُ كَفَّيْهِ إلَى كُوعَيْهِ وَالْكُوعُ هُوَ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الْكَاعُ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْكُوعُ آخِرُ السَّاعِدِ وَأَوَّلُ الْكَفِّ، انْتَهَى. وَجَمْعُهَا أَكْوَاعٌ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ فَيُقَابِلُ الْكُوعَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ الْكُرْسُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ وَهُوَ النَّاتِئُ عِنْدَ الرُّسْغِ وَالزَّنْدِ بِفَتْحِ الزَّاي قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ: وَهُوَ مُوصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ بِالْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعُ وَالْكُرْسُوعُ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: هُوَ قَصَبَةُ الذِّرَاعِ وَهُوَ نَحْوُ مَا قَالَهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي مُثَلَّثَتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: الزَّنْدُ بِالْفَتْحِ مَا يُقْدَحُ بِهِ النَّارُ وَزَنْدُ الذِّرَاعِ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَهُمَا زَنْدَانِ فِي كُلِّ ذِرَاعٍ وَبِالْكَسْرِ اسْمُ فَرَسٍ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ زِنَادٍ وَزِنَادٌ جَمْعُ زَنْدٍ، انْتَهَى. وَالرُّسْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ، وَقَدْ تُضَمُّ وَآخِرُهُ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ هُوَ مِفْصَلٌ مَا بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَمِنْ الدَّوَابِّ الْمَوْضِعُ الْمُسْتَدَقُّ الَّذِي بَيْنَ الْحَافِرِ وَمُوصِلُ الْوَظِيفِ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَيُقَالُ: فِيهِ رُصْغٌ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبُوعُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْإِنْسَانِ إذَا مَدَّ يَدَيْهِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ: الْبُوعُ هُوَ رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ. ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ وَفِي

الْمُحْكَمِ الْبَاعُ وَالْبُوعُ مَسَافَةٌ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ إذَا بَسَطْتَهُمَا، الْأَخِيرَةُ هَذَلِيَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ: وَالْكُوعُ مَا عَلَيْهِ إبْهَامُ الْيَدِ ... وَالْبُوعُ فِي الرَّجُلِ كَكُوعٍ فِي يَدِ وَمَا عَلَيْهِ خِنْصَرٌ كُرْسُوعُ ... وَالرُّسْغُ لِلْمِفْصَلِ طِبْ مَوْضُوعُ وَالْبَاعُ بِالْأَذْرُعِ أَرْبَعٌ تُعَدْ ... وَبِاعْتِدَالِ صَاحِبِ الْبَاعِ يُحَدْ اُنْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْبُوعِ وَالْبَاعِ مَعَ كَلَامِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالْإِبْهَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ تَعْمِيمِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الِاسْتِيعَابُ مَطْلُوبٌ ابْتِدَاءً، وَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ، وَمِنْ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: إذَا كَانَ يَسِيرًا أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ تَعْمِيمَ وَجْهِهِ بِمَسْحِهِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَلَوْ مَسَحَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ بَلْ قَالَ سَنَدٌ لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْتَ هَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِتَيَمُّمٍ لَمْ يَسْتَوْعِبْ فِيهِ الْوَجْهَ كُلَّهُ، وَلَا الْيَدَيْنِ، وَلَيْسَ بِهِ قُرُوحٌ؟ . (قُلْتُ) نَعَمْ إذَا رُبِطَتْ يَدَاهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُيَمِّمُهُ فَمَرَّغَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ فِي التُّرَابِ، وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ مَحَلّ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، انْتَهَى. مِنْ الْأَلْغَازِ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ مَنْ يُيَمِّمُهُ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يُيَمِّمُهُ كَمَا يَسْتَنِيبُ مَنْ يُوَضِّئُهُ يَمْسَحُ لَهُ وَجْهَهُ وَيَدْيَهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى التَّيَمُّمَ لِلْكُوعَيْنِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَحَلُّ مَسْحِ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنَزَعَ خَاتَمَهُ) ش: أَيْ: وَلَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ نَزْعُ خَاتَمِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِنَزْعِ خَاتَمِهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاسْتَقْرَأَ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ الْإِجْزَاءَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالُوا: وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَضْعِيفُهُ التَّخْلِيلَ بِقَوْلِهِ قَالُوا لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إمَّا؛ لِأَنَّ التَّخْلِيلَ لَا يُنَاسِبُ الْمَسْحَ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ إذْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَجَرِ نَاسَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ التَّخْلِيلُ وَقَوْلُهُ قَالُوا يُوهِمُ تَوَاطُؤُ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ابْنِ الْقُرْطُبِيِّ وَنَصُّ مَا نَقَلَ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُخَلِّلُ أُصْبُعَهُ فِي التَّيَمُّمِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ الْغُضُونِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَشَارَ ابْنُ رَاشِدٍ إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (قُلْتُ) ابْنُ الْقُرْطُبِيِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ هُوَ ابْنُ شَعْبَانَ وَنَصُّ مَا قَالَهُ فِي الزَّاهِي، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ التَّقَصِّي فِي الْغُضُونِ مَا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ تَخْفِيفٌ وَالْوُضُوءُ إيعَابٌ وَيُخَلِّلُ الْمُتَيَمِّمُ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ وَهُوَ فِي التَّيَمُّمِ أَقْوَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَبْلُغُ مَا لَا يَبْلُغُ التُّرَابُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيّ قَبُولُهُ وَأَنَّهُ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَجَعَلَ مُقَابِلَهُ مُخَرَّجًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخَاتَمِ وَنَصُّهُ: وَيُخْتَلَفُ فِي تَيَمُّمِ مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَزْعِ الْخَاتَمِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ مَسْلَمَةَ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ الْخَاتَمَ، أَوْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ انْتَهَى. أَوْ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِفَةَ التَّيَمُّمِ: فَإِذَا مَسَحَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصَابِعِ خَاتَمٌ أُزِيلَ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَإِنْ لَمْ يُزِلْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ وَاسْتَقْرَأَ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْزِعْ الْخَاتَمَ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَدْ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ

وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ ابْنِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ غَيْرِ ابْنِ شَعْبَانَ وَمُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا أَنَّهُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَانُوا نَاقِلِينَ لَهُ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَبِلُوهُ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْحِ مَبْنِيًّا عَلَى التَّخْفِيفِ عَدَمُ التَّخْلِيلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ لِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ كَثِيرٌ فَيَجِبُ مَسْحُهُ كَمَا يَجِبُ مَسْحُ مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَافُ مَا يَسْتُرُهُ الْخَاتَمُ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَنْزِعُ الْخَاتَمَ نَحْوَ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُهُ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَتَقَدَّمَ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَبْعُدْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي التَّيَمُّمِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ كُلَّهُ مَسْحًا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنَّمَا زَادَ قَوْلَهُ مَسْحًا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَلَا يَتْبَعُ الْغُضُونَ وَفِيهِ قَوْلَانِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَيُرَاعِي الْوَتْرَةَ وَحِجَاجَ الْعَيْنَيْنِ وَالْعَنْفَقَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَعْرٌ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ تَتَبُّعُ غُضُونِ وَجْهِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْلُغَ بِيَدَيْهِ حَيْثُ مَا يَبْلُغُ بِهِمَا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَيُمِرَّهُمَا عَلَى شَعْرِ لِحْيَتِهِ الطَّوِيلَةِ عَلَى نَحْوِ مَا جَرَى فِي الْوُضُوءِ وَمَا لَا يُجْزِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ وَخَفَّفَ ابْنُ مَسْلَمَةَ تَرْكَ الْيَسِيرِ، انْتَهَى. ص (وَصَعِيدٌ طَهُرَ كَتُرَابٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَوْ نُقِلَ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُوَالَاتُهُ أَيْ وَلَزِمَ أَيْضًا التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ الْمَنْبَتُ وَهُوَ التُّرَابُ ثُمَّ مَثَّلَ الصَّعِيدَ الطَّاهِرَ بِقَوْلِهِ كَتُرَابٍ وَأَشَارَ بِالْكَافِ إلَى دُخُولِ كُلِّ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ أَجْزَائِهَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ التُّرَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَلْزَمُ النَّقْلُ بَلْ يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْبِ وَالرَّمَلِ وَالسِّبَاخِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مَا دَامَتْ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ تُغَيِّرْهَا صَنْعَةُ آدَمِيٍّ بِطَبْخٍ وَنَحْوِهِ وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ، أَوْ عَدَمِهِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ بِغَيْرِ التُّرَابِ مُطْلَقًا وَخَصَّصَ ابْنُ حَبِيبٍ الْإِجْزَاءَ بِعَدَمِ التُّرَابِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ نَقْلِ الْبَاجِيِّ مَنَعَهُ ابْنُ شَعْبَانَ لَا بِقَيْدٍ وَذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى صُلْبِ الْأَرْضِ لِعَدَمِ التُّرَابِ اتِّفَاقًا يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ بِوُجُودِ التُّرَابِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ كَمَا قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى مَا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَعَ وُجُودِهِ ثَالِثُهَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِلْمَشْهُورِ وَابْنُ شَعْبَانَ وَابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى صُلْبِ الْأَرْضِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) يَتَيَمَّمُ بِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (الثَّانِي) لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ (وَالثَّالِثُ) يَتَيَمَّمُ بِهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي خَالِصِ الرَّمْلِ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ بِتُرَابِ السِّبَاخِ اتِّفَاقًا وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ وَهُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ التُّرَابُ وَالْحَجَرُ وَالرَّمْلُ وَالصَّفَا وَالسَّبْخَةُ وَالشَّبُّ وَالنُّورَةُ وَالزِّرْنِيخُ وَغَيْرُهَا مَا لَمْ تُطْبَخْ وَظَاهِرُهَا كَابْنِ الْحَاجِبِ بِشَرْطِ عَدَمِ التُّرَابِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يَتَيَمَّمُ بِمَا عَدَا التُّرَابِ إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ التُّرَابِ لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ وَالْحَصْبَاءِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا

وَأَنْكَرَ هَذَا بَعْضُ الْمَشَارِقَةِ أَعْنِي اخْتِصَارَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى هَذَا وَقَالَ: إنَّمَا وَقَعَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ لَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَحْتَمِلُ مَا ذَكَرُوهُ وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ عُمُومًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَلِيلٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ وَنَصُّ الْأُمِّ وَسُئِلَ مَالِكٌ أَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا قَالَ نَعَمْ، وَلَمْ يَنْقُلْ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ كَمَا يَنْبَغِي وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى الْحَصْبَاءِ أَوْ الْجَبَلِ، وَلَا تُرَابَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجِدُ تُرَابًا أَسَاءَ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا لَمْ يُعِدْ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يُعِيدُ وَاجِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: نَقَلَ الْبَرَاذِعِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَالْجَبَلِ وَالثَّلْجِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا فَشُرِطَ ذَلِكَ بِعَدَمِ التُّرَابِ وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنْ جَرَى فِي السُّؤَالِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى غَيْرِ التُّرَابِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ وَقَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ وَكَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمَ وَكَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَبِلَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتُّرَابِ أَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَالْجَبَلِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَدَرَ، وَلَا يُخْتَلَفُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ، وَلَوْ نُقِلَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التُّرَابَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ مَنْقُولًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلتُّرَابِ حُكْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) جَوَازُ التَّيَمُّمِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَالَغَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ نُقِلَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ إلَى الْحُكْمَيْنِ مَعًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ إطْلَاقَاتُ بَعْضِهِمْ تَتَنَاوَلُهُ وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِلَوْ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِهِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا إذَا عُمِلَ فِي وِعَاءٍ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَاسْمُ الصَّعِيدِ بَاقٍ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَرْضٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ نَحْوُ مَسِيرَةِ خَمْسَةِ أَمْيَالِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا وَهِيَ أَرْضُ دِيَارِ ثَمُودَ قَالَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الْمِلْحِ وَالثَّلْجِ مَا نَصُّهُ: (فَرْعٌ) حَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الرُّخَامِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَنَقْدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَعَادِنِهِ، وَلَمْ يَجِدْ سِوَاهُ فَيَتَيَمَّمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُرَادُهُ بِالرُّخَامِ أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّيَمُّمُ بِهِ بَعْدَ نَشْرِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ وَخِدْمَتِهِ وَصَقْلِهِ، وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ التَّيَمُّمِ. (فَرْعٌ) اُنْظُرْ هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى تُرَابِ الْمَسْجِدِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا، وَقَدْ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ حَدِيثُ الْوَادِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى مَقْبَرَةِ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ طَاهِرًا نَظِيفًا جَائِزٌ، انْتَهَى. ص (وَثَلْجٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ نَاجِي فَإِنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَا لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ قَالَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ التُّرَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَعَزَا لِلْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازَ وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي التَّيَمُّمِ بِالثَّلْجِ فَأَجَازَهُ فِي الْكِتَابِ وَمَنَعَهُ فِي مُدَوَّنَةِ أَشْهَبَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا وَهُوَ عِنْدَهُ كَالْعَدَمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَيَمَّمَ بِهِ وَصَلَّى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّعِيدِ أَعَادَ، وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ أَعَادَ مَا لَمْ يَذْهَبْ الْوَقْتُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْمَاءِ الْجَامِدِ وَالْجَلِيدِ قِيَاسًا عَلَى الثَّلْجِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَنَصُّهُ: وَفِي

الثَّلْجِ ثَالِثُهَا إنْ عَدِمَ الصَّعِيدَ وَرَابِعُهَا وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ بِالصَّعِيدِ لِلْبَاجِيِّ عَنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَأَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَاللَّخْمِيّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ الْبَاجِيِّ زَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ الْأُولَى وَبِالْجَمَدِ اللَّخْمِيُّ وَجَامِدُ الْمَاءِ وَالْجَلِيدُ مِثْلُهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ كَيْفَ لَمْ يَعْزُ الْأَوَّلَ إلَّا لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ مَعَ عَزْوِ اللَّخْمِيِّ لَهُ لِلْكِتَابِ وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَعَزَا الْبَاجِيُّ الْأَوَّلَ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَيْضًا فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يُعِيدُ وَاجِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ ابْنُ يُونُسَ صَوَابٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخَضْخَاضٍ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخَضْخَاضِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْخَضْخَاضِ مَا لَيْسَ بِمَاءٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَقِيلَ، وَإِنْ وَجَدَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَمْ أَرَهُ، انْتَهَى. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَخَضْخَاضٍ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الطِّينِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا، وَلَا جَبَلًا وَقَالَ الْبَرَاذِعِيُّ: وَعَلَى طِينِ خَضْخَاضٍ وَغَيْرِ خَضْخَاضٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى طِينِ خَضْخَاضٍ وَغَيْرِ خَضْخَاضٍ وَفِيهَا أَيَتَيَمَّمُ عَلَى الصَّفَا وَالْجَبَلِ وَخَفِيفِ الطِّينِ فَاقِدُ التُّرَابِ قَالَ: نَعَمْ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِ، وَقِيلَ: إنْ فَقَدَ التُّرَابَ لَا أَعْرِفُهُ نَصَّا فِي الطِّينِ، انْتَهَى. وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِ، وَقِيلَ: وَإِنْ وَجَدَ التُّرَابَ لَا أَعْرِفُهُ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِإِنْكَارِ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِيهَا جَفَّفَ يَدَيْهِ رُوِيَ بِجِيمٍ وَخَاءٍ) . ش يَعْنِي أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْخَضْخَاضِ: وَيُخَفِّفُ وَضْعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَرَوَى قَوْلَهُ يُجَفِّفُ بِالْجِيمِ وَرَوَى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: يُخَفِّفُ وَضْعَ يَدَيْهِ وَيُجَفِّفُهُمَا قَلِيلًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُحَرِّكُ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ يَسِيرًا إنْ كَانَ فِيهِمَا شَيْءٌ يُؤْذِيهِ ثُمَّ يَمْسَحُ، انْتَهَى. زَادَ ابْنُ يُونُسَ ثُمَّ بِهَا وَجْهَهُ وَيَصْنَعُ كَذَلِكَ لِيَدَيْهِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَجِصٍّ لَمْ يُطْبَخْ) ش: قَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ: بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا مَا يُبْنَى بِهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاشْتُرِطَ عَدَمُ الطَّبْخِ؛ لِأَنَّ الطَّبْخَ يُخْرِجُهُ عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّعِيدِ، وَمِنْ الْمُنْتَقَى وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْجِيرِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ عَنْ جِنْسِ أَصْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ آجُرًّا، أَوْ حَجَرًا، أَوْ اضْطَرَّ الْمَرِيضُ إلَيْهِ فَتَيَمَّمَ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ التُّونُسِيّ اُنْظُرْ قَوْلَهُ: آجُرًّا وَالْآجُرُّ طِينٌ قَدْ طُبِخَ فَكَيْفَ يُتَيَمَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالرَّمَادِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَصْنُوعِ مِنْ الْأَرْضِ كَالْآجُرِّ وَالْجِصِّ وَالْجِيرِ وَالْجِبْسِ بَعْدَ حَرْقِهِ فَإِنْ فَعَلَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِ مَصْنُوعٍ أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أُجِيزَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٌ، انْتَهَى. ص (وَبِمَعْدِنٍ غَيْرِ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ) ش: هَذَا الْكَلَامُ مُشْكِلٌ اُنْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، أَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؟ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْمُتَيَمَّمُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ جَائِزٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الطَّاهِرِ وَهُوَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ مِنْ الْجِنْسِ الْمَعْهُودِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ وَمَعْدِنِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَمْنُوعٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ عَلَى التُّرَابِ النَّجِسِ وَمَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَتِبْرِ الذَّهَبِ وَنِقَارِ الْفِضَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ آحَادُ أَبْعَاضِ الْأَرْضِ لَا يَصِحُّ بِهِ التَّيَمُّمُ وَآحَادُ لَوْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي مَعْدِنِهِ، وَلَمْ يَجِدْ سِوَاهُ جَازَ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَلَى تِلْكَ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَا يُتَيَمَّمُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا

أَنْ يُدْرِكَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي مَعْدِنِهِ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَيَتَيَمَّمُ بِتُرَابِهِ لَا بِمَا يَبْقَى مِنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ يُمْنَعُ بِالْجِيرِ وَالْآجُرِّ وَالْجِصِّ بَعْدَ حَرْقِهِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالرُّخَامِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ سِوَى مَا مُنِعَ وَضَاقَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ بِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ لَيْسَ فِي التَّبْصِرَةِ مَجْمُوعًا كَمَا ذَكَرَهُ بَلْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمَعَادِنِ أَوَّلَ الْفَصْلِ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْجِصِّ وَالْجِيرِ فِي آخِرِهِ وَزَادَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْمَعَادِنِ إلَّا مَعَادِنَ النَّقْدِ يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْجَوَاهِرَ فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالْمَعَادِنِ إلَّا مَعَادِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُوَافِقٌ لِلَّخْمِيِّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ ثُمَّ يُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا إذَا وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَنْقُولٌ كَشَبٍّ وَمِلْحٍ) ش: قَالَ فِي الْكَبِيرِ: لِأَنَّهُ مَعَ النَّقْلِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّعِيدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التُّرَابِ وَغَيْرِهِ لَا يَظْهَرُ وَنَحْوُهُ فِي الْوَسَطِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جَوْهَرٍ وَمَثَّلَهُ بِالشَّبِّ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ كَلَامَ السُّلَيْمَانِيَّة الْآتِي وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: يَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى الشَّبِّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يُنْقَلْ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيّ: مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْدٍ عَطْفَ الْجُمَلِ أَيْ: يَتَيَمَّمُ بِكَذَا وَكَذَا غَيْرَ الْمَنْقُولِ ثُمَّ أَفَادَ حُكْمًا فِي الشَّبِّ وَالْمِلْحِ مِثْلَ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ، وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَنْقُولِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فِيمَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ مَنْقُولٌ إنْ عُطِفَ عَلَى نَقْدٍ صَحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَمَّمُ بِمَنْقُولٍ غَيْرِ التُّرَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمَعْدِنِ، وَإِنْ عُطِفَ عَلَى غَيْرِهِ لَزِمَ الِاخْتِصَاصُ أَيْضًا، وَإِنْ عُطِفَ عَلَى مَعْدِنٍ احْتَاجَ إلَى تَكَلُّفٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ: وَمِلْحٍ أَقْرَبُ مَا يُعْطِيهِ اللَّفْظُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى شَبٍّ وَأَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَنْقُولِ مِنْ الشَّبِّ وَالْمِلْحِ وَأَمْثَالِهِمَا هَذَا مَا رَأَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشُّرَّاحِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ مَنْقُولٌ مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْدٍ وَأَنَّهُ مُضَافٌ لِلْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَشَبٍّ وَأَنَّهُ اسْمٌ بِمَعْنَى: مِثْلُ. وَالْمَعْنَى وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ مَنْقُولٍ مِثْلِ الشَّبِّ وَالْمِلْحِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالشَّبِّ وَالْمِلْحِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ إذَا نُقِلَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَنْقُولٍ مَا لَا يُشْبِهُهُمَا كَالْحَجَرِ وَالرَّمْلِ أَمَّا التَّيَمُّمُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ مِنْ الشَّبِّ وَمَا أَشْبَهَهُ كَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ، وَأَمَّا الْمِلْحُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمِلْحِ رِوَايَتَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ عَدَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: جَعَلَهُ كَالْعَدَمِ وَنَقَلَهَا الْبَاجِيّ رِوَايَةً لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ بِالْمَعْدِنِيِّ دُونَ الْمَصْنُوعِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ كُلَّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا نُقِلَ أَمْ لَا وَجَدَ غَيْرَهُ أَمْ لَا وَنَصُّهُ: وَفِي الْمِلْحِ ثَالِثُهَا الْمَعْدِنِيُّ لِابْنِ الْقَصَّارِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْبَاجِيِّ مَعَ ابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ طَعَامٌ وَالْبَاجِيُّ مَعَ نَقَلِ اللَّخْمِيِّ وَرَابِعُهَا لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ وَفِي السُّلَيْمَانِيَّة إنْ كَانَ بِأَرْضِهِ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالشَّبِّ وَالْمِلْحِ إذَا نُقِلَا وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ بِمَنْقُولٍ مَا لَا يُشْبِهُهُمَا كَالْحَجَرِ وَالرَّمْلِ فَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ نُقِلَ التُّرَابُ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ أَيْ: مِنْ الْحَجَرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّمْلُ وَالْحِجَارَةُ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التُّرَابِ بُعْدٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ هَارُونَ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ فِي تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ عَلَى الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي السُّلَيْمَانِيَّة: إذَا نُقِلَ الشَّبُّ وَالْكِبْرِيتُ وَالزِّرْنِيخُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يُتَيَمَّمُ

بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مُعَدًّا لِمَنْفَعَتِهِمْ أَشْبَهَ الْعَقَاقِيرَ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَغْرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ أَنَّهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَلَا مَشْهُورَ فِيهِمَا وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ التُّرَابِ وَغَيْرِهِ قُوَّتَهُ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَنْقُولِ مِنْ غَيْرِ التُّرَابِ وَنَصُّهُ: وَالْمَشْهُورُ فِيمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ أَنَّهُ الْأَرْضُ وَمَا صَعِدَ عَلَيْهَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَلِحَدِيثِ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُتَيَمَّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَعِنْدَنَا نَحْوُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الثَّلْجِ وَالْحَشِيشِ. (قُلْتُ) الْقَائِلُ عِنْدَنَا نَحْوُهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَيَّدَ بِوُجُودِ التُّرَابِ إذْ لَا يُتَيَمَّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَيَعْنِي بِالْأَرْضِ وَجْهَهَا الْمُعْتَادَ غَالِبًا كَالتُّرَابِ وَغَيْرَ غَالِبٍ كَتُرَابِ الْمَعَادِنِ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ شَبٍّ أَوْ كِبْرِيتٍ وَكُحْلٍ وَزِرْنِيخٍ وَرَمْلٍ وَسَبْخَةٍ وَيَعْنِي مَا صَعِدَ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِنْ نَوْعِهَا كَالْحَجَرِ وَالطِّينِ غَيْرِ الْخِضْخَاضِ وَمَا لَيْسَ مِنْ نَوْعِهَا كَالشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ وَالزَّرْعِ وَالثَّلْجِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ نَقْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّيَمُّمِ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: يَمْنَعُ، انْتَهَى. كَلَامُ الْأَبِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلِمَرِيضٍ حَائِطُ لَبِنٍ، أَوْ حَجَرٌ) ش قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِجِسْمِهِ هَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الْعَادِمِ الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، أَوْ لَا يَجِدُهُ وَكَذَا الصَّحِيحُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمَنْقُولِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَائِطٍ، أَوْ غَيْرِهِ مَا لَمْ تُغَيِّرُهُ الصَّنْعَةُ فَيَصِيرُ جِيرًا أَوْ جِبْسًا أَوْ آجُرًّا، أَوْ يَكُونُ بِهِ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ، وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إذَا جَرَى فَيُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِحَصِيرٍ وَخَشَبٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَى لِبَدٍ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي بِنَحْوِهِ الْبِسَاطَ وَالثِّيَابَ وَالْحَصِيرَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّعِيدِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إلَّا أَنْ يَكْثُرَ مَا عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ اسْمُ الصَّعِيدِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ التَّوْضِيحِ نَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ: وَخَشَبٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْخَشَبِ يُرِيدُ النَّابِتَ فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْحَشِيشُ وَالنَّخِيلُ وَالْحَلْفَاءُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَأَمَّا مَا يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ شَكْلِهَا كَالنَّخِيلِ وَالْحَلْفَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَشِيشِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَلْعِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنُ الْقَصَّارِ: يَتَيَمَّمُ فَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ وَذَلِكَ عَلَيْهَا وَأَجَازَهُ الْوَقَارَ فِي الْخَشَبِ إذَا غَشَّى وَجْهَ الْأَرْضِ وَرَكَّبَهَا عَلَى مَا يَكُونُ فِي الْغَابَاتِ الْوَاسِعَةِ وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَاذَا يَصْنَعُ وَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعَدُّ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَهُوَ رَاكِبٌ لَا نَزَلَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَنَزَلَ عَلَى أَرْضٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ حَنِثَ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَى جِذْعِ نَخْلٍ لَمْ يَحْنَثْ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الثَّلْجِ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ، وَالثَّلْجُ أَقْرَبُ إلَى مُشَاكَلَةِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا النَّخِيلُ وَالْحَلْفَاءُ وَالْحَشِيشُ وَنَحْوُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَلْعِهِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ: يَتَيَمَّمُ بِهِ فَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ عَلَيْهَا وَأَجَازَهُ الْوَقَارُ فِي الْخَشَبِ إذَا عَلَا وَجْهَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْغَابَاتِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ فَنَزَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ حَنِثَ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَى جِذْعٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْنَثْ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَأَجَازَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ التَّيَمُّمَ عَلَى الْحَشِيشِ وَأَجَازَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ التَّيَمُّمَ عَلَى الْخَشَبِ وَرَأَى أَنْ يُعِيدَ مَنْ تَيَمَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سِوَاهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا التَّيَمُّمُ أَوْ يَدَعُ الصَّلَاةَ، أَوْ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَصَلَاتُهُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ أَوْلَى وَأَحْوَطُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ يُجِيزُ التَّيَمُّمَ بِالْحَشِيشِ، وَلَوْ وَجَدَ سِوَاهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ

لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهَا: النَّوْعُ الْخَامِسُ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَمِنْ ذَلِكَ الْحَشِيشُ وَالْخَشَبُ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَصَّارِ التَّيَمُّمَ عَلَى الْحَشِيشِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَعَادَ أَبَدًا إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَهُوَ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ لِعَدَمِ الْأَرْضِ، وَلِأَنَّهُ نَبَاتٌ مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّمْلِ وَالْحَصَا وَاسْمُ الْأَرْضِ يَقَعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الزَّرْعِ خِلَافًا. (قُلْتُ) وَالْأَرْجَحُ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ بِهِ لِعَدَمِ ضَرُورَتِهِ إلَيْهِ مَعَ بُعْدِهِ عَنْ مُسَمَّى الْأَرْضِ، أَوْ مُسَمَّى الصَّعِيدِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِ الشَّائِبَتَيْنِ مُطْلَقًا وَتَعْطِيلِ الْأَمْرَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الْمُخْتَلَفَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهَا الْخَامِسُ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا كَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالزَّرْعِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ وَالْإِعَادَةِ أَبَدًا إنْ تَيَمَّمَ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ تَيَمَّمَ بِهِ قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ الْأَرْجَحُ الْأَظْهَرُ. (قُلْتُ) فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحَشِيشِ وَالْحَلْفَاءِ وَالنَّخِيلِ وَالْخَشَبِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ فَيَتَيَمَّمُ بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ حِكَايَةِ اللَّخْمِيِّ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ قَلْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالثَّلْجِ لِعَدَمِ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ تَيَمَّمَ بِذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدَ الصَّعِيدَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ، وَلَا يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَوْ فَعَلَهُ وَاجِدًا لِلصَّعِيدِ أَعَادَ أَبَدًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحَشِيشِ النَّابِتِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إذَا عَمَّ الْأَرْضَ وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْهَا، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يُبَيِّنُ كَلَامَهُ فِي كِتَابِ التَّقْيِيدِ وَالتَّقْسِيمِ ص (وَفَعَلَهُ فِي الْوَقْتِ) ش: أَيْ: وَلَزِمَ فِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْفِعْلِ الْمُتَيَمَّمِ لَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَفِعْلِهِ فِي الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْحَاضِرَةِ مَعْلُومَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ دُخُولَ وَقْتِ الْفَائِتَةِ بِتَذَكُّرِهَا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُيَمَّمَ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَيَمُّمِهِ، وَمِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ اتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ وَفِي الْبُرْزُلِيّ مَنْ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطَعَ هَلْ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؟ فَقَالَ السُّيُورِيّ: لَا يُعِيدُ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَطُلْ، وَإِنْ طَالَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ اتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَامَةِ إذَا ذَكَرَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَزَلْ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ قَطَعَهَا لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ، وَلَا مَسْأَلَةِ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِغَيْبَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ قُدِّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ إحْرَامِ الْأَوَّلِ هَلْ تُعَادُ لَهُ الْإِقَامَةُ أَوْ لَا؟ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِاخْتِلَافِ الْإِمَامِ فِيهَا، انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ. ص (فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْعَادِمُونَ لِلْمَاءِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا فَاتَتْ فَضِيلَةُ الْمَاءِ، وَهَذَا حُكْمُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ، انْتَهَى فَفِي هَذَا الْقِسْمِ نَوْعَانِ. ص (وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ، أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ) ش:

قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الثَّانِي أَنْ يَشُكَّ فِي الْأَمْرِ فَيَتَيَمَّمَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَتَيَمَّمَ مِنْ الْوَقْتِ فِي آخِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ رَجَاءَ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْمَاءِ مَا لَمْ يَخَفْ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ فَوَاتَهَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِئَلَّا تَفُوتَهُ الْفَضِيلَتَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْقِسْمِ الْخَائِفُ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ فَفِي هَذَا الْقِسْمِ أَرْبَعَةٌ وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَعَهُمْ الْمَسْجُونُ فَيَكُونُونَ خَمْسَةً. ص (وَالرَّاجِي آخِرَهُ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الثَّالِثُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، أَوْ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْمَاءَ فِي آخِرِهِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَفَضِيلَةَ الْمَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَفَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ يَجُوزُ تَرْكُهَا بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفَضِيلَةَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، انْتَهَى. فَفِي هَذَا الْقِسْمِ نَوْعَانِ أَيْضًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَعْنَى فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَيْ: فِي آخِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَقْتٌ، انْتَهَى. ص (وَفِيهَا تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِلشَّفَقِ) ش: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مُمْتَدٌّ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالِامْتِدَادِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُفَرَّعَةً عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ بَلْ نَقُولُ إنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: الرَّاجِي يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ الْمُخْتَارِ فَيُقَالُ: إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا. ص (وَسُنَّ تَرْتِيبُهُ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ) ش: ذَكَرَ مِنْ سُنَنِ التَّيَمُّمِ ثَلَاثَ سُنَنٍ: التَّرْتِيبُ وَلَا كَلَامَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدُ الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ لِيَدَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِتَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الْبِسَاطِيّ وَبَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ سُنَّةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ نَفْضُ مَا تَعَلَّقَ بِهِمَا مِنْ الْغُبَارِ، فَإِنْ مَسَحَ بِهِمَا عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ بِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: تَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَةَ الْأُولَى يَمْسَحُ بِهَا الْوَجْهَ خَاصَّةً وَالثَّانِيَةَ يَمْسَحُ بِهَا الْيَدَيْنِ خَاصَّةً خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ يَمْسَحُ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانَ. ص (وَنُدِبَ تَسْمِيَةٌ) ش: وَرَدَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَضَائِلِ السِّوَاكِ وَالصَّمْتِ وَذِكْرِ اللَّهَ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَبَطَلَ بِمُبْطِلِ الْوُضُوءِ وَبِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبْطِلُهُ مَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ

مِنْ النَّوَاقِضِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي فَصْلِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسَعًا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا إنْ تَوَضَّأَ فِيهِ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ لَمْ يَجِبْ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْإِشْرَافِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي أَثْنَاءِ بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَوُجُودُ مَاءٍ فِي وَقْتٍ يَسَعُهُ يُبْطِلُهُ فَلَوْ ضَاقَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فَالْقَاضِي لَا يُبْطِلُهُ وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى التَّيَمُّمِ حِينَئِذٍ الْمَازِرِيُّ هَذَا آكَدُ لِحُصُولِهِ لِمُوجِبِهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ التَّصْرِيحِ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ كَانَ فِي ضِيقٍ مِنْ الْوَقْتِ إنْ تَوَضَّأَ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الصَّحِيحِ نَعَمْ ذَكَرَ التَّخْرِيجَ الْمَذْكُورَ ابْنُ شَاسٍ وَنَصُّهُ: الْأَوَّلُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ لِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الْوَقْتِ بِاسْتِعْمَالِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ. فَيُخَرَّجُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَأَوْلَى هُنَا بِتَرْكِ الِاسْتِعْمَالِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مِنْ الرَّدِّ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا خَافَ خُرُوجَهُ تَيَمَّمَ (الثَّانِي) الْمُرَادُ بِضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ لَا يَسَعَ رَكْعَةً بَعْدَ وُضُوئِهِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ خُرُوجُ وَقْتٍ (الثَّالِثُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْمُرَاعَى فِي التَّشَاغُلِ بِاسْتِعْمَالِهِ عَلَى قَدْرِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّرَاخِي وَبَعْضِ الْوَسْوَاسِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ لَا فِيهَا يَعْنِي إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالْقَطْعِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ: إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ فَهَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَطْعُ، أَوْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَطْعُ؟ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ عَاصِيًا إنْ فَعَلَ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِهِ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَذَا فِيمَنْ تَيَمَّمَ وَهُوَ عَلَى إيَاسٍ مِنْ الْمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ تَيَمَّمَ وَهُوَ يَرْتَجِي الْمَاءَ فَهَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ يَقْطَعُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا أُسْنِدَتْ إلَى تَخْمِينٍ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَمَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ طَلَعَ عَلَيْهِ رَكْبٌ يَظُنُّ أَنَّ مَعَهُمْ الْمَاءَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ سُؤَالُهُمْ إذَا طَلَعُوا عَلَيْهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ تَيَمُّمَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى مَاءً فَقَصْدَهُ فَحَالَ دُونَهُ مَانِعٌ نَقَلَهُ سَنَدٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّ الطَّلَبَ إذَا وَجَبَ كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ، وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّا نَشْتَرِطُ اتِّصَالَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَمَتَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا فَاحِشًا لَمْ يُجْزِهِ قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ طَلَعُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَقْطَعْ الصَّلَاةَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ الْمَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِهَا وَقَوْلُهُ: إلَّا نَاسِيَهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ فَنَسِيَهُ وَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَتَذَكَّرَ فِيهَا أَنَّ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِتَفْرِيطِهِ فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ وَالْمَاءُ مَوْجُودٌ مَعَهُ كَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الرَّقَبَةِ وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ قَوْلًا فِي التَّيَمُّمِ بِالتَّمَادِي وَقَالَ فِي الشَّامِلِ لَا فِيهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ إلَّا ذَاكِرَهُ فِي رَحْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، انْتَهَى. ص (وَيُعِيدُ الْمُقَصِّرُ فِي الْوَقْتِ) ش: هَذَا الْكَلَامُ كَأَنَّهُ تَرْجَمَةٌ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فِي الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ تَرَكَ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ نَاسِيًا، أَوْ عَامِدًا وَالْمَسْأَلَةُ

فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ الْحَاجِبِ مَفْرُوضَةٌ فِي النَّاسِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَامِدَ كَذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ: هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) لَيْسَ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ بَلْ ذَكَرَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مَنْ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يُعِدْ فِيهِ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ فَالْمَشْهُورُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكُلُّ مَنْ أُمِرَ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ فَنَسِيَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِدْ بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ. ص (كَوَاجِدٍ بِقُرْبِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بِقُرْبِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ نَزَلُوا بِصَحْرَاءَ، وَلَا مَاءَ لَهُمْ ثُمَّ وَجَدُوا الْمَاءَ قَرِيبًا جَهِلُوهُ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتِحْبَابًا وَعَزَاهُ الْقَرَافِيُّ لِسَمَاعِ مُوسَى، وَلَيْسَ فِيهِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ. ص (أَوْ رَحْلِهِ) ش: يَعْنِي كَوَاجِدِهِ فِي رَحْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ ضَلَّ عَنْهُ فِي رَحْلِهِ وَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ وَنَاسٍ ذَكَرَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَاسٍ لَهُ بَلْ طَلَبَهُ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَالْآتِي فِيمَنْ نَسِيَهُ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَيَكُونُ تَكْرَارًا، انْتَهَى. ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ بِظَاهِرٍ. ص (وَمُتَرَدِّدٍ فِي لُحُوقِهِ) ش: أَيْ فَإِنَّهُ يُعِيدُ، وَلَوْ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ فَأَحْرَى إذَا قَدَّمَ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُتَرَدِّدِ فِي وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهِ أَوْ قَدَّمَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ قَدَّمَ الشَّاكُّ فِي وُجُودِهِ لَمْ يُعِدْ وَفِي إدْرَاكِهِ فَفِي الْوَقْتِ لِتَقْصِيرِهِ وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ كَمَرِيضٍ عَدِمَ مُنَاوِلًا وَنَاسٍ ذَكَرَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا قَدَّمَ صَاحِبُ التَّوَسُّطِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ إذَا تَيَمَّمُوا فِي وَقْتِهِمْ الْمَشْرُوعِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا قَدَّمُوا يُرِيدُ إلَّا الْمُتَرَدِّدَ فِي وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ اُنْظُرْ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنَ يُونُسَ. ص (وَنَاسٍ ذَكَرَ بَعْدَهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ النَّاسِيَ لِلْمَاءِ إنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَوَاجِدٍ بِقُرْبِهِ

أَوْ رَحْلِهِ فَيُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَإِنْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُعِيدَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالظَّاهِرُ دُخُولُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ بَعْضُ تَفْرِيطٍ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) لَوْ سَأَلَ رُفْقَتَهُ الْمَاءَ فَنَسَوْهُ فَلَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَجَدُوهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ مَنَعُوهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَوْ وَجَدُوهُ لَمْ يَمْنَعُوهُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى. ص (وَمُنِعَ مَعَ عَدَمِ مَاءٍ تَقْبِيلُ مُتَوَضِّئٍ وَجِمَاعُ مُغْتَسِلٍ إلَّا لِطُولٍ) . ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبُولَ، وَلَا مَاءَ مَعَهُ إذَا كَانَتْ بِهِ حُقْنَةٌ خَفِيفَةٌ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَدَخَلَ الْوَقْتُ وَأَهْرَاقُهُ فَهُوَ عَاصٍ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ الطِّرَازِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالصَّحِيحُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: يُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ كَانَ فِي بَلَدِ الثَّلْجِ فَنَزَلَ الثَّلْجُ أَنَّهُ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إذَا كَانَ يُحْوِجُهُ الْأَمْرُ لِلتَّيَمُّمِ، الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. هَذَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَذُوبُ فِيهِ عَلَى قُرْبٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَطُولُ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ، انْتَهَى. ص (وَقُدِّمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ وَمَعَهُ جُنُبٌ) ش: قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي آخِرِ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ النَّفَرِ الْمُسَافِرِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي رَجُلًا مِنْهُمْ لِلْغُسْلِ فَيَمُوتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ هَلْ يَكُونُ الْمَيِّتُ أَوْلَى بِذَلِكَ؟ وَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمَاءُ لِوَاحِدٍ دُونَ صَاحِبِهِ؟

وَكَيْفَ بِهِ إذَا كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَجْنَبَ الثَّانِي وَانْتَقَضَ وُضُوءُ الثَّالِثِ مَنْ أَوْلَاهُمْ بِذَلِكَ؟ وَكَيْفَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَصْنَعُوا؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ يُغَسَّلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ وَكَانَ قَدْرُ مَا يَكْفِي وَاحِدًا يَغْتَسِلُ بِهِ فَالْحَيُّ أَوْلَى بِهِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَأَجْنَبَ الثَّانِي وَانْتَقَضَ وُضُوءُ الثَّالِثِ فَالْحَيُّ أَوْلَى بِهِ يَتَوَضَّأُ بِهِ أَيْ: الْحَيُّ الَّذِي انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْلَى بِنَصِيبِهِ مِنْهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُتَيَمَّمُ الْمَيِّتُ يُرِيدُ وَيَتَيَمَّمُ الْحَيُّ الْجُنُبُ أَيْضًا إذْ لَيْسَ فِيمَا يَبْقَى مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ أَخْذِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ نَصِيبَهُ مِنْهُ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا لِلْغُسْلِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا لَكَانَ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ إذْ لَا يُقَاوَمُ عَلَى الْمَيِّتِ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ حِصَّةِ الْمَيِّتِ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا لِلْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَتَقَاوَمَاهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فَصَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، انْتَهَى. وَعَزَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ عِيسَى وَانْظُرْ أَيْضًا آخِرَ سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَنَوَازِلِهِ. ص (وَتَسْقُطُ صَلَاةٌ وَقَضَاؤُهَا بِعَدَمِ مَاءِ وَصَعِيدٍ) . ش قِيلَ: يُصَلِّي وَيَقْضِي، وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي، وَلَا يَقْضِي، وَقِيلَ: يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي، وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي وَيَقْضِي قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا مُتَيَمَّمًا ... فَأَرْبَعَةُ الْأَقْوَالِ يَحْكِينَ مَذْهَبًا يُصَلِّي وَيَقْضِي عَكْسَ مَا قَالَ مَالِكٌ ... وَأَصْبَغُ يَقْضِي وَالْأَدَاءُ لِأَشْهَبَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خَاصَّةٌ بِمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالصَّعِيدَ وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَدَمِ بَلْ هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ وَالتُّرَابِيَّةِ إمَّا لِعَدَمِهِمَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ: الْعَاجِزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الطَّهَارَةِ لِمَرَضٍ، أَوْ عَدُوٍّ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ عَدَمِ قُدْرَةٍ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ تَطْهِيرٌ بِمَاءٍ، أَوْ تُرَابٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ نَافِعٍ: لَا صَلَاةَ وَلَا قَضَاءَ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصَلِّي وَيَقْضِي (الثَّالِثُ) يُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ قَالَهُ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ (الرَّابِعُ) يُصَلِّي إذَا قَدَرَ، قَالَهُ أَصْبَغُ (الْخَامِسُ) لَا يُصَلِّي وَيُعِيدُ، قَالَهُ الَّذِي قَالَ: يُومِئُ إلَى التَّيَمُّمِ وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاَلَّذِي أَقُولُ إنَّهُ إنَّمَا يُومِئُ إلَى الْمَاءِ لَا لِلتَّيَمُّمِ (وَالسَّادِسُ) يُومِئُ إلَى التَّيَمُّمِ أَشَارَ إلَيْهِ مُتَأَخِّرًا وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ أَدَاءً لَا شَرْطُ وُجُوبٍ وَعَدَمُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ جَعْلِهَا كَسَائِرِ شُرُوطِهَا مِنْ شُرُوطِ طَهَارَةِ ثَوْبٍ وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ الْخَامِسُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ لِي فَهْمُهُ وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ لَا يُصَلِّي وَيُعِيدُ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لَا يُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُصَلِّي بَلْ يُؤَخِّرُ إلَى أَنْ يَجِدَ أَحَدَ الطُّهْرَيْنِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ يَرْجِعُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ نَافِعٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْخَامِسَ أَنَّهُ يُومِئُ إلَى الْمَاءِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اُنْظُرْ فِي النَّوَادِرِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَائِلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ فِيمَنْ انْكَسَرَتْ بِهِ الْمَرْكَبُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمَرْبُوطِ وَالْمَرِيضِ لَا يَجِدُ مُنَاوِلًا، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ أَنْ يُومِئَ إلَى الْأَرْضِ أَمْ لَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْقَابِسِيِّ يُومِئُ الْمَرْبُوطُ لِلتَّيَمُّمِ بِالْأَرْضِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ كَإِيمَائِهِ بِالسُّجُودِ إلَيْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي بَابِ الْحَجِّ: إنَّ الْإِيمَاءَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ وَاللَّخْمِيِّ عَنْ الْقَابِسِيِّ وَانْظُرْ شَرْحَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ

المسح على الجبائر

مِنْ رُكُوعِهِ مِنْ ابْنِ نَاجِي فَإِنَّهُ أَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ شَرْحُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهَا وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) إذَا قُلْنَا: يُصَلِّي إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَلَا تَبْطُلُ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِسَبْقِ الْحَدَثِ، وَلَا بِغَلَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ الْحَدَثَ بِطَهُورٍ، وَأَمَّا تَعَمُّدُهُ لِذَلِكَ فَهُوَ رَفْضٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ. مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ السُّيُورِيّ عَمَّنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَهُوَ فِي كَرْبٍ مِنْهَا وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّيَمُّمِ وَيَجِدُ مَنْ يُيَمِّمُهُ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ. فَأَجَابَ: التَّيَمُّمُ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ خَافَ مَرَضًا، أَوْ زِيَادَتَهُ فِي خُرُوجِ يَدِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَقَدَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَقِيلَ: يُصَلِّي وَيَقْضِي، وَقِيلَ: يُصَلِّي خَاصَّةً، وَقِيلَ: يَقْضِي خَاصَّةً وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا فُقِدَتْ الطَّهَارَةُ، وَقَدْ صَلَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ التَّيَمُّمِ بِغَيْرِ عِلْمِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضِيَّةِ طَلَبِ الْعَقْدِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَحَصَلَ أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهَارَةٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. (قُلْتُ) وَعَلَى مَا نَقَلَ أَبُو عِمْرَانَ فِي التَّعَالِيقِ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ يُومِئُ الْمَرْبُوطُ بِيَدَيْهِ وَوَجْهِهِ إلَى الْأَرْضِ لِلتَّيَمُّمِ يَمْسَحُ هُنَا عَلَى الثِّيَابِ مِنْ بَابِ أَحْرَى وَقِيَاسًا عَلَى الْعُضْوِ الْمَأْلُومِ فِي الْوُضُوءِ، انْتَهَى. مِنْ الْبُرْزُلِيّ وَانْظُرْ مَا ذُكِرَ عَنْ السُّيُورِيِّ فِيمَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ إجْمَالًا وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فِي يَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا مَثَلًا فَتَارَةً لَا يَسْتَطِيعُ مَسَّهَا إمَّا بِلَا حَائِلٍ، أَوْ بِهِ وَتَارَةً يُقَدَّرُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ فَالْأَوَّلُ تَجْرِي فِيهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَالثَّانِي يَجْرِي فِيهِ مَا قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَسْح عَلَى الجبائر] (الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْجَبَائِرُ جَمْعُ جَبِيرَةٍ وَهِيَ أَعْوَادٌ وَنَحْوُهَا تُرْبَطُ عَلَى الْكَسْرِ أَوْ الْجُرْحِ وَهِيَ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٌ وَسُمِّيَتْ جَبِيرَةً تَفَاؤُلًا كَالْقَافِلَةِ، وَالتَّفْرِيقُ الْحَاصِلُ فِي الْبَدَنِ إنْ كَانَ فِي الرَّأْسِ قِيلَ: شَجَّةٌ، أَوْ فِي الْجِلْدِ قِيلَ: لَهُ خَدْشٌ، أَوْ فِيهِ وَفِي اللَّحْمِ قِيلَ: لَهُ جُرْحٌ وَالْقَرِيبُ الْعَهْدِ الَّذِي لَمْ يُفْتَحْ يُقَالُ لَهُ خُرَّاجٌ، فَإِنْ فُتِحَ قِيلَ: لَهُ قَرْحٌ، أَوْ فِي الْعَظْمِ قِيلَ: لَهُ كَسْرٌ، أَوْ فِي الْعَصَبِ عَرْضًا قِيلَ: لَهُ بَتْرٌ، أَوْ طُولًا قِيلَ: لَهُ شَقٌّ، وَإِنْ كَانَ عَدَدُهُ كَثِيرًا سُمِّيَ شَدْخًا وَفِي الْأَوْرِدَةِ وَالشَّرَايِينِ قِيلَ لَهُ انْفِجَارٌ، وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي قَوْلِ ابْنِ الْجَلَّابِ وَالتَّهْذِيبِ مَنْ كَانَتْ بِهِ شِجَاجٌ أَوْ جِرَاحٍ، أَوْ قُرُوحٌ فَيَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا، انْتَهَى كَلَامُ الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ الْجُرْحَ يَعُمُّ مَا فِي الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (فَصْلُ إنْ خِيفَ غَسْلُ جُرْحٍ كَالتَّيَمُّمِ مَسَحَ ثَمَّ جَبِيرَتَهُ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ فِي أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ جُرْحٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ أَوْ فِي جَسَدِهِ جُرْحٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ الْجُرْحِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَإِنْ خَافَ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ خَوْفًا كَالْخَوْفِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي التَّيَمُّمِ يَعْنِي قَوْلَهُ إنْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ ضَرَرًا، أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوْ تَأْخِيرَ بُرْءٍ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ مُبَاشَرَةً، فَإِنْ خَافَ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ فِي الْمَسْحِ ضَرَرًا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عَلَيْهِ جَبِيرَةً ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ، فَإِنْ خَافَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ، أَوْ كَانَ نَزْعُ الْعِصَابَةِ مِنْ عَلَيْهَا يُفْسِدُ الدَّوَاءَ وَيَخْشَى مِنْهُ ضَرَرًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ كَمَا فِي الْفَصَادَةِ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْعِصَابَةِ الْمَرْبُوطَةِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَهَكَذَا، وَلَوْ كَثُرَتْ الْعَصَائِبُ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْمَسْحُ عَلَى مَا تَحْتَهَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا كَانَتْ الْجَبِيرَةُ بِمَوْضِعٍ يُغْسَلُ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لَا ثَلَاثًا، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ قَالَ: وَدَلِيلُهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إنَّمَا يَمْسَحُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ مَغْسُولٍ ثَلَاثًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَسْحِ التَّخْفِيفُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ

الثَّانِي) يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْجَبِيرَةِ بِالْمَسْحِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: إنَّ جَمِيعَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ، فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ مِنْ الْعُضْوِ شَيْئًا، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْحَقِّ: مَنْ كَثُرَتْ عَصَائِبُهُ وَأَمْكَنَهُ مَسْحُ أَسْفَلِهَا لَمْ يُجْزِهِ عَمَّا فَوْقَهُ وَتَخْرِيجُهُ الطِّرَازَ عَلَى خُفٍّ فَوْقَ خُفٍّ يُرَدُّ بِأَنَّ شَرْطَ الْجَبِيرَةِ الضَّرُورَةُ بِخِلَافِ الْخُفِّ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ الْجَبِيرَةَ لَا يَجُوزُ لُبْسُهَا إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَإِذَا لَبِسَهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا جَبِيرَةً أُخْرَى إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالْخُفُّ يَجُوزُ لُبْسُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِذَا لَبِسَهُ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الرِّجْلِ فَيَجُوزُ لُبْسُ خُفٍّ آخَرَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ عِصَابَتَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى عِصَابَةِ الْجُرْحِ إذَا تَعَذَّرَ حَلُّهَا، أَوْ كَانَ حَلُّهَا يُفْسِدُ الدَّوَاءَ الَّذِي عَلَى الْجُرْحِ، قَالَهُ اللَّخْمِيّ وَالْعِصَابَةُ بِالْكَسْرِ مَا عُصِبَ بِهِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. ص (كَفَصْدٍ) ش: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَهَكَذَا حُكْمُ الْفَصْدِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ مُبَاشَرَةُ الْمَوْضِعِ بِالْمَاءِ وَافْتَقَرَ إلَى شَدِّهِ بِعَصَائِبَ فَيَسْتُرُ شَيْئًا مِنْ ذِرَاعِهِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى تِلْكَ الْعِصَابَةِ وَعَلَى الرِّبَاطِ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمَأْلُومِ وَيُجْزِئُهُ. ص (وَإِنْ بِغُسْلٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ: وَلَا فَرْقَ فِي حُكْمِ الْغُسْلِ بَيْنَ أَنْ يَجِبَ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ -، انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ بِمَرَّاكُشَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا رُخْصَةَ فِي ذَلِكَ كَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ، وَلَا يُفْطِرُ، وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَتْ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّى بِالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَمَسْأَلَةُ الْغُسْلِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَيَقَعُ الْمَسْحُ الْمُرَخَّصُ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَشَبِّثٍ بِالْمَعْصِيَةِ وَلَا دَاخِلٍ فِيهَا قَالَ السَّائِلُ: فَبَيِّنْ لَنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَوَجِّهْ الصَّوَابَ فِيهَا. فَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا تَقَدَّمَ بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْمَسْحِ تَسَاهَلَ فِي الْعَوْدِ إلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَسْحِ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ زَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ) ش: هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْغُسْلِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُضُوءِ فَالْمُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ فَقَطْ، قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَابْنُ الْحَاجِبِ. ص (وَإِنْ غَسَلَ أَجْزَأَهُ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَغَسَلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ بِأَنْ قَلَّ الصَّحِيحُ مِنْ جَسَدِهِ جِدًّا كَيَدٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ كَانَ أَكْثَرَ - مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ غَسْلُ الصَّحِيحِ يَضُرُّ بِالْجَرِيحِ فَتَرَكَ التَّيَمُّمَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَغَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ الصَّحِيحَ مِنْهُ وَالْجَرِيحَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ. (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ جَمِيعًا. (فَرْعٌ) فَلَوْ غَسَلَ الصَّحِيحَ فَقَطْ وَمَسَحَ الْجَرِيحَ أَعْنِي مَنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ فَأَمَّا

مَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ جَسَدِهِ إلَّا كَالْيَدِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا مَنْ بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ إذَا غَسْلَ الصَّحِيحَ يَضُرُّ الْجَرِيحَ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهَا وَاَلَّذِي أَتَتْ الْجِرَاحُ عَلَى أَكْثَرِ جَسَدِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ مَسَّهَا بِالْمَاءِ وَاَلَّذِي غَمَرَتْ الْجِرَاحُ جَسَدَهُ وَرَأْسَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ: فَلَوْ غَسَلَ مَا صَحَّ وَمَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ لَمْ يُجْزِهِ كَصَحِيحٍ وَجَدَ مَا لَا يَكْفِيهِ وَرَدَّهُ ابْنُ مُحْرِزٍ بِأَنَّ مَسْحَ الْجُرْحِ مَشْرُوعٌ وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ إذْ الْمَسْحُ عَلَى مَوْضِعِ الشَّجَّةِ وَالْجَبِيرَةِ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ وَلَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَادِمِ لِلْمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْتُ) أَمَّا لَوْ غَسَلَ جَرِيحٌ أَكْثَرَ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ، وَكَذَلِكَ نَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي يَخْشَى بِالصِّيَامِ حُصُولَ عِلَّةٍ وَأَنَّهُ وَإِنْ صَامَ يُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الظِّهَارِ وَلَوْ تَكَلَّفَ الْمُعْسِرُ الْعِتْقَ جَازَ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ تَعَذَّرَ مَسُّهَا وَهِيَ بِأَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ تَرَكَهَا وَتَوَضَّأَ) . ش تَعَذَّرَ مَسُّهَا إمَّا بِأَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَمَسَّهَا أَصْلًا لَا بِالْمَاءِ، وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَوْ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمَسَّهَا بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ جَبِيرَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا جَبِيرَةً كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَشْفَارِ الْعَيْنِ، أَوْ لَا تَثْبُتُ كَمَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَ الْمَارِنِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ شَقَّ فَعَلَ الْجَبِيرَةَ، أَوْ تَعَذَّرَ غَسْلُ مَا سِوَاهُ إنْ كَانَ بِمَحِلِّ التَّيَمُّمِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ لَا يُمْكِنُ وَضْعُ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَلَا مُلَاقَاتُهُ بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ، وَلَمْ يُمْكِنْ مَسْحُهُ أَيْضًا بِالتُّرَابِ فَلَيْسَ إلَّا الْوُضُوءُ وَتَرَكَهُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِمَسْحِهَا، أَوْ لَا تَثْبُتُ، أَوْ لَا يُمْكِنُ وَهِيَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ تَرَكَهَا وَغَسَلَ مَا سِوَاهَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْجَبِيرَةِ لِلْمَسْحِ بِأَنْ تَزُولَ مَثَلًا كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَشْفَارِ الْعَيْنِ وَفِي التَّوْضِيحِ الضَّمِيرُ فِي مَسِّهَا عَائِدٌ إلَى الْجِرَاحِ أَيْ يَتَضَرَّرُ بِمَسِّهَا بِالْمَاءِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ لَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ لَا يُمْكِنُ وَضْعُ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَلَا مُلَاقَاتُهُ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَثْبُتُ إذَا كَانَتْ الْجَبِيرَةُ إذَا رُبِطَتْ لَا تَثْبُتُ كَمَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَ الْمَارِنِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْجُرْحِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَشْفَارِ الْعَيْنِ وَهِيَ يَعْنِي الْقُرْحَةَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ كَمَا مَثَّلْنَا بِهِ فِي الْوَجْهِ تَرَكَهَا وَغَسَلَ مَا سِوَاهَا وَكَانَتْ كَعُضْوٍ قُطِعَ، وَفَائِدَةُ قَوْلُهُ وَهِيَ بِأَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، وَلَمْ يَقُلْ وَهِيَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ انْتَقَلَ عَنْ الْوُضُوءِ إلَى التَّيَمُّمِ، قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ تَرَكَهَا بِلَا مَسْحٍ وَلَا غَسْلٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا وُضُوءٌ نَاقِصٌ أَوْ تَيَمُّمٌ نَاقِصٌ فَالْوُضُوءُ النَّاقِصُ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ النَّاقِصِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِأَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. ص (وَإِلَّا فَثَالِثُهَا يَتَيَمَّمُ إنْ كَثُرَ وَرَابِعُهَا يَجْمَعُهُمَا) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَحْوَطُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ مِثْلُ مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ الصَّحِيحُ مِنْ جَسَدِهِ فِي الْغُسْلِ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ الْأَقْوَالَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ (قُلْتُ) وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَحْوَطُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مَعْزُوَّةً. (قُلْتُ) عَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَالثَّانِيَ لِغَيْرِهِ وَالثَّالِثَ لِنَقْلِ ابْنِ بَشِيرٍ وَالرَّابِعَ لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ نَزَعَهَا لِدَوَاءٍ، أَوْ سَقَطَتْ وَإِنْ بِصَلَاةٍ قَطَعَ وَرَدَّهَا وَمَسَحَ) ش قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ فِي الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ فَيَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ وَهِيَ فِي مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فَسَقَطَتْ

فصل في بيان حكم الحيض والنفاس

الْجَبَائِرُ قَالَ: يَقْطَعُ مَا هُوَ فِيهِ وَيُعِيدُ الْجَبَائِرَ ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً، أَوْ رَكْعَتَيْنِ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ قَالَ: يُعِيدُهَا وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ نَابَ عَنْ غَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ الْمَسْحِ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ فَإِذَا سَقَطَتْ فِي الصَّلَاةِ انْتَقَضَتْ طَهَارَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ التَّمَادِي عَلَى صَلَاتِهِ إذْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الصَّلَاةِ وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ الْجَبَائِرَ وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي الْحَدَثِ بِخِلَافِ الرُّعَافِ، وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ لَهُ وَأَنْ يُعِيدَ الْجَبَائِرَ وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ أَوْ التَّيَمُّمَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ مُبَاشَرَةً عِنْدَ الْوُضُوءِ فَيَمْسَحُ فَوْقَ الْعِمَامَةِ، فَإِنْ سَقَطَتْ هِيَ أَوْ الْجَبِيرَةُ فِي الصَّلَاةِ وَجَبَ قَطْعُهَا وَمَسْحُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ بَطَلَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّهَا لُمْعَةٌ، انْتَهَى. وَمِنْ مَسَائِلِ الْغُسْلِ مِنْ الْبُرْزُلِيّ مَسْأَلَةُ مَنْ اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَفِي رَأْسِهِ جُرْحٌ مَسَحَ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا مَسَحَ عَلَى حَائِلٍ فَإِذَا زَالَ الْحَائِلُ مَسَحَ فِي الْحِينِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِلَّا أَعَادَ الْغُسْلَ، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجِبُ فِعْلُ الْأَصْلِ حِينَ الْبُرْءِ، وَتَأْخِيرُهُ تَرْكٌ لِلْمُوَالَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْجَلَّابِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْأَعْلَيَيْنِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا إلَخْ، قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمَسْحِ عَلَى حَائِلٍ دُونَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ: فَظُهُورُ أَصْلِهِ يُبْطِلُ حُكْمَهُ أَصْلُهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ سَمَاعَ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ. ص (وَإِنْ صَحَّ غَسَلَ وَمَسَحَ مُتَوَضِّئٌ رَأْسَهُ) . ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْمَسْحُ إذَا صَحَّ غَسَلَ جُرْحَهُ إنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَغْسُولًا رَأْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا إذَا كَانَ عَنْ جَنَابَةٍ وَمَسَحَ رَأْسَهُ فِي الْوُضُوءِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ: ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِيمَنْ تَطَهَّرَ فَمَسَحَ عَلَى شَجَّةٍ، أَوْ كَسْرٍ مَسْتُورٍ ثُمَّ بَرَأَ فَنَسِيَ غَسْلَهُ حَتَّى صَلَّى، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعٍ يَأْخُذُهُ غَسْلُ الْوُضُوءِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيَغْسِلْهُ فَقَطْ وَيُعِيدُ مَا صَلَّى، وَلَوْ تَرَكَهُ جَهْلًا أَوْ تَهَاوُنًا ابْتَدَأَ الْغَسْلَ، وَمِنْ كِتَابٍ آخَرَ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَإِذَا سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ نَسِيَ غَسْلَهَا، وَقَدْ كَانَ مَسَحَ عَلَيْهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ غَسَلَ مَوْضِعَهَا وَأَعَادَ مَا صَلَّى بَعْدَ سُقُوطِهَا، وَلَوْ تَطَهَّرَ لِلْجَنَابَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ إلَّا مَا صَلَّى قَبْلَ طُهْرِهِ الثَّانِي وَمَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ مِمَّا صَلَّى بَعْدَ طُهْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ يَغْسِلُ مِنْ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ تَوَضُّؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَعَادَ مَا صَلَّى قَبْلَ تَوَضُّئِهِ هَذَا وَمَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ مِمَّا كَانَ صَلَّى، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَلَوْ صَحَّ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ وَغَسَلَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ أَوْ مَسَحَهُ وَابْتَدَأَ الصَّلَاةَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ بَشِيرٍ [فَصَلِّ فِي بَيَان حُكْم الْحَيْض وَالنِّفَاس] ص (فَصْلٌ الْحَيْضُ دَمٌ كَصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ) . ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا لَغْوٌ، وَقِيلَ: إنْ

كَانَتْ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَهِيَ حَيْضٌ وَإِلَّا فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ لَا خِلَافَ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ مَا لَمْ تَرَ ذَلِكَ عَقِيبَ طُهْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يَكُونُ طُهْرًا فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ رَأَتْ عَقِيبَ طُهْرِهَا قَطْرَةَ دَمٍ كَالْغُسَالَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا غُسْلٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ وَبِهَذَا صَدَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَكَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَيْضًا وَحَكَى عَنْ الْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهُمَا جَعَلَا قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ: وَفِي كَوْنِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ حَيْضًا مُطْلَقًا، أَوْ مَا لَمْ يَكُونَا بَعْدَ اغْتِسَالٍ قَبْلَ تَمَامِ طُهْرٍ قَوْلَانِ لِظَاهِرِ التَّلْقِينِ مَعَ الْجَلَّابِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مُوجِبًا مِنْهُ الْوُضُوءَ وَجَعَلَهُ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ الْمَذْهَبَ وَاللَّخْمِيُّ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كَوْنِهِمَا حَيْضًا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي حَيْضٍ، أَوْ اسْتِظْهَارٍ وَفِي غَيْرِهِمَا اسْتِحَاضَةٌ رِوَايَتَانِ لَهَا، أَوْ لِعَلِيٍّ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا اغْتَسَلَتْ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ ثُمَّ رَأَتْ قَطْرَةَ دَمٍ، أَوْ غُسَالَةَ دَمٍ لَمْ تُعِدْ الْغُسْلَ وَلْتَتَوَضَّأْ، وَهَذَا يُسَمَّى التَّرِيَّةَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا جَاءَهَا بَعْدَ الْغُسْلِ صُفْرَةٌ، أَوْ كُدْرَةٌ، أَوْ دَمٌ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا تَغْتَسِلُ لِذَلِكَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَهَذِهِ تُسَمَّى التَّرِيَّةَ وَفِي الْكِتَابِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا لَا تُصَلِّي مَا دَامَتْ تَرَى مِنْ التَّرِيَّةِ شَيْئًا مِنْ حَيْضٍ، أَوْ حَمْلٍ وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ عَادَةً وَاعْتِبَارًا فَإِذَا تَمَادَى، وَلَوْ يَوْمًا فَإِنَّهَا تُلْغِي ذَلِكَ الطُّهْرَ وَتَضُمُّ الدَّمَ الثَّانِيَ لِلْأَوَّلِ وَمَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا طَالَ يَكُونُ حَيْضًا إذَا لَمْ يَطُلْ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا الِاخْتِصَارِ وَزَادَ يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعِدْ طُهْرًا، انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَالْمَازِرِيُّ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا، أَوْ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ تَرَ مَعَهُ دَمًا، وَالتَّرِيَّةُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَالَ: وَهِيَ شَبَهُ الْغُسَالَةِ، وَقِيلَ: هِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي بِهَا تَعْرِفُ الْحَائِضُ طُهْرَهَا وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: هِيَ الْحَيْضُ الْيَسِيرُ أَقَلُّ مِنْ الصُّفْرَةِ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ التَّرِيَّةُ مَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ صُفْرَةٍ، أَوْ بَيَاضٍ عِنْدَ الْحَيْضِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَدِّلِ: هِيَ الدَّفْعَةُ مِنْ الْحَيْضِ لَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْحَيْضِ مَا يَكُونُ حَيْضَةً كَامِلَةٍ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ دُونَ الصُّفْرَةِ، انْتَهَى. ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (خَرَجَ بِنَفْسِهِ) ش: يَخْرُجُ بِهِ دَمُ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ وَدَمُ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الِافْتِضَاضِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَبَبِ عِلَّةٍ، أَوْ فَسَادٍ فِي الْبَدَنِ وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُخْرِجُ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِهِ الْخَارِجَ مِنْ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ أَوْ بِشَيْءٍ كَدَمِ الْعَذِرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ أَجَابَ شَيْخُنَا لَمَّا سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ عَالَجَتْ دَمَ الْمَحِيضِ هَلْ تَبْرَأُ مِنْ الْعِدَّةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ وَتُوقَفُ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ؟ وَالظَّاهِرُ عَلَى بَحْثِهِ أَنْ لَا يُتْرَكَا، وَإِنَّمَا قَالَ: الظَّاهِرُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ اسْتِعْجَالَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْحَيْضِ كَإِسْهَالِ الْبَطْنِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) لَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَائِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ إلْغَاؤُهُ فِي الْعِبَادَةِ إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَإِنَّ الدَّفْعَةَ حَيْضٌ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ، وَلَيْسَتْ حَيْضًا فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَإِذَا جُعِلَ لَهُ دَوَاءٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إلَّا بِالدَّوَاءِ، وَأَمَّا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُلْغَى بِمَا قَالَ إنَّ اسْتِعْجَالَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ حَيْضًا كَإِسْهَالِ الْبَطْنِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْغَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا إذَا جُعِلَ لَهُ دَوَاءٌ وَاسْتَعْجَلَ بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَأَمَّا إذَا

تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَرْأَةِ رِيبَةُ حَمْلٍ فَجُعِلَ لَهُ دَوَاءٌ لِيَأْتِيَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَيْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ إنَّمَا يَكُونُ لِمَرَضٍ فَإِذَا جُعِلَ دَوَاءٌ لِرَفْعِ الْمَرَضِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ حَيْضًا، وَقَدْ يَتَلَمَّحُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتِعْجَالُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَعْمَلَتْ الْمَرْأَةُ دَوَاءً لِقَطْعِ الدَّمِ وَرَفْعِهِ فَهَلْ تَصِيرُ طَاهِرَةً أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ لِقَطْعِ الدَّمِ وَحُصُولِ الطُّهْرِ إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَقْطَعُ الدَّمَ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إجْمَاعًا وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَائِضِ وَإِذَا اسْتَدَامَ انْقِطَاعُهُ نَحْوَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَوْ عَشَرَةٍ فَقَدْ صَحَّ طَوَافُهَا إذَا طَافَتْ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَإِنْ عَاوَدَهَا فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ فَقَدْ طَافَتْ وَهِيَ مَحْكُومٌ لَهَا بِحُكْمِ الْحَيْضِ فَكَأَنَّهَا طَافَتْ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ. وَلَمْ أَرَ نَصًّا فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ جَاهِلَةً بِتَأْثِيرِهِ فِي الدَّمِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ: فَعَلَى بَحْثِهِ فِي أَنَّ اسْتِعْجَالَهُ لَا يُؤْثِرُ فَيَنْبَغِي أَنَّ رَفْعَهُ لَا يُؤْثِرُ لَا سِيَّمَا إذَا عَاوَدَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَخَافُ تَعْجِيلَ الْحَيْضِ فَيُوصَفُ لَهَا شَرَابٌ تَشْرَبُهُ لِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَوَابٍ وَكَرِهَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَهُ مَخَافَةَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهَا ضَرَرًا بِذَلِكَ فِي جِسْمِهَا، انْتَهَى. فَانْظُرْ هَلْ هَذَا مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُ الدَّمَ بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ إتْيَانِ الدَّمِ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا حَائِضٌ وَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِدَوَامِ انْقِطَاعِهِ أَقَلَّ مُدَّةً مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَرْتَفِعُ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ، وَإِنْ عَاوَدَهَا بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَائِضِ لَا يَصِحُّ طَوَافُهَا. وَإِنْ كَانَ ارْتِفَاعُهُ يَسْتَدِيمُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، أَوْ ثَمَانِيَةً صَحَّ طَوَافُهَا، وَإِنْ جَهِلَتْ تَأْثِيرَهُ فِي رَفْعِ الدَّمِ فَلَمْ نَرَ نَصًّا فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ فِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي أَوَّلِ السُّؤَالِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَتَخَافُ تَعْجِيلَ الْحَيْضِ إلَخْ وَقَوْلُ ابْنُ فَرْحُونٍ اُنْظُرْ هَلْ هَذَا مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُ الدَّمَ بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ، قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يُكْرَهُ مَا بَلَغَنِي أَنْ يَصْنَعَهُ يَتَعَجَّلْنَ بِهِ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ مِنْ شَرَابِ الشَّجَرِ وَالتَّعَالُجِ بِهَا وَبِغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ مَا يُخْشَى أَنْ تُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الضَّرَرِ بِجِسْمِهَا بِشُرْبِ الدَّوَاءِ الَّذِي قَدْ يَضُرُّهَا، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْكَرَاهَةُ خَوْفَ ضَرَرِ جِسْمِهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الطُّهْرُ لَبَيَّنَهُ، ابْنُ رُشْدٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ إذَا عَاوَدَهَا فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَائِضِ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْخَمْسَةَ أَقَلُّ الطُّهْرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَا دُونَهَا طُهْرٌ وَأَنَّ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَيَّامِ الْحَيْضِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الطُّهْرُ تَلْفِقُ أَيَّامَ الدَّمِ وَتُلْغِي أَيَّامَ الطُّهْرِ وَتَكُونُ فِيهَا طَاهِرًا حَقِيقَةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَتَطَهَّرُ فِي أَيَّامِ الطُّهْرِ الَّتِي كَانَتْ تَأْخُذُهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، انْتَهَى مِنْ تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيِّ وَلَفْظُ الْأُمِّ: وَالْأَيَّامُ الَّتِي كَانَتْ تُلْغِيهَا فِيمَا بَيْنَ الدَّمِ الَّتِي كَانَتْ لَا تَرَى فِيهَا دَمًا تُصَلِّي فِيهَا وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَتَصُومُهَا وَهِيَ فِيهَا طَاهِرٌ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ بِطُهْرٍ تَعْتَدُّ بِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ تِلْكَ الْأَيَّامِ مِنْ الدَّمِ وَاَلَّذِي بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ قَدْ أُضِيفَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَجُعِلَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَكَانَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ الطُّهْرِ مُلْغَى، انْتَهَى بِاللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهَا صَاحِبُ الطِّرَازِ وَذَكَرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ غُسْلِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُوطَأُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالدَّمُ يَنْقَطِعُ

بِطُهْرٍ غَيْرِ تَامٍّ الْمَشْهُورُ كَمُتَّصِلٍ تَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ فَتَطْهُرُ حَقِيقَةً وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ أَيَّامَ انْقِطَاعِهِ، وَلَا تُوطَأُ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ: قَوْلُهُ لَا تُوطَأُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ بِخُصُوصِهَا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) نُصُوصُ الْمَذْهَبِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرَهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ صَوْمَهَا صَحِيحٌ مُجْزِئٌ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: هُوَ مُشْكِلٌ، وَلَمْ أَرَ نَصًّا صَرِيحًا وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مِنْ قُبُلِ مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً) ش: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مِنْ قُبُلِ، مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا وَبِقَوْلِهِ: مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً، مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ. أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَدَمُ بِنْتِ سِتٍّ وَنَحْوِهَا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَيَخْرُجُ دَمُ بِنْتِ سَبْعٍ وَنَحْوِهَا وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي انْتِهَاءِ الصِّغَرِ فَقَالَ تِسْعٌ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِهَا، وَقِيلَ: بِوَسَطِهَا، وَقِيلَ: بِآخِرِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِلدَّمِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي أَوَانِ الْبُلُوغِ بِمُقَدِّمَاتٍ وَأَمَارَاتٍ مِنْ نُفُورِ الثَّدْيِ وَنَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ وَعَرَقِ الْإِبْطِ وَشَبَهِهِ فَأَمَّا بِنْتُ خَمْسٍ وَشَبَهُهَا إذَا رَأَتْ دَمًا فَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ بَوَاسِيرَ وَشَبَهِهَا، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَسِنُّ النِّسَاءِ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الْبُلُوغِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْت النِّسَاءَ يَحِضْنَ نِسَاءُ تِهَامَةٍ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ وَرَأَيْت جَدَّةً لَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً فَالْوَاجِبُ أَنْ يُرْجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَعْرِفُهُ النِّسَاءُ فَهُنَّ عَلَى الْفُرُوجِ مُؤْتَمَنَاتٌ، فَإِنْ شَكَكْنَ أُخِذَ فِي ذَلِكَ بِالْأَحْوَطِ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَاخْتُلِفَ فِي ابْتِدَاءِ سِنِّ الْيَأْسِ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: خَمْسُونَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمْ يَحْكِ الْبَاجِيُّ غَيْرَهُ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي سِنِّهَا وَوَجْهُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنَةُ خَمْسِينَ عَجُوزٌ فِي الْغَابِرِينَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قَلَّ امْرَأَةٌ تُجَاوِزُ خَمْسِينَ فَتَحِيضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قُرَشِيَّةً وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: سَبْعُونَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالسِّتُّونَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْأَلُ النِّسَاءُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْأَبِيُّ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ بِنْتُ السَّبْعِينَ آيِسٌ وَغَيْرُهَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ يَعْنِي فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِحَيْضٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ، وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْعِبَادَةِ وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا انْقَطَعَ هَذَا الدَّمُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي غُسْلِهَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا أَمْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَوْنُ دَمِهَا حَيْضًا فِي الْعِبَادَاتِ قَوْلَا الصَّقَلِّيِّ عَنْ أَشْهَبَ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَهَا وَعَلَيْهِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ لِانْقِطَاعِهِ قَوْلَا ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ ابْنِ يُونُسَ يُوَافِقُ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ. ص (وَإِنْ دَفْعَةً) ش: قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ بِالضَّمِّ مِثْلُ الدُّفْقَةِ وَالدَّفْعَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. (قُلْتُ) وَالْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) أَهْلُ الْمَذْهَبِ يَقُولُونَ إنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ غَيْرُ مَحْدُودٍ فَالدَّفْعَةُ حَيْضٌ وَإِذَا كَانَتْ الدَّفْعَةُ حَيْضًا وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَالدَّفْعَةُ حَدٌّ لِأَقَلِّهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ أَقَلَّهُ لَا حَدَّ لَهُ بِالزَّمَانِ. (تَنْبِيهٌ) الدَّفْعَةُ حَيْضٌ، وَلَيْسَتْ حَيْضَةً إذْ الْحَيْضَةُ مَا يَقَعُ الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ ص (وَأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدِئَةٍ نِصْفُ شَهْرٍ) . ش قَالَ

فِي فَرْضِ الْعَيْنِ لِابْنِ جَمَاعَةٍ التُّونُسِيِّ: وَتَلْفِقُ الْأَيَّامَ، فَإِنْ حَاضَتْ مَثَلًا فِي ظُهْرِ يَوْمِ السَّبْتِ فَتَغْتَسِلُ فِي ظُهْرِ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّلْفِيقِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَنْ يَنْقَطِعُ طُهْرُهَا فَتَطْهُرُ يَوْمًا وَتَحِيضُ يَوْمًا فَإِنَّ قَوْلَنَا حَاضَتْ يَوْمًا لَا نُرِيدُ بِهِ اسْتِيعَابَ جَمِيعِ الْيَوْمِ بِالْحَيْضِ فَقَدْ نُقِلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّتِي لَا تَرَى الدَّمَ إلَّا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَإِنْ رَأَتْهُ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَتَرَكَتْ الصَّلَاةَ ثُمَّ رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ الْعَصْرِ فَلْتَحْسِبْهُ يَوْمَ دَمٍ وَتَتَطَهَّرُ وَتُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَظْهَرُ. ص (وَلِمُعْتَادَةٍ ثَلَاثَةٌ اسْتِظْهَارًا عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَلْ تَحْصُلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ: وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] فَيَكُونُ الثَّانِي عَوْدًا إلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَيُؤَيِّدُ إثْبَاتَ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَنْ جَاءَهَا الْحَيْضُ فِي عُمُرِهَا مَرَّةً ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا سِنِينَ كَثِيرَةً لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ طَلُقَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَقْرَاءِ مَا لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ، فَإِنْ جَاءَهَا الْحَيْضُ وَإِلَّا تَرَبَّصَتْ سَنَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا أَيْ: عَلَى أَكْثَرِهَا فِي الْأَيَّامِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْعَادَةِ الْأَكْثَرِيَّةِ فِي الْوُقُوعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَاَلَّتِي أَيَّامُهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ تَحِيضُ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي آخَرَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، قَالَهُ ابْنُ نَاجِي هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَلِّهَا وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَنَّ إحْدَى عَادَتِهَا قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّهَا مَعَ الِاسْتِظْهَارِ وَتَضْعِيفُ أَبِي مُحَمَّدٍ نَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ تَغْتَسِلُ لِأَقَلِّ عَادَتِهَا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةً خَطَأٍ صُرَاحٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأُجِيبَ عَنْ التَّضْعِيفِ بِأَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ تَخْتَلِفُ عَادَتُهَا فِي الْفُصُولِ فَتَحِيضُ فِي الصَّيْفِ سَبْعَةً مَثَلًا وَفِي الشِّتَاءِ عَشَرَةً، فَإِنْ تَمَادَى بِهَا فِي الصَّيْفِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا إنْ تَمَادَى بِهَا فِي فَصْلِ الْأَكْثَرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) لَوْ تَأَخَّرَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ سَنَةً وَنَحْوَهَا ثُمَّ خَرَجَ وَزَادَ عَلَى عَادَتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الِاسْتِظْهَارِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ) ش: أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهَا بَعْدَ أَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ طَاهِرٌ حَقِيقَةً فَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ، وَلَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلِزَوْجِهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا حِينَئِذٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَنَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لِقَوْلِهَا إذَا حَاضَتْ أَنَّ كَرْيَهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا قَدْرَ أَيَّامِهَا وَالِاسْتِظْهَارُ إلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَحْتَاطُ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ وَتَصُومُ وَتَقْضِي لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَتُصَلِّي لِاحْتِمَالِ الطَّهَارَةِ، وَلَا تَقْضِي؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَقَدْ صَلَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا أَدَاءَ عَلَيْهَا وَلَا قَضَاءَ، وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَتَغْتَسِلُ ثَانِيًا عِنْدَ انْقِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا هَكَذَا حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ ابْنُ نَاجِي فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فَقَالَ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَيَكُونُ الْغُسْلُ الثَّانِي هُوَ الْوَاجِبُ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ احْتِيَاطٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْغُسْلُ الثَّانِي

اسْتِحْبَابًا وَالْوَاجِبُ هُوَ الْمَفْعُولُ عِنْدَ تَمَامِ الِاسْتِظْهَارِ، انْتَهَى. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي يُسْتَحَبُّ لَهَا الْغُسْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَأْتِيَهَا وَأَنْ تَقْضِيَ الصَّوْمَ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْضَى وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هِيَ طَاهِرٌ أَنَّهَا فِي أَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ لَيْسَتْ بِطَاهِرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ كَأَيَّامِ الْحَيْضِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الِاسْتِظْهَارِ حَيْضٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ عَادَتِهَا وَهَلْ تَكُونُ طَاهِرًا حَقِيقَةً أَوْ احْتِيَاطًا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ؟ قَوْلَانِ ص (وَلِحَامِلٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ النِّصْفُ وَنَحْوُهُ) . ش يُرِيدُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ أَشْهُرٍ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَأَتْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ وَإِلَّا لَقَالَ وَهَلْ الثَّلَاثَةُ فَمَا قَبْلَهَا وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا؟ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الَّذِي يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنْ تَجْلِسَ فِي الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ قَدْرَ أَيَّامِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ أَيْ: إلَى الْعِشْرِينَ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجَلَّابِ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ. (تَنْبِيهٌ) لَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُخَالِفَةٌ لِلْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يُرِيدَ بَعْدَ فَرَاغِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الثَّالِثِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الثَّانِي، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ بِنَحْوِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ نَقَلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ مَا فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَفِي سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ عِشْرُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا) ش: أَيْ: فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي سِتَّةٍ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةُ الشُّيُوخِ فَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ فَغَيْرُ مُصِيبٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ فِي السِّتَّةِ هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الثَّلَاثَةِ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَبْلُونٍ، أَوْ حُكْمُ مَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ شُيُوخِ إفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا بَلَغَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ صَارَتْ فِي أَحْكَامِهَا كَالْمَرِيضَةِ وَنُقِلَ أَنَّ ابْنَ شَبْلُونٍ رَجَعَ إلَى هَذَا وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهَا فَسَّرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ: إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَفَسَّرَهُ فِي الطِّرَازِ فَقَالَ: إلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَقَلَهُ عَنْ الْجَلَّابِ. ص (وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ) . ش تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي تَرَى فِيهِ الدَّمَ وَلَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً تَحْسِبُهُ يَوْمَ دَمٍ

وَأَنَّهَا تَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ وَتَصُومُ وَالْيَوْمُ الَّذِي لَا تَرَى فِيهِ الدَّمَ وَلَا تَقْضِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ فَقَطْ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّجْرَاجِيَّ اسْتَشْكَلَ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَتَقَدَّمَتْ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ وَلِقَوْلِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ لَا تُوطَأُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ. ص (وَالْمُمَيَّزُ بَعْدَ طُهْرٍ ثُمَّ حَيْضٍ) ش: فِي الْعِبَادَةِ اتِّفَاقًا وَفِي الْعِدَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ص (وَلَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى الْأَصَحِّ) ش: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَائِلُ بِعَدَمِ الِاسْتِظْهَارِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ تَصْحِيفٌ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ التَّوْضِيحِ وَالْمَوْجُودُ فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرْنَا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: فَإِذَا انْقَطَعَتْ الِاسْتِحَاضَةُ اسْتَأْنَفَتْ طُهْرًا تَامًّا، وَلَا تُلَفِّقُ الِاسْتِحَاضَةَ مَعَ الطُّهْرَيْنِ، انْتَهَى. يُرِيدُ إلَّا إذَا مَيَّزَتْ الدَّمَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمُنْقَطِعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ بِطُهْرٍ غَيْرِ تَامٍّ كَمُتَّصِلِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَتَى انْقَطَعَ دَمُهَا اسْتَأْنَفَتْ طُهْرًا تَامًّا مَا لَمْ تُمَيِّزْ فَقَالَ: يُرِيدُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ نَظَرَتْ، فَإِنْ مَضَى بَيْنَ انْقِطَاعِهِ وَعَوْدَتِهِ مِقْدَارُ طُهْرٍ تَامٍّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي فِي مِقْدَارِ الطُّهْرِ فَالثَّانِي حَيْضٌ مُؤْتَنَفٌ وَإِلَّا ضُمَّ لِمَا قَبْلَهُ وَكَانَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ إلَّا إنْ تَمَيَّزَ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ فَيُحْكَمُ لَهَا بِابْتِدَاءِ حَيْضَةٍ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ لَكِنْ تُلَفِّقُ فِيهِ أَيَّامَ الِاسْتِحَاضَةِ إلَى أَيَّامِ النَّقَاءِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَانْظُرْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا مَيَّزَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الدَّمَ وَتَكَلَّفَ فِي تَوْجِيهِهِ تَكَلُّفًا كَبِيرًا وَهُوَ تَابِعٌ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَالطُّهْرُ بِجُفُوفٍ، أَوْ قَصَّةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْجُفُوفُ أَنْ تُدْخِلَ الْخِرْقَةَ فَتُخْرِجَهَا جَافَّةً، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الدَّمِ. (قُلْتُ) يُرِيدُ وَلَا مِنْ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهَا جَافَّةٌ مِنْ الرُّطُوبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ جَافَّةً مِنْ الدَّمِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ؛ لِأَنَّ فَرْجَ الْمَرْأَةِ لَا يَخْلُو عَنْ الرُّطُوبَةِ غَالِبًا، وَالْقَصَّةُ مَا يُشْبِهُ مَاءَ الْجِيرِ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْجِيرُ، وَقِيلَ: يُشْبِهُ مَاءَ الْعَجِينِ، وَقِيلَ: شَيْءٌ كَالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ شَبَهُ الْبَوْلِ وَرَوَى

عَلَى شَبَهِ الْمَنِيِّ قَالَ ابْنُ نَاجِي، قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَخْتَلِفَ بِاعْتِبَارِ النِّسَاءِ وَاعْتِبَارِ أَسْنَانِهِنَّ وَبِاخْتِلَافِ الْفُصُولِ وَالْبُلْدَانِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ إلَّا أَنَّ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُ النِّسَاءِ أَنَّهُ شَبَهُ الْمَنِيِّ. ص (وَهِيَ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا) ش: كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً بِالْقَصَّةِ فَلَا تَكُونُ أَبْلَغَ فِي حَقِّهَا وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ مِنْ الْجُفُوفِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْجُفُوفَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَمَنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِهِمَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْجُفُوفَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمَنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِأَحَدِهِمَا وَرَأَتْ عَادَتَهَا طَهُرَتْ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ رَأَتْ خِلَافَ عَادَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِالْأَبْلَغِ وَرَأَتْ غَيْرَهُ انْتَظَرَتْ عَادَتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِالْأَضْعَفِ وَرَأَتْ الْأَبْلَغَ طَهُرَتْ فَمُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ انْتَظَرَتْ الْقَصَّةَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا تَنْتَظِرُهَا عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ لَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَنْتَظِرُهُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: قِيلَ: الْجُفُوفُ أَبْرَأُ مِنْ الْقَصَّةِ فَتَبْرَأُ بِهِ مَنْ عَادَتُهَا الْقَصَّةُ، وَلَا تَبْرَأُ بِالْقَصَّةِ مَنْ عَادَتُهَا الْجُفُوفُ وَقِيلَ عَكْسُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْرَأُ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ فَتَطْهُرُ مُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ عِنْدَهُ بِالْقَصَّةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَدَتْ مَا هُوَ أَبْلَغُ، وَلَا تَطْهُرُ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ بِالْجُفُوفِ؛ لِأَنَّهَا تَتْرُكُ عَادَتَهَا لِمَا هُوَ أَضْعَفُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِعَكْسِ هَذَا فَتَطْهُرُ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ بِهِ، وَلَا تَطْهُرُ مُعْتَادَتُهُ بِالْقَصَّةِ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ مِنْ الْجُفُوفِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: الْجُفُوفُ أَبْلَغُ وَثَمَرَتُهُ حُكْمُ مَنْ رَأَتْ غَيْرَ عَادَتِهَا مِنْهُمَا فَالْمُعْتَادَةُ الْجُفُوفَ لَا تَنْتَظِرُهُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ تَنْتَظِرُهَا وَتَنْتَظِرُهُ مُعْتَادَةٌ عِنْد ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا تَنْتَظِرُهَا مُعْتَادَتُهَا، انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِهِمَا انْتَظَرَتْ الْقَصَّةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِالْقَصَّةِ فَقَطْ تَنْتَظِرُهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بِالْجُفُوفِ وَرَأَتْ الْقَصَّةَ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُهَا بَلْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَصَّةَ لَيْسَتْ فِي حَقِّهَا أَبْلَغُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَكْتَفِي بِمَا رَأَتْهُ، أَوْ تَنْتَظِرُ عَلَامَتَهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ. (تَنْبِيهٌ) وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا نَصُّهُ: لَمْ يَخْتَلِفْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ الْقَصَّةَ أَوْ الْجُفُوفَ ثُمَّ رَأَتْ الْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ وَتَنْتَظِرُ عَادَتَهَا، انْتَهَى. وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ يُطَيِّبْنَ فُرُوجَهُنَّ إذَا طَهُرْنَ، قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ الطِّرَازِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ. ص (وَفِي الْمُبْتَدِئَةِ تَرَدُّدٌ) ش: أَشَارَ بِهِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَنَقَلَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: صَرَّحَ ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، وَفِي الْمُنْتَقَى نَحْوُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْمُبْتَدِئَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ، وَهَذَا نُزُوعٌ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَفِي النُّكَتِ نَحْوُهُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَ فِي الْجَوَاهِرِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، وَإِنَّمَا رَأَيْت فِيهَا نَحْوَ عِبَارَةِ الْمُنْتَقَى ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: وَافَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ طَهُرَتْ، وَلَمْ يَقُلْ إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ حَكَى تَعَقُّبَ الْبَاجِيِّ وَرَدَّهُ بِأَنَّ خُرُوجَ الْمُعْتَادَةِ عَنْ عَادَتِهَا رِيبَةٌ بِخِلَافِ

الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَتَقَرَّرْ فِي حَقِّهَا عَادَةٌ فَإِذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ أَوَّلًا فَهُوَ عَلَامَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَصَّةِ فِي حَقِّهَا فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ لِأَجْلِ أَمْرٍ مَشْكُوكٍ وَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَاضِحٌ إنْ كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَ أَنَّهَا رَأَتْ الْجُفُوفَ، وَلَمْ تَرَ الْقَصَّةَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهَا رَأَتْ الْقَصَّةَ وَتَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ فَإِيرَادُ الْبَاجِيّ صَحِيحٌ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَلِلْأَبِيِّ نَحْوُهُ. (قُلْتُ) وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى غَيْرِ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَنَقَلَاهُ بِالْمَعْنَى وَأَسْقَطَا مِنْهُ بَعْدَ قَوْلِهِ خُرُوجُهَا عَنْ عَادَتِهَا رِيبَةٌ مَا نَصُّهُ: فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْ عَادَتِهَا إلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ فَإِذَا وَجَدَتْ مَا هُوَ أَقْوَى وَجَبَ إطْرَاحُ عَادَتِهَا، انْتَهَى. وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي النَّوَادِرِ كَمَا ذَكَرَ الْبَاجِيُّ وَكَذَا ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَنْ لَا تَغْتَسِلَ حَتَّى تَرَى الْجُفُوفَ ثُمَّ تَعْمَلَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهَا وَنَقَلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الشَّرْحِ عَنْهُمَا أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ تَطْهُرُ بِهِ ثُمَّ تُرَاعِي بَعْدُ مَا يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهَا مِنْ جُفُوفٍ أَوْ قَصَّةٍ وَقَالَ: إنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عَلَامَتَانِ فَأَيُّهُمَا وَجَدَتْ قَامَتْ مَقَامَ الْأُخْرَى وَنَقْلُهُ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَأَبْيَنُ فِي النَّظَرِ مِمَّا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ فِي ظَاهِرِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الشَّرْحِ يَعْنِي بِهِ شَرْحَ الرِّسَالَةِ وَأَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ جَمِيعَهُ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْمُبْتَدَأَةِ تَرَدُّدٌ أَيْ: هَلْ تَكْتَفِي بِإِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ، أَوْ تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ كَمَا ذَكَرَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَصَحُّ كَيْفَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مُعْتَادَةَ الْجُفُوفِ إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ اكْتَفَتْ بِهَا، وَلَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ مَعَ أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَظَرُ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ بَلْ عِنْدَ النَّوْمِ وَالصُّبْحِ) ش يُرِيدُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَيَجِبُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِهَا وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي آخِرِهَا بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ كَمَا قَالَهُ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَحْوِهِ لِلْبَاجِيِّ وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَ الْمَوَّاقُ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ تَفَقُّدُ طُهْرِهَا بِاللَّيْلِ وَالْفَجْرِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا إذَا أَرَادَتْ النَّوْمَ أَوَقَامَتْ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَعَلَيْهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجِبُ تَفَقُّدُ طُهْرِهَا عِنْدَ النَّوْمِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِاحْتِمَالِ إدْرَاكِ الْعِشَاءَيْنِ وَالصَّوْمِ فَقِيلَ: بِوُجُوبِهِ، قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إذْ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ الْبَاجِيُّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَجِبُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَتَعَيَّنُ آخِرَهُ بِحَيْثُ تُؤَدِّيهَا فَلَوْ شَكَّتْ فِي طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ قَضَتْ الصَّوْمَ لَا الصَّلَاةَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ رَأَتْهُ غَدْوَةً وَشَكَّتْ فِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ تَقْضِ صَلَاةَ لَيْلَتِهَا وَصَامَتْ إنْ كَانَتْ فِي

رَمَضَانَ وَقَضَتْهُ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى مَبْسُوطًا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا أَخْرَجَتْ الْخِرْقَةَ بِالدَّمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتَثْفَرَتْ بِغَيْرِهَا ثُمَّ حَلَّتْهَا فِي آخِرِ النَّهَارِ فَوَجَدَتْهَا جَافَّةً عَلِمَتْ أَنَّ الْحَيْضَ انْقَطَعَ قَبْلَ الِاسْتِثْفَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَتْ فِي الْخِرْقَةِ الْقَصَّةَ فَإِنَّ الطُّهْرَ مُسْتَنِدٌ إلَى خُرُوجِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْحَيْضِ ثُمَّ إنَّ عَلَيْهَا اعْتِبَارَ وَقْتِ خُرُوجِهَا فَإِنْ تَيَقَّنَتْهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَيَقَّنْهُ بَنَتْ عَلَى الْأَحْوَطِ. ص (وَبَدْءِ عِدَّةٍ) ش: يَعْنِي عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِأَنَّ عِدَّةَ مَنْ كَانَتْ تَحِيضُ بِالْأَقْرَاءِ وَالْأَقْرَاءُ هِيَ الْأَطْهَارُ فَإِذَا طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تُحْتَسَبُ بِالطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ قَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: إنَّمَا نُهِيَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ يُطَوِّلُ الْعِدَّةَ وَيَضُرُّ بِهَا؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ لَا تَعْتَدُّ بِهِ فِي أَقْرَائِهَا فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ كَالْعَلَقَةِ لَا مُعْتَدَّةً، وَلَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا فَارِغَةً مِنْ زَوْجٍ، انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ بَدْءَ الْعِدَّةِ وَالطَّلَاقَ وَذَكَرَ مَا قَبْلَهَا مَا عَدَا وُجُوبَ الصَّوْمِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ السُّنَّةُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ وَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَطْءِ فَرْجٍ) ش: فَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْحَائِضِ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَغْتَسِلَ كَمَا سَيَأْتِي وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ: وَيُجْبِرُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ عَلَى الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا كَذَلِكَ حَتَّى تَطْهُرَ وَلَا يُجْبِرُهَا فِي الْجَنَابَةِ لِجَوَازِ وَطْئِهَا كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَحُكْمُ النِّفَاسِ حُكْمُ الْحَيْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا فِي جَبْرِهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ الْحَيْضِ فَتُجْبَرُ وَالْجَنَابَةُ فَلَا تُجْبَرُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، وَهَذَا خِلَافُ طَرِيقَةِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي جَبْرِهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَسَدِهَا نَجَاسَةٌ وَيُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ إذَا كَانَ فِي جَسَدِهَا نَجَاسَةٌ، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْبِرُهَا عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ مِنْ بَدَنِهَا. (تَنْبِيهٌ) اسْتَشْكَلَ جَبْرُهَا عَلَى الْغُسْلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهَا وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ فِيهِ لِلَّهِ خِطَابَانِ: خِطَابٌ وُضِعَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي إبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِبَادَةٌ وَعَدَمُ النِّيَّةِ تُقَدَّمَ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُتَعَبَّدٌ بِذَلِكَ فِيهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَفْعَلُهُ الْمُتَعَبَّدُ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَقِيَ زَوْجُهَا عَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِذَلِكَ الْغُسْلِ وَلَا تَسْتَبِيحُ بِهِ غَيْرَهُ وَتَقَدَّمَ عَنْهُ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ نَحْوُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ زَوْجَةٌ مُسْلِمَةٌ فَأَبَتْ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْحَيْضِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الِاغْتِسَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ نِيَّةٌ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ هِيَ غُسْلًا آخَرَ لِلصَّلَاةِ بِنِيَّةٍ إذْ لَا يُجْزِئُهَا الْغُسْلُ الَّذِي أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ نِيَّةٌ، انْتَهَى. وَهُوَ يَشْهَدُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِ خِطَابَانِ إلَخْ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: يَقُومُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، انْتَهَى. يَعْنِي مِنْ الْحَيْضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ تَحْتَ إزَارٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرَّحَ بِذَلِكَ

وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ أَبُو حَامِدٍ فِي الْإِحْيَاءِ. (قُلْتُ) ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَعُمُومُ نُصُوصِهِمْ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: وَالْحَائِضُ تَشُدُّ إزَارَهَا وَشَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّإِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ: شَأْنَهُ بِأَعْلَاهَا، أَيْ: يُجَامِعُهَا فِي أَعْكَانِهَا وَبَطْنِهَا، أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا مِمَّا هُوَ أَعْلَاهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوَطْءِ فِيمَا فَوْقَ الْإِزَارِ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى ص (وَلَوْ بَعْدَ نَقَاءٍ وَتَيَمُّمٍ) ش: هُمَا مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى جَوَازُ وَطْئِهَا بَعْدَ النَّقَاءِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ فِي الْمَبْسُوطَةِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ الْبَغْدَادِيِّينَ تَأَوَّلَ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ الْكَرَاهَةُ لِابْنِ بُكَيْرٍ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَوَازُ الْوَطْءِ بَعْدَ النَّقَاءِ وَالتَّيَمُّمِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَفِيهَا قَوْلَانِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَطَالَ السَّفَرُ جَازَ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا وَاسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تَتَيَمَّمَ قَبْلُ وَتَنْوِيَ بِهِ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ، انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَفْعِ حَدَثِهَا، وَلَوْ جَنَابَةً) ش:. أَمَّا رَفْعُ حَدَثِهَا مِنْ الْحَيْضِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْحَدَثِ مِنْ جِهَتِهِمَا مَا دَامَا مُتَّصِلَيْنِ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ بَعْد انْقِطَاعِهِمَا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُمَا، انْتَهَى. وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ وَقِيلَ إنَّهُ يَرْتَفِعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ بِالْغُسْلِ وَثَالِثُهَا إنْ طَرَأَتْ الْجَنَابَةُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ طَرَأَ الْحَيْضُ جَازَ، انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا كَانَتْ جُنُبًا لَا تَقْرَأُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: يَأْتِي فِي الْمَرْأَةِ تَجْنُبُ ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ مُرْتَفِعٌ مِنْ الْحَيْضِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ لِلْجَنَابَةِ، وَالثَّالِثُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ، انْتَهَى. وَوَقَعَ فِيمَا رَأَيْت مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَكْسُ النَّقْلِ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَالْخِلَافَ فِي رَفْعِ حَدَثِ الْحَيْضِ وَذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَدُخُولِ مَسْجِدٍ) ش: عَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُكْثِ وَالْمُرُورِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَمِيعَ مُتَّفِقٌ عَلَى مَنْعِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي دُخُولِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ الْمَسْجِدَ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إذَا كَانَ عَابِرَ سَبِيلٍ وَأَجَازَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جُمْلَةً وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَائِضِ أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَيْضَةِ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ وَيَدْخُلُهُ الْجُنُبُ؛ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ ذَلِكَ قَالَ: وَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا طَاهِرَانِ سَوَاءٌ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ كَوْنُهُمَا فِيهِ إذَا اسْتَثْفَرَتْ. انْتَهَى. ص (فَلَا تَعْتَكِفُ، وَلَا تَطُوفُ) ش: إنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُمَا إذْ شَرْطُهُمَا الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِخَوْفِ لُصُوصٍ، أَوْ سِبَاعٍ ثُمَّ لَا يُبَاحُ لَهَا الطَّوَافُ، وَلَا الِاعْتِكَافُ إذْ شَرْطُ الطَّوَافِ الطَّهَارَةُ وَشَرْطُ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ وَالْحَيْضُ يَمْنَعُ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَمَسُّ مُصْحَفٍ) . ش عَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَقَالَ: الْخَامِسُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَعَدَّهُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

وَرَوَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ جَوَازَهُ كَقِرَاءَتِهَا. ص (لَا قِرَاءَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ: وَقِرَاءَتُهَا فِي الْمُصْحَفِ دُونَ مَسِّهَا إيَّاهُ كَقِرَاءَةِ حِفْظِهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَمْنَعُ الْحَيْضُ السَّعْيَ وَلَا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَلَا يَمْنَعُ ذِكْرَ اللَّهِ كَالتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَإِنْ كَثُرَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا الْبَاجِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا: تَقْرَأُ وَلَوْ بَعْدَ طُهْرِهَا وَقَبْلَ غُسْلِهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْتُ يُشْكِلُ بِتَعْلِيلِهِمْ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا لِلْغُسْلِ عَبْدُ الْحَقِّ لَا تَقْرَأُ، وَلَا تَنَامُ حَتَّى تَتَوَضَّأَ كَالْجُنُبِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ: وَالْخِلَافُ فِي قِرَاءَةِ الْحَائِضِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ وَإِلَّا فَهِيَ بَعْدَ النَّقَاءِ مِنْ الدَّمِ كَالْجُنُبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالنِّفَاسُ دَمٌ خَرَجَ لِلْوِلَادَةِ) ش قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالنِّفَاسُ فِي اللُّغَةِ وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ لَا نَفْسُ الدَّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالصِّحَاحُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ: دَمُ النِّفَاسِ وَالشَّيْءُ لَا يُضَافُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَرْأَةُ نُفَسَاءُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَالْجَمْعُ نِفَسٌ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا هُوَ فَعَلَاءُ وَيُجْمَعُ عَلَى فَعَالٍ غَيْرُ نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ وَيُجْمَعَانِ عَلَى نُفَسَاوَاتٍ وَعُشَرَاوَاتٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِ ثَانِيهِمَا، وَيُقَالُ: نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَكِلَاهُمَا مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ، وَلَا يُقَالُ فِي الْحَيْضِ إلَّا نَفِسَتْ وَشَمِلَ قَوْلُهُ لِلْوِلَادَةِ مَا خَرَجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَمَا خَرَجَ مَعَهَا أَوْ عِنْدَهُمَا لِأَجْلِهَا وَخَرَجَ بِهِ مَا خَرَجَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: ثُمَّ هَذَا الدَّمُ الْمُعْتَبَرُ دَمُ النِّفَاسِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ الَّذِي يُهْرَاقُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَقِيلَ: إنَّهُ غَيْرُ دَمِ نِفَاسٍ وَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الدِّمَاءِ الَّتِي تَرَاهَا الْحَوَامِلُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُهْرَاقُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَمَعَهُ فَقِيلَ: لَيْسَ بِدَمِ نِفَاسٍ حَتَّى يَكُونَ بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالنِّفَاسُ مَا كَانَ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، وَقِيلَ: هُوَ دَمُ نِفَاسٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَانْفِصَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَوْلِهِمْ الدَّمُ الَّذِي عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَمَعَ الْوِلَادَةِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا مَا خَرَجَ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَفِيهِ الْخِلَافُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ الدَّمُ الْخَارِجُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِأَجْلِهَا حَكَى عِيَاضٌ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلشُّيُوخِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ، انْتَهَى. لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ أَيْضًا فِيمَا خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النِّفَاسُ دَمُ إلْقَاءِ حَمْلٍ فَيَدْخُلُ دَمُ إلْقَاءِ الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِيَاضٌ، قِيلَ مَا خَرَجَ قَبْلَ الْوَلَدِ غَيْرُ نِفَاسٍ وَمَا بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَفِيمَا مَعَهُ قَوْلَا الْأَكْثَرِ وَالْقَاضِي، فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِأَجْلِهَا وَالْخَارِجِ مَعَهَا فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذَلِكَ تَظْهَرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي الَّتِي رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَتَمَادَى بِهَا حَتَّى زَادَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي جُعِلَ لَهَا وَصَارَتْ مُسْتَحَاضَةً ثُمَّ رَأَتْ هَذَا مَعَ الْوِلَادَةِ فَهَلْ يَكُونُ نِفَاسًا أَوْ اسْتِحَاضَةً لَا يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ؟ . (قُلْتُ) وَتَظْهَرُ أَيْضًا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي ابْتِدَاءِ زَمَنِ النِّفَاسِ فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ نِفَاسٌ يَكُونُ أَوَّلُ النِّفَاسِ مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِهِ فَيُحْسَبُ سِتِّينَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ لَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلَوْ بَيْنَ تَوْأَمَيْنِ) ش: التَّوْأَمَانِ هُمَا الْوَلَدَانِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ يُقَالُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ تَوْأَمٌ عَلَى وَزْنِ " فَوْعَلٍ " وَلِلْأُنْثَى تَوْأَمَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ اللِّعَانِ: التَّوْأَمَانِ مَا لَيْسَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَوَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَضَعَتْ آخَرَ بَعْدَهُ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ حَمْلٌ وَاحِدٌ، انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّ الدَّمَ

الَّذِي بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ نِفَاسٌ، وَقِيلَ: حَيْضٌ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَتَجْلِسُ أَقْصَى أَمَدَ النِّفَاسِ وَعَلَى؛ أَنَّهُ حَيْضٌ فَتَجْلِسُ كَمَا تَجْلِسُ الْحَامِلُ فِي آخِرِ حَمْلِهَا عِشْرِينَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا ثُمَّ إنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ فَاخْتُلِفَ هَلْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ نِفَاسًا وَاحِدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْبَرَاذِعِيُّ، أَوْ تَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي نِفَاسًا وَهُوَ سِتُّونَ يَوْمًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ؟ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ هَذَا الْخِلَافِ وَبَيْنَ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الدَّمِ الَّذِي بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ نِفَاسًا أَوْ حَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الضَّمِّ وَعَدَمِهِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ نِفَاسًا أَوْ حَيْضًا وَاَلَّذِي فِي التَّنْبِيهَاتِ أَظْهَرُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَأَمَّا إنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ بَعْدَ أَنْ جَلَسَتْ لِلْأَوَّلِ أَقْصَى النِّفَاسِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي نِفَاسًا مُسْتَقِلًّا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا فَنِفَاسًا أَيْ: وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ أَكْثَرُ أَمَدِ النِّفَاسِ فَهُمَا نِفَاسَانِ. ص (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا، وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) . ش قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَجُمْلَةُ عَوَامِّ إفْرِيقِيَّةَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُمْ، انْتَهَى. وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَكَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: سِتُّونَ يَوْمًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: سَمِعْتُ شَيْخَنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيّ يَنْقُلُ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَكَى قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ بِاعْتِبَارِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَغَابَ عَنِّي الْمَوْضِعُ الَّذِي نَقَلْتُهُ مِنْهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِيهَا إنْ دَامَ جَلَسَتْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ: قَدْرَ مَا يَرَاهُ النِّسَاءُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالسِّتُّونَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السَّبْعِينَ وَالْقَوْلُ بِالْأَرْبَعِينَ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ، ابْنُ حَارِثٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، الْمُعْتَبَرُ السِّتُّونَ، وَلَا يُسْأَلُ نِسَاءُ الْوَقْتِ لِجَهْلِهِنَّ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ يَعْنِي ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي قِيلَ مِنْ تَرَبُّصِ النِّسَاءِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَمْرٌ لَمْ يَقْوَ، وَلَا بِهِ عَمَلٌ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا رَأَتْ النُّفَسَاءُ الْجُفُوفَ فَلَا تَنْتَظِرْ وَلْتَغْتَسِلْ وَإِنْ قَرُبَ ذَلِكَ مِنْ وِلَادَتِهَا، وَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى سِتِّينَ لَيْلَةً فَلْتَغْتَسِلْ، وَلَا تَسْتَظْهِرُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ وَالْوُقُوفُ عَلَى السِّتِّينَ أَحَبُّ إلَيْنَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ لِقِصَرِ أَعْمَارِهِنَّ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِنَّ، وَقَدْ سُئِلْنَ قَدِيمًا فَقُلْنَ مِنْ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ. ص (وَمَنْعُهُ كَالْحَيْضِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَحُكْمُهُ كَالْحَيْضِ، وَلَا تَقْرَأُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ كَالْحَيْضِ يَعْنِي فِي الْمَوَانِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا الْقِرَاءَةَ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِتَسَاوِي حُكْمِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي قِرَاءَةِ الْحَائِضِ خَوْفَ النِّسْيَانِ بِسَبَبِ تَكَرُّرِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا النُّفَسَاءُ لِنُدُورِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ طُولَهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّكْرَارِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُمْنَعُ الطَّلَاقُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَائِلِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ يَخْتَصُّ الْحَيْضُ بِمَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ الطَّلَاقِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَجَبَ وُضُوءٌ بِهَادٍ وَالْأَظْهَرُ نَفْيُهُ) . ش قَالَ فِي الطِّرَازِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ الْحَوَامِلِ عَادَةً قُرْبَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَ شَمِّ الرَّائِحَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَحَمْلِ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ وَمَا خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ عَادَةً هُوَ حَدَثٌ ثُمَّ قَالَ: وَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا يَخْرُجُ إلَّا غَلَبَةً فَهُوَ فِي حُكْمِ السَّلَسِ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَلَا إشْكَالَ فِي نَجَاسَتِهِ لِقَوْلِ صَاحِبِ التَّلْقِينِ، وَالْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِمَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ، انْتَهَى. فَإِنْ لَازَمَ

كتاب الصلاة

الْمَرْأَةَ وَخَافَتْ خُرُوجَ وَقْتِ الصَّلَاةِ صَلَّتْ بِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. كَمُلَ كِتَابُ الطَّهَارَةِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [كِتَابُ الصَّلَاةِ] (كِتَابُ الصَّلَاةِ) لَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ أَوْكَدُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا أَوْ سُنَنِهَا وَمُسْتَحَبَّاتهَا وَمُبْطِلَاتِهَا وَالْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَأَنْوَاعِهَا، وَجَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ بِتَسْمِيَةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِكِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَسَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فِي كِتَابَيْنِ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَقْسِيمِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِثْلَ هَذَا إلَى كِتَابَيْنِ وَإِلَى ثَلَاثَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِلصُّعُوبَةِ وَعَدَمِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ وَقِلَّتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُمَا مَعًا نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهَا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْكِتَابِ وَالْبَابِ وَالْفَصْلِ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَجْعَلُ الْأَبْوَابَ مَكَانَ الْكُتُبِ وَيَحْذِفُ التَّرَاجِمَ الْمُضَافَ إلَيْهَا الْأَبْوَابُ. وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيْ: دَعَوَاتُكَ طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ وقَوْله تَعَالَى: {وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة: 99] أَيْ: أَدْعِيَتَهُ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَاءَهُ النَّاسُ بِصَدَقَاتِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى جِئْتُ مَعَ أَبِي بِصَدَقَةٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمْ. (قُلْتُ:) وَبِهَذَا فَسَّرَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ ثُمَّ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ. وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا التَّقْسِيمَ الْإِمَامُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ فِي الشِّفَاءِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقُشَيْرِيُّ: الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ لِمَنْ دُونَ النَّبِيِّ رَحْمَةٌ وَلِلنَّبِيِّ تَشْرِيفٌ وَتَكْرِمَةٌ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلَاةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَتُسْتَعْمَلُ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْتُ إلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ» فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ أُمِرْتُ لِأَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] . (قُلْتُ:) وَهَذَا الثَّانِي يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِتَضَمُّنِ الصَّلَاةِ مَعْنَى التَّعَطُّفِ عُدِّيَتْ بِعَلَى، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: هِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى دُعَاءٍ مَخْصُوصٍ فِي أَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ تَقْتَرِنُ بِهَا أَفْعَالٌ مَشْرُوعَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ مَعَ النِّيَّةِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، قَالَ: وَلَا تَرِدُ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَالِبِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قِيلَ: تَصَوُّرُهَا عُرْفًا ضَرُورِيٌّ، وَقِيلَ: نَظَرِيٌّ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ الصَّقَلِّيِّ وَغَيْرِهِ وَرِوَايَةِ الْمَازِرِيِّ: " سُجُودُ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ " نَظَرٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَظَرِيٌّ فَهِيَ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَتَسْلِيمٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ فَيَدْخُلُ هُوَ يَعْنِي سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ بِصَلَاةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَبِيهٌ بِالصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ شَبِيهٌ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ صَلَاةٌ فَمِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ لَا الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ: لَا أُصَلِّي فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَسَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ لَا يَحْنَثُ؟ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهَا صَلَاةٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَّهَا فِي الصَّلَوَاتِ الْفَضَائِلِ وَاعْتَرَضَ الْأَبِيُّ حَدَّ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ قَالَ لَصِدْقِهِ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَسَلَّمَ مِنْهُ عَلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَأَجَابَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ غَيْرُ إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَبِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ بِالْخَوَاصِّ اللَّازِمَةِ وَالسَّلَامُ فِي الصَّلَاةِ لَازِمٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْحَجِّ وَبِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ حَقِيقَةِ الْحَجِّ لَصِحَّتِهِ بِدُونِهِمَا وَلَا يُقَالُ: إنَّهُمَا لَازِمَتَانِ لِلْحَجِّ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ

لَا لِلْكَامِلَةِ. (فَصْلٌ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّ حَمَلَةَ الشَّرْعِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُمْ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي تِلْكَ الْمَعَانِي حَتَّى إنَّ اللَّفْظَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الشَّرْعَ هَلْ وَضَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي، أَوْ هِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، أَوْ هِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ مُبْتَكَرَةٌ نَقَلَهَا الشَّرْعُ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةٍ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَصْلًا، وَإِنْ صَادَفَ ذَلِكَ الْوَضْعُ عَلَاقَةً بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَاسْتُبْعِدَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي أَنْ تَكُونَ الْعَرَبُ خُوطِبَتْ بِغَيْرِ لُغَتِهَا. وَالثَّانِي أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالْمَعَانِي الَّتِي اُسْتُعْمِلَتْ فِيهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْمَازِرِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَهِيَ مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ نَقْلٌ، وَلَا مَجَازٌ بَلْ الْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ لَكِنْ دَلَّتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ اللُّغَوِيَّةَ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ قُيُودٍ زَائِدَةٍ حَتَّى تَصِيرَ شَرْعِيَّةً وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَفْظُ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ الدُّعَاءُ فَإِذَا قِيلَ: لَهُ الدُّعَاءُ لَيْسَ مُجْزِيًا وَحْدَهُ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، يَقُولُ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِدَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ضَمِّ أُمُورٍ أُخَرَ لَا مِنْ لَفْظِ الصَّلَاةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ النَّقْلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُنَاسَبَةُ الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ لِلْمَعْنَى الْمَنْقُولِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَجَازِ، وَعَلَى الثَّانِي فَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَقِيلَ: لِلدُّعَاءِ مَعْنَيَانِ دُعَاءُ مَسْأَلَةٍ وَدُعَاءُ عِبَادَةٍ وَخُضُوعٍ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] فَقِيلَ: الْمَعْنَى أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ، وَقِيلَ: سَلُونِي أُعْطِكُمْ وَحَالُ الْمُصَلِّي كَحَالِ السَّائِلِ الْخَاضِعِ فَسُمِّيَتْ أَفْعَالُهُ صَلَاةً، وَقِيلَ: هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي الرِّدْفِ وَأَصْلُهُمَا الصَّلَا وَهُوَ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ يَفْتَرِقُ عِنْدَ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَقِيلَ: هُمَا عَظْمَاتُ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَلَمَّا كَانَ يَظْهَرَانِ مِنْ الرَّاكِعِ سُمِّيَ مُصَلِّيًا وَفِعْلُهُ صَلَاةً، وَمِنْهُ الْمُصَلِّي وَهُوَ التَّالِي مِنْ حَلَبَةِ السِّبَاقِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ فَرَسِهِ يَكُونُ عِنْدَ صَلَوَيْ الْأَوَّلِ قَالُوا: وَلِهَذَا كُتِبَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ اُخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِ الصَّلَاةِ فَالْأَظْهَرُ الْأَشْهَرُ أَنَّهَا مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ وَعَظْمَاتُ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ انْتَهَى. فَجَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي تَفْسِيرِ الصَّلَوَيْنِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقِيلَ: لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ الْإِيمَانِ وَتَالِيَتُهُ كَالْمُصَلِّي مِنْ الْخَيْلِ فِي حَلْبَةِ السِّبَاقِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ فَاعِلَهَا مُتَّبِعٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَتَّبِعُ الْفَرَسُ الثَّانِي الْأَوَّلَ، وَقِيلَ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْعُودِ عَلَى النَّارِ لِيُقَوَّمَ، وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقِيمُ الْعَبْدَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَخِدْمَتِهِ وَتَنْهَاهُ عَنْ خِلَافِهِ كَانَتْ مُقَوِّمَةً لِفَاعِلِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] ، وَقِيلَ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الصِّلَةِ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُدْنِيهِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَتُوَصِّلُهُ إلَى كَرَامَتِهِ وَجَنَّتِهِ، وَقِيلَ: إنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ وَفِي الصَّلَاةِ هَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا اللُّزُومُ فَكَأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَزِمَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ، وَقِيلَ: مِنْ الرَّحْمَةِ وَالصَّلَاةُ رَحْمَةٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالْمَغْفِرَةُ تُسَمَّى صَلَاةً قَالَ - تَعَالَى -

فصل مشروعية الصلاة وحكمها

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] . (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَوْلُنَا: وَضْعُ الشَّرْعِ وَنَقْلُ الشَّرْعِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: صَاحِبِ الشَّرْعِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: لِأَنَّ الشَّرْعَ هُوَ الرِّسَالَةُ وَالرِّسَالَةُ لَا تَضَعُ لَفْظًا، إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْوَضْعُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - انْتَهَى. وَالصَّلَوَانُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ تَثْنِيَةُ صَلَى بِالْقَصْرِ وَحَلْبَةُ السِّبَاقِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: خَيْلٌ تُجْمَعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ أَيْ: نَاحِيَةٍ لَا تَخْرُجُ مِنْ إصْطَبْلٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَالسِّبَاقُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُسَابَقَةُ، وَقَوْلُهُمْ: صَلَّيْتُ الْعُودَ عَلَى النَّارِ بِالتَّشْدِيدِ نَقَلَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: وَاعْتَرَضَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ صَلَّيْت لَامُهُ يَاءٌ وَلَامُ الصَّلَاةِ وَاوٌ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُشَدَّدَ تُقْلَبُ فِيهِ الْوَاوُ يَاءً نَحْوُ زَكَّيْتُ الْمَالَ وَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ صَلَيْتُ اللَّحْمَ بِالتَّخْفِيفِ صَلْيًا كَرَمَيْتُ رَمْيًا إذَا شَوَيْتُهُ. الثَّانِي قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِالنَّقْلِ فَهُوَ لَمَّا نَقَلَ الشَّرْعُ هَذَا اللَّفْظَ جَعَلَهُ مُتَوَاطِئًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَوْ جَعَلَهُ مُشْتَرَكًا كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا فِيهِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَعَلَى مَا لَا رُكُوعَ فِيهِ وَلَا سُجُودَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَعَلَى مَا لَا تَكْبِيرَ فِيهِ وَلَا تَسْلِيمَ كَالطَّوَافِ، وَعَلَى مَا لَا حَرَكَةَ فِيهِ لِلْجِسْمِ كَصَلَاةِ الْمَرِيضِ الْمَغْلُوبِ، وَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا. [فَصَلِّ مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة وَحُكْمهَا] (فَصْلٌ) وَوُجُوبُهَا مَعْلُومٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَدِينِ الْأُمَّةِ ضَرُورَةً فَلَا نُطَوِّلُ بِذَلِكَ وَفَرَضَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ عَلَى نَبِيِّهِ فِي السَّمَاءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشَّرَائِعِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهَا وَتَأْكِيدِ وُجُوبِهَا انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْمِعْرَاجِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي رَجَبٍ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: فِي رَمَضَانَ، وَقِيلَ: فِي شَوَّالٍ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي السَّنَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا فَقِيلَ: قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي النَّوَادِرِ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِسَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ: بِخَمْسِ سِنِينَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَاخْتُلِفَ كَيْفَ فُرِضَتْ فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَقِيلَ: فُرِضَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قُصِرَ مِنْهَا رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» انْتَهَى. (قُلْتُ) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ إلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَلَاثًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَاخْتُلِفَ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ إلَّا مَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَقَالَ وَكَانَ بَدْءُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ رَكْعَتَيْنِ غُدُوًّا وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيًّا وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ «فِي قَوْله تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [غافر: 55] أَنَّهَا صَلَاتُهُ

فصل الصلاة أفضل العبادات بعد الإيمان بالله تعالى

بِمَكَّةَ حِينَ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ غُدُوًّا وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيًّا فَلَمْ يَزَلْ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَى ذَلِكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِينَ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ أَسْرَى اللَّهُ بِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ثُمَّ عَرَجَ بِهِ جِبْرِيلُ إلَى السَّمَاءِ» ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: فُرِضَتْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَكَانَ الْفَرْضُ قَبْلَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ فَأَوَّلُ مَا صَلَّى جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرُ فَسُمِّيَتْ الْأُولَى، قَالَ غَيْرُ ابْنِ حَبِيبٍ: إنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ إنَّمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَكَانَ الطُّهْرُ بِمَكَّةَ سُنَّةً قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ انْتَهَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ هَلْ وَقَعَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَتَوَاتَرَتْ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ الْإِسْرَاءُ فِي لَيْلَةٍ وَالْمِعْرَاجُ فِي لَيْلَةٍ مُتَمَسِّكًا بِظَاهِرِ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاءِ: الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِالْمِعْرَاجِ: الْعُرُوجُ إلَى السَّمَاءِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِينَ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ وَمُلِئَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطَّهُورُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى مِمَّنْ ائْتَمَّ بِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَوْقَاتِ حِكَايَةً عَنْ جِبْرِيلَ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتُ عَلَى هَذَا الْمِيقَاتِ إلَّا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي بَعْضِهَا، وَلَكِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ الْمَحْدُودَ بِطَرَفَيْنِ مِثْلُ وَقْتِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ، أَيْ: صَلَاتُهُمْ كَانَتْ وَاسِعَةَ الْوَقْتِ ذَاتَ طَرَفَيْنِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فَقِيلَ: إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ بِهَا مِنْ لَفْظِهَا وَتَفْتَقِرُ فِي الْبَيَانِ إلَى غَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِفَةِ مَا أَوْجَبَتْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ: وَالْحَجُّ كُلُّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ لَيْسَ لَهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ بَيَانٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: إنَّهَا عَامَّةٌ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى ذَلِكَ وَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى عُمُومِهَا فِي كُلِّ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ مِنْ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ خَصَّصَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الدُّعَاءِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ تَقْتَرِنُ بِهِ أَفْعَالٌ مَشْرُوعَةٌ مِنْ قِيَامٍ وَجُلُوسٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِرَاءَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [فَصَلِّ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى] (فَصْلٌ) وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَى إقَامَتِهَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَمُرَاعَاةِ حُدُودِهَا الْبَاطِنَةِ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمُسْتَحِقِّ لِلتَّعْظِيمِ، وَمُنَاجَاتُهُ - تَعَالَى - بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَتَعْمِيرُ الْقَلْبِ بِذِكْرِهِ، وَاسْتِعْمَالُ الْجَوَارِحِ فِي خِدْمَتِهِ. وَالصَّلَاةُ عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ بِشُرُوطِهَا. وَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَهِيَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ. وَسُنَّةٌ وَهِيَ الْوِتْرُ وَالْعِيدَانِ وَكُسُوفُ الشَّمْسِ وَخُسُوفُ الْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالرُّكُوعُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَسَجَدَتَا السَّهْوِ، وَكَذَلِكَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا

باب مواقيت الصلاة

صَلَاةٌ. وَفَضِيلَةٌ وَهُوَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَرَكْعَتَا الشَّفْعِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَقِيَامُ رَمَضَانَ وَهُوَ أَوْكَدُ وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالضُّحَى بِلَا حَدٍّ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِحْيَاءُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْخُرُوجِ لِلسَّفَرِ وَعِنْدَ الْقُدُومِ مِنْهُ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَرَكْعَتَانِ لِمَنْ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ غُرُوبِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي، وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَسَمَّى ابْنُ رُشْدٍ مَا بَعْدَ قِيَامِ رَمَضَانَ نَافِلَةً وَجَعَلَهُ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْ الْفَضِيلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَمَكْرُوهَةٌ وَهِيَ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تُصَلَّى الْمَغْرِبُ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا إذَا صُلِّيَتَا فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِسَفَرٍ، أَوْ مَطَرٍ، أَوْ بِعَرَفَةَ، أَوْ مُزْدَلِفَةَ. وَمَمْنُوعَةٌ وَهِيَ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ وَمِنْ حِينِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ إلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَتَنَفُّلُ مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ، وَابْتِدَاءُ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ إذَا كَانَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ يُصَلِّي، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَحَالِّهِ، وَلِلصَّلَاةِ شُرُوطٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْهَا: الطَّهَارَةُ وَتَقَدَّمَتْ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا ثُمَّ اُفْتُتِحَ كِتَابُ الصَّلَاةِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَصِحَّتِهَا وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ لِصِدْقِ حَدِّ السَّبَبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ نَعَمْ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْعِلْمِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ شَرْطٌ أَيْ: فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَيَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِمَعْرِفَةِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إذْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ وَبِخُرُوجِهِ تَصِيرُ قَضَاءً فَقَالَ: [بَابُ مَوَاقِيت الصَّلَاة] ص (بَابُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ) . ش الْأَوْقَاتُ جَمْعُ وَقْتٍ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوْقِيتِ وَهُوَ التَّحْدِيدُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْوَقْتُ أَخَصُّ مِنْ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مُدَّةُ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَالْوَقْتُ هُوَ مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا اقْتَرَنَ خَفِيٌّ بِجَلِيٍّ سُمِّيَ الْجَلِيُّ وَقْتًا نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ طُلُوعَ الشَّمْسِ فَطُلُوعُ الشَّمْسِ وَقْتُ الْمَجِيءِ إذَا كَانَ الطُّلُوعُ مَعْلُومًا وَالْمَجِيءُ خَفِيًّا، وَلَوْ خَفِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَعْمَى، أَوْ مَسْجُونٍ مَثَلًا لَقُلْتُ لَهُ طَلَعَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ مَجِيءِ زَيْدٍ فَيَكُونُ الْمَجِيءُ وَقْتَ الطُّلُوعِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إنَّ الزَّمَانَ هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ هُوَ تَعْرِيفُ الزَّمَانِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُمْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ مَوْهُومٍ لِمُتَجَدِّدٍ مَعْلُومٍ إزَالَةً لِلْإِبْهَامِ مِنْ الْأَوَّلِ لِمُقَارَنَةِ الثَّانِي وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ سُمِّيَ الزَّمَانُ وَقْتًا لِمَا حُدِّدَ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ فَكُلُّ وَقْتٍ زَمَانٌ وَلَيْسَ كُلُّ زَمَانٍ وَقْتًا وَالزَّمَانُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا اقْتَرَنَ خَفِيٌّ بِجَلِيٍّ سُمِّيَ الْجَلِيُّ زَمَانًا ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ مَا حَكَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي الذَّخِيرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلزَّمَانِ، وَكَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْتِ، وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فَلَعَلَّهُ رَآهُ لِلْمَازِرِيِّ فِي غَيْرِ شَرْحِ التَّلْقِينِ فَانْظُرْهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْوَقْتُ كَوْنُ الشَّمْسِ أَوْ نَظِيرِهَا بِدَائِرَةِ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِدَرَجَةٍ عُلِمَ قَدْرُ بُعْدِهَا مِنْهُ. وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ صَالِحٌ لُغَةً لَا عُرْفًا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ جَوَابًا عَنْهُ عُرْفًا انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَظِيرِهَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ غَيْرَهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُؤَقِّتَ بِكُلِّ كَوْكَبٍ مِنْهَا وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ يَقْتَضِي أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ إنَّمَا

هُوَ فِي أَصْلِ التَّخَاطُبِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ صَالِحٌ لُغَةً فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَقْتُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَيْنِ جَمَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَوْقَاتَ، وَقِيلَ: إنَّمَا جَمَعَهَا لِأَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ كَمَا سَيَأْتِي. لَا يُقَالُ: إنَّ زَمَنَ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قِسْمًا مِنْهُ، وَلِذَلِكَ حَدَّ بَعْضُهُمْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُفْعَلَ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يُوقِعُهَا خَارِجَ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا إمَّا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَعَرَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ بِأَنَّهُ مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ أَوَّلًا فَقَوْلُهُ مَا أَيْ: وَقْتٌ قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ بِخِطَابٍ أَوَّلًا فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قُيِّدَ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ وَقْتٌ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا وَقْتًا فَلَا تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ بِخِطَابٍ ثَانٍ بِنَاءً عَلَى رَأْيِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَوَقْتِ الذِّكْرِ لِلنَّاسِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِمَنْ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ قَيَّدَ بِهِ الْفِعْلَ ثَانِيًا بِخِطَابٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» هَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِعْلًا أَوَّلًا لِيُخْرِجَ الْإِعَادَةَ كَمَا قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ حَكَى عَنْ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَالَ: احْتَرَزْتُ بِقَوْلِي أَوَّلًا مِنْ الْإِعَادَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْإِعَادَةُ خَارِجَةً عَنْ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ شَرْعًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ لِيُخْرِجَ بِذَلِكَ مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ، وَلَا شَرْعًا كَمَا إذَا قَيَّدَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ بِوَقْتٍ وَكَتَعْيِينِ الْإِمَامِ لِأَخْذِ الزَّكَاة شَهْرًا لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا حَدَّ هُنَا وَقْتَ الصَّلَاةِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقْتُ الْأَدَاءِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ، وَالْقَضَاءِ انْقِطَاعُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَضَاءُ مَا بَعْدَ الْأَدَاءِ. وَيَنْقَسِمُ وَقْتُ الْأَدَاءِ إلَى اخْتِيَارِيٍّ وَضَرُورِيٍّ فَالِاخْتِيَارِيُّ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي لَمْ يُنْهَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ وَالضَّرُورِيُّ هُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعِصْيَانِ وَالْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي وَفَسَّرَ الْمَازِرِيُّ الِاخْتِيَارَ بِأَنَّهُ وَقْتُ مُطَابَقَةِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فَيَتَنَافَى الْأَدَاءُ وَالْعِصْيَانُ وَقَدْ يَكُونُ وَقْتُ الضَّرُورِيِّ لِغَيْرِ ذِي عُذْرٍ قَضَاءً وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ إنَّ الضَّرُورِيَّ وَقْتُ أَدَاءً قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَا التُّونُسِيُّ التَّنَافِيَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْعِصْيَانِ لِلْمُخَالِفِ، وَنَفْيُهُ لَنَا، وَزَادَ صَاحِبُ الطِّرَازِ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَقْتَ الرُّخْصَةِ وَالْعُذْرِ وَوَقْتَ سُنَّةٍ يُشْبِهُ الرُّخْصَةَ فَوَقْتُ الْعُذْرِ وَالرُّخْصَةِ هُوَ مَا قَبْلَ الْقَامَةِ لِلْعَصْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى بَعْدَ الْقَامَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعِشَاءَيْنِ. وَوَقْتُ السُّنَّةِ الْمُشَابِهِ لِلرُّخْصَةِ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِلْمُزْدَلِفَةِ. وَيَنْقَسِمُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى وَقْتِ فَضِيلَةٍ وَوَقْتِ تَوْسِعَةٍ فَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى فِعْلِهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَوَقْتُ التَّوْسِعَةِ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ. (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ الْوُجُوبِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَقْتِ الْأَدَاءِ، أَوْ بِمَا يَسَعُ الْفِعْلَ مِنْهُ مَجْهُولًا وَوَقَعَ الْفِعْلُ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَعَزَا الْمَازِرِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْجُمْهُورِ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِأَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَعَلَ الثَّانِيَ تَخْرِيجًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ. (فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْعَزْمُ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا؟ فَاشْتَرَطَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَقَالَ الْعَزْمُ ثَابِتٌ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ، وَغَيْرُهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَزْمَ بِوَجْهٍ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْقَاضِي وَالْمَازِرِيِّ. ص (لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ لِآخِرِ الْقَامَةِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ) ش:

شَرَعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَأَ بِالصُّبْحِ؛ لِأَنَّهَا الْوُسْطَى، وَلِأَنَّهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَسُمِّيَتْ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَظْهَرُ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِزِيَادَةِ الظِّلِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى الْأُولَى، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ أَيْ: شِدَّةِ الْحَرِّ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى صَلَاةَ الْهَجِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الظِّلِّ؛ لِأَنَّ الظِّلَّ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَكُونُ مُمْتَدًّا وَلَا يَزَالُ يَنْقُصُ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَى أَنْ تَصِيرَ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ فَإِذَا مَالَتْ الشَّمْسُ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ هُوَ الزَّوَالُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ الظِّلُّ زِيَادَةً بَيِّنَةً فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ فَإِنَّ الزَّوَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيقَاتِ يَحْصُلُ بِمَيْلِ مَرْكَزِ الشَّمْسِ عِنْدَ خَطِّ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَالزَّوَالُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَيْلِ قُرْصِ الشَّمْسِ عَنْ خَطِّ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ لِلْغُرُوبِ مِيقَاتِيٌّ وَشَرْعِيٌّ فَالْمِيقَاتِيُّ غُرُوبُ مَرْكَزِ الشَّمْسِ وَالشَّرْعِيُّ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ الشُّرُوقُ الْمِيقَاتِيُّ هُوَ شُرُوقُ مَرْكَزِ الشَّمْسِ وَالشَّرْعِيُّ شُرُوقُ أَوَّلِ حَاجِبِ الشَّمْسِ وَيَحْصُلُ الشَّرْعِيُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ الِاصْطِلَاحِيِّ بِنَحْوِ نِصْفِ دَرَجَةٍ وَذَلِكَ قَدْرُ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثَلَاثِينَ مَرَّةً قِرَاءَةً مُعْتَدِلَةً مَعَ الْبَسْمَلَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَإِذَا تَبَيَّنَتْ زِيَادَةُ الظِّلِّ فَقَدْ مَضَى هَذَا الْمِقْدَارُ يَقِينًا، وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْقُوتِ أَنَّهُ قَالَ: الزَّوَالُ ثَلَاثَةٌ: زَوَالٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى -. وَزَوَالٌ تَعْلَمُهُ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَزَوَالٌ تَعْرِفُهُ النَّاسُ. قَالَ: وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ زَالَتْ الشَّمْسُ؟ فَقَالَ: لَا نَعَمْ. فَقَالَ: مَا مَعْنَى لَا نَعَمْ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَطَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ فَلَكِهَا بَيْنَ قَوْلِي لَا نَعَمْ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» انْتَهَى. وَقَوْلُهُ لِآخِرِ الْقَامَةِ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ الْمُخْتَارَ مُمْتَدٌّ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَإِنَّمَا قَالَ لِآخِرِ الْقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ بِالتَّعْبِيرِ بِالْقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَذَّرُ وَإِلَّا فَكُلُّ قَائِمٍ يُشَارِكُهَا فِي ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي تَحْدِيدِ أَوْقَاتِ الِاخْتِيَارِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَزَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ الْتَفَتَ جِبْرِيلُ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَذَا لَفْظُهُ وَبَزَقَ بِالزَّايِ أَيْ بَزَغَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ قَدْرَ الشِّرَاكِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِثْلَ الشِّرَاكِ هُوَ السَّيْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ النَّعْلِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ أَوَّلِ ظُهُورِ الظِّلِّ وَقَوْلُهُ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ أَيْ: سَقَطَتْ بِالْغُرُوبِ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أَمَّنِي عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ فَاعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ: وَلَيْسَ اعْتِرَاضُهُ جَيِّدًا؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ رَوَاهُ

الشَّافِعِيُّ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكَلِ الْآثَارِ وَفِيهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ صَلَاتُهُ إلَى الْبَيْتِ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) لَفْظُ الْأُمِّ أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى الْبَيْتِ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَمَّنِي عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ. (فَائِدَةٌ أُخْرَى) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " هَذَا وَقْتُكَ وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ " لَا تُوجَدُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْقَامَةَ إنَّمَا تَعْتَبِرُ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ وَهُوَ الظِّلُّ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ يَزِيدُ فِي الشِّتَاءِ وَيَنْقُصُ فِي الصَّيْفِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَقَدْ يُعْدَمُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ قَدْرَ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ فَأَقَلَّ، وَالْمَيْلُ الْأَعْظَمُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً تَقْرِيبًا وَعَرْضُ الْبَلَدِ عِبَارَةٌ عَنْ بُعْدِهَا عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ أَيْ وَسَطِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فَيُعْدَمُ الظِّلُّ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ وَذَلِكَ فِي آخِرِ فَصْلِ الرَّبِيعِ أَعْنِي إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْجَوْزَاءِ فَتَكُونُ الشَّمْسُ حِينَئِذٍ مُسَامِتَةً لِرُءُوسِهِمْ عِنْدَ الزَّوَالِ وَإِذَا كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَيُعْدَمُ الظِّلُّ فِيهَا فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ وَمَرَّةً وَفِي فَصْلِ الصَّيْفِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَيْلُ الشَّمْسِ قَدْرَ عَرْضِ الْبَلَدِ كَمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَإِنَّ عَرْضَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ دَرَجَةً فَإِذَا كَانَ مَيْلُ الشَّمْسِ إحْدَى وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَانَتْ الشَّمْسُ مُسَامِتَةً لِرُءُوسِهِمْ فَيُعْدَمُ الظِّلُّ حِينَئِذٍ عِنْدَ الزَّوَالِ وَيُعْرَفُ الزَّوَالُ فِي يَوْمِ الْمُسَامَتَةِ بِوُجُودِ الظِّلِّ بَعْدَ انْعِدَامِهِ وَيُعْرَفُ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ، أَوْ فِي يَوْمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّ مَا قَارَبَ يَوْمَ الْمُسَامَتَةِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِمَّا لَا يَظْهَرُ فِيهِ لِلظِّلِّ وُجُودٌ مَحْسُوسٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ يَوْمِ الْمُسَامَتَةِ، وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي يَكُونُ عَرْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَلَا يُعْدَمُ فِيهَا ظِلُّ الزَّوَالِ دَائِمًا كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَيَكْثُرُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَيَقِلُّ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبِلَادِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَقْدَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو مُقْرَعٍ لِلزَّوَالِ إلَّا فِي بِلَادِ مَرَّاكُشَ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فِي الْعَرْضِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ وَظِلِّ الزَّوَالِ أَنْ تَنْصِبَ شَاخِصًا فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ قُرْبَ الزَّوَالِ وَتُعَلِّمَ عَلَى رَأْسِ ذَلِكَ عَلَامَةً، أَوْ تُدِيرَ عَلَيْهِ قَوْسًا ثُمَّ تَنْظُرُ إلَى الظِّلِّ فَإِنْ نَظَرْتَهُ نَقَصَ عَلَّمْتَ عَلَامَةً أُخْرَى، وَلَا تَزَالُ تَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَجِدَهُ قَدْ زَالَ فَإِنْ زَالَ فَذَلِكَ هُوَ الزَّوَالُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالظِّلُّ الْمَوْجُودُ حِينَئِذٍ هُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ. وَآخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَزِيدَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الظِّلِّ الْمَوْجُودِ حِينَئِذٍ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمِثْلِ وَالْمِثْلَيْنِ هُوَ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَزُولُ عَنْهَا الشَّمْسُ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ انْتَهَى. فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ كَمْ ظِلُّ الزَّوَالِ بِالْأَقْدَامِ فَقِسْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ بِقَدَمَيْكَ وَذَلِكَ بِأَنْ تَقِفَ قَائِمًا مُعْتَدِلًا غَيْرَ مُنَكِّسٍ رَأْسَكَ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَتَخْلَعَ نَعْلَيْكَ وَتَسْتَدْبِرَ الشَّمْسَ، أَوْ تَسْتَقْبِلَهَا وَتُعَلِّمَ عَلَى طَرَفِ ظِلَّكَ عَلَامَةً أَوْ تَأْمُرَ مَنْ يُعَلِّمُ لَكَ إنْ كُنْتَ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ ثُمَّ تَكِيلَ ظِلَّكَ بِقَدَمَيْكَ فَذَلِكَ هُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ عَامٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. وَإِذَا أَرَدْتَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ فَلْتَزِدْ عَلَى مَا كِلْتَهُ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ وَهُوَ قَدْرُ الْقَامَةِ بِالْأَقْدَامِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَابْنُ الشَّاطِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ طُولُ الْقَامَةِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَثُلُثَانِ، وَقِيلَ: سِتٌّ وَنِصْفٌ، وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هُنَا عِبَارَاتٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ مِنْ الشُّيُوخِ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّوَالَ يُعْرَفُ بِزِيَادَةِ الظِّلِّ، وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ

الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ لِسُهُولَتِهِ وَاشْتَرَاكِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَلَوْ عُرِفَ الْوَقْتُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآلَاتِ كَالرُّبْعِ وَالْأَسْطُرْلَابِ وَغَيْرِهِمَا لَجَازَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الزَّوَالَ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ خَطِّ وَسَطِ السَّمَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَمِنْ الطَّرِيقِ إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا يَعْنِي الزَّوَالَ الْأَسْطُرْلَابُ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَضَعُ خُطُوطًا خَاصَّةً وَيُقَسِّمُهَا أَقْسَامًا وَيُقِيمُ فِيهَا قَائِمًا فَإِذَا انْتَهَى ظِلُّ الْقَائِمِ إلَى حَدِّ الْأَقْسَامِ عَرَفَ قَدْرَ مَا مَضَى مِنْ النَّهَارِ، وَهَذِهِ الطَّرَائِقُ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ كُلَّهُمْ إنَّمَا يَسْلُكُونَ الْمَسْلَكَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصْبِ الْعُودِ فَهَذَا الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَمَا عَدَاهُ أَضْرَبُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْأَسْطُرْلَابِ يَدِقُّ وَقَدْ يُؤَدِّي النَّظَرُ فِيهِ إلَى النَّظَرِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ الَّذِي يَكْرَهُهُ الْمُشَرِّعُونَ. وَمَا سِوَاهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ عَسِيرٌ مَطْلَبُهُ، صَعْبٌ مَرَامُهُ وَالتَّعْلِيمُ الْحَسَنُ مَا اشْتَرَكَ فِي إدْرَاكِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِهِ الْبَلِيدُ وَالْفَطِنُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَدْ يُعْلَمُ الزَّوَالُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ الظِّلِّ بِأَنْ يُخْرِجَ خَطًّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسَامِتًا لِخَطِّ الزَّوَالِ فِي السَّمَاءِ بِالطُّرُقِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ فَتَضَعَ فِيهِ قَائِمًا فَعِنْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ ظِلُّ الْقَائِمِ مِنْ الْخَطِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لِظِلٍّ خُصُوصًا فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ انْتَهَى. (قُلْتُ:) قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ ظِلِّ الزَّوَالِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاقِبَ زِيَادَةَ الظِّلِّ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الظِّلُّ عَنْ الْخَطِّ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَقَالَ بَعْدَهُ فِي فَصْلِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَيُعْرَفُ الظُّهْرُ بِأَنْ تَضْرِبَ وَتِدًا فِي حَائِطٍ تَكُونُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ اُنْظُرْ طَرَفَ ظِلِّ الْوَتِدِ وَاجْعَلْ فِي يَدِكَ خَيْطًا فِيهِ حَجَرٌ مُدَلًّى مِنْ أَعْلَى الظِّلِّ فَإِذَا جَاءَ الْخَيْطُ عَلَى طَرَفِ الظِّلِّ فَخُطَّ مَعَ الْخَيْطِ خَطًّا طَوِيلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَّ الزَّوَالِ أَبَدًا فَمَتَى وَصَلَ ظِلُّ ذَلِكَ الْوَتِدِ إلَيْهِ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ لَكِنْ فِي الشِّتَاءِ يَصِلُ إلَيْهِ أَسْفَلَ وَفِي الصَّيْفِ فَوْقَ. (قُلْتُ:) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إذَا كَانَ الْوَتِدُ مُعْوَجًّا وَلَمْ يَضْرِبْ فِي الْحَائِطِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ بِحَيْثُ إنَّ ظِلَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ يَمِينًا، أَوْ شِمَالًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَقِيمًا وَظِلُّهُ تَحْتَهُ فَتَخُطُّ الْخَطَّ عَلَى ظِلِّهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَعْرِفَ الزَّوَالَ فِي الْيَوْمَ الَّذِي تَضْرِبُ فِيهِ الْوَتِدَ بِغَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الزَّوَالَ بِعُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا بَأْسَ بِالْمِيزَانِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ وَقَالَ إنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ بِظِلِّ الْجِدَارِ وَظِلِّ الْإِنْسَانِ، أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ يُكْرَهُ الْأَسْطُرْلَابُ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) تَقَدَّمَ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْكَرَاهَةِ بَلْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ لِمَعْرِفَتِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْفُقَهَاءُ إمَّا لِصُعُوبَتِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النَّظَرِ فِي النُّجُومِ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا أَفْضَلُ لَكِنْ إنَّمَا التَّغْلِيسُ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ إسْفَارِ الْفَجْرِ وَبَيَانِهِ لِلْأَبْصَارِ وَمَنْ صَلَّى بِالْمَنَازِلِ قَبْلَ تَبْيِينِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ فَإِنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ إنَّمَا عُلِّقَتْ بِالْأَوْقَاتِ الْمُبَيَّنَةِ لِلْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْجُهَّالِ، وَإِنَّمَا شُرِعَتْ الْمَنَازِلُ لِيُعْلَمَ بِهَا قُرْبُ الصَّبَاحِ فَيَكُفَّ الصَّائِمُ وَيَتَأَهَّبَ الْمُصَلِّي حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ الْفَجْرَ الَّذِي عَلِقَ بِهِ الْوَقْتُ صَلَّى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ: وَوَقْتُ الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ الَّذِي يَسُدُّ الْأُفُقَ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْمَنَازِلِ إلَّا تَقْرِيبًا فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ تَوَسُّطُ الْمَنْزِلَةِ تَرَبَّصَ حَتَّى يَرَى الْبَيَاضَ فَإِنْ كَانَ غَيْمٌ انْتَظَرَ قَدْرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحْوًا لَظَهَرَ الْفَجْرُ وَيَحْتَاطُ، وَلَا يُعَجِّلُ، وَمِيزَانُ الشَّمْسِ قَطْعِيٌّ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالْمِائَةِ: جَرَتْ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ أَنَّهُمْ إذَا شَاهَدُوا الْمُتَوَسِّطَ

فِي دَرَجِ الْفَلَكِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ دَرَجَ الشَّمْسِ قَرِيبٌ مِنْ الْأُفُقِ قُرْبًا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الْأُفُقَ قَدْ يَكُونُ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، إنَّمَا نَصَبَ الشَّارِعُ سَبَبَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَوْقَ الْأُفُقِ، وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ إثْبَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ:) هَذَا جُنُوحٌ مِنْكَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ بِالرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهَا وَقُلْتُ: السَّبَبُ فِي الْأَهِلَّةِ الرُّؤْيَةُ وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ تَحَقُّقُ الْوَقْتِ دُونَ رُؤْيَتِهِ فَحَيْثُ اشْتَرَطْتَ الرُّؤْيَةَ فَقَدْ أَبْطَلْتَ مَا ذَكَرْتَ. (قُلْتُ:) هَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنِّي لَمْ أَشْتَرِطْ الرُّؤْيَةَ فِي الْأَوْقَاتِ لَكِنْ جَعَلْتَ عَدَمَ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى الْفَجْرِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِهِ وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هِيَ السَّبَبُ فَفَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الْحِسِّ سَبَبًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ فَفِي الْفَجْرِ جَعَلْتُهُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ لِأَنِّي اشْتَرَطْتَ الرُّؤْيَةَ فَلَوْ كَانَ حِسَابُهُمْ يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ فِي الصَّحْوِ وَيَخْفَى فِي الْغَيْمِ لَمْ أَسْتَشْكِلْهُ لَكِنِّي لَمَّا رَأَيْت حِسَابَهُمْ فِي الصَّحْوِ لَا يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ عَلِمْتَ أَنَّ حِسَابَهُمْ يُعَارِضُ عَدَمَ السَّبَبِ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يُشِيرُ فِيهِ إلَى أَنَّ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْوُجُوبَ فِي الزَّوَالِ هُوَ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ لَا الزَّوَالُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِالْحِسِّ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْحِسَابِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوَالِ الَّذِي يَظْهَرُ لِلنَّاسِ رُؤْيَتُهُ فَإِذَا تَحَقَّقَ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الزَّوَالُ الْمَذْكُورُ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ الْحِسُّ لَأَدْرَكَهُ كَفَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هُنَا غَيْمٌ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي غَرُوبِ الشَّمْسِ وَالشَّفَقِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي عِلْمِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ كِتَابٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَبِالْأَهِلَّةِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ ادَّعَى أَنَّهُ سَمِعَ حَرَكَةَ الشَّمْسِ لِلزَّوَالِ فَصَلَّى هُوَ وَجَمَاعَةٌ الظُّهْرَ، وَلَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ وَقَالَ إنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - كَلَّفَ بِالصَّلَاةِ بِالرُّؤْيَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَلَا يَكُونُ الزَّوَالُ الَّذِي لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْمَلَائِكَةُ وَخَوَاصُّ الْأَوْلِيَاءِ بِطَرِيقِ الْكَشْفِ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ أَلْبَتَّةَ، قَالَ: وَلَوْ طَارَ وَلِيُّ اللَّهِ - تَعَالَى - إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ فَإِنَّهُ يَرَى الْفَجْرَ فِي مَكَانِهِ بَلْ رُبَّمَا رَأَى الشَّمْسَ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - سَبَبًا لِوُجُوبِ الصُّبْحِ إنَّمَا هُوَ الْفَجْرُ الَّذِي نَرَاهُ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا عُلِمَ دُخُولُ الْوَقْتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْآلَاتِ الْقَطْعِيَّةِ مِثْلَ الْأَسْطُرْلَابِ وَالرُّبْعِ وَالْخَيْطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى خَطٍّ وَسَطَ السَّمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمَنَازِلِ طَالِعَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَرَبَّصَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ رُؤْيَةِ الْمَنْزِلَةِ طَالِعَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً لَا تُفِيدُ بِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ تَحْقِيقًا إنَّمَا هُوَ تَقْرِيبٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ تَوَسُّطَ كَوْكَبٍ مَعْلُومٍ بِالْخَيْطِ الْمَذْكُورِ وَعَلِمَ مَطَالِعَهُ وَأَنَّهُ يَتَوَسَّطُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَوْ الْعِشَاءِ فَهَذَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ دُخُولِ الْوَقْتِ تَحْقِيقًا فَيُعْتَمَدُ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. (الثَّانِي) يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ وَقَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَالْبَرْزَلِيِّ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ فِي الْوَقْتِ مَنْ هُوَ مَأْمُونٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ كَمَا تُقَلَّدُ فِيهِ أَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يُهْرَعُونَ إلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَبِرَ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي قِيَاسَ الظِّلِّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَأْمُونِ كَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يُهْرَعُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ

مِقْيَاسٍ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ» انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا قَبُولُ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ مُطْلَقًا أَيْ: فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذَا كَانَ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ بِالْآلَاتِ مِثْلَ الرَّمْلِيَّاتِ وَالْمُنْقَالَاتِ وَغَيْرِهَا نُصَّ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْأَوْقَاتِ قَالَ فِي الطِّرَازِ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَوْقَاتِ إلَّا الزَّوَالَ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ التَّقْلِيدِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ اسْتِثْنَاءُ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ اسْتِثْنَاءَ الظُّهْرِ مِنْ الْقَرَافِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِي مِنْ الْفُرُوقِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَرَافِيُّ مَنَعَ ابْنَ الْقَصَّارِ التَّقْلِيدَ فِي دُخُولِ وَقْتِهَا، وَلَوْ لِعَامِّيٍّ لِوُضُوحِهِ فَأَوْرَدَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ فَيُجَابُ بِأَنَّ وُضُوحَ وَقْتِ الظُّهْرِ لِتَأْخِيرِهَا عَنْ الزَّوَالِ، وَالْمَغْرِبُ الْمَطْلُوبُ إيقَاعُهَا إثْرِهِ وَيَجِبُ كَوْنُ الْجُمُعَةِ كَالْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ إيقَاعُهَا عَقِبَ الزَّوَالِ كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي الْكِتَابِ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَجُوزُ تَصْدِيقُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ قَالَ: وَإِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْفَجْرِ فَلْيَكُفَّ وَلْيَسْأَلْ الْمُؤَذِّنَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا، وَلَا عَارِفًا فَلْيَقْضِ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ السُّيُورِيِّ مَا نَصُّهُ: يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ إقَامَتُهُ وَمِنْ إقَامَةِ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْأَوْقَاتِ مَنْ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ سَبْقِهِ فَإِنْ انْتَهَوْا وَإِلَّا تُوُعِّدُوا فَإِنْ عَادُوا سُجِنُوا وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: وَمَنْ تَعَدَّى بَعْدَ النَّهْيِ عُوقِبَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التُّونُسِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ وَيُنْهَى أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَذَانِ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ أَدَبًا وَجِيعًا وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَمَنْ صَلَّى بِتَقْلِيدِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ انْتَهَى. فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَوْقَاتِ لِمَنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ فَرْضٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّ الْوَقْتَ دَخَلَ إمَّا بِالطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ لِذَلِكَ أَوْ بِتَقْلِيدِ مَنْ هُوَ عَدْلٌ عَارِفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً، وَلَمْ تَظْهَرْ الشَّمْسُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْوَقْتَ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا امْتَنَعَ الِاسْتِدْلَال بِتَزَايُدِ الظِّلِّ تَكُونُ الشَّمْسُ مَحْجُوبَةً بِالْغَيْبِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَدْرَ مَا مَضَى لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِهِمْ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِ الصَّحْوِ فَيَقِيسُونَ يَوْمَهُمْ بِأَمْسِهِمْ فَيَعْرِفُونَ بِذَلِكَ الْوَقْتَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلْيَجْتَهِدْ وَيَسْتَدِلَّ بِمَا يُغَلِّبُ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولَهُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ فَلْيَسْتَدِلَّ بِالْأَوْرَادِ وَأَعْمَالِ أَرْبَابِ الصِّنَاعَاتِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَيَحْتَاطُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْغَيْمِ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ وَتَعْجِيلَ الْعَصْرِ وَتَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي اللَّيْلِ وَتَعْجِيلَ الْعِشَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَتَحَرَّى ذَهَابَ الْحُمْرَةِ وَتَأْخِيرَ الصُّبْحِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ صَلَاتُهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ وَقَعَتْ قَبْلَهُ قَضَاهُ كَالِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ شَهْرِ رَمَضَانَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إذَا حَصَلَ الْغَيْمُ أَخَّرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ، وَلَا يُكْتَفَى بِالظَّنِّ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْيَقِينِ مُمْكِنٌ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ شَكَّ فِي

دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ. (الرَّابِعُ) لَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا تُجْزِئُ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي إشْرَافِهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَوْ غَيْرَهُ كَانَ يَقُولُ تُجْزِئُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَالْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ دُلُوكُ الشَّمْسِ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غُرُوبُهَا وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَمَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ مُغَرِّبَةً. (الْخَامِسُ) وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ مُدَّةَ الدَّجَّالِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَنَّ فِيهَا يَوْمًا كَسَنَةٍ وَيَوْمًا كَشَهْرٍ وَيَوْمًا كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِنَا فَقَالَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ: لَا، اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالَ: وَلَوْ وُكِلْنَا إلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَقَبِلَهُ وَقَالَ بَعْدَهُ وَمَعْنَى اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ أَنَّهُ إذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ فَإِذَا مَضَى بَعْدَهَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سُنَّةٍ كُلُّهَا فَرَائِضُ مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا، وَأَمَّا الْيَوْمُ الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقْدَرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى. وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَيَّامُ الَّتِي تُحْجَبُ الشَّمْسُ فِيهَا عَنْ الطُّلُوعِ عِنْدَ إرَادَةِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - طُلُوعَهَا مِنْ مَغْرِبِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ وَقَالَ هَذَا الْحُكْمُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ. (قُلْتُ:) وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي قُطْرٍ يَطْلُعُ فِيهِ الْفَجْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ قَالَ فَكَيْفَ يُصْنَعُ بِالْعِشَاءِ؟ وَهَلْ تُصَلَّى الصُّبْحُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ؟ وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى الْعِشَاءِ بِالْقَضَاءِ؟ فَذَكَرَ عَنْ إمَام الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لَا تُصَلَّى الْعِشَاءُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَلَا تَكُونُ قَضَاءً لِبَقَاءِ وَقْتِهَا وَيَتَحَرَّى بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَجْرَ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْبِلَادِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْفَجْرُ الَّذِي لَهُمْ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ. (السَّادِسُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ: مَسْأَلَةٌ مِنْ نَوَادِرِ أَحْكَامِ الْأَوْقَاتِ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ بِبَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ وَفِيهَا وَلِيٌّ فَطَارَ إلَى بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَوَجَدَ الشَّمْسَ كَمَا طَلَعَتْ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ مُخَاطَبٌ بِزَوَالِ الْبَلَدِ الَّذِي يُوقِعُ فِيهَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَانْظُرْ عَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الشَّمْسُ ثُمَّ جَاءَ إلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِزَوَالِ الْبَلَدِ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهَا الصَّلَاةَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ بِإِيقَاعِهَا فِيهِ، وَلَمْ يُكَلِّفْ اللَّهُ بِصَلَاةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ فَانْظُرْهُ. (السَّابِعُ) يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ أَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ سُمِّيَ ظِلًّا وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَالظِّلُّ يُطْلَقُ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ وَالْفَيْءُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ فَاءَ أَيْ: رَجَعَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الظِّلَّ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَلَامُ الصِّحَاحِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. (الثَّامِنُ) إذَا عَلِمَ ظِلَّ الزَّوَالِ عَلِمَ وَقْتَ الْعَصْرِ بِزِيَادَةِ قَامَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ ظِلَّ الزَّوَالِ فَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَامَ مُنْتَصِبًا وَأَغْلَقَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَهَا عَلَى تَرْقُوَتِهِ وَخِنْصَرَهُ عَلَيْهَا وَذَقَنَهُ عَلَى إبْهَامِهَا وَاسْتَقْبَلَ الشَّمْسَ قَائِمًا

لَا يَرْفَعُ حَاجِبَهُ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى قُرْصَ الشَّمْسِ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنْ رَآهَا عَلَى حَاجِبِهِ فَهُوَ بَعْدُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: إذَا اسْتَقْبَلْتَ الشَّمْسَ بِوَجْهِكَ إلَخْ. ص (وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ لِلِاصْفِرَارِ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الظُّهْرِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَلَهَا اسْمَانِ تُسَمَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَاةَ الْعَشِيِّ أَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَلِأَنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ مَعْصَرِ النَّهَارِ أَيْ: آخِرَهُ وَتُسَمَّى الْعَشِيَّ؛ لِأَنَّهَا تُصَلَّى عَشِيَّةً انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَشِيِّ فَإِنَّهَا تُسَمَّى عَصْرًا، وَقِيلَ: مِنْ طَرَفِ النَّهَارِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ طَرَفٍ مِنْ النَّهَارِ عَصْرًا وَفِي الْحَدِيثِ «حَافِظُوا عَلَى الْعَصْرَيْنِ صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا» يُرِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ انْتَهَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْمُرَادُ بِالْبَرْدَيْنِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ» وَالْبَرْدَيْنِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَارِ، وَآخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ» وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَصُفْرَتُهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ لَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ حَكَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ نَحْوَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغْرُبَ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ تَصْفَرَّ عَلَى الْجِدَارَاتِ وَالْأَرَاضِي وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَى أَنْ تَصِيرَ زِيَادَةُ ظِلِّ الشَّخْصِ مِثْلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْقَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا يَزَالُ بَيَاضُهَا نَاصِعًا حَتَّى يَنْتَهِيَ ثَنْيُ الظِّلِّ فَإِذَا أَخَذَ فِي التَّثْلِيثِ نَقَصَ الْبَيَاضُ حَتَّى تَأْخُذَ الشَّمْسُ فِي التَّطْفِيلِ فَتَتَمَكَّنُ الصُّفْرَةُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَالتَّطْفِيلُ مَيْلُ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ، وَقِيلَ: طَفَّلَ اللَّيْلُ بِالتَّشْدِيدِ إذَا أَقْبَلَ ظَلَامُهُ وَالطَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ إذَا طَفَلَتْ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَبِالْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُمْ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ هَذَا مِمَّا رَأَيْت بَعْضَ الْجَاهِلِينَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ بِأَبَاطِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالظِّلِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: يَذْهَبُ الْعَوَامُّ إلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظِّلُّ يَكُونُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً وَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ وَمَعْنَى الظِّلِّ السَّتْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَنَا فِي ظِلِّكَ، وَمِنْهُ ظِلُّ الْجَنَّةِ وَظِلُّ شَجَرِهَا إنَّمَا هُوَ سِتْرٌ فَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ وَظِلُّ الشَّمْسِ مَا سَتَرَتْهُ الشُّخُوصُ مِنْ مَسْقَطِهَا، وَأَمَّا الْفَيْء فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يُقَالُ: لِمَا قَبْلَهُ فَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أَيْ: رَجَعَ وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ نَفِيسٌ وَقَدْ ذُكِرَ غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) كَلَامُهُ فِي الصِّحَاحِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ، وَالْفَيْءُ مَا نَسَخَ الشَّمْسَ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ رُؤْبَةَ كُلَّمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ فَيْءٌ وَظِلٌّ وَمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ ظِلٌّ انْتَهَى. فَكَلَامُ ابْنِ السِّكِّيتِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَمَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ ظِلٌّ وَمَا بَعْدَهُ فَهُوَ فَيْءٌ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاعْتَرَضَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي

قَوْلِهِ وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ وَمَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مُوَافِقٌ لِمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاشْتَرَكَتَا بِقَدْرِ إحْدَاهُمَا وَهَلْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى، أَوْ أَوَّلِ الثَّانِيَةِ؟ خِلَافٌ) . ش لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَ قَطْعًا حُصُولُ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ تَمَامِ الْقَامَةِ الْأُولَى، وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ مَا يُسَلَّمُ مِنْ الظُّهْرِ وَيُبْدَأُ بِالْعَصْرِ دُونَ فَاصِلٍ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ فَاصِلَةً، فَإِنْ قُلْتَ: لَا يَصْلُحُ لِلظُّهْرِ وَلَا لِلْعَصْرِ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَصْرَ مُشَارِكَةٌ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ هَلْ الْعَصْرُ هِيَ الْمُشَارِكَةُ لِلظُّهْرِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ، أَوْ الظُّهْرُ هِيَ الْمُشَارِكَةُ لِلْعَصْرِ فِي أَوَّلِ ابْتِدَاءِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَصْرَ هِيَ الْمُشَارِكَةُ لِلظُّهْرِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى انْتَهَى. كَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَذَلِكَ بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ أَحَدَهُمَا فَلَوْ أَنَّ مُصَلِّيَيْنِ صَلَّى أَحَدُهُمَا الظُّهْرَ وَالْآخَرُ الْعَصْرَ كَانَا مُصَلِّيَيْنِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَشَهَّرَ ابْنُ عَطَاءٍ وَابْنُ رَاشِدٍ الْقَوْلَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَشَهَّرَ سَنَدٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَى هَذَيْنِ التَّشْهِيرَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " خِلَافٌ " قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: " فَصَلَّى الظُّهْرَ مِنْ الْغَدِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ " هَلْ مَعْنَاهُ شَرَعَ، أَوْ فَرَغَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عَكَسَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ النَّقْلَ عَنْ سَنَدٍ وَابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ فَنَسَبَ لِسَنَدٍ تَشْهِيرَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَنَسَبَ لِابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَطَاءٍ تَشْهِيرَ الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْأُولَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْأُمَّهَاتِ يَعْنِي لِأَشْهَبَ وَالْمَنْقُولِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ فِي مُدَوَّنَتِهِ إذْ الظُّهْرُ تُشَارِكُ الْعَصْرَ فِي الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ فِي مِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ التُّونُسِيُّ قَالَ: الِاشْتِرَاكُ إنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنَّ الْقَامَةَ وَقْتٌ لَهُمَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَرْجُو لِمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) لَعَلَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَصْرَ تُشَارِكُ الظُّهْرَ فِي جَمِيعِ وَقْتِهَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الزَّوَالِ كَمَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصَّهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الزَّوَالِ فَيَشْتَرِكَ فِي ذَلِكَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَخْتَصُّ بِالْعَصْرِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْعِشَاءُ تُشَارِكُ الْمَغْرِبَ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ لَا تَزَالُ إلَى أَنْ يَبْقَى أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْعِشَاءِ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي فَصْلِ الْجَمْعِ عَنْ أَشْهَبَ نَحْوَهُ وَقَالَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى إبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِي إبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ

ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةِ النَّاسِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَرْجُو لِمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ الشَّفَقِ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ يُصَلِّيهَا الْمُسَافِرُ عِنْدَ رِحْلَتِهِ وَالْحَاجُّ بِعَرَفَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ: إنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، وَهَذَا اخْتِلَافُ قَوْلٍ فَوَجْهُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَذَكَرَ تَوْجِيهَاتٍ كَثِيرَةً ثُمَّ قَالَ وَوَجْهُ الثَّانِي مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَشْهَبُ مِنْ أَنَّ صَلَاتَهَا حِينَئِذٍ حَالَ الْعُذْرِ مَكْرُوهَةٌ وَتَقَعُ مُجْزِئَةً، وَلَوْلَا أَنَّ فَرْضَهَا قَدْ تَوَجَّهَ لَمَا أَجْزَأَتْ بِحَالٍ كَالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْمَغْرِبِ قَبْلَ الْغُرُوبِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) هَذَا الِاشْتِرَاكُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ حُصُولِ الْعُذْرِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ مَطَرٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْجَمْعِ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَنَا عَلَى ضَرْبَيْنِ اشْتِرَاكٌ اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي هُوَ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ؟ . وَاشْتِرَاكُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا فِي بَابِ جَمْعِ الْمُسَافِرِ وَهُوَ يَدْخُلُ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى. (قُلْتُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مُضِيِّ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ قَالَ فِي التَّلْقِينِ لَمَّا ذَكَرَ أَوْقَاتَ الضَّرُورَةِ مَا نَصُّهُ: وَبَيَانُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهِيَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الزَّوَالِ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ مُخْتَصٌّ لَا يُشْرِكُهَا فِيهِ الْعَصْرُ بِوَجْهٍ وَمُنْتَهَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْحَاضِرِ وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثُمَّ يَصِيرُ الْوَقْتُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا إلَى قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْحَاضِرِ وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ فَيَزُولُ الِاشْتِرَاكُ وَيَخْتَصُّ الْوَقْتُ بِالْعَصْرِ وَتَفُوتُ الظُّهْرُ حِينَئِذٍ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى. هَذَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجَمْعِ أَنَّ مَا قَبْلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ لِلْعَصْرِ، وَكَذَلِكَ مَا قَبْلَ الشَّفَقِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ لِلْعِشَاءِ. (الرَّابِعُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا اشْتِرَاكَ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ عَزَا اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ نَاجِي عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَائِلًا تَاللَّهِ مَا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَلَقَدْ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْعُلَمَاءِ. (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ الِاشْتِرَاكِ وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ: وَآخِرُهُ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّكُ مِثْلَكَ فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا صَارَ الظِّلُّ قَامَةً كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ آخِرَ وَقْتِهِ وَوَقْتُ الْعَصْرِ أَوَّلُ وَقْتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الْمُخْتَصَرِ. ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي بَيَانِ تَفْسِيرِ الشَّفَقِ وَالْفَجْرِ وَالزَّوَالِ قَالَ وَإِذَا كَانَ الزَّائِدُ قَامَةً كَانَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَظَاهِرُهُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ: وَآخِرُهُ إذَا كَانَ ظِلُّكَ بَعْدَ فَرَاغِكِ مِنْهَا تَمَامَ الْقَامَةِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ تَمَامُ الْقَامَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ لَعَلَّهُ نَقَلَهُ مِنْ غَيْرِ الْوَاضِحَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ. ص (وَلِلْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ تُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهِمَا) . ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الْعَصْرِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَقَعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَتُسَمَّى صَلَاةَ الشَّاهِدِ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُهَا وَيُصَلِّيهَا كَصَلَاةِ الشَّاهِدِ وَهُوَ الْحَاضِرُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ وَنَقَضَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِالصُّبْحِ

(قُلْتُ:) وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَجْمًا يَطْلُعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ يُسَمَّى الشَّاهِدَ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْعَصْرَ ثُمَّ قَالَ: لَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاهِدَ النَّجْمُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَهُ مَالِكٌ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَهَا يُصَلِّيهَا، وَلَا يَنْتَظِرُ مَنْ غَابَ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا عِشَاءً فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَنَصُّهُ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَلَا يُقَالُ: لَهَا عِشَاءٌ لَا لُغَةً، وَلَا شَرْعًا، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً انْتَهَى. لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُنِيرِ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِلِالْتِبَاسِ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَلَا يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى بِالْعِشَاءِ الْأُولَى قَالَ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ الْأُولَى وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُنِيرِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ حَاتِمٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى عِشَاءً لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا قَالَ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ «إذَا حَضَرَ الْعِشَاءُ وَالْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَغْرِبِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ «إذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» انْتَهَى. (قُلْتُ:) هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» لَكِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ وَقَالَ الْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ الطَّعَامُ وَأَرَادَ بِالْعِشَاءِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْإِفْطَارِ وَلِضِيقِ وَقْتِهَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَلَا يُحْتَجُّ لِتَسْمِيَتِهَا عِشَاءً بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَوْمُهُ رَاكِبًا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ طُوِّلَ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ تَسْمِيَتَهَا عِشَاءً عَلَى التَّغْلِيبِ كَمَا إذَا قَالَ صَلَّيْتُ الْعِشَاءَيْنِ انْتَهَى. (فَصْلٌ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِحَالٍ وَالْمُرَادُ بِالْغُرُوبِ غُرُوبُ قُرْصِ الشَّمْسِ جَمِيعِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ لَا مِنْ سَهْلٍ، وَلَا مِنْ جَبَلٍ فَإِنَّهَا قَدْ تَغِيبُ عَمَّنْ فِي الْأَرْضِ وَتُرَى مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ قَالَ سَنَدٌ الْغُرُوبُ أَنْ تَغْرُبَ آخِرُ دُورِ الشَّمْسِ فِي الْعَيْنِ الْحَمِئَةِ وَيُقْبِلَ سَوَادُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَشْرِقِ انْتَهَى. وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْغُرُوبَ الشَّرْعِيَّ هُوَ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَالْغُرُوبُ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيقَاتِ غُرُوبُ مَرْكَزِ الشَّمْسِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْعِيَّ يَحْصُلُ بَعْدَ الْفَلَكِيِّ بِنَحْوِ نِصْفِ دَرَجَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْكِينٍ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوَقْتُ بِإِقْبَالِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ الْمَشْرِقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ فَأَمَّا مَوْضِعٌ تَغْرُبُ فِيهِ خَلْفَ جِبَالٍ فَيُنْظَرُ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَإِذَا طَلَعَتْ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْمُرَاعَى غَيْبُوبَةُ جُرْمِهَا وَقُرْصِهَا دُونَ أَثَرِهَا وَشُعَاعِهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَغِيبِ قُرْصِهَا عَمَّنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَغِيبَ عَمَّنْ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إقْبَالُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» ، وَلَا عِبْرَةَ بِأَثَرِهَا وَهُوَ الْحُمْرَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَأَخَّرُ انْتَهَى. فَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ شُعَاعِهَا فِي الْجِدَارَاتِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ سُقُوطَهُ وَهُوَ الضَّوْءُ الْمُسْتَعْلِي كَالْمُتَّصِلِ بِهَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى خِلَافِ دَعْوَاهُ. ص (تُقَدَّرُ

بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ غَيْرُ مُمْتَدٍّ بَلْ يُقَدَّرُ بِمَا يَسَعُ فِعْلَهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا وَاخْتُلِفَ هَلْ وَقْتُهَا مُتَّحِدٌ، أَوْ مُمْتَدٌّ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ رِوَايَتَانِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ رِوَايَةُ الِاتِّحَادِ أَشْهَرُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ الِاتِّحَادُ هُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنَّهُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمَشْهُورِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ» ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ وَهِيَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ فِيهَا إذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ وَخَرَجْتُ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِب قَالَ فِي الطِّرَازِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ: يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا وَآخَرُ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إذَا غَابَ الشَّفَقُ يَكُونُ وَقْتًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا يَشْتَرِكُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ قَرْيَةٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَغِيبُ الشَّمْسُ، وَلَا مَاءَ مَعَهُ قَالَ إنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِهِ تَيَمَّمَ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَغِيبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ وَفِي الْبُخَارِيِّ: «إذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْل أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَهَا مُتَّسِعٌ، وَلِأَنَّهَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَهَذِهِ إمَارَةُ اتِّصَالِ وَقْتَيْهِمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا لَا يَتَّصِلُ وَقْتَاهُمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ انْتَهَى بِاخْتِصَارِ. وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ السَّائِلِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّمْسُ وَفِي الثَّانِي عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «إذَا صَلَّيْتُمْ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ» وَفِي رِوَايَةٍ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ وَقَوْلُهُ ثَوْرُ الشَّفَقِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: ثَوَرَانُهُ وَانْتِشَارُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَوْرُ بِالْفَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُغْرِبِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ لِلْمُقِيمِينَ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدُّوا الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يَنْزِلُوا وَيُصَلُّوا فَأَخَذَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ هَذَا أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ وَأَخَذَ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُتَيَمِّمِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَخَذَ أَيْضًا مِنْ تَأْخِيرِهَا لِلْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلْمُسَافِرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِمِقْدَارِ مَا تَكُونُ الْمَغْرِبُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَالْعِشَاءُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَوَاضِعَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أُخِذَ مِنْهَا أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ، وَرَدَّ الْأَخْذَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِلْمُسَافِرِ مِنْ بَابِ الْأَعْذَارِ وَالرُّخَصِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ. (قُلْتُ:) وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ قَالَ: وَكَذَلِكَ التَّأْخِيرُ لَيْلَةَ الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ لِلْعُذْرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي وَقَالَ: الصَّوَابُ أَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ هُنَا وَاضِحَةٌ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمُسَافِرِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ فَالْأَخْذُ مِنْهَا قَوْلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الْمَاءِ وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ إذَا خِيفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَجَازَ تَأْخِيرَهَا لِلشَّفَقِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالِامْتِدَادِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِامْتِدَادِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلِهِ الَّذِي فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قَرَأَهُ طُولَ عُمْرَهُ وَأَمْلَاهُ حَيَاتَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ لَفْظَ الْمُوَطَّإِ السَّابِقَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّيَمُّمِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَكَرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَوْلَهُ فِي كِتَابِ

الْجَنَائِزِ: إنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ فَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ، أَوْ بِالْمَغْرِبِ، وَقَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: إنَّهُ إذَا طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَرْكَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْمَغْرِبِ، أَوْ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الِاتِّحَادِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ شَاسٍ يُقَدِّرُ آخِرَهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَدْرُ مَا تَوَقَّعَ فِيهِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُرَاعَى مِقْدَارُ الطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ، وَاقْتَصَرَ مُصَنِّفُ الْإِرْشَادِ عَلَى هَذَا الَّذِي نَسَبَهُ ابْنُ رَاشِدٍ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ مُقَدَّرٌ بِفِعْلِهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ مَعْنَى الِاتِّحَادِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قُدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ خَلِيلٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْمَغْرِبَ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَاحِدٌ، وَلَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ تَقْدِيمَ الشُّرُوطِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ نَسَبَهُ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْإِرْشَادِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَنَسَبَهُ لِمَالِكٍ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) وَقْتُهَا مُقَدَّر بِفِعْلِ الطَّهَارَةِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا. (الثَّانِي) آخِرُ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حِينَ قَالَ لَا بَأْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمُدَّ الْمِيلَ وَنَحْوه. (الثَّالِثُ) آخِرُ وَقْتِهَا إذَا غَابَ الشَّفَقُ قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (الرَّابِعُ) آخِرُ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الشَّفَقِ قَالَهُ أَشْهَبُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ آخِرِ وَقْتِهَا آخِرَ مَا يَسَعُهَا بِغُسْلِهَا، أَوْ بِمَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، ثَالِثَهَا مَا يَسَعُهَا بَعْدَ مَغِيبِهِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَشْتَرِكَانِ. الْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَأَخَذَهُ أَبُو عُمَرَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ قَوْل الْمُوَطَّإِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَأَخَذَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّالِثُ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَشْهَبَ وَلَمْ يَحْكِ الْبَاجِيُّ فِي الِامْتِدَادِ غَيْرَهُ وَاعْتِبَارُ مَا يَسَعُهَا بِغُسْلِهَا لَازِمٌ لِوُجُوبِهِ وَعَدَمِهِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِوَقْتٍ مَا لَا يَسْعَهُ وَبِهِ يُفْهَمُ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ فَاعِلُهَا أَثَرَ الْغُرُوبِ وَالْمُتَوَانِي قَلِيلًا كِلَاهُمَا أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَرَوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مُصَرِّحًا بِاعْتِبَارِ قَدْرِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ مَعَهُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ الْأَغَرّ، وَالْأَقْوَالُ لِلْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ وَعَدَمُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا يَعْنِي عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قَدْرِ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ وَالْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ فَمَنْ كَانَ مُحَصِّلًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُهَا إثْرِ الْغُرُوبِ، وَلَوْ تَوَانَى بِهَا قَلِيلًا مَعَ تَحْصِيلِهِ لِشُرُوطِهَا إلَى مِقْدَارِ مَا يَسَعُ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَأْثَمْ وَكَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحَصِّلًا لِلشُّرُوطِ فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ. (قُلْتُ:) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مَعَ اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ قَدْرُ مَا لَا يَسَعُ الِاسْتِبْرَاءَ الْمُعْتَادَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ فَمَا حَدُّهُ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ فَذَكَرَ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ وَاللُّبْسِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَمِيعُ وَقْتِهَا بِمَنْزِلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الِامْتِدَادِ فَمَا حَدُّهُ؟ فَعِنْدَنَا مَا تَقَدَّمَ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا اعْتِبَارُ مَا تَقَدَّمَ وَثَانِيهمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ غُرُوبِ قُرْصِ الشَّمْسِ إلَى حِينِ الْفَرَاغِ لِلْمُقِيمِينَ وَيَمُدُّ الْمُسَافِرُ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ وَكَلَامُهُ يُوهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ

الطَّهَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ رِوَايَةَ الِاتِّحَادِ هِيَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ قَالَ فِيهَا وَالْمَغْرِبُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدَّ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي قُلْنَا فِي وَقْتِ الِافْتِتَاحِ أَمَّا وَقْتُ اسْتِمْدَادِهَا فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ اسْتِدَامَتِهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَالطُّورِ وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا وَالْمُرْسَلَاتِ» ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ وَقْتَهَا فِي الِاخْتِيَارِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ إلَى مَا بَعْدَ الشَّفَقِ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ مَا دَامَ الشَّفَقُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقْتًا لَهَا فِي الِاخْتِيَارِ لَمَا جَازَ كَمَا بَعْدَ الشَّفَقِ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ أَعْنِي أَنَّ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي الدُّخُولِ فِيهَا، وَأَمَّا امْتِدَادُهَا فَيَجُوزُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْعٌ: إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمَغْرِبَ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَمَا حَدُّهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ وَقْتٌ مُضَيَّقٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالْفِرَاعِ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ قَالَ سَنَدٌ أَمَّا وَقْتُ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهُ مُضَيَّقٌ، وَأَمَّا اسْتِدَامَتُهَا فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ اسْتِدَامَتِهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْوِيلُ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ غَيْرَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَحَكَى الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. (الثَّالِثُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ أَيْ: الْمُعْتَادَيْنِ فِي حَقِّ غَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَطْوِيلُ الْمُوَسْوِسِ، وَلَا تَخْفِيفُ النَّادِرِ مِنْ النَّاسِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَا يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالِاسْتِبْرَاءَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلَ فِي ذَلِكَ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ ذَلِكَ فِي غَالِبِ النَّاسِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَنْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْبَوْلُ بِسُرْعَةٍ وَبَالَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ اسْتِبْرَاؤُهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ فَكَيْفَ يَفْعَلُ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلُ فِي الْغَسْلِ فِي الْوُضُوءِ فَهَلْ يُؤَخِّرُهَا، وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ الْمَذْكُورِ؟ وَهَلْ يُقَالُ: إنَّهُمْ أَوْقَعُوهَا بَعْدَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، أَوْ إنَّ وَقْتَهَا مُقَدَّرٌ بِفِعْلِهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كُلِّ مُكَلَّفٍ؟ وَقَدْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقْتُهَا وَاحِدٌ مُضَيَّقٌ غَيْرُ مُمْتَدٍّ مُقَدَّرٌ آخِرُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ انْتَهَى. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهُوَ مَنْ بَالَ وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَهُ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بَعْدَ طُولٍ بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ، أَوْ الضَّرُورِيُّ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِهِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالسَّلَسِ أَوْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْبَوْلُ؟ وَهَلْ الْأَوْلَى لَهُ إذَا كَانَ مَحْصُورًا وَخَافَ أَنْ يَقَعَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، أَوْ يُزِيلُ عَنْهُ الضَّرُورَةَ؟ فَإِنْ وَقَعَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: فِي الرُّعَافِ وَالنَّجَاسَةِ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ، وَقَالُوا: إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِاشْتِغَالِهِ بِالْوُضُوءِ، أَوْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حُكْمٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَسِ أَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إنْ كَانَ ذَلِكَ مُلَازِمًا لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ تَسَاوَتْ مُلَازَمَتُهُ وَانْقِطَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ فَهُوَ نَاقِضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَسُئِلَ عَنْهَا شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ - أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ - فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى

يَنْقَطِعَ بَوْلُهُ، وَلَوْ أَدَّى لِخُرُوجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ وَالضَّرُورِيِّ وَلَا يُصَلِّيهَا مَعَ وُجُودِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ مُنَافٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الشُّغْلُ بِالْأَخْبَثَيْنِ عَنْ فَرْضٍ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ، وَلَا يُصَلِّي مَعَهَا فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ مُوجِبَةٌ لِإِعَادَتِهَا أَبَدًا، نَعَمْ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُشْغِلَةٍ عَنْ فَرْضٍ وَجَبَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَاجِبٌ فَلَا يُتْرَكُ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا: إنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ فَهَلْ تَشْتَرِكَ مَعَ الْعِشَاءِ أَوْ لَا؟ وَإِذَا قُلْنَا: بِالِاشْتِرَاكِ فَهَلْ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ بِقَدْرِ الْعِشَاءِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَدْرِ الْمَغْرِبِ؟ وَهَلْ يُجْزِئُ تَقْدِيمُ الْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى مَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ كُلُّ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى قَضِيَّةٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الِاشْتِرَاكِ وَعَدَمِهِ فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ لَيْسَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ هُوَ الْقَوْلُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَابْن الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَيَقُولَانِ إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُتَّحِدٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمَا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاكِ هَلْ هُوَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَغْرِبَ تُشَارِكُ الْعِشَاءَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْهُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِمَاذَا يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الشَّفَقِ انْتَهَى. (قُلْتُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْعِشَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا هَلْ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ؟ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَلِلْعِشَاءِ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ لِلثُّلُثِ الْأَوَّلِ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ شَرَعَ يُبَيِّنُ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَرَدَّ تَسْمِيَتَهَا بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الظَّلَامِ وَالْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَمْدُودًا أَوَّلُ الظَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ الْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ أَوَّلُ الظَّلَامِ وَذَلِكَ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْعَتَمَةِ وَالْعَشَاءُ بِفَتْحِهَا طَعَامُ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْعِشَاءَانِ الْمَغْرِبُ وَالْعَتَمَةُ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ كَانَ يَمُرُّ بِنَا فِي الْمَجَالِسِ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَشَى وَهُوَ ضَعْفُ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَضْعُفُ حِينَئِذٍ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَجَاءَ اسْمُهَا فِي الْحَدِيثِ الْعَتَمَةُ بِقَوْلِهِ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا» وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ عَتَمَةِ اللَّيْلِ وَهِيَ ثُلُثُهُ، وَأَصْلُهُ تَأْخِيرُهَا يُقَالُ: أَعْتَمَ الْقَوْمُ إذَا سَارُوا حِينَئِذٍ، وَالْعَتَمَةُ الْإِبْطَاءُ انْتَهَى. قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْعَتَمَةُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَتَمَةُ هُوَ الثُّلُثُ الْأَوَّلُ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، وَقَدْ عَتَمَ اللَّيْلُ يَعْتِمُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَعَتَمَتُهُ ظَلَامُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْعَتَمَةُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَتَنْتَهِي إلَى الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَأُطْلِقَتْ عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا تُوقَعُ فِيهَا انْتَهَى. وَالنَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً هُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ إلَّا أَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِحِلَابِ الْإِبِلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِالْعَتَمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالْعِشَاءُ أَحْسَنُ وَهُوَ قَوْلُ الرِّسَالَةِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَكْرَهُ تَسْمِيَتَهَا بِالْعَتَمَةِ وَاسْتُحِبَّ تَعْلِيمُ

الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ تَسْمِيَتَهَا الْعِشَاءَ وَأَرْجُو سَعَةَ تَكْلِيمِ مَنْ لَا يَفْهَمُهَا الْعِشَاءُ بِالْعَتَمَةِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ تَسْمِيَتُهَا بِهَا وَهُوَ نَقْلُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ كِتَابِ ابْنِ مُزَيِّنٍ مَنْ قَالَ فِيهَا عَتَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَخَذَهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَكْرَهُ تَسْمِيَتَهَا الْعَتَمَةَ وَأَسْتَحِبُّ تَعْلِيمَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ تَسْمِيَتَهَا الْعِشَاءَ وَأَرْجُو سَعَةَ تَكْلِيمِ مِنْ لَا يَفْهَمُهَا الْعِشَاءَ بِالْعَتَمَةِ ابْنُ رُشْدٍ مَنْ قَالَ فِيهِمَا عَتَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ فَتَكُونُ حَرَامًا وَقَوْلُ الشَّيْخِ وَتَسْمِيَتُهَا الْعِشَاءَ أَوْلَى خِلَافُهُمَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ الْكَرَاهَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْعَتَمَةُ قَالَ مَالِكٌ الصَّوَابُ مَا قَالَ اللَّهُ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الرِّوَايَةِ لَكِنْ عَبَّرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ هَذَا بِالْكَرَاهَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهُ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا وَصْفُهَا بِالْآخِرَةِ فِي قَوْلِهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَجَائِزٌ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ: الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ الْمُحَالِ قَوْلُ الْعَامَّةِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا إلَّا عِشَاءٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوصَفُ بِالْآخِرَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَصْفُهَا وَأَلْفَاظُهُمْ بِهَذَا مَشْهُورَةٌ انْتَهَى. وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ وَفِي بَابِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وَصْفِهَا بِالْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا مَغِيبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلًا لِمَالِكٍ أَنَّهُ الْبَيَاضُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ: أَكْثَرُ أَجْوِبَتِهِ فِي الشَّفَقِ أَنَّهُ الْحُمْرَةُ وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الْأَخْذَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ أَرَادَ مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَةُ وَالْبَيَاضُ أَبْيَنَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ شَعْبَانَ لَمَّا رَأَى هَذَا فِيهِ تَرَدُّدٌ وَمَا سِوَاهُ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَكْثَرَ أَقْوَالِهِ أَنَّهُ الْحُمْرَةُ دُونَ تَرَدُّدٍ فَلَا يُقْطَعُ بِصِحَّةِ مَا فَهِمَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرٌ، قَالَ ابْنُ نَاجِي وَنَقَلَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّهْذِيبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اعْتِبَارَ الْبَيَاضِ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَعْرِفُهُ قَالَ عِيَاضٌ وَالْقَوْلُ بِالْبَيَاضِ عِنْدِي أَبْيَنُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْفِقْهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ لِلْمَشْهُورِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ: الشَّمْسُ وَالشَّفَقَانِ، وَالطَّوَالِعَ ثَلَاثَةٌ: الْفَجْرَانِ وَالشَّمْسُ، وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْوَسَطِ مِنْ الطَّوَالِعِ فَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَسَطِ مِنْ الْغَوَارِبِ. الثَّانِي رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ رَقَبْتُ الْبَيَاضَ فَوَجَدْتُهُ يَبْقَى إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَوْ رَتَّبَ الْحُكْمَ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: وَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» ، وَهَذَا الِاسْمُ مُخْتَصٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِالْحُمْرَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ قَالَ الْفَرَّاءُ نَظَرَ أَعْرَابِيٌّ إلَى ثَوْبٍ أَحْمَرَ فَقَالَ: كَأَنَّهُ شَفَقٌ، وَمِنْهُ صَبَغْتُ ثَوْبِي شَفَقًا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: 16] : إنَّهُ الْحُمْرَةُ وَفِي

الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ فَقَدْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ مُبْتَدَأَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الِاخْتِيَارِيِّ لَا يَكُونُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ انْتَهَى. فَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ. (قُلْتُ:) لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُخَالِفُ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ وَقْتٌ مُخْتَارٌ يَجُوزُ إيقَاعُهَا فِيهِ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا قَالَ أَرْجُو أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَالَ فِي الطِّرَازِ، وَلَا تَخْتَلِفُ الْأُمَّةُ أَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ مُمْتَدٌّ وَاخْتُلِفَ فِي مُنْتَهَاهُ فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَالَ: ابْنُ حَبِيبٍ وَابْن الْمَوَّازِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِمَا يَدُلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. ص (وَلِلصُّبْحِ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِلْإِسْفَارِ الْأَعْلَى وَهِيَ الْوُسْطَى) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الْعِشَاءِ شَرَعَ يُبَيِّنُ وَقْتَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَهَا أَسْمَاءٌ مِنْهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ لِوُجُوبِهَا حِينَئِذٍ وَالصُّبْحُ وَالصَّبَاحُ أَوَّلُ النَّهَارِ، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحُمْرَةِ الَّتِي فِيهِ كَصَبَاحَةِ الْوَجْهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحُمْرَةِ الَّتِي فِيهِ، وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ ظُهُورِهِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَالْغَدَاةُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى الْغَدَاةَ وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى الْغَدَاةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا قَالَهُ غَرِيبٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَتُسَمَّى صَلَاةَ التَّنْوِيرِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ انْتَهَى. وَقَدْ يَسْقُطُ لَفْظُ الصَّلَاةِ فَتُسَمَّى الصُّبْحَ وَالْفَجْرَ وَالْغَدَاةَ وَتُسَمَّى الصَّلَاةَ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مُشْتَرِكَتَانِ يُقْصَرَانِ وَيُجْمَعَانِ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ كَذَلِكَ، وَالصُّبْحُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ نَهَارِيَّتَانِ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لَيْلِيَّتَانِ، وَوَقْتُ الصُّبْحِ مُسْتَقِلٌّ لَا مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَقَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَقَالَ الْجُزُولِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِهَا، وَقِيلَ: مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ يُجْهَرُ فِيهَا، وَقِيلَ: مِنْ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْأَكْلُ فِيهِ عَلَى الصَّائِمِ، وَقِيلَ: لَا مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ مِمَّا يَتَكَلَّمُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ هَلْ صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَائِلٍ إنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَيُحْكَى عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَأَنَّ مَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَحِلُّ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لِلصَّائِمِ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وَقَدْ ظَهَرَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَفِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ فَإِنْ اُحْتُجَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ الْمُنْكَرِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] وَآيَةُ النَّهَارِ الشَّمْسُ وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» فَنَقُولُ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ الشَّمْسَ آيَةُ النَّهَارِ وَهَلْ لَهُ آيَةٌ أُخْرَى مَا تَعَرَّضَتْ الْآيَةُ لِذَلِكَ بِنَفْيٍ، وَلَا إثْبَاتٍ، وَيُقَالُ: الْفَجْرُ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: لَمْ يُرْوَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ مُعْظَمُ النَّهَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْجُمَعِ وَالْعِيدَيْنِ غَيْرُ عَجْمَاءَ؟ وَذَكَرَ اسْتِدْلَالًا آخَرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ فَقَالَ: أَمَّا إنْ رَاعَيْنَا الْوَسَطَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ فَالصُّبْحُ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُقْتَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا لَا يُشَارِكُ وَقْتَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى قَالَ قَوْمٌ: وَإِنَّ وَقْتَهَا لَيْسَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ النَّهَارِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَهُوَ ابْتِدَاءُ النَّهَارِ، وَإِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَحُكِيَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَنَّ

صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ وَلَيْسَتْ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا وَفَسَادِ مَا خَالَفَهُ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتًا ثَالِثًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَكَّ الْعَالَمُ مِنْهُمَا فَإِذَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ ثَبَتَ أَنْ تَكُونَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الصُّبْحُ فَثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: 187] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هُوَ الصُّبْحُ الْمُنْفَلِقُ وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ فِي أَوْقَاتِ النَّوَافِلِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَصْلٌ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الضِّيَاءُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ بِالرَّاءِ أَيْ: الْمُنْتَشِرُ الشَّائِعُ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] وَقَالَ فِي الطِّرَازِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ شُبِّهَ بِالطَّائِرِ يَفْتَحُ جَنَاحَيْهِ وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَأَمَّا الْفَجْرُ الْأَوَّلُ فَيُقَالُ لَهُ الْمُسْتَطِيلُ بِاللَّامِ؛ لِأَنَّهُ يَصْعَدُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ قَالَ فِي الطِّرَازِ كَهَيْئَةِ الطَّيْلَسَانِ وَيُشْبِهُ ذَنَبَ السِّرْحَانِ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ فَإِنَّ لَوْنَهُ مُظْلِمٌ وَبَاطِنُ ذَنَبِهِ أَبْيَضُ وَشَبَّهَهُ الشُّعَرَاءُ مَعَ اللَّيْلِ بِالثَّوْبِ الْأَسْوَدِ الَّذِي جَيْبُهُ فِي صَدْرِهِ إذَا شُقَّ جَيْبُهُ وَبَرَزَ الصَّدْرُ، وَيُقَالُ: الْكَاذِبُ وَالْكَذَّابُ؛ لِأَنَّهُ يَغُرُّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْمُحَلِّفُ كَأَنَّ حَالِفًا يَحْلِفُ لَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَآخَرُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ هَذَا الْفَجْرِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَامُّ الْوُجُودِ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ خَاصُّ بِبَعْضِ الشِّتَاءِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمَجَرَّةُ فَمَتَى كَانَ الْفَجْرُ بِالْبَلْدَةِ وَنَحْوِهَا طَلَعَتْ الْمَجَرَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهِيَ بَيْضَاءُ فَيُعْتَقَدُ أَنَّهَا الْفَجْرُ فَإِذَا بَيَّنَتْ الْأُفُقَ ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا الظَّلَامُ ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الشِّتَاءِ فَتَطْلُعُ الْمَجَرَّةُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفَهُ فَلَا يَطْلُعُ آخِرَ اللَّيْلِ إلَّا الْفَجْرُ الْحَقِيقِيُّ انْتَهَى. وَنَازَعَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِيهِ لَمْ تُجِزْهُ بِلَا خِلَافٍ. (فَصْلٌ) وَاخْتُلِفَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ: (الْأُولَى) لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ. (الثَّانِيَةُ) لِلْأَكْثَرِ وَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقِيلَ: لِلْإِسْفَارِ الْأَعْلَى، وَقِيلَ: طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ مَعَ قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْهُورُ لِتَصْدِيرِهِ بِهِ وَعِطْفِهِ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ بِقِيلَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا صُدِّرَ بِهِ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْإِسْفَارُ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: أَيْ الْأَعْلَى وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، نَعَمْ يُوَافِقُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ: وَمَا رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بَعْدَ كَلَامِهِ: إنْ كَانَ ثَمَّ وَجْهٌ يُلْجِئُ إلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُخْتَصَرِ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي نَقْلِ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَصِحُّ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْإِسْفَارِ فَفَسَّرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِمَا تَتَبَيَّنُ بِهِ الْأَشْيَاءُ وَتَتَرَاءَى بِهِ الْوُجُوهُ وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفَسَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا إذَا تَمَّتْ الصَّلَاةُ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْإِسْفَارُ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ وَهُوَ يَقَعُ أَوَّلًا عَلَى انْصِدَاعِ الْفَجْرِ وَبَيَانِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» أَيْ: صَلُّوهَا عِنْدَ اسْتِبَانَةِ الصُّبْحِ

وَالْأَوَّلُ ظُهُورُهُ لَكُمْ وَالْإِسْفَارُ الثَّانِي هُوَ قُوَّةُ الْحُمْرَةِ وَالضِّيَاءِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَذَلِكَ آخِرُ وَقْتِهَا الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ إلَّا ظُهُورُ قُرْصِ الشَّمْسِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ وَقْتُ أَدَائِهَا، أَوْ وَقْتُ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الشَّيْخُ فِي الرِّسَالَةِ وَآخِرُ وَقْتِهَا الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي إذَا سَلِمَ مِنْهَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَتَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ يَرْجِعُ بِهِمَا إلَى وِفَاقٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي جَعَلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ آخِرَ الْوَقْتِ إسْفَارٌ مُقَيَّدٌ وَهُوَ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ الْإِسْفَارِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي مُقَيَّدٌ بِالْأَعْلَى قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ آخِرُ وَقْتِهَا إذَا أَسْفَرَ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَرَائِيَ الْوُجُوهِ لَا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ الَّذِي إذَا سَلِمَ مِنْهَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَفْسِيرُ أَبِي مُحَمَّدٍ إيَّاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ الَّذِي إذَا سَلِمَ مِنْهَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ يَرْجِعُ بِهِمَا إلَى وِفَاقٍ - نَظَرٌ؛ لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِهِ بِتَقْدِيرِ: الصَّلَاةُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا، وَكَوْنُ الْآخَرِ مَا بَعْدَ التَّمَامِ مَا بِهِ التَّمَامُ كَتَحْدِيدِهِمْ إيَّاهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ الرَّاجِعُ بِهِمَا إلَيْهِ نَصَّ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ آخِرُهُ الْإِسْفَارُ الَّذِي إذَا تَمَّتْ الصَّلَاةُ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ وَسَقَطَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ سَقَطَ الْوَقْتُ يَنْفِي احْتِمَالَ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ فَإِنِّي لَمْ أَفْهَمْهُ، وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ أَعْنِي قَوْلَهُ لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِهِ بِتَقْدِيرِ الصَّلَاةِ لَا بِجَوَازِ فِعْلِهَا يَعْنِي أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ بَيَانُ الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ الَّذِي ذَكَرَ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ اخْتِيَارٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ بَاقِي كَلَامِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ عِنْدَهُ وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ بِالْمَعْنَى فَقَالَ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ بِقَوْلِهِ آخِرَ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِيهِ وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْآخَرِ مَا بَعْدَ التَّمَامِ لَا مَا بِهِ التَّمَامُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ. (فَصْلٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهِيَ الْوُسْطَى فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ هِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ قَدْ قَالَ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَصَارَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هِيَ الْعَصْرُ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقِيلَ: هِيَ الظُّهْرُ حَكَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقِيلَ: إنَّهَا الْمَغْرِبُ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَتَادَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الْعِشَاءُ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ، وَقِيلَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ذَكَرَهُ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: هِيَ مُبْهَمَةٌ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لِيَجْتَهِدَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالسَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقِيلَ: هُمَا صَلَاتَا الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَعَزَاهُ الدِّمْيَاطِيُّ لِلْأَبْهَرِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهَا الْجُمُعَةُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهَا الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ مِقْسَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ حَكَاهُ الدِّمْيَاطِيُّ وَقَالَ حَكَاهُ لَنَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: الْأَضْحَى قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ حَكَاهُ لَنَا مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ الْمُطَوَّلَةِ، وَقِيلَ: صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ حَكَاهُ لَنَا أَيْضًا مَنْ حَكَى صَلَاةَ الْأَضْحَى، وَقِيلَ: إنَّهَا الْوِتْرُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهَا صَلَاةُ الضُّحَى قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ ذَاكَرْتُ فِيهَا أَحَدَ شُيُوخِي فَقَالَ أَظُنُّ أَنِّي وَقَفْتُ عَلَى قَوْلٍ أَنَّهَا صَلَاةُ

الضُّحَى فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهَذِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا ذَكَرَهَا شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى كَشْفَ الْغِطَاءِ فِي تَبْيِينِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَذَكَرَ السَّبْعَةَ الْأُوَلَ مِنْهَا صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ شَيْئًا مِنْ الْأَقْوَالِ الْأُخَرِ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ قَوْلًا أَنَّهَا الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق أَنَّهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيِّ وَقَالَ إنَّهُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ فَتَصِيرُ الْأَقْوَالُ عِشْرِينَ قَوْلًا. وَالْوُسْطَى تَأْنِيثُ الْوَسَطِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) الْمُخْتَارُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَقَوْلِهِ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] . (وَالثَّانِي) التَّوَسُّطُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَوْجُودٌ فِي الصُّبْحِ. أَمَّا فَضْلُهَا فَمَعْلُومٌ، وَأَمَّا كَوْنُهَا مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ فَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَتَى بِهِ مُرْتَضِيًا لَهُ وَمُحْتَجًّا بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ قَالَ وَذَكَرْتُ هَذَا فِي دَرْسِ شَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ فَخَالَفَنِي جَمِيعُ أَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ ارْتِضَاءً وَاسْتِدْلَالًا، وَقَالَ الشَّيْخُ: الصَّوَابُ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ بِلَا أَدَاءٍ لَمْ يَعْصِ إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ) . ش قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ يَجُوزُ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَزْمُ عَلَى الْأَدَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ إذَا لَمْ يَظُنَّ الْمَوْتَ أَيْ: لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ جَائِزٌ، وَلَا إثْمَ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ لَا يُقَالُ: شَرْطُ جَوَازِ التَّرْكِ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ إذْ لَمْ يُمْكِنْ الْعِلْمُ بِهَا فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا وَقْتُهُ الْعُمْرُ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ وَمَاتَ عَصَى وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى لَيْسَ بِغَالِبٍ عَلَى الظَّنِّ، وَلِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ. (قُلْتُ:) وَفِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ عَصَاهُ مَا أَخَّرَ عِنْدَهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ وَالشَّافِعِيُّ: الَّذِي لَمْ يَعْصَ الشَّابُّ لِكَوْنِهِ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِوَسَطِ الْوَقْتِ هُوَ مَا بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ لَا الْوَسَطُ الْحَقِيقِيُّ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ وَأَخَّرَهُ فَإِنَّهُ يَعْصَى وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ بِالْفِعْلِ فَإِنْ أَخَّرَ الْفِعْلَ عَصَى وَسَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ، أَوْ عَاشَ وَفَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، نَعَمْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا لَمْ يَمُتْ بَعْدَ أَنْ يَضِيقَ عَلَيْهِ الْوَقْتَ لِظَنِّهِ فَأَوْقَعَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُضَيَّقِ وَلَكِنَّ وَقْتَهَا بَاقٍ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا أَدَاءٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ إنَّهَا قَضَاءٌ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَصْلِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا، وَإِنْ عَصَى هُوَ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَعْصَى بِالتَّأْخِيرِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ فَالصَّلَاةُ أَدَاءٌ اتِّفَاقًا، وَلَا أَثَرَ لِلِاعْتِقَادِ الَّذِي تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ حَتَّى يُقَالَ: صَارَ وَقْتًا بِحَسَبِ ظَنِّهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَضَاءً لِئَلَّا يَلْزَمَ مَنْ جَعَلَ ظَنَّ الْمُكَلَّفِ مُوجِبًا لِلْعِصْيَانِ بِالتَّأْخِيرِ أَنْ يَخْرُجَ مَا هُوَ وَقْتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ كَوْنِهِ وَقْتًا وَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْقَضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ ثُمَّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَّرَهُ عَنْ الْوَقْتِ الْمَظْنُونِ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ وَالْآخَرُ أَخَّرَهُ عَنْ الْوَقْتِ الْمَظْنُونِ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ. (قُلْتُ:) وَيَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ اسْتِمْرَارَ الْوَقْتِ فَأَخَّرَ ثُمَّ فَعَلَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي ظَنِّهِ فَإِذَا هُوَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءً بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ قَالَهُ الرَّهُونِيُّ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْأَصْلِيِّ وَوَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّ وَقْتَ الْعِبَادَةِ قَدْ تَضِيقُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَكَأَنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا قَالَ

الرَّهُونِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يُرِيدَ وُجُوبَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالنِّزَاعُ فِي التَّسْمِيَةِ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ: (فَائِدَةٌ) اتَّضَحَ بِمَا تَحَرَّرَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَقِيلَ: هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ: (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالتَّوَسُّعِ فَهَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا يَأْثَمُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، أَوْ لَا يَأْثَمُ لِإِذْنِ الشَّرْعِ فِي التَّأْخِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ اهـ. وَيُرِيدُ بِهَذَا مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ وَانْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ حُلُولُو فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْفِهْرِيِّ وَالْأَنْبَارِيِّ كَلَامًا فِيهِ طُولٌ وَالْفِهْرِيُّ الطُّرْطُوشِيِّ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَارِكِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْقَاتِ مَنْ حَلَفَ عَلَى صَلَاةٍ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُهَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَاقَبٍ الَّذِي مَا صَلَّاهَا، وَلَا يَكْفُرُ بِتَصْمِيمِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي انْتَهَى. (قُلْتُ:) هُوَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَاقَبٍ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُعَاقَبٌ عَلَى تَصْمِيمِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالتَّصْمِيمَ عَلَيْهَا مَعْصِيَةٌ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا مَاتَ فَجْأَةً مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا) . ش لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى وَقْتِ فَضِيلَةٍ وَوَقْتِ تَوْسِعَةٍ شَرَعَ يُبَيِّنُ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ مِنْهُ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ بَقِيَّتَهُ وَقْتُ تَوْسِعَةٍ فَذَكَرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْفَذِّ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] وَمِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا الْإِتْيَانُ بِهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرَ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي خُلَاصَةِ الْأَحْكَامِ إنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفَانِ وَذَكَرَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا لِوَقْتِهَا وَإِيرَادُ النَّوَوِيِّ لَهُ فِي بَابِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ الدَّلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَكَذَا قَالَ فِيهِ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ فِيهِ الْبِدَارَ إلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إذَا أُقِيمَتْ لِوَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَوَّلًا وَلَا آخِرًا انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اسْتِحْبَابُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ احْتِيَاطًا لَهَا وَمُبَادَرَةً إلَى تَحْصِيلِهَا انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) زَادَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: " وَفِي وَسَطِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ " قَالَ الْحَافِظ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ وَقَالَ التَّيْمِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ذِكْرُ وَسَطِ الْوَقْتِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ رِضْوَانُ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ عَفْوِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ عَنْ الصِّدِّيق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَجَزَمَ بِهِ وَقَالَ وَقَوْلُهُ: " وَآخِرَهُ عَفْوُ اللَّهِ " يُرِيدُ بِهِ التَّوْسِعَةَ لَا عَلَى مَعْنَى الْعَفْوِ عَنْ الذَّنْبِ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ مُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ وَلَا يُنْسَبُ إلَى التَّقْصِيرِ فِي وَاجِبٍ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رِضْوَانُ اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنَيْنِ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ

لِلْمُقَصِّرِينَ. (فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِسْفَارُ بِالصُّبْحِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِسْفَارَ إسْفَارَانِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا انْتَهَى وَفِي التَّنْبِيهَاتِ نَحْوُهُ، وَالْمَعْنَى صَلُّوهَا حِينَ يَتَّضِحُ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَلَا يُشَكُّ فِيهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَقَدْ يُعْتَرَضُ هَذَا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْفَجْرِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ فِيهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ غَيْرَهَا أَعْظَمُ مِنْهَا أَجْرًا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّا لَمْ نُرِدْ حَالَةَ الْتِبَاسِهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنَّ وُضُوحَ الْفَجْرِ يَتَفَاوَتُ فَأُمِرَ الْمُصَلِّي بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوحِ التَّامِّ وَالْبَيَانِ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وُقُوعُ الْتِبَاسٍ، وَلَا يُشَكُّ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالصُّبْحِ قَالَ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُسَافِرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَتَرَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ؟ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ قَلِيلًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ تُؤَخَّرَ قَلِيلًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ فِعْلِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ. الثَّانِي أَنْ يَسْتَيْقِنَ دُخُولَ الْوَقْتِ وَيَتَمَكَّنَ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ خَفِيٌّ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِظُهُورِ زِيَادَةِ الظِّلِّ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا يَعْنِي ظُهْرًا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا إذْ لَمْ يَعْرِضْ فِي الْفَذِّ عَارِضٌ يَنْقُلُهُ إلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَقِيلَ: الْمُنْفَرِدُ كَالْجَمَاعَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ. (قُلْتُ:) هَكَذَا حَكَى الْبَاجِيّ عَنْ الْقَاضِي وَاَلَّذِي لَهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْمَعُونَةِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِلْجَمَاعَةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَذِّ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ التَّعْجِيلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الذِّرَاعِ لِعُمُومِ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى الظُّهْرَ وَالْفَيْءُ ذِرَاعٌ انْتَهَى.، وَلَمْ يَعْزُ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَوْلَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ إلَّا لِلْقَاضِي فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَذَّ وَالْجَمَاعَةَ سَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَإِلَيْهِ مَالَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَلَمْ يَتَلَفَّتُوا إلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، حَمَلَهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ حَمْلُهُ بِصَحِيحٍ وَخَصَّصَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي إبْرَادِ الْمُنْفَرِدِ بِالصَّيْفِ قَالَ: وَلَا يُبْرِدُ الْمُنْفَرِدُ فِي الشِّتَاءِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى عَزْوِ هَذَا الْقَوْلِ لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِالْمُنْفَرِدِ الْجَمَاعَةَ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا أَيْ: كَأَهْلِ الزَّوَايَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إلْحَاقُ اللَّخْمِيِّ الْجَمَاعَةَ الْخَاصَّةَ كَالْفَذِّ أَوَّلَ الْوَقْتِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَكَلَامُهُ فِي التَّبْصِرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْفَذُّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَوَّلُ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ إذَا اجْتَمَعَتْ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَكُونُوا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ حِينَئِذٍ، وَلَا يُؤَخِّرُونَ انْتَهَى. قَالَ فِي الشَّامِلِ وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: كَالْجَمَاعَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ أَهْلُ الرُّبُطِ وَالزَّوَايَا وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُمْ انْتَهَى. وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي كَلَامَ اللَّخْمِيِّ خِلَافًا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا كَأَهْلِ الرَّبْطِ وَالْمَدَائِنِ كَغَيْرِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ هِيَ كَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) تَعْلِيلُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِإِدْرَاكِ النَّاسِ الصَّلَاةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَدْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ

أَفْضَلَ، أَوْ وَاجِبًا كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَرَجَا وُجُودَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَكَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَتَأَخَّرَ مَجِيءُ الْقَصَّةِ وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَرَجَا وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ وَكَذَا مَنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ مَنَعَهُ الْقِيَامَ وَرَجَا إزَالَتَهُ فِي الْوَقْتِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ تَقْدِيمُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ ثُمَّ يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ وَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بَعْدَهَا، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ كَالْعَصْرِ وَالصُّبْحِ فَلَا وَهُوَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ:) أَمَّا الصُّبْحُ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا فَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا إلَّا بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ إنَّهُ يُؤَخِّرُهَا، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيَكُونُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا، وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ فِي خُصُوصِيِّهِ النَّفْلِ قَبْلَهَا فَيَنْبَغِي لِلْمُنْفَرِدِ الْمُبَادَرَةُ بِهَا، وَأَمَّا الْعَصْرُ فَقَدْ وَافَقَ الشَّيْخُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهَا كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا قَالَ إنَّ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظُّهْرَ كَذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا لِقَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنَّهُ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ النَّافِلَةِ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ الشَّهِيدُ فِي مَنَاسِكِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَوْرِيَّة الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ: الصَّلَاةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنْ عَجَّلَهَا فِيهِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَتَعْجِيلُهَا وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَأَدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» فَلَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بَعْدَ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى أَهْلُهُ فَجَائِزٌ أَنَّهُ يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ إنْ كَانَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ قَوْلُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَاءَ بِهِ عَلَى مَعْنَى الدَّلِيلِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ جَائِزٌ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَمَّا جَوَازُ ذَلِكَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَعَلَى مَنْعِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا قَدْرُ الْمَكْتُوبَةِ وَمَعَ الِاتِّسَاعِ فَمَا الْأَحْسَنُ فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلُهُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ أَتَى بِقَصْدِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَيْهَا وَطَالِبًا لَهَا فَيُرْجَى حُصُولُ الثَّوَابِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ بَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَ فِي سَعَةٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالنَّافِلَةِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْفَرِيضَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ فِعْلِ ابْنُ عُمَرَ فَفِي كَلَامِهِمْ مَيْلٌ إلَى تَرْجِيحِ الِابْتِدَاءِ بِالْفَرِيضَةِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، أَوْ فِيمَا إذَا مَضَى مِنْهُ جَانِبٌ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَالْأَوْلَى لَهُ الِابْتِدَاءُ بِالنَّافِلَةِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَأْكِيدِ طَلَبِهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ الْبُدَاءَةُ بِالنَّافِلَةِ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى جَمَاعَةٍ آخِرَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا أَفْضَلُ مِنْهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ رَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي آخِرِهِ فِي جَمَاعَةٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاخْتَارَ سَنَدٌ أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْجَمَاعَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فَذَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَجَزَمَ بِهِ الْبَاجِيُّ

فرع إيقاظ النائم للصلاة في وقتها

فِي الْمُنْتَقَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فَانْظُرْهُ. وَقَوْلُهُ وَعَلَى جَمَاعَةٍ آخِرَهُ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ جَمَاعَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ جَمْعِهِ آخِرَهُ بِلَفْظِ جَمْعٍ مُضَافًا إلَى الضَّمِيرِ وَفِي بَعْضِهَا جَمَاعَةٌ بِالتَّاءِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْجَمَاعَةِ تَقْدِيمُ غَيْرِ الظُّهْرِ وَتَأْخِيرُهَا لِرُبْعِ الْقَامَةِ) ش: هَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْأَفْضَلُ لِلْجَمَاعَةِ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى ذِرَاعٍ وَبَعْدَهُ فِي الْحَرِّ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ رَاجِعٌ إلَى الظُّهْرِ لَا إلَى الْبَعْدِيَّةِ أَيْ: الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ لَا الْجُمُعَةِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا تُوقَعُ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ اُسْتُحِبَّ تَعْجِيلُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَعْجِيلِهَا فِي غَيْرِهَا لِرِفْقِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ يُهَجِّرُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَكَرْتُهُ لِمَالِكٍ فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عَالِمٍ وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ وَهُوَ وَاسِعٌ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ حِصْنٍ عَلَى الصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَمْ يُقَاتَلُوا، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ قُوتِلُوا. ص (وَيُزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ) ش: قَالَ فِي الْعَارِضَةِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يُنْتَهَى بِالْإِبْرَادِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُنْتَهَى إلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَخَّرَ إلَى أَنْ كَانَ لِلتُّلُولِ وَالْجِدَارَاتِ فَيْءٌ يُسْتَظَلُّ بِهِ» وَذَلِكَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ. ص (وَإِنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ) . ش قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَمَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يُصَلِّ وَلْيَجْتَهِدْ وَيُؤَخِّرْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْوُقُوعَ قَبْلَهُ أَعَادَ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ يَعْنِي أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ إيقَاعِ الصَّلَاةِ كَوُجُوبِهَا فَلَا يَصِحُّ إيقَاعُهَا إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ بِعِلْمٍ، أَوْ ظَنٍّ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعِلْمِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْغَيْمِ أَنْ تُؤَخَّرَ الظُّهْرُ وَتُقَدَّمَ الْعَصْرُ وَتُؤَخَّرَ الْمَغْرِبُ حَتَّى لَا يُشَكَّ فِي اللَّيْلِ وَيُقَدَّمَ الْعِشَاءُ وَيُؤَخَّرُ الصُّبْحُ حَتَّى لَا يُشَكَّ فِي الْفَجْرِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ لَكِنَّ مَسَائِلَهُمْ تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الظَّنِّ الَّذِي فِي مَعْنَى الْقَطْعِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ مَعَ التَّحْقِيقِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ فَإِنْ كَشَفَ الْغَيْبُ عَنْ خِلَافِهِ بَطَلَتْ كَمَا إذَا صَلَّى شَاكًّا، وَلَوْ صَادَفَ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي سُنَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْغَيْمِ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَمُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: وَتَعْجِيلُ الْعَصْرِ أَيْ: بَعْدَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ وَقْتِهَا، وَكَذَلِكَ الْعِشَاءُ يُصَلِّيهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَغِيبُ الشَّفَقِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ وَيَتَحَرَّى ذَهَابَ الْحُمْرَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي تُشَارِكُ مَا قَبْلَهَا لَا يُؤَخِّرُهَا كَثِيرًا بَلْ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ صَلَّاهَا بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَا تُشَارِكُ مَا قَبْلَهَا كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ فَلَا يُصَلِّيهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ دُخُولَ الْوَقْتِ. [فَرْعٌ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا] (فَرْعٌ) قَالَ

النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ إيقَاظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ لِتُوتِرَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ غَيْرُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالضَّرُورِيُّ بَعْدَ الْمُخْتَارِ لِلطُّلُوعِ فِي الصُّبْحِ وَلِلْغُرُوبِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ) . ش تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْتَ يَنْقَسِمُ إلَى اخْتِيَارِيٍّ وَضَرُورِيٍّ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَمَعْنَى كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ أَصْحَابِ الضَّرُورَاتِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَيْهِ وَمَنْ أَخَّرَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ فَهُوَ آثِمٌ ثُمَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ: إنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا أَنَّ الْأَدَاءَ فِيهِ يَخْتَصُّ بِأَصْحَابِ الضَّرُورَاتِ فَمَنْ صَلَّى فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الضَّرُورَاتِ لَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا، وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ يَدْخُلُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَوَّلُ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ آخِرَهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الصَّلَوَاتِ فَفِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الظُّهْرَيْنِ لِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَفِي الْعِشَاءَيْنِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لِلصُّبْحِ مِنْ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلِلظُّهْرِ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْهَا إلَى الْغُرُوبِ وَلِلْعَصْرِ مِنْ الِاصْفِرَارِ إلَى الْغُرُوبِ فَمَا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ ضَرُورِيٌّ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلِلْمَغْرِبِ مِنْ بَعْدِ مُضِيِّ مَا يَسَعُهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلِلْعِشَاءِ مِنْ بَعْدِ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَمَا بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ ضَرُورِيٌّ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ يَدْخُلُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ مِنْ حِينِ تَضْيِيقِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ عَنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ صَارَ ضَرُورِيًّا فَيَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهُ اخْتِيَارِيٌّ ضَرُورِيٌّ نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا يُدْرِكُ بِهِ الْمُكَلَّفُ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ بِحَيْثُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فَلَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ بِرَكْعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَذَكَرَ عَنْ صَاحِبِ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِهِ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ يُدْرَكُ بِالْإِحْرَامِ فَقَطْ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى لَوْ صَلَّى مِنْ الظُّهْرِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي الْقَامَةِ الْأُولَى وَأَتَى بِالرَّابِعَةِ فِي الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ يُرِيدُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْقَامَةِ الْأُولَى، وَإِنَّ الثَّانِيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَصْرِ الثَّانِي قَوْلُهُ لِلطُّلُوعِ فِي الصُّبْحِ وَلِلْغُرُوبِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَى مِقْدَارِ تَمَامِ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الضَّرُورَةِ عَنْ رَكْعَةٍ خَرَجَ حِينَئِذٍ وَقْتُ الضَّرُورَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ وَقْتُ الضَّرُورَةِ مُمْتَدٌّ إلَى الْغُرُوبِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لَلَزِمَ أَنْ لَا يُدْرِكَ وَقْتَ الضَّرُورَةِ إلَّا بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً لَيْسَ إلَّا فَهُوَ مُدْرِكٌ لِوَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الصَّلَاةِ لَا تُدْرَكُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الضَّرُورَةِ قَدْ خَرَجَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ الضَّرُورِيَّ إلَى الْغُرُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ وَلِلْغُرُوبِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصْرَ لَا تَخْتَصُّ بِأَرْبَعٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ بَلْ تُشَارِكُهَا الظُّهْرُ فِي ذَلِكَ وَهَذِهِ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى. ص (وَتُدْرَكُ فِيهِ الصُّبْحُ بِرَكْعَةٍ لَا أَقَلَّ) . ش يَعْنِي أَنَّ الصُّبْحَ تُدْرَكُ فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ تَامَّةٍ

تنبيهات الركعة التي يكون بها مدركا للأداء أو الوجوب في الوقت

فَإِذَا أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ، وَلَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ السُّجُودِ بَلْ يَكْفِي إدْرَاكُ الرُّكُوعِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» انْتَهَى. (قُلْتُ:) يَعْنِي هَلْ الْمُرَادُ بِالرَّكْعَةِ الرَّكْعَةُ بِتَمَامِهَا، أَوْ الْمُرَادُ بِالرَّكْعَةِ الرُّكُوعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِمَشْهُورِيَّتِهِ انْتَهَى. [تَنْبِيهَاتٌ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُدْرِكًا لِلْأَدَاءِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَهَذِهِ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُدْرِكًا لِلْأَدَاءِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ هِيَ قَدْرُ مَا يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ وَيَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ قِرَاءَةً مُعْتَدِلَةً وَيَرْكَعُ وَيَرْفَعُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَيَطْمَئِنُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الطُّمَأْنِينَةَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَكْفِيهِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامُ لَهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قِرَاءَةً مُعْتَدِلَةً وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيُخْتَلَفُ هَلْ تُقَدَّرُ الطُّمَأْنِينَةُ أَمْ لَا عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَتَرَدَّدَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْجُلِّ هَلْ يُرَاعَى قَدْرُهَا فِي الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَقْدِيمَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَوْ لَا يُرَاعَى إذْ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا؟ خَلِيلٌ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تُؤَخِّرَ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. (قُلْتُ) الَّذِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ تَرَدُّدٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّرَدُّدُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي الْجُلِّ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَرَّعَ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرَدُّدِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي الْجُلِّ التَّرَدُّدُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي رَكْعَةٍ فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُ اللَّخْمِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِهَا أَيْ: الرَّكْعَةِ بِقِرَاءَتِهَا وَطُمَأْنِينَتِهَا قَوْلُ الْقَاضِي مَعَ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهَا يُقْتَضَى، جَزْمَ اللَّخْمِيِّ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ التَّرَدُّدُ نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ: وَأَرَى أَنْ يُرَاعَى قَدْرُ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ " الْحَمْدُ " عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُعْتَدِلَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَخْتَلِفُ هَلْ تُقَدَّرُ الطُّمَأْنِينَةُ فَمَنْ قَالَ الطُّمَأْنِينَةُ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَدَّرَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُرَاعَى أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ " الْحَمْدُ " عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِسُجُودِهَا دُونَ الْقِرَاءَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: لَهُ اقْرَأْ بِهَا فِي بَاقِي الصَّلَاةِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِي أَنْ أُعَجِّلَهَا وَأُقَدِّمَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى وَإِذَا أَعْجَلْتُهَا لَمْ أُدْرِكْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي الْوَقْتِ فَيَسْقُطُ عَنِّي الْخِطَابُ بِهَا انْتَهَى. (الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ أَوْ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ تَخْرِيجٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ. (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ السُّورَةَ فِي رَكْعَةٍ خَرَجَ الْوَقْتُ أَنَّهُ يَتْرُكُ قِرَاءَةَ السُّورَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى ظَنَّهُ وَيَبْقَى النَّظَر فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ السُّورَة فِي الرَّكْعَةِ وَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ فَهَلْ يَقْرَأُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ بِرَكْعَةٍ، أَوْ يُقَالُ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ السُّورَةَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ بَعْضِ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْوِتْرِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِيهِمَا الصُّبْحَ وَيَتْرُكُ الْوِتْرُ عَلَى الْمَشْهُورِ مَعَ أَنَّهُ أَوْكَدُ السُّنَنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتْرُكُ السُّورَةَ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فِي الْوَقْتِ، نَعَمْ إذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مِنْ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ

يتعلق بإدراك الركعة أحكام

فَإِنَّهُ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُولَى أَمْ لَمْ يَقْرَأْهَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) هَذَا حَدُّ الرَّكْعَةِ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا الْأَدَاءَ، أَوْ الْوُجُوبَ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ، وَأَمَّا الرَّكْعَةُ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَهِيَ أَنْ يُكَبِّرَ لِإِحْرَامِهِ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعَ وَيُمَكِّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ مَا لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ قَائِمًا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَهَا وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ أَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُهَا بِرَكْعَةٍ " وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [يَتَعَلَّقُ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَحْكَامٌ] (الْخَامِسُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَتَعَلَّقُ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَحْكَامٌ: (الْأَوَّلُ) مَنْ زَالَ عَنْهُ الْعُذْرُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ رَكْعَةٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ (الثَّانِي) إذَا حَصَلَ الْعُذْرُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ رَكْعَةٍ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ. (الثَّالِثُ) إذَا سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. (الرَّابِعُ) إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مَحَلَّ الْإِقَامَةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ. (الْخَامِسُ) إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَالصَّلَاةُ كُلُّهَا أَدَاءٌ. وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الْأَحْكَامِ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ. (السَّادِسُ) إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ. (السَّابِعُ) إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ إمَامًا، وَلَا مَأْمُومًا وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ فِي فَصْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. . (الثَّامِنُ) إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْإِمَامِ سَوَاءٌ أَدْرَكَ مُوجِبَهُ أَمْ لَا، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ السَّهْوِ. (التَّاسِعُ) إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ. الْعَاشِرُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَسَلَامُهُ كَسَلَامِ الْمَأْمُومِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالشَّيْخُ زَرُّوق وَغَيْرُهُمْ عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا لَفْظُهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فَسَلَامُهُ كَسَلَامِ الْمُنْفَرِدِ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَسْبُوقِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ وَكَلَامُ النَّوَادِرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَدَّ مُقْتَدٍ عَلَى إمَامِهِ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) إذَا أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي فَصْلِ صَلَاةِ السَّفَرِ. (الثَّانِيَ عَشَرَ) مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَمَنْ أَدْرَكَ دُونَهَا صَلَّى ظُهْرًا أَرْبَعًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) الرَّاعِفُ إذَا أَكْمَلَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَيْهَا، وَأَمَّا الرَّكْعَةُ الَّتِي لَمْ يُكْمِلْهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَيْهَا بَلْ يَبْتَدِئُهَا مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الرُّعَافِ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِثْمُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِذَا نُوِّعَتْ مَسَائِلُ إدْرَاكِ وَقْتِ الْوُجُوبِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْعُذْرِ وَمَسَائِلُ سُقُوطِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ حُصُولِ الْعُذْرِ بِحَسَبِ الْأَعْذَارِ الْآتِي ذِكْرُهَا زَادَ عَدَدُ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ نَوَّعَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بَعْضَ مَسَائِلِ الْأَعْذَارِ فَعَدَّ الْأَحْكَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْكُلُّ أَدَاءٌ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ

فرع فاجأ المرأة الحيض في الصلاة

بِهِ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ حُلُولُو التُّونُسِيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَدَاءُ فِعْلُ بَعْضٍ، وَقِيلَ: كُلَّمَا دَخَلَ وَقْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَمُقَابِلُهُ عِنْدَنَا مَا صَلَّى فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا صَلَّى مِنْهَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَدَاءَ فِعْلُ كُلِّ الْعِبَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ وَمِمَّا يَنْبَنِي عِنْدِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مِنْ الْمَسَائِلِ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِيمَا يُصَلِّي مِنْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ فَإِنَّا نَشْتَرِطُ فِي الْمَشْهُورِ الْمُوَافَقَةَ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ صَلَّى الْأُولَى فِي الْوَقْتِ فَلَا يَقْتَدِي بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ كُلَّهَا أَدَاءٌ، وَصَلَاةَ الْمَأْمُومِ كُلَّهَا قَضَاءٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا كُلَّهَا قَضَاءٌ يَصِحُّ وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذِهِ قَضَاءٌ وَالْأُولَى أَدَاءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ بَابِ الْكُلِّ، أَوْ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَمِنْهَا إذَا نَوَى الْإِمَامَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَهُ هَلْ هُوَ كَمَا لَوْ نَوَى فِي الْوَقْتِ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: (فَإِنْ قُلْتَ) إمَامٌ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ وَيَدْخُلُ مَعَهُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ؟ (قُلْتُ:) نَعَمْ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ مِنْ الْوَقْتِ رَكْعَةً فَصَلَّى الْأُولَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَّى الثَّانِيَةَ بَعْدَ طُلُوعِهَا فَدَخَلَ مَعَهُ رَجُلٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ اُنْظُرْ مَسَائِلَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ قَدَّاحٍ انْتَهَى. وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ لِابْنِ قَدَّاحٍ هُوَ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْهُ وَنَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْأُخْرَى بَعْدَ طُلُوعِهَا وَدَخَلَ مَعَهُ رَجُلٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يَدْخُلُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ أَمْ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّ إحْدَاهُمَا تَنُوبُ عَنْ الْأُخْرَى انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إثْرَهُ: (قُلْتُ:) يَتَخَرَّجُ عِنْدِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَلْ الصَّلَاةُ كُلُّهَا أَدَاءٌ، أَوْ قَضَاءٌ؟ وَهَذَانِ مُخَرَّجَانِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالثَّالِثُ مَا أَدْرَكَهُ أَدَاءٌ وَمَا لَمْ يُدْرِكْهُ قَضَاءٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فَيَنْوِي الْمَأْمُومُ مَا نَوَاهُ إمَامُهُ انْتَهَى، فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ الشَّيْخِ حُلُولُو. [فَرْعٌ فاجأ الْمَرْأَة الْحَيْض فِي الصَّلَاة] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَائِلِ الْمُنْتَقَى إذَا ثَبَتَ أَنَّ إدْرَاكَ وَقْتِ الْعَصْرِ يَكُونُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: فَإِذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِالْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا كَانَتْ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَاضَتْ فَإِنَّهَا تَقْضِي الْعَصْرَ؛ لِأَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ رَأَيْت لِأَصْبَغَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقْضِي وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَأَثِمَ إلَّا لِعُذْرٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَيَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ إذَا أَخَّرَهَا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا، وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِيهَا اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ الْمُسْتَحَبِّ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَهُوَ فِي الْقَامَةِ الظُّهْرُ وَالْقَامَتَانِ، أَوْ الِاصْفِرَارُ فِي الْعَصْرِ وَمَغِيبُ الشَّفَقِ فِي الْمَغْرِبِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ وَانْقِضَاءُ نِصْفِ اللَّيْلِ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالْإِسْفَارُ فِي الصُّبْحِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى أَنَّ لَهَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لِصَلَاتِهِ مُفَرِّطٌ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ حِفْظِهَا وَرِعَايَتِهَا آثِمٌ لِتَضْيِيعِهِ وَتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا غَيْرَ قَاضٍ، وَأَمَّا تَرْكُهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُوَ مِنْ الْغَيِّ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59] الْآيَةَ وَإِضَاعَتُهَا عَلَى مَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ تَأْخِيرُهَا عَنْ مَوَاقِيتِهَا وَالْغَيُّ بِئْرٌ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَقِيلَ: الْخُسْرَانُ، وَقِيلَ: الشَّرُّ انْتَهَى. [فَرْعٌ صَلَاة الرَّسُول يَوْم الْوَادِي وَيَوْم الْخَنْدَق] (فَرْعٌ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ هَلْ يُقَالُ: فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْوَادِي وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ أَدَاءٌ، أَوْ قَضَاءٌ فَأَجَابَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ مَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ لَا أَدَاءٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى الْحَيْضِ مَا نَصُّهُ لَا يَسْتَوِي

فرع احتلم بعد العصر

فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا وَفِعْلُهَا بَعْدَ وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ مَعْذُورًا بِالتَّأْخِيرِ فَالْعُذْرُ إنَّمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ مَعَ وُجُودِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا وَفِعْلَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا مُتَسَاوٍ فِي الثَّوَابِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّ مَنْ نَامَ وَاسْتَرْسَلَ عَلَيْهِ النَّوْمُ، أَوْ غَلَبَهُ السَّهْوُ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَنَّهُ يَقْضِي، وَلَا يَكُونُ أَجْرُهُ كَأَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي هَذَا أَنَّ الْحَيْضَ عُقُوبَةٌ عَلَى النِّسَاءِ فِي مَنْعِهِنَّ بِسَبَبِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْ الصِّيَامِ فِي وَقْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصِبَا) ش: الصِّبَا بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْمَدِّ وَبِكَسْرِهَا وَالْقَصْرِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَلَوْ صَلَّى ثُمَّ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ لِمَا يُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً بَعْدَ الطَّهَارَةِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي الصَّبِيِّ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ احْتَلَمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى. [فَرْعٌ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ نَفْلٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْتُ:) نَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ: عَدَمُ إعَادَتِهِمَا عَنْ الْمَذْهَبِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة فَلْيُنْظَرْ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَنَوْمٍ) ش: قَالَ الْبَاجِيّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَرْقُدْ» الْحَدِيثَ هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ الْغَالِبَ لَا يَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنْ جَرَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَكَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ السَّعَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِ النُّعَاسُ وَيُدْرِكُ صَلَاتَهُ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ فَلْيَرْقُدْ لِيَتَفَرَّغَ لِإِقَامَةِ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ رَقَدَ فَاتَتْهُ فَلْيُصَلِّ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ وَلْيُجْهِدْ نَفْسَهُ فِي تَصْحِيحِ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَرْقُدْ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَتَى مِنْهَا بِالْفَرْضِ وَإِلَّا قَضَاهَا بَعْدَ نَوْمِهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ صَلَّى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَانَ مَنْ يُوقِظُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثَّانِي وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَمِنْهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَقَالَ لَعَلَّهُ يُصْبِحُ مَغْلُوبًا وَفِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كَانَ يُصَلِّي أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ النَّوْمُ فَلْيَرْقُدْ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ يَأْتِيهِ الصُّبْحُ وَهُوَ نَاعِسٌ فَلَا يَفْعَلْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُدْرِكُهُ فُتُورٌ وَكَسَلٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا قِيَامُ جُلِّ اللَّيْلِ إذَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي قِيَامِ جَمِيعِهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يُصَلِّي الصُّبْحَ إلَّا وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ، فَيَحْصُلُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي قَدْ نُهِيَ عَنْهَا، أَوْ يَرْقُدَ فَتَفُوتَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً وَذَلِكَ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ قَالَ الْمَشَايِخُ وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ غَيْرِ حَالَةٍ غَالِبَةٍ لَيْسَ شَأْنَ السَّلَفِ، هَذَا وَإِذَا أَدَّى لِفَوَاتِ الْجَمَاعَةِ يُكْرَهُ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى لِفَوَاتِ الْوَقْتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَوْ تَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ سُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبُ أَهْلِهِ إلَّا بِلَيْلٍ وَإِذَا فَعَلَ أَخَّرَ أَهْلُهُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا

لِتَكَاسُلِهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَدَّى إلَى إخْلَالِهَا بِالصَّلَاةِ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ لَيْلًا وَيَأْمُرَهَا بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ فَإِذَا أَطَاعَتْ فَقَدْ سَعِدَ وَسَعِدَتْ وَإِذَا خَالَفَتْ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ. (قُلْتُ:) قَوْلُهُ لِئَلَّا يَحْتَمِلَ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا مَقْصُودًا إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ غُسْلٌ وَلَا صَلَاةٌ فَلَا يَتْرُكُ مَا وَجَبَ لَهُ لِمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا، وَهَذَا نَحْوٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَظُنُّهُ فِي حَدِيثِ الْوَادِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنَامَ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ جُوِّزَ أَنَّ نَوْمَهُ يَبْقَى حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصُّبْحِ إذْ لَا يَتْرُكُ أَمْرًا جَائِزًا لِشَيْءٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، أَوْ يُصَلِّيَهَا، وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَطَأُ الْمُسَافِرُ زَوْجَتَهُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِمَا وَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ: " أَدَّى مَا عَلَيْهِ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ طَلَاقُهَا إذَا كَانَتْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا، أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا الضَّرُورِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَخَرَّجَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ هَلْ هُوَ مُرْتَدٌّ أَوْ لَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاصٍ فَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ طَلَاقُهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَهِجْرَانِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْوَادِي قَالَ عِيَاضٌ فِيهِ النَّوْمُ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ خَشِيَ الِاسْتِغْرَاقَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ انْتَهَى. ص (أَوْ ذَكَرَ مَا يُرَتَّبُ) ش: قَالَ فِي الْمُنْتَقَى مَسْأَلَةٌ، وَلَوْ أَنَّ مُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا قَبْلَ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي نَسِيَ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقْتٌ لِلصَّلَاتَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا صَلَّى مَا أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْوَقْتِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ فِي كِتَاب مُحَمَّدٍ لَا يُصَلِّي ظُهْرًا وَلَا عَصْرًا وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يُصَلِّي مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ رَوَاهُ الْقَاضِي إِسْحَاقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ وَاسْتَوْعَبَتْ الصَّلَاةُ الْأُولَى الْوَقْتَ سَقَطَ فَرْضُ مَا بَعْدَهَا لَمَّا كَانَتْ أَحَقَّ بِالْوَقْتِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مُغْمًى عَلَيْهِ أَدْرَكَ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهَا الْفَائِتَةُ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ الْوَقْتَ مُخْتَصٌّ بِهَا وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ أَوْ إحْدَاهُمَا صَلَّى مَا أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَيُخْتَلَفُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى كَمَا يُخْتَلَفُ إذَا فَاتَا جَمِيعًا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الْجَارِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ ص (وَأَسْقَطَ عُذْرٌ حَصَلَ غَيْرَ نَوْمِ وَنِسْيَانِ الْمُدْرِكِ) . ش ذَكَرَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ عَنْ الرَّهُونِيُّ شَارِحِ الرِّسَالَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا: وَإِنْ حَاضَتْ الْأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ أَنَّهَا لَوْ أَخَّرَتْ ذَلِكَ عَامِدَةً عَالِمَةً بِأَنَّهُ يَوْمُ حَيْضَتِهَا لَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَقَالَ كَذَلِكَ مَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْإِفْطَارِ يُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ يَحُجُّ بِهِ فَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَجُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الشَّيْخَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ وَالْجُزُولِيَّ وَنَقَلْتُ كَلَامَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْخُلَطَاءِ وَأَنَّ الْحَائِضَ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْأَوْقَاتِ وَكَلَامَ التَّوْضِيحِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَقِيلَ: قَاضٍ

إلَخْ، فَإِنَّهُ بَدَأَ بِأَنَّهَا لَا تَقْضِي، وَلَوْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَامِدَةً مِنْ غَيْرِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ، وَلَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَامِدًا وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ ص (وَأُمِرَ صَبِيٌّ بِهَا لِسَبْعٍ وَضُرِبَ لِعَشْرٍ) . ش يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ» وَعَنْ شُبْرُمَةَ بْنِ مَعْبَدِ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَشُبْرُمَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْجُهَنِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إلَى جُهَيْنَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ وَيُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» انْتَهَى. وَهَكَذَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ يُقَالُ: أَثْغَرَ الصَّبِيُّ بِسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ إذَا سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ وَإِذَا نَبَتَتْ، وَقِيلَ: أَثْغَرَ وَثَغَرَ إذَا سَقَطَتْ وَاثَّغَرَ بِالتَّشْدِيدِ إذَا نَبَتَتْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ وَيُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا وَهُوَ حِينَ تُنْزَعُ أَسْنَانُهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرَ الصَّبِيُّ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ وَأُدِّبَ عَلَيْهَا، وَلَا يُضْرَبُ بَعْضَ الضَّرْبِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ، وَلَا يُضْرَبُ بَعْضَ الضَّرْبِ الَّذِي يَضْرِبُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَيَتَعَدَّى فِي الضَّرْبِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يُؤَدَّبُ إذَا أَثْغَرَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: إنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ إذَا أَثْغَرُوا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْضًا وَقَالَ عِيسَى حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ قَالَ عِيسَى وَبِهِ أَخَذَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ مَعَ الْحَدِيثِ وَاتِّبَاعُ ظَاهِرِهِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عِيسَى انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا وَفِي تَفْرِقَتِهِمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَأَدَبِهِمْ عَلَى تَرْكِهَا حِينَئِذٍ، أَوْ إذَا بَلَغُوا الْعَشْرَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ سَمَاعِ عِيسَى وَالثَّانِي ابْنُ رُشْدٍ مَعَ عِيسَى مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِيَ فِي الثَّانِي انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَقَوْلُهُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالصَّوَابُ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ فِي كِلَا السَّمَاعَيْنِ ذَكَرَ الضَّرْبَ وَالتَّفْرِقَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ضِيقِ الِاخْتِصَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَشَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا مَعَ هَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤْمَرُ فِيهِ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَقِيلَ: بِظَاهِرِهِ، وَقِيلَ: إذَا مَيَّزَ الْحَسَنَاتِ مِنْ السَّيِّئَاتِ؛ لِأَنَّ كَاتِبَ الْحَسَنَاتِ عَنْ يَمِينِهِ وَكَاتِبَ السَّيِّئَاتِ عَنْ شِمَالِهِ ذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ التَّادَلِيُّ انْتَهَى وَنَحْوُهُ لِلْفَاكِهَانِيِّ وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ يُضْرَبُونَ لِسَبْعٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَعَزَاهَا صَاحِبُ الطِّرَازِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ يُؤَدَّبُونَ بِغَيْرِ ضَرْبٍ قَبْلَ الْعَشَرَةِ وَعِنْدَ الْعَشَرَةِ يُضْرَبُونَ انْتَهَى. وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ وَسَمَاعُ عِيسَى قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرَ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤَدَّبُ فِيهِ عَلَى تَرْكِهَا وَمَتَى

يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ هَلْ ذَلِكَ إذَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ، أَوْ حِينَ يَبْلُغُونَ عَشْرَ سِنِينَ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَثْغَرَ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ وَأُدِّبَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحِينَئِذٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ «مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَتَجَرَّدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ أَبَوَيْهِ وَلَا مَعَ إخْوَتِهِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ وَلَيْسَ هَذَا بِحَسَنٍ وَأَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا جُمْلَةً وَسَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا، أَوْ إنَاثًا فَإِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ لِسَبْعٍ حَسُنَ. وَإِنْ أَخَّرَ لِعَشْرٍ فَوَاسِعٌ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ وَكَرِهَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهَا وَقَالَا أَرْشِهِ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ أَنْ أُرْشِيَ ضُرِبَ عَلَيْهَا انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) جَعَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إذَا أَثْغَرَ مُغَايِرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ قَالَ: لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مُغَايَرَتَهُمَا فِي بَابِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا. (قُلْتُ:) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَنْ شَيْخِهِ يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَاجِعًا لِأَوَّلِ الْحَدِيثِ وَابْنُ وَهْبٍ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ. (الثَّالِثُ) الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ كُلِّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِبُلُوغِهِ السَّبْعَ دُخُولُهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِبُلُوغِ الْعَشْرِ دُخُولُهُ فِيهَا لَا إكْمَالُ السَّبْعِ وَإِكْمَالُ الْعَشْرِ وَنُصُوصُهُمْ الْمُتَقَدِّمَةُ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ فَبَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ لَا بَعْدَ إكْمَالِهَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ بِالتَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) هَلْ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ الصِّبْيَانُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ؟ فَقِيلَ: إنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ وَإِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُخَاطَبُ بِنَدْبٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الصِّبْيَانُ وَإِنَّ الْبُلُوغَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ لَا فِي الْخِطَابِ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي الْمَوَاقِيتِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّبِيَّ يُنْدَبُ وَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْمَنْدُوبَاتِ إذَا فَعَلَهَا لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ، وَلَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِنَدْبٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ الْمُخَاطَبُ الْوَلِيُّ، وَأَمْرُ الصَّبِيِّ بِالْعِبَادَاتِ عَلَى سَبِيل الْإِصْلَاح كَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» . (وَالْجَوَابُ) أَنَّ حَدِيثَ الْخَثْعَمِيَّةِ أَخُصُّ مِنْ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ قَالَ: وَأَمَّا التَّمْيِيزُ فَهُوَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إجْمَاعًا، فَالصَّبِيُّ قَبْلَ التَّمْيِيزِ كَالْبَهِيمَةِ لَا يُخَاطَبُ بِإِبَاحَةٍ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى. (قُلْتُ:) وَهَذَا جَارٍ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ هُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ: إنَّ الصَّغِيرَ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ وَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْخِيَارِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ إنَّ الْمُرَاهِقَ لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبٍ، وَلَا يُثَابُ عَلَى طَاعَاتِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَاتِهِ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ تَضْعِيفُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُفْيَانَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَزَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْبَكَّاءُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ فِي النِّكَاحِ قَالَ عُمَرُ: يُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ حَسَنَاتُهُ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ خِلَافُ هَذَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ انْتَهَى كَلَام الْمُقْرِي وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَاتِ

لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى شُرُوطِ التَّكْلِيفِ: لِلصَّبِيِّ حَالَانِ: حَالٌ لَا يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَهُوَ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِعِبَادَةٍ، وَلَا مَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ. وَحَالٌ يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ فِيهَا مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ وَلِيَهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِتَعْلِيمِهِ وَتَدْرِيبِهِ وَالْمَأْجُورُ عَلَى ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذَتْ بِضَبْعَيْ الصَّبِيِّ وَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» ، وَهَذَا وَاضِحٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الصَّغِيرُ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ إلَى الْقُرَبِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْوَلِيُّ يُنْدَبُ لِذَلِكَ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ هُمَا جَمِيعًا مُخَاطَبَانِ مَأْجُورَانِ؟ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمْ الْمَأْمُورُونَ أَوْ الْأَمْرُ لَهُمْ وَلِلصِّبْيَانِ فَهَلْ الْوَلِيُّ مَأْمُورٌ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ؟ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ النَّدْبُ وَأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْأَقْفَهْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ. (السَّادِسُ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ فَاخْتُلِفَ فِي ثَوَابِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ: لِلصَّبِيِّ، وَقِيلَ: لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَاخْتُلِفَ لِمَنْ أَجْرُ الصَّلَاةِ فَقَالَ لِوَالِدَيْهِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ لِلْأَبِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأُمِّ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا كُلَّهُ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَكُونُ لِلصَّبِيِّ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لِوَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: إنَّ الصِّبْيَانَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَتَفَاوَتُ الْكِبَارُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] انْتَهَى. (السَّابِعُ) مَعْنَى التَّفْرِقَةِ فِي الْمَضَاجِعِ قَالَ الْمَوَّاقُ قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِرَاشٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ ثَوْبٌ حَائِلٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَتَجَرَّدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَلَا مَعَ إخْوَتِهِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ وَلَيْسَ هَذَا بِحَسَنٍ وَأَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا جُمْلَةً وَسَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا، أَوْ إنَاثًا، أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَإِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ لِسَبْعٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَخَّرَ لِعَشْرٍ فَوَاسِعٌ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ انْتَهَى. (الثَّامِنُ) قَالَ الْمَوَّاقُ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّأْدِيبِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ انْتَقَلَ إلَى الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ: " وَعَلَيْهِ أَنْ يَزْجُرَ الْمُتَخَاذِلَ فِي حِفْظِهِ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُعَلِّمِينَ لِلصَّبِيِّ يَا قِرْدُ يَا عِفْرِيتُ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ انْتَقَلَ لِلضَّرْبِ، وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ دُونَ تَأْثِيرٍ فِي الْعُضْوِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ زَادَ إلَى عَشْرٍ " قَالَ وَمَنْ نَاهَزَ الْحُلُمَ وَغَلَظَ حَلْقُهُ، وَلَمْ تَرْدَعْهُ الْعَشَرَةُ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا. (قُلْتُ:) الصَّوَابُ اعْتِبَارُ حَالِ الصِّبْيَانِ شَاهَدْتُ بَعْضَ مُعَلِّمِينَا الصَّالِحِينَ يَضْرِبُ الصَّبِيَّ فَوْقَ الْعِشْرِينَ وَأَزْيَدَ وَكَانَ مُعَلِّمُنَا يَضْرِبُ مَنْ عَظُمَ جُرْمُهُ بِالْعَصَا فِي سَطْحِ أَسْفَلِ رِجْلَيْهِ الْعِشْرِينَ وَأَكْثَرَ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ يَضْرِبُونَ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ عَلَى الظَّهْرِ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ وَيَضْرِبُ تَحْتَ الْقَدَمِ عُرْيَانًا، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا كَانَ قِصَاصًا فَإِنْ نَشَأَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُضْرَبُونَ عَلَى الصَّلَاةِ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ وَعَلَى الْأَلْوَاحِ خَمْسَةً وَعَلَى السَّبِّ سَبْعَةً وَعَلَى الْهَرَبِ عَشَرَةً وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَوْطٍ لَيِّنٍ انْتَهَى. زَادَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَإِنْ زَادَ اُقْتُصَّ مِنْهُ. ص (وَمُنِعَ نَفْلٌ وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ وَغُرُوبِهَا وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ) . ش لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ شَرَعَ الْآنَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَوْقَاتِ النَّافِلَةِ يُرِيدُ النَّافِلَةَ

الْمُطْلَقَةَ فَأَمَّا أَوْقَاتُ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي بَابِهَا، وَكَذَلِكَ وَقْتُ الرَّغِيبَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى مِنْ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي أَوْقَاتِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَمِنْ النَّفْلِ مَا يُقَيَّدُ بِالْإِضَافَةِ لِوَقْتِهِ كَقِيَامِ اللَّيْلِ وَقِيَامِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ بِالْإِضَافَةِ لِسَبَبِهِ كَالرُّكُوعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ النَّفْلِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ أَوْقَاتَ النَّافِلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: وَقْتُ تَحْرِيمٍ وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ، وَبَيَّنَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ مَا عَدَاهُمَا وَذَكَرَ أَنَّ النَّافِلَةَ تَحْرُمُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَعِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَالْأَوْقَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَثَلَاثَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَالْمَمْنُوعَةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَمْرَاءَ إلَى بَيَاضِهَا وَعِنْدَ غُرُوبِهَا صَفْرَاءَ إلَى ذَهَابِهَا وَعِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إلَّا التَّحِيَّةَ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ ظُهُورِ حَاجِبِ الشَّمْسِ مِنْ الْأُفُقِ حَتَّى يَرْتَفِعَ جَمِيعُهَا قِبَلَ الْأُفُقِ، وَبِالْغُرُوبِ إلَى مَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ الَّذِي يَلِي الْأُفُقَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ جَمِيعُ قُرْصِهَا وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّهَا لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغِيبَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ غَالِبُ عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ هُنَا الْكَرَاهَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ النَّهْيِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا أَوْقَاتُ النَّوَافِلِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ إيقَاعِهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ. (الثَّانِي) إنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: " وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ " يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يَحْرُمُ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ النَّفَلَ يَحْرُمُ لِخُرُوجِ الْإِمَامِ أَيْ: بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْخُطْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى ذِكْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ فِي جَمْعِ النَّظَائِرِ مُجْمَلَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِهَا. (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يُمْنَعُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً صَلَّاهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ. (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْخُطَبِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَا يُمْنَعُ لِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَلَيْسَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا كَمَنْ تَكَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ فَقَالَ وَاحْتُرِزَ بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مِنْ خُطْبَةِ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْمَنْعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ، وَلَا يُصَلِّي وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَلَّى، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَلَامَ وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ فِي خُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَالْإِنْصَاتُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَحْرُمُ فِيهَا النَّافِلَةُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ النَّافِلَةِ حِينَئِذٍ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّةِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الَّتِي أُقِيمَتْ وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الطَّعْنِ عَلَى الْإِمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ خَاصًّا بِالنَّافِلَةِ بَلْ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا الْإِمَامُ؟ وَمِثْلُ هَذَا تَنَفُّلُ مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا وَتَنَفُّلُ مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ فَالْمَنْعُ مِنْ النَّفْلِ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْوَقْتِ

فرع قضاء التطوع

وَإِنَّمَا هُوَ لِأَمْرٍ آخَرَ فَإِنْ قِيلَ: وَكَذَلِكَ الْمَنْعُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّةِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الِاشْتِغَالِ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَقْتُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُنْضَبِطًا مُتَكَرِّرًا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَكَانَ الْمَنْعُ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ فَقَطْ أَشْبَهَ الْوَقْتَ الَّذِي يُمْنَعُ فِيهِ النَّفَلُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْعِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي [فَرْعٌ قَضَاء التَّطَوُّع] (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: قُلْتُ: لِشَيْخِنَا مَا تَرَى فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ الْمُفْسَدِ هَلْ يُلْحَقُ بِالْفَرَائِضِ فَيُوقَعُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، أَوْ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّطَوُّعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يُوقَعُ فِيهَا؟ قَالَ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا كَالتَّطَوُّعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ قُلْتُ لَهُ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ تَقْيِيدِ عَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ تَلَافِيَ الْمَغْرِبِ بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّبُ فَإِذَا مَنَعَهُ مِنْ نَفْلٍ رَعْيًا لِأَصْلِهِ فَأَحْرَى عَلَى أَصْلِهِ بِكَمَالِهِ فَصَوِّبْهُ، انْتَهَى. ص (وَكُرِهَ بَعْدَ فَجْرٍ وَفَرْضِ عَصْرٍ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ وَتُصَلَّى الْمَغْرِبُ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوِرْدَ قَبْلَ الْفَرْضِ لِنَائِمٍ عَنْهُ وَجِنَازَةً وَسُجُودَ تِلَاوَةٍ قَبْلَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ) . ش لَمَّا ذَكَرَ الْأَوْقَاتَ الَّتِي تَحْرُمُ فِيهَا النَّافِلَةُ شَرَعَ يَذْكُرُ الْأَوْقَاتَ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا النَّافِلَةُ فَذَكَرَ أَنَّ النَّفَلَ يُكْرَهُ فِي وَقْتَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُرِيدُ الْفَجْرَ الصَّادِقَ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ عَنْ الْأُفُقِ قِيدَ رُمْحٍ أَيْ قَدْرَ رُمْحٍ وَالْقِيدُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بِمَعْنَى الْقَدْرِ. وَالْوَقْتُ الثَّانِي بَعْدَ إيقَاعِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَتُصَلَّى الْمَغْرِبُ فَقَوْلُهُ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ فَجْرٍ وَقَوْلُهُ وَتُصَلَّى الْمَغْرِبُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فَرْضِ عَصْرٍ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّافِلَةَ تُكْرَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَتَحْرُمُ حِينَئِذٍ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ زَالَ التَّحْرِيمُ وَعَادَتْ الْكَرَاهَةُ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ وَقَوْلُهُ قِيدَ رُمْحٍ قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ مِنْ رِمَاحِ الْعَرَبِ انْتَهَى. وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الشَّارِحُ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ جَوَازَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: تَجُوزُ النَّافِلَةُ مَا لَمْ تَطُلْ انْتَهَى. أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ فَيُشِيرُ بِهِ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ يَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ رَأْيَ أَبِي الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّ النَّاسَ لَيُنْكِرُونَ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَمَا هُوَ بِالضَّيِّقِ جِدًّا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ السُّنَّةِ كَرَاهِيَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. (الثَّانِي) فِي بَابِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفِي الْإِكْمَالِ وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ - يَعْنِي مَالِكًا - وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَدْرَ سِتِّ رَكَعَاتِ قَالُوا: وَمَا خَفَّ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يُؤَخَّرَ الصُّبْحُ بِسَبَبِ تَطْوِيلِ النَّفْلِ وَتَكْثِيرِهِ حِينَئِذٍ وَأَجَازَ غَيْرُهُ التَّنَفُّلَ مَا لَمْ تُصَلَّ الصُّبْحُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ: وَلَا بَأْسَ بِالتَّنَفُّلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ أَيْضًا انْتَهَى. (فَرْعٌ)

وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْقَلْشَانِيِّ شَارِحِ الرِّسَالَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِيهَا: وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يُرِيدُ وَالْأَوْتِرَةَ وَحِزْبَهُ الَّذِي غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْهُ، أَوْ خُسُوفَ قَمَرٍ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرُوِيَ جَوَازُ مَا قَلَّ مِنْ النَّافِلَةِ كَأَرْبَعٍ وَسِتٍّ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا بَأْسَ بِالنَّفْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْجُزُولِيُّ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَوْلَيْنِ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى بَعْدَ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَالنَّائِمُ عَنْ وِرْدِهِ إنْ أَصْبَحَ لِانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ صَلَّاهُ وَإِلَّا بَادَرَ إلَى فَرْضِهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ أَمَّا النَّائِمُ عَنْ وِرْدِهِ فَلِنَصِّ الْحَدِيثِ فِيهِ وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ خِلَافُ مَا هُنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ إذْ قَالَ: فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ أَهَمُّ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ نَافِلَةٍ لَكِنَّنِي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَالُوا: وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ حِزْبَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنَّمَا سُومِحَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْهُ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لِذَلِكَ عَمْدًا لَا يُصَلِّيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِأَنَّهُ يُصَلِّيهِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ " وَمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ ": الْغَلَبَةُ شَرْطٌ فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا، وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَادَتِهِ الِانْتِبَاهُ آخِرَ اللَّيْلِ وَلَهُ وِرْدٌ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَفَضْلُ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى وِرْدِهِ كَمَا أَنَّ وِرْدَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَنَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَرَادِعِيِّ أَنَّ الْعَامِدَ كَالْمَغْلُوبِ وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إلَّا فِيمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَ الْبَرَادِعِيِّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِغَيْرِ سَبَبٍ. (قُلْتُ:) عَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ وَعَبَّرَ غَيْرُهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشُّيُوخِ بِالْمَنْعِ ابْنُ حَارِثٍ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ أَسِيرٍ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي رَكْعَتَيْهِ حِينَئِذٍ فَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ الْجَوَازَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ الْمَنْعَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ أَنَّهُ صَلَّاهَا شَفَّعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ نَفْلًا ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ النَّفْلِ فِي الْوَقْتَيْنِ لِلذَّرِيعَةِ خَوْفَ أَنْ يُوقِعَ النَّفَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَوْ الطُّلُوعِ، وَلِذَا جَازَ أَنْ يَتَنَفَّلَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ بَعْدَ صَلَاةٍ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَنْعُ لِذَاتِ الْوَقْتِ مَا جَازَ وَكَانَ الشَّيْخُ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ فَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا أَفْعَلُهُ يَوْمَ يَفُوتُنِي مُعْتَادِي مِنْ الصَّلَاةِ بِالنَّهَارِ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِالشَّيْخِ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ فِي بَابِ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَيُكْرَهُ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَتَقَدَّمَ بَحْثُنَا مَعَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا بَيْنَ الْغُرُوبِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ وَقْتُ نَهْيٍ، وَقِيلَ: لَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَّا لِمَنْ كَانَ فِيهِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِجَوَازِ الْجُلُوسِ، وَلَا يُرَجِّحُ الْوُقُوفَ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يُرَجِّحُ وُقُوفَهُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى. وَبَحْثَهُ مَعَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَمَنْ أَحْرَمَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ قَطَعَ " يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. (قُلْتُ:) لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِمَكْرُوهٍ ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَطْعِهِ اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَكْرُوهِ مَا فِي تَرْكِهِ الثَّوَابُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي النَّافِلَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ يُثَابُ بِتَرْكِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِفِعْلِهِ. فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى اسْتِحْبَابٍ، ثُمَّ وَرَدَ عَلَيْنَا خَلِيلٌ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرْتُهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ

فرع الصلاة في الأوقات التي لا يجوز الصلاة فيها

الصَّلَاةَ قَدْ حَلَّتْ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ قَدْ وَجَبَتْ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ عِنْدَ مَنْ رَأَى وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لَهَا يَتَّسِعُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِيمَا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا حَكَاهُ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكَ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَظْهَرُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: " وَجِنَازَةً وَسُجُودَ تِلَاوَةٍ قَبْلَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ " اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَسْجُدُهَا قَارِئُهَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى أَنَّ الْجِنَازَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِقِيَاسِهِ سُجُودَ التِّلَاوَةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَاس عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَرْضًا لَبَطَلَ حُكْمُ الْقِيَاسِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِسْفَارِ وَالِاصْفِرَارِ فَمَنَعَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَمُنِعَتْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ وَسَجْدَةُ تِلَاوَةٍ عِنْدَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ إلَّا لِخَوْفِ تَغَيُّرِ مَيِّتٍ وَفِيمَا بَيْنَ إسْفَارٍ وَفَجْرٍ أَوْ اصْفِرَارٍ وَصَلَاةِ عَصْرٍ ثَلَاثَةٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ وَابْنِ حَبِيبٍ ثَالِثُهَا الْجَوَازُ فِي الصُّبْحِ فَقَطْ انْتَهَى. الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ بِالْجَوَازِ فِيهِمَا [فَرْعٌ الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الَّتِي لَا يَجُوز الصَّلَاة فِيهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَلَوْ صَلَّيْت فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَجُوزُ كَعِنْدِ الْغُرُوبِ فَقِيلَ: لَا إعَادَةَ، وَقِيلَ: مِثْلُهُ إنْ وَقَّتَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فِي فَرِيضَةٍ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْجُدُ إذَا قَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فِي فَرِيضَةٍ فِي وَقْتِ نَهْيٍ. الْبُرْزُلِيُّ: لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِقِرَاءَةِ الْفَرِيضَةِ فَأَشْبَهَتْ سُجُودَ السَّهْوِ. ص (وَقَطَعَ مُحْرِمٌ بِوَقْتِ نَهْيٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ، أَوْ وَقْتَ تَحْرِيمٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ زَادَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ عَنْ النَّوَادِرِ لَكِنَّ الْقَطْعَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي الْمُتَقَدِّمِ فَتَأَمَّلْهُ ص (وَجَازَتْ بِمَرْبِضِ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ) . ش نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْمَرَابِضِ لِلْغَنَمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ لِلْبَقَرِ، وَأَمَّا الْغَنَمُ فَالْمُسْتَعْمَلُ لَهَا الْمَرَاحُ انْتَهَى. وَرَدَّهُ ابْنُ الْفُرَاتِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تُيُقِّنَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَأَنَّهُ إنْ صَلَّى فِيهِ ذَاكِرًا قَادِرًا أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ إمَّا جَائِزٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، فَأَخَذَ يُبَيِّنُ الْجَائِزَ مِنْهَا وَالْمَكْرُوهَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (كَمَقْبَرَةٍ، وَلَوْ لِمُشْرِكٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجَائِزٌ أَنْ يُصَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ وَعَلَى الثَّلْجِ وَفِي الْحَمَّامِ إذَا كَانَ مَكَانُهُ طَاهِرًا وَجَائِزٌ أَنْ يُصَلَّى فِي مَرَابِضِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قَالَ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَقَابِرَ الْكُفَّارِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُرِيدُ مَا لَمْ تَظْهَرْ أَجْزَاءُ الْمَوْتَى؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ

فائدة تكره الصلاة في أربعة عشر موضعا

نَجَاسَةُ الْمَيِّتِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا مُطْلَقًا إذَا أَمِنَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَوْتَى وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ مُطْلَقًا رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ تُكْرَهُ بِالْجَدِيدَةِ، وَلَا تَجُوزُ بِالْقَدِيمَةِ إنْ نُبِشَتْ إلَّا إنْ بَسَطَ طَاهِرًا عَلَيْهَا، وَتُكْرَهُ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِالْجَدِيدَةِ وَتُكْرَهُ بِالْقَدِيمَةِ قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَكِلَاهُمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقِيلَ: تَجُوزُ بِمَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَتُكْرَهُ بِمَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ إذَا كَانَ مَكَانُهُ طَاهِرًا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ انْتَهَى. وَالْمَقْبَرَةُ مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَالْكَسْرُ قَلِيلٌ قَالَهُ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ ص (وَكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ، وَلَمْ تُعَدْ) ش: الْأَحْسَنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَفْيِ الْإِعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَالْمُحَشِّي: لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَلِتَكُونَ الْإِعَادَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي هَذِهِ فَقَطْ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ فِيهَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنْ عَلَّلْنَا بِالصُّوَرِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِعَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالنَّجَاسَةِ قَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ انْتَهَى. وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا] (فَائِدَةٌ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: أَحَدُهَا قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَأَمَامَهُ جِدَارُ مِرْحَاضٍ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنْ كَانَ ظَاهِرُهُ طَاهِرًا لَا يَرْشَحُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ مُسْتَقْبِلًا أَحْسَنَ الْجِهَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاجِي اللَّهَ - تَعَالَى - وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا كَانَ أَمَامَهُ مَجْنُونٌ، أَوْ صَبِيٌّ فَلْيَتَنَحَّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ. فَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يَرْشَحُ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ إعَادَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ إلَى نَجَاسَةٍ أَمَامَهُ أَعَادَ إلَّا أَنْ تَبْعُدَ جِدًّا وَيُوَارِيَهَا عَنْهُ شَيْءٌ، فَقَاسَ الْمُصَلَّى إلَيْهِ عَلَى الْمُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقِيسُهَا عَلَى مَا عَلَى يَمِينِهِ، أَوْ شِمَالِهِ، أَوْ خَلْفَهُ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ " وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ " مَا نَصُّهُ: وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِقْبَالِهِ مَحَلَّ النَّجَسِ الْكَرَاهَةُ إنْ بَعُدَ عَنْ مَسِّهَا وَهِيَ فِي قِبْلَتِهِ انْتَهَى. وَثَانِيهَا: الثَّلْجُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الثَّلْجِ قَالَ فِي الطِّرَازِ يُكْرَهُ لِفَرْطِ بُرُودَتِهِ الْمَانِعَة مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ السُّجُودِ كَالْمَكَانِ الْحَرِجِ. وَثَالِثُهَا: الْمَقْبَرَةُ. وَرَابِعُهَا: الْحَمَّامُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ مَوْضِعُهُ طَاهِرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ مَعَ سَطْحِهِ. وَخَامِسُهَا: مَعَاطِنُ الْإِبِلِ. وَسَادِسُهَا: الْكَنَائِسُ. وَسَابِعُهَا: قَارِعَةُ الطَّرِيقِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالطَّرِيقُ الْقَلِيلَةُ الْمَخَاطِرِ فِي الصَّحَارِي تُخَالِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الدَّوَابُّ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي النَّوَادِرِ فِي مَسَاجِدِ الْأَفْنِيَةِ يَمْشِي عَلَيْهَا الدَّجَاجُ وَالْكِلَابُ وَغَيْرُهَا لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنْتُ شَابًّا عَزَبًا وَكَانَتْ الْكِلَابُ تُدْبِرُ وَتُقْبِلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ، وَهَذَا إذَا صَلَّى فِي الطَّرِيقِ اخْتِيَارًا، وَأَمَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَمَّامِ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ وَقَالَ وَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَةِ الدَّارِسَةِ الْعَافِيَةِ مِنْ آثَارِ أَهْلِهَا مَزْبَلَةً كَانَتْ، أَوْ مَجْزَرَةً، أَوْ كَنِيسَةً، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي غَيْرِهَا انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّيْخِ زَرُّوق. وَثَامِنُهَا: الْمَجْزَرَةُ. وَتَاسِعُهَا: الْمَزْبَلَةُ. وَعَاشِرُهَا: فِي الْجَوَاهِرِ بَطْنُ الْوَادِي؛ لِأَنَّ الْأَوْدِيَةَ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَادِيَ وَغَيْرَهُ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ جَائِزٌ أَنْ يُصَلَّى فِيهَا كُلِّهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِاعْتِلَالِ مَنْ اعْتَلَّ

بِأَنَّ مَوْضِعَ النَّوْمِ عَنْ الصَّلَاةِ مَوْضِعُ شَيْطَانٍ وَمَوْضِعُ مَلْعُونٍ لَا يَجِبُ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَلِأَنَّا لَا نَعْرِفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْفَكُّ مِنْ الشَّيَاطِينِ، وَلَا الْمَوْضِعَ الَّذِي لَا تَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا بِالْوَادِي وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْمَذْهَبِ لَا أَعْرِفُهُ فِيهِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ قِيلَ: إنَّ الْمُصَنِّفَ انْفَرَدَ بِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَذَكَرَهُ فِي كَلَامِهِ عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَحَادِيَ عَشَرِهَا: الْقِبْلَةُ تَكُونُ فِيهَا التَّمَاثِيلُ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَتِهَا اعْتِبَارًا بِالْأَصْنَامِ فَإِنْ كَانَتْ فِي سِتْرٍ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا أَكْرَهُهُ وَكُرِهَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةُ بِالْخَاتَمِ فِيهِ تِمْثَالٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ. وَثَانِيَ عَشَرِهَا: كُرِهَ فِي الْكِتَابِ الصَّلَاةُ إلَى حَجَرٍ مُنْفَرِدٍ فِي الطَّرِيقِ أَوْ غَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْحِجَارَةِ الْكَثِيرَةِ لِشَبَهِهِ بِالْأَصْنَامِ. وَثَالِثَ عَشَرِهَا: قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَسْتَنِدُ الْمَرِيضُ لِحَائِضٍ، وَلَا لِجَنْبٍ. وَرَابِعَ عَشَرِهَا: مَنْ صَلَّى فِي بَيْتِ نَصْرَانِيٍّ، أَوْ مُسْلِمٍ لَا يَتَنَزَّهُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَعَادَ أَبَدًا انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَبَعْضُهُ فِيهِ اخْتِصَارٌ، وَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ عَدُّ بَعْضِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ عِنْدَ عَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ بَطْنَ الْوَادِي مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَنْتَ تَرَى نَقْلَ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ خَامِسَ عَشَرَ؛ وَهُوَ الْمَكَانُ الشَّدِيدُ الْحَرِّ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ السُّجُودِ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الثَّلْجِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى فِيهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا أُحِبُّ الصَّلَاةَ فِي بَيْتٍ مَنْ لَا يَتَنَزَّهُ عَنْ الْخَمْرِ وَالْبَوْلِ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا وَأَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى حَصِيرٍ أَوْ بِسَاطٍ مُبْتَذَلٍ يَمْشِي عَلَيْهِ الصَّبِيُّ وَالْخَادِمُ وَمَنْ لَا يَتَحَفَّظُ وَلْيَتَّخِذْ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ مَوْضِعًا يَصُونُهُ لِصَلَاتِهِ، أَوْ حَصِيرًا نَقِيًّا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّى حَيْثُ شَاءَ مِنْ بَيْتِهِ وَلَا يُوقِنُ فِيهِ بِنَجَاسَةٍ لَمْ يَعُدْ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَمَّامِ وَلِابْنِ رُشْدٍ الْمَقْعَدُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الثِّيَابُ مِنْهُ بِخَارِجِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَخَفَّفَ أَبُو عِمْرَانَ مَا يَقْطُرُ مِنْ عَرَقِ الْحَمَّامِ، وَإِنْ أَوْقَدَ تَحْتَهُ بِالنَّجَاسَةِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِمَعْطِنِ إبِلٍ) . ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ صَدْرِهَا مِنْ الْمَنْهَلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهَا عِنْدَ صَدْرِهَا مِنْ الْمَاءِ. وَالْمَعْطِنُ هُوَ الصَّدْرُ يُقَالُ: فُلَانٌ وَاسِعُ الْمَعْطِنِ أَيْ: الصَّدْرِ فَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ مَبَارِكُهَا عِنْدَ الْمَاءِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَوْضِعَ مَبِيتِهَا لَيْسَ بِمَعْطِنٍ، وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلِابْنِ الْكَاتِبِ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْمَعَاطِنِ الَّتِي اعْتَادَتْ الْإِبِلُ أَنْ تَغْدُوَ مِنْهَا وَتَرُوحَ إلَيْهَا فَأَمَّا إنْ بَاتَتْ فِي بَعْضِ الْمَنَاهِلِ لَجَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى إلَى بَعِيرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: الْمَعْطِنُ صَدْرُ الْبَعِيرِ سُمِّيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَرْقُدُ فِيهِ بِهِ. ص (وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ وَقُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدًّا، وَلَوْ قَالَ أَنَا أَفْعَلُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرَ فَاضِلٍ، وَلَا يَطْمِسُ قَبْرَهُ، لَا فَائِتَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْجَاحِدُ كَافِرٌ) . ش تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ فِي الْجَلَّابِ وَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَوَاتٍ حَتَّى خَرَجَ أَوْقَاتُهُنَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ إذَا كَانَ مُسْتَفْتِيًا، وَمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ صَلَوَاتٍ مُسْتَخِفًّا بِهَا وَمُتَوَانِيًا أُمِرَ بِفِعْلِهَا، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ

فرع يترك الصلاة لفترات متقطعة ويقول إن الله غفور رحيم

ذَلِكَ هُدِّدَ وَضُرِبَ فَإِذَا قَامَ عَلَى امْتِنَاعِهِ قُتِلَ حَدًّا لَا كُفْرًا إذَا كَانَ مُقِرًّا بِهَا وَغَيْرَ جَاحِدٍ لَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِهِ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ كَالصَّلَاةِ يُقْتَلُ تَارِكُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ مِنَّا لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْهُ كُرْهًا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي حُكْمِ مَنْ قَالَ لَا أُصَلِّي، مَنْ قَالَ لَا أَتَوَضَّأُ، وَلَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أَصُومُ رَمَضَانَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّارِكِ الْأَبِيِّ خَاصَّةً فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ الِاسْتِهْزَاءِ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْأَشْقِيَاءِ إذَا أُمِرَ بِهَا: إذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَأَغْلِقْ الْبَابَ خَلْفَكَ. فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الدِّينِ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي كُفْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ صَلَاةَ الْمُنْكِرِ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِنَّهَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَهُوَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ إذَا صَلَّى فِي حَالِ تَهْدِيدِهِ فَقَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا مُكْرَهًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لَوْ أُكْرِهَ الْجُنُبُ عَلَى الْغُسْلِ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ وَمِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ مُكْرَهًا لَمْ يُجْزِهِ انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ يُقْتَلُ بِهَا كَالصَّلَاةِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مُكْرَهًا، وَيُقَالُ لَهُ: صَلِّ، فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ إنَّ الْوُضُوءَ يُجْزِئُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ انْتَهَى. وَكَانَ هَذَا الْخِلَافُ ضَعِيفًا فَلَمْ تُرَاعِهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا، وَإِنْ بَقِيَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ [فَرْعٌ يَتْرُك الصَّلَاة لِفَتَرَاتِ مُتَقَطِّعَة وَيَقُول إِن اللَّه غَفُور رَحِيم] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعْرُوفًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَيُوَبَّخُ وَيُخَوَّفُ بِاَللَّهِ فَيُصَلِّي الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى تَرْكِهَا فَيُعَادُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنِّي مُذْنِبٌ، وَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ إمَامًا وَيَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ؟ وَهَلْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ وَتُؤْكَلُ هَدِيَّتُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؟ وَكَيْفَ لَوْ كَانَ هَذَا حَالَ امْرَأَتِهِ؟ هَلْ يَسَعُ لِزَوْجِهَا الْمَقَامُ مَعَهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَتُؤْكَلُ هَدِيَّتُهُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا حَالَ زَوْجَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ فِرَاقُهَا، قِيلَ لَهُ: فَالرَّجُلُ يَنْقُرُ صَلَاتَهُ وَهُوَ أَكْثَرُ شَأْنِهِ، وَلَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا فَيُعَاتَبُ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَهِي ثُمَّ يَعُودُ،؟ فَقَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلَا إمَامَتُهُ وَيُسَلَّمُ عَلَيْهِ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ يَسْتَأْجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ] (مَسْأَلَةٌ) وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقْبَلُ النِّيَابَةُ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي، وَلَوْ صَلَّى إنْسَانٌ عَنْ غَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنْ يُشْرِكَهُ فِي ثَوَابِ صَلَاتِهِ لَجَازَ ذَلِكَ انْتَهَى. [فَصَلِّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ] (فَصْلُ سُنَّ الْأَذَانِ لِجَمَاعَةٍ طَلَبَتْ غَيْرَهَا) الْأَذَانُ: الْإِعْلَامُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ بِالضَّمِّ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ مَا عَلِمَهُ أُذُنَ صَاحِبِهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِالْإِعْلَامِ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَاخْتَصَّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ كَمَا اخْتَصَّ لَفْظُ الدَّابَّةِ وَالْقَارُورَةِ وَالْخَابِيَةِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهَا، وَأَذَّنَ بِفَتْحِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِهَا إذَا أَعْلَمَ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ بِكَسْرِ الذَّالِ مُخَفَّفَةً أَيْ: أَبَاحَهُ وَيُقَالُ بِمَعْنَى عَلِمَ، وَمِنْهُ {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] ، وَبِمَعْنَى اسْتَمَعَ، وَمِنْهُ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ، وَمِنْ السُّنَّةِ

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: لَمَّا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ لِيُعْمَلَ حَتَّى يُضْرَبَ بِهِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فَقُلْتُ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ، قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ لِلصَّلَاةِ، فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَذَكَرَ الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت فَقَالَ: إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَلْيُؤَذِّنْ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ الْأَذَانَ خَرَجَ مُسْرِعًا يَسْأَلُ عَنْ الْخَبَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَمْدُ لِلَّهِ» . وَعَنْ أَبِي دَاوُد قَالَ: «اهْتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ فَقِيلَ لَهُ: نَنْصِبُ رَايَةً فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ فَذَكَرُوا لَهُ الْقُنْعَ يَعْنِي: الشَّبُّورَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ وَقَالَ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ، فَذَكَرُوا لَهُ النَّاقُوسَ، فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى» وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يُرْوَى الْقُبَعُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَفْتُوحَةً وَبِالنُّونِ سَاكِنَةً، قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ يَقُولُ: الْقُثْعُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْجَمِيعُ أَسْمَاءٌ لِلْبُوقِ فَبِالنُّونِ مِنْ إقْنَاعِ الصَّوْتِ، وَالرَّأْسِ وَهُوَ رَفْعُهُ، وَبِالْبَاءِ مِنْ السَّتْرِ يُقَالُ: قَبَعَ رَأْسَهُ إذَا أَدْخَلَهُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الشَّبُّورُ عَلَى وَزْنِ التَّنُّورِ: الْبُوقُ، وَيُقَالُ هُوَ مُعَرَّبٌ. (فَائِدَةٌ) أُخْرَى وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ عُنُقٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَطْوَلُ النَّاسِ تَشَوُّفًا إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمُتَشَوِّفَ يُطِيلُ عُنُقَهُ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: إذَا أَلْجَمَ النَّاسَ الْعَرَقُ طَالَتْ أَعْنَاقُهُمْ، وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ الدُّنُوُّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ رُءُوسٌ، وَقِيلَ: أَكْثَرُ أَتْبَاعًا، وَقِيلَ: أَكْثَرُ النَّاسِ أَعْمَالًا، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إسْرَاعًا إلَى الْجَنَّةِ مِنْ سَيْرِ الْعُنُقِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مُعْنِقًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا يَعْنِي مُتَبَسِّطًا فِي سَيْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَمْ الْإِقَامَةُ أَفْضَلُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ وَنَحْوُهُ لِلْبَرْزَلِيِّ وَزَادَ فَقَالَ لِلِاحْتِجَاجِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَجِّلُوا لَحِقَتْهُمْ الْعُقُوبَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ فَمَنَعَهُمْ عَنْهُ الِاشْتِغَالُ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ عُمَرُ لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْتُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّمَا أَفْضَلُ الْأَذَانُ أَوْ الْإِمَامَةُ فَقِيلَ: الْأَذَانُ أَفْضَلُ وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةٌ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ، وَنَصُّهُ: " الْأَذَانُ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ كَافَّةً يُقَاتَلُونَ لِتَرْكِهِ " أَبُو عُمَرَ، رَوَى الطَّبَرِيُّ إنْ تَرَكَهُ أَهْلُ مِصْرٍ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَرَوَى أَشْهَبُ: إنْ تَرَكَهُ مُسَافِرٌ عَمْدًا أَعَادَ صَلَاتَهُ. (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي عَزَاهُ عِيَاضٌ لِرِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ قَالَ: وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ بِوُجُوبِهِ، وَفِي كَوْنِهِ بِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ سُنَّةً أَوْ وَاجِبًا طَرِيقًا لِلْبَغْدَادِيَّيْنِ وَالشَّيْخِ وَفِي الْمُوَطَّإِ: إنَّمَا يَجِبُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الْمَازِرِيُّ فَسَّرَ الْقَاضِي الْوُجُوبَ بِالسُّنَّةِ، وَغَيْرُهُ السُّنَّةَ بِعَدَمِ الشَّرْطِيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأَذَانَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَسْمَعْ الْأَذَانَ أَغَارَ وَإِلَّا أَمْسَكَ» ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ لِلْإِعْلَامِ وَبِدُخُولِ الْوَقْتِ وَبِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فَأَوْجَبَهُ فِي الْمُوَطَّإِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ: إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ لِأَنَّ إقَامَةَ السُّنَنِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ لَوْ تَرَكَهُ أَهْلُ بَلَدٍ

قُوتِلُوا، وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْوَقْتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: أَمَّا لِهَذَا الْوَجْهِ فَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَهُوَ أَكْثَرُ مَقْصُودِ الْأَذَانِ إذْ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا غَزَا فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ» ، فَإِذَا قَامَ بِهِ عَلَى هَذَا وَاحِدٌ فِي الْمِصْرِ وَظَهَرَ الشِّعَارُ سَقَطَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الْمَعْنَى الثَّانِي بِتَعْرِيفِ الْأَوْقَاتِ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ الْخِلَافُ فِيهِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَاَلَّذِي اخْتَلَفَ لَفْظُ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي إطْلَاقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ وُجُوبُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ إذْ مَعْرِفَةُ الْأَوْقَاتِ فَرْضٌ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاتِهَا فَقَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ وَتَأَوَّلَ هَذَا قَوْلَ الْآخَرِينَ: سُنَّةً أَيْ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِمْ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَجَزَمَ بِهِ فَانْظُرْهُ وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِبَعْضِ شُيُوخِهِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي وُجُوبِهِ فِي الْمِصْرِ خِلَافًا وَجَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ، وُجُوبَهُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: " لِجَمَاعَةٍ طَلَبَتْ غَيْرَهَا " يُرِيدُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ إلَيْهَا كَالْجَوَامِعِ، وَالْمَسَاجِدِ وَكَعَرَفَةَ، وَمِنًى، وَالْعَدَدِ الْكَثِيرِ يَكُونُ فِي السَّفَرِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ إمَامُ الْمِصْرِ يَخْرُجُ إلَى الْجِنَازَةِ فَتَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ فَيُصَلِّي بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْأَذَانُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ سُنَّةٌ لَا تُتْرَكُ، وَهُوَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ حِفْظٌ لِلْأَوْقَاتِ وَلِإِقَامَةِ الْجَمَاعَاتِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَذَانُ مَسْجِدَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ أَوْ مُتَقَارِبَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ لَا يَكْفِي عَنْهُ فِي الْآخَرِ انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَسْجِدٍ بَيْنَ قَوْمٍ فَتَنَازَعُوا فِيهِ وَاقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فَضَرَبُوا وَسَطَهُ حَائِطًا أَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنُهُمْ وَاحِدًا، وَإِمَامُهُمْ وَاحِدًا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ سَبَّلُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانُوا بَنَوْهُ جَمِيعًا، وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلُهُ وَلَا يَجْزِيهِمْ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ وَلَا إمَامٌ وَاحِدٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ حِينَ سَبَّلُوهُ فَإِنْ فَعَلُوا فَلَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدَيْنِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِمَامِ حِينَ فَصَلُوا بَيْنَهُمَا بِحَائِزٍ يُبَيِّنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ انْتَهَى. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " طَلَبَتْ غَيْرَهَا " سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ. ص (فِي فَرْضٍ) ش: اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ فَإِنَّ الْأَذَانَ لَهَا مَكْرُوهٌ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَأَمَّا غَيْرُ الْفَرَائِضِ فَلَا يُؤَذَّنُ لَهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اتِّفَاقًا، وَحَكَى زِيَادٌ النِّدَاءَ لِلْعِيدَيْنِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي إنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الْأَذَانِ فَهُوَ يَنْقُضُ الِاتِّفَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَإِنْ عَنَى بِهِ: " الصَّلَاةَ جَامِعَةً " مَثَلًا فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ فَلَا تَنَاقُضَ انْتَهَى. ص (وَقْتِيٍّ) ش: فَلَا يُؤَذَّنُ لِلْفَائِتَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُهَا تَفْوِيتًا وَلَمْ يَحْكِ اللَّخْمِيُّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَالَ: إنَّ الْأَذَانَ لَهَا مَكْرُوهٌ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَذُكُورَةٌ " وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا أَذَانَ لِلْفَائِتَةِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ شَاذٍّ. (قُلْتُ) : قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُؤَذَّنُ لِلْفَوَائِتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: لَا يُؤَذَّنُ لَهَا قَالَهُ أَشْهَبُ، وَهُوَ نَقْلُ الْأَكْثَرِ، وَبِهِ الْفَتْوَى عِنْدَنَا بِأَفْرِيقِيَّةَ، قَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَقِيلَ يُؤَذَّنُ لِأُولَى الْفَوَائِتِ حَكَاهُ الْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةً عَنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ إنْ رَجَا اجْتِمَاعَ النَّاسِ لَهَا أَذَّنَ وَإِلَّا فَلَا وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلْفَوَائِتِ، وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِحَدِيثِ: «الْوَادِي قُصُورٌ» انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَقْتِيٍّ " أَنَّ الْأَذَانَ مَطْلُوبٌ وَلَوْ صُلِّيَتْ الصَّلَاةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَانْظُرْ هَلْ يَشْمَلُ الْوَقْتَ الضَّرُورِيَّ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْمُخْتَارِ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّهُ إنَّمَا

يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلْمَغْرِبِ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، فَقَالَ مُوَجِّهًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ مَا نَصُّهُ: " لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ وَوَقْتُ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتِهَا الْمُخْتَارِ انْتَهَى ". وَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى أَذَانِ الصُّبْحِ وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَهُوَ عِنْدِي شَطْرُ اللَّيْلِ مَا نَصُّهُ: " لَمَّا كَانَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْأَذَانُ لِغَيْرِهَا امْتَنَعَ الْأَذَانُ فِيهِ لَهَا وَالشَّطْرُ الثَّانِي لَا يُؤَذَّنُ فِيهِ لِغَيْرِهَا فَكَانَ وَقْتًا لِأَذَانِهَا انْتَهَى ". وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّهُ لَا أَذَانَ لِوَقْتِيَّةٍ يُفِيتُهَا الْأَذَانُ انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هِلَالٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ وَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَوْلَى انْتَهَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ جُمُعَةً) ش: حَكَى اللَّخْمِيُّ فِي وُجُوبِ الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ قَوْلَيْنِ وَاخْتَارَ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْوُجُوبَ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَعَزَا صَاحِبُ الطِّرَازِ الْوُجُوبَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّا لَمْ نَشْتَرِطْ فِي الْجُمُعَةِ الْإِقَامَةَ، وَهِيَ أَخَصُّ بِالصَّلَاةِ مِنْ الْأَذَانِ فَكَيْفَ نَشْتَرِطُ الْأَذَانَ فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ تَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ السَّعْيِ وَتَحْرِيمُ الْبَيْعِ قُلْنَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ وَوُجُوبِهِ وَإِنَّمَا هِيَ مُرَاعَاةُ وُجُوبِهِ انْتَهَى. ص (وَهُوَ مُثَنَّى) ش: قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ مُثَنَّى التَّكْبِيرِ لَا مُرَبَّعَ التَّكْبِيرِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُخَالِفُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ جُمَلِ الْأَذَانِ كَمَا قَالَ فِي الْإِقَامَةِ: مُفْرَدَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلَوْ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ "، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُثَنَّى الْجُمَلِ إلَّا الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " مُثَنَّى " بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ التَّثْنِيَةِ وَلَيْسَ مَفْتُوحَ الْمِيمِ سَاكِنَ الثَّاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْدُولٌ مِنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَيَقْتَضِي أَنَّ جُمَلَهُ مُرَبَّعَةٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُرَادِ، وَتَعْبِيرُنَا بِالْجُمَلِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ بَعْضِهِمْ بِالْكَلِمَاتِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْأَذَانُ سَبْعَ عَشَرَةَ جُمْلَةً، وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ سَبْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً مَجَازٌ عَبَّرُوا بِالْكَلِمَةِ عَنْ الْكَلَامِ، وَإِلَّا فَكَلِمَاتُهُ ثَمَانٍ وَسِتُّونَ كَلِمَةً انْتَهَى. (قُلْتُ) هَذَا فِي غَيْرِ أَذَانِ الصُّبْحِ وَيَزِيدُ أَذَانَ الصُّبْحِ ثَمَانِ كَلِمَاتٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَازِرِيُّ لَوْ أَوْتَرَ الْأَذَانَ لَمْ يُجْزِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا، وَإِنْ أَذَّنَ فَأَخْطَأَ فَأَقَامَ سَاهِيًا ابْتَدَأَ الْأَذَانَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ أَرَادَ الْأَذَانَ فَأَقَامَ لَمْ يُجْزِهِ، وَفِي الْعَكْسِ قَوْلَا مَالِكٍ وَأَصْبَغَ انْتَهَى. وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شَفَعَ الْإِقَامَةَ غَلَطًا، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُجْزِئُ وَالْمَشْهُورُ لَا يُجْزِئُ وَعَنْ ابْنِ يُونُسَ الْأَوَّلُ: لِأَصْبَغَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَأَقَامَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْمَازِرِيِّ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَوْ: شَفَعَ الْإِقَامَةَ غَلَطًا لَأَجْزَأَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ أَوْتَرَ الْأَذَانَ، وَإِنْ كَانَ الْأَذَانُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَا يُوتِرُ. (تَنْبِيهٌ) ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقَةِ: النِّيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأَذَانِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَغَلِطَ فَأَقَامَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَذَانًا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَدَّ بِهِ إقَامَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِقَامَةَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ فَأَذَّنَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إقَامَةً مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ إقَامَةٍ، وَقَالَ قَبْلَهُ مَنْ أَخَذَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ عَقِبَ مَا كَبَّرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْأَذَانَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يُبْنَى عَلَى تَكْبِيرِهِ الَّذِي مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَذَانٌ فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْجَلَّابِ: إنْ أَرَادَ الْأَذَانَ فَأَقَامَ أَوْ الْإِقَامَة فَأَذَّنَ أَعَادَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى نِيَّةٍ لِفِعْلِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نِيَّةَ

التَّقَرُّبِ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرُبَاتِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَبْهَرِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَتَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكَذَلِكَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نِيَّةَ الْفِعْلِ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ لِوُجُودِهَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ بِدُونِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُعِيدُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى صَوَابٍ مِنْ فِعْلِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: وَقِيلَ: إنْ أَرَادَ الْأَذَانَ فَأَقَامَ لَا يُعِيدُ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُثَنَّى، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ فَإِنَّهُ صَحَّحَ الْإِقَامَةَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّقَرُّبَ بِهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ أَذَانِهِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ أَعَادَ مِنْ مَوْضِعِ نَسِيَ إنْ كَانَ تَرَكَ جُلَّ أَذَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ: " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " مَرَّةً فَلَا يُعِدْ شَيْئًا، وَإِنْ تَبَاعَدَ لَمْ يُعِدْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ يَنْبَغِي إنْ كَانَ مَا تَرَكَ كَثِيرًا أَعَادَ الْأَذَانَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا أَجْزَأَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْهُ، وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْضَهُ وَلَعَلَّ الْبَاقِيَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةٍ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنْ نَكَّسَ ابْتَدَأَ انْتَهَى. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ بَدَأَ " بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " قَبْلَ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَلْيَقُلْ بَعْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُجْزِئُهُ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ مِنْ صِفَاتِ الْأَذَانِ أَنْ لَا يُنَكِّسَهُ فَإِنْ فَعَلَ ابْتَدَأَ إذْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إلَّا بِتَرْتِيبِهِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ فَلَا تُغَيَّرُ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ قَدَّمَ الشَّهَادَةَ بِالرِّسَالَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ أَعَادَ الشَّهَادَةَ بِالرِّسَالَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إنَّ مَا قُدِّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَالْعَدَمِ فَلَا يَمْنَعُ الِاتِّصَالَ وَيُعَادُ لِتَحْصِيلِ التَّرْتِيبِ. ص (وَلَوْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُثَنِّيهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ وَهْبٍ يُفْرِدُهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَشْهُورُ قَوْلُهَا لِمَنْ يُؤَذِّنُ فِي نَفْسِهِ انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ فِيمَنْ كَانَ فِي ضَيْعَةٍ مُتَحَيِّزًا عَنْ النَّاسِ فَتَرَكَ ذَلِكَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ، وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْخِلَافِ، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَزِيدُ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ كَانَ فِي مَضْجَعِهِ فَيَنْشَطَ لِلصَّلَاةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ مَنْ لَيْسَ بِنَائِمٍ فَلَا مَعْنًى لِذَلِكَ انْتَهَى. وَرَدَّهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَقَالَ: هَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْأَذَانَ يُتْبَعُ عَلَى مَا شُرِعَ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْسِنَ تَرْكَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا قَائِلَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ وَمُجْمَلُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْأَذَانُ بِتَرْكِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُهُ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) وَاخْتُلِفَ فِي حِينِ مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا اللَّفْظِ فَفِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ يُؤْذِنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِلصَّلَاةِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ: اجْعَلْهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ، وَقِيلَ: أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى الثَّانِي، فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ» صَادِرٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ: اجْعَلْهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ إنْكَارٌ عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ كَمَا ذَكَرَ مَالِكٌ التَّلْبِيَةَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مُرَجَّعُ الشَّهَادَتَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ صِفَةِ الْأَذَانِ أَنْ يَكُونَ مُرَجَّعَ الشَّهَادَتَيْنِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ سَبَبَهُ إغَاظَةُ الْمُشْرِكِينَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَا مَحْذُورَةَ بِالْإِعَادَةِ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْبُغْضِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمَّا أَسْلَمَ وَأَخَذَ فِي الْأَذَانِ

وَوَصَلَ الشَّهَادَتَيْنِ أَخْفَى صَوْتَهُ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ فَدَعَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَرَكَ أُذُنَهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ وَقَدْ انْتَفَى السَّبَبُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَنْتَفِي سَبَبُهُ وَيَبْقَى كَالرَّمَلِ فِي الْحَجِّ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا أَنَّهُمْ إذَا كَثُرُوا يُرَجِّعُ الْأَوَّلُ خَاصَّةً، وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَا أَرَى كَانَ الْأَذَانُ إلَّا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ يُثَنِّي كُلُّهُمْ فَلَمَّا كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ خَفَّفُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَصَارَ لَا يُثَنِّي مِنْهُمْ إلَّا الْأَوَّلَ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اُبْتُدِعَ، لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا كَثُرُوا خَفَّفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَيْ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَكَى مَا رَأَى وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ ارْتَضَاهُ حَتَّى يُجْعَلَ قَوْلًا لَهُ فَضْلًا أَنْ يُجْعَلَ تَرْكًا لِقَوْلٍ قَدْ عُرِفَ مِنْهُ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مُخْتَصِرًا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ التَّرْجِيعُ. وَذَكَرَ عِيَاضٌ: التَّخْيِيرَ فِيهِ لِأَحْمَدَ لِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْمَجْهُولِ آخِرُهَا، قَالَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَنْ مَالِكٍ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ هُوَ فِي الْإِكْمَالِ فَإِنْ تَرَكَ التَّرْجِيعَ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ أَعَادَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ طَالَ صَحَّ أَذَانُهُ وَلَمْ يُعِدْ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّرْجِيعَ اسْمٌ لِلْعَوْدِ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَقِيلَ: أَنَّهُ اسْمٌ لِلْعَوْدِ وَقِيلَ: لِمَا يَأْتِي بِهِ أَوَّلًا وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ أَوَّلًا) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ فِي التَّرْجِيعِ فَقَطْ فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ مَرْفُوعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ بِغَيْرِ رَفْعٍ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْأَبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ الثَّانِيَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ انْتَهَى. وَلَمْ يَرْتَضِ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ عَلَى الْأَوَّلِ. (تَنْبِيهٌ) اُتُّفِقَ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ فِي آخِرِ الْأَذَانِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَكُونُ صَوْتُهُ فِي تَرْجِيعِ الشَّهَادَتَيْنِ أَرْفَعَ مِنْ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ صَوْتٌ يُسْمَعُ، وَأَنَّهُ لَا يُخْفِيهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَذَانِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَفْضٍ لَا يَقَعُ بِهِ إعْلَامٌ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ دُونَ رَفْعٍ انْتَهَى، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ رُبَّمَا غَلِطَ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ فَيُخْفِي صَوْتَهُ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَهَذَا غَلَطٌ. ص (مَجْزُومٌ) ش: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْوَاجِبَةِ فِي الْأَذَانِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ: اخْتَارَ شُيُوخُ صِقِلِّيَةَ جَزْمَ الْأَذَانِ، وَشُيُوخُ الْقَرَوِيِّينَ إعْرَابَهُ، وَالْجَمِيعُ جَائِزٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَجْزِمُ آخِرَ كُلِّ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَذَانِ، وَلَا يَصِلُهَا بِمَا بَعْدَهَا، وَيَدْمُجُ الْإِقَامَةَ لِلْعَمَلِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْإِقَامَةُ مُعْرَبَةٌ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْإِقَامَةُ مُعْرَبَةٌ إذَا وَصَلَ كَلِمَةً بِكَلِمَةٍ فَإِنْ وَقَفَ وَقَفَ عَلَى السُّكُونِ وَأَمَّا الْأَذَانُ فَإِنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْأَذَانُ وَالتَّكْبِيرُ كُلُّهُ جَزْمٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَعَوَامُّ النَّاسِ يَضُمُّونَ الرَّاءَ مِنْ " اللَّهُ أَكْبَرُ " الْأَوَّلِ، وَالصَّوَابُ جَزْمُهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا، وَمَنْ أَعْرَبَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " لَزِمَهُ أَنْ يُعْرِبَ " الصَّلَاةَ " " وَالْفَلَاحَ " بِالْخَفْضِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بِلَفْظِ لِأَنَّ الْأَذَانَ مَوْقُوفًا سُمِعَ إلَخْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: الْأَذَانُ مَوْقُوفٌ، وَمَنْ حَرَّكَهُ فَإِنَّمَا يُحَرِّكُ الرَّاءَ بِالْفَتْحِ، قَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: وَيَجُوزُ فِي الرَّاءِ مِنْ " أَكْبَرُ "

فرع حكم الإقامة

الْأَوَّلِ السُّكُونُ وَالتَّحْرِيكُ بِالْفَتْحِ، وَفِي الثَّانِي السُّكُونُ لَا غَيْرُ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَبَعْضُ الْعَوَامّ يَضُمُّونَ الرَّاءَ الْأُولَى، وَإِنَّمَا هِيَ سَاكِنَةٌ وَيَجُوزُ تَحْرِيكُهَا بِالْفَتْحِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْجَزْمُ وَالتَّحْرِيكُ بِالضَّمِّ انْتَهَى. (قُلْتُ) التَّحْرِيكُ بِالْفَتْحِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ وَصْلٌ بِنْيَةِ الْوَقْفِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ: هِيَ حَرَكَةُ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْسِرُوا حِفْظًا لِتَفْخِيمِ اللَّامِ، وَقِيلَ: حَرَكَةُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ نُقِلَتْ إلَى الرَّاءِ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ وَلَيْسَ لِهَمْزَةِ الْوَصْلِ ثُبُوتٌ فِي الدَّرْجِ فَتَثْبُتُ حَرَكَتُهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي جُمَلِ الْأَذَانِ كُلِّهَا وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ نَطَقَ بِهِ إلَّا مَوْقُوفًا. ص (بِلَا فَصْلٍ وَلَوْ بِإِشَارَةٍ لِكَلَامٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ كَلِمَاتِهِ يُخْرِجُهُ عَنْ نِظَامِهِ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ وَلَا سَلَامٍ، وَلَا رَدِّهِ وَلَوْ بِإِشَارَةٍ لِرَدِّ سَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي أَذَانِهِ وَلَا فِي تَلْبِيَتِهِ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِمَا، قَالَ سَنَدٌ: أَمَّا كَلَامُهُ فَمَكْرُوهٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ وَيُمْنَعُ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ، وَالْكَلَامَ وَرَدَّ السَّلَامِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَأَمَّا اشْتِغَالُهُ بِأَمْرٍ عَادِيٍّ مِنْ أَكْلٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً. (فَرْعٌ) فَإِنْ اُضْطُرَّ لِلْكَلَامِ مِثْلَ أَنْ يَخَافَ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ أَعْمَى أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ، فَإِنَّهُ يَتَكَلَّمُ وَيَبْنِي، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَمْ يُطِلْ فَإِنْ طَالَ ابْتَدَأَ وَلَوْ كَانَ لِحِفْظِ آدَمِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ انْتَهَى. (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا لَا يَرُدُّ بِإِشَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ إذَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا انْتَهَى. (قُلْتُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَرُدُّ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي سَلَّمَ عَلَيْهِ حَاضِرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَيَرُدُّ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ مُوسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ رَعَفَ مُقِيمٌ أَوْ أَحْدَثَ قَطَعَ وَأَقَامَ غَيْرُهُ، وَإِنْ رَعَفَ مُؤَذِّنٌ تَمَادَى فَإِنْ قَطَعَ وَغَسَلَ الدَّمَ ابْتَدَأَ، اللَّخْمِيُّ إنْ قَرُبَ يَبْنِي انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ نَاجِي، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَذَانِهِ فَلَا يَفْعَلُ وَلْيَبْتَدِئْ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَذَانِ أَوْ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ بَنَى فِيمَا قَرُبَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْإِقَامَةِ انْتَهَى. وَكَلَامُ أَشْهَبَ فِي الْإِقَامَةِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ، وَنَصَّهُ: " أَشْهَبُ إنْ رَعَفَ مُقِيمٌ أَوْ أَحْدَثَ أَوْ مَاتَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ابْتَدَأَ فَإِنْ بَنَى هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَجْزَأَ الشَّيْخُ يُرِيدُ تَوَضَّأَ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، وَصَحَّحَ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ، وَتَعَقَّبَهُ التُّونُسِيُّ بِأَنَّ وَضُوءَهُ طُوِّلَ وَإِقَامَةَ الْمُحْدِثِ لَا تَجُوزُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَإِنْ رَعَفَ أَوْ أَحْدَثَ فِي الْإِقَامَةِ فَلْيَقْطَعْ وَيُقِمْ غَيْرَهُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حُكْمُ الْإِقَامَةِ] (فَرْعٌ) وَحُكْمُ الْإِقَامَةِ كَحُكْمِ الْأَذَانِ كَمَا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَا يَفْصِلُ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ مَا شَرَعَا فِيهِ بِسَلَامٍ ابْتِدَاءً وَلَا بِرَدِّ سَلَامٍ وَلَا بِتَشْمِيتِ عَاطِسٍ، وَلَا كَلَامٍ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ فَرَّقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِمَا ذُكِرَ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ سُكُوتٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ

غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا بَنَى، وَإِنْ كَانَ مُتَفَاحِشًا اسْتَأْنَفَ. ص (وَبَنَى إنْ لَمْ يُطِلْ) ش: يَعْنِي فَإِنْ فَصَلَ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ بِكَلَامٍ أَوْ سَلَامٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ يَسِيرًا كَرَدِّ سَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ يَسِيرٍ فَإِنَّهُ يَبْنِي، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْأَذَانَ مِنْ أَوَّلِهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي أَذَانِهِ فَإِنْ فَعَلَ بَنَى إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى أَوْ دَابَّةٍ أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ وَشَبَهِهِ فَلْيَتَكَلَّمْ وَيَبْنِي، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ فَلْيَتَكَلَّمْ وَيَبْنِي انْتَهَى. زَادَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَكَذَلِكَ فِي التَّلْبِيَةِ وَلَا يَفْعَلُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ انْتَهَى، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي أَذَانِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَعَادَ بِالْقُرْبِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى، وَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَمِثْلُهُ إنْ عَرَضَ لَهُ رُعَافٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْطَعُ أَذَانَهُ أَوْ خَافَ تَلَفَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ خَافَ تَلَفَ أَحَدٍ أَعْمَى أَوْ صَبِيٍّ أَنْ يَقَعَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَذَانِهِ فَيَبْنِي إنْ قَرُبَ وَيَبْتَدِئُ إنْ بَعُدَ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: إنْ خَشِيَ تَلَفَ مَالِهِ، بَلْ وَكَذَلِكَ إنْ خَشِيَ تَلَفَ مَالِ غَيْرِهِ لِوُجُوبِ حِفْظِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (غَيْرُ مُقَدَّمٍ عَلَى الْوَقْتِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِذَلِكَ وَإِذَا قُدِّمَ عَلَى الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ فَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَعَادَ الْأَذَانَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَجُزْ وَلْيُعْلِمْ أَهْلَ الدُّورِ أَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَيُعِيدُ مَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى مِنْهُمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِي أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» . (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا إذَا عَلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا وَأَمَّا لَوْ صَلَّوْا فِي الْوَقْتِ ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يُعِيدُونَ الْأَذَانَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَخَافَةَ أَنْ يُقْبِلَ النَّاسُ إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ صُلِّيَتْ فَيَتْعَبُوا لِغَيْرِ فَائِدَةٍ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلِأَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا هُوَ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا إذَا وَقَعَتْ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ فَيُعِيدُونَ الْأَذَانَ وَالصَّلَاةَ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَمَنْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ أَعَادَ الْأَذَانَ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ فَلَا يُعِيدُ أَشْهَبُ وَكَذَلِكَ فِي الْإِقَامَةِ. ص (إلَّا الصُّبْحَ فَبِسُدُسِ اللَّيْلِ) ش يَعْنِي أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ أَذَانُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ سُدُسِ اللَّيْلِ كَمَا صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا حَمَلَ الْجُزُولِيُّ عَلَيْهِ قَوْلَ الرِّسَالَةِ: وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا إلَّا الصُّبْحَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا فِي السُّدُسِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ فَإِنَّ لَفْظَ لَا بَأْسَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَحَبِّ فِعْلُهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الْأَمْرِ الْمُبَاحِ الَّذِي يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ كَمَا، قَالَهُ فِي رَسْمِ الْمُحْرِمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَالْمُعْتَبَرُ اللَّيْلُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْجُزُولِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) إذَا أَذَّنَ لَهَا فِي السُّدُسِ الْآخِرِ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا أَذَانٌ آخَرُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ، قَالَ: ذَهَبَ النَّاسُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُؤَذَّنُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ إذَا كَانَ ثَمَّ مُؤَذِّنٌ آخَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْأَذَانَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الْفَجْرِ إنْ كَانَ يُحْسَبُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَدْ أُذِّنَ لَهَا فَلَا حَاجَةَ لِأَذَانٍ ثَانٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسَبُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا يَكُونُ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْمُؤَذِّنِينَ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَذِّنُ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ عَشَرَةٌ، وَفِي

الْعَصْرِ خَمْسَةٌ، وَفِي الْمَغْرِبِ وَاحِدٌ. التُّونُسِيُّ أَوْ جَمَاعَةٌ مَعًا، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ: مَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْأَذَانَ لَهَا عِنْدَ الْفَجْرِ مَشْرُوعٌ فَإِنَّهُ، قَالَ: وَقَدْ رَتَّبَ الشَّارِعُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - لِلصُّبْحِ أَذَانًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَذَانًا عِنْدَ طُلُوعِهِ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْأَذَانِ أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي أَوْقَاتُهَا مُمْتَدَّةٌ فَيُؤَذِّنُونَ فِي الظُّهْرِ مِنْ الْعَشَرَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي الْعَصْرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ، وَفِي الْعِشَاءِ كَذَلِكَ، وَالصُّبْحُ يُؤَذَّنُ لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ سُدُسِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ الْأَخِيرَ لَهَا يُؤَذِّنُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ إنَّمَا شُرِعَ لَهَا الْأَذَانُ فَقَطْ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَقُولُهُ الْمُؤَذِّنُونَ فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ ابْنِ شَعْبَانَ بِدْعَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَنْهَى الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ التَّسْبِيحِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنًا سِرًّا وَعَلَنًا لَكِنْ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِعُ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا شَيْئًا مَعْلُومًا، وَقَدْ رَتَّبَ الشَّارِعُ لِلصُّبْحِ أَذَانًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَذَانًا عِنْدَ طُلُوعِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَفَاسِدُ مِنْهَا التَّشْوِيشُ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ يَتَهَجَّدُ أَوْ يَقْرَأُ، وَمِنْهَا اجْتِمَاعُ الْعَوَامّ لِسَمَاعِ تِلْكَ الْأَلْحَانِ، فَيَقَعُ مِنْهُمْ زَعَقَاتٌ وَصِيَاحٌ عِنْدَ سَمَاعِهَا، وَمِنْهَا خَوْفُ الْفِتْنَةِ بِصَوْتِ الشَّبَابِ الَّذِينَ يَصْعَدُونَ عَلَى الْمَنَائِرِ لِلتَّذْكَارِ ثُمَّ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُنْهَى الْمُؤَذِّنُونَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ التَّسْحِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ عَوَائِدِ النَّاسِ فِي التَّسْحِيرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُسَحِّرُ بِالْآيَاتِ، وَالْأَذْكَارِ عَلَى الْمَوَادِنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَحِّرُ بِالطَّبْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَحِّرُ بِدَقِّ الْأَبْوَابِ وَيَقُولُونَ: قُومُوا كُلُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَحِّرُ بِالطَّارِّ، وَالشَّبَّابَةِ وَالْغِنَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَحِّرُ بِالْبُوقِ، وَالنَّفِيرِ وَكُلُّهَا بِدَعٌ وَبَعْضُهَا أَشْنَعُ مِنْ بَعْضٍ، وَرَدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَأَنْكَرَ أَيْضًا تَعْلِيقَ الْفَوَانِيسِ فِي الْمَنَائِرِ عَلَمًا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ وَعَلَى تَحْرِيمِهِمَا إذَا أَنْزَلُوهَا، قَالَ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَرَادُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِأَنْ يُنَوِّرُوا نَارًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: أَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا لِلصَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْطَفِئُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا يَرَاهُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فَيَتْرُكُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، وَقَدْ يَنْسَاهُ مَنْ هُوَ مُوَكَّلٌ بِهِ فَيَظُنُّ مَنْ يَرَاهُ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَيَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ، ثُمَّ قَالَ وَيَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ التَّذْكَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا أَمَرَ بِهِ وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ بَلْ هُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْحُدُوثِ أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ، وَهُوَ الَّذِي أَحْدَثَ التَّغَنِّيَ بِالْأَذَانِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ وَالْمَسِيلِيِّ أَنَّهُمَا أَجَازَا قِيَامَ الْمُؤَذِّنِينَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَذَكَرَ ابْنُ دَحُونٍ وَابْنُ جُرْجٍ خَالَفَا فِي ذَلِكَ، وَقَالَا فِي مُؤَذِّنٍ يَقُومُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَيُؤَذِّنُ وَيَتَهَلَّلُ بِالدُّعَاءِ وَيَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُصْبِحَ، وَقَامَ عَلَيْهِ قَائِمٌ، وَقَالَ: إنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْجِيرَانِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَقْطَعَ الضَّرَرَ وَيَجْرِي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الْأَذَانِ الْمَعْهُودِ فِي اللَّيْلِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّالِحِينَ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَجَزَمَ بِأَنَّ قِيَامَ الْمُؤَذِّنِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ قُرْبَةٌ وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي قِيَامِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: " وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ بِالْمَسْجِدِ آخِرَ اللَّيْلِ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ قُرْبَةٌ وَجَوَازُهُ بِعَسْعَسَةِ اللَّيْلِ مَعَ مُضِيِّ نِصْفِهِ وَمَنَعَهُ نَقْلًا ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ مُحْتَجًّا بِقَوْلِ مَالِكٍ بِعَدَمِ مَنْعِ صَوْتِ ضَرْبِ الْحَدِيدِ مَعَ الْمَسِيلِيِّ وَابْنِ دَحُونٍ مَعَ ابْنِ جُرْجٍ مُحْتَجِّينَ بِوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى فِعْلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ

وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَتَنَحْنُحُ الْمُؤَذِّنِ فِي السَّحَرِ مُحْدَثٌ وَكَرِهَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ لِلْبَقَاعِيِّ الشَّافِعِيِّ: إنَّ التَّسْبِيحَ مَشْرُوعٌ لِانْطِلَاقِ عِلَّةِ الْأَذَانِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ» رَوَاهُ السِّتَّةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ وَأَيْضًا فَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ بِأَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَعْلَمَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالسُّنَّةِ الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ لَمَّا نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النِّدَاءَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَكُنْ بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَكْبِيرًا أَوْ تَسْبِيحًا كَمَا يَقَعُ لِلنَّاسِ الْيَوْمَ، قَالَ: هَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ مُحْدَثٌ قَطْعًا وَقَدْ تَظَافَرَتْ الطُّرُقُ عَلَى التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْأَذَانِ فَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ مُقَدَّمٌ وَلَوْ كَانَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ لَمَا الْتَبَسَ عَلَى السَّامِعِينَ، وَمَسَاقُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمْ الِالْتِبَاسَ، وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمُنِيرِ: أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَذَانِ جَمِيعُ مَا يَصْدُرُ عَنْ الْمُؤَذِّنِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَهَيْئَةٍ، وَقَالَ: إنَّهُ غَرِيبٌ، قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا أَطْلَقَ لَكَانَ مَا أُحْدِثَ مِنْ التَّسْبِيحِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَمِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُمْلَةِ الْأَذَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّسْبِيحَ وَالتَّذْكِيرَ مُحْدَثٌ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ؟ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي فِعْلِهِ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَرَدَّ السَّخَاوِيُّ عَلَى الْبِقَاعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ صَحِيحٌ، وَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ، قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ حَجَرٍ وَلَا الْعِرَاقِيِّ وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ لَهُ مُنَازِعٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْهَاهُمْ الْإِمَامُ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ أَحْدَثُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ لَمْ يَكُنْ يُفْعَلْ فِيهَا فِي عَهْدِ مَنْ مَضَى مَعَ أَنَّهَا قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْحُدُوثِ، وَهِيَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ وَبَعْدَ أَذَانِ الْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَبَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَرْقَى الْمِنْبَرَ وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَالْكُلُّ فِي الْأَحْدَاثِ قَرِيبٌ مِنْ قَرِيبٍ أَعْنِي فِي زَمَانِنَا هَذَا انْتَهَى، وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْقَوْلِ الْبَدِيعِ: أَحْدَثَ الْمُؤَذِّنُونَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ الْأَذَانِ لِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ إلَّا الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَذَانِ وَإِلَّا الْمَغْرِبَ فَلَا يَفْعَلُونَهُ لِضِيقِ وَقْتِهَا وَكَانَ ابْتِدَاءُ حُدُوثِهِ فِي أَيَّامِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ وَبِأَمْرِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَمْرَ الصَّلَاحِ بْنِ أَيُّوبَ بِذَلِكَ كَانَ فِي أَذَانِ الْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُقَرَاءِ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُؤَذِّنِينَ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ عَقِبَ كُلِّ أَذَانٍ فَسُرَّ الْمُحْتَسِبُ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ بِدْعَةٌ أَوْ مَشْرُوعٌ؟ وَاسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: " وَافْعَلُوا الْخَيْرَ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ مِنْ أَجَلِّ الْقُرَبِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ عَلَى الْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الدُّعَاءِ عَقِبَهُ، وَالثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَقُرْبِ الْفَجْرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ وَفَاعِلُهُ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَدْ أَحْدَثَ بَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلصُّبْحِ أَنْ يَقُولَ: يَا دَائِمَ الْمَعْرُوفِ يَا كَثِيرَ الْخَيْرِ يَا مَنْ هُوَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفٌ يَا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا، وَذَكَرَ الْبُرْهَانُ الْبِقَاعِيُّ أَنَّهُ حَصَلَ بَيْنَ فُقَهَاءِ مَكَّةَ اخْتِلَافٌ فِي إنْكَارِ ذَلِكَ، وَفِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بِحَيْثُ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ ثُمَّ إنَّهُ أُحْدِثَ فِي مِصْرَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ فَأَلَّفَ فِيهِ جُزْءًا سَمَّاهُ

فرع التثويب بين الأذان والإقامة في الفجر

الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ فِي مَسْأَلَةِ يَا دَايِمَ الْمَعْرُوفِ} ، وَخَالَفَهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ وَأَلَّفَ جُزْءًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ سَمَّاهُ {الْقَوْلُ الْمَأْلُوفُ فِي الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِ الْمَعْرُوفِ} ، وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ: فَعُلِمَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ قَدْ أَتَى بِسُنَّةٍ شَرِيفَةٍ، وَهِيَ الدُّعَاءُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَرْجُوِّ الْإِجَابَةُ، وَكَوْنُهُ جَهَرَ بِهِ مُلْتَحِقٌ بِالْمَوَاطِنِ الَّتِي جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْجَهْرِ فِيهَا فَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُنَّةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ يَعْنِي الْبِقَاعِيَّ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَيْسَ بِمُنْحَطِّ الرُّتْبَةِ عَنْ التَّسْبِيحِ الَّذِي كَادَ يُسَمِّيهِ سُنَّةً انْتَهَى. يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ مَشْرُوعٌ، وَأَمَّا الْمَفْسَدَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْبِقَاعِيُّ فَهُوَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مُتَّصِلًا بِالْأَذَانِ وَبِصَوْتِ الْأَذَانِ عَلَى الْمَنَارِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَذَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ] (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مُحْدَثٌ، وَكَرِهَهُ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا الْأَذَانُ، وَالْإِقَامَةُ فَقَطْ فَأَمَّا دُعَاءٌ فِي آخِرِ الْأَذَانِ غَيْرَهُمَا فَلَا، وَاسْتَحَبَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُثَوَّبَ فِي الصُّبْحِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو شُجَاعٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّثْوِيبُ الْأَوَّلُ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ يُرِيدُ بِهِ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " قَالَ: وَالثَّانِي بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَرَوَى مَنْ احْتَجَّ لَهُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ بِلَالًا كَانَ إذَا أَذَّنَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ» ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَرَوَوْا أَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ جَاءَ أَبُو مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَيْحَكَ أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ ، مَا كَانَ فِي دُعَائِكَ الَّذِي دَعَوْتَ، مَا نَأْتِيكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا وَلَوْ كَانَ سُنَّةً لَمْ يُنْكِرْهُ إمَامُنَا مَالِكٌ فَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ التَّثْوِيبُ بِصَوَابٍ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ: أَنَّ التَّثْوِيبَ بَعْدَ الْأَذَانِ فِي الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ، حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ عَلَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: وَتَنَحْنُحُ الْمُؤَذِّنِ فِي السَّحَرِ فِي رَمَضَانَ مُحْدَثٌ وَكَرِهَهُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَحْنَحُونَ لِيُعْلِمُوا النَّاسَ بِالْفَجْرِ فَيَرْكَعُونَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَرَآهُ مِمَّا اُبْتُدِعَ، قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ حَدَثَ فِي عَهْدِ مُعَاوِيَةَ فَكَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ عَلَى الصَّوْمَعَةِ دَارَ إلَى الْأَمِيرِ، وَاخْتَصَّهُ بِأَذَانٍ ثَانٍ مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةَ إلَى حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ يَقُولُ: الصَّلَاةُ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَأَقَرَّ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ جَوَازُهُ وَذَكَرَ فِي صِفَةِ التَّسْلِيمِ أَنْ يَقُولَ: " السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ". قَالَ وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ، وَعَادَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَمْنَعُ مِنْ ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحْدَثَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ: التَّثْوِيبُ ضَلَالٌ أَنَّهُ أَرَادَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا التَّثْوِيبُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ اسْمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَابَ إلَيْهِ جِسْمُهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْمَرَضِ، وَمِنْهُ: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125] أَيْ مَرْجِعًا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَصْلُهُ مِنْ الْإِعْلَامِ يُقَالُ: ثَوَّبَ إذَا لَوَّحَ بِثَوْبِهِ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ انْتَهَى. أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ، وَقَالَ فِي الزَّاهِي: وَيَدْعُو الْمُؤَذِّنُ سُلْطَانَهُ بِأَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَيَدُورُ فِي الْأَذَانِ، وَالتَّثْوِيبُ مِنْ الضَّلَالِ انْتَهَى. وَهُوَ نَحْوُ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ بِلَفْظِ التَّثْوِيبِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: هُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَلَامُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ فِي رَسْمِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَلَفْظُهُ: " وَسُئِلَ عَنْ التَّثْوِيبِ فِي

رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَوَابٍ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُمَرَاءِ الْمَدِينَةِ أَرَادَ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ حَتَّى نُهِيَ عَنْهُ فَتَرَكَهُ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَقُولُهُ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَرَوَى مُجَاهِدٌ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا وَقَدْ أُذِّنَ وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ فَثَوَّبَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: اُخْرُجْ بِنَا عَنْ هَذَا الْمُبْتَدِعِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ التَّثْوِيبَ هُوَ قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ زَادَهَا مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ مِنْ الشِّيعَةِ، وَرَجَّحَ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ التَّثْوِيبَ فِي اللُّغَةِ الرُّجُوعُ إلَى الشَّيْءِ يُقَالُ: ثَابَ إلَى عَقْلِهِ أَيْ رَجَعَ، وَثَوَّبَ الرَّاعِي أَيْ: كَرَّرَ النِّدَاءَ، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْإِقَامَةِ تَثْوِيبٌ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْأَذَانِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا، وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» وَقَدْ يَقَعُ التَّثْوِيبُ عَلَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بِلَالٍ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَثْوِيبَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ» . وَلَيْسَ هَذَا التَّثْوِيبُ الَّذِي كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى ". وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: التَّثْوِيبُ الرُّجُوعُ فَمَنْ جَعَلَهُ قَوْلَهُ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " فَكَأَنَّهُ لَمَّا حَثَّ عَلَى الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ عَادَ إلَى الْحَثِّ عَلَى الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّثْوِيبُ هُوَ الْمُشْعِرُ بِحُضُورِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذَانِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَقِيلَ: إنَّمَا قِيلَ لِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ تَثْوِيبٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْرِيرٌ لِمَعْنَى الْحَيْعَلَتَيْنِ، وَقِيلَ: لِتَكْرِيرِهَا مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ ذَكَر الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مَسْأَلَةَ التَّثْوِيبِ وَأَنَّ التَّحْضِيرَ الْمُسْتَعْمَلَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ أَعْنِي قَوْلَهُمْ: الصَّلَاةُ حَضَرَتْ، وَكَذَلِكَ التَّأْهِيبُ لِلْجُمُعَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ: تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَقَالَ لَمْ يَقُلْ بِالتَّحْرِيمِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ بَلْ النَّاسُ فِيهِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَهُ وَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى اسْتِحْسَانِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ التَّصْبِيحُ يَعْنِي قَوْلَهُمْ: أَصْبَحَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَذَكِرَ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِي قِيَامِ الْمُؤَذِّنِ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَأَنَّهُ حَسَنٌ وَذَكَرَ أَيْضًا مَا يُفْعَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْبُوقِ وَالنَّفِيرِ فِي الْمَنَارِ فِي التَّسْحِيرِ فِي رَمَضَانَ، وَمَالَ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ الْقَرَوِيِّينَ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّهُ مَعْصِيَةٌ فِي أَفْضَلِ الشُّهُورِ، وَأَفْضَلِ الْأَمَاكِنِ وَأَنَّ قَاضِيَ الْقَيْرَوَانِ كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَأَجَابَهُ: إنْ عَادَ إلَى مِثْلِ هَذَا فَأَدِّبْهُ، وَقَالَ إنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الرَّجُلُ إذْ لَمْ يُجِزْ الْبُوقَ فِي الْأَعْرَاسِ إلَّا ابْنُ كِنَانَةَ فَأَجَابَهُ بِأَنْ قَالَ: تِلْكَ الْبُوقَاتُ الْمُنْكَرَةُ إلَّا فِي الْأَعْرَاسِ لَهَا لَذَّةٌ فِي النَّغَمَاتِ، وَسَمَاعِ الْأَصْوَاتِ كَمَا يُقَالُ فِي الْأَنْدَلُسِ وَأَمَّا هَذِهِ فَأَصْوَاتٌ مُفْزِعَةٌ تُفْزِعُ حَتَّى الْحِمَارِ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُحْدَثَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ حَسَنٌ كَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فِي الْمَنَارِ وَالتَّثْوِيبِ، وَالتَّأْهِيبِ، وَالتَّصْبِيحِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ: كَالْأَبْوَاقِ وَالنَّفِيرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا حَرَامًا، وَأَنَّ غَايَةَ مَا يَقُولُ الْمُخَالِفُ فِيهَا بِالْكَرَاهَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَإِنْكَارُ الْأَبْوَاقِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ. (قُلْتُ) وَمَنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَفْعَلُونَهُ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْأَذَانِ الثَّانِي لِلصُّبْحِ عَلَى سَطْحِ زَمْزَمَ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: الصَّلَاةَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْلَامًا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ قَبْلَ الْأَذَانِ الثَّانِي عَلَى حَزْوَرَةٍ {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: 95] الْآيَاتِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ يَقُولُ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] إلَى آخِرِ السُّورَةِ فَمَنْ أَجَازَ مَا تَقَدَّمَ يُجِيزُ هَذَا، وَمَنْ كَرِهَهُ يَكْرَهُهُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: إنَّ الْإِمَامَ يَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ قِرَاءَةِ {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: 95] وقَوْله تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] عِنْدَ إرَادَتِهِمْ الْأَذَانَ لِلْفَجْرِ، وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا بَرَكَةً، وَخَيْرًا لَكِنْ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَضَعَ الْعِبَادَةَ

تنبيه الأذان خلف المسافر

إلَّا حَيْثُ وَضَعَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي الضِّيَاءِ: مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْأَذَانُ الثَّانِي عَلَى حَزْوَرَةٍ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ مَفَاسِدِهِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَتَهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ إلَّا إذَا سَمِعَهُ، وَقَدْ يَدْخُلُ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَهُ أَوْ يَدْخُلُ عَقِبَيْهِ بِسُرْعَةٍ فَتَفُوتُ الشَّخْصَ الصَّلَاةُ. (قُلْتُ) وَفِي جَعْلِهِ مُنْكَرًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْمُؤَذِّنِينَ وَتَرْتِيبَهُمْ مَطْلُوبٌ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فَذَلِكَ لِعَدَمِ ضَبْطِ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ أَذَانُهُمْ عَلَى حَزْوَرَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ دُخُولِ الْإِمَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَالْحَزْوَرَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى وَزْنِ قَسْوَرَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبَعْضُ النَّاسِ يُشَدِّدُ الْوَاوَ، وَيَفْتَحُ الزَّايَ، وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ: عَزُّورَةً، وَهُوَ غَلَطٌ كَانَ سُوقَ مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ أُدْخِلَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [تَنْبِيه الْأَذَانُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ] (تَنْبِيهٌ) حَيْثُ اسْتَطْرَدَ الْكَلَامُ إلَى ذِكْرِ مَا أَحْدَثَهُ الْمُؤَذِّنُونَ فَلْنَخْتِمْ ذَلِكَ بِفُرُوعٍ ثَلَاثَةٍ لَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا. (أَحَدُهَا) الْأَذَانُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ، قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى تَسْمِينِ النِّسَاءِ: وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْبِدَعِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ تَنْظِيفَ الْبَيْتِ وَكَنْسَهُ عَقِبَ سَفَرِ مَنْ سَافَرَ مِنْ أَهْلِهِ، وَيَتَشَاءَمُونَ بِفِعْلِ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَيَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ لَا يُرْجِعُ الْمُسَافِرَ، وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُونَهُ حِينَ خُرُوجِهِمْ مَعَهُ إلَى تَوْدِيعِهِ فَيُؤَذِّنُونَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَرُدُّهُ إلَيْهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَمَنْ الْعَوَائِدِ الَّتِي أُحْدِثَتْ بَعْدَهَا فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَمَا يَذْكُرُ النَّاسُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ لِأَجْلِ شُؤْمِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالتَّدَيُّنِ بِالْبِدْعَةِ فَعُومِلُوا بِالضَّرَرِ الَّذِي يَتَوَقَّعُونَهُ وَقَدْ شَاءَ الْحَكِيمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمَكْرُوهَاتِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالِامْتِثَالِ انْتَهَى. وَقَالَ النَّاشِرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْإِيضَاحِ يُسْتَحَبُّ الْأَذَانُ لِمُزْدَحَمِ الْجِنِّ، وَفِي أُذُنِ الْحَزِينِ وَالصَّبِيِّ عِنْدَمَا يُولَدُ فِي الْيَمِينِ، وَيُقِيمُ فِي الْيُسْرَى، وَالْأَذَانُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ وَالْإِقَامَةُ، وَفِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ، هَلْ وَرَدَ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ خَبَرٌ؟ فَالْجَوَابُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ وُرُودَ خَبَرٍ وَلَا أَثَرٍ إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَعَلَّهُ مَقِيسٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ فَإِنَّ الْوِلَادَةَ أَوَّلُ الْخُرُوجِ إلَى الدُّنْيَا وَهَذَا أَوَّلُ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَهَذَا فِيهِ ضَعْفٌ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا تَوْقِيفًا انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " لِمُزْدَحَمِ الْجِنِّ " وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ «إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ» كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا قَوْلُهُ: " فِي أُذُنِ الْحَزِينِ " فَيُشِيرُ إلَى مَا أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ «عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَزِينًا، فَقَالَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَرَاك حَزِينًا فَمُرْ بَعْضَ أَهْلِكَ يُؤَذِّنْ فِي أُذُنِكَ فَإِنَّهُ دَوَاءٌ لِلْهَمِّ، فَجَرَّبْتُهُ فَوَجَدْتُهُ كَذَلِكَ» ، وَقَالَ كُلُّ مَنْ رَوَى مِنْ رِوَايَةِ الدَّيْلَمِيِّ: إنَّهُ جَرَّبَهُ فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ، وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَمَّنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ دَابَّةٍ فَأَذِّنُوا فِي أُذُنِهِ» انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ صَاحِبُ تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ: أَنَّ الْأَذَانَ عِنْدَ رُكُوبِ الْبَحْرِ مِنْ الْبِدَعِ. (الثَّانِي) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ فِي بَابِ {مَا يَقُولُ إذَا عَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ} يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَوَّذَ ثُمَّ يَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ ثُمَّ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ أَذَانَ الصَّلَاةِ فَقَدْ رَوَيْنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إلَى بَنِي حَارِثَةَ، وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي، فَقَالَ: لَوْ شَعَرْتُ أَنَّك تَلْقَى هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ، وَلَكِنَّكَ إذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ» وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُسْتَحَبُّ إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ جَابِرٌ

إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ» وَالْغِيلَانُ: طَائِفَةٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، وَهُمْ سَحَرَتُهُمْ وَمَعْنَى تَغَوَّلَتْ تَلَوَّنَتْ فِي صُوَرٍ انْتَهَى. وَزَادَ فِي الْأَذْكَارِ، فَقَالَ: وَالْمُرَادُ ادْفَعُوا شَرَّهُمْ بِالْأَذَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَدْبَرَ انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَهِيَ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ مِنْهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَا الْقُرْطُبِيُّ وَلَا الْأَبِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ بِإِثْرِ الْعَقِيقَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْخِتَانِ، وَالْخِفَاضِ، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ وَيُقِيمَ حِينَ يُولَدُ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ الْيُمْنَى، وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِهِ الْأُخْرَى، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابَ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي الْأُذُنِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَدْ جَرَى عَمَلُ النَّاسِ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَصِحَّتُهُ بِإِسْلَامٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْكَافِرِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الْكَافِرِ فَإِنْ أَذَّنَ كَانَ أَذَانُهُ إسْلَامًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ، قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَإِذَا أَذَّنَ كَافِرٌ كَانَ أَذَانُهُ إسْلَامًا انْتَهَى. (قُلْتُ) فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ أَذَانِهِ حُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ، وَيُظْهِرَ الْعُذْرَ الَّذِي ادَّعَاهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ أَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَقَالَ إنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ خَوْفًا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عُذْرُهُ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَلَهُمْ خِلَافٌ فِي وُقُوعِ الشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَانْظُرْ هَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا أَنَّ أَذَانَهُ يُجْزِئُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ لَا يُجْزِئُ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِقَلْبِهِ، وَاغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ. (قُلْتُ) قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا يُوهِمُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَأَمَّا بَحْثُهُمَا فِي الْإِجْزَاءِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ أَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَلِتَصْرِيحِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ أَذَانَ الْكَافِرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَلِأَنَّ أَوَّلَ الْأَذَانِ أَوْقَعَهُ قَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ إلَّا بَعْدَ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَأَيْضًا فَسَيَأْتِي أَنَّ الرِّدَّةَ يَبْطُلُ بِهَا الْأَذَانُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ مِنْ التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: وَإِنْ أَذَّنَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الرِّدَّةِ هَلْ تُبْطِلُ الْعَمَلَ بِمُجَرَّدِهَا أَوْ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّدَّةَ بِمُجَرَّدِهَا تُبْطِلُ الْعَمَلَ وَلِهَذَا جَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِبُطْلَانِ أَذَانِهِ، فَقَالَ: وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ بَطَلَ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنْ أَعَادُوا فَحَسَنٌ، وَإِنْ اجْتَزُوا بِذَلِكَ أَجْزَاهُمْ انْتَهَى. ص (وَعَقْلٍ) ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الْمَجْنُونِ وَلَا السَّكْرَانِ وَلَا الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَفِي النَّوَادِرِ وَإِذَا أَذَّنَ لِقَوْمٍ سَكْرَانُ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يُجْزِهِمْ فَإِنْ صَلَّوْا لَمْ يُعِيدُوا ص (وَذُكُورَةٍ) ش: فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ امْرَأَةٍ وَهَلْ أَذَانُ الْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ؟ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْأَذَانُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: سُنَّةٌ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ

مَمْنُوعٌ ثُمَّ، قَالَ الْخَامِسُ: الْأَذَانُ لِلْفَوَائِتِ وَالسُّنَنِ كَالْعِيدَيْنِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَأَذَانِ النِّسَاءِ لِلْفَرَائِضِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، فَاعْتَمَدَ فِي الشَّامِلِ آخِرَ كَلَامِهِ، فَقَالَ: وَيُكْرَهُ لِامْرَأَةٍ وَكَذَا، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ التَّأْذِينِ لِلْمَرْأَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ مَكْرُوهٌ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَتَرْكِ الْحَيَاءِ، وَإِنَّمَا تُسْمِعُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَمَنْ يَدْنُو مِنْهَا فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ كَصَلَاتِهَا وَتَلْبِيَتِهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَبِلَهُ، وَنَقَلَ فِي الْقَوَانِينِ: أَنَّ أَذَانَ الْمَرْأَةِ حَرَامٌ، وَالْأَذَانَ لِلْفَوَائِتِ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ، قَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَيْسَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِظَاهِرٍ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ الْكَرَاهَةُ فِي آخِرِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ عَلَى الْمَنْعِ، وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَا يُطْلَبُ مِنْ النِّسَاءِ اتِّفَاقًا، وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا الْأَذَانُ فَمَمْنُوعٌ فِي حَقِّهِنَّ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، ثُمَّ قَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى شُرُوطِ الْمُؤَذِّنِ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَانَ يَنْبَغِي قَبُولُ قَوْلِهَا إنْ اتَّصَفَتْ بِالْعَدَالَةِ لَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ الْأَذَانِ، وَأَقْدَمَتْ عَلَى مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عُقُوبَةً لَهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، نَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ: بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ صَوْتِهَا عَوْرَةٌ؛ لِرِوَايَةِ الصَّحَابَةِ عَنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: وَقَالَهُ ابْنُ هَارُونَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: لِضَرُورَةِ التَّعْلِيمِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا انْتَهَى. ص (وَبُلُوغٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ أَذَانَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا رَوَاهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَ مَعَ النِّسَاءِ وَفِي مَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ رَابِعًا وَعَزَاهُ لِلَّخْمِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَذَانُهُ إذَا كَانَ ضَابِطًا وَأَذَّنَ تَبَعًا لِبَالِغٍ، وَنَصُّهُ: " وَفِي صِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ ضَابِطًا تَابِعًا لِبَالِغٍ لِرِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ وَلَهَا وَلِرِوَايَةِ أَشْهَبَ وَاللَّخْمِيِّ انْتَهَى ". (قُلْتُ) مَا عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الصَّبِيِّ قَوْلَانِ مَا نَصُّهُ: " إنْ كَانَ مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يُخَاطِبُ بِالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَحِلُّ الْخِلَافِ كَوْنَهُ مُوَقِّتًا يُعْتَمَدُ عَلَى إخْبَارِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ، وَإِنْ صَحَّ مِنْ وَاحِدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَتِهِ، وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مَحْكُومٍ لَهُ بِالْعَدَالَةِ انْتَهَى. فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِيمَا إذَا كَانَ تَبَعًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ كَمَا، قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقِيمُ وَذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ احْتِجَاجِهِ أَنَّ مَا يُخَاطَبُ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُؤْمَرُ بِهِ قَبْلَهُ تَمْرِينًا لَهُ فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ إذَا سَافَرَ يُؤْمَرُ بِالْأَذَانِ وَكَذَا لَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَالْأَذَانُ يَجْمَعُهُمْ لَأُمِرُوا بِالْأَذَانِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّهِمْ، وَجَعَلَ ابْنُ بَشِيرٍ الْخِلَافَ فِي أَذَانِ الصَّبِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، فَقَالَ: وَهَلْ يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلْجُنُبِ وَالصَّبِيِّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ: الْكَرَاهَةُ وَالْجَوَازُ، فَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَاعٍ إلَى الصَّلَاةِ، وَهَذَانِ لَيْسَا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ إلَيْهَا، وَالْجَوَازُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، وَهَذَانِ مِنْ أَهْلِهِ انْتَهَى. فَلَمْ يُحْكَ فِيهِ إلَّا الْكَرَاهَةُ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، فَقَالَ: وَيُكْرَهُ أَذَانُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ انْتَهَى. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي الْمَنْعِ مِنْ كَوْنِهِ مُوَقِّتًا يُعْتَمَدُ عَلَى أَذَانِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا وَلَا إشْكَالَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ، وَأَذَّنَ أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَضْبِطُ الْأَوْقَاتَ وَيَأْمُرُ

الصَّبِيَّ بِالْأَذَانِ فَهَلْ يَصِحُّ أَذَانُهُ، وَتَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ وَيَسْقُطُ بِهِ الْوُجُوبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ أَمْ لَا هَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَبِهَذَا يَتَحَرَّرُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَدَّ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْبُلُوغَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجِبُ كَوْنُهُ عَدْلًا عَالِمًا بِالْوَقْتِ إنْ اُقْتُدِيَ بِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَأَمَّا صِفَاتُ الْكَمَالِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ إلَى آخِرِهَا فَيُحْمَلُ كَلَام ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً، وَكَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ غَيْرُ الْعَدْلِ وَغَيْرُ الْعَارِفِ بِالْأَوْقَاتِ صَحَّ أَذَانُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ لَمَّا عَدَّ شُرُوطَ الْمُؤَذِّنِ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِيهَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ مِنْ عَدِّهِ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الْمُؤَذِّن، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ يَشْتَرِطُ فِي الْمُؤَذِّنِ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ سَالِمًا مِنْ اللَّحْنِ فِيهِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ابْتِدَاءً، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا ذَكَرًا بَالِغًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ صَيِّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْجَوَاهِرِ: {الْفَصْلُ الثَّالِثِ فِي صِفَةِ الْمُؤَذِّنِ} يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا ذَكَرًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ فِي الْأَذَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَلْيَكُنْ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ، ثُمَّ قَالَ: وَلْيَكُنْ عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ لِتَقَلُّدِهِ عُهْدَتَهَا انْتَهَى. وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ السُّيُورِيِّ: يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ إقَامَتُهُ، وَمِنْ إقَامَةِ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْأَوْقَاتِ مَنْ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ وَيُنْهَوْنَ عَنْ سَبْقِهِ فَإِنْ انْتَهَوْا وَإِلَّا تُوُعِّدُوا فَإِنْ عَادُوا سُجِنُوا، وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: وَمَنْ تَعَدَّى بَعْدَ النَّهْيِ عُوقِبَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التُّونُسِيِّ: إنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا أَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَيُنْهَى أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَذَانِ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ أَدَبًا وَجِيعًا، وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَمَنْ صَلَّى بِتَقْلِيدِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ انْتَهَى. الثَّانِي عَدَّ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الْحُرِّيَّةَ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةَ، وَمَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ فِي الْمُؤَذِّنِ الْحُرِّيَّةَ، فَيَصِحُّ أَذَانُ الْعَبْدِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى أَذَانِ الصَّبِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَفَضَّلَهُ عَلَى أَذَانِ الْأَعْرَابِيِّ، وَوَلَدِ الزِّنَا وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا وَالْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا ذَكَرًا، وَفِي الصَّبِيِّ قَوْلَانِ فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ، وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا سَكْرَانَ، وَلَا امْرَأَةٍ، هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَذَانِ مَا عَدَا الذُّكُورِيَّةَ. شَرْطٌ فِي الْإِقَامَةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ انْتَهَى. (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ مَا ذَكَرَاهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا وَلَفْظُ التَّهْذِيبِ: وَلَا يُؤَذِّنُ وَلَا يَؤُمُّ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ، وَهَكَذَا فِي الْأُمِّ وَلَفْظُهَا: " وَلَا يُؤَذِّنُ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إمَامٌ وَلَا يَكُونُ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ إمَامًا " انْتَهَى. وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُمَا نَعَمْ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يُؤَذِّنُ الصَّبِيُّ وَلَا يُقِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ نِسَاءٍ أَوْ بِمَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ فَلْيُؤَذِّنْ وَيُقِيمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُقِمْ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْمُقِيمِ لِلْجَمَاعَةِ الْبَالِغِينَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا بَالِغًا، وَأَمَّا إذَا صَلَّى الصَّبِيُّ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ مُتَطَهِّرٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ إلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا بَادَرَ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ، فَيَكُونُ كَالْعَالِمِ الْعَامِلِ إذَا تَكَلَّمَ انْتَفَعَ النَّاسُ بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ

وَتُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ فِي الْأَذَانِ وَيَصِحُّ بِدُونِهَا، وَالْكَرَاهَةُ فِي الْجُنُبِ شَدِيدَةٌ وَفِي الْإِقَامَةِ أَشَدُّ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ بِأَذَانِ الْجُنُبِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا يُؤَذِّنُ الْجُنُبُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: حَمَلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلِابْنِ نَافِعٍ مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَبِهِ كَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي إلَى أَنْ مَاتَ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَكَمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الْأَذْكَارِ اتِّفَاقًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، فَكَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الْأَذَانِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ: إنَّ الْجُنُبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَابِرِ سَبِيلٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ وَالِاسْتِحْبَابُ لِلْمُقِيمِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِيمُ إلَّا مَنْ يُشَارِكُ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يُصَلُّونَ أَوْ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ كَثِيرَةٌ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الِاعْتِبَارِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُقِيمُ، وَقَدْ يَفْتَرِقُ حَالُ الْكَرَاهَةِ بِالْقُوَّةِ، وَالضَّعْفِ فِي حَقِّ مَنْ يُخَفِّفُ الْوُضُوءَ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا وَتَقَدَّمَ حُكْمُ أَذَانِ الْجُنُبِ انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ: وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ جَوَازَهُ لِلْقَاعِدِ، وَكَذَلِكَ رَوَى فِي الْجُنُبِ كَمَذْهَبِ سَحْنُونٍ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ انْتَهَى. أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْكَرَاهَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ حَتَّى، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي تُبَّانٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ سَرَاوِيلَ فَلْيُعِدْهُمَا إنْ لَمْ يُصَلُّوا، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَفْظُهُ: يُسْتَحَبُّ حُسْنُ الْهَيْئَةِ إلَخْ. ص (صَيِّتٌ) ش: الْمُرَادُ بِالصَّيِّتِ: الْمُرْتَفِعُ الصَّوْتُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَإِذَا كَانَ صَيِّتًا كَانَ أَبْلَغَ فِي الْإِسْمَاعِ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجَوَاهِرِ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَابْنُ نَاجِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَأَنْتَ أَنْدَى مِنْهُ صَوْتًا» ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ قِيلَ: أَرْفَعُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَحْسَنَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَإِنَّكَ فَظِيعُ الصَّوْتِ، فَفِيهِ أَنَّهُ يُخْتَارُ لِلْأَذَانِ أَصْحَابُ الْأَصْوَاتِ النَّدِيَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَيُكْرَهُ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ غِلْظَةٌ أَوْ فَظَاعَةٌ أَوْ تَكَلُّفُ زِيَادَةٍ، وَلِذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَهُ مُؤَذِّنٌ يَطْرَبُ فِي أَذَانِهِ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْأَذَانُ سَهْلٌ سَمْحٌ فَإِنْ كَانَ أَذَانُكَ سَهْلًا سَمْحًا فَأَذِّنْ وَإِلَّا فَلَا» انْتَهَى، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا مُعْلَنًا يُرْفَعُ بِهِ الصَّوْتَ، وَعَدَّ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ لَحَّانٍ، وَأَنْ يَكُونَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، وَأَنْ يَكُونَ يَقُومُ بِأُمُورِ الْمَسْجِدِ، وَأَنْ يُؤَانِسَ الْغَرِيبَ، وَأَنْ لَا يَغْضَبَ عَلَى مَنْ أَذَّنَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ جَلَسَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَنْ يَكُونَ صَادِقَ الْقَوْلِ، وَيَحْفَظَ حَقَّهُ عَنْ ابْتِلَاعِ الْحَرَامِ، وَأَنْ يُؤَذِّنَ لِلَّهِ خَالِصًا، وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي صِفَاتِ الْأَذَانِ: الْأُولَى أَنْ يُبَالِغَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِمَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ فَكُلَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ كَانَ أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُتَرَسِّلًا أَيْ: مُتَمَهِّلًا مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا مَدٍّ مُفْرِطٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَيَجْتَهِدُ مُؤَذِّنُو مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ فِي مَدِّ أَذَانِهِمْ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ لِانْتِفَاعِ أَهْلِ الْبُيُوتِ وَلِاقْتِدَاءِ مُؤَذِّنِي الْعَشَائِرِ بِهِمْ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ التَّطْرِيبُ فِي الْأَذَانِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ وَالتَّطْرِيبُ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ وَتَرْعِيدُهُ، وَأَصْلُهُ خِفَّةٌ تُصِيبُ الْمَرْءَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ أَوْ مِنْ شِدَّةِ التَّحْزِينِ، وَهُوَ مِنْ الِاضْطِرَابِ أَوْ الطَّرِبَةِ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: التَّطْرِيبُ فِي الْأَذَانِ مُنْكَرٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ التَّحْزِينُ

مِنْ غَيْرِ تَطْرِيبٍ وَلَا يَنْبَغِي إمَالَةُ حُرُوفِهِ وَالتَّغَنِّي فِيهِ وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُحْدَرًا مُعْلَنًا يُرْفَعُ بِهِ الصَّوْتُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالتَّطْرِيبُ: مَدُّ الْمَقْصُورِ، وَقَصْرُ الْمَمْدُودِ، وَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلًا يُطْرِبُ فِي أَذَانِهِ، فَقَالَ لَوْ كَانَ عُمَرُ حَيًّا فَكَّ لَحْيَيْكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: يُكْرَهُ التَّطْرِيبُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَالْوَقَارَ، وَيَنْحُو إلَى الْغِنَاءِ وَالْكَرَاهَةُ فِي التَّطْرِيبِ عَلَى بَابِهَا إنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ، وَأَلْحَقَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّحْزِينَ بِالتَّطْرِيبِ، نَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا الْحَسَنُ الصَّوْتِ فَحَسَنٌ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رَأَيْت الْمُؤَذِّنِينَ بِالْقَاهِرَةِ يَسْتَعْمِلُونَ التَّطْرِيبَ وَأَظُنُّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ يَرَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَخْشَعُ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ النُّفُوسُ تَخْشَعُ لِلصَّوْتِ الْحَسَنِ كَمَا تَخْشَعُ لِلْوَجْهِ الْحَسَنِ. ابْنُ نَاجِي فَرَّقَ بَيْنَ الصَّوْتِ الْحَسَنِ وَالتَّطْرِيبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: يُكْرَهُ التَّطْرِيبُ فِي الْأَذَانِ، وَكَذَلِكَ التَّحْزِينُ وَيُكْرَهُ إمَالَةُ حُرُوفِهِ وَإِفْرَاطُ الْمَدِّ فِيهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ، ثُمَّ قَالَ: وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُؤَذِّنَ بِالْأَلْحَانِ مِمَّا يُشْبِهُ الْغِنَاءَ حَتَّى لَا يُعْلَمَ مَا يَقُولُهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَهْجَنَةٌ قَرِيبَةُ الْحُدُوثِ أَحْدَثَهَا بَعْضُ الْأُمَرَاءِ بِمَدْرَسَةٍ بَنَاهَا ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ: وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ: التَّلْحِينُ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ مِنْ الْبَغْيِ وَالِاعْتِدَاءِ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ لِابْنِ عُمَرَ: إنِّي لَأُحِبّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إنِّي لَأَبْغَضُكَ فِي اللَّهِ؛ لِأَنَّكَ تُغَنِّي فِي أَذَانِكَ، وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: وَالتَّطْرِيبُ وَالتَّحْزِينُ مَكْرُوهٌ وَالْمُغَيِّرُ لِلْمَعْنَى أَوْ الْقَادِحُ فِيهِ مَمْنُوعٌ انْتَهَى. فَتُحَصِّلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ، وَمُرْتَفِعَ الصَّوْتِ، وَأَنْ يُرْجِعَ صَوْتَهُ، وَيُكْرَهُ الصَّوْتُ الْغَلِيظُ الْفَظِيعُ، وَالتَّطْرِيبُ وَالتَّحْزِين إنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ وَإِلَّا حَرُمَ. (فَوَائِدُ الْأُولَى) فِي بَيَانِ أُمُورٍ يَغْلَطُ فِيهَا الْمُؤَذِّنُونَ مِنْهَا: مَدُّ الْبَاءِ مِنْ " أَكْبَرُ " فَيَصِيرُ جَمْعَ كَبَرٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَهُوَ الطَّبْلُ فَيَخْرُجُ إلَى مَعْنَى الْكُفْرِ، وَمِنْهَا: الْمَدُّ فِي أَوَّلِ " أَشْهَدُ " فَيَخْرُجُ إلَى حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا إنْشَائِيًّا، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُونَ فِي أَوَّلِ الْجَلَالَةِ، وَمِنْهَا الْوَقْفُ عَلَى " لَا إلَهَ " وَهُوَ كُفْرٌ وَتَعْطِيلٌ، قَالَ الْقَرَافِيُّ وَقَدْ شَاهَدْتُ مُؤَذِّنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة يَمُدُّ إلَى أَنْ يَفْرُغَ نَفَسُهُ هُنَاكَ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ " إلَّا اللَّهُ "، وَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُدْغِمُ تَنْوِينَ مُحَمَّدًا فِي الرَّاءِ بَعْدَهَا، وَهُوَ لَحْنٌ خَفِيٌّ عِنْدَ الْقُرَّاءِ، وَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَنْطِقُ بِالْهَاءِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " وَلَا بِالْحَاءِ مِنْ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " فَيَخْرُجُ إلَى الدُّعَاءِ إلَى " صَلَا النَّارِ " فِي الْأَوَّلِ وَإِلَى " الْفَلَا " فِي الثَّانِي وَالْفَلَا: جَمْعُ فَلَاةٍ، وَهِيَ الْمَفَازَةُ نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْقَرَافِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَزَادَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: مَدَّ هَمْزَةِ " أَكْبَرُ " وَتَسْكِينَهَا، وَفَتْحَ النُّونِ مِنْ " أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ "، وَالْمَدَّ عَلَى هَاءِ " إلَهَ " وَتَسْكِينَهَا أَوْ تَنْوِينَهَا، وَهُوَ أَفْحَشُ، وَالْإِتْيَانَ بِهَاءٍ زَائِدَةٍ بَعْدَ الْهَاءِ مِنْ " إلَهَ " وَضَمَّ " مُحَمَّدًا "، وَمَدَّ " حَيَّ " أَوْ تَخْفِيفَهَا، وَإِبْدَالَ هَمْزَةِ " أَكْبَرُ " وَاوًا، وَقَدْ اسْتَخَفُّوهُ فِي الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ هُنَاكَ أَحْرَى انْتَهَى. مُخْتَصِرًا. (قُلْتُ) وَيَبْقَى شَيْءٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَهُوَ: إشْبَاعُ مَدِّ أَلْفِ الْجَلَالَةِ الَّتِي بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ سَبَبٌ لَفْظِيٌّ يَقْتَضِي إشْبَاعَ مَدِّهَا فِي الْوَصْلِ أَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَيْهَا كَمَا فِي آخِرِ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، فَالْمَدُّ حِينَئِذٍ جَائِزٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، نَعَمْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي النَّشْرِ فِي بَابِ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ: أَنَّ الْعَرَبَ تَمُدُّ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغَاثَةِ، وَعِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ الشَّيْءِ، وَيَمُدُّونَ مَا لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ انْتَهَى. ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الْمَوَاقِيتِ مَا نَصُّهُ: " وَقَصْرُ الْأَلْفِ الثَّانِي مِنْ اسْمِ اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا فِي الشِّعْرِ، وَالْإِسْرَافُ فِي مَدِّهِ مَكْرُوهٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْمَدِّ انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي " أَكْبَرَ " هَلْ مَعْنَاهُ كَبِيرٌ لِاسْتِحَالَةِ الشَّرِكَةِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ فِي الْكِبْرِيَاءِ، وَصِيغَةُ أَفْعَلَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ الشَّرِكَةِ أَوْ مَعْنَاهُ: أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُلُوكَ وَغَيْرَهُمْ فِي الْعَادَةِ يُوصَفُونَ

بِالْكِبْرِيَاءِ فَحَسُنَتْ صِيغَةُ أَفْعَلَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ انْتَهَى. وَمَعْنَى " أَشْهَدُ " أَتَيَقَّنُ وَأَعْلَمُ، " وَالْإِلَهُ " الْمَعْبُودُ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْمَعْبُودِ كَيْفَ كَانَ، لِوُجُودِ الْمَعْبُودِينَ فِي الْوُجُودِ كَالْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ، بَلْ ثَمَّ صِفَةٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُهَا " لَا مَعْبُودَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةِ إلَّا اللَّهُ "، وَمَنْ لَمْ يُضْمِرْ هَذِهِ الصِّفَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ تَشَهُّدُهُ كَذِبًا، " وَحَيَّ " اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى: أَقْبِلْ يُقَالُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ تَقُولُ الْعَرَبُ: حَيَّ عَلَى الثَّرِيدِ، أَيْ: أَقْبِلْ، وَيُقَالُ: هَلًا عَلَى الثَّرِيدِ بِمَعْنَاهُ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ: " حَيَّ هَلًا " بِالتَّنْوِينِ وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ بِتَسْكِينِ اللَّامِ، وَبِتَحْرِيكِهَا بِالْفَتْحِ مَعَ الْأَلْفِ، وَيُعَدَّى بِعَلَى كَمَا فِي الْأَذَانِ، وَبِإِلَى وَبِالْبَاءِ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّهَلَا بِعُمَرَ» ، " وَالْفَلَاحُ " فِي اللُّغَةِ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، أَفْلَحَ الرَّجُلُ: إذَا أَصَابَ خَيْرًا انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: الْفَلَاحُ الْبَقَاءُ فِي الْجَنَّةِ الزَّنَاتِيُّ: الْفَلَاحُ بِالْفَوْزِ بِالْمُنَى بَعْدَ النَّجَاةِ مِمَّا يُتَّقَى انْتَهَى. وَلَا بُدَّ مِنْ مُضَافٍ أَيْ عَلَى سَبَبِ الْفَوْزِ أَوْ سَبَبِ الْبَقَاءِ فِي الْجَنَّةِ أَوْ سَبَبِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ حَدِيثٌ وَإِنَّمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ، وَالْقُرْطُبِيُّ، وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَالْحَرِيرِيُّ فِي الْمُقَامَةِ التَّاسِعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: الْأَذَانُ عَلَى قِلَّةِ أَلْفَاظِهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَسَائِلِ الْعَقِيدَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْأَكْبَرِيَّةِ، وَهِيَ وُجُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَوُجُوبُهُ وَكَمَالُهُ ثُمَّ ثَنَّى بِالتَّوْحِيدِ، وَنَفْيِ التَّشْرِيكِ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِإِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ، ثُمَّ دَعَا مَنْ أَرَادَ مَنْ لِطَاعَتِهِ، ثُمَّ ضَمِنَ ذَلِكَ بِالْفَلَاحِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ ثَمَّ جَزَاءً، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْمُعَادِ، ثُمَّ أَعَادَ مَا أَعَادَ تَوْكِيدًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَصْلُهُ لِلْقَاضِيَّ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ لَهُ جَعْلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي أَذَانِهِ لِمَالِكٍ وَالْأُمَّهَاتِ، وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ الْإِقَامَةَ، وَقِيلَ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلْمُؤَذِّنِ، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. وَإِذَا اُسْتُحِبَّ فِي الْأَذَانِ اُسْتُحِبَّ فِي الْإِقَامَةِ كَمَا قَاسَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَوَازَهُ فِيهَا عَلَى جَوَازِهِ فِي الْأَذَانِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْإِقَامَةَ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ جَازَ فِي الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَوْضِعِهَا كَمَا لَا يُخِلُّ بِمَوْضِعِهِ انْتَهَى. وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِسْمَاعِ وَمَا حَكَاهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ حَكَاهُ فِي النَّوَادِرِ وَلَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الطِّرَازِ اسْتِحْبَابَهُ إلَّا عَنْ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَرْجَحُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحْسِنِ لَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ بِهِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ انْتَهَى. وَنُقِلَ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: وَرَأَيْت الْمُؤَذِّنِينَ بِالْمَدِينَةِ لَا يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ قَالَ وَرَأَيْت الْمُؤَذِّنِينَ بِالْمَدِينَةِ يَفْعَلُونَهُ وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ " لَا "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (مُرْتَفِعٌ) ش: الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي {بَابِ مَا جَاءَ فِي الْأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ} عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَحْمَدُكَ وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ، قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ، قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَلَا غَيْرُهُ، قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي الْقَوْلِ الْمَأْلُوفِ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ النَّوَّازِ أُمِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَتْ كَانَ بَيْتِي أَطْوَلَ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ فَوْقَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا أَذَّنَ إلَى أَنْ بَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَهُ فَكَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدَهُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ رُفِعَ لَهُ شَيْءٌ فَوْقَ ظَهْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَمَنْ السُّنَّةِ الْمَاضِيَةِ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْمَنَارِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى بَابِهِ وَكَانَ

الْمَنَارُ عِنْدَ السَّلَفِ بِنَاءً يَبْنُونَهُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ كَهَيْئَتِهِ الْيَوْمَ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَحْدَثُوا فِيهِ أَنَّهُمْ عَمِلُوهُ مُرَبَّعًا عَلَى أَرْكَانٍ أَرْبَعَةٍ، وَكَانَ فِي عَهْدِ السَّلَفِ مُدَوَّرًا، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبُيُوتِ خِلَافًا لِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْمَنَارِ، وَذَلِكَ يُمْنَعُ لِوُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) : مُخَالَفَةُ السَّلَفِ (الثَّانِي) : أَنْ يَكْشِفَ حَرِيمَ الْمُسْلِمِينَ (الثَّالِثُ) : أَنَّ صَوْتَهُ يَبْعُدُ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَنِدَاؤُهُ إنَّمَا هُوَ لَهُمْ وَقَدْ بَنَى بَعْضُ مُلُوكِ الْعَرَبِ مَنَارًا زَادَ فِي عُلُوِّهِ فَبَقِيَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ لَا يَسْمَعُ أَحَدٌ مِنْ تَحْتِهِ صَوْتَهُ، وَهَذَا إذَا تَقَدَّمَ وُجُودُ الْمَنَارِ عَلَى بِنَاءِ الدُّورِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدُّورُ مَبْنِيَّةً ثُمَّ جَاءَ بَعْضُ النَّاسِ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ الْمَنَارَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ عَلَيْهِمْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَنَارِ وَالدُّورِ سِكَكٌ وَبُعْدٌ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا طَلَعَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْمَنَارِ، وَيَرَى النَّاسَ فِي أَسْطِحَةِ بُيُوتِهِمْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ الْمَنَارُ أَعْلَى مِنْ الْبُيُوتِ قَلِيلًا أَسْمَعَ النَّاسَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُرْتَفِعًا كَثِيرًا انْتَهَى. وَالْمَنَارُ فِي اللُّغَةِ عَلَمُ الطَّرِيقِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمَنَارَةُ: الَّتِي يُؤَذَّنُ عَلَيْهَا، وَالْمَنَارَةُ أَيْضًا يُوضَعُ فَوْقَهَا السِّرَاجُ، وَهِيَ مَفْعَلَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْجَمْعُ الْمَنَاوِرُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النُّورِ، وَمَنْ قَالَ: مَنَائِرُ، وَهَمَزَ فَقَدْ شَبَّهَ الْأَصْلَ بِالزَّائِدِ انْتَهَى. وَهُوَ شَاذٌّ وَيُقَال لَهَا أَيْضًا: الْمِئْذَنَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ، ثُمَّ هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ كُرَاعٍ أَنَّهُ يُقَالُ: مَأْذَنَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ آخِرِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَنَارُ سَابِقًا عَلَى بِنَاءِ الدُّورِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الصُّعُودِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْبَيَانِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الصُّعُودِ وَلَوْ كَانَ الْمَنَارُ قَدِيمًا، قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قِيلَ لِسَحْنُونٍ: فَالْمَسْجِدُ يُجْعَلُ فِيهِ الْمَنَارُ فَإِذَا صَعِدَ الْمُؤَذِّنُ فِيهِ عَايَنَ مَا فِي الدُّورِ الَّتِي يُجَاوِرُهَا الْمَسْجِدُ فَيُرِيدُ أَهْلُ الدُّورِ مَنْعَهُ مِنْ الصُّعُودِ وَرُبَّمَا كَانَتْ بَعْضُ الدُّورِ عَلَى الْبُعْدِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ الْفِنَاءُ الْوَاسِعُ أَوْ السِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ؟ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ الصُّعُودِ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الضَّرَرِ، قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْأَذَانِ فِي أَنَّ الِاطِّلَاعَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي يَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَطْعِهِ، وَكَذَا يَجِبُ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي مِلْكِهِ اطِّلَاعًا عَلَى جَارِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِسَدِّهِ، وَيُقَالُ لِجَارِهِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ أَنَّ الْمَنَارَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمُؤَذِّنِ وَإِنَّمَا يَصْعَدُ عَلَيْهِ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى حُرَمِ النَّاسِ مَحْظُورٌ، وَلَا يَحِلَّ الدُّخُولُ فِي نَافِلَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدُّورُ عَلَى الْقُرْبِ أَوْ عَلَى الْبُعْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبُعْدُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ مَعَهُ الْأَشْخَاصُ وَالْهَيْئَاتُ، وَلَا الذُّكْرَانُ مِنْ الْإِنَاثِ فَلَا يُعْتَبَرُ الِاطِّلَاعُ مَعَهُ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَنْهَى الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ أَذَانِ الشَّبَابِ عَلَى الْمَنَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوْصَافِ الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَتْقَاهُمْ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي الشَّبَابِ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ الَّذِي يَصْعَدُ عَلَى الْمَنَارِ أَنْ يَكُونَ مُتَزَوِّجًا؛ لِأَنَّهُ أَغَضُّ لِطَرَفِهِ، وَالْغَالِبُ فِي الشَّبَابِ عَدَمُ ذَلِكَ وَالْمَنَارُ لَا يَصْعَدُهُ إلَّا مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ بِمَدِينَةِ فَاسَ يَصْحَبُ إمَامَ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ الَّذِي هُنَاكَ، وَكَانَ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدٌ حَسَنُ الصَّوْتِ فَطَلَبَ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِوَلَدِهِ فِي الصُّعُودِ عَلَى الْمَنَارِ لِيُؤَذِّنَ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ تَمْنَعُهُ؟ قَالَ: إنَّ الْمَنَارَ لَا يَصْعَدُهُ عِنْدَنَا إلَّا مَنْ شَابَ ذِرَاعَاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الطَّعْنِ فِي السِّنِّ، وَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تُحْدِثَ الْفِتْنَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنَاتِ فَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمَنَارِ، وَأَمَّا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَلَى سَطْحِهِ إذَا كَانَ لَا يَكْشِفُ أَحَدًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَيَحِقُّ عَلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الِاخْتِيَارِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُؤَذِّنِيهِمْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالسِّنِّ وَالرِّضَا؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُونُونَ

عَلَى أَوْقَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعِمَادِ دِينِهِمْ، وَلَعَلَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إمَامَةِ بَعْضِهِمْ، فَيَكُونُ لِلْإِمَامَةِ أَهْلًا (الثَّالِثُ) : تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ أَذَانَ الْمُؤَذِّنِ إمَّا عَلَى الْمَنَارِ قَرِيبًا مِنْ الْبُيُوتِ أَوْ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى بَابِهِ، وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ: لَمَّا ذَكَرَ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤَذَّنُ لِلْعِشَاءِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْأَذَانِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ لَيْلَةُ الْجَمْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (قَائِمٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ قَائِمًا اتِّبَاعًا لِمَا مَضَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْلَغُ فِي الْإِسْمَاعِ، قَالَ فِي الْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذَّنَ قَاعِدًا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا، وَقَالَ: إلَّا مَنْ عُذِرَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مَرِيضًا انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَرَاذِعِيِّ: وَلَا يُؤَذِّنُ قَاعِدًا إلَّا مَنْ عُذِرَ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مَرِيضًا، قَالَ ابْنُ نَاجِي: يُرِيدُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ كَمَا سَيَأْتِي الْآنَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِسْمَاعُ، وَهُوَ مِنْ الْقَائِمِ أَبْلَغُ وَفِي كِتَابِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُهُ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِأَبِي الْفَرَجِ كَالرِّوَايَةِ، قَالَ وَمِثْلُهُ لِأَبِي ثَوْرٍ، وَكُلُّ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَذَانُ قَاعِدًا إلَّا لِمَرِيضٍ لِنَفْسِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ الْقِيَامَ سُنَّةٌ فَلَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ صَحَّ أَذَانُهُ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذَّنَ مُضْطَجِعًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ صَحَّ أَذَانُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِعْلَامُ وَقَدْ حَصَلَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَكَلَامُ عِيَاضٍ إنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءً فَلَعَلَّهُ يَقُولُ: يُجْزِئُ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِكْمَالِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكُرِهَ أَذَانُ الْقَاعِدِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ انْتَهَى. وَعَدَّ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَكَانَ مَالِكٌ يُنْكِرُ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ قَاعِدًا، وَيَقُولُ: لَنْ يَبْلُغَنِي عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فِعْلُهُ فَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ فَلْيَدَعْ الْأَذَانَ، وَمَنْ جَهِلَ فَأَذَّنَ قَاعِدًا مَضَى وَلَمْ يُعِدْ الْأَذَانَ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَائِمٌ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " إلَّا مَنْ عُذِرَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مَرِيضًا ". (فَرْعٌ) وَأَمَّا أَذَانُ الرَّاكِبِ فَجَائِزٌ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَائِمِ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: بَلْ هُوَ أَتَمُّ ارْتِفَاعًا وَأَكْثَرُ إسْمَاعًا لَا كَمَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَالْقَاعِدِ انْتَهَى. وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَ الْقَاعِدِ وَالرَّاكِبِ. (قُلْتُ) بَلْ التَّحْقِيقُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّاكِبَ أَنْدَى صَوْتًا مِنْ الْقَاعِدِ، وَقَالَ قَبْلَهُ اخْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ بِلَفْظِ: " وَيُؤَذِّنُ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ " قَالَ: وَهُوَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، وَلِذَلِكَ حَذَفَهُ الْبَرَاذِعِيُّ يَعْنِي قَوْلَهُ: " فِي السَّفَرِ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (مُسْتَقْبِلٌ إلَّا لِإِسْمَاعٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَدُورُ فِي أَذَانِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِّ الْأَذَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ وَيُؤَذِّنَ كَيْفَ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَرَأَيْت الْمُؤَذِّنِينَ فِي الْمَدِينَةِ يَتَوَجَّهُونَ إلَى الْقِبْلَةِ فِي أَذَانِهِمْ، وَيُقِيمُونَ عَرْضًا وَذَلِكَ وَاسِعٌ يَصْنَعُ كَيْفَ شَاءَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الِالْتِفَاتُ وَالدَّوَرَانُ لِقَصْدِ الْإِسْمَاعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إنْكَارُهُ كَالشَّافِعِيِّ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَلْتَفِتَ بِوَجْهِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَبَدَنُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَنَهَاهُ أَنْ يَدُورَ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ» ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الدَّوَرَانَ يَجُوزُ فِي حَالَةِ الْأَذَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا: اخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَوْ إنَّمَا يَدُورُ بَعْدَ فَرَاغِ الْكَلِمَةِ أَوْ إنْ لَمْ يُنْقِصْ مِنْ صَوْتِهِ، فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ الْحَارِثِ: إنَّهُ لَا يَدُورُ إلَّا عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَجَازَ مَالِكٌ الدَّوَرَانَ

وَالِالْتِفَاتَ عَنْ الْقِبْلَةِ لِقَصْدِ الْإِسْمَاعِ وَفِي الْوَاضِحَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَيْ اسْتِحْبَابًا، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَيْ وُجُوبًا وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْكِتَابَيْنِ مُتَّفِقٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الدَّوَرَانُ وَالِالْتِفَاتُ لِلْإِسْمَاعِ مَشْرُوعٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ، وَنَصُّهُ: " وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ فَأَمَّا دَوَرَانُهُ وَوَضْعُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِبْلَاغِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ " انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ لَفْظَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَطْلُوبٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشْرُوعِيَّةِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْأَذَانِ، وَقَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَقَالَ: إنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَا يَدُورُ وَلَا يَلْتَفِتُ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَجَائِزٌ أَنْ يَبْتَدِئَ الْأَذَانَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ص (وَحِكَايَتُهُ لِسَامِعِهِ لِمُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ مَثْنًى وَلَوْ مُتَنَفِّلًا لَا مُفْتَرِضًا) ش يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حِكَايَةُ الْمُؤَذِّنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ حُكْمَهَا الِاسْتِحْبَابُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَطْلَقَ ابْنُ زَرْقُونٍ عَلَيْهَا الْوُجُوبَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُهُ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: هُوَ قُصُورٌ بَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ لِنَقْلِ ابْنِ شَاسٍ فِي التَّهْذِيبِ، قَالَ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَسَمِعْنَا فِي الْمُذَكِّرَاتِ قَوْلَيْنِ: الْوُجُوبَ وَنَفْيَهُ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْخِلَافَ ابْنُ رُشْدٍ، فَقَالَ: وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ لَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ عَنْهُ هِيَ تَبَعِيَّةُ قَوْلِ الْحَاكِي لِلْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ الَّذِي هُوَ الْأَذَانُ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ: لِمُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْحِكَايَةَ تَنْتَهِي إلَى قَوْلِهِ: " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقُلْ مِثْلَ مَا يَقُولُ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَقَعُ فِي قَلْبِي إلَى قَوْلِهِ: " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " قَالَ فِي الطِّرَازِ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّشَهُّدَ لَفْظٌ هُوَ فِي عَيْنِهِ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَمْجِيدٌ وَتَوْحِيدٌ وَالْحَيْعَلَةُ إنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّامِعُ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهَا وَقَدْ وَقَعَ تَصْدِيقُ مَا وَقَعَ بِقَلْبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ إيمَاءِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى ذَلِكَ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ» فَلَمْ يَذْكُرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا لَفْظَ التَّمْجِيدِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّشَهُّدِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا فَلَمَّا انْقَضَى التَّأْذِينُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مِثْلَ مَا سَمِعْتُمْ مِنْ مَقَالَتِي» ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَقَوْلِ مَالِكٍ يَقَعُ فِي قَلْبِي يُرِيدُ الَّذِي غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُحَاكِيَهُ فِي جَمِيعِ الْأَذَانِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ مَالِكٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَازِرِيُّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَيُبْدِلُ الْحَيْعَلَتَيْنِ بِالْحَوْقَلَةِ أَيْ يُعَوِّضُ عَنْ قَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ يَحْكِي مَا بَعْدَهُمَا هَكَذَا، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إنَّمَا يُعَوِّضُ فِي قَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ

أَنَّهُ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَ زِيَادَةَ قَوْلِهِ: " الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ " فِي كَلَامِ أَحَدٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُحَوْقِلُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَالْحِكْمَةُ فِي إبْدَالِ الْحَوْقَلَةِ مِنْ الْحَيْعَلَةِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَازِرِيُّ، وَغَيْرُهُ أَنَّ الْحَيْعَلَةَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْأَجْرُ فِيهِ بِالْإِسْمَاعِ فَأُمِرَ الْحَاكِي بِالْحَوْقَلَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لِقَائِلِهَا سَوَاءٌ أَعْلَنَهَا أَوْ أَخْفَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْأَذَانِ ذِكْرٌ، وَهِيَ تُفِيدُ الْحَاكِيَ بِخِلَافِ الْحَيْعَلَةِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا هَلُمُّوا إلَى الصَّلَاةِ هَلُمُّوا إلَى الْفَلَاحِ وَلَا يُفِيدُ الْحَاكِيَ قَوْلُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَعُوِّضَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ كَلَامًا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ، وَيَكُونُ جَوَابًا لَهُ بِأَنْ تَبَرَّأَ مِنْ الْحَوْلِ، وَالْقُوَّةِ عَلَى إتْيَانِ الصَّلَاةِ، وَالْفَلَاحِ إلَّا بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْحَوْلُ مَعْنَاهُ الْمُحَاوَلَةُ وَالتَّحَيُّلُ وَالْقُوَّةُ مَعْنَاهَا الْقُدْرَةُ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ لَا حِيلَةَ لَنَا وَلَا قُدْرَةَ عَلَى شَيْءٍ إلَّا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» أَيْ: أَجْرُهَا مُدَّخَرٌ لِقَائِلِهَا كَمَا يُدَّخَرُ الْكَنْزُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَدْرِي مَا تَفْسِيرُهَا؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيَّ، وَقَالَ: هَكَذَا أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» انْتَهَى. وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ إشَارَةٌ إلَى عَظِيمِ الثَّوَابِ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهَا وَنَفَاسَتِهِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الثَّوَابِ مُدَّخَرٌ فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: الْحَوْلُ الْحَرَكَةُ أَيْ: لَا حَرَكَةَ وَلَا اسْتِطَاعَةَ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَكَذَا قَالَ ثَعْلَبٌ وَآخَرُونَ وَقِيلَ: لَا حَوْلَ فِي دَفْعِ شَرٍّ وَلَا قُوَّةَ فِي تَحْصِيلِ خَيْرٍ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ حَكَى تَفْسِيرَ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ لُغَةً غَرِيبَةً ضَعِيفَةً يُقَالُ: لَا حَيْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ بِالْيَاءِ، قَالَ: وَالْحَيْلُ وَالْحَوْلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى. وَلَمْ يُضَعِّفْ الْجَوْهَرِيُّ اللُّغَةَ الْمَذْكُورَةَ بَلْ قَالَ: هِيَ لُغَةٌ، وَحَكَاهَا ابْنُ فَرْحُونٍ، وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ. (الثَّانِي) ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: الْحَاءُ وَالْعَيْنُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ تُؤَلَّفَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ كَالْحَيْعَلَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ: قَالَ فِي الْمُطَرَّزِ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ، وَغَيْرِهِ: إنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ أَسْمَائِهَا سَبْعَةٌ، وَهِيَ: " بَسْمَلَ " إذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ " وَسَبْحَلَ " إذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ " وَحَوْقَلَ " إذَا قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، " وَحَيْعَلَ " إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ " الْحَيْصَلَةُ " إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ، " وَحَمْدَلَ " إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، " وَهَيْلَلَ " إذَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، " وَجَعْفَلَ " إذَا قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ زَادَ الثَّعْلَبِيُّ " الطَّبْقَلَةُ " إذَا قَالَ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، " وَالدَّمْعَزَةُ " إذَا قَالَ: أَدَامَ اللَّهُ عِزَّكَ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: قَوْلُهُ " الْحَيْصَلَةُ " عَلَى قِيَاسِ الْحَيْعَلَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْحَيْعَلَةُ تَنْطَلِقُ عَلَى " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ "، وَعَلَى " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " كُلُّهُ حَيْعَلَةٌ وَلَوْ كَانَ عَلَى قِيَاسِهِ فِي الْحَيْصَلَةِ لَقِيلَ فِي: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الْحَيْفَلَةُ، وَهَذَا لَمْ يُقَلْ وَإِنَّمَا الْحَيْعَلَةُ مِنْ حَيَّ عَلَى كَذَا فَكَيْفَ وَهَذَا بَابٌ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " جَعْفَلَ " فِي جُعِلْتُ فِدَاكَ لَوْ كَانَ عَلَى قِيَاسِ " الْحَيْعَلَةِ " لَكَانَ جَعْلَفَ إذْ اللَّامُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفَاءِ وَكَذَلِكَ " الطَّبْقَلَةُ " تَكُونُ اللَّامُ عَلَى الْقِيَاسِ قَبْلَ الْبَاءِ وَالْقَافِ انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُقَالُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ قَوْلِهِمْ: " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " الْحَوْقَلَةُ، هَكَذَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: " الْحَوْقَلَةُ " فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْحَاءُ وَالْوَاوُ مِنْ الْحَوْلِ، وَالْقَافُ مِنْ الْقُوَّةِ، وَاللَّامُ مِنْ اسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى الثَّانِي الْحَاءُ وَاللَّامُ مِنْ الْحَوْلِ، وَالْقَافُ مِنْ الْقُوَّةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِئَلَّا يُفْصَلَ بَيْنَ

الْحُرُوفِ وَمِثْلُ الْحَوْقَلَةِ الْحَيْعَلَةُ فِي " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى كَذَا "، وَالْبَسْمَلَةُ فِي " بِسْمِ اللَّهِ "، وَالْحَمْدَلَةُ فِي " الْحَمْدِ لِلَّهِ "، وَالْهَيْلَلَةُ فِي " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ "، وَالسَّبْحَلَةُ فِي " سُبْحَانَ اللَّهِ ". (قُلْتُ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَسْبَلَةَ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّاطِبِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ وَقَبِلَهَا شُرَّاحُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ. (الثَّالِثُ) : لَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا يَقُولُ الْحَاكِي فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ إذَا أَذَّنَ الصُّبْحَ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، فَقَالَ: وَيَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَقِيلَ: يَقُولُ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، وَاقْتَصَرَ فِي مِنْهَاجِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ خَبَرًا وَرَدَ فِيهِ، وَلَا يُعْرَفُ مَا قَالَهُ " وَبَرِرْتُ " بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) سَمِعْتُ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ أَرْشَدَكَ اللَّهُ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَا غَيْرِهِمْ. (الرَّابِعُ) إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ أَنَّ مُنْتَهَى الْحِكَايَةِ إلَى مُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ فَهَلْ تَرْكُ الْحِكَايَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَذَانِ أَوْلَى أَوْ جَائِزَةٌ؟ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: الَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَحْكِيهِ إلَى قَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى وَهَذَا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ سَحْنُونٌ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَأَوَّلَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ، وَإِنْ أَتَمَّ الْأَذَانَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْبَرَاذِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَالْبَاجِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ وَلَوْ فَعَلَ مَا يَقَعُ فِي قَلْبِي، وَصَوَّبَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ أَيْ: لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ وَأَمَّا إتْمَامُ الْأَذَانِ فَلَيْسَ مَذْكُورًا انْتَهَى. وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ قَالَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا لَا يَلِيقُ أَنْ يُعَلَّقَ بِفِعْلِ مَا يَتَنَاوَلُ عُمُومَ اللَّفْظِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْقُولٌ مِنْ نَفْسِ الْعُمُومِ فَإِنَّمَا اللَّائِقُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعُمُومُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ بَأْسٌ فِيمَا تَرَكَ، وَلَعَمْرِي أَيْضًا لَوْ حَكَى مَعَهُ جَمِيعَ الْأَذَانِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَكِنْ الْمُنَاقَشَةُ فِيمَا هُوَ قَصْدُ مَالِكٌ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا قُلْنَا لَا يَحْكِيهِ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَهَلْ يَحْكِيهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ؟ خَيَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَيَقُولُ مِثْلَهُ؟ قَالَ: هُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: أَسْقَطَ الْبَرَاذِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ " وَإِنْ أَتَمَّ مَعَهُ الْأَذَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: أَنَّهُ مَا يَلْزَمُهُ تَكْرَارُ اللَّفْظَةِ وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الذِّكْرُ لَا غَيْرُ فَيَكْتَفِي بِقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تَكْرِيرِ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا يَكْتَفِي بِذِكْرِ أَوَّلِهِ عَنْ ذِكْرِ آخِرِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا آخَرَ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ مَعَهُ كَآخِرِ الْأَذَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ آخِرِ الْأَذَانِ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا الْأَصْلَ حُصُولُ الْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ وَحْدَهُ يُنْدَبُ إلَى الْإِقَامَةِ، وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ يُقِيمُ لَهَا وَاحِدٌ فَلَوْ كَانَ تَكْرَارُ الْأَذَانِ يُوجِبُ تَكْرَارَ الْحِكَايَةِ لِاسْتُحِبَّ لِكُلِّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ إذَا أَقَامَهَا الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ مَا أَذَّنَ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: حَدَّثَنَا الْفَقِيهُ الصَّدِيقُ الصَّدُوقُ الصَّالِحُ الْأَزْكَى الْعَالِمُ الْأَوْفَى الْمُجْتَهِدُ الْمُجَاوِرُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمُتَجَرِّدُ الْأَرْضَى صَدْرُ الدِّينِ بْنُ سَيِّدِنَا الصَّالِحِ بَهَاءِ الدِّينِ عُثْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْفَاسِيِّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَقِيتُ الشَّيْخَ الْعَالِمَ الْمُتَفَنِّنَ الْمُفَسِّرَ الْمُحَدِّثَ الْمَشْهُورَ الْفَضَائِلُ نُورَ الدِّينِ الْخُرَاسَانِيَّ بِمَدِينَةِ شِيرَازَ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ فِي وَقْتِ الْأَذَانِ فَلَمَّا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبَّلَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ إبْهَامَيْ يَدَيْهِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَمَسَحَ بِالظُّفْرَيْنِ أَجْفَانَ عَيْنَيْهِ عِنْدَ كُلِّ تَشَهُّدٍ مَرَّةً بَدَأَ بِالْمُوقِ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَنْفِ، وَخَتَمَ بِاللَّحَاظِ مِنْ نَاحِيَةِ الصُّدْغِ، قَالَ فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أَفْعَلُهُ مِنْ غَيْرِ

رِوَايَةِ حَدِيثٍ، ثُمَّ تَرَكْتُهُ فَمَرِضَتْ عَيْنَايَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لِي لِمَ تَرَكْتَ مَسْحَ عَيْنَيْكَ عِنْدَ ذِكْرِي فِي الْأَذَانِ إنْ أَرَدْتَ أَنْ تَبْرَأَ عَيْنَاكَ فَعُدْ إلَى الْمَسْحِ أَوْ كَمَا قَالَ فَاسْتَيْقَظْتَ وَمَسَحْتَ فَبَرِئَتْ عَيْنَايَ وَلَمْ يُعَاوِدْنِي مَرَضُهُمَا إلَى الْآنَ. وَرُوِيَ عَنْ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرْحَبًا بِحَبِيبِي وَقُرَّةِ عَيْنِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَبِّلُ إبْهَامَيْهِ، وَيَجْعَلُهُمَا عَلَى عَيْنَيْهِ لَمْ يَعْمَ، وَلَمْ يَرْمَدْ أَبَدًا، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَاللَّحَاظُ بِالْفَتْحِ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ انْتَهَى. زَادَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأَذَانِ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُوقَ هُوَ جَانِبُ الْعَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأَنْفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ مُثَنِّي يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْحَاكِيَ يُكَرِّرُ الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَلَا يُرَجِّعُ كَمَا يُرَجِّعُ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي تَكْرِيرِ التَّشَهُّدِ قَوْلَانِ أَيْ فِي التَّرْجِيعِ، وَأَمَّا تَثْنِيَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا كَالتَّكْبِيرِ وَحَاصِلُهُ هَلْ يَقُولُ الشَّهَادَتَيْنِ مِثْلَ الْمُؤَذِّنِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ؟ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَالتَّكْرَارُ لِلدَّاوُدِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَوْلَى بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَشْهُورِ الِانْتِهَاءُ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ مَعَهُ أَرْفَعُ فَعِنْدَهُ تَكُونُ الْحِكَايَةُ أَظْهَرَ انْتَهَى. وَالْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَعَلَّلَ الْأَوَّلَ بِحُصُولِ الْمِثْلِيَّةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: مِثْلَ مَا يَقُولُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَبِأَنَّ التَّرْجِيعَ إنَّمَا هُوَ لِلْإِسْمَاعِ وَالسَّامِعُ لَيْسَ بِمُسْمِعٍ، وَعَلَّلَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ نَظَرٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَثْنِيَةِ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ الَّذِي يَحْكِي فِيهِ الْمُؤَذِّنَ هَلْ إلَى التَّشَهُّدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَمْ الْآخَرَيْنِ أَمْ لِآخِرِ الْأَذَانِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتُسْتَحَبُّ الْحِكَايَةُ وَفِي كَوْنِهَا لِآخِرِ التَّشَهُّدَيْنِ أَوْ آخِرِهِ مُعَوِّضًا الْحَيْعَلَةَ بِالْحَوْقَلَةِ قَوْلَانِ لَهَا، وَلِابْنِ حَبِيبٍ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ شَعْبَانَ وَعَلَى الْأَوَّلِ فِي قَوْلٍ: التَّشَهُّدُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَمُعَاوَدَتُهُ إذَا عَاوَدَهُ الْمُؤَذِّنُ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ نَقْلًا، الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: " مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ " قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ، هَلْ يَحْكِيهِ فِي التَّرْجِيعِ أَمْ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَيْنِ؟ نَعَمْ كَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمُ يُوهِمُ أَنْ لَا يُكَرِّرَ الشَّهَادَةَ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) مَنْ لَمْ يَسْمَعْ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْكِيهِ فِي التَّرْجِيعِ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ، وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْأَذَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّالِثُ) إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا فَهَلْ يَحْكِيهِ فِي الْأَرْبَعِ أَوْ إنَّمَا يَحْكِيهِ فِي التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصَّا، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكِيهِ فِي التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْكِهِ فِي التَّرْجِيعِ مَعَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَأَحْرَى فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ الْخِلَافُ بِتَكْرِيرِ الْحِكَايَةِ إذَا تَكَرَّرَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْمَازِرِيُّ، وَنَقَلَهُمَا عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ تَكْرَارَ الْحِكَايَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمَ التَّكْرَارِ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ مَيْلٌ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ نَفْيُ التَّعَدُّدِ. (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ التَّادَلِيُّ: وَاخْتُلِفَ هَلْ يُحَاكِي الْمُؤَذِّنُ مُؤَذِّنًا غَيْرَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمْ صَاحِبُ الْحُلَلِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ، نَعَمْ يَجْرِي الْخِلَافُ مِنْ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تُبْتَغَيْ إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» ، وَقَوْلُهُ: مَقَامًا مَحْمُودًا كَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مُنَكَّرًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] ، وَرُوِيَ مَعْرُوفًا، وَهُوَ صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: الَّذِي وَعَدْتَهُ إنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحِكَايَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّهُ يَحْكِيهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَقَوْلَ سَحْنُونٍ: أَنَّهُ لَا يَحْكِيهِ فِيهِمَا، قَالَ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ فَتَعَلَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَتَعَلَّقَ سَحْنُونٌ بِمَسَاقِهِ فَإِنَّ فِيهِ " ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ " وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ، قَالَ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَعْنِي فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي عُمْدَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِسَامِعِي الْأَذَانِ حِكَايَتُهُ لِمُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَيُعَوِّضُ الْحَوْقَلَةَ عَنْ الْحَوْعَلَةِ، وَيَقُولُ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَانِينِ: وَيَنْبَغِي لِسَامِعِ الْأَذَانِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْأَلَ مِنْ اللَّهِ لَهُ الْوَسِيلَةَ ثُمَّ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ انْتَهَى. وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِلْمُؤَذِّنِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الدُّعَاءُ عِنْدَ الْأَذَانِ وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ سَمِعَ السَّامِعُونَ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَنِعْمَتِهِ اللَّهُمَّ أَفْضِلْ عَلَيْنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ قَالَ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ» ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْأَذَانَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ النَّافِعَةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَعْطِهِ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالشَّفَاعَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ إذَا سَمِعَتْ الْمُؤَذِّنَ، قَالَتْ: شَهِدْتُ وَآمَنْتُ وَأَيْقَنْتُ وَصَدَّقْتُ وَأَجَبْتُ دَاعِيَ اللَّهِ وَكَفَرْتُ مَنْ أَبَى أَنْ يُجِيبَهُ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي قَوْلِهِ: " حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ "، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَخْصُوصًا لِمَنْ فَعَلَ مَا حَضَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ وَأَتَى بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ وَفِي وَقْتِهِ بِإِخْلَاصٍ وَصِدْقِ نِيَّةٍ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ رَأَيْنَاهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ يَقُولُ: هَذَا وَمِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا "، هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مُحْتَسِبًا مُخْلِصًا قَاضِيًا حَقَّهُ بِذَلِكَ إجْلَالًا لِمَكَانِهِ وَحُبًّا فِيهِ لَا لِمَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ وَدَعَا بِهِ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ وَرَجَاء أَوْ مُجَرَّدَ الْإِجَابَةِ لِدُعَائِهِ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ وَالْحَظَّ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: وَالدُّعَاءُ حِينَئِذٍ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وَعِنْدَ الزَّحْفِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ انْتَهَى. (السَّابِعُ) مَا ذَكَرَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَالَ حِينَ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَزَادَ فِيهِ: «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» . (قُلْتُ) وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ضَعِيفَةٌ كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ بِالْجُزْءِ الَّذِي سَمَّيْتُهُ {تَفْرِيحُ الْقُلُوبِ بِالْخِصَالِ

الْمُكَفِّرَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ} ، وَبَيَّنَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَفِي الْأَذْكَارِ أَنَّهُ يَقُولُ: رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا. إلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "، وَقَوْلِهِ: " وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا " كَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِيهَا أَيْضًا تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، عَلَى قَوْلِهِ: وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: " وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا " وَقَالَ فِيهَا: " وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا " قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا: فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا رَسُولًا. (قُلْتُ) وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الْأَذْكَارِ لَمَّا ذَكَرَ أَذْكَارَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، فَقَالَ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: " نَبِيًّا "، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ الْإِنْسَانُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: " نَبِيًّا وَرَسُولًا " وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَكَانَ عَامِلًا بِالْحَدِيثِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي مَرَّةٍ: " أَشْهَدُ " وَفِي مَرَّةٍ: " وَأَنَا أَشْهَدُ "؛ لِيَعْمَلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ. (الثَّامِنُ) زَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَالْفَضِيلَةَ " " وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ "، قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةَ: لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، قَالَ وَكَانَ مَنْ زَادَهَا اغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشِّفَاءِ فِي الْحَدِيثِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَتِهَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ عَلَّمَ عَلَيْهَا كَاتِبُهَا بِمَا يُشِيرُ إلَى الشَّكِّ فِيهَا، وَلَمْ أَرَهَا فِي سَائِرِ نُسَخِ الشِّفَاءِ، بَلْ عَقَدَ لَهَا فِي الشِّفَاءِ فَصْلًا فِي مَعَانٍ أُخَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حَدِيثًا صَرِيحًا، وَهُوَ دَلِيلٌ لِغَلَطِهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ: فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِهِ فِي الْجَنَّةِ بِالْوَسِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَالْكَوْثَرِ وَالْفَضِيلَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقَعَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَالْمُحَرَّرِ بَعْدَ " وَالْفَضِيلَةَ " زِيَادَةُ " وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ " وَلَا وُجُودَ لَهَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ. (التَّاسِعُ) الْمُرَادُ بِالدَّعْوَةِ التَّامَّةِ: الْأَذَانُ وُصِفَتْ الدَّعْوَةُ بِالتَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ وَيُدْعَى بِهَا إلَى عِبَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ: " وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ " أَيْ: الصَّلَاةِ الَّتِي سَتُقَامُ وَتُفْعَلُ " وَالْوَسِيلَةَ " أَصْلُهَا مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الشَّيْءِ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ: بِأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِأَنَّهَا قُبَّتَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ إحْدَاهُمَا مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ يَسْكُنُهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلُهُ، وَالْأُخْرَى مِنْ يَاقُوتَةٍ صَفْرَاءَ يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ، وَقَوْلُهُ: " الَّذِي وَعَدْتَهُ " بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: " مَقَامًا مَحْمُودًا " لَا نَعْتٌ عَلَى رِوَايَةِ التَّنْكِيرِ، وَنَعْتٌ عَلَى رِوَايَةِ التَّعْرِيفِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ " وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ صَاحِبُهُ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَزِيدُهُ بِكَثْرَةِ دُعَاءِ أُمَّتِهِ رِفْعَةً كَمَا زَادَهُ بِصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ بِنَيْلِ الْأُجُورِ وَوُجُوبِ شَفَاعَتِهِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ " حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ " قَالَ فِي الْإِكْمَالِ، قَالَ الْمُهَلَّبُ يَعْنِي حَلَّتْ عَلَيْهِ: غَشِيَتْهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ " حَلَّتْ " بِمَعْنَى: وَجَبَتْ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: حَلَّ يَحِلُّ: وَجَبَ، وَحَلَّ يَحُلُّ: نَزَلَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَحَلَّ الْعَذَابُ يَحِلُّ بِالْكَسْرِ أَيْ: وَجَبَ، وَيَحُلُّ بِالضَّمِّ نَزَلَ، وَقُرِئَ بِهِمَا: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَكَأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَازِمَةٌ لَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ " كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرُ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَثَرِ أَذَانِهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: الرَّكْعَتَانِ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ إلَّا عَلَى أَثَرِ أَذَانِ الْمَغْرِبِ قَالَ فَضْلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا: يَقُولُ أَدْرَكْتُ بَعْضَ الشُّيُوخِ إذَا سَمِعَ مُؤَذِّنَ الْمَغْرِبِ قَامَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُعْجِبُنِي هَذَا مِنْ الْعَمَلِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ: وَالرُّكُوعُ بِأَثَرِ الْأَذَانِ وَاسِعٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْكَعَ أَثَرَ الْأَذَانِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ انْتَهَى. هَذَا فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَيُكْرَهُ لَهُ الرُّكُوعُ عِنْدَ الْأَذَانِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ سُنَّةً، فَأَمَّا إنْ صَادَفَ ذَلِكَ

دُخُولَهُ الْمَسْجِدَ أَوْ تَنَفُّلَهُ فَلَا، قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: وَيُكْرَهُ قِيَامُ النَّاسِ لِلرُّكُوعِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ: وَتَنَفُّلُ إمَامٍ قَبْلَهَا أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الْأَذَانِ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِنَّمَا قَالَ: وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ، كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ، وَالْبِسَاطِيُّ وَالْأَقْفَهْسِيُّ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَإِنَّمَا كُرِهَ خَشْيَةَ أَنْ يُعْتَقَدَ فَرْضِيَّتُهُ فَلَوْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ اسْتِنَانًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَنْهَى الْإِمَامُ النَّاسَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَرْكَعُ حِينَ دُخُولِهِ وَلَا يُزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَصْعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَمِنْهُمْ: مَنْ كَانَ يَرْكَعُ وَيَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُمْنَعُ الرُّكُوعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَنْ أَرَادَهُ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ فِي اتِّخَاذِ ذَلِكَ عَادَةً بَعْدَ الْأَذَانِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ وَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ تَفْعَلُهُ فَفِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ، وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنَّا. وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ مُتَنَفِّلًا لَا مُفْتَرِضًا " يَعْنِي أَنَّ الْحِكَايَةَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَلَوْ كَانَ الْحَاكِي مُتَنَفِّلًا وَأَمَّا الْمُفْتَرِضُ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْحِكَايَةُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ يُحَاكِيهِ فِيهِمَا، وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ حَبِيبٍ، قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: لِأَنَّهُ تَهْلِيلٌ وَتَكْبِيرٌ وَذِكْرُ اللَّهِ، وَهَذَا جَائِزٌ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا يَحْكِيهِ فِيهِمَا. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا قُلْنَا يَحْكِيهِ فِي النَّافِلَةِ أَوْ فِيهِمَا فَإِنَّمَا يَحْكِيهِ إلَى التَّشَهُّدَيْنِ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْحِكَايَةَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا يُتِمُّ مَعَهُ الْأَذَانَ، وَيَحْكِيهِ فِي لَفْظِ " الْحَيْعَلَةِ " فَذَلِكَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ حَكَاهُ فِي الصَّلَاةِ، فَهَلْ تَبْطُلُ؟ يُخْتَلَفُ فِيهِ فَقِيلَ: تَفْسُدُ، حَكَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ، وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوَّلٌ، وَمُقْتَضَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا فِيمَا لَمْ يُشْرَعْ جِنْسُهُ فِيهَا وَمَا لَا يَعُودُ إلَى إصْلَاحِهَا وَلَا يَنْفَعُهُ جَهْلُهُ، وَالْجَاهِلُ وَالْعَامِدُ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ سِيَّانِ انْتَهَى. فَإِنْ قِيلَ كَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُمْنَعُ مِنْهُ حِكَايَةَ " الْحَيْعَلَةِ " بِلَفْظِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَكَى الْبُطْلَانَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ فَالْجَوَابُ: إنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حِكَايَةِ لَفْظِ " الْحَيْعَلَةِ " عِنْدَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهَا " بِالْحَوْقَلَةِ " وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ يَحْكِيهَا بِلَفْظِهَا، وَأَيْضًا فَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَالْقَرَافِيّ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ: وَإِذَا قُلْنَا يَحْكِيهِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَبْلُغُ إلَى آخِرِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ: " حَيٌّ عَلَى الصَّلَاةِ " فَإِنَّهُ يُبْطِلُهَا وَهَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا، وَأَمَّا النَّاسِي فَلَا يُبْطِلُهَا، وَالْجَاهِلُ يَجْرِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَهْلِ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَمْدِ أَوْ النِّسْيَانِ؟ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا يَحْكِي فَلَا يُجَاوِزُ التَّشَهُّدَيْنِ وَلَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " فَقَالَ الْأَصِيلِيُّ: لَا تَبْطُلُ، وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَأَنَّهُ كَالْمُتَكَلِّمِ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إذَا قُلْنَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرْضِ أَوْ فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَلَا يَتَجَاوَزُ التَّشَهُّدَيْنِ فَلَوْ قَالَ: " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْعَامِدَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَنَّ النَّاسِيَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَاهِلِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ. (الثَّانِي) : إذَا قُلْنَا لَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرِيضَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَلْ يَحْكِيهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْكِيهِ كَمَا يَرُدُّ الْمُؤَذِّنُ السَّلَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ

انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، فَقَالَ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا لَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرِيضَةِ حَكَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) عُورِضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَا فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ، وَإِنْ انْتَهَى إلَيْهِ زِحَامُ الْمُصَلِّينَ، وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَلَمْ يَسُغْ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَحِكَايَةُ الْمُؤَذِّنِ تَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ فِي خَاصَّتِهِ وَبِأَنَّ الْحِكَايَةَ ذِكْرٌ، وَهِيَ مِنْ جِنْسِ مَا يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ، وَصَلَاةَ الْجَنَائِزِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا الْمُعْتَكِفُ فِيهِ وَبِأَنَّ الْحِكَايَةَ أَمْرٌ قَرِيبٌ يَسِيرٌ وَأَمْرُ الْجِنَازَةِ يَطُولُ الِاشْتِغَالُ فِيهِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَعَارَضَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَطَسَ لَا يَحْمَدُ اللَّهَ فَإِنْ فَعَلَ فَفِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: اُنْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ فَرْقًا فَتَأَمَّلْهُ. (الرَّابِعُ) ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: إذَا قُلْنَا يَحْكِي فِي الْفَرْضِ فَلَوْ كَانَ الْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَقَدْ أُذِّنَ لَهَا، فَهَلْ يَشْرَعُ لَهُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ أَذَّنَ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَتَى بِالْأَكْمَلِ فَلَا مَعْنَى لِطَلَبِ الْعِوَضِ مِمَّنْ أَتَى بِالْمُعَوِّضِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ (قُلْتُ) لَا خَفَاءَ فِي ضَعْفِ هَذَا التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَزَايَا الشَّرْعِيَّةَ لَا غَايَةَ لَهَا انْتَهَى. (قُلْتُ) هَذَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَنْ التَّادَلِيِّ فِي الْمُؤَذِّنِ هَلْ يَحْكِي مُؤَذِّنًا غَيْرَهُ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَذَانُ فَذٍّ إنْ سَافَرَ) ش الْفَذُّ: الْمُنْفَرِدُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ، وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى بِأَرْضٍ فَلَاةٍ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ فَإِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ أَوْ أَقَامَ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُوَطَّإِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَزَا الْحَدِيثَ الثَّانِيَ لِلْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مُرْسَلًا وَأَسْنَدَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ. (الثَّانِي) : ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ: إنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الْغَنَمَ. إلَخْ، وَتَعَقَّبَهُمْ ابْنُ الصَّلَاح، وَقَالَ هَذَا وَهْمٌ وَتَحْرِيفٌ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ لِلرَّاوِي عَنْهُ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَتَبِعَهُ أَيْضًا النَّوَوِيُّ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا غَيَّرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَازِرِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَجَعَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْقَائِلُ هَذَا الْكَلَامَ لِأَبِي سَعِيدٍ وَغَيَّرُوا لَفْظَهُ، وَالصَّوَابُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّإِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ اللَّفْظَ السَّابِقَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ قَوْلَ أَبِي سَعِيدٍ: " سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " عَائِدٌ إلَى كُلِّ مَا ذُكِرَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، وَذُكِرَ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ. (قُلْتُ) وَقَعَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ: مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَهُوَ غَايَةُ الشَّيْءِ، وَالْمَعْنَى لَا يَسْمَعُ غَايَةَ صَوْتِهِ. إلَخْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: غَايَةُ الصَّوْتِ تَكُونُ أَخْفَى مِنْ ابْتِدَائِهِ فَإِذَا شَهِدَ لَهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ، وَوَصَلَ إلَيْهِ

مُنْتَهَى صَوْتِهِ فَلَأَنْ يَشْهَدَ لَهُ مَنْ دَنَا مِنْهُ، وَسَمِعَ مُنَادَى صَوْتِهِ أَوْلَى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: " شَهِدَ لَهُ " ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا عَلَى بَابِهَا وَرَأَيْت فِي حَاشِيَتِهِ نُسْخَةً مِنْ الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا بِمَعْنَى الشَّفَاعَةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالسِّرُّ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهَا تَقَعُ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ، وَالشَّهَادَةِ أَنَّ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ جَرَتْ عَلَى نَعْتِ أَحْكَامِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَوْجِيهِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَالشَّهَادَةِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ اشْتِهَارُ الْمَشْهُودِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَضْلِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْضَحُ بِالشَّهَادَةِ أَقْوَامًا فَكَذَلِكَ يُكْرِمُ بِالشَّهَادَةِ أَقْوَامًا آخَرِينَ انْتَهَى. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ، فَعَلَى رِوَايَةِ مَدَى صَوْتِهِ يَكُونُ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ " مَدَّ صَوْتِهِ " يَكُونُ مَرْفُوعًا عَلَى النِّيَابَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ ذُنُوبَهُ لَوْ كَانَتْ أَجْسَامًا غُفِرَ لَهُ مِنْهَا قَدْرَ مَا يَمْلَأُ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنْتَهَى صَوْتِهِ، وَقِيلَ تُمَدُّ لَهُ الرَّحْمَةُ بِقَدْرِ مَدِّ الْأَذَانِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَكْمِلُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اسْتَوْفَى وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فَيَبْلُغُ الْغَايَةَ فِي الْمَغْفِرَةِ إذَا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ: " إنْ سَافَرَ " الْمُرَادُ كَوْنُهُ فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُشْتَرَطُ السَّفَرُ حَقِيقَةً كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ. وَقَوْلُهُ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْأَذَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ تَرْتَجِي حُضُورَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهَا فَالْأَذَانُ فِي حَقِّهَا سُنَّةٌ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَا تَرْتَجِي فَالْأَذَانُ فِي حَقِّهَا مُسْتَحَبٌّ وَلَا تَكُونُ الْجَمَاعَةُ أَحَطَّ رُتْبَةٍ مِنْ الْفَذِّ فَإِنَّ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ، قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ وَالْجَمَاعَةُ فَلَا يَفْتَقِرُونَ لِإِعْلَامِ غَيْرِهِمْ وَهُمْ بِالْحَضَرِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُسْتَحْسَنُ لَهُمْ الْأَذَانُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فِيهِ إظْهَارُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا يُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَكْثَرَ فِي الْأَذَانِ الدُّعَاءُ إلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَدْعُونَ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا السَّفَرُ فَيُسْتَحْسَنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فَذًّا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَاسْتَحَبَّ مُتَأَخِّرُو أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْأَذَانَ لِلْمُسَافِرِ، وَإِنْ كَانَ فَذًّا وَذَكَرَ حَدِيثَيْ الْمُوَطَّإِ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَاسْتَحَبَّ الْمُتَأَخِّرُونَ لِلْمُسَافِرِ الْأَذَانَ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. (فَإِنْ قِيلَ:) لَعَلَّ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ الْآتِيَةِ فِي أَنَّ الْفَذَّ وَالْجَمَاعَةَ الَّتِي لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا فِي الْحَضَرِ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْأَذَانُ. (قُلْتُ) أَمَّا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ فَلَا إشْكَالَ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ، وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى عَدَمِ الْأَذَانِ إذَا لَمْ تَطْلُبْ الْجَمَاعَةُ غَيْرَهَا فِي الْحَضَرِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ قَرِيبًا مِنْهُمْ يُوَارِيهِ عَنْهُمْ جَبَلٌ أَوْ تَلٌّ أَوْ طَرِيقٌ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَتَى إلَيْهِمْ، وَصَلَّى مَعَهُمْ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ شَامِلٌ لِلْجَمَاعَةِ أَيْضًا فَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْفَذِّ مَوْجُودَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الْقَرَافِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الْفَذَّ فِي السَّفَرِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إظْهَارُ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَشُرِعَ لَهُ إظْهَارُهَا، وَسَرَايَا الْمُسْلِمِينَ تَقْصِدُهُ فَيَحْتَاجُ لِلذَّبِّ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي شَعَائِرِ غَيْرِهِ وَصِيَانَتِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ بَلْ إظْهَارُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ أَوْكَدُ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَرَّ بِهِمْ شَخْصٌ مُنْفَرِدٌ فَيُخَافُ كَوْنُهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " إنْ سَافَرَ " أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْأَذَانُ فِي الْحَضَرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " لَا جَمَاعَةَ لَمْ تَطْلُبْ ". (الْخَامِسُ) عَزَا ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَعَقَّبَهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ لِمَالِكٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَنَصُّهُ: " وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَالِكٌ لِلْفَذِّ الْمُسَافِرِ، وَمَنْ بِفَلَاةٍ

لِمَا وَرَدَ فِيهِ فَعَزْوُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْجَلَّابِ اسْتِحْبَابَهُ لَهُمَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ قُصُورٌ " انْتَهَى. ص (لَا جَمَاعَةَ لَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ) ش قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْفَذُّ وَالْجَمَاعَاتُ الْمُجْتَمِعُونَ بِمَوْضِعٍ وَلَا يُرِيدُونَ دُعَاءَ غَيْرِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ فَوَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ لَفْظَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ إنْ أَذَّنُوا فَحَسَنٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُؤَذِّنُونَ، وَأَرَادَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَجْعَلَ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُؤْمَرُونَ بِالْأَذَانِ كَمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَفِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ فَإِنْ أَذَّنُوا فَهُوَ ذِكْرٌ وَالذِّكْرُ لَا يُنْهَى عَنْهُ مَنْ أَرَادَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْرُوعِ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الرَّابِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ الْفَذَّ فِي غَيْرِ السَّفَرِ وَالْجَمَاعَةَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى إعْلَامِ غَيْرِهِمْ، فَقَالَ مَرَّةً: " الْأَذَانُ مُسْتَحَبٌّ " وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ الْأَذَانَ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا، وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ أَوْ أَمَّ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، قَالَ فَلَا أَذَانَ لَهُمْ إلَّا الْمُسَافِرَ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَقَامَ فَحَسَنٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا جُعِلَ لِيُدْعَى بِهِ الْغَائِبُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَذَانِ الْفَذِّ وَجْهٌ وَحَسَنٌ فِي الْمُسَافِرِ لِمَا جَاءَ فِيهِ أَنَّهُ يُصَلِّي خَلْفَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْجَمَاعَةِ انْتَهَى. فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " عَلَى الْمُخْتَارِ " وَآخِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ عَدَمَ الْأَذَانِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْفَذِّ، لَكِنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى مُسَاوَاةِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا لِلْفَذِّ، وَعَلَى ذَلِكَ فَهِمَهُ الشُّيُوخُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ الْفَذُّ الْحَاضِرُ وَالْجَمَاعَةُ الْمُنْفَرِدَةُ لَا أَذَانَ عَلَيْهِمْ. مَالِكٌ: إذَا أَذَّنُوا فَحَسَنٌ، وَمَرَّةً لَا أُحِبُّهُ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ خِلَافٌ وَرَدَّهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِحَمْلِ نَفْيِهِ عَلَى نَفْيِ تَأَكُّدِهِ كَالْجَمَاعَةِ لَا عَلَى نَفْيِ حُسْنِهِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، وَرَوَى أَبُو عُمَرَ: لَا أُحِبُّ لِفَذٍّ تَرْكَهُ انْتَهَى. قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ تَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ فِي مَنْزِلِهِ فِي حَضَرٍ كَانَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ فَالْإِقَامَةُ تُجْزِئُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْأَذَانُ إلَّا الْمُسَافِرَ أَوْ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ فِي الْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ إذَا حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ فِي لَيْلٍ كَانَ أَوْ نَهَارٍ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْأَذَانَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْفَذِّ فِي غَيْرِ السَّفَرِ وَلَا لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي لَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا وَإِذَا قُلْنَا لَا يُسْتَحَبُّ فَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ لَيْسَ الْأَذَانُ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَمَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِيمَنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ أَوْ أَمَّ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَا أَذَانَ لَهُمْ إلَّا الْمُسَافِرَ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ: فَإِنْ أَقَامَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ صَاحِبُ الْقَوَانِينِ: الْأَذَانُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقِيلَ: خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: وَاجِبٌ وَهُوَ أَذَانُ الْجُمُعَةِ، وَمَنْدُوبٌ وَهُوَ لِسَائِرِ الْفَرَائِضِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَحَرَامٌ وَهُوَ أَذَانُ الْمَرْأَةِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُؤَذِّنَ النِّسَاءُ، وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْأَذَانُ لِلنَّوَافِلِ، وَأَجَازَهُ لِلْفَوَائِتِ ابْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُبَاحٌ وَهُوَ أَذَانُ الْمُنْفَرِدِ، وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ انْتَهَى ص (وَجَازَ أَعْمَى) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَجَائِزٌ أَذَانُ الْأَعْمَى وَإِمَامَتُهُ وَلَفْظُ الْأُمِّ: " كَانَ مَالِكٌ لَا يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا " وَإِمَامًا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ، قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْمَى يُرِيدُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي حِلِّ أَذَانِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْوَقْتِ إلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يَسْتَخْبِرَ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَيَتَثَبَّتُ فِي أَمْرِهِ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: الْأَعْمَى جُوِّزَ أَذَانًا عِنْدِي، وَإِمَامَةً مِنْ الْعَبْدِ إذَا سَدَّدَ الْوَقْتَ وَالْقِبْلَةَ، ثُمَّ الْعَبْدُ إذَا كَانَ رَضًّا، ثُمَّ الْأَعْرَابِيُّ إذَا كَانَ رَضًّا، ثُمَّ وَلَدُ الزِّنَا وَكُلٌّ جَائِزٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَفْظُهُ: " وَفَضَّلَهُ أَشْهَبُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا سَدَّدَ الْوَقْتَ وَالْقِبْلَةَ وَفَضَّلَ الْعَبْدَ إذَا كَانَ رَضًّا عَلَى الْأَعْرَابِيِّ، وَالْأَعْرَابِيَّ إذَا كَانَ رَضًّا عَلَى وَلَدِ الزِّنَا، وَنَقَلَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ كَلَامَ أَشْهَبَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَكُلٌّ جَائِزٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ مُؤَذِّنًا وَإِمَامًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي

شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُرَادُ بِأَذَانِ الْأَعْمَى إذَا كَانَ تَبَعًا لِأَذَانِ غَيْرِهِ أَوْ مَعْرِفَةُ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ الْوَقْتَ حَضَرَ وَكَانَ شَيْخُنَا يَحْكِي أَنَّهُ كَانَ بِجَامِعِ الْقَيْرَوَانِ صَاحِبُ الْوَقْتِ أَعْمَى، وَكَانَ لَا يُخْطِئُ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ يَشُمُّ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ رَائِحَةً انْتَهَى. وَسَمِعْتُ سَيِّدِي الْوَالِدَ يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ بِمَكَّةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّهُ يَشُمُّ رَائِحَةَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ أَعْمَى، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيَؤُمَّ الْأَعْمَى، وَالْأَقْطَعُ وَالْأَعْرَجُ، وَذُو الْعَيْبِ فِي جَسَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ فِي دِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَعَدُّدُهُمْ) ش: يَعْنِي أَنَّ تَعَدُّدَ الْمُؤَذِّنِينَ جَائِزٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمُؤَذِّنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ فِي الْحَرَسِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: فِي الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ وَمُسَامَحَةٌ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَيْسَ فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ هُوَ الْمُعَدُّ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ مُتَأَتٍّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرَ نَعَمْ قَوْلُهُ: وَفِي الْحَرَسِ يُوهِمُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ غَالِبَ عِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَعَدُّدَ الْمُؤَذِّنِينَ جَائِزٌ، وَلَكِنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ لِذَلِكَ بِتَعَدُّدِ الْمُؤَذِّنِينَ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَانِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ خُصُوصًا كَلَامَ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ فَإِنَّهُ، قَالَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ: وَقَدْ رَتَّبَ الشَّارِعُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - لِلصُّبْحِ أَذَانًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَذَانًا عِنْدَ طُلُوعِهِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا مِنْ كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ لِتَعَدُّدِهِمْ حَدٌّ؟ ظَاهِرُ لَفْظِ التَّهْذِيبِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّ لَفْظَ الْأُمِّ قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَسْجِدًا مِنْ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ اتَّخَذُوا لَهُ مُؤَذِّنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدِي. (قُلْتُ) هَلْ تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي السَّفَرِ أَوْ مَسَاجِدِ الْحَرَسِ أَوْ فِي الرَّكْبِ فَيُؤَذِّنُ لَهُمْ مُؤَذِّنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قَالَ فَهَذَا الَّذِي جَرَى ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي إشْرَافِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَرْبَعَةٌ وَهَذَا الَّذِي، قَالَهُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الزِّيَادَةِ بِأَيِّ عَدَدٍ كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ اثْنَيْنِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رَأَيْت بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مُؤَذِّنًا، وَكَذَلِكَ بِمَكَّةَ يُؤَذِّنُونَ مَعًا فِي أَرْكَانِ الْمَسْجِدِ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَقْتَدِي بِأَذَانِ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُرَاعُونَ الْعَدَدَ الْيَسِيرَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى. وَلَفْظُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ النَّفَرُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ وَقَدْ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالٌ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَسَعْدُ الْقَرَظِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَقَدْ رَأَيْت مُؤَذِّنِي الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَرَأَيْتُهُمْ يُؤَذِّنُونَ فِي أَرْكَانِ الْمَسْجِدِ فِي كُلِّ رُكْنٍ مُؤَذِّنٌ يَنْدَفِعُونَ فِي الْأَذَانِ مَعًا إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي أَذَانِ نَفْسِهِ وَأَمَّا أَذَانُهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مِثْلُ مَا عِنْدَنَا بِبَلَدِنَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْخَمْسَةُ إلَى الْعَشَرَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ، وَفِي الْعَصْرِ نَحْوُ الثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا لَيْسَ بِوَاسِعٍ، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلَا يُؤَذِّنُ لَهَا إلَّا وَاحِدٌ لِضِيقِ وَقْتِهَا انْتَهَى. وَذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَقَالَ: وَمَا وَقْتُهُ وَاسِعٌ كَالظُّهْرِ وَالصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فَجَائِزٌ أَنْ يُؤَذِّنَ فِيهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ مِثْلُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ وَفِي الْعَصْرِ مِثْلُ الثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ، وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَغْرِبِ إلَّا وَاحِدٌ يُرِيدُ أَوْ جَمَاعَةٌ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَدْخَلِ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَرَتُّبُهُمْ إلَّا الْمَغْرِبَ وَجَمْعُهُمْ كُلٌّ عَلَى أَذَانِهِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَرَتَّبُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ كَمَا تَقَدَّمَ

وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْأَذَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَرَتُّبَهُمْ وَجَمْعَهُمْ سَوَاءٌ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: السُّنَّةُ التَّرْتِيبُ، وَنَصُّهُ: " وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْأَذَانِ أَنْ يُؤَذِّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ جَمَاعَةً فَيُؤَذِّنُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي أَوْقَاتُهَا مُمْتَدَّةٌ، فَيُؤَذِّنُونَ فِي الظُّهْرِ مِنْ الْعَشَرَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي الْعَصْرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ، وَفِي الْعِشَاءِ كَذَلِكَ وَفِي الصُّبْحِ يُؤَذَّنُ لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ سُدُسِ اللَّيْلِ الْآخِرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَالْمَغْرِبُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا إلَّا وَاحِدٌ لَيْسَ إلَّا فَإِنْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ فَزَادُوا عَلَى عَدَدِ مَا ذُكِرَ وَكَانُوا يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ الثَّوَابَ وَخَافُوا أَنْ يَفُوتَهُمْ الْوَقْتُ، وَلَمْ يَسَعْهُمْ الْجَمِيعَ إنْ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَمَنْ سَبَقَ مِنْهُمْ كَانَ أَوْلَى فَإِنْ اسْتَوَوْا فِيهِ فَإِنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ الْجَمِيعُ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَمِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يُؤَذِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى صَوْتِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ كَلَامَ الرَّوْضَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَذَانُهُمْ جَمَاعَةٌ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الْمُخَالِفَةِ لِسُنَّةِ الْمَاضِينَ، وَالِاتِّبَاعُ فِي الْأَذَانِ وَغَيْرِهِ مُتَعَيَّنٌ، وَفِي الْأَذَانِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ أَعْلَامِ الدِّينِ، وَفِي الْأَذَانِ الْجَمَاعَةِ مَفَاسِدُ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَيِّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي الْأَذَانِ خَفِيَ أَمْرُهُ فَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَفْهَمُ السَّامِعُ مَا يَقُولُونَ وَالْغَالِبُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْأَذَانِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَنَفَّسَ فَيَجِدُ غَيْرَهُ قَدْ سَبَقَهُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى صَوْتِ مَنْ تَقَدَّمَهُ فَيَتْرُكَ مَا فَاتَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ جَمَاعَةً هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَانْظُرْ إلَى حِكْمَةِ الشَّرْعِ فِي الْأَذَانِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَيْفَ عَمَّتْ بَرَكَتُهُ لِلْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ حَكَاهُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ فَلَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا فَاتَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ كَثِيرًا مِنْ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يَكُونُ قَاعِدًا لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ أَوْ مَشْغُولًا أَوْ فِي أَكْلِهِ أَوْ فِي شُرْبِهِ أَوْ فِي نَوْمِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةٌ يُؤَذِّنُونَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ لَفَاتَتْهُمْ حِكَايَتُهُ فَإِذَا أَذَّنُوا عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ حِكَايَةِ الْأَوَّلِ أَدْرَكَ الثَّانِيَ، وَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى عِلْمٍ مِنْ الْوَقْتِ إذَا عَلِمُوا الْمُؤَذِّنَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ إلَى آخِرِ الَّذِي يُصَلِّي عِنْدَ آخِرِ أَذَانِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ التَّخْيِيرُ كَمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُمْ إذَا تَعَدَّدُوا، وَتَنَازَعُوا قُدِّمَ مَنْ سَبَقَ هَذَا عِنْدَ تَسَاوِيهِمْ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ تَشَاحَّ الْمُؤَذِّنُونَ قُدِّمَ الْأَوْلَى فَإِنْ تَسَاوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ انْتَهَى. مُجَمَّعًا مِنْ مَوَاضِعَ، وَبَعْضُهَا بِاخْتِصَارٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ تَعَدُّدَ الْمُؤَذِّنِينَ وَتَرَتُّبَهُمْ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدٍ، وَمِنْ جَمْعِهِمْ فِي أَذَانٍ وَاحِدٍ وَهَذَا مَا وَعَدْنَا بِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَا يَتَرَتَّبُونَ فِي الْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ إذَا خَافُوا خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْمَغْرِبِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ وَقْتَهَا يَمْتَدُّ احْتِيَاطًا. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ وَهَلْ يُفْصَلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَمَّا مَا عَدَا الْمَغْرِبَ، فَالْأَذَانُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِقَامَةِ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبُهُ: يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ وَنَظَّرُوهُ بِالْجَلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَثَ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلْمَغْرِبِ شَيْئًا يَسِيرًا، وَإِنْ تَمَهَّلَ فِي نُزُولِهِ وَمَشْيِهِ إلَى الْإِقَامَةِ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ انْتَهَى. قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ الْمَجْمُوعَةِ، قَالَ أَشْهَبُ: وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي الْمَغْرِبِ أَنْ يَصِلَ الْإِقَامَةَ بِالْأَذَانِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُمْ وَلْيُؤَخِّرْ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِهَا لِانْتِظَارِ النَّاسِ ص (وَإِقَامَةُ غَيْرِ مَنْ أَذَّنَ) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ

عِنْدَنَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ» وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد أَيْضًا «أَنَّ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ بِضَمِّ الصَّادِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ، قَالَ أَمَرَنِي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ أُؤَذِّنَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَذَّنْتُ فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ أَخَا صُدَاءٍ قَدْ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» وَصُدَاءٌ حَيٌّ بِالْيَمَنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ حَدِيثَ الْحَارِثِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَحَسَنٌ وَأَيْضًا فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ حَدِيثَ الصُّدَائِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْإِمَامِ مَنْ يَرَاهُ؛ لِأَنَّ الصُّدَائِيَّ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَأَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَأْلِيفَهُ. ص (وَحِكَايَتُهُ قَبْلَهُ) ش: هَكَذَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّ عَجَّلَ قَبْلَهُ بِالْحِكَايَةِ فَلَا بَأْسَ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ تِلَاوَةٍ أَوْ شُغْلٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ رَوَى عَلِيٌّ أَحَبُّ إلَى بَعْدَهُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ فِي ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ بَطِيئًا فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَبْلَهُ لِيَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ الْحِكَايَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ بِاخْتِصَارٍ، قَالَ وَفِيهَا إنْ عَجَّلَ قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ رَوَى عَلِيٌّ " أَحَبُّ إلَى بَعْدَهُ " الْبَاجِيُّ إنْ كَانَ فِي ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالثَّانِي انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ رِوَايَةَ عَلِيٍّ ثُمَّ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَفْقَهُ، وَوَجْهُهُ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مَعْقُولٌ، وَهُوَ الذِّكْرُ وَالتَّمْجِيدُ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ وَالْعَمَلُ يُقَوِّيهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَحْكِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ، قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَلَهُ حِكَايَتُهُ إنْ شَاءَ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهُوَ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قُلْنَا لَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرِيضَةِ حَكَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا انْتَهَى. هُوَ أَقْوَى مِنْ كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ؛ لِأَنَّهُ جَزْمٌ بِطَلَبِ الْحِكَايَةِ، وَكَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ وَأَيْضًا فَتَعْلِيلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الذِّكْرُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَحْكِيَ الْأَذَانَ إذَا فَاتَ وَلَوْ طَالَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا شَكَّ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يُعْطَى حُكْمَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَأُجْرَةٌ عَلَيْهِ أَوْ مَعَ صَلَاةٍ وَكُرِهَ عَلَيْهَا)

ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي {بَابِ الْأَذَانِ} وَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَذَانِ وَعَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ جَمِيعًا، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْإِجَارَةَ فِي الْحَجِّ وَعَلَى الْإِمَامَةِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُؤَذِّنَ لَهُمْ وَيُقِيمَ وَيُصَلِّي بِهِمْ جَازَ وَكَانَ الْأَجْرُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْقِيَامِ بِالْمَسْجِدِ لَا عَلَى الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَذَانِ وَعَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيهِمَا فَيَتَحَصَّلُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَذَانِ قَوْلَانِ بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ وَفِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ: أَقْوَالٍ بِالْجَوَازِ، وَالْمَنْعِ، وَالثَّالِثُ يَجُوزُ إنْ كَانَتْ تَبَعًا، وَيُكْرَهُ عَلَى الْإِمَامَةِ بِانْفِرَادِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ وَذَكَرَ بَعْدَهَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ، قَالَ بَكْرٌ الْقَاضِي رَوَى عَنْ عَلِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهَا عَلَى الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ، ابْنُ رُشْدٍ لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَلُزُومِ الْفَرْضِ زَادَ ابْنُ نَاجِي، فَقَالَ فَكَانَ الْعِوَضُ لَيْسَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ الْمَازِرِيَّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ لِمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ لَا لِمَنْ قَرُبَتْ، وَمَا ذَكَرَهُ نَحْوَ قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ هُوَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّفُ فِي مُلَازَمَةِ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَالْقَصْدُ إلَيْهِ يَشُقُّ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا مَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَيَأْتِي لِعَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ حَبِيبٍ فَيَتَحَصَّلُ فِي حُكْمِهَا فِي الْفَرْضِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَقَوْلُ التَّهْذِيبِ يَعْنِي تَجُوزُ تَبَعًا، وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ، وَفِي النَّفْلِ الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكُرِهَ عَلَيْهَا عَلَى عُمُومِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ

الْإِجَارَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ عِنْدِي فِي الْمَكْتُوبَةِ أَشَدُّ كَرَاهَةٍ انْتَهَى. وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلْزَمُهُ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ مُرَاعَاةِ أَوْقَاتِهَا وَحُدُودِهَا مَا يَخْشَى أَنْ يَكُونَ لَوْلَا الْأُجْرَةُ لَقَصَّرَ فِي بَعْضِهَا، وَالنَّافِلَةُ لَا تَلْزَمُهُ أَصْلًا فَكَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا أَخَفَّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى فِعْلِ مَا لَا يَلْزَمُ الْأَجِيرَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ قُرْبَةٌ أَصْلُ ذَلِكَ الْأَذَانُ وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ فَتُّوحٍ رَوَى أَشْهَبُ: الِاسْتِئْجَارُ لِقِيَامِ رَمَضَانَ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَانَ بَأْسٌ فَعَلَى الْإِمَامِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَكْرُوهٌ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. (قُلْتُ) وَمُقْتَضَاهُ الْحُكْمُ بِالْإِجَارَةِ إنْ فَاتَ الْعَمَلُ وَأُخْبِرْتُ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فَلَمْ يَحْكُمْ لِلْإِمَامِ بِشَيْءٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بِلَفْظِ " وَمُقْتَضَاهُ الْحُكْمُ بِالْإِجَارَةِ " وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَاعْتَلَّ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ لَا يَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَجِّ مَكْرُوهَةٌ فَإِذَا وَقَعَتْ صَحَّتْ وَحُكِمَ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ إذَا عُقِدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْإِمَامَةِ كُرِهَ ذَلِكَ وَصَحَّ. (الثَّانِي) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ جَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقَ: فَجَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ يُضْعِفُ مَنْعَ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَوَاتِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) إذَا جَوَّزْنَا الْإِجَارَةَ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ مَعًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَتَخَلَّفَ الْمُؤَذِّنُ عَنْ الصَّلَاةِ خَاصَّةً مِنْ سَلَسِ بَوْلٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: اخْتَلَفَ فُقَهَاؤُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ مِنْ الْإِجَارَةِ حِصَّةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعُ كَمَالِ الْعَبْدِ، وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَيَجُوزُ إذَا جُمِعَ وَقِيلَ: بَلْ تَسْقُطُ حِصَّةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَةٌ فَإِذَا نَزَلَتْ مَضَتْ أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ يُجِيزُ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا، وَمَالُ الْعَبْدِ وَثَمَرَةُ النَّخْلِ لَا يَجُوزُ إذَا انْفَرَدَ بِإِجْمَاعٍ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ وَعَزَا الْأَوَّلَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ مَالٌ أَوْ شَجَرًا مُثْمِرًا فَاسْتَحَقَّ مَالَ الْعَبْدِ مِنْ يَدِهِ وَأُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ حَطًّا مِنْ الثَّمَنِ، وَعَزَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ حِلْيَةَ السَّيْفِ إذَا كَانَتْ تَبَعًا لَهُ وَخِلْفَةَ الزَّرْعِ الْقَصِيلِ الْمُشْتَرَطَةَ تَبَعًا لَهُ فَاسْتُحِقَّتْ الْحِلْيَةُ أَوْ نَقَصَ بَعْضُ الْخِلْفَةِ أَوْ تَخَلَّفَ فَإِنَّهُ يَحُطُّ لَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ وَأَجَابُوا عَنْ الْأَوَّلَيْنِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ مَالِ الْعَبْدِ لَهُ لَا لِلْمُبْتَاعِ، فَالْمُعَاوَضَةُ وَقَعَتْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ مَالَ الْعَبْدِ بِيَدِهِ، وَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ الْبَائِعُ وَلَمْ يَبْطُلْ وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَلِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيٌ فَصَارَ ذَلِكَ كَبَيْعِهَا يَابِسَةً، فَلِذَلِكَ سَقَطَتْ بِهِ الْجَائِحَةُ لَا لِلتَّبَعِيَّةِ، وَاحْتَجَّ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى الْإِمَامَةِ مُفْرَدَةً صَحَّ، وَذَكَرَهُ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مَبْسُوطًا وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ جَمِيعَ ذَلِكَ وَزَادَ فِي مَسْأَلَةِ مَالِ الْعَبْدِ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَحْسَنُ الْحَطِيطَةُ بِقَدْرِ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَادَهُ لِأَجْلِ الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَوَارُهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الصَّدَاقِ قَدْرَ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ زَادَهُ لِأَجْلِهِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الِاتِّبَاعِ مَقْصُودَةً بِالْأَعْرَاضِ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ، بَلْ نَقُولُ التَّبَعُ قَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ لَهُ مُنْفَرِدًا كَحِلْيَةِ السَّيْفِ التَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا مُفْرَدَةً بِجِنْسِهَا، وَيَجُوزُ تَبَعًا انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ شَاسٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتَلَفُوا فِي إجَارَةِ غَيْرِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الرِّزْقِ، وَفَعَلَهُ عُمَرُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَرْزَاقُ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ مِنْ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ لَهُمْ عَلَى عَمَلِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافُ قَوْلِ ابْنُ حَبِيبٍ تُمْنَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَذَانِ إنَّمَا كَانَ إعْطَاءُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ اللَّهِ كَإِجْرَائِهِ لِلْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ

رِزْقًا وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ مِنْ مَالِ مَنْ حَكَمُوا لَهُ بِالْحَقِّ انْتَهَى. (قُلْتُ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ أَشْبَهَ الْإِجَارَةَ لِكَوْنِهِ أُخِذَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: وَمَا يَأْخُذهُ الْقُضَاةُ وَالْمُؤَذِّنُونَ، وَصَاحِبُ السُّوقِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) إذَا لَمْ يَجِدْ أَهْلُ الْمِصْرِ مَنْ يُؤَذِّنُ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهُمْ يَسْتَأْجِرُونَ مَنْ يُؤَذِّنُ لَهُمْ، قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَتَكُونُ أُجْرَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْمَوْضِعِ كُلِّهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ وَلَهُ رِبَاعٌ أَوْ عَقَارٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهَذَا بِخِلَافِ إجَارَةِ التَّعْلِيمِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ صَبِيٌّ انْتَهَى. (السَّادِسُ) اخْتَلَفُوا فِي الْأَحْبَاسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُصَلِّي فَقِيلَ: إنَّهَا إجَارَةٌ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَقْوَالِ الْمُوَثَّقِينَ، وَقِيلَ: إنَّهَا إعَانَةٌ وَلَا يَدْخُلُهَا الْخِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: قُلْتُ إنَّمَا أَقْوَالُ الْمُوَثَّقِينَ فِي اسْتِئْجَارِ النَّاظِرِ فِي أَحْبَاسِ الْمَسَاجِدِ مَنْ يُؤَذِّنُ وَيَؤُمُّ وَيَقُومُ بِمُؤْنَةِ الْمَسْجِدِ فَلَعَلَّهُ فِيمَا حَبَسَ لِيَسْتَأْجِرَ مِنْ غَلَّتِهِ لِذَلِكَ، وَأَحْبَاسُ زَمَانِنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ إنَّمَا هِيَ عَطِيَّةٌ لِمَنْ قَامَ بِتِلْكَ الْمُؤْنَةِ، وَهَذَا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي امْرَأَةِ إمَامِ مَسْجِدٍ لَهُ دَارٌ حَبَسَتْ عَلَيْهِ مَاتَ إمَامُهُ، فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ لِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ: إخْرَاجُهَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ الْمُتَيْطِيُّ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْأَمِيرِ، وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَوْ كَانَتْ أَحْبَاسُ الْمَسَاجِدِ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ لَافْتَقَرَتْ لِضَرْبِ الْأَجَلِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لِلْمُخَالِفِ نَفْيُ مَنْعِ اللُّزُومِ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَاسْتَمَرَّتْ الْفَتْوَى مِنْ كُلِّ أَشْيَاخِي الْقَرَوِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ بِجَوَازِ أَخْذِ مَنْ يُصَلِّي أَوْ يُؤَذِّنُ مِنْ الْأَحْبَاسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا إعَانَةٌ أَوْ لِضَرُورَةِ الْأَخْذِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَعَطَّلَتْ الْمَسَاجِدُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّكَّالِيُّ عَلَى تُونِسَ فَلَمْ يُصَلِّ خَلْفَ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَلَا الْجُمُعَةَ، يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ قَالَ وَكَانَ إمَامًا بِجَامِعِ الزَّيْتُونِ وَلَا خَلْفَ غَيْرِهِ لِأَخْذِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَرَأَى وُجُودَ الْخِلَافِ شُبْهَةً، وَكَانَ كُلُّ بَلَدٍ يَرِدُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ لِلْمَشْرِقِ لَا يُصَلِّي إلَّا خَلْفَ مَنْ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إنْ وَجَدَ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَتِهِ آمِينَ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّهُ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ ابْنِ عَرَفَةَ أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَرَّضَ بِهِ فِي أَبْيَاتٍ، قَالَ: وَقُلْتُ لَهُ: نَجْتَمِعُ بِهِ وَنُنَاظِرُهُ فَمَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: ثُمَّ اجْتَمَعَتْ بِهِ لَمَّا حُجِجْتُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا أَخَذْتُ مُرَتَّبَ الْإِمَامَةِ وَمُرَتَّبَ التَّدْرِيسِ وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ حِلٌّ لِي مِنْ أَخْذِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ عَلَى وَضْعِهِ مِنْ دُخُولِ الْحَلَالِ فِيهِ لِأَنِّي لَا أَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا لِكَوْنِي مُسْلِمًا فَيُدْرِكُنِي الْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ لِكَوْنِي وَاحِدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَتَى كَثُرَتْ أَفْرَادُ الْعَامِ ضَعُفَ الظَّاهِرُ، وَأَخْذُ مُرَتَّبِ الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ مُبَاحٌ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ النَّصِّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ مِنْ وَاضِعِهِ، وَهُوَ إعَانَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ لَا عَلَى مَعْنَى الْأَجْرِ، وَقَدْ أَجْرَى السَّلَفُ أَرْزَاقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْعُمَّالِ وَغَيْرِهِمْ وَلَنْ يَأْتِيَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَهْدَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ إلَّا أَنَّ هَذَا حَسَنٌ لَكِنْ لَا يَزِيدُ لَكَ هَذِهِ الشَّخْشَخَةَ انْتَهَى. وَالْأَبْيَاتُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْبُرْزُلِيُّ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى أَخْذِهِ الْأُجْرَةَ عَلَى الْفَتْوَى اسْتَطْرَدَ إلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ شَنَّعَ عَلَى الدَّكَّالِيِّ حِينَ وَرَدَ عَلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَجَرَى عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ حَتَّى ذَكَرَ فِيهَا أَبْيَاتًا أَنْشَدَنِيهَا حِينَ اجْتَمَعْنَا بِهِ بصفاقص وَخَرَجْنَا لِلْغَايَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَبْيَاتَ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِهِمْ أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ ابْنَ عَرَفَةَ بَعَثَ بِالْأَبْيَاتِ إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي حُدُودِ التِّسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَهِيَ هَذِهِ

يَا أَهْلَ مِصْرَ وَمَنْ فِي الدِّينِ شَارَكَهُمْ ... تَنَبَّهُوا لِسُؤَالٍ مُعْضِلٍ نَزَلَا لُزُومُ فِسْقِكُمْ أَوْ فِسْقِ مَنْ زَعَمَتْ ... أَقْوَالُهُ أَنَّهُ بِالْحَقِّ قَدْ عَدَلَا فِي تَرْكِهِ الْجُمَعَ وَالْجُمُعَاتِ خَلْفَكُمْ ... وَشَرْطُ إيجَابِ حُكْمِ الْكُلِّ قَدْ حَصَلَا إنْ كَانَ شَأْنُكُمْ التَّقْوَى فَغَيْرُكُمْ ... قَدْ بَاءَ بِالْفِسْقِ حَقًّا عَنْهُ مَا عَدَلَا وَإِنْ يَكُنْ عَكْسُهُ فَالْأَمْرُ مُنْعَكِسٌ ... فَاحْكُمْ بِحَقٍّ وَكُنْ بِالْحَقِّ مُعْتَدِلَا وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَكُنْ بِالْهَدْيِ مُعْتَدِلَا فَأَجَابَ بَعْضُ الْمِصْرِيِّينَ مَا كَانَ مِنْ شِيَمِ الْأَبْرَارِ أَنْ يَسِمُوا ... بِالْفِسْقِ شَيْخًا عَلَى الْخَيْرَاتِ قَدْ جُبِلَا لَا لَا وَلَكِنْ إذَا مَا أَبْصَرُوا خَلَلًا ... كَسَوْهُ مِنْ حُسْنِ تَأْوِيلَاتِهِمْ حُلَلًا أَلَيْسَ قَدْ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ صَاحِبُهُ ... يَسُوغُ ذَاكَ لِمَنْ قَدْ يَخْتَشِي خَلَلَا كَذَا الْفَقِيهُ أَبُو عِمْرَانَ سَوَّغَهُ ... لِمَنْ تَخَيَّلَ خَوْفًا وَاقْتَنَى عَمَلَا وَقَالَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ إذَا ثَبَتَتْ ... عَدَالَةُ الْمَرْءِ فَلْيُتْرَكْ وَمَا عَمِلَا وَقَدْ رَوَيْتُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعُتَقِيِّ ... فِيمَا اخْتَصَرْت كَلَامًا أَوْضَحَ السُّبَلَا مَا إنْ تُرَدَّ شَهَادَاتٌ لِتَارِكِهَا ... إنْ كَانَ بِالْعِلْمِ وَالتَّقْوَى قَدْ احْتَفَلَا نَعَمْ وَقَدْ كَانَ فِي الْأَعْلَيْنَ مَنْزِلَةً ... مَنْ جَانَبَ الْجَمْعَ وَالْجَمَعَاتِ مُعْتَزِلَا كَمَالِكَ غَيْرُ مُبْدٍ فِيهِ مَعْذِرَةً ... إلَى الْمَمَاتِ وَلَمْ يَثْلَمْ وَمَا عَمِلَا هَذَا وَإِنَّ الَّذِي أَبْدَاهُ مُتَّضِحٌ ... أَخَذَ الْأَئِمَّةُ أَجْرًا مَنْعُهُ نَقْلَا وَهَبْكَ أَنَّكَ رَاءٍ حِلَّهُ نَظَرًا ... فَمَا اجْتِهَادُكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَلَا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ: وَعِنْدِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَكَمَ بِمَا يَقْتَضِيهِ حَالُهُ فَإِنَّ الدَّكَّالِيَّ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الدُّنْيَا وَزَاهِدًا فِيهَا فَالْمُتَلَبِّسُ بِهَا عِنْدَهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الْآخِرَةِ وَكَانَ شَيْخُنَا يَرَى أَنَّ الدُّنْيَا مَطِيَّةُ الْآخِرَةِ، وَأَنَّهَا نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ فَاكْتَسَبَ مِنْهَا جُمْلَةً كَثِيرَةً، وَأَخْرَجَ جُلَّهَا لِلْأَخِرَةِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (السَّابِعُ) الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْإِمَامَةِ جَائِزَةٌ، قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُسْتَأْجَرُ لِقِيَامِ رَمَضَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ إنْ كَانَ بَأْسٌ فَعَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِقِيَامِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ عَلَيْهِ حَرَامًا فَتَكُونُ جُرْحَةً فِيهِ تَقْدَحُ فِي إمَامَتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ لَهُ مَكْرُوهَةٌ فَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، وَلَا تُكْرَهُ إمَامَةُ مَنْ فَعَلَ مَا تَرْكُهُ أَفْضَلُ، كَمَا لَا يُكْرَهُ إمَامَةُ مَنْ تَرَكَ مَا فِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ النَّوَافِلِ. ص (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ كَمُلَبٍّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُلَبِّي، قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ، قَالَهُ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ نَاجِي، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ فَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ إشَارَةً: يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَيْهِ كَالْمُصَلِّي انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْعُ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ فِي جَوَازِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي وَكَرَاهَتِهِ عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرُدَّ إشَارَةً جَازَ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَالْمُؤَذِّنُ وَالْمُلَبِّي لَا يَرُدَّانِ إشَارَةً فَكُرِهَ لَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا أُجِيزَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرُدَّ إشَارَةً، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْمُلَبِّي؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي النُّفُوسِ وَقْعٌ كَالصَّلَاةِ فَلَوْ أُجِيزَ فِيهَا إشَارَةً لَتَطَرَّقَ إلَى الْكَلَامِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لِعِظَمِهَا فِي النُّفُوسِ لَا يَتَطَرَّقُ فِيهَا مِنْ جَوَازِ الْإِشَارَةِ إلَى الْكَلَامِ وَالْمُلَبِّي كَذَلِكَ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: لَمَّا كَانَ

الْأَذَانُ لَا يُبْطِلُهُ الْكَلَامُ وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَكَانَ رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إلَّا كَلَامًا فَصَارَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ أَدْخَلَهُ بِسَلَامِهِ فِي الْكَرَاهَةِ فَنُهِيَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَإِذَا عَصَى وَسَلَّمَ عَلَيْهِ عُوقِبَ بِأَنْ لَا يَرُدَّ عَلَيْهِ كَمَنْعِ الْقَاتِلِ الْمِيرَاثَ لِاسْتِعْجَالِهِ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا كَانَ شَأْنُهَا يَطُولُ جُعِلَتْ الْإِشَارَةُ لِلْمُصَلِّي عِوَضًا مِنْ الْكَلَامِ، وَالْأَذَانُ وَالتَّلْبِيَةُ لَا يَطُولَانِ فَيَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِمَنْ كَانَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ: إنَّ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِهِمْ أَنْ لَا يُسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرُدُّونَ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ لِلْعَمَلِ الَّذِي هُمْ فِيهِ فَخَصَّتْ السُّنَّةُ جَوَازَ الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَقِيَ الْأَذَانُ عَلَى أَصْلِهِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَاَلَّذِي يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ خَمْسَةٌ: الْمُلَبِّي، وَالْمُؤَذِّنُ، وَقَاضِي الْحَاجَةِ، وَالْآكِلُ، وَالشَّارِبُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةٌ لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا: الْآكِلُ، وَالْجَالِسُ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَالْمُؤَذِّنُ، وَالْمُلَبِّي، وَزَادَ بَعْضُهُمْ قَارِئَ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ آدَابِ الْأَكْلِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي عَوْرَةِ النِّسَاءِ: وَلَا يُسَلَّمُ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَهُوَ كَاشِفٌ الْعَوْرَةَ أَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِمَا دَخَلَ لَهُ الْحَمَّامَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لَمْ نَقِفْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ عَلَى الْآكِلِ انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي بَابِ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ عَنْ التَّادَلِيِّ مَا نَصُّهُ: " قَالَ وَلَا يُسَلَّمُ عَلَى الشَّابَّةِ، وَالْآكِلِ، وَقَاضِي الْحَاجَةِ، وَالْمُلَبِّي، وَالْمُؤَذِّنِ، وَأَهْلِ الْبِدَعِ، وَالْكَافِرِ، وَأَهْلِ الْمَعَاصِي، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ السَّلَامِ عَلَى الْآكِلِ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ أَنْكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ لَمَّا سَأَلْتُهُ هَلْ تَعْرِفُهُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. (قُلْتُ) تَقَدَّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُقِيمَ صَرَّحَ بِهِ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: وَلَا يُسَلَّمُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ، وَالْمُقِيمِ، وَلَا يَرُدَّانِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: يَرُدَّانِ إشَارَةً، وَقِيلَ: يَرُدَّانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَقِيلَ: يَرُدَّانِ كَلَامًا، قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ مَسْلَمَةَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يَرُدُّ بَعْدَ فَرَاغِهِ انْتَهَى. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ الثَّالِثُ خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ بِإِشَارَةٍ لِكَسَلَامٍ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْآكِلِ، وَعَلَى الْمُلَبِّي، وَعَلَى الْمُؤَذِّنِ، وَعَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ، وَعَلَى الْمُصَلِّي، وَعَلَى الْبِدْعِيِّ، وَعَلَى الشَّابَّةِ، وَعَلَى الْيَهُودِ، وَعَلَى النَّصَارَى، وَعَلَى الْقَارِئِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَعَلَى أَهْلِ اللَّهْوِ حَالَ تَلَبُّسِهِمْ بِهِ، وَعَلَى لَاعِبِ الشِّطْرَنْجِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي خِلَافُ مَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي السَّهْوِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَأَهْلِ الْبِدَعِ صَرَّحَ بِهِ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا يُبْتَدَأُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، قَالَ الْجُزُولِيُّ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنْ الْخَوَارِجِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ وَأَهْلُ الْمَعَاصِي اُخْتُلِفَ فِي السَّلَامِ عَلَيْهِمْ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي السَّلَامُ عَلَيْهِمْ زَجْرًا لَهُمْ، ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ فِيمَنْ يَلْعَبُ الشِّطْرَنْجَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: أَيُرِيدُ فِي غَيْرِ حَالِ لِعْبِهِمْ بِهَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يُرِيدُ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ مِنْ اللَّعِبِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ اللَّعِبِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَعْصِيَةٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ. (قُلْتُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَامِرُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يَلْتَهُوا بِهَا عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا وَأَمَّا إذَا قَامَرُوا عَلَيْهَا أَوْ تَرَكُوا الصَّلَاةَ لِأَجْلِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي فَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ فَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ، فَقَالَ ابْنُ نَاجِي: الْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ وَتَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْجُزُولِيُّ وَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى حَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى بَابِهَا، وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى الشَّابَّةِ، فَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي بَابِ

اللِّبَاسِ: وَلَا يُسَلَّمُ عَلَى الشَّابَّةِ بِخِلَافِ الْمُتَجَالَّةِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الشَّابَّةِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّابِّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُتَجَالَّةِ وَلِلْمُتَجَالَّةِ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى الشَّابِّ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي عَنْ التَّادَلِيِّ. (فَائِدَةٌ) ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَيُجْمَعُ بَيْنَ مَا، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالْجُزُولِيُّ: بِأَنَّ الرَّدَّ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي إرْسَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَسْأَلُهُ عَنْ الْغُسْلِ، قَالَ الرَّسُولُ فَجِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، قَالَ عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّلَامِ عَلَى الْمُتَطَهِّرِ، وَالْمُتَوَضِّئِ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ عَلَى الْحَدَثِ، وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُهُ مَعَهُ، وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَسْتُورًا بِثَوْبِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْمُؤَذِّنُ السَّلَامَ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ وَلَكِنَّهُ فَعَلَ مَكْرُوهًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِقَامَةُ رَاكِبٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُؤَذِّنُ رَاكِبًا وَلَا يُقِيمُ إلَّا نَازِلًا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْأَذَانِ رَاكِبًا، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ إلَّا نَازِلًا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ الْجَوَازَ قَائِلًا؛ لِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ يَسِيرٌ فَلَمْ يَكُنْ فَاصِلًا كَأَخْذِ الثَّوْبِ، وَبَسْطِ الْحَصِيرِ انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَوَّبَ الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: فَيَنْزِلُ عَنْ دَابَّتِهِ وَيَعْقِلُهَا وَيَتَحَفَّظُ فِي قُمَاشِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَقَامَ رَاكِبًا، ثُمَّ نَزَلَ وَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ شُغْلٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. ص (أَوْ مُعِيدٌ لِصَلَاتِهِ كَأَذَانِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ إقَامَةُ الْمُعِيدِ لِصَلَاتِهِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَذَانُ الْمُعِيدِ لِصَلَاتِهِ وَالْمُرَادُ مَنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ كَانَ أَذَّنَ لَهَا أَوْ لَمْ يُؤَذِّنْ وَسَوَاءٌ أَرَادَ إعَادَتَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُؤَذِّنُ، وَلَا يُقِيمُ مَنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ نَحْوُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَشْهَبَ، وَنَصَّهُ اللَّخْمِيّ عَنْ أَشْهَبَ: لَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ مَنْ صَلَّاهَا وَيُعِيدُونَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مَا لَمْ يُصَلُّوا، وَنَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالتُّونُسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ لَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ مَنْ صَلَّاهَا وَأَذَّنَ لَهَا، رَوَى ابْنُ وَهْبٍ جَوَازَ مَنْ أَذَّنَ بِمَوْضِعٍ وَلَمْ يُصَلِّ فِي آخَرَ، فَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَنْعَهُ عَنْ أَشْهَبَ، وَجَوَازَهُ لِبَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَهْمٌ وَقُصُورٌ لِمَفْهُومِ نَقْلِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَعْنِي أَنَّ الْوَهْمَ فِي نِسْبَةِ الْمَنْعِ لِأَشْهَبَ وَإِنَّمَا مَفْهُومُ نَقْلِ الْأَشْيَاخِ الثَّلَاثَةِ الْجَوَازَ وَالْقُصُورَ عَلَى عَدَمِ الْوَقْفِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ حَتَّى أَخَذَ الْجَوَازَ مِنْ يَدِ بَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ، فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ أَذَّنَ لَهَا وَصَلَّاهَا، الثَّانِي: صَلَّاهَا وَلَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا، وَقَدْ تَنَاوَلَهُمَا كَلَامُ الْمُصَنِّف لِإِطْلَاقِ اللَّخْمِيِّ، الثَّالِثُ: أَذَّنَ لَهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا، وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِاتِّفَاقِ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَفْهُومُ نَقْلِ الثَّلَاثَةِ عَنْ أَشْهَبَ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ عَلَى جَوَازِ أَذَانِهِ لَهَا ثَانِيًا وَلَمْ يُعْلَمْ لَهَا مُخَالِفٌ فَتَدَبَّرْهُ، انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ: " أَجَازَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لِمَنْ أَذَّنَ فِي مَسْجِدِهِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى مَسْجِدٍ فَيُصَلِّيَ فِيهِ. (قُلْتُ) وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْعَ مُرَتَّبًا عَلَى كَوْنِهِ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا مَنْ أَذَّنَ لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يُصَلِّهَا فَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الطِّرَازِ فَذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ بِالْجَوَازِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا لَكِنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ أَوَّلًا فَهَذَا يَجُوزُ إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَسْجِدٍ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُؤَذِّنُ فِيهِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَ أَهْلَهُ، وَحَصَلَ لَهُ فَضْلُ ذَلِكَ وَالْأَذَانُ مَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُهُ لِلصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَنَظِيرُهُ الْوُضُوءُ وَلَمَّا كَانَ لَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ لَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُهُ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا وَأَذَّنَ فِي بَعْضِ جِهَاتِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ

يُؤَذِّنَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى لِإِعْلَامِ أَهْلِ الْجِهَةِ، هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ يُكْرَهُ؟ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ أَذَّنَ لِقَوْمٍ وَصَلَّى مَعَهُمْ: فَلَا يُؤَذِّنُ لِآخَرِينَ وَلَا يُقِيمُ فَإِنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعِيدُوا حَتَّى صَلَّوْا أَجْزَأَهُمْ انْتَهَى. ص (وَتُسَنُّ إقَامَةٌ مُفْرَدَةٌ وَثَنْيُ تَكْبِيرِهَا لِفَرْضٍ وَإِنْ قَضَاءً) ش يَعْنِي أَنَّ الْإِقَامَةَ سُنَّةٌ وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنْ وَقَعَ الِاسْتِغْفَارُ لِتَارِكِهَا، وَوَقَعَ فِيهَا وَفِي الْأَذَانِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: رُوِيَ عِنْدَنَا إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِمَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَاسْتَوَى فِيهِ الْعَمْدُ، وَالنِّسْيَانُ وَكَافَّةُ شُيُوخِنَا قَالُوا: إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْفَافَ بِالسُّنَنِ وَتَرْكَهَا عَمْدًا مُؤْثَرٌ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمُ الرَّجُلِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ إقَامَةِ الْمَرْأَةِ، وَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِقَامَةَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّهُ، قَالَ فِي تَوْجِيهِ عَدَمِ إعَادَةِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي الْوَاضِحَةِ فِي الْمُنْفَرِدِ إنْ أَقَامَ فَحَسَنٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ: لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِقَامَةَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ صَلَاةَ فَرْضٍ وَقْتِيَّةً أَوْ فَائِتَةً، لَكِنَّ حُكْمَهَا فِي الْجَمَاعَاتِ آكَدُ مِنْهُ فِي الِانْفِرَادِ، وَحُكْمَهَا عَلَى الرِّجَالِ آكَدُ مِنْهُ عَلَى النِّسَاءِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي إقَامَةِ الْمُنْفَرِدِ، وَصَرَّحَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ بِالْخِلَافِ فِي إقَامَةِ الْمُنْفَرِدِ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الثَّانِي) قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: وَالْإِقَامَةُ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهَا أُهْبَةٌ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ خُوطِبَ بِهَا الْمُنْفَرِدُ وَالْجَمَاعَةُ، وَالْأَذَانُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ إلَّا الْجَمَاعَةُ، وَمَا عَمَّ الْخِطَابَ هَهُنَا أَوْكَدُ مِمَّا خَصَّ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ. (قُلْتُ) وَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَوْكَدُ، وَأَيْضًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِهَا عَمْدًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أَعْلَمُ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ الْأَذَانَ خِلَافًا، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَذَانَ شِعَارُ الْإِسْلَامِ، وَيَجِبُ فِي الْمِصْرِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ فَهُوَ أَوْكَدُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: " مُفْرَدَةٌ وَثَنْيُ تَكْبِيرِهَا " يَعْنِي أَنَّ أَلْفَاظَ الْإِقَامَةِ كُلَّهَا مُفْرَدَةٌ حَتَّى قَوْلِهِ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " إلَّا التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا فَإِنَّهُ مُثَنَّى، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَرَوَى الْمِصْرِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَشْفَعُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ". (فَرْعٌ) وَلَوْ شَفَعَ الْإِقَامَةَ غَلَطًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْإِجْزَاءَ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) مِنْ صِفَاتِ الْإِقَامَةِ أَنْ تَكُونَ مُعْرَبَةً، قَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقِيلَ: مَبْنِيَّةً انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: " لِفَرْضٍ وَإِنْ قَضَاءً " يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْإِقَامَةَ سُنَّةٌ لِكُلِّ فَرْضٍ أَدَاءً كَانَ أَوْ قَضَاءً يُرِيدُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِالْإِقَامَةِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ: لَوْ ذَكَرُوا الظُّهْرَ مُفَاوِتِينَ لِوَقْتِهَا فَخَافُوا إنْ أَذَّنُوا فَوَّتُوهَا فَلْيُقِيمُوا، وَيَجْمَعُوا قِيلَ: فَإِنْ خَافُوا فَوَاتَهَا بِالْإِقَامَةِ، قَالَ: الْإِقَامَةُ أَخَفُّ، وَإِنْ كَانَ هَكَذَا فَصَلَاتُهُمْ إيَّاهَا فِي الْوَقْتِ بِغَيْرِ إقَامَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ فَوْتِهَا، وَيُقِيمُوا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ وَوَجْهُهُ بَيِّنٌ فَإِنَّ مُرَاعَاةَ الْوَقْتِ فَرْضٌ وَالْإِقَامَةَ فَضْلٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا ص (وَصَحَّتْ وَلَوْ تُرِكَتْ عَمْدًا) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ إقَامَةٍ عَامِدًا أَجْزَأَهُ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ الْعَامِدُ انْتَهَى. وَأَشَارَ بِأَوْ إلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي نَقْلِهِ، فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ إقَامَةٍ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَجْزَأَهُ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَامِدُ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَابْنُ زِيَادٍ، وَابْنُ نَافِعٍ: مَنْ تَرَكَ الْإِقَامَةَ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ لَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهَا الصَّلَاةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَفْسُدَ بِتَرْكِهَا، وَوَجْهُ الْآخَرِ أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ كَاَلَّتِي مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ فَتَرْكُهَا عَمْدًا لَعِبٌ بِالصَّلَاةِ

فَوَجَبَ أَنْ لَا تُجْزِئَهُ انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ اللَّخْمِيُّ إلَّا لِابْنِ كِنَانَةَ، وَنَصُّهُ: " وَمَنْ تَرَكَ الْإِقَامَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي وَعَزَاهُ ابْنُ هَارُونَ لِرِوَايَةِ جَمِيعِ مَنْ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ وَلِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلَمْ يَعْزُهُ فِي النَّوَادِرِ إلَّا لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أُمِرَ بِالْأَذَانِ فَتَرَكَهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَأَمَّا مَنْ أُمِرَ بِالْإِقَامَةِ فَتَرَكَهَا سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَأَمَّا الْعَامِدُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَالشَّاذُّ: أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا، هَلْ يُعَدُّ عَابِثًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا يُعَدُّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْثُومٍ فِي التَّرْكِ فَلَا تَبْطُلُ؟ انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَبَدًا، وَكَلَامُ ابْنِ يُونُسَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ، وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَعَزَا صَاحِبُ الطِّرَازِ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ، وَقَالَ: أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَنَصُّهُ: " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْتُ مَالِكًا عَمَّنْ يُصَلِّي بِغَيْرِ إقَامَةٍ نَاسِيًا، فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قُلْتُ: فَلَوْ تَعَمَّدَ، قَالَ: فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الْعَامِدِ: أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي الْوَاضِحَةِ فِي الْمُنْفَرِدِ إنْ أَقَامَ فَحَسَنٌ وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ لِلْفَذِّ تَرْكَ الْإِقَامَةِ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ حَنْبَلٍ وَلِأَنَّ مَا لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَلَا إعَادَةً لَا يُوجِبُ عَمْدُهُ الْإِعَادَةَ كَالتَّسْبِيحِ وَاعْتِبَارًا بِالْأَذَانِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَرْأَةِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَلَمْ يَحْكِهِ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الصَّغِيرِ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ وَعَزَاهُ فِي الشَّامِلِ لِابْنِ كِنَانَةَ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْإِعَادَةَ هَلْ هِيَ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَبَدًا وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ غَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ نَقْلَ الْخِلَافِ خُصُوصًا الَّذِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى تَرْكِ الْإِقَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَالْإِقَامَةُ سُنَّةٌ " لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافَ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ وَقَعَ إطْلَاقُ الِاسْتِغْفَارِ لِتَارِكِهَا، وَوَقَعَ فِيهَا وَفِي الْأَذَانِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: " وَلَا أَعْرِفُهُ إلَّا لِنَقْلِ ابْنِ رَاشِدٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الْإِقَامَةِ فَقَطْ " انْتَهَى. (قُلْتُ) قَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) تَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ طَرِيقَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لِابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الْإِعَادَةَ أَبَدًا، الثَّانِيَةُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ: أَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقِيلَ: أَبَدًا. (الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْإِعَادَةِ التَّارِكِ لَهَا سَهْوًا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا غَيْرِهِ. (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ بَشِيرٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْأَذَانَ عَامِدًا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلِ الشَّاذِّ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الطَّبَرِيَّ رَوَى عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ أَهْلُ مِصْرٍ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَأَنَّ أَشْهَبَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ مُسَافِرٌ عَمْدًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ: فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: كَيْفَ يُطْلِقُ لَفْظَ الِاسْتِغْفَارِ الْمُخْتَصِّ بِالذُّنُوبِ فِي تَرْكِ السُّنَنِ، وَتَرْكُهَا لَيْسَ بِذَنْبٍ، وَأَجَابَ: بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَحْرِمُ الْعَبْدَ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ، وَالْفَرَائِضِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى ذُنُوبِهِ، وَيُعِينُهُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِسَبَبِ طَاعَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] ، وَقَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] الْآيَةَ، فَإِذَا اسْتَغْفَرَ مِنْ ذُنُوبِهِ غُفِرَتْ لَهُ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَأَمِنَ حِينَئِذٍ مِنْ الِابْتِلَاءِ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِالْحِرْمَانِ

وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ، وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ شَيْخِي الْقَرَافِيِّ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَذْهَبُ إلَى هَذَا دُونَ اسْتِدْلَالٍ وَنَسَبَهُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِغْفَارُ أَيْضًا لِتَهَاوُنِهِ بِالسُّنَّةِ كَقَوْلِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: إنَّ تَرْكَ السُّنَنِ فِسْقٌ، وَإِنْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ بَلَدٍ عُوقِبُوا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: " جَوَابُ الْقَرَافِيِّ هُنَا ضَعِيفٌ "، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ لَيْسَ هُوَ بِضَعِيفٍ كَمَا زَعَمَ وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ الْقَرَافِيِّ (الْخَامِسُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَنْ تَرَكَهَا سَهْوًا لَا يَسْجُدُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَنَقْصٌ يُؤَثِّرُ فَسَجَدَ لَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَسُجُودُهُ لَغْوٌ، وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، فَفِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيّ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي صُلْبِ صَلَاتِهِ سُجُودًا لَيْسَ مِنْهَا وَرَآهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى وَجْهِ الْجَهْلِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَسْقَطَ بَعْضَهُ فَصَارَ مُشْكِلًا فَإِنَّهُ، قَالَ: إذَا سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَقَالَ) فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ يُعِيدُ فَكَلَامُهُ أَوْهَمَ أَنَّ كَلَامَ الطُّلَيْطِلِيِّ فِيمَا إذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ الْهَوَّارِيُّ فِي مَسَائِلِ السَّهْوِ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، فَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْح الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ سَجَدَ لِتَرْكِ الْإِقَامَةِ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، قَالَ الطُّلَيْطِلِيّ وَقَبِلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَهُوَ وَاضِحٌ انْتَهَى. (السَّادِسُ) إذَا تَذَكَّرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَرَكَ الْإِقَامَةَ لَمْ يَقْطَعْ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَمَنْ تَرَكَ الْإِقَامَةَ جَهْلًا حَتَّى أَحْرَمَ فَلَا يَقْطَعُ وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ أَقَامَ وَصَلَّى فَقَدْ أَسَاءَ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ بِنِيَّتِهِ وَبِكَلَامِهِ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُنَافِي الصَّلَاةَ حَتَّى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَحْكِي فِيهِ الْمُؤَذِّنَ وَلَوْ أَنَّ هَذَا لَمَّا أَحْرَمَ أَقَامَ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَتَمَادَى عَلَى حُكْمِ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ لَأَعَادَ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ص (وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ سِرًّا فَحَسَنٌ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ صَلَّتْ وَحْدَهَا فَإِنَّ الْإِقَامَةَ فِي حَقِّهَا حَسَنَةٌ يَعْنِي مُسْتَحَبَّةً، وَلَيْسَتْ سُنَّةً كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا إذَا صَلَّتْ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَتَكْتَفِي بِإِقَامَتِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقِيمَةُ لِلْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَلَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِإِقَامَتِهَا كَمَا لَا تَحْصُلُ سُنَّةُ الْأَذَانِ بِأَذَانِهَا، قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِي: يُرِيدُ إنَّهَا أَقَامَتْ لِنَفْسِهَا لَا أَنَّهَا تُقِيمُ فِي الْمَسَاجِدِ لِلْجَمَاعَةِ، وَإِذَا أَقَامَتْ لِنَفْسِهَا فَإِنَّهَا تُقِيمُ سِرًّا؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مِنْ الرِّجَالِ يُسِرُّ الْإِقَامَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْإِقَامَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَسَنَةً أَيْ: مُسْتَحَبَّةً هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِيهَا: وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ، وَإِنْ أَقَامَتْ فَحَسَنٌ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ إقَامَتَهَا حَسَنَةٌ كَمَا قَالَ، وَرَوَى الطِّرَازُ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهَا إذْ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُنَّ كُنَّ يُقِمْنَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (قَالَ) ابْنُ هَارُونَ هُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا لِلرَّجُلِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلِلنِّسَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَا يَسْتَوِيَانِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي الْمَرْأَةِ حَسَنٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ: هَذَا أَشْبَهُ مِمَّا فِي الْأَصْلِ وَوِفَاقٌ لِمَذْهَبِ الْكِتَابِ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَعَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ شَرْحُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ لَكِنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَإِنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ حَسَنٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَمْنَ فَحَسَنٌ، وَلِأَشْهَبَ ثَالِثٌ بِالْكَرَاهَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ) لَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ أَشْهَبَ الْكَرَاهَةَ وَإِنَّمَا فُهِمَ كَلَامُهُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: اخْتَلَفَ

قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْإِقَامَةِ فَمَرَّةً اسْتَحْسَنَهَا، وَمَرَّةً لَمْ يَسْتَحْسِنْهَا، قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: مَا سَمِعْتُ ذَلِكَ قَالَ أَفَأَحَبُّ إلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ، قَالَ مَا آمُرُهَا بِذَلِكَ انْتَهَى. وَرَأَيْتُ الشَّبِيبِيَّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ حَكَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ، وَبَحَثَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ فِي جَعْلِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ثَالِثًا، وَقَالَ: هُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى اللُّزُومَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ فَلَا يَكُونُ ثَالِثًا انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَعَلَى ذَلِكَ فَهِمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ الْكَرَاهَةَ وَإِنَّمَا جَعَلَ مُقَابِلَهُ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ، وَنَصُّهُ: " وَفِيهَا لَا أَذَانَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا إقَامَةَ، وَإِنْ أَقَامَتْ فَحَسَنٌ، وَهُوَ فِي الْجَلَّابِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرُوِيَ فِي الطِّرَازِ عَدَمُ اسْتِحْسَانِهَا إذْ لَمْ تُرْوَ عَنْ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. (قُلْتُ) كَلَامُ الشَّارِحِ، وَابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مُتَّحِدَانِ وَكَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ كَمَا نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ أَشْهَبَ وَلَيْسَ ثَالِثًا انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ حَيْثُ لَمْ يُطْلَبْ الْأَذَانُ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَالْحُضُورِ لِلصَّلَاةِ، وَالْإِقَامَةُ شُرِعَتْ لِإِعْلَامِ النَّفْسِ بِالتَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّ الْأَذَانُ بِمَنْ ذُكِرَ، وَشُرِعَتْ الْإِقَامَةُ لِلْجَمِيعِ (الثَّانِي) : إذَا صَلَّى الصُّبْحَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِقَامَةِ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ صَلَّى الصُّبْحَ لِنَفْسِهِ فَلْيُقِمْ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ. (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ: " سِرًّا " لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ بِالسِّرِّ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي إقَامَةِ الْمُنْفَرِدِ أَنْ يَكُونَ سِرًّا فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ: وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُسِرَّ الْإِقَامَةَ فِي نَفْسِهِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي، قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُوجَدْ لِمَالِكٍ خِلَافٌ، وَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ، قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الْإِسْرَارَ مَطْلُوبٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عِمْرَانَ قَائِلًا: " مَخَافَةَ أَنْ يُشَوِّشَ عَلَى مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ يُصَلِّي هُنَاكَ "، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسِرَّ الْإِقَامَةَ فِي نَفْسِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ لَا بَأْسَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ فَيَكُونُ وِفَاقًا لِاخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيِّ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِسْرَارُ الْمُنْفَرِدِ حَسَنٌ، قَالَ ابْنُ هَارُونَ: هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ وَغَيْرُ الْإِسْرَارِ، وَهُوَ الْجَهْرُ أَحْسَنُ لِقَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ: أَحَبُّ إلَيَّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْإِقَامَةِ وَلَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، بَلْ قَالَ: لَوْ اُخْتِيرَ فِيهَا رَفْعُ الصَّوْتِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ التَّثْوِيبَ أَدْبَرَ، وَمُبَاعَدَةُ الشَّيْطَانِ مَطْلُوبَةٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ انْتَهَى. (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ أَشْهَبَ يُخَالِفُ فِي إقَامَةِ الْمُنْفَرِدِ وَيَرَى الْجَهْرَ بِهَا أَوْلَى وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ: يُسِرُّهَا الْمُنْفَرِدُ فِي نَفْسِهِ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ أَحَبُّ إلَيَّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْإِقَامَةِ انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ أَشْهَبَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَمَاعَةِ. قِيلَ: لِأَشْهَبَ: أَيُؤَذِّنُ عَلَى الْمَنَارِ أَوْ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْأَذَانِ أَسْمَعُهُ لِلْقَوْمِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي الْإِقَامَةِ أَنْ تَكُونَ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ، وَقُرْبَ الْإِمَامِ، وَكُلِّ وَاسِعٍ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ انْتَهَى. وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ، قَالَ: إنَّ الْإِقَامَةَ شُرِعَتْ أُهْبَةً لِلصَّلَاةِ بَيْنَ يَدَيْهَا تَفْخِيمًا لَهَا كَغُسْلِ الْإِحْرَامِ، وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ فَحَسَنٌ أَنْ يُقَالَ فِيهَا: مَنْ أَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَا صَلَّى أَهْلُهُ لَا يَجْهَرُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ اللِّبْسَةِ وَالدُّلْسَةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا سَمِعَ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا يَظُنُّ بِهِ الْخُرُوجَ عَنْ رَأْيِ الْإِمَامِ وَعَمَّا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ، وَأَنَّهُ يَتَعَمَّدُ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي صِفَةِ الْإِقَامَةِ أَنْ تَكُونَ جَهْرًا لِلْجَمَاعَةِ سِرًّا لِلْفَذِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) ، قَالَ

اللَّخْمِيُّ: مِنْ شَرْطِ الْإِقَامَةِ أَنْ تَعْقُبَهَا الصَّلَاةُ فَإِنْ تَرَاخَى مَا بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّوْسِعَةُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْخِلَافِ فِي إقَامَةِ الرَّاكِبِ وَصَوَّبَ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُقِيمُ رَاكِبًا، قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِاتِّصَالِ الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ أَقَامَ رَاكِبًا، ثُمَّ نَزَلَ وَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ شُغْلٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ إيصَالَ الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ فَهَلْ يَبْعُدُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ مِثْلَ الْجَامِعِ الْوَاسِعِ يَخْرُجُ الْمُؤَذِّنُ إلَى بَابِهِ أَوْ يَصْعَدُ عَلَى سَطْحِهِ فَيُقِيمُ، قَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ، وَقُرْبَ الْإِمَامِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ لِيُسْمِعَ مَنْ حَوْلَهُ أَوْ قُرْبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأٌ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الْمَنَارِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ خَارِجَهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِيَخُصَّ رَجُلًا لِيُسْمِعَهُ فَدَاخِلُ الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إلَيَّ. وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ، وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِقَامَةَ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَتْ لَمَا سُمِعَتْ مِنْ الْبَقِيعِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ نَحْوَهُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ إقَامَةِ الرَّاكِبِ: لِأَنَّ السُّنَّةَ اتِّصَالُ الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ، وَالنُّزُولُ عَنْ الدَّابَّةِ وَعَقْلُهَا، وَإِصْلَاحُ الْمَتَاعِ طُولٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الطِّرَازِ: إذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ اتِّصَالَ الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ يَقْتَضِي أَنَّ اتِّصَالَ الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ لَا شَرْطٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْفَصْلِ الْيَسِيرِ، فَهُوَ الَّذِي يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ، وَأَمَّا إنْ طَالَ الْفَصْلُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْإِقَامَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَقَامَ رَاكِبًا، ثُمَّ نَزَلَ وَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرِ شُغْلٍ فَيَكُونُ مُوَافِقًا، لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَكَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْقَرَافِيِّ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَعُدَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ الْإِقَامَةِ أُعِيدَتْ وَفِي إعَادَتِهَا لِبُطْلَانِ صَلَاتِهَا، وَإِنْ طَالَ، نَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ ظَاهِرِهَا، وَبَعْضُهُمْ، وَعَزَا الْمَازِرِيُّ الْأَوَّلَ: لِبَعْضِهِمْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهَا: مَنْ رَأَى نَجَاسَةً فِي ثَوْبِهِ قَطَعَ وَابْتَدَأَ بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يَحْكِ الثَّانِيَ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ قَالَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِإِقَامَةٍ طَالَ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ قَائِلًا: إنَّ الْإِقَامَةَ الْأُولَى كَانَتْ صَلَاةً فَاسِدَةً فَبَطَلَتْ بِبُطْلَانِهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الطُّولِ، وَأَمَّا الْقُرْبُ فَلَا يَفْتَقِرُ لِإِقَامَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَمُؤَذِّنٌ أَقَامَ الصَّلَاةَ فَأَخَّرَهُ الْإِمَامُ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا كَفَتْهُمْ تِلْكَ الْإِقَامَةُ، وَإِنْ بَعُدَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ، وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَإِذَا أَقَامَ فَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ قَلِيلًا أَجْزَأَهُ، فَإِنْ تَبَاعَدَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا: أَنَّ اتِّصَالَ الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ سُنَّةٌ، وَأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ، وَالْكَثِيرَ يُبْطِلُ الْإِقَامَةَ، وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّامِنَ عَشَرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ بِالْإِحْرَامِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَدْرَ مَا تُسَوَّى الصُّفُوفُ فَهَذَا الْفَصْلُ مُسْتَحَبٌّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ الْيَسِيرُ الْمُغْتَفَرُ فَوْقَهُ، وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَاجِي الرَّجُلَ طَوِيلًا بَعْدَ الْإِقَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسُ) قَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ أَيُقِيمُ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهِ؟ قَالَ: لَا قِيلَ لَهُ: فَإِنْ فَعَلَ، قَالَ: هَذَا مُخَالِفٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: " هَذَا مُخَالِفٌ " أَيْ لِلسُّنَّةِ أَيْ: لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِلصُّلْحِ بَيْنَهُمْ، وَحَانَتْ الصَّلَاةُ جَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ؟ فَأُقِيمَ، قَالَ: نَعَمْ» وَإِنَّمَا الَّذِي يَجِبُ لِلنَّاسِ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ أَنْ يَدْعُوَ؛ لِأَنَّهَا سَاعَةُ الدُّعَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ دَعْوَتُهُ: حَضْرَةُ النِّدَاءِ، وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَذَكَرَ: أَنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ خِلَافَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُعْتَكِفِ مَعَ الْمُؤَذِّنِينَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَعْنِي؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ الْكَرَاهَةُ بِأَنَّهُ عَمَلٌ يَقْتَضِي: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ، وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْأَخْذَ، فَقَالَ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِقَامَةِ الْكُلِّيَّةُ لَا الْجُزْئِيَّةُ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ إقَامَةَ الْمُعْتَكِفِ مَعَ الْمُؤَذِّنِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي الرِّوَايَةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُؤَذِّنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةِ فِي نَفْسِهِ فَتَأَمَّلْهُ. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْإِمَامِ لِنَفْسِهِ لَا أَعْرِفُهُ وَفِي أَخْذِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْتُ) كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّمَا هُوَ إذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ فَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ وَلَا يُقِيمُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مَعَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ السُّنَّةُ أَنْ يُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي أَكْثَرِ عِبَارَاتِهِمْ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِيَةِ فِي التَّنْبِيهِ السَّابِعَ عَشَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيُؤْخَذُ جَوَازُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ إقَامَةَ الْمُؤَذِّنِ أَحْسَنُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمَانِنَا، وَإِقَامَةَ الْإِمَامِ مُجْزِئَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ حِينَئِذٍ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ النِّدَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَذَانُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَدْخُلَ الْإِقَامَةُ فَإِنَّهَا دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ. (السَّابِعُ) ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَرَأَيْت الْمُؤَذِّنِينَ فِي الْمَدِينَةِ يَتَوَجَّهُونَ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِهَا فِي أَذَانِهِمْ وَيُقِيمُونَ عَرْضًا، وَذَلِكَ وَاسِعٌ يَصْنَعُ كَيْفَ شَاءَ، قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا: أُخِذَ مِنْهَا أَنَّ الْمُقِيمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا يُرِيدُ فَإِنْ تَرَكَ الْقِيَامَ فِي الْيَسِيرِ فَلَا يَضُرُّ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالْأَخْذُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَيُقِيمُونَ عَرْضًا " كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّامِنِ وَقَوْلُهُ: " يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا " يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ أَقَامَ قَاعِدًا لَمْ يُجْزِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ ابْتِدَاءً فَإِنْ أَقَامَ جَالِسًا أَجْزَأَهُ، وَعَدَّ الشَّبِيبِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةَ لِلرِّجَالِ وَالْقِيَامَ لَهَا، وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَصِفَةُ الْمُقِيمِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِمَّنْ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ قَائِمًا. (الثَّامِنُ) ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، قَالَ ابْنُ عَاتٍ: وَيُسْتَحَبُّ التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَنَا، قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ انْتَهَى. (قُلْت) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: " عَرْضًا "، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ فِي الْأُمَّهَاتِ: يَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ يُقِيمُونَ الشَّيْخُ إمَّا؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِمَامِ فِي شَرْقِ الْمَسْجِدِ أَوْ غَرْبِهِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ: " يَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ يُقِيمُونَ " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: " يُقِيمُونَ عَرْضًا " وَلَفْظُ الْأُمِّ " وَيُقِيمُونَ عَرْضًا " يَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ يُقِيمُونَ، وَقَالَ الْوَانُّوغِيُّ ابْنُ عَاتٍ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْإِقَامَةِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: " عَرْضًا " عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَخْرُجُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَيَخْرُجُ الْمُؤَذِّنُ فَيُقِيمُ عَرْضًا انْتَهَى. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِبْلَةَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ إلَى جِهَةِ الْجَنُوبِ، وَالْمَغْرِبَ عَلَى يَمِينِهِ، وَالْمَشْرِقَ عَنْ شِمَالِهِ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الِاسْتِقْبَالُ وَإِنَّ مَا وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِمْ يَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْهُ. (التَّاسِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَعَدُّدُ الْمُقِيمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَخْذًا مِنْ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْوَانُّوغِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (الْعَاشِرُ) ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا مُسْتَحَبٌّ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ وَلَا يَحْكِي الْإِقَامَةَ. (قُلْتُ) قَدْ يُفْهَمُ هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورِ لَكِنْ وَقَعَ فِي الطِّرَازِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْكِي الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ، قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ انْتَظَرَ الْإِمَامُ قَدْرَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ

أَنَّهُ يُحْرِمُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " ثُمَّ أَخَذَ يُوَجِّهُ قَوْلَ مَالِكٍ، فَقَالَ: وَلِأَنَّ فِي جَوَاب الْمُؤَذِّنِ فَضِيلَةً وَفِي حُضُورِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَضِيلَةً فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِالِانْتِظَارِ يُجَاوِبُ الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ، وَيُدْرِكُ الْمُؤَذِّنُ التَّكْبِيرَ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِيَ عَشَرَ) قَالَ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَدْخُلَانِ الْمَسْجِدَ وَهُمَا فِي مُؤَخَّرِهِ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ وَهُمَا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ مُقْبِلَانِ إلَى الْإِمَامِ فَيُحْرِمُ الْإِمَامُ، وَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ، قَالَ: أَرَى أَنْ يَتْرُكَا الْكَلَامَ إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ تَحَدُّثَهُمَا، وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ مُقْبِلَانِ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ الْمَكْرُوهِ الْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ لَهْوٌ عَمَّا يُقْصَدُ أَنَّهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِعْرَاضٌ عَنْهُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ تَحَدُّثُهُمَا وَهُمَا وَاقِفَانِ فِي الصَّفِّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بَلْ قَدْ يَحْرُمُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ تَشْوِيشٌ عَلَى مَنْ إلَى جَانِبِهِمَا مِنْ الْمُصَلِّينَ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ انْتَهَى. (الثَّالِثَ عَشَرَ) ، قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَاجِي الرَّجُلَ طَوِيلًا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْعُودَ الَّذِي فِي الْقِبْلَةِ لِكَيْ يَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَهَذَا مَا لَمْ يُطِلْ كَمَا تَقَدَّمَ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ انْتَهَى. (الْخَامِسَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ نَذْرِ سُنَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي إنَّ رَجُلًا قَدِمَ حَاجًّا، وَأَنَّهُ جَلَسَ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَدْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَبْطَأَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: لَا تَخْرُجُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ الْمُؤَذِّنِ خُرُوجًا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ أَصَابَهُ أَمْرُ سُوءٍ، قَالَ: فَقَعَدَ الرَّجُلُ، ثُمَّ إنَّهُ اسْتَبْطَأَ الْإِقَامَةَ، فَقَالَ: مَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ حَبَسَنِي فَخَرَجَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَصُرِعَ فَكُسِرَ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُصِيبُهُ مَا يَكْرَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ " بَلَغَنِي " مَعْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ، وَهِيَ عُقُوبَةٌ مُعَجَّلَةٌ لِلْخَارِجِ بَعْدَ الْأَذَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ لِإِيثَارِهِ تَعْجِيلَ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي أُذِّنَ لَهَا وَحَضَرَ وَقْتُهَا، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ رَاغِبًا عَنْهَا آبِيًا مِنْ فِعْلِهَا فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: " بَلَغَنِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ إلَّا مُنَافِقٌ " انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ فِي بَلَاغَاتِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجْتَازُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْأَذَانِ، فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ وَكَذَا إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَحْدَهُ إلَّا مَا لَا يُعَادُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِإِجْمَاعٍ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ لِلْوُضُوءِ وَيَنْوِي الرُّجُوعَ انْتَهَى. (قُلْتُ) قَوْلُهُ: " لَا يَحِلُّ " أَيْ: يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ لَيْسَ بِحَلَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ الْمُبَاحُ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ التَّحْرِيمُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ " وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا يَحْرُمُ الْخُرُوجُ بِالْإِقَامَةِ وَأَمَّا قَبْلَهَا فَيَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ. (السَّادِسَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى أَهْلُهُ فَلْيَبْتَدِئْ الْإِقَامَةَ لِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهَا سَنَدٌ بِلَفْظِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِئُهُ إقَامَتُهُمْ، قَالَ وَقَوْلُهُ: " لَا تُجْزِئُهُ إقَامَتُهُمْ " يَقْتَضِي أَنَّهَا مُتَأَكَّدَةٌ فِي حَقِّهِ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: يُقِيمُ لِنَفْسِهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ إقَامَةٍ فَجَعَلَهُ مُسْتَحَبًّا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ فِي الْفَذِّ فَإِنْ أَقَامَ فَحَسَنٌ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِقَامَةَ شُرِعَتْ أُهْبَةً لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ حَتَّى شُرِعَتْ فِي الْفَوَائِتِ فَوَجَبَ مُلَازَمَتُهَا لَهَا وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْإِقَامَةَ فِي حُكْمِ الدُّعَاءِ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ دُعَاءً لِلْغَيْرِ وَاعْتِبَارًا بِالْأَذَانِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: اخْتَلَفَ

النَّاسُ فِي إقَامَةِ الْمُنْفَرِدِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُخَاطِبُ بِهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْمُنْفَرِدِ إنَّمَا هِيَ لِجَوَازِ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ لِمَذْهَبِ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا صَلَّى أَهْلُهُ لَمْ تُجْزِهِ إقَامَتُهُمْ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ: يُقِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ. اللَّخْمِيُّ اسْتَحَبَّهُ وَلَمْ يَرَهُ سُنَّةً وَلِابْنِ مَسْلَمَةَ إنَّمَا الْإِقَامَةُ لِمَنْ يَؤُمُّ يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ فَمَنْ دَخَلَ بَعْدَهُ كَانَ أَقَامَ لَهُ. الْمَازِرِيُّ هَذَا إشَارَةٌ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ: لَا يَفْتَقِرُ لَهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ دَخَلَ بِتَكْبِيرَةٍ فِي آخِرِ جُلُوسِ الْإِمَامِ فَلَا يُقِيمُ فَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ أَقَامَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ: " يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ إقَامَةُ النَّاسِ "، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ أَحْرَمَ مَعَهُ لَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَأَجْزَأَتْهُ إقَامَةُ النَّاسِ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفَهَا وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَأَخْطَأَ إذْ لَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى إحْرَامِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الَّذِي يَجِدُ الْإِمَامَ سَاجِدًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَيُحْرِمُ مَعَهُ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَيْهَا فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. (قُلْتُ) ذَكَرَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا، وَاسْتَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا آخَرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، قَالَ: وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ عَقْدِ رَكْعَةٍ أَنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (السَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ لَمْ تُجْزِهِ إقَامَةُ أَهْلِ الْمِصْرِ، قَالَ سَنَدٌ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلَا الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ فِي الْجَدِيدِ مِثْلَهُ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: أَمَّا الرَّجُلُ يُصَلِّي وَحْدَهُ فَأَذَانُ الْمُؤَذِّنِينَ وَإِقَامَتُهُمْ كَافِيَةٌ لَهُ، وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ أَدَّى فِيهِ حَقَّ الْإِقَامَةِ لِلظُّهْرِ فَلَا يَتَعَدَّدُ ذَلِكَ بِتَعْدَادِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَقِّ آحَادِ الْجَمَاعَةِ، وَاعْتِبَارًا بِالْآذَانِ الَّذِي أَدَّى فِيهِ حَقَّهُ فَإِنَّ مَنْ أَتَى بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي صَلَاةٍ لَمْ تُجْزِهِ إقَامَتُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْتَظِرُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَلِيلًا قَدْرَ مَا تَسْتَوِي الصُّفُوفُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ شَيْءٌ وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُوَكِّلَانِ رَجُلًا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا أَخْبَرَهُمَا أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ كَبَّرَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ مُسْتَحَبٌّ وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومِينَ إذَا اشْتَغَلُوا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَاتَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَمَنْ فَاتَتْهُ أُمُّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَإِنْ اشْتَغَلُوا بِالتَّكْبِيرِ فَاتَهُمْ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يَحْرُمُ إذَا قَالَ الْمُقِيمُ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَخَيَّرَ فِي الْوَجْهَيْنِ أَبُو عُمَرَ، وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ، وَوَهِمَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ عُمَرَ إنَّمَا عَزَاهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَطْ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْأُمِّ. (التَّاسِعَ عَشَرَ) ذَكَر ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: " وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ " أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِقْهُ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَخْطِفَ إحْرَامَهُ، وَسَلَامَهُ أَيْ: يُسْرِعُ فِيهِمَا لِئَلَّا يُشَارِكَهُ الْمَأْمُومُ فِيهَا فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ، وَالثَّانِيَةُ: تَقْصِيرُ الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى، وَالثَّالِثَةُ: دُخُولُ الْمِحْرَابِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعِشْرُونَ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْأَذَانَ فِي الْجَمْعِ اكْتِفَاءً بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي الْأَذَانِ فِي الْجَمْعِ مَشْهُورُهَا: يُؤَذِّنُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي سَوَاءً كَانَ الْجَمْعُ سُنَّةً كَعَرَفَةَ، أَوْ رُخْصَةً كَلَيْلَةِ الْمَطَرِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ فِي الْجَمْعِ مُطْلَقًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ:

فصل شرط الصلاة

لَا يُؤَذَّنُ لَهُمَا وَقِيلَ: يُؤَذَّنُ لِلْأُولَى فَقَطْ وَالْمَشْهُورُ يُؤَذَّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاتَّفَقَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُقَامُ لِكُلِّ صَلَاةٍ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَجْمَعُ الْإِمَامُ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ فَتُجْزِئُهُمْ إقَامَةٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ (الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ) نَقَلَ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: أَنَّهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لِإِمَامٍ مُعَيَّنٍ فَتَعَذَّرَ فَأَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَؤُمَّ أَنَّهَا تُعَادُ الْإِقَامَةُ، وَأَنَّهُ جَهِلَ مَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. (الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ) لَوْ أَقَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ فَلَا يُعِيدُ. أَشْهَبُ وَكَذَلِكَ فِي الْإِقَامَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: بِلَا فَصْلٍ مَسْأَلَةُ: مَا إذَا رَعَفَ الْمُقِيمُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أَحْدَثَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَبَنَى عَلَى إقَامَتِهِ أَوْ بَنَى غَيْرُهُ عَلَى إقَامَتِهِ أَنْ يُجْزِئَهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَشْهَبَ. ص (وَلْيُقِمْ مَعَهَا أَوْ بَعْدَهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ عِنْدَنَا فِي وَقْتِ قِيَامِ الْمُصَلِّي لِلصَّلَاةِ حَالَ الْإِقَامَةِ كَمَا يَقُولُهُ غَيْرُنَا، قَالَ فِي الْأُمِّ: وَكَانَ مَالِكٌ لَا يُوَقِّتُ وَقْتًا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يَقُومُونَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ الْقَوِيُّ، وَمِنْهُمْ الضَّعِيفُ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ عَلِيٌّ قِيلَ: لِمَالِكٍ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ حَدًّا وَلْيَقُومُوا بِقَدْرِ مَا اسْتَوَتْ الصُّفُوفُ وَفَرَغَتْ الْإِقَامَةُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يَقُومُ حَتَّى يَسْمَعَ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا، قَالَ: " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " كَبَّرَ الْإِمَامُ، وَقَالَ سَعِيدٌ إنَّهُ يَقُومُ إذَا، قَالَ الْمُؤَذِّنُ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا، قَالَ: " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " اعْتَدَلَتْ الصُّفُوفُ فَإِذَا قَالَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " كَبَّرَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الزَّاهِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ لِلصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ انْتَهَى. [فَصْلٌ شَرْطُ الصَّلَاةِ] (فَصْلٌ شَرْطُ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَخَبَثٍ) هَذَا الْفَصْلُ يُذْكَرُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَشَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ وَشَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ فَأَمَّا شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ فَسِتَّةٌ. (الْأَوَّلُ) بُلُوغُ دَعْوَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] (الثَّانِي) دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَجَعَلَ الْقَرَافِيُّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ. وَسَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا فَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْوَقْتِ إجْمَاعًا وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا إلَّا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجَمْعِ (الثَّالِثُ) الْعَقْلُ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ. إلَّا إنْ أَفَاقَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ إفَاقَتِهِمَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِإِدْخَالِهِ ذَلِكَ عَلَى عَقْلِهِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَجْنُونِ وَلَا السَّكْرَانِ. إنْ كَانَ عَقْلُهُ غَائِبًا وَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ إذَا كَانَ فِي عَقْلِهِ وَلَكِنَّ الْخَمْرَ فِي جَوْفِهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ (الرَّابِعُ) ارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى حَائِضٍ وَلَا عَلَى نُفَسَاءَ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمَا وَلَا يَقْضِيَانِ إلَّا مَا طَرَأَ فِي وَقْتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ (الْخَامِسُ) وُجُودُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَوْ الصَّعِيدِ عِنْدَ عَدَمِهِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. فَمِنْ عَدَمَهُمَا سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَقَضَاؤُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (السَّادِسُ) عَدَمُ السَّهْوِ وَالنَّوْمِ فَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي حَالِ الْغَفْلَةِ وَالنَّوْمِ. لَكِنْ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ زَوَالِ ذَلِكَ (وَأَمَّا) شُرُوطُ الْوُجُوبِ دُونَ الصِّحَّةِ فَاثْنَانِ (الْأَوَّلُ) الْبُلُوغُ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَكِنْ تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَيُؤْمَرُ بِهَا بِالسَّبْعِ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا الْعَشْرُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ صَلَّى الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْأُولَى نَافِلَةٌ وَلَا يَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي حَالِ صِبَاهُ.

سَوَاءٌ صَلَّاهُ أَوْ لَمْ يُصَلِّهِ (الثَّانِي) عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِهَا لَكِنْ تَصِحُّ مِنْهُ إنْ فَعَلَهَا وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا عِنْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ (وَأَمَّا) شُرُوطُ الصِّحَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ فَخَمْسَةٌ (الْأَوَّلُ) الْإِسْلَامُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِفَقْدِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ إنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَالْمُرْتَدُّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَلِّيَا مَا أَسْلَمَا فِي وَقْتِهِ (الثَّانِي) طَهَارَةُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ ابْتِدَاءً أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَدَوَامًا أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُحْدِثِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ دَخَلَ نَاسِيًا وَلَا صَلَاةَ عَلَى مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ فِي أَثْنَائِهَا نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا أَوْ غَلَبَةً وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَبَدًا مَتَى عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهَا وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ أَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِ فِيهَا حَدَثٌ أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ أَوْ لَمْعَةً مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عَلِمَ بَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ شَرْطُ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ حَدَثٍ وَنَكَّرَ الْمُصَنِّفُ صَلَاةً لِيُفِيدَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً فَائِتَةً أَوْ وَقْتِيَّةً ذَاتَ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ أَوْ سُجُودَ تِلَاوَةٍ نَاسِيًا كَانَ أَوْ ذَاكِرًا وَنَكَّرَ الطَّهَارَةَ لِيَشْمَلَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ أَوْ بِمَا هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ كَالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَبِيرَةِ وَنَكَّرَ الْحَدَثَ لِيَعُمَّ الْأَصْغَرَ وَالْأَكْبَرَ وَتَقَدَّمَ أَوَّلُ الطِّهَارَةِ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ أَرْبَعُ مَعَانٍ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ وَالْخُرُوجُ وَالْوَصْفُ الَّذِي يُقَدَّرُ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ وَالْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَابُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ. (الثَّالِثُ) طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَهُوَ النَّجِسُ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا لَكِنْ مَعَ الذِّكْرِ لِلنَّجَاسَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي وُجُوبِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَمَا حَكَاهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا قَالَهُ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمُّلُهُ، وَإِضَافَةُ الطَّهَارَةِ إلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمُسَبِّبِ إلَى السَّبَبِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُزِيلِ إلَى الْمُزَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) سِتْرُ الْعَوْرَةِ (الْخَامِسُ) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَيَتَكَلَّمُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِمَا وَعَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ تَرْكَ الْكَلَامِ وَتَرْكَ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُمَا فِي الشُّرُوطِ لِأَنَّ مَا طُلِبَ تَرْكُهُ إنَّمَا يُعَدُّ فِي الْمَوَانِعِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ تَابِعٌ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ عَدُّوهُمَا مِنْ الْفَرَائِضِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطٌ إذْ الْحُكْمُ لَا يُوجَدُ إلَّا إذَا عُدِمَ الْمَانِعُ، قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ أَوْ السَّبَبِ يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ انْتَهَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْفَرْضِ أَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْفَرْضِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالرُّكْنِ دَاخِلِ الْمَاهِيَّةِ. ص (وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَهَا وَدَامَ أَخَّرَ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَصَلَّى) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَكَانَ الرُّعَافُ مَنْفِيًّا لِذَلِكَ وَلَهُ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ شَرَعَ بَيْنَهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ وَالْقَرَافِيَّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَهُوَ حَسَنٌ وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ فَذَاكَرَاهُ فِي آخِرِ فَصْلِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ غَسْلَ الدَّمِ مِنْ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ (وَالرُّعَافُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الرُّعَافِ الَّذِي هُوَ السَّبْقُ كَقَوْلِ الْعَرَبِ فَرَسٌ رَاعِفٌ إذَا كَانَ يَتَقَدَّمُ الْخَيْلَ وَرَعَفَ فُلَانٌ الْخَيْلَ إذَا تَقَدَّمَهَا وَلَمَّا كَانَ الدَّمُ يَسْبِقُ إلَى الْأَنْفِ سُمِّيَ رُعَافًا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: وَيُقَالُ رَعَفَ يَرْعَفُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالشَّاذُّ ضَمُّهَا فِيهِمَا انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: يُقَالُ رَعَفَ يَرْعُفُ بِفَتْحِ الْمَاضِي وَضَمِّ الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَقِيلَ بِالضَّمِّ فِيهِمَا

وَأَصْلُ اشْتِقَاقِهِ مِنْ السَّبْقِ لِسَبْقِ الدَّمِ إلَى أَنْفِهِ وَمِنْهُ رَعَفَ فُلَانٌ الْخَيْلَ إذَا تَقَدَّمَهَا، وَقِيلَ مِنْ الظُّهُورِ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا لُغَتَيْنِ رَعَفَ يَرْعُفُ كَنَصَرَ يَنْصُرُ وَرَعَفَ يَرْعَفُ كَكَرَمَ يَكْرُمُ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ اللُّغَاتِ الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ وَذَكَرَهَا فِي الْقَامُوسِ وَزَادَ أَيْضًا رَعِفَ يَرْعَفُ كَسَمِعَ يَسْمَعُ وَرُعِفَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرُّعَافُ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفِ وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الرُّعَافَ يُطْلَقُ عَلَى خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْأَنْفِ وَعَلَى الدَّمِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ بِضَمِّ الرَّاءِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ الرُّعَافَ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَطْرَأَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا فَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ رَجَاءَ أَنْ يُقْطَعَ فَإِنْ دَامَ وَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وَيُصَلِّيهَا كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ وَلَوْ إيمَاءً، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّعَافَ لَيْسَ بِحَدَثٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ فَلَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يَنْقُضُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِآخِرِ الْوَقْتِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو انْقِطَاعَهُ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنُ يُونُسَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ مَعَ عِلْمِ الدَّوَامِ انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الرُّعَافُ يَنْقَسِمُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَاحِبُهُ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ وَيَزِيدُ فِي رُعَافِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يُلَطِّخَهُ الدَّمُ أَوْمَأَ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا إيمَاءً. ثُمَّ قَالَ وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ دَائِمٍ يَنْقَطِعُ فَإِنْ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْقَطِعَ مَا لَمْ يَفُتْهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْقَامَةُ لِلظُّهْرِ وَالْقَامَتَانِ لِلْعَصْرِ وَقِيلَ بَلْ يُؤَخِّرُهُمَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ جُمْلَةً بِأَنْ يَتَمَكَّنَ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَيَخْشَى أَنْ لَا يُدْرِكَ تَمَامَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ انْتَهَى ثُمَّ ذَكَرَ الْقِسْمَ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَصَابَهُ الرُّعَافُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَفْصِيلُهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى حَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ سَوَاءٌ أَصَابَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ أَوْمَأَ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ. وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَنْبَغِي إذَا رَعَفَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ الدَّمُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا الْمَفْرُوضِ عَسَاهُ أَنْ يَنْقَطِعَ فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ صَلَّى حِينَئِذٍ انْتَهَى، فَفَهِمَ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ صَلَّى حِينَئِذٍ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ وَالْكَلَامُ مُحْتَمَلٌ لَهُ وَلَكِنَّ التَّقْيِيدَ ظَاهِرٌ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ الثَّانِي لَمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ الْقَوْلَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ أَوْ الضَّرُورِيِّ وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِمَا أَرْجَحِيَّةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْت وَقَدْ ذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَشْهِيرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَتَرَدَّدَ الشَّارِحُ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ أَوْ الضَّرُورِيُّ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّرُورِيُّ. قَالَ: لِأَنَّهُ وَقْتٌ مَفْرُوضٌ لِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ قُلْتُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ وَعَطَفَ الثَّانِي بِقِيلَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ لِتَصْدِيرِهِ بِهِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ بِقِيلَ انْتَهَى، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ إذَا صَدَّرُوا بِقَوْلٍ وَعَطَفُوا عَلَيْهِ بِقِيلَ فَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَعْزُوا الْأَوَّلَ لِأَحَدٍ بَلْ نَقَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَعَزَا الْقَوْلَ الثَّانِي لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ فَقَالَ: وَغَيْرُ الدَّائِمِ يُؤَخِّرُ لَكِنَّهُ مَا لَمْ

يُخْرِجْ الْمُخْتَارَ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الضَّرُورِيَّ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَبَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمَ قُلْتُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورِيِّ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا يُقَالُ هُوَ بَعِيدٌ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي التَّيَمُّمِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ اتِّفَاقٌ بَلْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَا يَقْتَضِي مِنْ الضَّرُورِيِّ فِي التَّيَمُّمِ وَقَبْلَهُ ابْنُ هَارُونَ انْتَهَى وَقَدْ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (الثَّالِثُ) قَالَ الْبِسَاطِيّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَخَّرَ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ يَعْنِي أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ بِحَيْثُ يَقَعُ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ قَرِيبٌ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا إلَّا أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الصَّلَاةَ تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ انْتَهَى. قُلْتُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّضْيِيقِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فَيُصَلِّي حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا قُلْنَا: يُصَلِّي إيمَاءً وَصَلَّى كَذَلِكَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهُ الدَّمُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا صَلَّى إيمَاءً ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ هَلْ يُعِيدُ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ يُعِيدُ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ انْتَهَى. وَلَمَّا تَكَلَّمَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ قَالَ: مَنْ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ ثُمَّ صَحَّ فِي الْوَقْتِ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ: يُعِيدُ وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الْغَرِيقِ يُصَلِّي عَلَى لَوْحٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَخْرُجُوا فِي الْوَقْتِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَقَدْ قِيلَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَجَّهَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ هُنَا تَخْرِيجِيًّا ثُمَّ حَكَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقِيلَ وَيَجْعَلُهُ ابْنُ رُشْدٍ الْمَذْهَبَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فَتَأَمَّلْهُ ص (أَوْ فِيهَا وَإِنْ عِيدًا أَوْ جِنَازَةً وَظَنَّ دَوَامَهُ لَهُ أَتَمَّهَا إنْ لَمْ يُلَطِّخْ فُرُشَ مَسْجِدٍ) ش هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ قَسِيمُ قَوْلِهِ قَبْلَهَا وَيَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَخْلُوَ إمَّا أَنْ يَظُنَّ دَوَامَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ أَوْ لَا يَظُنَّ ذَلِكَ فَإِنْ ظَنَّ دَوَامَهُ لِآخِرِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ أَتَمَّ الصَّلَاةَ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَالضَّمِيرُ فِي دَوَامِهِ عَائِدٌ عَلَى الرُّعَافِ وَفِي لَهُ لِلْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَفِي أَتَمَّهَا لِلصَّلَاةِ عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْعِلْمِ فَقَالَ: وَلَوْ رَعَفَ وَعَلِمَ دَوَامَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مُرَادُهُ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] وَقِيلَ أَطْلَقَ الْإِيمَانَ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِارْتِبَاطِ غَالِبًا وَمُوجِبُ الْعِلْمِ هُنَا الْعَادَةُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالدَّوَامُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَفِي الِاخْتِيَارِيِّ نَظَرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ إذَا صَلَّوْا فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ هَلْ يَكُونُونَ مُؤَدِّينَ أَوْ قَاضِينَ فَعَلَى الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ عِصْيَانٍ يُقْطَعُ وَعَلَى الْقَضَاءِ لَا يُقْطَعُ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَا فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، ثُمَّ قَالَ وَأَشَارَ ابْنُ هَارُونَ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ إجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ هُنَا انْتَهَى. قُلْتُ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّ الدَّوَامَ يُعْتَبَرُ إلَى آخِرِ الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ مَنْصُوصًا أَوْ رَآهُ أَوْلَى فَإِنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّلَبُّسِ بِحُرْمَتِهَا فَاعْتِبَارُهُ هُنَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ عِيدًا أَوْ جِنَازَةً يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ

فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَعَفَ فِيهَا فَإِنْ ظَنَّ دَوَامَ الرُّعَافِ إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ مِنْهُمَا لِأَنَّ بِفَرَاغِ الْإِمَامِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فِي الْفَرِيضَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَمَنْ رَعَفَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلْيَمْضِ فَيَغْسِلْ الدَّمَ ثُمَّ يَرْجِعْ إلَى مَوْضِعٍ صَلَّى عَلَيْهَا فِيهِ فَيُتِمَّ بَاقِي التَّكْبِيرِ وَكَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَلَوْ أَتَمَّ بَاقِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فِي بَيْتِهِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ خَافَ إنْ خَرَجَ يَغْسِلُ الدَّمَ أَنْ تَفُوتَهُ الْجِنَازَةُ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَكَانَ لَمْ يُكَبِّرْ عَلَى الْجِنَازَةِ شَيْئًا وَلَا عَقَدَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَلَا يَنْصَرِفُ انْتَهَى. وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا إذَا خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إذَا خَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو أَنَّهُ يَغْسِلُ الدَّمَ وَيُدْرِكُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَيَغْسِلُ الدَّمَ فَإِنْ ظَنَّ إدْرَاكَ الْإِمَامِ أَوْ إدْرَاكَ الْجِنَازَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ رَجَعَ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الْإِمَامَ وَلَا الْجِنَازَةَ فَلْيُتِمَّ بِمَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَهَذَا حُكْمُ الْمَأْمُومِ وَأَمَّا الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَأْمُومِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَنْ رَعَفَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلْيَمْضِ يَغْسِلْ الدَّمَ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعْ إلَى مَوْضِعٍ صَلَّى عَلَيْهَا فَيُتِمَّ بَقِيَّةَ التَّكْبِيرِ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَلَوْ أَتَمَّ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ فِي بَيْتِهِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ خَافَ إنْ خَرَجَ فَغَسَلَ أَنْ تَفُوتَهُ الْجِنَازَةُ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فَلْيَمْضِ كَمَا هُوَ عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ رَعَفَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَمْضِي فَيَغْسِلُ الدَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ خَافَ فَوَاتَهُمَا صَلَّاهُمَا وَلَمْ يَنْصَرِفْ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُكَبِّرْ عَلَى الْجِنَازَةِ شَيْئًا وَلَا عَقَدَ رَكْعَةً مِنْ الْعِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ قَدْ يُقَالُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَشْهَبُ بِالتَّمَادِي لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَبْنِي عَلَيْهِ فَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِغَسْلِ الدَّمِ ثُمَّ يَبْنِي لَكَانَ فِي حُكْمِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهِيَ لَا تُعَادُ وَفِي حُكْمِ مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ وَحْدَهُ أَنْ يَفُوتَهُمَا وَصَلَاتُهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَوْلَى مِنْ فَوَاتِهِمَا هَكَذَا نَقَلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ أَشْهَبَ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ فَعَلَ شَيْئًا يَعْتَدُّ بِهِ أَمْ لَا وَلَعَلَّ الشَّيْخَ اعْتَمَدَ عَلَى نَقْلِهِ انْتَهَى قُلْتُ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ يَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَكَلَامُ الطِّرَازِ قَوِيٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُتِمُّهُمَا إذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ بَابِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَقَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَنَصُّهُ إذَا رَعَفَ الْإِمَامُ فِي الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ اسْتَخْلَفَ كَالْفَرِيضَةِ سَوَاءٌ وَإِنْ رَعَفَ الْمَأْمُومُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ وَيَغْسِلُ الدَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُتِمُّ مَعَ الْإِمَامِ مَا بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ شَيْئًا مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّ حَيْثُ غَسَلَ الدَّمَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجِنَازَةَ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ عَلَيْهَا وَقَالَ أَشْهَبُ: فَإِنْ كَانَ رَعَفَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ رَكْعَةً أَوْ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ شَيْئًا وَخَشِيَ إنْ انْصَرَفَ لِغَسْلِ الدَّمِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ لَمْ يَنْصَرِفْ وَصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ وَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْعِيدِ وَكَذَا لَوْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَخَافَ إنْ انْصَرَفَ لِغَسْلِهَا أَنْ تَفُوتَهُ هَذَا كُلُّهُ أَعْنِي مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ هُوَ مَعْنَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ مُخَالِفًا لِبَعْضِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ النَّوَادِرِ وَحَكَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَوْلَ أَشْهَبَ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: إذَا رَعَفَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالسُّنَّةِ فَإِنْ خَافَ

تنبيه تلطخ من ثيابه أو جسده ما لا يغتفر وأراد الصلاة

فَوَاتَ الصَّلَاةِ قَالَ أَشْهَبُ يُصَلِّيهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَنْصَرِفُ خَافَ الْفَوَاتَ أَمْ لَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَقَابُلُ أَمْرَيْنِ الصَّلَاةِ بِالدَّمِ أَوْ فَوَاتِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الرُّعَافُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالسُّنَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْصَرِفَ مَعَ خَوْفِ الْفَوَاتِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَمَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ يَنْصَرِفُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَنْصَرِفُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّتِهَا وَإِنْ أَتَمَّ بِمَوْضِعِهِ أَجْزَاهُ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ كَلَامَ أَشْهَبَ مُخَالِفًا لِكَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ. [تَنْبِيه تَلَطَّخَ مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ جَسَدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ وَأَرَادَ الصَّلَاة] (تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ فَلَوْ تَلَطَّخَ مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ جَسَدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ لِوُجُودِ الْمُنَافِي انْتَهَى. قُلْتُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا خَافَ الْفَوَاتَ يُصَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَخَافَ إنْ خَرَجَ لِغَسْلِهَا أَنْ تَفُوتَهُ الْجِنَازَةُ وَصَلَاةُ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ [فَرْعٌ الرُّعَافُ فِي نَافِلَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ الرُّعَافُ فِي نَافِلَةٍ فَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ لِخُرُوجِ الْبِنَاءِ عَنْ الْأَصْلِ فِي الْفَرْضِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَقَدْ يُقَالُ بِالْبِنَاءِ قِيَاسًا عَلَى الرُّخَصِ وَقَدْ يُفَرَّقُ فِيمَا لَزِمَ حُضُورُهُ كَخَوْفِ تَرْكِ مَسْجِدٍ يُوَالِيهِ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْقِيَامِ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ عَنْ دَرَجَةِ النَّفْلِ بَعْدَ جَوَازِهِ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا رَعَفَ فِي النَّافِلَةِ وَخَافَ التَّمَادِي إلَى وَقْتٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُكْمِلُهَا عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَوْ رَجَا انْقِطَاعَهُ خَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ وَأَتَمَّهُ فِي مَوْضِعِهِ. (الثَّانِي) إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ خِلَافٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ النَّوَادِرِ وَابْنِ يُونُسَ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَانْظُرْ لِمَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ مَعَ تَصْدِيرِهِمْ بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُلَطِّخْ فُرُشَ مَسْجِدٍ يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِ قَطْعِهَا إذَا ظَنَّ دَوَامَ الرُّعَافِ لِآخِرِ الْوَقْتِ مَحِلُّهُ إذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا أَوْ تُرَابًا لَا حُصْرَ عَلَيْهِ أَوْ مَعَهُ مَا يَفْرِشُهُ عَلَى حَصِيرِ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ لَا يُلَطِّخُ فُرُشَ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مَفْرُوشًا بِالْحُصْرِ أَوْ بِالْبُسُطِ وَخَشِيَ تَلَطُّخَهُ لِذَلِكَ الْفُرُشِ بِالدَّمِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يُصَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا أَعْرِفُهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ بِعَيْنِهِ إلَّا للشَّارْمَساحِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَلَا مَعْنَى لِقَطْعِ صَلَاتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مُحَصَّبًا أَوْ تُرَابًا لَا حَصِيرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ فَيَغْسِلُ الدَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ كَمَا تَرَكَ الْأَعْرَابِيَّ يُتِمُّ بَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى. أَيْ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ مُحَصَّرٍ وَخَشِيَ تَلْوِيثَهُ قَطَعَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْوَسَطِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُلَطِّخْ فُرُشَ مَسْجِدٍ مِمَّا إذَا خَشِيَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ فِي الصَّغِيرِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُلَطِّخْ فُرُشَ مَسْجِدٍ أَيْ وَأَمَّا إنْ لَطَّخَهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَلَا يُتِمُّهَا فِيهِ وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فُرُشٌ أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى انْتَهَى. وَكَلَامُهُ فِي الْكَبِيرِ حَسَنٌ. ص (وَأَوْمَأَ لِخَوْفِ تَأَذِّيهِ أَوْ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ لَا جَسَدِهِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قُلْنَا: يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَلَا يَقْطَعُ لِأَجْلِ الدَّمِ إذَا ظَنَّ دَوَامَهُ لِآخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَإِنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِخَوْفٍ تَأَذِّي جَسَدِهِ وَحُصُولِ ضَرَرٍ فِي بَدَنِهِ كَمَا لَوْ كَانَ رَمَدٌ أَوْ خَافَ نُزُولَ الدَّمِ فِي عَيْنِهِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ مَتَى انْحَنَى رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا انْصَرَفَتْ الْمَادَّةُ إلَى وَجْهِهِ فَيَزِيدُ رُعَافُهُ فَإِنَّهُ يُومِئُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ لِخَوْفِ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ بِالدَّمِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: (الْأَوَّلُ) لِابْنِ رُشْدٍ جَوَازُ الْإِيمَاءِ إجْمَاعًا، (الثَّانِيَةُ) لِغَيْرِهِ حَكَوْا فِي جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَوْلَيْنِ الْجَوَازُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَعَدَمُهُ لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَلَمَّا قَوِيَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْإِيمَاءِ لِحِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِخَوْفِ تَلَطُّخِ جَسَدِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ اتِّفَاقًا إذْ الْجَسَدُ لَا يُفْسِدُهُ الْغُسْلُ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: هَذَا تَحْصِيلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ قُلْتُ وَأَصَّلَهُ لِابْنِ هَارُونَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبِ الْجَمْعِ وَقَالَ

فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يُومِئُ لِخَوْفِ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ خَوْفًا مِنْ فَسَادِ ثِيَابِهِ بِالدَّمِ وَقَدْ أَبَاحَ الشَّرْعُ التَّيَمُّمَ إذَا زِيدَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ مَا يَضُرُّ بِهِ حِفْظًا لِلْمَالِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَذَا قَدْ لَا يَتِمُّ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَمْنَعُ كَوْنَ الْغُسْلِ فَسَادًا فِي الثِّيَابِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ فِيهَا بَيْنَ مَا يُفْسِدُهُ الْغُسْلُ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ فَيُومِئُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَبْلَهُ قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هَارُونَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا يُفْسِدُهُ الْغُسْلُ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ هُوَ الظَّاهِرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَّلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ بِخَوْفِ التَّلَطُّخِ بِالنَّجَاسَةِ وَاعْتَرَضُوهُ وَقَالُوا: قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَجْلِ التَّلَطُّخِ بِالدَّمِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا خَشِيَ تَلَطُّخَ جَسَدِهِ لَا يُومِئُ اتِّفَاقًا فَالْعِلَّةُ فِي جَوَازِ الْإِيمَاءِ خَوْفَ تَلَطُّخِ الثَّوْبِ إنَّمَا هِيَ إفْسَادٌ بِالْغُسْلِ وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ إنَّمَا هِيَ إفْسَادُهُ بِالْغُسْلِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا يُفْسِدُهُ الْغُسْلُ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ مِمَّا عَلَّقَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي الْقَابِسِيَّ أَنَّهُ إنَّمَا يُومِئُ إذَا كَانَ إذَا صَلَّى قَائِمًا لَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ الدَّمُ وَلَمْ يَسِلْ وَإِذَا انْحَطَّ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَالَ الدَّمُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الدَّمُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيُصَلِّ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا مِنْ غَيْرِ إيمَاءٍ وَإِنْ سَالَ عَنْهُ الدَّمُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى قُلْتُ: هَذَا يَرْجِعُ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ فِيهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ إذَا صَلَّى قَائِمًا لَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِذَا رَكَعَ وَسَجَدَ سَالَ وَلَا يَخَافُ ضَرَرًا فَإِنْ خَشِيَ بِسَيَلَانِهِ تَلَطُّخَ ثَوْبِهِ أَوْمَأَ فَإِنْ خَشِيَ تَلَطُّخَ جَسَدِهِ لَمْ يُومِئْ وَأَمَّا إنْ كَانَ يَسِيلُ مِنْهُ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ ضَرَرًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ صَلَّى رَاكِعًا وَسَاجِدًا وَإِنْ خَافَ الضَّرَرَ أَوْمَأَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ صَلَّى رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَوْ أَدَّى إلَى ضَرُورَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا: يُومِئُ لِلضَّرُورَةِ فَهَلْ يُومِئُ لِلسُّجُودِ فَقَطْ أَوْ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُصَلِّي إيمَاءً وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَلَكِنْ يَقُومُ وَيَقْعُدُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَعُونَتِهِ يُومِئُ لِلسُّجُودِ وَيَأْتِي بِالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَهُوَ أَظْهَرُ إنْ لَمْ يَخَفْ زِيَادَةَ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ فِي رُكُوعِهِ لَا يَلْحَقُهُ مِنْ ضَرُورَةِ الدَّمِ أَكْثَرُ مِمَّا يَلْحَقُهُ فِي إيمَائِهِ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَنْصِبَ وَجْهَهُ انْتَهَى قُلْتُ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ خِلَافًا وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى حُصُولِ الضَّرَرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ بِرُكُوعِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ فَيَرْكَعُ وَلَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ خَافَ حُصُولَ ضَرَرٍ بِذَلِكَ جَازَ لَهُ الْإِيمَاءُ وَلَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي وَحُكْمُ الْإِيمَاءِ لِتَلَطُّخِ الثَّوْبِ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ الْإِيمَاءَ بِسَبَبِهِ حُكْمُ حُصُولِ الضَّرَرِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا: يُومِئُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ: أَنَّهُ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ مِنْ قِيَامٍ وَلِلسُّجُودِ مِنْ جُلُوسٍ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) لَوْ ظَنَّ الدَّوَامَ وَصَلَّى آثِمًا ثُمَّ زَالَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يُعِدْ عَلَى مَا نَقَلَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ مَا يُخَالِفُهُ ص (وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ وَرَشَحَ فَتَلَهُ بِأَنَامِلِ يُسْرَاهُ فَإِنْ زَادَ عَنْ دِرْهَمٍ قَطَعَ كَأَنْ لَطَّخَهُ أَوْ خَشِي تَلَوُّثَ مَسْجِدٍ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَطْعُ وَنُدِبَ الْبِنَاءُ) ش هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ وَظَنَّ دَوَامَهُ يَعْنِي وَإِنْ حَصَلَ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَظُنَّ دَوَامَهُ لِآخِرِ الْوَقْتِ فَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ بَلْ يَكُونُ الدَّمُ يَرْشَحُ وَلَا يَسِيلُ وَلَا يَقْطُرُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَلَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا فَإِنْ قَطَعَ

أَفْسَدَ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ إمَامًا أَفْسَدَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ بَلْ يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ وَكَيْفِيَّةُ فَتْلِهِ أَنْ يَجْعَلَ أُنْمُلَةَ الْإِصْبَعِ فِي أَنْفِهِ وَيُحَرِّكُهَا مُدِيرًا لَهَا وَاخْتُلِفَ فِي الْفَتْلِ هَلْ هُوَ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارْمَسَاحِيِّ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ نَافِعٍ وَحَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَجَعَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَذْهَبَ فَقَالَ: قَالُوا بِأَنَامِلِهِ الْأَرْبَعِ مَعَ أَنَّهُ كَالْمُتَبَرِّي وَعَلَيْهِ فَهَلْ بِالْيَدِ الْيُسْرَى وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ بِالْيَدِ الْيُمْنَى حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الشَّارْمَسَاحِيِّ وَعَلَيْهِمَا فَالْفَتْلُ بِالْأَنَامِلِ الْعُلْيَا الْخَمْسِ وَتَأَوَّلَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَفْتِلُهُ بِأَنَامِلِهِ الْأَرْبَعِ فَقَالَ: أَيْ يَفْتِلُهُ بِإِبْهَامِهِ وَأَنَامِلِهِ الْأَرْبَعِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْأَنَامِلِ الْأَنَامِلُ الْعُلْيَا فَإِنْ زَادَ إلَى الْوُسْطَى قَطَعَ هَكَذَا حَكَى الْبَاجِيُّ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَزِيدُ إلَى الْأَنَامِلِ الْوُسْطَى بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَكْثَرِ الْعُلْيَا وَلِهَذَا قَالَ: فَإِنْ زَادَ عَنْ دِرْهَمٍ أَيْ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَنَامِلِ الْوُسْطَى وَزَادَ عَنْ دِرْهَمٍ قَطَعَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّ الْفَتْلَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ بِالْيُسْرَى وَعَلَى مَا حَكَاهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ شَامِلٌ لِمَا إذَا شَكَّ فِي الدَّوَامِ أَوْ رَجَا الِانْقِطَاعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ هَارُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَمِنْ بَابِ أَحْرَى إذَا رَجَا انْقِطَاعَهُ بِالْفَتْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَتْلَ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا إذَا كَانَ يَرْشَحُ فَقَطْ أَمَّا إذَا سَالَ أَوْ قَطَرَ فَلَا وَلَوْ كَانَ الدَّمُ الَّذِي يَسِيلُ ثَخِينًا يُذْهِبُهُ الْفَتْلَ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: الرُّعَافُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ يَسِيرٌ يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ وَكَثِيرٌ لَا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ وَلَا يُرْجَى انْقِطَاعُهُ مَتَى خَرَجَ لِغَسْلِهِ لِعَادَةٍ عَلِمَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَهَذَانِ لَا يَخْرُجَانِ مِنْ الصَّلَاةِ يَفْتِلُ هَذَا وَيَكُفُّ الْآخَرُ مَا اسْتَطَاعَ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ وَكَثِيرٌ يَرْجُو انْقِطَاعَهُ مَتَى غَسَلَهُ فَهَذَا يَخْرُجُ لِغَسْلِهِ وَيَعُودُ وَكَثِيرٌ يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ لِثَخَانَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَفْتِلُهُ وَيَمْضِي أَوْ يَخْرُجُ بِغَسْلِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رَأَيْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ يُصِيبُهُ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ فَيَمْسَحُهُ بِأَصَابِعِهِ حَتَّى تَخْتَضِبَ فَيَغْمِسَ أَصَابِعَهُ فِي حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ وَيَرُدَّهَا ثُمَّ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْفِ الْمُصَلِّي دَمٌ يَفْتِلُهُ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَغْسِلَ أَثَرَ الدَّمِ انْتَهَى وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَنْصَرِفُ مِنْ الرُّعَافِ فِي الصَّلَاةِ إذَا سَالَ أَوْ قَطَرَ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَلْيَغْسِلْهُ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَائِلٍ وَلَا قَاطِرٍ فَلْيَفْتِلْهُ بِأُصْبُعِهِ انْتَهَى. وَحَمَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى الْوِفَاقِ وَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَنْصَرِفُ إذَا سَالَ أَوْ قَطَرَ وَإِنْ قَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَ أَمْرَهُ هَلْ يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ أَمْ لَا بَلْ مَتَى سَالَ أَوْ قَطَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُؤْذِنَ بِذَلِكَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الدَّمُ السَّائِلُ فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ وَتَرَبَّصَ وَانْقَطَعَ بِالْفَتْلِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَكُلُّ مَا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ فَلَا يَقْطَعُ لِأَجْلِهِ الصَّلَاةَ كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ فِي بَيَانِ الْيَسِيرِ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ أَوْ لَا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا قَاطِرًا أَوْ سَائِلًا لَا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الدَّرَاهِمَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَجَعَلَهُ فِي الْمَعْفُوَّاتِ مِنْ حَيِّزِ الْكَثِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا فَجَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ زَادَ إلَى الْوُسْطَى قَطَعَ هَكَذَا حَكَى الْبَاجِيُّ وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ أَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَزِيدُ إلَى الْأَنَامِلِ الْوُسْطَى بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَكْثَرُ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ وَفَهِمَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى التَّفْسِيرِ لِلْمَذْهَبِ فَقَالَ: وَأَنَامِلُ غَيْرِهَا كَدَمِ غَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ فَسَّرَ بِهِ رِوَايَةَ الْمَجْمُوعَةِ السَّابِقَةِ وَنَحْوِهَا لِعَبْدِ الْحَقّ فِي النُّكَتِ

وَلِغَيْرِ وَاحِدٍ انْتَهَى قُلْتُ فَقَوْلُ الْبَاجِيِّ إنْ زَادَ إلَى الْوُسْطَى قَطَعَ يَعْنِي إذَا بَلَغَ الَّذِي فِي الْوُسْطَى قَدْرَ الدِّرْهَمِ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الدِّرْهَمَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ لِأَنَّ بَابَ الرُّعَافِ بَابُ ضَرُورَةٍ فَسُومِحَ فِيهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ كَانَ لَطَّخَهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا بِكَافِ التَّشْبِيهِ الدَّاخِلَةِ عَلَى أَنْ الشَّرْطِيَّةِ وَيَكُونُ مُشِيرًا بِهِ إلَى الْحَالِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنْ يَسِيلَ الدَّمُ أَوْ يَقْطُرَ وَيَتَلَطَّخَ بِهِ فِي ثِيَابِهِ أَوْ بَدَنِهِ بِأَكْثَرِ الْقَدْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ شُرُوطِ الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ مِنْ الدَّمِ مَا لَا يُغْتَفَرُ لِكَثْرَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِي حَدِّهِ لِأَنَّهُ إنْ سَقَطَ مِنْ الدَّمِ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ جَسَدِهِ كَثِيرٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ رَاشِدٍ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَطَعَ أَنَّهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمَادِي فِيهَا وَلَوْ بَنَى عَلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ لَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقْطَعَهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَطْعُ وَنُدِبَ الْبِنَاءُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْكَافِ لِئَلَّا يَفْسُدَ الْكَلَامُ فَإِنَّهُ لَوْ سَقَطَتْ الْكَافُ يَصِيرُ شَرْطًا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ شَرْطًا لِقَوْلِهِ فَإِنْ زَادَ عَنْ دِرْهَمٍ قَطَعَ وَلَا قَائِلَ بِاشْتِرَاطِ التَّلَطُّخِ فِي ذَلِكَ بَلْ نَفْسُ الزِّيَادَةِ عَنْ الدِّرْهَمِ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ وَهِيَ مِنْ التَّلَطُّخِ وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ شَرْطًا لِقَوْلِهِ فَتَلَهُ بِأَنَامِلِ يُسْرَاهُ وَهُوَ وَاضِحُ الْفَسَادِ وَيَفْسُدُ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَطْعُ وَلِهَذَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَمَّا حَمَلَهُ عَلَى الشَّرْطِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَزَادَ الدَّمُ الَّذِي يَرْشَحُ عَلَى الدِّرْهَمِ قَطَعَ شَرْطٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ أَحَدُهُمَا إذَا لَطَّخَ ثِيَابَهُ وَالثَّانِي إذَا خَشِيَ تَلَوُّثَ مَسْجِدٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا الْكَلَامِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَذَكَرَهُ وَذَكَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: فَأَنْتَ تَرَى الْقَطْعَ فِي الَّذِي يَرْشَحُ وَيَفْتِلُهُ إذَا زَادَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَالْقَطْعُ فِي الَّذِي يَسِيلُ بِالشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَدْرٍ ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَطْعُ وَنُدِبَ الْبِنَاءُ كَلَامٌ مُشْكِلٌ بِنَاءً عَلَى إشْكَالِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ انْتَهَى وَأَمَّا الشَّارِحُ فَجُعِلَ قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ إلَخْ إشَارَةً لِلْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَلِكَ الْأَقْفَهْسِيُّ فَيَتَعَيَّنُ إثْبَاتُ الْكَافِ لِيَزُولَ بِذَلِكَ الْإِشْكَالُ وَيَصِيرَ بِهِ الْكَلَامُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْكَمَالِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ خَشِيَ تَلَوُّثَ مَسْجِدٍ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَنَصُّ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ: وَالْفَتْلُ إنَّمَا شُرِعَ فِي مَسْجِدٍ مُحَصَّبٍ غَيْرِ مَفْرُوشٍ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَفْتُولُ فِي خِلَالِ الْحَصْبَاءِ أَمَّا الْمَفْرُوشُ فَيَخْرُجُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَسِيلُ أَوْ يَقْطُرُ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَوْضِعَ انْتَهَى، وَنَصُّ كَلَامِ سَنَدٍ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَتْلِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ مُحَصَّبٍ غَيْرِ مَفْرُوشٍ فَيَكُونُ مَا يَسْقُطُ مِنْ تَفْتِيلِهِ لِلدَّمِ يَنْزِلُ لِرِقَّتِهِ فِي خِلَالِ الْحَصْبَاءِ أَمَّا الْمَفْرُوشُ فَخُرُوجُهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَسِيلُ أَوْ يَقْطُرُ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ إذَا فَتَلَ ذَلِكَ سَقَطَ عَلَى الْفِرَاشِ فَيُنَجِّسُ الْمَوْضِعَ فَإِنْ فَتَلَهُ فَذَلِكَ خَفِيفٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَهْلَكُ وَقَدْ يَنْزِلُ بَيْنَ السَّمَادِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التُّرَابِ يَدْخُلُ فِي خِلَالِ الْأَشْيَاءِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ يَعْنِي إذَا كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ وَيُذْهِبُهُ الْفَتْلُ وَقَوْلُهُ يَنْزِلُ الْمَفْتُولُ فِي خِلَالِ الْحَصْبَاءِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَعْنِي مَا يَحْصُلُ مِنْ حَكِّ الْأَصَابِعِ مِمَّا يَتَجَسَّدُ عَلَيْهَا مِنْ الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَطْعُ وَنَدْبُ الْبِنَاءِ يُشِيرُ بِهِ إلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنْ يَسِيلَ الدَّمُ أَوْ يَقْطُرَ بِحَيْثُ لَا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَلَطَّخُ بِهِ ثَوْبُهُ أَوْ جَسَدُهُ أَوْ تَلَطَّخَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَهُوَ الدِّرْهَمُ فَمَا دُونَهُ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَيَجُوزُ الْقَطْعُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ وَتَوْجِيهُ النَّظَرِ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَتَّصِلَ عَمَلُهَا بِهَا وَلَا يَتَخَلَّلَهَا شُغْلٌ كَثِيرٌ وَلَا انْحِرَافٌ عَنْ الْقِبْلَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إجَازَةُ الْبِنَاءِ فِي

الصَّلَاةِ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسْتَحَبِّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَطْعَ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ عَلَى الْقِيَاسِ قَالَ: فَإِنْ ابْتَدَأَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَاخْتَارَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبِنَاءَ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْعَمَلَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ عَمَلَ السَّلَفِ الْمُتَّصِلِ لَا يَكُونُ أَصْلُهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْبِنَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا رَعَفَ فَاسْتَخْلَفَ بِكَلَامٍ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَجَعَلَ قَطْعَ صَلَاتِهِ بِالْكَلَامِ بَعْدَ الرُّعَافِ يُبْطِلُ صَلَاتَهُمْ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ جَاهِلًا أَوْ مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ رُعَافٍ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ صَلَاتَهُمْ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ إذَا رَعَفَ فَالْقَطْعُ لَهُ جَائِزٌ فِي قَوْلٍ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فِي قَوْلٍ فَكَيْفَ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفِعْلِهِ مَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ لَهُ انْتَهَى. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْلًا رَابِعًا بِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ التَّلْقِينِ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ خَامِسًا بِأَنَّهُ يَقْطَعُ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ تَرْجِيحُ الْقَطْعِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ بَشِيرٍ وَعَلَّلَهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ وَيُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِاتِّفَاقٍ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَدْ رَجَّحَ قَوْمٌ الْقَطْعَ وَهُوَ أَوْلَى بِالْعَامِّيِّ وَمَنْ لَا يَحْكُمُ التَّصَرُّفَ فِي الْعِلْمِ بِجَهْلِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا يَخْرُجُ الرَّاعِفُ عَنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ وَحُرْمَتِهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ لَهُ الْبِنَاءَ إلَّا بِأَنْ يَقْطَعَ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ فِعْلِ مَا لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَنْ رَعَفَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ صَلَاتِهِ أَوْ سَاجِدٌ أَوْ رَاكِعٌ أَنَّ قِيَامَهُ مِنْ الْجُلُوسِ أَوْ رَفْعَهُ مِنْ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ لِرُعَافِهِ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ اخْتَارَ الرَّاعِفُ أَنْ يَبْتَدِئَ فَلْيَقْطَعْ صَلَاتَهُ بِمَا يُنَافِيهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الرَّاعِفِ بِاتِّفَاقٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ ابْتَدَأَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ فَإِذَا كَانَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ ابْتَدَأَ الْأُولَى أَرْبَعًا صَارَ كَمَنْ صَلَّى خَمْسًا جَاهِلًا وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ يَأْتِي عَلَى الْخِلَافِ فِي رَفْضِ النِّيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ انْتَهَى قُلْتُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الرَّفْضَ مُبْطِلٌ فَيَكْفِي فِي الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ رَفْضُهَا وَإِبْطَالُهَا ش ص (فَيَخْرُجُ مُمْسِكَ أَنْفِهِ لِيَغْسِلَ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَان مُمْكِنٍ قَرُبَ وَيَسْتَدْبِرُ قِبْلَةً بِلَا عُذْرٍ وَيَطَأُ نَجَسًا وَيَتَكَلَّمُ وَلَوْ سَهْوًا) ش لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْبِنَاءَ مُسْتَحَبٌّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ مَا يُفْعَلُ فِيهِ وَشُرُوطُهُ فَقَالَ: فَيَخْرُجُ مُمْسِكَ أَنْفِهِ فَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ يَعْنِي فَإِذَا خَرَجَ يَغْسِلُ الدَّمَ فَيُمْسِكُ أَنْفَهُ لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ الدَّمُ فَيُلَطِّخَ ثَوْبَهُ أَوْ جَسَدَهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى شُرُوطِ الْبِنَاءِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى مَا يَزِيدُهُ غَيْرُ وَاحِدٍ هُنَا مِنْ قَوْلِهِمْ يَخْرُجُ مُمْسِكًا لِأَنْفِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ إرْشَادٍ إلَى مَا يُعِينُهُ عَلَى تَقْلِيلِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ كَثْرَتَهَا تَمْنَعُ مِنْ الْبِنَاءِ لَا أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبِنَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعَ قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا خَرَجَ فَلَهُ شُرُوطٌ سِتَّةٌ أَنْ يُمْسِكَ أَنْفَهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّتَهَا فَجَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَذْكُرُ مَسْكَ أَنْفِهِ فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَلَا لِعَدَمِهِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ التَّحَفُّظُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِذَا تَحَفَّظَ مِنْهَا وَلَمْ يُمْسِكْ أَنْفَهُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ إلَخْ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ: وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَخْرُجَ مُمْسِكًا لِأَنْفِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ فَتَأَمَّلْهُ، (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اشْتَرَطَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنْ يُمْسِكَ أَنْفَهُ مِنْ أَعْلَاهُ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ كَذَلِكَ يَحْتَقِنُ الدَّمُ بِسَبَبِهِ فِي الْعُرُوقِ وَلَا أَثَرَ لَهُ هُنَاكَ فِي مَانِعِيَّةِ الصَّلَاةِ وَإِذَا أَمْسَكَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ بَقِيَ الدَّمُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ عَلَى سَطْحِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ فَاعِلُهُ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ اخْتِيَارًا وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، وَالْمَوْضِعُ مَحِلُّ ضَرُورَةٍ مُنَاسِبٌ لِلتَّخْفِيفِ انْتَهَى، وَنَسَبَ الْمُصَنِّفُ الِاشْتِرَاطَ لِابْنِ هَارُونَ فَقَالَ: وَاشْتَرَطَ ابْنُ هَارُونَ أَنْ يُمْسِكَ أَنْفَهُ مِنْ أَعْلَاهُ لِأَنَّهُ إذَا أَمْسَكَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ بَقِيَ الدَّمُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ عَلَى سَطْحِ الْجَسَدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِيهِ نَظَرٌ وَالْمَحِلُّ مَحِلُّ ضَرُورَةٍ انْتَهَى، وَهَكَذَا عَزَاهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ هَارُونَ قَالَ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِبَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ وَمَرَّضَهُ بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ تَكَلُّفٌ قُلْتُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ بَلْ قَالَ ابْنُ هَارُونَ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ يُمْسِكُ أَعْلَاهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ التَّخْفِيفِ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ خَفَّفُوا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى اخْتِضَابَ الْأَنَامِلِ الْعُلْيَا وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ اخْتِضَابُ بَاطِنِ الْأَنْفِ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مَعَ ذَلِكَ فَكَيْفَ بِاخْتِضَابِ الْأَنْفِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ خُرُوجِ الدَّمِ بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمَحِلُّ كُلُّهُ قَدْ تَلَوَّثَ بِالنَّجَاسَةِ فَتَأَمَّلْهُ. وَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّعَافِ وَأَمَّا مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ كَوْنُ دَاخِلِ الْأَنْفِ حُكْمُهُ حُكْمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِيَغْسِلَ بَيَانٌ لِمَا يَفْعَلُهُ إذَا خَرَجَ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَان مُمْكِنٍ هُوَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ مِنْ شُرُوطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ أَقْرَبَ مَكَان يُمْكِنُهُ غَسْلُ الدَّمِ فِيهِ فَإِنْ تَعَدَّى الْأَقْرَبَ إلَى غَيْرِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِاتِّفَاقٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَى فِي الصَّلَاةِ بِزِيَادَةٍ مُسْتَغْنًى عَنْهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: هَكَذَا قَالُوا وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْقَلِيلَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَتَبَرِّيهِ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ خُرُوجَهُ وَغَسْلَ الدَّمِ وَبِنَاءَهُ رُخْصَةٌ فَإِذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ كَثُرَ الْمُنَافِي فَتَبْطُلُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَفِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَأَظُنُّهُ اللُّبَابَ أَنَّ فِي الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ قَوْلَيْنِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى صَاحِبِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْيَسِيرَةِ وَالْكَثِيرَةِ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ (فَإِنْ قُلْتُ) قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ قَرِيبًا جِدًّا بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ فَعَلَ مِثْلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّ كَالتَّقَدُّمِ إلَى فُرْجَةٍ قُلْتُ: التَّقَدُّمُ إلَى فُرْجَةٍ مُنْفَرِدٌ وَهَذَا مُنْضَمٌّ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الَّتِي الْأَصْلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الصَّلَاةُ مَعَهَا انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ نَاجِي وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ مُجَاوَزَتَهُ بِنَحْوِ الْخُطْوَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لَا تَضُرُّ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَوْلُهُ مُمْكِنٌ يَعْنِي بِهِ أَنَّ مُجَاوَزَةَ الْأَقْرَبِ إنَّمَا تَضُرُّ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الْغَسْلُ فِيهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْغَسْلُ فِيهِ فَلَا تَضُرُّ مُجَاوَزَتُهُ فِي الْبِنَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْمُمْكِنِ مَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى (فَرْعٌ) فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ بِشِرَاءٍ وَطُلِبَ مِنْهُ الثَّمَنُ الْمُعْتَادُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَغَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَتَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَلَاتَهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ الثَّمَنَ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ فَلَهُ الْمُجَاوَزَةُ إلَى غَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ وَالْمُعَاطَاةِ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ الْبَيْعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ بِإِشَارَةٍ خَفِيفَةٍ

وَمُعَاطَاةٍ قَالَ: وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي بَابِ السَّهْوِ وَالْفِعْلُ الْقَلِيلُ جِدًّا مُغْتَفَرٌ وَإِنْ كَانَ بِإِشَارَةٍ لِسَلَامٍ أَوْ رَدِّهِ أَوْ لِحَاجَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى قُلْتُ وَهَذَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَيْفَ بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِتَصْحِيحِ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ قَرُبَ هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْبِنَاءِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ الَّذِي يَغْسِلُ الدَّمَ فِيهِ قَرِيبًا فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، (فَإِنْ قُلْتُ) مَا فَائِدَةُ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَان قُلْتُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقْرَبَ مَكَان يَصْدُقُ مَعَ بُعْدِ الْمَكَانِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْغَسْلُ إلَّا فِيهِ أَقْرَبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ بَعِيدًا وَهَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَعَارَفِ لِأَنَّ الْبُعْدَ وَالْقُرْبَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَيُقَالُ: هَذَا الْمَكَانُ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي نَفْسِهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ (فَإِنْ قُلْتُ) فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ قَرُبَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَقْرَبَ قُلْتُ أَظُنُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَقْرَبَ يَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا بَعُدَ الْمَكَانُ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْآخَرِ قُلْتُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْدُقُ مَعَ بُعْدِ الْمَكَانِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَقْرَبَ صِيغَةُ تَفْضِيلٍ وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى فَلَا بُدَّ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَكَانَانِ فِي الْقُرْبِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ جَارٍ عَلَى عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) شَرْطُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ قَرِيبًا وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ بَعِيدًا جِدًّا وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيَطْلُبُ الْمَاءَ مَا لَمْ يَبْعُدْ جِدًّا وَقَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَطْلُبُ الْمَاءَ مَا لَمْ يَبْعُدْ جِدًّا انْتَهَى وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْبِنَاءِ وَمَعْنَاهُ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بُعْدُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَغْسِلُ فِيهِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي شُرُوطِ الْبِنَاءِ وَأَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ جِدًّا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ إلَى أَقْرَبِ الْمِيَاهِ قَالُوا: مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بُعْدُ مَوْضِعِ الْغُسْلِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَقْرَبُ زَادَ ابْنُ فَرْحُونٍ لِأَنَّهُ يَدُلُّ إلَى أَنَّ ثَمَّ قَرِيبًا وَغَيْرَهُ أَقْرَبُ انْتَهَى، وَكَانَ هَذَا الَّذِي حَمَلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ أَقْرَبُ وَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ إلَّا إذَا تَفَاحَشَ بُعْدُ الْمَكَانِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَلْيَطْلُبْ الرَّاعِفُ الْمَاءَ إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ إذَا لَمْ يَتَفَاحَشْ الْبُعْدُ جِدًّا فَإِذَا وَجَدَهُ فِي مَكَان فَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ فَذَلِكَ قَطْعٌ لِصَلَاتِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي قُلْتُ تَبَرَّأَ ابْنُ هَارُونَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ قَالُوا: إنْ تَفَاحَشَ وَجَبَ الْقَطْعُ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْبِنَاءَ رُخْصَةٌ وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالطَّلَبِ وَإِنْ تَفَاحَشَ انْتَهَى قُلْتُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ هَارُونَ عَلَى الْبِنَاءِ وَلَوْ تَفَاحَشَ الْبُعْدُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ وَأَيْضًا فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ ظَاهِرٌ وَهُوَ كَثْرَةُ الْمُنَافِي فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا رَعَفَ الْمُتَيَمِّمُ فِي الصَّلَاةِ وَوَجَدَ مَا يَغْسِلُ بِهِ الدَّمَ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ وَيَبْنِي وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا فَلَا يُبْطِلُهَا طُرُوُّ الْمَاءِ قَالَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الرُّعَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ مَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ صَبَّ الْمَطَرُ أَوْ جَاءَ الْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ فَإِنْ رَعَفَ غَسَلَ الدَّمَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُرَجِّحُ قَطْعَ الصَّلَاةِ بِالرُّعَافِ فَلَمَّا قَطَعَ كَانَ مَا وَجَدَهُ مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا غَسَلَ الدَّمَ فَقَطْ فَهَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِطَهَارَةِ النَّجَسِ قَطَعَ اتِّصَالَ تَيَمُّمِهِ بِالصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ الْمَاءَ الْيَسِيرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ وَعَنْ سَبَبِهِ فَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ عَلَى زِيَادَةٍ وَوُجُوبُ الطَّلَبِ يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ وَيَسْتَدْبِرُ قِبْلَةً بِلَا عُذْرٍ هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا اسْتَدْبَرَ الرَّاعِفُ الْقِبْلَةَ لِطَلَبِهِ الْمَاءَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ إنْ أَمْكَنَهُ طَلَبُ الْمَاءِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ فَلَا يَسْتَدْبِرُهَا وَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا لِلضَّرُورَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

انْتَهَى وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ انْتَهَى وَيُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ كَمَا قَالُوا وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِ الدَّمِ لِلْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ مَسِيرُهُ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ انْتَهَى وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الضَّرُورَةَ هُوَ كَوْنُ الْمَاءِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ وَيَسْتَدْبِرُ قِبْلَةً بِلَا عُذْرٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَسَنَد. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَخْرُجُ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ سَوَاءٌ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ فِي خُرُوجِهِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مَا أَمْكَنَهُ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ وَهُوَ قَوْلٌ بَعِيدٌ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الشُّيُوخِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَنَحْوُهُ لِصَاحِبِ الْجَمْعِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ (الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ أَوَّلُهُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ مُخَالِفٌ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ بِالْبُطْلَانِ (الثَّالِثُ) إذَا وَجَدَ مَاءً قَرِيبًا لَكِنَّهُ يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ إذَا خَرَجَ إلَيْهِ وَفِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ مَاءٌ أَبْعَدُ مِنْهُ فَهَلْ يَذْهَبُ إلَى الْمَاءِ الْقَرِيبِ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَوْ يَذْهَبُ إلَى الْأَبْعَدِ وَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمَكَانِ الْقَرِيبِ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِقْبَالِ أَخَفُّ مِنْ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَوْلُهُ وَيَطَأُ نَجَاسَةً هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنْ لَا يَطَأَ فِي مَشْيِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ غَيْرُ مُتَكَلِّمٍ وَلَا مَاشٍ عَلَى نَجَاسَةٍ فَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ مَشَى عَلَى نَجَاسَةٍ فَثَالِثُهَا يَبْطُلُ فِي الْمُضِيِّ لَا فِي الْعَوْدِ إلَيْهَا وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ (وَلْنَذْكُرْ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إنْ وَطِئَ عَلَى نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ اُنْتُقِضَتْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ إنْ مَشَى عَلَى قَشَبٍ يَابِسٍ فَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ تُنْتَقَضُ صَلَاتُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ لَا تُنْتَقَضُ وَأَمَّا مَشْيُهُ فِي الطَّرِيقِ لِغَسْلِ الدَّمِ وَفِيهَا أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا فَلَا تُنْتَقَضُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ لِغَسْلِ الدَّمِ كَمَا يُضْطَرُّ لِلصَّلَاةِ فِيهَا وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الْمَشْيِ عَلَى الْقَشَبِ قَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ انْتَهَى. قَالَ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ قَالُوا: إنْ مَشَى عَلَى نَجَاسَةٍ وَكَانَتْ رَطْبَةً بَطَلَتْ بِاتِّفَاقٍ أَيْ عُذْرَةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَشَبِ الْيَابِسِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي إذَا مَشَى عَلَيْهَا غَيْرَ عَالَمٍ بِهَا وَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَتْ الْعُذْرَةُ رَطْبَةً فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْبُطْلَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ غَلَّابٍ النَّجَاسَةُ الرَّطْبَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى إبْطَالِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْعُذْرَةُ الرَّطْبَةُ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَرْوَاثُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالُهَا لَا تُبْطِلُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْبَوْلَ رَطْبٌ، قَالَ: وَأَمَّا عَدَمُ الْبُطْلَانِ فِي زِبْلِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا فَمُعَلَّلٌ بِضَرُورَةِ الْمَشْيِ عَلَيْهَا لِكَثْرَتِهَا فِي الطُّرُقَاتِ وَلِلِاخْتِلَافِ أَيْضًا فِي نَجَاسَتِهَا وَأَمَّا الدَّمُ الزَّائِدُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَزِبْلُ الْكِلَابِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَغَيْرُ مُغْتَفَرٍ ثُمَّ قَالَ: (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) أَطْلَقَ الْمُؤَلَّفُ الْقَوْلَ فِي النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، (الثَّانِي) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْكَلَامِ يَجْرِيَ فِي الْمَشْيِ عَلَى النَّجَاسَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ أَرَ فِي مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ إلَّا الْقَوْلَيْنِ يُرِيدُ فِي الْقَشَبِ الْيَابِسِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ

مُوَافِقٌ لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ فَانْظُرْ نُصُوصَ الْمُتَقَدِّمِينَ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَأَمَّا مَشْيُهُ عَلَى أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا فِي الطَّرِيقِ وَمُبَاشَرَتُهُ لِغَسْلِ الدَّمِ فَمُغْتَفَرٌ قَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَشْيَهُ عَلَى أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا غَيْرُ مُبْطِلٍ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ وَلَوْ كَانَتْ رَطْبَةً كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَمَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْجَمْعِ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا مَشَى عَلَى نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ أَنَّهُ لَا يُبْنَى وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا مَشَى عَلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ وَذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ: وَالنَّجَاسَةُ الْمُرَادَةُ هِيَ الْعُذْرَةُ وَأَمَّا أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالُهَا فَيُبْنَى إذَا مَشَى عَلَيْهَا مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَا تَخْلُو مِنْهَا وَلِلْخِلَافِ فِيهَا وَلِذَلِكَ رَاعَاهُ مَالِكٌ وَقَالَ مَنْ وَطِئَ بِخُفَّيْهِ أَوْ نَعْلَيْهِ عَلَى أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ الرَّطْبَةِ وَأَبْوَالِهَا وَصَلَّى بِهَا الْمَسْأَلَةُ يُشِيرُ إلَى مَسْأَلَةِ الْخُفِّ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِ الْمَعْفُوَّاتِ قُلْتُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا وَطِئَهَا نَاسِيًا أَوْ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ لِعُمُومِهَا وَانْتِشَارِهَا فِي الطَّرِيقِ وَأَمَّا إنْ وَطِئَهَا عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ وَعَدَمِ عُمُومِهَا وَإِمْكَانِ عُدُولِهِ عَنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الضَّرُورَةُ (الثَّانِي) مُبَاشَرَتُهُ لِغَسْلِ الدَّمِ مِنْ أَنْفِهِ مُغْتَفَرٌ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْجَمْعِ وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ كَالْعُذْرَةِ وَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَزِبْلِ الْكِلَابِ وَالدَّجَاجِ الَّتِي تَأْكُلُ النَّجِسَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقٍ وَكَذَا إنْ كَانَتْ يَابِسَةً وَوَطِئَهَا عَامِدًا كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً وَوَطِئَهَا سَهْوًا فَفِيهَا الْخِلَافُ حَكَى الْمُتَقَدِّمُونَ فِيهَا قَوْلَيْنِ بِالْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْبُطْلَانِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ مُبْطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ الْمُصَلَّى فِي صَلَاتِهِ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ أَرَ مَنْصُوصًا فِي مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ إلَّا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ وَالْمَشْيَ عَلَى النَّجَاسَةِ مُسْتَوِيَانِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ مَشْيُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ مِثْلُ كَلَامِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَلَمْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا عَلِمَ قَبْلَ كَمَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ وَطِئَ نَجَاسَةً سَهْوًا وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا ظَاهِرٌ (الرَّابِعُ) الْقَشْبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْعُذْرَةُ الْيَابِسَةُ هَكَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) إذَا عَلِمَ هَذَا فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى عُمُومِهِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالُهَا وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا فِي الشَّامِلِ وَقَوْلُهُ وَيَتَكَلَّمُ وَلَوْ سَهْوًا هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فَإِنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فَحَكَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيهِ قَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبْنِي لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا جَاءَتْ فِي بِنَاءِ الرَّاعِفِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَخُصَّ نَاسِيًا مِنْ مُتَعَمِّدٍ وَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ يَبْنِي وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَالْإِمَامُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ قُلْتُ وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ عَلَى حُكْمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الرَّاعِفِ وَالْأَوَّلُ قَصَرَ الرُّخْصَةَ عَلَى مَحِلِّ وُرُودِهَا وَأَيْضًا إذَا حَصَلَ الْكَلَامُ كَثُرَتْ الْأَفْعَالُ الْمُنَافِيَةُ لِلصَّلَاةِ وَوَجَّهَ صَاحِبُ الطِّرَازِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ لَمَّا كَانَتْ مُنَافِيَةً لِحَالِ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ صِفَاتِ الْمُصَلِّينَ إلَّا تَرْكُ الْكَلَامِ فَقَطْ فَإِذَا انْخَرَمَ هَذَا الْوَصْفُ انْسَلَبَتْ عَنْهُ سَائِرُ صِفَاتِ الْمُصَلِّينَ وَخَرَجَ مِنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ انْتَهَى وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ ثَالِثًا عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ فِي ذَهَابِهِ أُبْطِلَ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي رُجُوعِهِ لِلصَّلَاةِ لَمْ تُبْطَلْ قَالَ

ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ رَاجِعًا فَهُوَ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ كَلَامَهُ سَهْوًا فِي إضْعَافِ الصَّلَاةِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي انْصِرَافِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مُشْتَغِلٌ بِغَسْلِ الدَّمِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَائِمٌ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ فِي سَيْرِهِ أَوْ فِي رُجُوعِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ رَابِعًا عَكْسَ الثَّالِثِ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي عَوْدَتِهِ بَطَلَتْ وَلَمْ يَعْزُوَاهُ انْتَهَى. قُلْتُ عَزَوْهُ لِابْنِ بَشِيرٍ سَهْوًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَلَهُ عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاعْتَرَضَهُ فَقَالَ: وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ الثَّالِثَ مَعْكُوسًا خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَوْلُ خَلِيلٍ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَهُمْ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شَاسٍ عَلَى أَنَّهُ رَابِعٌ بَلْ قَالَ: فَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فَفِي الْبُطْلَانِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَلِذَلِكَ قَوَّى الظَّنَّ بِأَنَّهُ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ وَكَذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ الْجَمْعِ بِأَنَّهُ وَهْمٌ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ بَشِيرٍ فَوَهَمَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) نَسَبَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ بِالْكَلَامِ سَهْوًا مُطْلَقًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَسَبَ الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الذَّهَابِ أَوْ فِي الرُّجُوعِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ فَلَعَلَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَوْلَيْنِ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ سَهْوًا وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ سَهْوًا لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِخْلَافِ: وَإِنْ قَالَ: يَا فُلَانُ تَقَدَّمْ فَإِنْ كَانَ رَاعِفًا فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَبْنِي انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنْ قُوَّةَ الْكَلَامِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَمْدًا وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي بَابِ الرُّعَافِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَإِنْ رَعَفَ الْإِمَامُ فَلَمَّا خَرَجَ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: تَكَلَّمَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ لِلْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَا يَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَلَوْ سَهْوًا مَعْنًى لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ عَدَمِيَّةٌ مَجْمُوعُهَا مَلْزُومُ الصِّحَّةِ وَضِدُّ أَحَدِهَا مَلْزُومٌ لِضِدِّ الصِّحَّةِ وَالْمُبَالَغَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي هَذَا فَتَأَمَّلْهُ قُلْتُ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لِذَلِكَ فَائِدَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ فِي الْبِنَاءِ عَدَمَ الْكَلَامِ بَالَغَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ سَهْوًا فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) لَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُبْطِلُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَيُمْنَعُ الْبِنَاءُ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّالِثُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمَأْمُومِ إذَا انْصَرَفَ لِغَسْلِ الدَّمِ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرُهُ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، (الثَّالِثُ) إنْ رَعَفَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ رَكْعَةً خَرَجَ مِنْ حُكْمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ رَكْعَةً لَمْ يَخْرُجْ مِنْ حُكْمِهِ، (الرَّابِعُ) النَّظَرُ إلَى مَا آلَ إلَيْهِ أَمْرُهُ فَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَانَ فِي حُكْمِهِ حَالَ خُرُوجِهِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً حِينَ خُرُوجِهِ لَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِهِ فِي حَالِ خُرُوجِهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ يَقُولُ: إنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعْ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَهْوًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ ذَلِكَ الْإِمَامُ خِلَافَ أَصْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ عَلَيْهِ الْبِنَاءَ وَإِنْ ظَنَّ الْإِمَامُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَوْ مَضَى لَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَلْزَمْهُ سَهْوُهُ وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ يَقُولُ: إنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ عَلَيْهِ هُوَ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ مَضَى لَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ لَزِمَهُ سَهْوُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا حَمَلَهُ عَنْهُ الْإِمَامُ خِلَافَ أَصْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ بِسَجْدَةٍ فَسَجَدَهَا فَرَجَعَ هُوَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأهَا وَيَسْجُدَهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْلِ انْتَهَى. وَالثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالِ الْأَوَّلُ تُؤْخَذُ مِنْ

كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ كَمَا حَصَّلَهَا ابْنُ نَاجِي مِنْ كَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قُلْتُ وَالْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ أَتَمَّ مَكَانَهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تُبُيِّنَ خَطَؤُهُ وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (إنْ كَانَ بِجَمَاعَةٍ وَاسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ وَفِي بِنَاءِ الْفَذِّ خِلَافٌ) ش هَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ مِنْ شُرُوطِ الْبِنَاءِ وَلَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ وَمَا قَبْلَهُ عَدَمِيٌّ فَصَّلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ وَكَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ لِلتَّفْصِيلِ الَّذِي فِيهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّاعِفَ يَبْنِي إذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ سَوَاءً كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ إمَامًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِخْلَافِ اسْتِحْبَابًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ اسْتَخْلَفُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَصَلَّوْا وُحْدَانًا وَأَمَّا إنْ كَانَ فَذًّا فَفِي بِنَائِهِ خِلَافٌ أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَبْنِي كَمَا يَبْنِي الَّذِي فِي جَمَاعَةٍ وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَبْنِي فِي الرُّعَافِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ كَالْمَأْمُومِ فَاَلَّذِي صَحَّ لَهُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بِهِ حَاجَةٌ إلَى حِفْظِهِ بِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ كَالْمَأْمُومِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَذِّ فَأَجَازَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنْ يَبْنِيَ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَمَا لَا يَمْنَعُهُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفَذُّ وَغَيْرُهُ كَالسَّلَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِيمَا طَالَ وَفِيمَا قَصُرَ وَلِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يُبْطِلُهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ حَازَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ بِالْبِنَاءِ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ فِي الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَذِّ فَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْنِي لِأَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا هُوَ لِيَحُوزَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يَبْنِي وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْفَذَّ يَبْنِي عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ لُبَابَةَ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ إنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّ الْفَذَّ يَبْنِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: إنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ بِنَاءُ الْفَذِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا شَكَّ فِي أَخْذِ بِنَاءِ الْمَأْمُومِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَخْذِ بِنَاءِ الْفَذِّ وَالْإِمَامِ مِنْهَا نَظَرٌ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَحَكَى الْبَاجِيّ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْفَذِّ عَدَمُ الْبِنَاءِ انْتَهَى وَإِلَى تَشْهِيرِ الْبَاجِيِّ وَمَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ الْمُتَقَدِّمُونَ إنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَشَارَ بِالْخِلَافِ (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ فِي بِنَاءِ الْإِمَامِ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ وَغَيْرُهُمَا هُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ مِنْ اتِّفَاقِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ عَلَى بِنَاءِ الْإِمَامِ وَنَحْوِهِ لِلَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْكَ فِي بِنَاءِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ خِلَافٌ ثُمَّ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي الْفَذِّ وَذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ يَعْنِي الْقَوْلَ بِجَوَازِ بِنَائِهِ قَالَ وَلَيْسَ الْبِنَاءُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ فَتَحَصَّلَ فِي بِنَاءِ الْإِمَامِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَهُ الْبِنَاءُ بِاتِّفَاقٍ وَالْأُخْرَى فِيهِ قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا جَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ ص (وَإِذَا بَنَى لَمْ يَعْتَدَّ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمُلَتْ) ش يَعْنِي أَنَّ الرَّاعِفَ إذَا بَنَى وَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ وَخَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ وَغَسَلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ رَجَعَ لِيُكْمِلَ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا بِالرَّكْعَةِ الْكَامِلَةِ بِسَجْدَتَيْهَا فَلَوْ رَعَفَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ كُلَّهُ إذَا رَجَعَ وَيَبْتَدِئُ الرَّكْعَةَ الَّتِي لَمْ تَتِمَّ مِنْ أَوَّلِهَا بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ السُّورَةِ وَلَا يَبْنِي عَلَى شَيْءٍ مِمَّا مَضَى سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ فِي

التَّوْضِيحِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يَبْنِي عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ صَلَاتِهِ سَوَاءً رَعَفَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ رَعَفَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا فَإِذَا رَجَعَ رَكَعَ وَلَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ رَعَفَ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ وَإِنْ رَعَفَ وَهُوَ رَاكِعٌ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ لِلرُّعَافِ فَذَلِكَ رَفْعٌ مِنْ الرَّكْعَةِ فَإِذَا رَجَعَ لِلْقِيَامِ وَخَرَّ مِنْهُ لِلسُّجُودِ وَإِنْ رَعَفَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَفَعَ لِلرُّعَافِ فَذَلِكَ رَفْعٌ لِلسَّجْدَةِ فَإِذَا رَجَعَ سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ رَعَفَ وَهُوَ جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ فَقِيَامُهُ لِلرُّعَافِ قِيَامٌ مِنْ الْجِلْسَةِ فَإِذَا رَجَعَ ابْتَدَأَ بِقِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُبْتَدَأِ الْجُلُوسِ قَبْلَ تَمَامِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَلْيَرْجِعْ إلَى الْجُلُوسِ حَتَّى يُتِمَّ التَّشَهُّدَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَاسْتَظْهَرَهُ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُمَا وَحَكَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ أَلْغَى مَا مَضَى مِنْهَا وَاسْتَأْنَفَ الرَّكْعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا بِالْقِرَاءَةِ وَرَابِعًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْأُولَى اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا رَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَزَا الثَّالِثَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الثَّالِثَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْأُولَى فَلَا يُبْنَى عَلَى جُزْئِهَا وَغَيْرِ الْأُولَى يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْأَوَّلَ بِإِحْرَامٍ وَعَزَاهُ لِابْنِ حَارِثٍ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الرَّكْعَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلِذَلِكَ حَكَمُوا بِفَوَاتِ الرَّكْعَةِ إذَا فَصَلَ بَيْنَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا بِرُكُوعِ رَكْعَةٍ أُخْرَى سَهْوًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْخُرُوجَ لِغَسْلِ الدَّمِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَلَا فَاصِلًا بَيْنَ رَكَعَاتِهَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ أَجْزَاءِ الرَّكْعَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فَصْلٌ مُبَاحٌ بَيْنَ أَجْزَاءِ الرَّكْعَةِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا كَالْكَذِبِ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ الْبِنَاءِ زِيَادَةً فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمُوَالَاةُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ رَكَعَاتِهَا وَلَا بَيْنَ أَجْزَاءِ رَكَعَاتِهَا فَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ الرُّعَافَ مُخِلٌّ بِهَا سَوَّى بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَأَجْزَائِهَا وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ الرُّكُوعَ الْوَاحِدَ كَالْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَالصَّلَاةِ الْمُنْفَرِدَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ خَصَّهَا بِأَحْكَامِ إدْرَاكِ الْأَوْقَاتِ وَفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَاتِ وَتَحْصِيلِ الْأَدَاءِ فَصَارَتْ أَوْلَى بِالْمُوَالَاةِ فِي نَفْسِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إهْمَالِ الْمُوَالَاةِ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ إهْمَالُهَا فِي الرَّكْعَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الْأُخَرُ فَوَجْهُهَا أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَسَاسٍ فَإِذَا لَمْ يَعْقِدْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ أَسَاسٌ يَبْنِي عَلَيْهِ إلَّا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ (الثَّانِي) قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ لَوْ فَعَلَ الرَّاعِفُ بَعْدَ رُعَافِهِ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ وَيُبْنَى عَلَيْهِ أَمْ لَا فَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَهُوَ رَاعِفٌ وَمِنْ السُّجُودِ أَوْ قِيَامِهِ أَيْ الثَّالِثَةِ بَعْدَ فَرَاغِ تَشَهُّدِهِ وَكَأَنَّهُ رَأَى إذَا حَصَلَ لَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَلَا رُعَافَ بِهِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الرُّعَافُ فَرَفَعَ مِنْهُمَا فَإِنَّ الرَّفْعَ مِنْهُمَا يُجْزِئُهُ وَلَا يُعِيدُهُ إذَا أَعَادَ الْبِنَاءَ قَالَ: وَقَدْ قَدَّمْنَا اضْطِرَابَ الْقَوْلِ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ هَلْ هُوَ فَرْضٌ فِي نَفْسِهِ؟ وَذَكَرْنَا مَا قَالَهُ النَّاسُ فِي الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ انْتَهَى. وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَعَنَى أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمُلَتْ قَبْلَ الرُّعَافِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَلَا يَحْتَسِبُ الرَّاعِفُ بِمَا فَعَلَهُ بَعْدَ رُعَافِهِ وَقَبْلَ خُرُوجِهِ لِغَسْلِ الدَّمِ وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ثَلَاثٍ وَذَكَرهَا (الثَّالِثُ) هَذَا حُكْمُ الْفَذِّ إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ بِنَائِهِ، وَحُكْمُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ إذَا وَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ فَرَغَ وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَتْبَعُهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَلَا يَأْتِي بِمَا فَاتَهُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ. (الرَّابِعُ) هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ

أَجْزَاءِ الرَّكْعَةِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: إذَا عَادَ فَعَلَ الْأَجْزَاءَ الْبَاقِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ تَشَاغُلُهُ بِفِعْلِهَا يُفْتِيهِ مَعَ الْإِمَامِ عُقِّدَ الرَّكْعَةَ الَّتِي صَادَفَهُ فِيهَا وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِكْمَالِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّكْعَةِ صَلَاةُ الْإِمَامِ رَكْعَةً فِي غِيبَتِهِ بِخِلَافِ النَّاعِسِ انْتَهَى. وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ فَانْظُرْهُ أَيْضًا. (الْخَامِسُ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ حُكْمُهَا مِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ مَنْ رَعَفَ بَعْد أَنْ أَحْرَمَ وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ هَلْ يَصِحُّ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ حَكَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ أَحَدَهَا أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ مُطْلَقًا جُمُعَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، الثَّانِي لَا يَبْنِي وَيَسْتَأْنِفُ الْإِقَامَةَ وَالْإِحْرَامَ جُمْلَةً أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمِثْلُهُ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، الثَّالِثُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ جُمُعَةً ابْتَدَأَ الْإِحْرَامَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ جُمُعَةٍ بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي الرَّابِعُ أَنَّهُ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ إمَامًا ابْتَدَأَ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ انْتَهَى فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ يَبْنِي وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً لَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ رَكْعَةً فِي الْجُمُعَةِ ابْتَدَأَ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي عَزَاهُ لِمَالِكٍ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَهُ وَصَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ ذَكَرَ ذَلِكَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجُمُعَةِ وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ الْأَرْبَعَةَ الْأَقْوَالِ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنَّهُ عَزَا الثَّالِثَ لِابْنِ وَهْبٍ وَنَصَّهُ وَقَدْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبِنَاءِ قَبْلَ عَقْدِ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ عَنْ سَحْنُونٍ يَبْنِي وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَبْنِي وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ يَبْنِي إلَّا فِي الْجُمُعَةِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ يَبْنِي الْمَأْمُومُ دُونَ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْح الْمُدَوَّنَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَبْنِي وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ سَحْنُونٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ ظَاهَرَهُ رَفْعٌ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ بَعْدَ مَا رَكَعَ ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ مَذْهَبِهِ فِي الْكِتَابِ فَقِيلَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ إلَّا لِمَنْ صَلَّى رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَرَعَفَ فِي الْأُخْرَى كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِلَّا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بِإِقَامَةٍ وَإِحْرَامٍ وَقِيلَ مَذْهَبُهُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يُتِّمَ رَكْعَةً وَقِيلَ بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُبْنَى عَلَى إحْرَامٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ انْتَهَى قُلْتُ: اُنْظُرْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ: إنَّهُ وَهْمٌ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَقَالَ لَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا عَقَدَ رَكْعَةً وَسَجَدَ ثُمَّ رَعَفَ أَلْغَاهَا إذَا بَنَى وَإِنْ عَقَدَهَا بِسَجْدَتَيْهَا بَنِي عَلَيْهَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: فَقَوْلُهُ أَلْغَاهَا إذَا بَنَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْإِحْرَامِ وَقَالَ فِي الْجُمُعَةِ: فَإِنْ رَعَفَ فِي الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَهَا بِسَجْدَتَيْهَا فَوَجَدَ الْإِمَامَ حِينَ رَجَعَ قَدْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلْيَبْتَدِئْ ظُهْرًا أَرْبَعًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى الْإِحْرَامِ انْتَهَى. (السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يُطْلَقُ الْبِنَاءُ فِي بَابِ الرُّعَافِ عَلَى مَعْنِيَّيْنِ بِنَاءٌ فِي مُقَابَلَةِ قَطْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ يَعْنِي فِي قَوْلِهِمْ فِي حَالَةِ الرُّعَافِ يَجِبُ الْبِنَاءُ فِي حَالَةِ الْأُولَى وَيَجِبُ الْقَطْعُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ الْأَمْرَانِ فِي الثَّالِثَةِ وَبِنَاءٌ فِي مُقَابَلَةِ عَدَمِ اعْتِدَادٍ وَهَذَا الثَّانِي إنَّمَا يَتَأَتَّى بَعْدَ حُصُولِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ أَيْ إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ فَهَلْ يَعْتَدُّ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ وَيَبْنِي عَلَيْهِ أَوْ لَا يَعْتَدُّ انْتَهَى أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ قُلْتُ وَيُطْلَقُ الْبِنَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَعْنًى ثَالِثٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ مَا فَاتَ الْمَأْمُومَ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ إذَا خَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِذَا اجْتَمَعَ بِنَاءٌ وَقَضَاءٌ (السَّابِعُ) قَالَ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا

فَرَغَ مِنْ غَسْلِ الدَّمِ وَرَجَعَ لِصَلَاتِهِ يَرْجِعُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ لِصَلَاتِهِ بِتَكْبِيرِ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا بِسَلَامٍ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَأَتَمَّ مَكَانَهُ إنْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ وَأَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَرَجَعَ إنْ ظَنَّ بَقَاءَهُ أَوْ شَكَّ وَلَوْ بِتَشَهُّدٍ وَفِي الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا الْأَوَّلُ الْجَامِعُ وَإِلَّا بَطَلَتَا) ش يَعْنِي أَنَّ الرَّاعِفَ إذَا غَسَلَ الدَّمَ وَأَرَادَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَتْ جُمُعَةً فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ جُمُعَةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُدْرِكُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ ظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ وَأَحْرَى إنْ عَلِمَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ ظَاهِرًا تَتَهَيَّأُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَغْسِلُ فِيهِ الدَّمَ لِنَجَاسَتِهِ أَوْ لِضِيقِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلصَّلَاةِ فَيُتِمُّ فِيهِ صَلَاتَهُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَتَمَّ مَكَانَهُ وَإِلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ أَيْ فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ مَكَانَهُ مَعَ ظَنِّهِ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ بَلْ رَجَعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْإِمَامُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَكَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِتْمَامُ بِمَوْضِعِهِ وَقُلْنَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى الْأَقْرَبِ فَتَجَاوَزَهُ إلَى الْأَبْعَدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَمَّا إنْ ظَنَّ بَقَاءَ الْإِمَامِ حَتَّى يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ وَلَوْ التَّشَهُّدُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ هَذَا حُكْمُ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا إنْ أَصَابَهُ الرُّعَافُ فِي الْجُمُعَةِ وَخَرَجَ لِغَسْلِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مُطْلَقًا إلَى أَوَّلِ مَكَان مِنْ الْجَامِعِ أَيْ سَوَاءٌ ظَنَّ بَقَاءَ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ ظَنَّ فَرَاغَهُ وَعَلِمَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْجَامِعِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَى الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ بَطَلَتَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مُسْتَنِدُ الظَّنِّ فِي فَرَاغِ الْإِمَامِ وَبَقَائِهِ يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيرِهِ وَاجْتِهَادِهِ أَوْ إلَى خَبَرِ عَدْلٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ (الثَّانِي) قَوْلُهُ إذَا ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ أَتَمَّ مَكَانَهُ يُرِيدُ سَوَاءً ظَنَّ فَرَاغَهُ عِنْدَ إتْمَامِ غَسْلِهِ وَظَنَّ أَنَّهُ الْآنَ بَاقٍ وَلَكِنَّهُ يَفْرُغُ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ يُتِمُّ مَكَانَهُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا غَسَلَ الرَّاعِفُ الدَّمَ أَتَمَّ فِي مَوْضِعِهِ إذَا كَانَ فَذًّا أَوْ مَأْمُومًا وَكَانَ إذَا رَجَعَ وَلَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) إذَا ظَنَّ بَقَاءَ الْإِمَامِ فَرَجَعَ ثُمَّ ظَنَّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَرَاغَ الْإِمَام فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَفِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يُمْكِنهُ الْإِتْمَامُ فِيهِ فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ ابْنِ الْحَاجِبِ. (الرَّابِعُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ أَتَمَّ مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَسْجِدِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْبَاجِيُّ فَجَعَلَ الرُّجُوعَ لِفَضِيلَةِ الْمَكَانِ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِرِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرِ الْكِتَابِ: إنَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَغَيْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا مُطْلَقًا قَالَ الْبَاجِيُّ: فَجَعَلَ الرُّجُوعَ لِفَضِيلَةِ الْمَكَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَجَعَلُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهَا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْعٌ وَلَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ فَرَاعَى فَضْلَ الْبُقْعَةِ وَعَلَى قَوْل ابْنِ شَعْبَانَ لَا يَرْجِعُ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ وَصَدَّرَ بِالرُّجُوعِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يَرْجِعُ وَيَعْنِي بِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ مَا سَيَأْتِي لَهُ أَنَّ الرَّاعِفَ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَأَمَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَعَهُ رَكْعَةً فَلَا يَرْجِعُ لِأَنَّ مَا يُدْرِكْهُ

فِي حُكْمِ النَّافِلَةِ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَجَزَمَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا وَقَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ ظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ الْمُعَظَّمَيْنِ فَاخْتَلَفَ هَلْ هِيَ تَقْيِيدٌ فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي غَيْرِهِمَا وَيَرْجِعُ فِيهِمَا أَوْ هِيَ خِلَافٌ فَيَكُونُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَرْجِعُ مُطْلَقًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَمُقَابِلُهُ تَبْطُلُ فِي غَيْرِهِمَا انْتَهَى قُلْتُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَمِنْهُمْ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) إذَا ظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ وَأَتَمَّ مَكَانَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ سَوَاءً أَصَابَ ظَنُّهُ أَوْ أَخْطَأَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي التَّقْدِيرِ وَأَنَّهُ كَانَ يُدْرِكُهُ لَوْ رَجَعَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ انْتَهَى. وَقَالَهُ غَيْرُ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ إذَا ظَنَّ الرَّاعِفُ فَرَاغَ الْإِمَامِ وَكَمُلَ فِي مَوْضِعِهِ فَتَبَيَّنَ عَدَمَ تَكْمِيلِهِ فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ وَفِيهِ اعْتِرَاضٌ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ سَلَّمَ قَبْلَ إمَامِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ قَوْلًا إذَا أَخْطَأَ ظَنُّهُ بِالْبُطْلَانِ فَإِنْ خَالَفَ ظَنَّهُ وَرَجَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَصَابَ ظَنُّهُ أَوْ أَخْطَأَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا خَالَفَ ظَنَّهُ وَتَبَيَّنَ خَطَأَ ظَنِّهِ وَأَدْرَكَ الْإِمَامُ مِمَّا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ تَأَوَّلَ وُجُوبَ الرُّجُوعِ فَيَخْتَلِفُ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ كَالْعَامِدِ أَوْ كَالنَّاسِي انْتَهَى قُلْتُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ، (السَّادِسُ) إذَا ظَنَّ بَقَاءَ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ رَكْعَةً أَمْ لَا قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرَّاعِفَ يَرْجِعُ مَا دَامَ إمَامُهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ صَلَاتِهِ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي ابْنَ شَعْبَانَ: إنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً وَإِلَّا صَلَّى مَكَانَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ بَعْدَهُ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ إذَا طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَوْ السَّلَامَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: إنْ لَمْ يَطْمَعْ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ لَمْ يَرْجِعْ انْتَهَى. وَهَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ السَّلَامَ وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَطْمَعْ فِي إدْرَاكِ رَكْعَةٍ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ فِي مَكَانِهِ وَتَصِحُّ أَفْعَالُهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَعَهُ رَكْعَةً خَرَجَ مِنْ إمَامَتِهِ وَسَقَطَ حُكْمُ مُرَاعَاتِهِ قَالَ: وَرَأَيْت نَحْوَهُ لِابْنِ شَعْبَانَ انْتَهَى قُلْتُ وَيَأْتِي مِثْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ لَا يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَكِنَّهُ يَعْلَمُ الْآنَ أَنَّ الْإِمَامَ بَاقٍ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي مَكَانَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ كَمَا إذَا تَبَيَّنَ خَطَأَ ظَنِّهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ أَفْعَالُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا قُلْنَا يَرْجِعُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يُصَلِّي فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَحَلِّ مُصَلَّاهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَعَلَى هَذَا إذَا قَرُبَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَصَارَ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ لَهُ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ بِحَيْثُ صَارَ يُدْرِكُ أَفْعَالَ الْإِمَامِ وَأَفْعَالَ الْمَأْمُومِينَ أَوْ أَقْوَالَهُمْ وَكَانَ الْمَوْضِعُ طَاهِرًا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ وَإِنْ تَعَدَّاهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (الثَّامِنُ) إذَا ظَنَّ بَقَاءَ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ وَرَجَعَ وَأَصَابَ ظَنُّهُ فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فَإِنْ أَخْطَأَ ظَنُّهُ وَوَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ فَرَغَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَيُتِمُّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ فِيهِ بِفَرَاغِ الْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَهُ رَجَعَ فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ أَتَمَّ هُوَ وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ بِالْبُطْلَانِ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ ظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ وَأَتَمَّ مَكَانَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَأَ ظَنِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَيَّرُ خِلَافَ الرُّجُوعِ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى رُجُوعِ الرَّاعِفِ

بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ (تَنْبِيهٌ) تَعَارَضَ هُنَا مَحْذُورٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُفَارِقَةٌ الْإِمَامَ بَعْدَ الْتِزَامِهِ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي الْحَرَكَاتُ إلَى الْإِمَامِ فِعْلٌ زَائِدٌ فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا بُدَّ لِلرَّاعِفِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ فَالْمَشْهُورُ مُرَاعَاةُ الْأَوَّلِ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ لِأَوْجُهِ أَحَدِهَا. إنَّ وُجُوبَ الِاقْتِدَاءِ رَاجِحٌ بِالِاسْتِصْحَابِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَ الرُّعَافِ بِخِلَافِ الْآخِرِ، وَثَانِيهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَمْنَعُ وَتُفْسِدُ إذَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ الْقِرْبَةِ وَهَذِهِ وَسِيلَةٌ إلَى الْقِرْبَةِ فِي الِاقْتِدَاءِ فَتَكُونُ قِرْبَةً وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَتُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَرَكَاتِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِي تَرْكِ الِاقْتِدَاءِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرُّجُوعَ هُوَ الْأَصْلُ فَالْإِتْيَانُ بِهِ أَرْجَحُ فَتَأَمَّلْهُ. (التَّاسِعُ) إذَا ظَنَّ بَقَاءَ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ، وَقُلْنَا إنَّهُ يَرْجِعُ فَخَالَفَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ مَكَانَهٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَهُوَ أَحَدُ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا بَطَلَتَا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ ظَنُّهُ حَالَ الْإِمَامِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَيَشْرَحُهُ: إنْ وَافَقَ ظَنُّهُ حَالَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ خَالَفَ ظَنُّهُ حَالَ الْإِمَامِ فَإِنْ تُبُيِّنَ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَغَ بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ قُلْتُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا لِغَيْرِهِ بَلْ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ وَلَوْ تَبَيَّنَ خِلَافَ ظَنِّهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَنَصُّهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ وَبَنَى فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ تُبُيِّنَ لَهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَالُوا مِنْ غَيْرِ خِلَافِ الشَّيْخِ وَإِنْ كَانَ اخْتَلَفَ فِيمَنْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ هَلْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ كَمَنْ صَلَّى خَامِسَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ انْتَهَى. (الْعَاشِرُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا التَّقْسِيمُ ظَاهِرٌ فِي الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَأْمُومِ وَأَمَّا الْفَذُّ فَيُتِمُّ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ بِمَوْضِعِ غَسْلِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَفِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا لِلْجَامِعِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَأَتَمَّ مَكَانَهُ أَوْ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بَطَلَتْ جُمُعَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَبْنِي فِي أَقْرَبِ مَسْجِدٍ إلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرُ تَعْلِيلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى نَفْسِ الْجَامِعِ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ: أَوْ إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: وَإِنْ أَتَمَّ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةً قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْجَامِعِ فَضِيلَةٌ وَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِأَوَّلِ الْجَامِعِ فَإِنْ تَعَدَّاهُ بَطَلَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ بِلَفْظِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَبْنِي فِي أَدْنَى مَوْضِعٍ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْمَسْجِدُ وَأَنَّ مَا يُصَلِّيهَا مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِضَرُورَةِ الزِّحَامِ وَلَا يَجِدُ مَكَانًا وَهَذَا الرَّاعِفُ إنَّمَا يُتِمُّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَبِأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الشُّرُوطِ وَقَدْ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ وَالْإِمَامُ فَلَا يَجِبُ الْجَامِعُ، وَبِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ ثَمَّةَ أَحَدٌ رَكْعَةً وَهُوَ مَسْبُوقٌ وَاتَّصَلَتْ بِهِ الصُّفُوفُ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَانْفَضَّ النَّاسُ فَإِنَّمَا يَأْتِي بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْمَسْجِدِ فَقَدْ صَارَ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ إذَا وَصَلَ لِأَوَّلِ مَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ طُرُقِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ يُتِمُّ هُنَاكَ، قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَهَا فِي الْجَامِع وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّه - تَعَالَى - أَعْلَم. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

فَذَكَرَ الْمَشْهُورَ وَقَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ وَادٍ فَلِيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَوْلَى وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ يُونُسَ أَيْ جَعَلُوا قَوْلَ الْمُغِيرَةِ تَفْسِيرًا لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ ثَالِثُهَا إنْ أَمْكَنَهُ رَجَعَ وَإِلَّا فَمَكَانُهُ غُرُورٌ بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ وَأَخَذَ ابْنُ يُونُسَ الثَّالِثَ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ مَنْ هَرَبَ مَأْمُومُهُ بَعْدَ رَكْعَةٍ أَتَمَّهَا جُمُعَةً انْتَهَى. وَلِذَا جَعَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ قَوْلَ الْمُغِيرَةِ تَفْسِيرًا وَكَذَا صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِيهَا: حُكْمُ الرَّاعِفِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً ثُمَّ رَعَفَ فَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ غَسْلِ الدَّمِ حَتَّى أَتَمَّ الْإِمَامُ فَلَا يُصَلِّي الثَّانِيَةَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيهِ الصَّلَاةَ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ إلَى الْمَسْجِدِ وَادٍ وَأَمْرٌ غَالِبٌ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً وَصَلَّى أَرْبَعًا، قَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَالثَّانِي: إذَا رَعَفَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا ثُمَّ لَمْ يَفْرُغْ حَتَّى أَتَمَّ الصَّلَاةَ لَا يَبْنِي عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ تَمَامَ رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْإِحْرَامِ فِي الْجُمُعَةِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَتَابِعِيهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَمْ يَعْزِهِ لَكِنْ ذُكِرَ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيبِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ حَائِلٌ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ فِي مَوْضِعِ غَسْلِ الدَّمِ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى الْجَامِعِ، قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيبُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إنَّ هَذَا وَهْمٌ مِنْهُ بَلْ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ الرُّجُوعِ إلَى الْمَسْجِدِ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ حَتَّى لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ جُمُعَتُهُ قُلْتُ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي أَفْنِيَةِ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ صَلَّى فِي أَفْنِيَةِ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ قَضَى فِيهِ رَكَعَاتٍ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ رُعَافٍ غَسَلَهُ وَهُوَ يَجِدُ مَوْضِعًا فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهِ إنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَخَالَفَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ: يُعِيدُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي عَشَرَ) حَيْثُ قُلْنَا يَرْجِعُ لِلْجَامِعِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْجَامِعِ الَّذِي ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ فِيهِ، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهَا. (الثَّالِثَ عَشَرَ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَطَلَتْ أَيْ لِأَيِّ جُزْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ رَعَفَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِيُوقِعَ السَّلَامَ فِي الْجَامِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَهُ ابْنُ هَارُونَ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا رَعَفَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْل سَلَامِ الْإِمَامِ ذَهَبَ فَغَسَلَ الدَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَتَشْهَدَ وَسَلَّمَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: قَوْلُهُ رَجَعَ مَعْنَاهُ إذَا طَمَعَ بِإِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْل أَنْ يُسَلِّمَ وَفِيهِ الْخِلَافُ مَعَ ابْنِ شَعْبَانَ أَوْ يَكُونُ فِي جُمُعَةٍ أَوْ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) قَوْلُهُ لِأَوَّلِ الْجَامِعِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْجَامِعِ لِزِحَامٍ أَوْ ضِيقٍ، وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ابْتَدَأَهَا خَارِجَهُ وَنَصُّهُ - نُقِلَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الرُّجُوعُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ رَعْيًا لِمَا ابْتَدَأَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا طُلِبَ ابْتِدَاءً طَلَبُ دَوَامِهِ. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ ابْتَدَأَهَا فِي مَوْضِعٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَلَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَقَبِلَهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَبَحَثَ فِيهِ فَقَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كَانَ ذَلِكَ لِمُوجِبٍ وَقَدْ انْتَفَى فَيَنْبَغِي الْإِتْمَامُ ثَمَّةَ وَيَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى. قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْجَامِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ إذَا

حَصَّلَ لَهُ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ رُعَافِهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُحَصِّلْ لَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ ظُهْرًا فِي مَحِلِّهِ أَوْ فِي أَيْ مَحِلٍّ شَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا فِي مَحَلِّهِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي عَقِبَ هَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ رَكْعَةً فِي الْجُمُعَةِ ابْتَدَأَ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ الرُّعَافُ فِي الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَلَمْ يَلْحَقْ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا أَرْبَعًا اتِّفَاقًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَهَلْ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَوْ لَا؟ الْمَشْهُورُ لَا بُدَّ مِنْ ابْتِدَائِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ: وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ شَاءَ قَطَعَ وَابْتَدَأَ كَالْمَذْهَبِ وَإِنْ شَاءَ بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَإِنْ شَاءَ بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ فِعْلِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ أَشْهَبَ لَمْ يَسْتَحِبَّ شَيْئًا وَاَلَّذِي حَكَى عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا اسْتِحْبَابَ الْقَطْعِ انْتَهَى. وَجَعَلَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ سَحْنُونٍ تَفْسِيرًا لِلْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْخِلَافِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ إذَا رَعَفَ فِي الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ قَبْل أَنْ يُكْمِلَهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَبْتَدِئُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَقَالَ سَحْنُونٌ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ ظُهْرًا وَقَالَ أَشْهَبُ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَبْتَدِئَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَإِنْ بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ أَجْزَاهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَجَدَ سَجْدَةً فَسَجَدَ أُخْرَى وَصَلَّى ثَلَاثًا أَجْزَاهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ فَاتَتْهُ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجْدَةً فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَتُجْزِئُهُ جُمُعَتُهُ فَعَلَى هَذَا تُجْزِئُ الرَّاعِفَ الْجُمُعَةُ إذَا رَعَفَ فِي الْأُولَى وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا سَجْدَةٌ، فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ وَرَكْعَةٍ وَتُجْزِئُهُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا بَنَى لَمْ يَعْتَدَّ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمُلَتْ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا أَرْبَعًا اتِّفَاقًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ إتْمَامِهَا جُمُعَةً وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ خَرَّجَ قَوْلًا بِجَوَازِ إتْمَامِهَا جُمُعَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ الْمَنْصُوصَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ تَخْرِيجَ شَيْخِهِ اللَّخْمِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَحَثَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ جِدًّا فَلْيَنْظُرْهُ مِنْ أَرَادَهُ، (الثَّانِي) : لَوْ لَمْ يَقْطَع وَبَنَى عَلَى إحْرَامِهِ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ سَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ تَقُولُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصَّا صَرِيحًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ ص. (وَسَلَّمَ وَانْصَرَفَ إنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لَا قَبْلَهُ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي مَنْعِهِ أَنْ يُسَلِّمَ حَتَّى يَغْسِلَ الدَّمَ إنْ كَانَ الدَّمُ كَثِيرًا إلَّا أَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِالنَّجَاسَةِ كَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَالْمَشْهُورُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ اُسْتُخِفَّ سَلَامُهُ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى خُرُوجِهِ لِغَسْلِ الدَّمِ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَنَافِي وَخِفَّةِ لَفْظِ السَّلَامِ، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ فَرْضٍ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَالْأَكْثَرُونَ لَمْ يَعْرُجُوا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا رَعَفَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِغَسْلِ الدَّمِ وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ حَتَّى يُسَلِّمَ فَإِذَا غَسَلَ الدَّمَ فَإِنْ طَمَعَ بِإِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ رَجَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِإِدْرَاكِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ لِأَوَّلِ الْجَامِعِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ جَلَسَ مَكَانَهُ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : عُلِمَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْجُمُعَةِ بَلْ جَارٍ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَتَمَّ مَكَانَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شُرَّاحُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَجَعَلَ

الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ خَاصًّا بِمَسْأَلَةِ الْجُمُعَةِ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَكَذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (الثَّانِي) : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ هُنَا هَلْ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ إذَا غَسَلَ الدَّمَ وَأَرَادَ السَّلَامَ أَمْ لَا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ أَيْ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ التَّشَهُّدُ وَأَمَّا لَوْ تَقَدَّمَ فَلَا يُعِيدُهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ رَعَفَ بَعْدَ تَشْهَدْهُ لَمْ يُعِدْهُ خِلَافُ نَصِّهَا الْمَقْبُولِ انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى قَوْلِهَا السَّابِقِ. ، وَإِذَا رَعَفَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ ذَهَبَ فَغَسَلَ الدَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ يَتَشَهَّدُ ثَانِيًا وَقَدْ كَانَ تَشَهَّدَ أَوَّلًا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ رَعَفَ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ رَجَعَ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَوَّلًا وَأَمَّا لَوْ تَشَهَّدَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ دُونَ تَشَهُّدٍ وَقَبِلَهُ خَلِيلٌ وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِصَرِيحِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ جَارٍ عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ سَجَدَ السُّجُودَ الْقِبْلِيَّ فَإِنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ اكْتِفَاءً بِتَشَهُّدِ الصَّلَاةِ وَكُنْتُ أُجِيبُهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا سَوَاءً لِقُرْبِ السَّلَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَهُ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي الرُّعَافِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ وَغَسْلَهُ وَرُجُوعَهُ مَظِنَّةٌ لِلطُّولِ غَالِبًا، (الثَّانِي) هَبْ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ قَصْدٌ إلَى ذِكْرِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَخْرَجَ الْمَذْهَبَ انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ رَجَعَ فَتَشَهَّدَ هَذَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ تَشَهُّدُهُ قَبْلَ الرُّعَافِ وَلَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَقَدَّمَ مِنْهُ مِقْدَارَ السُّنَّةِ لَسَلَّمَ إذَا رَجَعَ انْتَهَى. وَتَعَقَّبَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّهُ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَّصِلَ بِالسَّلَامِ وَلَا يَتَرَاخَى عَنْهُ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّنْجِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ وَيَتَشَهَّدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ وَعَلَّلَهُ بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى قُلْتُ: وَكَذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّهُ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ وَعَلَّلَهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ السَّلَامَ إنَّمَا شُرِعَ عَقِيبَ التَّشَهُّدِ وَمُتَّصِلًا بِهِ وَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ، وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا رَعَفَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَا يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ لِغَسْلِ الدَّمِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ بِالْحَضْرَةِ قَبْلَ انْصِرَافِهِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ أَقْوَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ رَعَفَ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَرَجَعَ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَعَفَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ انْصِرَافِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيُجْزِئُهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْصَرِفُ مَنْ رَعَفَ وَالْإِمَامُ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ وَهُوَ رَاعِفٌ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَكُلُّ أَشْيَاخِي يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى التَّفْسِيرِ لِلْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. . قُلْتُ وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ: لَوْ أَنَّ هَذَا الْمَأْمُومَ رَعَفَ فَهَمَّ بِأَنْ يَنْصَرِفَ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ فَسَلَّمَ أَجْزَأَهُ قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ وِفَاقَا انْتَهَى. وَعَزَا فِي الشَّامِلِ التَّقْيِيدَ لِلَّخْمِيِّ. وَكَلَامُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وِفَاقٌ أَوْ خِلَافٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ الْمَذْهَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا رَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ رَجَعَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ، قَالَهُ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنَ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ صَلَاتِهِ بِالرُّعَافِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى تَمَامِ صَلَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا بِسَلَامٍ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) هَذَا حُكْمُ الْمَأْمُومِ. وَانْظُرْ لَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ قَبْل سَلَامِهِ أَوْ الْفَذُّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بِنَائِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الرُّعَافُ بَعْد أَنْ

تنبيه حصل له رعاف فخرج له وغسل الدم ورجع إلى الصلاة

أَتَى بِمِقْدَارِ السُّنَّةِ مِنْ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَالْإِمَامُ وَالْفَذُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ مِنْ يُتِمُّ بِهِمْ التَّشَهُّدَ وَيَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْفَذُّ فَيَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ ثُمَّ يُتِمُّ مَكَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَبْنِي بِغَيْرِهِ) ش: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِغَيْرِهِ بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي غَيْرِ الرُّعَافِ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لَا يَبْنِي بِسَبَبٍ غَيْرِ الرُّعَافِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ سَبْقِ حَدَثٍ أَوْ تَذَكُّرِهِ أَوْ سُقُوطِ نَجَاسَةٍ أَوْ تَذَكُّرِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ بَلْ يَقْطَعُهَا وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الرُّعَافِ وَحْدَهُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبِنَاءَ فِي الْحَدَثِ الْغَالِبِ، وَالرُّعَافُ عِنْدَهُ حَدَثٌ غَالِبٌ، وَأَجَازَ أَشْهَبُ لِمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ أَوْ جَسَدِهِ نَجَاسَةً أَنْ يَغْسِلَهَا وَيَبْنِي. وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ نَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ لَكِنْ نُقِلَ عَنْهُ اسْتِحْبَابُ الْقَطْعِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ لِإِنْقَاذِ صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى أَوْ خَوْفًا عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ: إنَّهُ يَقْطَعُ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ مَا نَصُّهُ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى أَجْزَاهُ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِهِ إذَا خَرَجَ لِغَسْلِ دَمٍ رَآهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ لِقَيْءٍ، قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَشْهَبَ هُنَا مَعَ مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ فِي طَوَافِهِ قَطَعَ وَابْتَدَأَهُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ حَكَى الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يَقُولُ فِيمَنْ رَأَى نَجَاسَةً فِي ثَوْبِهِ فِي الصَّلَاةِ: إنَّهُ يَغْسِلُهَا وَيَبْنِي وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ أَصْلِ الْمَذْهَبِ يُوهِمُ انْفِرَادَهُمَا بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ مُدَوَّنَةِ أَشْهَبَ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَشْهَبَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَبْنِي فِي الْحَدَثِ انْتَهَى. وَهَذَا غَرِيبٌ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْبِنَاءُ بَعْدَ حُصُولِ الْمُنَافِي فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَزْحُومُ وَالنَّاعِسُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُمَا يَبْنِيَانِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَبْنِي فِي قُرْحَةٍ وَلَا حَرَجَ وَيَعْنِي بِذَلِكَ إذَا انْفَجَرَتْ الْقُرْحَةُ فِي الصَّلَاةِ وَسَالَ مِنْهَا دَمٌ كَثِيرٌ وَرَجَا انْقِطَاعَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْد قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَثَرُ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيه حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ فَخَرَجَ لَهُ وَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: لَوْ حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ فَخَرَجَ لَهُ وَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ آخَرُ لَمْ يَبْنِ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَلَامُ الْمُؤَلَّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا انْتَهَى قُلْتُ: وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ صَرِيحًا إلَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَسَائِلِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْبُطْلَانِ. ص (كَظَنِّهِ فَخَرَجَ فَظَهَرَ نَفْيُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ فِي الصَّلَاةِ فَخَرَجَ لِيَغْسِلَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُعَافِ وَإِنَّمَا هُوَ مَاءٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بَلْ يَبْتَدِئُهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحَدَثٍ أَوْ رُعَافٍ ظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ بِهِ ابْتَدَأَ وَإِذَا تَعَمَّدَ الْإِمَامُ قَطْعَ صَلَاتَهُ أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفِهِ انْتَهَى، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ رَعَفَ أَوْ أَحْدَثَ فَخَرَجَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ هَلْ يَبْنِي؟ وَإِنْ كَانَ إمَامًا هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ فَقَالَ مَالِكٌ يَبْتَدِئُ وَلَا يَبْنِي وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ إمَامًا لَا تُفْسَدُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ، قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِمَا يَجُوزُ لَهُ وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ خَلْفَ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: إنْ بَنَى أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْلَمَ مَا خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِحْرَاب إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَبْنِي وَلَا يُبْطِلُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ بِمَنْزِلَةِ مِنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ فَخَرَجَ ثُمَّ عَادَ فَسَلَّمَ وَهُوَ أَقْيَسُ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ

أَنَّهُ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ بَنَى انْتَهَى. فَحَكَى فِي الْقَطْعِ وَالْبِنَاءِ قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الِانْصِرَافِ لِلْحَدَثِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ وَعَزَا الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ الْفَرْعَيْنِ هُنَا وَفِي بَابِ السَّهْوِ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ عَزَا الْقَوْلَ بِالْبِنَاءِ فِي الْفَرْعَيْنِ لِسَحْنُونٍ وَتَبِعَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ عَزَا الْقَوْلَ بِالْبِنَاءِ لِسَحْنُونٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الطِّرَازِ عَزَوْهُ لِسَحْنُونٍ وَأَحَالَ عَلَى مَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعْزِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إلَّا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَلَعَلَّهُ نَقَلَهُ عَنْ سَحْنُونٍ أَيْضًا أَوْ وَقَعَ مِنْهُ فِي الطَّهَارَةِ سَهْوٌ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الشَّارِحُ فِي الشَّامِلِ. وَأَمَّا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ بِالْبِنَاءِ وَلَمْ يُعْزِ الْفَرْعَ لِأَحَدٍ وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ عَلَيْهِمْ وَيَسْتَخْلِفُ أَوْ يَسْتَخْلِفُونَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تَبْطُلُ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ وَنَصَّهُ وَأَكْثَرُ الشَّارِحِينَ وَالْمُخْتَصِرِينَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ إمَامًا فَإِنَّهُ أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ عِنْدنَا فِي الْإِمَامِ إذَا قَطَعَ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَاحْتَجَّ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا لِرُعَافٍ أَوْ حَدَثٍ ظَنَّهُ فَبَانَ كَذِبُهُ لَلْمَشْهُورُ وَاللَّخْمِيُّ مَعَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ إمَامًا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ مَأْمُومِيهِ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ عِلْمٌ كَذِي ظُلْمَةٍ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لِلْبَاجِيِّ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٍ وَاللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ أَشْهَبَ لَا يُبْطِلُهَا ضَحِكٌ عَمْدًا وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا لِلْمُدَوَّنَةِ مَعَ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَالْبَاجِيِّ عَنْ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ التَّفْصِيلُ لِلصَّقَلِّيِّ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ سَحْنُونٍ انْتَهَى بِلَفْظِهِ إلَّا عَزْوَ الْأَقْوَالِ فَفَصَّلْتُهُ لِأَجَلِ الْبَيَانِ فَيَكُونُ لِسَحْنُونٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَعَزَا الثَّانِي لِلْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مُتَّصِلًا بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنَصَّهُ قَالَ: وَمَنْ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ لِحَدَثٍ أَوْ رُعَافٍ ظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ بِهِ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ إمَامًا أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْإِمَامَ إذَا قَطَعَ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ سَحْنُونٍ بِالتَّفْصِيلِ وَيُؤَيِّدُ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الشَّارِحِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ وَقَالَ: إنَّ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ أَظْهَرُ مِمَّا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الشَّارِحِينَ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْإِمَامِ ظَنَّ وَبَيْنَ كَوْنِهِ تَعَمَّدَ لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامًا أَفْسَدَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى قُلْتُ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ عَنْ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَصَلَاةَ مَنْ خَلْفَهُ بَاطِلَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْلَمَ مَا خَرَجَ مِنْهُ إلَخْ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فَجَعَلَ الثَّالِثَ تَفْسِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ ظَنَّ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ بِتَمَادِيهِ بِرُعَافٍ أَوْ حَدَثٍ فَانْصَرَفَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بُطْلَانُ ظَنِّهِ فَأَمَّا فِي الرُّعَافِ إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَمْشِ عَلَى نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ صِحَّةُ مَا ظَنَّهُ قِبَلَ انْصِرَافِهِ فَانْصَرَفَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ لِأَنَّهُ فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ وَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَفِي بِنَائِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْنِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالشَّاذُّ أَنَّهُ يَبْنِي وَهُمَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْمُجْتَهِدِ يُخْطِئُ هَلْ يُعْذَرُ بِاجْتِهَادِهِ أَمْ لَا وَأَمَّا

فِي الْحَدَثِ فَإِنْ لَمْ يُطِلْ فِعْلَهُ بَعْدَ الظَّنِّ كَانَ كَالرُّعَافِ وَإِنْ طَالَ فِعْلُهُ أَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ هَذَا انْصَرَفَ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَالرَّاعِفَ انْصَرَفَ عَلَى أَنَّهُ يَغْسِلُ الدَّمَ ثُمَّ يَبْنِي انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ فِي الْحَدَثِ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَلَا يَظْهَرُ لِلْقَوْلِ بِالْبِنَاءِ، وَجْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمُحْدِثَ خَرَجَ عَلَى اعْتِقَادِ الْبُطْلَانِ وَلَا يُشْبِهُ مِنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى اعْتِقَادِ تَمَامِ صَلَاتِهِ وَصِحَّتِهَا، نَعَمْ إنَّمَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالْبِنَاءِ عَلَى مَنْ يُجِيزُ الْبِنَاءَ فِي الْحَدَثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي فَصْلِ الرُّعَافِ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ لِرُعَافٍ ثُمَّ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ يَغْسِلُ الدَّمَ فَرَفَعَ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ فَابْتَدَأَ الْوُضُوءَ فَلَمَّا تَوَضَّأَ ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَفَى ابْنُ يُونُسَ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَهُ رُعَافٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَخَرَجَ يَغْسِلُهُ فَإِذَا هُوَ مَاءٌ فَقَدْ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ قَالَ وَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ حِينَ هَمَّ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ انْتَهَى قُلْتُ إذَا عَزَمَ عَلَى رَفْضِ الصَّلَاةِ وَهَمَّ بِالْوُضُوءِ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ نَعَمْ إنْ تَفَكَّرَ قَلِيلًا لَمَا حَصَلَ لَهُ الشَّكُّ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ فَهَذَا يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَمَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) ش ذَرَعَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَتَمَادَى فِيهَا فَإِنْ خَرَجَ لِغَسْلِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ الْقَيْءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَيْءُ طَاهِرًا أَوْ لَمْ يَرُدُّهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ إلَى مَحِلٍّ يُمْكِنُ طَرْحُهُ فَإِنْ كَانَ الْقَيْءُ نَجِسًا بِأَنْ تَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَام عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ قَارَبَ أَوْصَافَ الْعُذْرَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَيْءُ طَاهِرًا وَرَدَّهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ إلَى مَحِلٍّ يُمْكِنُ طَرْحُهُ نَاسِيًا أَوْ مَغْلُوبًا فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ وَأَمَّا إنْ رَدَّهُ طَائِعًا غَيْرَ نَاسٍ فَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَلْنَذْكُرْ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ الشُّيُوخِ عَلَيْهَا قَالَ فِي آخِرِ بَابِ الرُّعَافِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَمَنْ تَقَيَّأَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ وَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الرُّعَافِ وَحْدَهُ قَالَ فِي الطِّرَازِ الْقَيْءُ فِي الصَّلَاةِ يُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْهُ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فِي الْمَشْهُورِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَمِنْهُ مَا لَا يُبْطِلُهَا إلَّا إنْ تَعَمَّدَهُ فَالْأَوَّلُ هُوَ مَا كَانَ نَجِسًا مِمَّا خَرَجَ عَنْ صِفَةِ الطَّعَامِ وَالثَّانِي مَا كَانَ طَاهِرًا فَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَامِدُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْأَكْلِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي الْأَكْلِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَيُخْتَلَفُ فِي الْقَيْءِ النَّجِسِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ هَلْ يَغْسِلُهُ عَنْهُ وَيَبْنِي فَعِنْد أَشْهَبَ يَبْنِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي مُدَوَّنَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ تَوْجِيهَ الْمَشْهُورِ فِي عَدَمِ الْبِنَاءِ فِي غَيْرِ الرُّعَافِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَا يَفْسُدُ صِيَامُهُ بِخِلَافِ الَّذِي يَسْتَقِي طَائِعًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمٍ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إنْ رَدَّهُ بَعْدَ فُصُولِهِ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ يُرِيدُ إنْ رَدَّهُ نَاسِيًا أَوْ مَغْلُوبًا وَأَمَّا إنْ رَدَّهُ طَائِعًا غَيْرَ نَاسٍ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَصَلَاتَهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَغْلُوبَ أَعَذْرُ مِنْ النَّاسِي وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لِتَغَيُّرِهِ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ إلَى حَالِ الرَّجِيعِ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ إذْ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الْمُعْتَادِ عَلَى الْعَادَةِ بِاتِّفَاقٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ بِاخْتِلَافٍ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ غَلَبَةً فَالْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَأَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْقَيْءَ أَوْ رَدَّهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ طَائِعًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَعَمْدُ قَيْئِهِ وَابْتِلَاعُهُ بَعْدَ فَصْلِهِ مُبْطِلٌ انْتَهَى، وَإِنْ رَدَّهُ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا فَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَغْلُوبَ أَعْذَرُ مِنْ النَّاسِي وَيَتَحَصَّلُ أَيْضًا فِي رُجُوعِهِ غَلَبَةً أَوْ

نِسْيَانًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ نَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ السَّهْوِ وَنَصَّهُ وَفِي بُطْلَانِهَا بِابْتِلَاعِ مَفْصُولِهِ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً، ثَالِثُهَا إنْ سَهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. إذَا عَلِمَ هَذَا فَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ مُشْكِلٌ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَفِي بَعْضِ الْمُقَيَّدَاتِ فِي هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْكَثِيرَ أَوْ النَّجَسَ أَوْ الْمَرْدُودَ بَعْدَ إمْكَانِ الطَّرْحِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ لِلْقَيْءِ لَا يَعُودُ لِلْبِنَاءِ كَمَا فِي الرُّعَافِ، فَقَالَ: صَوَابٌ إلَّا أَنَّ الشُّيُوخَ حَمَلُوهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَيُعَضِّدُ مَا صَوَّبَهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَا يُبْنَى إلَّا فِي الرُّعَافِ وَإِنَّ أَشْهَبَ يُخَالِفُ فِيهِ، وَكَذَا نَقُولُ هُنَا إنَّ غَيْرَ الْمَغْلُوبِ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُبْنَى بِغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السَّهْوِ إذْ قَالَ: وَبِتَعَمُّدِ كَسَجْدَةٍ أَوْ نَفْخٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ قَيْءٍ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ بَعْضِ الْمُقَيَّدَاتِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَيْءَ الْكَثِيرَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا أَوْ كَانَ غَلَبَةً وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَنَصَّهُ وَالْقَلْسُ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ عِنْدَ الِامْتِلَاءِ أَوْ بَرْدِ الْمِزَاجِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ الطَّعَامُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ، لَكِنَّهُ إنْ خَرَجَ فِي الصَّلَاةِ وَكَثُرَ قَطَعَ لَيْسَ لِنَجَاسَتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ مُشْغِلٌ عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَلَّ لَمْ يَقْطَعْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَبِلَهُ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْدُودَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً أَوْ بِاخْتِيَارِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِي الْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ. (تَنْبِيهٌ) (الْقَلْسُ) مَاءٌ حَامِضٌ كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَرَّحَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْقَلْسُ مَاءٌ حَامِضٌ تَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ انْتَهَى. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَيْءِ فَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ نَجِسٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا غَلَبَةً فَإِنْ تَعَمَّدَ الْقَلْسَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَعَمُّدِ الْقَيْءِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ أَنْ وَصَلَ إلَى مَحِلٍّ يُمْكِنُ طَرْحُهُ فَاخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ إذَا كَانَ نِسْيَانًا أَوْ غَلَبَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ عِيسَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَلَبَةُ الْقَلْسِ لَغْوٌ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ فَصْلِهِ عَمْدًا فَفِي بُطْلَانِهَا نَقَلَا الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ رُشْدٍ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَسَاءَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ فِي رَسْمٍ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَمَّا حَكَى رِوَايَةَ ابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْقَيْءَ الْمُتَغَيِّرَ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَامِ طَاهِرٌ مَا لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعُذْرَةِ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَفْصِلُ فِي الْقَلْسِ كَمَا يَفْصِلُ فِي الْقَيْءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (قَدَّمَ الْبِنَاءَ وَجَلَسَ فِي آخِرَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ) ش هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ كُلِّهَا حَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ الَّذِي أَدْرَكَ ثَانِيَةَ إمَامٍ مُسَافِرٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْبِنَاءِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيُخْتَلَفُ هَلْ يَجْلِسُ أَمْ لَا فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَجْلِسُ ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ

فصل ستر العورة في الصلاة

وَخَوْفٌ بِحَضَرٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوصٌ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَوَّرَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ، وَصَوَّرَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مُسَافِرًا وَصَلَّى فِي الْحَضَرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَيُصَلِّي مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْحَضَرِيِّينَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَكُونُ فِي صَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الْقَضَاءُ وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَالْبِنَاءُ وَهُوَ الرَّكْعَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ سَتَرَ الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة] . (فَصْلٌ هَلْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِكَثِيفٍ وَإِنْ بِإِعَارَةٍ أَوْ طَلَبٍ إلَى قَوْلِهِ خِلَافٌ) ش أَيْ هَلْ هُوَ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَشَرْطٌ فِيهَا مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ، وَمَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ أَوْ الْقُدْرَةِ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ وَالشَّرْطِيَّةُ وَلِذَلِكَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْقَبَسِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ التُّونُسِيُّ السَّتْرُ فَرْضٌ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي افْتِقَارِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَى ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ أَوْ هِيَ فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَتَّى إذَا صَلَّى مَكْشُوفًا مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا آثِمًا انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ اخْتِيَارُ أَبِي الْفَرَجِ، وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَالْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ وَقَوْلُهُ بِكَثِيفٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالسَّاتِرُ الْخَفِيفُ كَالْعَدَمِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَالْبُنْدُقِيِّ الرَّفِيعِ انْتَهَى. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: الْكَثِيفُ السَّاتِرُ الثَّخِينُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ بِإِعَارَةٍ مُبَالَغَةٌ يُرِيدُ أَنَّ السِّتْرَ مَطْلُوبٌ وَإِنْ كَانَ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ أَعَارَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ فَإِنَّهُ وَاجِدٌ لِلسَّتْرِ كَهِبَةِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ لِقِلَّةِ الْمِنَّةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ طَلَبَ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَلَامُهُ فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنْ لَا يَبْخَلَ بِذَلِكَ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ عَدَمُ الْإِجَابَةِ سَقَطَ وُجُوبُ الطَّلَبِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ ص (وَإِنْ بِخَلْوَةٍ لِلصَّلَاةِ) ش: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي

تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ: وَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ الطَّهَارَةُ وَالسَّاتِرُ الْمُغَطِّي لِلْعَوْرَةِ بِلَا خِرَقٍ وَلَا شُفُوفٍ وَلَا وَصْفٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَزْيَدَ مِنْ قَمِيصٍ اتَّزَرَ تَحْتَهُ وَإِنْ بِخِرْقَةٍ انْتَهَى وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَمِيصُ شَفَّافًا. (فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ) إمَامٌ سَقَطَ سَاتِرُ عَوْرَتِهِ فِي رُكُوعِهِ فَرَدَّهُ قَرَّبَهُ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُوسَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا أَخَذَهُ بِالْقُرْبِ، قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِالْقُرْبِ لَأَعَادَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِهَا يَخْرُجُ وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِالْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَمَادَى بِهِمْ فَإِنْ اسْتَتَرَ بِالْقُرْبِ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ خِلَافُ قَوْلِهِ هُنَا انْتَهَى. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ، وَأَنَّ مَنْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَاقْتَصَرَ فِي التَّلْقِينِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَأَزَالَهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مَسْأَلَةُ مَنْ سَقَطَ ثَوْبُهُ فَرَدَّهُ فِي الْحَالِ فِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. الْمَشْهُورُ الْبُطْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، (الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ فَتَنْكَشِفُ فَخْذُهُ أَوْ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَهُوَ وَحْدَهُ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَقَالَ: عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَفَخْذَهُ فَإِنْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْفَخْذُ فَلْيَسْتُرْهُ قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فَرْقَ فِي السُّتْرَةِ بَيْنَ الظَّلَّامِ وَغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهَا وَأَعْرِفُ فِي زَهْرِ الْكِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ رَجُلٍ حُصِّلَ فِي شَجَرَةٍ عُرْيَانًا فَحَلَفَ لَهُ آخَرُ إنَّك لَا تَنْزِلُ إلَّا مُسْتَتِرًا وَلَا يَمُدُّ لَكَ أَحَدٌ مَا تَسْتَتِرُ بِهِ، فَأَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنَّهُ يَنْزِلُ بِاللَّيْلِ وَلَا حِنْثَ عَلَى الْحَالِفِ وَتَلَا قَوْلَهُ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ فِي الْأَيْمَانِ بَيِّنٌ وَعَلَى مُرَاعَاةِ الْعُرْفِ أَوْ الْبِسَاطِ أَوْ النِّيَّةِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ حِنْثِهِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَلْزَمَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ إنْ دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ إذَا دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَسْتُرُهُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَهِيَ مِنْ رَجُلٍ وَأَمَةٍ وَإِنْ بِشَائِبَةٍ وَحُرَّةٍ مَعَ امْرَأَةٍ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) ش قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَا خِلَاف أَنَّ مَا فَوْقَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَلَا فِي أَنَّ سَوْأَتَيْهِ عَوْرَةٌ وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَسْتُرَ مِنْ سُرَّتِهِ لِرُكْبَتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الْقَذَارَةِ: إنَّ إظْهَارَ بَعْضِ الْفَخْذِ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ حَرَامٌ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا حُكْمُهَا أَيْ الْمَرْأَةُ مَعَ النِّسَاءِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَحُكْمِ الرِّجْلِ مَعَ الرَّجُلِ أَنَّ الْفَخْذَ كُلَّهُ عَوْرَةٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ فِي

شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ فِي السَّفَرِ قَالَ: فَرْعُ مَنْعِ الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ تَجْرِيدِ الْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَجُعِلَ لِلنِّسَاءِ تَجْرِيدُ الْمَرْأَةِ لِلْغُسْلِ فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَهُوَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ فَقَطْ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَنَصَّهُ فِي فَصْلِ لِبَاسِ الصَّلَاةِ، وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَحُكْمِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَحُكْمُهُمَا أَنَّ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ لَا يَكْشِفُهُ أَحَدُهُمَا لِلْآخِرِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبَدَنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: إذَا لَبِسَتْ السَّرَاوِيلَ تَحْتَ السُّرَّةِ فَتَكُونُ قَدْ ارْتَكَبَتْ النَّهْيَ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى حَدِّ السَّرَاوِيلِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ تَحْرِيمُ النَّظَرِ إلَى الْفَخْذِ، وَأَمَّا تَمْكِينُ مَنْ يُدَلِّكُ فَذَلِكَ حَرَامٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَدْخَلِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ عَدَّ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ دُخُولِهِ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنُ دَلَّاكًا يُدَلِّكُ لَهُ فَخْذَيْهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ: إنَّهُ أَشَدُّ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيّ فِي هَذَا الْمَحِلِّ بَلْ صَرِيحُهُ، وَأَمَّا الضَّرْبُ عَلَى الْفَخِذِ فَاخْتَارَ ابْنُ الْقَطَّانِ جَوَازَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: قَالَ مَالِكٌ: السُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكْشِفَ فَخْذَهُ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسِ لِابْنِ شِهَابٍ فَتَأَمَّلْهُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَبْلَ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ: سُئِلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَنْ السَّوْأَتَيْنِ فَقَالَ: هُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ وَمِنْ الدُّبُرِ مَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَأَمَةٌ يُرِيدُ مَعَ الْمَرْأَةِ وَمَعَ الرَّجُلِ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَعَوْرَةُ الْأَمَةِ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى مَا تَحْتَ ثِيَابِهَا لِغَيْرِ سَيِّدِهَا وَتَأَمُّلُ ثَدْيِهَا وَصَدْرِهَا وَمَا يَدْعُو إلَى الْفِتْنَةِ مِنْهَا وَيُسْتَحَبُّ لَهَا كَشْفُ رَأْسِهَا وَيُكْرَهُ لَهَا كَشْفُ جَسَدِهَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَإِنْ بِشَائِبَةٍ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ أَحْكَامِ النَّظَرِ لِلْقَبَّابِ مَسْأَلَةُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا حُكْمُهَا كَحُكْمِ الْحُرَّةِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ انْتَهَى مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ ص (وَمَعَ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ش قَالَ الْأَبِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَقِيلَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ خُشِيَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْفِتْنَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ هَذَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا

وَأَمَّا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ لِلَّذَّةِ، وَأَمَّا لِغَيْرِ اللَّذَّةِ فَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ عِنْد قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرَاهَا إلَخْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ فِي أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّظَرَ لِوَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِغَيْرِ لَذَّةٍ جَائِزٌ بِغَيْرِ سَتْرٍ، قَالَ: وَالنَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لِغَيْرِ لَذَّةٍ جَائِزٌ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يُنْظَرُ إلَيْهِ وَكَلَامُهُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ النَّظَرُ لِوَجْهِ الْمُتَجَالَّةِ دُونَ الشَّابَّةِ إلَّا لِعُذْرٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (كَكَشْفِ أَمَةٍ فَخْذًا لَا رِجْلًا) ش: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: أَصْلُ الْعَوْرَةِ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّهَا تَسْتُرُ فِي الصَّلَاةِ مَا يَسْتُرُ الرَّجُلُ وَلَوْ صَلَّتْ هِيَ وَالرَّجُلُ مَكْشُوفَيْ الْبَطْنِ أَضَرَّهُمَا وَلَوْ صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الْفَخْذِ لَأَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ عِنْدَ أَصْبَغَ بِخِلَافِ الرَّجُلِ إذَا صَلَّى مَكْشُوفَ الْفَخْذِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ سَحْنُونٌ فِي كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَنْ نَظَرَ إلَى إمَامِهِ مُنْكَشِفًا أَعَادَ الصَّلَاةَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ النَّظَرَ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَكِبٌ لِلْمَحْظُورِ فِي صَلَاتِهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَنْظُرْ إذْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا حَرَجَ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِي صَلَاتِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِصْيَانِ، خِلَافُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ انْتَهَى مِنْ سَمَاعِ مُوسَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَعَمَّدَ نَظَرَ عَوْرَتِهِ مِنْ مَأْمُومِيهِ قَوْلَا سَحْنُونٍ وَالتُّونُسِيُّ وَخَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِمَا بُطْلَانَهَا بِغَصْبٍ فِيهَا وَنَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ قَوْلَ سَحْنُونٍ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَيْشُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مَسْأَلَةُ مَنْ سَقَطَ ثَوْبُهُ فَرَدَّهُ فِي الْحَالِ فِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَبْلَهُ مَسْأَلَةُ مَنْ حَسَّ فِي ذَكَرِهِ نَدَاوَةً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَرَفَعَهُ وَنَظَرَهُ فَلَمْ يَرَ بِهِ شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ رَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ انْتَهَى. ص (وَمَعَ مَحْرَمٍ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ) ش: قَالَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ: وَعَوْرَتُهَا عَلَى ذِي الْمَحْرَمِ مَا سِوَى الذِّرَاعَيْنِ وَسِوَى مَا فَوْقَ الْمَنْحَرِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَعَوْرَتُهَا أَيْ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَأَطْرَافَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكُوعَيْنِ وَالشَّعْرَ مِنْ الرَّأْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى شَعْرِ أُمِّ زَوْجَتِهِ وَلَا يَنْبَغِي إنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَنْ تُعَانِقَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْمُوَطَّإِ فِي فَصْلِ السُّنَّةِ مِنْ الشَّعْرِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ يَنْظُرُ إلَى شَعْرِ امْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ شَعْرِ أُمِّ امْرَأَتِهِ بَأْسٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ إلَخْ، يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ مِنْ نَظَرِهِ إلَى ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ: وَأَظُنُّهُ عَنْ النَّوَوِيِّ وَكُلُّ مَا أُبِيحَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّمَا هُوَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَأَمَّا مَعَ الشَّهْوَةِ فَمُمْتَنِعٌ حَتَّى نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى ابْنَتِهِ وَأُمِّهِ وَكُلِّ مَا مُنِعَ النَّظَرُ إلَيْهِ أَيْضًا مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّمَا هُوَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ جَازَ وَانْتَهَى. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْكَافِي: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ أُمِّ امْرَأَتِهِ وَشَعْرِهَا وَكَفَّيْهَا وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ أَبِيهِ وَزَوْجَةُ ابْنِهِ وَلَا يَنْظُرُ مِنْهُنَّ إلَى مِعْصَمٍ وَلَا سَاقٍ وَلَا جَسَدٍ وَلَا يَجُوزُ تَرْدَادُ النَّظَرِ وَإِدَامَتُهُ إلَى امْرَأَةٍ شَابَّةٍ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ أَوْ غَيْرِهِنَّ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالضَّرُورَةِ فِي الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا وَالسَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: وَجَائِزٌ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْهَا كُلُّ مَنْ نَظَرَ إلَيْهَا بِغَيْرِ رِيبَةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَأَمَّا النَّظَرُ لِلشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ تَأَمُّلُهَا مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهَا بِالشَّهْوَةِ فَكَيْفَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا مُسْفِرَةً انْتَهَى ص (وَتَرَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَا يَرَاهُ مِنْ مَحْرَمِهِ) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ

أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَمَّامِ: اُخْتُلِفَ فِي بَدَنِ الرَّجُلِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ انْتَهَى. ص (وَلَا تُطْلَبُ أَمَةٌ بِتَغْطِيَةِ رَأْسٍ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْأَمَةِ وَمَنْ لَمْ تَلِدْ مِنْ السَّرَارِي وَالْمُكَاتِبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا الصَّلَاةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ وَلَا يُصَلِّينَ إلَّا بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْجَسَدِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِالْقِنَاعِ؛ لِأَنَّ اللَّام لِلتَّخْيِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَضْرِبُ مَنْ تُغَطِّي رَأْسَهَا مِنْ الْإِمَاءِ لِئَلَّا يُشْتَبَهْنَ بِالْحَرَائِرِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ نَصَّهَا: وَالْأَمَةُ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ وَذَلِكَ شَأْنُهَا وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فَمَا اخْتَصَرَهُ الْبَرَاذِعِيُّ خِلَافُ مَا فِيهَا وَأَجَابَ الْمَغْرِبِيُّ بِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ حُكْمَهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ خِلَافُ قَوْلِ الْجَلَّابِ، وَالْمُكَاتَبَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْجَلَّابِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَذَلِكَ وَفِي الْجَلَّابِ: أَنَّ الْمُعْتَقَةَ لِأَجَلٍ كَالْأَمَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَنْبَغِي أَنْ تَلْحَقَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّينَ إلَّا بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْجَسَدِ هُوَ الْمَطْلُوبُ انْتَهَى، وَقَالَ سَنَدٌ: اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ شَأْنُهَا هَلْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ فَفِي التَّفْرِيعِ: يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ رَأْسَهَا، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالرَّجُلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا لِلرَّجُلِ وَإِنَّمَا هُوَ جَائِزٌ فَفِي الْأَمَةِ أَوْلَى انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَتَكْرَهُ أَنْ تَخْرُجَ الْجَارِيَةُ الْمَمْلُوكَةُ مُتَجَرِّدَةً؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَضْرِبُهَا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ مُتَجَرِّدَةً مَكْشُوفَةَ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ، وَأَمَّا خُرُوجُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَهُوَ سُنَّتُهَا لِئَلَّا تُشْتَبَهَ بِالْحَرَائِرِ اللَّوَاتِي أَمَرَهُنَّ اللَّهُ بِالْحِجَابِ، قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَمَا رَأَيْت بِالْمَدِينَةِ أَمَةً تَخْرُجُ وَإِنْ كَانَتْ رَائِعَةً إلَّا وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ فِي ضَفَائِرِهَا أَوْ فِي شَعْرِ مُحَمَّمٍ لَا تُلْقِي عَلَى رَأْسِهَا جِلْبَابًا لِتُعْرَفَ الْأَمَةُ مِنْ الْحُرَّةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي الْيَوْمَ لِعُمُومِ الْفَسَادِ فِي أَكْثَرِ النَّاسِ فَلَوْ خَرَجَتْ الْيَوْمَ جَارِيَةٌ رَائِعَةً مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْأَزِقَّةِ لَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُلْزِمَ الْإِمَاءَ مِنْ الْهَيْئَةِ فِي لِبَاسِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ بِهِ مِنْ الْحَرَائِرِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا خَشِيَ مِنْ الْأَمَةِ الْفِتْنَةَ وَجَبَ السَّتْرُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ انْتَهَى ص (وَأَعَادَتْ إنْ رَاهَقَتْ لِلِاصْفِرَارِ) ش: ابْنُ نَاجِي قَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَا الصَّبِيُّ يُصَلِّي عُرْيَانًا وَإِنْ صَلَّيَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ

أَعَادَا أَبَدًا، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدَانِ فِيمَا قَرُبَ وَلَا يُعِيدَانِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ أَشْهَبَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ قَلَبَ النَّفَلَ فَرْضًا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ: يُعِيدُ أَبَدًا، فَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: قَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ تَمْرِينًا انْتَهَى. ص (كَكَفْتِ كُمٍّ وَشَعْرٍ لِصَلَاةٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ كَفْتُ الْكُمِّ وَالشَّعْرِ وَشَدِّ الْوَسَطِ لَهَا: الْمَشْهُورُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِشُغْلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كُرِهَ، وَفِي الْإِكْمَالِ كَرَاهِيَتُهُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، قَالَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ السَّلَفِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ: وَأَمَّا صِفَةُ الْكَمَالِ فَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْإِنْسَانُ أُهْبَتَهُ الْمُعْتَادَةَ مِنْ كَمَالِ الزِّيِّ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْأَئِمَّةِ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ رِدَاءٍ، وَالرِّدَاءُ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ زِيَّهُمْ الْمُعْتَادَ أَوْ الْحَالَةَ الَّتِي أَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَالْأَكْمَلُ إرْسَالُ الشَّعْرِ وَالثِّيَابِ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِثَوْبٍ مَا نَصُّهُ: يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَحْمُ كَتِفِهِ بَارِزٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَا يَسْتُرُهُ بِهِ مِنْ اللِّبَاسِ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ رِدَاءً وَنَحْوَهُ عَلَى قَمِيصٍ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ مَا فِي مَعْنَى الْقَمِيصِ مِمَّا هُوَ سَاتِرٌ لِكَتِفَيْهِ نَعَمْ ذَلِكَ أَوْلَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ وَتَرْكِ الْأَوْلَى وَاضِحٌ بَيِّنٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ ثُمَّ نَقَلَ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِي مِئْزَرٍ أَوْ سَرَاوِيلَ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ كَانَ يَحْمِلُ الْكَرَاهَةَ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَزِدْ شَيْئًا آخَرَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ سَاتِرٌ لَهُمَا وَهُوَ وَهْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ وَتَرْكِ الْأَوْلَى انْتَهَى. (فَرْعٌ) يُكْرَهُ شَدُّ الْوَسَطِ لِلصَّلَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ. ص (وَتَلَثُّمٌ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَيُمْنَعُ التَّلَثُّمُ فِي

الصَّلَاةِ: أَمَّا التَّلَثُّمُ فَيُمْنَعُ إذَا كَانَ لِكِبْرٍ وَنَحْوِهِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَأْنَهُ كَأَهْلِ الْمُتُونَةِ أَوْ كَانَ فِي شُغْلٍ عَمِلَهُ مِنْ أَجَلِهِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ وَتَنَقُّبُ الْمَرْأَةِ لِلصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ غُلُوٌّ فِي الدِّينِ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي السَّتْرِ انْتَهَى. ص (كَكَشْفِ مُشْتَرٍ صَدْرًا أَوْ سَاقًا) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمُشْتَرِي الْأَمَةِ كَشْفُ صَدْرِهَا أَوْ سَاقَهَا لِلتَّقْلِيبِ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكْشِفَ مِنْ الْأَمَةِ عِنْدَ اسْتِعْرَاضِهِ إيَّاهَا شَيْئًا لَا مِعْصَمًا وَلَا صَدْرًا وَلَا سَاقًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُسْدِلٌ عِوَضُ مُشْتَرٍ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ سَادِلٌ مِنْ سَدَلَ ثُلَاثِيًّا انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ ابْنُ الْحَاجِبِ نَظَرُهُ لِلْأَمَةِ لِيَبْتَاعَهَا مُبَاحٌ قُلْتُ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْخِيَارِ وَقَدْ تَجَرَّدَ لِلتَّقْلِيبِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ ظَاهِرُ هَذَا يُوهِمُ جَوَازَ تَجْرِيدِ الرَّقِيقِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِيُنْظَرَ إلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَظَاهِرُ مَا حَكَى هَذَا الشَّيْخُ أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا مُبَاحٌ عَلَى حَدِّ مَا يَجُوزُ فِي الْحَرَائِرِ فِي الْخِطْبَةِ وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّهُ يَحْبِسُ صَدْرَهَا وَثَدْيَهَا وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ النَّظَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ وَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا سِيَّمَا مِنْ بَعْضِ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ - تَعَالَى - انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الصَّدْرِ وَالثَّدْي لَا يَجُوزُ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَمَّاءَ بِسِتْرٍ) ش: مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مَحْلُولَ الْأَزْرَارِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَلَا مِئْزَرٌ وَهُوَ أَسْتَرُ مِنْ الَّذِي يُصَلِّي مُتَوَشِّحًا بِثَوْبٍ، وَمَنْ صَلَّى بِسَرَاوِيلَ أَوْ مِئْزَرٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الثِّيَابِ لَمْ يَعُدْ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي (الْأَزْرَارُ) جَمْعُ زِرٍّ وَهِيَ الْأَقْفَالُ الَّتِي يُقْفَلُ بِهَا الثَّوْبُ مِنْ نَاحِيَةِ الصَّدْرِ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ، هَذَا إذَا كَانَ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ لِئَلَّا تُرَى عَوْرَتُهُ (وَالتَّوَشُّحُ) قَالَ الْبَوْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ وَيُخَالِفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَيَعْقِدَهُ فِي عُنُقِهِ ابْنُ يُونُسَ (وَالسَّدْلُ) أَنْ يُسْدِلَ طَرْفَ إزَارِهِ وَيَكْشِفَ صَدْرَهُ وَفِي وَسَطِهِ مِئْزَرٌ أَوْ سَرَاوِيلُ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: (الْأَزْرَارُ) جَمْعُ زِرٍّ وَهِيَ الْأَقْفَالُ الَّتِي يُقْفِلُ بِهَا الثَّوْبُ الَّذِي يَكُونُ مَشْقُوقًا مِنْ تَحْتِ حَلْقِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ لِحْيَتُهُ كَثِيفَةً لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى عَوْرَتِهِ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُلْتَحِيًا أَوْ غَيْرَهُ انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي أَنَّ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ تَقْيِيدٌ لِلْكِتَابِ وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَفِي رَسْمٍ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُرْنُسِ قَالَ: هِيَ مِنْ لِبَاسِ الْمُصَلِّينَ وَكَانَتْ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ الْقَدِيمِ وَمَا أَرَى بِهَا بَأْسًا وَأَسْتَحْسِنُ لِبَاسَهَا، وَقَالَ: هِيَ مِنْ لِبَاسِ الْمُسَافِرِينَ لِلْبَرْدِ وَالْمَطَرِ، قَالَ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إلَّا وَلَهُمْ ثَوْبَانِ بُرْنُسٌ يَغْدُو بِهِ وَخَمِيصَةٌ يَرُوحُ بِهَا، وَلَقَدْ رَأَيْت النَّاسَ يَلْبَسُونَ الْبَرَانِسَ فَقِيلَ لَهُ: مَا كَانَ أَلْوَانُهَا، قَالَ: صُفْرٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: (الْبَرَانِسُ) : ثِيَابٌ مِتَانٌ فِي شَكْلِ الْقَفَايِزِ عِنْدنَا مَفْتُوحَةٌ مِنْ أَمَامٍ، تُلْبَسُ عَلَى الثِّيَابِ فِي الْبَرْدِ وَالْمَطَرِ مَكَانَ الرِّدَاءِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَحْدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهَا قَمِيصٌ أَوْ إزَارٌ أَوْ سَرَاوِيلُ؛ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ تَبْدُو مِنْ أَمَامِهِ وَهَذَا فِي الْبَرَانِسِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَمَّا الْبَرَانِسُ الْعَجَمِيَّةُ فَلَا خَيْرَ فِي لِبَاسِهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهَا مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَشَكْلِهِمْ، وَأَمَّا الْخَمَائِصُ فَهِيَ أَكْسِيَةٌ مِنْ صُوفٍ رِقَاقٌ مُعَلَّمَةٌ وَغَيْرُ مُعَلَّمَةٍ يُلْتَحَفُ فِيهَا كَانَتْ مِنْ لِبَاسِ الْإِشْرَافِ فِي

مسألة ستور الحرير المعلقة في البيوت

أَرْضِ الْعَرَبِ، فَقَوْلُهُ بُرْنُسٌ يَغْدُو بِهِ مُجْمَلٌ يُرِيدُ يَلْبَسُهُ عَلَى مَا تَحْتَهُ مِنْ الثِّيَابِ وَخَمِيصَةٌ يَرُوحُ فِيهَا يَعْنِي يَلْتَحِفُهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا السَّمَاعَ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ بِاخْتِصَارٍ أَجْحَفَ فِيهِ إلَى الْغَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَسْأَلَةِ ابْنِ حَبِيبٍ: يُحَرَّمُ لُبْسُ الْبَرَانِسِ الَّتِي مِنْ زِيِّ النَّصَارَى وَيُؤَدَّبُ لَابِسُهُ وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ وَالْفِدْيَةُ إنْ لَبِسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ذَكَرَهُ فِي تَسْهِيلِ الْمُهِمَّاتِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ وَيُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ لِبَاسُ الْمَخِيطِ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي آخِرِ شَرْحِ حَدِيثِ أُسَامَةَ: (الْبُرْنُسُ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالنُّونِ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ مِنْ دُرَّاعَةٍ كَانَ أَوْ جُبَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا انْتَهَى ص (وَعَصَى وَصَحَّتْ إنْ لَبِسَ حَرِيرًا أَوْ ذَهَبًا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) لِبَاسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ الْمُصْمَتِ الْخَالِصِ مُحَرَّمٌ عَلَى الرِّجَالِ انْتَهَى مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلُبْسُ الرَّجُلِ الْحَرِيرَ الْخَالِصَ حَرَامٌ انْتَهَى وَأَمَّا الْخَزُّ فَقَالَ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: قَالَ مَالِكٌ رَأَيْت رَبِيعَةَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَتَهُ وَبِطَانَتُهَا وَظِهَارَتُهَا خَزٌّ وَهُوَ إمَامٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ الْخَزُّ مَا كَانَ سَدَّاهُ مِنْ حَرِيرٍ، وَاللَّحْمُ بِالْوَبَرِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَفِيمَا كَانَ مِنْ مَعْنَاهُ مِنْ الثِّيَابِ الْمَحْشُوَّةِ بِالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ كَالْمُحَرَّرَاتِ الَّتِي سَدَّاهَا مِنْ حَرِيرٍ وَلَحْمَتُهَا قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ لِبَاسَهَا جَائِزٌ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ مَنْ لَبِسَهَا لَمْ يَأْثَمْ وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يُؤْجَرْ عَلَى تَرْكِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ. (الثَّانِي) أَنَّ لِبَاسَهَا غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَرَامٌ فَمَنْ لَبِسَهَا أَثِمَ وَمَنْ تَرَكَهَا نَجَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ. (الثَّالِثُ) أَنَّ لِبَاسَهُ مَكْرُوهٌ فَمَنْ لَبِسَهُ لَمْ يَأْثَمْ وَمَنْ تَرَكَهُ أُجِرَ وَهَذَا هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ مِمَّا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ لِتُكَافِئَ الْأَدِلَّةُ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ الَّتِي قَالَ فِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اتَّقَاهَا فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَأْتِي مَا حَكَى مُطَرِّفٌ مِنْ أَنَّهُ رَأَى عَلَى مَالِكٍ إبْرَيْسَمَ كَسَاهُ إيَّاهُ هَارُونَ الرَّشِيدِ إذْ لَمْ يَكُنْ يَلْبَسُ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِلِبْسِهِ. (الرَّابِعُ) الْفَرْقُ بَيْنَ ثِيَابِ الْخَزِّ وَسَائِرِ الثِّيَابِ فَيَجُوزُ لِبَاسُ الْخَزِّ وَلَا يَجُوزُ لِبَاسُ مَا سِوَاهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ [مَسْأَلَةٌ سُتُورِ الْحَرِيرِ الْمُعَلَّقَةِ فِي الْبُيُوتِ] (مَسْأَلَةٌ) سَتْرُ الْحِيطَانِ بِهِ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ فِي الْبَسْطِ بِخِلَافِ سُتُورِ الْحَرِيرِ الْمُعَلَّقَةِ فِي الْبُيُوتِ: لَا بَأْسَ بِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ لِبَاسٌ لِمَا سَتَرَتْهُ مِنْ الْحِيطَانِ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَيَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ النَّوَادِرِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِلْمَحْمَلِ أَنَّ مَسَانِدَ الْحَرِيرِ وَالْبَشْخَانَاتِ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَى السَّرِيرِ لَا تَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ انْتَهَى وَهُوَ غَرِيبٌ أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِنَّ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ اللِّبَاسِ وَأَمَّا الرِّجَالُ فَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِنَادَهُمْ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا الْبَشْخَانَاتُ الْمُعَلَّقَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي السُّتُورِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَمُنِعَ دُخُولُ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ سَقْفَهَا مَكْسُوٌّ بِالْحَرِيرِ وَكَسْوُهَا بِالْحَرِيرِ جَائِزٌ بَلْ مَنْدُوبٌ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ هُنَا وَفِي فَصْلِ الْوَلِيمَةِ وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي

مسألة القطيفة من الحرير والشملة من الحرير والوسادة من الحرير

الْكِتَابَةِ فِي الْحَرِيرِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي إجَازَةِ لِبَاسِ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ، فَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاهَاتِ وَالْإِرْهَابِ وَلِمَا بَقِيَ عِنْدَ الْقِتَالِ مِنْ النَّبْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ السِّلَاحِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَحَكَاهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي رَسْمٍ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ: وَأَمَّا اتِّخَاذُ الرَّايَةِ مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: وَأَجَازَ مِنْهُ الرَّايَةَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَتَعْلِيقَهُ سِتْرًا وَالْكُلُّ خَيْطُ الْعَلَمِ وَالْخِيَاطَةَ بِهِ وَجَوَّزَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَازِرِيَّ الطَّوْقَ وَاللَّبِنَةَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ جَيْبٌ وَلَا زِرٌّ انْتَهَى يُوهِم أَنَّ غَيْرَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ لُبْسَهُ لِحَكَّةٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لِلْجِهَادِ وَرَوَاهُ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُمَا انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ فِي الْجَلَّابِ عَلَى إجَازَةِ لُبْسِهِ لِلْحَكَّةِ وَالْجِهَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ الْقَطِيفَةُ مِنْ الْحَرِيرِ والشَّمْلَةِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالْوِسَادَةُ مِنْ الْحَرِيرِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ: وَسَأَلْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْقَطِيفَةُ مِنْ الْحَرِيرِ أَوْ الشَّمْلَةِ مِنْ الْحَرِيرِ فَيَلْتَحِفُهَا أَوْ تَكُونُ لَهُ الْوِسَادَةُ مِنْ الْحَرِيرِ يَتَّكِئُ عَلَيْهَا أَوْ يَجْلِسُ فَهَلْ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَرِيرِ وَالِالْتِحَافُ بِهِ مُحَرَّمٌ كَتَحْرِيمِ لِبَاسِهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا بَسْطُهُ فَلَا بَأْسَ قَدْ فَعَلَهُ النَّاسُ وَأَمَّا مَا يُلْبَسُ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْمِلْحَفَةُ مِنْ اللِّبَاسِ ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي اسْتِعْمَالِ الرِّجَالِ لَهُ فِي غَيْرِ اللِّبَاسِ كَالْبَسْطِ وَالِارْتِفَاقِ بِهِ وَشَبَهِهِ فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ إجَازَةُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ افْتِرَاشَهُ وَالِاتِّكَاءَ عَلَيْهِ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فَقَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ يُجَوِّزُ لِلزَّوْجِ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى وَابْنُ الْعَرَبِيِّ حُجَّةٌ حَافِظٌ وَقَالَ بِجَوَازِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ وَنَاهِيكَ بِهِمَا فِي الْوَرَعِ وَالتَّشْدِيدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا يَدْخُلُ الْفِرَاشَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِهَا وَلَا يُقِيمُ فِيهِ بَعْدَ قِيَامِهَا وَإِذَا قَامَتْ لِضَرُورَةِ ثُمَّ تَرْجِعُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى مَوْضِعٍ يُبَاحُ لَهُ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى فِرَاشِهَا وَإِنْ قَامَتْ وَهُوَ نَائِمٌ فَتُوقِظُهُ أَوْ تُزِيلُهُ عَنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ فَصْلِ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِلْمَحْمَلِ. وَنَقَلَ الْجُزُولِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ فَانْظُرْهُ، وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ نَاجِي حَيْثُ جَزَمَ بِمَنْعِ ذَلِكَ فَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُتْعَةُ بِهِ بِحُكْمِ التَّبَعِ لِزَوْجَتِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى. مَعَ أَنَّ شَيْخَهُ ابْنَ عَرَفَةَ لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ [مَسْأَلَةٌ مَا رُقِّمَ بِالْحَرِيرِ] (مَسْأَلَةٌ) مَا رُقِّمَ بِالْحَرِيرِ لَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ النَّوَادِرِ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ: وَلَا يُجْعَلُ مِنْ الْحَرِيرِ لَا جَيْبٌ فِي فَرْوٍ وَلَا زِرٌّ وَلَا يُفْرَشُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى بُسُطِهِ وَلَا يَتَّكِئ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَحَفُ بِمِلْحَفَةٍ أَوْ مَا بُطِّنَ بِحَرِيرٍ أَوْ بِمَسَانِدِ الصُّوفِ الْمَرْقُومَةِ بِالْحَرِيرِ وَلَا بِدِيبَاجٍ وَهُوَ كَاللِّبَاسِ بِخِلَافِ السِّتْرِ مِنْ الْحَرِيرِ وَلَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلَّقَ سِتْرًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ ثِيَابِ الْحَرِيرِ مَا عَدَا مَا وَصَفْت لَكَ وَفَرْقٌ بَيْنَ السِّتْرِ وَمَا يُلْبَسُ وَمَا يُنْتَقَبُ بِهِ وَيُتَّكَئُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَرِيرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُخَاطَ الثَّوْبُ بِحَرِيرٍ انْتَهَى وَفِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ فِي اللِّبَاسِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ مَا بُطِّنَ بِالْحَرِيرِ أَوْ حُشِيَ بِهِ أَوْ رُقِّمَ بِهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: يُرِيدُ إذَا كَانَ كَثِيرًا انْتَهَى [فَرْعٌ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَرِهَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ كَمَا كَرَّهَهُ لِلرِّجَالِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْخَزُّ لِلصِّبْيَانِ خَفِيفًا انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ هَذَا النَّقْلُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرَ مُجَلَّى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ

فرع خير الألوان من اللباس

فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِلْمَحْمَلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ وَلَا الْتِحَافُهُ بِهِ إلَّا تَبَعًا لِلزَّوْجَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الذُّكُورُ فَفِيهِمْ خِلَافٌ وَالْمَنْعُ أَوْلَى وَيُسْتَخَفُّ ذَلِكَ فِي الرَّضِيعِ لِلْمَشَقَّةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى أُمِّهِ انْتَهَى [فَرْعٌ خير الْأَلْوَانُ مِنْ اللِّبَاسِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ: وَأَمَّا الْأَلْوَانُ مِنْ اللِّبَاسِ فَخَيْرُهُ الْبَيَاضُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَا لَمْ يَكُنْ خَلِقًا فَيُكْرَهُ لِحَدِيثِ الْإِنْكَارِ عَلَى الرَّاعِي فِي لُبْسِ ثَوْبَيْنِ خَلِقَيْنِ حَتَّى لُبْسُهُمَا جَدِيدَيْنِ وَأَمَّا الْأَحْمَرُ وَمِنْهُ الْمُعَصْفَرُ وَالْمُزَعْفَرُ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَكَرِهَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ الْمُزَعْفَرَ لِلرِّجَالِ ثُمَّ قَالَ عَنْ الْبَاجِيّ: وَالْمُمَشَّقُ بِالْمُغْرَا مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى جَوَازِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ نَظَرَهُ وَانْظُرْ رَسْمَ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ وَرَسْمَ نَذَرَ سُنَّةً مِنْهُ وَانْظُرْ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مَنْ الْمُعَلَّمُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ جَوَازُ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ التَّجَمُّل بِأَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْكَافِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَمَّلَ بِأَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَفْضَلُ ذَلِكَ وَأَحْسَنُهُ زِينَةً كَالرِّدَاءِ وَشَبَهِهِ انْتَهَى. ص (أَوْ ذَهَبَا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ: وَاخْتُلِفَ فِي التَّوَضُّؤِ مِنْ آنِيَة الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَعِنْدنَا أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ تَحْرِيمِ فِعْلِهِ وَقَالَ دَاوُد: إنَّهُ لَا يَصِحُّ انْتَهَى ص (أَوْ نَظَرَ مُحَرَّمًا فِيهَا) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ظَاهِرُهُ حَتَّى عَوْرَةُ إمَامِهِ وَعَوْرَةُ نَفْسِهِ خِلَافًا لِابْنِ عَيْشُونٍ الطُّلَيْطِلِيِّ إذْ نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَنْ نَظَرَ عَوْرَةَ إمَامِهِ أَوْ عَوْرَةَ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ أَوْ يَتَلَذَّذْ بِهِ انْتَهَى. فَقِفْ عَلَى جَعْلِهِ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ مُحَرَّمًا وَقَادِحًا إلَّا أَنَّ هَذَا فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَغَايَةُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ أَنَّ مِنْ آدَابِ الْإِحْدَاثِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى عَوْرَتِهِ وَلَا إلَى الْخَارِجِ مِنْهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ. وَقَوْلُهُ: جَعْلُهُ أَيْ جَعْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ الطُّلَيْطِلِيِّ وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مَنْ حَسَّ فِي ذَكَرِهِ نَدَاوَةً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَرَفَعَهُ وَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ رَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ: مَنْ نَظَرَ إلَى عَوْرَةِ إمَامِهِ مُنْكَشِفًا أَعَادَ الصَّلَاةَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ إذَا تَعَمَّدَ النَّظَرَ لِأَنَّهُ مُرْتَكِبٌ لِلْمَحْظُورِ فِي صَلَاتِهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَنْظُرْ إذْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا حَرَجَ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِي صَلَاتِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِصْيَانِ خِلَافُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، قَالَ أَرَأَيْت لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ انْتَهَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَعَمَّدَ نَظَرَ عَوْرَةٍ مِنْ مَأْمُومِهِ قَوْلَا سَحْنُونٍ وَالتُّونُسِيِّ وَخَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِمَا بُطْلَانَهَا بِغَصْبٍ فِيهَا وَنَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ قَوْلَ سَحْنُونٍ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَيْشُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْفِطْرَةِ وَالْخِتَانِ مَا نَصُّهُ: حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ فِي نَظَرِ الْإِنْسَانِ عَوْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلَيْنِ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ، قَالَ

مسألة نظر الإنسان إلى فرج نفسه من غير حاجة

التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُلِيَ بِالزِّنَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ زَرُّوق. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي أَحْكَامِ النَّظَرِ لِابْنِ الْقَطَّانِ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِالْكَرَاهَةِ وَرَدِّهِ وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهُ الْقَبَّاب وَهَذَا نَصُّ مَا اخْتَصَرَهُ الْقَبَّابُ [مَسْأَلَةٌ نَظَرُ الْإِنْسَانِ إلَى فَرْجِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ] (مَسْأَلَةٌ) هَلْ يَجُوزُ نَظَرُ الْإِنْسَانِ إلَى فَرْجِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ كَرَّهَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ انْتَهَى، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهَا حَازَتْ فِقْهَ الْأَصْلِ جَمِيعَهُ وَحَذَفَتْ أَدِلَّتَهُ وَأَبْحَاثَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سِتْرًا لِأَحَدِ فَرْجَيْهِ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: مَا صَحَّ عَنْ الْمَازِرِيِّ: يَجِبُ عَلَيْهِ سِتْرُ مَا قَدَرَ مِنْ عَوْرَتِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَكْفِيهِ إلَّا لِبَعْضِهَا انْتَهَى. ص (فَإِنْ عَلِمَتْ فِي صَلَاةٍ بِعِتْقٍ مَكْشُوفَةَ رَأْسٍ أَوْ وَجَدَ عُرْيَانٌ ثَوْبًا اسْتَتَرَا إنْ قَرُبَ وَإِلَّا أَعَادَا بِوَقْتٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الْأَمَةَ إذَا صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ثُمَّ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَسْتُرُ رَأْسَهَا إنْ وَجَدَتْ عِنْدَهَا شَيْئًا قَرِيبًا تَسْتُرُ بِهِ رَأْسَهَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا أَوْ وَجَدَتْ شَيْئًا بَعِيدًا فَإِنَّهَا تُكْمِلُ صَلَاتَهَا وَتُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يَسْتَتِرُ بِهِ ثُمَّ وَجَدَ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ أَخَذَهُ وَاسْتَتَرَ بِهِ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا فَإِنَّهُ يُكْمِلُ صَلَاتَهُ ثُمَّ يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ لَا عَاجِزَ صَلَّى عُرْيَانًا وَفِي رَسْمٍ يُوصَى لِمُكَاتِبِهِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْغَرِيقِ يُصَلِّي عُرْيَانًا ثُمَّ يَجِدُ ثَوْبًا وَهُوَ فِي الْوَقْتِ هَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّاهَا فِيهِ إذْ هُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ انْتَهَى. [فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ] (فَصْلُ وَمَعَ الْأَمْنِ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ) ش يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَعَ الْأَمْنِ يُرِيدُ وَالْقُدْرَةِ وَالذِّكْرِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ إلَخْ وَقَوْلُنَا: وَالْقُدْرَةِ لِيَخْرُجَ الْمَرِيضُ وَالْمَرْبُوطُ وَمَنْ تَحْتَ الْهَدْمِ وَقَوْلُنَا: وَالذِّكْرِ لِيَخْرُجَ النَّاسِي وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَاسْتِقْبَالُهُ الْكَعْبَةَ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ إلَّا لِعَجْزٍ قَتَّالٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ رَبْطٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ خَوْفِ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: وَوَقْتُهُ كَالتَّيَمُّمِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَعَ الْقُدْرَةِ لَشَمَلَ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ حُوِّلَ إلَيْهَا فَإِنْ عُجِزَ عَنْ تَحْوِيلِهِ سَقَطَ حُكْمُ الِاسْتِقْبَالِ فِي حَقِّهِ كَالْمُسَايِفِ وَفِي الْكِتَابِ إذَا صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى وَهُوَ قَادِرٌ

عَلَى التَّحَوُّلِ وَالتَّحْوِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ أَبَدًا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لِفَقْدِ مَنْ يُحَوِّلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي إعَادَتِهِ كَمَا اُخْتُلِفَ فِي الْمَرِيضِ يُعْدَمُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ فَيَتَيَمَّمُ ثُمَّ يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ انْتَهَى. وَفِي الْوَاضِحَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَرِيضُ مَنْ يُحَوِّلُهُ لِلْقِبْلَةِ صَلَّى عَلَى حَالِهِ قَالَهُ فِي التَّيَمُّمِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي تَرْجَمَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَالْقَادِمِ وَمَنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيُصَلِّ الْمَرِيضُ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَلَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ عَسُرَ تَحْوِيلُهُ إلَيْهَا اُحْتِيلَ فِيهِ فَإِنْ صَلَّى إلَى غَيْرِهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ إلَيْهَا ابْنُ يُونُسَ وَوَقْتُهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ الْغُرُوبُ كَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ: هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ التَّحْوِيلَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ فَيُصَلِّي كَمَا هُوَ فَإِذَا قَدَرَ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُحَوِّلُهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ وَاجِدًا مَنْ يُحَوِّلُهُ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَعَادَ أَبَدًا كَالنَّاسِي انْتَهَى. وَقَوْله اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ يُرِيدُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَوْ خَرَجَ عُضْوٌ مِنْهُ عَنْ الْكَعْبَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُعَلَّى فِي مَنَاسِكِهِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَبَيَانِ الْمَنَاسِكِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْقَرَافِيِّ وَنَصَّهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ قَرُبَ مِنْ الْكَعْبَةِ فَفَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِذَا صُفَّ صَفٌّ مَعَ حَائِطِ الْكَعْبَةِ فَصَلَاةُ الْخَارِجِ عَنْهَا بِبَدَنِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ بِجُمْلَتِهِ الْكَعْبَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ اسْتَدَارَ قَالَ: وَكَذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ دَائِرَةً وَقَوْسًا إنْ قَصَرُوا عَنْ الدَّائِرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: الْفَرْضُ فِي الِاسْتِقْبَالِ لِمَنْ عَايَنَ الْبَيْتَ عَيْنَهُ وَلِمَنْ غَابَ عَنْهُ نَحْوَهُ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: يَلْزَمُ طَلَبُ الْعَيْنِ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَحَدٍ وَمَا لَا يُمْكِنُ لَا يَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ وَإِنَّمَا الْمُمْكِنُ طَلَبُ الْجِهَةِ فَكُلُّ أَحَدٍ يَقْصِدُ قَصْدَهَا وَيَنْحُو نَحْوَهَا بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَلَّدَ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْعَامِّيُّ: يُصَلِّي فِي كُلِّ مَسْجِدٍ أَوْ جَنْبٍ كُلُّ أَحَدٍ وَالْمُجْتَهِدُ يَجْتَنِبُ الْمَسَاجِدَ الْمُخَالِفَةَ لِلْحَقِّ فَإِنْ دَعَتْهُ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَصَلَّى وَانْحَرَفَ إنْ أَمِنَ مِنْ الْمَقَالَةِ السَّيِّئَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ صَلَّى هُنَالِكَ وَأَعَادَ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى الصَّوَابِ انْتَهَى. . ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْثِ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ: قُلْنَا إذَا اجْتَهَدَ فِي مَكَّةَ فَأَخْطَأَ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِوُجُودِ النَّصِّ وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا لَوْ خَرَجَ عَنْ السَّمْتِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّفِّ وَكَذَا مَنْ بِمَكَّةَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَبْدَلَ فَإِنْ قَدَرَ بِمَشَقَّةٍ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ خَرَجَ عَنْ السَّمْتِ وَاضِحٌ لِكَوْنِهِ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ بِمَكَّةَ أَيْ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُسَامَتَةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَطْلُعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَعْرِفَ سَمْتَ الْكَعْبَةِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَدَلَّ كَمَا لَوْ كَانَ بِلَيْلٍ مُظْلِمٍ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْمَطَالِعِ وَالْمَغَارِبِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ قَدَرَ بِمَشَقَّةٍ أَيْ عَلَى الْمُسَامَتَةِ كَمَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى صُعُودِ السَّطْحِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ أَوْ مَرِيضٌ وَالتَّرَدُّدُ حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَدَلَّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِأَعْلَامِ الْبَيْتِ مِثْلِ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ يَسْتَدِلُّ بِالْمَطَالِعِ وَالْمَغَارِبِ إنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ. ص (فَإِنْ شُقَّ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الصَّوَابُ الْمَنْعُ. ص (وَبَطَلَتْ إنْ خَالَفَهَا وَلَوْ صَادَفَ) ش: يُشِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَنَصُّهُ: قَالَ إذَا أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ قَالَ: كَمَا لَوْ صَلَّى ظَانًّا أَنَّهُ مُحْدِثٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ انْتَهَى ص (وَصَوْبَ سَفَرٍ قَصَرَ

لِرَاكِبٍ دَابَّةً فَقَطْ) ش: قَوْلُهُ: قَصَرَ هُوَ شَرْطٌ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الدَّابَّةِ اسْتَقْبَلَ أَمْ لَا وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرَ قَصْرٍ فَلَا يَتَنَفَّلُ عَلَى الدَّابَّةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ فِي تَرْجَمَةِ الَّذِي يَقْدَحُ الْمَاءَ مِنْ عَيْنَيْهِ: وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى الْأَرْضِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَر فِي مِثْلِهِ عَلَى دَابَّتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ الْوِتْرَ وَرَكْعَتِي الْفَجْرِ وَالنَّافِلَةَ وَيَسْجُدَ إيمَاءً وَإِذَا قَرَأَ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْمَأَ فَأَمَّا فِي سَفَرٍ لَا يُقْصَر فِيهِ أَوْ فِي حَضَرٍ فَلَا وَإِنْ كَانَ إلَى الْقِبْلَةِ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَلَا يَتَنَفَّلُ الْمُسَافِرُ وَهُوَ مَاشٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا انْحَرَفَ إلَى جِهَةٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا سَهْوٍ فَإِنْ كَانَتْ الْقِبْلَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَمَّا إذَا ظَنَّ أَنَّ تِلْكَ طَرِيقُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ وَصَلَ مَنْزِلًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ وَأَتَمَّ بِالْأَرْضِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْإِيمَاءَ فِي النَّافِلَةِ لِلصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ عَلَى دَابَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلَ إقَامَةٍ خَفَّفَ قِرَاءَتَهُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ يَسِيرُ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ. ص (وَإِنْ بِمَحْمَلٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ تَنَفَّلَ فِي مَحْمَلِهِ فَقِيَامُهُ تَرَبُّعٌ وَيَرْكَعُ كَذَلِكَ وَيَدَاهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ رَفَعَهُمَا وَيُومِئُ بِالسُّجُودِ وَقَدْ ثَنَى رِجْلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِر أَوْمَأَ مُتَرَبِّعًا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُصَلِّي فِي مَحْمَلِهِ يَعْيَا فَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ أَرْجُو خِفَّتَهُ وَلَا يُصَلِّي مُحَوِّلًا وَجْهَهُ لِدُبُرِ الْبَعِيرِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ كَانَ تَحَوُّلُهُ تِلْقَاءَ الْكَعْبَةِ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ لَا بَأْسَ بِتَنْحِيَةِ وَجْهِهِ عَنْ الشَّمْسِ تَسْتَقْبِلُهُ وَرَوَى اللَّخْمِيُّ يَرْفَعُ عِمَامَتَهُ عَنْ جَبْهَتِهِ إذَا أَوْمَأَ وَيَقْصِدُ الْأَرْضَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَسْجُدْ عَلَى قَرَبُوسِهِ وَيَضْرِبْ دَابَّةَ رُكُوبِهِ وَغَيْرَهَا وَلَا يَتَكَلَّمْ. ص (فِي نَفْلٍ) ش: يَخْرُجُ بِهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّهَا لَا تُصَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْجَوَاهِرِ قَالَ فِي الطِّرَازِ الثَّانِي: الَّذِي يَسْتَقْبِلُ فِيهِ وَلَا يُصَلِّي فَرِيضَةً وَلَا صَلَاةَ جِنَازَةٍ عَلَى رَاحِلَتِهِ انْتَهَى وَذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ فِي أَوَّلِ بَابِ الِاسْتِقْبَالِ. ص (وَإِنْ وَتْرًا) ش وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَتْرَهُ بِالْأَرْضِ وَلَوْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَقَلَّدَ غَيْرَهُ عَارِفًا مُكَلَّفًا) ش: قَالَ

الشَّارِحُ الضَّمِيرُ الْمَخْفُوضُ بِغَيْرِ رَاجِعٌ إلَى الْمُجْتَهِدِ أَيْ وَقَلَّدَ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ الْأَعْمَى الْعَاجِزُ وَالْبَصِيرُ الْجَاهِلُ مُكَلَّفًا عَارِفًا انْتَهَى. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَأَمَّا الْبَصِيرُ الْجَاهِلُ بِالْأَدِلَّةِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ لَاهْتَدَى لَزِمَهُ السُّؤَالُ وَلَا يُقَلِّدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُهْتَدَى يَجْتَهِدُ فَفَرْضُهُ التَّقْلِيدُ ص (وَمُنْحَرِفٌ يَسِيرًا) ش: هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَّةَ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ انْحَرَفَ يَسِيرًا بِغَيْرِ مَكَّةَ بَنَى مُسْتَقْبِلًا انْتَهَى. وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهِ خِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ) ش:. (فَائِدَةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي إعْلَامِ السَّاجِدِ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَخَصَائِصِهِ السَّابِعِ قَالَ ابْنُ الْقَاضِي: مَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فَأَخْطَأَ إلَى الْحَرَمِ جَازَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ لِأَهْلِ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ لِأَهْلِ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا» هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْإِشْرَافِ عَنْ غَوَامِضِ الْحُكُومَاتِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَقَدْ نَقَلَهُ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ آدَابِ الْقَضَاءِ عَنْهُ عَنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ ابْنُ أَبِي أَحْمَدَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: مَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْبَيْتِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْهُ فَأَخْطَأَ إلَى الْحَرَامِ جَازَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثُ انْتَهَى. وَهَذَا شَيْءٌ لَا نَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا. نَعَمْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الْكَعْبَةُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ أَهْلِ الدُّنْيَا وَهَذَا النَّقْلُ عَنْهُ غَرِيبٌ قُلْتُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَجَازَتْ سُنَّةً فِيهَا وَفِي الْحِجْرِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَظَاهِرُهُ وَتْرًا أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا: لَا يُصَلَّى فِيهَا فَرْضٌ أَوْ وَتْرٌ أَوْ رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَوْ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَرَجَعَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَنْعِ رَكْعَتِي الْفَجْرِ فِيهِ إلَى جَوَازِهِمَا فِيهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ: وَيَلْتَحِقُ بِالْفَرِيضَةِ نَوَافِلُ فِي كَوْنِهَا لَا تُصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ الْمَكِّيُّ

فِي تَارِيخِهِ الْمُسَمَّى شِفَاءَ الْغَرَامِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ السُّنَنُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْوَتْرِ وَرَكْعَتِي الْفَجْرِ وَرَكْعَتِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فَإِنْ صَلَّيْت هَذِهِ النَّوَافِلَ فِي الْكَعْبَةِ فَلَا تُجْزِئُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَتُجْزِئُ عَلَى رَأَى أَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُعِيدُ الْفَرْضَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا يُعِيدُهَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا يُعِيدُهَا وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ فِي بَابِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَلْزَمُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَنَصُّهُ: وَلَا يُصَلِّي فِيهِ يَعْنِي الْحِجْرَ وَلَا فِي الْكَعْبَةِ السُّنَنَ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ أَوْ فِيهَا رَكْعَتِي الطَّوَافِ فَهَلْ يُكْتَفَى بِهِمَا؟ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ وَهُمَا عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ فِي الْمُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ هَلْ يُعِيدُ أَبَدًا أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ النَّاسِيَ إنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، فَالنَّاسِي هُنَا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَامِدُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي ذَلِكَ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ النَّاسِي وَأَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُعِيدُ هَذِهِ النَّوَافِلَ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ أَيْ مِنْ أَنَّهَا لَوْ صُلِّيَتْ لَا تُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الصَّلَاةُ فِي الْحِجْرِ كَالصَّلَاةِ فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ رَكَعَ رَكْعَتِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فِي الْحِجْرِ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُهُمَا وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ فَأَجْرَاهُ مَجْرَى مَنْ لَمْ يَرْكَعْهُمَا وَقَدْ تُعُقِّبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ عِنْدنَا وَإِنَّمَا يُعِيدُ لِيَأْتِيَ بِمَا هُوَ أَكْمَلُ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يُعِيدَ بِهَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ إذَا وَصَلَ إلَى بَلَدِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ فِي الْحِجْرِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ رَكَعَ فِيهِ الرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ عَنْ طَوَافِ السَّعْي وَالْإِفَاضَةِ أَعَادَ وَاسْتَأْنَفَ مَا كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَكَعَهُمَا وَبَعَثَ بِهَدْيٍ ابْنُ يُونُسَ حَمَلَهُ فِي الْفَرِيضَةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُعِيدَ الرَّكْعَتَيْنِ إذَا بَلَغَ بَلَدَهُ لِذَهَابِ الْوَقْتِ وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَنْ يُعِيدَ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا وَإِلَّا كَانَتْ تَنَاقُضًا ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ سَبَقَهُ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْزِ مَا تَقَدَّمَ إلَّا لِأَصْبَغَ انْتَهَى، وَكَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ وَفِي التَّهْذِيبِ عَنْ أَصْبَغَ: يُعِيدُ الْفَرْضَ فِي الْوَقْتِ وَرَكْعَتَا طَوَافِ السَّعْي وَالْإِفَاضَةِ كَتَرْكِهِمَا عَبْدُ الْحَقِّ تَنَاقُضٌ فَيَخْرُجُ قَوْلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى انْتَهَى، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَنَاقُضٍ وَإِنَّمَا قَالَ: يُعِيدُ الرُّكُوعَ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَهُ لِيَكُونَ لَهُ بَدَلًا مِثْلُ مَا قِيلَ فِيمَنْ فَاتَهُ الْفَجْرُ يُصَلِّيه بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِيَكُونَ لَهُ بَدَلًا وَتَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَهُ انْتَهَى. وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ صَلَاةَ هَذِهِ السُّنَنِ فِي الْكَعْبَةِ وَالْحِجْرِ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ وَبَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ تُجْزِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي إعَادَةِ الْفَرْضِ أَبَدًا أَوْ فِي الْوَقْتِ، وَالرَّاجِحُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَعَلَى الرَّاجِحِ إذَا صَلَّى هَذِهِ السُّنَنَ فِي الْحِجْرِ أَوْ فِي الْكَعْبَةِ أَجْزَأَتْهُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ وَجَعَلَهُ الْمَشْهُورَ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَازَتْ سُنَّةً أَيْ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ لَا أَنَّهَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لِأَيِّ جِهَةٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحِجْرِ جَائِزَةٌ أَيْضًا لِأَيِّ جِهَةٍ وَلَوْ اسْتَدْبَرَ الْبَيْتَ أَوْ انْحَرَفَ عَنْهُ إلَى الشَّرْقِ أَوْ الْغَرْبِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ اسْتِقْبَالِ الْحِجْرِ مِنْ خَارِجٍ قَالَ اللَّخْمِيّ: وَمَنَعَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي الْحِجْرِ وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّوَجُّهِ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَارِجٍ شَيْئًا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الصَّلَاةَ إلَيْهِ بَاطِلَةٌ لَا تُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَقَدْ تَوَاتَرَتْ أَخْبَارٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَلِهَذَا

تُرِكَ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمَرَّتْ الْأَعْصَارُ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَخْبَارُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَوْ صَلَّى مُصَلٍّ إلَيْهَا لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةً وَهَذَا فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَأَمَّا مَا زِيدَ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا زِيدَ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مَرْكَنًا فَيُؤْذِي الطَّائِفِينَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا تُرِكَ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي وَلِأَجَلِ أَنَّ الْحِجْرَ مِنْ الْبَيْتِ تُرِكَ الْبَيْتُ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ اللَّخْمِيّ الْمَذْكُورَ وَقَوْلَ عِيَاضٍ: الْمَقْصُودُ اسْتِقْبَالُ بِنَائِهِ لَا بُقْعَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْبُقْعَةُ لَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْحِجْرِ يُبْطِلُهَا وَلَوْ تُيُقِّنَ كَوْنُهُ مِنْهَا انْتَهَى. وَمَوْضِعُ اسْتِدْلَالِ عِيَاضٍ الْمَقْصُودُ اسْتِقْبَالُ بِنَائِهِ لَا بُقْعَتِهِ لَا قَوْلُهُ لَاتَّفَقُوا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْي الِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَدَّعِهِ اللَّخْمِيُّ وَلَا غَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِقْبَالِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا قَالَ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الْمَقْصُودُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بَعْضُ هَوَائِهَا أَوْ بَعْضُ بِنَائِهَا أَوْ جُمْلَةُ بِنَائِهَا وَهَوَائِهَا؟ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَّى بَيْنَ دَاخِلِ الْبَيْتِ وَظَهْرِهِ لِوُجُودِ الْهَوَاءِ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَسَوَّى بَيْنَ جُزْءِ الْبِنَاءِ دَاخِلَ الْبَيْتِ. وَعَلَى ظَهْرِهِ، وَالثَّالِثُ مَذْهَبُنَا وَهُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ النُّصُوصِ، فَإِنَّ جُزْءَ الْبِنَاءِ لَا يُسَمَّى بِنَاءً وَلَا كَعْبَةً وَأَبْعَدُ مِنْهُ جُزْءُ الْهَوَاءِ انْتَهَى. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَوْ تَنَفَّلَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي خَارِجِ الْكَعْبَةِ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ وَوَلَّاهَا ظَهْرَهُ لَعُوقِبَ انْتَهَى، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا الْعُمُومُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ صَلَّى بِمَكَّةَ إلَى الْحِجْرِ فَقِيلَ: لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَقِيلَ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَذَلِكَ فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِنَّمَا زِيدَ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ مَرْكَنًا فَيُؤْذِي الطَّائِفِينَ انْتَهَى، وَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ مُخْتَصَرًا قَالَ: وَحَكَى فِي الْبَيَانِ فِي التَّوَجُّهِ إلَيْهِ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْقَوْلَيْنِ هُمَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ وَفِي مَنَاسِكَ ابْنِ جَمَاعَةَ الْكَبِيرِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْعَاشِرِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحِجْرَ وَلَمْ يَسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ الشَّرِيفَةَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَيْهِ مُصَلٍّ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةً فِي مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَة فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَالْحِجْرِ لَا يُصَلَّى إلَى الْحِجْرِ فَانْظُرْهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَيِّ جِهَةٍ رَاجِعٌ لِلْكَعْبَةِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ لِأَيِّ جِهَةٍ أَيْ وَلَوْ جِهَةُ بَابِهَا وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُصَلِّي إلَى جِهَةِ بَابِهَا، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَاسْتُحِبَّ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ إلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي جَاءَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى إلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ لِأَيِّ جِهَةٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ اسْتِحْبَابُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَى الْبَابِ وَفِي الْبَيَانِ رَأَى مَالِكٌ أَوَّلًا الصَّلَاةَ فِيهَا إلَى أَيِّ نَوَاحِيهَا شَاءَ إذْ لَا فَرْقَ ثُمَّ اُسْتُحِبَّ الصَّلَاةُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلَيْهَا انْتَهَى. وَكَلَامُ الْبَيَانِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ هُوَ فِي رَسْمِ الْقَرِينَانِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ تَخْيِيرَهُ الرَّاكِعَ فِيهِ فِي أَيِّ نَوَاحِيه ثُمَّ رَجَعَ إلَى اسْتِحْبَابِ جَعْلِ الْبَابِ خَلْفَهُ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ فَانْظُرْ - رَحِمَك اللَّهُ - بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ وَتَأَمَّلْ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَيِّ جِهَةٍ عَلَى أَنَّهُ عَائِدٌ لِلْحِجْرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الصِّحَّةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَكَلَّمُ فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً

ثُمَّ إنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ اسْتِقْبَالِهِ إنَّمَا هُوَ لِلَّخْمِيِّ وَلَمْ يُرَجِّحْهُ أَحَدٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ وَلَا نَعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ شَيْئًا يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنُ جَمَاعَةَ رَجُلٌ ثِقَةٌ فِي النَّقْلِ وَأَيْضًا فَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لَنُقِلَ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ وَكَانَتْ قِبْلَتُهُ إلَى الشَّامِ كَانَ يُحِبُّ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ فَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فَإِذَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَهَا وَهِيَ غَيْرُ قِبْلَةٍ فَكَيْفَ يُمْكِنُ اسْتِدْبَارُهَا مَعَ كَوْنِهَا قِبْلَةً وَأَيْضًا فَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي بَابِ الْقِبْلَةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَقِينِ تَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ فَكَيْفَ يَتْرُكُ الْقِبْلَةَ الْمَقْطُوعَ بِهَا وَيُصَلِّي إلَى مَا لَا يُقْطَعُ بِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَاخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فِي قَدْرِهِ وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأُدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ وَيَسْتَقْبِلَ الشَّامَ أَوْ يَجْعَلَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الشَّرْقَ أَوْ الْغَرْبَ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ مَنْ فَعَلَهُ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَازَتْ سُنَّةً فِيهَا وَفِي الْحِجْرِ لِأَيِّ جِهَةٍ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِي الْكَعْبَةِ الْمَذْكُورَةِ قِيلَ وَفِي الْحِجْرِ لِأَنَّهُ مِنْهَا لِأَيِّ جِهَةٍ كَانَ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بَعْضًا مِنْهَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى كَلَامُهُ، هَذَا مُشْكِلٌ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِأَيِّ جِهَةٍ عَائِدٌ عَلَى الْحِجْرِ وَالْكَعْبَةِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ الْبِسَاطِيُّ فِي آخِرِ فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ كَلَامًا أَشَدَّ مِنْ الْأَوَّلِ فَانْظُرْهُ. ص (لَا فَرْضٌ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ) ش: يَعْنِي لَا يُصَلَّى فِيهَا وَلَا فِي الْحِجْرِ فَرْضٌ وَهَلْ النَّهْيُ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ الْكَرَاهَةِ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا يَجُوزُ الْفَرْضُ وَلَا السُّنَنُ وَلَا النَّافِلَةُ الْمُؤَكَّدَةُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيِّ: كَرِهَ الْفَرْضَ فِيهَا مَالِكٌ وَأَعَادَهُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْمُسَمَّى شِفَاءَ الْغَرَامِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ لَا تَصِحُّ فِي الْكَعْبَةِ وَأَنَّ مَنْ صَلَّاهَا فِيهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَاخْتَلَفَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ فِي الْإِعَادَةِ هَلْ تَكُونُ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَبَدًا انْتَهَى، وَهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا يَقُولُ فِي الْحِجْرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ صَلَّى مُلَاصِقًا لِلْبَيْتِ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا رَكَعَ صَارَ رَأْسُهُ وَصَدْرُهُ عَلَى الشَّاذَرْوَانَ فَهَلْ يُعِيدُ أَوْ لَا؟ يُعِيدُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُعِيدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُعِيدُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ هَلْ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ أَوْ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ فَرِيضَةً أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ شَبَّهَ هَذِهِ بِتِلْكَ وَتِلْكَ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا) ش اتَّفَقَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَة عَلَى نَقْلِ الْمَنْعِ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّنَفُّلَ فَوْقَهَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْفَرْضُ عَلَى ظَهْرِهَا مَمْنُوعٌ ابْنُ حَبِيبٍ وَالنَّفَلُ الْجَلَّابُ لَا بَأْسَ بِنَفْلِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ: وَأَمَّا النَّافِلَةُ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ فَلَا تَصِحُّ عَلَى مُقْتَضَيْ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ

فصل فرائض الصلاة

إذَا كَانَتْ النَّافِلَةُ مُتَأَكَّدَةٌ كَالسُّنَنِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتِي الْفَجْرِ وَرَكْعَتِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ لِمُسَاوَاةِ هَذِهِ النَّوَافِلِ لِلْفَرِيضَةِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَفِي صِحَّةِ النَّفْلِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدِ فِي سَطْحِ الْكَعْبَةِ نَظَرٌ عَلَى مُقْتَضَى رَأْيِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ لِغَيْرِهَا) ش: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَعَدَمُ تَوَجُّهٍ أَوْ بِهَذَا عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا لِخَضْخَاضٍ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَالْمُسَافِرُ يَأْخُذُهُ الْوَقْتُ إلَخْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَخْشَى عَلَى ثِيَابِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ يَسْجُدُ وَإِنْ تَلَطَّخَتْ ثِيَابُهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: الْمُسَافِرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا خُرِّجَ لِلْغَالِبِ وَالْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْحَاضِرِ سَوَاءٌ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيَنْوِي بِإِيمَائِهِ مَوَاضِعَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِيمَاءِ أَهُوَ مِنْهُ قَوْلُهُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْوَقْتُ يَعْنِي الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ تَأْخِيرُهُ بِحَيْثُ يَضِيقُ جِدًّا انْتَهَى. ص (أَوْ لِمَرَضٍ وَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالْأَرْضِ فَلَهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ صَلَاةَ الرَّاكِبِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِمَرَضٍ حَالَةَ كَوْنِ الرَّاكِبِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ يُؤَدِّيهَا أَيْ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الدَّابَّةِ كَالْأَرْضِ يَعْنِي أَنَّهُ لِأَجْلِ الْمَرَضِ لَا يُؤَدِّيهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَّا إيمَاءً كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ نَزَلَ صَلَّى جَالِسًا إيمَاءً لِمَرَضٍ فَلْيُصَلِّ عَلَى الدَّابَّةِ بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ التَّاجِرِ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَفِي فَصْلِ الْحَجِّ لَكِنْ يُومِئُ إلَى الْأَرْضِ بِالسُّجُودِ لَا إلَى كُورِ الرَّاحِلَةِ فَإِنْ أَوْمَأَ إلَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ] (فَصْلٌ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) ش قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي أَوَّلِ بَابِ الْعَمَلِ فِي صِفَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْإِحْرَامُ نِيَّةٌ وَابْنُ عَرَفَةَ الْإِحْرَامُ ابْتِدَاؤُهَا مُقَارِنٌ لِنِيَّتِهَا انْتَهَى. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ عَقْدٍ: هُوَ النِّيَّةُ، وَقَوْلٍ: هُوَ التَّكْبِيرُ، وَفِعْلٍ: هُوَ الِاسْتِقْبَالُ وَنَحْوِهِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَهُوَ حَدِيثٌ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ زَرُّوق. ص (إلَّا لِمَسْبُوقٍ فَتَأْوِيلَانِ) ش: فَسَّرَهَا ابْنُ يُونُسَ بِمَا إذَا كَبَّرَ قَائِمًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِمَشْهُورِيَّتِهِ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّيْخِ زَرُّوقٍ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ عَلَى تَشْهِيرِهِ. ص (وَإِنَّمَا يُجْزِئُ اللَّهُ أَكْبَرُ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ صَاحِبُ

الطِّرَازِ: لَا يُجْزِئُ إشْبَاعُ فَتْحَةِ الْبَاءِ حَتَّى تَصِيرَ أَكْبَارُ بِالْأَلِفِ وَإِنَّ الْأَكْبَارَ جَمْعُ كَبَرٍ وَالْكَبَرُ الطَّبْلُ، وَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا وَاحِدًا لَمْ يُجْزِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينَ مَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَارُ بِالْمَدِّ، لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ قَالَ: اللَّهُ وَكْبَرُ، بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ وَاوًا أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْقَاضِي سَنَدٍ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَامِّيِّ: اللَّهُ وَكَبَرْ، فَلَهُ مَدْخَلٌ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إذَا وَلِيَتْ ضَمَّةً جَازَ أَنْ تُقْلَبَ وَاوًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْقَرَافِيُّ وَقَبْلَهُ خَلِيلٌ: وَهُوَ عِنْدِي خِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، انْتَهَى. وَالْكَلَامُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ اُنْظُرْ كَلَامَ الْقَبَّابِ فَإِنَّهُ حَسَنٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَيَنْوِي بِالتَّكْبِيرِ الْإِحْرَامَ، وَيَحْذَرُ أَنْ يَمُدَّ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ فَيُوهَمُ الِاسْتِفْهَامُ وَأَنْ يَمُدَّ بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ فَيَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى وَأَنْ يُشْبِعَ ضَمَّةَ الْهَاءِ حَتَّى تَتَوَلَّدَ الْوَاوُ وَأَنْ يَقِفَ عَلَى الرَّاءِ بِتَشْدِيدٍ، هَذَا كُلُّهُ لَحْنٌ وَيُخَافُ مِنْهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَيَنْتَظِرُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ إلَى أَنْ تَسْتَوِيَ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ، انْتَهَى. ص (وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ) ش: قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتُ: النِّيَّةُ الْكَامِلَةُ هِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: تَعْيِينُ الصَّلَاةِ وَالتَّقَرُّبُ بِهَا وَوُجُوبُهَا وَآدَابُهَا، وَاسْتِشْعَارُ الْإِيمَانِ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهَذِهِ هِيَ النِّيَّةُ الْكَامِلَةُ فَإِنْ سَهَا عَنْ الْإِيمَانِ أَوْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ كَوْنِهَا أَدَاءً أَوْ التَّقَرُّبِ بِهَا لَمْ تَفْسُدْ إذَا عَيَّنَهَا؛ لِاشْتِمَالِ التَّعْيِينِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَالْمُعِيدُ لِلصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَالصَّبِيُّ لَا يَتَعَرَّضَانِ لِفَرْضٍ وَلَا لِنَفْلٍ، انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى ثُمَّ أَمَّ وَانْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَعَادَ مُؤْتَمٌّ بِمُعِيدٍ وَمِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: النَّوَافِلُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُقَيَّدَةٍ وَمُطْلَقَةٍ فَالْمُقَيَّدَةُ السُّنَنُ الْخَمْسُ: الْعِيدَانِ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْوَتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ إمَّا بِأَسْبَابِهَا أَوْ بِأَزْمَانِهَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةِ التَّعْيِينِ، فَمَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا إلَى هَذِهِ لَمْ يَجُزْ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِهَذِهِ قِيَامَ رَمَضَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَالْمُطْلَقَةُ مَا عَدَا هَذِهِ فَتَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَهُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ أَوْ كَانَ مِنْهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَهُوَ الضُّحَى أَوْ عِنْدَ دُخُولِ مَسْجِدٍ فَهُوَ تَحِيَّةٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ مِنْ حَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يُفْتَقَرُ إلَى التَّعْيِينِ فِي مُطْلَقَةٍ بَلْ يَكْفِي فِيهِ أَصْلُ الْعِبَادَةِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: وَفِيهَا مَنْ أَدْرَكَ جُلُوسَ الْجُمُعَةِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا، ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ يُحْرِمُ. (قُلْت) هَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا يُحْرِمُ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ لِمُوَافَقَةِ نِيَّةِ إمَامِهِ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ أَحْرَمَ إثْرَ رَفْعِ الْإِمَامِ

ظَانًّا أَنَّهُ فِي الْأُولَى فَبَانَ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ فَرَوَى مُحَمَّدٌ: يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا وَاسْتُحِبَّ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ فِي عَدَمِ بِنَاءِ الرَّاعِفِ عَلَى إحْرَامِ الْجُمُعَةِ لَا يَبْنِي هَذَا، انْتَهَى. وَفِي أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَجِدَ الرَّجُلُ الْإِمَامَ فِي تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ فَيَدْخُلَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْمَأْمُومُ أَرْبَعًا فَيَذْكُرُ الْإِمَامُ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَيَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ، فَقِيلَ: إنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَهُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَتَكُونُ لَهُ جُمُعَةً تَامَّةً، وَقِيلَ: إنَّهُ يُعِيدُهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ أَرْبَعٍ وَحَوَّلَهَا إلَى نِيَّةِ الْجُمُعَةِ، وَعَكْسُهَا أَنْ يَجِدَ الْإِمَامَ قَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيُكَبِّرَ وَيَدْخُلَ مَعَهُ وَهُوَ يَظُنُّهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقِيلَ: إنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا، وَقِيلَ: إنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ انْتَهَى وَلَفْظُهُ وَاسِعٌ. ص (وَالْجَهْرُ بِهِ بِدْعَةٌ قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ) ش وَإِنْ تَخَالَفَا فَالْعَقْدُ قَالَ فِي الْإِرْشَادُ وَالْإِعَادَةُ أَحْوَطُ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ لِلْخِلَافِ وَالشُّبْهَةِ إذْ يُحْتَمَلُ سَبْقُ اللِّسَانِ تَعَلُّقَ نِيَّتِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفُؤَادِ وَاللِّسَانُ رَائِدُهُ انْتَهَى. ص (كَسَلَامٍ أَوْ ظَنَّهُ فَأَتَمَّ بِنَفْلٍ إنْ طَالَتْ أَوْ رَكَعَ وَإِلَّا فَلَا) ش يَعْنِي وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ فِيمَا إذَا سَلَّمَ ظَانًّا إتْمَامَ صَلَاتَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ وَهِيَ فِي الصُّورَةِ إتْمَامٌ لِصَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ وَلَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَتَمَّ وَسَلَّمَ فَقَامَ إلَى نَافِلَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَوْ رَكَعَ، وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يَرْكَعْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَفِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ. ص (كَأَنْ لَمْ يَظُنَّهُ) ش: يَعْنِي وَأَمَّا إنْ قَامَ إلَى نَافِلَةٍ وَلَمْ يَظُنَّهُ أَيْ السَّلَامَ بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ فِي نَافِلَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَيُجْزِئُهُ مَا صَلَّى بِنِيَّتِهِ النَّافِلَةَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا نَوَى الظُّهْرَ ثُمَّ نَسِيَ وَظَنَّ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا فَقَالَ ابْنُ فَرْحُونَ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَمَّا الْعَامِدُ فَإِنْ قَصَدَ بِنِيَّتِهِ رَفْعَ الْفَرِيضَةِ وَرَفْضَهَا بَطَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ رَفْضَهَا لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً؛ لِأَنَّ النَّفَلَ مَطْلُوبٌ لِلشَّارِعِ وَمُطْلَقُ الطَّلَبِ مَوْجُودٌ فِي الْوَاجِبِ فَتَصِيرُ نِيَّةُ النَّفْلِ مُؤَكِّدَةً لَا مُخَصِّصَةً انْتَهَى. ص (أَوْ لَمْ يَنْوِ الرَّكَعَاتِ أَوْ الْأَدَاءَ أَوْ ضِدَّهُ)

ش: وَلَا يَنْوِي الْأَيَّامَ اتِّفَاقًا. قَالَ الْمَازِرِيُّ حَضَرْت شَيْخَنَا عَبْدَ الْحَمِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَتَاهُ بَعْضُ الْخَوَاصِّ يُعِيدُ عِنْدَهُ بَعْضَ مَا كَانَ يَقْرَأُ مَعَنَا عَلَيْهِ مِمَّنْ اشْتَهَرَ بِالْوَسْوَسَةِ فَقَالَ لَهُ: كُنْت الْبَارِحَةَ أُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي مَسْجِدِ فُلَانٍ فَأَتَى هَذَا الْفَتَى وَأَشَارَ إلَى الْمُوَسْوِسِ فَصَلَّى إلَى جَنْبِي فَسَمِعْته عِنْدَ الْإِحْرَامِ يَقُولُ: الْمَغْرِبَ لَيْلَةَ كَذَا، فَأَنْكَرْت فِي نَفْسِي تَسْمِيَةَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ خَشِيت أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ إنَّمَا هُوَ لِمَا سَمِعَ مِنْك فَجِئْت أَسْأَلُك فَأَنْكَرَ شَيْخُنَا عَلَى صَاحِبِنَا وَاعْتَذَرَ لِلسَّائِلِ عَنْهُ بِمَا اشْتَهَرَ مِنْ وَسْوَسَتِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ السَّائِلُ أَقْبَلَ عَلَيْنَا جُمْلَةُ أَهْلِ الْمِيعَادِ فَقَالَ: هَلْ يَتَخَرَّجُ مِنْ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ ذِكْرِ الْقَلْبِ يَوْمَ الصَّلَاةِ عِنْدَ النِّيَّةِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ فَأَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى مَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَيَّامِ، فِي هَذَا الْبَابِ يَعْنِي بَابَ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ اضْطِرَابِ الْأَصْحَابِ فِي مُرَاعَاةِ اخْتِلَافِ الْأَيَّامِ، وَذَكَرَ مَا قِيلَ فِي إمَامَةِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ نَسِيَهَا مِنْ يَوْمٍ آخَرَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ التَّخْرِيجِ يَفْتَقِرُ إلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَلِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمُصَلِّي حِينَ عَقْدِ النِّيَّةِ وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَسْطُهُ هَهُنَا، انْتَهَى كَلَامُ الْمَازِرِيِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ وُجُوبِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَكَذَا ذِكْرُ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) هَلْ تَنُوبُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ عَنْ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ؟ اُنْظُرْ كِتَابَ الصِّيَامِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنَ عَرَفَةَ فِي مَسْأَلَةِ صَوْمِ الْأَسِيرِ، وَفِي الطِّرَازِ فِي مَسْأَلَةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ ظُهْرِ يَوْمٍ بِتَحْرِيمِهِ ظُهْرَ يَوْمٍ آخَرَ، انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَيَّامًا فَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِجَمِيعِ الْأَيَّامِ وَلَا يَحْتَسِبُ بِصَلَاةِ الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي صَوْمِ الْأَسِيرِ ص (وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ) ش قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ سَحْنُونٌ: فَإِنْ دَخَلَ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ مَعَ إمَامٍ لَا يَدْرِي أَمُقِيمٌ هُوَ أَمْ مُسَافِرٌ وَنَوَى صَلَاتَهُ أَجْزَأَهُ مَا صَلَّى مَعَهُ فَإِنْ خَالَفَ فَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ مُقِيمًا أَتَمَّ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَتَمَّ مَعَهُ وَيُجْزِئُهُ. قَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ مَنْ دَخَلَ الْجَامِعَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ لَا يَدْرِي أَهِيَ الْجُمُعَةُ أَمْ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَنَوَى صَلَاةَ إمَامِهِ فَهَذَا يُجْزِئُهُ مَا صَادَفَ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهَا إحْدَاهُمَا فَصَادَفَ الْأُخْرَى فَلَا تُجْزِئُهُ عِنْدَ أَشْهَبَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيُجْزِئُهُ فِي الَّذِي نَوَى صَلَاةَ إمَامِهِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ غَيْرُ مُخَالِفَةٍ لَهُ وَقَدْ قَصَدَ مَا عَلَيْهِ كَمَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً عَنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي فِي ظِهَارٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيمَنْ ظَنَّ الظُّهْرَ جُمُعَةً وَعَكْسُهَا مَشْهُورُهَا تُجْزِئُ فِي الْأُولَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ بِالْإِجْزَاءِ فِيهِمَا وَعَدَمِهِ فِيهِمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ مِنْ اعْتِبَارِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَمْ لَا، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ شُرُوطَ الْجُمُعَةِ أَخَصُّ وَنِيَّةُ الْأَخَصِّ تَسْتَلْزِمُ نِيَّةَ الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ قَوْلًا رَابِعًا بِعَكْسِ الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا ظَنَّهُمْ سَفْرًا فَظَهَرَ خِلَافُ ظَنِّهِ أَوْ الْعَكْسُ فَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي السَّفَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَعَلَى مَسْأَلَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إطْلَاقِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ مَنْ لَمْ يَدْرِ هَلْ الْإِمَامُ يُصَلِّي فِي الْعَصْرِ أَوْ فِي الظُّهْرِ؟ يُحْرِمُ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُسَاوَاةِ فَرْضِ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ وَلَا بُدَّ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ تَعْيِينِهَا مِنْ ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ ابْنُ نَاجِي نَقَلَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَنْ اللَّخْمِيِّ مَسْأَلَةَ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْخَمِيسِ مَا نَصُّهُ (قُلْت) وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِفَرْضِ مَا ذُكِرَ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ فِي الظُّهْرِ أَوْ فِي الْعَصْرِ؟ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَاهَدْت شَيْخَنَا حَفِظَهُ اللَّهُ يُفْتِي غَيْرَ مَا مَرَّةٍ بِمَا ذُكِرَ، انْتَهَى. فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي

شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَالْقَوْمُ فِي الظُّهْرِ فَظَنَّ أَنَّهُمْ فِي الْعَصْرِ (فَرْعٌ) فَلَوْ أَحْرَمَ الْمَأْمُومُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَلَا يَعْنِيَهَا قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا نَوَى صَلَاةَ إمَامِهِ أَجْزَأَهُ مَا صَادَفَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَةَ تَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ فَإِذَا لَمْ يَدْرِ مَا صَلَّى الْإِمَامُ لَمْ يَدْرِ بِمَا أَحْرَمَ وَجَهْلُهُ بِمَا أَحْرَمَ مُضَادٌّ لِتَعْيِينِ النِّيَّةِ، وَإِنْ أُخِذَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْحَجِّ فَذَلِكَ لَا حُجَّةَ فِيهِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ فَرْضًا فَالْحَجُّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ وَتَخْصِيصِهَا بَلْ إذَا أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ انْصَرَفَ إلَى الْحَجَّةِ الْمَفْرُوضَةِ إجْمَاعًا وَالصَّلَاةُ إذَا أَحْرَمَ بِأَنَّهُ يُصَلِّي لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْفَرْضِ إجْمَاعًا حَتَّى يُعَيِّنَ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي فَإِذَا افْتَرَقَا فِي تَعْيِينِ صِفَةِ الْعِبَادَةِ جَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي تَعْيِينِ أَصْلِهَا وَالْحَجُّ لَا يُشْبِهُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ قَوِيٌّ فِي الثُّبُوتِ حَتَّى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مَعَ مَا يُنَافِيهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَشْهَبَ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ فِيمَنْ لَمْ يَدْرِ أَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ الظُّهْرِ وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْإِحْرَامِ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ: إنَّهُ الْأَمْرُ فِي الصَّلَاةِ، فَيَجُوزُ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَدْرِي مَا هِيَ أَنْ يُحْرِمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ انْتَهَى. ص (وَبَطَلَتْ بِسَبْقِهَا إنْ كَثُرَ وَإِلَّا فَخِلَافٌ) ش قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَوَائِلِ الْعَارِضَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ تَقَدُّمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيرِ قِيَاسًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّلَاةِ مُتَّفِقٌ عَلَيْهَا أَصْلٌ وَالنِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ مُخْتَلِفٌ فِيهَا فَرْعٌ لَهَا، وَمِنْ الْجَهْلِ حَمْلُ الْأَصْلِ عَلَى الْفَرْعِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ يَسْتَطِيلُونَ عَلَى الْعُلُومِ بِغَيْرِ مَحْصُولٍ، انْتَهَى. ص (وَفَاتِحَةٌ بِحَرَكَةِ لِسَانٍ) ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي تَفَقُّدِ الْعَالِمِ أَحْوَالَ أَهْلِهِ: وَمِنْ أَهَمِّ الْأَشْيَاءِ وَآكِدِهَا تَفَقُّدُ الْقِرَاءَةِ إذْ الْقِرَاءَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ، فَالْوَاجِبَةُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا وَحَرَكَاتِهَا وَشَدَّاتِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا، وَالسُّنَّةُ سُورَةٌ مَعَهَا وَالْفَضِيلَةُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، أَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي وَلَدِهِ وَعَبْدِهِ وَأَمَتِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهِمْ عُجْمَةٌ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى النُّطْقِ فَلَا حَرَجَ، انْتَهَى. ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي ذِكْرِ مَسَائِلَ وَقَعَتْ لِبَعْضِ الْأَفْرِيقِيِّينَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِيمَا عَدَا الْفَرَائِضِ سُنَّةٌ فَتَأَمَّلْهُ. ص (عَلَى إمَامٍ وَفَذٍّ) ش: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهَا عَنْهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ فَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ أَنْ لَا يَحْمِلَ الْقِرَاءَةَ أَوْ السَّهْوَ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ فَانْظُرْهُ. ص (وَقِيَامٌ لَهَا) ش: أَيْ لِلْفَاتِحَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيَامِ لِلْفَاتِحَةِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِهَا أَوْ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْفَاتِحَةِ وَقُدِّرَ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى الْمَأْمُومِ لِلْفَاتِحَةِ إلَّا مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ وَاجِبٌ لَهَا، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا ائْتَمَّ) ش: يَعْنِي إنْ وُجِدَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ انْفَرَدَ فَفِي صِحَّتِهَا قَوْلَا أَشْهَبَ

فرع طرأ على الأمي قارئ في الصلاة

وَمُحَمَّدٍ مَعَ سَحْنُونٍ انْتَهَى قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ تَرَكَ الِائْتِمَامَ وَصَلَّى وَحْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ لِعَجْزِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعَوِّضَ الْقِرَاءَةَ بِمَعْنَاهَا فِي لُغَتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: مَنْ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ شَيْئًا مِنْ التَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا فَقَدْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ وَهُوَ كَالْكَلَامِ انْتَهَى. [فَرْعٌ طَرَأَ عَلَى الْأُمِّيِّ قَارِئٌ فِي الصَّلَاة] (فَرْعٌ) لَوْ طَرَأَ عَلَى الْأُمِّيِّ قَارِئٌ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقْطَعَ لِيَأْتَمَّ بِهِ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ التَّلْقِينِ لِلْمَازِرِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ إلَخْ. [فَرْعٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ فِيهَا] (فَرْعٌ) مَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَمَا أُمِرَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِرَاءَةِ وَطَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ سَمِعَ مَنْ قَرَأَهَا فَعَلِقَتْ بِحِفْظِهِ مِنْ مُجَرَّدِ السَّمَاعِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا مَضَى عَلَى حَسَبِ مَا أُمِرَ فَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِهِ قَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، انْتَهَى مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَيَكْفِي الْأَخْرَسَ نِيَّتُهُ فِي الصَّلَاة] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَكْفِي الْأَخْرَسَ نِيَّتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي لَا خِلَافَ فِيهِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ تَرَكَ آيَةً مِنْهَا سَجَدَ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَرْعٌ مُرَتَّبٌ، فَعَلَى هَذَا إذَا ابْتَدَأَ الْمُصَلِّي بِالْفَاتِحَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ قَبْلَ السَّلَامِ إنْ كَانَ قَرَأَ فِي حَالِ قِيَامِهِ آيَةً وَنَحْوَهَا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ آيَةٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْفَاتِحَةِ كُلِّهَا لَكِنَّهُ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ فِي بَعْضِهَا، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا صَلَّوْا فِي سَفِينَةٍ تَحْتَ سَقْفِهَا مُنْخَفِضَةً رُءُوسُهُمْ قَالَ مَالِكٌ: صَلَاتُهُمْ أَفْذَاذًا عَلَى ظَهْرِهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صَلَاتِهِمْ جَمَاعَةً مُنْخَفِضَةٌ رُءُوسُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الِاعْتِدَالَ وَهُوَ سُنَّةٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الْخِبَاءِ نَحْوِ السَّفِينَةِ، اُنْظُرْ تَقْيِيدَ أَبِي الْحَسَنِ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ تَمَامِ الِاعْتِدَالِ شَيْئًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَحَالَةُ النَّافِلَةِ فِي ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ حَالِ الْفَرِيضَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَشَارَكْت فِي ذَلِكَ الشَّيْخَ الْإِمَامَ الْعَلَامَةَ الْحَافِظَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَرَفَةَ التُّونُسِيَّ فَقَالَ: حَالَةُ النَّافِلَةِ فِي ذَلِكَ خَفِيفٌ، فَسَأَلْته عَنْ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْبَحْثِ فِي ذَلِكَ لِعَارِضٍ عَرَضَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، انْتَهَى. وَفِيهَا حَجَّ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَكَنَ فِي الْمَدِينَةِ فِي مَنْزِلِ الشَّيْخِ ابْنِ فَرْحُونٍ كَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الدِّيبَاجِ. ص (وَرُكُوعٌ تُقَرَّبُ رَاحَتَاهُ فِيهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَنُدِبَ تَمْكِينُهُمَا مِنْهُمَا وَنَصْبُهُمَا) ش

يَعْنِي مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ حَتَّى تَقْرُبَ فِيهِ رَاحَتَا كَفَّيْهِ أَيْ بُطُونُهُمَا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمَكِّنَ الرَّاحَتَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ وَيَنْصِبَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ ابْنُ نَاجِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ، خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِذَا مَكَّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ لَمْ يُسَبِّحْ أَوْ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ فَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ إذَا تَمَكَّنَ مُطْمَئِنًّا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهَا: ظَاهِرُهُ أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ شَرْطٌ لَا يُسَمَّى رُكُوعًا إلَّا بِذَلِكَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَاجِيُّ فَقَالَ الْمُجْزِئُ مِنْ الرُّكُوعِ أَنْ يُمَكِّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: أَخَفُّهُ بُلُوغُ يَدَيْهِ آخِرَ فَخْذَيْهِ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ نَحْوَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَيْهِمَا يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ وَضْعُهُمَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَيُجْزِئُ وَضْعُهُمَا عَلَى أَطْرَافِ الْفَخِذَيْنِ، وَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ أَلْبَتَّةَ فَلَا خِلَافَ فِي الْبُطْلَانِ وَإِنْ وَضَعَهُمَا كَمَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَفْهَمُ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ وَضْعِهِمَا مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ لَمْ يَضَعْهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ مُجْزِئَةٌ وَيُفْتِي بِذَلِكَ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّغْبِيُّ يُفْتِي بِأَنَّ الصَّلَاةَ بَاطِلَةٌ وَاخْتَلَفَتْ فَتْوَى شَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ وَالشَّبِيبِيِّ فَكَانَ يُفْتِي بِالْبُطْلَانِ ثُمَّ أَفْتَى بِالصِّحَّةِ إلَى أَنْ مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انْتَهَى. وَلَعَلَّ صَوَابَهُ فَكَانَا يُفْتِيَانِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ التَّامَّةُ فَقَطْ، وَلَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ غَيْرِهَا وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: أَمَّا تَمْكِينُ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، انْتَهَى. وَلِهَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى قَوْلِهِ: أَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تَقْرُبُ رَاحَتَاهُ مِنْ رُكْبَتَيْهِ. وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَذَكَرَ هَذِهِ النُّقُولَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ نَاجِي ثُمَّ قَالَ ابْنُ نَاجِي: فَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَيْسَ بِفَرْضٍ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ فِي السُّجُودِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفِي الْمَبْسُوطُ لِيَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِي رُكُوعِهِ وَلَا سُجُودِهِ أَعَادَ صَلَاتَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: فَتَأَوَّلَهُ شَيْخُنَا التَّمِيمِيُّ بِتَرْكِ ذَلِكَ لِتَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ الْوَاجِبَةِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ حَتَّى التَّكْبِيرَ كَتَعَمُّدِ تَرْكِ السُّنَّةِ. (قُلْت) وَمَا قَالَهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ إنَّمَا قَالَاهُ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَوْ كَانَ بِيَدَيْهِ مَا يَمْنَعُ وَضْعَهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ قِصَرٌ كَثِيرٌ لَمْ يُزِدْ فِي الِانْحِنَاءِ عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَقْطُوعَةً وَضَعَ الْبَاقِيَةَ عَلَى رُكْبَتِهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ جَمِيعَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَقَلَ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَضَعُ الْيَدَ الْبَاقِيَةَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ جَمِيعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسُجُودٌ عَلَى جَبْهَتِهِ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: فَتُمَكِّنُ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَالتَّمَكُّنُ الْمَذْكُورُ إلْصَاقُهَا بِالْأَرْضِ إلْصَاقًا تَسْتَقِرُّ مَعَهُ عَلَيْهَا مُنْبَسِطَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ أَدْنَى جُزْءٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ شَدَّ جَبْهَتِهِ فِي سُجُودٍ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَنْ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَبْهَتِهِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا جَاهِلُ الرِّجَالِ وَضَعَفَةُ النِّسَاءِ وقَوْله تَعَالَى {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29] يَعْنِي خُضُوعَهُمْ وَخُشُوعَهُمْ، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ السُّجُودُ وَهُوَ تَمْكِينُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، يَعْنِي بِلَفْظِ التَّمْكِينِ أَنَّهُ يَضَعُ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ بِالْأَرْضِ عَلَى أَبْلَغِ مَا يُمْكِنُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَيَكْفِي فِيهِ وَضْعُ أَيْسَرِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْجَبْهَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي حَدِّ السُّجُودِ: وَالسُّجُودُ مَسُّ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ سَطْحِ مَحِلِّ الْمُصَلَّى كَالسَّرِيرِ بِالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا

الصَّلَاةُ عَلَى السَّرِيرِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، انْتَهَى. مِنْ فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ سَنِّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، مَسْأَلَةٌ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّرِيرِ، وَهُوَ عِنْدِي يَكُونُ مِثْلَ الْفِرَاشِ يَكُونُ عَلَى الْأَرْضِ لِلْمَرِيضِ قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى السَّرِيرِ كَالصَّلَاةِ فِي الْغُرَفِ وَعَلَى السُّطُوحِ وَبِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهَا فَوْقَ سَرِيرٍ ابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ كَغُرْفَةٍ، انْتَهَى ذَكَرَهُ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ بِأَسْطُرٍ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَرْعٌ السُّجُودُ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُرْتَفِعِ عَنْ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَإِذَا شَقَّ عَلَى الْمَرِيضِ النُّزُولُ عَنْ فِرَاشِهِ إلَى الْأَرْضِ لِلصَّلَاةِ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ بِالْأَرْضِ لِشِدَّةِ مَرَضِهِ صَلَّى عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ طَاهِرٍ أَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا كَثِيفًا طَاهِرًا وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ بِالْأَرْضِ فَلْيَنْزِلْ إلَى الْأَرْضِ فَلْيُصَلِّ سَاجِدًا بِالْأَرْضِ. (فَرْعٌ) وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَرْضِ السَّرِيرُ الْخَشَبُ لَا الْمَنْسُوجُ مِنْ الشَّرِيطِ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى فَلْيَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَعَادَ لِتَرْكِ أَنْفِهِ بِوَقْتٍ) ش: فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ أَعَادَ أَبَدًا ابْنُ نَاجِي يُرِيدُ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مَطْلُوبٌ عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ طَلَبُ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ أَعَادَ أَبَدًا، مَفْهُومُهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ مَنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ يُجْزِيهِ قَالَ فِي الْإِشْرَافِ: اسْتَحْبَبْنَا لَهُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُجْزِئُ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ انْتَهَى. ص (وَسُنَّ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ كَيَدَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ) ش قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: بَاسِطًا يَدَيْهِ مُسْتَوِيَتَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَتَوَجَّهُ بِيَدَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَوْ خَالَفَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بِكُلِّ ذَاتِهِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِسُنِّيَّةِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ قَالَ فِي السُّجُودِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ: الَّذِي يَقْوَى فِي نَفْسِي أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الشَّيْخُ هُنَا انْتَهَى مِنْ الْكَبِيرُ، وَقَدْ عَوَّلَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الرُّكْبَتَانِ وَأَطْرَافُ الْقَدَمَيْنِ فَسُنَّةٌ فِيمَا يَظْهَرُ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ. قَالَ الشَّيْخُ كَوْنُ السُّجُودِ عَلَيْهِمَا سُنَّةً لَيْسَ بِالصَّرِيحِ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: الَّذِي يَقْوَى فِي نَفْسِي أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فِيمَا يَظْهَرُ أَيْ فِي الْمَذْهَبِ لَا أَنَّهُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَحَاصِلُ مَا رَأَيْته أَنَّ فِي وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْيَدَيْنِ قَوْلَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا سَحْنُونٌ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ يَكُونُ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا وَاجِبًا وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِي تَعْيِينِهِ الْأَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَدَيْنِ نَظَرٌ كَمَا عَلِمْت انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ سَنَدًا قَالَ: إنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْإِعَادَةِ. قَالَ: وَصَحَّحَ خَلِيلٌ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ وَاعْتَرَضَهُ شَارِحُهُ بَهْرَامُ وَمَا تَقَدَّمَ يَرُدُّهُ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ سَحْنُونٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ عِنْدَ رَفْعِهِ لِلسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِمَا جَاءَ أَنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ وَمِنْهُمْ مِنْ خَفَّفَ ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ

فرع ستر اليدين بالكمين في الصلاة

فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي نُقْصَانِ الْأَفْعَالِ مِنْ بَابِ السَّهْوِ: وَلَوْ جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فَالْمَشْهُورُ يُجْزِئُهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ يَرْجِعُ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً وَهَلْ يَرْجِعُ فَيَضَعُ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا أَوْ يَضَعُهُمَا عَلَى فَخْذَيْهِ فَقَطْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا تَرَكَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَتَرْفَعُ يَدَيْك عَنْ الْأَرْضِ عَلَى رُكْبَتَيْك أَمَّا وَضْعُهُمَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا رَفْعُهُمَا عَنْ الْأَرْضِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَرْفَعْهُمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْإِجْزَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِهِ. (قُلْت) وَبِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ أَدْرَكْت مَنْ لَقِيته يُفْتِي وَقَدْ أُخْبِرْت أَنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي إفْرِيقِيَّةَ كَانَ يُفْتِي بِالْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَرْفَعْهُمَا مَعًا وَبِالصِّحَّةِ إذَا رَفَعَ وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ عَلَى الرِّسَالَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَبُطْلَانِهَا قَوْلَانِ. [فَرْعٌ سَتْرُ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ فِي الصَّلَاة] (فَرْعٌ) قَالَ فِي بَابِ صِفَةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ بَشِيرٍ: وَيُكْرَهُ سَتْرُ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةُ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ الْحَرَكَةُ إلَى الْأَرْكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِنَفْسِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ] (مَسْأَلَةٌ) الْحَرَكَةُ إلَى الْأَرْكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِنَفْسِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا؟ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي أَوَائِلِ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِفَتَاوَى بَعْضِ الْإِفْرِيقِيِّينَ. ص (وَرَفْعٌ مِنْهُ) ش: يَعْنِي مِنْ السُّجُودِ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ فِي كَوْنِ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً خِلَافٌ وَعَلَى الْفَرْضِ فِي فَرْضِ الطُّمَأْنِينَةِ خِلَافٌ، انْتَهَى. وَعَدَّ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَكَذَلِكَ الشَّبِيبِيُّ لَمَّا عَدَّ فَرَائِضَ الصَّلَاةِ فِي أَوَائِلِ بَابِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا قَالَ: وَالْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: وَالسُّجُودُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَأَمَّا الْجُلُوسُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ، انْتَهَى وَفِي فَصْلِ السَّهْوِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: وَتَارِكُ سَجْدَةٍ يَجْلِسُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقِيلَ: يَرْجِعُ سَاجِدًا مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ جَلَسَ أَمَّا لَوْ جَلَسَ أَوَّلًا لَخَرَّ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ اتِّفَاقًا، وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينَ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْجُلُوسِ: أَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَوَاجِبٌ إجْمَاعًا، وَأَمَّا الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ فَسُنَّةٌ وَفِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَخِيرَ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ بِقَدْرِ السَّلَامِ، انْتَهَى فَانْظُرْ مَا حَكَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ. وَسَمِعْت أَنَّ عُمْدَتَهُ فِي كِتَابِهِ هَذَا الِاسْتِذْكَارُ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ حَذَّرُوا مِنْ إجْمَاعَاتِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَنْ اتِّفَاقِيَّاتِ ابْنِ رُشْدٍ وَمَنْ خِلَافِيَّاتِ الْبَاجِيِّ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَالْمَاءُ أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَوْ يَكُونُ الْخَلَلُ فِي الْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَقَدْ قَوِيَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَدْ حَكَى فِي الْإِكْمَالِ الْخِلَافَ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَلَامٌ عُرِّفَ بِأَلْ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا بُدَّ فِي السَّلَامِ مِنْ التَّلَفُّظِ وَلَوْ سَلَّمَ بِالنِّيَّةِ لَمْ يُجْزِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَادِرِ وَأَمَّا الْعَاجِزُ بِخَرَسٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِيهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّكْبِيرِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَكْفِي الْأَخْرَسَ نِيَّتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: بِلَا خِلَافٍ فِيهِ، انْتَهَى. وَالْعَاجِزُ لِغَيْرِ خَرَسٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْعَاجِزِ لِغَيْرِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَجَمَعَ بَيْنَ التَّنْوِينِ وَالْأَلْفِ وَاللَّامِ؟ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عِمْرَانَ كُنَّا نَحْفَظُ فِي الْمَجَالِسِ عَنْ الْجُورَانِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ، حَتَّى جَاءَ الشَّارْمَسَاحِيُّ فَقَالَ: يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ اللَّحَّانِ، الزَّنَاتِيُّ فِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ عَكْسُ مَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ انْتَهَى كَلَامُ الْجُزُولِيِّ، وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: عَلَيْكُمْ، فَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ

عَلَيْك بِإِسْقَاطِ الْمِيمِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا قَالَ: السَّلَامُ فَقَطْ فَأَحْرَى هُنَا، انْتَهَى وَانْظُرْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي أَوَّلِ شَرْحِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: وَكَذَا ظَاهِرُهَا لَوْ قَالَ السَّلَامُ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ أَقُولُ كَانَ شَيْخُنَا يُرْجِعُ فِي دَرْسِهِ الْإِجْزَاءَ لِجَوَازِ حَذْفِ الْخَبَرِ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ عِبَادَةٍ بَلْ الْجَارِي عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ لَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك بِإِسْقَاطِ الْمِيمِ فَقَطْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ، وَاخْتَلَفَ إذَا قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ مُنَكِّرًا الْفَتْوَى بِالْبُطْلَانِ، وَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ مُعَرِّفًا مُنَوِّنًا فَالْمَنْصُوصُ لِمُتَأَخِّرِي شُيُوخِنَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَخَرَجَ الْإِجْزَاءُ مِنْ اللَّحْنِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَفِي الْبُطْلَانِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحُلَلِ وَظَاهِرُ مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، انْتَهَى. زَادَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ وَلَا أَعْرِفُ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكُلُّ هَذَا الْخِلَافِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَالْمَطْلُوبُ عَدَمُهُ انْتَهَى. وَفِي أَوَائِلِ الْعَارِضَةِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَفْظُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، مُعَرِّفًا فَإِنْ نَكَّرَهُ أَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَفِيهِ قَوْلَانِ الْأَصَحُّ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ، انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ شَرَعَ فِي السَّلَامِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، ثُمَّ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْعِيدِ أَنَّ الصَّلَاةَ بَاطِلَةٌ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ وَقَوْلُهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كَلِمَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ لَا تَضُرُّ فِيهَا، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، وَإِنْ ثَبَتَ بِهَا الْحَدِيثُ إذْ لَيْسَ مِمَّا عَمِلَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كَالتَّسْلِيمِ ثَانِيَةً لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَحَكَى الْجُزُولِيُّ فِي زِيَادَةِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ الْجَوَازَ وَلَمْ يَعْزُهُ، وَهَذَا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ صَحِيحٌ وَعَلَى الرُّكْنِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ، انْتَهَى. يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّلَامَ شَرْطٌ فَالشَّرْطُ خَارِجٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ فَإِذَا زَادَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فَكَأَنَّهُ زَادَهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رُكْنٌ تَكُونُ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ فَفِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ بِهِ خِلَافٌ) ش قَالَ الْجُزُولِيُّ يَنْوِي الْإِمَامُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَوَائِلِ الْعَارِضَةِ: بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ وَأَنَّ تَحْلِيلَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَلَا يَكُونَانِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِكُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ مُضَادٍّ كَالْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَلُّ شَرْعًا مَا كَانَ مُنْعَقِدًا إلَّا بِقَصْدٍ كَمَا لَمْ يَرْتَبِطْ إلَّا بِقَصْدٍ وَلِأَنَّ السَّلَامَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْخُرُوجُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالْخُرُوجِ عَنْ الْحَجِّ وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَإِنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْحَجِّ بِفِعْلٍ يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الرَّمْيُ أَوْ الطَّوَافُ، وَمِنْ حُكْمِ النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُقْتَرِنَةً بِالسَّلَامِ كَمَا أَنَّ مِنْ حُكْمِهَا أَنْ تَكُونَ مُقْتَرِنَةً بِالْإِحْرَامِ غَيْرَ مُتَقَدِّمَةٍ وَلَا مُتَأَخِّرَةٍ إلَّا أَنْ تُقَدَّمَ وَتُسْتَصْحَبَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشِّفَاءِ وَاسْتَحَبَّ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِنْسَانُ حِينَ سَلَامِهِ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَبَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ، انْتَهَى. يَعْنِي إذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ السَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ سَلَامِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ السَّلَامَ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَى عَلِيٌّ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. وَقَالَ

فِي الْمَبْسُوطُ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَاقَ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَرَادَ مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ عِنْدَ سَلَامِهِمَا إذَا قَضَيَا التَّشَهُّدَ ذَلِكَ ثُمَّ يُسَلِّمَانِ، انْتَهَى. ص (وَاعْتِدَالٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ) ش مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فِيهَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي: وَصَلَاتُهُمْ عَلَى ظَهْرِهَا أَفْذَاذًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صَلَاتِهِمْ فِي جَمَاعَةٍ مُنْحَنِيَةً - رُءُوسُهُمْ تَحْتَ سَقْفِهَا، انْتَهَى ابْنُ بَشِيرٍ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِانْحِنَاءَ كَثِيرٌ وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَسِيرًا لَكَانَ الْجَمْعُ - أَوْلَى انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي آخِرِ بَابِ أَحْكَامِ الْقَصْرِ مِنْ كِتَابِ التَّنْبِيهِ لَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَكَذَا انْحِنَاءُ مِثْلِ السَّفِينَةِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَرَاجِعْهُ. ص (وَسُنَنُهَا سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) ش: يُرِيدُ فِي الْفَرْضِ لَا فِي النَّفْلِ وَالْوَتْرِ فَإِنْ تَرَكَ السُّورَةَ فِيهِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: لِأَنَّ سُنَنَ الْفَرَائِضِ فَضَائِلُ السُّنَنِ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ هَذِهِ إحْدَى مَسَائِلَ خَمْسٍ مُسْتَثْنَاةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: السَّهْوُ فِي النَّافِلَةِ كَالسَّهْوِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالثَّانِيَةُ الْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالثَّالِثَةُ السِّرُّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ. وَالرَّابِعَةُ إذَا عَقَدَ رَكْعَةً ثَالِثَةً فِي النَّفْلِ أَتَمَّ رَابِعَةً بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ. الْخَامِسَةُ - إذَا نَسِيَ رُكْنًا مِنْ النَّافِلَةِ، وَطَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْأَلْغَازِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّ مَنْ تَرَكَ السُّورَةَ فِي الْوَتْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ وَإِنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا سَجَدَ لَهَا وَلَمْ يُعِدْ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَا يَقْرَأُ بِبَعْضِ السُّورَةِ فَإِنْ قَرَأَ بِبَعْضِ السُّورَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفَعَلَ مَكْرُوهًا (فَرْعٌ) مِنْهُ، أَيْضًا يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى السُّورَةِ سُورَةً أُخْرَى فَإِنْ زَادَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَقْرَأُ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ إذَا فَرَغَ مِنْ السُّورَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سُكُوتِهِ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ، انْتَهَى وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ وَانْظُرْ رَسْمَ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ

فرع نوى أن يقرأ سورة في الصلاة

أَوْ الْآيَةِ قَطَعَهَا وَرَكَعَ وَابْتَدَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ غَيْرِهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالسُّورَةُ بَعْدَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ سُنَّةٌ. (تَنْبِيهٌ) وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ يَقْتَضِي أَنَّ تَكْمِيلَ السُّورَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ نَعَمْ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ سُورَةٍ كَامِلَةٍ وَبَعْضُ سُورَةٍ تُجْزِئُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ السُّجُودُ انْتَهَى، وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ. [فَرْعٌ نَوَى أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الصَّلَاة] (فَرْعٌ) مَنْ نَوَى أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَرْكَعَ حَتَّى يَقْرَأَ قَدْرَهَا قَالَ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ فِيمَا إذَا وَقَفَ الْقَارِئُ فِي الصَّلَاةِ وَاعِيًا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ سُورَةً، أُخْرَى قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ اسْتِحْبَابِهِ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ سُورَةً فَقَدْ نَوَى إتْمَامَهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يَرْكَعَ حَتَّى يَقْرَأَ قَدْرَ مَا كَانَ نَوَى قِرَاءَتَهُ، انْتَهَى. ص (وَجَهْرٌ أَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَلِيهِ) ش قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اعْلَمْ أَنَّ أَدْنَى السِّرِّ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَقَطْ وَأَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَأَعْلَاهُ لَا حَدَّ لَهُ انْتَهَى. زَادَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَمَنْ قَرَأَ فِي قَلْبِهِ فِي الصَّلَاةِ فَكَالْعَدَمِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ فِي قَلْبِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمَعُ سَحْنُونِ ابْنِ الْقَاسِمِ تَحْرِيكُ لِسَانِ الْمُسِرِّ فَقَطْ يُجْزِئُهُ وَأُحِبُّ إسْمَاعَ نَفْسِهِ. ابْنُ رُشْدٍ وَجَهْرُهُ إسْمَاعُ غَيْرِهِ، وَأُحِبُّ فَوْقَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ أَدْنَى السِّرِّ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: فَأَمَّا الْجَهْرُ فَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَلِيهِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ مَفْهُومُهُ إذَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَلِيهِ لَا يَكُونُ جَهْرًا بَلْ سِرًّا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ كَمَا قَالَ وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ أَقَلُّ الْجَهْرِ وَأَمَّا أَعْلَاهُ فَلَا نِهَايَةَ لَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَمَنْ يَلِيهِ، أَنْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْمَعُ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَالْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ وَالْأَقْفَهْسِيُّ يُرِيدُ تُسْمِعُ نَفْسَهَا خَاصَّةً فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي فِي حَقِّهَا السِّرُّ وَالْجَهْرُ إذْ غِيَاءُ سِرِّ الرَّجُلِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الزَّنَاتِيِّ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا الْجَهْرُ فَأَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ دُونَ الرِّجْلِ فِي الْجَهْرِ أَنَّهُ قَالَ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَحْدَهُ مِمَّنْ يَقْرُبُ مِنْهُ مُصَلٍّ آخَرُ فَحُكْمُهُ فِي جَهْرِهِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُبَالِغُ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ فُصُولِ الْعَالِمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ وَفِي الْمَسْجِدِ مَا نَصُّهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ عُلَمَاءَنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ قَالُوا فِيمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى أَوْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ مِنْ صَلَاةِ الْجَهْرِ: إنَّهُ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ فَيَجْهَرُ فِي ذَلِكَ بِأَقَلِّ مَرَاتِبِ الْجَهْرِ وَهُوَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَمَنْ يَلِيهِ خِيفَةَ أَنْ يُشَوِّشَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْبُوقِينَ هَذَا وَهُوَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ فَمَا بَالُكَ بِرَفْعِ صَوْتِ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَجُوزُ لِمُصَلٍّ بِالْمَسْجِدِ وَبِجَنْبِهِ مُصَلٍّ آخَرُ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ قَبْلَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: الْمَسْجِدُ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ مَا لَمْ تَضُرَّ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا أَضَرَّتْ بِهَا مُنِعَتْ، انْتَهَى. ص (وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةٌ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ حَيْثُ جَعَلَهُ يَسْجُدُ لِتَكْبِيرَتَيْنِ وَصَرَّحَ الْبُرْزُلِيُّ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَنَصُّهُ: مَسْأَلَةُ مَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي صَلَاتِهِ شَهْرًا أَعَادَهَا كُلَّهَا. (قُلْت) هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ سُنَنٌ، وَمَنْ يَقُولُ: كُلُّهُ سُنَّةٌ لَا يُعِيدُ، انْتَهَى. ص (وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) ش: قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الدُّعَاءُ لِقَبُولِ التَّحْمِيدِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: الْمُرَادُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى التَّحْمِيدِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْحُذَّاقُ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَمَّا

رَأَيْنَا الْمُنْفَرِدَ لَا مُجَاوِبَ لَهُ أَمَرْنَاهُ بِأَنْ يُجَاوِبَ نَفْسَهُ، انْتَهَى. ص (وَرَدُّ مُقْتَدٍ عَلَى إمَامِهِ ثُمَّ يَسَارِهِ وَبِهِ أَحَدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَرُدَّ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْمَأْمُومُ السَّلَامَ عَلَى إمَامِهِ بِأَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَرُدَّ عَلَى مَنْ فِي جِهَةِ يَسَارِهِ إنْ كَانَ فِيهَا أَحَدٌ تَسْلِيمَةً ثَالِثَةً، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ الْأُولَى عَلَى يَمِينِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْإِمَامِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ وَيُرِيدُ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ يَقْصِدُ بِالثَّانِيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ. (قُلْت) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ وَالْمَأْمُومُ رُوِيَتْ تَسْلِيمَتَانِ يَرُدُّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْإِمَامِ وَرُوِيَتْ ثَالِثَةٌ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ بَعْدَ تَقْدِيمِهَا عَلَى رَدِّ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَقْصِدُ بِهَا الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ تَسْلِيمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ يَتَحَلَّلُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَأُخْرَى يَرُدُّ بِهَا عَلَى إمَامِهِ وَهَلْ يَرُدُّ بِتِلْكَ الثَّانِيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَوْ يُسَلِّمُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمَةً ثَالِثَةً؟ قَالَ الْقَاضِي: ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، انْتَهَى. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمَسَالِكِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَنَصُّهُ الَّذِي أَقُولُ بِهِ: أَنَّهُ يُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ يَعْتَقِدُ بِهَا الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ يَعْتَقِدُ بِهَا الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّالِثَةُ احْذَرُوهَا فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَعْلُولٌ، انْتَهَى. الْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ يُسَلِّمُ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ لَكِنَّهُ يَبْدَأُ بِالرَّدِّ عَلَى الْيَسَارِ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا الْقَوْلُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: إنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ رِوَايَةً، فَيَتَحَصَّلُ فِي سَلَامِ الْمَأْمُومِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ وَاسْتَدَلَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْمَشْهُورِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: الْأَصْلُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» (قُلْت) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ عَلَى الْإِمَامِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَأَمَرَنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ ذَكَرَ التَّشَهُّدَ «وَقَالَ: ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى الْيَمِينِ ثُمَّ عَلَى قَارِئِكُمْ ثُمَّ عَلَى أَنْفُسِكُمْ.» وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْيَسَارِ أَنَّ سَلَامَهُ سَبَقَ سَلَامَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَيْهِ سَابِقًا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الرَّدِّ عَلَى الْيَسَارِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ هُوَ مَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ يَجِبُ اتِّصَالُهُ بِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وَالْإِمَامُ قَدْ انْقَطَعَ اتِّصَالُ تَحِيَّتِهِ بِسَلَامِ الْمَأْمُومِ فَإِذَا انْخَرَمَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ فَلَا يَنْخَرِمُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ مَعَ إمْكَانِهِ وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَقَالَ: لِأَنَّ رَدَّ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ وَيَجِبُ اتِّصَالُهُ بِهَا إلَى آخِرِهِ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمَسَالِكِ: لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الرَّدِّ الِاتِّصَالَ. وَوَجَّهَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ مَنْ فِي الْيَسَارِ خَصَّهُ بِالسَّلَامِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ فِي عُمُومِ الْمَأْمُومِينَ فَمَنْ خَصَّهُ بِالتَّسْلِيمِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَوَجْهُ

الرِّوَايَةِ بِالتَّخْيِيرِ تَعَارُضُ مُقْتَضَيَاتِ التَّقْدِيمِ مَعَ الِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى التَّسْلِيمَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَكْثَرُ مِنْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَجَبَ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِتَسْلِيمَةٍ. قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدُّ، فَأَجْزَأَ فِيهِ سَلَامٌ وَاحِدٌ، كَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَجَمَعَهُمْ فِي الرَّدِّ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ هَلْ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً؟ قِيلَ يَرُدُّ قِيَاسًا عَلَى جُمْلَةِ الْمَأْمُومِينَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ تَسْلِيمَةً، وَقِيلَ: لَا يَجْمَعُ تَشْرِيفًا لِلْإِمَامِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا فَسَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْيَسَارِ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ، وَعَدَّهُمَا الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي قَوَاعِدِهِ سُنَّتَيْنِ، وَعَدَّهُمَا ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ فَضِيلَتَيْنِ وَعَدَّ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتُ وَالْقَرَافِيُّ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ السُّنَنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَعَهُ الرَّدَّ عَلَى الْيَسَارِ وَلَا نَبَّهُوا عَلَى حُكْمِهِ، وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ: عَدَّ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ السُّنَنِ وَلَمْ يَعُدُّوا فِيهَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ عَلَى الْيَسَارِ. (الثَّانِي) قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ الرَّدِّ حَتَّى يُسَلِّمَ مَنْ فِي الْيَسَارِ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُؤَخِّرَ سَلَامَهُ بَلْ يَتَحَلَّلَ عَقِبَ سَلَامِ إمَامِهِ فَيُوقِعَ الرَّدَّ مَوْقِعَهُ، فَمَنْ أَخَّرَ سَلَامَهُ لَمْ يَنْتَظِرْ وَرَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَهُ لَمَّا كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ كَانَ فِي حُكْمِ الْوَاقِعِ، وَتَعَلَّقَ الرَّدُّ بِمَحِلِّهِ وَقَعَ فِيهِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ فَأَسْقَطَ مِنْهُ لَفْظَ " غَيْرُ " وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُشْتَرَطٌ هَكَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْهُ وَاخْتَصَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَلَّابِ كَذَلِكَ فَقَالَ: يُسَلِّمُ عَلَى يَسَارِهِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ حَتَّى يُسَلِّمَ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ، وَمَنْ أَخَّرَ سَلَامَهُ لَمْ يُنْتَظَرْ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَصَارَ آخِرُ الْكَلَامِ يُدَافِعُ أَوَّلَهُ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالَ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَسَارِ التَّأَخُّرُ حَتَّى يُسَلِّمَ مَنْ عَلَى الْيَسَارِ؟ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسَارِ الْمَأْمُومِ أَحَدٌ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ يَعْنِي كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ عَلَى يَسَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالذَّخِيرَةِ. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ يُقَوِّي الْقَوْلَ الَّذِي يَقُولُ بِتَقْدِيمِ الرَّدِّ عَلَى الْيَسَارِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ: إنَّهُ لَا يُسَلِّمُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ فَلَوْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَهُ مُتَأَخِّرٌ وَلَيْسَ هُوَ مَحِلُّهُ حَتَّى يُقَامَ مَحِلُّهُ مَقَامَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَرُدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَلَامَهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ فَلْيُقِمْ مَنْ يَلِيهِ السَّلَامَ عَلَى سُنَّتِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُ الرَّدِّ الْجَوَابَ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ اعْتِبَارُ التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُ وَإِنَّمَا التَّسْلِيمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا شُرِّعَ الرَّدُّ لِهَيْئَةِ الْمُصَلِّي وَتَشْبِيهًا بِالْمُسْلِمِينَ فَصَارَ فِي نَفْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِ الْمُصَلِّينَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، حَتَّى يَرُدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْصِدْ السَّلَامَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالذَّخِيرَةِ بِاخْتِصَارٍ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: فَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ قَالَ سَنَدٌ: يُحْتَمَلُ عَدَمُ الرَّدِّ لِتَأْخِيرِ سَلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَفِيهِ مِيلٌ إلَى تَرْجِيحِ السَّلَامِ عَلَى الْيَسَارِ إذَا كَانَ فِيهِ

مَسْبُوقٌ قَامَ لِلْقَضَاءِ. (قُلْت) وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ أَخَذَ وَهُوَ الظَّاهِرُ إنْ كَانَ الْمَسْبُوقُ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ مَا قُلْنَا: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الرِّسَالَةِ وَيَرُدُّ أُخْرَى عَلَى مَنْ كَانَ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَمْ يَرُدَّ عَلَى يَسَارِهِ شَيْئًا قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُخَالَفَةِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ لِقَوْلِ غَيْرِهَا: أَوَّلُ مَا سَمِعْته مِنْ شَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ الصَّفَاقُسِيِّ ذَكَرَهُ فِي دَرْسِ شَيْخِنَا الشَّبِيبِيِّ وَسَلَّمَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ الرِّسَالَةِ مُفَسِّرٌ لِغَيْرِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، انْتَهَى. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنْ يُؤَوَّلَ كَلَامُ الرِّسَالَةِ وَيُوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَيُقَالُ: إنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا يُعْمَلُ بِمَفْهُومِهِ وَنَبَّهَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْيَسَارِ إذَا كَانَ فِيهِ مَسْبُوقٌ وَلَمْ يَذْكُرَا خِلَافَهُ وَكَذَا الشَّيْخُ زَرُّوق وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فَقَالَ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَمْ يَرُدَّ عَلَى يَسَارِهِ شَيْئًا فَلَا يُسَلِّمُ عَلَى مُدْرِكٍ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ قَدْ قَامَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَفِي كُلِّهَا اخْتِلَافٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ عَلَى الْيَسَارِ مَسْبُوقٌ فَهَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَاحْتِمَالُ كَلَامِهِ لِهَذَا فِيهِ بُعْدٌ، انْتَهَى. (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَنْصُوصٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُمَا أَشَارَا بِالْخِلَافِ إلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الرِّسَالَةِ وَكَلَامِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الطِّرَازِ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ فِي الطِّرَازِ: يَمْنَةً وَيَسْرَةً، هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا. (الْخَامِسُ) اُخْتُلِفَ فِي سَلَامِ الْمَسْبُوقِ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَقِيلَ: كَسَلَامِ الْفَذِّ، وَقِيلَ: كَسَلَامِ الْمَأْمُومِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ انْصَرَفَ أَمْ لَا، انْتَهَى. قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: عَلَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ثُبُوتَ سَلَامِ الرَّدِّ بِأَنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ بَاقٍ عَلَيْهِ فِي فَضَائِلِهِ وَعَلَّلَ بَقِيَّةٌ بِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الرَّدِّ الِاتِّصَالَ بِسَلَامِ الِابْتِدَاءِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ لَمْ يَثْبُتْ الرَّدُّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي وُجُودَ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ حَاضِرًا، وَأَشَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِي إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ حُضُورِ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مَعَ غَيْبَتِهِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ. (قُلْت) وَبَعْضُ أَشْيَاخِهِ هُوَ اللَّخْمِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا فَاتَ الْمَأْمُومَ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَضَى مَا فَاتَهُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَمْ يَنْصَرِفْ وَلَا مَنْ عَلَى يَسَارِ الْمَأْمُومِ رَدَّ عَلَيْهِمَا، وَاخْتُلِفَ إذَا انْصَرَفَا فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ: مَرَّةً لَا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا، وَمَرَّةً قَالَ: يَرُدُّ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ يَتَضَمَّنُ دُعَاءً وَهُوَ تَحِيَّةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُمْ يَجِبُ رَدُّهَا، انْتَهَى. وَهَكَذَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّهُ إذَا قَضَى صَلَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفُوا فَلَا إشْكَالَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْبُوقِ إذَا قَامَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ هَلْ يُسَلِّمُ سَلَامَ الْفَذِّ أَوْ سَلَامَ الْمَأْمُومِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنْ قَضَى مَا بَقِيَ قَبْلَ قِيَامِهِمْ يُسَلِّمُ سَلَامَ الْمَأْمُومِ قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى. (قُلْت) وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي اخْتَارَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ الَّتِي رَجَعَ إلَيْهَا مَالِكٌ فَيَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُسَلِّمُ سَلَامَ الْمَأْمُومِ إنْ لَمْ يَنْصَرِفْ الْإِمَامُ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِاتِّفَاقٍ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ بَعْضِ الشُّيُوخِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ، وَكَذَا إذَا انْصَرَفُوا عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَالْمَسْبُوقُ كَغَيْرِهِ،

وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ لَمْ يَذْهَبَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ أَحَدٌ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ. (قُلْت) لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا مَالِكٌ لِرُجُوعِ مَالِكٍ عَنْهَا فَلَا يُعْمَلُ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَنْ عَلَى الْيَسَارِ، وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَامَّةٌ فِي الْإِمَامِ وَمَنْ عَلَى الْيَسَارِ؛ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَبِهِ أَحَدٌ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَبِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ أَدْرَكَ مَعَهُمْ الْمَأْمُومُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَدْرَكَهُ مَعَهُمْ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ ذَهَبَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهُ عَلَى يَسَارِهِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَدْرَكَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَلَسَ فِيهِ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك كَثْرَةُ فَوَائِدِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَبِهِ أَحَدٌ، مَعَ شِدَّةِ اخْتِصَارِهِ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا التَّشَهُّدَ فَلَا يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ. وَقَالَ سَنَدٌ: لَمَّا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي رَدِّ الْمَسْبُوقِ عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ فَصَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ غَيْرَ التَّشَهُّدِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: هَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِرَدِّ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ فِي صَلَاتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِإِمَامٍ لَهُ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فَذًّا وَلِهَذَا لَا يَسْجُدُ مَعَهُ فِي سَهْوِهِ انْتَهَى. (قُلْت) وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَرُدَّ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَتَوَقَّفَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي فِي ذَلِكَ فَقَالَ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا التَّشَهُّدَ فَلَا يَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ. (قُلْت) وَانْظُرْ هَلْ يَرُدُّ عَلَى يَسَارِهِ؟ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَتُدْرِكُ فِيهِ الصُّبْحَ بِرَكْعَةٍ. عَنْ الْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَالشَّيْخِ زَرُّوق أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَسَلَامُهُ كَسَلَامِ الْمَأْمُومِ، وَأَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ فَسَلَامُهُ كَسَلَامِ الْفَذِّ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَالرَّدُّ عَلَى الْإِمَامِ فَرْضٌ خَارِجٌ عَنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ انْتَهَى. (قُلْت) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ لَا فِي النُّكَتِ وَلَا فِي التَّهْذِيبِ وَاَلَّذِي فِي اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَرُدُّ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً عَلَى الْإِمَامِ قَالَ: وَهُوَ أَحْسَنُ أَنْ يُجْرِيَ السَّلَامَ فِي الْعَدَدِ يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى مَا يَجْرِي فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، فَيَرُدُّ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ عَلَى شِمَالِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا؛ لِأَنَّ رَدَّ التَّحِيَّةِ فَرْضٌ وَالْإِمَامُ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ فَيَرُدُّوا عَلَيْهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِاَلَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَرَى تَسْلِيمَةَ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً خَارِجَةً عَنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا يُسَلِّمُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْبُوقِ، وَنَحْوُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ والتِّلِمْسَانِيِّ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ السَّلَامِ عَلَى الْيَسَارِ عَلَى السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ تَشْبِيهُ رَدِّ الْمُصَلِّي بِرَدِّ السَّلَامِ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَقَعُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ بِالتَّبَعِ فَلِذَلِكَ كَانَ الرَّدُّ سُنَّةً بِخِلَافِ الرَّدِّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ انْتَهَى. (قُلْت) وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَيْضًا فِي التَّنْبِيهِ التَّاسِعِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَرَكَ الرَّدَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ قَدْ رَدُّوا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ سُنَّةٌ وَلَا فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَإِنَّمَا هُوَ

عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَكَانَ أَمْرُهُ أَخَفَّ بِخِلَافِ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْلِمِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارِ الْقَرَافِيُّ فَإِذَا أَطْلَقَ الْوُجُوبَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَامَحَةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ لِأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ يَجِبُ اتِّصَالُهُ بِهَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّتُهَا كَمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمَسَالِكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُلَبِّيَ وَالْمُؤَذِّنَ يَرُدَّانِ السَّلَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ جَهِلَ تَرْكَ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْأُولَى أَوْ جَهِلَ فَتَرَكَ الثَّانِيَةَ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (الثَّامِنُ) قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيَرُدُّ أُخْرَى عَلَى الْإِمَامِ قُبَالَتَهُ يُشِيرُ إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهَا: قَالَ ابْنُ سَعْدُونٍ: لَوْ صَلَّى الْمَأْمُومُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَى الْإِمَامِ عَلَى حَالِهِ وَيَنْوِي الْإِمَامَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَيَكُونُ سَلَامُهُ عَلَى إمَامِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُشِيرَ إلَى نَاحِيَةِ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُشِيرَ إلَى الْمَأْمُومِينَ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ وَجْهَهُ وَالنِّيَّةُ تُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَوْلُهُ: قُبَالَةَ وَجْهِهِ أَيْ قُبَالَةَ الْمَأْمُومِ وَقَوْلُهُ يُشِيرُ إلَيْهِ، قِيلَ: بِقَلْبِهِ، وَقِيلَ: بِرَأْسِهِ إذَا كَانَ أَمَامَهُ وَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ تَرَكَ الْإِشَارَةَ بِرَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَيْهِ، يُرِيدُ إذَا كَانَ أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ فَيُشِيرُ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ هُنَا بِالْقَصْدِ إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الشَّيْخُ انْتَهَى. كَأَنَّهُ يَعْنِي بِالشَّيْخِ نَفْسَهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الْقَصْدُ لَا الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُرَادَ الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعُ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَيَقْصِدُ الْإِمَامُ بِهَا أَيْ بِالتَّسْلِيمَةِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُقْتَدِينَ، وَيَقْصِدُ الْفَذُّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيُسَلِّمُ أَوَّلًا تَسْلِيمَةً يُشِيرُ بِهَا إلَى يَمِينِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ يَبْتَدِئُ بَعْدَهَا بِالرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُصَلِّينَ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ فَلَا يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى النَّقْلِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَالْمَأْمُومُ يُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ، يَنْوِي بِالْأُولَى التَّحْلِيلَ وَبِالثَّانِيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ نَوَى الرَّدَّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَعِنْدَنَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ تَسْلِيمَةَ التَّحْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالْأُولَى التَّحْلِيلَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ إنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ وَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ. وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سَلَامٌ يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ تَحِيَّةَ مَخْلُوقٍ وَلَا مُخَاطِبَهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مِنْ عَابِرِي السَّبِيلِ أَوْ التَّحِيَّةَ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُصَلِّينَ، انْتَهَى. (الْعَاشِرُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلَ، وَلَفْظُهُ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً كَذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَمَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِتَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَدَثَ التَّسْلِيمَتَانِ مُنْذُ كَانَ بَنُو هَاشِمٍ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ فِي آخِرِ رَسْمِ شَكٍّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالْأَمْرِ الَّذِي أَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَهُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ مَطْلُوبَةٌ مِنْ الْكَافَّةِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا مَطْلُوبٌ إلَّا بِأَمْرٍ

مُسْتَفِيضٍ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ سِيَّمَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَبِهَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ وَقُبِضَ الرَّسُولُ، وَأَقَامَتْ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ الصَّلَوَاتِ فِي الْجُمَعِ عَلَى مَا كَانَتْ تُقَامُ يَوْمَ وَفَاتِهِ وَاتَّصَلَ بِذَلِكَ عَمَلُ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ، انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ قَبْلَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَرَوَى مُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَذَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ وَتَسْلِيمَةً عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ تَخْرِيجًا عَلَى ذَلِكَ: إنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ رِوَايَتَيْنِ كَالْفَذِّ فَقَالَ الْإِمَامُ: وَالْفَذُّ يُسَلِّمَانِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ وَلَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْهُمَا، انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً. الثَّانِيَةُ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ. قَالَ: وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ خَلْفَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُمَا. الثَّالِثَةُ ذَكَرَهَا أَبُو الْفَرَجِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً. قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ أُخْرَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَالْإِمَامُ وَالْفَذُّ تَسْلِيمَةً اللَّخْمِيُّ وَرُوِيَتْ ثَانِيَةٌ عَنْ الْيَسَارِ. أَبُو الْفَرَجِ إنْ كَانَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَحَدٌ وَرَوَى الْمَازِرِيُّ يُخْفِي سَلَامَهُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ؛ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: فَفِي الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ عِيَاضٌ الْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ، وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ ابْنِ زَرْقُونٍ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ: الْإِمَامُ وَاحِدَةً، انْتَهَى. (قُلْت) لَيْسَ بِعَجِيبٍ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْبَاجِيِّ فِي جَعْلِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ تَخْرِيجًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ بِتَشْهِيرِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْفَذَّ يُسَلِّمَانِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) كُلُّ مَنْ أَثْبَتَ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ إلَّا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنَ بْنَ الصَّلَاحِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ أَحْدَثَ الْمُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وِفَاقًا بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، وَلَا يَشْتَرِطُ أَحَدٌ التَّسْلِيمَتَيْنِ إلَّا ابْنَ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُمَا، وَمَنْ تَأَخَّرَ، انْتَهَى. (الثَّانِي عَشَرَ) قَالَ فِي رَسْمِ نَذْرِ سُنَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ مَعَ الْإِمَامِ مَتَى يَقُومُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدَةً أَوْ يَنْتَظِرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ انْتَظَرَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سَلَامِهِ ثُمَّ يَقُومُ، وَقَالَ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ: إنْ قَامَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَاحِدَةً فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ السَّلَامَ الْأَوَّلَ هُوَ الْفَرْضُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَ سُنَّةٌ، فَإِذَا قَامَ بَعْدَ سَلَامِهِ الْأَوَّلِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ انْتَهَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ لِقَضَاءِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُومُ لِلْقَضَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ تَسْلِيمِهِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَإِنْ قَامَ بَعْدَ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُعِيدُ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَعَلَى هَذَا لَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ الْأُولَى أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالْقَرَافِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي سَلَامِهِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ نَصٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ لَمَّا ذَكَرَ الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَجَعَلَاهُ مِنْ تَمَامِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَا ذَكَرَهُ عَنْهُ

فِي النَّوَادِرِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَهْرٌ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ فَقَطْ) ش: اعْلَمْ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْزِمَ تَحْرِيمَهُ وَتَسْلِيمَهُ وَلَا يُمَطِّطَهُمَا؛ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ بِهِمَا مَنْ وَرَاءَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّوَادِرِ وَمَعْنَى الْجَزْمِ الِاخْتِصَارُ وَأَمَّا الْجَهْرُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْهَرَ بِجَمِيعِ التَّكْبِيرِ وَبِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ وَرَاءَهُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَسَلَامُ الْإِمَامِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ فِي الْجَهْرِ بِهِ كَسَلَامِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَحَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْمَطْلُوبُ فِي حَقِّهِ الْجَهْرُ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي الرَّدَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى فَالْأَحَبُّ فِيهِ السِّرُّ. نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَانْظُرْ مَا حُكْمُ الْفَذِّ فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ الْآنَ مَنْقُولًا، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى الْيَسَارِ ثُمَّ تَكَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ) ش: يُرِيدُ إذَا سَلَّمَ قَاصِدًا بِذَلِكَ التَّحْلِيلَ فَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهِ الْفَضِيلَةَ فَتَبْطُلُ كَمَا صَوَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَانْظُرْ الشَّبِيبِيَّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسُتْرَةٌ لِإِمَامٍ وَفَذٍّ) ش: عَطَفَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالسُّتْرَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِيلَ: سُنَّةٌ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسُتْرَةُ الْمُصَلِّي غَيْرَ مَأْمُومٍ حَيْثُ تَوَقَّعَ مَارًّا، قَالَ عِيَاضٌ: مُسْتَحَبَّةٌ. الْبَاجِيُّ: مَنْدُوبَةٌ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مُتَأَكِّدَةٌ. الْكَافِي: حَسَنَةٌ. وَقِيلَ: سُنَّةٌ. انْتَهَى وَنَحْوُهُ لِلْأَبِيِّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ السُّتْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَهُ عِيَاضٌ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْبَاجِيِّ: مَنْدُوبَةٌ. الثَّانِي سُنَّةٌ قَالَهُ فِي الْكَافِي. الثَّالِثُ وَاجِبَةٌ خَرَّجَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ تَأْثِيمِ الْمَارِّ وَلَهُ مَنْدُوحَةٌ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى تَعَلُّقِ التَّأْثِيمِ بِالْمُرُورِ نَصٌّ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَزِمَ دُونَ مُرُورٍ وَفِي التَّوْضِيحِ الْأَمْرُ أَمْرُ نَدْبٍ كَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ التُّونُسِيُّ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَوْعِظَةِ الَّذِي يُصَلِّي إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ قَالَ: لَا أَدْرِي وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ. وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْوَى عَلَى أَنْ يَعِظَ النَّاسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْلَمَةَ، وَمَنْ تَرَكَ السُّتْرَةَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: السُّنَّةُ الصَّلَاةُ إلَى السُّتْرَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ التُّونُسِيُّ اُنْظُرْ قَوْلَهُ: مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ سُنَنِهَا وَافْهَمْ ذَلِكَ وَرَتِّبْهُ عَلَى الْحُكْمِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ، انْتَهَى. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْأَمْرِ بِالسُّتْرَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: الْكَلَامُ هُنَا فِي السُّتْرَةِ وَهِيَ مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ الدُّنُوُّ مِنْ السُّتْرَةِ لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ. قَالَ الْقَبَّابُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ السُّتْرَةُ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ وَالسُّتْرَةُ عِنْدَنَا مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتهَا انْتَهَى. ص (إنْ خَشِيَا مُرُورًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُصَلِّي فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُ فِيهِ مِنْ مُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُؤْمَرُ بِهَا مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. ص (بِطَاهِرٍ ثَابِتٍ غَيْرِ مُشْغِلٍ فِي غِلَظِ رُمْحٍ وَطُولِ ذِرَاعٍ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَقَلُّهَا قَدْرُ عَظْمِ

الذِّرَاعِ فِي جِلَّةِ الرُّمْحِ ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ فِي جِلَّةِ الْحَرْبَةِ وَفِيهَا بِسُتْرَةِ قَدْرِ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ وَهُوَ نَحْوٌ مِنْ عَظْمِ الذِّرَاعِ فِي جِلَّةِ الرُّمْحِ وَإِنَّمَا كُرِهَ مَا دَقَّ جِدًّا انْتَهَى وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْخَطُّ بَاطِلٌ وَلَا يُصَلِّي فِي الْحَضَرِ إلَّا إلَى السُّتْرَةِ وَيَدْنُو مِنْهَا وَبِسُتْرَةِ قَدْرِ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ هُوَ نَحْوٌ مِنْ عَظْمِ الذِّرَاعِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فِي جِلَّةِ الرُّمْحِ وَالْحَرْبَةِ، وَلَيْسَ السَّوْطُ بِسُتْرَةٍ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ دُونَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ وَدُونَ جِلَّةِ الرُّمْحِ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ. قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ ارْتِفَاعُ شِبْرٍ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ نَحْوٌ مِنْ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَاتٍ عَنْ مَالِكٍ قَدْرُ الذِّرَاعِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ عَظْمَ الذِّرَاعِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ ذَلِكَ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَاتٍ فِي الْجَلَّابِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِيهِ لِمَالِكٍ حَتَّى يَعْزُوهُ لِغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مَا عُلُوُّهُ ذِرَاعٌ فِي غِلَظِ الرُّمْحِ انْتَهَى. وَجِلَّةُ الرُّمْحِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ غِلَظُهُ قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمَا اسْتَلْزَمَهُ مِنْ طَاهِرٍ ثَابِتٍ غَيْرِ مُشَوِّشٍ مِثْلُهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ الْقَلَنْسُوَةُ وَالْوِسَادَةُ ذَوَاتَا ارْتِفَاعِ سُتْرَةٍ، وَرَوَاهُ عَلِيٌّ بِقَيْدِ إنْ لَمْ يَجِدْ، انْتَهَى. ص (لَا دَابَّةٌ وَحَجَرٌ وَاحِدٌ وَخَطٌّ وَأَجْنَبِيَّةٌ وَفِي الْمُحْرِمِ قَوْلَانِ) ش قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ صَلَّى إلَى نَائِمٍ لَمْ يُعِدْ، وَمَنْ اسْتَتَرَ بِجَنْبِ رَجُلٍ فَلَا بَأْسَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَتِرَ الرَّجُلُ بِقَلَنْسُوَتِهِ إذَا كَانَ بِهَا ارْتِفَاعٌ وَكَذَلِكَ الْوِسَادَةُ وَالْمِرْفَقَةُ وَلَيْسَتْ النَّارُ وَلَا الْمَاءُ وَلَا الْوَادِي سُتْرَةً وَلَا يَسْتَتِرُ الْمُصَلِّي بِرِدَائِهِ وَلَا يَسْتَتِرُ بِمُخَنَّثٍ وَلَا مَأْبُونٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ إلَى مَنْ يُوَاجِهُهُ، وَلَا يَسْتَتِرُ بِشَيْءٍ يُخَافُ زَوَالُهُ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ وَجَاوَزَهُ فَلَا يَرُدُّهُ وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْهُ لَرَدَّهُ فَإِنْ جَذَبَهُ فَخَرَّ مَيِّتًا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا يَسْتَتِرُ بِالْمُصْحَفِ وَلَا بَأْسَ بِالسُّتْرَةِ بِالصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ

فرع صلى خلف أحد من أهل البدع

لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ الْوُضُوءِ وَلَا بَأْسَ بِالسُّتْرَةِ بِالْمُتَحَدَّثِينَ مَا لَمْ يَكُونُوا مُتَحَلِّقِينَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَاخْتَارَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ وَشَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ أَنَّ الرِّدَاءَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَوْنِهِ يُعْمَلُ سِتْرًا لِلْبَابِ يَكْفِي فِي السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ قَدْرِ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ إنْ كَانَ مُتَرَاكِمًا وَمَا قَالَهُ فِي الزَّرْعِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الرِّدَاءُ وَشَبَهُهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ لِرِقَّتِهِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنُ نَاجِي. (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى وَجْهِ الرَّجُلِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ فِي صَلَاتِهِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ الشَّغْلِ وَاَلَّذِي يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الرَّجُلِ قَرِيبًا مِنْهُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَلْتَفِتَ فَيَسْتَقْبِلَهُ بِوَجْهِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى كُرِهَتْ الصَّلَاةُ إلَى الْمُتَحَلِّقِينَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. [فَرْعٌ صَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ جَاهِلًا بِبِدْعَتِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَهُ سُتْرَةً فِي نَافِلَةٍ فَكَيْفَ بِأَنْ يَجْعَلَهُ إمَامًا فِي فَرِيضَةٍ انْتَهَى. ص (وَأَثِمَ مَارٌّ لَهُ مَنْدُوحَةٌ) ش: قَالَ فِي الْكَافِي وَالْكَرَاهَةُ شَدِيدَةٌ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَفَاعِلُ ذَلِكَ عَامِدًا آثِمٌ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَخَفَّ بِهِ كَانَتْ فِيهِ جُرْحَةٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قُلْتَ: كَوْنُ الْمُصَلِّي يَأْثَمُ مُنَافٍ لِمَا قَدَّمْت أَنَّ السُّتْرَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا إذْ لَا يَأْثَمُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ قِيلَ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْإِثْمُ غَيْرُ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ إذْ النَّدْبُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ السُّتْرَةِ وَالْإِثْمُ بِالتَّعَرُّضِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَخَذَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ التَّأْثِيمِ وُجُوبُ السُّتْرَةِ يُرَدُّ بِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمُرُورِ نَصٌّ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَزِمَ دُونَ مُرُورٍ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا فِي نَقْلِ ابْنِ نَاجِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَسُتْرَةٌ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَوْقِفُ الْمُصَلِّي] (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَوْقِفُ الْمُصَلِّي فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْنُوَ مِنْ سُتْرَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الدُّنُوِّ مِنْهَا فَقِيلَ: يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَدْرُ شِبْرٍ فَإِذَا رَكَعَ تَأَخَّرَ وَقِيلَ: قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الْمُسْتَحَبِّ مِنْ قُرْبِهَا ثُلُثٌ، رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ الصَّوَابِ قَدْرُ صَفَّيْنِ اللَّخْمِيُّ قَيْدَ شِبْرٍ وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الطَّيِّبِ يَدْنُو قَائِمًا شِبْرًا فَإِذَا رَكَعَ تَأَخَّرَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الزَّاهِي: وَيُصَلِّي الْمُصَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ، انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ قَدْرُ حَرِيمِ الْمُصَلِّي] (تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا قَدْرُ حَرِيمِ الْمُصَلِّي فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ قِيلَ: لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِقَدْرِ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَقِيلَ: سَهْمٌ وَقِيلَ: رُمْحٌ وَقِيلَ: قَدْرُ مُضَارَبَةِ السَّيْفِ، وَالْكُلُّ غَلَطٌ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ قَدْرُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ خِلَافُ تَلَقِّيهِمْ قَوْلَ أَشْهَبَ فِي الْإِشَارَةِ بِالْقَبُولِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ نَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ. [فَرْعٌ مُدَافَعَةِ الْمَارِّ وَهُوَ يُصَلِّي] (فَرْعٌ) وَأَمَّا حُكْمُ مُدَافَعَةِ الْمَارِّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ دَفْعًا خَفِيفًا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَدَرْءُ الْمَارِّ جَهْدُهُ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ بِالْمَعْرُوفِ أَشْهَبُ إنْ بَعُدَ أَشَارَ إلَيْهِ فَإِنْ مَشَى أَوْ نَازَعَهُ لَمْ تَبْطُلْ فَأَطْلَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ إنْ كَثُرَتْ بَطَلَتْ انْتَهَى قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَدْرَأُ مَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ دَفَعَهُ فَسَقَطَ لِلْمَارِّ دِينَارٌ ضَمِنَهُ الدَّافِعُ وَلَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا مَأْذُونًا فِيهِ كَقَوْلِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَابِ وَالْقِلَالِ. (قُلْت) فِي تَعْلِيقَةِ الْقَابِسِيُّ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ لَوْ دَفَعَهُ فَخَرَقَ ثَوْبَهُ ضَمِنَهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ لَمْ يُعَنِّفْ فِي الدَّفْعِ لَمْ يَضْمَنْ. (قُلْت) صَوَابٌ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ جَلَسَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى طَرَفِ ثَوْبِ صَاحِبِهِ فَقَامَ فَانْخَرَقَ انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ عَرَفَةَ فَلَوْ دَرَأَهُ فَمَاتَ فَابْنُ شَعْبَانَ خَطَأً أَبُو عُمَرَ دِيَتُهُ فِي مَالِهِ الْمَازِرِيُّ خَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي سُقُوطِ سِنِّ الْعَاضِّ وَسِنِّ الْمَعْضُوضِ أَبُو عُمَرَ وَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ. انْتَهَى وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْأَقْفَهْسِيِّ وَلَوْ دَفَعَ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَاتَ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَأَجْرَى عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَنْ عَضَّ إنْسَانًا فَأَخْرَجَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَكَسَرَ سِنَّ الْعَاضِّ، انْتَهَى. [فَرْعٌ مَحِلُّ وَضْعِ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاة] (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَحِلُّ وَضْعِ السُّتْرَةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ:

فرع مر الهر بالمصلي

اللَّخْمِيُّ يَجْعَلُ مِثْلَ الْحَرْبَةِ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ أَبُو عُمَرَ أَوْ الْأَيْسَرِ قَالُوا: لَا يُصْمَدُ لَهُ صَمْدًا، انْتَهَى. [فَرْعٌ مَرَّ الْهِرّ بالمصلي] (فَرْعٌ) فَلَوْ مَرَّ بِهِ كَالْهِرِّ رَدَّهُ بِرِجْلِهِ أَوْ يَلْصَقُ بِالسُّتْرَةِ حَتَّى يَمُرَّ مِنْ خَلْفِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يَدْرَأُ بَهِيمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ وَجَاءَ أَنَّهُ حَبَسَ هِرًّا بِرِجْلِهِ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ. [فَرْعٌ تَشَوَّشَ الْمُصَلِّي مِنْ شَيْءٍ أَمَامَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّجُودِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا يُنَاوِلُ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُكَلِّمُهُ، انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: وَإِذَا تَشَوَّشَ الْمُصَلِّي مِنْ شَيْءٍ أَمَامَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّجُودِ أَزَالَهُ فَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَبْعَدَهُ وَلَا يَرُدُّ عَنْ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ الْمُرُورُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاة] (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمُرُورُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَجَائِزٌ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَكْرَهُ الْمُرُورَ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا وَلَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ بَيْنَ الصُّفُوفِ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لَهُمْ الْقَاضِي سُتْرَتُهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ فَخَرَّجَ عَلَيْهَا مَنْعَ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمْ وَجَوَّزَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فَقِيلَ: مُتَرَادِفَانِ أَبُو إبْرَاهِيمَ تَعْلِيلُ مَالِكٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سُتْرَةً لَهُمْ امْتَنَعَ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ سُتْرَةٌ لِمَنْ يَلِيهِ حِسًّا وَحُكْمًا وَلِغَيْرِهِ حُكْمًا فَقَطْ وَالْمَمْنُوعُ فِيهِ الْمُرُورُ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَبِهِ يَتِمُّ التَّخْرِيجُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَحَرَكَةُ مُصَلٍّ آخَرَ وَمُرُورُهُ لَا يَضُرُّ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مُرُورَ الطَّائِفِينَ لَا يُقْدَحُ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِمَدِينَةِ فَاسَ إذَا رَأَى فُرْجَةً فِي مَوْضِعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُصَلٍّ آخَرَ مَشَى إلَيْهِ، انْتَهَى. [فَائِدَة الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] (فَائِدَةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي إعْلَامِ السَّاجِدِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَقْطَعُهَا بِمَكَّةَ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَارُّ امْرَأَةً بِخِلَافِ غَيْرِهَا، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ فَإِنْ عَنَى بِهِ كَوْنَ الصَّلَاةِ لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ فَهُوَ مَذْهَبُهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَلْ فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ جَوَازَ الْمُرُورِ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ رَسْمِ الْمُحْرِمِ يَتَّخِذُ الْخِرْقَةَ لِفَرْجِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَكَّةَ وَالْمُرُورِ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ أَتَرَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْهَا بِمِثْلِ مَا يَمْنَعَ مِنْ غَيْرِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَرَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى عَمُودٍ أَوْ سُتْرَةٍ وَلَا أَدْرَى مَا الطَّوَافُ كَأَنَّهُ يُخَفِّفُهُ إنْ صَلَّى إلَى الطَّائِفِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ: إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى عَمُودٍ أَوْ سُتْرَةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَالْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ جَائِزٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْرَأَ مَنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ دُونَ الْمَارِّينَ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ إلَى الطَّائِفِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطَّائِفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَارِّينَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي إجَازَةِ الصَّلَاةِ إلَيْهِمْ أَنَّ الطَّائِفِينَ مُصَلُّونَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَإِنْ جَازَ فِيهِ الْكَلَامُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى سُتْرَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ الطَّائِفِينَ وَأَنَّ مَنْ مَرَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْرَأَهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الطَّائِفُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ مِنْ زِحَامٍ فَلْيَمُرَّ وَلَا يَدْرَؤُهُ الْمُصَلِّي عَنْ الْمُرُورِ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَإِنْ مَرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ وَلَا إثْمَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ وَأَنَّ مَكَّةَ مَخْصُوصَةٌ بِجَوَازِ الْمُرُورِ فِيهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ سُتْرَةٌ. قَالَ فَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُصَلِّي مُحَاذِيًا إلَى الْكَعْبَةِ يَسْتَقْبِلُ فِي صَلَاتِهِ وُجُوهَ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ إلَيْهَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وُجُوهَهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَمُرُّوا بَيْنَ

يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقْبِلُ بِذَلِكَ إلَّا خُدُودَهُمْ فَهُوَ أَخَفُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. ص (وَإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ وَلَوْ سَكَتَ إمَامُهُ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لِأَنَّهَا سَاقِطَةٌ بَلْ مَكْرُوهَةٌ وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فِي الْجَهْرِيَّةِ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ هَلْ يَقْرَأُ أَوْ يُنْصِتُ؟ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ مَا نَصُّهُ: (فَإِنْ قُلْت) : هَلْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ؟ (قُلْت) نَعَمْ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ. فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الصَّحِيحُ وُجُوبُهَا فِي السِّرِّيَّةِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ، وَنَقَلَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْمَعُ فِيهِ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْوَسْوَسَةَ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَقِيبَ نَقْلِهِ مَسْأَلَةَ ابْنِ قَدَّاحٍ هَذِهِ مَا نَصُّهُ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ الْكَلَامَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ خُطْبَةَ الْإِمَامِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَصْمُتُ فَيُصَمِّتُ هَذَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ لَا يَسْمَعُ صَوْتَ الْإِمَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إنَّهُ يَجُوزُ التَّكَلُّمُ لِمَنْ لَا يَسْمَعُ خُطْبَةَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْمَشْهُورُ لَا يَقْرَأُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: يَقْرَأُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْقِرَاءَةَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ سَكَتَ إمَامُهُ قَالَ سَنَدٌ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ إذَا سَكَتَ إمَامُهُ لَا يَقْرَأُ وَقِيلَ: يَقْرَأُ فَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ نَافِعٍ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَرَفْعِ يَدَيْهِ مَعَ إحْرَامِهِ حِينَ شُرُوعِهِ) ش: هَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقْتَ الرَّفْعِ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي التَّكْبِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَمَوْضِعُ

الرَّفْعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا إرْسَالُهُمَا بَعْدَ رَفْعِهِمَا. فَقَالَ سَنَدٌ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُرْسِلَهُمَا حَالَ التَّكْبِيرِ؛ لِيَكُونَ مُقَارَنًا لِلْحَرَكَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرْسِلَهُمَا بِرِفْقٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْشِفَ يَدَيْهِ حِينَ الْإِحْرَامِ فَإِنْ رَفَعَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْكِسَاءِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: قَالَ سَنَدٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْشِفَ يَدَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ رَفَعَهُمَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِنْ الْكَسَلِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ مَذْمُومٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَصُّهُ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَكْشِفَ يَدَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةُ مَنْ صَلَّى فِي جُبَّةٍ أَكْمَامُهَا طَوِيلَةٌ لَا يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْهَا لِإِحْرَامٍ وَلَا رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مَعَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَجْلِ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ مَعَ ضَرْبٍ مَنْ الْكِبْرِ، انْتَهَى. ص (وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ صُبْحٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: بِكَالْحَوامِيمِ وَنَحْوِهَا مَا لَمْ يَخْشَ الْأَسْفَارَ انْتَهَى. وَقَالَ التَّادَلِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا افْتَتَحَ سُورَةً طَوِيلَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْهَا فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: إنْ نَذَرَهَا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ نَاجِي وَمَا ذَكَرَهُ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا وَاَلَّذِي تَلَقَّيْته مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ إجْرَاءُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ قَائِمًا ثُمَّ شَاءَ الْجُلُوسَ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِهِ فِي فُرُوضِ الصَّلَاةِ: رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ إنْ افْتَتَحَ فِي الْعَصْرِ طَوِيلَةً تَرَكَهَا وَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهَا رَكَعَ، وَلَوْ افْتَتَحَ قَصِيرَةً بَدَلَ طَوِيلَةٍ تَرَكَهَا فَإِنْ أَتَمَّهَا زَادَ غَيْرَهَا، وَإِنْ رَكَعَ بِهَا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ طُولُ مَا يُطَوِّلُ يُوجِبُ رُكُوعَ رَكْعَةٍ بَعْدَ وَقْتِهَا خُفِّفَتْ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ - وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ: مَنْ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ بِإِجْمَاعٍ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ: يَشْتَرِكَانِ فِي قَصْرِ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنَّ الْعَصْرَ أَطْوَلُ قَلِيلًا وَقِيلَ: لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. وَمَا شَهَرَهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَقَالَ: مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ وَالطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ إنَّمَا وَرَدَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقَدْ «قَرَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصُّبْحِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» لِبَيَانِ الْجَوَازِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى. ص (وَثَانِيَةٍ عَنْ أُولَى) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا تَكُونُ الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَلَكِنَّهُ فَعَلَ مَكْرُوهًا وَلَمْ يَجِدْ أَحَدٌ مِنْ الشُّيُوخِ الدُّونَ هُنَا إلَّا الْفَقِيهُ رَاشِدٌ فَقَالَ: أَقَلُّ مِثْلٍ الرُّبُعُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الرُّبُعَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بِأَطْوَلَ مِنْ الْأُولَى وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَقْصَرَ مِنْ الْأُولَى جِدًّا حَتَّى يَكُونَ نِصْفَهَا أَوْ دُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا. (فَرْعٌ) وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِسُورَةٍ بَعْدَ السُّورَةِ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الْأُولَى أَوْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ رُشْدٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْجَلَّابِ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ، انْتَهَى. وَعَدَّ فِي اللُّبَابِ الْقِرَاءَةَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْقِرَاءَةَ عَلَى خِلَافِ التَّرْتِيبِ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَسْأَلَةً، وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ يَقْرَأُ فِيهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَيَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا أَقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لَمْ يَزَلْ هَذَا مِنْ عَمَلِ النَّاسِ قِيلَ لَهُ: أَفَلَا يَقْرَأُ عَلَى تَأْلِيفِهِ أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ ابْنُ رُشْدٍ. ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى تَأْلِيفِهِ أَفْضَلُ وَحَكَى عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَمَّا أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِإِثْرِهَا إلَّا أَنَّهَا

تَحْتَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ بِسُورَةٍ فَوْقَهَا، وَلَعَمْرِي إنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا بَعْدَ السُّورَةِ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا بِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ جُلُّ عَمَلِ النَّاسِ الَّذِي مَضَوْا عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَلَعَمْرِي إلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْبَاجِيُّ: يُكْرَهُ فِي الثَّانِيَةِ سُورَةٌ قَبْلَ السُّورَةِ الْأُولَى عِيَاضٌ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَذَكَرَ السَّمَاعَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ: وَيُكْرَهُ تَكْرِيرُ السُّورَةِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ يُتِمُّهَا وَلَوْ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِهَا وَقِرَاءَتُهَا فِي ثَالِثَةٍ أَوْ رَابِعَةٍ وَحَسَّنَهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيهِمَا وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ جَوَازُ ثَلَاثِ سُوَرٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَقِرَاءَتُهَا، أَيْ وَيُكْرَهُ قِرَاءَتُهَا فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَكْرِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ فَوْقَ السُّورَةِ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَكَرَاهَةُ تَكْرَارِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَمَنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ؛ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ سُورَةً فَوْقَهَا وَلَا يُكَرِّرُهَا، وَقِيلَ: يُعِيدُهَا. قَالَ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ كَرَاهَةِ فِعْلِ ذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ تَكْرِيرِ السُّورَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّأَمُّلِ: وَهَلْ الْأَفْضَلُ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بَعْدَ الَّتِي قَرَأَ فِي الْأُولَى وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ لَا؟ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: ثُمَّ تَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَمَا فَعَلْت أَوَّلًا هَلْ يُطَوِّلُ السُّجُودَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ قَالَ الْجُزُولِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَقَوْلُهُ: وَثَانِيَةٍ عَنْ أُولَى، هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: إنَّهُ إذَا وَجَدَ الْحَلَاوَةَ فَلَهُ أَنْ يُطَوِّلَ اُنْظُرْهُ فِي آدَابِ الْمُتَعَلِّمِ ص (وَجُلُوسٌ أَوَّلٌ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى فِقْهِ الْإِمَامِ، وَالثَّانِيَةُ خَطْرَفَتُهُ لِلْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ، وَالثَّالِثَةُ دُخُولُ الْمِحْرَابِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ. ص (وَقَوْلُ مُقْتَدٍ وَفَذٍّ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) ش لَيْسَ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَذَّ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بَعْدَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَسْبِيحٌ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذْرِ سُنَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمَا قَالَا: مَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِي ذَلِكَ أَعَادَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ انْتَهَى. ص (وَتَأْمِينُ فَذٍّ مُطْلَقًا) ش: التَّأْمِينُ أَنْ يَقُولَ: آمِينَ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: بِالْمَدِّ وَبِالْقَصْرِ وَفِي مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَلَمْ يَصِحَّ نَقْلُهُ. الثَّانِي مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ. الثَّالِثُ مَعْنَاهُ كَذَلِكَ يَكُونُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْأَوْسَطُ أَصَحُّ وَأَوْسَطُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ: هَذِهِ كَلِمَةٌ لَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَنَا خَصَّنَا اللَّهُ بِهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا حَسَدَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى قَوْلِكُمْ: آمِينَ انْتَهَى. ص

تنبيه صلى مالكي خلف شافعي جهر بدعاء القنوت

وَقُنُوتٌ سِرًّا بِصُبْحٍ فَقَطْ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ) ش يَعْنِي أَنَّ الْقُنُوتَ مُسْتَحَبٌّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: سُنَّةٌ. قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَمَسْجِدُهُ بِقُرْطُبَةَ لَا يَقْنُتُ فِيهِ إلَى حِينِ أَخْذِهَا أَعَادَهَا اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَلِابْنِ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ عَمْدًا، وَقَالَ أَشْهَبُ: مَنْ سَجَدَ لَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ: الْقُنُوتُ عِنْدَنَا فَضِيلَةٌ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ اللَّخْمِيّ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقَوْلُهُ: سِرًّا، يَعْنِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْقُنُوتِ الْإِسْرَارُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: إنَّهُ يُجْهَرُ بِهِ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ جَهَرَ بِالْقُنُوتِ أَوْ التَّشَهُّدِ فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ فَقَالَ: الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ وَالتَّشَهُّدِ لَا يَجُوزُ وَيُعِيدُ مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَيَسْجُدُ السَّاهِي إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا إذَا جَهَرَ فَعَنْ ابْنِ نَافِعٍ: لَا يُعِيدُ فَالْقُنُوتُ عَلَيْهِ أَخَفُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ:. (قُلْت) أَمَّا الْجَهْرُ بِالتَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ فَالْمَعْلُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْرَ بِالذِّكْرِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بَلْ تَرَكَ مُسْتَحَبًّا خَاصَّةً عَلَى مَا حَكَى ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَوْ قَوْلِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَرْتَضِهِ وَحَكَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ قَالَ: وَلَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي صَلَاةِ الْمُسْمِعِ خَاصَّةً وَقِيَاسُهُ عَلَى جَهْرِ الْفَرِيضَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَتْ فِيهِ سُنَّةٌ انْتَهَى. (قُلْت) حَكَى فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ بُطْلَانَ صَلَاةِ مَنْ جَهَرَ فِي السِّرِّيَّةِ أَوْ أَسَرَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ قَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَدَّ فِي اللُّبَابِ مِنْ الْفَضَائِلِ إسْرَارَ التَّشَهُّدَيْنِ وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَإِخْفَاءُ التَّشَهُّدِ سُنَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَإِعْلَانُهُ بِدْعَةٌ وَجَهْلٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ صَلَّى مَالِكِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ جَهَرَ بِدُعَاءِ الْقُنُوتِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فَإِنْ صَلَّى مَالِكِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ جَهَرَ بِدُعَاءِ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ وَلَا يَقْنُتُهُ مَعَهُ وَالْقُنُوتُ مَعَهُ مِنْ فِعْلِ الْجُهَّالِ اُنْظُرْ مُخْتَصَرَ الْوَاضِحَةِ فِي الْقُنُوتِ فِي رَمَضَانَ فَلَوْ قَنَتَ الْمَالِكِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك كَانَ حَسَنًا وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَوَجْهُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ قَدْ انْقَضَى وَلَا مَانِعَ حِينَئِذٍ مِنْ الْقُنُوتِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِصُبْحٍ فَقَطْ يَعْنِي أَنَّ الْقُنُوتَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ تَنْبِيهٌ عَلَى خِلَافِ بَعْضِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي إجَازَتِهِ فِي الْوَتْرِ وَخِلَافِ مَنْ أَجَازَهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِهِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ السَّهْوِ فِيمَنْ جَهَرَ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ عَمْدًا وَقَوْلُهُ: وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرَوَى الْبَاجِيُّ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ وَعَكَسَ ابْنُ حَبِيبٍ وَفِيهَا هُمَا سَوَاءٌ وَفَعْلُ مَالِكٍ قَبْلُ وَفِيهَا بَعْدُ لَا يُكَبِّرُ لَهُ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَبَّرَ حِينَ قَنَتَ الْجَلَّابُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَدْرَكَ الْقُنُوتَ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ قَنَتَ إذَا قَضَى وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَهُ وَقَنَتَ لَمْ يَقْنُتْ فِي قَضَائِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ لَمْ يَقْنُتْ فِي قَضَائِهِ أَدْرَكَ قُنُوتَ الْإِمَامِ أَمْ لَا وَهَذَا عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ أَوَّلُهَا وَقَوْلُ أَشْهَبَ: إنَّهُ بَانَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِعْلِ يَقْنُتُ قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا. (قُلْت) مَفْهُومُ قَوْلِ مَالِكٍ: وَقَنَتَ مَعَهُ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ دُونَ الْقُنُوتِ قَنَتَ، خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ. [فَرْعٌ نَسِيَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ] (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: إذَا نَسِيَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْجِعُ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا تَذَكَّرَهُ هُنَالِكَ فَإِذَا رَجَعَ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْ الْفَرْضِ إلَى الْمُسْتَحَبِّ انْتَهَى. أَمَّا عَدَمُ الرُّجُوعِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْهَا مَنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ حَتَّى اسْتَقَلَّ قَائِمًا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَمِنْهَا مَنْ نَسِيَ السُّورَةَ أَوْ الْجَهْرَ أَوْ الْإِسْرَارَ أَوْ تَكْبِيرَ الْعِيدَيْنِ حَتَّى رَكَعَ وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فَلَا يَأْتِي عَلَى مَا شَهَرَهُ

الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْجُلُوسِ وَيَأْتِي عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْفَاكِهَانِيُّ مِنْ الْبُطْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: نَصَّ ابْنُ الْجَلَّابِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ. (قُلْت) وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ. قَالَ فِيهَا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي الِافْتِتَاحِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: وَهَلْ يُكَبِّرُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَعَلَى الرَّفْعِ فَهَلْ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا أَوْ يَرْهَبُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَيَرْغَبُ بِالْأُخْرَى؟ خِلَافٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: لَمَّا ذَكَرْت الْقُنُوتَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهِ حَاجَةٌ دَعَا بِهَا حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ، انْتَهَى. ص (وَتَكْبِيرُهُ فِي الشُّرُوعِ إلَّا فِي قِيَامِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلِاسْتِقْلَالِهِ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الدَّبِّ فِي الرُّكُوعِ وَيُكَبِّرُ فِي حَالَةِ انْحِطَاطِهِ لِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي رَفْعِ رَأْسِهِ وَيُكَبِّرُ فِي حَالِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ إلَّا فِي الْجَلْسَةِ الْأُولَى إذَا قَامَ مِنْهَا فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْمُرَ الرُّكْنَ مِنْ أَوَّلِ الْحَرَكَةِ إلَى آخِرِهَا بِالتَّكْبِيرِ فَإِنْ عَجَّلَ أَوْ أَبْطَأَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالسُّنَّةُ التَّكْبِيرُ حِينَ الشُّرُوعِ إلَّا فِي قِيَامِ الْجُلُوسِ، يَعْنِي أَنَّ التَّكْبِيرَ يَكُونُ لِلْأَرْكَانِ فِي حَالِ الْحَرَكَةِ إلَيْهَا إلَّا فِي قِيَامِ الْجُلُوسِ مِنْ الثَّانِيَةِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ عَنْ عِيَاضٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَالَ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: ثُمَّ يَقُومُ فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا هَذَا خِلَافُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي كُلِّ فِعْلٍ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّكْبِيرَةَ فِي كُلِّ رُكْنٍ مَعَ أَوَّلِهِ وَلَا يَخْتِمُهُ إلَّا مَعَ آخِرِهِ وَيَجُوزُ قَصْرُهُ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَكَذَلِكَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْمُرَ بِهَا الرُّكْنَ كَالتَّكْبِيرِ، وَنَصَّ عَلَى تَعْمِيرِ الْحَرَكَةِ ابْنُ الْمُنِيرِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ إلَّا فِي قِيَامِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلِاسْتِقْلَالِهِ أَيْ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا عَلَى الْمَشْهُورِ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ. قَالَ الشَّبِيبِيُّ: فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَفِي إعَادَةِ التَّكْبِيرِ قَوْلَانِ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ انْتَهَى. ص (وَالرِّدَاءُ) ش: قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: الرِّدَاءُ هُوَ الثَّوْبُ أَوْ الْبُرْدُ الَّذِي يَضَعُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ فَوْقَ ثِيَابِهِ انْتَهَى مِنْ آخِرِ بَابِ الرَّاءِ مَعَ الدَّالِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: سُنَّةٌ. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَأَمَّا قِنَاعُ الرَّجُلِ فَهُوَ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِرِدَائِهِ وَيَرُدَّ طَرَفَهُ عَلَى أَحَدِ كَتِفَيْهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ وَالرِّدَاءُ هُوَ السُّنَّةُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ دُونَ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ فَإِنْ غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ صَارَ قِنَاعًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الطَّيْلَسَانُ الْمَعْهُودُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيُكْرَهُ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ

فائدة إرسال عذبة من العمامة وهو يصلي

فَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ هَذَا التَّكَلُّفَ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ بِهِ إلَى حَدِّ الْكِبْرِ الشَّنِيعِ انْتَهَى. مِنْ فَصْلِ اللِّبَاسِ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: وَالرِّدَاءُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ وَنَحْوُهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْقِنَاعُ لِلْمَرْأَةِ فَعَدَّهُ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَعَدَّ الرِّدَاءَ فِي الْفَضَائِلِ وَانْظُرْ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيّ [فَائِدَةٌ إرْسَالِ عَذَبَةٍ مِنْ الْعِمَامَةِ وَهُوَ يُصَلِّي] (فَائِدَةٌ) وَأَمَّا حُكْمُ إرْسَالِ الْعَذَبَةِ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالتَّحْنِيكِ بِهَا فَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْمَدْخَلِ أَنَّ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ عَذَبَةٍ وَلَا تَحْنِيكٍ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ فَإِنْ فُعِلَا فَهُوَ الْأَكْمَلُ وَإِنْ فُعِلَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ خَرَجَ بِهِ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَنَقَلَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ ضِمْنَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْمَقْصِدِ الثَّالِثِ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَسُنَّةُ الْعِمَامَةِ بَعْدَ فِعْلِهَا أَنْ يُرْخِيَ طَرَفَهَا وَيَتَحَنَّكَ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ طَرَفٍ وَلَا تَحْنِيكٍ فَيُكْرَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ فَقِيلَ: لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا عَمَائِمُ الشَّيَاطِينِ وَنُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إرْسَالِ الْعَذَبَةِ وَلَا عَدَمِ إرْسَالِهَا، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْكَمَالُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ الْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْإِرْسَالُ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْفَضْلِ ابْنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: وَهَهُنَا تَنْبِيهٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَذَبَةِ صَارَتْ مِنْ شِعَارِ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ وَأَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا تَلَبَّسَ بِشَعَائِرِهِمْ ظَاهِرًا مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ حَقِيقَةً لِقَصْدِ التَّعَاظُمِ عَلَى غَيْرِهِ أَثِمَ بِاِتِّخَاذِهَا بِهَذَا الْقَصْدِ مِنْ عَالِمٍ أَوْ صُوفِيٍّ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ سَوَاءٌ أَرْسَلَهَا أَوْ لَمْ يُرْسِلْهَا طَالَتْ أَوْ لَمْ تَطُلْ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِ إرْسَالِ الْعَذَبَةِ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي كِتَابِ الْغُنْيَةِ بِاسْتِحْبَابِ إرْسَالِهَا وَكَرَاهَةِ الِاتِّعَاظِ، وَذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيُّ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ عَلِيًّا إلَى خَيْبَرَ فَعَمَّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ثُمَّ أَرْسَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ» وَتَرَدَّدَ رَاوِيهِ فِيهِ وَرُبَّمَا جَزَمَ بِالثَّانِي. ص (وَسَدَلَ يَدَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ الْقَبْضُ فِي النَّفْلِ أَوْ إنْ طَوَّلَ وَهَلْ كَرَاهَتُهُ فِي الْفَرْضِ لِلِاعْتِمَادِ أَوْ خِيفَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ أَوْ إظْهَارِ خُشُوعٍ تَأْوِيلَاتٌ) ش قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ فِيهِمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ وَيَجُوزُ فِي النَّفْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ) ش هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّهُ: وَتَقْدِيمُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ أَحْسَنُ، وَقَبْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَفِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ لَكِنْ يَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» ثُمَّ قَالَ وَفِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ كَانَ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ وَضْع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ التَّخْيِيرَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي اسْتِحْبَابِ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَالْعَكْسِ ثَالِثُ الرِّوَايَاتِ لَا تَحْدِيدَ لِابْنِ شَعْبَانَ وَالْمَبْسُوطِ وَابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى، فَذَكَرَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَحَكَى ابْنُ نَاجِي الثَّلَاثَةَ وَقَالَ: فَالثَّلَاثَةُ لِمَالِكٍ. ص (وَتَأْخِيرُهُمَا عِنْدَ الْقِيَامِ) ش: هَذِهِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: حَكَى فِيهِ فِي الْبَيَانِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى إجَازَةُ تَرْكِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلِهِ وَرَأَى ذَلِكَ سَوَاءً، وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَرَّةً اسْتَحَبَّ الِاعْتِمَادَ وَخَفَّفَ تَرْكَهُ وَمَرَّةً اسْتَحْسَنَهُ وَكَرِهَ تَرْكَهُ قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلَكِنْ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» فَإِذَا أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ حَتَّى لَا يُشْبِهُ الْبَعِيرَ وَجَبَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ إذَا قَامَ حَتَّى لَا يُشْبِهُ الْبَعِيرَ فِي قِيَامِهِ. ص (وَعَقْدُهُ يُمْنَاهُ فِي تَشَهُّدَيْهِ الثَّلَاثِ مَادًّا السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنِ بُنُودِ الْوَاحِدُ

فرع المصلي مقطوع اليد اليمنى

ضَمُّ الْخِنْصِرِ لِأَقْرَبِ بَاطِنِ الْكَفِّ مِنْهُ وَالِاثْنَانِ ضَمُّهُ مَعَ الْبِنْصِرِ كَذَلِكَ وَالثَّلَاثَةُ ضَمُّهَا مَعَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ وَالْأَرْبَعَةُ ضَمُّهَا وَرَفْعُ الْخِنْصِرِ وَالْخَمْسَةُ ضَمُّ الْوُسْطَى فَقَطْ وَالسِّتَّةُ ضَمُّ الْبِنْصِرِ فَقَطْ وَالسَّبْعَةُ ضَمُّ الْخِنْصِرِ فَقَطْ عَلَى لَحْمَةِ أَصْلِ الْإِبْهَامِ وَالثَّمَانِيَةُ ضَمُّهَا وَالْبِنْصِرِ عَلَيْهَا وَالتِّسْعَةُ ضَمُّهُمَا وَالْوُسْطَى عَلَيْهِمَا، وَالْعَشَرَةُ جَعْلُ السَّبَّابَةِ عَلَى نِصْفِ الْإِبْهَامِ وَالْعِشْرُونَ مَدُّهُمَا مَعًا وَالثَّلَاثُونَ إلْزَاقُ طَرَفِ السَّبَّابَةِ بِطَرَفِ إبْهَامِهِ عَلَى جَانِبِ سَبَّابَتِهِ وَالْخَمْسُونَ مَدُّ السَّبَّابَةِ وَعَطْفُ إبْهَامِهِ كَأَنَّهَا رَاكِعَةٌ وَالسِّتُّونَ تَحْلِيقُ السَّبَّابَةِ عَلَى أَعْلَى أُنْمُلَةِ إبْهَامِهِ وَالسَّبْعُونَ وَضْعُ طَرَفِ إبْهَامِهِ عَلَى وُسْطَى أَنَامِلِ السَّبَّابَةِ مَعَ عَطْفِ السَّبَّابَةِ إلَيْهَا قَلِيلًا، وَالثَّمَانُونَ وَضْعُ طَرَفِ السَّبَّابَةِ - عَلَى طَرَفِ إبْهَامِهِ. وَالتِّسْعُونَ عَطْفُ السَّبَّابَةِ حَتَّى تَلْقَى الْكَفَّ وَضَمُّ الْإِبْهَامِ إلَيْهَا، وَالْمِائَةُ فَتْحُ الْيَدِ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَكَفَّاهُ فِي جُلُوسِهِمَا عَلَى فَخْذَيْهِ قَابِضًا الْيُمْنَى إلَّا سَبَّابَتَهَا وَحَرْفُهَا إلَى وَجْهِهِ زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ ابْنِ الْحَاجِبِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَالْمَرْوِيُّ: ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَعْقِدُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ بِالْيُمْنَى شِبْهَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجَانِبُ السَّبَّابَةِ مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ أَيْ يَقْبِضُ الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَيَمُدُّ السَّبَّابَةَ وَيَضُمُّ الْإِبْهَامَ إلَيْهَا تَحْتَهَا، قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَا فَعَلَهُ فِي السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ هُوَ الْعِشْرُونَ وَمَا فَعَلَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُخَرِ هُوَ التِّسْعَةُ وَمَا ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ، لِمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ ابْنُ بَشِيرٍ شِبْهَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: شِبْهَ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ وَهَذَا يُعْرَفُ عِنْد أَهْلِهِ انْتَهَى. وَلَمْ - يَزِدْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَوَّلِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ شَيْئًا، وَقَوْلُهُ: وَيَضُمُّ الْإِبْهَامَ إلَيْهَا تَحْتَهَا يَعْنِي إلَى جَانِبِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُنْخَفِضٌ عَنْ السَّبَّابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ فِي التَّنْبِيهِ وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَمَّا فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَضَعُهُمَا مَبْسُوطَتَيْنِ وَأَمَّا فِي جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ فَيَبْسُطُ الْيُسْرَى وَيَقْبِضُ الْيُمْنَى وَصُورَةُ مَا يَفْعَلُ أَنْ يَقْبِضَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ وَهِيَ الْوُسْطَى وَالْخِنْصِرُ وَمَا بَيْنَهُمَا وَيَبْسُطَ الْمُسَبِّحَةَ وَيَجْعَلَ جَانِبَهَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ وَيَمُدَّ الْإِبْهَامَ عَلَى الْوُسْطَى وَهُوَ كَالْعَاقِدِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ شَاسٍ كَلَفْظِ ابْنِ بَشِيرٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَقْدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْجُلُوسِ وَكَفَّاهُ مَفْتُوحَتَانِ عَلَى فَخْذَيْهِ يَعْقِدُ فِي التَّشَهُّدِ شِبْهَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجَانِبُ السَّبَّابَةِ يَلِي وَجْهَهُ وَيُشِيرُ بِهَا فِي التَّوْحِيدِ عِنْدَ " أَلَّا " لَا عِنْدَ " لَا " انْتَهَى. [فَرْعٌ المصلي مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْيَدِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا الْبَسْطُ قَالَ التَّادَلِيُّ: وَفِيهِ مَجَالٌ؛ لِأَنَّ الْيُسْرَى قَدْ يُقَالُ: إنَّ شَأْنَهَا الْبَسْطُ مَعَ وُجُودِ الْيُمْنَى وَأَمَّا مَعَ فَقْدِهَا فَلَا. انْتَهَى. ص (وَتَحْرِيكُهَا دَائِمًا) ش: هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاَلَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ التَّحْرِيكَ سُنَّةً قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ ضِدُّ قَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إيَّاكُمْ وَتَحْرِيكَ أَصَابِعِكُمْ فِي التَّشَهُّدِ وَلَا تَلْتَفِتُوا الرِّوَايَةُ الْعُتْبِيَّة فَإِنَّهَا بَلِيَّةٌ انْتَهَى. وَفَّقَ ابْنُ بَشِيرٍ بَيْنَ الْأَقْوَالِ فَانْظُرْهُ. ص (وَتَيَامُنٌ بِالسَّلَامِ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ: قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ يَتَيَامَنُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ بِمَاذَا يَتَيَامَنُ مِنْ الْقَوْلِ وَقَالَ: غَيْرُهُ يَتَيَامَنُ بِالْمِيمِ. انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَيُسَلِّمُ الْفَذُّ وَالْإِمَامُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَتَيَامَنُ بِرَأْسِهِ قَلِيلًا مَعَ شَيْءٍ مِنْ لَفْظِ السَّلَامِ، فَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيُعِيدُ أَيْ السَّلَامَ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَأَمَّا صِفَتُهُ أَيْ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ السَّلَامَ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَخْتِمُهُ مَعَ التَّيَامُنِ بِرَأْسِهِ فِي الْفَذِّ وَالْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِسَلَامِهِ أَوَّلًا قِبْلَتَهُ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَأْمُومِ هَلْ يَبْتَدِئُهَا إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ إنَّمَا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ؟ انْتَهَى وَقَالَ

فرع إخفاء التشهد

ابْنُ الْمُنِيرِ: ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ بِالْتِفَاتٍ يَسِيرٍ غَيْرَ مُقَدِّمٍ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لَا كَمَا يَفْعَلُ الْعَامِّيُّ يَنْحَنِي قُبَالَةَ وَجْهِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلسَّلَامِ فَذَلِكَ بِدْعَةٌ وَزِيَادَةُ هَيْئَةٍ جَهْلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، انْتَهَى. ص (وَدُعَاءٌ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ) ش: صَرَّحَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الثَّانِي جَائِزٌ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَشَهُّدِهِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَأَحْرَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ دُعَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَفْسُدْ، صَلَاتُهُ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فَلَا يُزِيدُ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ دُعَاءً وَلَا غَيْرَهُ فَإِنْ دَعَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ «وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ خَفَّفَ حَتَّى كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ» انْتَهَى. وَانْظُرْ الشِّفَاءَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ نَاسِيًا حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيَتَشَهَّدْ وَلَا يَدْعُو بَعْدَهُ وَلْيُسَلِّمْ، انْتَهَى. ص (وَهَلْ لَفْظُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ؟ خِلَافٌ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ تَشَهُّدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ انْتَهَى. قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ إشَارَاتُ أَصْحَابِنَا إلَى حَقِيقَةِ اخْتِيَارِ مَالِكٍ تَشَهُّدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَشَارَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَى تَأْكِيدِ هَذَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى مَا سِوَاهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ. وَأَشَارَ الدَّاوُدِيُّ إلَى أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْسَانِ وَإِيثَارِ هَذَا التَّشَهُّدِ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى، وَمِثْلُهُ لِلْبَاجِيِّ وَنَصُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْرِي مَجْرَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِأَنَّ عُمَرَ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا خَالَفَهُ فِيهِ وَلَا قَالَ لَهُ: إنَّ غَيْرَهُ مِنْ التَّشَهُّدِ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ إقْرَارُهُمْ وَمُوَافَقَتُهُمْ إيَّاهُ عَلَى تَعْيِينِهِ. وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ يَجْرِي مَجْرَاهُ، لَقَالَ لَهُ الصَّحَابَةُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ: إنَّك قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَى النَّاسِ وَاسِعًا وَقَصَرْتَهُمْ عَلَى مَا هُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرْآنِ الْقِرَاءَةَ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْنَا مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الْمُنَزَّلَةِ فَكَيْفَ بِالتَّشَهُّدِ لَهُ دَرَجَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يُقْصَرَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ وَيُمْنَعَ مَا يَسُرَ مِنْ سِوَاهُ وَلَمَّا لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِذَلِكَ وَلَا بِغَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْمَشْرُوعَ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ فِي التَّشَهُّدِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَكَيْفَمَا تَشَهَّدَ الْمُصَلِّي عِنْدَهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِي تَعْلِيمِ عُمَرَ النَّاسَ هَذَا التَّشَهُّدَ مَنْعٌ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى مِنْ الْمُنْتَقَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: وَهَلْ لَفْظُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ خِلَافٌ مَعْنَاهُ فِي اخْتِيَارِ مَالِكٍ لِلَفْظِ التَّشَهُّدِ الْمَعْهُودِ فِي الذِّهْنِ عِنْدَ كُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ مَالِكِيٍّ، وَهُوَ تَشَهُّدُ عُمَرَ هَلْ هُوَ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ أَوْ الْفَضِيلَةِ؟ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: أَقَامَ الشَّيْخُ مِنْ قَوْلِهَا: وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: فُلَانٌ يُسَلِّمُ عَلَيْك وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَلَا نَوَى سَلَامَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ غَيْرُ كَاذِبٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَتْ دَعْوَتُهُ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَهَذِهِ إقَامَةٌ ظَاهِرَةٌ إذَا كَانَ قَائِلُ ذَلِكَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ يُعْلِمُ مَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ يُفْهِمُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي اللُّبَابِ مِنْ الْفَضَائِلِ إسْرَارُ التَّشَهُّدَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَإِخْفَاءُ التَّشَهُّدِ سُنَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَإِعْلَانُهُ بِدْعَةٌ وَجَهْلٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَمَحِلُّهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ الدُّعَاءِ، قَالَهُ فِي الشِّفَاءِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ:

وَيُدْخِلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَزْوَاجَهُ وَذُرِّيَّتَهُ وَكُلَّ مَنْ تَبِعَهُ، وَقِيلَ: إنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ. ص (وَجَازَتْ كَتَعَوُّذٍ بِنَفْلٍ) ش: وَهَلْ يُسِرُّ التَّعَوُّذَ أَوْ يَجْهَرُ بِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ وَلَهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَمَاعُ أَشْهَبَ يُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهِ فِي رَمَضَانَ خِلَافُهَا. ص (وَكُرِهَا بِفَرْضٍ) ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: لَا تَسْتَفْتِحْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ عِنْدَنَا مِنْ الْحَمْدِ وَلَا مِنْ سَائِرِ الْقُرْآنِ إلَّا مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ. (الثَّانِي) أَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَفْتِحَ بِالْحَمْدِ. (الطَّرَفُ الثَّالِثِ) أَنَّهُ إنْ قَرَأَهَا لَمْ يَجْهَرْ فَإِنْ جَهَرَ بِهَا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: كَانَ الْمَازِرِيُّ يُبَسْمِلُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: قَالَ مَذْهَبُ مَالِكٍ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْ بَسْمَلَ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مَنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي ثَالِثِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَارِئِ إذَا أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُلَقَّنُ فَلَا يُلَقَّنُ وَلَا يُفَقَّهُ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: خَفَّفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّعَوُّذَ لِلْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ إذَا أَخْطَأَ فِي قِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ لَهُ شَيْطَانَانِ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك» انْتَهَى. ص (كَدُعَاءٍ قَبْلَ قِرَاءَةٍ) ش: قَالَ فِي الْجَلَّابِ فِي بَابِ الْقُنُوتِ: وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَفِي السُّجُودِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي الْجَلْسَتَيْنِ بَعْدَ التَّشَهُّدَيْنِ وَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِي الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّشَهُّدِ: وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا سِوَى الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ فَإِنَّهُ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، انْتَهَى وَلَعَلَّهُ وَبَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ. (فَرْعٌ) قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ دُعَاءِ التَّوَجُّهِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِدُعَاءِ التَّوَجُّهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَقُولُهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَذَلِكَ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ ثَلَاثَ سَكَتَاتٍ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ لِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَبَعْدَ تَمَامِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِيَقْرَأَ مَنْ خَلْفَهُ فِيهِمَا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى إنْكَارِ جَمِيعِهَا وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى إنْكَارِ الْأَخِيرَتَيْنِ انْتَهَى. ص (وَبَعْدَ فَاتِحَةٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَدْعُو بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفَاتِحَةِ إنْ أَحَبَّ قَبْلَ السُّورَةِ وَقَدْ دَعَا الصَّالِحُونَ انْتَهَى. وَنَقَلَ كَرَاهَتَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَالظَّاهِرُ مَا فِي الطِّرَازِ، فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ التِّلِمْسَانِيَّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَقَبْلَ السُّورَةِ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ فِي النَّافِلَةِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ السُّورَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ. ص (وَأَثْنَاءَهَا وَأَثْنَاءَ سُورَةٍ) ش: هَذَا فِي الْفَرِيضَةِ وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَجَائِزٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الطِّرَازِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَنَحْوِهِ لِلتِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: إذَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَسُئِلَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَمِعَ الْإِمَامَ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إلَى آخِرِهَا فَقَالَ الْمَأْمُومُ: كَذَلِكَ اللَّهُ، هَلْ هَذَا كَلَامٌ يُنَافِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: هَذَا لَيْسَ كَلَامًا يُنَافِي الصَّلَاةَ أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ هُوَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ

الْعُتْبِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَفِي أَوَاخِرِهِ وَفِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ. ص (وَبَعْدَ صَلَاةِ إمَامٍ) ش: قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِدُعَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ. ص (وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَكْرُوهٌ، وَصَرَّحَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُ جَائِزٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَوْضِعٌ لِلدُّعَاءِ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَهُ فِي الْجَلْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، انْتَهَى. فَحَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْبَاجِيّ وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ فِيهِ لِتَشْهِيرٍ غَيْرَ أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ: الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ. ص (لَا بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ) ش: أَيْ فَلَا يُكْرَهُ قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ بَيْنَهُمَا: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاسْتُرْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَاعْفُ عَنِّي وَعَافِنِي» انْتَهَى. ص (وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِك كَذَا لَمْ تَبْطُلْ) ش أَيْ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِيمَا إذَا نَادَاهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِفُلَانٍ، أَوْ فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الظَّالِمِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: أَرَادَ بِلَا بَأْسٍ صَرِيحَ الْإِبَاحَةِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَظْلِمْهُ بَلْ ظَلَمَ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَكَانَ شَيْخُنَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَيُفْتِي بِهِ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي تَحْرِيمُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَتَقُولُ فِي سُجُودِك. وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا غَيْرَ مَا مَرَّةٍ بِأَنَّهُ يُدْعَى عَلَى الْمُسْلِمِ الْعَاصِي بِالْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَاحْتَجَّ بِدُعَاءِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ بِذَلِكَ. الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَافِرِ الْمَأْيُوسِ مِنْهُ كَفِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ الْعَاصِي الْمَقْطُوعِ لَهُ بِالْجَنَّةِ إمَّا أَوَّلًا وَإِمَّا ثَانِيًا، وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ فِي تَكَلُّمِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ» وَهُوَ حُجَّةٌ فِي لَعْنِ مَنْ لَمْ يُسَمِّ وَكَذَلِكَ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ: لِأَنَّهُ لَعْنٌ لِلْجِنْسِ لَا لِلْمُعَيَّنِ وَلَعْنُ الْجِنْسِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْعَدَهُمْ وَيُنَفِّذُ الْوَعِيدَ عَلَى كُلِّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ وَيُنْهَى عَنْ لَعْنِ الْمُعَيَّنِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِالْإِبْعَادِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مِنْ مَعْنَى اللَّعْنِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّعْنَ جَائِزٌ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا مَا لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا وَهَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ سَدِيدٍ وَلَا صَحِيحٍ؛ لِنَهْيِهِ عَنْ اللَّعْنِ فِي الْجُمْلَةِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَوْلَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَاخْتُلِفَ إنْ قَالَ: يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِك كَذَا وَكَذَا، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَالْمَذْهَبُ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الدُّعَاءَ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ اُخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِ الدَّاعِي بِهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ اُنْظُرْ الْفَرْقَ الْحَادِيَ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ ص (وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ لَا حَصِيرٍ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ) ش جَعَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - السُّجُودَ بِاعْتِبَارِ مَحِلِّهِ

ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقِسْمٌ مَكْرُوهٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَقِسْمٌ جَائِزٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُسْتَحَبُّ الْمُبَاشَرَةُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَنْبِيهٌ قَيَّدَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحَصِيرَ الْمُرَخَّصَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَصِيرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدِّيَسِ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا مُخَيَّرٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ تُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِحَائِلٍ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ لَا يُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَتُهُ الْأَرْضَ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَصُّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُومَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَأَنْ يُبَاشِرَ بِجَبْهَتِهِ الْأَرْضَ انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ أَمْ لَا وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الطَّنَافِسِ وَثِيَابِ الصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَبُسُطِ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ وَأَحْلَاسِ الدَّوَابِّ، وَلَا يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا وَلَكِنْ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَجْلِسُ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ، وَأَطْلَقَ فِي الثَّوْبِ لِيَشْمَلَ ثَوْبَ الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَيُرِيدُ وَكَذَلِكَ بُسُطُ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ وَأَحْلَاسِ الدَّوَابِّ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَثَوْبٍ لِيَدْخُلَهَا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَالَ: سُجُودٌ، لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إذَا كَانَ الْأَصْلُ الرَّفَاهِيَةَ فَكُلُّ مَا فِيهِ رَفَاهِيَةٌ وَلَوْ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَحُصْرِ السَّامَّانِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَكُلُّ مَا لَا تَرَفُّهَ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَالصُّوفِ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَمَا قَالَهُ فِي الصُّوفِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ أَحْلَاسَ الدَّوَابِّ مِمَّا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا رَفَاهِيَةَ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَنْبِيهٌ فِيهَا ابْنُ حَبِيبٍ الْحَصِيرُ الْمُرَخَّصُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَصِيرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدِّيَسِ، وَالْحُصْرُ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ فِيهَا رَفَاهِيَةٌ لِخُشُونَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْجَائِزُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لَا حَصْرَ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ وَمَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَيَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَجُوزُ عَلَى حَائِلٍ مِنْ نَبَاتٍ لَا يُسْتَنْبَتُ كَحَصِيرٍ أَوْ خُمْرَةٍ اللَّخْمِيُّ وَشَبَهُهُ مِمَّا لَا يُقْصَدُ لِتَرَفُّهِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْيِيدِ النَّبَاتِ بِمَا لَا يُسْتَنْبَتُ لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِتِلْمِيذِهِ الْأَبِيِّ قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: الصَّلَاةُ عَلَى حَائِلٍ مَكْرُوهَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ مِمَّا يُشَاكِلُ الْأَرْضَ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ وَالْكِبْرُ كَحُصْرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدَّوْمِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ بِطَبْعِهَا وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ مَسْلَمَةَ الصَّلَاةَ عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، وَالْأَظْهَرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُهُ بِطَبْعِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ التَّرَفُّهُ فَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْقَصْدِ إلَى التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ مَا فِيهِ التَّرَفُّهُ فَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى حُصْرِ السَّامَّانِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يُشْتَرَى بِالْأَثْمَانِ الْعِظَامِ وَيُقْصَدُ بِهِ الْكِبْرُ وَالتَّرَفُّهُ وَالزِّينَةُ وَالْجَمَالُ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَدْ عَلِمْت أَنْ حُصْرَ السَّامَّانِ وَشَبَهَهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا حَصِير (الثَّانِي) إنَّمَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى الثَّوْبِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ حَرًّا أَوْ بَرْدًا جَازَ أَنْ يَبْسُطَ ثَوْبًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ كَفَّيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا الْمُرَابِطُ عُمَرُ وَأَمَّا مَا يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَجْلِسُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَكَذَا مَا بَسَطَ لِحَرِّ الْأَرْضِ

فرع فرش خمرة فوق البساط وصلى عليها

أَوْ بَرْدِهَا أَوْ حُزُونَتِهَا أَيْ خُشُونَتِهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَالْمَكْرُوهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مَا فِيهِ رَفَاهِيَةٌ مِمَّا تُنْبِتُهُ وَمَا لَا تُنْبِتُهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: وَالْأَفْضَلُ لِلسَّاجِدِ أَنْ يَلِيَ الْأَرْضَ بِوَجْهِهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ خُمْرَةً خَاصَّةً لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَذَلِكَ مُؤَكَّدٌ وَالْيَدَانِ يَلِيَانِ الْوَجْهَ فِي التَّأْكِيدِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: مِنْ نَبَاتٍ لَا يُسْتَنْبَتُ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: مِمَّا تُنْبِتُهُ بِطَبْعِهَا يَقْتَضِي أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْخُمْرَةِ لَيْسَ مِنْ الْجَائِزِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّخْلِ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَنْبَتُ، وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَثَّلَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِهِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُهُمَا بِمَا عَدَا مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ النَّخْلِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ ذَكَرَ سُؤَالًا عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى السَّجَّادَةِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت إنْ كَانَتْ السَّجَّادَةُ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضَ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ فَمَكْرُوهٌ لَيْسَ إلَّا، وَهَذَا فِيمَا يَضَعُ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ وَأَمَّا مَا يَقِفُ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ حَرِيرًا فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: لَيْسَ إلَّا مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مِمَّا تُنْبِتُهُ فَمَكْرُوهٌ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَالْحَصِيرِ وَالْخُمْرَةِ فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَالْخُمْرَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ حَصِيرٌ مِنْ جَرِيدٍ صَغِيرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَمْ تُسَمَّ خُمْرَةً وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ وَجْهَ الْمُصَلِّي أَيْ تُغَطِّيهِ انْتَهَى. وَفِي الصِّحَاحِ الْخُمْرَةُ سَجَّادَةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَتُرْمَلُ بِالْخُيُوطِ، انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي تَفْسِيرِ الْخُمْرَةِ: هِيَ مِقْدَارُ مَا يَضَعُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ وَجْهَهُ فِي سُجُودِهِ مِنْ حَصِيرٍ أَوْ نَسِيجَةِ خُوصٍ وَنَحْوِهِ وَلَا تَكُونُ خُمْرَةً إلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ وَسُمِّيَتْ خُمْرَةً؛ لِأَنَّ خُيُوطَهَا مَسْتُورَةٌ بِسَعَفِهَا وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَهَكَذَا فُسِّرَتْ وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ دِرْهَمٍ» وَهَذَا نَصٌّ فِي إطْلَاقِ الْخُمْرَةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ مِنْ نَوْعِهَا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْأَثِيرِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا فَرُبَّمَا تَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا قَالَ: فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُنْكَسُ ثُمَّ يُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا» قَالَ: وَكَانَ بِسَاطُهُمْ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَالْأَدَمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ الْجُلُودُ الْمَدْبُوغَةُ جَمْعُ أَدِيمٍ، وَأَحْلَاسُ الدَّوَابِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِالْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَاحِدُهَا حِلْسٌ وَهُوَ مَا يَلِي ظَهْرَ الدَّوَابِّ وَمَا يُجْعَلُ تَحْتَ اللُّبُودِ وَالسُّرُوجِ وَأَصْلُهُ مِنْ اللُّزُومِ وَالطِّنْفَسَةُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ أَفْصَحُهَا وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِهِمَا وَهُوَ بِسَاطٌ صَغِيرٌ كَالنُّمْرُقَةِ انْتَهَى. [فَرْعٌ فَرَشَ خُمْرَةً فَوْقَ الْبِسَاطِ وَصَلَّى عَلَيْهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَإِنْ فَرَشَ خُمْرَةً فَوْقَ الْبِسَاطِ لَمْ يُكْرَهْ، وَسُئِلَ عَنْ الْمِرْوَحَةِ فَقَالَ: هِيَ صَغِيرَةٌ لَا تَكْفِي إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا انْتَهَى. ص (وَسُجُودٌ عَلَى كَوْرِ عِمَامَةٍ أَوْ طَرَفِ كُمٍّ) ش كَوْرُ الْعِمَامَةِ بِفَتْحِ الْكَافِ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَحُكْمُ الثَّوْبِ جَمِيعِهِ حُكْمُ الْكُمِّ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَلَا كَرَاهَةَ، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: - لَمَّا عَدَّ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَإِحْرَامُهُ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ وَسُجُودُهُ أَيْضًا فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةُ مَنْ صَلَّى فِي جُبَّةٍ أَكْمَامُهَا طَوِيلَةٌ لَا يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْهَا لِإِحْرَامٍ وَلَا رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مَعَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ مُبَاشَرَتِهِ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ التَّكَبُّرِ انْتَهَى وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ بَشِيرٍ وَيُكْرَهُ سَتْرُ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ فِي السُّجُودِ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص

وَقِرَاءَةٌ بِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ) ش: وَكَذَا فِي التَّشَهُّدِ قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَدُعَاءٌ خَاصٌّ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: خَاصٌّ أَنَّ الدُّعَاءَ خَاصٌّ بِنَفْسِهِ لَمْ يُشْرِكْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَانَهُمْ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دُعَاءً مَخْصُوصًا لِرُكُوعِهِ وَدُعَاءً مَخْصُوصًا لِسُجُودِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَهُمَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. ص (أَوْ بِعَجَمِيَّةٍ لِقَادِرٍ) ش: نَقَلَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَنْ دَعَا بِالْعَجَمِيَّةِ أَوْ سَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَحْكِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) نَهَى مَالِكٌ عَنْ رَطَانَةِ الْأَعَاجِمِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَمُخَالَطَتُهُمْ مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ مَعَ الْبُعْدِ فَانْظُرْهُ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ: عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الطَّوَافِ فَقَالَ: ابْتَغِيَا إلَى الْعَرَبِيَّةِ سَبِيلًا انْتَهَى. ص (وَالْتِفَاتٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ أَعْرَضَ عَنْهُ» ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ السَّهْوِ بِكَوْنِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ هُنَاكَ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِكَرَاهَتِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا قَرَنَهُ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَكْرُوهَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنْهَا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ الْمُطْلَقُ هُنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ السَّهْوِ، قَالَ الْبَرَاذِعِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: وَلَا يَلْتَفِتُ الْمُصَلِّي فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ صَلَاتَهُ. قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: قَوْلُهُ: لَا يَلْتَفِتُ، لَمْ يَقُلْهُ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ وَلَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا جَرَى فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْتَفَتَ عَبْدٌ فِي صَلَاتِهِ قَطُّ إلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا خَيْرٌ لَك مِمَّا الْتَفَتَّ إلَيْهِ» وَالْمَذْهَبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ وَجْهٌ وَمَعْنًى وَالِالْتِفَاتُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُبَاحٌ وَمَكْرُوهٌ، فَمَا كَانَ لِلْحَاجَةِ فَمُبَاحٌ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ «الْتَفَتَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَأَخَّرَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَّا الْتَفَتَ إلَيْهِ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ «قَالَ ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الصُّبْحَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إلَى الشِّعْبِ مِنْ اللَّيْلِ يَحْرُسُ» وَأَمَّا الِالْتِفَاتُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَمَكْرُوهٌ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَفَّحَ بِخَدِّهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى النَّسَائِيّ «أَنَّهُ كَانَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِيَ عُنُقَهُ» وَالْحَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ إلَّا أَنَّ النَّظَرَ يُصَحِّحُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يُخِلَّ ذَلِكَ بِاسْتِقْبَالِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ انْتَهَى. (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ التَّصَفُّحَ جَائِزٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهُوَ مِنْ الِالْتِفَاتِ إلَّا أَنَّ الِالْتِفَاتَ يَتَفَاوَتُ فَالتَّصَفُّحُ بِالْخَدِّ أَقْرَبُ وَأَخَفُّ مِنْ لَيِّ الْعُنُقِ وَلَيُّ الْعُنُقِ أَخَفُّ مِنْ الِالْتِفَاتِ بِالصَّدْرِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ الْتَفَتَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ قَالَ: لَمْ أَسْأَلْ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَاخْتَصَرَ ذَلِكَ الْبَرَاذِعِيُّ فَقَالَ: وَلَا

تنبيه رفع بصره إلى السماء وهو يصلي

يَلْتَفِتُ الْمُصَلِّي فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ قَالَ الْحَسَنُ: إلَّا أَنْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ زَادَ فِي الْأُمَّهَاتِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَقَوْلُهُ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إلَّا أَنْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ يُرِيدُ أَوْ يُشَرِّقَ أَوْ يُغَرِّبَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْهُ وَعَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَقَبِلَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَوَى عُنُقَهُ فَقَطْ فَجَمِيعُ جَسَدِهِ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ خَلَا وَجْهَهُ وَهُوَ صُورَةُ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمَّا كَانَ جَسَدُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كَانَ حَقُّ الِاسْتِقْبَالِ قَائِمًا، وَكَذَلِكَ إذَا الْتَفَتَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ وَرِجْلَاهُ مُسْتَقْبِلَتَانِ إلَى الْقِبْلَةِ فَحَقُّ الِاسْتِقْبَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا قَائِمٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَسَطِهِ إلَى أَسْفَلِهِ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ وَجَسَدُهُ أَيْضًا فِي حُكْمِ الْمُسْتَقْبِلِ وَإِنَّمَا هُوَ مُنْحَرِفٌ يَسِيرًا وَإِنَّمَا الْإِخْلَالُ بِوَجْهِهِ فَوْقَ الْإِخْلَالِ بِصَدْرِهِ. أَمَّا إذَا اسْتَقْبَلَ بِرِجْلَيْهِ جِهَةً غَيْرَ جِهَةِ الْقِبْلَةِ كَانَ تَارِكًا لِلتَّوَجُّهِ مُنْصَرِفًا عَنْ جِهَةِ الْبَيْتِ وَلَوْ حَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ جَعَلَ نَاحِيَةَ الْقِبْلَةِ خَلْفَ عَقِبَيْهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْهَا بِوَجْهِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي حَدِيثِ الْبُزَاقِ فِي الصَّلَاةِ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «إذَا كُنْت فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْزُقْ عَنْ يَمِينِك وَلَكِنْ خَلْفَك أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِك وَتَحْتَ قَدَمِك الْيُسْرَى» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّأْسَ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ مُخَالِفًا لِلْقِبْلَةِ تَيَامُنًا أَوْ تَيَاسُرًا أَوْ إدْبَارًا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنْ يُتْبِعَهُ الْبَدَنَ فِي الْإِدْبَارِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ، إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ مُعَايِنًا لِلْبَيْتِ فَإِنَّهُ إنْ تَيَاسَرَ خَرَجَ عَنْهُ وَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُتْبِعَهُ الْبَدَنَ يُرِيدُ جَمِيعَ الْبَدَنِ حَتَّى الرِّجْلَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ وَلَوْ الْتَفَتَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ: مَعَ الْإِدْبَارِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ مُعَايِنًا لِلْبَيْتِ. إلَخْ يَعْنِي فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَأَيْضًا مَعَ التَّيَاسُرِ يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ حَتَّى الرِّجْلَيْنِ وَمِثْلُهُ التَّيَامُنُ، وَإِنَّمَا خَصَّ التَّيَاسُرَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي حَدِيثِ الْبُزَاقِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُعَايِنَ لِلْبَيْتِ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ مَعَ التَّيَاسُرِ وَالتَّيَامُنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا فِي غَيْرِ الْمُعَايَنَةِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالتَّشْرِيقِ وَالتَّغْرِيبِ وَالِاسْتِدْبَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي بَابِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ رَدَّ رَأْسَهُ كُلَّهُ خَلْفَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ بَدَنِهِ ذَلِكَ انْتَهَى. يَعْنِي مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَكُونَ بَصَرُ الْمُصَلِّي أَمَامَ قِبْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى شَيْءٍ أَوْ يُنَكِّسَ رَأْسَهُ وَهُوَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَشَعَ بِبَصَرِهِ وَوَقَعَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْحَظَ بِبَصَرِهِ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَيْهِ فَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. [تَنْبِيه رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يُصَلِّي] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ: وَأَنْ يَضَعَ بَصَرَهُ فِي جَمِيعِ مَوْضِعِ سُجُودِهِ انْتَهَى. وَفِيهِ سَقْطٌ وَلَعَلَّ أَصْلَهُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَقَالَ فِي الزَّاهِي: وَيَجْعَلُ بَصَرَهُ أَمَامَهُ وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْحَظَ بِبَصَرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ وَلَا يَنْظُرَ حَيْثُ يَسْجُدُ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْمُصَلِّيَ يَجْعَلُ بَصَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالصُّوفِيَّةُ بِأَسْرِهِمْ فَإِنَّهُ أَحْضَرُ لِلْقَلْبِ وَأَجْمَعُ لِلْفِكْرِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْظُرُ أَمَامَهُ فَإِنَّهُ إذَا حَنَى رَأْسَهُ ذَهَبَ بَعْضُ الْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ فِي الرَّأْسِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ وَإِنْ أَقَامَ رَأْسَهُ وَتَكَلَّفَ النَّظَرَ بِبَعْضِ بَصَرِهِ إلَى الْأَرْضِ فَتِلْكَ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ وَحَرَجٌ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ جِهَةَ الْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إعْرَاضٌ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ

ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ حِينَ رَأَوْا عَامَّةَ الْخَلْقِ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ سَالِمَةٌ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْخَطْفِ أَخْذُهَا عَنْ الِاعْتِبَارِ حَتَّى تَعْتَبِرَ بِآيَاتِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ مَعْرَضٌ وَهُوَ أَشَدُّ الْخَطْفِ. قَالَ: وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَلِّي: اللَّهُ أَكْبَرُ تُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْأَفْعَالُ بِالْجَوَارِحِ وَالْكَلَامُ بِاللِّسَانِ وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْخَوَاطِرَ الْقَلْبِيَّةَ وَالِاسْتِرْسَالَ فِي الْأَفْكَارِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ ضَبْطَ السِّرِّ يَفُوتُ طَوْقَ الْبَشَرِ تَسَمَّحَ فِيهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتِ الدُّعَاءِ اُنْظُرْ الْإِكْمَالَ وَالْأَبِيَّ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ. ص (وَتَشْبِيكُ أَصَابِعً وَفَرْقَعَتُهَا) ش: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَالتَّشْبِيكُ لَا بَأْسَ بِهِ حَتَّى فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِتَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ يَعْنِي بِهِ الْمَسْجِدَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَأَوْمَأَ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ لِيَدِ مَالِكٍ مُشَبِّكًا أَصَابِعَهُ بِهِ لِيُطْلِقَهُ وَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ ابْنُ رُشْدٍ صَحَّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ تَشْبِيكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصَابِعِهِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى وَأَمَّا فَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ فَتُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَخَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ الْكَرَاهَةَ بِالْمَسْجِدِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِقْعَاءٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا فِي كُلِّ جُلُوسٍ فِي التَّشَهُّدِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلِمَنْ صَلَّى جَالِسًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ. ص (وَتَخَصُّرٌ) ش: اُنْظُرْ الْعَارِضَةَ وَالتِّرْمِذِيَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. ص (وَتَغْمِيضُ بَصَرِهِ) ش: هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فَتْحُ عَيْنَيْهِ يُشَوِّشُهُ وَأَمَّا لَوْ شَوَّشَهُ فَلَا. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغْلِقَ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يُشَوِّشُهُ انْتَهَى. ص (وَرَفْعُهُ رِجْلًا وَوَضْعُ قَدَمٍ عَلَى أُخْرَى) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ السَّهْوِ: وَتَرْوِيحُ رِجْلَيْهِ مُغْتَفَرٌ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتَرْوِيحُ الرِّجْلَيْنِ أَنْ يَرْفَعَ وَاحِدَةً وَيَعْتَمِدَ عَلَى الْأُخْرَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا إنْ كَانَ لِطُولِ قِيَامٍ وَشَبَهِهِ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ انْتَهَى وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهُ مُطْلَقًا، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَكَلَامُهُ هَذَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلِمَا سَيَقُولُهُ فِي فَصْلِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّ تَرْوِيحَ رِجْلَيْهِ مُغْتَفَرٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِطُولِ قِيَامٍ وَشَبَهِهِ وَمَا فِي بَابِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّ تَرْوِيحَ رِجْلَيْهِ مُغْتَفَرٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِطُولِ قِيَامٍ وَشَبَهِهِ فَيَتَّفِقُ كَلَامُهُ وَيَكُونُ تَابِعًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، كَمَا قَالَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: هَذَا مَكْرُوهٌ إلَّا لِطُولِ الْقِيَامِ، وَتَرْوِيحُ الرِّجْلَيْنِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَيُقَدِّمَ الْأُخْرَى غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعَهَا وَيَضَعَهَا عَلَى سَاقِهِ، انْتَهَى. فَجَعَلَ مِنْ تَرْوِيحِ الرِّجْلَيْنِ أَنْ يَقِفَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَيُقَدِّمَ الْأُخْرَى فَيَكُونَ مُوجِبُ الْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ تَقْدِيمَهُ إيَّاهَا وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُقَدِّمْهَا فَيَكُونُ هُوَ الْمَطْلُوبُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِمَا مَعًا بِحَيْثُ يَجْعَلُ حَظَّهُمَا مِنْ الْقِيَامِ سَوَاءً مَكْرُوهٌ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَوِّحَ رِجْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَكْرَهُ أَنْ يَقْرِنَهُمَا يَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ عِيَاضٌ: يَعْنِي لَا يَقْرِنُهُمَا وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا مَعًا بَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَعْتَمِدُ أَحْيَانًا عَلَى هَذِهِ، وَأَحْيَانًا عَلَى هَذِهِ وَأَحْيَانًا عَلَيْهِمَا وَهُوَ مَعْنَى يُرَوِّحُ، وَيُقَالُ: يُرَاوِحُ وَلَا يَجْعَلُ قِرَانَهُمَا سُنَّةَ الصَّلَاةِ فَهُوَ الصَّفْدُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ وَلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ تَفْرِيقُ الْقَدَمَيْنِ مِنْ عَيْبِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي قِرَانِهِمَا وَتَفْرِيقِهِمَا: ذَلِكَ وَاسِعٌ وَعَدَّهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَعِنْدِي أَنَّ كُلَّهُ بِمَعْنَى الْتِزَامِ الْقِرَانِ وَجَعْلُهُ

فرع التماثيل في نحو الأسرة

مِنْ حُدُودِ الصَّلَاةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ التَّفْرِيقَ مِنْ سُنَّتِهَا وَأَنَّ الْأَمْرَ مُوَسَّعٌ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ سُنَّةً وَلَا يَلْتَزِمُ حَالَةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. ص (وَإِقْرَانُهُمَا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: كَرِهَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَقْرِنَ رِجْلَيْهِ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ الصَّفْدُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَفَسَّرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَنْ يَجْعَلَ حَظَّهُمَا مِنْ الْقِيَامِ سَوَاءً رَاتِبًا دَائِمًا، قَالَ: وَأَمَّا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا وَكَانَ مَتَى شَاءَ رَوَّحَ وَاحِدَةً وَوَقَفَ عَلَى الْأُخْرَى فَهُوَ جَائِزٌ انْتَهَى، وَانْظُرْ قَوْلَهُ: وَهُوَ الصَّفْدُ، وَقَالَهُ فِي الزَّاهِي فِي إلْصَاقِ الْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَاسِعٌ وَلَيْسَ مِنْ فِعْلِ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ لَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى. ص (وَتَفَكُّرٌ بِدُنْيَوِيٍّ) ش: قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَمَا كَانَ مُشْغَلًا بِحَيْثُ لَا يَدْرِي مَا صَلَّى فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، انْتَهَى. ص (وَحَمْلُ شَيْءٍ بِكُمٍّ أَوْ فَمٍ) ش صَرَّحَ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَفِي فَمِهِ دِرْهَمٌ وَخَفَّفَ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجْعَلَ الدِّرْهَمَ فِي أُذُنِهِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ وَأَمَّا كَرَاهِيَتُهُ لِكَوْنِهِ فِي فِيهِ فَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ عَمَّا يَلْزَمُ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَى صَلَاتِهِ انْتَهَى. ص (وَتَزْوِيقُ قِبْلَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: وَتَحْسِينُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَتَحْصِينُهَا مِمَّا يُسْتَحَبُّ وَإِنَّمَا الَّذِي يُكْرَهُ تَزْوِيقُهَا بِالذَّهَبِ وَشَبَهِهِ وَالْكِتَابَةُ فِي قِبْلَتِهَا، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَرَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ الصُّمَادِحِيُّ: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْمَسَاجِدِ هَلْ يُكْرَهُ الْكِتَابَةُ فِيهَا فِي الْقِبْلَةِ بِالصِّبْغِ شِبْهَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ بِوَارِعِ الْقُرْآنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَنَحْوِهَا؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ التَّزَاوِيقِ وَيَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ، قَالَ: وَلَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ فِي الْقَرَاطِيسِ فَكَيْفَ فِي الْجُدُرِ؟ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كَرَاهَةِ تَزْوِيقِ الْمَسْجِدِ وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا يُخْشَى عَلَى الْمُصَلِّينَ مِنْ أَنْ يُلْهِيَهُمْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِمْ وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْحَدِيثِ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَرَسْمِ الشَّجَرَةِ تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَقَدْ كُرِهَ لِلنَّاسِ تَزْوِيقُ الْقِبْلَةِ لِمَسْجِدٍ حَتَّى جَعْلٌ بِالذَّهَبِ وَبِالْفُسَيْفِسَاءِ وَذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ النَّاسَ فِي صَلَاتِهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كَرَاهِيَةِ تَزْوِيقِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ هَذَا كُرْهُ تَزْيِينِ الْمَصَاحِفِ بِالْخَوَاتِمِ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَكُرِهَ فِي أَوَّلِ سَمَاعٍ مُوسَى أَنْ يُكْتَبَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ بِالصِّبْغِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلِابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ إجَازَةُ تَزْوِيقِ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقِهَا بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ وَمِثْلُ الْكِتَابَةِ فِي قِبْلَتِهَا مَا لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ زَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي سَمَاعِ مُوسَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى تَزْيِينِ الْمَسَاجِدِ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْكَلَامُ عَلَى تَزْيِينِ الْمَصَاحِفِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ وَكَذَا رَأَيْته فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ التَّمَاثِيلُ فِي نَحْوِ الْأَسِرَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكُرِهَ التَّمَاثِيلُ فِي نَحْوَ الْأَسِرَّةِ بِخِلَافِ الْبُسُطِ وَالثِّيَابِ الَّتِي تُمْتَهَنُ قَالَ الشَّيْخُ: التِّمْثَالُ إنْ كَانَ لِغَيْرِ حَيَوَانٍ كَالشَّجَرَةِ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِحَيَوَانٍ

فائدة يجعل خاتمه في يمينه وهو في الصلاة

وَمَا لَهُ ظِلٌّ وَيُقِيمُ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعٍ وَكَذَا إنْ لَمْ يُقِمْ كَالْعَجِينِ خِلَافًا وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَهَنٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ مُمْتَهَنًا فَتَرْكُهُ أَوْلَى، انْتَهَى. ص (وَتَعَمُّدُ مُصْحَفٍ فِيهِ لِيُصَلِّيَ لَهُ) ش: وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ النَّفْلِ. ص (وَعَبَثٌ بِلِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) ش: مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ التَّرَوُّحُ بِكُمِّهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي اللُّبَابِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ طَلَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيُحَوِّلُ خَاتَمَهُ فِي أَصَابِعِهِ أُصْبُعٍ أُصْبُعٍ لِلرُّكُوعِ فِي سَهْوِهِ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ سَهْوٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ لِرُكُوعِهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمِ شَكٍّ فِي الَّذِي يُحْصِي الْآيَ بِيَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ فَأَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الشَّغْلُ الْيَسِيرُ مَكْرُوهًا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ، فِيهِ سَهْوٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِيهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ سَاهِيًا وَإِنَّمَا فَعَلَهُ عَامِدًا لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ وَلَوْ فَعَلَهُ سَاهِيًا مِثْلَ مَنْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ تَخَرَّجَ إيجَابُ السُّجُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ يَجْعَلُ خَاتَمَهُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ] (فَائِدَةٌ) ، وَمَنْ الْعُتْبِيَّةِ أَيْضًا فِي رَسْمِ، وَمِنْ كِتَابٍ أَوَّلَهُ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَجْعَلُ خَاتَمَهُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَجْعَلُ فِيهِ الْخَيْطَ لِحَاجَةٍ يُرِيدُهَا قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ابْنُ رُشْدٍ وَجْهُ إجَازَةِ هَذَا وَتَخْفِيفِهِ لَائِحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَتَمَ فِي الْيَسَارِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا تُتَنَاوَلُ بِالْيَمِينِ فَهُوَ يَأْخُذُ الْخَاتَمَ بِيَمِينِهِ فَيَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ، فَإِذَا جَعَلَهُ بِيَمِينِهِ لِيَتَذَكَّرَ بِذَلِكَ الْحَاجَةَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا جَعْلُهُ فِيهِ الْخَيْطَ فَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ السَّمَاجَةِ عِنْدَ مَنْ يُبْصِرُهُ وَيَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُ مَقْصِدَهُ لِذَلِكَ وَمَغْزَاهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فصل العاجز عن قيام السورة للصلاة

[فَصْلٌ الْعَاجِزُ عَنْ قِيَامِ السُّورَةِ لِلصَّلَاةِ] ص (فَصْلٌ يَجِبُ بِفَرْضٍ قِيَامٌ إلَّا لِمَشَقَّةٍ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ بِفَرْضٍ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي الْفَرْضِ مِنْ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ وَسَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقِيَامُ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ الْفَرْضُ وَمُدَّتُهَا لِلْمَأْمُومِ فَرْضٌ قَادِرٌ فِي الْفَرْضِ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ: الْعَاجِزُ عَنْ قِيَامِ السُّورَةِ يَرْكَعُ إثْرَ الْفَاتِحَةِ. (قُلْت) : لِأَنَّ قِيَامَ السُّورَةِ لِقِرَاءَتِهَا فَرْضٌ كَوُضُوءِ النَّفْلِ لَا سُنَّةٌ كَمَا أَطْلَقُوهُ وَإِلَّا جَلَسَ وَقَرَأَهَا انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيَامِ لِلْفَاتِحَةِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِهَا أَوْ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ؟ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْفَاتِحَةِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ انْتَهَى، وَانْظُرْ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي فَصْلِ الْقِيَامِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ الْقِيَامُ وَالْمُتَعَيَّنُ مِنْهُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْفَذِّ قَدْرُ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَعَلَى الْمَأْمُومِ قَدْرُ مَا يُوقِعُ فِيهِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ. انْتَهَى وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَكُلُّ سَهْوٍ، قَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ الْفَخَّارِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ: هَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا كَبَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ لَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا جَلَسَ الْمَأْمُومُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَقَامَ هُوَ وَرَكَعَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ لَا يَحْمِلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ. وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ: وَكَذَلِكَ لَوْ جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَتَّى اطْمَأَنَّ الْإِمَامُ رَاكِعًا فَلْيَقُمْ وَلْيَرْكَعْ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ يَحْمِلْ الْإِمَامُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي أَوْلَى لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْ كَلَامِهِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ

فرع يسقط عن المريض من أركان الصلاة ما عجز عنه

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ قُلْت وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا لِقَوْلِهَا لَا يُصَلَّيَانِ فِي الْحِجْرِ كَالْفَرْضِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى الْأَرْضِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيُصَلِّي فِي السَّفَرِ الَّذِي يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ عَلَى دَابَّتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ الْوِتْرَ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالنَّافِلَةَ، انْتَهَى. ابْنُ نَاجِي أَقَامَ بَعْضُ التُّونُسِيِّينَ مِنْ هُنَا أَنَّ الْوِتْرَ يُصَلَّى جَالِسًا اخْتِيَارًا وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ عَكْسَهُ مِنْ قَوْلِهَا لَا يُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ الْفَرِيضَةَ وَلَا الْوِتْرَ وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَجْرَ لَا يُصَلَّى جَالِسًا؛ لِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاخْتَلَفَتْ فَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّمَّاحِ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِالْمَنْعِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِوُجُوبِهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ يَسْقُطُ عَنْ الْمَرِيضِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ] (فَرْعٌ) يَسْقُطُ عَنْ الْمَرِيضِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مَا أُكْرِهَ الشَّخْصُ عَلَى تَرْكِهِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: وَتَتَغَيَّرُ أَحْكَامُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَصُوَرُهَا بِعَشْرَةِ أَسْبَابٍ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِالْقَصْرِ وَالْجَهْرِ وَلِصَلَاةِ الْخَوْفِ فِي جَمَاعَةٍ بِتَفْرِيقِ صَلَاتِهَا وَلِصَلَاةِ الْمُسَايِفِ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ وَبِالتَّقْصِيرِ فِي السَّفَرِ وَبِعُذْرِ الْمَرَضِ الْمَانِعِ مِنْ اسْتِيفَاءِ أَرْكَانِهَا فَيَفْعَلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَبِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ وَالْمَنْعِ فَيَفْعَلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَبِالْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ يَجِدُّ بِهِ السَّيْرُ فَيَجْمَعُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ بِحَسْبِ سَيْرِهِ وَالْجَمْعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لِلْعِشَاءَيْنِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، وَالْجَمْعُ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَوَّلَ الزَّوَالِ وَبِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَالْجَمْعُ لِلْمَرِيضِ يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ أَرْفَقَ بِهِ فَوَسَطُهُ، انْتَهَى. قَالَ الْقَبَّابُ: قَوْلُهُ وَبِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ مَنَعَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ وَقَهْرٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَيَفْعَلُ سَائِرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ إحْرَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَإِيمَاءٍ كَمَا يَفْعَلُ الْمَرِيضُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا سِوَاهُ، انْتَهَى. (قُلْت) وَيَدُلُّ لِذَلِكَ صَلَاةُ الْمُسَايَفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْمُصَلِّي جَالِسًا إذَا دَنَا مِنْ رُكُوعِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي جَالِسًا إذَا دَنَا مِنْ رُكُوعِهِ أَنْ يَقُومَ فَيَقْرَأَ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ آيَةً ثُمَّ يَرْكَعَ قَائِمًا التِّلِمْسَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» . قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: فَاسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلِأَنَّ فِعْلَ الرُّكُوعِ مِنْ الْقِيَامِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ مِنْ الْجُلُوسِ، انْتَهَى. ص (ثُمَّ اسْتِنَادٌ لَا لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَلَهُمَا أَعَادَ بِوَقْتٍ ثُمَّ جُلُوسٌ) ش: مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الِاسْتِنَادِ وَالْجُلُوسِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالشَّيْخُ زَرُّوق أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَلَهُمَا أَعَادَ بِوَقْتٍ اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ هَلْ الضَّرُورِيُّ أَوْ الْمُخْتَارُ؟ وَالظَّاهِرُ الضَّرُورِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: ذَهَبَ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْإِعَادَةِ كَوْنُ الْمُصَلِّي بَاشَرَ نَجَاسَةً فِي أَثْوَابِهَا فَكَانَ كَالْمُصَلِّي عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَرَبُّعٌ كَالْمُتَنَفِّلِ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ

لَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَقَعَدَ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِي الْقُعُودِ هَيْئَةٌ لِلصِّحَّةِ وَلَكِنَّ الْإِقْعَاءَ مَكْرُوهٌ وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ وَالْمَشْهُورُ أَنْ يَتَرَبَّعَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ. ص (وَلَوْ سَقَطَ قَادِرٌ بِزَوَالِ عِمَادٍ بَطَلَتْ) ش: هَذَا إنْ فَعَلَهُ مُتَعَمِّدًا قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَوْ فَعَلَهُ سَهْوًا بَطَلَتْ رَكْعَتُهُ الَّتِي فَعَلَ فِيهَا ذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَكَى هَذَا فَانْظُرْهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ أَنَّ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ. وَقَدْ يُقَالُ: يُجْزِئْهُ؛ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هُوَ فَرْضٌ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَقِفَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْقِيَامِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ فَظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ الطِّرَازَ فَإِنَّهُ قَالَ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَأَسَاءَ. وَظَاهِرُهُ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ " وَلَا يَتَوَكَّأُ فِي الْمَكْتُوبَةِ عَلَى عَصَى أَوْ حَائِطٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّافِلَةِ " ابْنُ نَاجِي لَفْظُ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ لَا يُعْجِبُنِي وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَاهَةِ وَمَحِلُّهُ حَيْثُ يَكُونُ الِاتِّكَاءُ خَفِيفًا بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ لَمَا سَقَطَ وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ إذَا كَانَ فِي قِيَامِ الْفَاتِحَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي قِيَامِ السُّورَةِ فَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَهَا سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَا زِلْتُ أَذْكُرُهُ فِي دَرْسِ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللَّهُ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَقَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِنَا الْأَقْرَبُ أَنَّ الْقِيَامَ لِلسُّورَةِ فَرْضٌ لِمَنْ أَرَادَهَا كَالْوُضُوءِ لِلنَّافِلَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى.

ص (وَإِنْ خَفَّ مَعْذُورٌ انْتَقَلَ لِلْأَعْلَى) ش لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ الْعُذْرُ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَصْلِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَخَرَجَ قَوْلٌ بِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ يُتِمُّهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِتَوَقُّفِ بَعْضِ النَّاسِ فِيهِ قَائِلًا: مَنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الْجَوَاهِرَ فَإِنَّهُ فَرَّعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمٍ يُوصِي لِمُكَاتَبِهِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَعْرِضُ لَهُ الْمَرَضُ فَيُصَلِّي قَاعِدًا ثُمَّ يَذْهَبُ ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ هَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ ص (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ فَاتِحَةٍ قَائِمًا جَلَسَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْفَاتِحَةِ قَائِمًا فَالْمَشْهُورُ الْجُلُوسُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اُنْظُرْ كَيْفَ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقِيَامِ أَتَى بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِقْدَارَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ خَاصَّةً أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إنَّمَا هُوَ الْقِيَامُ مَعَ الْقِرَاءَةِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَتَى بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي إذَا عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ قَائِمًا وَلَمْ يَعْجِزْ عَنْهَا فِي حَالِ الْجُلُوسِ لِدَوْخَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَأْتِي بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ لِلْبَاقِي وَيَأْتِي بِهِ فِي حَالِ الْجُلُوسِ. (تَنْبِيهٌ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ جُمْلَةً حَتَّى لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا قَامَ لَمْ يَقْدِرْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْجُلُوسِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَالْقَوْلُ الشَّاذُّ يُصَلِّي قَائِمًا، يُرِيدُ وَلَا يَقْرَؤُهَا فَإِذَا كَانَ فِي الْأَخِيرَةِ جَلَسَ لِيَقْرَأَهَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَالثَّانِي يُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ فِي رَكْعَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْقَادِرُ عَلَى قِيَامِ الْفَاتِحَةِ دُونَ قِرَاءَتِهَا يَجْلِسُ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوْ جُلِّهَا يَقُومُ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ سَوَاءٌ فِي رَكْعَةٍ أَوْ فِي أَقَلِّهَا، وَفِي غَيْرِهَا يَجْلِسُ لِيَقْرَأَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْفَاتِحَةِ قَائِمًا فَالْمَشْهُورُ الْجُلُوسُ فِي تَصَوُّرِهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي إنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ سَقَطَ. (قُلْت) قَدْ صَوَّرَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ قِيَامِ الْفَاتِحَةِ جَلَسَ لِتَمَامِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَوْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ وَيَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ قَدْرَ قِرَاءَتِهَا وَعَلَى قِرَاءَتِهَا فِي حَالِ الْجُلُوسِ فَحُكْمُهُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ إلَّا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا مَنْ قَدَرَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ قَائِمًا ثُمَّ يُكْمِلُ بَقِيَّتَهَا فِي حَالِ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالْبَاقِي جَالِسًا بَلْ إنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ لِلْقِيَامِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ لِيَأْتِيَ بِالرُّكُوعِ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَمِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَمِنْ آخِرِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَمِنْ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا خَفَّ الْمَرِيضُ لِحَالَةٍ أَعْلَى مِنْ حَالَتِهِ الْأُولَى: فَإِذَا وَجَدَ الْقَاعِدُ خِفَّةً فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ فَلْيُبَادِرْ إلَى الْقِيَامِ وَإِنْ خَفَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَزِمَهُ الْقِيَامُ لِلْهُوِيِّ إلَى الرُّكُوعِ وَلَا يَعْتَبِرُ الطُّمَأْنِينَةَ، انْتَهَى. وَأَمَّا عِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ فَأَوَّلُهَا مُشْكِلٌ وَآخِرُهَا يَقْتَضِي مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لَكِنْ عَجَزَ عَنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ فَيُصَلِّي بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَالْقِصَارِ مِنْ السُّوَرِ أَوْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ لِكَمَالِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَهَهُنَا مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْجُلُوسِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ فَرْضٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي

رَكْعَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُهُ إلَّا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ هَلْ الْقِيَامُ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ أَوْ مَقْصُودٌ لِلْقِرَاءَةِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الْإِتْيَانُ بِهَا سَقَطَ، وَكَذَا يَجْرِي الْأَمْرُ إنْ قُلْنَا: إنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الْجُلِّ فَيَخْتَلِفُ فِي الْأَقَلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، انْتَهَى. فَأَوَّلُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا عَجَزَ عَنْ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْفَاتِحَةِ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى قِرَاءَةِ بَعْضِهَا وَآخِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْهَا فِي حَالِ الْقِيَامِ وَيُرَجِّحُ هَذَا الْأَخِيرَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الْقِرَاءَةِ صَلَّى جَالِسًا انْتَهَى. ص (وَجَازَ قَدْحُ عَيْنٍ أَدَّى لِجُلُوسٍ لَا اسْتِلْقَاءٍ) ش: قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَسْأَلَةٌ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إذَا كَانَ بِهِ وَجَعٌ فِي عَيْنِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْدَحَهُ لِيَزُولَ الْوَجَعُ وَيُصَلِّي عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ بِلَا اخْتِلَافٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ وَأَرَادَ قَدْحَ عَيْنَيْهِ لِيَعُودَ إلَيْهِ بَصَرُهُ لَا غَيْرُ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الِاخْتِلَافِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَانِينِ مَنْ بِهِ رَمَدٌ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالِاضْطِجَاعِ صَلَّى مُضْطَجِعًا وَاخْتُلِفَ فِي قَادِحِ الْمَاءِ مِنْ عَيْنَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّهُ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَالْفَتْوَى عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ بِقَوْلِ أَشْهَبَ انْتَهَى. ص (وَلِمَرِيضٍ سَتْرُ نَجَسٍ بِطَاهِرٍ) ش: وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْمُدَوَّنَةِ: وَنَصُّ مَا فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ " وَيُجْزِئُ عَلَيْهَا إذَا فَرَشَ ثَوْبًا عَلَى حَرِيرٍ وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَا إجْزَاءَ وَأَجْرَاهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَسِيطِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ وَإِنْ كَانَ أَسْفَلَ نَعْلِهِ نَجَاسَةٌ فَنَزَعَهُ وَوَقَفَ عَلَيْهِ جَازَ كَظَهْرِ حَصِيرٍ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَبِهِ الْفَتْوَى وَلَا أَعْرِفُ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ النَّاسِ عَلَى الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفَرْعُ لِلشَّيْخِ أَعْنِي قَوْلَهُ أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلِمُتَنَفِّلٍ جُلُوسٌ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهَا) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا جَازَ لَهُ الْقِيَامُ فِي بَقِيَّتِهَا بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إنْ شَاءَ الْجُلُوسَ بَعْدَ أَنْ قَامَ جَرَى ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ مَنْ ابْتَدَأَهَا قَائِمًا وَانْظُرْ إذَا افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ شَاءَ الْجُلُوسَ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ فَجَلَسَ ثُمَّ شَاءَ الْقِيَامَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْ بَابٍ أَحْرَى فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا الْعَكْسُ وَهُوَ إذَا صَلَّى جَالِسًا ثُمَّ شَاءَ الْقِيَامَ فَلَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى، انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا الْتَزَمَ الْجُلُوسَ هَلْ لَهُ الْقِيَامُ أَوْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ جَالِسًا ثُمَّ شَاءَ الْقِيَامَ أَوْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ شَاءَ الْجُلُوسَ فَذَلِكَ لَهُ ابْنُ نَاجِي. أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالِاتِّفَاقُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجْلِسُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقِيلَ إنْ نَوَى الْقِيَامَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَنَصَّ أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّ

فرع صلاة الجالس

مَنْ افْتَتَحَ سُورَةً طَوِيلَةً فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُتِمَّهَا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّافِلَةِ لِلْقَادِرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ فِي النَّافِلَةِ وَيَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الِاسْتِنَادِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي غَيْرِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ كَالْوِتْرِ وَالْخُسُوفِ وَانْظُرْ إذَا أَدَّاهَا الصَّحِيحُ جَالِسًا اخْتِيَارًا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَزَادَ الْعِيدَيْنِ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي فِي الْوِتْرِ وَالْفَجْرِ. (قُلْت) وَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ تَرْجَمَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ بِجَوَازِ الِاتِّكَاءِ فِي النَّافِلَةِ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِلْقَادِرِ جُلُوسُهُ فِي النَّفْلِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَدُّ إحْدَى رِجْلَيْهِ إنْ عَيِيَ وَرُكُوعُهُ إيمَاءً جَالِسًا وَقَائِمًا وَاسْتِنَادُهُ قَائِمًا خَفَّفَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَرَوَى أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ مِنْ ضَعْفٍ وَلِابْنِ رُشْدٍ عَنْهُ كَرَاهَتُهُ إنْ قَصُرَتْ وَفِي إيمَائِهِ بِالسُّجُودِ جَالِسًا الشَّيْخُ ثَالِثُهَا يُكْرَهُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَعِيسَى وَابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ صَلَاةَ الْجَالِسِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «صَلَاةَ الْجَالِسِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ هَلْ انْحِطَاطُ الْأَجْرِ يَخْتَصُّ بِالْقَادِرِ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِحَظِّهِ فِي الْقِيَامِ أَوْ يَعُمُّ الْعَاجِزَ وَالْقَادِرَ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كَافِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. [فَرْعٌ الْمُصَلِّي فِي الْمَحْمَلِ أَيْنَ يَضَعُ يَدَيْهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَسُئِلَ عَنْ الْمُصَلِّي فِي الْمَحْمَلِ أَيْنَ يَضَعُ يَدَيْهِ فَقَالَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ فَخِذَيْهِ قِيلَ لَهُ: فَالْمُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ، قَالَ: مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ فَخِذَيْهِ إذَا رَكَعَ وَإِذَا تَشَهَّدَ. وَأَمَّا مَا فِي سَائِرِ الصَّلَاةِ فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ تَكُونَ يَدَاهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ لِي مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَيْرَ هَذِهِ مَنْ تَنَفَّلَ فِي الْمَحْمَلِ فَقِيَامُهُ تَرَبُّعٌ وَيَرْكَعُ مُتَرَبِّعًا وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ قَالَ مَالِكٌ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَنْ رُكْبَتَيْهِ وَلَا أَحْفَظُ رَفْعَ يَدَيْهِ عَنْ رُكْبَتَيْهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ قَالَ إذَا هَوَى لِلسُّجُودِ ثَنَى رِجْلَيْهِ وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُثْنِيَ رِجْلَيْهِ أَوْمَأَ مُتَرَبِّعًا انْتَهَى. ص (إنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْإِتْمَامِ) ش: إمَّا بِأَنْ نَوَى أَنْ يَجْلِسَ أَوْ نَوَى الْقِيَامَ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَرَى عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا الْتَزَمَ الْقِيَامَ لَا يَجْلِسُ وَإِذَا نَوَى الْجُلُوسَ أَوَّلًا جَلَسَ وَإِنْ نَوَى الْقِيَامَ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَقَوْلَانِ شَهَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ أَعَمُّ وَضَعَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ اللَّخْمِيّ وَنَصُّهُ وَفِي جَوَازِ جُلُوسِ مُبْتَدِئِهِ قَائِمًا اخْتِيَارًا قَوْلَانِ لَهَا وَلِأَشْهَبَ وَفِي بَقَاءِ خِلَافِهِمَا لَوْ ابْتَدَأَهَا نَاوِيًا قِيَامَهَا قَوْلَانِ لِابْنِ رُشْدٍ مَعَ أَبِي عِمْرَانَ وَبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ قَائِلًا يَصِيرُ بِالنِّيَّةِ كَنَذْرٍ كَقَوْلِهَا فِي لَغْوِ مَا نَوَى مِنْ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ وَلُزُومِهَا اللَّخْمِيُّ، إنْ نَوَى تَمَامَهَا جَالِسًا أَوْ الْتَزَمَهُ قَائِمًا جَازَ جُلُوسُهُ وَلَزِمَ قِيَامُهُ وَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَقَوْلَاهُمَا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُوجِبُ لُزُومَ الْقِيَامِ إذْ لَهُ الْإِحْرَامُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ، انْتَهَى. (قُلْت) مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ نَوَاهُ فَقَوْلَانِ هُمَا قَصْرٌ قَوْلُ أَشْهَبَ عَلَى نَاوِي الْقِيَامِ وَهُوَ عَامٌّ فِيهِ وَفِي غَيْرِ نَاوِيهِ وَهُوَ مُقْتَضَى اسْتِدْلَالِهِ عَلَى تَصْوِيرِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: فَأَوَّلُ قَوْلِهِ وَآخِرُهُ مُتَنَافِيَانِ وَالْخِلَافُ فِي لُزُومِ مَا نَوَى كَالْخِلَافِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ قَلِقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصَلِّ قَضَاءُ فَائِتَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ] (فَصْلٌ وَجَبَ قَضَاءُ فَائِتَةٍ مُطْلَقًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ: " وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً بَقِيَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا وَلْيَبْدَأْ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِهَا " ابْنُ نَاجِي يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ قَضَاءَ الْمَنْسِيَّاتِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ

إنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ وَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ إلَّا وِتْرَ لَيْلِهِ وَفَجْرَ يَوْمِهِ. (قُلْت) وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ وَلَا يَبْخَسَ نَفْسَهُ مِنْ الْفَضِيلَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَنَصُّ لَفْظِهِ مِنْ الْأَجْوِبَةِ مَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ مَتَى قَدَرَ وَوَجَدَ السَّبِيلَ إلَى ذَلِكَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ دُونَ أَنْ يُضَيِّعَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِي أَوْقَاتِ الْفَرَاغِ بِالنَّافِلَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّي قَبْلَ تَمَامِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْسِيَّاتِ الصَّلَوَاتُ الْمَسْنُونَةُ وَمَا خَفَّ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْ الشَّفْعِ الْمُتَّصِلِ بِوِتْرِهِ لِخِفَّةِ ذَلِكَ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْوَادِي» . قَالَ: وَأَمَّا مَا كَثُرَ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا كَقِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَاخْتُلِفَ فِي تَنَفُّلِهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ هُوَ مَأْثُومٌ مِنْ وَجْهٍ مَأْجُورٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَانَ شَيْخُنَا الْقُورِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ النَّفَلَ لِلْفَرْضِ فَلَا يَتَنَفَّلُ وَإِنْ كَانَ لِلْبَطَالَةِ فَتَنَفُّلُهُ أَوْلَى وَلَمْ أَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ، انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) مِنْ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ إذَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ وَلَمْ يَحْصُرْهَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى قَدْرَهَا وَيَحْتَاطُ لِدِينِهِ فَيُصَلِّي مَا يَرْفَعُ الشَّكَّ عَنْهُ وَشَكٌّ بِلَا عَلَامَةٍ وَسْوَسَةٌ فَلَا يَقْضِي كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَجَائِزُ وَالْجُهَّالُ، وَقَالَ شَيْخُنَا السَّنُوسِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِغَالِبِ ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ مُؤَثِّرٍ فِي النَّفْسِ هَذَا مَعْنَى مَا سَمِعْت مِنْهُ وَرَأَيْت مَنْ يَجْعَلُ فِي مَوْضِعِ كُلِّ نَافِلَةٍ فَرِيضَةً لِاحْتِمَالِ الْخَلَلِ فِي فَرَائِضِهِ وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ، انْتَهَى. اُنْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلْيَتَوَقَّ أَوْقَاتَ النَّهْيِ حَيْثُ يَكُونُ إتْيَانُهُ بِهَا لِلشَّكِّ فِيهَا وَهُوَ وَاضِحٌ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْلُهُ وَكَيْفَمَا تَيَسَّرَ لَهُ يَعْنِي مِنْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ مَا لَمْ يَخْرُجْ لِحَدِّ التَّفْرِيطِ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ بَلْ يَجْتَهِدُ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعَ التَّكَسُّبِ لِعِيَالِهِ وَنَحْوِهِ لَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ: إنْ قَضَى فِي كُلِّ يَوْمٍ يَوْمَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا وَيَذْكُرُ خَمْسًا فَأَمَّا مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَاةٌ كَمَا تَقُولُ الْعَامَّةُ: فِعْلٌ لَا يُسَاوِي بَصَلَةً وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَدَعُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ مَنَعُوهُ مِنْ التَّنَفُّلِ مُطْلَقًا وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يُفْتِي بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتْرُكُ الْجَمِيعَ فَلَا يَتْرُكُ النَّافِلَةَ وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ الْفَرْضَ فَلَا يَتَنَفَّلُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْفَوَائِتِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَإِنْ شَكَّ أَوْقَعَ أَعْدَادًا تُحِيطُ بِجِهَاتِ الشُّكُوكِ خَلِيلٌ قَوْلُهُ فَإِنْ شَكَّ أَيْ فِي الْإِتْيَانِ أَوْ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ فِي التَّرْتِيبِ وَبَيَانُ ذَلِكَ وَاسِعٌ فَانْظُرْهُ (تَنْبِيهٌ) الشَّكُّ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ لِعَلَامَةٍ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ وَسْوَسَةٌ فَلَا قَضَاءَ إلَّا لِشَكٍّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَقَدْ أُولِعَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنْتَمِينَ لِلصَّلَاحِ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْفَوَاتِ أَوْ ظَنِّهِ أَوْ شَكٍّ فِيهِ وَيُسَمُّونَهُ صَلَاةَ الْعُمْرِ وَيَرَوْنَهَا كَمَالًا، وَيُرِيدُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً أَصْلًا بَلْ يَجْعَلُ فِي مَحَلِّ كُلِّ نَافِلَةٍ فَائِتَةً لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْصٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ جَهْلٍ وَذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ حَالِ السَّلَفِ وَفِيهِ هِجْرَانُ الْمَنْدُوبَاتِ وَتَعَلُّقٌ بِمَا لَا أَجْرَ لَهُ وَقَدْ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ السَّنُوسِيَّ ثُمَّ التِّلِمْسَانِيَّ يَذْكُرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ فَحَنَقْتُهُ عَلَيْهِ فَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ نَعَمْ رَأَيْت لِسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَلَّالِيِّ فِي اخْتِصَارِ الْإِحْيَاءِ عَكْسَهُ فَانْظُرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَالْعَمَلُ بِالْعِلْمِ خَيْرٌ كُلُّهُ وَعَكْسُهُ عَكْسُهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ صَلَّاهَا عَلَى نَحْوِ مَا فَاتَتْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَيُعْتَبَرُ طُولُ الْقِرَاءَةِ وَقِصَرُهَا كَالْحَوَاضِرِ وَكُلُّ ذَلِكَ خَفِيفٌ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ انْتَهَى. وَفِي الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا وَإِنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً صَلَّاهَا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ كَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَذَهَبَ فِي حَوَائِجِهِ فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى أَيْضًا حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ اللَّيْلِ

مسألة أجر نفسه ثم أقر أن عليه منسيات يجب تقديمها على الحضرية

فِي النَّهَارِ وَيَجْهَرُ وَصَلَاةَ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ وَيُسِرُّ ابْنُ نَاجِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَذَهَبَ فِي حَوَائِجِهِ أَيْ الضَّرُورِيَّةِ وَظَاهِرُهَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ عَلَى التَّرَاخِي وَقِيلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَلَا يَكُونُ مُفَرِّطًا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَحَكَاهُ التَّادَلِيُّ وَعَوَامُّ الْقَيْرَوَانِ عِنْدَنَا بِأَجْمَعِهِمْ يَقُولُونَ مَنْ قَضَى صَلَاةً لَا يَكُونُ مُفْرِطًا فَلَعَلَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْ مَشْيَخَتِهِمْ وَأَفْتَى شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِتَيَمُّمِ مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لِعَدَمِ الْمَاءِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي كَالْيَائِسِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ الزَّوَالِ، انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ عَلَى مَنْ ضَيَّعَ الصَّلَاةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى أَدَائِهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا عَلَى حَالِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ مَنْ ضَيَّعَ صَلَاةً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا حَالَ عَجْزِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا جَالِسًا وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا إنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ فَرَّطَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ إمْكَانِ أَدَائِهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ قَضَاهَا بِالتَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ثَانِيَةً عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، انْتَهَى. ذُكِرَ هَذَا فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَرْطُ صِحَّتِهِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ " فَأَرَادَ " لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعَ تَنَاوُلِهِ الْكَثِيرَةَ وَالْيَسِيرَةَ وَالْقَضَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَمَنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ وَالْمُسْتَحَاضَةَ وَالْحَرْبِيَّ. [مَسْأَلَةٌ أَجَرَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ مَنْسِيَّاتٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَضَرِيَّةِ] (مَسْأَلَةٌ) لَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ مَنْسِيَّاتٌ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَضَرِيَّةِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي عَنْ الْوَانُّوغِيِّ قَالَ شَيْخُنَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِقَوْلِهَا فِي الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ وَاللُّقَطَةِ الْمَشَذَّالِيُّ مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ مَنْ رَهَنَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَمَسْأَلَةُ اللُّقَطَةِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْجَمِيعُ وَالْجَامِعُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لِلتُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. ص (وَالْفَوَائِتُ فِي أَنْفُسِهَا) ش: أَيْ وَوَجَبَ مَعَ الذِّكْرِ تَرْتِيبُ الْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ فَلَا يُعِيدُهَا أَصْلًا ذَاكِرًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ إذْ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا خَرَجَ وَقْتُهَا انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ

فِيهِ خِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (قَطْعُ فَذٍّ) ش: أَيْ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْطَعْ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ نَاجِي وَذَكَرَ عَنْ الْمَغْرِبِيِّ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ مُسْتَحَبٌّ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَمَعْنَى قَطْعٍ أَيْ بِغَيْرِ سَلَامٍ وَقَالَ بَعْدَهُ أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النِّيَّةَ كَافِيَةٌ فِي الْقَطْعِ ص (وَإِمَامٍ) ش: قَالَ سَنَدٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ يَسْتَخْلِفُونَ يُقْطَعُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ ذَكَرُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ مَعَهُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَذِّ فَانْظُرْهُ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يُفَارِقُ الْإِمَامُ الْفَذَّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقْطَعُ مُطْلَقًا وَالْفَذُّ يَجْعَلُهَا نَافِلَةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ ص (وَكَمَّلَ فَذٌّ بَعْدَ شَفْعٍ مِنْ الْمَغْرِبِ كَثَلَاثٍ مِنْ غَيْرِهَا) ش: أَيْ يُكْمِلُ بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ عَنْ صَاحِبِ النُّكَتِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُكَمِّلُهَا يُرِيدُ وَلَا يَجْعَلُهَا نَافِلَةً قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيَكُونُ كَمَنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَإِنْ جَهِلَ عَيْنَ مَنْسِيَّةٍ مُطْلَقًا صَلَّى خَمْسًا وَإِنْ عَلِمَهَا دُونَ يَوْمِهَا صَلَّاهَا نَاوِيًا لَهُ وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا صَلَّى سِتًّا وَنُدِبَ تَقْدِيمُ ظُهْرٍ وَفِي ثَالِثَتِهَا أَوْ رَابِعَتِهَا أَوْ خَامِسَتِهَا كَذَلِكَ يُثَنِّي بِالْمَنْسِيِّ وَصَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي سَادِسَتِهَا وَحَادِيَةَ عَشْرَتِهَا

وَفِي صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَتَيْنِ لَا يَدْرِي السَّابِقَةَ صَلَّاهُمَا وَأَعَادَ الْمُبْتَدَأَةَ وَمَعَ الشَّكِّ فِي الْقَصْرِ أَعَادَ إثْرَ كُلِّ حَضَرِيَّةٍ سَفَرِيَّةً وَثَلَاثًا كَذَلِكَ سَبْعًا وَأَرْبَعًا وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسًا إحْدَى وَعِشْرِينَ وَصَلَّى فِي ثَلَاثَةٍ مُرَتَّبَةٍ مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ الْأُولَى سَبْعًا وَأَرْبَعًا ثَمَانِيًا وَخَمْسًا تِسْعًا) ش: اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَنْسِيَّةَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً فَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَجْهُولَةً فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ فِي صَلَاةِ

النَّهَارِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُهَا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا لَا فِي الْأُسْبُوعِ أَوْ مَشْكُوكًا فِي بَعْضِ الْأُسْبُوعِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْمَجْهُولَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ صَلَاتَيْنِ وَفِي الْمَجْهُولَةِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ وَفِي الْمَجْهُولَةِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَلَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهَا لِيَوْمِهَا فِي الْأُسْبُوعِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْفَوَائِتِ تَيَقُّنُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَإِنْ شَكَّ أَوْقَعَ عَدَدًا يُحِيطُ بِحَالَاتِ الشُّكُوكِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالظَّنِّ وَهُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ قَوْلُهُ: فَإِنْ شَكَّ أَيْ فِي الْإِتْيَانِ أَوْ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ فِي التَّرْتِيبِ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ عَيْنٌ مَنْسِيَّةٌ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ عَلِمَ يَوْمَهَا أَوْ جَهِلَهُ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ فِي ثَلَاثَةٍ أَوْ فِي الْأُسْبُوعِ كُلِّهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ جَهِلَ عَيْنَهَا فِي الْخَمْسِ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا لَوْ جَهِلَ عَيْنَهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الشَّارِحُ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاةَ حَضَرٍ أَوْ صَلَاةَ سَفَرٍ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الْمَنْسِيَّةُ مَعْلُومَةً بِعَيْنِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمُهَا مَعْلُومًا أَيْضًا أَوْ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ مَعْلُومًا صَلَّاهَا نَاوِيًا بِهَا الْقَضَاءَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا صَلَّاهَا نَاوِيًا لَهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ عَلِمَهَا دُونَ يَوْمِهَا صَلَّاهَا نَاوِيًا لَهُ وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ لِوُضُوحِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْسِيُّ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَلَاتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ صَلَاتَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَا مُعَيَّنَتَيْنِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تَكُونَا مُعَيَّنَتَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَعْرِفَ مَرْتَبَةَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى أَوْ لَا يَعْرِفَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ يَوْمٍ فَهِيَ إمَّا ثَانِيَتُهَا أَوْ ثَالِثَتُهَا أَوْ رَابِعَتُهَا أَوْ خَامِسَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ يَوْمٍ فَالثَّانِيَةُ إمَّا مُمَاثِلَتُهَا وَهِيَ سَادِسَتُهَا وَحَادِيَةُ عَشْرَتِهَا وَسَادِسَةُ عَشْرَتِهَا وَحَادِيَةُ عِشْرِينِهَا وَسَادِسَةُ عِشْرِينِهَا وَحَادِيَةُ ثَلَاثِينِهَا وَإِلَّا فَهِيَ قَسِيمَةٌ لِثَانِيَتِهَا أَوْ ثَالِثَتِهَا أَوْ رَابِعَتِهَا أَوْ خَامِسَتِهَا، وَضَابِطُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ أَنْ تَقْسِمَ عَدَد الْمَعْطُوفِ عَلَى خَمْسٍ فَإِنْ انْقَسَمَ فَهِيَ إمَّا خَامِسَتُهَا أَوْ الْمُمَاثِلَةُ لِخَامِسَتِهَا، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ فَهِيَ مُمَاثِلَتُهَا، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فَهِيَ السَّمِيَّةُ لِلْبَقِيَّةِ يَعْنِي فَهِيَ الْمُمَاثِلَةُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْبَقِيَّةِ وَيَعْنِي بِالْبَقِيَّةِ ثَانِيَتُهَا وَثَالِثَتُهَا وَرَابِعَتُهَا. مِثَالُ ذَلِكَ صَلَاةٌ وَسَابِعَتُهَا فَعَدَدُ الْمَعْطُوفَةِ سَبْعَةٌ اقْسِمْهُ عَلَى خَمْسَةٍ يَبْقَى اثْنَانِ فَهِيَ مُمَاثِلَةٌ لِثَانِيَتِهَا وَلَوْ قِيلَ: صَلَاةٌ وَثَامِنَتُهَا لَكَانَ عَدَدُ الْمَعْطُوفِ ثَمَانِيَةً فَفَاضِلُ الْقِسْمَةِ ثَلَاثَةٌ فَهِيَ الْمُمَاثِلَةُ لِثَالِثَتِهَا وَرَابِعَتِهَا. وَلَوْ قِيلَ: صَلَاةٌ وَعَاشِرَتُهَا فَعَدَدُ الْمَعْطُوفَةِ وَهِيَ عَشْرَةٌ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ فَهِيَ الْمُمَاثِلَةُ لِخَامِسَتِهَا. وَلَوْ قِيلَ: صَلَاةٌ وَحَادِيَةَ عَشْرَتِهَا فَعَدَدُ الْمَعْطُوفَةِ أَحَدَ عَشْرَ فَفَاضِلُ قِسْمَتِهِ عَلَى خَمْسَةٍ وَاحِدٌ فَهِيَ مُمَاثِلَتُهَا فَيُصَلِّي الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي الْمُمَاثِلَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيُّ: يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ وَعَصْرَيْنِ وَمَغْرِبَيْنِ وَعِشَاءَيْنِ وَصُبْحَيْنِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ ثُمَّ يُعِيدُهَا قَالَ وَهَذَا أَوْلَى لِانْتِقَالِ النِّيَّةِ فِيهِ مِنْ يَوْمٍ لِآخَرَ مَرَّةً فَقَطْ وَفِي الْأُولَى تَنْتَقِلُ خَمْسًا هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِي غَيْرِ الْمُتَمَاثِلَتَيْنِ يُصَلِّي سِتَّ صَلَوَاتٍ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ بَدَأَ بِهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ النَّهَارِ وَأَيُّ صَلَاةٍ بَدَأَ بِهَا أَعَادَهَا، وَإِذَا بَدَأَ بِصَلَاةٍ يُثَنِّي بِالْمَنْسِيِّ فَفِي صَلَاةٍ وَثَانِيَتِهَا يُثَنِّي بِثَالِثَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي بَدَأَ بِهَا وَيُثَلِّثُ بِثَالِثَةِ الَّتِي ثَنَّى بِهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً وَثَانِيَتَهَا صَلَّى سِتًّا، وَنُدِبَ تَقْدِيمُ ظُهْرٍ وَفِي ثَالِثَتِهَا أَوْ رَابِعَتِهَا أَوْ خَامِسَتِهَا كَذَلِكَ يُثَنِّي بِالْمَنْسِيِّ وَصَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي سَادِسَتِهَا وَحَادِيَةَ عَشْرَتَهَا يُرِيدُ وَمُمَاثِلَةُ ثَانِيَتِهَا وَهِيَ سَابِعَتُهَا وَمُمَاثِلَةُ ثَالِثَتِهَا وَهِيَ ثَامِنَتُهَا وَمُمَاثِلَةُ رَابِعَتِهَا وَهِيَ تَاسِعَتُهَا وَمُمَاثِلَةُ خَامِسَتِهَا وَهِيَ عَاشِرَتُهَا يُصَلِّي فِي ذَلِكَ سِتًّا يُثَنِّي بِالْمَنْسِيَّةِ، وَكَذَا فِي ثَانِيَةِ عَشْرَتِهَا وَثَالِثِ عَشْرَتِهَا وَرَابِعِ عَشْرَتِهَا وَخَامِسَةِ عَشْرَتِهَا وَيُصَلِّي الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي سَادِسَتِهَا وَحَادِيَةَ عَشْرَتَهَا وَسَادِسَةَ

فصل السهو عن بعض الصلاة

عَشْرَتَهَا وَحَادِيَةِ عِشْرِينِهَا وَسَادِسَةِ عِشْرِينِهَا، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَصَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي سَادِسَتِهَا وَحَادِيَةَ عَشْرَتِهَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلَاةً وَسَادِسَتَهَا أَوْ سَابِعَتَهَا أَوْ ثَامِنَتَهَا أَوْ تَاسِعَتَهَا أَوْ عَاشِرَتَهَا أَوْ حَادِيَةَ عَشْرَتِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْكُلِّ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ نِسْبَتَهَا لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ لَا يَدْرِي أَهِيَ صُبْحٌ وَظُهْرٌ؟ أَوْ صُبْحٌ وَمَغْرِبٌ؟ أَوْ صُبْحٌ وَعَصْرٌ؟ أَوْ صُبْحٌ وَعِشَاءٌ؟ أَوْ ظُهْرٌ وَعَصْرٌ؟ أَوْ ظُهْرٌ وَمَغْرِبٌ؟ أَوْ ظُهْرٌ وَعِشَاءٌ؟ أَوْ عَصْرٌ وَمَغْرِبٌ أَوْ عَصْرٌ وَعِشَاءٌ؟ أَوْ مَغْرِبٌ وَعِشَاءٌ؟ فَيُصَلِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ يَبْدَأُ بِالصُّبْحِ وَيَخْتِمُ بِالْعِشَاءِ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فَيُصَلِّي الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي صَلَاةَ الْيَوْمِ قَبْلَ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ صَلَاةَ اللَّيْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي سِتَّ صَلَوَاتٍ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَيُصَلِّي ظُهْرَيْنِ وَعَصْرَيْنِ وَمَغْرِبَيْنِ وَعِشَاءَيْنِ وَصُبْحَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّادِسَةَ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَالسَّادِسَةَ عَشْرَةَ هِيَ الْأُولَى بِعَيْنِهَا فَكَانَتَا صَلَاتَيْنِ مُتَمَاثِلَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ لَا يَدْرِي السَّابِقَةَ صَلَّاهُمَا وَأَعَادَ الْمُبْتَدَأَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ جَارٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ عَمَّنْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَدْرِي أَيَّ الصَّلَوَاتِ هِيَ قَالَ سَحْنُونٌ وَيُصَلِّي خَمْسَةَ أَيَّامٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِي الْأَيَّامِ وَقَدْ مَضَى تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصَلِّ السَّهْوِ عَنْ بَعْضِ الصَّلَاةِ] ص (فَصْلٌ سُنَّ لِسَهْوٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ بِنَقْصٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ سَجْدَتَانِ قَبْلَ سَلَامِهِ) ش: وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَ السَّهْوِ عَنْ بَعْضِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي أَوَائِلِ الْمُنْتَقَى وَالسَّهْوُ وَالذُّهُولُ عَنْ الشَّيْءِ تَقَدَّمَهُ ذِكْرٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ ذِكْرٌ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلِيًّا كَانَ أَوْ بَعْدِيًّا فَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقِيلَ وَاجِبٌ أَخَذَهُ الْمَازِرِيُّ مِنْ بُطْلَانِهَا بِتَرْكِهِ وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي ثَلَاثِ سُنَنٍ وَبِالسُّنَّةِ فِي سُنَّتَيْنِ، وَأَمَّا الْبَعْدِيُّ فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْمَازِرِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبٌ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي السَّهْوِ سَجْدَتَانِ وَفِي وُجُوبِهِمَا قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فِي وُجُوبِهِمَا وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَبْلِيِّ وَأَمَّا الْبَعْدِيُّ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَقَلَهُ عَنْهُمْ ابْنُ نَاجِي قَالَ وَقَوَّاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِمْ إذَا ذَكَرَ السُّجُودَ الْبَعْدِيَّ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ بَلْ يَأْتِي بِهِ بَعْدَهَا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ قُصُورٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَيَرُدُّ التَّقْوِيَةَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ لَهُ إمَّا مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُتَعَقَّبًا فِي ذَاتِهِ لِكَوْنِهِ فِي الْأَصْلِ يُوقَعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْأَشْرَافِ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وُجُوبُ الْقَبْلِيِّ قَالَ وَكَانَ الْأَبْهَرِيُّ يَمْتَنِعُ مِنْ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَنَوَّعُ لِوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعْدِيَّ سُنَّةٌ وَالْقَبْلِيَّ وَاجِبٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ إنْ أَخَّرَ مَا قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ السَّلَامِ تَأْخِيرًا طَوِيلًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّحْقِيقُ عَدَمُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ: وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ عَمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. (قُلْت) وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي كُلِّ مَا يُوجِبُ الدَّمَ أَنَّهُ وَاجِبٌ

وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَوْلَ بِسُنِّيَّةِ السُّجُودِ قَبْلِيًّا أَوْ بَعْدِيًّا أَمَّا الْبَعْدِيُّ فَلَا كَلَامَ فِي رُجْحَانِهِ بَلْ الْكَلَامُ فِي إثْبَاتِ مُقَابِلِهِ وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَجَّحَ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْكَرُوفِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: هَلْ سُجُودُ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ سُنَّةٌ؟ وَرَجَّحَ أَوْ وَاجِبٌ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ عَلَى الْوُجُوبِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ الْمُرَقَّعَةِ الْمَجْبُورَةِ إذَا عَرَضَ فِيهَا الشَّكُّ أَوْلَى مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ تَرْقِيعِهَا وَالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهَا، وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَيْضًا بَعْدَ التَّرْقِيعِ أَوْلَى مِنْ إعَادَتِهَا فَإِنَّهُ مِنْهَاجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْهَاجُ أَصْحَابِهِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ بَعْدَهُمْ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ ، وَقَدْ قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا صَلَاتَيْنِ فِي يَوْمٍ» فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ الِاسْتِظْهَارُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ خَيْرٌ لَنَبَّهَ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهُ فِي الشَّرْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِمُنَاسِبَاتِ الْعُقُولِ وَإِنَّمَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِالشَّرْعِ الْمَنْقُولِ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ الْهَوَّارِيُّ بِلَفْظِهِ وَلَكِنَّهُ قَالَ: إذَا عَرَضَ لَهُ فِيهَا السَّهْوُ بَدَلَ الشَّكِّ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ يَعْنِي أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ تَكَرَّرَ السَّهْوُ فِيهَا. أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَحَكَى الْبِسَاطِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ التَّعَدُّدِ، وَأَمَّا إنْ تَكَرَّرَ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بِالتَّعَدُّدِ وَأَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ إنْكَارُ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) يُتَصَوَّرُ تَعَدُّدُ السُّجُودِ لِتَكَرُّرِ السَّهْوِ فِي الْمَسْبُوقِ إذَا سَجَدَ لِلنَّقْصِ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ سَهَا فِيمَا يَأْتِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فَإِنْ كَانَ بِنَقْصٍ سَجَدَ قَبْلَ سَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ بِزِيَادَةٍ سَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ. (قُلْت) وَيُتَصَوَّرُ تَكْرَارُ السُّجُودِ فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ فِي صُورَةٍ ذَكَرَهَا فِي النَّوَادِرِ فِيمَنْ سَهَا بِنَقْصٍ وَسَجَدَ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاهِيًا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ وَقَبْلَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ يَعْنِي أَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يُسَنُّ إذَا تَرَكَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً سَهْوًا. وَأَمَّا إذَا تَرَكَ فَرِيضَةً أَوْ مُسْتَحَبًّا أَوْ سُنَّةً غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ تَرَكَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَمْدًا فَلَا سُجُودَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَأَمَّا السُّنَنُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ وَالْمُسْتَحَبَّات فَإِنْ سَجَدَ لَهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا فَلَا سُجُودَ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا أَمْ لَا كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا سَجَدَ لَهَا وَالسُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي يُسْجَدُ لَهَا ثَمَانٍ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَمَّا ذَكَرَ سُنَنَد الصَّلَاةِ فَمِنْ هَذِهِ السُّنَنِ ثَمَانِ سُنَنٍ مُؤَكَّدَاتٍ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ لِلسَّهْوِ عَنْهَا وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى اخْتِلَافٍ لِتَرْكِهَا عَمْدًا وَهِيَ السُّورَةُ الَّتِي هِيَ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالْجَهْرُ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارُ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ وَالتَّكْبِيرُ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالتَّشَهُّدُ الْآخِرُ وَسَائِرُهَا لَا حُكْمَ لِتَرْكِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ إلَّا فِي تَأْكِيدِ فَضَائِلِهَا حَاشَا الْمَرْأَةَ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ فَيُرِيدُ إذَا تَرَكَ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ تَحْمِيدَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ وَالتَّحْمِيدَةُ الْوَاحِدَةُ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا وَإِنْ سَجَدَ لَهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ يَسْجُدُ لِنَقْصِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَبْلَ السَّلَامِ الْإِسْرَارُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ وَقَالُوا يَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي

فرع سها في صلاته ثم نسي سهوه

تَنْبِيهٌ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِكَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُسْجَدُ لِلْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ السُّنَنِ الْخَارِجَةِ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ النُّقْصَانُ وَالزِّيَادَةُ فَإِنَّهُ يُغَلَّبُ حُكْمُ النُّقْصَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ سُجُودِ السَّهْوِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ كُلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْجَدُ لِلنَّقْصِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلِلزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَرُوِيَ التَّخْيِيرُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي إنْ شَاءَ سَجَدَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ كَانَ السَّبَبُ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا أَوْ هُمَا مَعًا وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَبْلِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ السُّجُودِ الْبَعْدِيِّ وَالسُّجُودِ الْقَبْلِيِّ قَالَ: فَالْأَوَّلُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَالثَّانِي فِي كَوْنِهِ قَبْلَهُ أَوْ تَخْيِيرَهُ رِوَايَةُ الْمَشْهُورِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ إنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ رِوَايَةً فَتَصِيرُ الْأَقْوَالُ بِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ ثَلَاثَةً فَإِذَا اجْتَمَعَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، فَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ أَحَدَ السَّهْوَيْنِ دَاخِلٌ فِي الْآخَرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يُغَلَّبُ فَالْمَشْهُورُ تَغْلِيبُ النُّقْصَانِ وَأَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ تَغْلِيبَ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَنَحْوُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ يَسْجُدُ لَهُمَا سُجُودَيْنِ قَبْلُ وَبَعْدُ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ مُوَافِقٌ لِدَلِيلِ الْعَقْلِ. [فَرْعٌ سَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ نَسِيَ سَهْوَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ نَسِيَ سَهْوَهُ فَلَا يَدْرِي أَقَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَلْيَسْجُدْ قَبْلَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ النُّقْصَانِ عَلَى حُكْمِ الزِّيَادَةِ كَمَا غَلَبَ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا لِكَوْنِهِ أَحَقُّ بِالْمُرَاعَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي الْجَلَّابِ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ سَهَا وَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ سَجْدَتَانِ هَذَا نَائِبُ الْفَاعِلِ بِقَوْلِهِ سُنَّ قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَكَوْنُهُ سَجْدَتَيْنِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فَلَا تُجْزِئُ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ وَلَا تَجُوزُ الثَّلَاثُ فَلَوْ سَجَدَ وَاحِدَةً ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فَإِنْ سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ إنَّمَا سَجَدَ وَاحِدَةً سَجَدَ سَجْدَةً أُخْرَى وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنْ سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ سَهْوًا فَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَدْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سَجْدَةً فَلْيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ قَوْلُهَا مَنْ شَكَّ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَلَمْ يَدْرَأْ وَاحِدَة سَجَدَ أَوْ اثْنَتَيْنِ: سَجَدَ سَجْدَةً وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِسَهْوِهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلِيًّا أَوْ بَعْدِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَجَرَتْ عَادَةُ شَيْخِنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَقُولُ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْحُكْمَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَعْدِيِّ وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَسْأَلَةُ اللَّخْمِيِّ إنَّمَا هِيَ صُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ إذَا سَجَدَ لِسَهْوِهِ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ تَحْقِيقًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَرَأْيُ مُحَمَّدٍ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بِمِثْلِهِ فِي الْبَعْدِيِّ وَفِي الْقَبْلِيِّ يَسْجُدُ بَعْدَ سَلَامِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ، فَيَكُونُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ أَوْ كَالصَّرِيحِ وَنَصُّهُ وَلَوْ شَكَّ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا سَجَدَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَهْوٍ سَهَا فِيهِمَا، انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ يُونُسَ وَقَوْلُهُ قَبْلَ سَلَامِهِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّهْوِ بِالزِّيَادَةِ وَالسَّهْوِ بِالنُّقْصَانِ وَدَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَةِ

«حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَخَرَجَ سَرَعَانَ النَّاسِ يَقُولُونَ: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ.» وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ» ، وَدَلِيلُ النُّقْصَانِ حَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ «قَامَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمَشْهُورِ عَمَلٌ بِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِبَعْضِهَا، وَلِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ ص (وَبِالْجَامِعِ فِي الْجُمُعَةِ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ سُنَّ سُجُودُ السَّهْوِ فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَفِي الْجَامِعِ وَحْدَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ الشَّارِحُ: يُرِيدَانِ السُّجُودَ إذَا كَانَ لِنَقْصِ سُنَّةٍ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهَا وَالسُّجُودُ الْمَذْكُورُ جَائِزٌ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ جُزْءٌ مِنْهَا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَشُرَّاحِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِالْقَبْلِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُ الْبَعْدِيِّ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَهُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ الْجُمُعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهَا إنْ تَرَتَّبَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى الْجَامِعِ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَرْجِعُ كَالْقَبْلِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ التَّادَلِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَعْنِي فِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ إنْ تَرَتَّبَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى جَامِعٍ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ. (قُلْت) وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ الْجَامِعِ فِي الْبَعْدِيِّ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ سَهَا عَنْ الْبَعْدِيَّتَيْنِ سَجَدَهُمَا مَتَى مَا ذَكَرَ وَفِي أَيِّ مَحِلٍّ ذَكَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ نَافِلَةٍ فَوَقْتُ حِلِّهَا أَوْ مِنْ جُمُعَةٍ فَبِالْجَامِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ (الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَامِعُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا يُطْلَبُ أَنْ يُوقِعَهُمَا فِي جَامِعٍ يَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إنْ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ مِنْ الْجُمُعَةِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُهُ خَارِجَ الْجَامِعِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى الْجَامِعِ وَهَذَا مُعَارِضٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ إذَا تَرَكَهُ وَطَالَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَإِنْ كَانَ عَنْ أَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ وَفَاتَ السُّجُودُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْجَامِعِ مَظِنَّةَ الطُّولِ. (قُلْت) لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الطُّولَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مَحْدُودٌ بِالْعُرْفِ لَا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْجَامِعِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْجَلَّابِ: وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَوْ سَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْجَامِعِ وَلَمْ يُطِلْ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجَامِعِ وَيَسْجُدُ وَفِي غَيْرِهَا يَسْجُدُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ السُّجُودَ فِيهِ انْتَهَى. وَالسُّجُودُ فِي الْجُمُعَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَوْ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ إذَا سَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. ص (وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا سَجَدَ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ لِيَقَعَ السَّلَامُ عَقِبَ تَشَهُّدِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ إعَادَةِ التَّشَهُّدِ لِمَالِكٍ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَوَجْهُهُ أَنَّ سُنَّةَ السُّجُودِ الْوَاحِدِ أَنْ لَا يُكَرَّرَ فِيهِ التَّشَهُّدُ

تنبيه السجود القبلي

مَرَّتَيْنِ [تَنْبِيه السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ] (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُرِيدُ وَمِنْ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ إنَّمَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ فَقَطْ وَلَا يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَلَيْسَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ دُعَاءٌ وَلَا تَطْوِيلٌ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا تَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَلَا يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُطَوِّلُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَهَذِهِ إحْدَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ دُعَاءٌ فِيهَا وَمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ نَاجِي وَمَنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ وَيُسَلِّمُ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ زُوحِمَ مُؤْتَمٌّ وَمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ فِي تَشَهُّدِ نَافِلَةٍ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَلَا يَدْعُو قَالَهُ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ. [فَرْعٌ لَمْ يُعِدْ التَّشَهُّدَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا] (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُعِدْ التَّشَهُّدَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي السُّجُودِ الْبَعْدِيِّ بِإِحْرَامٍ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسَلَامٌ وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّلَامَ مِنْ الْبَعْدِيِّ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ. ص (كَتَرْكِ جَهْرٍ وَسُورَةٍ بِفَرْضٍ) ش: هَذَا مِثَالُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي يُسْجَدُ لَهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي سُجُودِ سَهْوٍ تَرْكُ الْجَهْرِ ثَلَاثَةٌ قَبْلُ وَبَعْدُ وَلَا سُجُودَ لَهَا وَلِلْمَازِرِيِّ عَنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ وَعَلَى السُّجُودِ لَوْ ذَكَرَ قَبْلَ رُكُوعِهِ أَعَادَ صَوَابًا وَفِي سُجُودِهِ سَمَاعُ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ، انْتَهَى. ص (كَمُتِمٍّ لِشَكٍّ) ش: هَذَا إذَا شَكَّ قَبْلَ السَّلَامِ وَأَمَّا إذَا شَكَّ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ عَلَى الْيَقِينِ قَالَ الْهَوَّارِيُّ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُؤَثِّرُ طُرُوُّ الشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ وَقِيلَ يُؤَثِّرُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا لَا يَدْرِي مَتَى وَقَعَ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فَفِيهِ قَالَ وَمَا قَبْلَ النَّوْمَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ شَاكٌّ فِيهِ وَهَذَا الشَّكُّ إنَّمَا طَرَأَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ كَمَالِهَا وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ بَعْدَ طَهَارَتِهِ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ بَعْدَ تَمَامِ الْعِبَادَةِ وَتَيَقُّنِ سَلَامَتِهَا فَهَذَا الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الشَّكَّ يُؤَثِّرُ فِيهَا وَيُوجِبُ إعَادَتَهَا فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا مِنْ أَوَّلِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِي هَذَا الثَّوْبِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ شَكَّ فِي غُسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَنْكِحِ وَغَيْرِهِ. [فَرْعٌ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ وَقَدْ كَانَ تَيَقَّنَ غَسْلَهُ] (فَرْعٌ) وَفَرَّقَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ وَقَدْ كَانَ تَيَقَّنَ غَسْلَهُ فَقَالَ: إنْ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ غَسَلَ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تُجْزِيهِ الصَّلَاةُ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ وَإِنْ طَرَأَ ذَلِكَ بَعْدَمَا صَلَّى فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ مِنْهُمْ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقَالَ لَا يُجْزِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ نَحْوَ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ تَأَتَّى لَهُمْ أَجْوِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمَنْ قَالَ لَا فَرْقَ يَقُولُ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الثِّقَةُ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ

عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِيَحْصُلَ لَهُ الْيَقِينُ بِالْأَدَاءِ، وَمَنْ فَرَّقَ قَالَ: إذَا شَكَّ قَبْل الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الصَّلَاةَ بِالشَّكِّ فِي شَرْطِ صِحَّتِهَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شَكٍّ مِنْ الْوَقْتِ. أَمَّا إذَا صَلَّى ثُمَّ شَكَّ فَالصَّلَاةُ وَقَعَتْ عَلَى اعْتِقَادِ الصِّحَّةِ فَلَا يَزُولُ حُكْمُ الِاعْتِقَادِ بِطُرُوِّ الشَّكِّ وَهَذَا بَاطِلٌ بِمَا إذَا أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ شَكَّ فِي غَسْلِ عُضْوٍ فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ الْأَوَّلَ تَزَعْزَعَ بِالشَّكِّ الطَّارِئِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ الْبَابَ بَابُ احْتِيَاطٍ فَيُغَلَّظُ فِيهِ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ، انْتَهَى. ص (وَمُقْتَصِرٌ عَلَى شَفْعٍ شَكَّ أَهُوَ بِهِ أَوْ بِوِتْرٍ) ش: يَعْنِي مَنْ شَكَّ وَهُوَ فِي جُلُوسِ التَّشَهُّدِ هَلْ هُوَ ثَانِيَةُ الشَّفْعِ أَوْ فِي الْوِتْرِ؟ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا ثَانِيَةَ الشَّفْعِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَأْتِي بِالْوِتْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا بِنِيَّةِ الشَّفْعِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَأْتِي بِالْوِتْرِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أَجُلُوسُهُ فِي الشَّفْعِ أَوْ فِي الْوِتْرِ سَلَّمَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَوْتَرَ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَهُوَ فِي الْأُولَى جَالِسٌ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الْوِتْرِ أَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ " انْتَهَى. ص (أَوْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ وَلَهَا عَنْهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ أَيْ دَاخَلَهُ وَكَثُرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَلْهُو عَنْ الشَّكِّ أَيْ فَلَا يُصْلِحُ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَوْ شَكَّ فِي الْفَرَائِضِ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ السَّهْوِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَمَنْ شَكَّ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ كَثُرَ هَذَا عَلَيْهِ لَهَا عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَلْيَقْرَأْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا شَكَّ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ يَكْثُرُ شَكُّهُ: رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيَلْهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: وَلَا يَسْجُدُ لَهُ. قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَوْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ كَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا قَالَهُ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَأَمَّا مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَّ فِي الْإِحْرَامِ إنْ كَانَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ أَعَادَ لَهُ الصَّلَاةَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ يَعْرِضُ لَهُ هَذَا كَثِيرًا قَالَ: يَمْضِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: فَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ هَلْ أَحْدَثَ بَعْدَهُ أَمْ لَا؟ إنْ كَانَ يَسْتَنْكِحُهُ كَثِيرًا كَانَ عَلَى وُضُوئِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَنْكِحُهُ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُسْتَنْكَحٍ مُبْتَلًى فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ انْتَهَى. مِنْ الْأُمِّ، وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: وَلَوْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُلْغِ الشَّكَّ إلَّا أَنْ يَسْتَنْكِحَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا فَلَا يَلْزَمْهُ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ وُضُوئِهِ وَلَا صَلَاتِهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الشَّكُّ مُسْتَنْكَحٌ وَغَيْرُ مُسْتَنْكَحٍ وَالسَّهْوُ مُسْتَنْكَحٌ وَغَيْرُ مُسْتَنْكَحٍ فَالشَّكُّ الْمُسْتَنْكَحُ هُوَ أَنْ يَعْتَرِيَ الْمُصَلِّي كَثِيرًا بِأَنْ يَشُكَّ هَلْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَلَا يَتَيَقَّنُ شَيْئًا يَبْنِي عَلَيْهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَلْهُو عَنْهُ وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ وَلَهَا عَنْهُ وَالشَّكُّ غَيْرُ الْمُسْتَنْكَحِ كَمَنْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَحُكْمُهُ وَاضِحٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمُتِمٍّ لِشَكٍّ وَمُقْتَصِرٍ عَلَى شَفْعٍ، وَالسَّهْوُ الْمُسْتَنْكَحُ هُوَ الَّذِي يَعْتَرِي الْمُصَلِّي كَثِيرًا وَهُوَ أَنَّهُ يَسْهُو وَيَتَيَقَّنُ أَنَّهُ سَهَا وَحُكْمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ لَا إنْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ وَيُصْلِحُ، وَالسَّهْوُ غَيْرُ الْمُسْتَنْكَحِ هُوَ الَّذِي لَا يَعْتَرِي الْمُصَلِّي كَثِيرًا وَحُكْمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَسْجُدَ حَسْبَمَا سَهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ سُنَّ لِسَهْوٍ. وَإِنْ تَكَرَّرَ بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ سَجْدَتَانِ قَبْلَ سَلَامِهِ وَبِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَبَعْدَهُ (الثَّانِي) قَالَ الْجُزُولِيُّ اُنْظُرْ هَلْ هُنَاكَ تَحْدِيدٌ

لِلِاسْتِنْكَاحِ حَتَّى يُقَالَ مَنْ يَشُكُّ مَرَّتَيْنِ فِي الْيَوْمِ أَوْ مَرَّةً فِي الْيَوْمَيْنِ يُسَمَّى مُسْتَنْكِحًا أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: أَمَّا إذَا شَكَّ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً فَهُوَ مُسْتَنْكِحٌ وَإِنْ شَكَّ مَرَّةً فِي السَّنَةِ أَوْ فِي الشَّهْرِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ الشَّيْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَالِاسْتِنْكَاحُ هُوَ الدُّخُولُ أَيْ يَدْخُلُهُ الشَّكُّ كَثِيرًا وَكَثْرَتُهُ إذَا كَانَ يَطْرَأُ لَهُ فِي كُلِّ وُضُوءٍ أَوْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ يَطْرَأُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَإِنْ لَمْ يَطْرَأْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ فَالِاسْتِنْكَاحُ مِحْنَةٌ وَبَلِيَّةٌ وَدَوَاءُ ذَلِكَ الْإِلْهَاءُ عَنْهُ، وَإِلْهَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: ثَلَاثًا صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعًا؟ فَيَقُولُ لَهُ: أَرْبَعًا، وَإِذَا قَالَ لَهُ: اثْنَتَيْنِ صَلَّيْتَ أَوْ ثَلَاثًا؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ لَهُ: صَلَّيْتَ أَوْ مَا صَلَّيْتَ؟ فَيَقُولُ لَهُ صَلَّيْتُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: تَوَضَّأْتَ أَوْ مَا تَوَضَّأْتَ؟ فَيَقُولُ لَهُ: تَوَضَّأْتُ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ. (الثَّالِثُ) سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمُسْتَنْكِحِ يَشُكُّ أَبَدًا فِي الصَّلَاةِ فَيَزِيدُ رَكْعَةً إلْغَاءً لِلشَّكِّ هَلْ زِيَادَتُهُ تُوجِبُ سُجُودًا أَوْ بُطْلَانًا أَوْ لَا تُوجِبُ شَيْئًا لِاسْتِنْكَاحِهِ؟ (فَأَجَابَ) إذَا كَانَ جَاهِلًا يَتَأَوَّلُ الزِّيَادَةَ جَبْرًا لِلنَّقْصِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. (قُلْت) فَلَوْ كَانَ عَالِمًا؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِعَالِمٍ بَلْ مُقَصِّرٌ فِي الْعِلْمِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْت لَكَ وَالِاسْتِنْكَاحُ تَخْفِيفٌ فَلَا يَنْتَهِي لِزِيَادَةٍ تُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ هَذَا بَعْدَ السَّلَامِ. (قُلْت) وَهَلْ لَا قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي النَّقْصِ؟ فَقَالَ: لَمْ يُنْقِصْ لَكِنَّهُ ظَنَّ النَّقْصَ (قُلْت) إنْ كَانَ هَذَا مِمَّنْ تَعْرِضُ لَهُ الشُّكُوكُ عُمُومًا فَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ الشَّكُّ فِي نَقْصِ الرَّكَعَاتِ وَيَتَكَرَّرُ مِنْهُ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْآتِيَ بِذَلِكَ لَا يُقَالُ زَادَ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا كَثْرَةُ الشُّكُوكِ. وَلَعَلَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِكَثْرَةِ الْعَوَارِضِ مِنْ الْقِبْلَةِ وَتَرْكِ الْخُشُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الْقَرَوِيُّونَ هَلْ ذَلِكَ مَحْمُودٌ أَوْ مِنْ بَابِ التَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ؟ انْتَهَى. ص (كَطُولٍ بِمَحَلٍّ لَمْ يُشْرَعْ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ) ش: الَّذِي لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ الطُّولُ الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَمَنْ اسْتَوْفَزَ لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَاَلَّذِي شُرِعَ فِيهِ الطُّولُ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ والْهَوَّارِيَّ وَالنَّوَادِرَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي تَرْجَمَةِ إتْمَامِ الْمُصَلِّي مَا ذُكِرَ إذَا شَكَّ وَيَلْزَمُ الشَّاكُّ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ فَإِنْ تَذَكَّرَ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَأَلْغَى الشَّكَّ وَهَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ سَهْوٍ لِتَذَكُّرِهِ أَمْ لَا؟ فَمَا كَانَ فِي تَطْوِيلِهِ قُرْبَةٌ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ فَلَيْسَ فِي تَطْوِيلِهِ بِذَلِكَ سُجُودُ سَهْوٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْجُلُوسِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَدِّهِ فَيَسْجُدَ لِسَهْوِهِ، وَأَمَّا مَا لَا قُرْبَةَ فِي تَطْوِيلِهِ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ الْمُسْتَوْفِزِ لِلْقِيَامِ عَلَى يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ مَنْ أَطَالَ التَّذَكُّرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ بِانْفِرَادِهِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ سَهْوٍ وَتَطْوِيلُ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سُجُودُ سَهْوٍ وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَوَّلَهَا لِلشَّكِّ انْتَهَى. ص (وَإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: مَتَى مَا ذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ مَتَى مَا ذَكَرَ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ

تنبيهات هل ينوي بتكبيرة الهوي الإحرام أم لا

السُّجُودَ إنْ كَانَ مِنْ فَرْضٍ يَسْجُدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَافِلَةٍ فَلَا يَسْجُدُ فِي وَقْتٍ تُكْرَهُ فِيهِ النَّافِلَةُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ أَوْ خِلَافٌ؟ انْتَهَى. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ التَّسْوِيَةُ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مُفَارِقٌ لِلنَّوَافِلِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قِيلَ: لَا يَسْجُدُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَلَوْ كَانَ مُرَتَّبًا مِنْ فَرِيضَةٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ فَانْظُرْهُ وَنَصُّ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ السَّهْوِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ نَسِيَ سُجُودَ سَهْوٍ بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَهُ مَتَى مَا ذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ وَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ تَوَضَّأَ وَقَضَاهُمَا وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِمَا تَوَضَّأَ وَأَعَادَهُمَا وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ مَا سَجَدَهُمَا تَوَضَّأَ وَأَعَادَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُمَا أَجْزَأْنَاهُ وَصَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ هُنَا بَحْثَانِ (أَحَدُهُمَا) اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِيمَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ السُّجُودَ الْبَعْدِيَّ فَأَحْرَمَ وَجَلَسَ مَعَهُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ لِلْقَضَاءِ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ قِيلَ: لَا تَصِحُّ لِقَوْلِهَا هُنَا لَيْسَتَا مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْخَلَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَقِيلَ: يَصِحُّ لِقَوْلِهِ قَبْلَهَا وَلَوْ قَدَّمَهُ صَحَّتْ وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا بَطُلَتْ (قُلْت) وَنَحْوُ هَذَا الْخِلَافِ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى لَوْ لَمْ يُدْرِكْ الْمَسْبُوقُ شَيْئًا وَتَبِعَهُ فِي الْبَعْدِيِّ جَهْلًا ثُمَّ قَامَ لِلْقَضَاءِ صَحَّتْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَعْيًا لِقَوْلِ سُفْيَانَ وَبَطُلَتْ عِنْدَ عِيسَى بْنِ رُشْدٍ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا (الْبَحْثُ الثَّانِي) لَوْ لَمْ يُدْرِكْ الْمَسْبُوقُ إلَّا السُّجُودَ الْبَعْدِيَّ ثُمَّ لَمَّا قَامَ لِلْقَضَاءِ اقْتَدَى بِهِ آخَرُ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ. (قُلْت) وَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي أَحْكَامٍ كَالْإِعَادَةِ فِي الْجَمَاعَةِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَعْدِيَّ لَفْظٌ زَائِدٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِإِحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ جَهْرًا) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: السَّلَامُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ الَّذِي بَعْدَ السَّلَامِ وَاجِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرَى عَلَى مَنْ تَرَكَهُ إعَادَةَ السُّجُودِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَجِبُ السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَاجِبٌ فِي السُّجُودِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا، انْتَهَى. وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ السَّلَامِ فَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ بَابٍ أَحْرَى؛ لِأَنَّ مَنْ رَجَعَ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ يَرْجِعُ بِتَكْبِيرٍ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ فَمِنْ بَابِ أَحْرَى الْإِحْرَامُ لِلسُّجُودِ الْبَعْدِيِّ، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّشَهُّدَ لَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهَاتٌ هَلْ يَنْوِي بِتَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ الْإِحْرَامَ أَمْ لَا] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ بِإِحْرَامٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ غَيْرَ التَّكْبِيرَةِ الَّتِي يَهْوِي بِهَا لِلسُّجُودِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَنْوِي بِتَكْبِيرَةِ الْهَوِيِّ الْإِحْرَامَ أَمْ لَا؟ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّوْضِيحِ وَمِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ وَقَالَ الْهَوَّارِيّ: وَلَا تَفْتَقِرُ اللَّتَانِ قَبْلَ السَّلَامِ إلَى نِيَّةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ: وَيَتَشَهَّدُ لِلَّتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَفِي افْتِقَارِهِمَا إلَى نِيَّةِ الْإِحْرَامِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الْإِحْرَامِ لِلْبَعْدِيَّةِ ثَالِثُهَا يُحْرِمُ إنْ سَهَا وَطَالَ وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الْمَشْهُورُ افْتِقَارُهُ إلَى الْإِحْرَامِ وَأَطْلَقَ قَالَ لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ وَنَفْيُ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ مُوَافِقٌ لِلَّخْمِيِّ مُخَالِفٌ لِابْنِ يُونُسَ وَالْمَازِرِيَّ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْكِيَا الْخِلَافَ إلَّا مَعَ الطُّولِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَيُصَحِّحُ نَقْلَ الْمُصَنِّفِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ كُلُّ مَنْ رَجَعَ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فِيمَا قَرُبَ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ قَالَ: فَإِذَا قُلْنَا يُحْرِمُ فَيَكْتَفِي بِتَكْبِيرِهِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ «مِنْ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً

تنبيه تشهد بعد سجدتي السهو

وَفِيهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ أَنَّهُ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ قَالَ النَّاسُ وَذَلِكَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَجَزَمَ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ ثُمَّ قَالَ فِي الطِّرَازِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ لَهُمَا وَيُسَلِّمُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ وَالْإِحْرَامُ كَمَا لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ التَّشَهُّدَ لَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الْوَاضِحَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ ابْنَ بَشِيرٍ فِي حُكْمِ السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ إذَا أَخَّرَهُ وَانْظُرْ ابْنَ الْفَاكِهَانِيِّ وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَلَوْ كَانَتَا قَبْلَ السَّلَامِ فَنَسِيَهُمَا لَأَحْرَمَ لَهُمَا إذْ لَا يَرْجِعُ لِإِصْلَاحِ مَا اُنْتُقِصَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِإِحْرَامٍ، انْتَهَى. (الثَّانِي) اُنْظُرْ هَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِهَذَا الْإِحْرَامِ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ نَاجِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَنَى إنْ قَرُبَ (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ. [تَنْبِيهٌ تَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ] تَنْبِيهٌ إذَا تَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَلَا يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُطَوِّلُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَعَ نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَحَّ إنْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ) ش: أَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ سَهْوًا فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْعَمْدُ فَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ فِيهِ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ. [فَرْعٌ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ السَّلَامِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ] (فَرْعٌ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ السَّلَامِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَالسُّجُودُ الَّذِي تَخْلُدُ فِي ذِمَّتِهِ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْإِتْيَانُ بِهِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْحَلِفِ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّادَلِيُّ فِي أَوَّلِ مَنَاسِكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ أَمْ لَا؟ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْجَلَّابِ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ سَهَا فِيهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا فَنَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَسْهُ أَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا فَزَادَ فِي صَلَاتِهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَسْهُ أَوْ شَكَّ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ جَمِيعًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّكَّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ، وَإِنَّمَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَوْ لَا فَتَذَكَّرَ قَلِيلًا ثُمَّ تَيَقَّنَ عَدَمَ السَّهْوِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ هَذَا الْمَحِلِّ يُرِيدُ ثُمَّ تَيَقَّنَ عَدَمَ السَّهْوِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ شَكَّ فَتَفَكَّرَ قَلِيلًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَحُكِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ عَلَيْهِ السُّجُودُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ لَمْ يَأْتِ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ وَنَصُّهُ بَعْدَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَطَالَ التَّفَكُّرَ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ بِانْفِرَادِهِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ سَهْوٍ وَتَطْوِيلُ الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سُجُودُ سَهْوٍ وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ أُصُولُ الْمَذْهَبِ وَأَشْهَبُ يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ إذَا كَانَ يَنْوِي بِهِ التَّفَكُّرَ فِي مَوْضِعٍ شُرِعَ تَطْوِيلُهُ، انْتَهَى. وَنَحْوَهُ لِابْنِ نَاجِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَقَلَ سَنَدٌ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ بِأَبْسَطِ مِمَّا ذَكَرَهَا الْبَرَاذِعِيّ وَنَصُّهُ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ شَكَّ فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَدْرِ مَا صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَتَفَكَّرَ قَلِيلًا فَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا قَالَ: لَا سَهْوَ عَلَيْهِ. قَالَ سَنَدٌ: إنْ كَانَ هَذَا فِي مَحِلٍّ شُرِعَ فِيهِ اللُّبْثُ كَالْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ وَشِبْهِهِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ فَاخْتَلَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ تَفَكَّرَ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ فَهَذَا يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا لِلْبَاجِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَطُولٍ بِمَحَلٍّ لَمْ يُشْرَعْ بِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَالْجُزُولِيُّ وَالشَّبِيبِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي تَقْسِيمِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِزِيَادَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ وَبِنَقْصٍ مُتَيَقَّنٍ وَبِزِيَادَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا وَبِنَقْصٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَبِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ مُتَيَقَّنَيْنِ وَبِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ مَشْكُوكَيْنِ بِزِيَادَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ وَنَقْصٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَعَكْسِهِ، وَأَنَّهَا ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ قَالَ الشَّبِيبِيُّ يَسْجُدُ فِي وَجْهَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُمَا إذَا تَيَقَّنَ الزِّيَادَةَ وَإِذَا شَكَّ فِيهَا وَفِي السُّنَّةِ الْبَاقِيَةِ قَبْلَ السَّلَامِ

مسألة شك في فرض من صلاته ولم يدره بعينه

وَيُعَارِضُ هَذَا كُلَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَسَهَا فِيهَا أَمْ لَا؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَلَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (تَنْبِيهٌ) يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْجَلَّابِ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ سَهَا فِيهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ شَكٌّ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَلَا عَلَامَةٍ بِحَيْثُ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَهْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوٌ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ أَوْ نُقْصَانِهِ وَلَا يَتَيَقَّنُ شَيْئًا وَقَعَ الشَّكُّ فِيهِ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْجُزُولِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ مُعَيَّنٌ. أَمَّا زِيَادَةُ شَيْءٍ أَوْ نَقْصِهِ أَوْ هُمَا مَعًا فَتَأَمَّلْهُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ شُرَّاحِهِ قَالَ الْغَسَّانِيُّ فِي شَرْحِهِ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ مُلْغًى لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ السَّهْوِ حَتَّى يَثْبُتَ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؟ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إذَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْقَرَافِيِّ وَنَصُّهُ الشَّكُّ الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ يُلْغَى وَزَادَ وَالْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَشُكَّ فِي الْفَرَائِضِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ فِي تَصْحِيحِهِ عَنْ التِّلِمْسَانِيِّ هَذَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَإِنَّمَا يَشُكُّ هَلْ سَهَا عَنْ غَيْرِهَا قَالَ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَلَّابِ، انْتَهَى. ص (أَوْ سَلَّمَ) ش: يُرِيدُ وَتَذَكَّرَ بِالْقُرْبِ وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَأَمَّا إنْ طَالَ جِدًّا بَطُلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ طُولٍ مُتَوَسِّطٍ سَجَدَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الرِّسَالَةِ وَالشَّيْخُ زَرُّوق. ص (أَوْ خَرَجَ مِنْ سُورَةٍ لِغَيْرِهَا) ش: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَهْوًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا كُرِهَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ نَظْمِ الْمُصْحَفِ وَفِيهِ تَخْلِيطٌ عَلَى السَّامِعِ، وَإِذَا كُرِهَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ رِوَايَةٍ إلَى رِوَايَةٍ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يُكْرَهَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ، انْتَهَى. وَلِلْغَسَّانِيِّ أَيْضًا شَارِحُ الْجَلَّابِ نَحْوُهُ. ص (وَلَا لِفَرِيضَةٍ) ش: يَعْنِي وَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ فَرِيضَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا. [مَسْأَلَةٌ شَكَّ فِي فَرْضٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يَدْرِهِ بِعَيْنِهِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَوْ شَكَّ فِي فَرْضٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يَدْرِهِ بِعَيْنِهِ جَعَلَهُ الْإِحْرَامَ وَالنِّيَّةَ وَأَحْرَمَ يَنْوِي الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ أَحْرَمَ لِصَلَاتِهِ ثُمَّ أَسْقَطَ فَرْضًا لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ أَنْزَلَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَأَتَى بِهَا وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَشَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَرْضٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَا يَدْرِيهِ أَنْزَلَهُ الرُّكُوعَ وَبَنَى عَلَيْهِ وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَهَكَذَا أَبَدًا إذَا جَهِلَ الْفَرْضَ بِعَيْنِهِ، انْتَهَى. ص (وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ كَتَشَهُّدٍ) ش: هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ الْوَاحِدَ لَا يَسْجُدُ لَهُ إذَا جَلَسَ لَهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصَّ عَلَى

ذَلِكَ فِي الْجَلَّابِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمَذْهَبَ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ وَإِنْ جَلَسَ لَهُ وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ الْمُقَدِّمَاتِ عِنْدَ مَا عَدَّ ابْنَ الْحَاجِبِ السُّنَنَ وَقَبِلَهُ فَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ مُخْتَلِفٌ، وَصَرَّحَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينَ والْهَوَّارِيّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ وَنَقَلَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذِهِ نُصُوصُهُمْ، قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينَ والْهَوَّارِيُّ: مَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَكَانَ قَدْ جَلَسَ لَهُ سَجَدَ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ لَا يَسْجُدُ بِنَاءً عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ لِلْأَقْوَالِ انْتَهَى. وَقَالَ الْهَوَّارِيُّ: مَسْأَلَةُ مَنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَاءَ بِالْجُلُوسِ فَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَرْجِعُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَسْجُدُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَسُجُودُهُ قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ وَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ الْأَرْضَ رَجَعَ وَتَشَهَّدَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مَا فَارَقَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا فَقَوْلَانِ كَمَا إذَا سَهَا عَنْ الْجُلُوسِ. أَمَّا لَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ وَأَتَى مِنْ الْجُلُوسِ بِمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فَجَعَلَهُ مَالِكٌ بِمَنْزِلَةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَعَلَى هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى سَلَّمَ أَجْزَأَ فِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الرَّابِعُ فِي الْكِتَابِ إذَا سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ أَوْ التَّشَهُّدَيْنِ سَجَدَ إنْ ذَكَرَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إنْ ذَكَرَ قَبْلَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ رَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ وَهَلْ بِإِحْرَامٍ قَوْلَانِ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَالتَّشَهُّدُ عِنْدَ مَالِكٍ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَذَكَرَ قَبْلَ سَلَامِهِ وَبَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ وَقِيَامِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيَتَشَهَّدْ وَلَا يَدْعُو وَيُسَلِّمُ وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ فَلْيَقُمْ وَلَا يَتَشَهَّدُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي نَاسِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِثْلَهُ إذَا ذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ هُوَ قَالَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ سَلَامِهِ هُوَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا تَشَهُّدَ وَلَا سُجُودَ وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ سَلَامِهِ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ لِسَهْوِهِ. وَإِنْ نَسِيَ تَشَهُّدَ الْجِلْسَةِ الْأُولَى فَذَكَرَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ سَجَدَ مَتَى مَا ذَكَرَ وَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ لِهَذَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَقْصُ السُّنَّةِ عَمْدًا فِي بُطْلَانِهَا بِهِ ثَالِثُهَا يَسْجُدُ قَبْلُ وَرَابِعُهَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ الْجَلَّابُ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَسَهْوًا فِعْلًا وَقَوْلًا كَالسُّورَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ يَسْجُدُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: فَإِذَا جَلَسَ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ رَجَعَ لِيَتَشَهَّدَ. فَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ وَيَسْجُدْ قَبْلَ السَّلَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي يُسْجَدُ لَهَا ثَمَانٍ وَعَدَّ مِنْهَا التَّشَهُّدَ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ بِرُمَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ بَهْرَامَ حَيْثُ يَقُولُ فِي الْكَبِيرِ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّجُودِ لِلتَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. قَالَ وَأَخَذَ هَذَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَرَكَ اثْنَتَيْنِ مِنْ التَّكْبِيرِ أَوْ التَّشَهُّدَيْنِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْوَاحِدَةَ لَا سُجُودَ لَهَا، ثُمَّ حَكَمَ لِلِاثْنَيْنِ بِالسُّجُودِ وَأَعْطَى التَّشَهُّدَيْنِ حُكْمَ التَّكْبِيرَتَيْنِ فِي ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ الْوَاحِدَ لَا سُجُودَ فِيهِ، انْتَهَى. كَلَامُ الشَّارِحِ وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَصَرَهَا أَبُو سَعِيدٍ وَلَفْظُ الْأُمِّ " أَرَأَيْت إنْ كَانَ سَهْوُهُ يُسْجَدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ كَتَرْكِ تَكْبِيرَتَيْنِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ التَّشَهُّدِ فَنَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى طَالَ. قَالَ: أَمَّا التَّشَهُّدَانِ أَوْ التَّكْبِيرَتَانِ أَوْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَحْدَثَ أَوْ طَالَ كَلَامُهُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ، انْتَهَى. وَهُوَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مَعَ أَنَّ الْقَرَافِيَّ نَسَبَ السُّجُودَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ التَّشَهُّدَيْنِ لِلْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ أَظْهَرُهُمَا

فرع نسي التشهد الأخير حتى سلم

السُّجُودُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ حَتَّى سَلَّمَ] (فَرْعٌ) إذَا نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ حَتَّى سَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الصَّلَاةِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا مُعَارِضٌ لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ذَكَرَ تَارِكُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَهُوَ بِمَكَانِهِ سَجَدَ لِسَهْوِهِ وَإِنْ طَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِلصَّقَلِّيِّ فَيَكُونُ فِيهَا قَوْلَانِ، انْتَهَى. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ عَلَى نَقْصِ السُّنَّةِ (قُلْت) لَفْظُ ابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَهَا فِي الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَجْلِسْ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ حَتَّى صَلَّى خَامِسَةً رَجَعَ فَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ وَقَدْ جَلَسَ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ تَطَاوَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا ذَكَرَ اللَّهَ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْرِفُ التَّشَهُّدَ انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشَهُّدَيْنِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اُنْظُرْ كَيْفَ جَعَلَهُ يَرْجِعُ لِلتَّشَهُّدِ وَهُوَ سُنَّةٌ وَقَدْ حَصَّلَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ السَّلَامُ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ مَحِلُّ فِعْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ كَمَنْ نَسِيَ السُّورَةَ حَتَّى رَكَعَ انْتَهَى. ص (وَإِعْلَانٌ بِكَآيَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَيَسِيرُ جَهْرٍ أَوْ سِرٍّ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ يَسِيرُ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ مَا لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي كُلِّ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا فِي مُخْتَصَرِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ حَسْبَمَا رَجَّحَ فِي تَوْضِيحِهِ فِي فَهْمِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْ الْإِسْرَارِ بِنَحْوِ الْآيَةِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ. وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَنَحْوُ الْآيَةِ وَيَسِيرُ الْجَهْرِ مُغْتَفَرٌ خَلِيلٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُرِيدَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ السُّجُودَ فِي الْجَهْرِ فِي السِّرِّيَّةِ وَعَكْسِهِ وَإِنْ أَسَرَّ إسْرَارًا خَفِيفًا أَوْ جَهَرَ يَسِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إعْلَانُهُ بِالْآيَةِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ يَسِيرَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِيهِمَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي كُلِّ قِرَاءَتِهِ، انْتَهَى. كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ بَهْرَامُ احْتِمَالًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَانْظُرْ عَزْوَهُمْ الْجَمِيعِ هَذَا الْفَرْعَ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّهَا عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَهَا فَأَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا مِنْ جَهْرٍ أَوْ إسْرَارٍ وَكَإِعْلَانِهِ بِالْآيَةِ وَنَحْوِهَا فِي الْإِسْرَارِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْزُهُ ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا لِلْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْإِسْرَارُ بِنَحْوِ الْآيَةِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَنَصُّ مَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ سَهَا فَأَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَمَنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا مِنْ إجْهَارٍ وَإِسْرَارٍ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَكَذَا إعْلَانُهُ بِالْآيَةِ فِي الْإِسْرَارِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ وَقَدْ ذَكَرَ سَنَدٌ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا فِيمَنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ إنْ كَانَ جَهْرًا خَفِيفًا لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ جَهْرُهُ لَيْسَ بِالْمُرْتَفِعِ وَإِنَّمَا هُوَ يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ. وَالثَّانِي، أَنْ يَكُونَ يَجْهَرُ بِالْآيَةِ وَكِلَاهُمَا خَفِيفٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ. ص (وَإِعَادَةُ سُورَةٍ فَقَطْ لَهُمَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَرَأَ السُّورَةَ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَأَعَادَهَا عَلَى سُنَّتِهَا فَلَا سُجُودُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ

تنبيه كرر أم القرآن سهوا

فَقَطْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِإِعَادَةِ السُّورَةِ وَحْدَهَا، وَأَمَّا لَوْ قُرِئَتْ هِيَ وَالْفَاتِحَةُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهَا مِنْ الْجَهْرِ أَوْ الْإِسْرَارِ فَأُعِيدَتَا أَوْ قُرِئَتْ الْفَاتِحَةُ وَحْدَهَا عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهَا فَأُعِيدَتْ لَسَجَدَ وَهُوَ كَذَلِكَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ جَهَرَ فِي السِّرِّيَّةِ سَجَدَ بَعْدُ وَعَكْسُهُ قَبْلَهُ فَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَعَادَ وَسَجَدَ بَعْدَهُ فِيهِمَا، انْتَهَى. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فَأَعَادَهَا جَهَرًا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَحَسَنٌ أَنْ يَسْجُدَ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَسْجُدُ وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ أَشْهَبُ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَ بِالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِي؛ لِأَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِ أَرْكَانِ الْفَرِيضَةِ يَقْضِيهِ وَمَعَ هَذَا لَا يَسْقُطُ السَّهْوُ فِيهِ، انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ قَرَأَ فِي الْجَهْرِ سِرًّا ثُمَّ ذَكَرَهُ فَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَطْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الصُّبْحِ فَأَسَرَّ بِهَا فَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ لِذَلِكَ وَيُجْزِئُهُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَرَأَهَا سِرًّا ثُمَّ أَعَادَهَا جَهْرًا فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ: لَا يَسْجُدُ وَإِنَّ سُجُودَهُ لَخَفِيفٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. [تَنْبِيه كَرَّرَ أُمَّ الْقُرْآنِ سَهْوًا] (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: مَنْ كَرَّرَ أُمَّ الْقُرْآنِ سَهْوًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ السُّورَةِ (قُلْت) فِي الْأُولَى خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ قَدَّمَ أُمَّ الْقُرْآنِ عَلَى تَكْبِيرِ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَةِ فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ، انْتَهَى. وَمَنْ كَرَّرَهَا عَمْدًا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَمْدًا وَهِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ إنَّهَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَقِيلَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْهُ انْتَهَى. ص (وَفِي إبْدَالِهَا بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَعَكْسِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً أَوْ تَحْمِيدَةً فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ فَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَأَبْدَلَ مَوْضِعَهَا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَوْ تَرَكَ تَحْمِيدَةً فَأَبْدَلَ مَوْضِعَهَا تَكْبِيرَةً فَفِي سُجُودِهِ تَأْوِيلَانِ، وَأَمَّا لَوْ أَبْدَلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا كَلَامَ فِي السُّجُودِ وَالتَّأْوِيلَانِ مَذْكُورَانِ فِي شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَهُمْ فِيهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ قَبْلَ السُّجُودِ هَلْ يُعِيدُ الذِّكْرَيْنِ أَمْ لَا؟ وَلَا يَأْتِي التَّأْوِيلَانِ فِيمَنْ أَبْدَلَ مَوْضِعَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْوَاضِحَةِ وَإِنْ قَالَ مَوْضِعَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي صَلَاتِهِ شَهْرًا أَعَادَهَا كُلَّهَا. (قُلْت) عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ سُنَنٌ وَمَنْ يَقُولُ كُلُّهُ سُنَّةٌ فَلَا يُعِيدُ، وَمَنْ نَسِيَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي صَلَاتِهِ شَهْرًا وَهُوَ مُسَافِرٌ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمَغْرِبَ ثَلَاثِينَ مَرَّةً. (قُلْت) يَجْرِي عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ نَسِيَ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ فَلَوْ كَانَ يُضِيفُ لَهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِلَّا أَعَادَ مَا سِوَى الصُّبْحِ سَائِرَ الشَّهْرِ (قُلْت) كَذَا كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يُفْتِي أَنَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ تَنُوبُ عَنْ التَّسْمِيعِ لِكَوْنِهِ ذِكْرًا شُرِعَ فِي الْمَحَلِّ بِخِلَافِ إبْدَالِ التَّكْبِيرَةِ عَنْهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ

يُشَارِكُ التَّسْمِيعَ فِي الطَّلَبِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ فَالْحَقِيقَةُ قَرِيبَةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ نَسِيَ تَحْمِيدَتَيْنِ أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ شَهْرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَقَامُ سُنَّةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى التَّهْذِيبِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا عَنْ السَّلَامِ إلَّا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَاتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَعَ أَنَّهُ مُجَانِسٌ، وَأَحْرَى إذَا قَالَ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ اللَّهُ السَّمِيعُ، وَيَقُومُ مِنْهُ إنَّ مَنْ أَبْدَلَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ بِرَبِّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمُجَانَسَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ إلَى أَنْ مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُوَجَّهُ فَتْوَاهُ بِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يَقُومُ مَقَامَ السُّنَّةِ لِضَعْفِهِ وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُفْتِي بِالصِّحَّةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْمَحِلَّ لَمْ يَخْلُ عَنْ ذِكْرٍ مُجَانِسٍ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: كُلُّ سُنَّةٍ فِي الْوُضُوءِ وَلَمْ يَعْرَ مَوْضِعُهَا عَنْ فِعْلٍ فَإِنَّهَا إذَا تُرِكَتْ لَا تُعَادُ كَمَنْ تَرَكَ غَسْلَ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَالِاسْتِنْثَارَ وَرَدَّ مَسْحِ الرَّأْسِ. (قُلْت) وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمَا وَقَعَ الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ نَقْلِ ابْنُ بَشِيرٍ لَا يَنْهَضُ وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْفَرْضِ فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَخِفَّةِ الِاسْتِنْثَارِ إذْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلِاسْتِنْشَاقِ أَوْ صِفَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ. ص (أَوْ سُتْرَةٍ سَقَطَتْ) ش: أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّوَادِرِ رَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا اسْتَتَرَ الْإِمَامُ بِرُمْحٍ فَسَقَطَ فَلْيُقِمْهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ خَفِيفًا وَإِنْ شَغَلَهُ فَلْيَدَعْهُ وَنَقَلَهُ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّتْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: بَعْدَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ جَالِسًا يَمُدُّ يَدَهُ فَيُقِيمُ السُّتْرَةَ فَذَلِكَ يَسِيرٌ، فَأَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا يَنْحَطُّ لِذَلِكَ فَثَقِيلٌ إلَّا أَنَّهُ يُغْتَفَرُ مِثْلُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ يَمْشِي فِي قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ بِهِ الْإِمَامُ إلَى مَا يَسْتَتِرُ بِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ مُدَافَعَةِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ بِمَثَابَةِ أَنْ يَنْحَطَّ لِأَخْذِ حَجَرٍ يَرْمِي بِهِ الْعَقْرَبَ، انْتَهَى. ص (أَوْ كَمَشْيِ صَفَّيْنِ لِسُتْرَةٍ أَوْ فُرْجَةٍ أَوْ دَفْعِ مَارٍّ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ) ش: فَإِنْ بَعُدَ ذَلِكَ وَكَثُرَ قَطَعَ الصَّلَاةَ ابْنُ رُشْدٍ. هَذَا إذَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي خِنَاقٍ مِنْ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى وَإِنْ ذَهَبَتْ دَابَّتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مَفَازَةٍ وَمَخَافَةٍ عَلَى نَفْسِهِ إنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَتْحٍ عَلَى إمَامِهِ إنْ وَقَفَ) ش: ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ يَفْتَحُ عَلَى إمَامِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقِفْ بَلْ خَرَجَ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَفْتَحُ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَالنَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ اُخْتُلِفَ إذَا فَتَحَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ إمَّا فِي صَلَاةٍ

أُخْرَى أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ إذَا اسْتَطْعَمَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَطْعِمْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، انْتَهَى. فَجَعَلَهُ مَكْرُوهًا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا كَفَتْحٍ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَوْ أَنَّهُ أَسْقَطَ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَالَ ابْنُ نَاجِي: هَاهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ. (قُلْت) وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ بِهِ الْمُدَوَّنَةُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ، وَحَمَلَهُ الْمَغْرِبِيُّ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا لَمْ يَخْلِطْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ وَهُوَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَإِذَا تَعَايَا الْإِمَامُ لَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَرَدَّدَ أَوْ يَسْتَطْعِمَ إذْ لَعَلَّهُ فِي فِكْرَةٍ فِيمَا يَقْرَأُ أَوْ تَلَذُّذٍ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُخَطْرِفَ تِلْكَ الْآيَةَ، أَوْ يَخْرُجَ عَنْ السُّورَةِ إلَى سُورَةٍ أُخْرَى، أَوْ يَرْكَعَ إذَا قَرَأَ شَيْئًا لَهُ بَالٌ وَهَذَا فِي السُّورَةِ، وَأَمَّا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إتْمَامُهَا وَإِنْ عُوجِلَ الْإِمَامُ بِالتَّلْقِينِ قَبْلَ التَّرَدُّدِ وَالِاسْتِطْعَامِ كُرِهَ وَجَازَ لِجَوَازِ فَتْحِ مَنْ هُوَ فِي صَلَاةٍ عَلَى مَنْ هُوَ مَعَهُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهَا، انْتَهَى. ص (وَسَدٍّ فِيهِ لِتَثَاؤُبٍ وَنَفْثٍ بِثَوْبٍ لِحَاجَةٍ كَتَنَحْنُحٍ) ش: قَالَ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَانَ مَالِكٌ إذَا تَثَاءَبَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ سَدَّ فَاهُ بِيَدِهِ وَنَفَثَ أَبُو الْحَسَنِ بِظَاهِرِ الْيُمْنَى وَبَاطِنِهَا فَأَمَّا الْيُسْرَى فَبِظَاهِرِهَا فَقَطْ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّهَا تُلَاقِي الْأَنْجَاسَ بِبَاطِنِهَا، وَقَوْلُهُ: وَنَفَثَ. النَّفْثُ بِغَيْرِ بُصَاقٍ وَالتَّفْلُ بِالْبُصَاقِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ الثَّامِنِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: النَّفْثُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ التَّثَاؤُبِ بَلْ رُبَّمَا اجْتَمَعَ فِي فَمِ الْإِنْسَانِ فَيَنْفُثُهُ وَلَوْ بَلَعَهُ جَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفُثَهُ إنْ كَانَ صَائِمًا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ: يَسُدُّ بِيَدِهِ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ تَثَاؤُبُهُ فَإِنْ قَرَأَ حَالَ تَثَاؤُبِهِ فَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مَا يَقُولُهُ فَمَكْرُوهٌ وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ فَلْيُعِدْ مَا قَرَأَ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. وَنَصَّ سَنَدٌ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرَأَيْت مَالِكًا إذَا أَصَابَهُ التَّثَاؤُبُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَيَنْفُثُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ. أَمَّا النَّفْثُ فَلَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ التَّثَاؤُبِ بَلْ رُبَّمَا يَجْتَمِعُ فِي فَمِ الْإِنْسَانِ رِيقٌ يَكْثُرُ عِنْدَ التَّثَاؤُبُ فَيَنْفُثُهُ وَلَوْ بَلَعَهُ جَازَ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفُثَهُ إذَا كَانَ صَائِمًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَسُدُّ فَاهُ إنْ شَاءَ بِيَدِهِ وَإِنْ شَاءَ أَطْبَقَ شَفَتَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِهِ فِي «حَدِيثِ الْبُصَاقِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا وَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبُصَاقِ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَالنَّفْخُ الْيَسِيرُ إذَا لَمْ يَصْنَعْهُ عَبَثًا إذْ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الْبُصَاقُ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّنَحْنُحُ وَالتَّنَخُّمُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِمَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ أَنَّهُ تَفْسُدُ بِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ النَّفْخُ كَالْكَلَامِ وَرَوَى عَلِيٌّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّ النَّفْخَ الَّذِي كَالْكَلَامِ مَا نُطِقَ فِيهِ بِالْفَاءِ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلَانِ إنَّمَا هُمَا فِي تَنَحْنُحِ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُمَا عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي الْمُضْطَرِّ وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: وَالنَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ، الشَّيْخُ اُخْتُلِفَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا النَّفْخُ وَالتَّنَحْنُحُ وَالتَّأَوُّهُ وَالْأَنِينُ وَالْبُصَاقُ بِصَوْتٍ وَالِاسْتِفْهَامُ بِالْقُرْآنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ فِي بَابِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ ضَرْبٌ مِنْ الْإِهَانَةِ وَلَكِنْ جَعَلَ اللَّهُ طَرْحَهُ لِلْعَبْدِ ضَرُورَةً فِي أَيِّ حَالٍ كَانَ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ إمَّا بِإِفّ أَوْ تُفّ أَوْ أَعْ أَوْ أَخْ أَوْ أَحْ أَحْ، وَمَسَحَ فِيهِ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَيَأْتِي كَلَامُهُ هَذَا فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَصَقَ بِهِ إنْ حَصَبَ يَأْثَمُ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَمَنْ تَنَخَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَعَادَهَا

لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَهُوَ أَخ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ بَلْغَمٍ سَقَطَ مِنْ دِمَاغِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ فِي رَجُلٍ بَصَقَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: فَإِنْ أَرْسَلَهَا بِصَوْتٍ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَإِنْ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَالْإِمَامُ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ فِي آخِرِ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: مَسْأَلَةُ التَّنَحْنُحِ وَالتَّنَخُّمِ فَيَقُولُ أَخْ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلتَّسْمِيعِ اُخْتُلِفَ هَلْ تُبْطِلُ أَوْ لَا؟ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا تُبْطِلَ. (قُلْت) وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يُفْتِي بِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِبُطْلَانِهَا إذَا فُعِلَتْ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ تَغْلِيظٌ عَلَى الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ فِي جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ كَثِيرًا عِنْدَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ لِلتَّسْمِيعِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَسَائِلِ الْإِفْرِيقِيِّينَ: مَسْأَلَةُ إذَا تَنَحْنَحَ الْمُصَلِّي مُخْبِرًا عَنْهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَاخِرِ وَسَطِهَا: وَسُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ التَّنَحْنُحِ فِي الصَّلَاةِ فَأَجَابَ كُلُّ مَا انْحَدَرَ مِنْ الْبَلْغَمِ فِي الْحَلْقِ فَابْتَلَعَهُ الْمُكَلَّفُ فَلَا يُفْسِدُ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَوْ قَدَرَ عَلَى طَرْحِهِ إنْ لَمْ يَصِلْ لِلَّهَوَاتِ وَلَوْ خَرَجَ لِفَمِهِ فَابْتَلَعَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ هَلْ يُعِيدُ صَوْمَهُ وَصَلَاتَهُ كَالطَّعَامِ أَمْ لَا؟ إذْ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالْمُرَادُ بِاللَّهَوَاتِ خُرُوجُهُ مِنْ الْفَمِ إلَى الْحَلْقِ وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّنَحْنُحِ وَإِنْ فَعَلَ لِأَمْرٍ عَرَضَ لَهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ، وَإِنْ تَنَحْنَحَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَقِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِهِ آخُذُ إذْ لَيْسَ هَذَا كَلَامًا مَنْهِيًّا عَنْهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ مِنْ الْفَمِ إلَى الْحَلْقِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ. ص (وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْإِبْطَالِ بِهِ لِغَيْرِهَا) ش أَيْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي التَّنَحْنُحِ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ هَلْ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ يُكْرَهُ؟ فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ قَوْلَانِ وَكَذَلِكَ التَّأَوُّحُ وَالتَّأَوُّهُ وَالْأَنِينُ وَالْبُكَاءُ بِالصَّوْتِ انْتَهَى. ص (وَتَسْبِيحُ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لِضَرُورَةٍ وَلَا يُصَفِّقْنَ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ التَّسْبِيحِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فَقَالَ لَهُ مَنْ خَلْفَهُ سَبِّحْ فَسَبَّحَ قَالَ: إنَّمَا الْقَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا خَفِيفًا وَمِنْ الْوَاضِحَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَبِّحَ لِلْحَاجَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَ ذَلِكَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ فَلَا حَرَجَ وَإِنْ قَالَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْإِعَادَةَ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: وَذِكْرٌ قُصِدَ بِهِ التَّفْهِيمَ بِمَحَلِّهِ وَإِلَّا بَطُلَتْ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: لَفْظُ التَّسْبِيحِ سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ قَالَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يَصِلُ إلَى الْإِعَادَةِ، وَإِنْ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ فَلَا حَرَجَ انْتَهَى كَلَامُ الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ خُرُوجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُبْنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: فَإِنْ صَفَّقَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا وَالْمُخْتَارُ التَّسْبِيحُ. اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ. (فَرْعٌ) وَعَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ فَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَصِفَةُ التَّصْفِيقِ أَنْ تَضْرِبَ بِظَهْرِ أُصْبُعَيْنِ مِنْ يُمْنَاهَا عَلَى كَفِّهَا الشِّمَالِ، انْتَهَى. ص (وَكَلَامٌ لِإِصْلَاحِهَا بَعْدَ سَلَامٍ) ش: عَدَّ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا لَا يُسْجَدُ لَهُ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُسْجَدُ

لِأَجْلِ الْكَلَامِ وَأَمَّا السَّلَامُ فَإِنَّهُ يُسْجَدُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا فِي الْكَلَامِ لِإِصْلَاحِهَا وَقَيَّدَهُ فِيمَا يَأْتِي بِالْقَلِيلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ بَعْدَ سَلَامٍ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَيَجُوزُ لَهُ الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِخْلَافِ قَبْلَ سَلَامِهِ. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُ الْإِمَامَ إذَا خَالَفَ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمُ، وَقَدْ نَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَامَ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ وَسُبِّحَ بِهِ فَلَمْ يَفْقَهْ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُ أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَاسَةً يَدْنُو مِنْهُ وَيُخْبِرُهُ كَلَامًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ سَلَامٍ، يَعْنِي إذَا سَلَّمَ. وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِلتَّمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالسُّؤَالُ بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى يَقِينٍ سَوَاءً حَدَثَ لَهُ شَكٌّ بَعْدَ السَّلَامِ أَمْ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي رَسْمٍ أَنْ اُمْكُثِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ خِلَافُ مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْمُشَاوِرِ مِنْ أَنَّهُمَا قَالَا الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ إذَا شَكَّ بَعْدَ سَلَامِهِ فَلَا يَسْأَلُ بَلْ يَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَجَعَ إمَامٌ فَقَطْ لِعَدْلَيْنِ إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ إلَّا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا تَيَقَّنَ الْإِمَامُ إتْمَامَ صَلَاتِهِ وَشَكَّ الْمَأْمُومُونَ فِي ذَلِكَ أَوْ تَيَقَّنُوا خِلَافَهُ بَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى يَقِينِ نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى يَقِينِ غَيْرِهِ وَقَدْ قِيلَ إذَا كَثُرَ الْجَمْعُ رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى مَا عَلَيْهِ الْمَأْمُومُونَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُونَ كَثِيرًا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ إذَا بَقِيَ عَلَى يَقِينِهِ هَلْ يُتِمُّ لَهُمْ أَوْ يَنْصَرِفُ؟ فَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إنْ كَثُرَ مَنْ خَلْفَهُ صَدَّقَهُمْ وَأَتَمَّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ وَانْصَرَفَ وَأَتَمُّوا لَهُمْ وَهَذَا أَحْسَنُهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَنَّ السَّهْوَ مَعَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّ الْأَصَحَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَنْ يَقِينِهِ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَثُرُوا إلَّا أَنْ يُخَالِجَهُ رَيْبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى يَقِينِ الْقَوْمِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى يَقِينِ الْقَوْمِ إذَا كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ لَا يَرْجِعُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا شَكَّ الْإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ فِي الصَّلَاةِ فَأَخْبَرَهُمْ عَدْلَانِ وَيَكُونُ كَلَامُهُ مَاشِيًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لَهَا وَنَصُّهُ وَفِي رُجُوعِ الشَّاكِّ لِعَدْلَيْنِ لَيْسُوا فِي صَلَاتِهِ وَبِنَائِهِ عَلَى حُكْمِ نَفْسِهِ نَقَلَا اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ أَشْهَبَ وَالْعُتْبِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَهَا، انْتَهَى. وَاَلَّذِي تَقَلَّدَ الْعُتْبِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي أَوَّلِ

رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَرَّرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَقَالَ: هُوَ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ نَقَلَ مُقَابِلَهُ عَنْ أَشْهَبَ وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي تَنْبِيهِهِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ فَإِنْ أَيْقَنَ بِبُطْلَانِ مَا قَالَهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ وَإِنْ شَكَّ أَوْ أَيْقَنَ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ رَجَعَ إلَى يَقِينِهِ لَا إلَى خَبَرِ الْمُخْبِرِ وَهَلْ يَرْجِعُ إلَى خَبَرِ الْمُخْبِرِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ لَهُ يَقِينٌ وَلَا شَكٌّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى مَنْ مَعَهُ فِي صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي الْوَاحِدِ وَالشَّاذُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ لَمَّا أَنْ وَجَّهَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى فَأَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ وَهِيَ ثِقَةٌ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ رِوَايَةَ الْمَجْمُوعَةِ هَذِهِ وَنَصَّهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا يَقْبَلُ شَاكٌّ خَبَرَ ثِقَةٍ أَنَّهُ صَلَّى وَالْمُوَسْوِسُ أَرْجُو قَبُولَهُ، انْتَهَى. فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَلْ هُوَ صَرِيحُهُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّهُ اعْتَمَدَ طَرِيقَةَ اللَّخْمِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَرْوِيحُ رِجْلَيْهِ) ش: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ مَا اُسْتُخِفَّ مِنْ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ نَاقِلًا عَنْ الْعُتْبِيَّةِ: وَكُرِهَ التَّرَوُّحُ مِنْ الْحَرِّ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَخَفَّفَهُ فِي النَّافِلَةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ السَّهْوِ فَقَالَ رَوَى الشَّيْخُ يُكْرَهُ تَرْوِيحُهُ فِي فَرْضٍ لَا نَفْلٍ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَنَصُّهَا: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ التَّرَوُّحِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْحَرِّ فَقَالَ: الصَّوَابُ أَنْ لَا يَفْعَلَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّافِلَةِ إذَا غَلَبَهُ الْحَرُّ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الِاشْتِغَالُ بِالتَّرَوُّحِ فِي الصَّلَاةِ تَرْكٌ لِلْخُشُوعِ فِيهَا وَمُجَاهِدَةِ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى شِدَّةِ الْحَرِّ، وَالتَّرَوُّحُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى تَرْكِ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ، فَرَأَى مَالِكٌ تَرْكَ التَّرَوُّحِ وَالصَّبْرَ عَلَى شِدَّةِ الْحَرِّ وَمُجَاهَدَةَ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَصْوَبَ مِنْ التَّرَوُّحِ فِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] وَاسْتَخَفَّ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ إذْ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ التَّرَوُّحُ بِكُمِّهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ التَّرْجَمَةِ الْأُولَى عَنْ الْوَاضِحَةِ وَيُكْرَهُ التَّرْوِيحُ بِمِرْوَحَةٍ أَوْ بِكُمِّهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ يُلْقِي الرِّدَاءَ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فِي الْحَرِّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا بَأْسَ أَنْ يُلْقِيَ الرِّدَاءَ عَنْ مَنْكِبَيْهِ لِلْحَرِّ إذَا كَانَ جَالِسًا فِي النَّافِلَةِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي قِيَامِهِ وَقَالَ قَبْلَهُ عَنْ الْوَاضِحَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْسَحَ الْعَرَقَ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّرَوُّحَ فِي الْفَرِيضَةِ مَكْرُوهٌ وَسَوَاءٌ كَانَ بِكُمٍّ أَوْ مِرْوَحَةٍ، وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَخَفَّفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكَرِهَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ فِي الطِّرَازِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأُوَلَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ (الثَّانِي) الْإِتْيَانُ إلَى الْمَسْجِدِ بِالْمَرَاوِحِ وَالتَّرَوُّحُ بِهَا فِيهِ مَكْرُوهٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي أَوَاخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ. ص (وَقَتْلُ عَقْرَبٍ تُرِيدُهُ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَهُ قَتْلٌ كَعَقْرَبٍ تُرِيدُهُ وَإِلَّا كُرِهَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَتْلَهَا إذَا أَرَادَتْهُ جَائِزٌ وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ وَجَبَ فِعْلُهُ لِقَتْلِ حَيَّةٍ أَرَادَتْهُ لَمْ يُسْجَدْ لَهُ وَإِنْ كُرِهَ كَقَتْلِهَا وَلَمْ تُؤْذِهِ فِي سُجُودِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَانْظُرْ سَمَاعَ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَفِي الْعَارِضَةِ إنْ كَانَتْ دَانِيَةً مِنْهُ

فائدة أبكم أشار في صلاته

وَتَمَكَّنَ مِنْهَا بِعَمَلٍ يَسِيرٍ قَتَلَهَا وَإِنْ خَافَ مِنْهَا وَكَانَتْ بَعِيدَةً وَعَمِلَ كَثِيرًا قَتَلَهَا وَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ، وَقَوْلُهُ وَقَتْلُ عَقْرَبٍ وَأَحْرَى الْحَيَّةُ فَإِنْ لَمْ تُرِيدَاهُ كَانَ مَكْرُوهًا وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَتَقَدَّمَ فِي الشَّامِلِ وَيَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَغْلٌ كَثِيرٌ، وَأَمَّا مَا سِوَى الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ مِنْ طَيْرٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ ذَرَّةٍ أَوْ حِدَأَةٍ أَوْ نَحْلَةٍ أَوْ بَعُوضَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ قَتْلَ شَيْءٍ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ وَلَا يَنْبَغِي فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ إلَّا بِمَا فِيهِ شَغْلٌ كَثِيرٌ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ: إنْ أَخَذَ الْقَوْسَ وَرَمَى بِهِ الصَّيْدَ أَوْ تَنَاوَلَ الْحَجَرَ مِنْ الْأَرْضِ فَرَمَى بِهِ الطَّيْرَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُطِلْ ذَلِكَ يُرِيدُ إذَا كَانَ جَالِسًا وَالْحَجَرُ وَالْقَوْسُ إلَى جَانِبِهِ فَتَنَاوَلَهُمَا وَرَمَى بِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَائِمًا فَتَنَاوَلَ الْحَجَرَ وَالْقَوْسَ مِنْ الْأَرْضِ وَرَمَى بِهِ لَكَانَ مُبْطِلًا، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. (قُلْت) وَمِثْلُهُ وَمَنْ كَانَ بِيَدِهِ مِنْكَابٌ فَقَلَّبَهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي جُلُوسِهِ وَالْمِنْكَابُ قَرِيبٌ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَطَأْطَأَ وَتَنَاوَلَهُ وَقَلَّبَهُ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ وَإِذَا خَافَ عَلَى السِّرَاجِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْلِحَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ فِي الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ. ص (وَإِشَارَةٌ لِكَسَلَامٍ أَوْ حَاجَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَفَصَّلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَقَالَ: تُكْرَهُ الْإِشَارَةُ لِحَاجَةٍ لَا لِرَدِّ السَّلَامِ قَالَ سَنَدٌ وَالْمَذْهَبُ أَظْهَرُ وَلَا فَرْقَ فِي الْإِشَارَةِ بَيْنَ الْجَوَابِ وَبَيْنَ الِابْتِدَاءِ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشِيرَ الرَّجُلُ بِلَا وَنَعَمْ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى قُبَاءَ فَسَمِعَتْ الْأَنْصَارُ بِهِ فَجَاءُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ عَلَيْهِمْ إشَارَةً بِيَدِهِ» فَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَرُدَّ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ جَوَابًا بِالْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يَرُدَّ إشَارَةً عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكْرَهْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ زِيَادٌ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي وَأَنْ يَرُدَّ الْمُصَلِّي عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إشَارَةً بِرَأْسٍ أَوْ بِيَدٍ أَوْ بِشَيْءٍ وَالْحُجَّةُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَثَرَيْنِ وُجُوبُ رَدِّ السَّلَامِ إشَارَةً لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وَأَمَّا إشَارَةُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ بِبَعْضِ حَوَائِجِهِ فَالْأَوْلَى وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَمَادِي اشْتِغَالِ بَالِهِ فِي صَلَاتِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَذَلِكَ أَوْلَى، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ فِي وَرَقَةٍ قَبْلَ فَصْلِ الْأَذَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة أَبْكَمَ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ] (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نَزَلَتْ نَازِلَةٌ بِبَغْدَادَ فِي أَبْكَمَ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: بَطُلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ إشَارَةَ الْأَبْكَمِ كَكَلَامِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الصَّلَاةِ جَائِزَةٌ، انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَنَقَلَ الْخِلَافَ فِيهَا الْجُزُولِيُّ الْكَبِيرُ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِي إلْحَاقِ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ بِالْكَلَامِ. ثَالِثُهَا إنْ قَصَدَ الْكَلَامَ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُخْتَارِ الْجَامِعِ بَيْنَ الْمُنْتَقَى وَالِاسْتِذْكَارِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى اللَّعَّانِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِشَارَةِ بَيْنَ الْجَوَابِ وَبَيْنَ الِابْتِدَاءِ (الثَّانِي) لَوْ رَدَّ بِالصَّرِيحِ فَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةٌ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلًا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَهُوَ مَأْمُومٌ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَسَهْوًا يَحْمِلُهُ عَنْهُ إمَامُهُ. (قُلْت) فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْإِتْيَانِ بِرَكْعَةٍ وَالسُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالصَّوَابُ إبْطَالُهَا مُطْلَقًا فِي الْجَهْلِ وَالْعَمْدِ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) لَا فَرْقَ فِي الْإِشَارَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِالرَّأْسِ أَوْ بِالْيَدِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي فِي فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَلْيَرُدَّ مُشِيرًا بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ (الرَّابِعُ) فُهِمَ

مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَلْيَرُدَّ أَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ النَّوَادِرِ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَتَسْبِيحُ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ص (لَا عَلَى مُشَمِّتٍ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَرُدُّ عَلَى مُشَمِّتِهِ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ: فِي تَصَوُّرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ عُسْرٌ؛ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْعُ سَمَاعِ الْحَمْدِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَحْمَدُ فَكَيْفَ يُرَدُّ. (قُلْت) يُمْكِنُ فَرْضُهُ إذَا عَطَسَ وَحَمِدَ جَهْرًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَحْرَمَ فَشَمَّتَهُ فَصَدَقَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي أَسْئِلَةٍ لِبَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ الْعَاطِسُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ مُصَلٍّ آخَرُ: رَحِمَكَ اللَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَحْمَدُ اللَّهَ فَإِنْ فَعَلَ فَفِي نَفْسِهِ وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَأَمَّا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فَهُوَ كَلَامٌ مَعَ مُخَاطَبٍ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَأَمَّا تَحْمِيدُهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَجْهَرُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَحْمَدُ وَلَكِنْ سِرًّا فِي نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطِّرَازِ فِي بَابِ الْقُنُوتِ وَنَصُّهُ فِي الِاحْتِجَاجِ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْعُو إلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَمَّتَ الْعَاطِسَ أَوْ رَدَّ السَّلَامَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ دُعَاءٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا خَاطَبَ آدَمِيًّا صَارَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُشْتَبِهِ بِكَلَامِ النَّاسِ، وَكَمَا لَوْ أَنْشَدَ شِعْرًا لَيْسَ فِيهِ إلَّا الثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: فِي حَدِيثِ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فَوَائِدُ: مِنْهَا أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ التَّشْمِيتِ وَجَعَلَهُ كَلَامًا وَإِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ قَبْلَ بَيَانِ الشَّرْعِ وَمَنْ فَعَلَهُ الْآنَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، انْتَهَى. ص (وَبُكَاءُ تَخَشُّعٍ وَإِلَّا فَكَالْكَلَامِ) ش: قَالَ سَنَدٌ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا: وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ لِلْمُصِيبَةِ وَلِلْوَجَعِ إذَا كَانَ بِصَوْتٍ أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا حَرَكَةُ الشَّفَتَيْنِ فَلَا تُبْطِلُ وَلِهَذَا لَوْ حَرَّكَ الْإِنْسَانُ شِدْقَيْهِ وَشَفَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِقَ وَنَعَقَ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ شَفَتَيْهِ وَلِسَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَقَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي النَّفْخَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ قَبْلَهُ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِهِ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ مِنْ التَّنَفُّسِ وَالتَّأْفِيفِ عِنْدَ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخِ مِنْ الْأَنْفِ عِنْدَ الِامْتِخَاطِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّفْخَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَلِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ فِيهِ فَإِنَّمَا قَالَهُ لِوُجُودِ الْحُرُوفِ فِيهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْأَنْفِ فَلَا حُرُوفَ فِيهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَوْلُهَا: " إنَّ أَبَا بَكْرٍ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ. " أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ عَلَى الْمُصَلِّينَ ص (وَلَا لِتَبَسُّمٍ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: التَّبَسُّمُ هُوَ أَوَّلُ الضَّحِكِ وَانْشِرَاحُ الْوَجْهِ وَإِظْهَارُ الْفَرَحِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِهَا: الضَّحِكُ عَلَى وَجْهَيْنِ بِغَيْرِ صَوْتٍ وَهُوَ التَّبَسُّمُ وَبِصَوْتٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَمَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَهَا وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ، انْتَهَى كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ: أَصْبَغُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّبَسُّمِ إلَّا الْفَاحِشَ مِنْهُ شَبِيهٌ بِالضَّحِكِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ فِي عَمْدِهِ وَيَسْجُدَ فِي سَهْوِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ تَبَسُّمُهُ قَالَ أَصْبَغُ: إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْبَغَ فِي الضَّحِكِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْكِتَابِ يُعْمَلُ بِالْأَحْوَطِ مَتَى أَشْكَلَ، انْتَهَى. ص (وَتَعَمُّدُ بَلْعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) ش: ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُهُ يَعْنِي كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الْحَبَّةَ مِنْ الْأَرْضِ وَابْتَلَعَهَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ، وَالصَّوَابُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِيَسَارِ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ، انْتَهَى. وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ مَنْ ابْتَلَعَ نُخَامَةً فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى طَرْحِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ إنْ كَانَ صَائِمًا، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ

عَلَى التَّنَحْنُحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ فَرَاجِعْهُ. ص (وَذِكْرٌ قُصِدَ التَّفْهِيمِ بِهِ بِمَحِلِّهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ ابْنُ رُشْدٍ فِي إبْطَالِهَا بِرَفْعِ صَوْتِ ذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ لِإِنْبَاءِ غَيْرِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ بِخِلَافِ رَفْعِ صَوْتِ التَّكْبِيرِ فِي الْجَوَامِعِ؛ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِهَا. (قُلْت) لِابْنِ حَارِثٍ عَنْ حَمَاسِ بْنِ مَرْوَانَ رَفْعُهُمْ مُبْطِلٌ وَرَدَّهُ لُقْمَانُ بِعَدَمِ إنْكَارِهِ عُلَمَاءَ الْأَمْصَارِ بِمَكَّةَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي صَلَاةِ الْمُسْمِعِ وَرَفْعُ صَوْتِ الْمُبَلِّغِ بِمَكَّةَ مَوْجُودٌ إلَى الْآنِ يَرْفَعُهُ رَفْعًا بَلِيغًا وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ مُوسَى. ص (وَبَطَلَتْ بِقَهْقَهَةٍ) ش: قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَمَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَهَا ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ ضَحِكُهُ سَهْوًا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ قِيَاسًا عَلَى الْكَلَامِ، وَكُلُّ مَنْ لَقِيته لَا يَرْتَضِي هَذَا الْقَوْلَ لِلُزُومِ الضَّحِكِ عَمْدًا الْوَقَارَ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ ضَحِكُهُ سُرُورًا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا إذَا قَرَأَ آيَةً فِيهَا صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَبِهِ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيتُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ وَالتُّونُسِيِّينَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْحُلَلِ لَا أَثَرَ لَهُ كَالْبُكَاءِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ التَّادَلِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اللَّعِبَ وَالْهَزْلَ بَلْ هُوَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ كَالْبُكَاءِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا ذَكَرَ شَارِحُ الرِّسَالَةِ عَنْ صَاحِبِ الْحُلَلِ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الضَّحِكَ مُنَافٍ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِشَارَةِ وَالتَّصْفِيقِ وَإِنْ قَهْقَهَ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ قَطَعَ ابْنُ نَاجِي زَادَ فِي

الْأُمِّ وَيُعِيدُ الْإِقَامَةَ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يَصِحُّ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ كَالْكَلَامِ وَاتُّفِقَ عَلَى إبْطَالِهَا فِي الْعَمْدِ. ص (وَتَمَادِي الْمَأْمُومِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَضْحَكَ عَامِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِمْسَاكِ أَوْ مَغْلُوبًا أَوْ نَاسِيًا، فَالْأَوَّلُ يَقْطَعُ وَلَا يَتَمَادَى فَذًّا كَانَ أَوْ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، وَالثَّانِي إنْ كَانَ فَذًّا قَطَعَ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا تَمَادَى وَأَعَادَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمَامِ فَقِيلَ: يَسْتَخْلِفُ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ مَأْمُومًا ثُمَّ يُعِيدُ، وَقِيلَ: وَيُعِيدُونَ هُمْ أَيْضًا وَقِيلَ يَسْتَخْلِفُ وَيَقْطَعُ هُوَ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ وَأَمَّا النَّاسِي فَجَعَلَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كَالْمَغْلُوبِ ص (وَسُجُودِهِ لِفَضِيلَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ) ش: وَكَذَلِكَ لَوْ سَجَدَ لِسُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ وَلَكِنَّهَا

مُنْفَصِلَةٌ كَالْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَهُ الْهَوَّارِيُّ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ الْقُنُوتَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ خِلَافًا فِيمَنْ سَجَدَ لِلْقُنُوتِ وَصَدَّرَ بِأَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، انْتَهَى. فَانْظُرْهُ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَوْ سَجَدَ لِتَرْكِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ تَحْمِيدَةٍ لَمْ نَعْلَمْ مَنْ يَقُولُ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ انْتَهَى. فَانْظُرْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَأَمَّا زِينَةُ الصَّلَاةِ وَفَضِيلَتُهَا فَرَفْعُ الْيَدَيْنِ وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُهُ آمِينَ وَالْقُنُوتُ وَالدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا سُجُودَ عَلَى أَحَدٍ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ سَجَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، انْتَهَى. ص (وَبِتَعَمُّدٍ كَسَجْدَةٍ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي قَوَاعِدِ السَّهْوِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: الزِّيَادَةُ الَّتِي يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهَا مُوجِبَةٌ لِلسُّجُودِ، وَقَوْلُنَا: يُبْطِلُ عَمْدُهَا كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ مَثَلًا احْتِرَازًا مِنْ التَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ» الْحَدِيثَ، انْتَهَى. ص (أَوْ نَفْخٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَاخِر كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالنَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ: إنَّ النَّفْخَ وَالتَّنَحْنُحَ وَالْجُشَاءَ كَالْكَلَامِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِهِ صَحَّ مِنْ حَاشِيَةِ يَشْكُرَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَمَنْ نَفَخَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ عِنْدَ الْجُشَاءِ فَهُوَ كَالْكَلَامِ. قَالَهُ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ وَلَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ إنْ نَابَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا قَطَعَ وَابْتَدَأَ إنْ كَانَ إمَامًا وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا تَمَادَى وَأَعَادَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ قَالَ وَاحْتَجَّ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النَّفْخَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ فَقَالَ أُفْ أُفْ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ النَّفْخَ الَّذِي لَا حَرْفَ لَهُ أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالتَّنَفُّسِ وَالتَّأْفِيفِ عِنْدَ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخِ مِنْ الْأَنْفِ فِي الِامْتِخَاطِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَمَا لَهُ حَرْفٌ مِثْلُ أُفٍّ فَالْهَمْزَةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ وَالْحَرْفُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ كَلَامًا، وَمَنْ قَالَ: تَبْطُلُ، تَعَلَّقَ بِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أُفٍّ كَلَامٌ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ النَّفْخُ كَلَامًا حَقِيقَةً فَهُوَ مِنْ بَابِهِ وَأَشْبَاهِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ لِلْمُصِيبَةِ وَلِلْوَجَعِ إذَا كَانَ بِصَوْتٍ أَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ الضَّحِكُ وَلَيْسَا بِكَلَامٍ حَقِيقَةً وَلَكِنَّهُمَا شَبِيهَانِ بِالْكَلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَوْتٌ خَرَجَ مِنْ مَخَارِجِ الْكَلَامِ وَكَذَلِكَ الْأَنِينُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ النَّفْخُ الْمَسْمُوعُ، انْتَهَى. ص (أَوْ كَلَامٌ وَإِنْ بِكُرْهٍ) ش: ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ شَاسٍ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِي، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنُ هَارُونَ ثُمَّ قَالَ قُلْت النَّاسِي أَعْذَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا شُعُورَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ ذَاكِرٌ كَمَا قِيلَ فِيمَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ: إنْ كَانَ نَاسِيًا أَعَادَ لِلِاصْفِرَارِ، وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا أَعَادَ لِلْغُرُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَوَجَبَ لِإِنْقَاذِ أَعْمَى) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَالْكَلَامُ لِأَمْرٍ وَاجِبٍ كَإِنْقَاذِ أَعْمَى مُبْطِلٌ وَيَبْتَدِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ اللَّخْمِيُّ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا اُغْتُفِرَ كَالْمُقَاتَلَةِ فِيهَا، انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ " إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي خِنَاقٍ مِنْ الْوَقْتِ فَلَا تَبْطُلُ وَيَكُونَ كَالْمَسَايِفِ فِي الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَكَلَّمَ لِإِحْيَاءِ نَفْسٍ، انْتَهَى.

فرع خاف تلف مال له أو لغيره وكان كثيرا وهو يصلي

[فَرْعٌ خَافَ تَلَفَ مَالٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَكَانَ كَثِيرًا وَهُوَ يُصَلِّي] فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ خَافَ تَلَفَ مَالٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَكَانَ كَثِيرًا تَكَلَّمَ وَاسْتَأْنَفَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَإِنْ فَعَلَ أَبْطَلَ عَلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ أَتَاهُ أَبُوهُ لِيُكَلِّمَهُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ التَّسْبِيحِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي عَنْ الْوَاضِحَةِ: وَمَنْ أَتَاهُ أَبُوهُ لِيُكَلِّمَهُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ فَلْيُخَفِّفْ وَيُسَلِّمْ وَيُكَلِّمْهُ وَرُوِيَ نَحْوُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ إنْ نَادَتْهُ أُمُّهُ فَلْيَبْتَدِرْهَا بِالتَّسْبِيحِ وَيُخَفِّفْ وَيُسَلِّمْ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَطْعُ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ إجَابَةُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَاجِبَةً فَإِتْمَامُ النَّافِلَةِ أَيْضًا وَاجِبٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْمُبَادَرَةِ بِالتَّسْبِيحِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ وَتَخْفِيفِ مَا هُوَ فِيهِ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فَيَتَعَارَضُ حِينَئِذٍ وَاجِبَانِ يُقَدَّمُ أَوْكَدُهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ إجَابَةَ الْوَالِدَيْنِ أَوْكَدُ لِوُجُوبِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِ إتْمَامِ النَّافِلَةِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَابِدًا وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا إذْ بِأَدْنَى فِكْرَةٍ يُدْرِكُ أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ نَدْبًا وَإِجَابَةَ أُمِّهِ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا تَعَارُضَ يُوجِبُ إشْكَالًا فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَخْفِيفُ صَلَاتِهِ أَوْ قَطْعُهَا وَإِجَابَةُ أُمِّهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَكَرَّرَ مَجِيئُهَا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ قَطْعُهَا، لَيْسَتْ أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّنْوِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ دَلِيلُ قَوْلِهِ أُمِّي وَصَلَاتِي ظَاهِرُهُ تَعَارُضُ فَرْضَيْنِ وَقَدْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَخْفِيفِ ذَلِكَ وَإِجَابَتِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كَلَامُهَا لَكِنَّهُ لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ تَدْعُوَهُ إلَى النُّزُولِ عَنْ صَوْمَعَتِهِ وَكَوْنُهُ مَعَهَا، أَوْ خَشِيَ أَنَّ مُفَاتَحَتَهَا بِالْكَلَامِ يَقْطَعُ عَزْمَهُ وَيُضْعِفُ عَقْدَهُ، وَلَعَلَّ شَرْعَهُ كَانَ يُوَافِقُ ذَلِكَ أَوْ يُخَالِفُهُ، وَلَا شَكَّ عِنْدَنَا أَنَّ بِرَّ أُمِّهِ فَرْضٌ وَالْعُزْلَةُ وَالصَّلَاةُ النَّافِلَةُ طُولَ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَالْفَرْضُ مُقَدَّمٌ، وَلَعَلَّهُ غَلِطَ فِي إيثَارِ صَلَاتِهِ وَعُزْلَتِهِ فَلِذَلِكَ أَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهَا، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْفَرْقَ الثَّالِثَ وَالْعِشْرِينَ. (فَرْعٌ) وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَمَنْ نَادَتْهُ أُمُّهُ وَزَوْجَتُهُ فَالزَّوْجَةُ مُقَدَّمَةٌ لِحَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ ص (إلَّا لِإِصْلَاحِهَا فَبِكَثِيرِهِ) ش: غَيْرُ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكَلَامَ لِإِصْلَاحِهَا لَا يُبْطِلُ وَالْمُؤَلِّفُ قَيَّدَهُ بِغَيْرِ الْكَثِيرِ، وَقَالَ شَارِحُهُ: إنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى كَلَامِ الْجَوَاهِرِ، وَكَلَامُ الْجَوَاهِرِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ مُبْطِلٌ بَلْ قَالَ مَا نَصُّهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفُرُوعِ أَنَّهُ يَبْنِي إنْ كَانَ قَرِيبًا فَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ وَكَثُرَ الْفِعْلُ وَوَقَعَ اللَّغَطُ بَيْنَهُمْ وَالْمِرَاءُ وَتَرَدَّدَتْ الْمُرَاجَعَةُ بَيْنَهُمْ بَعْضَهُمْ مَعَ بَعْضٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَاسْتَأْنَفَهَا وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ بَلْ يَبْنِي وَإِنْ طَالَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ بَلْ مُرَادُهُ بِهَذَا الْفَرْعِ مَا يَقُولُهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ وَبَنَى إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ فَهَذَا هُوَ مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْ وَأَنْصِفْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قُلْنَا إنَّ الْكَلَامَ لِإِصْلَاحِهَا لَا يُبْطِلُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعَذُّرُ التَّسْبِيحِ وَالثَّانِي عَدَمُ إطَالَةِ الْكَلَامِ وَكَثْرَتِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ طَالَ التَّرَاجُعُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى الْمِرَاءِ بَطَلَتْ، انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ سَهْوًا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَثُرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِسَلَامٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ: مَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَقَالَ السَّلَامُ وَلَمْ يَزِدْ ثُمَّ ذُكِّرَ فَرَاجَعَ الصَّلَاةَ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ يُفْتِي بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ وَسَمِعْنَا فِي الْمُذَاكَرَاتِ أَنَّهُ لَا سُجُودَ وَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ الْبَاجِيِّ إنْ وَقَعَ سَهْوًا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ وَيَتَحَصَّلُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يُحْرِمُ مُطْلَقًا وَعَكْسُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقُرْبِ جِدًّا فَمَا فَوْقَهُ، انْتَهَى. وَمِنْهُ نَقَلَ هَذَا الْكَلَامَ فِي مَسَائِلَ وَقَعَتْ فِي بَعْضِ فَتَاوَى الْإِفْرِيقِيِّينَ مَسْأَلَةِ مَنْ شَرَعَ فِي السَّلَامِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَكَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَ الْعِيدِ بَعْدَ السَّلَامِ فَتَرَكَ بَقِيَّةَ السَّلَامِ حَتَّى كَبَّرَ

مَعَ الْإِمَامِ الثَّلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَعَادَ أَبَدًا. (قُلْت) يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ السَّلَامِ جَاهِلًا قَبْلَ تَمَامِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَتْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَلَوْ كَبَّرَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْفِظَ بِشَيْءٍ مِنْ سَلَامِهِ لَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَلَكِنْ يُكْرَهُ مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ السَّلَامِ عَقِيبَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا اشْتَغَلَ بِالتَّشَهُّدِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، انْتَهَى. ص (كَمُسْلِمٍ شَكَّ فِي الْإِتْمَامِ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ش: وَمِنْ مَسَائِلَ وَقَعَتْ فِي فَتَاوَى بَعْضِ الْإِفْرِيقِيِّينَ مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةُ مَنْ سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ كَمَالَهَا بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ. (قُلْت) النَّصُّ فِيهَا الصِّحَّةُ كَمَنْ اعْتَقَدَ امْرَأَةً أَنَّهَا فِي عِدَّتِهَا فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ خُرُوجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ صَحَّ النِّكَاحُ وَغُرَّ وَسَلَّمَ، وَاخْتَارَ التُّونُسِيُّ فِي الْأُولَى الْبُطْلَانَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بُطْلَانَهَا بِسَلَامِهِ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ قَدَّاحٍ مَنْ شَكَّ أَنَّ فِي جِسْمِهِ نَجَاسَةً فَتَمَادَى حَتَّى سَلَّمَ فَظَهَرَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَبِسُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدِيًّا أَوْ قَبْلِيًّا إنْ لَمْ يَلْحَقْ رَكْعَةً) ش: هَذَا بَيِّنٌ وَلَا يُسْجَدُ لِذَلِكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ الطِّرَازِ فَإِنَّ فِيهِ فُرُوعًا ص (وَإِلَّا سَجَدَ وَلَوْ تَرَكَ إمَامَهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ) ش: أَيْ وَإِنْ لَحِقَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ إلَى آخِرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يَرَى السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يَرَى السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ قَضَى مَا عَلَيْهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ لَا يَرَى السُّجُودَ فِيمَا سَجَدَ لَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ سَجَدَ الشَّافِعِيُّ لِلْقُنُوتِ فَإِنَّ الْمَالِكِيَّ يَتْبَعُهُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِيمَا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ يُسَلِّمُ. الثَّانِي، لِابْنِ الْمَاجِشُونِ: أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يَتَّبِعُهُ. قَالَ: وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلَ ابْنُ هَارُونَ بِمَا إذَا قَامَ الْإِمَامُ الْخَامِسَةَ سَهْوًا فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ فَيُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ، وَاعْتَرَضَ غَيْرُهُ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوٍ لَا يَرَى الْمَأْمُومُ فِيهِ سُجُودًا فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَذْهَبِهِ (وَأُجِيبَ) بِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ إظْهَارًا لِلْمُخَالَفَةِ الْمَمْنُوعَةِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا فِي التَّكْبِيرِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ هَارُونَ رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا لَحِقَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ أَشْهَبُ: إنَّمَا يَسْجُدُ إذَا قَضَى مَا فَاتَهُ، وَرَوَاهُ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ سَهَا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ إمَامِهِ فَهَلْ يَغْتَنِي بِالسُّجُودِ الْأَوَّلِ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ لَا يَغْتَنِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِنَاءً عَلَى اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَأْمُومِيَّةِ أَمْ لَا قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ثَمَرَةِ هَذَا الْخِلَافِ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَسُقُوطُهَا خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَأْمُومِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَسْهُ ثُمَّ سَهَا الْمَأْمُومُ لَسَجَدَ اتِّفَاقًا وَعَلَى هَذَا فَفِي الْبِنَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ نَظَرٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَمْ يَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الِاكْتِفَاءَ بِالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ جَابِرٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ سَهْوٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ الِاكْتِفَاءَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ فِيهَا السُّجُودُ انْتَهَى. وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ هَذَا الْفَرْعُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَلَا سَهْوَ عَلَى مُؤْتَمٍّ حَالَةَ الْقُدْوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفُهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَسْبُوقِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ. قَالَ فِي الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْهَا وَيَنْحَازُ الَّذِي يَقْضِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى مَا قَرُبَ مِنْ السَّوَارِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ خَلْفِهِ وَيُقَهْقِرُ قَلِيلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ صَلَّى مَكَانَهُ قَالَ ابْنُ نَاجِي عَنْ الْمَغْرِبِيِّ يَقُومُ مِنْهَا أَنَّ الْمُدْرِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ

الْفَذِّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْإِمَامِ بِنَفْسِ سَلَامِهِ وَأَمَّا سَلَامُهُ فَكَسَلَامِ الْفَذِّ وَفِيهِ خِلَافٌ (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، انْتَهَى. وَحُكْمُهُ فِي الْقُنُوتِ تَقَدَّمَ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ الصُّبْحِ هَلْ يَقْنُتُ فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ اُنْظُرْ مَا مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدٍ فَإِنْ قُلْنَا مِنْ الْقِرَاءَةِ يَحْتَاجُ أَنْ لَا يَقْنُتَ إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ يَقْنُتُ، انْتَهَى. فَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَيْضًا اُنْظُرْ سَلَامَهُ كَسَلَامِ الْفَذِّ أَوْ كَلَامِ الْمَأْمُومِ الشَّيْخُ كَلَامُ الْمَأْمُومِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَذِّ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيُؤَمَّنُ عَلَى دُعَائِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ الْأَخِيرَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَانْظُرْ قَوْلَ التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ أَشْهَبُ إلَى آخِرِهِ مَعَ مَا حَكَاهُ هُوَ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ إمَامِهِ (الثَّانِي) قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَ إمَامَهُ أَمَّا إذَا كَانَ السُّجُودُ بَعْدِيًّا فَلَا شَكَّ فِي تَأْخِيرِهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلِيًّا فَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَعِنْدِي فِي دَلَالَةِ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا تَرَكَ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَ قِيَامِهِ نَظَرٌ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الْبَعْدِيَّ أَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ قِيَامِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ بَحَثْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَمْ أَجِدْهَا، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ لِلْمَازِرِيِّ فِي تَعْلِيلِ سُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْقَبْلِيِّ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ فِي الْبَعْدِيِّ، وَنَصُّهُ فِي تَعْلِيلِ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ إذْ لَوْ لَمْ يُتَابِعْهُ فِيهِ لَكَانَ مُخَالِفًا عَلَيْهِ وَهُوَ يُتَابِعُهُ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِثْلُ مَا إذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْتَدُّ بِالسُّجُودِ، وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْآخَرِ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدْ إلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ خَرَجَ بِالتَّسْلِيمِ عِنْدَنَا مِنْ الصَّلَاةِ وَتَحَلَّلَ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي تَأَخُّرِ الْمَأْمُومِ عَنْ السُّجُودِ مَعَهُ مُخَالَفَةٌ عَلَى الْإِمَامِ لِزَوَالِ الْإِمَامَةِ بِالتَّسْلِيمِ، انْتَهَى. فَهَذَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَهُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَانْظُرْ إذَا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودُ سَهْوٍ قَبْلَ السَّلَامِ فَسَهَا عَنْهُ حَتَّى سَلَّمَ وَقَصَدَ إلَى أَنْ يَسْجُدَهُ بَعْدَهُ فَهَلْ يَسْجُدُهُ الَّذِي حَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ مَعَهُ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ أَوْ لَا يَسْجُدُ اعْتِبَارًا بِمَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا السُّجُودُ مِمَّا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ لَوْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَهُ وَذَكَرْتُهُ فِي دَرْسِ شَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ فَاسْتَحْسَنَهُ وَصَوَّبَهُ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْلِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدِيًّا فَلَا يَسْجُدُ وَأَجَبْتُهُ بِأَنَّ مَا فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْبَعْدِيِّ الْأَصْلِيِّ أَمَّا الطَّارِئُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، انْتَهَى. وَشَيْخُهُ هُوَ الْبُرْزُلِيُّ كَمَا قَرَّرَ فِي اصْطِلَاحِهِ فَهَذَا يُقَوِّي مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ الْمُسْتَخْلَفِ إذَا كَانَ عَلَى إمَامِهِ سُجُودُ سَهْوٍ قَبْلَ السَّلَامِ هَلْ يَسْجُدُ بَعْدَ إكْمَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةُ مَسْبُوقٍ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ الْإِمَامِ الْقَبْلِيِّ حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. (قُلْت) كَانَ يَتَقَدَّمُ لَنَا فِي الْمَجَالِسِ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِمَامِ فِي الْأَفْعَالِ وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ صَلَاتِهِ يَسْجُدُ مَعَهُ وَإِلَّا أَعَادَ أَبَدًا، انْتَهَى. مِنْ الْبُرْزُلِيِّ أَيْضًا مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مَسْأَلَةُ إمَامٍ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ بَعْدَ السَّلَامِ فَسَجَدَهُ فِي مَحِلِّهِ وَسَجَدَهُ الْمَأْمُومُونَ قَبْلَ سَلَامِهِمْ ثُمَّ سَلَّمُوا فَعَنْ اللَّخْمِيِّ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ. (قُلْت) بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدَّمَ الْبَعْدِيَّ، وَأَمَّا لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْقَبْلِيَّ وَسَجَدَهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّ الْمَأْمُومِينَ يَسْجُدُونَهُ قَبْلَ السَّلَامِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ فَكَأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَهُ فِي السَّلَامِ وَفِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ الْقَبْلِيِّ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ، انْتَهَى. ص

فرع هل يقوم المسبوق للقضاء إثر سلام الإمام

وَأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ) ش: مَفْهُومُهُ أَنَّ الْقَبْلِيَّ يَسْجُدُهُ مَعَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ الْبَعْدِيَّ لَا يَخْلُو إمَّا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِلزِّيَادَةِ بَعْدَ قَضَائِهِ ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ سَجَدَ لَهَا مَعَهُ سَهْوًا أَعَادَهُ أَوْ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَبُطْلَانُ صَلَاتِهِ سَمَاعُ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ انْتَهَى. وَسَمَاعُ عِيسَى الْمَذْكُورُ هُوَ فِي رَسْمٍ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَكِنْ إنَّمَا ذُكِرَ فِي السَّمَاعِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَإِعَادَةُ السُّجُودِ فِي الْجَاهِلِ وَنَصُّهُ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الَّذِي يَفُوتُهُ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ يَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَيَجْهَلُ فَيَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي مَا فَاتَهُ لِيَسْجُدَهُمَا بَعْدَ فَرَاغِهِ. قَالَ: نَعَمْ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَا عَلَيْهِ وَيَسْجُدُهُمَا مَتَى مَا عَلِمَ قَالَ عِيسَى أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا جَاهِلًا كَانَ أَوْ عَامِدًا ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ يُعِيدُ أَبَدًا كَانَ جَاهِلًا أَوْ مُتَعَمِّدًا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا فَأَفْسَدَ بِذَلِكَ وَعَذَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْجَهْلِ فَحَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ النِّسْيَانِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. فَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ السَّهْوِ إعَادَةُ السُّجُودِ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاة وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَقُولُ بِالصَّلَاةِ فِي الْجَهْلِ خِلَافَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي الْعَمْدِ إلَّا بُطْلَانَ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَهْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ السَّهْوِ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْخِلَافَ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَكَأَنَّهُ تَبِعَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ الشَّبِيبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةٌ فِي مَسْبُوقٍ قَامَ يَقْضِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ سُجُودًا عَلَيْهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَرَجَعَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا لِلْجُلُوسِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعَنْ عِيسَى إنْ رَجَعَ جَاهِلًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ (قُلْت) وَخُرِّجَ عَلَيْهَا إذَا تَبِعَهُ فِي السُّجُودِ الْبَعْدِيِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَ مَنْ أَدْرَكْنَا صِحَّةَ صَلَاتِهِ لِلْخِلَافِ فِيهَا، انْتَهَى. [فَرْعٌ هَلْ يَقُومُ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ إثْرَ سَلَامِ الْإِمَامِ] (فَرْعٌ) وَهَلْ يَقُومُ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ إثْرَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ يَقُومُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ يُخَيَّرُ، فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأُولَى قَالَ فِي الصَّلَاةِ الثَّانِي وَمَنْ عَقَدَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودُ سَهْوٍ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدَ مَعَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ لَا يُعِيدُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ لَا يَسْجُدُ حَتَّى يَقْضِيَ، وَقَالَ سُفْيَانُ: يَسْجُدُ مَعَهُ ثُمَّ يَقْضِي. قَالَ مَالِكٌ: وَلْيَنْهَضْ الْمَأْمُومُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ السُّجُودِ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ قِيَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا أَتَمَّ قَضَاءَهُ سَجَدَ مَا سَجَدَ إمَامُهُ سَهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ مَعَهُ أَمْ لَا ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنْ جَلَسَ الْمَأْمُومُ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فَلَا يَتَشَهَّدُ وَلْيَدْعُ انْتَهَى. عِيَاضٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَشَهَّدَ فِي جُلُوسِهِ أَوَّلًا وَجُلُوسُهُ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِانْتِظَارِ الْإِمَامِ فَهُوَ يَدْعُو فِيهِ وَيَصِلُ دُعَاءَهُ بِتَشَهُّدِهِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا لَوْ أَطَالَ جُلُوسَهُ فِي صَلَاتِهِ اخْتِيَارًا وَلَا وَجْهَ

مسألة سلم يعني المأموم وانصرف لظن

لِإِعَادَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ جُلُوسٍ هَذَا أَوْلَى مَا يُقَالُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ سَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِ تَشَهُّدِهِ أَوْ غَفْلَتِهِ عَنْهُ لَتَشَهَّدَ الْآنَ بِكُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. ابْنُ نَاجِي وَلَا شَكَّ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ يَقُومُ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَلَا يَسْكُتُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ قِيَامَهُ إثْرَ سُجُودِ الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ وَعَنْهُ أَيْضًا قَوْلٌ بِالتَّخْيِيرِ ابْنُ نَاجِي وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْجَلَّابِ غَيْرَهُ فَتَحَصَّلَ لِمَالِكٍ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِكُلٍّ مِنْهَا. ص (وَلَا سَهْوَ عَلَى مُؤْتَمٍّ حَالَ الْقُدْوَةِ) ش: وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ سَهْوَ الْمُؤْتَمِّ لَمْ يَضُرَّهُ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ سَلَّمَ يَعْنِي الْمَأْمُومَ وَانْصَرَفَ لِظَنِّ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ سَلَّمَ يَعْنِي الْمَأْمُومَ وَانْصَرَفَ لِظَنِّ سَلَامِ إمَامِهِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَهُ حَمَلَهُ عَنْهُ إمَامُهُ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَهُ سَلَّمَ وَأَحْبَبْت سُجُودَهُ بَعْدُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَسْجُدُ قَبْلُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَفِي رَسْمِ الْعُشُورِ وَرَسْمٍ يُوصِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مَا يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الْعُشُورِ قِيلَ لِأَصْبَغَ مَا تَقُولُ فِي إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ سَهْوًا يَكُونُ سُجُودُهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَمَّا كَانَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ سَمِعَ أَحَدُهُمْ شَيْئًا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَمِعَ سَلَامَ الْإِمَامِ فَسَلَّمَ أَيْضًا وَسَجَدَ الْإِمَامُ فَسَجَدَ مَعَهُ. قَالَ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَ قَبْلَ سَلَامِهِ وَسَجَدَ ابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: " يُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَ قَبْلَ سَلَامِهِ وَسَجَدَ " صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّلَامَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ يُخْرِجُ الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ فَلَمَّا كَانَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ صَلَاتِهِ أَبْطَلَ سُجُودُهُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافَهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَلَمْ يُطِلْ: إنَّهُ يَبْتَدِئُ وَلَا يَبْنِي وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّلَامَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُ الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَحْمِلَ الْإِمَامُ عَنْهُ السُّجُودَ الَّذِي سَجَدَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ فَيَرْجِعَ إلَى صَلَاتِهِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَيُسَلِّمَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ فِي دَاخِلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ أَكَلَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ دُونَ أَنْ يُسَلِّمَ وَلَمْ يَطُلْ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْلِ فِي إمَامٍ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ سَهَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ لَأَعَادَهُمَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ سَلَّمَ فَسَلَّمَ قَبْلَ سَلَامِهِ فَعَلِمَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّلَامَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَكْبِيرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَيُسَلِّمُ بَعْدَ سَلَامِهِ وَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّلَامَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ صَلَاتِهِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى صَلَاتِهِ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ عَنْهَا فَهَذَا وَجْهُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَحْصِيلُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَعَلَّ أَصْبَغَ يُرِيدُ أَنَّهُ سَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى شَكٍّ، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمٍ يُوصِي. سُئِلَ عَمَّنْ صَلَّى بِقَوْمٍ الْمَغْرِبَ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَسُبِّحَ بِهِ فَقَامَ فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوهُ، فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَأَمَّا مَنْ خَلْفَهُ فَيُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إنْ كَانُوا لَمْ يُسَلِّمُوا ابْنُ رُشْدٍ. ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ يُوجِبُ أَنَّ سَلَامَهُ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ أَخْرَجَهُ عَنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُهُ هَذَا إنْ سَلَّمَ عَامِدًا أَوْ تَعَمَّدَ الْقَطْعَ بَعْدَ سَلَامِهِ سَاهِيًا فَذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إلَى أَنَّ سَلَامَهُ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صَلَاتِهِ مِثْلُ مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ أَسْلَمَ بَعْدَ هَذَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَبَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلَ فَقَالَ فِيمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَقَامَ هُوَ فَقَضَى صَلَاتَهُ رَجَعَ الْإِمَامُ فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أَسْقَطْت سَجْدَةً إنَّهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ رَكَعَ الرَّكْعَةَ

الْأُولَى مِنْ قَضَائِهِ فِي حَدٍّ لَوْ رَجَعَ الْإِمَامُ لَهُ لَصَحَّ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ أَلْغَى تِلْكَ الرَّكْعَةَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي حُكْمِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْكَعْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ قَضَائِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ فَاتَ الْإِمَامَ الرُّجُوعُ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ صَحَّتْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ الْحَمْدَ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَهَا فَالسَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ سَهْوًا غَيْرَ قَاصِدٍ إلَى التَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَاةِ وَكَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ السَّلَامِ فَهُوَ سَهْوٌ دَخَلَ عَلَيْهِ يَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ السَّلَامِ أَجْزَأَهُ مِنْ السَّلَامِ وَتَحَلَّلَ بِهِ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ التَّحَلُّلَ مِنْ الصَّلَاةِ مِثْلُ مَنْ نَسِيَ السَّلَامَ الْأَوَّلَ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَيُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شِهَابٍ مِنْ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ سَلَّمَ قَاصِدًا إلَى تَسْلِيمِ التَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَتِمَّ فَذَلِكَ يَقْطَعُهَا وَيُخْرِجُهُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الصَّلَاةَ تَمَّتْ فَكَانَ ذَلِكَ كَمَنْ ظَنَّ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا ظَنَّ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ سَهَا فِيمَا ظَنَّ وَأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الصَّلَاةَ فَهَذَا هُوَ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي خُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ فَهَذَا تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إذَا سَلَّمَ غَيْرَ قَاصِدٍ إلَى التَّحَلُّلِ إنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ أَجْزَأَهُ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ بِهِ خِلَافٌ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّحَلُّلَ مِنْ الصَّلَاةِ صَوَابُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ عَدَمَ التَّحَلُّلِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَبِهِ يَصِحُّ الْكَلَامُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَامِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِتَكْبِيرَةٍ يَنْوِي بِهَا الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِتَسْلِيمَةٍ يَنْوِي بِهَا الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنْ سَلَّمَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نِيَّتِهِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ النِّيَّةَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَإِنْ نَسِيَ السَّلَامَ الْأَوَّلَ وَسَلَّمَ السَّلَامَ الثَّانِيَ لَمْ يُجِزْهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَجْزَأَهُ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شِهَابٍ وَإِنْ سَلَّمَ سَاهِيًا قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ صَلَاتِهِ بِإِجْمَاعٍ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَيَسْجُدَ لِسَهْوِهِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ إمَامًا، انْتَهَى. وَانْظُرْ بَقِيَّتَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ص (وَبِتَرْكِ قَبْلِيٍّ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ) ش: كَمَا لَوْ تَرَكَ السُّورَةَ وَلَمْ يَقُمْ لَهَا فَإِنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ وَالْقِيَامَ لَهَا وَصِفَةَ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فَلَوْ قَامَ لَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ وَانْظُرْ ابْنَ عَزْمٍ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ الْهَوَّارِيُّ فِي فَصْلِ الْمَسْبُوقِ: وَلَوْ سَهَا مُدْرِكُ رَكْعَةٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ مِنْ الْمَغْرِبِ عَنْ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ مِنْ قَضَائِهِ لَكَانَ كَمَنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ مِنْ اثْنَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ إنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ حَتَّى طَالَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فِيمَا يَقَعُ بِقَلْبِي لِدُخُولِ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، انْتَهَى. وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي صَلَاةٍ) ش: الضَّمِيرُ فِي ذَكَرَهُ عَائِدٌ عَلَى السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ الَّذِي تَرَتَّبَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَقَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ أَيْ غَيْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَرَتَّبَ فِيهَا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَبْطُلَ الصَّلَاةُ الَّتِي تَرَتَّبَ فِيهَا أَوْ لَا تَبْطُلَ فَأَشَارَ إلَى حُكْمِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ص (وَبَطَلَتْ) ش: أَيْ الصَّلَاةُ الَّتِي تَرَتَّبَ فِيهَا بِأَنْ يَكُونَ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بَعْدَ طُولٍ ص (فَكَذَا كُرْهًا) ش: أَيْ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي فَصْلِ الْمَنْسِيَّاتِ ص (وَإِلَّا) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ الَّتِي تَرَتَّبَ مِنْهَا السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ الْمُتَرَتِّبُ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ بِأَنْ يَتَذَكَّرَهُ قَبْلَ الطُّولِ

بَعْدَ الدُّخُولِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ص (فَكَبَعْضٍ) ش: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ السُّجُودُ تَرَتَّبَ لِسُنَّةٍ أَوْ لِسُنَّتَيْنِ مِمَّا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ السُّجُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَكَبَعْضٍ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ الَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا تَبْطُلُ بِهِ لَا يَقْطَعُ لَهُ الصَّلَاةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ذَكَرَ سُجُودَ سَهْوٍ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ لَمْ تَفْسُدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَإِذَا أَتَمَّهَا سَجَدَهُمَا قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ نَاجِي: قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ قَبْلَ السَّلَامِ مِمَّا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِمَا انْتَهَى. ص (فَمِنْ فَرْضٍ إنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَوْ رَكَعَ بَطَلَتْ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَحُكِمَ بِبُطْلَانِ الْأُولَى فَهُوَ كَذَاكِرٍ صَلَاةً وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِهَا لِسَهْوٍ وَانْتِفَاءِ طُولٍ فَهُوَ كَتَارِكِ بَعْضٍ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فَرْضٌ فِي فَرْضٍ إنْ طَالَ بَطَلَتْ ثُمَّ قَالَ وَإِلَّا أَصْلَحَ الْأُولَى، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ رَجَعَ وَأَصْلَحَ الْأُولَى وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: فَإِنْ طَالَ بَعْدَ أَنْ فَرَضَهَا فِيمَا لَمْ يُطِلْ؟ قِيلَ: الطُّولُ الْمُنْتَفِي أَوَّلًا الطُّولُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالطُّولُ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ مَا إذَا تَلَبَّسَ بِصَلَاةٍ أُخْرَى انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. ص (وَأَتَمَّ النَّفَلَ) ش: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَيُقْطَعُ اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ وَابْنَ غَازِيٍّ. ص (وَقَطَعَ غَيْرُهُ) ش: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَ إمَامٍ فَيَتَمَادَى وَيُعِيدُهُمَا كَحُكْمِ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ أَوْ لَا؟ وَلَا سُجُودَ خِلَافٌ) ش:

الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْإِمَامِ وَالْفَذِّ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: وَلَا يَحْمِلُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَيَحْمِلُ عَنْهُ التَّكْبِيرَ كُلَّهُ غَيْرَهَا، وَيَحْمِلُ عَنْهُ كُلَّ السَّهْوِ إلَّا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامَ وَسَجْدَةً أَوْ رَكْعَةً، وَيَحْمِلُ عَنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ نَسِيَهُ أَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا وَقَدْ أَسَاءَ فِي تَعَمُّدِهِ، يُرِيدُ مُحَمَّدٌ وَلَا تَدْخُلُ الْجِلْسَةُ الْأَخِيرَةُ فِي هَذَا، انْتَهَى. يُرِيدُ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فَعُلِمَ أَنَّ بَقِيَّةَ الْفَرَائِضِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي عُمُومِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي تَرْكِ السُّنَنِ وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْعَمْدِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتْرُكَ سُنَّةً أَوْ سُنَنًا فَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً وَاحِدَةً عَامِدًا كَالسُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ تَرَكَ الْإِقَامَةَ فَقِيلَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقِيلَ يُعِيدُ أَبَدًا، وَسَبَبُ الْخِلَافِ الْمُتَهَاوِنُ بِالسُّنَنِ هَلْ هُوَ كَتَارِكِ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ سُنَنًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي بَابِ السَّهْوِ: وَأَمَّا النَّقْصُ عَلَى طَرِيقِ الْعَمْدِ فَإِنْ كَانَ فَرِيضَةً أَبْطَلَ الصَّلَاةَ كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ أَوْ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً وَاحِدَةً فَقِيلَ: تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَتْ السُّنَنُ الَّتِي تُرِكَتْ عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا عَدَمُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ عَمْدًا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ حُكْمَ مَا إذَا تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَمْدًا، وَانْظُرْ ابْنَ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْمُدَوَّنَةِ الثَّانِي هَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ السُّنَنِ الثَّمَانِ الْمُؤَكَّدَاتِ، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَ سُنَّةً غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّنَنِ وَانْظُرْ ابْنَ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَانْظُرْ كَلَامَ التَّوْضِيحِ فِيمَنْ تَرَكَ الْجُلُوسَ الْوَسَطَ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ. ص (إلَّا لِتَرْكِ رُكُوعٍ فَبِالِانْحِنَاءِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَوْ ذَكَرَ رُكُوعًا وَهُوَ رَاكِعٌ فِي

الثَّانِيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْفَعُ بِنِيَّةِ الْأُولَى وَيَصِحُّ وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ كَانَ لِلثَّانِيَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرْفَعُ لَهَا وَيَرْكَعُ لِلْأُولَى وَيَرْفَعُ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْت) يَأْتِي لِأَشْهَبَ الْبِنَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ، انْتَهَى. ص (وَبَنَى إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ بِإِحْرَامٍ وَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ وَجَلَسَ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ش: قَالَ الْهَوَّارِيُّ فِيمَا إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ: يُكَبِّرُ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يَقُومُ فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى لِلْقِيَامِ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَوِي قَائِمًا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى رَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَلَمْ يُحْدِثْ وَلَمْ يُطِلْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ مَا قَرَّرْنَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ انْصَرَفَ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهَا قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، انْتَهَى. يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَالْقُرْبُ فِي ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ. ص (وَأَعَادَ تَارِكُ السَّلَامِ التَّشَهُّدَ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طُولٍ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ. (قُلْت) أَوْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَوْضِعِهِ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَأَمَّا إنْ كَانَ لَمْ يُفَارِقْ الْمَوْضِعَ وَلَمْ يُطِلْ فَلَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ

الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ السَّلَامَ يَعْنِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَيُكَبِّرُ مُحْرِمًا ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ كَانَ قَدْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَإِلَّا فَلَا إحْرَامَ وَلَا سُجُودَ وَإِنْ طَالَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي إعَادَةِ التَّشَهُّدِ فِي الطُّولِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَدْرِ سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ: سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ يَعْنِي بِقُرْبِ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا أَتَى بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ يُخَيِّلُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الصَّلَاة وَإِلَّا رَجَعَ لِصَلَاتِهِ بِإِحْرَامٍ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. ص (وَسَجَدَ إنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ) ش: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّارِحُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ طَالَ جِدًّا أَوْ مَعَ الْقُرْبِ جِدًّا أَوْ بِالْقُرْبِ وَقَدْ فَارَقَ مَوْضِعَهُ أَوْ بَعْدَ طُولٍ يَبْنِي مَعَهُ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَبْطُلُ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ سَلَّمَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ انْحَرَفَ اسْتَقْبَلَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ هَلْ يُكَبِّرُ وَهَلْ يَكُونُ تَكْبِيرُهُ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَجْلِسَ وَهَلْ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ قَالَ وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ يُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ قَرُبَ جِدًّا فَلَا تَشَهُّدَ وَلَا سُجُودَ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَإِنْ أَحْدَثَ بَطَلَتْ بِلَا إشْكَالٍ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ إنْ قَرُبَ جِدًّا وَلَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَا سُجُودَ وَلَا تَشَهُّدَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْهَوَّارِيُّ أَيْ فِي عَدَمِ إعَادَةِ التَّشَهُّدِ وَإِنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَقَطْ وَلَا تَشَهُّدَ، وَإِنْ فَارَقَ مَوْضِعَهُ وَلَمْ يُطِلْ أَوْ لَمْ يُفَارِقْ الْمَوْضِعَ وَطَالَ طُولًا لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَجْلِسُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ، وَإِنْ طَالَ جِدًّا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ. هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَبِهِ يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ. (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ مِنْ نَفْيِ السُّجُودِ مَعَ الْقُرْبِ جِدًّا أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ وَنَاسِي سَلَامِهِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ ذَكَرَهُ بِمَحَلِّهِ وَلَا طُولَ سَلَّمَ دُونَ تَكْبِيرٍ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ وَظَاهِرُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ وَتَابِعِيهِ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا انْتَهَى. ص (وَرَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلَا سُجُودَ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَهَا عَنْ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ إنْ تَذَكَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْجُلُوسِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي تَزَحْزُحِهِ؛ لِأَنَّ التَّزَحْزُحَ لَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَمَا لَا يُفْسِدُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ فِي سَهْوِهِ، انْتَهَى. وَقِيلَ: يَسْجُدُ، نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَفِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ هُنَا فَائِدَتَانِ: الْأُولَى أَنَّ مَنْ تَزَحْزَحَ لِلْقِيَامِ فِي مَحِلِّ الْجُلُوسِ عَامِدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ (الثَّانِيَةُ) أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُفْسِدُ عَمْدُهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ. (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قَامَ بَعْدَ أَنْ تَذَكَّرَ وَلَمْ يَرْجِعْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا فَالنَّاسِي يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْعَامِدُ يَجْرِي عَلَى تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُتَعَمِّدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَالْمَشْهُورُ إلْحَاقُ الْجَاهِلِ بِالْعَامِدِ، انْتَهَى. وَتَصْوِيرُ النِّسْيَانِ هُنَا بَعِيدٌ، وَانْظُرْ لَوْ رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ بَعْدَ أَنْ قَامَ هَلْ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ أَمْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَلَا) ش: يَعْنِي وَإِنْ فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ جَمِيعًا فَلَا يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يَرْجِعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ النُّهُوضُ إلَى الْقِيَامِ فِي حُكْمِ الْقِيَامِ أَوْ لَا يُفَارِقُ حُكْمَ الْجُلُوسِ إلَّا مَعَ

الِانْتِصَابِ؟ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ فَقَطْ وَلَمْ يُفَارِقْهَا بِرُكْبَتَيْهِ أَوْ فَارَقَهَا بِرُكْبَتَيْهِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ. (الثَّانِي) : فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا اسْتَقَلَّ قَائِمًا مِنْ بَابِ أَحْرَى وَلَا خِلَافَ فِيهِ. (الثَّالِثُ) : قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: أَثَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقُومُ مِنْهَا أَنَّ مَنْ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْوَجْهِ أَنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى وُضُوئِهِ وَيَفْعَلُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِهِ وَبِهِ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي بِجَامِعِ الْقَيْرَوَانِ وَكَذَلِكَ أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ وَحَمَلَ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ بِرُجُوعِهِ عَلَى غَيْرِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ أُصُولَ مَذْهَبِهِ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ مِنْهَا هَذِهِ، وَمِنْهَا مَنْ نَسِيَ السُّورَةَ أَوْ الْجَهْرَ أَوْ الْإِسْرَارَ أَوْ تَكْبِيرَ الْعِيدَيْنِ حَتَّى رَكَعَ وَأَفْتَى فِيهَا شَيْخُنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّغْبِيُّ بِرُجُوعِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَتْوَاهُ الْفَتْوَى مَنْ ذَكَرَ بِخِلَافِهِ فَوَقَفَ بَعْضُ طَلَبَتِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُوَطَّإِ فَعَرَّفَهُ فَتَمَادَى عَلَى فَتْوَاهُ، وَيَقُومُ مِنْهَا إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ الثَّانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاعْتَقَدَ الْإِمَامُ أَنَّهُ الثَّالِثُ فَقَامَ وَشَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى لِكَوْنِهِ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ وَوَقَعَتْ بِتُونُسَ بِجَامِعِ الْقَصَبَةِ لِشَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ فَتَمَادَى وَبَعْضُ شُيُوخِنَا بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ فَرَجَعَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، انْتَهَى. وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ مَنْ نَقَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ ابْنِ نَاجِي مَوْضِعَ قَوْلِهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ بِابْنِ عَرَفَةَ إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَانْظُرْ عَلَى هَذَا مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حِزْبًا مَثَلًا فَقَرَأَ نِصْفَ حِزْبٍ مَثَلًا وَنَسِيَ وَرَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَهَلْ يَرْجِعُ وَيُكْمِلُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ فَرْضٍ لِسُنَّةٍ خُصُوصًا إذَا عَيَّنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا تَبْطُلُ إنْ رَجَعَ وَلَوْ اسْتَقَلَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَرْجِعُ فَرَجَعَ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَسَوَاءٌ رَجَعَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ، انْتَهَى. وَأَمَّا السَّهْوُ فَصَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ قَائِمًا وَأَمَّا إنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ فَذَكَرَ عَدَمَ الْبُطْلَانِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهَا أَحْرَى وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. وَأَمَّا الْعَمْدُ فِيمَا إذَا اسْتَقَلَّ قَائِمًا وَتَذَكَّرَ الْجُلُوسَ وَرَجَعَ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ إنَّ الْمَشْهُورَ الصِّحَّةُ وَاقْتَصَرَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ وَالْجَاهِلُ مُسَاوٍ لِلْعَامِدِ كَذَا جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَقَعَ الْبَحْثُ بَيْنِي وَبَيْنَ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِيمَنْ صَلَاتُهُ جُلُوسٌ فَكَبَّرَ لِلثَّالِثَةِ وَنَسِيَ الْجُلُوسَ وَرَجَعَ بِالنِّيَّةِ عَمْدًا هَلْ هِيَ كَمَسْأَلَةِ مَنْ رَجَعَ لِلْجُلُوسِ بَعْدَ الْقِيَامِ أَمْ لَا؟ فَقُلْت: نَعَمْ، وَصَوَّبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُذَاكِرِينَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ التَّلَبُّسُ بِرُكْنٍ وَمُوجِبُ السُّجُودِ هُوَ زِيَادَةُ اللُّبْثِ إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ هَذَا كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْعِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) : إذَا رَجَعَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَمَا نَهَضَ وَقَدْ كَانَ جَلَسَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَمَا لَا تَبْطُلُ إذَا رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ، انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْفَاكِهَانِيِّ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. (الثَّالِثُ) : إذَا اسْتَقَلَّ لِلْجُلُوسِ الْأَوَّلِ قَائِمًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ فَتَذَكَّرَ قَبُحَ مَا فَعَلَهُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ إتْمَامُ الْجُلُوسِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ رَجَعَ فَلْيُتِمَّ جُلُوسَهُ وَلَا يَقُومُ مَكَانَهُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ انْتَهَى. مِنْ الْفَاكِهَانِيِّ وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يُتِمَّ الْجُلُوسَ وَعَادَ إلَى الْقِيَامِ مَا الْحُكْمُ فِيهِ ثُمَّ إنِّي رَأَيْت فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَا نَصُّهُ إذَا قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَسُبِّحَ بِهِ فَجَلَسَ ثُمَّ سُبِّحَ بِهِ فَقَامَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا جَاهِلًا وَهُوَ كَالْعَامِدِ وَقَدْ جَرَتْ لِابْنِ كَرْمٍ فِي مَسْجِدِ السُّدَّةِ فَأَفْتَيْتُهُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. ص (وَتَبِعَهُ مَأْمُومُهُ)

فرع قام الإمام والمأموم ثم رجع الإمام بعد استوائه

ش: يَعْنِي إذَا سَهَا الْإِمَامُ وَقَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ حَتَّى اعْتَدَلَ قَائِمًا فَلْيَتْبَعْهُ الْمَأْمُومُ فَإِنْ رَجَعَ الْإِمَامُ مِنْ قِيَامِهِ إلَى الْجُلُوسِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الْمَأْمُومُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْقَى الْمَأْمُومُ جَالِسًا مَعَهُ وَلَا يَقُومُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُلُوسَ مُعْتَبَرٌ. [فَرْعٌ قَامَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ثُمَّ رَجَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ] (فَرْعٌ) فَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ثُمَّ رَجَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ تَبِعَهُ الْمَأْمُومُ أَيْضًا. [فَرْعٌ انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَذُكِّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِبَ فَرَجَعَ] (فَرْعٌ) فَلَوْ انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَذُكِّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِبَ فَرَجَعَ فَهَاهُنَا يَرْجِعُ الْمَأْمُومُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْفَاكِهَانِيِّ. ص (وَسَجَدَ بَعْدَهُ) ش: سَوَاءٌ رَجَعَ بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ أَوْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْأَرْضِ وَقَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ. أَمَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّجُودِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ قَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِتَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ أَوْ لَا يَسْجُدُ لِخِفَّتِهَا وَقِلَّتِهَا قَوْلَانِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، انْتَهَى. ص (كَنَفْلٍ لَمْ يَعْقِدْ ثَالِثَتَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ نَافِلَةٍ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ مَا لَمْ يَعْقِدْ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ، وَعَقْدُهَا بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ رُكُوعِهَا فَإِذَا رَجَعَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهَذَا فِي غَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَمَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا مُطْلَقًا. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) هَذَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ قِيَامِهِ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ تَزَحْزَحَ أَوْ بَعْدَ أَنْ فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فَهَلْ عَلَيْهِ سُجُودٌ أَمْ لَا؟ أَمَّا إذَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فَإِنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَنْ فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلَمْ يَسْتَقِلَّ قَائِمًا فَانْظُرْ هَلْ يَسْجُدُ أَمْ لَا؟ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا فَارَقَ فِي الْفَرِيضَةِ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ أَمْ لَا؟ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ السَّهْوِ لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ ثَلَاثًا اُخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَجْرَ مَحْدُودٌ بِاتِّفَاقٍ فَزِيَادَةُ نِصْفِهِ تُبْطِلُهُ، وَإِذَا قُلْنَا لَا تُبْطِلُهُ فَصَلَّى أَرْبَعًا اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِعَادَةَ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ لِقَوْلِ مَالِكٍ مَنْ سَهَا فَشَفَعَ وِتْرَهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَجْزَأَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ فِي فَصْلِ النَّفْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَتَارِكُ رُكُوعٍ يَرْجِعُ قَائِمًا وَنُدِبَ أَنْ يَقْرَأَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَهَا مِنْ الرُّكُوعِ وَانْحَطَّ لِلسُّجُودِ فَتَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ أَوْ وَهُوَ سَاجِدٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ قَائِمًا يَنْحَطُّ لِلرُّكُوعِ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يَرْجِعُ مُحْدَوْدِبًا إلَى الرُّكُوعِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ قَائِمًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لِيَكُونَ رُكُوعُهُ عَقِبَ قِرَاءَةٍ هَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ قَالَ: وَلَوْ أَنَّهُ قَرَأَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا يُنْدَبُ لَهُ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَجْدَةً يَجْلِسُ لَا سَجْدَتَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ سَجْدَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِهَا مِنْ جُلُوسٍ، وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ السَّجْدَتَيْنِ مَعًا فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ لَهُمَا مِنْ قِيَامٍ. أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْجُلُوسِ ثُمَّ يَسْجُدُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَخِرُّ سَاجِدًا وَلَا يَجْلِسُ مُطْلَقًا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَخِرُّ لِلسُّجُودِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ. قَالَ: وَكُلُّ هَذَا إذَا تَذَكَّرَ قَائِمًا وَأَمَّا إنْ تَذَكَّرَ جَالِسًا فَإِنَّ الْخِلَافَ مُرْتَفِعٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ لِلرُّكْنِ هَلْ هِيَ

تنبيه قيام الإمام للقنوت بعد الرفع من الركوع

مَقْصُودَةٌ أَمْ لَا؟ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ جَلَسَ فَإِنْ كَانَ جَلَسَ أَوَّلًا خَرَّ سَاجِدًا مِنْ جُلُوسٍ اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ قَالَ بَعْدَهُ فِيهَا: عَرَضْتُهُ عَلَى بَعْضِ شُيُوخِنَا مِنْ الْقَرَوِيِّينَ فَاعْتَرَضَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ وَإِنْ أَتَى بِالْجُلُوسِ فِي تَشَهُّدِهِ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَطَّ لِلسَّجْدَةِ مِنْ جُلُوسٍ فَإِنْ أَخَّرَ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَدْ أَسْقَطَ الْجُلُوسَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ السَّجْدَةَ مِنْهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ كَذَا عِنْدِي لَهُ وَجْهٌ، انْتَهَى. وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَصَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَنْحَطُّ فِيهَا مِنْ قِيَامٍ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ ذَكَرَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ أَوْ كَانَ تَرَكَ الرُّكُوعَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَانْحَطَّ لِسُجُودِهَا فَذَكَرَ سَجْدَتَيْ الْأُولَى وَهُوَ سَاجِدٌ فَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ وَتَهْذِيبِهِ وَفِي التَّعْقِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْقِيَامِ لِيَأْتِيَ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ مُنْحَطٌّ لَهُمَا مِنْ قِيَامٍ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى حَالِهِ يَعْنِي مِنْ جُلُوسٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَدْ نَقَصَ الِانْحِطَاطَ فَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ إذَا تَرَكَ ذَلِكَ سَهْوًا وَنَقَلَهُ فِي التَّهْذِيبِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَقَلَهُ فِي النُّكَتِ وَالتَّعْقِيبِ عَنْ بَعْض شُيُوخِهِ الْقَرَوِيِّينَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاخْتُلِفَ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ لِيَخِرَّ لِلسُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ لَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَرَكَاتِ هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ أَمْ لَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ ذَكَرَ فِي خَفْضِ رُكُوعِهِ سُجُودًا فَفِي انْحِطَاطِهِ لَهُ مِنْهُ أَوْ بَعْدَ قِيَامِهِ نَقْلًا اللَّخْمِيُّ، وَرَجَّحَ الثَّانِيَ وَالْأَوَّلَ سَمَاعُ الْقَرِينَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّعْقِيب وَفِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ أَيْضًا: إنَّهُ إذَا نَسِيَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ بِنِيَّةِ إصْلَاحِ الْأُولَى فَيَنْحَطُّ لِلسَّجْدَتَيْنِ مِنْ قِيَامٍ وَلَا يَضُرُّهُ رَفْعُ رَأْسِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَا يَكُونُ عَقْدًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَفَعَهُ بِنِيَّةِ إصْلَاحِ الْأُولَى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَهَا عَنْ ذَلِكَ وَانْحَطَّ لِلسَّجْدَتَيْنِ مِنْ رُكُوعِهِ فَلْيَسْجُدْ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ ذَلِكَ الْقِيَامَ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِانْحِطَاطَ لِلسَّجْدَتَيْنِ مِنْ الْقِيَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَنَّهُ لَوْ انْحَطَّ أَوَّلًا لِلسُّجُودِ ثُمَّ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ جُلُوسٍ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عَمْرٍو الْأَقْفَهْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا لَا تَجْلِسُ إنَّهُ إذَا جَلَسَ ثُمَّ سَجَدَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَقِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَقِيلَ لَا يَسْجُدُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق هَذَا الْجُلُوسُ إنْ وَقَعَ سَهْوًا وَلَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ طَالَ سَجَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَامِدًا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ إنْ لَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ وَالْمُتَأَوِّلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ سَهْوًا وَلَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ، غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لِتَرْكِهِ الِانْحِطَاطَ لِلسُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ لَا لِلْجُلُوسِ فَتَأَمَّلْهُ وَصَرَّحَ كَرَامُو فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ جُلُوسَهُ قَبْلَ السُّجُودِ مَكْرُوهٌ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْفَاكِهَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه قِيَامِ الْإِمَامِ لِلْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ] (تَنْبِيهٌ) إذَا عُلِمَ هَذَا فَهُنَا فُرُوعٌ تَقَعُ عِنْدَ قِيَامِ الْإِمَامِ لِلْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ لَا سِيَّمَا إذَا قَنَتَ الشَّافِعِيَّةُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ لِنَازِلَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَقَعُ لِلْمَأْمُومِينَ السَّهْوُ فِي ذَلِكَ فَيَسْجُدُونَ قَبْلَ الْإِمَامِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَنَبَّهُ لِذَلِكَ فَيَرْجِعُ فَيَقِفُ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَسْجُدَ مَعَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ لَا إنْ خَفَضَ إنَّ الْمَطْلُوبَ اسْتِمْرَارُ الْمَأْمُومِ عَلَى السُّجُودِ حَتَّى يَلْحَقَهُ الْإِمَامُ فَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامُ الْإِمَامَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِرُّ سَاجِدًا حَتَّى يَلْحَقَهُ الْإِمَامُ فَيَسْجُدَ مَعَهُ ثُمَّ يَرْفَعَ بِرَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَهَذَا صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ فِي اسْتِمْرَارِهِ عَلَى السُّجُودِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ وَيَسْتَمِرُّ جَالِسًا حَتَّى يَسْجُدَ الْإِمَامُ فَيُعِيدَ السُّجُودَ مَعَهُ مِنْ جُلُوسٍ وَهَذَا أَيْضًا صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَقَصَ الِانْحِطَاطَ لِلسَّجْدَتَيْنِ مِنْ جُلُوسٍ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ

مَنْ يَكْتَفِي بِسُجُودِهِ الَّذِي يَسْجُدُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَهَذَا لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ بِرُكْنٍ وَعَقَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِنْ نَبَّهَهُ أَحَدٌ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ حَتَّى سَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَطَلَ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الْأُوَلِ) ش: وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الثَّمَانِ سَجَدَاتٍ فَإِنَّهُ يُصْلِحُ الرَّابِعَةَ وَتَبْطُلُ الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ الْأُوَلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكَثْرَةِ السَّهْوِ أَمْ لَا؟ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ إنْ لَمْ يَزِدْ مِثْلَهَا، وَهَذَا إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ الرَّابِعَةِ فَاتَ التَّدَارُكُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ زَادَ أَرْبَعًا سَهْوًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَجَعَتْ الثَّانِيَةُ أُولَى بِبُطْلَانِهَا لِفَذٍّ وَإِمَامٍ) ش: لَمَّا بَيَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ تَرْكَ الرُّكْنِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا طَالَ، وَأَنَّهُ يَتَدَارَكُهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَلَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَوْ عَقَدَ الرُّكُوعَ فَاتَ التَّدَارُكُ فَإِذَا فَاتَ فَمَا يَفْعَلُ الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ: إنْ فَاتَ بِالسَّلَامِ بَنَى إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ بِإِحْرَامٍ وَجَلَسَ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ فَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ مَا يَفْعَلُ إذَا فَاتَ التَّدَارُكُ بِعَقْدِ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ، فَقَالَ: وَرَجَعَتْ الثَّانِيَةُ أُولَى يَعْنِي وَالثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَالرَّابِعَةُ ثَالِثَةً بِبُطْلَانِهَا لِفَذٍّ وَإِمَامٍ يَعْنِي أَنَّ انْقِلَابَ الرَّكَعَاتِ إنَّمَا هُوَ لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا تَنْقَلِبُ الرَّكَعَاتُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بَلْ إذَا فَاتَتْ الْأُولَى يَصِيرُ كَالْمَسْبُوقِ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ زُوحِمَ مُؤْتَمٌّ عَنْ رُكُوعٍ وَقَضَى رَكْعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ) (شَكَّ) ش: الْمُصَلِّي. ص (فِي سَجْدَةٍ لَمْ يَدْرِ مَحِلَّهَا) ش: وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَذَّكَّرَ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي قِيَامِ الثَّالِثَةِ أَوْ فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَسْجُدَهَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. ص (سَجَدَهَا) ش: أَيْ فِي أَيِّ صُورَةٍ كَانَ ثُمَّ لَا يَخْلُو فَإِنْ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَامَ فَأَتَى بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَتَكُونُ ثَانِيَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ مِنْ الْأُولَى فَتَبْطُلُ وَتَصِيرُ الثَّانِيَةُ أُولَى وَهَذِهِ الَّتِي أَتَى بِهَا ثَانِيَةً فَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الصُّوَرِ فَقَالَ: ص (وَفِي الْأَخِيرَةِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ) ش: يَعْنِي فَإِنْ ذَكَرَ السَّجْدَةَ فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ لِرُجُوعِ الثَّانِيَةِ أُولَى، وَالثَّالِثَةِ ثَانِيَةً، وَالرَّابِعَةِ ثَالِثَةً، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ قَالَ: ص (وَقِيَامُ ثَالِثَتِهِ بِثَلَاثٍ) ش: أَيْ وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي قِيَامِ ثَالِثَةٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ قِيَامٍ إنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ جَلَسَ وَإِلَّا جَلَسَ ثُمَّ سَجَدَهَا قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَسَجْدَةً، يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ وَلَا يَتَشَهَّدُ فَيَأْتِي بِثَلَاثٍ الْأُولَى مِنْهُنَّ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ اثْنَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: يَسْجُدُ السَّجْدَةَ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَأْتِي بِثَلَاثٍ، وَقِيلَ: لَا يَسْجُدُ بَلْ يَبْنِي عَلَى رَكْعَةٍ فَقَطْ وَيَأْتِي بِثَلَاثٍ، ثُمَّ قَالَ ص (وَرَابِعَتِهِ بِرَكْعَتَيْنِ وَتَشَهُّدٍ) ش: يَعْنِي وَإِنْ ذَكَرَ السَّجْدَةَ فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا

وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِ السُّورَةِ مِنْ الثَّالِثَةِ الَّتِي صَارَتْ ثَانِيَةً قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَعَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ. ص (وَإِنْ سَجَدَ إمَامٌ سَجْدَةً) ش: أَيْ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَهَا عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ. ص (وَقَامَ لَمْ يُتْبَعْ) ش: أَيْ لَا يَتَّبِعُهُ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ. ص (وَسُبِّحَ بِهِ) ش: لِيَرْجِعَ. ص (فَإِذَا خِيفَ عَقْدُهُ) ش: لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. ص (قَامُوا) ش: أَيْ الْمَأْمُومُونَ وَاتَّبَعُوهُ. ص (فَإِذَا جَلَسَ) ش: فِي الثَّانِيَةِ عَلَى زَعْمِهِ وَهِيَ الْأُولَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ وَلِلْمَأْمُومِينَ. ص (قَامُوا) ش: وَكَانَ كَإِمَامٍ جَلَسَ فِي الْأُولَى فَلَا يُتْبَعُ، وَيَنْتَظِرُونَهُ قِيَامًا حَتَّى يَقُومَ إلَى الثَّالِثَةِ فِي زَعْمِهِ فَيُصَلُّونَهَا مَعَهُ فَإِذَا قَامَ إلَى الرَّابِعَةِ فِي زَعْمِهِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَامُوا مَعَهُ وَاتَّبَعُوهُ وَلَمْ يَجْلِسُوا وَإِنْ كَانَ هَذَا مَحِلُّ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا قَامَ الْإِمَامُ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَإِنَّ الْمَأْمُومِينَ يَتَّبِعُونَهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ. ص (كَقُعُودِهِ لِثَالِثَتِهِ) ش: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِثَالِثَةٍ بِغَيْرِ ضَمِيرٍ وَهِيَ أَحْسَنُ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَعَدَ فِي الثَّالِثَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ فِي اعْتِقَادِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُومُونَ كَمَا يَفْعَلُونَهُ مَعَهُ فِي جُلُوسِهِ الْأَوَّلِ وَفِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ كَقُعُودِهِ بِثَانِيَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كَذَلِكَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَلَا مَعْنًى لَهُ وَالْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ جُلُوسِهِ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسَجَدَ بِهِمْ قَبْلَ السَّلَامِ. (فَإِذَا) ش: لَمْ يَتَذَكَّرْ وَصِّ (سَلَّمَ) ش: لَمْ يَتَّبِعُوهُ فِي السَّلَامِ وَص (وَأَتَوْا بِرَكْعَةٍ وَأَمَّهُمْ) ش: فِيهَا. ص (أَحَدُهُمْ) ش: وَإِنْ صَلَّوْهَا أَفْذَاذًا أَجْزَأَتْهُمْ. ص (وَسَجَدُوا قَبْلَهُ) ش: أَيْ قَبْلَ السَّلَامِ، وَسَلَامُ الْإِمَامِ هُنَا عَلَى السَّهْوِ بِمَنْزِلَةِ الْحَدَثِ، انْتَهَى. كَلَامُ سَحْنُونٍ أَوَّلُهُ بِالْمَعْنَى وَآخِرُهُ بِاللَّفْظِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَدَثِ أَنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ طُرُوُّ الْحَدَثِ عَلَى الْإِمَامِ فَيَسْتَخْلِفُ الْمَأْمُومُونَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ أَوْ يُتِمُّونَ أَفْذَاذًا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ سَلَّمَ أَتَمَّ بِهِمْ أَحَدُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، يَعْنِي هَلْ يُتِمُّ بِهِمْ أَحَدُهُمْ؟ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا. وَهُوَ الْأَصَحُّ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يُتِمُّ بِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُولَى إذَا بَطَلَتْ رَجَعَتْ الثَّانِيَةُ عِوَضًا مِنْهَا فَيَكُونُونَ مُؤَدِّينَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ وَيُتِمُّونَهَا أَفْذَاذًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُولَى إذَا بَطَلَتْ لَمْ تَرْجِعْ الثَّانِيَةُ عِوَضًا عَنْهَا بَلْ تَبْقَى ثَانِيَةً فَيَكُونُونَ قَاضِينَ لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إنَّمَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمَشْهُورِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيَتَّبِعُونَهُ؛ لِأَنَّ جُلُوسَ الْإِمَامِ يَكُونُ فِي مَحِلِّهِ، وَكَذَلِكَ قِيَامُهُ وَلَا سُجُودَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنَّمَا يَسْجُدُ بَعْدَهُ لِتَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْخَلَلُ، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَالسُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ لِتَحَقُّقِ النُّقْصَانِ فِي السُّورَةِ مِنْ رَكْعَةٍ وَالْجُلُوسُ الْوَسَطُ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ إنْ تَرَكَ هَذَا السُّجُودَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ سَحْنُونٍ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالرَّكْعَةِ بِإِمَامٍ أَوْ أَفْذَاذٍ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ هَارُونَ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالْأَفْعَالِ بِنَاءً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَقْوَالِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِهَا أَيْضًا بِنَاءً بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فِيهَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ سُجُودُهُمْ قَبْلَ السَّلَامِ لِإِسْقَاطِ الْجُلُوسِ الْوَسَطِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ سَحْنُونٍ بِالتَّخْيِيرِ وَاقْتِضَاءُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَتَمَّ بِهِمْ أَحَدُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ وُجُوبُ ذَلِكَ وَمَنْعُهُ لَا أَعْرِفُهُ، وَتَوْجِيهُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِكَوْنِ الْفَائِتَةِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً يُرَدُّ بِأَنَّ الْقَضَاءَ الْمَانِعَ مِنْ الْجَمَاعَةِ مَا فَاتَ الْمَأْمُومِينَ دُونَ إمَامِهِمْ لَا مَا فَاتَ جَمِيعَهُمْ، وَتَخْرِيجُهُ جُلُوسُهُمْ بِجُلُوسِهِ وَسُجُودُهُمْ بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَحِلِّهِ يُرَدُّ بِمَا مَرَّ وَبِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ قَضَاءً فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِمْ لِلُزُومِيَّةِ الْقَضَاءِ حَمَلَ الْإِمَامُ زِيَادَتَهُمْ قَبْلَ سَلَامِهِ وَلَا

زِيَادَةَ لَهُمْ بَعْدَهَا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِسَحْنُونٍ وَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَعَمِّدُونَ لِإِبْطَالِ الْأُولَى بِتَرْكِهِمْ السُّجُودَ وَمَنْ تَعَمَّدَ إبْطَالَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ بَطَلَ جَمِيعُهَا، وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُمْ يَسْجُدُونَ سَجْدَةً وَيُدْرِكُونَ الثَّانِيَةَ مَعَهُ فَتَصِحُّ لَهُمْ الرَّكْعَتَانِ لِمَا بَعْدُ (فَإِنْ قُلْت) ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَقَضَاءٌ فِي حُكْمِهِ فَالْجَوَابُ: أَمَّا الْمُخَالَفَةُ فَلَازِمَةٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَائِمٌ وَهُمْ جُلُوسٌ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ فَقَدْ أُجِيزَ مِثْلُهُ فِي النَّاعِسِ وَالْمَزْحُومِ خَوْفًا مِنْ إبْطَالِ الرَّكْعَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ النَّاعِسَ وَمَنْ مَعَهُ فَعَلَ السَّجْدَةَ أَمَامَهُمْ وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِيَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَاخِرِ كَلَامِهِ: هَذَا مَذْهَبُ سَحْنُونٍ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ إذَا خَافُوا عَقْدَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الَّتِي تَلِيهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا أَعْرِفُهُ دُونَ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي رَسْمٍ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَسْهُوَ الْإِمَامُ عَنْ السَّجْدَةِ وَحْدَهُ فَلَا يَخْلُو مَنْ خَلْفَهُ إمَّا أَنْ يَسْجُدُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ يَتَّبِعُونَهُ عَالِمِينَ بِسَهْوِهِ فَإِنْ سَجَدُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعْ الْإِمَامُ إلَى السَّجْدَةِ حَتَّى فَاتَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا بِعَقْدِ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَرَكْعَةُ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَيَقْضِي الْإِمَامُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ الَّتِي أَسْقَطَ مِنْهَا السَّجْدَةَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَاخْتُلِفَ إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَرَجَعَ إلَى السُّجُودِ هَلْ يَسْجُدُونَ مَعَهُ ثَانِيَةً؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا إنْ اتَّبَعُوهُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ عَالِمِينَ بِسَهْوِهِ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَسْهُوَ الْإِمَامُ هُوَ وَبَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ السَّمَاعِ فَلَا يَخْلُو مَنْ لَمْ يَسْهُ إمَّا أَنْ يَسْجُدُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ يَتَّبِعُوهُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ عَالِمِينَ بِسَهْوِهِ، فَإِنْ سَجَدُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعْ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ حَتَّى فَاتَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِعَقْدِ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا، قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّ السَّجْدَةَ تُجْزِئُهُمْ وَتَصِحُّ لَهُمْ الرَّكْعَةُ وَيُلْغِيهَا الْإِمَامُ وَمَنْ سَهَا مَعَهُ، فَإِنْ أَكْمَلَ الْإِمَامُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ قَامَ وَمَنْ سَهَا مَعَهُ إلَى الرَّابِعَةِ وَقَعَدُوا حَتَّى يُسَلِّمَ وَيُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ وَيَسْجُدَ بِهِمْ جَمِيعًا سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ لِاعْتِدَادِهِمْ بِالسَّجْدَةِ وَهُمْ إنَّمَا فَعَلُوهَا فِي حُكْمِ الْإِمَامِ وَمُخَالَفَتُهُمْ إيَّاهُ فِي أَعْيَانِ الرَّكَعَاتِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَبْقَى عَلَى نِيَّتِهَا وَتَصِيرُ لِلْإِمَامِ وَمَنْ سَهَا مَعَهُ الثَّانِيَةُ أُولَى وَهَكَذَا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرِّوَايَةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ أَعَادُوا الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا يَسْجُدُ الْإِمَامُ بِهِمْ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا أُولَى وَيَأْتِي بِالثَّانِيَةِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ فِيهَا فَيَكُونُ سَهْوُهُ كُلُّهُ زِيَادَةً وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى صَلَّى الثَّالِثَةَ أَوْ رَفَعَ مِنْ رُكُوعِهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي اجْتِمَاعِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا ثَانِيَةً؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَقَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَرَجَعَ إلَى السَّجْدَةِ هَلْ يَسْجُدُونَ مَعَهُ ثَانِيَةً أَمْ لَا؟ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّ صَلَاتَهُمْ فَاسِدَةٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُخَالَفَةِ نِيَّتِهِمْ نِيَّةَ إمَامِهِمْ فِي أَعْيَانِ الرَّكَعَاتِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَالثَّالِثُ: إنَّ السُّجُودَ لَا يُجْزِئُهُمْ وَتَبْطُلُ عَلَيْهِمْ الرَّكْعَةُ كَمَا بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ وَيَتَّبِعُونَهُ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا وَتُجْزِئُهُمْ. حَكَى هَذَا الْقَوْلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَّا إنْ اتَّبَعُوهُ عَلَى تَرْكِ السَّجْدَةِ عَالِمِينَ بِسَهْوِهِ فَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ: إنَّ صَلَاتَهُمْ مُنْتَقَضَةٌ، وَيُخَرَّجُ عَلَى مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنْ تَبْطُلَ عَلَيْهِمْ الرَّكْعَةُ وَلَا تُنْتَقَضُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا يُجْزِئُهُمْ فِعْلُهَا فَلَا يَضُرُّهُمْ تَرْكُهَا، انْتَهَى. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ سَحْنُونٍ وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إنْ

سَهَا الْإِمَامُ وَحْدَهُ عَنْ السَّجْدَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى عَقَدَ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَعْدَ رَكْعَتِهَا إنَّ الْقَوْمَ يَسْجُدُونَهَا وَتُجْزِئُهُمْ، وَإِنَّهُمْ إنْ اتَّبَعُوهُ عَلَى تَرْكِ السَّجْدَةِ عَالِمِينَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَمُخَالِفٌ لَهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا سَهَا مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ اتَّبَعَهُ مَنْ لَمْ يَسْهُ فِي تَرْكِ السَّجْدَةِ فَالرِّوَايَةُ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ وَجَعْلُ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا إنَّمَا هُوَ تَخْرِيجٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ نَعَمْ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ يُسَاعِدُ مَا حَكَاهُ الْجَمَاعَةُ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ إنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي تَشَهُّدِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْأُولَى وَكَانَ سَجَدَهَا مَنْ خَلْفَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ تَمُتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَيَقْضِي الْإِمَامُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ كَمَا فَاتَتْهُ بِعَيْنِهَا وَلَا يَتَّبِعُهُ فِيهَا أَحَدٌ دَخَلَ مَعَهُ تِلْكَ السَّاعَةَ، وَصَارَ الْإِمَامُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَخْلِفِ بَعْدَ رَكْعَةٍ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ لَا تُجْزِئُهُمْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ الَّتِي سَجَدُوا فِيهَا دُونَهُ وَلَا يُحْتَسَبُ جَمِيعُهُمْ إلَّا بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيَأْتِي الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ وَيَتَّبِعُونَهُ فِيهَا وَاخْتُلِفَ إذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَقَدْ سَجَدَهَا مَنْ خَلْفَهُ فَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُعِيدُوا سُجُودَهَا مَعَهُ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ أَوْ السَّجْدَةِ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ مَعَ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتُهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْجُدُوهَا مَعَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَسْجُدُونَهَا مَعَهُ وَسَجْدَتُهُمْ الْأُولَى تُجْزِئُهُمْ فَإِذَا أَتَمُّوا قَامَ الْإِمَامُ وَمَنْ سَهَا بِسَهْوِهِ فَصَلَّوْا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا يَؤُمُّهُمْ فِيهَا الْإِمَامُ قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الَّذِينَ سَجَدُوا دُونَ الْإِمَامِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ آمُرَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا ثَانِيَةً فَيَزِيدُوا فِي صَلَاتِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ أَوْ يَقُومُوا مَعَهُ وَلَا يَسْجُدُوا فَيَكُونُوا قَدْ صَلَّوْا خَمْسًا انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ عَنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْهُ فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ وَنَقَلَ الْهَوَّارِيُّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَقَبِلَهُ وَقَالَ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَهَا عَنْ فَرْضٍ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومَ سَهْوُهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ دُونَ الْإِمَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ فِي قَوْلِ سَحْنُونٍ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا عَدَا النِّيَّةَ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ انْتَهَى، وَذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَقَبِلَهُ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ قِيَامِ الْإِمَامِ لِخَامِسَةٍ - آخِرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَعَزَاهُ لِلْمَازِرِيِّ مَعَ اللَّخْمِيِّ، وَذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَالَ بَعْدَهُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْهُ عَنْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ خَلْفَهُ وَسَجَدُوا وَلَمْ يَرْجِعْ الْإِمَامُ حَتَّى فَاتَهُ الرُّكُوعُ أَنَّ رَكْعَةَ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَحَكَى فِيمَا إذَا سَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَسْهُ الْبَعْضُ وَسَجَدَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ مَعَ فَوَاتِ التَّدَارُكِ أَيْضًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَازِرِيِّ بَلْ نَصُّهُ حُصُولُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْهُ عَنْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ خَلْفَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى الْبُطْلَانِ فِي الْأُولَى إذَا اتَّبَعُوهُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ عَالِمِينَ بِسَهْوِهِ وَلَمْ يَحْكِ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ انْتَهَى، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ تَرْكِ الْإِمَامِ السَّجْدَةَ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَلْ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ وَبَحَثَ فِيهِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: اسْتِشْكَالُ التَّوْضِيحِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَرَكَ السَّجْدَةَ وَحْدَهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَخْلِفِ الْمُدْرِكِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ نَحْوَهُ فِي إمَامٍ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِ الرَّابِعَةِ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى، وَكَانَ الْقَوْمُ سَجَدُوهَا، وَقَالَ فَصَارَ الْإِمَامُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَخْلِفِ بَعْدَ رَكْعَةٍ، وَفِي الْأَجْوِبَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا شَارَكَهُ الْقَوْمُ أَوْ بَعْضُهُمْ فِي إسْقَاطِهَا فَهُوَ كَالْفَذِّ فِي الْبِنَاءِ وَإِلَّا فَكَالْمَأْمُومِ فِي الْقَضَاءِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ. وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اسْتَشْكَلَ حِكَايَةَ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ، وَاللَّخْمِيُّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ بَلْ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي مُحَمَّدٍ ذَكَرَ فِي مُقَابَلَتِهِ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَكَذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ لَمَّا ذَكَرَهُ عَزَاهُ لِمُحَمَّدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَنَصَّ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (وَالْجَوَابُ) عَنْ السُّؤَالِ السَّادِسِ أَنْ يُقَال: إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ السَّجْدَةَ، وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصْلَاحِهَا حَائِلٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِإِصْلَاحِهَا بِسَجْدَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي

الْمَأْمُومِينَ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ سَحْنُونٌ مُتَابَعَتَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانُوا قَدْ سَجَدُوهَا وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُونَ بِمُتَابَعَتِهِ فِيهَا، وَهُمْ بِمَثَابَةِ مَنْ رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ أَوْ السَّجْدَةِ قَبْلَ الْإِمَامِ فَالْإِجْزَاءُ حَاصِلٌ وَالْمُتَابَعَةُ تُسْتَحَبُّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتْبَعُونَهُ فِي السَّجْدَةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدُوا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَسْجُدُوا ثَانِيَةً فَيَزِيدُوا فِي صَلَاتِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِي الرَّكْعَةِ فَتَكُونُ خَامِسَةً، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصْلَاحِهَا حَائِلٌ كَأَنْ يَتَذَكَّرَ فِي تَشَهُّدِ الرَّابِعَةِ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى، وَقَدْ سَجَدَهَا مَنْ خَلْفَهُ فَمَرَّ سَحْنُونٌ عَلَى أَصْلِهِ، وَقَالَ: لَا تُجْزِئُهُمْ الرَّكْعَةُ الَّتِي سَجَدُوا فِيهَا دُونَهُ وَيَأْتِي الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ يَتْبَعُونَهُ فِيهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتَدُّ الْمَأْمُومُونَ بِهَا، وَيَقْضِي الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ دُونَهُمْ. وَقَدْ قَدَّمْنَا اسْتِحْبَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْإِعَادَةَ انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَبَعْضَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ كَلَامَ سَحْنُونٍ وَكَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَحْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا سَهَا الْإِمَامُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَقَامَ وَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ فَهَلْ يَسْجُدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَتُجْزِئُهُمْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَلَا يَتَّبِعُونَ الْإِمَامَ فِيهَا إذَا رَجَعَ يَسْجُدُهَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى مَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، وَمَذْهَبُ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَهَا، وَلَوْ سَجَدُوهَا لَمْ يَعْتَدُّوا بِهَا، وَإِذَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ اتَّبَعُوهُ فِيهَا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ تَعَمُّدَهُمْ لِسُجُودِهَا لَا يَضُرُّهُمْ وَكَأَنَّهُمْ لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سَهَا الْإِمَامُ عَنْهَا وَحْدَهُ أَوْ هُوَ وَبَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَعَلَيْهِ فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ إنَّمَا الْخِلَافُ إذَا سَهَا عَنْهَا الْإِمَامُ وَبَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ؟ وَأَمَّا إذَا سَهَا وَحْدَهُ فَلَا يَتَّبِعُونَهُ فِيهَا وَيَسْجُدُونَهَا وَتُجْزِئُهُمْ، وَإِنْ اتَّبَعُوا الْإِمَامَ فِي تَرْكِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ بِاتِّفَاقٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ زُوحِمَ مُؤْتَمٌّ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ نَعَسٍ أَوْ نَحْوِهِ اتَّبَعَهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مَا لَمْ يَرْفَعْ مِنْ سُجُودِهَا) ش: تَحْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ

تنبيه يقعد مع الإمام في الركعتين فينعس

الْمَأْمُومَ إذَا سَهَا عَنْ الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى فَاتَهُ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ أَوْ نَعَسَ أَوْ زُوحِمَ أَوْ اشْتَغَلَ بِحِلِّ إزَارِهِ أَوْ رَبْطِهِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ فَاتَتْهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ أُولَى أَوْ غَيْرَ أُولَى سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ جُمُعَةً أَوْ لَا. الثَّانِي: لَا تَفُوتُهُ مُطْلَقًا. الثَّالِثُ: تَفُوتُهُ إنْ كَانَتْ أُولَى، وَلَا تَفُوتُهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. الرَّابِعُ: تَفُوتُهُ إنْ كَانَتْ جُمُعَةً، وَلَا تَفُوتُهُ عَلَى غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى، وَعَلَى الرَّابِعِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إذَا قُلْنَا: يَتَّبِعُ الْإِمَامَ فَاخْتُلِفَ إلَى أَيِّ حَدٍّ يَتَّبِعُهُ فَقِيلَ مَا لَمْ يَرْفَعْ مِنْ سُجُودِ الرَّكْعَةِ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَعْقِدْ الثَّانِيَةَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْمُعْتَبَرُ السَّجْدَتَانِ أَوْ الْأُولَى فَقَطْ؟ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ: الْأَوَّلُ، وَإِذَا قُلْنَا: مَا لَمْ يَعْقِدْ الثَّانِيَةَ فَهَلْ الْعَقْدُ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَوْ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ؟ قَوْلَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَقْدِ الرَّكْعَةِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَوْ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ إذَا كَانَ لَوْلَا مَا اعْتَرَاهُ مِنْ الْغَفْلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَأَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ وَأَمَّا لَوْ كَبَّرَ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ، فَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ، فَقَدْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَتَّبِعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ مُخْتَصَرًا مِنْ آخِرِ فَصْلِ السَّهْوِ، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ الْمَأْمُومُ تَرْكَ الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. (تَنْبِيهٌ) وَالْمُرَادُ بِالْأُولَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْمُومِ لَا إلَى الْإِمَامِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَزْحُومِ وَالنَّاعِسِ وَالْغَافِلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الزِّحَامِ بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَفِيمَا سِوَاهُ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَأَخَذَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ، وَبِالثَّانِي إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ شَرْطُ الرَّكْعَةِ الْمَانِعَةِ تَلَافِيهِ إمْكَانُهُ فِعْلَهَا فَلَوْ نَعَسَ حَتَّى رَكَعَ إمَامُهُ ثَانِيَةً تَلَافَى الْأُولَى انْتَهَى، وَلَفْظُ الْمَازِرِيِّ وَمِنْ شَرْطِ الرَّكْعَةِ الْحَائِلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُتَمَكِّنًا مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ تَصِحُّ مُخَاطَبَتُهُ بِذَلِكَ فَأَمَّا لَوْ نَعَسَ عَنْ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَتَمَادَى نُعَاسُهُ إلَى أَنْ عَقَدَ رَكْعَةً أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ إصْلَاحِ أَوَّلِ مَا نَعَسَ فِيهِ مِنْ الرَّكَعَاتِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ حَالَ نُعَاسِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيهَا انْتَهَى وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَانْقَضَتْ صَلَاتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الَّتِي نَعَسَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصْلَاحِهَا انْتَهَى [تَنْبِيه يَقْعُدُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْعَسُ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي رَسْمٍ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَسُئِلَ) مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقْعُدُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْعَسُ فَلَا يَنْتَبِهُ إلَّا بِقِيَامِ النَّاسِ أَيَقُومُ أَمْ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ قَالَ: بَلْ يَقُومُ، وَلَا يَقْعُدُ لِلتَّشَهُّدِ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ فَاتَ بِنُعَاسِهِ وَذَهَبَ مَوْضِعُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ إذَا قَامَ الْإِمَامُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا» ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْمِلُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ، وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي رَسْمٍ: لَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَحَاضَتْ مِنْ السَّمَاعِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ، وَهُوَ مَعَهُ قَالَ: يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَلَا يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَشَهَّدَ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ حَتَّى يُسَلِّمَ هُوَ انْتَهَى، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ إمَامُهُ، وَقَدْ تَشَهَّدَ لَمْ يُطْلَبْ فِيهِ الدُّعَاءُ، وَيُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ إيَّاهُ قَبْلَ سَلَامِهِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ التَّشَهُّدَ حَتَّى سَلَّمَ هُوَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَال: عَلَيْهِ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ فِعْلَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَال: يَحْمِلُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي بَابِ حُكْمِ التَّشَهُّدِ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِذَا

تنبيه نعس المأموم قبل ركوعه

لَمْ يَتَشَهَّدْ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَمُقْتَضَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَيُجْزِئُهُ تَشَهُّدُ الْإِمَامِ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: إنَّهُ يَتَشَهَّدُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَا يَدْعُو بَعْدَهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَهَذَا تَدَارَكَ التَّشَهُّدَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّشَهُّدِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَتَى يَتَدَارَكُ الْمَأْمُومُ مَا يَفُوتُهُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِنْ الْفُرُوضِ وَعَدَّدْنَا فِي السَّلَامِ قَوْلَيْنِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ أَوْ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي عَقْدِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ وَهَاهُنَا لَا مُخَالَفَةَ، وَإِذَا وَجَدَ التَّدَارُكُ لِعَقْدِ الرَّكْعَةِ الْخِلَافَ فِي مَنْعِ السَّلَامِ مِنْ تَدَارُكِ الْفُرُوضِ فَأَحْرَى أَنْ يُمْنَعَ تَدَارُكُ التَّشَهُّدِ انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ نَعَسَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ رُكُوعِهِ] (تَنْبِيهٌ) إذَا نَعَسَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَإِنْ مَكَّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ نَعَسَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَأَجْرَاهَا ابْنُ يُونُسَ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَقْدِ الرَّكْعَةِ قَالَ: فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: عَقْدُ الرَّكْعَةِ إمْكَانُ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ فَهُوَ كَمَنْ نَعَسَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السُّجُودِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْهَا فَهُوَ كَمَنْ نَعَسَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَهَذَا بَيِّنٌ انْتَهَى (فَائِدَةٌ) مَسْأَلَةُ: مَنْ زُوحِمَ عَنْ رُكُوعٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَلَيْهَا كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ الْمَذْكُورَ وَقَبِلَهُ، وَمَسْأَلَةُ مَنْ زُوحِمَ عَنْ السُّجُودِ أَوْ نَعَسَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْجُمُعَةِ وَأَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الطِّرَازِ فَانْظُرْهُ. ص (، وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ إنْ تَيَقَّنَ) ش: جَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا رَاجِعًا إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَطْمَعْ وَتَبِعَ الْإِمَامَ وَقَضَى رَكْعَةً، وَهُوَ صَوَابٌ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ يَرْجِعُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَا إذَا لَمْ يَطْمَعْ، وَمَا إذَا طَمِعَ، وَيَفْصِلُ فِيهَا أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَتَيَقَّنَ النَّقْصَ أَوْ يَشُكَّ فِيهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَأْتِ شَيْءٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ بَلْ إنَّمَا يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَهِيَ زَائِدَةٌ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُمْكِنُ رُجُوعُ ذَلِكَ أَيْضًا إلَى مَسْأَلَةِ الرُّكُوعِ، وَيُفْصَلُ فِيهَا. ص (وَإِنْ قَامَ إمَامٌ) ش: فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. ص (لِخَامِسَةٍ) ش: أَوْ فِي ثُلَاثِيَّةٍ لِرُبَاعِيَّةٍ أَوْ فِي ثُنَائِيَّةٍ لِثُلَاثِيَّةٍ فَالْمَأْمُومُونَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّوْضِيحِ مُتَيَقِّنُ انْتِفَاءِ مَا يُوجِبُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَمُتَيَقِّنُ الْمُوجِبِ وَظَانُّهُ وَظَانُّ عَدَمِهِ وَشَاكٌّ فِيهِمَا وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ نَاجِي مَعْنَى الْيَقِينِ. ص (فَمُتَيَقِّنُ انْتِفَاءِ مُوجِبِهَا) ش: لِعِلْمِهِ بِكَمَالِ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ إمَامِهِ. ص (يَجْلِسُ) ش: وُجُوبًا، وَيُسَبِّحُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْقَهْ كَلَّمَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنْ تَذَّكَّر أَوْ شُكَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى يَقِينِهِ وَكَانَ مَعَهُ النَّفَرُ الْيَسِيرُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْوَهْمَ مَعَهُ، وَإِذَا كَانُوا قَلِيلًا وَتَمَادَى فَيُخْتَلَفُ فِيهِمْ هَلْ يُسَلِّمُونَ الْآنَ أَوْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ وَيَسْجُدُونَ سُجُودَ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَيَقِّنُونَ أَنَّهُ سَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِزِيَادَةٍ مِثْلِ نِصْفِهَا يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّادِسَةِ فَيُسَلِّمُونَ، وَلَا يَنْتَظِرُونَهُ انْتَهَى مِنْ اللَّخْمِيِّ أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى ص (وَإِلَّا) ش: أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ انْتِفَاءَ الْمُوجِبِ فَيَشْمَلُ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ بِأَنْ يَكُونَ تَيَقَّنَ الْمُوجِبَ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا قَامَ لِلْخَامِسَةِ لِبُطْلَانِ إحْدَى الْأَرْبَعِ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِمَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ص (اتَّبَعَهُ) ش: فِي قِيَامِهِ وُجُوبًا أَيْ لَزِمَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ اتِّبَاعُ الْإِمَامِ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَلَاتِهِمْ وَصَلَاةِ إمَامِهِمْ أَوْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي صَلَاةِ إمَامِهِمْ، وَأَمَّا صَلَاتُهُمْ فَيَتَيَقَّنُونَ كَمَالَهَا، وَهَذَا

هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ سَجْدَةً وَاحِدَةً خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ الْهَوَّارِيُّ: الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُوقِنُوا بِتَمَامِ صَلَاتِهِمْ وَيَشُكُّوا فِي صَلَاةِ إمَامِهِمْ أَوْ يُوقِنُوا نُقْصَانَهَا فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: صَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ فَلَا يَتَّبِعُونَهُ لَكِنْ يَنْتَظِرُونَهُ جُلُوسًا حَتَّى يَقْضِيَ رَكْعَتَهُ وَيَصِيرَ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَخْلَفِ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَإِذَا سَلَّمَ سَلَّمُوا بِسَلَامِهِ وَسَجَدُوا مَعَهُ لِسَهْوِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تُجْزِئُهُمْ الرَّكْعَةُ الَّتِي أَيْقَنُوا بِتَمَامِهَا دُونَهُ، وَلَا يَحْتَسِبُ جَمِيعُهُمْ إلَّا بِمَا يَحْتَسِبُ بِهِ الْإِمَامُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعُهُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ إنْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ انْتَهَى وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَمَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَعْمَلُ الظَّانُّ عَلَى ظَنِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَلَفْظُهُ: وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ مِنْ صَلَاتِهِ بِمَا تَيَقَّنَ أَدَاءَهُ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرْجِعُ إلَى غَالِبِ ظَنِّهِ انْتَهَى خَلِيلٌ، وَقَدْ يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ يَتَخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ فِيمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَوْ يَبْنِي عَلَى الظَّنِّ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ، وَلَا يُرِيدُ الْبَاجِيُّ بِالْيَقِينِ هُنَا الْيَقِينَ اصْطِلَاحًا وَإِنَّمَا يُرِيدُ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ انْتَهَى (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ تَنَبَّهَ الْإِمَامُ لِمُخَالَفَتِهِمْ لَهُ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ شَكٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَجِّحَ إلَيْهِمْ فَإِنْ تَمَادَى، وَلَمْ يَفْعَلْ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَجْتَمِعْ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ أَجْمَعُوا فَخَالَفَهُمْ لِشَكِّهِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِمْ لِوُجُوبِ رُجُوعِهِ عَنْ شَكِّهِ لِيَقِينِهِمْ انْتَهَى، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَكٌّ لِمُخَالَفَتِهِمْ فَيَجْرِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَإِنْ) ش: فَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أُمِرَ بِهِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ ص (خَالَفَ) ش: مَنْ أُمِرَ بِالْجُلُوسِ مَا أُمِرَ بِهِ وَتَبِعَ الْإِمَامَ أَوْ خَالَفَ مَنْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ الْإِمَامِ مَا أُمِرَ بِهِ فَجَلَسَ فَإِنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ ص (عَمْدًا بَطَلَتْ) ش: الصَّلَاةُ ص (فِيهِمَا) ش: أَيْ فِي صُورَتَيْ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا، أَمَّا إنْ لَمْ يُوَافِقْ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا إنْ وَافَقَ بِأَنْ يَقُومَ عَامِدًا مَنْ حُكْمُهُ الْجُلُوسُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ لِمُوجِبٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ مَعَ الْإِمَامِ، فَقَالَ الْهَوَّارِيُّ: وَإِنْ اتَّبَعَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُهُ يَعْنِي ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ لِمُوجِبٍ، وَأَيْقَنَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: فَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَصِحُّ وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ تَبْطُلَ، وَإِذَا قُلْنَا: تَصِحُّ فَهَلْ يَقْضِي رَكْعَةً أَوْ تَنُوبُ لَهُ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَبِعَ الْإِمَامَ فِيهَا؟ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَسَيَأْتِي كَلَامُ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِإِسْقَاطِ الْإِمَامِ مَا يُوجِبُ قِيَامَهُ لِلْخَامِسَةِ، وَقَصَدَ إلَى الْعَمْدِ فِي الِاتِّبَاعِ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ فَانْكَشَفَ وُجُوبُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لِإِخْلَالِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي تَعْيِينُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَارِكُ سَجْدَةٍ مِنْ كَأُولَاهُ لَا تُجْزِئُهُ الْخَامِسَةُ إنْ تَعَمَّدَهَا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ حُكْمُهُ الْقِيَامَ فَجَلَسَ عَمْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ وَلِلْإِمَامِ زِيَادَةُ تِلْكَ الْخَامِسَةِ وَأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهَا فَالظَّاهِرُ: أَنَّ صَلَاتَهُ تَصِحُّ، وَلَا تَضُرُّهُ مُخَالَفَتُهُ، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ عَمْدًا ص (لَا) ش: إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ ص (سَهْوًا) ش: فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ فِي صُورَتَيْ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ، وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ ص (فَيَأْتِي الْجَالِسُ) ش: سَهْوًا الَّذِي كَانَ مَأْمُورًا بِالِاتِّبَاعِ فِي الْقِيَامِ ص (بِرَكْعَةٍ) ش: لِكَوْنِهِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ لِمُوجِبٍ أَوْ بِشَكٍّ فِي ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ ص (وَيُعِيدُهَا) ش: أَيْ الرَّكْعَةِ ص (الْمُتَّبِعِ) ش: لِلْإِمَامِ سَهْوًا الَّذِي كَانَ مَأْمُورًا بِالْجُلُوسِ لِكَوْنِهِ يَعْتَقِدُ انْتِفَاءَ الْمُوجِبِ وَيُرِيدُ الْمُصَنِّفُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ أَنَّ

الْإِمَامَ إنَّمَا قَامَ لِمُوجِبٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ قَوْلِهِ قُمْت لِمُوجِبٍ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ الرَّكْعَةُ الَّتِي أَتَى بِهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ ظَنَّ كَمَالَ الصَّلَاةِ فَأَتَى بِرَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَتَانِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ والْهَوَّارِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ وَأُصَلِّ الْمَشْهُورِ الْإِعَادَةُ هَذَا حُكْمُ مَا يَفْعَلُونَهُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ قِيَامَهُ كَانَ سَهْوًا فَوَاضِحٌ ص (وَإِنْ قَالَ: قُمْت لِمُوجِبٍ) ش: بِأَنْ يَقُولَ أَسْقَطْت الْفَاتِحَةَ أَوْ أَسْقَطْت سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ مِنْ الرَّكَعَاتِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ص (صَحَّتْ) ش: الصَّلَاةُ ص (لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ) ش: بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا تَبِعَهُ ص (وَ) ش: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ص (تَبِعَهُ) ش: يُرِيدُ أَوْ جَلَسَ سَهْوًا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا ص (لِمُقَابِلِهِ) ش: أَيْ مُقَابِلِ الْقِسْمِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ مَنْ تَيَقَّنَ انْتِفَاءَ الْمُوجِبِ مِنْ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ إمَامِهِ وَجَلَسَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ وَاسْتَمَرَّ مُتَيَقِّنًا انْتِفَاءَ الْمُوجِبِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَهُ قَوْلُ الْإِمَامِ قُمْت لِمُوجِبٍ شَيْئًا قَالَ الْهَوَّارِيُّ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إنَّمَا قُمْت لِأَنَّ أَسْقَطْت رُكْنًا مِنْ الْأُولَى فَمَنْ أَيْقَنَ بِتَمَامِ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ إمَامِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْهُ وَجَلَسَ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ أَوْ اتَّبَعَهُ سَاهِيًا أَوْ مُتَأَوِّلًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَلِابْنِ يُونُسَ نَحْوُهُ وَسَيَأْتِي، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَحَيْثُ تَصِحُّ لِلْجَالِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ إتْيَانِهِ بِرَكْعَةٍ إذَا أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ بِالْمُوجِبِ وَصَدَّقَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ انْتَهَى. قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنَّمَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ ص (إنْ سَبَّحَ) ش: وَإِنْ لَمْ يُسَبِّحْ لَمْ تَصِحَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: شَرَطَ سَحْنُونٌ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْجَالِسِ التَّسْبِيحَ وَاسْتَبْعَدَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَرَأَى ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (كَمُتَّبِعٍ تَأَوَّلَ وُجُوبَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش إلَى أَنْ مَنْ كَانَ مُتَيَقِّنًا انْتِقَاءَ الْمُوجِبِ وَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَجْلِسَ فَجَهِلَ ذَلِكَ وَتَأَوَّلَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْإِمَامِ فَتَبِعَهُ فِي الْخَامِسَةِ فَاخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ هَلْ تَبْطُلُ أَوْ تَصِحُّ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ جَهِلَ وَظَنَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ، وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْجَاهِلِ، هَلْ هُوَ كَالْعَامِدِ أَوْ كَالنَّاسِي؟ انْتَهَى. وَالْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ إلْحَاقُ الْجَاهِلِ بِالْعَامِدِ لَكِنْ مَشَى الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَلَى اخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَيَقُّنِهِ لِانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَهُ كَلَامُ الْإِمَامِ شَيْئًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ زَالَ يَقِينُهُ بِأَنْ تَبَيَّنَ لَهُ صِدْقُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ أَوْ تَكْفِيهِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ قَالَ الْهَوَّارِيُّ إذَا قُلْنَا فِي السَّاهِي: يَقْضِي رَكْعَةً فَالْمُتَأَوِّلُ بِذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَامَ إلَيْهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ، وَإِذَا قُلْنَا فِي السَّاهِي: لَا يَقْضِي فَيَجْرِي فِي الْمُتَأَوِّلِ قَوْلَانِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (لَا لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَتَّبِعْ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَيَقِّنًا لِانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ عِنْدَ قِيَامِ الْإِمَامِ إلَى الْخَامِسَةِ لَمْ يَقُمْ مَعَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْجُلُوسُ ثُمَّ لَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَالَ: قُمْت لِمُوجِبِ تَيَقُّنِ صِحَّةِ قَوْلِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَّبِعَ الْإِمَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ لَمَّا كَانَ فِي يَقِينِهِ كَمَا نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَإِنْ كَانَ اللَّخْمِيُّ اخْتَارَ فِي هَذَا أَيْضًا الصِّحَّةَ، وَقَالَ الْهَوَّارِيُّ: وَمَنْ كَانَ

جَلَسَ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ ثُمَّ لَمَّا أَخْبَرَ الْإِمَامُ بِمَا أَسْقَطَ تَيَقَّنَ صِحَّةَ قَوْلِهِ أَوْ شَكَّ فَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ اللَّخْمِيُّ: وَالصَّوَابُ: أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ مُتَأَوِّلًا انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ قَالَ بَعْدَ السَّلَامِ كُنْتُ سَاهِيًا عَنْ سَجْدَةٍ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ جَلَسَ وَتَمَّتْ صَلَاةُ مَنْ اتَّبَعَهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، أَيُرِيدُ إذَا أَسْقَطُوهَا هُمْ أَيْضًا وَالصَّوَابُ: أَنْ تَتِمَّ صَلَاةُ مَنْ جَلَسَ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ مُتَأَوِّلًا وَإِلَّا فَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُهُ، وَهُوَ أَعْذَرُ مِنْ النَّاعِسِ وَالْغَافِلِ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ اتَّبَعَهُ عَمْدًا إذَا كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا تَبْطُلُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ إذَا لَمْ يُوقِنُوا بِسَلَامَتِهَا فَإِنْ أَيْقَنُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا شَيْئًا فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَّبِعْ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ فِي هَذِهِ كَمَا تَبِعَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ فِي الْأُولَى وَافَقَ فِيهِ مَنْصُوصًا، وَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ رَأْيًا لَهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ عَدَلَ عَنْهُ انْتَهَى. فَيَتَحَصَّلُ فِيمَنْ كَانَ مُتَيَقِّنًا لِانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ عِنْدَ قِيَامِ الْإِمَامِ أَنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَإِنْ قَامَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ لِمُوجِبٍ عَلَى مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَنَقَلَهُ الْهَوَّارِيُّ عَنْهُ، وَنَقَلَ قَوْلًا بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ وَأَظُنُّهُ عَزَاهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ، وَإِنْ قَامَ سَهْوًا أَوْ مُتَأَوِّلًا وُجُوبَ الِاتِّبَاعِ فَلَا تَبْطُلُ فِي السَّهْوِ بِلَا خِلَافٍ فِيمَا أَعْلَمُ. وَفِي الْمُتَأَوِّلِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَارَةً يَسْتَمِرَّانِ عَلَى تَيَقُّنِ انْتِفَاءِ الْمُوجِبِ فَلَا يَلْزَمُهُمَا شَيْءٌ وَتَارَةً يَظْهَرُ لَهُمَا الْمُوجِبُ أَوْ يَظُنَّانِهِ أَوْ يَشُكَّانِ فِيهِ، فَهَلْ يَكْتَفِيَانِ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أَوْ يُعِيدَانِهَا؟ قَوْلَانِ مَشَى الْمُصَنِّفُ أَنَّ السَّاهِيَ يُعِيدُهَا، وَقَالَ الْهَوَّارِيُّ: الْمُتَأَوِّلُ أَحْرَى، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ هَذَا الَّذِي حُكْمُهُ الْجُلُوسُ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ، وَقَالَ: قُمْت لِمُوجِبٍ فَتَارَةً يَسْتَمِرُّ عَلَى يَقِينِهِ لِانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ، فَهَذَا صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ سَبَّحَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلِمُقَابِلِهِ إنْ سَبَّحَ وَتَارَةً يَزُولُ عَنْهُ تَيَقُّنُ انْتِفَاءِ الْمُوجِبِ وَيَحْصُلُ لَهُ أَحَدُ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ فَهَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: لَا لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَتَّبِعْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ انْتِفَاءَ الْمُوجِبِ فَيَلْزَمُهُ الِاتِّبَاعُ فَإِنْ اتَّبَعَهُ فَوَاضِحٌ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ السَّاهِي، وَإِنْ خَالَفَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ خَالَفَ سَهْوًا أَتَى بِرَكْعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْهَوَّارِيِّ وَيُؤْخَذُ أَكْثَرُ وُجُوهِهَا مِنْ التَّوْضِيحِ ص (، وَلَمْ تَجْزِ) ش هَذِهِ الرَّكْعَةُ الْخَامِسَةُ ص (مَسْبُوقًا) ش: فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَتَبِعَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا، وَقَدْ (عَلِمَ بِخَامِسِيَّتِهَا) ش، وَإِذَا لَمْ تَجْزِهِ الرَّكْعَةُ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ لَمْ يُسْقِطْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قَامَ سَهْوًا، أَوْ يَكُونَ قَامَ لِمُوجِبٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسْقِطْ شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّبِعَهُ فِيهَا حَيْثُ عَلِمَ بِخَامِسِيَّتِهَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَالْمَازِرِيِّ وَنَقَلَهُ الْهَوَّارِيُّ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَامَ لِمُوجِبٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ، وَأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي إجْزَاءِ الرَّكْعَةِ الَّتِي صَلَّاهَا، وَالْقَوْلُ بِالْإِجْزَاءِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَبِعَدَمِهِ لِمَالِكٍ وَصَدَّرَ بِهِ، وَقَالَ الْهَوَّارِيُّ: يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي فِيمَنْ تَعَمَّدَ زِيَادَةً فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ انْكَشَفَ لَهُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ قَالَ: إلَّا أَنْ يُجْمِعَ كُلُّ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ شَيْئًا فَلَا خَفَاءَ فِي الْبُطْلَانِ انْتَهَى. ص (وَهَلْ كَذَلِكَ) ش: لَا تُجْزِئُهُ الرَّكْعَةُ ص (إنْ) ش: تَبِعَ الْإِمَامَ فِيهَا وَصِّ (لَمْ يَعْلَمْ) ش: بِخَامِسِيَّتِهَا ص (أَوْ تُجْزِئُ) ش: الرَّكْعَةُ ص (إلَّا أَنْ يُجْمِعَ مَأْمُومُهُ عَلَى نَفْيِ الْمُوجِبِ قَوْلَانِ) ش:، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ:

فصل سجود التلاوة بشرط الصلاة بلا إحرام

أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ تُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْن الْمَوَّازِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ والْهَوَّارِيُّ أَنَّهُ تُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُجْمِعَ مَأْمُومُوهُ عَلَى نَفْيِ الْمُوجِبِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا قَامَ لِمُوجِبٍ عِنْدَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فَذَكَرَ الْهَوَّارِيُّ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ، وَلَا تُجْزِئُهُ الرَّكْعَةُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْمُوجِبِ نَفْيُ الْإِسْقَاطِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَا عَنْ إمَامِهِمْ انْتَهَى. وَقَدْ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ، وَهُوَ إنَّمَا عَزَاهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَرَكَ رُكْنًا يَفْعَلُهُ الْمَأْمُومُ وَيُجْزِئُهُ، وَلَا يُعِيدُهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَذْهَبَ سَحْنُونٍ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُعِيدُهُ مَعَهُ فَعَلَيْهِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْمُوجِبِ عَنْ صَلَاتِهِمْ وَصَلَاةِ إمَامِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) : فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمَسْبُوقُ بِالزِّيَادَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّبِعَ الْإِمَامَ، وَيَجْلِسَ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَخْبَرَ بِمُوجِبِ قِيَامِهِ فَصَدَّقَهُ الْمَسْبُوقُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ قَالَ الْهَوَّارِيُّ: إنْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى خِلَافِهِ أَجْزَأَتْ هَذَا صَلَاتُهُ إذَا قَضَى مَا سَبَقَهُ بِهِ الْإِمَامُ، وَإِنْ أَجْمَعَ الْإِمَامُ وَكُلُّ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي الْمُوجِبَ أَعَادَ هَذَا صَلَاتَهُ، وَعَلَى رَأْيِ اللَّخْمِيِّ: تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَلَسَ مُتَأَوِّلًا لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً. (الثَّالِثُ) : إذَا عَلِمَ الْمَسْبُوقُ مُوجِبَ قِيَامِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ قَامَ إلَيْهَا عِوَضًا عَنْ رَكْعَةٍ فَاتَتْهُ، فَهَلْ يَتَّبِعُهُ فِيهَا ذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ بَنَاهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْإِمَامُ هَلْ هِيَ قَضَاءٌ أَوْ بِنَاءٌ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِنَاءٌ فَيَتَّبِعُهُ فِيهَا، وَالْفَرْعُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَارِكُ سَجْدَةٍ مِنْ كَأُولَاهُ لَا تُجْزِئُهُ الْخَامِسَةُ إنْ تَعَمَّدَهَا) ش: أَجَادَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا قَالَهُ، وَيَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى سَاهِيًا، وَفَاتَ التَّدَارُكُ بِعَقْدِ الثَّانِيَةِ أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ وَفَاتَ التَّدَارُكُ بِعَقْدِ الثَّالِثَةِ أَوْ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَفَاتَ التَّدَارُكُ بِعَقْدِ الرَّابِعَةِ، وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ عَمْدًا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ أَسْقَطَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ أَوْ مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَا تُجْزِئُ هَذِهِ الْخَامِسَةُ عَنْ الرَّكْعَةِ الْمَتْرُوكِ مِنْهَا السَّجْدَةُ، وَإِذَا لَمْ تُجْزِهِ فَالْمَشْهُورُ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِزِيَادَةِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ نَقَلَهُ الْهَوَّارِيُّ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ إنْ تَعَمَّدَ كَسَجْدَةِ مُبْطِلٍ فَأَحْرَى الرَّكْعَةَ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: إنْ تَعَمَّدَهَا أَنَّهُ لَوْ قَامَ إلَيْهَا سَاهِيًا لَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تُجْزِئهُ، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ عَنْ ابْنِ غَلَّابٍ فِي وَجِيزِهِ مَنْ صَلَّى خَامِسَةً عَامِدًا فَذَكَرَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى فَقِيلَ تُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ لَاعِبٌ، وَإِنْ صَلَّى خَامِسَةً سَاهِيًا فَذَكَرَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهَا تُجْزِئُهُ انْتَهَى. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا. [فَصْلٌ سُجُود التِّلَاوَة بِشَرْطِ الصَّلَاةِ بِلَا إحْرَامٍ] ص (فَصْلٌ سَجَدَ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ بِلَا إحْرَامٍ) ش: (فَرْعٌ) ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَنَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ قَالَ: وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الرُّكُوعُ عِنْدَنَا، وَلَا الْإِيمَاءُ إلَّا لِلْمُتَنَفِّلِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ انْتَهَى. ص (إنْ صَلَحَ لِيَؤُمَّ) ش: أَيْ يَكُونُ ذَكَرًا

بَالِغًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ امْرَأَةً أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَسْجُدْ بِقِرَاءَتِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ فِي النَّافِلَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ كَانَ، وَلَمْ يَسْجُدْ الْمَشْهُورُ: الْأَمْرُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَأْمُورٌ فَلَيْسَ تَرْكُ الْقَارِئِ بِاَلَّذِي يُسْقِطُ عَنْ الْمُسْتَمِعِ ص (فِي إحْدَى عَشْرَةَ) ش: وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقِيلَ: اخْتِلَافٌ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَمِيعُ سَجَدَاتٌ، وَالْإِحْدَى عَشْرَةَ الْعَزَائِمُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَطَرِيقَةُ حَمَّادٍ حَمْلُ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْوِفَاقِ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ: وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ فَمَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَزَائِمِ فَلَا يَسْجُدُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ سَنَدٌ وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَسْجُدَ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِثْلَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَعَزَائِمُ السَّجَدَاتِ مُؤَكِّدَاتُهَا انْتَهَى. ص (وَكُرِهَ سُجُودُ شُكْرٍ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يَسْجُدُ السَّجْدَةَ فِي التِّلَاوَةِ

إلَّا عَلَى وُضُوءٍ، وَيَقُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ يَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ عَدَمَ افْتِقَارِهِ إلَيْهَا لِمَا أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ أَوْ يَتَطَهَّرَ أَوْ يَتَيَمَّمَ زَالَ سِرُّ الْمَعْنَى الَّذِي أَتَى بِسُجُودِهِ لَهُ انْتَهَى. ص (وَجَهْرٌ بِهَا بِمَسْجِدٍ) ش: أَيْ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَكَرِهَ مَالِكٌ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّقْرِيبَ فِيهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَقَالَ بَعْدَهُ: الْمَسْجِدُ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ مَا لَمْ تَضُرَّ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا أَضَرَّتْ بِهَا مُنِعَتْ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يُعْلَمُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْعِلْمِ أَعْنِي رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ وُجُودِ مُصَلٍّ يَقَعُ لَهُ التَّشْوِيشُ بِسَبَبِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ جَهْرًا أَوْ جَمَاعَةً تَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ لِنَصِّ الْعُلَمَاءِ أَوْ فِعْلِهِمْ، وَهُوَ أَخْذُ الْعِلْمِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْعِلْمِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: عِلْمٌ وَرَفْعُ صَوْتٍ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عِلْمٌ فِيهِ رَفْعُ صَوْتٍ، وَفِيهِ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ كَأَخِي السِّرَارِ، فَإِذَا كَانَ مَجْلِسُ الْعِلْمِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّبَاعِ فَلَيْسَ فِيهِ رَفْعُ صَوْتٍ فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ رَفْعُ صَوْتٍ مُنِعَ، وَأُخْرِجَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَقِرَاءَةٌ بِتَلْحِينٍ) ش قَالَ فِي الرِّسَالَةِ، وَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَتَعَمَّدَ سَمَاعَ الْبَاطِلِ كُلِّهِ، وَلَا أَنْ تَتَلَذَّذَ

بِسَمَاعِ كَلَامِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَكَ، وَلَا بِسَمَاعِ شَيْءٍ مِنْ الْمَلَاهِي وَالْغِنَاءِ، وَلَا قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِاللُّحُونِ الْمُرَجِّعَةِ كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ انْتَهَى. فَجُعِلَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا هَلْ يَجُوزُ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ أَمْ لَا فَذَهَبَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُفْهَمْ مَعْنَى الْقُرْآنِ بِتَرْدِيدِ الْأَصْوَاتِ وَكَثْرَةِ التَّرْجِيعَاتِ فَإِنْ زَادَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَارَ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ فَذَلِكَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ أَمَامَ الْمُلُوكِ وَالْجَنَائِزِ انْتَهَى. ص (كَجَمَاعَةٍ) ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَمْ

يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ الْقِرَاءَةَ جَمَاعَةً وَالذِّكْرَ جَمَاعَةً مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ انْتَهَى. ص (وَفِي كُرْهِ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ رِوَايَتَانِ) ش: اُنْظُرْ رَسْمَ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَرَسْمَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسَمَاعِ أَشْهَبَ وَانْظُرْ رَسْمَ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَرَسْمَ حَلَفَ بَعْدَهُ وَكِلَاهُمَا فِي أَوَائِلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. ص (وَمُجَاوَزَتُهَا لِمُتَطَهِّرٍ وَقْتَ جَوَازٍ وَإِلَّا، فَهَلْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهَا أَوْ الْآيَةَ تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: فَلَوْ قَرَأَهَا غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ تَعَدَّاهَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ سَجَدَهَا كَذَلِكَ أَسَاءَ وَأَعَادَ إنْ أَمْكَنَ فِي الْحَالِ، وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ: وَأَعَادَ إنْ أَمْكَنَ فِي الْحَالِ، وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَعَادَ إنْ أَمْكَنَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَهِيَ سُنَّةٌ، وَالسُّنَّةُ لَا تَقْضِي انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَيَتَجَاوَزُهَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ وَالْحَدَثِ وَيَتْلُو بَعْدَهُ وَيَسْجُدُ قَالَ الشَّارِحُ: لَمْ يَذْكُرُوا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَضَائِهَا وَانْظُرْهُ انْتَهَى. ، وَقَدْ تَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ صَاحِبَ الْإِرْشَادِ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّهُ يُعِيدُ السَّجْدَةَ إذَا زَالَ الْمَانِعُ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا خَطَرَ فِيهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَا يُسْجَدُ فِيهِ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: يَقْرَؤُهَا إذَا تَطَهَّرَ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ النَّهْيِ وَيَسْجُدُ لَهَا، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ شَعَائِرِ الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ حَتَّى يَقْضِيَ انْتَهَى. ص (وَتَعَمَّدَهَا بِفَرِيضَةٍ) ش: وَقَالَ

الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِذَا قَرَأَ سُورَتَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ تَرْكُ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ نَفْسِهَا فَإِنْ قَرَأَهَا سَجَدَ وَأَعْلَنَ بِهَا فِي السِّرِّ. انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ ص (وَإِنْ قَرَأَ فِي فَرْضٍ سَجَدَ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَحْكَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالصَّوَابُ: أَنْ يَسْجُدَ إذَا قَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فِي فَرِيضَةٍ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ الْبُرْزُلِيّ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِقِرَاءَةِ الْفَرِيضَةِ فَأَشْبَهَتْ سُجُودَ السَّهْوِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ إنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ يَسْجُدُ، وَلَوْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ فَكَذَا هَذِهِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ فِي السُّجُودِ خَلْفَ الْمُخَالِفِ: لَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَرَى السُّجُودَ فِي (ص) لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَ، وَلَوْ كَانَ يَرَى السُّجُودَ فِي (النَّجْمِ) فَسَجَدَ وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ ص (وَإِلَّا - اُتُّبِعَ) ش: فَإِنْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمِنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِسُورَةِ (السَّجْدَةِ) وَسَجَدَ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ الْجَمَاعَةُ فَقَدْ أَسَاءُوا، وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِيهَا نَظَرٌ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَسْجُدُهَا الْمَأْمُومُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا الْإِمَامُ انْتَهَى. ص (وَمُجَاوِزُهَا بِيَسِيرٍ يَسْجُدُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ رَاشِدٍ الْيَسِيرُ مِثْلُ أَنْ يَقْرَأَ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ ص (إلَّا الْمُعَلِّمَ وَالْمُتَعَلِّمَ فَأَوَّلُ مَرَّةٍ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ هُوَ الْقَارِئَ وَإِلَّا

فصل ما زاد على الفرائض والسنن المؤكدة من الصلوات

فَيُشْكِلُ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ: إنْ جَلَسَ لِيَتَعَلَّمَ الْمَازِرِيُّ، وَإِذَا كَانَ الْمُتَعَلِّمُونَ جَمَاعَةً يَقْرَءُونَ عَلَى الْمُعَلِّمِ الْوَاحِدِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَقَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِسُجُودِ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ أَوَّلَ مَرَّةٍ إنْ قَرَأَ مُعَلِّمٌ آخَرُ تِلْكَ السَّجْدَةَ سَجَدَهَا وَحْدَهُ، وَإِنْ قَرَأَ غَيْرَهَا سَجَدَاهَا؛ لِأَنَّ قَارِئَ كُلِّ الْقُرْآنِ يَسْجُدُ كُلَّ سَجَدَاتِهِ انْتَهَى. [فَصَلِّ مَا زَادَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ] ص (فَصْلٌ نَدْبُ نَفْلٍ) ش: الظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ مُرَادَهُ هُنَا بِالنَّفْلِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ لَا النَّفَلُ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَنْدُوبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَحُكْمُهُ النَّدْبُ أَيْ الِاسْتِحْبَابُ، وَمِنْهُ مَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ص (وَتَأَكَّدَ بَعْدَ مَغْرِبٍ كَظُهْرٍ وَقَبْلَهَا كَعَصْرٍ بِلَا حَدٍّ) ش: وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِشَاءَ اكْتِفَاءً بِمَا يَذْكُرُهُ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَعَدَّ صَاحِبُ الْوَغْلِيسِيَّةِ مَعَ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ، وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَانَيْنِ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّهُمَا إعْلَامَانِ، وَقِيلَ: تَغْلِيبًا أَوْ الْمَغْرِبُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الصُّبْحُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا نَفْلَ بَعْدَهَا، وَلَا قَبْلَهَا إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى أَهْلُهُ فَجَائِزٌ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ إنْ كَانَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ قَوْلُهُ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَاءَ بِهِ عَلَى مَعْنَى الدَّلِيلِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: جَازَ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ إنْ كَانَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبَةِ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِهَا انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ أَمَّا جَوَازُ ذَلِكَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَعَلَى مَنْعِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا قَدْرُ الْمَكْتُوبَةِ، وَمَعَ الِاتِّسَاعِ فَمَا الْأَحْسَنُ؟ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أُتِيَ بِقَصْدِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهَا كَانَ حِرْصًا عَلَيْهَا وَطَلَبًا لَهَا فَيُرْجَى حُصُولُ الثَّوَابِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي جَامِعِ الصَّلَاةِ: إذَا دَخَلَ الْإِنْسَانُ الْمَسْجِدَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ فَرْضٍ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ يَكُونَ فِيهِ سِعَةٌ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَ فِي سِعَةٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يَبْدَأَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْفَرِيضَةِ، وَفِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْأَوْقَاتِ، وَهُوَ لِلْمُنْفَرِدِ أَوَّلَ الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ: وَالْأَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ تَقْدِيمُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ ثُمَّ يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ، وَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بَعْدَهَا، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ كَالْعَصْرِ وَالصُّبْحِ فَلَا، وَهُوَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَيَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا انْتَهَى. كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ: الصَّلَاةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنْ عَجَّلَهَا فِيهِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَتَعْجِيلُهَا نَفْلٌ، وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَهَا، وَأَدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَفْضَلُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» فَلَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بَعْدَ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ انْتَهَى.

فرع ذكر صلاة بقيت عليه

[فَرْعٌ ذَكَرَ صَلَاةً بَقِيَتْ عَلَيْهِ] فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً بَقِيَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا وَلْيَبْدَأْ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي سِعَةٍ مِنْ وَقْتِهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ: أَبُو إبْرَاهِيمَ: يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ قَضَاءَ الْمَنْسِيَّةِ عَلَى الْفَوْرِ، كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ: إنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ، وَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ إلَّا وَتْرَ لَيْلَتِهِ وَفَجْرَ يَوْمِهِ (قُلْت) ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ، وَلَا يَنْحَسُ نَفْسَهُ مِنْ الْفَضِيلَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَا كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آدَابِ طَالِبِ الْعِلْمِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشُدَّ يَدَهُ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ عَلَى فِعْلِ السُّنَنِ وَالرَّوَاتِبِ وَمَا كَانَ مِنْهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَإِظْهَارُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي بَيْتِهِ كَمَا كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَفْعَلُ عَدَا مَوْضِعَيْنِ كَانَ لَا يَفْعَلُهُمَا إلَّا فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ أَمَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِأَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ إلَّا خَلْفَ إمَامٍ مَعْصُومٍ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَشَفَقَةً عَلَى الْأَهْلِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَكُونُ صَائِمًا فَيَنْتَظِرُهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ لِلْعِشَاءِ وَيَتَشَوَّفُونَ إلَى مَجِيئِهِ فَلَا يُطَوِّلُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. وَقَالَهُ أَيْضًا فِي آدَابِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ: وَانْظُرْ الْأَبِيَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَتَأَكَّدَ بَعْدَ مَغْرِبٍ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ» وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الْآتِي، وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ عِبَادَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» وَقَوْلُهُ: كَظُهْرٍ، وَقَبْلَهُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَأَحْمَدَ «مَنْ يُحَافِظْ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» وَقَوْلُهُ كَعَصْرٍ لِحَدِيثِهِمْ إلَّا النَّسَائِيَّ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» قَالَ الْعُلَمَاءُ وَدُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْبُولٌ وَعَزَا الْفَاكِهَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْمُوَطَّإِ وَمُسْلِمٍ فَانْظُرْهُ وَالْعَزْوُ الْمَذْكُورُ مِنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ» وَيَدُلُّ لِلْجَمِيعِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَرَوَاهُ بِالزِّيَادَةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّهُمْ زَادُوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ يَذْكُرُوا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالضُّحَى) ش: لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثٍ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالضُّحَى مَقْصُورٌ (فَائِدَةٌ) شَاعَ عِنْدَ الْعَوَامّ أَنَّ مَنْ صَلَّى الضُّحَى يَلْزَمُهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا عَمِيَ أَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ النَّوَافِلِ تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا، وَمَنْ تَرَكَهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا حَرَجَ، وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ: لَا يَدْعُهَا وَيَدْعُهَا حَتَّى نَقُولَ: لَا يُصَلِّيهَا» قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى. وَخَرَّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَافَظَ عَلَى شَفْعَةِ الضُّحَى غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَكْثَرُ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: وَصَلَاةُ الضُّحَى، وَهِيَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهَا مِنْ اثْنَتَيْنِ إلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ انْتَهَى. ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ (تَنْبِيهٌ) رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنْكَارُ صَلَاةِ الضُّحَى قَالَ فِي الْإِكْمَالِ وَالْأَشْبَهُ: الْجَمْعُ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا أَنْكَرَتْ صَلَاةَ النَّاسِ الْمَعْهُودَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ صَلَاتِهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ وَأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا كَمَا قَالَتْ ثُمَّ يَزِيدُ مَا شَاءَ، وَعَلَى هَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي عَدَدِهَا

لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَكُونُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَزِيدُ فِيهَا أَحْيَانَا مَا شَاءَ اللَّهُ (فَرْعٌ) أَوَّلُ وَقْتِهَا ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ وَبَيَاضُهَا وَذَهَابُ الْحُمْرَةِ وَآخِرُهُ الزَّوَالُ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ زَرُّوق زَادَ فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ وَأَحْسَنُهُ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْمَشْرِقِ مِثْلَهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَقْتَ الْعَصْرِ انْتَهَى. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَحَادِيثُ ص (وَجَهْرٌ لَيْلًا) ش: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْوَتْرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ وَنَصُّهُ: ثُمَّ تُصَلِّي الشَّفْعَ وَالْوِتْرِ جَهْرًا وَلَمَّا عَدَّ الْمَازِرِيُّ مَوَاضِعَ الْجَهْرِ فِي الصَّلَاةِ عَدَّ مِنْهَا الْوَتْرَ قَالَ إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْوَتْرَ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْحُذَّاقِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ فِيهِ، وَأَنَّ النَّاسَ إذَا أَوْتَرُوا فِي الْمَسَاجِدِ يُسِرُّونَ لِئَلَّا يَجْهَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِبَعْضِ الْحُذَّاقِ لِلْبَاجِيِّ فَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوَ ذَلِكَ ص (وَتَحِيَّةُ مَسْجِد) ش: أَمَّا لَوْ اتَّخَذَ مَوْضِعًا لِلصَّلَاةِ فَلَا يُطْلَبُ

فرع صلى التحية ثم خرج لحاجة ثم رجع بالقرب

فِيهِ بِالتَّحِيَّةِ وَانْظُرْ الْجُزُولِيَّ [فَرْعٌ صَلَّى التَّحِيَّةَ ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ بِالْقُرْبِ] (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى التَّحِيَّةَ ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ بِالْقُرْبِ، فَهَلْ يُكَرِّرُ التَّحِيَّةَ ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ نَظَائِرَ هَلْ تُكَرَّرُ أَمْ لَا مِنْهَا هَذِهِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ السَّلَامِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا هَلْ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَ، وَلَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا إلَّا شَجَرَةً عَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ السَّلَفِ وَقَبِلَهُ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ الشَّبِيبِيُّ وَكَانَ يُفْتِي بِهِ، وَهُوَ صَوَابٌ لِتَأَكُّدِ السَّلَامِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ رَكَعَ عِنْدَ دُخُولِهِ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَقَامَ إلَيْهَا خَارِجًا عَنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَجَعَ بِالْقُرْبِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَرْكَعَ ثَانِيَةً انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو طَالِبٍ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَقَامَ التَّحِيَّةِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ لِمَكَانِ الْخِلَافِ انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ ص (وَتَحِيَّةُ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ مَكَّةَ يَعْنِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي حَقِّهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَادِمِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الْبُدَاءَةَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ وَبِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَبِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ إذَا دَخَلَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الرُّكُوعُ عِنْدَ دُخُولِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْقَادِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَطُوفَ عِنْدَ دُخُولِهِ فَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّهِ الطَّوَافُ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حِينَئِذٍ الرُّكُوعُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَادِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَنِيَّتُهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مُشَاهَدَةُ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ، وَلَمْ يَكُنْ نِيَّتُهُ الطَّوَافَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ، وَإِلَّا جَلَسَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ قَالَ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَيَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ أَمْ بِالطَّوَافِ؟ قَالَ: بِالطَّوَافِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَإِذَا دَخَلَهُ يُرِيدُ الطَّوَافَ بَدَأَ بِالطَّوَافِ، وَإِنْ دَخَلَهُ لَا يُرِيدُ الطَّوَافُ فِي وَقْتِ تَنَفُّلٍ بَدَأَ بِالرَّكْعَتَيْنِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنْ يُرِيدُ الطَّوَافَ وَطَافَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّحِيَّةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الرُّكُوعُ لِلتَّحِيَّةِ بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ تَأْخِيرَ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ رُكُوعَهُ لِطَوَافِهِ انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ طَوَافِهِ، وَهَذَا تَوَهُّمٌ بَعِيدٌ، فَإِنَّ رَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ لَا تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا فَأَيُّ صَلَاةٍ حَصَلَتْ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ كَفَتْ عَنْ التَّحِيَّةِ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً، وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ فِي رَسْمِ الْحَجِّ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ فِيهِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَاجِّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيُرِيدُ أَنْ يَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ؟ قَالَ: بَلْ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ، قِيلَ لَهُ: أَيَبْدَأُ بِالطَّوَافِ أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ السُّنَّةِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ لَمَّا أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ

{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ وَخَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا فَقَالَ: تَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا» انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ اسْتِحْبَابَ بَدْءِ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ دُونَ الرُّكُوعِ لَكَانَ أَبْيَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا جَلَسَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ فَيَرْكَعَ مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ (فَرْعٌ) إذَا كَانَ مَجْلِسُهُ بَعِيدًا عَنْ بَابِ الْمَسْجِدِ قِيلَ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَمْضِي إلَى مَوْضِعِهِ انْتَهَى مِنْ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ عَلَى الرِّسَالَةِ. ص (وَتَرَاوِيحُ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ عَبْدُ الْحَقِّ يَعْنِي بِالْبِدْعَةِ جَمْعَهُمْ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يُصَلُّونَ أَوْزَاعًا فَجَمَعَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْبِدْعَةُ لَا الصَّلَاةُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَلَّى بِهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَرَكَ فَكَيْفَ يُجْعَلُ جَمْعَهُمْ بِدْعَةً، فَيُقَالُ؛ لَمَّا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ تَرَكَ فَتَرْكُهُ السُّنَّةُ وَصَارَ جَمْعُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِدْعَةً حَسَنَةً وَأَجَابَ سَنَدٌ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْبِدْعَةِ جَمْعَهُمْ مُوَاظَبَةً فِي الْمَسْجِدِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَا أَصْلَ الصَّلَاةِ أَمَّا قِيَامُ رَمَضَانَ فَكَانَ مَشْرُوعًا كَمَا بَيَّنَّا بَلْ كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ بَيْنَهُمْ مُعْتَادًا فَضْلًا عَنْ رَمَضَانَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ فَخَيْرُ قِيَامٍ صَلَاةُ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْبِدْعَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالنَّاسِ إلَّا أَنَّهُ مَا وَاظَبَ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَعَقَلُوا أَنَّ التَّرْكَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمَّا زَالَتْ بِأَمْنِهِمْ تَجَدُّدَ الْأَحْكَامِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلُوا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ كَانَ مَقْصُودَهُ فَوَقَعَتْ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجَمْعِ بِهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْرًا لَمْ يَكُنْ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِدْعَةً إلَّا أَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الْجَوَازِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَمْ تَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ بِدْعَةً، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَقَبْلَ الْوَتْرِ مِنْ خَطِّ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ الْأَقْفَهْسِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَكَوْنُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَقَبْلَ الْوَتْرِ هِيَ السُّنَّةُ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَالْقِيَامُ فِيهِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ بِإِمَامٍ يَعْنِي بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَأَمَّا مَنْ يُصَلِّي قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ النَّوَافِلِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ قَوْلَهُ: إنَّهُ يَجُوزُ وَنَسَبَهُ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ بَيِّنٍ وَالصَّحِيحُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ انْتَهَى. وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ يُصَلِّي قِيَامَ رَمَضَانَ قَبْلَ الْعِشَاءِ هَلْ يَكُونُ فَاعِلًا لِلْقِيَامِ الْمَشْرُوعِ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْبُرْزُلِيُّ قَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الْوَتْرِ عَقِيبَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لَيْلَةَ الْجَمْعِ وَيَجْمَعُهُ الْإِمَامُ بِالْأُمِّيِّينَ لِلضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ كَذَلِكَ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِخَوْفِ التَّجَمُّعِ وَجَهْلِ كَثِيرِ الْجَمَاعَةِ بِالْقِرَاءَةِ انْتَهَى. مِنْ الْبُرْزُلِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ وَوَقْتُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَأَمَّا مَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْبِلَادِ إذَا أَفْطَرُوا أَتَوْا الْمَسْجِدَ ثُمَّ يُصَلُّونَ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ ثُمَّ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَا بَقِيَ لَهُمْ وَيَنْصَرِفُونَ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ الْمُرَغَّبِ فِيهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِعْلُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَالثَّانِي: تَنَفُّلُهُمْ فِي جَمَاعَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْقِيَامِ الْمَعْهُودِ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِي هَذَا الْقِيَامِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّيْلِ كَذَلِكَ فَعَلَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ قِيَامَهُمْ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقِيَامِ السَّلَفِ، وَانْظُرْ عَلَى هَذَا لَوْ جَمَعُوا لِلْمَطَرِ لِمَنْ شَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ كَمَا لَيْسَ لَهُ تَقْدِيمُ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: وَمَنْ دَخَلَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَعَلَيْهِ الْعِشَاءُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَهُ تَأْخِيرُهَا لِلدُّخُولِ مَعَهُمْ مَا لَمْ يَخْرُجْ مُخْتَارُهَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَا يُؤَخِّرُهَا وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يُصَلِّيهَا وَسَطَ النَّاسِ وَمَرَّةً بِمُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ

فرع التراويح لمن عليه صلوات

لِلْجَلَّابِ. (قُلْت) مُقْتَضَاهُ عَدَمُ إجْزَاءِ الْقِيَامِ قَبْلَ الْعِشَاءِ كَفِعْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي زَمَانِنَا بِالصَّيْفِ انْتَهَى. وَفِي الْأَبِيِّ شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَيْهَا مُنِعَ وَكُنْتُ إمَامًا بِجَامِعِ التَّوْفِيقِ، وَهُوَ بِالرَّبْضِ فَصَلَّيْتُهُ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَدَخَلْت فَلَقِيَنِي شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ لِي: مَنْ اسْتَخْلَفْت يُصَلِّي لَكَ الْقِيَامَ قُلْت: صَلَّيْتُهُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَدَخَلْت فَقَالَ لِي: أَعْرِفُكَ أَوْرَعَ مِنْ هَذَا، وَهَذَا لَا يُخَلِّصُك انْتَهَى. [فَرْعٌ التَّرَاوِيحُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ] (فَرْعٌ) تُكْرَهُ التَّرَاوِيحُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ، وَقَالَ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَوَائِتُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ مِنْ النَّوَافِلِ إلَّا بِوَتْرِ لَيْلَتِهِ وَفَجْرِ نَهَارِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ افْتَتَحَ الرَّكْعَة الَّتِي يَخْتِم بِهَا بِالْفَاتِحَةِ ثُمَّ أَرَادَ إِن يبدأ بِسُورَةِ الْبَقَرَة] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ افْتَتَحَ الرَّكْعَةَ الَّتِي يَخْتِمُ بِهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَبْدَأَ الْقُرْآنَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَيَفْتَتِحُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ لِابْتِدَائِهِ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ؟ قَالَ: يَفْتَتِحُ الْبَقَرَةَ وَيَدَعُ أُمَّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ ص (وَالْخَتْمُ فِيهَا) ش: قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْخَتْمُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ مَا لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ الْخَتْمَ كَالْعُرْفِ الْيَوْمَ فِي مَسَاجِدِ تُونُسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخَتْمِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَحْفَظُ فَيَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحْفَظُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ بِلَفْظٍ، وَكَذَلِكَ الْعُرْفُ أَيْضًا إلَى آخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ جُعِلَتْ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ) ش: كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ. ص (وَقِرَاءَةُ شَفْعٍ بِسَبِّحْ وَالْكَافِرُونَ وَوَتْرٍ بِإِخْلَاصٍ وَمُعَوِّذَتَيْنِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ قَالَ: لَكِنَّ مَا يُحْتَجُّ بِهِ لِلْمَذْهَبِ الَّذِي كُنَّا اخْتَرْنَاهُ أَنَّ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ حَكَى قِيَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَدَ رَكَعَاتِهِ وَوَصَفَهَا لَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ أَخَصَّ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَلِيهِمَا الْوَتْرُ بِقِرَاءَةٍ فَذَهَبَ إلَى الْمُعَارَضَةِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْوَتْرِ فِي الْأُولَتَيْنِ مِنْ الْوَتْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا وَيَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: وَمُعَوِّذَتَيْنِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ ص (وَفِعْلُهُ لِمُنْتَبِهٍ آخِرَ اللَّيْلِ) ش: هَذَا إذَا كَانَ يُصَلِّيهِ بِالْأَرْضِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْأَرْضِ، وَنِيَّتُهُ أَنْ يَرْحَلَ، وَيَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الْوَتْرَ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ تَصْلُحُ لَأَنْ يُلْغَزَ بِهَا فَيُقَالَ: رَجُلٌ صَلَّى الْعِشَاءَ، وَنِيَّتُهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ يُقَدِّمُ الْوَتْرَ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ (تَنْبِيهٌ) مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا قِيَامُ اللَّيْلِ

فرع يريد أن يطول التنفل فيبدأ بركعتين خفيفتين

وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَائِمِ مِنْ اللَّيْلِ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ انْتِبَاهِهِ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190] الْآيَاتُ آخِرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَنَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. [فَرْعٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَوِّلَ التَّنَفُّلَ فَيَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي جَامِعِ الْقَوْلِ فِي صَلَاةِ النَّوَافِلِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قِيلَ لِمَالِكٍ فِيمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُطَوِّلَ التَّنَفُّلَ فَيَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: يَرْكَعُ كَيْفَ شَاءَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ هَذَا شَأْنَ مَنْ يُرِيدُ طُولَ التَّنَفُّلِ فَلَا انْتَهَى. وَانْظُرْ الْأَبِيَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ التَّهَجُّدِ (فَرْعٌ) قِيلَ لِمَالِكٍ: أَيَتَنَفَّلُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ إنْ كُنْتُ ضَيَّعْت فِي حَدَاثَتِي فَهَذَا قَضَاءُ تِلْكَ؟ قَالَ: مَا هَذَا مِنْ عَمَلِ النَّاسِ انْتَهَى. اُنْظُرْ شَرْحَ الرِّسَالَةِ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ زَرُّوق ص (وَلَمْ يُعِدْهُ مُقَدِّمٌ ثُمَّ صَلَّى وَجَازَ) ش تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَوْ أَرَادَ التَّنَفُّلَ بَعْدَ وَتْرِهِ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِنِيَّةٍ حَدَثَتْ لَهُ جَازَ وَيُكْرَهُ بِلَا فَاصِلٍ عَادٍ انْتَهَى. ص (وَعَقِيبَ شَفْعٍ مُنْفَصِلٍ بِسَلَامٍ) ش: الْأَفْصَحُ فِي عَقِيبٍ تَرْكُ الْيَاءِ قَالَهُ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ عَقِبَ شَفْعٍ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الشَّفْعَ قَبْلَهُ لِلْفَضِيلَةِ لَا لِلصِّحَّةِ، وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَعَطَفَ مُقَابِلَهُ بِقِيلَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَشَهَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ لِلصِّحَّةِ. [فَرْعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ أَنْ يَخُصَّهُمَا بِالنِّيَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي كَوْنِهِ لِأَجْلِهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ أَنْ يَخُصَّهُمَا بِالنِّيَّةِ أَوْ يَكْتَفِي بِأَيِّ الرَّكْعَتَيْنِ كَانَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؟ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ لِأَجْلِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتَى بِشَفْعٍ يَخْتَصُّ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَتَى بِهَا بَعْدَ نَافِلَةٍ غَيْرِ مُخْتَصَّةٍ بِهَا انْتَهَى. مِنْ تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: ثُمَّ شَرَطَ فِي اتِّصَالِهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى أَنَّهُ لِأَجْلِهِ بَلْ هُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ، وَإِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ شَفْعٍ، وَلَا بُدَّ، فَهَلْ يَلْزَمُ اتِّصَالُهُ بِالْوَتْرِ أَوْ يَجُوزُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَسْأَلَةٌ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ ثُمَّ اُشْتُغِلَ بِشُغْلٍ خَفِيفٍ ثُمَّ أَوْتَرَ صَحَّ ذَلِكَ، وَإِنْ تَطَاوَلَ أَعَادَ الشَّفْعَ وَصَلَّى الْوَتْرَ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى وُجُوبِ الِاتِّصَالِ وَأَقَرَّهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّصَالُ فَعَلَى هَذَا لَا يُعِيدُ الشَّفْعُ مُطْلَقًا انْتَهَى. لَكِنَّ الِاتِّصَالَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَعَلَى هَذَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ اُسْتُحِبَّ إعَادَةُ الشَّفْعِ، وَقَالَهُ فِي أَوَاخِرِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكَعَاتٍ ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَنْ يُوتِرَ أَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ أَمْ يُصَلِّي اثْنَتَيْنِ قَبْلَهَا؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَهُ سِعَةٌ فِي أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، وَلَا يُصَلِّي قَبْلَهَا إذَا كَانَ رَكَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ

وَالْوَاحِدَةُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ مَا بَيْنَ الْوَتْرِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الشَّفْعِ بِسَلَامٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي آخِرِ رَسْمٍ لَمْ يُدْرَكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَخِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ قَدْ طَالَ وَوَجْهُ هَذَا مُرَاعَاةُ قَوْلِ مَنْ يَرَى الْوَتْرَ ثَلَاثًا تِبَاعًا بِغَيْرِ سَلَامٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَرَكَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ لَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ عَلَى مَا فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى قَوْلًا وَاحِدًا لِمَا جَاءَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ انْتَهَى. (قُلْت) يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْلَى وَالْمُسْتَحَبُّ، وَمَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى الْإِجْزَاءِ، فَلَا يَكُونُ خِلَافًا، وَمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا لِاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلٍ) ش: (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُصَلِّي الشَّفْعَ بِالْوَتْرِ وَأَدْرَكَهُ الْمَأْمُومُ فِي الْوَتْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ سَلَامِهِ قَالَهُ فِي رَسْمٍ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فَتُجْعَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لُغْزًا يُقَالُ: شَخْصٌ وَيُصَلِّي الْوَتْرَ قَبْلَ الشَّفْعِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَنَظَرٌ بِمُصْحَفٍ فِي فَرْضٍ وَأَثْنَاءِ نَفْلٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ فَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْمُصْحَفِ أَمْرَ النَّاسِ الْقَدِيمَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى. مِنْ تَرْجَمَةِ الدُّعَاءِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ بَعْدَ فَصْلِ السَّمَاعِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْإِلْحَانِ وَنَقَلَ بَعْضَهُ فِي فَضْلِ الْإِمَامِ وَوَضْعِ الْكَرَاسِيِّ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي يَنْبَغِي أَنْ تُنَزَّهَ الْمَسَاجِدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة فِي أَعْلَامِ السَّاجِدِ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسَاجِدِ: الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ مَالِكٌ: لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْمَسْجِدِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ، وَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ بِالْمَسْجِدِ وَأَرَى أَنْ يُقَامُوا مِنْ الْمَسَاجِدِ إذَا اجْتَمَعُوا لِلْقِرَاءَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قُلْت، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْخَلَفُ وَالسَّلَفُ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْمِيرِهَا بِالذِّكْرِ، وَفِي الصَّحِيحِ فِي قَضِيَّةِ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمَصَاحِفِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. (قُلْت) أَمَّا نَقْلُهُ عَنْ السَّلَفِ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ فَمُعَارَضٌ بِنَقْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ وَمَالِكٌ أَعْلَمُ بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ السَّلَفُ ص (وَجَمْعٌ كَثِيرٌ لِنَفْلٍ أَوْ بِمَكَانٍ اُشْتُهِرَ) ش: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِالْجَمْعِ لِلنَّافِلَةِ فِيهَا، وَصَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: يُصَلِّي النَّافِلَةَ جَمَاعَةٌ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ مُرَادُهُ: الْجَمْعُ الْقَلِيلُ خُفْيَةً كَثَلَاثَةٍ لِئَلَّا يَظُنَّهُ الْعَامَّةُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ؛ وَلِذَلِكَ أَشَارَ أَبُو الطَّاهِرِ يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ، وَقَالَ

لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَةِ الْجَمْعِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَةَ عَاشُورَاءَ وَيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ الْمَنْعُ مِنْهُ انْتَهَى. ص (وَكَلَامٌ بَعْدَ صَلَاةِ صُبْحٍ لِقُرْبِ الطُّلُوعِ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيُسْتَحَبُّ إثْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ التَّمَادِي فِي الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ إنَّمَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ - تَعَالَى - حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّتَيْنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. (قُلْت) : وَيَظْهَرُ أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَحْصُلُ لَهُ الشَّرَفُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَذْكَارِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَالَ الشَّيْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَأَى بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ: الذِّكْرُ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالِاسْتِغْفَارُ زَاعِمًا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيُكْرَهُ بَعْدَهَا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبَ طُلُوعِهَا، وَكَانَ مَالِكٌ يَتَحَدَّثُ، وَيُسْأَلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ ثُمَّ لَا يُجِيبُ مَنْ يَسْأَلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ بَلْ يُقْبِلُ عَلَى الذِّكْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَالَ التَّادَلِيُّ فَيَقُومُ مِنْهَا أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالذِّكْرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْعِلْمِ فِيهِ قَالَ الْأَشْيَاخُ: تَعَلُّمُ الْعِلْمِ فِيهِ أَوْلَى. (قُلْت) ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يُفْتِي، وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ لِقِلَّةِ الْحَامِلِينَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً: صَلَاةُ النَّافِلَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، وَمَرَّةً: الْعِنَايَةُ بِالْعِلْمِ بِنِيَّةٍ أَفْضَلُ (قُلْت) وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ» فَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَهُ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْتَهَى. ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ إذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ نَفْسَهُ مِنْ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الصُّبْحَةُ تَمْنَعُ الرِّزْقَ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ الرِّزْقُ الْمُرَادُ هُنَا الْفَضْلُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كِتَابُ الرِّزْقِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْقِيَامُ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ الْفَضْلُ، وَلَوْ قَامَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ الَّذِي اخْتَصَرَهُ مِنْ الْبُخَارِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» وَهُنَا بَحْثٌ فِي قَوْلِهِ فِي مُصَلَّاهُ هَلْ يَعْنِي بِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَنْزِلَ الَّذِي جَعَلَهُ لِمُصَلَّاهُ فَالْجُمْهُورُ: أَنَّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَقِيَامِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ، وَأَظُنُّهُ الْقَاضِيَ عِيَاضًا: إنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا لِصَلَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ فِي الْمَوْضِع الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ، مِثَالُهُ: أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ إنَّهُ يَبْقَى، تَدْعُو لَهُ الْمَلَائِكَةُ، وَكَثِيرٌ مُجْمِعٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُ وَاحِدٌ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ، وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُحْدِثْ أَيْ الْحَدَثَ الَّذِي يُنْقِضُ الطَّهَارَةَ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا نَكِرَةً قَالَ، وَهَذَا أَيْضًا فِي حَقِّ الْمُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُثَابَ عَلَيْهَا لَا الَّتِي تَلْعَنُهُ وَمَنْ قُبِلَ بَعْضُ صَلَاتِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ الْبَعْضُ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُرْجَى لَهُ ذَلِكَ بِبَرَكَةٍ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِخَلَلٍ وَقَعَ، وَقَوْلُهُمْ: ارْحَمْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ عَمَلًا يُوجِبُ الرَّحْمَةَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ تَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِي شُغْلٍ آخَرَ مَا دَامَ فِي مَوْضِعِ إيقَاعِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُفَضِّلُ الصَّالِحِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ انْتَهَى. مِنْهُ بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجُزُولِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ يُسْتَحَبُّ بِإِثْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُكْرَهُ النَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ: لَا يُكْرَهُ

فرع أوتر قبل أن يصلي العشاء

الْكَلَامُ، وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ: لَا يُكْرَهُ نَوْمُ مَنْ اتَّصَلَ سَهَرُهُ وَقِيَامُهُ مِنْ اللَّيْلِ بِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْكَلَامُ الْمَكْرُوهُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ الْخَوْضُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَأَمَّا بِالْعِلْمِ وَبِذِكْرِ اللَّهِ، فَلَا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: مَنْ تَرَكَ الْكَلَامَ وَأَقْبَلَ عَلَى الذِّكْرِ أُجِرَ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ عَلَى الذِّكْرِ وَمَنْ تَرَكَ الْكَلَامَ، وَلَمْ يُقْبِلْ عَلَى الذِّكْرِ أُجِرَ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ عِنْدَ مَالِكٍ نَقَلَهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ فُصُولِ الْعَالِمِ عَنْ الْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْبَيَانِ فِي أَثْنَاءِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَنَصُّهُ: فَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ الْكَلَامَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الذِّكْرِ أُجِرَ عَلَى الذِّكْرِ، وَعَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ، وَإِنْ تَرَكَ الْكَلَامَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أُجِرَ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يُؤْجَرُ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَى الذِّكْرِ خَاصَّةً إنْ ذَكَرَ اللَّهَ - تَعَالَى - كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي تَرْكِ الْكَلَامِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. ص (وَضِجْعَةٌ بَيْنَ صُبْحٍ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكَرَاهَةَ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتُكْرَهُ الضِّجْعَةُ بَيْنَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا أُرِيدَ بِهَا فَصْلٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَجَائِزٌ انْتَهَى. ص (وَالْوَتْرُ سُنَّةٌ آكَدُ ثُمَّ عِيدٌ ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ فِي رَسْمٍ مَرِضَ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ صَلَاةُ الْوَتْرِ فِي الْفَضْلِ، إذَا قِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ سُنَّةً ثُمَّ مَا كَانَ مِنْهَا فَضِيلَةً ثُمَّ مَا كَانَ مِنْهَا نَافِلَةً انْتَهَى. وَنَصَّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الرَّوَاتِبَ، وَمَا شُرِعَتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا كَالْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ سِوَى الْوَتْرِ قَالَ: وَآكَدُ هَذِهِ السُّنَنِ الْعِيدَانِ ثُمَّ الْكُسُوفُ انْتَهَى. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ تَقْدِيمُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْوَتْرِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ كَالْوَتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي تَفْسِيقِ تَارِكِ الْوَتْرِ، قَالَ: لِاسْتِخْفَافِهِ بِالسُّنَّةِ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِالسُّنَّةِ فُسِّقَ، فَإِنْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ بَلَدٍ حُورِبُوا انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ حَدِيثِ ضِمَامٍ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ مَنْ تَرَكَ التَّطَوُّعَاتِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَقَدْ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ رِبْحًا عَظِيمًا وَثَوَابًا جَسِيمًا، وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي دِينِهِ، وَقَدْ حَافَى عَدَالَتَهُ فَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ تَهَاوُنًا بِهَا وَرَغْبَةً عَنْهَا كَانَ ذَلِكَ فِسْقًا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَمًّا، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ تَوَاطَئُوا عَلَى تَرْكِ سُنَّةٍ لَقُوتِلُوا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعُوا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: ثُمَّ كُسُوفٌ يَعْنِي كُسُوفَ الشَّمْسِ، كَمَا هُوَ فِي كَلَامِ الْجَوَاهِرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ النَّوَافِلِ: إنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ أَقْوَى السُّنَنِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ صَلَّاهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ، وَقَالُوا: الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا لِلْفَتْوَى جَازَ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ انْتَهَى. ص (وَوَقْتُهُ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارُ شَرْطُهُ أَيْ الْوَتْرِ فَلَوْ صُلِّيَتْ فِي الضَّرُورِيِّ بِالتَّقْدِيمِ فَالْمَشْهُورُ تُؤَخَّرُ إلَى مُخْتَارِهَا، وَهُوَ مَغِيبُ الشَّفَقِ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ لَيْلَةَ الْجَمْعِ، وَأَمَّا الضَّرُورِيُّ بِالتَّأْخِيرِ فَأَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. [فَرْعٌ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ أَوْ بَعْدَ أَنْ صَلَّاهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَعَادَهُ بَعْدَهَا انْتَهَى. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: مَسْأَلَةٌ مَنْ ذَكَرَ الظُّهْرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَأَوْتَرَ صَلَّاهَا، وَأَعَادَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَفِي

إعَادَةِ الْوَتْرِ قَوْلَانِ، وَقَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ الْوَتْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ لِلتَّرْتِيبِ، وَفِي إعَادَةِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قَوْلَانِ لِسَحْنُونٍ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ سَبَبُهُ تَعَارُضُ عُمُومِيَّيْنِ قَوْلِهِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وَتْرًا» وَقَوْلِهِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» انْتَهَى. ، وَلَمْ يَذْكُرْ إعَادَةَ الْمَغْرِبِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُعِيدُهَا أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةٌ جَالِسٌ فِي الْوَتْرِ فَذَكَرَ سَجْدَةً، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ الصَّلَوَاتِ هِيَ أَعَادَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا وَيَشْفَعُ وَيُوتِرُ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي بَيْتِهِ أَوْتَرَ، فَلَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ قَالَ سَحْنُونٌ فَإِنْ فَعَلَ فَلْيُعِدْ الْوَتْرَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا يُعِيدُ الْوَتْرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ ذَكَرَ الْمَغْرِبَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَأَوْتَرَ فَلْيُصَلِّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالْوَتْرَ انْتَهَى. فَانْظُرْهُ لَمْ يَحْكِ فِي مَسَائِلِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ إلَّا أَنَّهُ يُعِيدُ الْوِتْرَ، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ وَبَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ يَحْكِهِمَا فِي النَّوَادِرِ إلَّا عَنْ إعَادَةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَحْكِيَا الْقَوْلَيْنِ إلَّا فِي إعَادَةِ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ وَكَذَلِكَ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ مَسَائِلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَعَلَّلَ قَوْلَ سَحْنُونٍ بِأَنَّهُ لَمَّا اُحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ فَرْضَهُ فَقَدْ بَطَلَ فَرْضُهُ فَيُعِيدُ احْتِيَاطًا وَعَلَّلَ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَمَّا اُحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى صَلَاتَهُ لَمْ تَبْطُلْ بِالشَّكِّ وَلِئَلَّا يَقَعَ وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُ الْأَوَّلَ إلَّا لِسَحْنُونٍ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ وَمَسْأَلَةُ إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِلْفَوَائِتِ سَوَاءً لَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْوَتْرَ إذَا أَعَادَ الْعِشَاءَ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ مُخَالِفًا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ قَدَّاحٍ وَمَنْ مَعَهُ وَمِثْلُهُ مَنْ أَعَادَ الْعِشَاءَ لِصَلَاتِهِ إيَّاهَا بِنَجَاسَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَسَمِعْت مَالِكًا فِيمَنْ أَوْتَرَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَأَوْتَرَ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ أَوْتَرَ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: أَرَى أَنْ يَشْفَعَ وَتْرَهُ الْآخَرَ، وَيَجْتَزِئَ بِالْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ فَيَشْفَعُ وَتْرَهُ الْآخَرَ يُرِيدُ إذَا كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ، وَتَكُونُ نَافِلَةً؛ إذْ يَجُوزُ لِمَنْ أَحْرَمَ بِوَتْرٍ أَنْ يَجْعَلَهُ شَفْعًا كَمَا يَجُوزُ لِمَنْ صَلَّى مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ رَكْعَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا أَنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى، وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ شَفْعٍ أَنْ يَجْعَلَهَا وَتْرًا، وَلَا يَبْنِيَ عَلَيْهَا فَرْضًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ السُّنَّةِ أَوْ الْفَرْضِ مُقْتَضِيَةٌ لِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَلَا يَقْتَضِي نِيَّةَ السُّنَّةِ، وَلَا الْفَرْضِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. (قُلْت) ، وَقَدْ حَكَى سَنَدٌ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ خِلَافًا اُنْظُرْهُ. ص (وَضَرُورِيَّةٌ لِلصُّبْحِ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ، فَلَا يَقْضِي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ اتِّفَاقًا، وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ ص (وَنُدِبَ قَطْعُهَا لِفَذٍّ لَا مُؤْتَمٍّ، وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْوَتْرَ فَإِنْ كَانَ فَذًّا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ صَلَاةَ الصُّبْحِ لِأَجْلِ الْوَتْرِ ثُمَّ يُصَلِّيَ الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ ثُمَّ يُعِيدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ، فَلَا يَقْطَعُ الصُّبْحَ لِأَجْلِ الْوَتْرِ بَلْ يَسْتَمِرُّ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذِهِ إحْدَى مَسَاجِينِ الْإِمَامِ وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمَامِ هَلْ يَقْطَعُ الصُّبْحَ لِأَجْلِ الْوَتْرِ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَيْ فِي اسْتِحْبَابِ الْقَطْعِ وَالْبِنَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنِ الْفَذِّ وَغَيْرِهِ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ خَلْفَ إمَامٍ فِي الصُّبْحِ أَوْ وَحْدَهُ فَذَكَرَ الْوَتْرَ فَقَدْ اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يَقْطَعَ وَيُوتِرَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ؛ لِأَنَّ الْوَتْرَ سُنَّةٌ، وَهُوَ لَا يَقْضِي بَعْدَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَرْخَصَ مَالِكٌ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَمَادَى انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا: لَا يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ بِخِلَافِ الْفَذِّ عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ فَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِقَطْعِهِ وَتْرَهُ تَفُوتُهُ جَمَاعَةُ

الصُّبْحِ فَلَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُدْرِكُ رَكْعَةً مِنْهَا قَطَعَ وَكَانَ كَالْفَذِّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ مُنِعَ مِنْ الْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا حُرْمَةُ الْمَكْتُوبَةِ فَقَطْ، وَحُرْمَةُ الْمَكْتُوبَةِ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ الْفَذِّ، وَلَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْقَطْعِ انْتَهَى. (الثَّانِي) : زَادَ فِي الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَلَكِنَّ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ بِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَنْ يَقْطَعَ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَ إمَامٍ فِيمَا رَأَيْتُهُ وَوَقَفْت عَلَيْهِ فَرَأَيْت ذَلِكَ أَحَبَّ إلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَسْقَطَهُ الْبَرَاذِعِيّ فِي اخْتِصَارِهِ (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْوَتْرَ فَلْيَقْطَعْ كَانَ إمَامًا أَوْ وَحْدَهُ أَوْ مَأْمُومًا إلَّا أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا وَرَوَى مِثْلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ انْتَهَى. وَالْقَصْدُ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْقَطْعِ مَا لَمْ يُسْفِرْ جِدًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ الْفَذَّ يَقْطَعُ سَوَاءٌ رَكَعَ أَوْ لَمْ يَرْكَعْ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي التَّفْرِقَةِ فِي عَقْدِ رَكْعَةٍ قَوْلَانِ قَالَ الْقَابِسِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ الَّذِي قَدَّمَهُ ابْنُ بَشِيرٍ: الْقَطْعُ مُطْلَقًا عَقَدَ أَمْ لَمْ يَعْقِدْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ وَالشَّامِلِ وَالْقَرَافِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْكَعَ أَمْ لَا وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِبَعْضِ شُيُوخِهِ، وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: إنَّمَا الْخِلَافُ مَا لَمْ يَرْكَعْ فَإِنْ رَكَعَ تَمَادَى فَذًّا كَانَ أَوْ إمَامًا (قُلْت) وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ، ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّهْذِيبِ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ الْقَطْعُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: يَقْطَعُ الصُّبْحَ لِذِكْرِ الْوَتْرِ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَالصَّحِيحُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ قَالَ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْطَعُ لِذِكْرِ الْوَتْرِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: تَعَقَّبَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ بِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الْمَأْمُومَ يَقْطَعُ انْتَهَى. (قُلْت) وَيُتَعَقَّبُ أَيْضًا قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَ الْوَتْرَ فِي الْفَجْرِ فَاَلَّذِي كُنْتُ أَقُولُ بِهِ إنَّهُ يَقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَقْطَعُ فِي الصُّبْحِ فِي قَوْلٍ فَأَحْرَى أَنْ يَقْطَعَ هُنَا، وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ لَا يَرْتَضِي ذَلِكَ مِنِّي، وَيَعْتَلُّ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْطَعْ فِي الصُّبْحِ فَاتَ الْوَتْرُ، وَهَا هُنَا إذَا تَمَادَى عَلَى الْفَجْرِ لَا يَفُوتُ بَلْ يُعِيدُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ فِيمَنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا وَيُعِيدُ الْفَجْرَ حَسْبَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ بَعْدُ، وَكَانَ شَيْخُنَا - حَفِظَهُ اللَّهُ - يَحْمِلُهُ عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا تُعَادُ الْفَرَائِضُ فِي التَّرْتِيبِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ انْتَهَى. (قُلْت) : مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا، وَنَصَّهُ سَحْنُونٌ وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْفَجْرَ صَلَّاهَا، وَأَعَادَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر انْتَهَى. وَقَبِلَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا صَلَّى الْمَنْسِيَّةَ كَمَا يُعِيدُ الصُّبْحَ إذَا صَلَّاهَا فَأَعْطَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حُكْمَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي التَّرْتِيبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَا انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ ذَكَرَ الْوَتْرَ أَنَّهُ يُصَلِّي الْوَتْرَ، وَيُعِيدُ الْفَجْرَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِصَلَاةِ سُنَّةٍ انْتَهَى. مِنْ آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ انْتَهَى. وَانْظُرْ ابْنَ نَاجِي الْكَبِيرَ (السَّابِعُ) : إذَا قُلْنَا يَقْطَعُ الْإِمَامُ، فَهَلْ يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ كَمَا إذَا ذَكَرَ الْمَأْمُومُ صَلَاةً قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فَإِذَا قَطَعَ صَلَاتَهُ بِالْكَلَامِ فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ صَحِيحَةٌ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. ص (وَإِنْ لَمْ

يَتَّسِعْ الْوَقْتُ إلَّا لِرَكْعَتَيْنِ تَرَكَهُ لَا لِثَلَاثٍ) ش: الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ: الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ نَسِيَ الْوَتْرَ أَوْ نَامَ عَنْهُ حَتَّى أَصْبَحَ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوتِرَ وَيَرْكَعَ لِلْفَجْرِ، وَيُصَلِّيَ الصُّبْحَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْوَتْرِ وَالصُّبْحِ صَلَّاهُمَا، وَتَرَكَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الصُّبْحِ صَلَّاهَا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلْوَتْرِ، وَإِنْ أَحَبَّ رَكَعَ الْفَجْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَإِنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ إذَا صَلَّوْا فِيهِ كَانُوا مُؤَدِّينَ قَالَ: وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَقِيلَ: قَاضٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مُؤَدٍّ عَاصٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقِيلَ: مُؤَدٍّ وَقْتَ كَرَاهَةٍ وَرَدَّهُ اللَّخْمِيُّ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّأْثِيمِ وَرَدَ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ أَنْ يَرْكَعَ الْوَتْرَ، وَإِنْ فَاتَتْ رَكْعَةٌ مِنْ الصُّبْحِ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ وَلِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ: وَقَوْلُهُ: وَرَدَ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ إلَى آخِرِهِ أَيْ رَدَّ الْإِجْمَاعَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا رَكْعَتَانِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْوَتْرَ أَنَّهُ يُصَلِّي الْوَتْرَ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَرَكْعَةً خَارِجَهُ، وَلَوْ كَانَ الْإِجْمَاعُ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ لَلَزِمَ تَقْدِيمُ الصُّبْحِ حَتَّى لَا يَحْصُلَ الْإِثْمُ، وَيُتْرَكَ الْوَتْرُ الَّذِي لَا إثْمَ فِيهِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ قَالَ هُنَا: وَفِي بَابِ الْوَتْرِ الْمَنْصُوصُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: تَقْدِيمُ الصُّبْحِ وَإِنَّمَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَصْبَغَ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي بَابِ الْوَتْرِ، وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ إلَّا عَنْ رَكْعَةٍ فَالصُّبْحُ، وَإِذَا اتَّسَعَ لِثَانِيَةٍ فَالْوَتْرُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَيَلْزَمُ الْقَائِلَ بِالتَّأْثِيمِ تَرْكُهُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ فِي كَلَامِهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ أَنَّهُ قَوْلُ أَصْبَغَ وَأَنَّ مُقَابِلَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ وَيُقَالُ: إنَّ مُتَقَدِّمِي الشُّيُوخِ كَانُوا إذَا نُقِلَتْ لَهُمْ مَسْأَلَةٌ مِنْ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهِيَ فِيهَا مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي غَيْرِهَا عَدُّوهُ خَطَأً فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا مُخَالِفًا انْتَهَى. ص (وَلِخَمْسٍ صَلَّى الشَّفْعَ، وَلَوْ قَدَّمَ) ش: عَزَا هَذَا الْقَوْلَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَصْبَغَ، وَلَمْ يَعْزُ مُقَابِلَهُ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا رَكْعَتَانِ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ، وَأَدْرَكَ الصُّبْحَ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعٌ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، وَأَدْرَكَ الصُّبْحَ بِوَاحِدَةٍ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَسْمٍ أَسْلَمَ إنْ ذَكَرَ الْوَتْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ رَكَعَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ شَفَعَ ابْنُ رُشْدٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَ الْوَتْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَكَانَ رَكَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ لَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ عَلَى مَا فِي رَسْمٍ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ عِيسَى قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِمَا جَاءَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. ، وَمَا حَكَاهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاتِّفَاقِ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ وَعَزَاهُمَا لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ سَمَاعِ عِيسَى لَكِنَّهُ عَزَاهَا لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَيْسَتْ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَدْ ظَهَرَ قُوَّةُ الْقَوْلِ أَنَّهُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لِحِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ص (وَلِسَبْعٍ زَادَ الْفَجْرَ) ش: هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ تَنَفَّلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ لَا يُعِيدُ الشَّفْعَ فَتَأَمَّلْهُ ص (وَهِيَ رَغِيبَةٌ تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا) ش: وَرَوَى أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَدَعُوهُمَا، وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَمَعْنَى طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ أَيْ تَبِعَتْكُمْ الْخَيْلُ وَكَانَتْ فِي أَثَرِكُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ مَرَّ فُلَانٌ يَطْرُدُهُمْ أَيْ يَشَلُّهُمْ وَيَكْسُوهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ السَّلَامِ شَلَلْت الْإِبِلَ أَشَلُّهَا شَلًّا إذَا

طَرَدْتهَا انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ كَسَأْتُهُ تَبِعْتُهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إذَا هُزِمَ الْقَوْمُ فَمَرَّ، وَهُوَ يَطْرُدُهُمْ: مَرَّ فُلَانٌ يَكْسُوهُمْ وَيَكْسَعُهُمْ أَيْ يَتْبَعُهُمْ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا رَغِيبَةٌ قَالَ الشَّارِحُ: هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ لِقَوْلِهِ: وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ، وَقِيلَ: مِنْ السُّنَنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ وَبِهِ أَخَذَ أَشْهَبُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. (قُلْت) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ ابْنُ غَلَّابٍ فِي وَجِيزِهِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ السُّنِّيَّةُ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ ص (وَلَا تُجْزِئُ إنْ تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ إحْرَامِهَا لِلْفَجْرِ، وَلَوْ بِتَحَرٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى طُلُوعَ الْفَجْرِ فَصَلَّاهُمَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَهُمَا مَعَ التَّحَرِّي إذَا ظَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَنَدٌ: لِأَنَّهُ إذَا تَحَرَّى الْفَجْرَ مُنِعَ مِنْ النَّفْلِ فِيهِ، فَإِذَا فَعَلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَدْ أَوْقَعَهُمَا فِي وَقْتٍ ثَبَتَ لَهُ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ انْتَهَى. وَهُمَا بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوَقْتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنَابَتْ عَنْ التَّحِيَّةِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ يَرْكَعُ التَّحِيَّةَ ثُمَّ يَرْكَعُ انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشَّيْخِ زَرُّوق ص (وَإِنْ فَعَلَهَا بِبَيْتِهِ لَمْ يَرْكَعْ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَرْكَعُ وَجَعَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ مَشْهُورًا أَيْضًا قَالَ: وَعَلَيْهِ يَنْوِي بِرُكُوعِهِ النَّافِلَةَ أَوْ إعَادَةَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فَنِيَّةُ النَّافِلَةِ تَعْوِيلٌ عَلَى الْأَمْرِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَنِيَّةُ الْإِعَادَةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الرَّفْضِ انْتَهَى. ص (وَلَا يَقْضِي غَيْرَ فَرْضٍ إلَّا هِيَ فَلِلزَّوَالِ) ش هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يَقْضِيهِمَا (تَنْبِيهٌ) ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ نَامَ عَنْ الصُّبْحِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّيهِمَا مَعَ الصُّبْحِ بَعْدَ الشَّمْسِ، وَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهُمَا يَوْمَ الْوَادِي، وَقَالَ أَشْهَبُ بَلَغَنِي وَيَقْضِيهِمَا، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ وَيُعَضِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي حَدِيثِ الْوَادِي، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ هَلْ يُصَلِّي قَبْلَهَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد إلَى الْأَخْذِ بِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الصُّبْحِ الْفَائِتَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ أَخْذًا بِحَدِيثِ

ابْنِ شِهَابٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَلِأَنَّهَا تَزْدَادُ بِصَلَاةِ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَوْتًا انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَإِذَا نَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُصَلِّي الصُّبْحَ خَاصَّةً ثُمَّ يُصَلِّي الْفَجْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ الصُّبْحِ يَكُونُ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لِلصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا فَذَلِكَ وَقْتُهَا» ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُصَلِّي الْفَجْرَ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأَتَمِّ اخْتِصَارٍ فَقَالَ: فَإِنْ فَاتَتَاهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ حَالِ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ، وَلَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَهَلْ قَضَاءً أَوْ يَنُوبَانِ عَنْهُمَا قَوْلَانِ، وَعَلَى الْقَضَاءِ فَالْمَشْهُورُ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ الْمَقْضِيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُهُمَا وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ مِنْ التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ ذَكَرَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَقَطْ، وَمَا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاهُمَا حِينَ نَامَ عَنْ الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ بَلَغَنِي ذَلِكَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ. (قُلْت) وَحَكَى ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ كَأَشْهَبَ قَالَ: وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّاهُمَا حِينَ نَامَ يَوْمَ الْوَادِي ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ» انْتَهَى. وَكَانَ ابْنُ نَاجِي لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ عَزَا فِيهِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُصَلِّي الْفَجْرَ أَوَّلًا ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ لِأَشْهَبَ وَابْنِ زِيَادٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَهُ نَحْوُهُ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ فَإِذَا ذَكَرَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نَسِيَ الصُّبْحَ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ جَمِيعًا أَوْ يَكُونَ صَلَّى الْفَرْضَ وَنَسِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَهُمَا فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي الصُّبْحَ دُونَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَمَا بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حِينَ نَامَ عَنْ الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ بَلَغَنِي وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ وَجَّهَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِنَحْوِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ الْأَخِيرَ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ (تَنْبِيهٌ) مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي أَوَائِلِ الْمُنْتَقَى فِي تَرْجَمَةِ النَّوْمِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْوَادِي: مَسْأَلَةٌ، وَهَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ قَبْلَهَا أَمْ لَا؟ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى تُصَلَّى الْفَرِيضَةُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَهَذَا يَنْفِي فِعْلَ صَلَاةٍ قَبْلَهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ يَتَعَيَّنُ وَقْتُهَا بِالذِّكْرِ، وَهُوَ مِقْدَارُ مَا تُفْعَلُ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ غَيْرَهَا فِيهِ كَمَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا الْمُعَيَّنُ لَهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ شَيْطَانٌ قَالَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» ، وَقَالَ يَعْقُوبُ ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ أُقِيمَتْ الصُّبْحُ، وَهُوَ بِمَسْجِدٍ تَرَكَهَا، وَخَارِجَهُ رَكَعَهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي رَسْمٍ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ قَاعِدٌ فَيَقْعُدُ مَعَهُ أَتَرَى أَنْ يُكَبِّرَ حِينَ يَقْعُدُ أَوْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يَفْرُغَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ: أَمَّا إذَا قَعَدَ مَعَهُ فَأَرَى أَنْ يُكَبِّرَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَيَقْعُدُ مَعَهُ

فصل صلاة الجماعة

فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ فَرَكَعَ الْفَجْرَ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى وَأَحْسَنُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فِي وَقْتِهِمَا فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِلدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى مَا جَاءَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْقَوْمَ جُلُوسًا فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى. (وَالثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقْتَ الْإِقَامَةِ هَلْ يَرْكَعُ الْفَجْرَ حِينَئِذٍ فَأَجَابَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَأَعْرِفُ لِابْنِ الْجَلَّابِ: أَنَّهُ يَخْرُجُ وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَرْجِعُ، وَأَمَّا الْوَتْرُ، فَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ وَرُكُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِالصُّبْحِ ثُمَّ قَالَ: وَلِهَذَا يُسْكِتُ الْإِمَامُ مُقِيمَ الصَّلَاةِ فِيهِ دُونَ الْفَجْرِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ ذِكْرِ الْوَتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ، قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَإِذَا ذَكَرَ الْوَتْرَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ الصُّبْحُ فَلْيَخْرُجْ وَلْيُصَلِّهَا، وَلَا يَخْرُجْ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ انْتَهَى. وَنَصَّ عَلَى تَسْكِيتِ الْإِمَامِ فِي الْوَتْرِ دُونَ الْفَجْرِ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : إذَا دَخَلَ الْإِمَامُ الْمَسْجِدَ، وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ الْفَجْرَ فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةَ، فَهَلْ يُسْكِتُ الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ أَمْ لَا؟ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسْكِتُهُ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ أَنَّهُ لَا يُسْكِتُهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْقَوْلَ لِرِوَايَةِ الصَّقَلِّيِّ، وَلَمْ يَعْزُهُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ أَفْتَى السُّيُورِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ص (وَهَلْ الْأَفْضَلُ كَثْرَةُ السُّجُودِ أَوْ طُولُ الْقِيَامِ قَوْلَانِ) ش: اسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِي رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَنَصُّهُ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ أَوْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ اسْتِوَاءِ مُدَّةِ الصَّلَاةِ فَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ رَكَعَ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ أَيُّ الصَّلَوَاتِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ» ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ طُولُ الْقِيَامِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْطِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُصَلِّي بِطُولِ الْقِيَامِ أَفْضَلَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَى بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَعَاتِقَيْهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ» لَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ؛ إذْ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْطِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدٍ بِطُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. [فَصَلِّ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] ص (فَصْلٌ الْجَمَاعَةُ بِفَرْضٍ غَيْرِ جُمُعَةٍ سُنَّةٌ) ش: هَذَا فَصْلٌ يَذْكُرُ فِيهِ حُكْمَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَشُرُوطَ الْإِمَامِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ حُكْمَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ، وَكَثِيرُهُمْ يَقُولُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: مَنْدُوبَةٌ مُؤَكَّدَةُ الْفَضْلِ، وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: مَنْدُوبَةٌ يُحَثُّ عَلَيْهَا، وَجَمَعَ ابْنُ رُشْدٍ بَيْنَ الْأَقْوَالِ، فَقَالَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، سُنَّةٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، فَضِيلَةٌ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّتِهِ، وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ إذَا تَمَالَأَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قُوتِلُوا، فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يُقَاتَلُونَ لِتَهَاوُنِهِمْ بِالسُّنَنِ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَطَاءٌ وَدَاوُد: إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنْ الرِّجَالِ الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا كَالْجُمُعَةِ وَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ الْفَذَّ الصَّلَاةُ

فرع صلوا الصبح جماعة وارتحلوا ولم ينزلوا إلا بعد العشاء

إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ النَّاسِ، وَبَعْدَ أَنْ لَا يَجِدَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِمَّنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ: إنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَانْظُرْ شَرْحَ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ وَقَوْلُهُ: بِفَرْضٍ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ كَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَهُوَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ أَمَّا إخْرَاجُ النَّوَافِلِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُطْلَبُ فِيهَا إلَّا فِي قِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا السُّنَنُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: غَيْرُ جُمُعَةٍ اسْتِثْنَاءٌ لِلْجُمُعَةِ مِنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهَا أَيْ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَاَلَّذِي يُفْهَمُ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهَا غَيْرُ سُنَّةٍ فَقَطْ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ عِيَاضٌ فِي تَرْتِيبِ الْمَسَالِكِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ يَلْزَمُ إقَامَتُهَا أَهْلَ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى الْمُجْتَمَعَةِ وَأَرْكَانُهَا: أَرْبَعَةٌ مَسْجِدٌ مُخْتَصٌّ بِالصَّلَاةِ، وَإِمَامٌ يَؤُمُّ فِيهَا وَمُؤَذِّنٌ يَدْعُو إلَيْهَا، وَجَمَاعَةٌ يَجْمَعُونَهَا أَمَّا الْمَسْجِدُ فَيُبْنَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْجَمَاعَةِ بِنَاؤُهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْيَاءَ السُّنَنِ الظَّاهِرَةِ، فَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، وَإِنْ وُجِدَ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ اسْتِئْجَارُهُمَا، وَقِيلَ: ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ الِاجْتِمَاعِ أُجْبِرُوا عَلَى إحْضَارِ عَدَدٍ يَسْقُطُ بِهِ الطَّلَبُ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، وَلَا يُكْتَفَى بِاثْنَتَيْنِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ الْجَمْعِ؛ إذْ لَا يَقَعُ بِهِمَا شُهْرَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِنْ الْقَرَارِ وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ بِحَيْثُ يُخَاطَبُونَ بِالْجُمُعَةِ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً وَحُضُورُهَا وَاجِبٌ وَيُطْلَبُ مِنْهُمْ عَدَدٌ تَقُومُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَالْمَسْجِدُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: وَالْإِمَامَةُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُسَارِعَ إلَيْهَا، وَلَا يَتْرُكَهَا رَغْبَةً عَنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ جَمَاعَةً تَرَادُّوا الْإِمَامَةَ بَيْنَهُمْ فَخُسِفَ بِهِمْ انْتَهَى. [فَرْعٌ صَلَّوْا الصُّبْحَ جَمَاعَةً وَارْتَحَلُوا وَلَمْ يَنْزِلُوا إلَّا بَعْدَ الْعِشَاء] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مَسْأَلَةٌ مُسَافِرُونَ صَلَّوْا الصُّبْحَ جَمَاعَةً وَارْتَحَلُوا فَلَمْ يَنْزِلُوا إلَّا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا فَإِنَّهُمْ يُجْمِعُونَ مَا تَرَكُوا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً لِاتِّحَادِهَا عَلَيْهِمْ فَتُطْلَبُ مِنْهُمْ الْجَمَاعَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رَسْمٍ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَا تَتَفَاضَلُ) ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ لَا نِزَاعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِشُمُولِ الدُّعَاءِ وَسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ وَكَثْرَةِ الرَّحْمَةِ وَقَبُولِ الشَّفَاعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِعَادَةَ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ لَا تَزِيدُ، وَإِنْ حَصَلَتْ فَضَائِلُ أُخَرُ لَكِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى جَعْلِهَا سَبَبًا لِلْإِعَادَةِ وَابْنُ حَبِيبٍ يَرَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ تَنْبِيهٌ: أَظُنُّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْجَمَاعَةُ لَا تَتَفَاضَلُ أَنَّ مَنْ صَلَّى مَعَ أَقَلِّ الْجَمَاعَةِ لَا يُعِيدُ مَعَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى مَعَ فُسَّاقٍ ثَلَاثَةٍ كَمَنْ صَلَّى مَعَ مِائَةٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الذَّخِيرَةِ ص (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُهَا بِرَكْعَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَدُّ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَنْ يُمَكِّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَسَنَدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَفُوتَ الرَّكْعَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ بِتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ بِأَقَلَّ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَدُّهَا إمْكَانُ يَدَيْهِ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ إمَامِهِ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أَدْرَكَ الْقَوْمَ رُكُوعًا يَعْتَدُّ بِهَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ أَشْهَبَ (قُلْت) لَعَلَّهُ لَازِمُ قَوْلِهِ: عَقْدُ الرَّكْعَةِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ. (قُلْت) : لَوْ زُوحِمَ عَنْ سُجُودِ الْأَخِيرَةِ مُدْرِكُهَا حَتَّى سَلَّمَ إمَامُهُ فَأَتَى بِهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي كَوْنِهِ فِيهَا فَذًّا أَوْ جَمَاعَةً قَوْلَانِ مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي مِثْلِهِ فِي جُمُعَةٍ يُتِمُّهَا ظُهْرًا أَوْ جَمَاعَةً الصَّقَلِّيُّ وَابْنُ رُشْدٍ يُدْرِكُ فَضْلَهَا بِجُزْءٍ قَبْلَ

سَلَامِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَانِينِ فِي الْبَابِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: مَنْ رَكَعَ فَمَكَّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ - فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ النَّفْلِ: وَإِنْ أُقِيمَتْ الصُّبْحُ، وَهُوَ بِمَسْجِدٍ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ فَضْلَهَا يَحْصُلُ بِإِدْرَاكِ الْجُلُوسِ، وَفِي بَابِ قَضَاءِ الْمَأْمُومِ مِنْ النَّوَادِرِ قَالَ: وَمِنْ الْمُخْتَصَرِ وَمَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ جَالِسًا فَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُكَبِّرَ وَيَجْلِسَ فَإِنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَأُخْرَى يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِمَامِ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ الْآخِرَ فَضَحِكَ الْإِمَامُ فَأَفْسَدَ فَأَحَبُّ إلَيَّ لِمُدْرِكِ التَّشَهُّدِ أَنْ يَبْتَدِئَ احْتِيَاطًا، أَلَا تَرَاهُ أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ اتِّبَاعًا لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَاسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ فَأَتَمَّ بِهِمْ قَامَ يَقْضِي لِنَفْسِهِ فَضَحِكَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الْقَوْمُ احْتِيَاطًا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَهَى. وَبِالْأُولَى مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ رَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ: بِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْجُلُوسِ وَنَصَّهُ الصَّقَلِّيُّ وَابْنُ رُشْدٍ يُدْرِكُ فَضْلَهَا بِجُزْءٍ قَبْلَ سَلَامِهِ. (قُلْت) : نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَضَحِكَ الْإِمَامُ فَأَفْسَدَ فَأُحِبُّ لِلْمُدْرِكِ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ احْتِيَاطًا خِلَافَهُ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا حُكْمُ الْإِمَامَةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ، وَأَمَّا الْفَضْلُ فَيَحْصُلُ لِمَا وَرَدَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ لِصَلَاتِهِ فَضْلًا عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَدُّ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّ كَلَامَ النَّوَادِرِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُدْرِكُ حُكْمَ الْإِمَامَةِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ رَكْعَةً، وَدَخَلَ مَعَهُمْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ قَالَ: إذَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلَاةِ مَا يَدْخُلُ بِهِ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُؤْتَمُّ بِهِ حِينَئِذٍ فِي صَلَاتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ لِلْقَضَاءِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَانْظُرْ آخِرَ السَّهْوِ مِنْ التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمَنْ أَحْرَمَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَلَا يَبْتَدِئْهَا ثُمَّ إنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ طَالَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَمْ تَبْطُلْ عَلَى هَذَا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَمَعْنَى فَضْلِهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَانْظُرْ مَنْ فَاتَهُ أَوَّلَهَا اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا أَمَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ قَالَ الْحَفِيدُ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ إلَّا إذَا فَاتَهُ بَاقِيهَا لِمَانِعٍ، وَأَمَّا إذَا فَاتَهُ ذَلِكَ عَنْ اخْتِيَارٍ وَتَفْرِيطٍ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا، وَانْظُرْ مَا قَالَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ مَا قَالَهُ الْحَفِيدُ وِفَاقًا لِلْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ يَعْنِي أَدْرَكَ فَضْلَهَا وَحُكْمَهَا فَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَوَّلِهَا كَامِلًا وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ فَيَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، وَيَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ لِسَهْوِهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، وَسَلَامُهُ كَسَلَامِ الْمَأْمُومِ وَيَبْنِي فِي الرُّعَافِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَهُ إعَادَتُهَا فِي جَمَاعَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: هُنَا مَسْأَلَةٌ لَا أَعْلَمُهَا مَنْصُوصَةٌ لِأَهْلِ الْفُرُوعِ بَلْ لِأَئِمَّةِ الْأُصُولِ، وَهِيَ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ مَثَلًا ظُهْرَ يَوْمِ الْأَحَدِ ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةُ بِعَيْنِهَا مِنْ يَوْمِهَا فَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ لَهُمْ قَضَاؤُهَا جَمَاعَةَ يَوْمٍ اتِّفَاقًا، وَمِنْ يَوْمَيْنِ قَوْلَانِ، فَهَلْ يَصِحُّ لَهُ إعَادَتُهَا مَعَهُمْ ظَاهِرُ الْكِتَابِ: يَجُوزُ وَعَرَضْتُهُ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ فَقَالَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قُلْت، وَاَلَّذِي

عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ قَالَ: لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمْ الْإِعَادَةَ بِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْإِعَادَةِ بِالْوَقْتِ الْمَشَذَّالِيُّ إنَّمَا عَلَّلُوا الْإِعَادَةَ بِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَذَلِكَ مُقْتَضَى الْإِعَادَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْإِعَادَةُ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْتِ أَمَّا لَوْ صَلَّى شَخْصٌ فِي الْوَقْتِ وَحْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِالْإِعَادَةِ مَعَهُمْ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ظُهْرَ يَوْمِ الْأَحَدِ ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ الْفَائِتَةِ يُخْرِجُ وَقْتَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: يَصِحُّ لَهُمْ قَضَاؤُهَا جَمَاعَةً ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُطْلَبُونَ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبُرْزُلِيُّ بِأَنَّهُمْ يُطْلَبُونَ بِذَلِكَ فِي رَسْمٍ ضَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت لِسَنَدٍ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَقْتِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ وَنَصُّهُ إثْرَ قَوْلِ الْإِمَامِ: مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَلَا يُعِيدُ، أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إعَادَةَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ مُرَغَّبُ فِيهِ فِي الشَّرْعِ، وَلَهُ إعَادَةُ الْفَذِّ فِي جَمَاعَةٍ مَا دَامَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَلَا يُعِيدُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ لِمَنْ صَلَّى جَمَاعَةً أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرِهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي الْحَدِيثِ التَّاسِعَ عَشَرَ لِزَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ صَلَّاهَا فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ فَذًّا إنَّهُ لَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَقَطْ قُصُورٌ وَإِلْزَامٌ، اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ إعَادَةُ جَامِعٍ فِي غَيْرِهَا فَذًّا فِيهَا يُرَدُّ بِأَنَّ جَمَاعَتَهَا أَفْضَلُ مِنْ فَذِّهَا وَتَمَسَّكَ الْمَازِرِيُّ مَعَهُ بِقَوْلِهِ فِيهَا: مَنْ أَتَى أَحَدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ، وَقَدْ جُمِعَ فِيهِ رَاجِيًا جَمَاعَةً فِي غَيْرِ صَلَاتِهِ فَذًّا فِيهِ أَفْضَلَ مِنْهَا جَمَاعَةً فِي غَيْرِهِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْجِيحِ فِعْلٍ مَفْضُولٍ عَنْهُ جَوَازُ إعَادَتِهِ بَعْدَ فِعْلِ مَفْضُولِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى كَتَرْجِيحِ جَمَاعَةٍ كُبْرَى عَلَى صُغْرَى، وَإِمَامٍ فَاضِلٍ عَلَى مَفْضُولٍ بَلْ اللَّازِمُ أَحْرَوِيَّةُ إعَادَةِ فَذٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَذَّ يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَقَيَّدَ بِهِ الْمُدَوَّنَةَ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ كُلِّ مُخَالِفٍ وَمُوَافِقٍ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمُضْعِفَةِ، فَإِذَا كُنَّا نَقُولُ: إنْ صَلَّاهَا فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ فَذًّا أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِهَا، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّاهَا فِي ثَلَاثَةٍ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ ثُمَّ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْجَمَاعَةِ إذَا صَلَّى فَذًّا لِيَحْصُلَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً فَكَيْفَ لَا نَأْمُرُهُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْجَمَاعَةِ إذَا صَلَّى فَذٌّ لِيَحْصُلَ لَهُ الْأَلْفُ وَالْمِئُونَ فَإِنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَدْرَكَهَا فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ، فَهَلْ يُعِيدُهَا فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَدَاوُد إلَى أَنَّهُ يُعِيدُ انْتَهَى. قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِ بَيْتِهِ مَعَ رَجُلٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ هُوَ وَاَلَّذِي صَلَّى مَعَهُ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَخْرُجْ، وَلَا يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُعِدْهَا فِي جَمَاعَةٍ إلَّا تَكُونُ الَّتِي صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بِإِيلْيَاءَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَوَجَدَهُمْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ، وَذَلِكَ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ثُمَّ دَخَلَ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ، وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ أَيْضًا فِيمَنْ أَتَى مَسْجِدًا فَوَجَدَ أَهْلَهُ قَدْ فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ فَطَمِعَ أَنْ يُدْرِكَهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ فِي جَمَاعَةِ يَجْمَعُهَا مَعَهُمْ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ إنْ أَحَبَّ وَيَذْهَبَ إلَى

حَيْثُ يَرْجُو إدْرَاكَ الصَّلَاةِ فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ الْمُفَضَّلَةِ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا وَلِيُصَلِّ وَحْدَهُ فِيهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ فِيهَا فَذًّا خَيْرٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى مَعَ الْوَاحِدِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ لِفَضْلِ تِلْكَ الْبِقَاعِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: خِلَافُهُ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ: مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا وَاحِدٌ، فَلَا يُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى جَمَاعَةً بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهُمْ، وَذَلِكَ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: يُخَالِفُ مَا قَالَ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ إعَادَةَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَلَا يَسْتَفْصِلُ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرَادَى فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِيمَنْ تَفُوتُهُ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ: إنَّهُ يَخْرُجُ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَبْعُدُ فِي هَذَا أَنْ يُعِيدَهَا فِي جَمَاعَةٍ مَنْ جَمَعَ فِي غَيْرِهَا، وَلَهُ وَجْهٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ لَمَّا تَضَاعَفَتْ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً أُعِيدَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ فِي جَمَاعَةٍ لِتَحْصِيلِ هَذَا التَّضْعِيفِ فَكَيْفَ بِمَا يُضَاعَفُ أَلْفَ ضِعْفٍ انْتَهَى. فَانْظُرْ قَوْلَ الْقَاضِي سَنَدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا اللَّخْمِيُّ مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي ذَلِكَ لِمَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَادِرِ وَلِذَا اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ وَمَنْ تَبِعَهُ لِعَزْوِهِمْ ذَلِكَ لِابْنِ حَبِيبٍ مَعَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْأُمِّ، وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَتَى الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ صَلَّى أَهْلُهُ، وَطَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ جَمَاعَةً أُخْرَى مِنْ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ غَيْرِ مَسْجِدٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى تِلْكَ الْجَمَاعَةِ قَالَ، وَإِنْ أَتَى قَوْمٌ، وَقَدْ صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيُجْمِعُوا، وَهُمْ جَمَاعَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ، فَلَا يَخْرُجُوا وَلْيُصَلُّوا وُحْدَانًا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ أَعْظَمُ أَجْرًا لَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ فِي الْجَمَاعَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَرَى مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِثْلَهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ قَالَ دَخَلْت مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَسْجِدَ الْجُحْفَةَ، وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالُوا: أَلَا نُجْمِعَ الصَّلَاةَ فَقَالَ سَالِمٌ: لَا تُجْمَعُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ انْتَهَى. لَفْظُ الْأُمِّ (الثَّانِي) قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَالَ شُيُوخُنَا: مَعْنَاهُ لِمَنْ قَدْ دَخَلَ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا، وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ حَتَّى صَلَّى أَهْلُهُ لَهُ أَنْ يُجْمِعَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ دَخَلَ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي (قُلْت) ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَلْيُصَلُّوا فِيهِ أَفْذَاذًا، وَهُوَ أَعْظَمُ لِأَمْرِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ الدُّخُولَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ وَيُصَلِّي فِيهِ مُنْفَرِدًا، وَلَا يُصَلِّي دُونَهُ فِي جَمَاعَةٍ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهَا انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: أَنْ يَخْرُجُوا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: لَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ إعَادَتُهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَأْمُومَ مُحْدِثٌ، فَهَلْ يُعِيدُ الْإِمَامُ فِي جَمَاعَةٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ إذَا ذَكَرَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، وَبَعْضُهُمْ تَوَقَّفَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ: وَإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ هَلْ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَنْ يُعِيدَ مُفَوِّضًا

مَأْمُومًا) ش هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْوَالِ كَذَا شَهَرَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَعَ التَّفْوِيضِ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّ نِيَّةَ التَّفْوِيضِ لَا يُنْوَى بِهَا فَرْضٌ، وَلَا غَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا أَعَادَ لَا يَتَعَرَّضُ لِتَخْصِيصِ نِيَّةٍ أَوْ يَنْوِي الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ أَوْ إكْمَالَ الْفَرِيضَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: الْمُعِيدُ لِصَلَاتِهِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالصَّبِيُّ لَا يَتَعَرَّضَانِ لِفَرْضٍ، وَلَا نَفْلٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ سَنَدٍ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَمَّنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ الْقَوْمَ، وَلَمْ يُصَلُّوا هَلْ يَتَنَفَّلُ؟ قَالَ: إنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الصَّلَاةَ، فَلَا يَتَنَفَّلُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِلْغُرُوبِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ، وَهَذَا فِي النَّوَافِلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنَّمَا يُعِيدُ الْعَصْرَ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّى وَحْدَهُ بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا صَلَاتُهُ، وَمَنْ جَعَلَ الْأُولَى صَلَاتَهُ، وَالثَّانِيَةَ نَافِلَةً لَا يُجِيزُ لَهُ إعَادَةَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ؛ إذْ لَا نَافِلَةَ بَعْدَهُمَا انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ فَوَائِدَ هَذَا الْكَلَامِ. وَنَحْوُ هَذَا مَا قَالَهُ سَنَدٌ فِي آخِرِ الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، وَنَصُّهُ فَرْعٌ، وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ جَاءَ لِيَطُوفَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُمْ، وَإِنْ طَافَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ لَا يَرْكَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهُوَ بَيِّنٌ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا أَعَادَ الْفَرْضَ فَقَطْ بِالسُّنَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ وَلَهُ بَنُونَ صِغَارٌ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيَجِدُ النَّاسَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَيُصَلِّي مَعَهُمْ فَيَذْكُرُ عِنْدَ فَرَاغِهِ أَنَّ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الْبَيْتِ صَلَّاهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَمْ يَعْمِدْ صَلَاحَ تِلْكَ بِهَذِهِ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ: صَلَاتُهُ الَّتِي صَلَّى عَلَى الطُّهْرِ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ فِيهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَهُ وَلِأَشْهَبَ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ وَإِنَّمَا دَخَلَ مَعَهُ بِنِيَّةِ الْإِعَادَةِ لِصَلَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا فَوَجَبَ أَنْ تُجْزِئَهُ إنْ بَطَلَتْ الْأُولَى، وَأَنْ تُجْزِئَهُ الْأُولَى إذَا بَطَلَتْ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهُمَا جَمِيعًا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ كَالْمُتَوَضِّئِ يَغْسِلُ وَجْهَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ فِي بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ مَا عَمَّ بِهِ مِنْهُمَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلَّذِي سَأَلَهُ أَيُّهُمَا يَجْعَلُ صَلَاتَهُ: أَوَأَنْتَ تَجْعَلُهَا إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمَا جَمِيعًا لَهُ صَلَاتَانِ فَرِيضَتَانِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا يُعِيدُ الْمَغْرِبَ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعًا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ: أَنَّ جَعْلَ الْأُولَى صَلَاتَهُ إذْ إنَّمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ مَعَ مَا قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِجَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ الْأُولَى هِيَ صَلَاتَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالثَّانِيَةُ نَافِلَةً لَمَا جَازَ لِمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَوْ الْعَصْرَ وَحْدَهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي جَمَاعَةٍ؛ إذْ لَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهُمَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ، وَدَخَلَ فِيهَا فَقَدْ بَطَلَتْ الْأُولَى، وَحَصَلَتْ هَذِهِ صَلَاتَهُ فَإِنْ بَطَلَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا لَا تَبْطُلُ عَلَيْهِ الْأُولَى حَتَّى يَفْعَلَ مِنْ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَانْظُرْ آخِرَ رَسْمِ الْمُحَرَّمِ، وَيَجْعَلُ خِرْقَةً مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَآخِرَ رَسْمٍ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَفِي أَثْنَاءِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَحَقِيقَةُ التَّفْوِيضِ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ، وَيُفَوِّضَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْقَبُولِ، وَقَدْ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ

وَمَنْ صَلَّى وَأَعَادَ فِي الْجَمَاعَةِ فَلَيْسَ يَحْتَاجُ إلَى عِلْمِ النَّافِلَةِ مِنْهَا وَذَلِكَ جَزَاؤُهُ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى انْتَهَى. ص (وَلَوْ مَعَ وَاحِدٍ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعِيدُ مَعَ وَاحِدٍ؟ الْمَشْهُورُ لَا يُعِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا رَاتِبًا فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَعَادَ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِالْإِعَادَةِ مَعَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: عُوِّلَ فِي الْإِعَادَةِ مَعَ الْوَاحِدِ غَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ عَلَى صَاحِبِ اللُّبَابِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَجِدُوهُ فِي الْمَذْهَبِ حَتَّى اُنْتُقِدَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ جَعْلَهُ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ تُعَادُ مَعَ وَاحِدٍ، وَلَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. فَإِنْ قِيلَ الِاثْنَانِ إذَا كَانَا فِي جَمَاعَةٍ وَجَبَ أَنْ يُعِيدَ مَعَ وَاحِدٍ وَالْأَوْجَبُ أَنْ يُعِيدَ مَنْ صَلَّى مَعَ الْوَاحِدِ جَوَابُهُ: هُمَا جَمَاعَةٌ إذَا كَانَا مُفْتَرِضَيْنِ، وَالْمُعِيدُ لَيْسَ بِمُفْتَرَضٍ انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ ص (وَإِلَّا شَفَعَ) ش: يَعْنِي، وَإِنْ عَقَدَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَشْفَعُهَا وَيُسَلِّمُ، وَانْظُرْ هَلْ يَشْفَعُهَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ رَكْعَةً الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ الثَّانِيَةَ وَانْظُرْ الطِّرَازَ فَإِنَّهُ قَالَ: يُصَلِّي الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُسَلِّمُ قَبْلَهُ ص (وَأَعَادَ مُؤْتَمٌّ بِمُعِيدٍ أَبَدًا أَفْذَاذًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يَؤُمُّ مُعِيدٌ، وَفِي إعَادَةِ مَأْمُومِهِ أَبَدًا مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ يُطِلْ لِابْنِ حَبِيبٍ مَعَهَا وَسَحْنُونٍ اللَّخْمِيِّ إنْ نَوَى الْفَرْضَ صَحَّتْ عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّفْوِيضِ صَحَّتْ أَمْ بَطَلَتْ الْأُولَى، وَالنَّفَلُ صَحَّتْ عَلَى إمَامَةِ الصَّبِيِّ، وَفِي رَدِّ الْمَازِرِيِّ بِأَنَّهُ يَنْوِي الْفَرْضَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بَلْ يَنْوِي عَيْنَهَا فَقَطْ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَنْوِي الْفَرْضَ فَانْظُرْ لَوْ تَبَيَّنَ عَدَمَ الْأُولَى أَوْ فَسَادَهَا هَلْ يَلْزَمُهُ وَالْمَأْمُومِينَ إعَادَةٌ؟ وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمَ الْأُولَى عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَأَمَّا إمَامَةُ غَيْرِ الْبَالِغِ مِمَّنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فِي الْفَرِيضَةِ، فَلَا تَجُوزُ فَإِنْ وَقَعَتْ فَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ بُطْلَانُهَا لِسُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ الصَّبِيِّ وَوُجُوبِهِ عَلَى الْبَالِغِ، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ لِكَوْنِ الصَّبِيِّ مُعْتَقِدَ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَكُنْ اقْتِدَاءَ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ انْتَهَى. ص (وَلَا يُطَالُ رُكُوعٌ لِدَاخِلٍ) ش: قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: وَلَا يُطِيلُ الْإِمَامُ لِإِدْرَاكِ أَحَدٍ قَالَ

فِي النَّوَادِرِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ مَنْ رَآهُ أَوْ أَحَسَّهُ مُقْبِلًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا كَانَ رَاكِعًا، فَلَا يُمِدُّ فِي رُكُوعِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ وَرَاءَهُ أَعْظَمُ عَلَيْهِ حَقًّا مِمَّنْ يَأْتِي انْتَهَى. وَجَوَّزَ سَحْنُونٌ الْإِطَالَةَ وَاخْتَارَهُ عِيَاضٌ وَحَدِيثُ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا وَتَخْفِيفُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَجْلِ بُكَاءِ الصَّغِيرِ وَالْوُقُوفُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ يَدُلُّ لَهُ وَانْظُرْ هَلْ تَجُوزُ إطَالَةُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا لِهَذَا أَمْ لَا انْتَهَى. كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَفَهِمَ الشَّيْخُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ مُفَسِّرٌ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ وَفِي مَدِّ الْإِمَامِ رُكُوعَهُ لِمَنْ أَحَسَّ بِدُخُولِهِ نَقَلَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ فِي السُّلَيْمَانِيَّة قَائِلًا، وَلَوْ طَالَ، وَالشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ مَعَ سَمَاعِهِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالْكَرَاهَةِ، قَالَ: وَأَجَازَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِمَنْ مَعَهُ (قُلْت) وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ إنْ كَانَتْ الْأَخِيرَةَ انْتَهَى. وَفَهِمَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَصَرَّحَ بِهَا فِي شَامِلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ يَرَى رَجُلًا مُقْبِلًا يُرِيدُ الدُّخُولَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ، أَوْ يُبْطِئُ بِهَا، وَلَوْلَا انْتِظَارُهُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ، وَلَا يُعِيدُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ الْمَسْأَلَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا هِيَ مَنْ أَتَى، وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ، وَأَحَسَّ بِهِ هَلْ يُطِيلُ فِي رُكُوعِهِ حَتَّى يُدْرِكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ، وَلَوْ طَالَ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، وَهُوَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْتَظِرُهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَحْمَلُهُ عِنْدِي عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَأَجَازَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِمَنْ مَعَهُ، وَحَمَلَ الْمَازِرِيُّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى الْمَنْعِ، وَاخْتَارَ إنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةَ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ هَذَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ مِنْ بَابِ أَحْرَى؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْإِطَالَةِ فَإِذَا جَازَ فِيهِ، فَهُوَ فِي حَالِ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ أَجْوَزُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ الْخِلَافُ فِيهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ مَنْ أَنْصَتَ لِمُخَبِّرٍ يُخْبِرُهُ، وَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ رَسْمِ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ ص (وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ كَجَمَاعَةٍ) ش: يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ، وَيُصَلِّي فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يَعْنِي بِالرَّاتِبِ الْمُنْتَصِبَ لِلْإِمَامَةِ الْمُلَازِمَ لَهَا، وَكَوْنُهُ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ أَيْ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْحُكْمِ فَلَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَحُكْمُهَا بِحَيْثُ لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى، وَلَا يُصَلَّى بَعْدَهُ فِي مَسْجِدِهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَيُعِيدُ مَعَهُ مَنْ أَرَادَ الْفَضْلَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَيَجْمَعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي هَذَا الْأَخِيرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيِّ، وَقَالَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَا يَزِيدُ رَبُّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَسَلَّمَ لَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ مُعَاصِرًا لَهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْأُولَى، وَخَالَفَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَرَأَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا قَالَ: وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يُرِيدُ إذَا صَلَّى فِي مَسْجِدٍ لَا فِي دَارِهِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ يُرِيدُ إذَا نَوَى أَنَّهُ إمَامٌ فَجَعَلَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ فِيهَا الْإِمَامَةَ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَقَوْلُهُ الرَّاتِبُ سَوَاءٌ كَانَ فِي جَمِيعِهَا أَوْ بَعْضِهَا انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: يُرِيدُ إذَا صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَلِّ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ، فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ، وَزَادَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ وَانْتَصَبَ لِلْإِمَامَةِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ لِصَلَاتِهِ بِحُكْمِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق كَلَامَ الْبَاجِيِّ وَكَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ ص (، وَلَا تُبْتَدَأُ صَلَاةٌ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) ش: اُنْظُرْ هَلْ النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ أَوْ الْكَرَاهَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِذَا أُقِيمَتْ بِمَوْضِعِ صَلَاةٍ مُنِعَ فِيهِ ابْتِدَاءُ غَيْرِهَا، وَالْجُلُوسُ فِيهِ انْتَهَى. هَذَا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَاب صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ التَّنَفُّلُ حِينَئِذٍ ابْنُ نَاجِي مِثْلُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ، وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَمَا يَقُولُهُ

أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي تَفَارِيعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقَطْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِذِكْرِ الْمُتَنَفَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ صَلَاتِهِ فَرْضٌ آخَرُ غَيْرُ الَّذِي أُقِيمَ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ: إذَا أُقِيمَتْ إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ، وَهَكَذَا لَفْظُ الْأُمِّ كَمَا اخْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ فِي بَابِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ: «سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا؟ أَصَلَاتَانِ مَعًا؟ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ» قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَلَيْسَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصَلَاتَانِ؟ مَعًا يَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَالنَّاسُ فِي صَلَاةِ الْإِشْفَاعِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِنَافِلَةٍ عَنْ فَرِيضَةٍ تُقَامُ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْمَسَاجِدُ إنَّمَا بُنِيَتْ لِلْفَرَائِضِ لَا لِلنَّوَافِلِ فَاَلَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ أَحَقُّ بِإِقَامَتِهَا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمُصَلِّينَ فِيهِ جَمَاعَةً نَافِلَةَ الْإِشْفَاعِ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، وَعَلَى مَا قُلْت: جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ حَالَةَ كَوْنِ الْإِمَامِ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَيَلْحَقُهُ فِي الظُّهْرِ وَكُلُّهُ بِالْمَسْجِدِ، وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ جَوَابُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، وَالْإِمَامُ فِي غَيْرِهِ لَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي أَفْنِيَتِهِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ (قُلْت) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصَلَاتَانِ مَعًا إنْكَارًا لِذَلِكَ. ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ جَوَازُهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْوَتْرِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَحَكَى الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّهْذِيبِ قَوْلَيْنِ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِقُرْبِ الدَّرَجَةِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ انْتَهَى. فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا يَنْبَغِي لَعَلَّهُ يُرِيدُ الْمَنْعَ، وَإِلَّا فَلْيَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ قَوْمٍ صَلَّوْا فِي مَسْجِدٍ بِإِمَامَيْنِ قَوْمٌ فِي دَاخِلِهِ وَقَوْمٌ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ صَحْنِهِ فَقَالَ: صَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ، وَلَا يُعِيدُونَ (قُلْت) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ رَاتِبٌ فَيَجُوزُ كَيْفَمَا فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَاخْتَلَطَ مَعَهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مَنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ إمَّا مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ هَذَا انْتَهَى. ، وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ الصَّلَاةِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَمْنُوعَةِ: فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي فَرْضٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَذًّا، وَلَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً غَيْرَهَا، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ، وَتُجْزِئْهُ قَالَهُ فِيمَنْ يُصَلِّي فَذًّا مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ جَمَاعَةً انْتَهَى. ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ لَمْ أَرَهُ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْقَوَاعِدِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ إقَامَةَ الْإِمَامِ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى فَتَأَمَّلْهُ، وَفِي الْأَبِيِّ شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» مَا نَصُّهُ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَفَى الْكَمَالَ لَا الْإِجْزَاءَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ الْمُصَلِّيَ بِالْإِعَادَةِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ بِالْإِجْزَاءِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا لَوْ أَتَمَّ بَعْضُهُمْ وُحْدَانًا، وَنَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وُحْدَانًا بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ وَجَدُوا جَمَاعَةً يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ بِإِمَامٍ فَقَدَّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ، وَصَلَّوْا قَالَ الْبَاجِيُّ قَالُوا: وَلَوْ هُمْ قَدَّمُوا رَجُلًا إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ صَلَّى فَذًّا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَجْزِيهِ صَلَاتُهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَصَلَّى وَحْدَهُ فَذًّا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ هَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي نَافِلَةً كَقِيَامِ رَمَضَانَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَرَأَيْتُ فِي طُرَّةِ كِتَابٍ وَسُئِلَ أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَوَّادٍ شَيْخُ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الْإِشْفَاعَ، فَقَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ انْتَهَى. تَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ فِيمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْفَاعِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا انْتَهَى. مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الزَّنَاتِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ. ص (، وَإِنْ أُقِيمَتْ، وَهُوَ فِي صَلَاةٍ قَطَعَ إنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ) ش: يَعْنِي يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُعِيدُ الصَّلَاتَيْنِ لِلتَّرْتِيبِ إنْ كَانَ الَّتِي كَانَ فِيهَا فَرِيضَةً غَيْرَ الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي قَطَعَهَا نَافِلَةً، فَلَا يُعِيدُهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَطْعَهَا، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَمَنْ قَطَعَ نَافِلَةً عَمْدًا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا بِخِلَافِ الْمَغْلُوبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّمَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ عِنْدَنَا، وَلَا عُذْرَ لَهُ (فَائِدَةٌ) هَذِهِ إحْدَى الْأَشْيَاءِ السَّبْعِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالِائْتِمَامُ وَالطَّوَافُ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ... يَلِيهَا طَوَافٌ وَاعْتِكَافٌ وَائْتِمَامٌ يُعِيدُهُمْ مَنْ كَانَ لِلْقَطْعِ عَامِدًا ... يُعِيدُهُمْ فَرْضًا عَلَيْهِ وَإِلْزَامُ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الْإِعَادَةِ فِي الِائْتِمَامِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ لُزُومِهِ انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ يَعْنِي بِهِ الدُّخُولَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ عِنْدَنَا، لَكِنَّهُ إذَا قَطَعَ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ مَعَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تَوَقَّفَ أَوَّلُهَا عَلَى آخِرِهَا يَجِبُ إتْمَامُهَا أَصْلُهُ الْحَجُّ فَيَجِبُ إتْمَامُهُ وَالْعُمْرَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ وَالطَّوَافُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهَا انْتَهَى. وَانْظُرْ الذَّخِيرَةَ فِي الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ فِيهِ: أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ قَطْعَهُ لَا يُوجِبُ قَضَاءً، وَكَذَلِكَ الشُّرُوعُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرُبَاتِ انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ الذَّخِيرَةِ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ السَّبْعَةَ قَالَ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالسَّفَرِ لِلْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ السَّبْعَ الْأُولَى بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالسَّفَرِ لِلْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ: فَعَلَى هَذَا إذَا سَافَرَ لِلْجِهَادِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ بِشَيْءٍ وَاخْتُلِفَ إذَا خَرَجَ بِكِسْرَةِ خُبْزٍ لِلسَّائِلِ فَلَمْ يَجِدْهُ هَلْ لَهُ أَكْلُهَا أَمْ لَا؟ قِيلَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُعَيَّنًا أَكَلَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيِّنٍ لَمْ يَأْكُلْهَا انْتَهَى. وَنَظَمْت النَّظَائِرَ السَّبْعَ الْمَذْكُورَةَ فَقُلْت قِفْ وَاسْتَمِعْ مَسَائِلًا قَدْ حَكَمُوا ... بِكَوْنِهَا بِالِابْتِدَاءِ تَلْزَمُ صَلَاتُنَا وَصَوْمُنَا وَحَجُّنَا ... وَعُمْرَةٌ لَنَا كَذَا اعْتِكَافُنَا طَوَافُنَا مَعَ ائْتِمَامِ الْمُقْتَدِ ... فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِقَطْعِ عَامِدِ ص (وَإِلَّا أَتَمَّ النَّافِلَةَ أَوْ فَرِيضَةً غَيْرَهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَحْرَمَ فِي نَافِلَةٍ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ صَلَّاهَا، وَدَخَلَ مَعَهُ، وَإِلَّا قَطَعَ بِسَلَامٍ، وَدَخَلَ

مَعَهُ، وَلَا يَقْضِي النَّافِلَةَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ قَطْعَهَا ابْنُ نَاجِي زَادَ فِي الْأُمِّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا، وَيَرْكَعُ وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ، وَيَقُومُ مِنْهَا أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ ثُمَّ صَعِدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنَّهُ يَتَمَادَى، وَيُخَفِّفُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ شَعْبَانَ وَنَحْوِهِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ سَلَّمَ، وَلَمْ يَدْعُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُطِيلُ فِي دُعَائِهِ مَا أَحَبَّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يَدْعُو مَا دَامَ الْأَذَانُ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُتِمُّ النَّافِلَةَ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ سَوَاءٌ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَلِكَ الْفَرِيضَةُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي أُقِيمَتْ يُتِمُّهَا إذَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ عَقَدَ رَكْعَةً أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ بِهَذَا أَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ السَّيِّدُ الْقَابِسِيُّ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ فِي الشَّامِلِ بِتَشْهِيرِهِ فَسَقَطَ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُتِمُّ النَّافِلَةَ وَالْفَرِيضَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً وَالْعَقْدُ مُشْتَرَكٌ فِي الْكُلِّ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا انْصَرَفَ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ شَفْعٍ كَالْأُولَى إنْ عَقَدَهَا) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَغْرِبَ أَوْ غَيْرَهَا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ قَطَعَ وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، وَإِنْ صَلَّى اثْنَتَيْنِ أَتَمَّهَا ثَلَاثًا وَخَرَجَ، وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا سَلَّمَ وَخَرَجَ، وَلَمْ يُعِدْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الْمَغْرِبِ يَقْطَعُ، وَقِيلَ: كَغَيْرِهَا فَإِنْ أَتَمَّ رَكْعَتَيْنِ فَالْمَشْهُورُ: يُتِمُّ وَيَنْصَرِفُ كَمَا لَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ أَوْ كَانَ أَتَمَّهَا انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَثَرُ قَوْلِهِ: وَفِي الْمَغْرِبِ يَقْطَعُ، وَقِيلَ: كَغَيْرِهَا أَيْ يَقْطَعُ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنَفُّلِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِنِيَّةِ الْوَتْرِ، فَلَا يُسَلِّمُ عَلَى شَفْعٍ، وَفِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَرَأَى أَنَّ الْأَحْكَامَ جَرَتْ إلَيْهِ، وَقَالَ إثْرَ قَوْلِهِ: فَإِنْ أَتَمَّ رَكْعَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي إذَا أَتَمَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا ثَالِثَةً، وَيُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي الْمَجْمُوعَةِ يُسَلِّمُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِي إتْمَامِهَا مُخَالَفَةً عَلَى الْإِمَامِ وَإِيقَاعَ صَلَاتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ عَلَى الْإِتْمَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافَ إذَا رَكَعَ فِي الثَّالِثَةِ، وَلَمْ يَرْفَعْ وَيَنْوِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الرَّفْعِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إثْرَ قَوْلِهِ: فَإِنْ أَتَمَّ رَكْعَتَيْنِ يَعْنِي مِنْ الْمَغْرِبِ فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يُتِمُّهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، وَيَنْصَرِفُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا يَأْتِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ، أَوْ كَانَ أَتَمَّهَا يَعْنِي إنَّهُ إذَا قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ مِنْ الْمَغْرِبِ، أَوْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا كُلَّهَا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقْطَعُ إنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ وَوَافَقَ الشَّاذُّ الَّذِي خَالَفَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ فَصَلَ الْمُؤَلِّفُ مَسْأَلَةَ تَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ عَمَّا بَعْدَهَا، وَإِلَّا فَكَانَ يَكْتَفِي بِحُكْمِ الرَّكْعَتَيْنِ عَمَّا بَعْدَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَهُوَ فِي صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ، فَلَا شَكَّ عَلَى قَوْلِ الْمُغِيرَةِ: إنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَرْكَعْ قَطَعَ، وَإِنْ رَكَعَ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يَقْطَعُ، وَالشَّاذُّ أَنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، وَإِنْ رَكَعَ الثَّانِيَةَ فَقَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ وَيُضِيفُ ثَالِثَةً وَيَنْصَرِفُ، وَالشَّاذُّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ، فَلَا شَكَّ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يُتِمُّ الثَّالِثَةَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنْ رَكَعَ، وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَاخْتُلِفَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ اثْنَتَيْنِ هَلْ يُتِمُّ هَهُنَا أَوْ يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ؟ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَقْدِ الرَّكْعَةِ هَلْ هُوَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَوْ رَفْعُ الرَّأْسِ؟ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِذَا أُقِيمَتْ الْمَغْرِبُ

عَلَى مَنْ فِي أُولَاهَا قَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا (قُلْت) لِلَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يُتِمُّهَا نَفْلًا، قَالَ: وَفِي ثَانِيَتِهَا فِي قَطْعِهِ وَإِتْمَامِهَا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ وَابْنُ حَبِيبٍ مَعَ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ وَبَعْدَ إتْمَامِ الثَّانِيَةِ فِي قَطْعِهِ وَإِتْمَامِهَا رِوَايَةُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهَا وَبَعْدَ عَقْدِ الثَّالِثَةِ أَتَمَّهَا اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَتَمَّ رَكْعَتَيْنِ هَلْ مُرَادُهُ بِسَجْدَتَيْهَا أَمْ لَا؟ وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ كَالْأُولَى إنْ عَقَدَهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا: وَالْعَقْدُ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي بَابِ السَّهْوِ عَنْ الْبَيَانِ إنْ عَقْدَ الرَّكْعَةِ هُنَا أَتَمَّهَا بِسَجْدَتَيْهَا ذَكَرَهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى عَقْدِ الرَّكْعَةِ، وَقَالَ قَبْلَهُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي وَافَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا أَشْهَبَ عَلَى أَنَّ عَقْدَهُ الرَّكْعَتَيْنِ يَكُونُ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ، وَمِنْهَا مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْمَغْرِبُ، وَهُوَ فِيهَا قَدْ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَرَآهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَوْتًا فِي الْمَجْمُوعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَفِي عَقْدِهَا بِالرُّكُوعِ أَوْ الرَّفْعِ مِنْهُ اخْتِلَافٌ، وَقَوْلُهُ: خِلَافٌ يُوهِمُ كَوْنَهُ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلَيْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا الصَّقَلِّيُّ هُنَا الْأَوَّلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَأَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالثَّانِي لَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَإِلَّا انْصَرَفَ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ شَفْعٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَجْلِسُ وَيَنْصَرِفُ عَنْ شَفْعٍ (تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ الثَّالِثَةَ وَقُلْنَا يَشْفَعُهَا فَإِنَّمَا يَشْفَعُهَا بِنِيَّةِ كَمَالِهَا لَا أَنَّهُ يَجْعَلُهَا نَافِلَةً فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ صَلَّى ثَالِثَةً صَلَّى رَابِعَةً، وَلَا يَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَهُ انْتَهَى. وَلَفْظُ الذَّخِيرَةِ: فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ فِي الْكِتَابِ: يُكْمِلُهَا وَيَدْخُلُ مَعَهُ، وَلَا يَجْعَلُ الْأُولَى نَافِلَةً انْتَهَى. ص (وَإِلَّا لَزِمَتْهُ) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ صَلَّى مَا قَبْلَهَا أَمْ لَمْ يُصَلِّ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْهَوَّارِيُّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَخْرُجُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْجَارِي عَلَى مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ، وَهُوَ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ غَيْرِهَا وَخَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَى مَنْ بِهِ، وَعَلَيْهِ مَا قَبْلَهَا فَفِي لُزُومِهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَخُرُوجِهِ لِمَا عَلَيْهِ نَقْلَا ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَحَدِ سَمَاعَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْآخَرُ مَعَ قَوْلِهِ فِيهَا: وَلَا يَتَنَفَّلُ مَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ ابْنُ رُشْدٍ يَضَعُ الْخَارِجُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ لِسَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْخَارِجِ لِإِقَامَةِ مَا لَا يُعَادُ انْتَهَى. ص (وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا) ش: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَشُرُوطُ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ عَشْرَةٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ ذَكَرٌ مُسْلِمٌ صَالِحٌ قَارِئٌ فَقِيهٌ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي صَلَاتِهِ فَصِيحُ اللِّسَانِ وَيُزَادُ فِي الْجُمُعَةِ حُرٌّ مُقِيمٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الذُّكُورِيَّةِ وَالصَّلَاحِ وَالْبُلُوغِ انْتَهَى. ص (أَوْ مَجْنُونًا) ش: عَبَّرَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِالْمَعْتُوهِ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ ص (أَوْ فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ) ش: اُخْتُلِفَ فِي إمَامَةِ الْفَاسِقِ بِالْجَوَارِحِ فَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ الْمَشْهُورُ إعَادَةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ صَاحِبُ كَبِيرَةٍ أَبَدًا، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ هَذَا إذَا كَانَ فِسْقُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَتَرْكِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ

بِتَأْوِيلٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ فِسْقُهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ كَالزِّنَا وَغَصْبِ الْمَالِ أَجْزَأَتْهُ لَا إنْ تَعَلَّقَ بِهَا كَالطَّهَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ شَارِبِ الْخَمْرِ أَعَادَ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي الَّذِي تُؤَدِّي إلَيْهِ الطَّاعَةُ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَكْرَانَ حِينَئِذٍ قَالَهُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ التَّوْضِيحِ. فَحَكَى فِي إمَامَةِ الْفَاسِقِ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي إمَامَةِ الْفَاسِقِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ قَالَ وَيُطْلَبُ فِي الْإِمَامِ عَدَمُ فِسْقِهِ، وَفِي إعَادَةِ مَأْمُومِ الْفَاسِقِ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَبَدًا

ثَالِثُهَا إنْ تَأَوَّلَ، وَرَابِعُهَا: إنْ كَانَ وَالِيًا أَوْ خَلِيفَةً لَمْ يُعِيدُوا أَبَدًا، وَخَامِسُهَا: إنْ خَرَجَ فِسْقُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَجْزَأَتْ وَإِلَّا أَبَدًا، وَسَادِسُهَا: لَا إعَادَةَ لِنَفْلِ ابْنِ رَاشِدٍ مَعَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ مَعَ مَالِكٍ وَالْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ وَاللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ: لَا يُعِيدُ مَأْمُومُ عَاصِرِ خَمْرًا انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ السِّتَّةَ الْأَقْوَالِ ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الَّذِي يَغْتَابُ النَّاسَ كَغَيْرِهِ، فَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ ابْتِدَاءً، وَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَغَيْرِهِ وَسُئِلَ عَنْهَا شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي دَارِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ هَلْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ بَاطِلَةٌ أَمْ لَا، وَهَلْ هِيَ جُرْحَةٌ فِي إمَامَتِهِ فَيُعْزَلُ أَمْ لَا؟ فَتَوَقَّفَ لِكَثْرَةِ الْغِيبَةِ فِي النَّاسِ، وَرَأَى إنْ هُوَ أَفْتَى بِجُرْحَتِهِ يُؤَدِّي إلَى عَزْلِ أَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدِينَ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: تَرَبَّصْ حَتَّى أَنْظُرَ فِيهَا، وَمَا أَدْرِي مَا أَجَابَهُ انْتَهَى. قَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَأَمَّا الْفَاسِقُ بِجَوَارِحِهِ فَإِنْ عُلِمَ مَنْ عَادَتُهُ التَّلَاعُبُ بِالصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا، وَعَدَمُ الْقِيَامِ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمَذْهَبُ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ عَادَتِهِ التَّلَاعُبُ بِالصَّلَاةِ فَفِي الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: مَشْهُورُهَا: الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ: أَبَدًا، وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ، فَلَا إعَادَةَ حِينَئِذٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ. وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ يَعْمَلُ الْمَعَاصِيَ هَلْ يَكُونُ إمَامًا؟ فَأَجَابَ أَمَّا الْمُصِرُّ وَالْمُجَاهِرُ، فَلَا وَالْمَسْتُورُ الْمُعْتَرِفُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَ الْكَامِلِ أَوْلَى وَخَلْفَهُ لَا بَأْسَ بِهَا. وَسُئِلَ عَمَّنْ يُعْرَفُ مِنْهُ الْكَذِبُ الْعَظِيمُ أَوْ قَتَّاتٌ كَذَلِكَ هَلْ تَجُوزُ إمَامَتُهُ فَأَجَابَ لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْمَشْهُورِ بِالْكَذِبِ وَالْقَتَّاتِ وَالْمُعْلِنِ بِالْكَبَائِرِ، وَلَا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ، وَأَمَّا مَنْ تَكُونُ مِنْهُ الْهَفْوَةُ وَالزَّلَّةُ، فَلَا يَتْبَعُ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ مَالِكٍ مَنْ هَذَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ الْمُصِرُّ وَالْمُجَاهِرُ كَغَيْرِهِ. وَسُئِلَ هَلْ يُصَلِّي خَلْفَ الْقَاتِلِ؟ فَأَجَابَ: أَمَّا الْمُتَعَمِّدُ فَلَا تَنْبَغِي الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، وَإِنْ تَابَ، وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا إذَا أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ، وَعُفِيَ عَنْهُ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَإِلَّا فَلَا يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَلَا إعَادَةَ إذَا فَعَلَ الْبُرْزُلِيُّ فَالْحُصُولُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي إمَامَةِ الْفَاسِقِ خِلَافًا إذَا وَقَعَتْ هَلْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَبَدًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ لَا إعَادَةَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جُلِّ فَتَاوِيهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِسْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِالصَّلَاةِ أَوْ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَبْعَدَ فِيهِ الْخِلَافُ انْتَهَى. ، وَقَالَ قَبْلَ هَذَا سُئِلَ التُّونُسِيُّ عَنْ إمَامَةِ مَنْ يَعْمَلُ بِالرِّبَا، وَيَظْلِمُ النَّاسَ، وَهَلْ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَبَدًا أَوْ لَا فَأَجَابَ: لَا يَنْبَغِي إمَامَةُ مَنْ ذَكَرْت، وَلَا الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَلَهُ مَنْدُوحَةَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ لِضَرُورَةِ إقَامَتِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَإِنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ بِدْعَتُهُمْ، وَقِيلَ: تُعَادُ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ لِجَوَازِ إخْلَالِهِمْ بِبَعْضِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِ الثِّقَةِ بِخَبَرِهِمْ وَهُنَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ فِي الْقِيَاسِ وَلِابْنِ حَبِيبٍ مَعْنَى مِنْ هَذَا فِي وُلَاةِ الْجَوْرِ. وَسُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الظَّاهِرِ الْجُرْحَةِ؟ فَأَجَابَ: الصَّلَاةُ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِسْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِالصَّلَاةِ مِثْلَ أَنْ يُتَّهَمَ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَنَحْوِهِ فَالْإِعَادَةُ فِي هَذَا أَبَدًا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَسُئِلَ عَبْدُ الْمُنْعِمِ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَلَا مَأْمُونٍ؟ فَأَجَابَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُ الْإِعَادَةِ وَعَنْ الْأَبْهَرِيِّ يُعِيدُ أَبَدًا، وَظَاهِرُ الْجُرْحَةِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِلنَّاسِ، وَإِنْ رَضَوْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَهْوِينًا عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَتَعْزِيرًا لَهُمْ وَمَتَى صَحَّتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَ الْفِسْقِ مَعْرُوفًا بِالِاسْتِهَانَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُضَيِّعًا لِلصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، فَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَالْإِعَادَةُ أَبَدًا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفِ عَاقٍّ وَالِدَيْهِ فَأَجَابَ: الصَّلَاةُ

خَلْفَ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَلَا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ. وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَحَدِ الْمُتَهَاجِرَيْنِ فَأَجَابَ إنْ كَانَ تَهَاجُرُهُمَا لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، فَالصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِمَا أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ أَحَدِهِمَا. وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَأَقَامَ مَعَهَا فَقَالَ: هِيَ أَشَدُّ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ مَوَانِعِ الْإِمَامَةِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْجَوَارِحِ، وَهُوَ الْفَاسِقُ بِجَوَارِحِهِ كَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَمْكَنَ أَنْ يَتْرُكَ مَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي صَحَّتْ إمَامَتُهُ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ خِلَافٌ فِي حَالٍ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ التَّهَاوُنِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْفُرُوضِ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ اضْطَرَّهُ هَوًى غَالِبٌ إلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ مَعَ بَرَاءَتِهِ مِنْ التَّهَاوُنِ وَالْجُرْأَةِ صَحَّتْ إمَامَتُهُ، وَهَذَا يُعْلَمُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ ص (أَوْ مَأْمُومًا) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْمُومًا فَظَاهِرٌ، وَيَكُونُ فِي صُوَرٍ إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا وَقَامَ لِيَقْضِيَ فَجَاءَهُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ مَأْمُومًا ثُمَّ ابْتَدَأَ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إمَامٌ، وَهُوَ مَأْمُومٌ وَصَلَاةُ الْكُلِّ عَلَى الْمَذْهَبِ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. أَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فَنُقِلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِيهَا الْبُطْلَانُ، وَنَصُّهُ: وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي سَفَرٍ فَرَأَى قَوْمًا إمَامَهُ يُصَلِّي بِهِمْ رَجُلٌ فَجَهِلَ فَصَلَّى بِهِمْ فَصَلَاتُهُ تُجْزِئُهُ وَيُعِيدُ مَنْ خَلْفَهُ أَبَدًا، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ أَرَأَيْت رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَتَعَيَّا فِي قِرَاءَتِهِ فَفُتِحَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْقَهْ فَتَقَدَّمَ الْفَاتِحُ إلَى الْإِمَامِ فَوَقَفَ فِي مَوْضِعِهِ يَقْرَأُ بِهِمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ السُّورَةِ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الْقِبْلَةِ مُنْصِتٌ حَتَّى رَكَعَ بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ الْأَوَّلُ الْفَاتِحُ عَلَيْهِ وَمَنْ خَلْفَهُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ قَالَ مَا أَرَى صَلَاتَهُمْ كُلَّهُمْ الْفَاتِحَ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرَ الْفَاتِحِ إلَّا فَاسِدَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لِأَنَّهُمْ ائْتَمُّوا بِمَأْمُومٍ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِمَامَةُ أَنْ يَتْبَعَ مُصَلٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ غَيْرَ تَابِعٍ غَيْرَهُ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ مَنْ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي الِاسْتِخْلَافِ، وَنَصُّهُ الْمَنْصُوصُ فِيمَنْ صَلَّى بِرَجُلٍ يَظُنُّهُ مُنْفَرِدًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُؤْتَمٌّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ قَوْلِهِ فَإِنْ رَفَعُوا مُقْتَدِينَ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ كَلَامِهِ فَحُكْمُهَا وَاضِحٌ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيمَا إذَا قَامَ الْمُسْتَخْلَفُ الْمَسْبُوقُ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَائْتَمَّ بِهِ مَسْبُوقٌ مِثْلُهُ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَالْأَصَحُّ: الْبُطْلَانُ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فِي رَسْمٍ لَمْ يُدْرِكْ، وَفِي رَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَفِي سَمَاعِ مُوسَى، وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَجَعَلَ عِلَّةَ الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ كَوْنَهُمْ صَلَّوْا فِي جَمَاعَةٍ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا أَفْذَاذًا، وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ: وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِإِبْطَالِ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُؤْتَمِّينَ بِهِ يَعْنِي بِالْمُسْتَخْلِفِ لَزِمَهُمْ حُكْمُ الْأَوَّلِ وَمِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لَا يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِ فَصَلَاتُهُ مَا فَاتَ وَرَاءَ الْمُسْتَخْلَفِ كَصَلَاتِهِ وَرَاءَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَقْضِيَ فَذًّا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ مَنْ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَيُشِيرُ إلَى صِحَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ اتَّبَعَ الْمَأْمُومَ فِي الْقَضَاءِ بِمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُؤْتَمَّ بِمَأْمُومٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ يَقْتَضِي بُطْلَانَ صَلَاةِ مَنْ دَخَلَ مُؤْتَمًّا مَعَهُ فِي رَكْعَةِ الْفَوَاتِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَامَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَاتَهُ الْإِمَامُ بِهِمَا فَدَخَلَ رَجُلٌ فَاقْتَدَى بِهِ

فرع تعمد الإمام قطع صلاته

فِيهِمَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ الْبُرْزُلِيُّ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ، وَنُقِلَ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُحْدِثًا إنْ تَعَمَّدَ أَوْ عَلِمَ مُؤْتَمُّهُ) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَإِذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّهُ جُنُبٌ أَعَادَ وَحْدَهُ، وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ اسْتَخْلَفَ فَإِنْ تَمَادَى بَعْدَ ذِكْرِهِ جَاهِلًا أَوْ مُسْتَحْيِيًا أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ ثُمَّ تَمَادَى أَوْ ابْتَدَأَ بِهِمْ الصَّلَاةَ ذَاكِرًا لِجَنَابَتِهِ فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِمْ وَتَلْزَمُ مَنْ خَلْفَهُ الْإِعَادَةُ مَتَى عَلِمُوا أَوْ مَنْ عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ مِمَّنْ خَلْفَهُ، وَالْإِمَامُ نَاسٍ لِجَنَابَتِهِ فَتَمَادَى مَعَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ يُعِيدُهَا أَبَدًا انْتَهَى. ابْنُ نَاجِي، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: إنَّهَا بَاطِلَةٌ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ: إنْ قَرَءُوا خَلْفَهُ أَجْزَأَتْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَءُوا لَمْ تَجْزِهِمْ وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ قَرَءُوا قِيَاسًا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ مَنْسِيَّةً انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ ابْنِ الْجَهْمِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُمْ مَنْ قَرَأَ وَمَنْ لَمْ يَقْرَأْ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَةِ الْإِمَامِ إنَّمَا يَنْبَنِي فِي حَقِّهِمْ عَلَى حُكْمِ اعْتِقَادِهِمْ فَإِنْ اعْتَقَدُوا فَسَادَ طَهَارَتِهِ ثُمَّ ائْتَمُّوا بِهِ لَمْ تُجْزِهِمْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ طَهَارَتُهُ صَحِيحَةً فَكَذَا إذَا اعْتَقَدُوا صِحَّتَهَا تُجْزِيهِمْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي إمَامَةِ صَاحِبِ السَّلَسِ: إنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي إمَامَةِ الْجُنُبِ: اُخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ هَلْ هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ مَتَى فَسَدَتْ عَلَيْهِ فَسَدَتْ عَلَيْهِمْ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ الثَّالِثُ: قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ إلَّا فِي سَهْوِ الْأَحْدَاثِ. الشَّيْخُ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ نَقْضٌ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي سَهْوِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلِّي بِثَوْبٍ نَجِسٍ سَاهِيًا أَجْزَأَتْ مَنْ خَلْفَهُ انْتَهَى. وَأَمَّا لَوْ نَسِيَ الْإِمَامُ النِّيَّةَ أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَمْ تُجْزِهِمْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ يَدْخُلُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي نِسْيَانِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ: لَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ أَعَادَ هُوَ وَمَنْ خَلْفَهُ أَبَدًا، وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ، وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ يَحْمِلُهَا عَنْهُمْ، وَلَا يَحْمِلُ الطَّهَارَةَ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إنْ كَانَ مَا أَفْسَدَ صَلَاةَ الْإِمَامِ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ وَخَرَجَ بِالسُّنَّةِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ بَقِيَ مَا عَدَاهُ (فَرْعٌ) وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِمَامِ يُصَلِّي بِثَوْبٍ نَجِسٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ هُوَ، وَلَا مَنْ خَلْفَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَيَخْتَلِفُ فِي إعَادَتِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْإِعَادَةِ خَلْفَ الْجُنُبِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ: لَا يُعِيدُونَ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْجَهْمِ: يُعِيدُونَ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَءُوا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُعِيدُونَ لَكِنَّ الْإِعَادَةَ هُنَا فِي الْوَقْتِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ اللَّخْمِيِّ. ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِالنَّجَاسَةِ هُوَ أَوْ أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ فَمَنْ عُلِمَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ بِالنَّجَاسَةِ اُنْظُرْ رَسْمَ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلَ وَقَعَتْ فِي فَتَاوَى بَعْضِ الْإِفْرِيقِيِّينَ: مَسْأَلَةٌ إمَامٌ ذَكَرَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْطَعُ وَيَقْطَعُونَ، وَقِيلَ: يَسْتَخْلِفُ كَذَاكِرِ الْحَدَثِ انْتَهَى. [فَرْعٌ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ قَطْعَ صَلَاتِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَعَمَّدَ الْإِمَامُ قَطْعَ صَلَاتِهِ أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، وَمَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ أَعَادَ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ تَعَمَّدَ إمَامٌ قَطْعَ صَلَاتِهِ أَوْ خُرُوجَهُ مِنْهَا يُرِيدُ بِكَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ عَمِلَ بِهِمْ شَيْئًا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ فَفِي بُطْلَانِهَا عَلَيْهِمْ نَقْلَا اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ فِي رَسْمِ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إمَامٍ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فَتَمَادَى حَتَّى سَلَّمَ مُتَعَمِّدًا أَرَى أَنْ تُجْزِئَ مَنْ خَلْفَهُ صَلَاتُهُمْ قَالَ عِيسَى: يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ ابْنُ رُشْدٍ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا

أَحْدَثَ فَتَمَادَى بِالْقَوْمِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُسْتَجِيبًا فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةَ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ صَلَاتَهُمْ جَائِزَةٌ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ صَلَاةً سَقَطَتْ عَنْهُمْ بِأَدَائِهِمْ لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرُوا وَحَصَلَ هُوَ ضَامِنًا لَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْإِمَامُ ضَامِنٌ لَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ صَلَاتَهُمْ غَيْرُ مُرْتَبِطَةٍ بِصَلَاتِهِ؛ إذْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ إمَامِهِمْ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِمَامِ يُحْدِثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَيَتَمَادَى: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ مُرَاعَاةً لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا جَلَسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَخَرَجَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ هُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ السَّلَامَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ مُوسَى مَعْلُومُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَطَعَ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَحْدَثَ فِيهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ تَمَادَى فِيهَا بَعْدَ حَدَثِهِ مُتَعَمِّدًا إنَّهُمْ بِمَنْزِلَتِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ حَاشَا أَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّهُمَا ذَهَبَا إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَحْدَثَ وَتَمَادَى مُتَعَمِّدًا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ مَضَى وَجْهُهُ فِي رَسْمِ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَتَفْرِقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ أَنْ يُحْدِثَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ انْتَهَى. وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةٌ: مَنْ سَقَطَ ثَوْبُهُ فَرَدَّهُ فِي الْحَالِ فِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. ص (وَبِعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ) ش: مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَبِرَ فَانْحَنَى ظَهْرُهُ حَتَّى صَارَ كَالرَّاكِعِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ، وَقَدْ وَقَعَتْ فَأَجْرَيْنَاهَا عَلَى إمَامَةِ صَاحِبِ السَّلَسِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ: أَنَّ إمَامَتَهُ مَكْرُوهَةٌ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ص (أَوْ عَلِمَ) ش: قَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ لِجَهْلِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي صِحَّةِ الِائْتِمَامِ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: الْمَشْهُورُ: صِحَّةُ صَلَاتِهِ ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ ص (إلَّا كَالْقَاعِدِ بِمِثْلِهِ فَجَائِزٌ) ش:

يُفْهَمُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ الْمُضْطَجِعِ بِالْمَرْضَى الْمُضْطَجِعِينَ، وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةِ أَوَاخِرِ سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا الْقُعُودَ، وَكَانَ إمَامُهُمْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ، فَلَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَا إمَامَةَ فِيهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إمَامَةُ الْمُضْطَجِعِ الْمَرِيضِ بِالْمُضْطَجِعِينَ الْمَرْضَى فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ، وَالْقِيَاسُ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا اسْتَوَتْ حَالُهُمْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ فِعْلَهُ لِأَجْلِ اضْطِجَاعِهِمْ فَيَكُونُ لِذَلِكَ وَجْهٌ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَأَعَادَ الْقَوْمُ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ، وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَرُبَّمَا يُقَالُ: إنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِسَمَاعِ تَكْبِيرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ فِي حَوَاشِي الْجُبَّائِيُّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إنْ فَهِمُوا عَنْهُ بِالْإِشَارَةِ جَازَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرَوَى مُوسَى مَنْعَ إمَامَةِ مُضْطَجِعٍ لِمَرْضَى مِثْلِهِ ابْنُ رُشْدٍ الْقِيَاسُ: جَوَازُهُ إنْ أَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ الْمَازِرِيُّ، وَعَلَى إمَامَةِ الْجَالِسِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَؤُمُّ مُومِئٌ؛ إذْ لَا يَأْتَمُّ ذُو رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِمَنْ لَا يَفْعَلُهُمَا كَفَرْضٍ بِجِنَازَةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: مَفْهُومُهُ لَوْ اسْتَوَيَا جَازَ كَابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى قَاعِدٌ بِمِثْلِهِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِذَا صَحَّ بَعْضُ الْمُقْتَدِينَ فِيمَا يَفْعَلُ قَوْلَانِ قِيلَ: يَقُومُ يُتِمُّ لِنَفْسِهِ فَذًّا لِأَنَّهُ افْتَتَحَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، وَلَا يَصِحُّ إتْمَامُهُ مُقْتَدِيًا وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُتِمُّ مَعَهُ الصَّلَاةَ، وَهُوَ قَائِمٌ، وَهُوَ تَعْوِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَوَّلًا وَمُرَاعَاةٌ لِلْخِلَافِ وَيَجْرِي قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ كَالْأَمَةِ تُعْتَقُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مَعَهَا مَا يَسْتُرُ عَوْرَةَ الْحُرَّةِ انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا يَأْتِي، وَفِي مَرِيضٍ اقْتَدَى بِمِثْلِهِ فَصَحَّ قَوْلَانِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الْإِيمَاءِ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِوَجْهٍ انْتَهَى. ص (أَوْ بِأُمِّيٍّ إنْ وُجِدَ قَارِئٌ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالْأُمِّيُّ، إنْ وُجِدَ قَارِئٌ لَا إنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، قَوْلُهُ: فِيهِمَا أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُمَا مَسْأَلَةُ مَا إذَا وُجِدَ قَارِئٌ، وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ قَارِئٌ، وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْكَلَامَ فِي إمَامَتِهِمْ لِأَمْثَالِهِمْ، فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ وُجُودِ الْقَارِئِ، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُمَا أَنْ يُصَلِّيَا خَلْفَ الْقَارِئِ، فَلَا، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ قَالَ سَنَدٌ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ إذَا أَمْكَنَهُ الِائْتِمَامُ بِالْقَارِئِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ بِقَارِئٍ كَالْمَرِيضِ الْجَالِسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِقَائِمٍ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: سُمِّيَ الْأُمِّيُّ أُمِّيًّا لِبَقَائِهِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهَا فَلَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَةً، وَلَا كِتَابَةً انْتَهَى. ص (أَوْ قَارِئًا بِكَقِرَاءَةٍ ابْنِ مَسْعُودٍ) ش: وَكَذَا مَنْ قَرَأَ بِمَا

نُسِخَ لَفْظُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي تُسَرُّ فِي الصَّلَوَاتِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ قَارِئٍ بِشَاذِّ ابْنِ مَسْعُودٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: " غَيْرِهِ " أَيْ مِنْ الشَّوَاذِّ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَابْنَ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيُّ ص (وَبِغَيْرِهِ تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجْزِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ: جَوَازُهُ زَادَ أَشْهَبُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي قِيَامِ رَمَضَانَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الرِّسَالَةِ، وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا بِأَفْرِيقِيَّةَ اسْتَمَرَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي التَّرَاوِيحِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَؤُمُّ الصَّبِيُّ فِي النَّافِلَةِ فَمَا ذَكَرَهُ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ابْنُ يُونُسَ، وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَؤُمُّ فِي النَّافِلَةِ (قُلْت) هُوَ ظَاهِرُ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَهُوَ نَصُّ الْجَلَّابِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِأَفْرِيقِيَّةَ انْتَهَى. ص (وَهَلْ بِلَاحِنٍ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْفَاتِحَةِ وَبِغَيْرِ مُمَيِّزٍ بَيْنَ ضَادٍ وَظَاءٍ خِلَافٌ) ش: ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ، وَذَكَرَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافًا أَيْ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَشَارَ إلَى الْأُولَى مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: وَهَلْ بِلَاحِنٍ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْفَاتِحَةِ أَيْ: وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالِاقْتِدَاءِ بِاللَّاحِنِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَحْنُهُ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ غَيَّرَ لَحْنُهُ الْمَعْنَى أَمْ لَا، أَوْ إنَّمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالِاقْتِدَاءِ بِاللَّاحِنِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَأَمَّا اللَّاحِنُ فِي غَيْرِهَا، فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيَّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ فِي إمَامَةِ اللَّحَّانِ

أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَفِي إمَامَةِ مَنْ يَلْحَنُ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ جَائِزَةٌ، وَقِيلَ: مَمْنُوعَةٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا جَازَ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَصَّارُ إنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى جَازَتْ إمَامَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَيَقُولُ: إيَّاكِ نَعْبُدُ، وَأَنْعَمْت عَلَيْهِمْ، فَيَجْعَلُ الْكَافَ لِلْمُؤَنَّثِ، وَالْإِنْعَامَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يَلْفِظُ بِالضَّادِ ظَاءً، وَالْأَلْثَغُ الَّذِي يَلْفِظُ بِالرَّاءِ خَفِيفَ الْغَيْنِ طَبْعًا فَتَصِحُّ إمَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إحَالَةُ مَعْنًى، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانُ حُرُوفٍ، وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ ابْتِدَاءً إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ أَحْسَنُ، إذَا كَانَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُقَيِّمُ قِرَاءَتَهُ فَإِنْ أَمَّ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مَضَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ لَحْنَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا، وَمَعَ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ كَلَامًا فِي صَلَاتِهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ تَكَلَّمَ جَهْلًا هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَيْفَ بِهَذَا، وَاللَّحْنُ لَا يَقَعُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ؟ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُسْلِمُهُ مِنْ اللَّحْنِ لَأَجْزَأَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُغَيِّرُ مَعْنَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ لَا يَقْصِدُ مُوجِبَ ذَلِكَ اللَّحْنِ، وَلَا يَعْتَقِدُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَعْتَقِدُهُ مَنْ لَا لَحْنَ عِنْدَهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ ابْتِدَاءً إلَى آخِرِهِ رَاجِعٌ إلَى اللَّحَّانِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ فِي جَوَازِ إمَامَةِ اللَّحَّانِ ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَرَابِعُهَا: لِلْقَاضِي مَعَ ابْنِ الْقَصَّارِ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى، وَالْأَحْسَنُ الْمَنْعُ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَمَّ لَمْ يُعِدْ مَأْمُومُهُ انْتَهَى. فَيَكُونُ اخْتِيَارُهُ خَامِسًا: وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ إمَامَتِهِ ابْتِدَاءً إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ فَإِنْ أَمَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ رَسْمِ الصَّلَاةِ: الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي يُحْسِنُ الْقُرْآنَ أَيْ يَحْفَظُ، وَلَا يُحْسِنُ قِرَاءَتَهُ وَيُلْحِنُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِنْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ إذَا كَانَ يُلْحِنُ فِي سِوَاهَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَأْوِيلًا عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي التَّأْوِيلِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي النَّظَرِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ لَا يُلْحِنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَا تَجُوزُ إذَا كَانَ يُلْحِنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ إذَا كَانَ لَحْنُهُ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ الْمَعْنَى مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إيَّاكِ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَأَنْعَمْت بِرَفْعِ التَّاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ لَحْنُهُ لَا يَتَغَيَّرُ مِنْهُ الْمَعْنَى مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدِ لِلَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ " الْحَمْدُ " وَرَفْعِ الْهَاءِ مِنْ " لِلَّهِ "، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَالرَّابِعُ: أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مَكْرُوهَةٌ فَإِنْ وَقَعَتْ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ لَا يَقْصِدُ مَا يَقْتَضِيه اللَّحْنُ بَلْ يَعْتَقِدُ بِقِرَاءَتِهِ مَا يَعْتَقِدُ بِهَا مَنْ لَا يُلْحِنُ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمِنْ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَمَرَّ بِالْمَوَالِي، وَهُمْ يَقْرَءُونَ وَيَلْحَنُونَ، فَقَالَ: نِعْمَ مَا يَقْرَءُونَ، وَمَرَّ بِالْعَرَبِ، وَهُمْ يَقْرَءُونَ، وَلَا يَلْحَنُونَ، فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَ» ، وَأَمَّا الْأَلْكَنُ الَّذِي لَا تَتَبَيَّنُ قِرَاءَتُهُ، وَالْأَلْثَغُ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لَهُ النُّطْقُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الظَّاءِ وَالضَّادِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الِائْتِمَامُ بِهِمْ مَكْرُوهًا إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضَى بِهِ سِوَاهُمْ انْتَهَى. ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، وَأَمَّا اللَّحَّانُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَلَوْ كَانَ لَحْنُهُ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ قَالَهُ ابْنُ اللَّبَّادِ وَوَافَقَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَرَأَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَيْضًا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَحْنُهُ لَا يُغَيِّرُ مَعْنًى صَحَّتْ إمَامَتُهُ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ فَتَفْسُدُ بِتَعَمُّدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَحْنُهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِيَانِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلًا رَابِعًا، وَهُوَ

الْجَوَازُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَمْ يَلْحَنْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ فَلْيُعِدْ يُرِيدُ إلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ حَالُهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ الْقَابِسِيُّ: قَالَ هُوَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ الظَّاءَ مِنْ الضَّادِ، وَإِنْ لَحَنَ فِيمَا عَدَا أُمَّ الْقُرْآنِ فَذُكِرَ عَنْ ابْنِ اللَّبَّادِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَابْنِ شَبْلُونٍ أَنَّهُ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ: لَا تُجْزِئُهُ وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا قَالَ: وَهُوَ وَاضِحٌ كَمَنْ تَرَكَ السُّورَةَ عَامِدًا انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ حَكَى عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ فِيمَنْ يَلْحَنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ أَنَّ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ فَاسِدَةٌ، قَالَا: وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ الظَّاءَ مِنْ الضَّادِ أَنَّهُ يُعِيدُ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ لِلْقَرَوِيِّينَ فِيمَنْ يَلْحَنُ فِيمَا عَدَا أُمَّ الْقُرْآنِ، قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: تُجْزِئُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ شَبْلُونٍ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَا بَيْنَ غَيْرِهَا، قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ عِنْدِي أَصَحُّ، وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ احْتَجَّ بِأَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ تُجْزِئُ عَنْ غَيْرِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَشَدَّ حَالًا مِمَّنْ تَرَكَ مَا عَدَا أُمَّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ بِاللَّحْنِ، وَمَا لَا يَجُوزُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي يَحِلُّ أَنْ يَتْلُوَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَأَشْبَهَ الْكَلَامَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنَّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ أَشَدُّ مِمَّنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ، وَهَذَا عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الَّذِي قَرَأَ، وَلَا يُحْسِنُ مَا يَقْرَأُ هُوَ يُشْبِهُ الْمُتَكَلِّمَ كَمَا ذَكَرْت، فَالتَّارِكُ أَيْسَرُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي نَاسِي أُمِّ الْقُرْآنِ: هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَتُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَصْوَبُ قِرَاءَةً مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَرْضِيُّ الْحَالِ، فَاللَّحَّانُ الْأَلْكَنُ، وَالْأُمِّيُّ الَّذِي مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُغْنِيهِ فِي صَلَاتِهِ أَوْلَى مِنْ قَارِئٍ لَا يُرْضَى حَالُهُ، وَقَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ اللَّبَّادِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَلْحَنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ فَلْيُعِدْ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِاللَّحَّانِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانَ لَحْنُهُ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ غَيَّرَ الْمَعْنَى أَوْ لَا، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَابِسِيِّ وَأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالشَّاذُّ الصِّحَّةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ الْبُطْلَانُ لَكِنْ لَا أَعْلَمُ. مَنْ صَرَّحَ بِتَشْهِيرِهِ نَعَمْ قَالَ الْقَابِسِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُصَلِّي مَنْ يُحْسِنُ خَلْفَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ تَرْكِهَا قَالَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَ فَاتِحَةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا بَيْنَ مَنْ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ نَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ ابْنِ الْقَابِسِيِّ وَزَادَ فِيهِ إنْ لَمْ تَسْتَوِ حَالُهُمَا. (قُلْت) ، وَلَمْ أَقِفْ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي قَوْلِ ابْنِ اللَّبَّادِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مُعْتَمِدًا عَلَى تَصْحِيحِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ يُونُسَ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ ضَعَّفَهُ وَرَدَّهُ (الْقَوْلُ الثَّانِي) : إنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي غَيْرِهَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ اللَّبَّادِ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ شَبْلُونٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَبِهَذَا كَانَ كَثِيرُ مَنْ أَدْرَكَنَا يُفْتِي انْتَهَى. (قُلْت) : قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَشَاهَدْت شَيْخَنَا الشَّبِيبِيَّ يُفْتِي بِهِ بِالْقَيْرَوَانِ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَقَيَّدَهُ ابْنُ يُونُسَ بِأَنْ لَا تَسْتَوِيَ حَالُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) : إنْ كَانَ لَحْنُهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى صَحَّتْ إمَامَتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) : أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مَكْرُوهَةٌ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّ إمَامَتَهُ مَمْنُوعَةٌ ابْتِدَاءً مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ

فَإِنْ أَمَّ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ، وَهَذَا اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ (الْقَوْلُ السَّادِسُ) أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ اللَّحَّانِ جَائِزَةٌ ابْتِدَاءً، وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنْكَرَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: نَقْلُ اللَّخْمِيِّ الْجَوَازَ مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ حَبِيبٍ وَاخْتَارَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِيمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَزَا لِابْنِ حَبِيبٍ الْكَرَاهَةَ انْتَهَى. (قُلْت) مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرٌ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِاللَّحَّانِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ، وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ تَرْجِيحُهُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ السَّادِسَ ضَعِيفٌ شَاذٌّ، وَأَنَّ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ مُرَجَّحَةٌ مُصَحَّحَةٌ وَأَرْجَحُهَا ثَلَاثَةٌ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْقَوْلُ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَرْجَحُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْقَوْلُ الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَعُلِمَ أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالشَّاذُّ الصِّحَّةُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ غَيْرُ شَاذٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَالشَّاذُّ الْجَوَازُ (الثَّانِي) : تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِاللَّحَّانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ صَلَاتِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ لَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَ صَلَاتِهِ هُوَ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ نُقُولِهِمْ السَّابِقَةِ، وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ، وَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي حُكْمِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ الْقَصَّارِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يُغَيِّرَ لَحْنُهُ الْمَعْنَى أَوْ لَا، فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِهِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّ صَلَاتَهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ اللَّبَّادِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ يَلْحَنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ، قَالَ: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ حَالُهُمَا، وَذَكَرَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ الْقَابِسِيِّ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَلْ يُخْرِجُ اللَّحْنُ الْكَلِمَةَ الْمَلْحُونَ فِيهَا عَنْ كَوْنِهَا قُرْآنًا وَيُلْحِقُهَا بِكَلَامِ الْبَشَرِ أَوْ لَا يَخْرُجُهَا عَنْ كَوْنِهَا قُرْآنًا انْتَهَى. كَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ السَّابِقُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ يَنُبْنِي عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ هَلْ يُلْحِقُ الْقِرَاءَةَ بِكَلَامِ النَّاسِ وَيُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا أَمْ لَا انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُفَصَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : إذَا وَقَعَ اللَّحْنُ مِنْ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ سَهْوًا أَوْ غَيْرَ سَهْوٍ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا، فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ غَيَّرَ الْمَعْنَى أَمْ لَمْ يُغَيِّرْهُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا، وَغَايَتُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ اللَّاحِنُ أَسْقَطَ مِنْ الْفَاتِحَةِ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا سَهْوًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ اللَّحْنُ سَهْوًا فِي الْغَالِبِ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ آيَةً مِنْهَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَكَيْفَ بِالْكَلِمَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَتْرُكْ ذَلِكَ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ اللَّحْنُ الْوَاقِعُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّهْوِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ أَوْ أَتَى بِهِ الْمُصَلِّي لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ، فَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ فَاعِلِ ذَلِكَ وَصَلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ عَمْدًا، وَالْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ اللَّحْنُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّوَابِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعَجْزٍ عَنْ التَّعْلِيمِ أَمَّا لِعَدَمِ قَبُولِ ذَلِكَ

فصل من تكره إمامته

طَبْعًا كَبَعْضِ الْأَعَاجِمِ وَجُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ التَّعْلِيمِ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِائْتِمَامِ بِمَنْ لَا يُلْحِنُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي نَفْسِهِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَاللُّكْنَةِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعَلُّمِ وَإِمْكَانِهِ وَإِمْكَانِ الِاقْتِدَاءِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي صَلَاتِهِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ الْفَاتِحَةِ وَقَدَرَ عَلَى الِائْتِمَامِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ إلَى هَذَا وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ كَالْجَاهِلِ فِي الْبَابَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يُرِيدُ بِالْبَابَيْنِ اللَّحَّانَ وَالْأَلْكَنَ، وَيَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَعَلَّمَ فَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ مُمَيِّزٍ بَيْنَ ضَادٍ وَظَاءٍ خِلَافٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِمَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي كَلَامِ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ بِالْبُطْلَانِ فِي ذَلِكَ إلَّا الْقَابِسِيُّ وَالشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَعَنْهُمَا نَقَلَ الْبُطْلَانَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ خِلَافً لِتَصْحِيحِ ابْنِ يُونُسَ وَعَبْدِ الْحَقِّ لِقَوْلِ الْقَابِسِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ هُنَا أَقْوَى لِحِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُقْتَدَى بِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْقَابِسِيِّ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ لِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ حَالُهُمَا وَهَذَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ التَّعَلُّمِ، وَالِاقْتِدَاءُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَالظَّاهِرُ فِي هَذَا أَنَّهُ مِنْ اللَّحْنِ الْخَفِيِّ وَأَنَّهُ لَا تَبْطُلُ بِهِ إلَّا مَعَ تَرْكِ ذَلِكَ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مَكِّيٍّ الصَّقَلِّيُّ فِي كِتَابِ تَثْقِيفِ اللِّسَانِ فِي بَابِ مَا يَغْلَطُ فِيهِ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ يَنْقُلُ عَنْهُ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمْ مَا نَصُّهُ: " سَأَلْت أَبَا عَلِيِّ الْجَلُولِيَّ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُظْهِرُ النُّونَ الْخَفِيفَةَ وَالتَّنْوِينَ عِنْدَ الْيَاءِ وَالْوَاوِ فَقَالَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَقَرَأَ بِمَا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ، وَقَالَ لَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ: رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لَا يَجُوزُ مِثْلُ إظْهَارِ هَذِهِ النُّونِ الْخَفِيفَةِ وَالتَّنْوِينِ عِنْدَ الْيَاءِ وَالْوَاوِ وَتَبْدِيلِ الضَّادِ ظَاءً وَالظَّاءِ ضَادًا أَوْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْقَارِئِ لِذَلِكَ جَائِزَةٌ قَالَ وَمَنَعَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ لَحْنُهُ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَيَّرَ الْقُرْآنَ كَانَ مُتَكَلِّمًا فِي الصَّلَاةِ، إذْ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَلْحُونٍ فَلَيْسَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ كَلَامَ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُهُ فَصَارَ كَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا انْتَهَى. [فَصَلِّ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ] (فَصْلٌ وَكُرِهَ أَقْطَعُ وَأَشَلُّ) ش: لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْإِمَامِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ الْأَوْصَافَ الْمَكْرُوهَةَ بِذِكْرِ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ كَمَا فَعَلَ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَاسْتَطْرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ لِذِكْرِ مَسَائِلَ مَكْرُوهَةٍ وَلَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ، ثُمَّ إنَّ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا رَاتِبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقِسْمٌ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ إمَامًا رَاتِبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاتِبًا فَلَا تُكْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْأَقْطَعُ وَالْأَشَلُّ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْجَلَّابِ عَلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَلَا يَؤُمُّ الْأَشَلُّ وَلَا الْأَقْطَعُ وَلَا الْأَعْرَجُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ قَائِمًا انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي الْمَكْرُوهَاتِ: أَوْ أَقْطَعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي إمَامَةِ الْأَقْطَعِ وَالْأَعْرَجِ وَصَاحِبِ السَّلَسِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ مَنْ انْحَنِي لِكِبَرٍ حَتَّى صَارَ كَالرَّاكِعِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَنَقَصَ قِيَامُهُ كَثِيرًا، وَقَدْ وَقَعَتْ وَأَجْرَيْنَاهَا عَلَى هَذَا وَجَوَّزَهُ لِي شَيْخُنَا الْإِمَامُ وَاخْتَارَ الْجَوَازَ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ وَكَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُ لِكِبَرِ سِنِّهِ وَصَلَاحِهِ وَقِدَمِ هِجْرَتِهِ فِي الطَّلَبِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ إمَامَةَ صَاحِبِ السَّلَسِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَذُو سَلَسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَذُو سَلَسٍ) ش: قَالَ سَنَدٌ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ: وَتُكْرَهُ فَإِنْ صَلَّى أَجْزَأَتْهُمْ، قَالَ: كَانَ الْمُسْتَنْكِحُ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَمْ لَا ذَكَرَهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ فِي إمَامَتِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ بِالْإِمَامَةِ وَعَدَمِهَا، وَالثَّالِثُ لَا يَؤُمُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَالِحًا مِثْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَرَّرَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْقُرْحَةِ وَانْظُرْ التَّنْبِيهَاتِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ. ص (وَإِمَامَةُ مَنْ يُكْرَهُ) ش: قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَقَدَّمُ قَوْمًا فِي الصَّلَاةِ فَيَقُولُ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ: أَتَأْذَنُونَ، فَقَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، فَقِيلَ لَهُ: وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْك أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمْ، فَقَالَ: إنْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فَلِيَسْتَأْذِنَّهُمْ رُبَّمَا تَقَدَّمَ الْحُرُّ بِقَوْمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَفَّفَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ رَأَى تَرْكَهُ الِاسْتِئْذَانَ أَحْسَنَ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُهُ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، إذْ قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ» ، وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مَعَ قَوْمٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ لَهُ بِالتَّقَدُّمِ وَالْفَضْلِ وَأَنَّ سُكُوتَهُمْ عَلَى تَقَدُّمِهِ بِهِمْ إذْنٌ مِنْهُمْ لَهُ فِي ذَلِكَ فَاسْتُحْسِنَ أَنْ لَا يَفْسَخَ بِاسْتِئْذَانِهِمْ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إفْصَاحِهِمْ بِتَقْدِيمِهِ وَتَفْضِيلِهِ فَيَصِيرُ مُتَعَرِّضًا لِثَنَائِهِمْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُهُ فَلَا يَكْتَفِي بِسُكُوتِهِمْ حَتَّى يُصَرِّحُوا لَهُ بِالْإِذْنِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ قَدْ حَصَلَ إمَامًا فِي مَسْجِدٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ بِتَقْدِيمِ أَهْلِهِ إيَّاهُ فَطَرَأَتْ جَمَاعَةٌ فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يَكْرَهُ إمَامَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ بِالتَّقَدُّمِ مِنْهُمْ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ جَمَاعَتَهُ أَوْ أَكْثَرَهَا أَوْ ذَا النُّهَى وَالْفَضْلِ مِنْهَا كَارِهُونَ لِإِمَامَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِمَامَةِ بِهِمْ لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ» فَذَكَرَ فِيهِمْ الَّذِي يَؤُمُّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لَأَنْ أَقْرَبَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي إلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَؤُمَّ قَوْمًا وَهُمْ لِي كَارِهُونَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكْرَهْ إمَامَتَهُ مِنْ جَمَاعَتِهِ إلَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ التَّقَدُّمِ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ إذَا خَافَ أَنَّ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يَكْرَهُ إمَامَتَهُ فَتَرْكُهَا إذْ ذَاكَ أَفْضَلُ لَهُ وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ عَلَى مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ حَذَرَ أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةَ إمَامَتِهِ لِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ أَوْ نَفْسَانِيٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ شَرْعِيَّةً فَلَا يَتَقَدَّمُ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ ثَلَاثًا رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَامْرَأَةً بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَرَجُلًا سَمِعَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَلَمْ يُجِبْ»

انْتَهَى. ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: مَنَعَ إمَامَةَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِهَا وَالْأَنْكِحَةِ إمَامَةُ الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ مَظِنَّةٌ لِعَدَمِ طِيبِ نَفْسِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي إلَى إمَامَةِ الْإِمَامِ لِمَنْ هُوَ لَهُ كَارِهٌ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت: إنْ كَانَتْ كَرَاهَتُهُمْ لِأَجْلِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَلْ هَذَا يُوجِبُ كَمَالَ الْعَدَالَةِ وَكَوْنَهُ أَحَقَّ مَنْ أَمَّ وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ إذَا كَرِهَ الْجَمَاعَةُ إمَامَهُمْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ وَلَا يُوجِبُ عَزْلًا انْتَهَى. ص (وَأَغْلَفُ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَغْلَفَ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَرَتُّبُهُ لِلْإِمَامَةِ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ يَؤُمَّ الْأَغْلَفُ وَلَا الْمَعْتُوهُ، قَالَ سَحْنُونٌ فَإِنْ أَمَّهُمْ الْأَغْلَفُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ فَيُعِيدُونَ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَغْلَفُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ، وَالْمَعْتُوهُ الذَّاهِبُ الْعَقْلِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ الْمَعْتُوهَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ فَيُعِيدُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ أَبَدًا، وَأَمَّا الْأَغْلَفُ فَلَا يُخْرِجُهُ تَرْكُ الِاخْتِتَان عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ مَبْلَغَ التَّفْسِيقِ كَشَارِبِ الْخَمْرِ وَقَاتِلِ النَّفْسِ فَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَرْفَعُ مَرَاتِبِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَؤُمُّ إلَّا أَهْلُ الْكَمَالِ فَإِنْ أَمَّ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ ائْتَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ إذَا جَازَتْ لِنَفْسِهِ جَازَتْ لِغَيْرِهِ انْتَهَى. ص (وَمَجْهُولُ حَالٍ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَأْتَمَّ إلَّا بِمَنْ يَعْرِفُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الزَّاهِي لَا يُؤْتَمُّ بِمَجْهُولٍ، وَقَالَ قَبْلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَمَّ بِمَجْهُولٍ إلَّا رَاتِبًا بِمَسْجِدٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت إنْ كَانَتْ تَوْلِيَةُ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ لِذِي هَوًى لَا يُقَدَّمُ فِيهَا بِمُوجَبِ التَّرْجِيحِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يُؤْتَمَّ بِرَاتِبٍ فِيهَا إلَّا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْهُ وَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ مَنْ أَدْرَكْتُهُ عَالِمًا دَيِّنًا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَبْدٌ بِفَرْضٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ إمَامًا رَاتِبًا فِي الْفَرَائِضِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْكَرَاهَةُ عَامَّةٌ حَتَّى فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَلَا فِي جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ فَإِنْ أَمَّهُمْ فِي جُمُعَةٍ أَعَادَ وَأَعَادُوا إذْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا عِيدَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْكَرَاهَةُ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ: إنَّهَا جَائِزَةٌ، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ أَصْلَحَهُمْ لَمْ يُكْرَهْ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمُ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ تَجُوزُ إمَامَتُهُ ابْتِدَاءً، وَقِيلَ إنْ اُسْتُخْلِفَ لِتَمَامِهَا جَازَ وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّ فِي الْعِيدِ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ جَوَازَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَعْنِي فِي الْفَرِيضَةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ لِأَشْهَبَ نَصَّا وَيُرَدُّ التَّخْرِيجُ بِكَثْرَةِ مَنْ يَحْضُرُ الْعِيدَ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ إظْهَارٌ لِأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَمَّ فِي الْجُمُعَةِ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ أَبَدًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ فِي الْعِيدِ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ، وَهُوَ خِلَافٌ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُجْزِئُ وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ أَمَّهُمْ فِي جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ أَعَادُوا وَلَيْسَ فِي التَّهْذِيبِ ذِكْرُ الْعِيدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيلِ وَفِي نُسَخٍ مِنْ الْبَرَاذِعِيِّ كَابْنِ يُونُسَ وَلَمْ أَقْرَأْهُ، وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ فِي الْأُمَّهَاتِ أَوْ عِيدٍ ذَكَرَهُ مُعْتَرِضًا عَلَى ابْنِ يُونُسَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ نَاجِي (قُلْت) قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ فِي الْعِيدِ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ الْإِعَادَةَ بِالْجُمُعَةِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْإِعَادَةِ فِي الْعِيدِ بَلْ لَفْظُ الْأُمِّ أَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ وَنَصُّهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْعَبْدُ إمَامًا فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَلَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ وَلَا الْأَعْيَادِ، قَالَ: وَلَا يُصَلِّي الْعَبْدُ بِالْقَوْمِ الْجُمُعَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ وَأَعَادُوا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا جُمُعَةَ

عَلَيْهِ انْتَهَى. وَذَكَرَهَا فِي الْأُمِّ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ قَالَ وَلَا يُصَلِّي الْعَبْدُ بِالنَّاسِ الْعِيدَ وَلَا الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا عِيدَ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي التَّهْذِيبِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ يُونُسَ هُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ مِنْ الْبَرَاذِعِيّ وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُمَّهَاتِ، قَالَ، وَذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيلِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ فِي الْأَوَّلِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ التَّهْذِيبِ كَذَلِكَ وَاعْتَمَدَ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ فَنَسَبَ الْإِعَادَةَ فِي الْعِيدِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ فِي كَرَاهَتِهِ يَعْنِي الْعَبْدَ فِي السُّنَنِ، قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَخْرِيجُ الْمَازِرِيَّ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْفَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت فِيهَا إنْ أَمَّ فِي عِيدٍ أَعَادُوا، وَظَاهِرُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ الْكَرَاهَةُ خِلَافُهُ انْتَهَى. (قُلْت) : قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِعَادَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْأُمِّ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَكَلَامُ الْأُمِّ كَالصَّرِيحِ فَإِنَّ إمَامَتَهُ فِي السُّنَنِ كَتَرَتُّبِهِ فِي الْفَرَائِضِ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ - فَرْعٌ -: لَوْ أَمَّهُمْ الْعَبْدُ فِي الْعِيدِ هَلْ يُعِيدُونَ مِثْلَ الْجُمُعَةِ؟ جَمَعَ ابْنُ الْجَلَّابِ بَيْنَهُمَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا عِيدَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعِيدَ مِنْ النَّوَافِلِ لَا مِنْ الْفَرَائِضِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهُ وَحْدَهُ فَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهِ، وَلِأَنَّ إحْرَامَ الْإِمَامِ فِي حُكْمِ إحْرَامِ الْمُنْفَرِدِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ لِتَوَفُّرِ الْجَمْعِ وَوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَكُرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ الْعَبْدُ إمَامًا رَاتِبًا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَالْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ، وَالْعَشَرَةُ أَوْصَافٍ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْإِمَامِ قَدْ زِيدَ عَلَيْهَا إمَامَةُ الْعَبْدِ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ وَمَنْ يَلْحَنُ فِي قِرَاءَتِهِ وَمَنْ يَقْرَأُ بِالشُّذُوذِ وَالْجَالِسِ فَأُجْرِيَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْلَانِ، وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ إنَّمَا هُوَ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَمْثَالُهُ جَازَتْ قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى. ص (وَصَلَاةٌ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ) ش: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إمَّا لِتَقْطِيعِ الصُّفُوفِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ جَمْعِ النِّعَالِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحْدَثٌ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ عِنْدَ الضِّيقِ، وَأَمَّا مَعَ السَّعَةِ فَمَكْرُوهٌ لِلْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. ص (أَوْ أَمَامَ الْإِمَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ) ش: وَكَذَلِكَ تُكْرَهُ مُحَاذَاتُهُ، قَالَهُ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ. (فَرْعٌ) ، وَقَالَ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَسُنَّةُ الْإِمَامِ التَّقَدُّمُ وَسُنَّةُ الْمَأْمُومِ التَّأَخُّرُ فَإِنْ عُكِسَ الْأَمْرُ فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ فِي حَقِّهِمَا، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ فَإِنْ اضْطَرَّتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إلَى التَّقَدُّمِ جَازَ وَإِلَّا كُرِهَ انْتَهَى. ص (وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ أَعْلَاهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي السَّفِينَةِ أَسْفَلُ وَالنَّاسُ فَوْقُ أَجْزَأَهُمْ إذَا كَانَ إمَامُهُمْ قُدَّامَهُمْ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ فَوْقُ وَهُمْ أَسْفَلُ لَكِنْ يُصَلُّونَ الَّذِينَ فَوْقُ بِإِمَامٍ وَاَلَّذِينَ أَسْفَلُ بِإِمَامٍ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: مَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قُدَّامَهُمْ لَمْ تُجْزِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ صَلَاتُهُمْ مُجْزِئَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قُدَّامَهُمْ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إذَا كَانَ قُدَّامَهُمْ فَتُجْزِئُهُمْ بِلَا كَرَاهَةٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ: أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِمُعَارَضَتِهَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهَا لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى أَرْفَعَ مِمَّا عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى أَرْدَفَهَا بِقَوْلِهِ، وَقَالَ فِي السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا الْكَرَاهَةُ وَذَكَرْت هَذَا فِي دَرْسِ شَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ - أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَقَرَّهُ وَاسْتَحْسَنَهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ السَّفِينَةَ لَيْسَتْ هِيَ مَحِلُّ الْكِبْرِ، قُصَارَى مَا فِي ذَلِكَ الْكَرَاهِيَةُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: يُعِيدُ الْأَسْفَلُونَ فِي الْوَقْتِ لَيْسَ هُوَ لِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَإِنَّمَا

هُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يُمْكِنْ لَهُمْ مُرَاعَاةُ أَفْعَالِ الْإِمَامِ وَرُبَّمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ فَتَخْتَلِطُ عَلَيْهِمْ أَفْعَالُ صَلَاتِهِمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ كَالدُّكَّانِ يَكُونُ فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ فَوْقُ، قَوْمٌ وَأَسْفَلُ قَوْمٌ فَافْتَرَقَا انْتَهَى. ص (كَأَبِي قُبَيْسٍ) ش: يَعْنِي يُكْرَهُ لِمَنْ كَانَ بِأَبِي قُبَيْسٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَقُعَيْقِعَانَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِي صَلَاةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ وَهُوَ خِلَافٌ فِي حَالٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ مُرَاعَاةُ فِعْلِ الْإِمَامِ صَحَّتْ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بَطَلَتْ وَهَذَا يُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ: هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ يُونُسَ يُرِيدُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مُرَاعَاةَ فِعْلِهِ فِي الصَّلَاةِ. (قُلْت) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يُعْجِبَنِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ إنَّمَا كَرِهَ الصَّلَاةَ لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنْ فَعَلَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَكَذَلِكَ رَأَيْت فِي مَسَائِلَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ تَامَّةٌ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ قَالُوا ذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ سَهْوٌ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ هُنَاكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَقُعَيْقِعَانَ وَحْدَهُ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَإِنْ كَانَ يَعْلُو الْكَعْبَةَ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى السَّمَاءِ انْتَهَى. فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ صَلَاةَ مَنْ كَانَ بِأَبِي قُبَيْسٍ مُقْتَدِيًا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ مَكْرُوهَةٌ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ أَفْعَالِ الْإِمَامِ فَلَا شَكَّ فِي الْبُطْلَانِ وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْجَائِزَاتِ وَعُلُوُّ مَأْمُومٍ، وَلَوْ بِسَطْحٍ لِكَثْرَةِ الْبُعْدِ هُنَا فَتَعْسُرُ الْمُرَاعَاةُ لِأَفْعَالِ الْإِمَامِ، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِتَكَلُّفٍ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى شَغْلِ الْبَالِ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَالَ فِيهَا: لَا يُعْجِبُنِي عَقِبَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَاخْتِيَارُهُ فِيهَا الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ نِسَاءٍ وَبِالْعَكْسِ) ش قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ رَوَى مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ النِّسَاءِ أَوْ امْرَأَةٌ أَمَامَ الرِّجَالِ كَرِهْتُهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ لَمَّا عَدَّ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا: وَصَلَاةُ الرَّجُلِ خَلْفَ صُفُوفِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةِ أَمَامَ صُفُوفِ الرِّجَالِ، وَصَلَاةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَنْبِ الْآخَرِ انْتَهَى. ص (وَإِمَامَةٌ بِمَسْجِدٍ بِلَا رِدَاءٍ) ش: قَالَ فِي أَوَّل رَسْمٍ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ فَيُكْرَهُ تَرْكُ الِالْتِحَافِ بِالْعَمَائِمِ فِيهَا، وَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَقَايَا عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ انْتَهَى. ص (وَتَنَفُّلُهُ بِمِحْرَابِهِ) ش: يُرِيدُ وَجُلُوسُهُ فِيهِ بِلَا صَلَاةٍ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ

وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ سَلَامِهِ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ تَحْوِيلُ الْهَيْئَةِ انْتَهَى. وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، قَالَهُ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " الْعُلُومُ الْفَاخِرَةُ فِي النَّظَرِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي بَابِ جَامِعٍ لِأَحْوَالِ الْمَوْتَى، قَالَ فِي أَثْنَائِهِ - بَابٌ - وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الرُّؤْيَا الطَّوِيلَ، قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ جُلُوسِ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهٌ الَّذِي صَلَّى فِيهِ إذَا أَدَارَ وَجْهَهُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَإِنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ لَا مَا يَرَاهُ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ مِنْ الْأَئِمَّةِ حَتَّى إنَّهُ يَقُومُ مِنْ حِينِ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ كَأَنَّمَا ضُرِبَ بِشَيْءٍ يُؤْلِمُهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ وَيَفُوتُهُ بِذَلِكَ خَيْرَانِ: - أَحَدُهُمَا اسْتِغْفَارُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ - الثَّانِي مُخَالَفَتُهُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي هِيَ نَصُّ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ «كَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ لَيْسَ إلَّا» وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِيَامَ، وَلَوْ قَامَ لَأَخْبَرُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا مِنْ فِعْلِهِ يُخْبِرُونَ بِهِ وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْت بِالْأَنْدَلُسِ كُلَّ مَنْ لَقِيتُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ يُقْبِلُونَ بِوُجُوهِهِمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ، قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَدْرَكْنَا الْأَئِمَّةَ فِي الْجَوَامِعِ الْمُعَظَّمَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَهُوَ نَصٌّ جَلِيٌّ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَضْلِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُغَيِّرُ هَيْئَتَهُ فِي جُلُوسِهِ فِي الصَّلَاةِ فَيُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَتَى بِالسُّنَّةِ لِمَا وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ» فَيَحْصُلُ لِفَاعِلِ ذَلِكَ امْتِثَالُ السُّنَّةِ وَبَقَاءُ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ أَنْ لَوْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَخَرَجَ فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ رَحْلِهِ فِي السَّفَرِ فَلَا بَأْسَ بِجُلُوسِهِ فِيهِ وَتَغْيِيرُ الْهَيْئَةِ أَوْلَى كَذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقْعُدُ فِي مُصَلَّاهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي صَلَاتِهِ وَذَلِكَ بِدْعَةٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْأَبِيَّ وَالْإِكْمَالَ وَالْقُرْطُبِيَّ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ بَلْ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَيُصَلِّي فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ انْتَهَى. وَعَلَى قِيَاسِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنَّهُ كُلَّمَا رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ تَحَوَّلَ إلَى مَكَان آخَرَ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ الْبُخَارِيَّ وَانْظُرْ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ. (فَرْعٌ) وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ أَوْ يَنْصَرِفَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لِلنَّافِلَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا قَامَ بِإِثْرِ فَرَاغِهِ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّافِلَةِ فَقَامَ إلَيْهِ وَجَذَبَهُ بِثِيَابِهِ وَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، وَقَالَ لَهُ مَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَرَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعَ مَقَالَتَهُ فَقَالَ لَهُ أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا عُمَرُ» انْتَهَى. وَذَكَرَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ شَارِحَ الرِّسَالَةِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي إعْلَامِ السَّاجِدِ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسَاجِدِ: الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ كَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ اتِّخَاذُ الْمَحَارِيبِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ أَوَّلُ شِرْكٍ كَانَ فِي أَهْلِ الصَّلَاةِ هَذِهِ الْمَحَارِيبُ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ صَلَّى وَاعْتَزَلَ الطَّاقَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَقَالَ: كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي طَاقِ الْمَسْجِدِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَعْمَرٌ، وَالْمُرَادُ بِطَاقِ الْمَسْجِدِ الْمِحْرَابُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ الْإِمَامُ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي

الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي الطَّاقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الطَّاقِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الِانْفِرَادُ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَمْ يَزَلْ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ انْتَهَى. ص (وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ، وَإِنْ أَذِنَ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) مُهِمٌّ اُخْتُلِفَ فِي جَمْعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي مَقَامَاتِهِمْ الْمَعْهُودَةِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَمَنْ بَعْدَهُ حُكْمُهُ حُكْمُ إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَوْ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكَرَاهَةِ بَلْ رُبَّمَا انْتَهَى إلَى الْمَنْعِ لِمَا سَيَأْتِي، أَوْ صَلَاتُهُمْ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَمَقَامَاتُهُمْ كَمَسَاجِدَ مُتَعَدِّدَةٍ فَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِأَنَّ صَلَاتَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا إذْ مَقَامَاتُهُمْ كَمَسَاجِدَ مُتَعَدِّدَةٍ لِأَمْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ فَقَدْ زَالَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا كُرِهَ أَنْ تُصَلِّي جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ، وَذَكَرَ أَجْوِبَتَهُمْ بِلَفْظِهَا وَهُمْ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْقُرْطُبِيُّ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَعِيدٌ الرَّبَعِيُّ أَحَدُ قُضَاةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَقَاضِي قُضَاةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رَشِيقٍ، قَالَ وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَرْجَانِيُّ وَالشَّيْخُ حَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْمَخِيلِيُّ، وَكَانَ الِاسْتِفْتَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْمِائَةِ السَّابِعَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَوَقَفْت بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة عَلَى تَأْلِيفٍ يُخَالِفُ مَا أَفْتَى بِهِ الْجَمَاعَةُ وَأَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ هُوَ إمَامُ الْمَقَامِ وَلَا أَثَرَ لِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ فِي رَفْعِ الْكَرَاهَةِ الْحَاصِلَةِ فِي جَمْعِ جَمَاعَةٍ بَعْدَ جَمَاعَةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا، وَلَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ اسْمُ مُؤَلَّفِهِ - رَحِم اللَّهُ الْجَمِيعَ - انْتَهَى. (قُلْت) قَدْ وَقَفْت عَلَى تَأْلِيفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَحَدِهِمَا - لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُبَابِ السَّعْدِيِّ الْمَالِكِيِّ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي إبْرَاهِيمَ الْغَسَّانِيِّ الْمَالِكِيِّ فَأَمَّا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُبَابِ فَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَنْعِ الصَّلَاةِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهُمْ شَدَّادُ بْنُ الْمُقَدِّمِ وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَتِيقٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ بْنُ عَوْفٍ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ وَبَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَجَعَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ لَمَّا وَقَفَ عَلَى كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: قَوْلُهُمْ " إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا " خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً؛ لِأَنَّ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَوْ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ جَمَاعَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ فَأَرَادُوا إقَامَةَ تِلْكَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَأَمَّا حُضُورُ جَمَاعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَيَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيُصَلِّي وَأُولَئِكَ عُكُوفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُوهُمْ إلَى ذَلِكَ تَارِكُونَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ مُتَشَاغِلُونَ بِالنَّوَافِلِ وَالْحَدِيثِ حَتَّى تَنْقَضِيَ صَلَاةُ الْأَوَّلِ. ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي يَلِيهِ وَتَبْقَى الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يُصَلُّونَ أَوْ تَحْضُرُ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ كَالْمَغْرِبِ فَيُقِيمُ كُلُّ إمَامٍ الصَّلَاةَ جَهْرًا يَسْمَعُهَا الْكَافَّةُ وَوُجُوهُهُمْ مُتَرَائِيَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِهِمْ مُخْتَلِطُونَ فِي الصُّفُوفِ وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قِرَاءَةَ الْآخَرِينَ وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ فَيَكُونُ أَحَدُهُمْ فِي الرُّكُوعِ وَالْآخَرُ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ وَالْآخَرُ فِي السُّجُودِ فَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً فَقَوْلُ الْقَائِلِ

إنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا " خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ إلَى حِينِ ظُهُورِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ: وَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ. فَأَمَّا أَحْمَدُ فَكَفَانَا فِي الْمَسْأَلَةِ مُهِمَّةٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ إقَامَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِجَمَاعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ حُكِيَ لَكَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْي الَّذِينَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ إقَامَةَ صَلَاةٍ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِإِمَامَيْنِ رَاتِبَيْنِ يَحْضُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِمَامَيْنِ فَيَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الَّذِي رُتِّبَ لِيُصَلِّيَ أَوَّلَ وَتَجْلِسُ الْجَمَاعَةُ الْأُخْرَى وَإِمَامُهُمْ عُكُوفًا حَتَّى يَفْرَغَ الْأَوَّلُ ثُمَّ يُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ فَهَذَا مِمَّا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَحْكِيَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا فِعْلًا وَلَا قَوْلًا فَكَيْفَ بِإِمَامَيْنِ يُقِيمَانِ الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَيُكَبِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَهْلُ الْقُدْوَةِ مُخْتَلِطُونَ وَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ قِرَاءَةَ الْآخَرِ فَهَؤُلَاءِ زَادُوا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي لِسَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا وَمُخَالَفَةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» وَاَللَّهِ لَمْ يَرْضَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُتَنَفِّلَيْنِ تَنَفُّلًا فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ لَمْ يَرْضَهُ لِمُقْتَدٍ اقْتَدَى بِهِ فَصَلَّى خَلْفَهُ فَكَيْفَ يَرْضَى ذَلِكَ لِإِمَامَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ هَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ لَهُ نَظِيرًا فِي قَدِيمٍ وَلَا حَدِيثٍ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَسْتَحْسِنْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ اسْتَقْبَحَهَا كُلُّ مَنْ سُئِلَ عَنْهَا وَمِنْهُمْ مِنْ بَادَرَ بِالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذْنُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ فَلَا يُصَيِّرُهُ جَائِزًا كَمَا لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْمَالِكِيِّ فِي بَيْعِ النَّبِيذِ أَوْ التَّوَضُّؤِ بِهِ أَوْ فِي أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَلَا يَقْرَأُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " أَوْ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيَّ وَالشَّيْخَ يَحْيَى الزَّنَاتِيَّ أَنْكَرَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَإِنَّهُمَا لَمْ يُصَلِّيَا خَلْفَ إمَامِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ رَكْعَةً وَاحِدَةً، قَالَ وَكَانَ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرَ مَغْمُوصٍ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ، وَهُوَ رَزِينٌ فِي أَيَّامِ الزَّنَاتِيِّ وَالْقَابِسِيُّ فِي أَيَّامِ الطُّرْطُوشِيِّ، ثُمَّ قَالَ وَحَالُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ مَشْهُورٌ عَنْ أَقْرَانِنَا وَمَنْ قَبْلَنَا بِيَسِيرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ وَرَدُوا إلَى مَكَّةَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا صَلَاةَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مُتَرَتِّبِينَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَعْهُودَةِ، وَإِنَّهُ عَرَضَ مَا أَمْلَاهُ فِي عَدَمِ جَوَازِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَأَنْكَرَ إقَامَتَهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا غَالِبُهُ بِالْمَعْنَى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْغَسَّانِيُّ: إنَّ افْتِرَاقَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ عَلَى أَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ: إمَامٍ سَاجِدٍ وَإِمَامٍ رَاكِعٍ وَإِمَامٍ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا أَذِنَ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مَنْ صَحَّتْ عَقِيدَتُهُ وَلَا مَنْ فَسَدَتْ لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ وَلَا عِنْدَ تَلَاحُمِ السُّيُوفِ وَتَضَامِّ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ فَيَكُونُ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ انْتَهَى. وَسُئِلَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ عَنْ إقَامَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْقَائِلُ فِي السُّؤَالِ: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ وَلَا الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلَا فِي زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَعَنْ قَوْلِ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة: إنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَأَرْبَعَةِ مَسَاجِدَ، وَإِنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] وَلِقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَلَمْ يَقُلْ الْمَسَاجِدَ الْحَرَامَ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ صَلَاةَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَغْرِبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْبِدَعِ الْفَظِيعَةِ وَالْأُمُورِ الشَّنِيعَةِ الَّتِي

لَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ يُنْكِرُونَهَا فِي الْحَدِيثِ وَالْقَدِيمِ وَيَرُدُّونَهَا عَلَى مُخْتَرِعِهَا الْقَادِمِ مِنْهُمْ وَالْمُقِيمِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ الْحُبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَكَلَامِ الْغَسَّانِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ كَفَانَا هَذَانِ الرَّجُلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيمَا نَقَلَهُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ كِفَايَةٌ، قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِالشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ عَالِمِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُجْمَعِ عَلَى عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَفَضِيلَتِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَرَفَةَ فِي حَجَّتِهِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَبَشَاعَةُ ذَلِكَ وَشَنَاعَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِمَنْ أُلْهِمَ رُشْدَهُ وَلَمْ تَمِلْ بِهِ عَصَبِيَّةٌ. وَدَلَائِلُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَقَدْ يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْمَوْسِمِ عَلَى الْمُصَلِّينَ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ لِلِاشْتِبَاهِ، وَجَمِيعُ الْبِلَادِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا هَذِهِ الْجَمَاعَاتُ يَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الشَّافِعِيُّ الرَّاتِبُ الْأَوَّلُ كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَدِمَشْقَ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي يَجِبُ إنْكَارُهَا وَالسَّعْيُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي خَفْضِ مَنَارِهَا وَإِزَالَةِ شِعَارِهَا وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ، وَيُثَابُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ وَيَنَالُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةَ وَيُؤْجَرُ، وَكُلُّ مَنْ قَامَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْوَافِرُ وَالْخَيْرُ الْعَظِيمُ الْمُتَكَاثِرُ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ فُقَهَاءِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة بِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَأَرْبَعَةِ مَسَاجِدَ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ سَخِيفٌ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُتَعَرَّضَ لَهُ بِرَدٍّ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَحْسُوسَ وَالْأَدِلَّةَ الظَّاهِرَةَ الْمُتَكَاثِرَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ انْتَهَى. (قُلْت) وَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ إذْ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ مُنَاقِضٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ تَعُودَ بَرَكَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى تَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَلَمْ يَسْمَحْ الشَّارِعُ بِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ بِإِمَامَيْنِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ الشَّدِيدَةِ وَهِيَ حُضُورُ الْقِتَالِ مَعَ عَدُوِّ الدِّينِ بَلْ أَمَرَ بِقَسْمِ الْجَمَاعَةِ وَصَلَاتِهِمْ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - رَسُولَهُ بِهَدْمِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لَمَّا اُتُّخِذَ لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِعْلُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ يُشْبِهُ فِعْلَ مَسْجِدِ أَهْلِ الضِّرَارِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا مَا كَانَ يُفْعَلُ فِي الْمَغْرِبِ فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي حُرْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ نَرَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَدْرَكْنَاهُ اجْتِمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِيهَا، وَإِنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيُّ، وَكَانَ سَيِّدِي الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُنْكِرُ ذَلِكَ غَايَةَ الْإِنْكَارِ وَأَجَابَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بِمَا صُورَتُهُ: أَمَّا اجْتِمَاعُ إمَامَيْنِ بِجَمَاعَتَيْنِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْحُبَابِ وَالشَّيْخُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْغَسَّانِيُّ وَالْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ الشَّافِعِيُّ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ سَأَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ مُوسَى الْمُنَاوِيُّ، وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الْفَظِيعَةِ وَالْأُمُورِ الشَّنِيعَةِ الَّتِي لَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ يُنْكِرُونَهَا فِي الْحَدِيثِ وَالْقَدِيمِ وَيَرُدُّونَهَا عَلَى مُخْتَرِعِهَا الْقَادِمِ مِنْهُمْ وَالْمُقِيمِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَرَأَى اجْتِمَاعَ الْأَئِمَّةِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا قَالَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَبَشَاعَةُ ذَلِكَ وَشَنَاعَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِمَنْ أُلْهِمَ رُشْدَهُ وَلَمْ تَمِلْ بِهِ عَصَبِيَّةٌ وَدَلَائِلُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ النَّبَوِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَلَقَدْ يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُصَلِّينَ فِي الْمَوْسِمِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إزَالَةُ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ وَعَلَى كُلِّ

فروع الأول صلى جماعتان بإمامين في مسجد واحد

مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ، وَيُثَابُ وَلِيُّ الْأَمْرِ سَدَّدَهُ اللَّهُ وَوَفَّقَهُ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ وَيَنَالُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ الدَّرَجَاتِ الْعَلِيَّةَ وَيُؤْجَرُ، وَكُلُّ مَنْ قَامَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ الْوَافِرُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، بَلْ وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ وَقَادِحٌ فِي إمَامَتِهِ فَلَمَّا أَجَابَ سَيِّدِي الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِهَذَا الْجَوَابِ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ اجْتَمَعَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَنَائِبُ جُدَّةَ وَمَلِكُ النَّجَّارِ وَأَئِمَّةُ فِي الْحَطِيمِ وَاتَّفَقَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّ يَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَإِذَا قَامَ الْحَنَفِيُّ لِرَكْعَتِهِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ شَرَعَ الشَّافِعِيَّةُ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ، وَيُطِيلُ الشَّافِعِيُّ الْقِرَاءَةَ حَتَّى لَا يَرْكَعَ فِي الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْحَنَفِيِّ وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ سَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ أَمَرَ بَعْضُ نُوَّابِ جُدَّةَ أَئِمَّةَ الشَّافِعِيَّةِ أَلَّا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا يَشْرَعُوا فِي الْإِقَامَةِ حَتَّى يُسَلِّمَ الْحَنَفِيُّ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يُمْكِنْ مُخَالَفَتُهُ فَخَفَّتْ الْبِدْعَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتُمِرَّ عَلَى ذَلِكَ إلَى وَقْتِنَا هَذَا فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَجَمْعُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ كُلُّ جِهَةٍ بِإِمَامٍ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كُلُّ جِهَةٍ كَأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِاخْتِصَاصِ إمَامٍ بِهَا، وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ لَا يُصَلِّي فِيهِ إلَّا إمَامٌ وَاحِدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا - حَفِظَهُ اللَّهُ - يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ غَيْرُ هَذَا فَقَدْ وَهِمَ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ الْمَنْعُ، وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ، وَهُوَ الَّذِي شَاهَدْت شَيْخَنَا يُفْتِي بِهِ انْتَهَى. (قُلْت) وَالْعَجَبُ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ وَجَدَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ أَهْلُهُ، فَإِنْ طَمِعَ فِي إدْرَاكِ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ خَرَجَ، فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَجْمَعُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلْيُصَلُّوا فِيهِ أَفْذَاذًا انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّهُمْ يَتَحَوَّلُونَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ وَيُصَلُّونَ جَمَاعَةً، وَلَا يُقَالُ: إنَّ جَمْعَهُمْ الْآنَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَتَقْرِيرِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمٍ إذْ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ لَا يُفِيدُ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إذْنَ الْإِمَامِ فِي الْمَكْرُوهِ أَوْ الْحَرَامِ لَا يُبِيحُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ صَلَّى جَمَاعَتَانِ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَوْ صَلَّى جَمَاعَتَانِ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَسَاءُوا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الثَّانِي أَهْلُ السَّفِينَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْتَرِقُوا عَلَى طَائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ] (الثَّانِي) قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ عَنْ الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي السَّفِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضُهُمْ وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ فَيُقِيمُ الَّذِينَ بَقُوا فِي السَّفِينَةِ الصَّلَاةَ فَيُصَلُّونَ، ثُمَّ يَجِيءُ الَّذِينَ كَانُوا نَزَلُوا يَجْمَعُونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ فَقَالَ بِرَأْسِهِ لَا، فَرُوجِعَ فِيهَا فَقَالَ: إنَّمَا مِثَالُ الْجَمْعِ فِيهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ بِرَأْسِهِ لَا، قَالَ الْقَاضِي، وَهَذَا أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَفْتَرِقَ فِي طَائِفَتَيْنِ فَتُصَلِّي كُلُّ جَمَاعَةٍ مِنْهَا بِإِمَامٍ عَلَى حِدَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ ذَلِكَ لِلْغُزَاةِ مَعَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشَرَعَ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ السَّفِينَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْتَرِقُوا عَلَى طَائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ كُرِهَ لِلَّذِينَ نَزَلُوا إذَا جَاءُوا أَنْ يَجْمَعُوا الصَّلَاةَ لِأَنْفُسِهِمْ إذَا كَانَ الَّذِينَ بَقُوا قَدْ جَمَعُوا تِلْكَ الصَّلَاةَ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ تَفَرُّقِ الْجَمَاعَةِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الَّذِينَ بَقُوا إنَّمَا جَمَعَ بِهِمْ إمَامٌ رَاتِبٌ لَهُمْ وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الَّذِينَ فَوْقَ سَقْفِ السَّفِينَةِ بِإِمَامٍ وَاَلَّذِينَ تَحْتَهُ بِإِمَامٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. [الثَّالِث يُصَلُّونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِإِمَامَيْنِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ] (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي سُؤَالِ قَصْرِ الْمَسِيرِ وَجَوَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَهْلِهِ فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: وَأَمَّا الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي وَقْتٍ

وَاحِدٍ بِإِمَامَيْنِ وَيَتْبَعُ كُلَّ إمَامٍ طَائِفَةٌ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فَيُشْكِلُ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ هَلْ يَتْبَعُونَ إمَامَهُمْ أَوْ غَيْرَهُ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى مِمَّنْ صَارَ فِي شَكٍّ هَلْ اتَّبَعَ إمَامَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ اتَّبَعَ إمَامَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي شُغْلٍ عَنْ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ قَدْ شَغَلَهُ التَّكَلُّفُ فِيهِ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي، وَلِكُلِّ إمَامٍ أَنْ يَتَحَرَّجَ مِنْ هَذَا إنْ تَعَيَّنَ بِفِعْلِهِ فِي فَسَادِهِ لِصَلَاةِ النَّاسِ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا فَيُصَلِّي قَبْلَ الْآخَرِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْآخَرُ إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ ضِيقٌ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَلْيَنْضَمُّوا إلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَيَنْحَاشُوا إلَى الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ الْقَدِيمِ وَلَا تُدْخِلْ نَفْسَك فِيمَا تَشُكُّ انْتَهَى، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخَرَجُوا إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ لِفَضْلِهَا. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ: تَضْعِيفُ الصَّلَاةِ بِمَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَاصٌّ بِالرِّجَالِ، قَالَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي تَرْغِيبِ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ فِي بُيُوتِهِنَّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَنَصُّهُ بَعْدَ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ صَلَاتُكِ فِي قَعْرِ بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي» وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ بَابَ اخْتِيَارِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي حُجْرَتِهَا عَلَى صَلَاتِهَا فِي دَارِهَا وَصَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا عَلَى صَلَاتِهَا فِي مَسْجِد النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ» إنَّمَا أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الرِّجَالِ دُونَ صَلَاةِ النِّسَاءِ هَذَا كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. ص (وَجَازَ اقْتِدَاءٌ بِأَعْمَى) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي " رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا لَمْ يَرَ مَالِكٌ بِكَوْنِ الْأَعْمَى إمَامًا رَاتِبًا بَأْسًا مِنْ أَجْلِ أَنَّ حَاسَّةَ الْبَصَرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَلَا سُنَّتِهَا وَلَا فَضَائِلِهَا، ثُمَّ قَالَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ حَاشَا السَّمْعَ وَالْبَصَرَ فَإِنَّ الْأَصَمَّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَّخَذَ إمَامًا رَاتِبًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْهُو فَيُسَبَّحُ لَهُ فَلَا يَسْمَعُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِفْسَادِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ الْأَعْمَى إمَامًا رَاتِبًا مَنْ كَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ غَيْرِ طَاهِرٍ أَوْ يُصَلِّي بِثَوْبٍ نَجِسٍ، وَأَمَّا نُقْصَانُ الْجَوَارِحِ فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي إمَامَةِ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ، وَقَدْ مَضَى فِي سَمَاعِ زُونَانَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ الْأَعْمَى الَّذِي عَرَضَ لَهُ صَمَمٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا تَصِحُّ بِهِ إمَامَتُهُ الْإِمَامَةُ تَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى أَفْعَالِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ يُنَبِّهُهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا عَلَى قَوَاعِدِ

الْمَذْهَبِ، وَلَمْ أَنْقُلْهُ انْتَهَى. ص (وَمُخَالِفٌ فِي الْفُرُوعِ) ش: قَالَ فِي بَابِ السَّهْوِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَرَى السُّجُودَ فِي النُّقْصَانِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا يُخَالِفْهُ ابْنُ نَاجِي زَادَ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ أَشَدُّ وَيُرْوَى أَشَرُّ بِالدَّالِ وَالرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُرَابِطِ شَرٌّ، وَكَانَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّصْوِيرِ بَلْ، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ (قُلْت) وَيَقُومُ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهَا إنَّ صَلَاةَ الْمَالِكِيِّ خَلْفَ الشَّافِعِيِّ جَائِزَةٌ، وَلَوْ رَآهُ يَفْعَلُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا كَانَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْقُلُ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُفْتِي بِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُ، وَأَمَّا مَعَ الرُّؤْيَةِ فَلَا انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالشَّرْطُ السَّادِسُ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ مُوَافَقَةُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَوْ عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ أُصَلِّ خَلْفَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ عِنْدَ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ يُعِيدُ أَبَدًا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُعِيدُ فِيهِمَا فِي الْوَقْتِ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ فِعْلُهُ لِلشَّرَائِطِ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ فَالشَّافِعِيُّ مَسْحُ جَمِيعِ رَأْسِهِ سُنَّةٌ فَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَّ فِي الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: قَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ الْمَذْهَبُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ فِيمَا عُلِمَ خَطَؤُهُ كَنَقْضِ قَضَاءِ الْقَاضِي، قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَفْرِقَةُ أَشْهَبَ بَيْنَ الْقُبْلَةِ وَمَسِّ الذَّكَرِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ فَإِنَّهُ أَجَازَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُخَالِفِ، وَإِنْ رَآهُ يَفْعَلُ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ ص (وَأَلْكَنُ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ إمَامَتَهُ جَائِزَةٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَدَمُ إلْصَاقِ مَنْ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ بِمَنْ حَذْوُهُ) ش: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ، قَالَهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَظُنُّهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَقْصُورَةِ. ص (وَصَلَاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ صَفٍّ) ش: يُرِيدُ مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَرَكَعَ مَنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ دُونَ الصَّفِّ الْمَسْأَلَةَ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَى مَنْ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ. ص (وَإِسْرَاعٌ لَهَا بِلَا خَبَبٍ) ش:

فرع المراوح أيكره أن يروح بها في المسجد

قَالَ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْبَيَانِ إذَا خَافَ الرَّجُلُ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي مَشْيِهِ وَيُسْرِعَ فِيهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّكَ دَابَّتَهُ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: الْإِتْيَانُ بِالسَّكِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ وَفَضْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالسَّكِينَةِ انْتَهَى. ص (وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لَا يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا كَانَ يَعْبَثُ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَلَا يَجُوزُ إحْضَارُهُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ مَجَانِينَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ» فَالشَّرْطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ عَنْ الْعَبَثِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَكُفُّ عَنْ الْعَبَثِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي حَوَاشِي التُّجِيبِيِّ، قَالَ يَعْنِي يَكُفُّ إذَا نُهِيَ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي يَكُونُ شَأْنُهُ اسْتِمَاعَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَتَرْكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ بَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ، وَلَوْ بِالْعِلْمِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي " رَسْمِ حَلَفَ " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ إحْضَارِ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا عَدَمُ عَبَثِهِ أَوْ كَوْنُهُ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَعْبَثَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] الْآيَةَ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْمَرَاوِحِ أَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوَّحَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ] (فَرْعٌ) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرَاوِحِ أَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوَّحَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي، وَهَذَا كَمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرَاوِحَ إنَّمَا اتَّخَذَهَا أَهْلُ الطَّوْلِ لِلتَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْمَسَاجِدِ فَالْإِتْيَانُ إلَيْهَا بِالْمَرَاوِحِ مِنْ الْمَكْرُوهِ الْبَيِّنِ انْتَهَى " مِنْ رَسْمِ شَكَّ " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَتَكَرَّرَتْ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَصْقٌ بِهِ إنْ حَصَبٌ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدِ مُحَصَّبًا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُبْصَقُ فِي الْمَسْجِدِ فَوْقَ الْحَصِيرِ وَيَدْلُكُهُ بِرِجْلِهِ وَلَكِنْ تَحْتَهُ وَلَا فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مُحَصَّبٍ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْنِ الْبُصَاقِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ وَيَدْفِنَهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَبَصْقٌ بِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ بِهِ شَامِلٌ لِلنُّخَامَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبَاجِيّ وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ. وَسُئِلَ عَنْ الَّذِي يَتَنَخَّمُ فِي النَّعْلَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: إنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى مَوْضِعِ حَصِيرٍ يَتَنَخَّمُ تَحْتَهَا فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَى الْحَصِيرِ فَإِنِّي لَا أَسْتَحْسِنُهُ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَخَّمَ فِي نَعْلِهِ، قَالَ الْقَاضِي وَكُرِهَ التَّنَخُّمُ فِي النَّعْلَيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَصِلَ إلَى الْحَصِيرِ لِظُهُورِ ذَلِكَ فِيهِمَا وَرُبَّمَا وَضَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَيَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَكَانٌ فَلَا أَسْتَحْسِنُهُ فَإِنِّي أَسْتَقْبِحُهُ فَيَعُودُ الِاسْتِحْسَانُ إلَى التَّنَخُّمِ تَحْتَ الْحَصِيرِ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهَا، وَالِاسْتِقْبَاحُ لِلتَّنَخُّمِ فِي النَّعْلَيْنِ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَى الْحَصِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَا يُبْصَقُ فِي الْمَسْجِدِ فَوْقَ الْحَصِيرِ وَيَدْلُكُهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَنَخَّمَ عَلَى الْحَصِيرِ، ثُمَّ يَدْلُكُهُ بِرِجْلِهِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ أَثَرَهَا مِنْ عَلَى الْحَصِيرِ وَفِي ذَلِكَ إذَايَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي شَرْحِ قَوْلِهِ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - دُعِيَ لِجِنَازَةٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى ابْنُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مَسْحُهُ لَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي صَحْنِهِ مِنْ

فائدة خرج من المسجد وبيده حصباء نسيها أو بنعله

رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْهُ وَكَرِهَهُ سَحْنُونٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَجِّ الرِّيقِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي نَظَافَةِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ غَطَّاهُ بِالْحَصْبَاءِ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ؛ لِأَنَّ النُّخَامَةَ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهَا بُدًّا وَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِ الْمَضْمَضَةِ فِي الْمَسْجِدِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ النُّخَامَةَ تَكْثُرُ وَتَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ الْخُرُوجُ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْمَضْمَضَةُ تَنْدُرُ وَتُقْصَدُ فَلَا مَضَرَّةَ وَلَا مَشَقَّةَ فِي الْخُرُوجِ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُرْوَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ انْتَهَى لَفْظُهُ وَانْظُرْ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى (الثَّالِثُ) اُنْظُرْ هَلْ يَجُوزُ التَّمَخُّطُ فِي الْمَسْجِدِ وَدَفْنُهُ قِيَاسًا عَلَى النُّخَامَةِ أَمْ لَا يَجُوزُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ النُّخَامَةِ وَأَنَّهُ مِثْلُ الْمَضْمَضَةِ فَتَأَمَّلْهُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: إنْ أَوْقَعْته فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ اقْتَرَفْت سُوءًا وَكَفَّارَتُهُ دَفْنُهُ فِي الْحَصْبَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَطَّحًا فَكَفَّارَتُهُ مَسْحُهُ انْتَهَى، وَقَالَ قَبْلَهُ: الْمَسَاجِدُ أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ، وَقَالَ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وَالْإِهَانَةُ ضِدُّ الرَّفْعِ وَالْبُزَاقُ مِنْ الْإِهَانَةِ فَإِنَّهُ طُرِحَ فِيهَا، وَقَدْ طَيَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْجِدَ مِنْ نُخَامَةٍ كَانَتْ فِي الْقِبْلَةِ بِشَيْءٍ مِنْ خَلُوقٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ طَرْحَهُ لِلْعَبْدِ ضَرُورَةً أَيْ فِي أَيِّ حَالٍ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بِإِفّ أَوْ تُفْ أَوْ أَغْ أَوْ أَخْ أَوْ أَحْ أَحْ وَسُمِعَ فِيهِ كَذَلِكَ فَإِذَا فَعَلْته فَمِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا مَكْرَمَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَاطْرَحْهَا فِي ثَوْبِك انْتَهَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي بَابِ السَّهْوِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَبِيَدِهِ حَصْبَاءُ نَسِيَهَا أَوْ بِنَعْلِهِ] (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ بِنَاءِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَبِيَدِهِ حَصْبَاءُ نَسِيَهَا أَوْ بِنَعْلِهِ إنْ رَدَّهَا فَحَسَنٌ وَمَا ذَاكَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ مَا يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِ الصَّائِمِ مِنْ الطَّعَامِ إذَا ابْتَلَعَهُ فِي النَّهَارِ مَعَ رِيقِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ أَخْذَهُ مِنْ وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِي تَرْجَمَةِ التَّرْهِيبِ مِنْ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ أَبُو بَدْرٍ وَأَرَاهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْحَصَاةَ تُنَاشِدُ الَّذِي يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقَدْ سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ مِنْ أَبِي بَدْرٍ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (ثُمَّ قُدَّامَهُ، ثُمَّ يَمِينَهُ) ش: عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ فِي يَسَارِهِ أَيْ فِي جِهَةِ يَسَارِهِ، ثُمَّ قُدَّامَهُ إلَى آخِرِهِ وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَرَكَهُ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ الْجِهَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّنْبِيهَاتِ فَلَمَّا ذَكَرَ مَا عَدَاهَا مَعْطُوفًا بِثُمَّ عُلِمَ أَنَّهَا هِيَ الْأَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ لِعِيدٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَشَابَّةٍ لِمَسْجِدٍ) ش: فِي الْحَدِيثِ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ

مَسَاجِدَ اللَّه» قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ إبَاحَةٌ لِخُرُوجِهِنَّ وَحَضٌّ أَنْ لَا يُمْنَعْنَ بِدَلِيلِ أَنْ لَا يَخْرُجْنَ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، ثُمَّ قَالَ عَنْ الْقَاضِي وَشَرَطَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِهِنَّ أَنْ يَكُونَ بِلَيْلٍ غَيْرَ مُتَزَيِّنَاتٍ وَلَا مُتَطَيِّبَاتٍ وَلَا مُزَاحِمَاتٍ لِلرِّجَالِ وَلَا شَابَّةً مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ، وَفِي مَعْنَى الطِّيبِ إظْهَارُ الزِّينَةِ وَحُسْنُ الْحُلِيِّ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ مَنْعُهُنَّ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ تُمْنَعُ الشَّابَّةُ الْجَمِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ، قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ وَيُزَادُ لِتِلْكَ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا تَتَّقِي مَفْسَدَتَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَإِذَا مُنِعْنَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَمِنْ غَيْرِهِ أَوْلَى انْتَهَى. وَفِي مَنَاسِكَ ابْنِ الْحَاجِّ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ فِيمَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَطُوفَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ لَابِسَةُ الْحُلِيِّ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهَا مَنَاجِدُ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا أَيَسُرُّكِ أَنْ يُحَلِّيَكِ اللَّهُ مَنَاجِدَ مِنْ نَارٍ قَالَتْ: لَا قَالَ: فَأَدِّ زَكَاتَهُ» ، وَالْمَنَاجِدُ الْحُلِيُّ الْمُكَلَّلُ بِالْفُصُوصِ أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَنْهَهَا عَنْ لِبَاسِهِ انْتَهَى. وَهَذَا فِيمَا لَيْسَ لَهُ صَوْتٌ وَلَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَالْمَنَاجِدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا الْمُتَجَالَّةَ الَّتِي انْقَطَعَتْ حَاجَةُ الرِّجَالِ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ. (قُلْت) فَلَوْ أَنَّ بَعْضَ الشَّوَابِّ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَمَنَعَهَا زَوْجُهَا فَأَسَاءَتْ عَلَيْهِ قَالَ: يُؤَدِّبُهَا وَيَمْنَعُهَا صَحَّ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَاخْتَلَفَ التَّأْوِيلُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ هَلْ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْأَئِمَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ أَوْ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَاجِيُّ انْتَهَى وَانْظُرْ الْمَدْخَلَ فِي فَصْلِ الْإِمَامِ وَنَهْيِهِ النِّسَاءَ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ وَانْظُرْ الْقُرْطُبِيَّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ} [النور: 37] وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ وَالْجُزُولِيَّ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدُ، وَانْظُرْ شُرُوحَ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» مَا نَصُّهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةِ النَّهَارِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ» ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فِي جَمَاعَةٍ جَاءَ فِيهَا فَضْلٌ كَبِيرٌ، وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ إلَى الْمَسَاجِدِ فَبِالنِّسَاءِ أَكْبَرُ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ كَمَا بِالرِّجَالِ وَيَرْجِعُ الْحَالُ إلَى شَأْنِ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ عَرَفَ الرَّجُلُ مِنْهَا الدِّيَانَةَ وَالصِّحَّةَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ عَرَفَ مِنْهَا الْمَكْرَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ أَنَّهَا تُرِيدُ الْمَسْجِدَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ إلَيْهِ فَلَهُ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ، وَقَدْ «مَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُوجَدُ مِنْهَا رِيحُ الْبَخُورِ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ بِاللَّيْلِ» ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ لِلشَّابَّةِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ عَمَلِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَبْكَارَهُنَّ وَمَنْ ضَاهَاهُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَوْ خَرَجَ جَمِيعُ النِّسَاءِ لَمَلَأْنَ الْمَسْجِدَ وَعَادَلْنَ الرِّجَالَ فِي ذَلِكَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَانَ يَتَّصِلُ بِهِ الْعَمَلُ فِي الْعَادَةِ وَكَرِهَ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ تَرْدَادَ الْمُتَجَالَّةِ إلَيْهِ وَرَأَى فِي غَيْرِهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ خُرُوجَهُنَّ إلَيْهَا جَائِزٌ وَتَرْكَهُ أَحَبُّ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ. ص (وَعُلُوُّ مَأْمُومٍ، وَلَوْ بِسَطْحٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ عُلُوَّ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي سَطْحٍ وَالْإِمَامُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ ذَلِكَ فِي السَّفِينَةِ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَجَائِزٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ كَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِأَوَّلِ قَوْلِهِ أَقُولُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ إنَّمَا لَمْ

يَكْرَهْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِحُصُولِ السَّمَاعِ لِلْمَأْمُومِ هُنَاكَ غَالِبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافًا فِي حَالٍ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِمَامِ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ وَيُصَلِّي قَوْمٌ فَوْقَ الْمَسْجِدِ بِصَلَاتِهِ فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَأَجَازَهُ أُخْرَى وَعُلِّلَتْ الْكَرَاهَةُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ تَفْرِقَةِ الصُّفُوفِ وَعَدَمِ التَّحَقُّقِ لِمُشَاهَدَةِ أَفْعَالِ الْإِمَامِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَوَازُ إذَا قَرُبَ أَعْلَى الْمَسْجِدِ مِنْ أَسْفَلِهِ فَيَكُونُ خِلَافًا فِي حَالٍ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فَقَالَ لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ لِكَوْنِهِ لَا يُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ، وَقِيلَ لِتَفْرِيقِ الصُّفُوفِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ السَّطْحُ قَرِيبًا لَمْ يُكْرَهْ، وَعَلَى الثَّانِي إنْ شَاهَدَ أَفْعَالَ الْإِمَامِ أَوْ الْمَأْمُومِينَ لَمْ يُكْرَهْ، وَعَلَى الثَّالِثِ يُكْرَهُ مُطْلَقًا انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ بِالْبُعْدِ فَلَمَّا رَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا الْبُعْدَ يُمْكِنُ مَعَهُ مُرَاعَاةُ أَفْعَالِ الْإِمَامِ بِحُصُولِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ أَجَازَهُ وَكَرِهَهُ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي قُبَيْسٍ الْمُتَقَدِّمَةِ لِكَثْرَةِ الْبُعْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ لِقَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا عَكْسُهُ) ش: يَعْنِي، وَأَمَّا عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَلَى مَكَانِ أَعْلَى مِنْ مَكَانِ الْمَأْمُومِ فَلَا يَجُوزُ قَالَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ غَازِيٍّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى أَنْشَزَ مِمَّا عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ انْتَهَى، وَمَعْنَى أَنْشَزَ أَرْفَعُ، وَذَكَرَ فِي الطِّرَازِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالْمَدَائِنِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ وَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فَتَبِعَهُ عَمَّارٌ حِينَ أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ» - أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ - فَقَالَ عَمَّارٌ لِذَلِكَ اتَّبَعْتُك حِينَ أَخَذْت عَلَى يَدَيَّ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَقْتَضِي التَّرَفُّعَ فَإِذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ عُلُوُّهُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَكَانِ دَلَّ عَلَى قَصْدِهِ الْكِبْرَ انْتَهَى. ص (وَبَطَلَتْ بِقَصْدِ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ بِهِ الْكِبْرَ) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَفِي بَعْضِهَا كَقَصْدِ إمَامٍ بِكَافِ التَّشْبِيهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ " لَا عَكْسُهُ " فَيَقْتَضِي أَنَّ عُلُوَّ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْكِبْرَ، ثُمَّ شَبَّهَ بِذَلِكَ فِي الْبُطْلَانِ مَا إذَا قَصَدَ الْإِمَامُ أَوْ الْمَأْمُومُ بِهِ الْكِبْرَ وَعَلَى ذَلِكَ شَرْحُ الشَّارِحِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِقَصْدِ بِاللَّامِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبَاءِ وَعَلَيْهَا تَكَلَّمَ ابْنُ غَازِيٍّ، قَالَ وَذَلِكَ أَمْثَلُ أَيْ وَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِسَبَبِ قَصْدِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بِالْعُلُوِّ الْكِبْرَ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِيمَا إذَا سَلِمَا مِنْ قَصْدِ الْكِبْرِ فَنَوَّعَهُ إلَى جَائِزٍ وَمَمْنُوعٍ قَائِلًا وَعُلُوُّ مَأْمُومٍ، وَلَوْ بِسَطْحٍ لَا عَكْسُهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ ثَانِيًا فِي قَصْدِ الْكِبْرِ فَقَطَعَ بِالْبُطْلَانِ فِيهِمَا وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ جَوَازِهِمَا، وَهَذَا الَّذِي سَلَكَ يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ مَعَ بَعْضِ النُّقُولِ انْتَهَى. وَالنُّسْخَةُ الَّتِي بِاللَّامِ مُوَافِقَةٌ لِلنُّسْخَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا وَالنُّسْخَةُ الَّتِي بِالْكَافِ مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ مَا فِي التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى شَيْءٍ أَرْفَعَ مِمَّا عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادُوا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ إلَّا الِارْتِفَاعَ الْيَسِيرَ مِثْلَ مَا كَانَ بِمِصْرَ فَتَجْزِيهِمْ الصَّلَاةُ انْتَهَى. وَالنُّسْخَتَانِ الْأُخْرَيَانِ مُوَافِقَتَانِ لِظَاهِرِ أَصْلِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَنَدٌ، قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إمَامٍ يُصَلِّي بِقَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِهَا، وَقَدْ أَسْقَطَ الْبَرَاذِعِيّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي اخْتِصَارِهِ اكْتِفَاءً مِنْهُ بِمَا بَعْدَهَا وَلَيْسَتْ بِمَعْنَاهَا اهـ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى شَيْءٍ هُوَ أَرْفَعُ مِمَّا يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ مِثْلُ الدُّكَّانِ يَكُونُ فِي الْمِحْرَابِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لَهُ فَإِنْ فَعَلَ قَالَ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْبَثُونَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى دُكَّانٍ يَسِيرِ الِارْتِفَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ تَامَّةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. (فَرْعٌ) ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ " لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ " لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي نَفْيَ الصِّحَّةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا

الْفَرْعَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ الَّذِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ يَعْبَثُونَ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِيهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ صَلَاتِهِمْ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَعَ قَصْدِ الْكِبْرِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا أَحْدَثَهُ بَعْدَهُ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ التَّكَبُّرِ عَنْ مُسَاوَاةِ النَّاسِ وَكَانُوا يَتَّخِذُونَ مَوْضِعًا مُرْتَفِعًا عَنْ مَحِلِّ مَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ تَكَبُّرًا وَعَبَثًا وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَأَنَّهُ مَتَى حَصَلَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا لَوْ صَلَّى الْمُقْتَدُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ قَصْدًا لِلتَّكَبُّرِ عَنْ الْمُسَاوَاةِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْقَاصِدِ إلَى ذَلِكَ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلتَّكَبُّرِ فَإِنْ كَانَ الِارْتِفَاعُ يَسِيرًا صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الِارْتِفَاعُ كَثِيرًا فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَانِ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْبَثُونَ، وَقِيلَ بِالْبُطْلَانِ لِعُمُومِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ شَاسٍ إنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى أَرْفَعَ مِمَّا إمَامُهُ عَلَيْهِ أَوْ أَخْفَضَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى التَّكَبُّرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ الِارْتِفَاعُ يَسِيرًا كَالشِّبْرِ وَعَظْمِ الذِّرَاعِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُرْتَفِعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْبُطْلَانُ وَنَفْيُهُ وَمَأْخَذُهُمَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ الْحَدِيثُ ص (أَوْ إلَى فَقْدِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ التَّكَبُّرُ) ش وَالتَّفْرِقَةُ فَيُعْتَبَرُ قَصْدُ التَّكَبُّرِ فِي الْمَأْمُومِ وَتَبْطُلُ عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قَصْدِ التَّكَبُّرِ جَمِيعًا لِلذَّرِيعَةِ، وَلَوْ قَصَدَ الْمُرْتَفِعُ مِنْهُمَا التَّكَبُّرَ لَعَصَى وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ لَفْظُ الْجَوَاهِرِ إلَّا أَوَّلَ الْكَلَامِ فَبِالْمَعْنَى وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْعُمُومَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَتَرَكَ مِنْهُ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قَصْدٍ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْإِمَامِ فِعْلٌ تَقَدَّمَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى جِهَةِ التَّكَبُّرِ فَمُنِعَ فِي الْقَاصِدِ وَغَيْرِهِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ انْتَهَى، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ قَصَدَ الْكِبْرَ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ إمَامًا بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَفْظَ التَّهْذِيبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ التُّونُسِيُّ، وَقِيلَ لِأَبِي عِمْرَانَ هَلْ يُعِيدُ الْإِمَامُ فَقَالَ مَا هُوَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ هُنَاكَ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ انْتَهَى، وَمَا قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ ابْتَدَأَهَا غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْكِبْرِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ قَصَدَ الْكِبْرَ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَأْمُومِ فَقَدْ حَكَى عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ نَحَا إلَى أَنَّ الْمَأْمُومِينَ لَوْ قَصَدُوا الْكِبْرَ بِفِعْلِهِمْ لَأَعَادُوا لِعَبَثِهِمْ انْتَهَى، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ بِالْبُطْلَانِ. وَلَمْ يَحْكِيَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا كَمَا تَقَدَّمَ إذَا عَلِمْت الْحُكْمَ فِيمَا إذَا قَصَدَا الْكِبْرَ فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْعُلُوِّ الْكِبْرَ فَالْمَأْمُومُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُهُمَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى اخْتِلَافِ النُّسَخِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ الَّذِي يَأْتِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَهَذَا الَّذِي سَلَكَ يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ عَلَى بَعْضِ النُّقُولِ مَا نَصَّهُ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي، الْإِمَامِ فَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ فَقَالَ إنَّمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ. وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ لِنَفْسِهِ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ رَجُلٌ فَصَلَّى أَسْفَلَ مِنْهُ لَجَازَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُنَا لَمْ يَقْصِدْ الْكِبْرَ وَكَذَا إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِلضِّيقِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ فِي الَّذِي ابْتَدَأَهَا وَحْدَهُ وَكَذَا حَكَى ابْنُ يُونُسَ فِي الضِّيقِ عَنْ سَحْنُونٍ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَأَخَذَهُ فَضْلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ لَكِنْ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ لَا يَدُلُّ لِمَا قَصَدَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ التُّونُسِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَفَضْلٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعًا وَيَصِحُّ فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ

فِي الطِّرَازِ فَإِنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا يُعْجِبُنِي عَلَى الْمَنْعِ وَذَلِكَ بَعْدَ حَمْلِ قَوْلِهِ لَا يُعْجِبُنِي عَلَى الْمَنْعِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةَ وَجَزَمَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِيمَنْ ابْتَدَأَهَا وَحْدَهُ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ بَلْ جَعَلَهُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ فَقَالَ. (فَرْعٌ) لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مُنْفَرِدًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَائْتَمَّ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْصِدْ إلَى الْعَبَثِ وَالتَّكَبُّرِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ سَنَدٌ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ دَعَتْ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ (فَرْعٌ) وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَى ذَلِكَ الضَّرُورَةُ، فَأَمَّا إنْ دَعَتْ فَلَا بَأْسَ بِهِ رَوَى عَلِيٌّ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمَامِ يُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ وَبَعْضُهُمْ فَوْقَهُ وَبَعْضُهُمْ تَحْتَهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَجِدُوا بُدًّا فَذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. وَإِنْ ضَاقَ الْمَوْضِعُ وَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي مُرْتَفِعٍ وَلَا يَسَعُ زِيَادَةً عَلَيْهِ جَازَ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْكِبْرَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا لِكَرَاهَةٍ وَلَا يَأْبَى ذَلِكَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي بِالْبَاءِ وَاَلَّتِي بِاللَّامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا عَكْسُهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ مَمْنُوعًا، وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُ قَوْلَهُ أَوَّلًا فِي الْمَكْرُوهَاتِ وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَعْلَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي الْمَذْكُورُ هُنَاكَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ دُخُولِ السُّيُولِ لَهُ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى سَطْحِهِ. وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ صَحَّ تَمْشِيَتُهُ مَعَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا عُلِمَ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِالضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَبِأَنْ يَبْتَدِئَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا وَبِمَا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيمَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عِيَاضٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَابْنُ غَازِيٍّ عَلَى وَجْهِ التَّقْيِيدِ لِلْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَقَالَ قَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْعُذْرِ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا. (الثَّانِي) فِي مَعْنَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ الْعَبَثَ: هُوَ مَا يُفْعَلُ لِقَصْدِ الْكِبْرِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ أَيْ يَقْصِدُونَ الْكِبْرَ وَالْجَبَرُوتَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ - وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} [الشعراء: 128 - 129] أَيْ تَبْنُونَ بِكُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ آيَةً أَيْ عَلَامَةً تَدُلُّ عَلَى تَكَبُّرِكُمْ تَعْبَثُونَ عَبَثًا مُسْتَغْنِينَ عَنْهُ انْتَهَى، وَقَالَ سَنَدٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْبِنَاءَ الْعَالِيَ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ عَبَثًا فَقَالَ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] وَمَوْضُوعُ الصَّلَاةِ يُنَافِي الْعَبَثَ وَالتَّكَبُّرَ فَإِنَّهَا وُضِعَتْ عَلَى التَّمَكُّنِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْإِعَادَةُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي السَّفِينَةِ يُصَلِّي أَهْلُهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَهُوَ فَوْقُ: إنَّ الْأَسْفَلِينَ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ الْإِمَامُ انْتَهَى، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ، وَكَذَلِكَ هُنَا وَانْظُرْ ذَلِكَ مَعَ مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ السَّفِينَةِ وَغَيْرِهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ فِي غَيْرِهَا لَا يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى شَرَفٍ أَوْ كُدْيَةٍ وَمَنْ خَلْفَهُ تَحْتَهُ فِي وِطَاءٍ وَذَلِكَ قَدْرٌ مُتَقَارِبٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا يُعَدُّ أَرْضًا وَاحِدَةً وَمَكَانًا وَاحِدًا سِيَّمَا إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ بِخِلَافِ السَّقْفِ وَالْأَرْضِ فَإِنَّهُمَا مَوْضِعَانِ وَمَكَانَانِ مُخْتَلِفَانِ انْتَهَى. ص (إلَّا بِكَشِبْرٍ) ش: يَعْنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الِارْتِفَاعُ بِ كَشِبْرٍ، وَنَحْوُ الشِّبْرِ عَظْمُ الذِّرَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْكِبْرُ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ لَا كَمَا يَتَبَادَرُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَسْأَلَةِ قَصْدِ الْكِبْرِ أَوْ مَوْضِعِ قَصْدِهِ الْكِبْرَ لَا تَفْصِيلَ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ يَجُوزُ إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ كَغَيْرِهِمْ تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ

مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ: لَا عَكْسُهُ سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى الْمَنْعِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ أَوْ كَانَ وَحْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَيَجُوزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْجَلَّابِ سَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى: اُخْتُلِفَ فِي صُورَةِ ذَلِكَ هَلْ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْجَلَّابِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَغَيْرِهِمْ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ وَنَصُّهُ وَقَيَّدَ بِأَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ قَالَ الشَّارِحُ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا صَلَّى مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُ فَخْرًا وَعَظَمَةً انْتَهَى، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ عِوَضَ قَوْلِهِ: وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ إلَى آخِرِهِ وَعُلُوُّ إمَامٍ إلَّا بِ كَشِبْرٍ أَوْ لِضَرُورَةٍ أَوْ تَعْلِيمٍ فَيَجُوزُ كَمَأْمُومٍ، وَلَوْ بِسَطْحٍ وَبَطَلَتْ لِقَصْدِ كِبْرٍ مُطْلَقًا وَهَلْ يَجُوزُ إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَلَا يُذْكَرُ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَهَلْ يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ اكْتِفَاءً بِمَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَمُسْمِعٌ وَاقْتِدَاءٌ بِهِ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ جَوَازُ صَلَاتِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَأَنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْعُلَمَاءُ مُتَوَافِرُونَ إلَى أَنْ قَالُوا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ جَوَازِ هَذَا الْفِعْلِ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ يَتَقَدَّمُ لَنَا هَلْ الْمُسْمِعُ نَائِبٌ وَوَكِيلٌ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ هُوَ عِلْمٌ عَلَى صَلَاتِهِ أَوْ أَنَّ الْإِذْنَ لَهُ نِيَابَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ تَسْمِيعُ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَمَنْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ وَلَا يَنْوِي ذَلِكَ، وَأَنَّ فِي وَجِيزِ ابْنِ غَلَّابٍ عَلَى مَا نَقَلَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّسْمِيعُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ شَرَائِطَ الْإِمَامَةِ، وَعَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ عِلْمٌ وَمُخْبِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَبِالْأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ أَرَهَا مَنْصُوصَةً لِغَيْرِ مَنْ ذُكِرَ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَهُ إثْرَ سُؤَالِ التُّونُسِيّ عَمَّنْ تَرَكَ الْوِتْرَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَعَمَّنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ أَوْ الْعَكْسُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي صَلَاةِ الْمُسْمِعِ، وَذَكَرَ السِّتَّةَ أَقْوَالٍ الْمَذْكُورَةَ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ فَلَا يَصِحُّ تَسْمِيعُ الْمَرْأَةِ وَلَا الصَّبِيِّ وَلَا مَنْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ يُسْمِعُ التَّكْبِيرَ، ثُمَّ يُنْشِئُ إحْرَامًا فَاَلَّذِي أَحْفَظُهُ عَنْ الْوَجِيزِ لِابْنِ مَخْلَدٍ أَنَّهُ اشْتَرَطَ بَعْضَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِمَا يُنَافِي الْإِمَامَةَ وَيَجْرِي عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ شُيُوخِنَا وَأَعْرِفُ لِبَعْضِ مُتَأَخِّرِي التُّونُسِيِّينَ فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَتَجْرِي الْبَقِيَّةُ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَفْعَالِ الْإِمَامِ خَاصَّةً لَا أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ وَمَنْ شَرَطَ إذْنَ الْإِمَامِ جَعَلَهُ خَلِيفَةً لَهُ فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْإِمَامِ انْتَهَى، وَمَا قَالَهُ: إنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ يَظْهَرُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا فِيمَنْ يُسْمِعُ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ، وَهُوَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ قَالُوا: مَرَاتِبُ الِاقْتِدَاءِ أَرْبَعَةٌ

إمَّا رُؤْيَةُ أَفْعَالِ الْإِمَامِ أَوْ أَفْعَالِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ سَمَاعُ قَوْلِهِ أَوْ سَمَاعُ قَوْلِهِمْ وَالِاقْتِدَاءُ بِمَنْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ خَارِجٌ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فِي الْأَخِيرَةِ لِمَا ذُكِرَ فَيُحْمَلُ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُ أَيْضًا إذَا قَالَ الْمُسْمِعُ " سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ تَعْرِيفٍ " صَلَاةُ مَنْ سَمِعَهُ تَامَّةٌ وَفِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ،. (قُلْت) مَنْ جَعَلَهُ كَالْإِمَامِ فِي أَحْكَامِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى بِالِارْتِبَاطِ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْمِعَ الصَّغِيرُ وَمَنْ اقْتَدَى بِتَسْمِيعِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا لَوْ سَمَّعَ أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ. (قُلْت) فِي كَلَامِهِ هَذَا تَدَافُعٌ فِي مَنْعِهِ تَسْمِيعَ الصَّغِيرِ ابْتِدَاءً وَصِحَّتِهِ إذَا وَقَعَ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْبَالِغِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ صِحَّتُهَا مُطْلَقًا انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) ذَكَرَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ أَنَّهُ إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُسْمِعِ سَرَى الْبُطْلَانُ إلَى صَلَاةِ مَنْ صَلَّى بِتَبْلِيغِهِ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مَسْأَلَةُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ الْمُسْمِعِ وَبَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. (قُلْت) إنْ سَمِعَ سَلَامَ الْإِمَامِ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَمَنْ سَلَّمَ حَدْسًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَنْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا عَدَمَ التَّمَامِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ التَّمَامَ انْتَهَى. ص (وَشَرْطُ الِاقْتِدَاءِ نِيَّتُهُ) ش: عَدَّهَا هُنَا مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَفِي فَصْلُ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَنْوِيعٌ لِلْعِبَارَةِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا سَوَاءٌ جُعِلَتْ فَرْضًا أَوْ شَرْطًا كَمَا صَرَّحَ بِبُطْلَانِهَا صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ مُؤْتَمٌّ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى، وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَرْطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا نِيَّةُ اتِّبَاعِهِ إمَامَهُ انْتَهَى. (قُلْت) اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمَأْمُومُ إنَّهُ مُؤْتَمٌّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ وَجَدَ إمَامًا يُصَلِّي أَوْ شَخْصًا يُصَلِّي، فَإِنْ نَوَى أَنَّهُ يَقْتَدِي بِهِ فَهُوَ مَأْمُومٌ، وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ مُقْتَدٍ بِذَلِكَ الْإِمَامِ فَهُوَ مُنْفَرِدٌ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَفِي أَيْ صُورَةٍ يُحْكَمُ لَهُ بِأَنَّهُ مَأْمُومٌ، وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ وَيُحْكَمُ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ نَوَى أَنْ يَقْتَدِيَ بِشَخْصٍ آخَرَ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ مَأْمُومٌ، وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَيَرْجِعُ كَلَامُهُمْ إلَى أَنْ يُشْتَرَطَ فِي صِحَّةِ الْمَأْمُومِ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِهَا، فَإِنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ وَفِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ، وَلِذَلِكَ فَرَّعَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ قَوْلَهُ: فَلَا يَنْتَقِلُ مُنْفَرِدٌ لِجَمَاعَةٍ وَلَا بِالْعَكْسِ وَأُتِيَ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا فَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ عِنْدَ التَّأَمُّلِ فَإِنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِيهِ أَوْ رُكْنٌ، ثُمَّ رَأَيْت الْقَبَّابَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَعَلَى الْمَأْمُومِ عَشْرُ وَظَائِفَ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بِإِمَامِهِ وَكَوْنُهُ مَأْمُومًا مَا نَصُّهُ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى وُجُوبِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ عَلَى الْمَأْمُومِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَمَا قَالَهُ تَصْحِيحٌ وَفِيهِ خِلَافٌ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَة لَوْ قَصَدَهُ مُصَلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ فَذًّا وَأَحْرَمَ وَنِيَّتُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَى إمَامًا بَيْنَ يَدَيْهِ يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيُتِمَّ خَلْفَهُ مَأْمُومًا أَمْ لَا الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ فَعَلَ، وَقِيلَ تَصِحُّ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِي إمَامٍ كَانَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ فِي السَّفَرِ فَرَأَى أَمَامَهُ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَجَهِلَ وَصَلَّى بِصَلَاتِهِمْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا وَأَعَادَ مَنْ وَرَاءَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا إمَامَ لَهُمْ قَالَ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ لَقِيَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ خِلَافُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ

الِاقْتِدَاءِ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ شُيُوخِ شُيُوخِهِ: يَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ الْتِزَامًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ مَا يَنْتَظِرُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ بِالرُّكُوعِ أَوْ الْإِحْرَامِ لَقَالَ أَنْتَظِرُ الْإِمَامَ وَاَلَّذِي قَالَهُ وَاضِحٌ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ نَصٌّ أَوْ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا قَارَنَتْ الْأَفْعَالُ الْأَفْعَالَ بِقَصْدٍ لِذَلِكَ وَتَعَمُّدٍ لَهُ فَهَذَا مَعْنَى النِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ افْتِتَاحٍ بِهَا لِئَلَّا يَمْضِيَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ الْمُتَابَعَةَ، وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي مُعَارَضَةِ ذَلِكَ: إنَّ النِّيَّةَ مِنْ بَابِ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ لَا مِنْ بَابِ الشُّعُورِ وَالْإِدْرَاكَاتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا مُعَارَضَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَنْ جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ بِقَصْدِ الصَّلَاةِ وَقَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ لَا يُقَالُ فِيمَا فَعَلَ يُشْعِرُ بِمَجِيئِهِ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ شَعَرَ بِانْتِظَارِهِ الْإِمَامَ، وَلَمْ يُرِدْهُ بَلْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ لِلِائْتِمَامِ وَانْتَظَرَ الْإِمَامَ بِقَصْدٍ وَقَامَ لِلصَّلَاةِ وَتَهَيَّأَ لِلدُّخُولِ لِلصَّلَاةِ وَبَقِيَ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ، كُلُّ ذَلِكَ بِإِرَادَةٍ وَقَصْدٍ انْتَهَى. ص (وَلَوْ بِجِنَازَةٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ ابْنُ بَشِيرٍ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَهِيَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَأَوْجَبَ فِيهَا عَلَى الْإِمَامِ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نِسَاءٌ صَلَّيْنَ أَفْذَاذًا وَصَرَّحَ فِي الْجَوَاهِرِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِيهَا انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِلْحَاقُ الْجِنَازَةِ بِالْجُمُعَةِ فِي وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ يُلْحِقُهَا بِهَا فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ كَانَ شَيْخُنَا الْقَرَافِيُّ يُضِيفُ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الْجَمْعَ وَالْجِنَازَةَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِيهِمَا فِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ الْجِنَازَةُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فَيُقَالُ يَنْوِي الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ فِي ثَلَاثِ جِيمَاتٍ وَخَاءَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجِنَازَةِ بِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نِسَاءٌ صَلَّيْنَ أَفْذَاذًا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَهَذَا فَرْضٌ نَادِرٌ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْغَالِبِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ: الْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِيهَا يُرِيدُ أَنَّهَا تَصِحُّ فُرَادَى، فَإِنْ قَصَدُوا الْجَمْعَ فَلَا بُدَّ لِلْإِمَامِ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ نَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَصَاحِبِ الْمَعُونَةِ فَإِنَّهُمَا قَالَا الْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَشَرَطَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرُهُ فِيهَا الْجَمَاعَةَ قَالَ فَإِنْ فُعِلَتْ بِغَيْرِ إمَامٍ أُعِيدَتْ انْتَهَى. ص (إلَّا جُمُعَةً وَجَمْعًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَهَذَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لَا فِي كُلِّ جَمْعٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْوِي الْإِمَامَةَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْخَوْفِ وَالِاسْتِخْلَافِ وَتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ مَا نَصُّهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَضَافَ الْجَمْعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْمُصَنَّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيّ وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ قَالَ: وَيَظْهَرُ لِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ فِيهَا كَالْجُمُعَةِ انْتَهَى (قُلْت) : وَكَأَنَّ ابْنَ عَطَاءِ اللَّهِ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَالَ وَعَلَى الْمَأْمُوم عَشْرُ وَظَائِفَ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بِإِمَامِهِ وَكَوْنُهُ مَأْمُومًا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْإِمَامَ إلَّا فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ كَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ وَمَا يُقَدَّمُ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْجَمْعِ فَيَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَالْجَمْعِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَخْلَفُ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ: قَوْلُهُ وَمَا يُقَدَّمُ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْجَمْعِ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - جَمْعَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، وَأَمَّا جَمْعُ عَرَفَةَ أَوْ جَمْعُ الْمُسَافِرِ يَجِدُّ بِهِ السَّيْرُ فَيُقَدَّمُ أَوْ جَمْعُ الْمَرِيضِ يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ بِدُونِ جَمَاعَةٍ انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ إلَّا فِي جَمْعِ الْمَطَرِ وَبِهِ قَيَّدَ ابْنُ غَازِيٍّ إطْلَاقَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ ذَكَرَ الْجَمْعَ، وَلَمْ أَقِفْ

عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. ص (وَخَوْفًا) ش: يَعْنِي أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إذَا صَلَّيْت بِطَائِفَتَيْنِ فَلَا بُدَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَرَضَ عَلَى مَنْ جَعَلَ ضَابِطَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَقَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِخْلَافِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، وَلَوْ أَتَمُّوا فُرَادَى صَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْخَوْفِ لَوْ صَلَّى كُلٌّ لِنَفْسِهِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ انْتَهَى. (قُلْت) لَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صَلَاتِهَا عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاسْتِخْلَافِ الْجَمَاعَةُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَ الْإِمَامِ إلَّا وَاحِدٌ لَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ. ص (وَمُسْتَخْلَفًا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ يُصَلِّي مَأْمُومًا فَطَرَأَ عَلَى الْإِمَامِ عُذْرٌ فَاسْتَخْلَفَهُ لِيُكْمِلَ الصَّلَاةَ بِالْمَأْمُومِينَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ لِيُمَيِّزَ نِيَّةَ الْمَأْمُومِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ لَكِنْ قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِهَا مَا قَالَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا أَفْذَاذًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إذَا طَرَأَ عَلَى الْإِمَامِ عُذْرٌ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَصَلَّى الْقَوْمُ أَفْذَاذًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي يَقُولُ: إنْ صَلَّوْا أَفْذَاذًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فَلَيْسَتْ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فِي الِاسْتِخْلَافِ بِلَازِمَةٍ وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّقْيِيدِ الَّذِي قَيَّدْنَاهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي الْقَاضِيَ عِيَاضًا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْإِمَامَ إلَّا فِيمَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ يَنْوِي الْإِمَامَةَ فِي الِاسْتِخْلَافِ مَا نَصَّهُ (قُلْت) وَفِي قَوْلِهِ الِاسْتِخْلَافَ مَعَ ابْنِ بَشِيرٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَمُؤْتَمٍّ بِهِ ابْتِدَاءً لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ أَفْذَاذًا انْتَهَى. ص (كَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَارَ فِي الْأَخِيرِ خِلَافَ الْأَكْثَرِ) ش: لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّهُ لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَنَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ فَائْتَمَّ بِهِ أَنَّهَا لَهُ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ، الشَّيْخَ يَعْنِي نَفْسَهُ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ يَصِيرُ لَهُ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) أَلْزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ أَنْ يُعِيدَهَا هَذَا الْمُؤْتَمُّ بِهِ الَّذِي لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي جَمَاعَةٍ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَسَلَّمَهُ، وَذَكَرَ أَنَّ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوَهُ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلٍ الْمُصَنِّفِ كَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ ابْنُ عَرَفَةَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي جَمَاعَةٍ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) الظَّاهِرُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ، ثُمَّ دَخَلَ شَخْصٌ خَلْفَهُ فَنَوَى أَنْ يَؤُمَّهُ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَدْخُلُ هَذَا فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَنْتَفِلُ مُنْفَرِدٌ لِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى فَذًّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِفَوَاتِ مَحِلِّ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ. (الثَّالِثُ) يُضَافُ لِمَا ذُكِرَ: الْإِمَامُ الرَّاتِبُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ إذَا نَوَى الْإِمَامَةَ. (الرَّابِعُ) ذُكِرَ فِي سَمَاعِ مُوسَى أَنَّ مَنْ أَمَّ نِسَاءً تَمَّتْ صَلَاتُهُنَّ إنْ نَوَى إمَامَتَهُنَّ فَأَخَذَ ابْنُ زَرْقُونٍ وُجُوبَ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي إمَامَةِ النِّسَاءِ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُقَابِلًا لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّهُ يَرَى وُجُوبَ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَوَجَّهَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِمَامَ ضَامِنٌ بِأَنَّهُ تَحَمَّلَ الْقِرَاءَةَ وَلَا ضَمَانَ وَلَا حَمْلَ إلَّا بِنِيَّةٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ، وَسَمِعَ مُوسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ أَمَّ نِسَاءً تَمَّتْ صَلَاتُهُنَّ إنْ نَوَى إمَامَتَهُنَّ فَأَخَذَ مِنْهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وُجُوبَهَا فِي

فرع دخل مع قوم في صلاة على أنها الظهر ثم تبين له أنها العصر

إمَامَةِ النِّسَاءِ انْتَهَى. ص (وَمُسَاوَاةٌ فِي الصَّلَاةِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ [فَرْعٌ دَخَلَ مَعَ قَوْمٍ فِي صَلَاةِ عَلَى أَنَّهَا الظُّهْرُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ] (فَرْعٌ) مَنْ دَخَلَ مَعَ قَوْمٍ يَظُنُّهُمْ فِي الظُّهْرِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لِمَالِكٍ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَقْطَعُ بِتَسْلِيمٍ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاتَيْنِ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ إنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَشْفَعْ بِأُخْرَى قَالَ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَذْكُرُ الظُّهْرَ، وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي الْعَصْرَ أَنَّهُ يَتَمَادَى مَعَهُ، ثُمَّ يُعِيدُ قَالَ، وَلَوْ عَلِمَ سَاعَةَ دَخَلَ مَعَ الْقَوْمِ فِي صَلَاتِهِمْ أَنَّهَا الْعَصْرُ لَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ إلَى تَمَامِ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الثَّانِي، وَلَمْ يُتِمَّ مَعَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْمُوقِنَ إذَا ائْتَمَّ بِالشَّاكِّ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي بَابِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ: وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي رَجُلَيْنِ شَكَّ أَحَدُهُمَا فِي ظُهْرِ أَمْسِ، وَذَكَرَ الْآخَرُ نِسْيَانَهُ إنَّ الْمُوقِنَ إذَا ائْتَمَّ بِالشَّاكِّ أَعَادَ الْمَأْمُومُ خَاصَّةً، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمُوقِنُ أَجْزَأَتْهُمْ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ) ش: قَالَ بَهْرَامُ فِي الصَّغِيرِ هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَتَّحِدَا فِي الْقَضَاءِ وَالْمُقْتَدَى بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْأَوْسَطِ: أَيْ وَمِمَّا هُوَ شَرْطٌ فِي الِاقْتِدَاءِ أَنْ تَتَّحِدَ صَلَاتَا الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَلَا يُصَلِّي فَائِتَةً خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي وَقْتِيَّةً وَلَا الْعَكْسُ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا فَائِتَةً خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي ظُهْرًا فَائِتَةً، وَلَوْ كَانَا مِنْ يَوْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُمَا مُتَّحِدَتَانِ فِي الْفَوَاتِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى، وَقَالَ سَنَدٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْكَبِيرِ وَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي هَذَيْنِ الشَّرْحَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مَطْلُوبَةٌ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَفِي ظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، أَيْ إذَا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ ظُهْرٌ فَائِتَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَعَلَى الْمَأْمُومِ ظُهْرٌ فَاتَهُ مِنْ يَوْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسَاوِي الْيَوْمَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيسَى لَمْ يَقُلْ بِهِ وَنَصُّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ " فِي رَسْمِ جَاعٍ " قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلَغَنِي أَنَّ الْقَوْمَ إذَا نَسُوا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَاجْتَمَعُوا فَأَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَسْتَحْسِنُهُ وَآخُذُ بِهِ وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْوَادِي» وَالسَّاهِي كَالنَّائِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ كَانَتْ ظُهْرُهُمْ مِنْ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا، وَإِنَّمَا يَجْمَعُونَ إذَا نَسُوا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ قَالَ عِيسَى وَالْإِعَادَةُ فِي هَذَا عَلَى الْإِمَامِ وَقَالَ ابْنِ رُشْدٍ قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَتْ ظُهْرُهُمْ مِنْ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا مَعْنَاهُ مِنْ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَعْلَمُونَهَا بِأَعْيَانِهَا، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً لَا يَدْرِي مِنْ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ صَلَاةَ السَّبْتِ وَصَلَاةَ الْأَحَدِ وَأَمَّا عَلَى مَنْ لَا يُرَاعِي التَّعْيِينَ وَيَقُولُ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَاحِدَةً يَنْوِي بِهَا الْيَوْمَ الَّذِي تَرَكَهَا فِيهِ كَانَ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَإِنْ كَانَتْ ظُهْرُهُمْ مِنْ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ انْتَهَى، كَذَا رَأَيْت هَذَا الْكَلَامَ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْبَيَانِ أَعْنِي كَلَامَ عِيسَى وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَمْ يَنْفِ فِي كَلَامِ عِيسَى الْإِعَادَةَ إلَّا عَنْ الْإِمَامِ لَكِنْ فِي نَقْلِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ عَنْهُ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا إعَادَةَ فِي هَذَا عَلَى إمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَذَكَرَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ فَعَلَا لَمْ تُجْزِ إلَّا الْإِمَامَ وَحْدَهُ، قَالَ سَنَدٌ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَقْيَسُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنَعَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَأَنْتَ تَرَى الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ سَنَدٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بَلْ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَرَجَّحَهُ سَنَدٌ، وَقَالَ: إنَّهُ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى لَمْ يَقُلْ بِالْجَوَازِ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا نَفَى الْإِعَادَةَ فَقَطْ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَصَاحِبُ النَّوَادِرِ، وَأَمَّا مَا فِي الْبَيَانِ فَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَاهَا عَنْ الْإِمَامِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ ابْتِدَاءً إلَّا

فرع ائتمام ناذر ركعتين بمتنفل

إجْرَاءَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مُشْكِلٌ فَتَأَمَّلْهُ فَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الرَّاجِحُ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى نَقْلِ كَلَامِهِ فَقَطْ وَنَصَّهُ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ الصَّقَلِّيِّ وَفِي الْمَنْسِيِّ اتِّحَادُ يَوْمِهَا انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ ظُهْرَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَيُخْتَلَفُ إنْ فَعَلَا هَلْ يُجْزِئُ الْمَأْمُومَ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَا مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَ انْتَهَى. ص (إلَّا نَفْلًا خَلْفَ فَرْضٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَنْعَ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ مَا نَصَّهُ الْمَازِرِيُّ، وَعَكْسُهُ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت عَلَى جَوَازِ النَّفْلِ بِأَرْبَعٍ أَوْ فِي السَّفَرِ انْتَهَى. وَالتَّنَفُّلُ بِأَرْبَعٍ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا ذَكَرَ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ النَّافِلَةِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي التَّلْقِينِ وَالِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ النَّافِلَةِ مَا نَصُّهُ: وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، قَالَ ابْنُ نَاجِي هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَدَدُ النَّوَافِلِ رَكْعَتَانِ لَيْلًا وَنَهَارًا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ إلَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ فِي جَوَازِ مَثْنَى مَثْنَى وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي السُّنَّةَ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى، وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ الْأُوَلِ، أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَفِيفٌ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَقَدْ قَالَ سَنَدٌ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ الصِّيَامِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فِيمَنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مَعَ الْإِمَامِ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي بَيْتِهِ: إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ الْوِتْرَ، ثُمَّ يَشْفَعَ بِأُخْرَى، قَالَ وَلَا يَضُرُّهُ جُلُوسُهُ عَلَى رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ كَمَا يَتَنَفَّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ انْتَهَى. [فَرْعٌ ائْتِمَامِ نَاذِرِ رَكْعَتَيْنِ بِمُتَنَفِّلٍ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَازِرِيُّ تَرَدَّدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ائْتِمَامِ نَاذِرِ رَكْعَتَيْنِ بِمُتَنَفِّلٍ وَخَرَّجَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى إمَامَةِ الصَّبِيِّ وَرُدَّ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ انْتَهَى. ص (كَالْعَكْسِ) ش: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَائِلِ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ عُذْرٌ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَأَتَمَّ الْمَأْمُومُونَ أَفْذَاذًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومِينَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُتِمُّوا أَفْذَاذًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُتَابَعَةٌ فِي إحْرَامٍ وَسَلَامٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَائِدَةٌ) تَقَدَّمَ فِي فَرَائِضِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَجَهَرَ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ فَقَطْ عَنْ النَّوَادِرِ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ: إنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْزِمَ تَحْرِيمَهُ وَتَسْلِيمَهُ وَلَا يَمْطُطْهُمَا لِئَلَّا يَسْبِقَهُ بِهِمَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَمَعْنَى الْجَزْمِ الِاخْتِصَارُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَيَخْطَفُ الْإِمَامُ إحْرَامَهُ وَسَلَامَهُ لِئَلَّا يُشَارِكَهُ الْمَأْمُومُ فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ. (قُلْت) وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا فِقْهُ الْإِمَامِ وَثَانِيَتُهَا تَقْصِيرُ الْجُلُوسِ الْوَسَطُ وَثَالِثَتُهَا دُخُولُ الْإِمَامِ الْمِحْرَابَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ. [فَرْعٌ وَيُحْرِمُ الْإِمَامُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الصُّفُوفِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَيُحْرِمُ الْإِمَامُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الصُّفُوفِ وَيَرْفُقُ بِهِمْ وَيُشْرِكُهُمْ فِي دُعَائِهِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ أَمَّا إحْرَامُهُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الصُّفُوفِ فَمُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ فَقَطْ، وَأَمَّا رِفْقُهُ بِهِمْ فَلِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُشْرِكَهُمْ فِي دُعَائِهِ، وَرُوِيَ " إنْ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهِ فَقَدْ خَانَهُمْ " انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق أَيْضًا - خَاتِمَةٌ - مِنْ جَهْلِ الْإِمَامِ الْمُبَادَرَةُ لِلْمِحْرَابِ قَبْلَ تَمَامِ الْإِقَامَةِ وَالتَّعَمُّقُ فِي الْمِحْرَابِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَالتَّنَفُّلُ بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَكَذَا الْإِقَامَةُ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَاةِ فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«أَسْمَعُ الدُّعَاءِ جَوْفُ اللَّيْلِ وَإِدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» . وَخَرَّجَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «لَا يَجْتَمِعُ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ فَيَدْعُو بَعْضُهُمْ وَيُؤَمِّنُ بَعْضُهُمْ إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمْ» ، وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ كَوْنَ الدُّعَاءِ بَعْدَهَا عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَعْهُودَةِ مِنْ تَأْمِينِ الْمُؤَذِّنِ بِوَجْهٍ خَاصٍّ وَأَجَازَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ، وَقَدْ أَلَّفَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِيهِ وَرَامَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَصْحَابُهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي الْكَرَاهَةَ عَنْ الْقَرَافِيِّ. ثُمَّ قَالَ وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِأَفْرِيقِيَّةِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ يَنْصُرُهُ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْجَامِعِ وَسُئِلَ عِزُّ الدِّين عَنْ الْمُصَافَحَةِ عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ أَمُسْتَحَبَّةٌ أَمْ لَا؟ وَالدُّعَاءُ عَقِيبَ السَّلَامِ مُسْتَحَبٌّ لِلْإِمَامِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَمْ لَا؟ وَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَهَلْ يَلْتَفِتُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ أَمْ يَدْعُو مُسْتَقْبِلًا لَهَا؟ وَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ أَوْ يَخْفِضُ؟ وَهَلْ يَرْفَعُ الْيَدَ أَمْ لَا فِي غَيْرِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَهُ فِيهَا؟ (فَأَجَابَ) الْمُصَافَحَةُ عَقِيبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ مِنْ الْبِدَعِ إلَّا لِقَادِمٍ يَجْتَمِعُ بِمَنْ يُصَافِحُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُصَافَحَةَ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ الْقُدُومِ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْتِي بَعْدَ السَّلَامِ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَيَسْتَغْفِرُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ» . وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي اتِّبَاعِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَدْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْصَرِفَ عَقِبَ السَّلَامِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: إذَا نَزَلَ بِالنَّاسِ نَائِبَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِالدُّعَاءِ وَرَفْعِ الْأَيْدِي انْتَهَى. ص (لَا الْمُسَاوَقَةُ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: الْمُسَاوَقَةُ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الْمَأْمُومِ تَابِعَةً لِأَفْعَالِ الْإِمَامِ وَمِنْهُمْ مِنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْمُلَاحَقَةِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَيَانِ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ ابْتَدَأَهُ بَعْدَهُ فَأَتَمَّهَا مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُحْرِمَ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَسْكُتَ الْإِمَامُ قَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ إمَامُهُ بِحَرْفٍ بَطَلَتْ، ثُمَّ قَالَ قُلْت مَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ بَدَأَ بَعْدَ بَدْئِهِ التَّكْبِيرَ صَحَّ، وَإِنْ أَتَمَّ مَعَهُ، وَعُمُومُ مَفْهُومِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ لَمْ يَسْبِقْهُ إمَامُهُ بِحَرْفٍ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ فِي التَّمَامِ، وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كُلُّ التَّكْبِيرِ لَا بَعْضُهُ انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَتَأَخَّرَ عَنْهُ أَيْ تَأَخَّرَ عَنْ الْإِمَامِ الْمَأْمُومُ فِي التَّمَامِ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْبُطْلَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْبِسَاطِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَتَمَّهَا قَبْلَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بَعْدَهُ كَافٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي الْجَلَّابِ إنْ كَبَّرَ الْمَأْمُومُ فِي أَضْعَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ لَمْ يُجِزْهُ انْتَهَى. ص (لَكِنَّ سَبْقَهُ مَمْنُوعٌ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: الْمَنْصُوصُ عِنْدَنَا إنْ سَبَقَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ بِفِعْلِ الرُّكْنِ وَعَقَدَهُ قَبْلَهُ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ الْإِمَامُ قَبْلَ كَمَالِهِ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ وَهِيَ عِنْدِي تَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَرَكَةِ إلَى الْأَرْكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِنَفْسِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا؟ فَلَا تُجْزِئُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَفْلَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي تَرْجَمَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْأَعْمَى يُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ سُجُودِهِ وَيُسَبَّحُ بِهِ فَلَا يَفْطِنُ حَتَّى إذَا قَضَى صَلَاتَهُ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، قَالَ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ أَيْضًا فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مَسْأَلَةُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ رَكَعَ فَرَكَعَ، ثُمَّ رَكَعَ إمَامُهُ فَمَنْ أَعَادَ رُكُوعَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَقِيَ رَاكِعًا حَتَّى لَحِقَهُ الْإِمَامُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَلَمْ يُعِدْ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ. (قُلْت) لِأَنَّهُ عَقَدَ رُكْنًا فِي نَفْسِ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ مِنْ

الرُّكُوعِ مَعَهُ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَهُوَ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى، فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ سَاهِيًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَإِنْ رَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِاتِّبَاعِ إمَامِهِ إنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّاعِسِ وَالْغَافِلِ يَفُوتُهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَيَتْبَعُهُ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْ رُكُوعِهِ فَقَدْ تَبِعَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِهِ بِمِقْدَارِ فَرْضِهِ أَوْ رَفَعَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، فَإِنْ رَفَعَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ عِنْدِي حُكْمُ مَنْ رَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبِعَ الْإِمَامَ فِي مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَرُكُوعُهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبِعَ أَمَامَهُ فِي فَرْضِهِ، ثُمَّ قَالَ - مَسْأَلَةٌ - وَهَذَا فِي الرَّفْعِ، فَأَمَّا الْخَفْضُ قَبْلَ الْإِمَامِ لِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا مِقْدَارَ فَرْضِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِي خَفْضِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا مِقْدَارَ فَرْضِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لِاتِّبَاعِ إمَامِهِ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ انْتَهَى. وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قِيلَ لِسَحْنُونٍ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ فَيَسْجُدُ قَبْلَهُ وَيَرْكَعُ قَبْلَهُ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا قَالَ صَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَعْدُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا إذَا سَجَدَ قَبْلَهُ وَرَكَعَ قَبْلَهُ فَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ بِسُجُودِهِ وَرُكُوعِهِ، وَهُوَ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ فَرَفَعَ بِرَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ رَفَعَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا إنْ رَكَعَ وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ وَاقِفٌ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ وَيَسْجُدَ وَرَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مَعَ الْإِمَامِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَقِيلَ: تُجْزِئُهُ الرَّكْعَةُ، وَقِيلَ لَا تُجْزِئُهُ، وَقَدْ بَطَلَتْ عَلَيْهِ فَيَأْتِي بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. ص (وَأَمْرُ الرَّافِعِ بِعَوْدِهِ إنْ عَلِمَ إدْرَاكَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ لَا إنْ خَفَضَ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ نُقُولِهِمْ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ إدْرَاكَ الْإِمَامِ فِيمَا فَارَقَهُ مِنْهُ اسْتَوَى فِي ذَلِكَ الرَّافِعُ وَالْخَافِضُ فِي الْأَمْرِ بِالْعَوْدِ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الطُّرُقُ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إدْرَاكَهُ بِخِلَافِ مَا تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ مِنْ مُسَاوَاةِ الْخَافِضِ لِلرَّافِعِ فِيمَا إذَا عَلِمَ إدْرَاكَ إمَامِهِ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الَّذِي يَسْبِقُ الْإِمَامَ بِالسُّجُودِ، ثُمَّ يَسْجُدُ الْإِمَامُ، وَهُوَ سَاجِدٌ أَيَثْبُتُ عَلَى سُجُودِهِ أَمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى يَكُونَ سُجُودُهُ بَعْدَ الْإِمَامِ فَقَالَ: بَلْ يَثْبُتُ كَمَا هُوَ عَلَى سُجُودِهِ إذَا أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ سَاجِدٌ، قَالَ الْقَاضِي وَمِثْلُ هَذَا الَّذِي يَسْبِقُ الْإِمَامَ بِلَا رُكُوعٍ يَرْجِعُ مَا لَمْ يَرْكَعْ الْإِمَامُ، فَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ، وَهُوَ رَاكِعٌ ثَبَتَ عَلَى رُكُوعِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ رُكُوعُهُ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَلَا كَلَامَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَسْبِقُ الْإِمَامَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَرْجِعُ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا حَتَّى يَكُونَ رَفْعُهُ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَلْحَقَهُ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ فَيَثْبُتُ مَعَهُ بِحَالِهِ وَلَا يَعُودُ إلَى الرُّكُوعِ وَلَا إلَى السُّجُودِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ رَأَيْت لَهُ نَحْوَهُ فِي النَّوَادِرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؟ هَذَا التَّحْوِيلُ يَقْتَضِي تَغْيِيرَ الصُّورَةَ الظَّاهِرَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ عَلَى سَبِيلٍ مَجَازِيٍّ فَإِنَّ الْحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالْبَلَادَةِ وَيُسْتَعَارُ هَذَا الْمَعْنَى لِلْجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، قَالَ وَرُبَّمَا يُرَجِّحُ هَذَا الْمَجَازُ بِأَنَّ التَّحْوِيلَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ لَمْ يَقَعْ مَعَ كَثْرَةِ

فرع تقديم الرجل في الصلاة لحسن صوته

رَفْعِ الْمَأْمُومِينَ قَبْلَ الْإِمَامِ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَقِيلَ الْمُرَادُ تَحْوِيلُ صُورَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيُحْشَرَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ فَضْلِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ فَعَلَ ذَلِكَ امْتِحَانًا فَحَوَّلَ اللَّهُ تَعَالَى رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلْفَ سِتْرٍ حَتَّى لَا يَبْرُزَ لِلنَّاسِ، وَكَانَ يُفْتِي مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ انْتَهَى. [فَرْعٌ تَقْدِيمُ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ لِحُسْنِ صَوْتِهِ] ص (وَنَدْبُ تَقْدِيمِ سُلْطَانٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ الرَّجُلِ لِحُسْنِ صَوْتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ رُشْدٍ: وَتَقْدِيمُ الْحَسَنِ الصَّوْتِ عَلَى كَثِيرِ الْفِقْهِ مَحْذُورٌ وَعَلَى مُسَاوِيهِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهَا مَزِيَّةٌ خُصَّ بِهَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد» انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ فِي " رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ هَذَا زَبَدَتُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْجَامِعِ: حُسْنُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مَوْهِبَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَطِيَّةٌ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ مِمَّا يُوجِبُ الْخُشُوعَ وَرِقَّةَ الْقُلُوبِ وَيَدْعُو إلَى الْخَيْرِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] حُسْنُ الصَّوْتِ انْتَهَى. ص (كَوُقُوفِ ذَكَرٍ عَنْ يَمِينِهِ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ اُنْظُرْ لَوْ أَقَامَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ هَلْ الْإِمَامُ يَتَقَدَّمُ أَمْ الرَّجُلُ يَتَأَخَّرُ، قَالَ رَأَيْنَا بَعْضَ أَهْلِ الْفَضْلِ صَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ آخَرُ فَأَخَّرَهُ عَنْ يَمِينِهِ انْتَهَى ص (وَنِسَاءٌ خَلْفَ الْجَمِيعِ) ش: قَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي مَرَاتِبِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ: الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ امْرَأَةٌ أَوْ نِسَاءٌ فَيَقِفْنَ وَرَاءَهُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْ النِّسْوَةِ أَنْ يَؤُمَّهُنَّ لِلْخَلْوَةِ بِهِنَّ، وَهُوَ مَعَ الْوَاحِدَةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ لَا رِجَالَ مَعَهُنَّ إذَا كَانَ صَالِحًا انْتَهَى. (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ: وَالْخُنْثَى يَكُونُ بَيْنَ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ مُخْتَصَرِهِ ص (وَرَبُّ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدَّمِهَا) ش: قَالَهُ فِي الصَّلَاةِ الْأُوَلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظِ الْأُمِّ

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ أَوْلَى بِمُقَدَّمِ الدَّابَّةِ صَاحِبُهَا عَبْدُ الْحَقِّ جَاءَتْ هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ أَعْلَمُ بِطِبَاعِهَا وَمَوَاضِعِ الضَّرْبِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الدَّارِ أَعْلَمُ بِقِبْلَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَنَازَعَ فِيهَا رَجُلَانِ وَكِلَاهُمَا رَاكِبُهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِمُقَدَّمِهَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. وَيُتَصَوَّرُ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا اكْتَرَى شَخْصٌ مِنْ صَاحِبِ دَابَّةٍ حَمَلَهُ عَلَيْهَا مَعَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّقَدُّمَ فَيُقَالُ رَبُّ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدَّمِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَبَّرَ الْمَسْبُوقُ لِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ بِلَا تَأْخِيرٍ) ش: ذَكَرَ التِّلِمْسَانِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْفُقُ فِي مَشْيِهِ لِيَقُومَ الْإِمَامُ ص (وَقَامَ بِتَكْبِيرٍ إنْ جَلَسَ فِي ثَانِيَتِهِ إلَّا مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ) ش: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَنْطُوقِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ وَالتَّقْيِيدِ لَهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ لَهُ كَمُدْرِكِ رَكْعَتَيْنِ قَامَ بِتَكْبِيرٍ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي، قَالَ الْمَغْرِبِيُّ اُنْظُرْ قَوْلَهُ قَامَ بِتَكْبِيرٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى فَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِيُبَيِّنَ هَلْ يُكَبِّرُ أَمْ لَا، وَعَوَّلَ فِي مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَحِلِّ التَّكْبِيرِ. (قُلْت) وَمَا ذَكَرَهُ صَوَابٌ وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ كَبَّرَ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا انْتَهَى. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إنْ جَلَسَ فِي ثَانِيَتِهِ أَنَّهُ إنْ جَلَسَ فِي غَيْرِ الثَّانِيَةِ، أَمَّا فِي الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ يَقُومُ بِلَا تَكْبِيرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْقُورِيُّ: وَأَنَا أُفْتِي بِهِ الْقَوْمَ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ وَيَتَشَوَّشُونَ انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) وَمِثْلُ مُدْرِكِ التَّشَهُّدِ مُدْرِكُ السُّجُودِ فَقَطْ، قَالَ فِيهِ فِي آخِرِ رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: يَقُومُ بِلَا تَكْبِيرٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مُدْرِكِ التَّشَهُّدِ الْآخَرِ: إنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى قِيَاسِ أَصْلِهِ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ قَامَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِتَفْرِيقٍ ضَعِيفٍ لَا يَسْلَمُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - انْتَهَى. (الثَّانِي) مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ وَجَلَسَ مَعَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ مَعَهُ، قَالَهُ أَشْهَبُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ عَمَّنْ تَفُوتُهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا صَلَّى مَعَهُ جَلَسَ الْإِمَامُ لِيَتَشَهَّدَ أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ وَهِيَ لَهُ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ يَتَشَهَّدُ، قَالَ الْقَاضِي وَجْهُ قَوْلِهِ لَمَّا جَلَسَ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُ جُلُوسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَجَبَ أَنْ يَتَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدٍ، وَبِهَذَا احْتَجَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ فَقَالَ

لَمَّا جَلَسَ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ صَارَ ذَلِكَ مَوْضِعَ جُلُوسٍ يُوجِبُ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَأَنْ يَقُومَ بِتَكْبِيرٍ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ جُلُوسٍ، وَإِنَّمَا تَشَهُّدٍ لِمَا لَزِمَهُ مِنْ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى حُكْمِ صَلَاتِهِ فَلَا يُكَبِّرُ إذْ قَدْ كَبَّرَ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ انْتَهَى. ص (وَقَضَى الْقَوْلَ وَبَنَى الْفِعْلَ) ش: الْجُزُولِيُّ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَذِّ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَيَجْمَعُ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَلَا يَحْمِلُ الْإِمَامُ عَنْهُ سُجُودَ سَهْوِهِ فِي قَضَائِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ص (وَرَكَعَ مَنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ دُونَ الصَّفِّ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ يَدِبُّ كَالصَّفَّيْنِ لِآخَرِ فُرْجَةٍ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا لَا سَاجِدًا أَوْ جَالِسًا) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ إذَا تَمَادَى إلَى الصَّفِّ وَظَنَّ أَنَّهُ إذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ يُدْرِكُهَا وَيُدْرِكُ الصَّفَّ بِالدَّبِّ إلَيْهِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عَنْ مَالِكٍ: الْأَوَّلُ - مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ وَيَدِبُّ إلَى الصَّفِّ. الثَّانِي - رَوَاهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْخُذَ مَقَامَهُ مِنْ الصَّفِّ. الثَّالِثِ - رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْخُذَ مَقَامَهُ مِنْ الصَّفِّ أَوْ يَقْرَبَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الصَّفَّ فِي دَبِّهِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ، وَأَنَّهُ يُدْرِكُهُ بَعْدُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوعُ دُونَ الصَّفِّ إذَا رَفَعَ بَلْ يَتَمَادَى إلَى الصَّفِّ وَإِنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا يَمْشِي إلَى الصَّفِّ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يُتِمَّ الرَّكْعَةَ وَيَقُومَ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ. وَصَوَّبَ أَبُو إِسْحَاقَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ مَالِكٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الصَّفَّ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَا يُكَبِّرُ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى مِنْ رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَوَافَقَ أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى غَالِبِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ أَعْنِي فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الصَّفَّ، وَلَوْ دَبَّ إلَيْهِ لِبُعْدِهِ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْخُذَ مَكَانَهُ مِنْ الصَّفِّ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَخِيرَةَ، يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَمَادَى فَاتَتْهُ فَهَاهُنَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَادَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَفَاتَهُ الصَّفُّ جَمِيعًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالَفَ فِيهِ. وَصَرَّحَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ ابْنُ عَزْمٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَصُّهُ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ وَخَافَ إنْ تَمَادَى إلَى الصَّفِّ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا آخِرُ الصَّلَاةِ رَكَعَ فِي مَوْضِعِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ الْأَخِيرَةِ فَالْجُمْهُورُ يَرْكَعُ بِمَوْضِعِهِ كَالْأَوَّلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَتَقَدَّمُ بِاتِّفَاقٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَرِيبًا دَبَّ إلَى الصَّفِّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْأَخِيرَ هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ إنْ خَافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ إنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَبَّرَ وَرَكَعَ عَلَى بَلَاطٍ خَارِجَهُ انْتَهَى. فَيَكُونُ فِيهِ قَوْلَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قَائِمًا، يُرِيدُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا فِي قِيَامِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَكَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّالِثِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَصُوَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا عَجَّلَ الْإِمَامُ فَرَفَعَ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ الدَّبُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْجَلَّابِ مِنْ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَدِبَّ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ وَأَنْ يَدِبَّ رَاكِعًا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ رَأَى فُرْجَةً أَمَامَهُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَرْخَصَ مَالِكٌ لِلْعَالِمِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ

أَصْحَابِهِ بِمَوْضِعِهِ بِبُعْدٍ مِنْ الصُّفُوفِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الصُّفُوفِ فُرَجًا فَلْيَسُدَّهَا، وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ص (وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ أَلْغَاهَا) ش: يُرِيدُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ إدْرَاكَهُ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ اتِّفَاقًا، قَالُوا: وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَلْ يَهْوِي لِسُجُودِهِ مِنْهُ بَعْدَ إمَامِهِ، فَإِنْ رَفَعَ فَحَكَى الزُّهْرِيُّ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ صَاحِبِ الْوَثَائِقِ أَنَّهُ حَكَى الْبُطْلَانَ وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ، وَسَوَاءٌ أَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَا، وَوَقَفْت عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جُزْءٍ أَلَّفَهُ الْجَزِيرِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْعِبَادَاتِ كَذَلِكَ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَخَّارِ الْخُزَامِيُّ فِي شَرْحِ الطُّلَيْطِلِيِّ عَنْ نَصِّ كِتَابِ التَّدْرِيبِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ شَيْخُنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَذَكَرَهَا أَيْضًا خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُحَرِّرْ نَقْلَهُ فَانْظُرْهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق هَذَا الْفَرْعَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِهِ: فَإِنْ فَعَلَ وَرَفَعَ مَعَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَا، ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَخَّارِ الْخُزَامِيُّ فِي شَرْحِ الطُّلَيْطِلِيِّ لَهُ، وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ كِتَابِ التَّدْرِيبِ. (قُلْت) وَذَكَره الْجَزِيرِيُّ صَاحِبُ الْوَثَائِقِ فِي جُزْءٍ لَهُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ أَوْقَفَنَا عَلَيْهِ الْأَخُ - فِي اللَّهِ تَعَالَى - أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ الْأَغْطَاوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَعْدَةِ أَحَدُ الْمُدَرِّسِينَ بِجَامِعِ الْقَرَوِيِّينَ بِفَاسَ وَنَقَلَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى قَوَاعِدِ عِيَاضٍ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُحَرِّرْ نَقْلَهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْحَقُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَقُولُ يَبْقَى كَذَلِكَ فِي صُورَةِ الرَّاكِعِ حَتَّى يَهْوِيَ الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ فَيَخِرَّ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ، قَالَ: لِأَنَّ رَفْعَ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ عَقْدٌ لِلرَّكْعَةِ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ قَاضِيًا فِي حُكْمِ إمَامِهِ، وَهَذَا كَمَا تَرَاهُ ضَعِيفٌ لَا سِيَّمَا عَلَى مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَاضِيًا لَوْ كَانَ رَافِعًا مِنْ رُكُوعٍ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافَقَةٌ لِلْإِمَامِ كَمَا فِي السُّجُودِ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ حَسَنٌ قَوِيٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ وَقَفْت عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ التَّدْرِيبِ لَكِنْ كَلَامُ الشَّيْخِ زَرُّوق أَنَّ صَاحِبَ كِتَابِ التَّدْرِيبِ غَيْرُ صَاحِبِ الْوَثَائِقِ، وَأَنَّ ابْنَ الْفَخَّارِ نَقَلَهَا عَنْ الثَّانِي، وَقَدْ نَقَلَ الْهَوَّارِيُّ الْمَسْأَلَةَ عَنْ كِتَابِ التَّدْرِيبِ عَنْ الْجَزِيرِيِّ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ فِي تَقْيِيدِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ، ثُمَّ قَالَ الْهَوَّارِيُّ: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَلَا اطَّلَعْت عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ لِسِوَاهُ وَفِيمَا قَالَهُ عِنْدِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عَلَى حَالَتِهِ مُخَالَفَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَكَوْنَ رَفْعِهِ مَعَهُ زِيَادَةً مُسْتَغْنًى عَنْهَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ خَلْفَهُ وَرَكَعَ رَاجِيًا إدْرَاكَهُ فَانْكَشَفَ خِلَافُهُ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. ص (وَإِنْ كَبَّرَ لِرُكُوعٍ وَنَوَى بِهَا الْعَقْدَ أَوْ نَوَاهُمَا أَوْ لَمْ يَنْوِهِمَا أَجْزَأَ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثَلَاثَ صُوَرٍ الْأُولَى إذَا نَسِيَ الْمَأْمُومُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عِنْدَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَنَوَى، أَيْ عِنْدَ الرُّكُوعِ بِتَكْبِيرِهِ لِلرُّكُوعِ الْعَقْدَ أَيْ الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ كَانَ أَوْقَعَ التَّكْبِيرَةَ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَلَا إشْكَالَ فِي إجْزَائِهَا وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَبَّرَ فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ فَاخْتُلِفَ فِي إجْزَائِهَا، وَقِيلَ يُجْزِئُهُ، قَالَ ابْنُ نَاجِي وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ كَالْبَاجِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُكَبِّرَ قَائِمًا، وَهُوَ تَأْوِيلُ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اكْتَفَى عَنْ ذِكْرِ هَذَا الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ: أَوَّلَ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَقِيَامٌ لَهَا إلَّا الْمَسْبُوقَ فَتَأْوِيلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يُكَبِّرْ إلَّا، وَهُوَ رَاكِعٌ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ التَّكْبِيرِ فِي حَالِ

الْقِيَامِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ انْتَهَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي انْعِقَادِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ التَّكْبِيرِ الَّذِي فِي حَالِ الرُّكُوعِ بَاقٍ، وَإِنَّمَا نُفِيَ الِاعْتِدَادُ بِالرَّكْعَةِ نَفْسِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ إذَا نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَيْضًا وَنَوَى بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَالْإِحْرَامِ مَعًا فَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ النُّكَتِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَيَأْتِي فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا تَقَدَّمَ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ كَبَّرَ عِنْدَ رُكُوعِهِ، وَلَمْ يَنْوِ بِهَا الرُّكُوعَ وَالْإِحْرَامَ فَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهَا تُجْزِئُهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَبُو الْحَسَنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، قَالَ الْوَانُّوغِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ جَارٍ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَفِيهِ الْخِلَافُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مَا نَوَى أَنَّهُ نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَنَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَحْرَمَ مَعَهُ لَا فِي الْمَسْبُوقِ كَمَا فَرَضَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، فَإِنْ شَكَّ فِيهَا أَيْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ وَحْدَهُ أَوْ إمَامٌ فَقِيلَ: إنَّهُ يَتَمَادَى حَتَّى يُتِمَّ وَيُعِيدَ، فَإِنْ كَانَ إمَامًا سَأَلَ الْقَوْمَ، فَإِنْ أَيْقَنُوا بِإِحْرَامِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُوقِنُوا أَعَادُوا الصَّلَاةَ، وَقِيلَ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَيْقَنَ يَقْطَعُ مَتَى عَلِمَ، وَقِيلَ: إنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَطَعَ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ تَمَادَى وَأَعَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَيُوقِنُ الْقَوْمُ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَمَ، وَفِي رُجُوعِهِ إلَى يَقِينِ الْقَوْمِ بِإِحْرَامِهِ وَإِجْزَائِهِ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إجَازَةِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الْإِحْرَامِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ نَاسِيًا تَمَادَى الْمَأْمُومُ فَقَطْ) ش: يَعْنِي: وَإِنْ نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَكَبَّرَ بِنِيَّةِ الرُّكُوعِ فَقَطْ، وَلَمْ يَنْوِ الْإِحْرَامَ نَاسِيًا لَهُ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُكْمِلُ صَلَاتَهُ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ فَلَا يُبْطِلُهَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فِي هَذَا الْقِسْمِ حَالَاتٌ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَمَادَى، وَقِيلَ: يَقْطَعُ فَإِنْ ذَكَرَ فِي الرُّكُوعِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ وَأَحْرَمَ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ: أَشْهَرُهَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ، وَالثَّانِي - يَبْتَدِئُ، وَالثَّالِثُ - هُوَ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ وَأَحْرَمَ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ رَفْعِهِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ يَقْطَعُ وَيُحْرِمُ وَرَآهُ خَفِيفًا وَأَقْطَعُ لِلشَّكِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. جَمِيعُهُ مِنْ التَّوْضِيحِ وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ حَيْثُ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. (الثَّانِي) ، قَالَ فِيهِ أَيْضًا هَلْ مِنْ شَرْطِ تَمَادِيهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَبَّرَ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. (الثَّالِثُ) هَلْ يَتَمَادَى وُجُوبًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ اسْتِحْبَابًا وَهُوَ الَّذِي فِي الْجَلَّابِ، قَالَهُ أَيْضًا فِي التَّوْضِيحِ. (الرَّابِعُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَمْ لَا اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالْإِعَادَةِ وَهَلْ وُجُوبًا، وَهُوَ الَّذِي فِي الْجَلَّابِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، أَوْ اسْتِحْبَابًا وَعَزَاهُ فِي الْإِرْشَادِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ.

الْخَامِسُ) قَوْلُهُ نَاسِيًا لَهُ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ عَامِدًا قَطَعَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ خِلَافَ سَعِيدٍ وَابْنِ شِهَابٍ إنَّمَا هُوَ إذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِلْإِحْرَامِ، وَلَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْإِحْرَامِ مُتَعَمِّدًا لَمَا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ بِإِجْمَاعٍ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتَمَادَى حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الْخِلَافِ الْمُرَاعَى، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالنِّسْيَانِ فِي الصُّوَرِ الْأُوَلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِدَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِبَيَانِ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَوْلُهُ تَمَادَى الْمَأْمُومُ فَقَطْ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْفَذَّ لَا يَتَمَادَيَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَأْمُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَطْ فَإِنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى إنَّمَا تُجْزِئُ الْمَأْمُومَ فَقَطْ وَلَا تُجْزِئُ الْإِمَامَ وَالْفَذَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرُهُ. (السَّابِعُ) لَوْ نَابَهُ مَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَحُكْمُهَا كَالْأُولَى إنْ لَمْ يَنْوِ الْإِحْرَامَ تَمَادَى وَأَعَادَ بَعْدَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِحْرَامَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَقَضَى الرَّكْعَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، كَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بَلْ يَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَ: وَلَا وَجْهَ لَهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّامِنُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي الْجُمُعَةِ يَقْطَعُ بِسَلَامٍ، ثُمَّ يُحْرِمُ لِحُرْمَةِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ يُونُسَ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ. (التَّاسِعُ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: لَوْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى وَنَسِيَ الْإِحْرَامَ وَتَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فِي الْأُولَى وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَنْوِ بِهَا الْإِحْرَامَ فَقَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ، وَالْفَرْقُ عِنْدَهُ بَيْنَ هَذِهِ وَالْأُولَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ تُبَاعِدُ مَا بَيْنَ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الْعَاشِرُ) حَيْثُ أَمَرَ بِالْقَطْعِ فَهَلْ بِسَلَامٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَخَصَّهُمَا بِمَا إذَا ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ، قَالَ، وَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ رَكْعَةٍ قَطَعَ بِغَيْرِ سَلَامٍ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ فِي ذَلِكَ كَالْمَأْمُومِ انْتَهَى. ص (وَفِي تَكْبِيرِهِ لِلسُّجُودِ تَرَدُّدٌ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي تَكْبِيرِ السُّجُودِ هَلْ هُوَ كَتَكْبِيرِ الرُّكُوعِ فَإِذَا كَبَّرَ لِلسُّجُودِ وَنَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ نَوَى بِهَا السُّجُودَ دُونَ الْإِحْرَامِ لَمْ يُجْزِهِ وَيَتَمَادَى أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنْ نَوَى الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُجْزِهِ وَيَقْطَعْ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلرُّكُوعِ وَكَبَّرَ لِلسُّجُودِ قَطَعَ مَا لَمْ يَرْكَعْ الثَّانِيَةَ كَبَّرَ لَهَا أَوْ لَمْ يُكَبِّرْ، قَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، فَإِنْ رَكَعَ تَمَادَى وَأَعَادَ بَعْدَ قَضَاءِ رَكْعَةٍ وَإِنْ نَوَى بِتَكْبِيرِهِ السُّجُودَ وَالْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُ وَقَضَى رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ لَوْ لَمْ يُكَبِّرْ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَلَا لِلرُّكُوعِ لَمْ يُجْزِهِ تَكْبِيرُهُ لِلسُّجُودِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا مَا يُذْكَرُ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ الشَّيْخُ، وَفِي كَوْنِ تَكْبِيرِ السُّجُودِ مِثْلَهُ وَلَغْوُهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُ انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا نَوَى بِتَكْبِيرِ السُّجُودِ الْإِحْرَامِ وَوَافَقَهُ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَهَذَا يُجْزِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَذَكَرَهُ فِي الْجَلَّابِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَاللَّخْمِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَبَّرَ لِلسُّجُودِ وَالْإِحْرَامِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ فَانْظُرْهُ، وَفِي التَّوْضِيحِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَوَى بِتَكْبِيرِ السُّجُودِ الْإِحْرَامَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرَهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرُّكُوعِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ الْأَقْفَهْسِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ، قَالَ: أَرَدْت بِالتَّرَدُّدِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَا إذَا كَبَّرَ لِلسُّجُودِ، وَلَمْ يَنْوِ الْإِحْرَامَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ اسْتَأْنَفَ) ش: يَعْنِي، وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ

فصل رجلين أم أحدهما صاحبه، ثم يحدث الإمام فيستخلف صاحبه

حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَرَكَعَهَا مَعَهُ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ، وَكَانَ الْآنَ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ وَيَقْضِي رَكْعَةً بَعْدَ الْإِمَامِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ وَلَا لِلرُّكُوعِ ابْتَدَأَ حَيْثُمَا ذَكَرَ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ عَنْ الْمَأْمُومِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ انْتَهَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصَلِّ رَجُلَيْنِ أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ يُحْدِثُ الْإِمَامُ فَيَسْتَخْلِفُ صَاحِبَهُ] ص (فَصْلٌ نُدِبَ لِإِمَامٍ خَشِيَ تَلَفَ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ مُنِعَ الْإِمَامَةَ لِعَجْزٍ أَوْ الصَّلَاةَ بِرُعَافٍ أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ أَوْ ذَكَرَهُ اسْتِخْلَافٌ) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِخْلَافُ إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ

فرع رأى المأموم نجاسة في ثوب الإمام

وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ لِنَفْسِهِ، قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ: سُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ رَجُلَيْنِ أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ يُحْدِثُ الْإِمَامُ فَيَسْتَخْلِفُ صَاحِبَهُ، قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ آخَرُ فَيَكُونُ خَلِيفَةً عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ وَيَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي جَمَاعَةٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ اسْتَخْلَفَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، قَالَ الْقَاضِي إنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ، وَقَالَ: إنَّهُ يَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي جَمَاعَةٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُتِمَّ وَحْدَهُ عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ فَصَلَّى فَذًّا أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تُجْزِئُهُ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " رَسْمِ جَاعٍ "، " وَرَسْمِ إنْ خَرَجَتْ " مِنْ سَمَاعِ عِيسَى انْتَهَى. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهَا تَصِحُّ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ: وَأَتَمُّوا وُحْدَانًا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ بِإِمَامَيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَوَّلًا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مُنِعَ الْإِمَامَةَ لِعَجْزٍ؛ يَعْنِي عَنْ رُكْنٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يَسْتَخْلِفُ لِحَصْرِ قِرَاءَةِ بَعْضِ السُّورَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت فِي مَفْهُومِهِ بِحَصْرِهِ عَنْ كُلِّهَا نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ سُنَّةً عَلَيْهِ لَا فَوَاتَ رُكْنٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ الصَّلَاةَ بِرُعَافٍ تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّهُ رَعَفَ وَاسْتَخْلَفَ فَلَمَّا خَرَجَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْعُفْ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى مَنْ خَلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِمَا يَجُوزُ لَهُ وَلْيَبْتَدِئْ هُوَ صَلَاتَهُ خَلْفَ الْمُسْتَخْلَفِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ: " أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ أَوْ ذَكَرَهُ " يُرِيدُ وَكَذَا إذَا سَقَطَتْ عَلَى الْإِمَامِ نَجَاسَةٌ أَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَصَّ عَلَيْهِ فِي سَمَاعِ مُوسَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ " أَوَّلِ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ " مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى وَنَصَّ عَلَيْهِ قَبْلَهُ أَيْضًا فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. [فَرْعٌ رَأَى الْمَأْمُومُ نَجَاسَةً فِي ثَوْبِ الْإِمَامِ] (فَرْعٌ) وَإِذَا رَأَى الْمَأْمُومُ نَجَاسَةً فِي ثَوْبِ الْإِمَامِ أَرَاهُ إيَّاهَا إنْ قَرُبَ مِنْهُ، فَإِنْ بَعُدَ كَلَّمَهُ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَيَبْتَدِئُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَبْنِي ابْنُ نَاجِي، قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِهَا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْكَلَامَ لِإِصْلَاحِهَا لَا يُبْطِلُهُ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَصْلِهِ فِيهِ، انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إمَامَةِ الْجُنُبِ، وَحُكْمُ مَنْ عَلِمَ بِحَدَثِ إمَامِهِ حُكْمُ مَنْ رَأَى النَّجَاسَةَ فِي ثَوْبِ إمَامِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ الْمَذْكُورِ وَفِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْأَفْرِيقِيِّينَ مِنْ الْبُرْزُلِيّ إذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً فَالْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَقْطَعُ وَيَقْطَعُونَ، وَقِيلَ يَسْتَخْلِفُ كَذَاكِرِ الْحَدَثِ وَفِيهِ إذَا مَاتَ الْإِمَامُ فِي الْمِحْرَابِ أَوْ اخْتَطَفَهُ السَّبُعُ قَدَّمُوا رَجُلًا يُتِمُّ بِهِمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: كُلُّ مَا أَبْطَلَ صَلَاةَ الْإِمَامِ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي ذَلِكَ، وَفِي ذِكْرِ النَّجَاسَةِ وَسُقُوطِهَا، وَيُزَادَ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ انْكِشَافِ عَوْرَةِ الْإِمَامِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَمَسْأَلَةُ سُجُودِ الْمَأْمُومِ لِلسَّهْوِ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ، وَعَدَمُ سُجُودِ الْإِمَامِ وَيُضَافُ لِذَلِكَ أَيْضًا مَسْأَلَةُ الْإِمَامِ يَخَافُ تَلَفَ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَتَمُّوا وُحْدَانًا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الرَّاعِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْآجُرُّومِيَّةِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاتِّبَاعُ بَعْدَ الْقَطْعِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا بِمَسْجِدِ قَيْسَارِيَّةَ غَرْنَاطَةَ أَنْتَظِرُ سَيِّدَنَا وَشَيْخَنَا أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ سَمْعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ كِبَارِ طَلَبَتِهِ وَكُنْتُ إذْ ذَاكَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا وَأَقَلَّهُمْ عِلْمًا فَدَخَلَ سَائِلٌ فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ نَصُّهَا أَنَّ إمَامًا صَلَّى

فرع أحرم والإمام راكع في الجمعة في الثانية فاستخلفه قبل أن يركع الداخل

بِجَمَاعَةٍ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ فَخَرَجَ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ لَهُمْ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَصَلَّى وَحْدَهُ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَخْلَفُوا مَنْ أَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ فَهَلْ تَصِحُّ تِلْكَ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عِنْدَ الْحَاضِرِينَ جَوَابٌ فَقُلْت: أَنَا أُجَاوِبُ فِيهَا بِجَوَابٍ نَحْوِيٍّ، فَقَالُوا: هَاتِ الْجَوَابَ فَقُلْت: هَذَا اتِّبَاعٌ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ فَصَلَاةُ هَؤُلَاءِ بَاطِلَةٌ فَاسْتَظْرَفَهَا مِنِّي مَنْ حَضَرَ لِصِغَرِ سِنِي، ثُمَّ طَلَبْنَا النَّصَّ فِيهَا فَلَمْ نُلْفِهِ فِي ذَلِكَ التَّارِيخِ، وَلَوْ أَلْفَيْنَاهُ لَكَانَ الْجَوَابُ حَسَنًا انْتَهَى. ص (وَصَحَّتْ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ) ش: أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ إدْرَاكُ الْمُسْتَخْلَفِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ أَيْ مَا قَبْلَ تَمَامِ الرُّكُوعِ يُرِيدُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْمُسْتَخْلَفِ فِيهَا فَلَوْ فَاتَهُ رُكُوعُ الْأُولَى وَأَدْرَكَ سُجُودَهَا وَاسْتَمَرَّ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى قَامَ فِي الثَّانِيَةِ فَحَصَلَ لَهُ عُذْرٌ حِينَئِذٍ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا الثَّانِيَةَ لَصَحَّ اسْتِخْلَافُهُ فِيهَا، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْمُسْتَخْلَفِ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِخْلَافُهُ بَعْدُ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ حُصُولِ الْعُذْرِ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فَلْيُقَدِّمْ غَيْرَهُ، أَوْ يُقَدِّمُ الْمَأْمُومُونَ غَيْرَهُ، فَإِنْ اقْتَدَوْا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَالذَّخِيرَةِ والْهَوَّارِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ قَوْلَيْنِ صَدَرُوا بِالْبُطْلَانِ وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ الْبُطْلَانُ وَصَرَّحَ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصَحَّ الْبُطْلَانُ. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرُوا حُكْمَ صَلَاةِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَ صَلَاتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَنْصُوصَةً وَلَكِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَفِي تَعْلِيلِ سَنَدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ إنْ بَنَى عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا إنْ تَرَكَ السُّجُودَ فَلَا تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أحرم وَالْإِمَام رَاكِع فِي الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَة فَاسْتَخْلَفَهُ قَبْل أَنْ يركع الدَّاخِل] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَحْرَمَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فِي الْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَةِ فَاسْتَخْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الدَّاخِلُ فَلْيَرْكَعْ الدَّاخِلُ وَالْقَوْمُ رُكُوعٌ، ثُمَّ يَرْفَعُ بِهِمْ وَيَكُونُ مِمَّنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَتَصِحُّ لَهُ وَلَهُمْ جُمُعَةٌ، وَلَوْ رَفَعُوا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْتَخْلَفُ فَكَمَنْ رَفَعَ قَبْلَ إمَامِهِ فَلْيَرْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا بِرَفْعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعُودُوا أَجْزَأَهُمْ، وَلَوْ خَرَجَ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ فَقَدَّمُوا هَذَا أَوْ قَدَّمُوا غَيْرَهُ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إنْ قَدَّمُوا غَيْرَهُ، أَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ غَيْرَهُ فَرَفَعَ الْمُسْتَخْلَفُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الدَّاخِلُ فَلَا يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ انْتَهَى. وَمِنْ النَّوَادِرِ أَيْضًا إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدَّمَ مَنْ أَحْرَمَ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ فَلْيُقَدِّمْ هُوَ مَنْ أَدْرَكَهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَتَمَّهَا بِهِمْ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَقَدَّمَهُ، فَإِنْ أَتَمَّ بِهِمْ لَمْ تُجْزِهِمْ؛ لِأَنَّ السَّجْدَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ فَرْضِهِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا قَدَّمَهُ - يَعْنِي الْمَسْبُوقَ - وَهُوَ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ فَأَتَمَّ بِهِمْ وَقَضَى رَكْعَةً، ثُمَّ شَكَّ فِي الْإِحْرَامِ فَلْيُعِيدُوا كُلُّهُمْ الْجُمُعَةَ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ أَوْ بَنَى بِالْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا) ش: هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْعُذْرِ فَكَأَجْنَبِيٍّ كَمَا، قَالَ

ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لِلْإِمَامِ الْعُذْرُ الْمُوجِبُ لِلِاسْتِخْلَافِ فَإِنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اتِّفَاقًا، قَالَ: وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْمٍ أَحْرَمُوا قَبْلَ إمَامِهِمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا صَلَاةُ الْمُحْرِمِ بَعْدَ الْعُذْرِ فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي الصِّحَّةِ انْتَهَى. (قُلْت) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ خَلْفَ شَخْصٍ يَظُنُّهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ أَتْبَاعِ الْإِمَامِ وَالْعَمَلَ قَبْلَهُ مَا نَصُّهُ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَوْمٌ قَبْلَ إمَامِهِمْ، ثُمَّ أَحْدَثَ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَقَدَّمَ أَحَدَهُمْ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّوْا فُرَادَى حَتَّى يُجَدِّدُوا إحْرَامًا انْتَهَى. وَكَرَّرَهَا أَيْضًا فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَوْ يَذْكُرُ جَنَابَةً أَوْ صَلَاةً. (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ بَنَى عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ، هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا قَرَأَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ قَالَ لِلْمَسْبُوقِ أَسْقَطْت رُكُوعًا عَمِلَ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ إنْ لَمْ تَتَمَحَّضْ زِيَادَةٌ بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ) ش: وَقِيلَ يَسْجُدُ بَعْدَ إكْمَالِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بِهِمْ لِلنَّقْصِ بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ قَبْلَ إكْمَالِ

فصل صلاة السفر

صَلَاةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ سَهَا فِيمَا يَأْتِي بِهِ سَهْوًا يُوجِبُ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ سَجَدَهُ وَحْدَهُ وَلَا يَسْجُدُونَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَمَّتْ، وَلَوْ سَهَا فِي بَقِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ سَجَدَ لِسَهْوِ الْإِمَامِ بِالنَّقْصِ وَكَفَاهُ عَنْ سَهْوِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَهْوُ الْإِمَامِ لِزِيَادَةٍ فَلَا يَسْجُدُهَا الْمُسْتَخْلَفُ إلَّا بَعْدَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ سَهَا الْمُسْتَخْلَفُ الْمَسْبُوقُ فِيمَا اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ فِيمَا يَأْتِي بِهِ قَضَاءً كَانَ سَهْوُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَجْزَأَهُ سُجُودُهُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا كَانَ سُجُودُهُ الْأَوَّلُ بِزِيَادَةٍ وَسُجُودُ الْمُسْتَخْلَفِ بِنَقْصٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بِهِمْ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَجْزِيهِ لِلسَّهْوَيْنِ، انْتَهَى جَمِيعُهُ مِنْ النَّوَادِرِ بِالْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودٌ بَعْدِيٌّ، ثُمَّ سَهَا الْمَسْبُوقُ بِنَقْصٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصَلِّ صَلَاةُ السَّفَرِ] ص (فَصْلٌ سُنَّ لِمُسَافِرٍ غَيْرِ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: السَّفَرُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: سَفَرُ الظَّاهِرِ وَسَفَرُ الْبَاطِنِ فَسَفَرُ الْبَاطِنِ السَّفَرُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّفَكُّرِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ، وَسَفَرُ الظَّاهِرِ عَلَى قِسْمَيْنِ: سَفَرُ طَلَبٍ وَسَفَرُ هَرَبٍ فَسَفَرُ الْهَرَبِ وَاجِبٌ، وَهُوَ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ يَكْثُرُ فِيهِ الْحَرَامُ وَيَقِلُّ فِيهِ الْحَلَالُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ يَكْثُرُ فِيهِ الْحَلَالُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهُرُوبُ مِنْ مَوْضِعٍ يُشَاهِدُ فِيهِ الْمُنْكَرَ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَشْهَدُ فِيهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهُرُوبُ مِنْ بَلَدٍ أَوْ مَوْضِعٍ يُذِلُّ فِيهِ نَفْسَهُ إلَى بَلَدٍ أَوْ مَوْضِعٍ يُعِزُّ فِيهِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا كُنْتَ فِي أَرْضٍ يَذِلُّك أَهْلُهَا ... وَلَمْ تَكُ ذَا عِزٍّ بِهَا فَتَغَرَّبْ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ ... بِمَكَّةَ حَالٌ فَاسْتَقَامَ بِيَثْرِبِ ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْهُرُوبُ مِنْ بَلَدٍ لَا عِلْمَ فِيهِ إلَى بَلَدٍ فِيهِ الْعِلْمُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْهُرُوبُ مِنْ بَلَدٍ يَسْمَعُ فِيهَا سَبَّ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَوْ كَانَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَهَذَا سَفَرُ الْهُرُوبِ، وَأَمَّا سَفَرُ الطَّلَبِ فَهُوَ عَلَى أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ كَسَفَرِ الْحَجِّ لِلْفَرِيضَةِ وَالْجِهَادِ إذَا تَعَيَّنَ، وَمَنْدُوبٌ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَةِ، وَقُرْبَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ كَالسَّفَرِ لِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَوْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِلتَّفَكُّرِ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُبَاحٌ وَهُوَ سَفَرُ

التِّجَارَةِ، وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ سَفَرُ صَيْدِ اللَّهْوِ، وَمَمْنُوعٌ وَهُوَ السَّفَرُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالسَّفَرُ الَّذِي تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ، وَلَا يُبَاحُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَسَفَرِ اللَّهْوِ، وَقِيلَ يُبَاحُ فِيهِمَا، انْتَهَى مِنْ بَابِ صَلَاةِ السَّفَرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حُكْمَ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ كَفُّ الْأَهْوَاءِ كَحُكْمِ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ، قَالَ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ وَالْمَمْنُوعِ: اُخْتُلِفَ فِي الْقَصْرِ فِي هَذَيْنِ هَلْ يَجُوزُ أَوْ يُمْنَعُ وَأَرَى أَنْ يَجُوزَ فِي سَفَرِ الصَّيْدِ وَيُمْنَعَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ فِي صَيْدِ اللَّهْوِ ثَابِتٌ انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ، قَالَ فِيهَا: وَإِنْ كَانَ لِلَّهْوِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ، وَلَا آمُرُهُ بِالْخُرُوجِ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ قَسَّمَ السَّفَرَ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: أَمَّا الْمَكْرُوهُ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى بَيَانِ حُكْمِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ قُلْنَا: يُكْرَهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ يَعْنِي فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ، وَرَوَى زِيَادٌ أَنَّهُ يَقْصُرُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: أَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ صَاحِبُهُ تَحْرِيمًا، وَقِيلَ يَقْصُرُ، رَوَاهُ زِيَادٌ وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ، وَقَالَ قَبْلَهُ: الظَّاهِرُ حَمْلُ قَوْلِهَا لَا أُحِبُّ عَلَى بَابِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ فِي حَمْلِهَا عَلَى بَابِهَا أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَوْلَانِ لِلْأَشْيَاخِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَا أَعْرِفُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْوِيلًا عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَمَّا ذَكَرَ مَا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ كَصَيْدِ اللَّهْوِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ تَحْرِيمُ الْقَصْرِ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ، فَإِنْ قَصَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْمُدَوَّنَةُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُرَادَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَنَّ الْعَطْفَ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ لَا يَقْصُرُ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ انْتَهَى. (قُلْت) وَيُقَالُ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَبِعَ ظَاهِرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ وَلَا يَقْصُرُ فِي الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ، فَإِنْ قَصَرَ فِي الْمَكْرُوهِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ إنْ قَصَرَ لَمْ يُعِدْ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ قَصَرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَانْظُرْ هَلْ يُرَاعَى فِيهِ الْخِلَافُ كَمَا رُوعِيَ فِي الْمَكْرُوهِ أَمْ لَا، وَالصَّوَابُ لَا يُعِيدُ وَيُرَاعَى فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ بِجَوَازِ الْقَصْرِ فِيهِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ سَفَرُهُ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ، ثُمَّ طَرَأَتْ الْمَعْصِيَةُ قَالُوا: لَمْ يَتَرَخَّصْ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ عَادَ مَعْصِيَةً، وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً، ثُمَّ طَرَأَتْ التَّوْبَةُ تَرَخَّصَ إذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ مِنْ الْآنَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، انْتَهَى مِنْ ابْن الْفَاكِهَانِيِّ عَلَى الرِّسَالَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) ش: وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ ابْتِدَاءً فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ الثَّمَانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ، وَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَقِيلَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي آخِرِ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: إنْ قَصَرَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى. وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ أَنَّ مَنْ قَصَرَ

فرع سافر مسافة تقصر فيها الصلاة ثم اسلم في أثنائها أو احتلم

فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَعَادَ أَبَدًا بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَنُقِلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنَّ مَنْ قَصَرَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَعَادَ أَبَدًا، وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ بِقِيلَ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. (قُلْت) ، وَفِي جَعْلِهِ الْمَذْهَبَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَوْلَيْنِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَعَدَمِهَا، وَلَمْ يَحْكِ الْإِعَادَةَ أَبَدًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ قَصَرَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لَا يُعِيدُ فَيَكُونُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ سَافَرَ مَسَافَة تقصر فِيهَا الصَّلَاةُ ثُمَّ اسلم فِي أَثْنَائِهَا أَوْ احتلم] (فَرْعٌ) قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ سَافَرَ مَسَافَةً تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهَا إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أَوْ احْتَلَمَ إنْ كَانَ صَبِيًّا، أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً فَسَافَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَافَةِ فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ وَلَا يَقْصُرُونَ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ: إنَّهُمْ يَقْصُرُونَ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ - فَرْعٌ - قَالَ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ فِي النَّصْرَانِيِّ يَقْدَمُ مِنْ مِصْرَ يُرِيدُ الْقَيْرَوَانَ فَأَسْلَمَ بِقَلْشَانَةَ: إنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، قَالَ: لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ سَفَرِهِ لَا يُقْصَرُ فِيهِ وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ بَطِرَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُرَاعَى مِقْدَارُ السَّيْرِ مِنْ حِينِ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ يُرَاعَى فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ، إذَا عَقَلَ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي: وَفِي طُهْرِ الْحَائِضِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ نَظَرٌ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَتَّضِحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالصَّلَاةِ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا إجْمَاعًا، وَالْكَافِرُ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ بِشَرْطِ تَقَدُّمِ الْإِيمَانِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ، فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ سَفَرِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي خِطَابِهِ فَالْحَائِضُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَائِضَ كَانَتْ قَبْلَ حَيْضَتِهَا مُخَاطَبَةً بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ ارْتَفَعَ الْخِطَابُ لِمَانِعٍ، وَالْمَانِعُ مُتَوَقَّعٌ ارْتِفَاعُهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ السَّفَرِ فَخَالَفَتْ بِهَذَا مَنْ ذُكِرَ مَعَهَا فَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ انْتَهَى. وَفِي حَاشِيَتِهِ عَلَى هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَلَوْ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي السُّلَيْمَانِيَّةِ لَوْ أَسْلَمَ قَاصِدٌ مِنْ مِصْرَ الْقَيْرَوَانَ بِقَلْشَانَةَ لَمْ يَقْصُرْ اللَّخْمِيُّ وَكَذَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَفِي طُهْرِ الْحَيْضِ نَظَرٌ الْمَازِرِيُّ وَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ أَحْرَى؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِهَا عَلَى رَأْيٍ وَهِيَ لَا إجْمَاعًا وَالْفَرْقُ أَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ قَبْلَهُ إجْمَاعًا وَالْمَانِعُ مُتَوَقَّعُ الرَّفْعِ. (قُلْت) وَلَا سِيَّمَا عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْأَوَّلِ انْتَهَى. [فَائِدَتَانِ الْمِيلِ هَلْ هُوَ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَشُهِرَ أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ] (فَائِدَتَانِ الْأُولَى) اُخْتُلِفَ فِي الْمِيلِ هَلْ هُوَ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَشُهِرَ، أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَصُحِّحَ، أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ أَوْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، أَوْ أَلْفُ بَاعٍ بِبَاعِ الْفَرَسِ أَوْ بَاعِ الْجَمَلِ أَوْ مَدِّ الْبَصَرِ أَقْوَالٌ، وَإِلَى هَذَا يُرْجَعُ إلَى مَا رُوِيَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَالذِّرَاعُ قَالَ الْقَرَافِيُّ: قِيلَ هُوَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتِ بَطْنُ إحْدَاهُمَا لِظَهْرِ الْأُخْرَى، وَكُلُّ شُعَيْرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعَرَاتِ الْبِرْذَوْنِ انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُوَطَّإِ: بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ، وَمَكَّةَ وَجُدَّةَ، وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ: إنَّ بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ مِيلًا لَيْسَ بِمَقْبُولٍ، وَعُسْفَانُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بِهَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَسُمِّيَ عُسْفَانَ؛ لِأَنَّ السُّيُولَ عَسَفَتْهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَقَفَهُ انْتَهَى. ص (وَلَوْ بِبَحْرٍ) ش: الْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِلَوْ هَلْ هُوَ اعْتِبَارُ الْأَرْبَعَةِ بُرُدٍ فِي الْبَحْرِ، أَوْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الزَّمَانُ لَا الْقَصْرُ إذْ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ الْقَصْرِ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فِي الْبَحْرِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ فِي الْبَرِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا

وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ: يَقْصُرُ يَوْمًا تَامًّا؛ لِأَنَّ الْأَمْيَالَ لَا تُعْرَفُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ يَوْمًا وَلَيْلَةً (فَرْعٌ) ، فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَسَافَةَ فِيهِمَا يَعْنِي أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ خَالَفْنَا فِيهِمَا وَجَبَ التَّلْفِيقُ، وَهَلْ يَقْصُرُ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ قَرْيَتِهِ؟ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَرِّ مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَكَانَ الْمَرْكَبُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالرِّيحِ فَلَا يَقْصُرُ فِي الْبَرِّ حَتَّى يَرْكَبَ فِي الْبَحْرِ وَيَبْرُزَ عَلَى الْمَرْسَى، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ بِالرِّيحِ وَغَيْرِهَا فَلْيَقْصُرْ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ فِي الْبَرِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُقْصِرُ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَوَجَّهَ الْبَاجِيُّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى مَسِيرِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَحُكْمُهُ الْقَصْرُ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ عَزْمُهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَزْمُهُ فَلَا يَمْنَعُهُ انْتِظَارُ الرِّيحِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ، قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْعَزْمُ عَلَى اتِّصَالِ الْمَسِيرِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْمَسَافَةِ فِي الْبَرِّ فَإِنَّ حُكْمَ الْبَحْرِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْبَرِّ، فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ فِي أَقْصَاهُ بِاتِّصَالِ الْبَرِّ مَعَ الْبَحْرِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى سَيْرِ أَرْبَعَةٍ بُرُدٍ فَحُكْمُهُ الْقَصْرُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ عَزْمِهِ، وَهَذَا مُتَيَقِّنٌ لِلسَّفَرِ عَازِمٌ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُهُ الْقَصْرَ انْتِظَارُ الرِّيحِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَيْنِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ حَتَّى يَرْكَبَ وَيَبْرُزَ عَنْ مَوْضِعِ نُزُولِهِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ فِي سَفَرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا يُقْصَرُ فِيهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَحَمَلَ الْبَاجِيُّ قَوْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى الْخِلَافِ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ، وَفِي شَامِلِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَالظَّاهِرُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَفِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ إيمَاءٌ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ذَهَابًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ بُرُدٍ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ ذَهَابًا وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَهَا الرُّجُوعُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ وَجْهًا وَاحِدًا، لَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ طَرِيقَةً مُسْتَقِيمَةً، وَإِنَّمَا يَعْنُونَ أَنْ تَكُونَ الْجِهَةُ الَّتِي يَقْصِدُهَا أَرْبَعَةَ بُرُدٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَدُورُ فِي الْقُرَى وَفِي دَوَرَانِهِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ: إنَّهُ يَقْصُرُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ السُّعَاةُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: الْمُرَادُ هُنَا بِالسُّعَاةِ سُعَاةُ الْمَاشِيَةِ، وَقِيلَ الْمَسَاكِينُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرَانِ وَلَا يُحْتَسَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ، فَإِنْ خَرَجَ يَمِينًا، ثُمَّ رَجَعَ أَمَامًا، ثُمَّ شِمَالًا، ثُمَّ انْعَطَفَ رَاجِعًا حَتَّى يَدْخُلَ الْبَلَدَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ بِمَا كَانَ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ فَيَصِيرُ وَجْهُهُ فِي تَصَرُّفِهِ ذَلِكَ الَّذِي يَدُورُ فِيهِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَالرَّاجِعِ فَلَا يُحْتَسَبُ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ الرُّجُوعَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَقِيلَ: أَكْثَرُ الشُّيُوخِ تُقَيِّدُهُ بِذَلِكَ، وَجَعَلَهُ سَنَدٌ خِلَافًا انْتَهَى. وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كَلَامِ سَنَدٍ فِي الطِّرَازِ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (قُصِدَتْ دَفْعَةً) ش: اُحْتُرِزَ مِمَّا لَوْ خَرَجَ إلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ إلَّا أَنَّهُ نَوَى أَنْ يَسِيرَ مَا لَا تُقْصَرُ

فروع الأول قصر قبل مجاوزة البيوت

فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَسِيرُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَسَافَةِ فَلَا شَكَّ فِي إتْمَامِهِ فِي مُقَامِهِ، وَهَلْ يَقْصُرُ فِي سَيْرِهِ وَيُلَفِّقُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ؟ قَوْلَانِ: الْقَوْلُ بِالْإِتْمَامِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْن الْمَوَّازِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَوْلُ بِالْقَصْرِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ ص (إنْ عَدَّى الْبَلَدِيُّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ) ش أَيْ الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا أَهْلُهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيُشْتَرَطُ فِي الشُّرُوعِ مُجَاوَزَةُ بِنَاءِ خَارِجِ الْبَلَدِ، وَبَسَاتِينِهِ الَّتِي فِي حُكْمِهِ بِنَاءُ خَارِجِ الْبَلَدِ هِيَ الْأَرْبَاضُ، وَبَسَاتِينُهُ الَّتِي فِي حُكْمِهِ مِنْ الْبَسَاتِينِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ عِمَارَتُهَا انْتَهَى. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهَا مُلَازِمِينَ لِلسُّكْنَى بِهَا، وَقَدْ قَالَ سَنَدٌ فِي تَعْلِيلِ اعْتِبَارِ الْبَسَاتِينِ: لِأَنَّ عِمَارَتَهَا مُتَّصِلَةٌ بِعِمَارَةِ الْقَرْيَةِ فَهِيَ مِنْ تَوَابِعِهَا، وَقَدْ يَسْكُنُ فِيهَا أَهْلُهَا، وَقَدْ قَالُوا: لَوْ كَانَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ مَسَاكِنُ خَرِبَتْ وَخَلَتْ مِنْ السُّكَّانِ إلَّا أَنَّ أَبْنِيَتَهَا قَائِمَةٌ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُجَاوِزَهَا فَبِأَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ فِي الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ الْقَائِمَةِ الْبُنْيَانُ وَالْعِمَارَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْلَى انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْبَسَاتِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْقَرْيَةِ، وَبِذَلِكَ صَدَّرَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: وَإِذَا كَانَتْ بَسَاتِينُ الْقَرْيَةِ مُتَّصِلَةً بِهَا لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَهَا، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: لَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ يَتَّصِلُ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَهُمَا فِي حُكْمِ الْقَرْيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَضَاءٌ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ حُكْمُ الِاسْتِقْلَالِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ الْأَبِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ فَفِيهِ زِيَادَةٌ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ سَافَرَ مِنْ مِصْرٍ لَا بِنَاءَ حَوْلَهُ وَلَا بَسَاتِينَ قَصَرَ بِمُفَارَقَتِهِ لِسُورِهِ، وَقِيلَ: حَتَّى يُجَاوِزَ الْبَلَدَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَإِنْ كَانَ حَوْلَ الْمِصْرِ بِنَاءَاتٌ مَعْمُورَةٌ وَبَسَاتِينُ فَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِ وَكَانَتْ فِي حُكْمِهِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِهِ وَكَانَتْ قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهَا، وَإِنْ سَافَرَ مِنْ قَرْيَةٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَلَا بِنَاءَاتٍ مُتَّصِلَةً بِهَا وَلَا بَسَاتِينَ قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْبَلَدِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهَا بِنَاءَاتٌ وَبَسَاتِينُ فَكَمَا قُلْنَاهُ فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ مِنْ بُيُوتِ الْعَمُودِ فَإِذَا فَارَقَ الْحُلَلَ الَّتِي سَافَرَ عَنْهَا قَصَرَ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ كَانَ الشَّيْخُ - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَعْتَبِرُ الْبَسَاتِينَ الَّتِي فِي حُكْمِ الْمِصْرِ كَالْبَسَاتِينِ الَّتِي يَرْتَفِقُ سَاكِنُهَا بِمَرَافِقِ الْمِصْرِ مِنْ أَخْذِ نَارٍ وَطَبْخٍ وَخَبْزٍ وَمَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ فِي الْحَالِ وَيُمَثَّلُ ذَلِكَ بِرَأْسِ الطَّابِيَةِ وَمَا قَارَبَهَا انْتَهَى. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ قَصَرَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ] (فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَلَوْ قَصَرَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ عَلَى الْمَشْهُورِ قِيلَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اُنْظُرْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى. [الثَّانِي الْقَوْمِ يَبْرُزُونَ مِنْ مَكَّة إلَى ذِي طُوًى يُرِيدُونَ الْمَسِيرَ أَيَقْصُرُونَ] (الثَّانِي) قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ وَدَّعَ وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى ذِي طُوًى فَأَقَامَ بِهَا يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ: فَلَا يَرْجِعْ لِلْوَدَاعِ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ بِذِي طُوًى مَا دَامُوا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَكَّةَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي " رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا " مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ الْقَوْمِ يَبْرُزُونَ مِنْ مَكَّةَ إلَى ذِي طُوًى يُرِيدُونَ الْمَسِيرَ أَيَقْصُرُونَ؟ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَرَى لَهُمْ أَنْ يُتِمُّوا ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ: لِأَنَّ ذَا طُوًى عِنْدِي مِنْ مَكَّةَ فَذَكَرَ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِلْحَجِّ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يُتِمُّ بِذِي طُوًى يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ يَقْصُرُ إذَا جَاوَزَ الْبَلَدَ وَبُيُوتَهُ وَبَسَاتِينَهُ؛ لِأَنَّ ذَا طُوًى مُنْفَصِلٌ عَنْ بُيُوتِ مَكَّةَ بِمَسَافَةٍ كَثِيرَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا حَكَمَ بِالْإِتْمَامِ لِمَنْ كَانَ بِذِي طُوًى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِهَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ وَكَأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ انْتَهَى. [الثَّالِث صَلَاة الْقَصْر لِمَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْر] (الثَّالِثُ) مَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا - يَقْصُرُ بِمُجَاوَزَةِ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَتَخْلِيفِهَا، وَالثَّانِيَةُ - إذَا تَوَارَى

الرابع بان المسافر عن أهله ثم نوى الرجعة ثم بدا له فنوى السفر

عَنْ الْبُيُوتِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ، قَالَ: إذَا جَاوَزَ الْبُيُوتَ وَوَقَعَ فَلْيَقْصُرْ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ أَصْبَغُ وَإِذَا أَقْلَعُوا فَجَرَوْا نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، ثُمَّ حُبِسُوا لِمَنْ وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ حَبَسَهُمْ الرِّيحُ قَصَرُوا، وَإِنْ حُبِسُوا لِغَيْرِ ذَلِكَ أَتَمُّوا، قَالَ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَمَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْ وَطَنِهِ إلَى مَا يُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَرَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَى بُيُوتِ قَرْيَتِهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ، قَالَ: تَبْطُلُ كَمَا لَوْ نَوَى فِيهَا الْإِقَامَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ يُصَلِّي فِي الْحَضَرِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، ثُمَّ مَشَتْ بِهِ يَعْنِي السَّفِينَةَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ الْقَرْيَةِ حَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ: قَالَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ صَلَاةَ حَضَرٍ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا عَلَى مَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: قَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي مُسَافِرِ الْبَحْرِ يَقْصُرُ إذَا تَوَارَى عَنْ الْبُيُوتِ، قَالَ أَيْضًا إذَا خَلَفَهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ وَتَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ لِلْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَقْصُرُونَ حَتَّى يَدْفَعُوا مِنْ الْمَرْسَى، وَأَنَّهُمْ مَا دَامُوا مُقِيمِينَ فِي الْمَرْسَى فَإِنَّهُمْ يُتِمُّونَ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ الْمُتَقَدِّمِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ بِبَحْرٍ، صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. [الرَّابِع بَانَ الْمُسَافِرُ عَنْ أَهْلِهِ ثُمَّ نَوَى الرَّجْعَةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَنَوَى السَّفَرَ] (الرَّابِعُ) ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ بَانَ الْمُسَافِرُ عَنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ نَوَى الرَّجْعَةَ بَعْدَ مَا بَرَزَ عَنْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَنَوَى السَّفَرَ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَظْعَنَ عَنْ مَوْضِعِهِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ السَّفَرَ الْآنَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَالَهُ أَيْضًا فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ الْمُسَافِرِينَ لِيُشَيِّعَهُمْ فَقَدَّمُوهُ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَيَنْوِيَ السَّفَرَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ: إنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ مُقِيمٍ انْتَهَى. ص (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ بِقَرْيَةٍ الْجُمُعَةُ) ش: هَذَا قَوْلٌ ثَانٍ مُقَابِلٌ لِلْأَوَّلِ، وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّلَاثَةُ الْأَمْيَالُ هُنَا مُعْتَبَرَةٌ مِنْ سُورِ الْقَرْيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ حُكْمَهُمْ فِي الْمَشْهُورِ بِأَنَّ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ يَقْصُرُ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ مَنْ كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِلْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَجَابَ بِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ هُنَا مُضَافٌ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَنَاسَبَ اعْتِبَارُهَا، وَمَا كَانَ هُنَاكَ مُسْتَقِلٌّ فَنَاسَبَ إلْغَاؤُهُ. (قُلْت) يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ النِّدَاءَ قِبَلَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ فَهَلْ الثَّلَاثَةُ أَمْيَالٍ مَحْسُوبَةٌ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوَّلًا، وَسَأَلْت عَنْهَا شَيْخَنَا أَبَا مَهْدِيٍّ فَقَالَ: لَا أَدْرِي وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَنَّهَا تُحْسَبُ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي عَكْسُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى وَيَعْنِي شَيْخَهُ الْبُرْزُلِيَّ. (قُلْت) وَالصَّوَابُ مَا اخْتَارَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ. (الثَّالِثُ) تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْقَوْلَ بِقَرْيَةِ الْجُمُعَةِ قَيْدُ ابْنِ بَشِيرٍ، وَنَقَلَ سَنَدٌ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ اعْتِبَارَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَرْيَةَ جُمُعَةٍ أَمْ لَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ سَنَدٌ رِوَايَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فِي غَيْرِ ذَاتِ الْجُمُعَةِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا لِإِطْلَاقِ الْجَلَّابِ انْتَهَى. (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ سَنَدًا هُوَ النَّاقِلُ هَذَا الْقَوْلَ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَزَاهُ لِلْمَعُونَةِ كَالْمُسْتَغْرِبِ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْعَمُودِيُّ حِلَّتُهُ) ش: وَالْبَدْوِيُّ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَ جَمِيعَ بُيُوتِ الْحَيِّ وَيَبْرُزَ عَنْهَا وَلَوْ كَانَتْ الْبُيُوتُ مُتَفَرِّقَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً بِحَيْثُ يَجْمَعُهُمْ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُجَاوِزَ الْجَمِيعَ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْفَضَاءِ، وَالرِّحَابُ تَكُونُ بَيْنَ بُنْيَانِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَجْمَعُهَا اسْمُ الْحَيِّ وَاسْمُ الدَّارِ جَازَ أَيْ جَازَ الْقَصْرُ، أَيْ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ حِلَّتِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ فَرْحُونٍ ص (وَانْفَصَلَ غَيْرُهُمَا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَالسَّاكِنِينَ فِي الْجِبَالِ وَالْأَخْصَاصِ نَحْوِ رَابِغٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَشِبْهِهِ، وَكَذَلِكَ الدُّورُ الْمُنْفَرِدَةُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) ، وَفِي الطِّرَازِ لَوْ كَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي عَرْضِ وَادٍ أَيْ بَطْنِهِ، فَإِنْ جَعَلُوا جَانِبَ

فرع في وسط البلد نهر جار مجاور من جانب إلى جانب فهل يقصر

الْوَادِي لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ السُّورِ عَلَى الْبَلَدِ اُعْتُبِرَ الْبُرُوزُ عَنْ عَرْضِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْبُرُوزُ عَنْ طُولِهِ، وَقَدْ يَطُولُ الْوَادِي جِدًّا، وَإِنْ كَانَ عَرْضُهُ مُتَّسِعًا وَنَزَلُوا فِي بَعْضِهِ رُوعِيَ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ وَالْبُرُوزُ عَنْهَا لَا مُفَارَقَةُ الْوَادِي انْتَهَى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إنَّمَا حُكِمَ بِالْإِتْمَامِ بِذِي طُوًى؛ لِأَنَّهَا مَعَ مَكَّةَ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ نَهْرٌ جار مجاور مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَهَلْ يُقَصِّر] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَوْ كَانَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ نَهْرٌ جَارٍ، مِثْلُ بَغْدَادَ مُجَاوِزٌ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُجَاوِزَ الْجَانِبَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبَلَدِ كَالرَّحْبَةِ الْوَاسِعَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ) ش: فَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ وَابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَسُنَنُهَا سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ: وَسُنَنُهَا قِرَاءَةُ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَّا فِي أَخِيرَتَيْ الرُّبَاعِيَّةِ وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ وَنَحْوُهُ فِي الْإِرْشَادِ. (فَرْعٌ) وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا فِي الْعِشَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَعُونَةِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ فَائِتَةٍ فِيهِ) ش: أَيْ فِي السَّفَرِ، وَسَوَاءٌ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي وَقَوْلُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الذِّكْرِ لَا أَعْرِفُهُ فَلَوْ صَلَّى صَلَاةَ السَّفَرِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا فَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَنْسِيَّةٌ فَبِالْفَرَاغِ مِنْهَا خَرَجَ وَقْتُهَا ص (وَإِنْ نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ) ش: هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَقْصُرُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ مُقِيمٌ فِي مَسْكَنِهِ وَمَالِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلِعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» وَالْفَرْضُ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَهُوَ عَامٌّ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: إنَّ أَحَدَنَا يَخْرُجُ فِي السَّفِينَةِ يَجْعَلُ فِيهَا أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ وَدَاجِنَهُ وَدَجَاجَهُ أَيُتِمُّ الصَّلَاةَ؟ . قَالَ إذَا خَرَجَ فَلْيَقْصُرْ الصَّلَاةَ، وَإِنْ خَرَجَ بِذَلِكَ، وَكَوْنُ أَهْلِهِ مَعَهُ وَمَتَاعِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّرَخُّصِ بِالسَّفَرِ كَالْجَمَّالِ. قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَأَقَامَ شَيْخُنَا مِنْهَا أَنَّ الْعَرَبَ إذَا سَافَرُوا بِأَهْلِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ السَّفَرَ الطَّوِيلَ الْمَعْزُومِ أَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ وَأَفْتَى بِهِ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ ص (إلَى مَحِلِّ الْبَدْءِ) ش: نَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الرِّسَالَةِ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي رُجُوعِهِ فِيهَا - يَعْنِي الْمُدَوَّنَةَ - قَصْرٌ. وَلَوْ عَلَى مِيلٍ مِنْهَا حَتَّى يَدْخُلَهَا أَوْ قَرُبَهَا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَذَلِكَ مَنْ أَقَامَ عَلَى مِيلٍ حَتَّى اللَّيْلِ لِكَثْرَةِ دُخُولِهَا نَهَارًا الشَّيْخُ سَمِعَ أَشْهَبَ مَنْ قَرُبَ بِمِيلٍ وَنَحْوِهِ أَتَمَّ وَلَمْ أَجِدْ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْقَاضِي وَرِوَايَةُ الْأَخَوَيْنِ مَبْدَؤُهُ مُنْتَهَاهُ الشَّيْخُ فِي الْمَجْمُوعَةِ حَتَّى يَدْخُلَ أَهْلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ، وَرُوِيَ حَتَّى يَدْخُلَ مَنْزِلَهُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ إلَى مَحِلِّ الْبَدْءِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْبَلَدِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى سَفَرِهِ أَتَمَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَوْ سَافَرَ مِنْهَا كَانَ مَحِلًّا لِابْتِدَاءِ الْقَصْرِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ، قَالَ، وَأَمَّا مُنْتَهَى السَّفَرِ فَهُوَ الْعَوْدَةُ مِنْهُ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ بِمُفَارَقَتِهِ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [فَرْعٌ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الْخُصُوصِ] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ وَمَنْ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الْخُصُوصِ، ثُمَّ قَدِمَ فَأَلْفَى أَهْلَهُ قَدْ انْتَقَلُوا فَلْيُتِمَّ مِنْ مَوْضِعٍ تَرَكَهُمْ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ سَارُوا إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ بُرُدٍ انْتَهَى. ص (إلَّا كَمَكِّيٍّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَكِّيَّ وَمَنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ

فِي مَكَّةَ يَقْصُرُونَ فِي خُرُوجِهِمْ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِمْ لِلسُّنَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَقَوْلُهُ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مِنًى، وَحَكَى سَنَدٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي أَنَّ مَالِكًا وَقَفَ فِي ذَلِكَ، قَالَ سَنَدٌ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقْصُرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْطَى سَفَرَهُ حُكْمَ الْقَصْرِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ، وَأَمَّا إذَا وَصَلَ إلَى مِنًى فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ وَكَذَا فِي ذَهَابِهِ إلَى عَرَفَةَ وَفِي عَرَفَةَ، وَفِي رُجُوعِهِ لِلْمُزْدَلِفَةِ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي رُجُوعِهِ لِمِنًى، وَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ بِمِنًى إلَّا أَهْلَ كُلِّ مَحِلٍّ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْصُرُونَ فِي مَحِلِّهِمْ فَلَا يَقْصُرُ الْعَرَفِيُّ فِي عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفِيُّ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمَنْوِيُّ فِي مِنًى فَإِذَا رَمَوْا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْمُحَصَّبِ فَنَزَلُوا بِهِ وَأَقَامُوا بِمِنًى لِيَخِفَّ النَّاسُ أَوْ أَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ فَفِي قَصْرِهِمْ وَإِتْمَامِهِمْ قَوْلَانِ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى الْقَصْرِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَقْصِيرِهِ فِي جَمِيعِ مَوَاطِنِ الْحَجِّ إلَّا فِي رُجُوعِهِ إلَى مَكَّةَ فِي مِنًى بَعْدَ انْقِضَاءِ حَجِّهِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَاخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَ فِيهَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرُجُوعِهِ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ أَعْنِي الْقَوْلَ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ، أَمَّا مَنْ قَدِمَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَعَزْمُهُ أَنْ لَا يُقِيمَ بَعْدَهُ أَرْبَعًا فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَلَّ بِهِ فَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ الْحَجِّ أَرْبَعًا أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَعَزَمَ عَلَى الْحَجِّ وَالسَّفَرِ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ إقَامَةً بِمَكَّةَ أَصْلًا فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِمَكَّةَ فَذَكَرَ سَنَدٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُتِمُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ فِيهِ الْقَوْلَانِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا مُتَوَطَّنٌ كَمَكَّةَ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْحَجِّ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَكِنَّ نِيَّتَهُ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ الْحَجِّ أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ فَفِيهِ خِلَافٌ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ لَهُ حُكْمَ السَّفَرِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَقَدْ أَشْبَعْت الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرْت نُصُوصَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيهَا فِي حَاشِيَةِ الْمَنَاسِكِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَمْعٌ وَقَصْرٌ إلَّا لِأَهْلِهَا مَزِيدُ كَلَامٍ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ) ش: مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، قَالَ يَقْصُرُ مَنْ رَجَعَ إلَى شَيْءٍ نَسِيَهُ وَالْخِلَافُ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَطَنَهُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، فَإِنْ دَخَلَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُتِمُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَكَانُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَطَنًا لَهُ، وَإِنَّمَا أَقَامَ بِهِ فَالْخِلَافُ جَارٍ فِي إتْمَامِهِ وَقَصْرِهِ، وَلَوْ دَخَلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ وَالْكَلَامُ فِيمَنْ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ مُقِيمًا بِهِ، وَلَوْ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فِي غَيْرِهِ قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَلَا عَادِلَ عَنْ قَصِيرٍ بِلَا عُذْرٍ) ش: أَيْ عَنْ طَرِيقٍ قَصِيرٍ لَا يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَانْظُرْ لَوْ كَانَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا أَطْوَلُ وَسَلَكَ الطُّولِيَّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَقْصُرُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَزِيدُ بِهَا الطَّوِيلَةُ أَمْ لَا؟ وَتَعْلِيلُهُمْ - بِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ

فرع سافر العبد بسفر سيده والمرأة بسفر زوجها ونووا القصر

عَلَى أَنَّ اللَّاهِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَقْصُرُ - يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْصِيرِ ص (وَلَا مُنْفَصِلٌ يَنْتَظِرُ رُفْقَةً) ش: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَبْدَأِ سَفَرِهِ إلَى أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَلَوْ كَانَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ وَشَكَّ هَلْ يَلْحَقُونَهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَمْ لَا أَتَمَّ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. [فَرْعٌ سَافَرَ الْعَبْدُ بِسَفَرِ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ بِسَفَرِ زَوْجِهَا وَنَوَوْا الْقَصْرَ] (فَرْعٌ) ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ مَا الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِنَا فِيمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ إذَا سَافَرَ الْعَبْدُ بِسَفَرِ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ بِسَفَرِ زَوْجِهَا وَالْجُنْدُ بِسَفَرِ الْأَمِيرِ وَلَا يَعْلَمُونَ قَصْدَهُمْ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَإِنْ عَلِمُوا قَصْدَهُمْ وَنَوَوْا الْقَصْرَ قَصَرُوا، وَهَذَا صَوَابٌ لِقَوْلِنَا: شَرْطُهُ الْعَزْمُ مِنْ أَوَّلِهِ انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الْأَسِيرِ فَقَالَ: مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ انْتَهَى. هَذَا فِي الْأَسِيرِ الْمُقِيمِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُتِمُّ الْأَسِيرُ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا أَنْ يُسَافَرَ بِهِ فَيَقْصُرَ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ: سَفَرُهُ وَمُقَامُهُ بِاخْتِيَارِ مَنْ يَمْلِكُهُ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي إتْمَامِهِ وَقَصْرِهِ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى. وَفِي ابْنِ يُونُسَ فِي الْعَسْكَرِ يُقِيمُ بِهِمْ الْإِمَامُ وَلَا يَدْرُونَ كَمْ يُقِيمُ يَقْصُرُونَ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُ يُقِيمُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ انْتَهَى. ص (وَقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ، وَإِنْ بِرِيحٍ) ش، قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: الدُّخُولُ فِي هَذِهِ بِالرُّجُوعِ وَبَلَدُهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ لَهُ فِيهِ إقَامَةٌ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ وَطَنِهِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالدُّخُولُ فِي الَّتِي بَعْدَهَا الْمُرُورُ وَوَطَنُهُ أَخَصُّ مِنْ بَلَدِهِ وَالرِّيحُ فِي هَذِهِ أَلْجَأَتْهُ لِدُخُولِ الرُّجُوعِ، وَفِي الَّتِي بَعْدَهُ أَلْجَأَتْهُ لِدُخُولِ الْمُرُورِ انْتَهَى. (قُلْت) تَفْسِيرُهُ الدُّخُولَ فِي الْأُولَى بِالرُّجُوعِ ظَاهِرٌ إذْ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ حِينِ الْأَخْذِ فِي الرُّجُوعِ لَكِنَّهُ أَجْمَلَ فِيهِ إذْ لَمْ يُبَيِّنْ مَبْدَأَ الرُّجُوعِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا رَجَعَ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنَّ رُجُوعَهُ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ فِي رُجُوعِهِ وَبَعْدَ وُصُولِهِ الْبَلَدَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَا رَاجِعَ لِدُونِهَا، وَلَوْ بِشَيْءٍ نَسِيَهُ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهَا الْمُصَنِّفُ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَسْأَلَةِ الرِّيحِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّيحِ فَنَصَّ عَلَيْهَا اللَّخْمِيُّ، قَالَ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا فِي الْبَحْرِ فَسَارَ أَمْيَالًا، ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ فَقَالَ مَالِكٌ: يُتِمُّ الصَّلَاةَ يُرِيدُ فِي رُجُوعِهِ، وَفِي الْبَلَدِ الَّذِي أَقْلَعَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنًا إذَا كَانَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ رَفْضُهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَقْصُرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنًا يُرِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ كَالْمُكْرَهِ انْتَهَى. وَتَفْسِيرُ ابْنِ غَازِيٍّ الْبَلَدَ وَالْوَطَنَ ظَاهِرٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ الْوَطَنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا مُتَوَطَّنٌ كَمَكَّةَ بِمَعْنَى الْوَطَنِ فِي قَوْلِهِ وَقَطَعَهُ دُخُولُ وَطَنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّوَطُّنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ الْمُرَادُ بِهِ طُولُ الْإِقَامَةِ وَالْوَطَنُ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْمَحِلُّ الَّذِي يَسْكُنُهُ الشَّخْصُ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَّا مُتَوَطَّنٌ كَمَكَّةَ إلَى أَنَّ مَنْ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ

ثُمَّ رَجَعَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ أَوْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْبَلَدِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ وَلَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةٍ أَيَّامٍ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَوْطَنَهَا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُحْفَةِ لِيَعْتَمِرَ، ثُمَّ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْهَا فَقَالَ مَالِكٌ يُتِمُّ فِي يَوْمَيْهِ، ثُمَّ، قَالَ يَقْصُرُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ الْإِتْمَامِ أَنَّهُ لَمَّا أَوْطَنَهَا وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ بِهَا صَارَ لَهَا حُكْمُ الْوَطَنِ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ: " يَقْصُرُ " أَنَّهَا لَيْسَتْ وَطَنَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا أَتَمَّ بِنِيَّةِ الْفِعْلِ لَمَّا نَوَى الْإِقَامَةَ، وَأَمَّا وَطَنُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ إلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَمَا كَانَ لَا يُتِمُّ فِيهِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَضْعَفَ مِمَّا يُتِمُّ فِيهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَقَدْ سَافَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ سَفَرَ قَصْرٍ فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ عَلَى نِيَّةِ سَفَرِهِ حَتَّى يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ اعْتِمَارُهُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ أَوْ مَا لَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَأَتَمَّ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ الْأُولَى فِي الْإِتْمَامِ فَلَا يُزِيلُهَا إلَّا خُرُوجُهُ إلَى سَفَرِ الْقَصْرِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ اللَّخْمِيُّ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَصْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ كَوْنُهُ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَالْمُوجِبُ لِعَدَمِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَوْنُهُ لَمْ يُسَافِرْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ " وَقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ " وَبَيْنَ مَا اسْتَثْنَاهُ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ بِمَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَتَى بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَمَكَّةَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَمْ تَكُنْ وَطَنَهُ وَإِنَّمَا أَقَامَ بِهَا أَيَّامًا فَالْمُرَادُ بِالْوَطَنِ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ طُولُ الْإِقَامَةِ وَمَهَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ اسْتِيطَانٌ فَرَجَعَ إلَيْهِ مِنْ الطَّوِيلِ غَيْرُنَا وَإِقَامَةٌ كَمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ خَرَجَ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ فَأَحْرَى مَنْ سَافَرَ، وَلَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الْعَوْدَ، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِأَمْرٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَنْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ يَجْرِي عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ رَجَعَ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ بِأَنْ يَكُونَ إنَّمَا رَجَعَ لِحَاجَةٍ أَوْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَقْصُرُ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ بَاقِيَةً عَلَى السَّفَرِ فِي رُجُوعِهِ، وَفِي الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ، وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ يَقْصُرُ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ يُتِمُّ وَيَقْصُرُ هُنَا عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ: إنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ فِي الثَّانِيَةِ الْمُرُورُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُطْلَقَ الْمُرُورِ بِالْوَطَنِ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، وَلَوْ حَاذَاهُ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا اُعْتُرِضَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ: إنَّمَا يُمْنَعُ الْمُرُورَ بِشَرْطِ دُخُولِهِ أَوْ نِيَّةِ دُخُولِهِ لَا إنْ اجْتَازَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِالدُّخُولِ فِي الثَّانِيَةِ حَقِيقَةُ الدُّخُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ يَرْجِعُ مُكْرَهًا يَقْصُرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ: وَلَوْ رَدَّهُ غَاصِبٌ لَكَانَ عَلَى الْقَصْرِ فِي رُجُوعِهِ وَإِقَامَتِهِ إلَّا إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالرِّيحِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ مَنْ سَافَرَ بِالرِّيحِ شَاكًّا مِنْ أَوَّلِ سَفَرِهِ هَلْ يُتِمُّ أَمْ لَا فَكَانَ قَرِيبًا مِمَّنْ يَنْتَظِرُ صَاحِبًا لَا يَسِيرُ إلَّا بِسَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مَكَانِ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا فَقَطْ) ش: عَطْفُهُ مَكَانَ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَطَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُسَمَّى الْوَطَنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْوَطَنَ هُوَ مَحِلُّ السُّكْنَى كَمَا تَقَدَّمَ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَطَنِ

مَوْضِعُ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالسُّرِّيَّةِ يُرِيدُونَ: وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ سُكْنَاهُ عِنْدَهُمَا انْتَهَى. فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ أَدْخَلَا مَكَانَ الزَّوْجَةِ فِي مُسَمَّى الْوَطَنِ فَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَقَطْ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بِقَرْيَةٍ وَلَدٌ أَوْ مَالٌ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ وَطَنًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مَكَانُ السُّرِّيَّةِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ إلَّا الشَّارِحَ فِي الْأَوْسَطِ بَلْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ عَلَى إلْحَاقِهَا بِالزَّوْجَةِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْوَطَنُ هُنَا مَا فِيهِ زَوْجَةٌ مَدْخُولٌ بِهَا أَوْ سُرِّيَّةٌ بِخِلَافِ وَلَدِهِ وَخَدَمِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَوْطِنَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَطَنُ مَسْكَنُهُ أَوْ مَا بِهِ سُرِّيَّةٌ سَكَنَ إلَيْهَا أَوْ زَوْجَةٌ بَنَى بِهَا لَا مَالُهُ وَوَلَدُهُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الزَّوْجَةِ يُرِيدُ أَوْ سُرِّيَّةً نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَبِلُوهُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِهَا أُمُّ وَلَدٍ أَوْ سُرِّيَّةٌ يَسْكُنُ إلَيْهَا أَتَمَّ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَنِيَّةُ دُخُولِهِ) ش: هُوَ مَعْطُوفُ عَلَى فَاعِلِ قَطَعَهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ نِيَّةَ دُخُولِ الْوَطَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا قَرُبَ مِنْ وَطَنِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ وَمَنَعَهُ نِيَّةُ دُخُولِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ سَافَرَ سَفَرَ الْقَصْرِ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَكَانَ طَرِيقُهُ عَلَى وَطَنِهِ وَنَوَى أَنْ يَمُرَّ بِوَطَنِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطَنِهِ مَسَافَةٌ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَإِلَّا فَلَا، فَإِذَا وَصَلَ إلَى وَطَنِهِ وَسَافَرَ مِنْهُ اُعْتُبِرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنْتَهَى سَفَرِهِ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ يَقْصُرُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَبَعْدَهُ دُونَهَا وَعَكْسُهُ وَذَلِكَ وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَقْطَعُهُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةٍ أَيَّامٍ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ عِشْرُونَ صَلَاةً، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَيَّامِ تَسْتَلْزِمُ عِشْرِينَ صَلَاةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَلَوْ دَخَلَ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فِي

فرع عزم القصر بعد نية إقامة أربعة أيام على السفر

الْيَوْمِ الرَّابِعِ، ثُمَّ يَخْرُجَ فَقَدْ نَوَى عِشْرِينَ صَلَاةً وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْأَيَّامِ فَلَا يُعْتَدُّ بِيَوْمِ الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ أَوَّلَهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ يُرِيدُ قَبْلَ الْفَجْرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: فَإِنْ أَجْمَعَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيُلْغِي الدَّاخِلَ وَالْخَارِجَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ عِشْرِينَ صَلَاةً فَيُلَفِّقُ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَوْمِ خُرُوجِهِ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالْيَوْمِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ الْخُرُوجَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق، وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ نِيَّتُهُ الْخُرُوجَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِ أَيْضًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَسْتَلْزِمُ عِشْرِينَ صَلَاةً، وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا تِسْعَةَ عَشْرَ صَلَاةً وَأَيْضًا فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَالْقَاضِي فِي تَلْقِينِهِ وَمَعُونَتِهِ وَابْنُ جُزَيٍّ وَالْوَقَارُ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ الْقَاطِعَةَ لِحُكْمِ الْقَصْرِ إقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَانْظُرْ مُخْتَصَرَ الْوَاضِحَةِ فَإِنَّهُ أَوْضَحُ مِنْ الَّذِي تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ، قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَرْبَعِ لَيَالٍ، فَإِنْ أَقَامَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَتِمَّ، وَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَ لَيَالٍ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُتِمَّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ يَوْمَ الدُّخُولِ فَالْإِقَامَةُ الْقَاطِعَةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فِي حَقِّهِ نِيَّتُهُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ لِيَكْمُلَ لَهُ بِذَلِكَ عِشْرُونَ صَلَاةً وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُقِيمَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ عَزَمَ الْقَصْر بَعْدَ نِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى السَّفَرِ] (فَرْعٌ) إذَا عَزَمَ بَعْدَ نِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى السَّفَرِ فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَظْعَنَ كَالِابْتِدَاءِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْصُرُ دَفْعًا لِلنِّيَّةِ بِالنِّيَّةِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَزَادَ فَقَالَ: وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي شَاهَدْت شَيْخَنَا يُفْتِي بِهِ. [فَرْعٌ نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعٍ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ بِنِيَّةٍ] (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعٍ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ بِنِيَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ تَأَخَّرَ سَفَرُهُ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ وَرِوَايَةُ اللَّخْمِيِّ مَنْ قَدِمَ بَلَدَ الْبَيْعِ يَتَّجِرُ شَاكًّا فِي قَدْرِ مُقَامِهِ أَتَمَّ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ ابْتِدَاءُ سَفَرٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رُجُوعَهُ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ لَمْ يَنْوِ أَرْبَعَةً قَصَرَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ أَبَدًا، وَلَوْ مُنْتَهَى سَفَرِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ لِابْنِ نَاجِي وَنَصُّهُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَقْصُرُ وَإِنْ وَصَلَ مُنْتَهَى سَفَرِهِ، وَهُوَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبِهِ أَقُولُ وَشَاهَدْت شَيْخَنَا - حَفِظَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِهِ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ قَدِمَ لِبَلَدٍ لِبَيْعِ تَجْرٍ شَاكًّا فِي قَدْرِ مُقَامِهِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ ابْتِدَاءُ سَفَرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاجَتُهُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَفْرُغُ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَيَقْصُرَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ نَحْوَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ: لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ لِيُنْجِزَ حَاجَتَهُ، وَفِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهَا تُنْجَزُ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ فَهَذَا يَقْصُرُ مُدَّةَ مُقَامِهِ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ فِيمَنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى ظَنِّهِ إنْجَازَ حَاجَتِهِ قَبْلَ

الْأَرْبَعَةِ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ فِي الشَّاكِّ وَالْمُتَوَهِّمِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ كَعَكْسِهِ وَتَأَكَّدَ وَتَبِعَهُ، وَلَمْ يُعِدْ) ش: قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ إمَامٍ: وَإِنَّمَا يُتِمُّ الْمُسَافِرُ بِإِتْمَامِ إمَامِهِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الْجُلُوسِ أَوْ سُجُودٍ مِنْ آخِرِ رَكْعَةٍ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ قَصْرُهَا انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ فِي أَوَائِلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ سَمِعْت مَالِكًا، قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ سَفْرٍ أَنْ يُقَدِّمُوا مُقِيمًا يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَلَكِنْ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ لَكِنْ إنْ قَدَّمُوهُ لِسِنِّهِ أَوْ لِفَضْلِهِ أَوْ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَيَأْتَمُّوا بِصَلَاتِهِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا نَحْوُ مَا يَأْتِي فِي " رَسْمِ شَكَّ فِي طَوَافِهِ "، وَفِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ الَّذِي تَأْتِي عَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ وَمَسَائِلُهُ إنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي الْأَخْذُ بِهَا فَضِيلَةٌ وَتَرْكُهَا إلَى غَيْرِهِ خَطِيئَةٌ فَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا مُقِيمًا يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ السُّنَّةِ فِي الْقَصْرِ أَكْثَرُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَاسْتَحَبَّ أَنْ يُقَدِّمُوا ذَا السِّنِّ وَالْفَضْلِ لِمَا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مِنْ الرَّغِيبَةِ أَوْ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ لِمَا فِي تَرْكِ ائْتِمَامِهِمْ بِهِ مِنْ بَخْسِ حَقِّهِ إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي مَنْزِلِهِ بِهِمْ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. ص (، وَإِنْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ نَوَى إتْمَامًا أَعَادَ بِوَقْتٍ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِهِ يَصِحُّ الْكَلَامُ، فَإِنْ حَضَرَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَهَا أَرْبَعًا كَمَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ بِثَوْبٍ نَجِسٍ، ثُمَّ حَضَرَ فِي الْوَقْتِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ص (وَإِنْ سَهْوًا سَجَدَ) ش: أَيْ وَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ سَهْوًا أَيْ سَهَا عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا أَوْ سَهَا عَنْ التَّقْصِيرِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَالْأَصَحُّ إعَادَتُهُ كَمَأْمُومِهِ

فرع دخل المسافر في الصلاة خلف القوم ويظنهم مقيمين

بِوَقْتٍ) ش: قَالُوا سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْمُومُ حَضَرِيًّا أَوْ سَفَرِيًّا (قُلْت) ، وَهَذَا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِتْمَامَ كَمَا نَوَى الْإِمَامُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ظَانًّا أَنَّ إمَامَهُ أَحْرَمَ كَذَلِكَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ نَوَى الْإِتْمَامَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَيُعِيدُ أَبَدًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ، وَإِنْ ظَنَّهُمْ سَفْرًا فَظَهَرَ خِلَافُهُ أَعَادَ أَبَدًا إنْ كَانَ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ نَوَى الْقَصْرَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِمُخَالَفَةِ نِيَّتِهِ لِنِيَّةِ الْإِمَامِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَوْنِ الْإِمَامِ فِي ذَاتِهِ حَضَرِيًّا أَوْ سَفَرِيًّا، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَانَ قَصَرَ عَمْدًا) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يُقَالُ قَصَرَ وَقَصَّرَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ ص (وَكَانَ أَتَمَّ وَمَأْمُومُهُ بَعْدَ نِيَّةٍ قَصَرَ عَمْدًا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَأْمُومِيهِ اتَّبَعُوهُ أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ص (وَسَبَّحَ مَأْمُومُهُ وَلَا يَتْبَعُهُ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا فِي السَّهْوِ وَالْجَهْلِ وَانْظُرْ بِمَاذَا يُعْلِمُونَ أَنَّهُ قَامَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَانْظُرْ لَوْ تَبِعُوهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَمَسْأَلَةِ قِيَامِ الْإِمَامِ الْخَامِسَةَ سَهْوًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (إنْ كَانَ مُسَافِرًا) ش: وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُقِيمًا فَلَا إعَادَةَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمُوَافَقَةِ نِيَّتِهِ لِنِيَّةِ إمَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَايَةُ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْمُخَالَفَةَ، وَلَمْ تَقَعْ ص (كَعَكْسِهِ) ش: أَيْ إذَا ظَنَّ الْمُسَافِرُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ مُقِيمُونَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مُسَافِرُونَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِمُخَالَفَةِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَنَّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ مُقِيمٍ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مُسَافِرُونَ فَقَدْ خَالَفَتْ نِيَّتُهُ لِنِيَّةِ إمَامِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: صَلَاتُهُ تُجْزِئُهُ، حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَوَائِلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ " كَعَكْسِهِ " لَكَانَ حَسَنًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ، فَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ كَعَكْسِهِ فَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ مُقِيمًا وَاضِحَةٌ، وَقَدْ حَكَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: صِحَّةَ الصَّلَاةِ فِيهِمَا وَالْإِعَادَةَ فِيهِمَا وَالْإِعَادَةَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَعَكْسَهُ وَعَلَى الْإِعَادَةِ فَهَلْ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَبَدًا. [فَرْعٌ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْقَوْمِ وَيَظُنُّهُمْ مُقِيمِينَ] (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ

الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ خَلْفَ الْقَوْمِ وَيَظُنُّهُمْ مُقِيمِينَ فَلَمَّا صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ إمَامُهُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَكَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ لَأَتَمَّ صَلَاةَ مُقِيمٍ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَعَادَ صَلَاةَ مُسَافِرٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا، وَلَوْ دَخَلَ خَلْفَهُمْ يَنْوِي صَلَاتَهُمْ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ إنْ كَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ لَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَدِيَّةٍ إنْ طَالَ سَفَرُهُ بِقَدْرِ حَالِهِ وَأَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَلَا يَفْتَتِحُ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ " وَلَا يَفْتَتِحُ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ " ص (وَالدُّخُولُ ضُحًى) ش: قَالَ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَقْدَمُ عِشَاءً عَلَى أَهْلِهِ أَتَرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ تِلْكَ السَّاعَةَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُطْرَقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ إلَّا غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً فَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَا حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَى مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ رَأَى النَّهْيَ الْوَارِدَ نَهْيَ إرْشَادٍ لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ انْتَهَى. ص (وَرُخِّصَ لَهُ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ) ش: الضَّمِيرُ لِلْمُسَافِرِ

وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَمَّا الرَّاكِبُ فَلَا شَكَّ فِي جَمْعِهِ، وَأَمَّا الرَّاجِلُ فَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلِابْنِ عَاتٍ فِي الطُّرَرِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَجْمَعُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَإِنْ كَانَ رَاجِلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ؛ لِأَنَّ جَدَّ السَّيْرِ يُوجَدُ مِنْهُ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: تَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ فِي جَمْعِ الرَّاجِلِ وَرَاءَهُ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ فَلَا يَجْمَعُ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ الْمَوَّاقُ عَلَى الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ زَرُّوق وَلِابْنِ عَاتٍ فِي الْغُرَرِ لَعَلَّهُ وَلِابْنِ عَاتٍ فِي الطُّرَرِ ص (وَهَلْ الْعِشَاءَانِ كَذَلِكَ تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الرِّحْلَةَ مِنْ الْمَنْهَلِ، قَالَ سَحْنُونٌ: هُمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ تَفْسِيرٌ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَجْمَعُ بِالسَّفَرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلَا كَرَاهَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي الْجَمْعِ عِنْدَ الرَّحِيلِ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: الْحُكْمُ مُسَاوٍ فَقِيلَ تَفْسِيرٌ، وَقِيلَ خِلَافٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: حَمَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامَ سَحْنُونٍ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَحَمَلَهُ الْبَاجِيُّ عَلَى الْخِلَافِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِلْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ» انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ هَارُونَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْعِشَاءَيْنِ كَالظُّهْرَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ قَدِمَ، وَلَمْ يَرْتَحِلْ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ فَجَمَعَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْ السَّيْرِ فَلَمْ يَرْتَحِلْ وَأَقَامَ بِالْمَنْهَلِ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِهَا، وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا فَهِمَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ اللَّذَيْنِ نَقَلَهُمَا عَنْ التِّلِمْسَانِيِّ فَرْعٌ وَاحِدٌ

فرع جمع أول الوقت لشدة السير ثم بدا له فأقام بمكانه

وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُمَا فَرْعَانِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ جَمَعَهُمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ فِي الْمَنْهَلِ، وَلَمْ يَرْحَلْ، قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبُ الضَّرُورَةِ وَلِهَذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ فَلَا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِيهِ أَبَدًا إلَّا أَنَّ مَحْضَ الضَّرُورَةِ لَمَّا لَمْ يَكْمُلْ اُسْتُحِبَّتْ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ. [فَرْعٌ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِشِدَّةِ السَّيْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ بِمَكَانِهِ] (فَرْعٌ) فَلَوْ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِشِدَّةِ السَّيْرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ بِمَكَانِهِ أَوْ أَتَاهُ أَمْرٌ تَرَكَ لَهُ جَدَّ السَّيْرِ، قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ، قَالَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَقَعَتْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ التَّامَّةِ فَتَعَلَّقَتْ بِالْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَوَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، فَزَوَالُ الضَّرُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّتِهَا وَلَا يُوجِبُ إعَادَتَهَا كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي الْحَضَرِ لِلْمَطَرِ، ثُمَّ كَفَّتْ الْمَطَرُ بَعْدَ الْجَمْعِ، وَكَمَا لَوْ أَمِنَ بَعْدَ صَلَاةِ الْخَوْفِ انْتَهَى. فَتَعْلِيلُهُ كُلَّ فَرْعٍ عَلَى حِدَّتِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا فَرْعَانِ لَا فَرْعٌ وَاحِدٌ، وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ " فَإِنْ جَمَعَ فِي الْمَنْهَلِ " قَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ مَا دَامَ الْوَقْتُ انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْفَرْعُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا هُوَ الْفَرْعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ فَجَمَعَ أَعَادَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَزَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَجَمَعَ حِينَئِذٍ، وَلَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الرَّحِيلَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ والتِّلِمْسَانِيُّ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ فِي الْمَنْهَلِ، وَهُوَ لَمْ يَرْحَلْ أَيْ لَمْ يُرِدْ رَحِيلًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ جَمَعَ فِي الْمَنْهَلِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ هَذَا الْفَرْعَ - أَعْنِي مَنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ - عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مَالِكٍ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ والتِّلِمْسَانِيُّ وَأَيْضًا فَقَدْ، قَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا عَلَّلَ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ إلَى الظُّهْرِ: إذَا كَانَ عَزْمُهُ الرَّحِيلَ مَا نَصُّهُ وَإِذَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ الزَّوَالِ لِعُذْرِ الرَّحِيلِ فَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ بِأَنْ نَزَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ لَا لِعُذْرِ اسْتِيفَاءِ الرَّحِيلِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعَصْرَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ، رَوَاهُ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. وَابْنُ زِيَادٍ هُوَ عَلِيٌّ، وَأَمَّا الْفَرْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ جَمَعَ وَنِيَّتُهُ الرَّحِيلُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ أَوْ أَتَاهُ أَمْرٌ تَرَكَ لِأَجْلِهِ جَدَّ السَّيْرِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ " لِشِدَّةِ السَّيْرِ " بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي اشْتِرَاطِ جَدِّ السَّيْرِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلًا بِالْإِعَادَةِ إلَّا عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ فَرْعٌ وَاحِدٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ إمَامُ الْحُفَّاظِ وَالْمُتَصَدِّي لِنَقْلِ الْأَقْوَالِ وَعَزْوِهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا ذَكَرَهُ، قَالَ مَا نَصَّهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ: مَنْ جَمَعَ لِجَدِّ السَّيْرِ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَانِهِ لَمْ يُعِدْ، يُعَارِضُهُ جَمْعُ خَائِفٍ فَقَدَ عَقْلَهُ وَيُوَافِقُهُ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُعِيدُ مُصَلٍّ جَالِسًا لِعُذْرِ زَالَ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَيُتْرَكُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَة نَفْسِهَا، هَذَا بَعِيدٌ، وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ كِنَانَةَ مُشْتَمِلٌ عَلَى صُورَتَيْنِ: الْأُولَى مِنْهُمَا أَنْ يَجْمَعَ ثُمَّ تَبْدُوَ لَهُ فَيُقِيمَ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ ثُمَّ يَعْرِضَ لَهُ أَمْرٌ يَتْرُكَ لِأَجْلِهِ السَّيْرَ، وَإِذَا حُكِمَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الْأُولَى فَالثَّانِيَةُ مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا: وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَهَا فَلَا تَبْطُلُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِوُقُوعِ الصَّلَاتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ فَكَانَ كَالْمُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ يَجِدُ الْمَاءَ، وَلَوْ قِيلَ بِالْإِعَادَةِ قِيَاسًا عَلَى خَائِفِ الْإِغْمَاءِ إذَا لَمْ يُغْمَ عَلَيْهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيَاسًا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْإِعَادَةَ فِي حَقِّ مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَا بَعْدُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي لِوُقُوعِ الصَّلَاتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ بِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْجَمْعِ وَهَلْ تُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ صَلَاةِ الْقَصْرِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُهُ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْخِلَافِ فِي نَفْيِ الْإِعَادَةِ فِيمَنْ جَمَعَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِي تَخْرِيجِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ مَالِكٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ

فرع جمع في السفر فنوى الإقامة في أثناء إحدى الصلاتين

الْأَوَّلُ، هَذَا غَرِيبٌ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، فَإِنْ قِيلَ كَلَامُ ابْنِ كِنَانَةَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ - أَعْنِي قَوْلَهُ " وَأَتَاهُ أَمْرٌ " - فَهُوَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ لَا صُورَتَانِ وَهِيَ لَيْسَتْ عَيْنَ صُورَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَلْ هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَعَلْتُمُوهَا فِي كَلَامِ ابْنِ كِنَانَةَ، قِيلَ: أَمَّا أَوَّلًا فَلَوْ سَلَّمَ هَذَا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَحْرَى بِعَدَمِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ - فِي هَذِهِ الصُّورَةِ - الشَّخْصَ بَاقٍ عَلَى السَّفَرِ لَوْلَا مَا أَتَاهُ مِنْ الْأَمْرِ، وَفِي الْأُخْرَى تَرَكَ السَّفَرَ وَعَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ، فَفَرْعُ ابْنِ كِنَانَةَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْخِلَافِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَاعْلَمْ أَنَّ فَرْعَ ابْنِ كِنَانَةَ بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ، وَكَذَا ثَبَتَ فِي نُسْخَتَيْنِ عَتِيقَتَيْنِ مِنْ النَّوَادِرِ، وَفِي سَنَدٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ سَنَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْ التِّلِمْسَانِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ جَمَعَ فِي السَّفَرِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ] (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ التَّقْدِيمِ بَطَلَ الْجَمْعُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَمَعَ فِي السَّفَرِ، وَكَانَ حُكْمُهُ تَقْدِيمَ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَقَدْ بَطَلَ الْجَمْعُ، وَالْإِقَامَةُ هُنَا مُقَابِلَةُ السَّفَرِ هُنَاكَ، أَعْنِي كَمَا لَا يُشْتَرَطُ طُولُ السَّفَرِ فَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ بُطْلَانَ الْجَمْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ؛ فَلِهَذَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالثَّانِيَةِ صَحَّتْ الْأُولَى وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُهَا، وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ صَحَّتْ الْأُولَى أَيْضًا وَيَقْطَعُ الثَّانِيَةَ أَوْ يُسَلِّمُ عَلَى نَافِلَةٍ، وَهُوَ أَوْلَى وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ يَتَمَادَى عَلَيْهَا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَتَصِحُّ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيُشِيرُ بِقَوْلِ أَشْهَبَ إلَى مَا حَكَى عَنْهُ الْبَاجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ إجَازَةِ الْجَمْعِ بِالسَّبَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَيْسَ مُعَارِضًا لِمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ فَرْعَ التِّلِمْسَانِيِّ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ لَوْ تَمَادَى لَأَعَادَ الثَّانِيَةَ أَبَدًا إلَّا أَنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى الْوُجُوبِ الَّذِي تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ أَجْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ التَّنَفُّلُ فِي السَّفَرِ] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا، قَالَ الْمَازِرِيُّ، إنَّمَا لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا أَبَاحَهُ ضَرُورَةُ الْجَدِّ فِي السَّيْرِ فَتَسْقُطُ مُرَاعَاةُ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالتَّنَفُّلُ يُشْعِرُ بِالطُّمَأْنِينَةِ فَلَمَّا نَافَى التَّنَفُّلُ فِي السَّفَرِ مَا وُضِعَ الْجَمْعُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِإِدْخَالِهِ فِي الْجَمْعِ مَعْنًى انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي صِفَةِ الْجَمْعِ: وَذَلِكَ أَنْ يُقَدِّمَ الْأُولَى مِنْهُمَا وَيَنْوِيَهُ فِي أَوَّلِهَا وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: مِنْ صِفَةِ الْجَمْعِ الْمُوَالَاةُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ إقَامَةٍ أَوْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عَلَى الْخِلَافِ وَلَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَفَّلَ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ هَلْ تُبَاحُ لَهُ النَّافِلَةُ أَوْ تُكْرَهُ ص (وَفِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ) ش: فِي كَوْنِ الْجَمْعِ رَاجِحًا أَوْ مَرْجُوحًا طَرِيقَانِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ رَاجِحٌ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رُخِّصَ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ جَمْعِ الْبَادِيَةِ فِي وَسَطِ النَّزْلَةِ] (مَسْأَلَةٌ) ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلْت عَنْ جَمْعِ الْبَادِيَةِ فِي وَسَطِ النَّزْلَةِ فَأَجَبْت إنْ كَانَ لَهُمْ إمَامٌ رَاتِبٌ وَيَجْعَلُونَ مَوْضِعًا لِصَلَاتِهِمْ أَيْنَمَا نَزَلُوا فَإِنَّهُمْ يَجْمَعُونَ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ " أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ إمَّا بِمُسَمِّعٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ انْتَهَى. ص (وَأَخَّرَ قَلِيلًا) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ تَرَدَّدَ شُيُوخُنَا هَلْ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَمْرٌ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ أَمْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى

فرع جمع بين المغرب والعشاء ثم جلس في المسجد حتى غاب الشفق

الثَّانِي انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: تَرَدَّدَ شُيُوخِي هَلْ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ قَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ؟ (قُلْت) الصَّوَابُ الثَّانِي انْتَهَى. [فَرْعٌ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثُمَّ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ] (فَرْعٌ) ، قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْحَجِّ: وَإِنْ شَاءَ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَرَمَى وَانْصَرَفَ، وَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَلَزِمَهُ الرَّمْيُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْصَرِفْ حِينَ رَمَى، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثُمَّ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ " ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَعَلَيْهِمْ إسْفَارٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ ": وَالشَّفَقُ الْإِسْفَارُ الْبَيَاضُ الْبَاقِي مِنْ النَّهَارِ، وَقَوْلُهُ " قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ " تَفْسِيرٌ فَلَوْ قَعَدُوا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ أَعَادُوا الْعِشَاءَ، وَقِيلَ: لَا يُعِيدُونَ، وَثَالِثُهَا إنْ قُعِدَ الْجُلُّ أَعَادُوا لَا الْأَقَلُّ انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ جَمْعِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ الْمَطَرِ أَرَأَيْت إنْ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَنَتُوا؟ قَالَ: هُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ لِلْعِشَاءِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: إنَّ هَذَا خِلَافٌ لِقَوْلِ عِيسَى وَأَصْبَغَ وَالْعُتْبِيِّ وَابْنِ مُزَيْنٍ فِي الَّذِي يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَيَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ: إنَّهُ يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا إنْ لَمْ يُغْلَبْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ عِنْدِي بِصَحِيحٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِي خَشِيَ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَصَلَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ يُؤْمَرُ أَنْ يُعِيدَ لِيُدْرِكَ مَا نَقَصَهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَاَلَّذِينَ جَمَعُوا ثُمَّ قَنَتُوا لَا يُؤْمَرُونَ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا فِي جَمَاعَةٍ فَمَعَهُمْ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ مَكَانَ فَضْلِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُسَافِرِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ: إنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ أَتَمَّ وَحْدَهُ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ الْقَصْرِ، وَلَا يُعِيدُ إنْ كَانَ أَتَمَّ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ مَعَهُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ مَكَانَ مَا فَاتَهُ مِنْ فَضْلِ الْقَصْرِ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ الْمَغْرِبَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ مُجَمِّعُونَ، وَقَدْ صَلَّوْا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يُصَلُّوا الْعِشَاءَ: إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى مَعَهُمْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الَّذِي يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ لَا قَوْلَ عِيسَى وَمَنْ تَابَعَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَى ابْنُ لُبَابَةَ انْتَهَى. ص (ثُمَّ صَلَّيَا وَلَاءً) ش: لَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِجَمْعِ الْمَطَرِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْجَمْعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَقَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ: وَالْمُوَالَاةُ شَرْطٌ إنْ جَمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَإِنْ جَمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَا أَثَرَ لِلْمُوَالَاةِ إلَّا فِي الْخَلَاصِ مِنْ عُهْدَةِ الْكَرَاهَةِ أَوْ التَّأْثِيمِ انْتَهَى. ص (وَلَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْجَمْعِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ سَنَدٌ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَتَنَفَّلُ عِنْدَ أَذَانِ الْعِشَاءِ لِزِيَادَةِ الْقُرْبَةِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَتَنَفَّلُ فَتَنَفَّلَ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْجَمْعَ قِيَاسًا عَلَى الْإِقَامَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَيْ لَمْ يَمْنَعْ التَّنَفُّلُ الْجَمْعَ ص (وَلِمُعْتَكِفٍ فِي الْمَسْجِدِ) ش: أَيْ تَبَعًا لِلْجَمَاعَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلِأَجْلِ التَّبَعِيَّةِ اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ لِلْإِمَامِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ

فصل شرط الجمعة

يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وُجُوبُ اسْتِخْلَافِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ بِجَمْعِ جَارِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ قَرُبَ أَبُو عِمْرَانَ، وَالْغَرِيبُ يَبِيتُ بِهِ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ، وَالْمُعْتَكِفُ عَبْدُ الْحَقِّ إنْ كَانَ إمَامُهُمْ جَمَعَ مَأْمُومًا وَنَقْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اسْتِحْبَابَ ائْتِمَامِهِ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. ص (وَلَا مُنْفَرِدٌ بِمَسْجِدٍ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ أَقَامَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ إذَا كَانَ وَحْدَهُ يَجْمَعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، وَأَنَّهُ يَقُولُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فَقَطْ، وَسَلَّمَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي الْأُولَى، وَخَالَفَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَرَأَى أَنَّهُ يَزِيدُ " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ "، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي هُوَ الْأَوَّلُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِهِ " قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ ": قَالَ شَيْخُنَا وَفِي أَنَّهُ يَجْمَعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصَلِّ شَرْطُ الْجُمُعَةِ] (فَصْلٌ) (شَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ) ش: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الَّتِي يَذْكُرُهَا مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِمَا وَسَنُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُهُ وُقُوعُ كُلِّهَا إلَخْ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَقَاءِ رَكْعَةٍ لِلْعَصْرِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الْعَصْرِ شَيْئًا قَبْلَ الْغُرُوبِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَخْطُبُ فِيهِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا لِقَوْلِهِ: وُقُوعُ كُلِّهَا بِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ غَرَبَتْ أَتَمَّهَا انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَصَدَ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ الْخُطْبَةِ قَبْلَ وَقْت الظُّهْر فَتَأَمَّلْهُ وَاللَّه أَعْلَم. [تَنْبِيه أَخَّرَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ الصَّلَاةَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عذر] (تَنْبِيهٌ) هَذَا الْحُكْمُ إذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ الصَّلَاةَ لِعُذْرٍ أَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا أَتَى مِنْ تَأْخِيرِ الْأَئِمَّةِ مَا يُسْتَنْكَرُ جَمَعُوا دُونَهُ إنْ قَدَرُوا وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا وَتَنَفَّلُوا مَعَهُ قَالَ سَنَدٌ يُرِيدُ إذَا أَخَّرَهَا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْجُمُعَةِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهَا الظُّهْرُ وَتَدْخُلُ بِالزَّوَالِ فَمَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْجُمُعَةِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يُصَلُّونَهَا أَفْذَاذًا كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ الْجَمَاعَةُ تَشْبِيهًا بِمَنْ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ مِنْ أَهْلِهَا. ثُمَّ قَالَ فَإِنْ خَشُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ فَصَلَّوْا ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَتْهُمْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا ظَنُّوهُ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُمْ قَدْ سَقَطَ بِفِعْلِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الظُّهْرِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ لَمَّا عَلِمُوا بِأَنَّهُ يَأْتِي لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فَصَلَاتُهُمْ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا وَفِي الثَّانِي لَوْ عَلِمُوا بِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ صَلَّوْا وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ تَأْخِيرُ فَرْضِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ صَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَيَتَنَفَّلُونَ مَعَهُ، فَجَعَلَهَا نَافِلَةً وَالنَّافِلَةُ لَا تَلْزَمُ، وَعَلَى

فائدة لم سميت الجمعة بالجمعة

قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى الْغُرُوبِ لَا يَأْثَمُ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُجْزِئَهُمْ وَأَنْ تَلْزَمَهُمْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ لَهُمْ جَائِزٌ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فَرْعٌ فَإِذَا قُلْنَا لَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ فَإِنْ أَعَادُوا فَلْيُعِيدُوا بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فُرَادَى ثُمَّ أَعَادَهَا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ ثُمَّ قَالَ فَرْعٌ وَهَلْ تُجْزِئُ الْإِمَامَ إذَا صَلَّوْا مَعَهُ، إنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ تَسْتَقِلُّ بِهِمْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ فَوَّضْنَا أَمَرَ صَلَاتِهِمْ إلَى اللَّهِ فَلَا نَقْطَعُ بِتَعْيِينِ فَرْضِهِمْ مَعَهُ فَلَا تُجْزِئُ الْإِمَامَ الْجُمُعَةُ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرِ مُفْتَرِضِينَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بِالصِّبْيَانِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ التُّونُسِيُّ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِمَامِ إذَا هَرَبَ عَنْهُ النَّاسُ أَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ الْإِمَامَ وَالنَّاسَ يَنْتَظِرُونَ إلَّا أَنْ يَخَافُوا دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنْ خَافُوا دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ صَلَّوْا ظُهْرًا أَرْبَعًا ثُمَّ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي تَخَلُّفِ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَأَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَّا بَعْضَهَا قَالَ وَرُبَّمَا تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِلْعَصْرِ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ سَحْنُونٌ إذَا رَجَوْا إتْيَانَهُ فَأَمَّا إنْ أَيْقَنُوا بِعَدَمِ إتْيَانِهِ فَلَا يُؤَخِّرُوا الظُّهْرَ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ سَحْنُونٌ ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ التُّونُسِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ سَحْنُونٍ عَلَى مَا إذَا أَخَّرَ لِعُذْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لِمَ سُمِّيَتْ الْجُمُعَةَ بِالْجُمُعَةِ] (فَائِدَةٌ) الْجُمُعَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ فِيهَا وَتُسَمَّى جُمُعَةً بِالسُّكُونِ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي اعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ الْجُمُعَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْجُمُعَةُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ انْتَهَى. وَقَرَأَ الْجَمَاعَةُ بِالضَّمِّ وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَحُكِيَ كَسْرُ الْمِيمِ انْتَهَى. وَقُرِئَ بِالثَّلَاثِ فِي الشَّوَاذِّ وَقَرَأَ الْجَمَاعَةُ بِالضَّمِّ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ سُمِّيَتْ الْجُمُعَةَ؟ فَقُلْ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ يَوْمٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ جُمُعَةً؟ فَقُلْ: لَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَخُصُّ الشَّيْءَ بِاسْمِهِ إذَا كَثُرَ ذَاكَ مِنْهُ انْتَهَى. ص (وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ وَصُحِّحَ أَوْ لَا) ش: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَنَا إنَّ وَقْتَ الْجُمُعَةِ مُمْتَدٌّ لِلْغُرُوبِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَخْطُبَ وَيُصَلِّي وَيَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَا يُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ فَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْعَصْرَ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ؟ قَوْلَانِ رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَتَّابٍ وَإِذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلْيُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِهِمْ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّمْسُ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الْعَصْرَ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عَتَّابٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَصُحِّحَ. ص (وَبِجَامِعٍ مَبْنِيٍّ) ش: لَا إشْكَالَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (تَنْبِيهٌ) لَا بُدَّ فِي

الْجَامِعِ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ خَارِجًا عَنْ بِنَاءِ الْقَرْيَةِ قَالَ سَنَدٌ أَمَّا الْمَسْجِدُ فَهُوَ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ خِلَافٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا أَبِي ثَوْرٍ وَشَيْءٌ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ مَالِكٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ الْمَسْجِدُ إلَّا دَاخِلَ الْمِصْرِ وَلَا تُصَلَّى فِي مَسْجِدِ الْعِيدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ خَارِجَ الْمِصْرِ قَرِيبًا نَحْوَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جُعِلَتْ مُصَلًّى لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ الْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ، أَعْنِي إذَا سَافَرُوا عَنْ الْمِصْرِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ كَالْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنْهُ، وَتُفَارِقُ الْجُمُعَةُ الْعِيدَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجُمُعَةَ مَرْدُودَةٌ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ فِعْلُهَا بِمَكَانٍ وَأَنْ يَخْتَلِفَ فِيهَا الْمِصْرُ وَخَارِجُهُ كَصَلَاةِ السَّفَرِ، وَالْعِيدُ لَيْسَتْ مَرْدُودَةً مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ النَّوَافِلِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ سَنَدٌ لَا تَكُونُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا دَاخِلَ الْمِصْرِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ مُصَلَّى الْعِيدِ تَشْبِيهًا لِلْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ لَنَا أَنَّهُ مَكَانٌ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِمُوجَبِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْجَامِعُ شَرْطٌ وَاتِّصَالُهُ بِالدُّورِ شَرْطٌ فَلَوْ انْفَرَدَ الْجَامِعُ مِنْ الْبُيُوتِ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمُنْتَقَى انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ الْمَوْصُوفَةُ حَيْثُ الْجَامِعُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْجَامِعِ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ وَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ مِمَّنْ يَقْرُبُ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَتِهَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا تَصِحُّ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ بِالْقُرَى يَكُونُ الْجَامِعُ خَارِجَ الْقَرْيَةِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَإِنَّهَا تُقَامُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَوَجَدْت فِي تَعَالِيقِي - وَلَمْ أَدْرِ مِنْ أَيْنَ نُقِلَتْ - أَنَّ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالْجَامِعِ بَعِيدٌ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِذَا قُلْنَا فِي الْجَامِعِ إنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْقَرْيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى يَكُونَ دُخَانُ الْمَنْزِلِ يَنْعَكِسُ عَلَيْهِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَنْزِلِ وَقَرُبَ مِنْهُ أَجْزَأَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ بَعُدَ لَمْ تُجْزِ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ: الشُّيُوخِ وَحَدُّ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْزِلِ أَرْبَعُونَ بَاعًا انْتَهَى. (قُلْت) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الطِّرَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ الْجَوَازُ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ قَرِيبًا مِنْهُ إلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَلَوْ سَبَقَ فِي الْفِعْلِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَدِيدِ انْتَهَى. نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فَاعْتِرَاضُ الْمَوَّاقِ غَيْرُ وَاضِحٍ وَانْظُرْ الطِّرَازَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فُرُوعًا تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَحَلِّ ص (وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ) ش: الظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَشَيْخُهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وَابْنُ الْحَاجِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَلِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَانَ فَضَاءً حَوْلَ الْكَعْبَةِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَخِلَافَةِ الْفَارُوقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ فِيهِ وَلَمْ يُذْكَرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَنْكَرَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ بِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ السَّقْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَوْ هُدِمَ الْمَسْجِدُ فَظُلِّلَ مَوْضِعُ السَّقْفِ بِسُتُورٍ وَنَحْوِهَا قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ نَقَضَ الْكَعْبَةَ وَجَعَلَ أَعْمِدَةً سَتَرَ عَلَيْهَا مَا نَصُّهُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي إنَّمَا يُمْنَعُ إقَامَتُهَا بِالْمَسْجِدِ الَّذِي انْهَدَمَ لِسَقْفِهِ إذَا لَمْ يُظَلَّلْ عَلَى السَّقْفِ بِسُتُورٍ وَأَمَّا لَوْ ظَلَّلُوا بِهَا لَنَابَتْ السُّتُورُ عَنْ السَّقْفِ كَمَا نَابَتْ عَنْ الْجُدُرِ فِي قَضِيَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بَلْ أَحْرَى وَنَزَلْتُ بِتُونُسَ لَمَّا نَزَلَ سَقْفُ جَامِعِهَا الْأَعْظَمِ وَخَطِيبُهَا الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فَأَمَرَ أَنْ يُظَلَّلَ بِالْحُصْرِ وَخَطَبَ تَحْتَهَا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو عَلِيٍّ الْقَرَوِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِقَامَةِ الْخَمْسِ تَرَدُّدٌ) ش أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَسُكُوتِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَنُزِّلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَانْظُرْ عَزْوَهُمْ اشْتِرَاطَ إقَامَةِ الْخَمْسِ لِابْنِ بَشِيرٍ وَقَدْ نَقَلَ سَنَدٌ عَنْ الْمُخْتَصَرِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: إنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةً وَطُرُقُهَا فِي وَسَطِهَا وَفِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ تُجْمَعُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ فَلْيَجْمَعُوا كَانَ لَهُمْ وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا انْتَفَيَا) ش: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُفْهَمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْمَوَّاقُ. ص (وَبِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَوْ لَا بِلَا حَدٍّ وَإِلَّا فَتَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ بَاقِينَ لِسَلَامِهَا) ش: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ

كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَيْ يُطْلَبُ حُضُورُهُمْ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا بَاقِينَ لِسَلَامِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِي صِحَّتِهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِمَعْنَى أَنْ يُطْلَبَ وُجُودُهُمْ فِي الْقَرْيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ الصَّلَاةَ لَا فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ. وَنَصُّ كَلَامِهِ: الَّذِي يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ إقَامَتِهَا فِي الْبَلَدِ وَوُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ هَذَا الْعَدَدِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْعِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا فِي الْإِكْمَالِ وَنَصُّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَمَالِكٌ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ أَيْ الْعَدَدِ الَّذِي تُقَامُ بِهِ الْجُمُعَةُ حَدًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ وَنَصْبُ لِأَسْوَاقِ عِيَاضٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا لَا فِي إجْزَائِهَا وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا إجَازَتُهَا مَعَ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَحَكَى أَبُو يَعْلَى الْعَبْدِيُّ نَحْوَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ رَأَيْت لِمَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَلَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي الْمُنْتَقَى: الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَلَا حَدَّ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَدَدًا تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِانْفِرَادِهِمْ وَتُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ وَمُنِعَ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ؛ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُمْ وَاسْتِدْلَالُ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ الْعِيرِ يَقْتَضِي إجَازَتَهُمْ لِلْجُمُعَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا مَعَ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا عَدَدٌ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِانْفِرَادُ بِالِاسْتِيطَانِ فَصَحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِتَكَلُّفٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِي صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ إقَامَتِهَا جَمَاعَةٌ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَوَّلًا أَيْ فِي وُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ وَصِحَّتِهَا مِنْهُمْ لَا فِي حُضُورِهَا وَإِلَّا فَيَجُوزُ إذَا حَضَرَهَا اثْنَا عَشَر رَجُلًا فَتَأَمَّلْهُ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاسْتَفْسَرَهُ فَقَالَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ عَدَدَ الْجَمَاعَةِ شَرْطُ كِفَايَةٍ فِيهَا فَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا لَا فِي أَدَائِهَا فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ وَإِلَّا أَجْزَأَ الْفِعْلُ قَبْلَ وُجُوبِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ وَإِنْ أَرَادَ صِحَّتَهَا بِاثْنَيْ عَشَر قَبْلَ إحْرَامِهَا أَوْ بَعْدَ فَهَذَا مَا تَقَدَّمَ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى. (قُلْت) لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطُ كِفَايَةٍ وَلَا أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ دُونَ الْأَدَاءِ بَلْ أَرَادَ الْوَجْهَ الثَّالِثَ وَهُوَ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَفِي الْأَدَاءِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ بَلْ تَصِحُّ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ فَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ جَمَاعَةٌ تَتَقَرَّى بِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ سَافَرَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْ تَتَقَرَّى بِهِ فَإِنْ سَافَرُوا بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ سَافَرُوا لِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ وَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إذَا كَانَ بِالْقَرْيَةِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ تَفَرَّقُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي أَشْغَالِهِمْ مِنْ حَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ حَتَّى لَا يَبْقَى بِهَا إلَّا الْعَدَدُ الَّذِي لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَكَانَ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ إذَا بَقِيَ مِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا جَمَعُوا انْتَهَى مُخْتَصَرًا فَتَأَمَّلْهُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَيْ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ أَيْ الْإِقَامَةُ آمِنِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ. قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ: لَا حَدَّ لِمَنْ يُقَامُ بِهِمْ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ بِهَا آمِنِينَ. قَالَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى

الْجِهَاتِ فِي كَثْرَةِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ فَفِي الْجِهَاتِ الْآمِنَةِ تَتَقَرَّى بِالنَّفَرِ الْيَسِيرِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا يُتَوَقَّعُ فِيهِ الْخَوْفُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الثَّوَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ فَالْبِلَادُ الَّتِي سَلِمَتْ مِنْ الْفِتَنِ تَتَقَرَّى الْقَرْيَةُ فِيهَا بِجَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ فِي الْخُصُوصِ وَغَيْرُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ مَعْنَى يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ كَالرَّوْحَاءِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْخُصُوصِ كَانَ عَلَيْهِمْ وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مَرَّةً: الْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ الَّتِي فِيهَا الْأَسْوَاقُ يَجْمَعُ أَهْلُهَا، وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرْ الْأَسْوَاقَ انْتَهَى. قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْأَسْوَاقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَالِكٌ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِكَثْرَةِ النَّاسِ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ فَلَوْ اجْتَمَعَ مَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ وَلَا سُوقَ عِنْدَهُمْ جَمَعُوا قَالَ وَأَمَّا اتِّصَالُ الْبُنْيَانِ فَشَرْطٌ فَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ كَدُورِ جِرْبَةَ وَدُورِ جِبَالِ الْغَرْبِ لَمْ يَجْمَعُوا. بِهَذَا وَقَعَتْ الْفُتْيَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي ضَرُورِيَّاتِهِمْ وَالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ جَمَعُوا؛ لِأَنَّهُمْ وَهُمْ كَذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ انْتَهَى. (قُلْت) مَا اسْتَظْهَرَهُ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اتِّصَالِ بُنْيَانِ الْقَرْيَةِ فَإِنْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهَا بِحَيْثُ لَوْ سَافَرَ مَنْ فِي بَعْضِهَا قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَهُ وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ الْبَاقِيَ فَهَذَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ يَجْعَلُهَا فِي حُكْمِ الْقُرَى وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلَةِ وَقَدْ يَخْرَبُ بَعْضُ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ فَتَنْهَدِمُ وَتَحْتَرِقُ فَيَكُونُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْبَيْتِ هَذَا الْقَدْرُ انْتَهَى. وَالثَّوَاءُ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا الْتَوَى بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَالْقَصْرِ فَمَعْنَاهُ الْهَلَاكُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ حُكْمَ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ حَصَلَ لَهُمْ الْأَمْنُ بِمَحَلَّتِهِمْ وَأَمْكَنَهُمْ الْمُقَامُ بِمَوْضِعِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا مَعْنَى التَّقَرِّي وَهُوَ أَنْ تُمْكِنَهُمْ الْإِقَامَةُ آمِنِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَدَدٌ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِانْفِرَادُ بِالِاسْتِيطَانِ فَصَحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَأَمَّا الِاسْتِيطَانُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ الْفُرَاتِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجِّ حَقِيقَةُ التَّوَطُّنِ الْإِقَامَةُ بِعَدَمِ نِيَّةِ الِانْتِقَالِ وَلَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ حَقِيقَةِ الِاسْتِيطَانِ كَوْنُهُمْ يَخْرُجُونَ فِي أَيَّامِ الْمَطَرِ نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْجَمَاعَةِ يُقِيمُونَ بِمَوْضِعٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ يُقِيمُونَ فِيهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَقَرْيَتَيْنِ إذَا حَلُّوا بِإِحْدَاهُمَا أَقَامُوا فِيهَا وَإِذَا حَلُّوا بِالْأُخْرَى أَقَامُوا فِيهَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ فِي الْقَوْمِ يَمُرُّونَ بِثَغْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَيُقِيمُونَ فِيهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ فَقَالَ الْبَاجِيُّ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِيطَانِ وَقَيَّدَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِكَوْنِ أَهْلِ الثَّغْرِ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ فِيهَا اسْتِيطَانٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ أَبِي عِمْرَانَ انْتَهَى. وَقَالُوا أَيْضًا فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ فِيمَنْ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إذَا أَقَامَ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ جُعِلَ وَطَنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي الْفَتْوَى عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ بِمَا فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ. وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقِيمُهَا الثَّلَاثُونَ وَمَا قَارَبَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ بَيْتًا» وَالْبَيْتُ مَسْكَنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا قَارَبَهَا فَكَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يَقُولُ كَالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ لَا أَقَلَّ وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَقُولُ كَالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ أَقُولُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَدَدِ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَبِيدِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا إذَا كَمُلَ بِهِمْ عَدَدُ الْجَمَاعَةِ لَا أَنَّهُمْ

كُلَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ مُسَافِرُونَ انْتَهَى. قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي لَا تُجْزِئُ الْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ إلَى الْعَشَرَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ حَيْثُ يَسْتَغْنُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الْأُمُورِ الْكَثِيرَةِ لَا النَّادِرَةِ بِحَيْثُ يَدْفَعُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؟ . عَلَى قَوْلَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي اُخْتُلِفَ فِي كَمِّيَّةِ ذَلِكَ فَفِي الْوَاضِحَةِ لَا دُونَهَا وَفِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَمْسِينَ وَفِي اللُّمَعِ عَشَرَةٌ وَفِي غَيْرِهِ اثْنَيْ عَشَرَ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْمُشْتَرَطُ حُصُولُ الْعَدَدِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْعِيرِ مَا نَصُّهُ وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ زَادَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ وَرَجَعَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِلْأَوَّلِ انْتَهَى. ص (وَبِإِمَامٍ مُقِيمٍ) ش: اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْمُقِيمِ، الْمُسْتَوْطِنِ أَوْ الْمُقِيمِ إقَامَةً تُسْقِطُ حُكْمَ السَّفَرِ؟ . فَأَفْتَى الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَطِّنًا مُسْتَنِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ فِي التَّلْقِينِ وَنَصُّهُ: قَالَ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيِّ مَا نَصُّهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا يُصَلِّي بِهِمْ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ كَمَنْ هُوَ خَارِجَ الْبَلَدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَدُونَ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَافِرٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ أَهْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَتَجِبُ بِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ، وَقِسْمٌ تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَجِبُ بِهِمْ وَهُمْ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ، وَقِسْمٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَجِبُ بِهِمْ وَهُمْ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْأَمْيَالِ الثَّلَاثَةِ وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْإِمَامُ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ وَلَيْسَ فِي الْمِصْرِ إمَامٌ هَلْ يُقِيمُ هَذَا الَّذِي خَارِجَ الْمِصْرِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا؟ . قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُقِيمُهَا بِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ قَالَ الْفَقِيهُ رَاشِدٌ: يُقِيمُهَا بِهِمْ كَمَا يُصَلِّيهَا بِهِمْ الْمُسَافِرُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمِصْرِ مَنْ يُحْسِنُ الْخُطْبَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ إمَامٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى آخِرِ كَلَامِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَهْلُ قَرْيَةٍ تَوَفَّرَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ لَا مَنْ يُحْسِنُ الْخُطْبَةَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ وَيَأْتِي مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ مِنْ خَارِجِ الْقَرْيَةِ وَدَاخِلِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَجَرَتْ الْفُتْيَا فِي زَمَانِنَا هَذَا بِجَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَابُلُسِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ لَمْ أَرَهُ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُقِيمُهَا الْمُقِيمُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُقِيمًا ثُمَّ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْإِقَامَةُ الْمُقَابِلَةُ لِلسَّفَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْجُزُولِيِّ: كَمَا يُصَلِّيهَا بِهِمْ الْمُسَافِرُ. غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا الْخَلِيفَةَ يَمُرُّ بِقَرْيَةٍ جُمُعَةً) ش ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِالْخَلِيفَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالْإِمَامِ وَلَفْظُ الْأُمِّ يَدُلُّ

فرع ذكر خطيب الصلاة في خطبته الصحابة والسلطان

عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَاصًّا بِالْخَلِيفَةِ وَأَنَّ كُلَّ أَمِيرٍ إذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ مِمَّا فِي عَمَلِهِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا الْجُمُعَةَ وَنَصُّهَا: قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمِيرِ الْمُؤَمَّرِ عَلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَيَخْرُجُ فِي عَمَلِهِ مُسَافِرًا: إنَّهُ إنْ مَرَّ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُ يُجْمَعُ فِي مِثْلِهَا الْجُمُعَةُ جَمَعَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ مَرَّ بِمَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ فِي عَمَلِهِ جَمَعَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنْ جَمَعَ فِي قَرْيَةٍ لَا يَجْمَعُ فِيهَا أَهْلُهَا لِصِغَرِهَا فَلَا تُجْزِئُهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ فِي الْقُرَى الَّتِي يُجْمَعُ فِي مِثْلِهَا إذَا كَانَ فِي عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ إمَامُهُمْ انْتَهَى. ص (وَوَجَبَ انْتِظَارُهُ لِعُذْرٍ قَرُبَ عَلَى الْأَصَحِّ) ش: عَزَا هَذَا الْقَوْلَ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَاسْتَظْهَرَهُ وَلَهُمَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَا الِاسْتِخْلَافَ لِمَالِكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إنْ كَانَ قَرِيبًا قَالَ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَنَحْوُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَكِنَّ صَاحِبَ الطِّرَازِ جَعَلَهُ تَفْسِيرًا فَلِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْكَرُوفِ فِي الْوَافِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً) ش: جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ أَقَلَّهَا حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ وَيَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ وَيَقْرَأُ فِي خُطْبَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ أَعَادَ الْخُطْبَةَ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَجْزَأَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ حَكَى الْمُؤَرِّخُونَ عَنْ عُثْمَانَ كِذْبَةً عَظِيمَةً أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَارْتَجَّ عَلَيْهِ فَقَالَ كَلَامًا مِنْ جُمْلَتِهِ وَأَنْتُمْ أَحْوَجُ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ أَقُولُ يَاللَّهُ وَلِلْعُقُولِ، إنْ قُلْنَا الْيَوْمَ لَا يُرْتَجُّ عَلَيْهِ فَكَيْفَ عُثْمَانُ لَا سِيَّمَا وَأَقْوَى أَسْبَابِ الْحَصْرِ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يُرْضِي السَّامِعِينَ وَيُمِيلُ قُلُوبَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الظُّهُورَ عِنْدَهُمْ وَمَنْ كَانَتْ خُطْبَتُهُ لِلَّهِ فَلَيْسَ يُحْصَرُ عَنْ حَمْدٍ وَصَلَاةٍ وَحَضٍّ عَلَى خَيْرٍ وَتَحْذِيرٍ مِنْ شَرِّ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَا يُحْصَرُ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ غَيْرُ الْخَيْرِ انْتَهَى. [فَرْعٌ ذِكْرِ خَطِيبِ الصَّلَاةِ فِي خُطْبَتِهِ الصَّحَابَةَ وَالسُّلْطَانُ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ حَاصِلُهَا مَا حُكْمُ ذِكْرِ خَطِيبِ الصَّلَاةِ فِي خُطْبَتِهِ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَالسُّلْطَانَ - سَدَّدَهُ اللَّهُ - وَمَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ وَمَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ شَرْعٌ لَا يُخَالَفُ أَوْ وَاجِبٌ لَا يُتْرَكُ وَجَوَابُهَا أَنَّ نَقُولَ: أَمَّا بِدْعَةُ ذِكْرِ الصَّحَابَةِ فَهَذَا عِنْدِي جَائِزٌ حَسَنٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَعْظِيمِ مَنْ عُلِمَ تَعْظِيمُهُ مِنْ الشَّرِيعَةِ ضَرُورَةً وَنَظَرًا وَلَا سِيَّمَا إذَا مَزَجَ ذَلِكَ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ نُصْرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَذْلِ نُفُوسِهِمْ فِي إظْهَارِ الدِّينِ وَأَمَّا بِدْعَةُ ذِكْرِ السَّلَاطِينِ بِالدُّعَاءِ وَالْقَوْلِ السَّالِمِ مِنْ الْكَذِبِ فَأَصْلُ وَضْعِهَا فِي الْخُطْبَةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ مَرْجُوحٌ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَمْ يَشْهَدْ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِ حُسْنِهَا فِيمَا أَعْلَمُ. وَأَمَّا بَعْدَ إحْدَاثِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا فِي الْخُطَبِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَصَيْرُورَةِ عَدَمِ ذِكْرِهَا مَظِنَّةَ اعْتِقَادِ السَّلَاطِينِ فِي الْخَطِيبِ مَا يُخْشَى غَوَائِلُهُ وَلَا تُؤْمَنُ عَاقِبَتُهُ فَذِكْرُهُمْ فِي الْخُطَبِ رَاجِحٌ أَوْ وَاجِبٌ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلسَّلَاطِينِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هُوَ مُحْدَثٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضِ لِابْنِ الْمُقْرِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسَّلَاطِينِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: مَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُجَاوَزَةٌ فِي وَصْفِهِ؛ إذْ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِصَلَاحِ السُّلْطَانِ انْتَهَى. ص (تَحْضُرُهُمَا الْجَمَاعَةُ) ش: يُرِيدُ وُجُوبًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيُّ لَا نَصَّ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُهُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي وُجُوبِهِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِغَيْرِهَا وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْوُجُوبُ نَصُّهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا لَا يُجْمَعُ إلَّا بِجَمَاعَةٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَصَوَّبَهُ عِيَاضٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ

صَاحِبُ الطِّرَازِ الَّذِي حَكَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ مُقْتَضَى الْكِتَابِ ثُمَّ جَعَلَهُ الْمَذْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَوْجِيهِهِ: وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُصَلِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ جُمُعَةً إلَّا بِخُطْبَةٍ فِي جَمَاعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الْمَوْعِظَةُ وَالتَّذْكِيرُ وَذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ وَاحِدَةً. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْجَمَاعَةِ لِلْعَهْدِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِهِمْ وَهُوَ الِاثْنَا عَشَرَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنْ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ خَطَبَ وَإِلَّا انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ. (الثَّانِي) مِنْ شَرْطِهَا اتِّصَالُهَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتِمَاعُهَا. ص (وَاسْتَقْبَلَهُ غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) ش ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ اسْتِقْبَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ قَطْعُ الْكَلَامِ وَاسْتِقْبَالُهُ وَالْإِنْصَاتُ إلَيْهِ فَقَوْلُهُ مَعَ الْإِنْصَاتِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وُجُوبَ اسْتِقْبَالِ الْخَطِيبِ مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ عَنْ مَالِكٍ كَالْإِنْصَاتِ كَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيِّ وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَحْمِلُ قَوْلَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَقُولُ: إنَّ الْمَذْهَبَ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَا يُحْفَظُ وُجُوبُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَصَرَّحَ مَالِكٌ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ مَعَ الْإِمَامِ وَتَرْكُهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَلَا يُفَوِّتُ وَاجِبًا كَالنَّظَرِ إلَى الْإِمَامِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِنَصِّ مَالِكٍ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّإِ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ يَلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَهَا قَالَ الْبَاجِيُّ عَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَمَلُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتَقْبَلَهُمْ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي وَعْظِهِمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوهُ إجَابَةً لَهُ وَطَاعَةً وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَلْزَمُ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ مَنْ لَا يَسْمَعُهُ وَلَا يَرَاهُ مِمَّنْ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَلِلْمُسْتَقْبِلِ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا زَادَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ وَإِنْ حَوَّلَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ انْتَهَى. (قُلْت) فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ قَوْلَ السُّنَّةِ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ حَمَلَهُ عَلَى مُوَافَقَةِ ابْنِ حَبِيبٍ فَتَحَصَّلَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ طَرِيقَانِ الْأَكْثَرُ عَلَى وُجُوبِهِ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ فِي اسْتِثْنَاءِ مَنْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَجَعَلَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُ خِلَافَ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّطِّيُّ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ كَغَيْرِهِ فَمَا ذَكَرَهُ خِلَافُهَا انْتَهَى. (قُلْت) : وَكَلَامُ الْمُوَطَّإِ نَصٌّ أَوْ كَالنَّصِّ فِي خِلَافِ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ وَفِي وُجُوبِ قِيَامِهِ لَهُمَا تَرَدُّدٌ) ش: أَيْ طَرِيقَانِ: الْأَكْثَرُ عَلَى وُجُوبِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ قِيَامِ الْخَطِيبِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً طَرِيقَانِ: الْأَكْثَرُ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى. (قُلْت) وَفِي عَزْوِهِ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَحْدَهُ نَظَرٌ، فَقَدْ وَافَقَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى ذَلِكَ وَتَبِعَ الْقَاضِيَ عَلَى ذَلِكَ الْبَاجِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الذَّكَرَ بِلَا عُذْرٍ الْمُتَوَطِّنَ وَإِنْ بِقَرْيَةٍ نَائِيَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ بَالِغٍ يُدْرِكُهُ الزَّوَالُ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ غَيْرَ مُسَافِرٍ. وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إتْيَانِهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ بِفِعْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا لَهَا مُسْتَكْبِرًا عَنْهَا وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَاسِقٌ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ ذَلِكَ فِيمَنْ تَرَكَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ

غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا عُذْرٍ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ شُهُودُ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ وَمَنْ تَرَكَهَا مِرَارًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَكَى فِي تَرْكِهَا الْقَتْلَ وَسَمِعْت أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلًا ضَعِيفًا فِي قَتْلِهِ وَأَمَّا الْمُعَاقَبَةُ فَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْإِمَامَ يُعَزِّرُهُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشُّرْبِ وَرَأَيْت فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَا نَصُّهُ: قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي تَارِكِ الْجُمُعَةِ بِقَرْيَةٍ يُجْمَعُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا مَرَضٍ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ قَالَ سَحْنُونٌ إذَا تَرَكَهَا ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ قَالَ أَصْبَغُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتْرُك الْجُمُعَةَ نَرَى أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ لَهُ عُذْرًا وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ وَيُكْشَفُ فَإِنْ عُلِمَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ وَجَعٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ اخْتِفَاءٍ مِنْ دَيْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَرَى أَنْ لَا تُرَدَّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ رَأَيْت أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى الدِّينِ وَلَا عَلَى الْجُمُعَةِ لِبُرُوزِهِ فِي الصَّلَاحِ وَعِلْمِهِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ. قَالَ أَصْبَغُ وَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ إذَا تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَهَاوُنًا بِهَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَلَا يُنْظَرُ بِهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَرِيضَةِ مَرَّةً وَثَلَاثًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ سَوَاءٌ هِيَ فَرِيضَةٌ مَفْرُوضَةٌ مُفْتَرَضٌ إتْيَانُهَا كَفَرِيضَةِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا فَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا مُتَعَمِّدًا مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّارِكِ أَصْلًا لِلْأَبَدِ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ فِي قَلِيلِ فِعْلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَمُتَعَدٍّ لِحُدُودِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] وَاَلَّذِي قِيلَ فِيمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا: طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِثْمِ وَالنِّفَاقِ وَيُنْتَظَرُ فِي الثَّالِثَةِ التَّوْبَةُ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي التَّرْكِ لَهُ عَمَلًا وَلَا فِي إبْطَالِ شَهَادَتِهِ لَا بَلْ تُطْرَحُ شَهَادَتُهُ وَيُوقَفُ وَيُعَاقَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ مِمَّنْ مَضَى مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ وُجِدَ لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ رُبِطَ فِي عَمُودٍ وَعُوقِبَ وَأُرَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونٍ: إنَّ شَهَادَةَ التَّارِكِ بِقَرْيَةٍ تُجْمَعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لَا تُرَدُّ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ أَظْهَرُ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْبَغُ مِنْ أَنَّهَا تُرَدُّ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَمَعْنَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ عُذْرٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِالصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ إذَا تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْعُذْرِ بِخِلَافِ مَنْ عُلِمَ بِالصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ وَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُون مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ قَوْلَ سَحْنُونٍ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَسْلَمُ مِنْ مُوَاقَعَةِ الذُّنُوبِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يُجْرَحَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ بِمَا دُونَ الْكَبَائِرِ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا صَغَائِرُ بِإِضَافَتِهَا إلَى الْكَبَائِرِ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ مِنْهَا فَيُعْلَمُ أَنَّ غَيْرَ الصَّغَائِرِ لَا تُخْرِجُ الْعَدْلَ عَنْ عَدَالَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَهَاوِنٌ بِهَا وَغَيْرَ مُتَوَقٍّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ الْعَدَالَةِ وَلِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ بِطَابَعِ النِّفَاقِ» دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي عِظَمِ الْإِثْمِ وَكَثْرَةِ الْوَعِيدِ فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً اشْتِغَالًا بِمَا سِوَاهَا مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ فَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُتَهَاوِنٌ بِدِينِهِ غَيْرُ مُتَوَقٍّ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَارِكِ صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجِبُ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَكْثُرَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَاحْتِجَاجُ أَصْبَغَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ} [النساء: 14] الْآيَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ وَتَعَدَّى حُدُودَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَةِ الْكُفَّارِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَصْبَغَ شَبَّهَ تَرْكَ الْجُمُعَةِ بِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ

فرع الصلاة في أيام منى بمنى

وَقْتُهَا فِي أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُؤَخَّرُ فَكَذَلِكَ تَارِكُ الْجُمُعَةِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَلَا يُؤَخَّرُ وَلَمْ يُشَبِّهْ تَرْكَ الْجُمُعَةِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ مُطَرِّفٌ إذَا تَرَكَهَا مِرَارًا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَشَهَادَتُهُ مَطْرُوحَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ عُذْرٌ وَيَظْهَرَ وَلَا يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ بِجَهَالَةٍ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْعُذْرُ لِلنَّاسِ وَالْمَرْءُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ يَكُونُ بِحَالٍ لَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ وَلَيْسَ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى النَّاسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَرِّقَ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا بَيْتَهُ هِيَ الْجُمُعَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ انْتَهَى. ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ لِصَفْوَانَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ وَتَرَكَهَا مَرَّاتٍ ثَلَاثًا أَوْ غَيْرَهَا وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ الظُّهْرَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إتْيَانِ الْجُمُعَةِ لَا عُذْرَ لَهُ يَحْبِسُهُ عَنْهَا أَنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ إذَا كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُتَأَوِّلًا وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ فَاسِقٌ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ وَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا وَهُوَ يُقِرُّ بِهِ انْتَهَى. فَانْظُرْ قَوْلَهُ كَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا وَهُوَ يُقِرُّ بِهِ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالتَّشْبِيهِ بِهِ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ كُفْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الصَّلَاةُ فِي أَيَّامِ مِنًى بِمِنًى] (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ حَبَسَهُ كَرِيهٌ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ حَتَّى يُصَلِّيَ أَهْلُ مَكَّةَ الْجُمُعَةَ قَالَ أَرَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُقِيمًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَلْحَقُ الْإِمَامَ فَإِنْ أَدْرَكَ الظُّهْرَ بِمِنًى وَإِلَّا صَلَّى فِي الطَّرِيقِ أَفْضَلُ انْتَهَى. فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَفْضَلُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ مِنًى بِمِنًى أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِكَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ) ش: أَتَى بِالْكَافِ لِيُنَبِّه عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَمْيَالٍ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ فَلِذَا لَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ زِيَادَةً يَسِيرَةً تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَلْ الثَّلَاثَةُ تَحْدِيدٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهَا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ أَوْ تَقْرِيبٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَتَجِبُ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى قَوْلِهَا: وَيَجِبُ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي فَسَّرَ الْمَغْرِبِيُّ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ بِرُبْعِ الْمِيلِ وَثُلُثِهِ قَالَ وَسَأَلْت شَيْخَنَا لِمَ اعْتَبَرَ فِي الْكِتَابِ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ مَعَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ هُوَ الَّذِي يَبْلُغُهُ الصَّوْتُ الرَّفِيعُ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ تَحْقِيقٌ لِلثَّلَاثَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِكَفَرْسَخٍ مُتَعَلِّقٌ بِنَائِيَةٍ أَيْ بَعِيدَةٍ مِنْ النَّأْيِ وَهُوَ الْبَعْدُ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِثَانِيَةٍ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ كَذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهُ هُوَ الْمُرَاعَى شَخْصُهُ أَوْ مَسْكَنُهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَسْكَنُهُ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ أَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ خَارِجَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ وَأَخَذَهُ الْوَقْتُ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ الشَّيْخُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي هَكَذَا حُكْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ طَالَ عَهْدِي بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْجُزُولِيِّ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ أَبْعَدَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَكَانَ فِي وَقْتِ السَّعْيِ فِي ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَإِنْ كَانَ مُجْتَازًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَلَهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ انْتَهَى. (الثَّانِي) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَنْزِلِهِ وَالْجَامِعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ أَبِي أُوَيْسِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (كَانَ أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ النِّدَاءَ قَبْلَهُ) ش نَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ تَعْلِيقُ الرُّجُوعِ بِأَنْ يُدْرِكَهُ الْأَذَانُ لَا بِالزَّوَالِ

فَلَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الطِّرَازِ فَقَالَ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَزَالَتْ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ فَإِنْ لَمْ يُؤَذَّنْ لِلْجُمُعَةِ حَتَّى جَاوَزَ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ تَمَادَى وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَذَانِ وَوَقْتَ ابْتِدَاءِ السَّفَرِ لَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ فَلَا يُرَاعَى الْوَقْتُ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنْ أُذِّنَ لَهَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ قَالَ الْبَاجِيُّ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. ثُمَّ وَجَّهَ النَّظَرَ بِنَحْوِ مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَصُّ كَلَامِ الْبَاجِيِّ: فَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأُذِّنَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ نُودِيَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ بِمَوْضِعٍ يَلْزَمُ مِنْهُ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَرَفَةَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَلَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ فَحَضَرَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لُزُومُ الْجُمُعَةِ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَضَ الْإِقَامَةَ وَحَصَلَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ نِيَّةً وَفِعْلًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي لُزُومِهَا الْمُسَافِرَ قَبْلَ وَقْتِ الْمَنْعِ فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ قَوْلَا الْبَاجِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ الْأَمْرُ بِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا إذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا أَوْ يُدْرِكُ رَكْعَةً مِنْهَا وَأَمَّا إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ رُجُوعَهُ لَا يُدْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَمْرِ بِهِ انْتَهَى، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (لَا بِالْإِقَامَةِ إلَّا تَبَعًا) ش: قَالَ فِي الْمُنْتَقَى الْإِقَامَةُ اعْتِقَادُ الْمَقَامِ بِمَوْضِعٍ مُدَّةً يَلْزَمُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِهَا وَالِاسْتِيطَانُ نِيَّةُ التَّأْبِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فَإِنْ حَضَرَهَا صَحَّتْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ إذَا كَانَ لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي الْحُضُورِ وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَوَائِجِهِ انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ تَحْسِينُ هَيْئَةٍ وَجَمِيلُ ثِيَابٍ) ش قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَتُسْتَحَبُّ الزِّينَةُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَالِاسْتِحْدَادُ وَالسِّوَاكُ وَجَمِيلُ الثِّيَابِ انْتَهَى، وَقَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (وَمَشْيٌ) ش: قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالرَّوَاحِ إلَيْهَا وَالْمَشْيُ إلَى الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ أَوْ طِينٌ أَوْ بُعْدُ مَكَان وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِي أَبُو عِيسَى وَأَنَا ذَاهِبٌ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ» انْتَهَى. ص (وَتَهْجِيرٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ التَّهْجِيرَ مُسْتَحَبٌّ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ التَّبْكِيرِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهَذَا وَاضِحٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ وَلَا الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بَهْرَامُ فِي شُرُوحِهِ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّهْجِيرِ الْمَطْلُوبِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَنَصُّهُ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: التَّهْجِيرُ أَفْضَلُ مِنْ التَّبْكِيرِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ هَلْ أَوَّلُهُ الْفَجْرُ أَوْ الشَّمْسُ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمُوَطَّإِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» فَحَمَلُوا السَّاعَةَ عَلَى الْعَادِيَّةِ وَقَسَّمَ مَالِكٌ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ الرَّوَاحَ لُغَةً لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ

وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] فَالْمَجَازُ لَازِمٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَمَذْهَبُنَا أَقْرَبُهُمَا لِلْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ عَقَّبَ الْخَامِسَةَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْخَامِسَةِ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَإِلَّا لَوَقَعَتْ الصَّلَاةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِذَا بَطَلَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ؛ إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَتَقْسِيمُ السَّادِسَةِ لِصَاحِبِ الْمُنْتَقَى وَصَاحِبِ الِاسْتِذْكَارِ وَالْعَبْدِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ وَقَالَ اللَّخْمِيّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَصَاحِبُ الْمُعْلِمِ وَابْنُ يُونُسَ وَجَمَاعَةٌ: التَّقْسِيمُ فِي السَّابِعَةِ وَالْمَوْجُودُ لِمَالِكٍ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ أَرَى هَذِهِ السَّاعَاتِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ «كُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْجُدْرَانُ لَيْسَ لَهَا فَيْءٌ» وَإِذَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ «فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ بَطَلَ الْحَدِيثُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تِلْكَ الْأَزْمِنَةَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَأْبَاهُ وَالْقَوَاعِدَ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَيْضَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَتَحَمُّلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا يَقْتَضِي هَذَا التَّفْصِيلَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْحَدِيثِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى هُوَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَصُّهُ: ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ هَذِهِ أَجْزَاءٌ مِنْ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَرَ التَّبْكِيرَ لَهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّاعَاتِ الْمَعْلُومَاتِ، وَأَنَّ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ فِي ذَلِكَ أَوَّلُ سَاعَةِ النَّهَارِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ مِنْ النَّهَارِ لَمْ يَذْكُرْ فَضِيلَةَ مَنْ جَاءَ فِيهَا وَلَيْسَتْ بِوَقْتِ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بِوَقْتِ اسْتِمَاعِ الذِّكْرِ مِنْهُ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَرْتَفِعُ فَضِيلَةُ الرَّوَاحُ وَتَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ لِلذِّكْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِالسَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ السَّاعَةَ الْخَامِسَةَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ تَصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّكْرِ، وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ أَجْزَاءٌ مِنْ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَتِلْكَ السَّاعَةُ يَصِحُّ تَجْزِئَتُهَا عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ثُمَّ رَاحَ» . وَالرَّوَاحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ الْجُزُولِيُّ فِي أَحَدِ شُرُوحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَأَمَّا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ نَاجِي فَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِتَبْيِينِ الْوَقْتِ. وَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ وَالْمَوْجُودُ لِمَالِكٍ إنَّمَا هُوَ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ مَالِكٍ نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَبَيَّنَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ فَتَقَوَّى الْقَوْلُ الَّذِي صَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ وَزَادَ صِحَّةً عَلَى صِحَّةٍ بِوُرُودِ النَّصِّ عَنْ مَالِكٍ عَلَى وَقْفِهِ وَتَقْرِيرِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ وَقْتَ الرَّوَاحِ يَدْخُلُ بِأَوَّلِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ التَّهْجِيرَ يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُرْجَعُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ إلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ. وَسُئِلَ عَنْ التَّهْجِيرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ نَعَمْ يُهَجِّرُ بِقَدَرٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَقَالَ {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُونَ إلَى الْجُمُعَةِ هَكَذَا وَأَنَا أَكْرَهُ هَذَا الْقَدْرَ هَكَذَا حَتَّى إنَّ الْمَرْءَ لَا يُعْرَفُ بِهِ وَأَنَا أَخَافُ عَلَى هَذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ وَأَنْ يُحِبَّ أَنْ يُعْرَفَ بِهِ فَأَنَا أَكْرَهُهُ وَلَا أُحِبُّهُ وَلَكِنْ رَوَاحًا بِقَدَرٍ وَقَدْ سَمِعْت السَّائِلَ يَسْأَلُ رَبِيعَةَ يَقُولُ لَأَنْ أُلْقَى فِي طَرِيقِ الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقَى فِي طَرِيقِ السُّوقِ فَقِيلَ لِمَالِكٍ مَا تَقُولُ أَنْتَ فِي هَذَا؟ . فَقَالَ هَذَا مَا لَا يَجِدُ أَحَدٌ مِنْهُ بُدًّا قِيلَ لَهُ أَفَتَرَى أَنْ يَرُوحَ قَبْلَ الزَّوَالِ؟ . قَالَ نَعَمْ فِي رَأْيِي. قِيلَ لَهُ: أَتُهَجِّرُ بِالرَّوَاحِ إلَى الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ . فَقَالَ: نَعَمْ، فِي ذَلِكَ سَعَةٌ. قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ الْغُدُوَّ بِالرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ

ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ الْمَعْمُولِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا لَا يَغْدُونَ إلَى الْجُمُعَةِ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ بِالْخَمْسِ سَاعَاتٍ فِي قَوْلِهِ: «ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ سَاعَاتِ النَّهَارِ الْمَعْلُومَةَ مِنْ أَوَّلِهَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ سَاعَةَ الرَّوَاحِ وَهِيَ الَّتِي تَتَّصِلُ بِالزَّوَالِ وَقْتَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فَهِيَ الَّتِي تَنْقَسِمُ عَلَى الْخَمْسِ فَيَكُونُ الرَّائِحُ فِي الْأُولَى مِنْهَا كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَفِي الثَّانِيَةِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً وَفِي الثَّالِثَةِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا أَقْرَنَ وَفِي الرَّابِعَةِ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً وَفِي الْخَامِسَةِ كَالْمُتَّصِلَةِ بِالزَّوَالِ وَخُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ السَّاعَةُ مُنْقَسِمَةً عَلَى الْخَمْسِ سَاعَاتِ مَحْدُودَةً بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَيُعْلَمُ حَدُّهَا حَقِيقَةً وَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ فِي قَدْرِهَا إلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ وَأَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ فَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يُهَجِّرُ بِقَدَرٍ أَيْ يَتَحَرَّى قَدْرَ تَهْجِيرِ السَّلَفِ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَيَغْدُو مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ شَذَّ عَنْهُمْ فَصَارَ كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَفْهَمُوهُ أَوْ رَغِبَ مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَمْ يَرْغَبُوهُ انْتَهَى. وَقَدْ أَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبِسَاطِيُّ هَذِهِ النُّقُولَ وَاقْتَصَرَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ. وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَا ابْنِ حَبِيبٍ وَمَالِكٍ انْتَهَى. وَفِي إطْلَاقِهِ التَّبْكِيرَ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مُسَامَحَةٌ وَنَصُّ الْبِسَاطِيِّ وَأَمَّا مَنْدُوبِيَّةُ التَّهْجِيرِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَةِ الْأُولَى. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: إنَّ السَّاعَةَ الْأُولَى فِي الْحَدِيثِ طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ كَذَلِكَ وَقَالَ مَالِكٌ: السَّاعَةُ الَّتِي بَعْدَ الزَّوَالِ تَنْقَسِمُ سَاعَاتٍ انْتَهَى. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْإِمَامِ بِأَثَرِ الزَّوَالِ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَصَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ: اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ التَّبْكِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَبْلَ الزَّوَالِ انْتَهَى. ص (وَسَلَامُ خَطِيبٍ لِخُرُوجِهِ لَا صُعُودِهِ) ش: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ أَنَّ الْخَطِيبَ وَالْمُؤَذِّنَ الَّذِي يُنَاوِلُهُ الْعَصَا يُسَلِّمَانِ إذَا دَخَلَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَعَ الْخَطِيبِ مُؤَذِّنٌ يُنَاوِلُهُ الْعَصَا وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ سَلَامُ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ إذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ انْتَهَى. ص (وَجُلُوسِهِ أَوَّلًا وَبَيْنَهُمَا) ش أَمَّا الْجُلُوسُ الثَّانِي فَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِيهِ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ الْمَشْهُورَ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَّرَهُ وَحَكَى فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَاصِلُ أَنْ كُلًّا مِنْ الْجَلْسَتَيْنِ سُنَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَلَسَ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ لِلْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ؟ . قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَجْلِسُ وَإِنَّمَا يَجْلِسُ فِي الْجُمُعَةِ انْتِظَارًا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَفْرُغَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَكَانَ يَرَى إذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ خَطَبَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ فِيهِمَا مُؤَذِّنًا. قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ ذَلِكَ أَهْدَى لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَهُ وَفِيهِ زِيَادَةُ وَقَارٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِ خُطْبَتِهِ وَفِي وَسَطِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مِقْدَارُ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ بَيْنَ مُشْتَبِهَتَيْنِ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي

فرع الأذان بين يدي الإمام في الجمعة

يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] انْتَهَى. ص (وَرَفْعُ صَوْتِهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إسْرَارُهَا كَعَدَمِهَا وَقَوْلُ ابْنِ هَارُونَ: فَلَوْ أَسَرَّ حَتَّى لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ أَجْزَأَتْ وَأَنْصَتَ لَهَا لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ص (وَاسْتِخْلَافُهُ لِعُذْرٍ حَاضِرَهَا) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ فَلَا يُتِمَّهَا وَلَكِنْ يَسْتَخْلِفُ مَنْ شَهِدَهَا فَيُتِمَّ بِهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَتْهُمْ وَإِنْ مَضَى الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ لَمْ يُصَلُّوا أَفْذَاذًا وَيَسْتَخْلِفُونَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَدِّمُوا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهَا أَجْزَأَتْهُمْ وَإِنْ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ وَإِنْ تَقَدَّمَ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُقَدِّمُوهُ وَلَا إمَامُهُمْ أَجْزَأَتْهُمْ، وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. ص (وَخَتْمُ الثَّانِيَةِ بِيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَأَجْزَأَ اُذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُسْتَحَبُّ بَدْؤُهَا بِالْحَمْدِ وَخَتْمُهَا بِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ انْتَهَى. ص (وَتَوَكُّؤٌ عَلَى كَقَوْسٍ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي اسْتِحْبَابِ تَوَكُّئِهِ عَلَى عَصًا بِيَمِينِهِ خَوْفَ الْعَبَثِ مَشْهُورُ رِوَايَتَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشَاذَّتُهُمَا. وَفِي إغْنَاءِ الْقَوْسِ عَنْهَا مُطْلَقًا أَوْ بِالسَّيْفِ فَقَطْ رِوَايَتَا ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ زِيَادٍ. وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عَلَى مِنْبَرٍ قُرْبَ الْمِحْرَابِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْيِيرَ مَنْ لَا يَرْقَاهُ فِي قِيَامِهِ بِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ يَمِينَهُ لِمَنْ مَسَكَ عَصًا بِقُرْبِ الْمِحْرَابِ وَيَسَارَهُ لِتَارِكِهَا لِيَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى عُودِ الْمِنْبَرِ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْأَذَانُ بَيْنَ يَدِي الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَذَانُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ مَكْرُوهٌ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. ص (وَأَخَّرَ الظُّهْرَ رَاجٍ زَوَالَ عُذْرِهِ) ش: لَوْ قَالَ: وَتَأْخِيرُ رَاجٍ زَوَالَ عُذْرِهِ الظُّهْرَ لَكَانَ أَبَيْنَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَاسْتُؤْذِنَ

إمَامٌ لَوْ قَالَ وَاسْتِئْذَانُ إمَامٍ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. ص (وَلَا يَجْمَعُ الظُّهْرَ إلَّا لِعُذْرٍ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ الْمُصَلِّينَ الْجُمُعَةَ ظُهْرًا حَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ أَرْبَعُ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَهُمْ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرُونَ وَأَهْلُ السُّجُونِ فَهَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ جَاءَتْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ لِعُذْرٍ فَإِنْ جَمَعُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُعِيدُوا. وَطَائِفَةٌ تَخَلَّفَتْ عَنْ الْجُمُعَةِ لِعُذْرٍ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَجْمَعُونَ أَمْ لَا عَلَى مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعَ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ فَإِنْ جَمَعُوا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يُعِيدُوا. وَطَائِفَةٌ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فَهَؤُلَاءِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ وَقَدْ قِيلَ يَجْمَعُونَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ فَإِنْ جَمَعُوا لَمْ يُعِيدُوا. وَطَائِفَةٌ تَخَلَّفَتْ عَنْ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَهَؤُلَاءِ لَا يَجْمَعُونَ. وَاخْتُلِفَ إنْ جَمَعُوا فَقِيلَ يُعِيدُونَ وَقِيلَ لَا يُعِيدُونَ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ فِي رَسْمٍ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَيْضًا فِي قَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَحَوْلَهَا مَنَازِلُ عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ تَفُوتُهُمْ الْجُمُعَةُ إنَّهُمْ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا قَالَ فَإِنْ صَلَّوْا ظُهْرًا جَمَاعَةً فَبِئْسَ مَا صَنَعُوا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَمِثْلُهُ مَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ فِي الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ: إنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ إذَا فَاتَتْهُمْ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُهُ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إنْ جَمَعُوا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مُنِعُوا مِنْ الْجَمْعِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْجُمُعَةِ أَوْ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِأَهْلِ الْبِدَعِ فَإِذَا جَمَعُوا وَجَبَ أَنْ لَا يُعِيدُوا عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَأَشْهَبَ وَكَذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ غَالِبٍ الْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ جَمَعُوا فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إذَا قِيلَ إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ وَإِنْ كَانُوا تَعَذَّرُوا فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُحْرَمُوا فَضْلَ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهَا: وَإِذَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجْمَعُوا قُوَّةُ لَفْظِهَا تَقْتَضِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا تَخَلَّفَتْ عَنْ الْجُمُعَةِ لِأَجْلِ بَيْعَةِ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ فَإِنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ ابْنُ وَهْبٍ لَمَّا وَقَعَتْ بِهِمْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَجَمَعَ ابْنُ وَهْبٍ بِمَنْ حَضَرَ وَرَأَى أَنَّهُمْ كَالْمُسَافِرِينَ وَلَمْ يَجْمَعْ ابْنُ الْقَاسِمِ مَعَهُمْ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى شُهُودِهَا فَقَدِمُوا عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لَا يَجْمَعُوا وَقَالَ: لَا يَجْمَعُ إلَّا أَهْلُ السِّجْنِ وَالْمَرْضَى وَالْمُسَافِرُونَ وَلَمَّا بَانَ كُفْرُ عُبَيْدِ اللَّهِ الشَّعْبِيِّ فِي الْجَامِعِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْقَيْرَوَانِ تَرَكَ جَبَلُ بْنُ حَمُّودٍ الصَّلَاةَ فِي الْجَامِعِ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِإِمَامٍ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَكَانَ مِنْ رِجَالِ سَحْنُونٍ صَحِبَهُ عِشْرِينَ سَنَةً؛ فَقَالَ لَهُ: نَحْنُ أَقَمْنَا أَنْفُسَنَا مَقَامَ الْمَسْجُونِينَ وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقُرْطُبَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَابَ الْأَمِيرُ وَكَانَ مُحْتَجِبًا لَا تُسْتَطَاعُ رُؤْيَتُهُ فَأَفْتَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنْ يَجْمَعَ النَّاسُ ظُهْرًا وَأَفْتَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُصَلُّوا

أَفْذَاذًا فَنَفَذَ رَأْيُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَخَرَجَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَصَلَّى وَحْدَهُ فَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ زَرْبٍ وَقَالَ إنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ (قُلْت) وَمَحْمَلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يُقِيمُوا الْجُمُعَةَ مَعَ غِيبَتِهِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاضِحٌ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا لَمْ تُجْزِ) ش: كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ لَمْ تُجْزِ مِنْ الْإِجْزَاءِ. وَهَكَذَا نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَ: يُرِيدُ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ لَا تَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ انْتَهَى. (قُلْت) وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَفَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إذْنَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَنَّهُمْ إذَا مَنَعَهُمْ وَأَمِنُوا أَقَامُوهَا وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ فَإِذَا نَهَجَ السُّلْطَانُ فِيهَا مَنْهَجًا فَلَا يُخَالَفُ وَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَالْحَاكِمِ إذَا حَكَمَ بِقَضِيَّةٍ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ حُكْمَهُ مَاضٍ غَيْرُ مَرْدُودٍ؛ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ حُكْمِ السُّلْطَانِ سَبَبُ الْفِتْنَةِ وَالْهَرَجِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ انْتَهَى، وَهَذَا التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ جَازَ فِيمَا إذَا أَمِنُوا فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَصِفَتُهُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ» قَالَ الْبَاجِيُّ قَوْلُهُ: غَسْلَ الْجَنَابَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غُسْلًا عَلَى صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْجُنُبَ الْمُغْتَسِلَ لِجَنَابَتِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ أَوْ غَسَّلَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ عَلَى غَيْرِهِ بِالْجِمَاعِ وَاغْتَسَلَ هُوَ مِنْهُ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ يَسْمَعُ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» انْتَهَى. مِنْ التَّرْغِيبِ وَقَالَ إثْرَهُ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَاهُ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمُتَظَافِرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ التَّوْكِيدُ؛ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى غَسَّلَ غَسَلَ رَأْسَهُ خَاصَّةً وَاغْتَسَلَ غَسَلَ سَائِرَ الْجَسَدِ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ غَسَّلَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ

خُرُوجِهِ إلَى الْجُمُعَةِ لِيَكُونَ أَمْلَكَ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى بَكَّرَ أَدْرَكَ بَاكُورَةَ الْخُطْبَةِ وَهِيَ أَوَّلُهَا وَمَعْنَى ابْتَكَرَ قَدِمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مَعْنَى بَكَّرَ تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَا يَتَخَطَّاهَا» وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَنْ قَالَ غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ جَامَعَ وَمَنْ قَالَ غَسَلَ بِالتَّخْفِيفِ أَرَادَ غَسَلَ رَأْسَهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ اغْتَسَلَ وَرَاحَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَإِنْ تَبَاعَدَ أَوْ سَعَى فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ أَوْ تَغَدَّى أَوْ نَامَ انْتَقَضَ غُسْلُهُ وَأَعَادَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْدَثَ أَيْ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَمَّا الْمُتَعَمِّدُ فَيُعِيدُ الْغُسْلَ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ النَّوْمِ وَالْغِذَاءِ انْتَهَى. وَلَوْ أَجْنَبَ بَعْدَ غُسْلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ غُسْلَهُ يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا كَانَ جُنُبًا وَنَوَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ أَوْ أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ لَا عَنْ الْجَنَابَةِ وَلَا عَنْ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّ شَرْطَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حُصُولُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَحُكِيَ فِي تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْإِنْسَانِ يَذْكُرُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيَغْتَسِلَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ حَتَّى تَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجُ وَيُصَلِّيهَا بِغَيْرِ غُسْلٍ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِي الْإِكْمَالِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِلْغُسْلِ لِظَاهِرِ إنْكَارِ عُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ؛ وَلِأَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ وَاجِبٌ فَلَا يُتْرَكُ لِسُنَّةٍ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا فِي التَّعَالِيقِ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سَمَاعَ الْخَطِيبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ الْغُسْلُ لِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ حَسَنٌ وَلِمَنْ لَهُ رَائِحَةٌ وَاجِبٌ كَالْحَوَّاتِ وَالْقَصَّابِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا نِيًّا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» فَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِذَا كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَلِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسْجِدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمْ وَكَانَ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا وَجَبَ أَنْ يُزِيلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الرَّوَائِحِ انْتَهَى مِنْ بَابِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ مِنْ التَّبْصِرَةِ. (الرَّابِعُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ التَّلْقِينِ وَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَمْ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ لَيْسَ الْمَطْلُوبُ بِهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ إزَالَةَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْخِطَابِ بِهَا النَّظَافَةَ وَإِزَالَةَ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَقَدْ يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ لَا رَائِحَةَ عِنْدَهُ يُزِيلُهَا فَأُلْحِقَتْ بِحُكْمِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الَّتِي لَا تُزَالُ بِهَا عَيْنٌ وَلِهَذَا مُنِعَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالْمَاءِ الْمُضَافِ الَّذِي لَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ بِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إزَالَةُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ فَأُلْحِقَتْ بِطَهَارَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي الْغَرَضُ بِهَا إزَالَةُ الْعَيْنِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيبِ الصَّحِيحُ افْتِقَارُهُ إلَى النِّيَّةِ ص (وَجَازَ تَخَطٍّ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ إذَا رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً وَلْيَرْفُقْ فِي ذَلِكَ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّخَطِّيَ بَعْدَ جُلُوسِهِ لَا يَجُوزُ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَظَاهِرُهَا الْكَرَاهَةُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ نَاجِي كَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَحْمِلُ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ آذَيْت وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ بِنَفْسِ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَمْتَنِعُ التَّخَطِّي وَإِنْ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَهُوَ كَذَلِكَ (قُلْت) فِي نَقْلِهِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ قُصُورٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَبِمَنْعِ جُلُوسِهِ التَّخَطِّي لِفُرْجَةٍ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَيَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَقَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا

بَيْنَ نُزُولِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلرَّمَّاحِ وَأَبِي الْحَسَنِ الْعَبْدَلِيِّ (قُلْت) وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَحَكَى فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْمَشْيُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَيَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ. ص (وَاحْتِبَاءٌ فِيهَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِاحْتِبَاءُ وَالْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَيُشِيرُ بِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِاحْتِبَاءٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَمَّا احْتِبَاءُ الْإِمَامِ إذَا جَلَسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَا يُقَالُ فِيهِ احْتِبَاءٌ فِيهَا. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَبِيَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا وَيَمُدَّ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ لَهُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ فَلْيَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ أَرْفَقُ لَهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَكَانَ أَنَسٌ وَجُلُّ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهُ إلَّا عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَرِهَ قَوْمٌ الْحَبْوَةَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ وَرَخَّصَ فِيهَا آخَرُونَ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ وَكَرِهَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا تَجْلِبُ النَّوْمَ فَتُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلنَّقْضِ وَتَمْنَعُ مِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ. (فَائِدَةٌ) الِاحْتِبَاءُ هُوَ أَنْ يَضُمَّ الْإِنْسَانُ رِجْلَيْهِ إلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ يَجْمَعُهُمَا بِهِ مَعَ ظَهْرِهِ وَيَشُدَّ عَلَيْهِمَا وَقَدْ يَكُونُ الِاحْتِبَاءُ بِالْيَدَيْنِ عِوَضَ الثَّوْبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ احْتَبَى يَحْتَبِي احْتِبَاءً وَالِاسْمُ الْحَبْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْجَمْعُ حِبًا وَحِبَاءٌ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ «الِاحْتِبَاءُ حِيطَانُ الْعَرَبِ» يَعْنَى لَيْسَ فِي الْبَرَارِي حِيطَانٌ فَإِذَا أَرَادُوا الِاسْتِنَادَ احْتَبَوْا؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاءَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ السُّقُوطِ وَيَصِيرُ لَهُمْ كَالْجِدَارِ انْتَهَى. ص (كَتَأْمِينٍ وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ السَّبَبِ) ش: لَيْسَ هَذَا مِثَالًا لِلذِّكْرِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَالذِّكْرُ الْخَفِيفُ فِيهِ قَوْلَانِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى الذِّكْرِ شَيْئًا يَسِيرًا فِي نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلَا بَأْسَ وَتَرْكُ ذَلِكَ أَحْسَنُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْصِتَ وَيَسْتَمِعَ قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ وَالتَّأْمِينِ عِنْدَ ذِكْرِ الْإِمَامِ أَسْبَابَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ هَلْ يَجْهَرُ أَوْ يُسِرُّ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي الطِّرَازِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ الِاتِّفَاقَ عَلَى إجَازَةِ الثَّانِي وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي صِفَةِ النُّطْقِ بِهِ قَالَ وَالْقَوْلُ بِإِسْرَارِ ذَلِكَ لِمَالِكٍ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَالْقَوْلُ بِالْجَهْرِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الطِّرَازِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَيُؤَمِّنَ النَّاسُ وَيَجْهَرُوا بِذَلِكَ جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي وَلَا يُكْثِرُوا مِنْهُ انْتَهَى. (قُلْت) فَعُلِمَ أَنَّ الْجَهْرَ الْعَالِيَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْجَوَازَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَيْسَ هُوَ بِمَعْنَى اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا

يَنْبَغِي تَشْبِيهُ الثَّانِي بِهِ ص (وَنَهْيُ خَطِيبٍ وَأَمْرُهُ وَإِجَابَتُهُ) ش: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي فِي حَدِيثِ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَتَحَدَّثُ فَمَضَى فِي حَدِيثِهِ مَا نَصُّهُ: أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا فِي الْخُطْبَةِ فَقَالَ: لَا يَقْطَعُ الْخُطْبَةَ لِسُؤَالِ سَائِلٍ بَلْ إذَا فَرَغَ يُجِيبُهُ وَفَصَلَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ وَاجِبَاتِهَا فَيُؤَخِّرُ الْجَوَابَ أَوْ فِي غَيْرِ الْوَاجِبَاتِ فَيُجِيبُ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَلَا سِيَّمَا إنْ اخْتَصَّ بِالسَّائِلِ فَيُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُ ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَةَ وَكَذَا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُؤَخِّرُهَا وَكَذَا يَقَعُ فِي أَثْنَاءِ الْوَاجِبِ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْجَوَابِ لَكِنْ إذَا أَجَابَ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ بِمُهْتَمٍّ بِهِ فَيُؤَخَّرُ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الَّذِي سَأَلَ عَنْ السَّاعَةِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَأَجَابَهُ آخَرُ وَإِنْ كَانَ السَّائِلُ بِهِ ضَرُورَةً نَاجِزَةً فَيُقَدِّمُ إجَابَتَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي رِفَاعَةَ عَنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ «قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ رَجُلٌ غَرِيبٌ لَا يَدْرِي دِينَهُ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ فَتَرَكَ خُطْبَتَهُ وَأَتَى بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يُعَلِّمُهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا» وَكَمَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَتَى أَعْرَابِيٌّ يَسْأَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبِّ وَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قَضِيَّةِ «سُلَيْكٍ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ» . الْحَدِيثُ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَعْرِضُ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى رُبَّمَا نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وُقُوعُ ذَلِكَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص (وَالْعَمَلُ يَوْمَهَا) ش: أَيْ يُكْرَهُ تَرْكُ الْعَمَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُرِيدُ إذَا تَرَكَهُ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَأَمَّا تَرْكُ الْعَمَلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَمُبَاحٌ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَتَرْكُهُ لِلِاشْتِغَالِ بِأَمْرِ الْجُمُعَةِ مِنْ دُخُولِ حَمَّامٍ وَتَنْظِيفِ ثِيَابٍ وَسَعْيٍ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ بُعْدِ مَنْزِلٍ فَحَسَنٌ يُثَابُ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الْأَذَانِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ هُوَ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى إمَامٍ أَيْ وَكُرِهَ تَنَفُّلُ جَالِسٍ عِنْدَ الْأَذَانِ انْتَهَى. وَيُرِيدُ الْمُؤَلِّفُ بِالْأَذَانِ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَقَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَالْأَقْفَهْسِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَنَصُّ كَلَامِ الشَّارِحِ: يُكْرَهُ أَيْضًا لِمَنْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ حِينَ يَسْمَعُ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ أَنْ يَقُومَ يَتَنَفَّلُ حِينَئِذٍ وَأَخْرَجَ بِهِ الدَّاخِلَ حِينَئِذٍ وَمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَنَفِّلًا وَطَرَأَ عَلَيْهِ الْأَذَانُ فَإِنَّ هَذَا لَا يُكْرَهُ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ بَعْدَ أَنْ جَمَعَ الْمَكْرُوهَاتِ فِي قَوْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْهَا تَنَفُّلُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَنَصُّ كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ جَالِسًا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الْأَذَانِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: جَالِسًا مِمَّا لَوْ كَانَ قَائِمًا يَتَنَفَّلُ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ قَائِمًا يَتَنَفَّلُ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَيُكْرَهُ قِيَامُ النَّاسِ لِلرُّكُوعِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِينَ مِنْ الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: مَحْمُولٌ عَلَى أَذَانِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا نَاقَضَ مَا يَأْتِي مِنْ تَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ صَلَاةٍ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ انْتَهَى. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْجُمُعَةِ بَلْ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ عِنْدَ الْأَذَانِ لِغَيْرِهَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ فِي كَلَامِهِ

الْمُتَقَدِّمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَنْعَ التَّنَفُّلِ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفَ بِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَنَصُّهُ: قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ خَشْيَةَ اعْتِقَادِ فَرْضِيَّتِهِ فَلَوْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ اسْتِنَانًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَيَنْهَى الْإِمَامُ النَّاسَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُمْنَعُ الرُّكُوعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَنْ أَرَادَهُ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ عَنْ اتِّخَاذِ ذَلِكَ عَادَةً بَعْدَ الْأَذَانِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَفَرٌ بَعْدَ الْفَجْرِ وَجَازَ قَبْلَهُ وَحَرُمَ بِالزَّوَالِ) ش: وَكَذَلِكَ فِي الْعِيدِ يُكْرَهْ السَّفَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَحْرُمُ بَعْدَ طُلُوعِهَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْعِيدِ. ص (كَكَلَامٍ فِي خُطْبَتِهِ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْصَاتَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ وَأَمَّا الْعِيدُ وَالِاسْتِسْقَاءُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُنْصِتُ لَهُمَا كَمَا يُنْصِتُ لِلْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا وَاضِحٌ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهَا خُطْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فِي الْإِنْصَاتِ وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ إلَى أَنَّهَا لِلتَّعْلِيمِ لَا لِلصَّلَاةِ كَخُطَبِ الْحَجِّ فَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهَا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الصَّلَاةِ الْخُطَبُ ثَلَاثٌ: خُطْبَةٌ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ إلَيْهَا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهَا بِاتِّفَاقٍ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لِلصَّلَاةِ، وَخُطْبَةٌ لَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهَا وَلَا الِاسْتِمَاعُ لَهَا بِاتِّفَاقٍ وَهِيَ خُطَبُ الْحَجِّ وَهُنَّ ثَلَاثٌ: أَوَّلُهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالثَّانِيَةُ: خُطْبَةُ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالثَّالِثَةُ: ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى بَعْدَ الظُّهْرِ؛ إذْ لَا اخْتِلَافَ أَنَّهَا لِلتَّعْلِيمِ لَا لِلصَّلَاةِ، وَخُطْبَةٌ يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ لَهَا وَالِاسْتِمَاعِ إلَيْهَا وَهِيَ خُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ شَرْحُ قَوْلِهِ وَسُئِلَ عَنْ الْإِمَامِ يَخْطُبُ مِنْ أَمْرِ كِتَابٍ يَقْرَؤُهُ وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْجُمُعَةِ وَلَا الصَّلَاةِ أَنْ يُنْصِتَ مَنْ سَمِعَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْخُطْبَةِ بِالصَّلَاةِ لِاتِّصَالِهَا بِهَا وَكَوْنِهَا بِمَعْنَاهَا فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِيهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْبَلَنْسِيُّ الْخُطَبُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُنْصَتُ فِيهِ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَقِسْمٌ لَا يُنْصِتُ فِيهِ وَهُوَ خُطَبُ الْحَجِّ كُلُّهَا وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ خُطَبُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِنْصَاتَ فِيهِمَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْكَلَامُ عِنْدَنَا مُحَرَّمٌ بِكَلَامِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ: خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْرُمُ بِأَوَّلِ كَلِمَةٍ يَقُولُهَا الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْإِمَامُ شَافِعِيًّا يُسَلِّمُ بَعْدَ رُقِيِّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ حَرُمَ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهَا وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ قَطْعُ الْكَلَامِ وَاسْتِقْبَالُهُ وَالْإِنْصَاتُ إلَيْهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَمْنَعُ جُلُوسَهُ لَهَا التَّخَطِّي لِفُرْجَةٍ وَالتَّنَفُّلُ وَلَوْ تَحِيَّةً ابْنُ بَشِيرٍ اتِّفَاقًا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَازِرِيُّ وَمِمَّا يَحِلُّ مَحَلَّ الْكَلَامِ تَحْرِيكُ مَا لَهُ صَوْتٌ كَالْحَدِيدِ أَوْ الثَّوْبِ الْجَدِيد وَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَرَّكَ الْحَصْبَاءَ فَقَدْ لَغَا» انْتَهَى. ص (بِقِيَامِهِ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِخُطْبَتِهِ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ بِقِيَامِهِ بَلْ رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ الْإِنْصَاتَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا خَطَبَ قَائِمًا ص (وَلَوْ لِغَيْرِ سَامِعٍ) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ

أَوْ خَارِجِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَقِيلَ: يَجِبُ إذَا دَخَلَ رِحَابَ الْمَسْجِدِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ هَكَذَا نَقَلَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَجِبُ اسْتِمَاعُهَا وَالصَّمْتُ لَهَا وَبَيْنَهُمَا وَفِي غَيْرِ سَامِعِهِمَا وَلَوْ بِخَارِجِ الْمَسْجِدِ طُرُقٌ الْأَكْثَرُ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ حَارِثٍ اتِّفَاقًا وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهَا عِنْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَبَيْنَ خُطْبَتَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ لَا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا رُجْحَانُ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ مَسْأَلَةٍ فِي رَسْمِ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَلَامَ فِي طَرِيقِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ فِي الْخُطْبَةِ وَكَانَ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ كَلَامَ الْإِمَامِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْإِنْصَاتَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَقِيلَ: يَجِبُ مُنْذُ يَدْخُلُ رِحَابَ الْمَسْجِدِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ مِنْ ضِيقِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى ص (أَوْ إشَارَةٌ لَهُ) ش: هَكَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي صَدَرَ بِهِ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَبْسُوطِ جَوَازُهَا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ ثُمَّ قَالَ وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ أَبْيَنُ فَإِنَّ الْخُطْبَةَ غَايَتُهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا حُرْمَةُ الصَّلَاةِ. ص (وَابْتِدَاءُ صَلَاةٍ بِخُرُوجِهِ وَإِنْ لِدَاخِلٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْخَطِيبَ إذَا خَرَجَ عَلَى النَّاسِ مِنْ دَارِ الْخَطَابَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ وَلَوْ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حِينَئِذٍ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: ابْتِدَاءُ مِمَّنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُتِمَّهَا وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ: مَعْنَى خُرُوجِ الْإِمَامِ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ أَتَى الْمُؤَلِّفُ بِلَوْ لَكَانَ أُجْرِيَ عَلَى اصْطِلَاحِهِ فَإِنَّ السُّيُورِيَّ يُجَوِّزُ التَّحِيَّةَ لِلدَّاخِلِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ لَا أَعْرِفُهُ هَذَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنَّ النَّفَلَ حِينَئِذٍ يَحْرُمُ عَلَى الْجَالِسِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَخُرُوجِهِ عَلَى النَّاسِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ وَرِوَايَةُ الْمُخْتَصَرِ: الْجَوَازُ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (الثَّانِي) قَالَ فِي رَسْمٍ سَلَفَ فِي الْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقْعُدُ لِلتَّشَهُّدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي نَافِلَةٍ فَيَخْرُجُ الْإِمَامُ فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ وَلَا يُسْمَعَ مَا دَامَ الْمُؤَذِّنُونَ يُؤَذِّنُونَ قَالَ بَلْ يُسَلِّمُ إلَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَلَا يَدْعُو ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا السَّلَامُ أَنْ يَدْعُوَ وَلَا يُسَلِّمَ مَا دَامَ الْمُؤَذِّنُونَ يُؤَذِّنُونَ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ. وَالْقِيَاسُ مَا فِي الْكِتَابِ لِمَا جَاءَ مِنْ أَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامَهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) هَذَا حُكْمُ النَّقْلِ وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ الْمُسْتَمِعُ لِلْخُطْبَةِ مَنْسِيَّةً فَقَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ فِي اسْتِلْحَاقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَقُومُ فَيُصَلِّي وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فَرْضٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالْمَسْجِدِ وَلَا يَخْرُجُ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ خُرُوجِهِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ إذَا ذَكَرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَقُولُ لِمَنْ يَلِيهِ أُصَلِّي الصُّبْحَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي عَنْ النَّوَادِرِ وَإِنْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ صَلَاةً صَلَّاهَا وَبَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً صَلَّاهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا لَا يُبَالِي أَيَّ وَقْتٍ كَانَ وَإِنْ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ أَوْ كَانَ عِنْدَ غُرُوبِهَا انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ قَوْلُهُ: أَيَّ وَقْتٍ كَانَ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَفِيهَا لِبَعْضِهِمْ نَظَرٌ (قُلْت) فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا ذَكَرَ الصُّبْحَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَقُولُ لِمَنْ يَلِيهِ: أَنَا أُصَلِّي الصُّبْحَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ

ذَكَرَهَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَمَادَى وَصَلَّى مَا نَسِيَ وَفِي إعَادَةِ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا اخْتِلَافٌ انْتَهَى. فَجَوَابُهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي رَسْمِ الْقِطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى صَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا قَالَ الْقَاضِي وَالْوَقْتُ فِي ذَلِكَ النَّهَارُ كُلُّهُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ: إنَّ السَّلَامَ مِنْ الْجُمُعَةِ خُرُوجُ وَقْتِهَا وَلَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَخْرُجُ إنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ يُدْرِكُ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ بِذَلِكَ تَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ وَأَعَادَ ظُهْرًا أَرْبَعًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: إنَّ السَّلَامَ مِنْ الْجُمُعَةِ خُرُوجُ وَقْتِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَتْ بَدَلًا مِنْ الظُّهْرِ وَوَقْتُ الظُّهْرِ قَائِمٌ وَجَبَ أَنْ يَعُدَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرًا أَرْبَعًا لِتَعَذُّرِ إقَامَتِهَا جُمُعَةً وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إقَامَتُهَا جُمُعَةً كَمَا كَانَ صَلَّاهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْإِعَادَةُ؛ إذْ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةً فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) وُجُوبُ السَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الظُّهْرِ فَلَوْ بَقِيَ لِفِعْلِ الْجُمُعَةِ مَا لَوْ سَارَ إلَى الْجُمُعَةِ مَا أَدْرَكَهَا سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ السَّعْيِ وَصَحَّ مِنْهُ فِعْلُ الظُّهْرِ قَالَهُ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْمُخْتَصَرِ ص (وَلَا يَقْطَعُ إنْ دَخَلَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ جَاهِلًا أَوْ غَافِلًا فَلَا يَقْطَعُهَا إنْ كَانَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حِينَئِذٍ وَسَوَاءٌ كَانَ دُخُولُهُ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ إلَى الْخُطْبَةِ أَوْ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا كَانَ جَالِسًا فِيهِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الدَّاخِلَ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ لَا يَرْكَعُ فَأَحْرَمَ جَاهِلًا أَوْ غَافِلًا فَإِنَّهُ يَتَمَادَى وَلَا يَقْطَعُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ؛ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَقْطَعُ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَحْرَمَ لَتَمَادَى عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهَذَا فِي حَقِّ الدَّاخِلِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَيُحْرِمَ وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ تِلْكَ السَّاعَةَ مَنْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ النَّفْلِ لَهُ بِخِلَافِ الدَّاخِلِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَجَازَ لَهُ التَّنَفُّلَ انْتَهَى. (قُلْت) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَقْطَعُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا: وَابْتِدَاءُ صَلَاةٍ لِخُرُوجِهِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ إنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ صَلَاةٍ حِينَئِذٍ لَا إتْمَامُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ التَّمَادِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُخَفِّفُ صَلَاتَهُ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ شَعْبَانَ: يُتِمُّ قِرَاءَتَهُ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَهُوَ مَعْنَى سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ؛ سَلَّمَ وَلَمْ يَدْعُ وَقِيلَ: يَسْتَمِرُّ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُخَفِّفُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يُطِيلُ فِي دُعَائِهِ مَا أَحَبَّ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يَدْعُو مَا دَامَ الْمُؤَذِّنُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَسْخُ بَيْعٍ) ش: ذِكْرُ الْفَسْخِ اسْتِلْزَامُ التَّحْرِيمِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ حِينَئِذٍ فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ وَنَصُّ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ: وَإِذَا انْتَقَضَ وُضُوءُ الرَّجُلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ النِّدَاءِ عِنْدَ مَنْعِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إلَّا بِثَمَنٍ فَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ وَلَا يَفْسُدُ شِرَاؤُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ هَذَا مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ شِرَاءِ الْمَاءِ لِمَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بِالثَّمَنِ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ وَابْنُ يُونُسَ وَلَمْ يُحْفَظْ غَيْرُهُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ

فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي الْمَذْكُورِ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ أَيَّدَهُ اللَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا صَاحِبُ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِضَرُورَةِ الْأَوَّلِ وَعَدَمِ ضَرُورَةِ الثَّانِي كَقَوْلِ أَشْهَبَ فِي شِرَاءِ الزِّبْلِ: وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ بَلْ يَجُوزُ لِيُعِينَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ بِالرُّخْصَةِ لَهُمَا مَعًا وَبِهَذَا أَقُولُ انْتَهَى. (قُلْت) : وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَمِمَّا يَنْخَرِطُ فِي سِلْكِ الْبِيَعِ الشُّرْبُ مِنْ السِّقَاءِ بَعْدَ النِّدَاءِ إذَا كَانَ بِثَمَنٍ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ فِي الْحَالِ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ ظَاهِرٌ مَا لَمْ تَدْعُ إلَى الشُّرْبِ ضَرُورَةٌ انْتَهَى. (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَاقِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا لِمَنْعٍ فَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْأَسْوَاقِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ثَانِيَةِ رَسْمٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ يُرِيدُ أَنَّ الْأَسْوَاقَ يُمْنَعُ أَنْ يَبِيعَ فِيهَا الْعَبِيدَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ فَإِنْ بَاعَ فِيهَا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لَمْ يُفْسَخْ بَيْعُهُ وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَسْوَاقِ فَجَائِزٌ لِلْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالنِّسَاءِ وَأَهْلِ السُّجُونِ وَالْمَرْضَى أَنْ يَتَبَايَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنْ بَاعَ مِنْهُمْ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِمَّنْ تَجِبُ فُسِخَ بَيْعُهُ كَمَا يُفْسَخُ بَيْعُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ص (بِأَذَانٍ ثَانٍ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْأَذَانُ الثَّانِي بَعْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْأَذَانِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ وَهَلْ يَحْرُمُ بِأَوَّلِ الْأَذَانِ أَوْ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ بِالشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ سَنَدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ وَنَصُّهُ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْأَذَانِ بِأَوَّلِهِ لَا بِتَمَامِهِ فَإِذَا كَبَّرَ الْمُؤَذِّنُ حَرُمَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ مُتَعَلِّقٌ بِالنِّدَاءِ انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) مُنْتَهَى الْمَنْعِ بِانْقِضَاءِ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ جُزَيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) إذَا تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْأَذَانِ الثَّانِي فَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْأَذَانِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَجِبُ السَّعْيُ عِنْدَ سَمَاعِ الْمُؤَذِّنِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ فِيهَا فُقَهَاءُ بِجَايَةَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ حَسْبَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ التُّونُسِيِّينَ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَقَالَ آخَرُونَ إنَّمَا يَجِبُ السَّعْيُ عِنْدَ سَمَاعِ الثَّالِثِ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَمَنْ كَانَ مَكَانُهُ بَعِيدًا بِحَيْثُ إنْ لَمْ يَسْعَ عِنْدَ الْمُؤَذِّنِ الْأَوَّلِ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانُهُ بَعِيدًا جِدًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا إذَا وَصَلَ حَانَتْ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَحْضُرُ الْخُطْبَةَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُكْتَفَى بِهِمْ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أَخَّرَ صَلَاةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِقْدَارُ وَقْتِهَا الضَّرُورِيُّ إلَّا مَا يُوقِعُهَا فِيهِ فَبَاعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: يُفْسَخُ بَيْعُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ هُنَا وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُفْسَخُ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ الْفَسْخِ هُنَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ شَرْطًا فِيهَا فَمِنْ الْمَصْلَحَةِ مَنْعُ مَا أَدَّى إلَى افْتِرَاقِ جَمْعِهِمْ وَالْإِخْلَالِ بِشَرْطٍ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْجَمَاعَاتِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا انْتَهَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي تَفْرِقَةِ الْمَازِرِيِّ: نَحْنُ لَمْ نُفْسِدْ بَيْعَهُ لِلْإِخْلَالِ بِالْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إنَّمَا أَفْسَدْنَاهُ لِلْإِخْلَالِ بِالْوَقْتِ الْمُؤَدِّي إلَى كَوْنِ الصَّلَاةِ قَضَاءً وَإِلَى تَأْثِيمِ فَاعِلِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ صَوَّبَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الْفَسْخِ قَالَ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى انْتَهَى.

وَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُفْسَخُ سَوَاءٌ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً أَوْ فَائِتَةً ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأُلْزِمَ الْقَائِلُ بِالْبُطْلَانِ أَنْ يُبْطِلَ بِيَاعَاتِ الْغُصَّابِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي زَمَنٍ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ التَّشَاغُلُ بِرَدِّ الْغُصُوبَاتِ وَأَلْحَقَ الْغَرْنَاطِيُّ بِالْبَيْعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْبَيْعَ وَقْتَ الْفِتْنَةِ يُرِيدُ: فِي حَقِّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ الْخُرُوجُ ابْنُ رُشْدٍ: يَحْرُمُ الْبَيْعُ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ) ش قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَيَصِحُّ بِتَقْدِيرِ: كَغَيْرِهِ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. ص (لَا نِكَاحٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ) ش: نَفَى الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْفَسْخَ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْحُرْمَةِ وَلَا ثُبُوتِهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَكِنْ لَا تُفْسَخُ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ وَكُلُّ مَا يَشْغَلُ عَنْ السَّعْيِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ كُلِّ مَا يَشْغَلُ وَاخْتُلِفَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إذَا وَقَعَ وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ: يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ وَقَعَتْ فَاخْتُلِفَ فِي فَسْخِهَا وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ لَمَّا عَدَّ الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ: وَأَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَرُمَ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَدَمَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَعَدَمَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ: وَالصَّحِيحُ فَسْخُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ، فَكُلُّ أَمْرٍ يَشْغَلُ عَنْ الْجُمُعَةِ مِنْ الْعُقُودِ كُلِّهَا فَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا، مَفْسُوخٌ رَدْعًا انْتَهَى. وَكَلَامُ الْمَوَّاقِ يَقْتَضِي جَوَازَهَا ابْتِدَاءً وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجَائِزٌ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَا يَفْسَخُ، دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَالَ أَصْبَغُ: لَا يُعْجِبُنِي قَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ وَأَرَى أَنْ يُفْسَخَ وَهُوَ عِنْدِي بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِعِلَّةِ التَّشَاغُلِ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْبَغَ مَنَعَ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَضَارَعَهُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْبَيْعِ فَمَا ضَارَعَهُ مِثْلُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ جَائِزَةٌ أَنَّهَا مَاضِيَةٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ثَانِيَةِ رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَيُفْسَخُ عِنْدَ أَصْبَغَ

وَإِنْ فَاتَ بِالدُّخُولِ وَيَكُونُ لَهَا الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى. حَكَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْهُ انْتَهَى. ص (وَإِشْرَافُ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ) ش: فَفِي رَسْمٍ حَلَفَ لَيَرْفَعَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِ مَيِّتٍ مِنْ إخْوَانِهِ مِمَّا يَكُونُ مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ وَخَافَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ بِالْوَاوِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَوْ وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ أَوْ تَغْيِيرَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا لِجِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَغَيُّرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلِغُسْلِ مَيِّتٍ عِنْدَهُ انْتَهَى. (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ لِأَجْلِ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَخَافَ ضَيَاعَهُ وَتَغَيُّرَهُ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا خَافَ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرَ. (فَرْعٌ) فَلَوْ بَلَغَهُ وَهُوَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ أَبَاهُ أَصَابَهُ وَجَعٌ وَيُخْشَى عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَقَدْ اسْتَصْرَخَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ بَعْدَ أَنْ تَأَهَّبَ لِلْجُمُعَةِ فَتَرَكَهَا وَخَرَجَ إلَيْهِ لِلْعَقِيقِ قَالَهُ سَنَدٌ وَالْمَازِرِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعُرْيٌ) ش: قَالَ فِي الْكَبِيرِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ عَدَمَ وُجْدَانِ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ انْتَهَى. فَحُمِلَ الْعُرْيُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعُرْيُ مِمَّا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَامِلِهِ أَيْضًا وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ الْبِسَاطِيُّ وَزَادَ فَقَالَ وَرُبَّمَا يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ. ص (وَأَكْلُ كَثُومٍ) ش: هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَكْلُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ . الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَزُولُ مِنْ فِيهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. الْحَدِيثُ أَجَازَ الْجُمْهُورُ أَكْلَ هَذِهِ الْخُضَرِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ لِأَصْحَابِهِ وَعَلَّلَ تَخْصِيصَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُنَاجِي مَنْ لَا يُنَاجَى، وَحَرَّمَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِمَنْعِهِ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ فَرْضُ عَيْنٍ. (قُلْت) وَكَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ لَا يَبْعُدُ عِنْدِي كَرَاهَةُ أَكْلِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنِّي أَكْرَهُ رِيحَهَا وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْمُنْتَصِرِ أَنَّهُ مَا أَدْخَلَ دَارِهِ ثُومًا وَلَا بَصَلًا وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ إدْخَالَهَا ذَرِيعَةٌ لِأَكْلِهَا، وَكَذَلِكَ أَكْلُهَا ذَرِيعَةٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الْمَسْجِد قَالَ الْمَازِرِيُّ وَأَلْحَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِذَلِكَ أَهْلَ الصَّنَائِعِ الْمُنْتِنَةِ كَالْحَوَّاتِينَ وَالْجَزَّارِينَ. عِيَاضٌ وَكَذَلِكَ الْفُجْلُ لِمَنْ يَتَجَشَّؤُهُ، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْمُرَابِطِ بِذَلِكَ دَاءَ الْبَخَرِ وَالْجُرْحَ الْمُنْتِنَ. (قُلْت) وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ الصُّنَانَ وَالْبَرَصَ الَّذِي يُتَأَذَّى بِرِيحِهِ وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ بِمَنْعِ ذِي الْبَرَصِ أَنْ يَبِيعَ مَا عَمِلَ بِيَدِهِ مِمَّنْ يَبِيعُهَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَمِلَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغِشِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ التَّاسِعِ لِابْنِ شِهَابٍ وَهُوَ قَوْلُهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِلَّا لَمَا كَانَ يُبَاحُ مَا يَحْبِسُ عَنْ الْفَرْضِ وَقَدْ أَبَاحَتْ السُّنَّةُ لِآكِلِ الثُّومِ التَّخَلُّفَ عَنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَكْلَهُ مُبَاحٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا نُودِيَ لَهَا حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ كُلُّ مَا يَحْبِسُ مِنْ بَيْعٍ وَقُعُودٍ وَرُقَادٍ وَصَلَاةٍ وَكُلُّ مَا يُشْغَلُ بِهِ الْمَرْءُ عَنْهَا وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ حَاضِرًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَحْبِسُهُ عَنْهَا. فَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضًا؛ كَانَ أَكْلُ الثُّومِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ حَرَامًا وَقَدْ ثَبَتَتْ إبَاحَتُهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي إخْرَاجِ آكِلِ الثُّومِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُتَأَذَّى بِهِ فَفِي الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ جِيرَانُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنْ يَكُونَ ذَرِبَ اللِّسَانِ سَفِيهًا مُسْتَطِيلًا أَوْ كَانَ ذَا رَائِحَةٍ لَا تُؤْلِمُهُ لِسُوءِ صِنَاعَتِهِ أَوْ عَاهَةٍ مُؤْذِيَةٍ كَالْجُذَامِ وَشِبْهِ أَذًى، وَكُلُّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ إذَا وُجِدَ فِي أَحَدِ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ وَأَرَادُوا إخْرَاجَهُ عَنْ الْمَسْجِدِ وَإِبْعَادَهُ عَنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً فِيهِ حَتَّى تَزُولَ فَإِذَا زَالَتْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِتَوْبَةٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ زَالَتْ كَانَ لَهُ مُرَاجَعَةُ الْمَسْجِدِ وَقَدْ شَاهَدْت شَيْخَنَا أَبَا عُمَرَ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى فِي رَجُلٍ تَشَكَّاهُ جِيرَانُهُ وَأَثْبَتُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يُؤْذِيهِمْ فِي الْمَسْجِدِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ فَأَفْتَى بِإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَإِبْعَادِهِ عَنْهُمْ وَأَنْ لَا يَشْهَدَ مَعَهُمْ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الثُّومِ وَقَالَ: إنَّهُ أَشَدُّ مِنْهُ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ. عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَعَلَى مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا نِيًّا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» فَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَلِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسْجِدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمْ وَكَانَ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ وَاجِبًا وَجَبَ أَنْ يُزِيلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الرَّوَائِحِ انْتَهَى مِنْ تَبْصِرَتِهِ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي حُضُورِ الْأَجْذَمِ: وَهَذَا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَوْضِعًا يَتَمَيَّزُونَ فِيهِ مِمَّا تُجْزِئُ فِيهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدُوا؛ لَوَجَبَتْ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمْ وَمُنِعَتْ الْمُخَالَطَةُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُنَا حِينَئِذٍ إقَامَةُ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ النَّاسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَامِعَ إذَا ضَاقَ بِأَهْلِهِ وَأَتَوْا الصَّلَاةَ مُتَمَيِّزِينَ عَنْ النَّاسِ فِي الْأَفْنِيَةِ بِمَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُ النَّاسَ ضَرَرُهُمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ إذَا صَلَّوْا بِمَكَانٍ لَا يَلْحَقُ ضَرَرُهُمْ النَّاسَ وَكَانَ الْمَكَانُ مِمَّا تُجْزِي فِيهِ الْجُمُعَةُ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكَلَ ثُومًا لَمْ يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ وَلَا رِحَابَهُ يَشْهَدُ الْجُمُعَةُ. فَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ أَشَارَ إلَى اجْتِنَابِ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ خَاصَّةً وَاجْتِنَابِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ بِالرَّائِحَةِ الْمُنْتِنَةِ دُونَ أَنْ يُشِيرَ إلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا قَالَهُ فِي أَكْلِ الثُّومِ إذَا مُنِعَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ هَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ بِالْفِنَاءِ مَعَ اتِّسَاعِ الْجَامِعِ لِدُخُولِهِ مُجْزِئَةً عِنْدَ مَنْ رَأَى أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْأَفْنِيَةِ اخْتِيَارًا مَعَ سَعَةِ الْجَامِعِ لَا تُجْزِئُ فِي الْجُمُعَةِ لِكَوْنِ هَذَا مَمْنُوعًا مِنْ الدُّخُولِ إلَى الْجَامِعِ شَرْعًا فَأَشْبَهَ مَنْ صَلَّى بِالْفِنَاءِ وَقَدْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فِي صَلَاتِهِ فَسَادٌ لِسَعَةِ الْجَامِعِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَرَدَهُ الشَّرْعُ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ انْتَهَى. ص (كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ بِلَيْلٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ. (فَرْعٌ) أَمَّا الْحَرُّ وَالشَّمْسُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ قَاطِعٍ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِيمُهَا فِي حَرِّ أَرْضِ الْحِجَازِ بِأَصْحَابِهِ وَيَقْصِدُونَ فِنَاءَ الْحِيطَانِ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَبْتَغِي الْفَيْءَ، أَوْ قَالَ: الظِّلَّ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ ذَلِكَ تُحْتَمَلُ وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَقَلَّبُونَ فِي

فصل صلاة الخوف

تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْحَرِّ وَكَذَلِكَ فِي الْبَرْدِ إلَّا أَنْ يَهِيجَ سَمُومُ رِيحٍ حَارَّةٍ كَمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ حَتَّى يَذْهَبَ بِالْمَاءِ مِنْ الْقِرَبِ وَالْأَسْقِيَةِ فَمِثْلُ ذَلِكَ يَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلِكُلِّ شَيْءٍ وَجْهٌ انْتَهَى. ص (أَوْ عَمًى) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَمَى لَا يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَعْمَى لَا يَجِدُ مَنْ يَقُودُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَنَصِّهِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَتَخَلَّفُ عَنْهَا الْأَعْمَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَيْسَتْ عَلَى الْأَعْمَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَائِدٌ يَقُودُهُ إلَيْهَا كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَكْثُرُ فِيهِ الزِّحَامُ وَتَكْثُرُ الدَّوَابُّ فِي الْعَادَةِ فَيَقَعُ الْأَعْمَى فِي مَشَقَّةٍ بَالِغَةٍ وَقَدْ تُهْلِكُهُ الدَّوَابُّ سِيَّمَا فِي الْأَمْصَارِ الْوَاسِعَةِ وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَأَمَّا فِي الْقُرَى وَفِيمَا قَرُبَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَذَلِكَ خَفِيفٌ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَالنَّاسُ يَوْمئِذٍ يَكْثُرُونَ فِي الشَّوَارِعِ وَيَهْدُونَهُ فِي مُضِيِّهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَيُمْكِنُهُ التَّبْكِيرُ وَالْجُلُوسُ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَجِبْ» انْتَهَى. [فَصَلِّ صَلَاةُ الْخَوْفِ] ص (فَصْلٌ رُخِّصَ لِقِتَالٍ جَائِزٍ) ش: يُشِيرُ لِقَوْلِ سَنَدٍ: إقَامَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ رُخْصَةٌ لَيْسَتْ سُنَّةً وَلَا فَرِيضَةً. قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ شَرْطًا وَلَا كَانَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُهُمْ عَلَى خِلَافِ هَذَا التَّرْتِيبِ انْتَهَى. وَيُرِيدُ الْمُؤَلِّفُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْخَوْفُ بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ عَلَى الْأَشْهَرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَعَلَى الْأَشْهَرِ فَالْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ: فَإِنْ حَضَرَ الْخَوْفُ فِي الْبَحْرِ وَهُمْ فِي مَرْكَبٍ وَاحِدٍ فَهُمْ كَأَهْلِ الْبَرِّ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْمَرَاكِبُ صَلَّى أَهْلُ كُلِّ مَرْكَبٍ بِإِمَامٍ وَقَسَمَهُمْ وَإِنْ أَمِنُوا؛ صَلَّوْا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ وَقَسَمَ أَهْلُ كُلِّ مَرْكَبٍ قِسْمَيْنِ أَوْ قَسَمَ الْمَرَاكِبَ قِسْمَيْنِ فَصَلَّى بِنِصْفِهِمْ وَيَحْرُسُ النِّصْفُ الْآخَرُ، وَأَمَّا الْمَرْكَبُ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ فَيُقْسَمُ طَائِفَتَيْنِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي حُكْمِ الْقِتَالِ الْجَائِزِ الْخَوْفُ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ. الْقِتَالُ ثَلَاثَةٌ: وَاجِبٌ كَقِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْبَغْيِ وَمَنْ يُرِيدُ الدَّمَ عَلَى الْخِلَافِ، وَمُبَاحٌ كَمُرِيدِ الْمَالِ، وَحَرَامٌ كَقِتَالِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَالْحِرَابَةِ. فَالْوَاجِبُ وَالْمُبَاحُ سَوَاءٌ فِي هَذِهِ الرُّخْصَةِ وَلَا يُتَرَخَّصُ فِي الْحَرَامِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ انْهَزَمُوا مِنْ الْعَدُوِّ وَكَانَ الْوَاحِدُ مُنْهَزِمًا مِنْ اثْنَيْنِ كَانُوا عُصَاةً فَلَا يُتَرَخَّصُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ وَإِلَّا جَازَ التَّرَخُّصُ انْتَهَى. ص (قَسْمُهُمْ) ش: هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ فِي رُخِّصَ يَعْنِي أَنَّهُ يُرَخَّصُ لِلْإِمَامِ قَسْمُهُمْ قِسْمَيْنِ ص (قِسْمَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ

السُّنَّةَ قَسْمُهُمْ قِسْمَيْنِ لَا أَكْثَرَ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْقِسْمَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ يُقَاتَلُ بِالنِّصْفِ وَإِنْ قُوتِلَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ لِلْآخَرِ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُوقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَانْظُرْ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الْقَسْمِ حَيْثُ أَمْكَنَ تَرْكُ الْقِتَالِ لِبَعْضِهِمْ بَلْ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَهَلْ يُصَلِّيهَا النَّفَرُ الْيَسِيرُ كَالثَّلَاثَةِ؟ . الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: الطَّائِفَةُ ثَلَاثَةٌ وَأَنْكَرَ أَنْ يُصَلَّى بِأَقَلَّ مِنْ طَائِفَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَهُ أَقَلُّ مِنْ طَائِفَةٍ كَأَنَّهُ رَاعَى ظَاهِرَ لَفْظِ الْقُرْآنِ. وَنَقُولُ: الْقَصْدُ مَعْقُولٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَغْفُلُوا عَنْ الصَّلَاةِ وَلَا عَنْ شَأْنِ الْعَدُوِّ، فَقَالَ: يَلْقَى ثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً مِنْ الْكُفَّارِ فَيَقُومُ وَاحِدٌ لِحِرَاسَتِهِمْ وَيُصَلِّي الْآخَرَانِ مَعَ الْإِمَامِ انْتَهَى. ص (وَعِلْمُهُمْ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ الْوُجُوبُ انْتَهَى. (قُلْت) وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا خَافَ التَّخْلِيطَ ص (فِي الثُّنَائِيَّةِ) ش: كَالصُّبْحِ وَصَلَاةِ السَّفَرِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا قَصَرَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ يَأْتِي الْمُسَافِرُونَ بِرَكْعَةٍ وَيُسَلِّمُونَ وَيَأْتِي الْحَاضِرُونَ بِثَلَاثٍ وَإِنْ كَانَ حَضَرِيًّا صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَأَتَمَّ كُلُّ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ حَضَرِيًّا أَوْ سَفَرِيًّا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: يُسِرُّ فِي مَوْضِعِ السِّرِّ وَيَجْهَرُ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ ص (ثُمَّ قَامَ سَاكِتًا أَوْ دَاعِيًا أَوْ قَارِئًا فِي الثُّنَائِيَّةِ) ش: هُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ فِي قِيَامِهِ مِنْ الثُّنَائِيَّةِ، وَأَمَّا فِي قِيَامِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الدُّعَاءِ وَالسُّكُوتِ فَقَطْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ بَلْ وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَوْلُهُ أَوْ قَارِئًا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهُ حَتَّى تُكَبِّرَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: التَّنْبِيهُ الثَّانِي إذَا انْتَظَرَ الْإِمَامُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ، وَقُلْنَا: يَقُومُ وَيَقْرَأُ فَهَلْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَا يَقْرَؤُهَا حَتَّى تَدْخُلَ مَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ؟ . فِي ذَلِكَ خِلَافٌ انْتَهَى. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ قِيَامِهِ إلَى الثَّانِيَةِ فَلْيُقَدِّمْ مَنْ يَقُومُ بِهِمْ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمُسْتَخْلَفُ وَيُتِمُّ مَنْ خَلْفَهُ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ قِيَامِهِ إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا يَسْتَخْلِفُ؛ لِأَنَّ مَنْ خَلْفَهُ خَرَجُوا مِنْ إمَامَتِهِ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ حِينَئِذٍ الْحَدَثَ أَوْ الْكَلَامَ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَنْهُ ابْنُهُ. فَإِذَا أَتَمَّ هَؤُلَاءِ وَذَهَبُوا أَتَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى بِإِمَامٍ فَقَدَّمُوهُ وَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ رَكْعَةٍ مِنْ الْمَغْرِبِ فَلْيَسْتَخْلِفْ انْتَهَى. نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَالْفَاكِهَانِيُّ. (الثَّانِي) مَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ أَدْرَكَ الرَّابِعَةَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْقَضَاءُ وَالْبِنَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الرُّعَافِ وَلَكِنْ مَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ هَلْ يَقُومُ لِلْقَضَاءِ وَالْبِنَاءِ إذَا أَتَمَّتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى أَوْ يُمْهِلُ بِالْقَضَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ سَائِرِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَوْلَانِ نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ ص (وَفِي قِيَامِهِ بِغَيْرِهَا تَرَدُّدٌ) ش

أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِطَرِيقَةِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَلِطَرِيقَةِ ابْنُ بَزِيزَةَ فَإِنَّ ابْنَ بَشِيرٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا يَحْكُونَ فِي قِيَامِهِ فِي غَيْرِ الثَّانِيَةِ قَوْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ: يَنْتَظِرُهُمْ قَائِمًا. وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّاذُّ لِابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ سَفَرٍ أَوْ الصُّبْحَ قَامَ بِلَا خِلَافٍ وَعَكَسَ ابْنِ بَزِيزَةَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فَقَالَ: إنْ كَانَ مَوْضِعُ جُلُوسِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ جُلُوسٍ فَهَلْ يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا قَوْلَانِ فَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِنَقْلِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَشْهُورَ الْقِيَامُ، وَنَقَلَ ابْنُ بَزِيزَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ بِلَا خِلَافٍ. (قُلْت) وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَثْبُتُ قَائِمًا وَيُتَمِّمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَحْدَهَا وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ فَقَالَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَلِابْنِ حَارِثٍ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ قَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ قَائِمًا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا حَاشَا الْمَغْرِبَ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا. قَالَ فِي الطِّرَازِ عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ: وَمَتَى يَقُومُ فَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ؛ لَمْ يَقُمْ، وَإِنْ جَاءَتْ جَمَاعَةٌ قَامَ فَيُكَبِّرُ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ صَلَّوْا بِإِمَامَيْنِ أَوْ بَعْضٌ فَذًّا جَازَ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَّجَهَا اللَّخْمِيُّ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ إيقَاعَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ رُخْصَةٌ نَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ وَلَوْ صَلَّوْا أَفْذَاذًا أَوْ بَعْضُهُمْ بِإِمَامٍ وَبَعْضُهُمْ فَذًّا أَجْزَأَتْ اللَّخْمِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ صَلَاةِ طَائِفَتَيْنِ بِإِمَامَيْنِ وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ إمَامَةَ إمَامَيْنِ أَثْقَلُ مِنْ تَأْخِيرِ بَعْضِ النَّاسِ عَنْ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدْ نَقَلْتُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ بِإِمَامَيْنِ مُشْكِلٌ؛ إذْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ إلَّا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَ هَذَا الْفَرْعَ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ صَلَّوْا أَفْذَاذًا أَوْ بَعْضُهُمْ بِإِمَامٍ وَبَعْضُهُمْ فَذًّا؛ جَازَ. قَالَ: قَالَ اللَّخْمِيّ وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ صَلَاةِ الطَّائِفَتَيْنِ بِإِمَامَيْنِ وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ إمَامَةَ إمَامَيْنِ أَشَدُّ مِنْ تَأْخِيرِ بَعْضٍ. فَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ النَّصِّ وَذَكَرَ الْمَخْرَجَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ النِّزَاعِ انْتَهَى كَلَامُ الْبِسَاطِيِّ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضٌ. فَإِذَا جَازَ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ صَلَاةِ طَائِفَتَيْنِ بِإِمَامَيْنِ وَلَكِنَّ شَرْحَهُ أَوَّلًا يَأْبَى هَذَا فَإِنَّهُ شَرَحَهَا، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَأَنْ دَهَمَهُمْ عَدُوٌّ بِهَا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا دَهَمَهُمْ الْعَدُوُّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْمُسَايَفَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُمْكِنُهُمْ إلَّا ذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ أَمْكَنَهُمْ الْقَسْمُ فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَلَوْ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ أَمْنٍ فَطَرَأَ الْخَوْفُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَالْحُكْمُ أَنْ تَقْطَعَ طَائِفَةٌ وَتَكُونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِاَلَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إنْ شَرَعَ فِيهِ حَتَّى رَكَعَ أَوْ سَجَدَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ طَائِفَةٍ وَيُتِمُّ بِالْأُولَى وَتُصَلِّي الثَّانِيَةُ لِنَفْسِهَا إمَّا أَفْذَاذًا أَوْ بِإِمَامٍ آخَرَ

ص (وَعَدَمُ تَوَجُّهٍ) ش: قَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِمْسَاكُ مُلَطَّخٍ) ش: قَالَ فِي الْعُمْدَةِ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنَوْا عَنْهُ وَيَأْمَنُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَمِنُوا بِهَا أُتِمَّتْ صَلَاةَ أَمْنٍ) ش الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى صَلَاةِ الْخَوْفِ بِنَوْعَيْهَا وَهُوَ الْأَحْسَنُ أَمَّا صَلَاةُ الْمُسَايَفَةِ فَحُكْمُهَا ظَاهِرٌ يُتِمُّ كُلُّ إنْسَانٍ صَلَاتَهُ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ الْأَمْنُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً فَيَسْتَمِرُّ مَعَهُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَإِنْ أَتَمَّ أَجْزَأَتْهُ وَمَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ أُمْهِلَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ مَا صَلَّى الْمَأْمُومُ ثُمَّ يَقْتَدِي بِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ بَشِيرٍ. وَاخْتُلِفَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوَّلًا تُصَلِّي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بِإِمَامٍ غَيْرِهِ وَلَا يَدْخُلُونَ مَعَهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَوَجَّهَهُ فِي الطِّرَازِ بِأَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ الْإِحْرَامَ بِصَلَاةِ خَوْفٍ وَكَانَ إتْمَامُهَا صَلَاةَ أَمْنٍ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الْحَالِ؛ كَانَ حُكْمُ إحْرَامِهِ حُكْمَ الضَّرُورَةِ فَصَارَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَحْرَمَ جَالِسًا بِجُلُوسٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَقَامَ فَإِنَّهُ لَا يُحْرِمُ أَحَدٌ خَلْفَهُ قَائِمًا. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا صَلَّوْا صَلَاةَ الْأَمْنِ فَحَدَثَ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ قَطَعُوا وَعَادُوا إلَى صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ رَكْعَةٍ أَوْ قَبْلَهَا انْتَهَى مِنْ الْفَاكِهَانِيِّ. (الثَّانِي) اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ: إنْ أَمِنُوا بِهَا أُتِمَّتْ صَلَاةَ أَمْنٍ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ: إنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْجَمْعَ بَلْ يَتَمَادَى وَقَوْلُهُمْ فِي الْكُسُوفِ: إنَّهَا إذَا انْجَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي إتْمَامِهَا كَالنَّوَافِلِ قَوْلَانِ. (الثَّالِثُ) مَشْرُوعِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ تَدُلُّ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ وَحُصُولِ الْخُشُوعِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَإِلَّا لَجَوَّزَ الشَّارِعُ التَّأْخِيرَ لِلْأَمْنِ مَعَ أَنَّا لَمْ نَشْعُرْ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْتِ أَلْبَتَّةَ وَبِتَحَقُّقِ شَرَفِ هَذِهِ الْمَصَالِحِ. وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ طَهَارَةِ الْمَاءِ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. (قُلْت) يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ: الِاخْتِيَارِيِّ مُسَاعَدَةُ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي قَوْلِهِ: أَخَّرَ وَالْآخِرُ الِاخْتِيَارِيُّ وَصَلَّوْا إيمَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ صَلَّى فِي ثُلَاثِيَّةٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ بِكُلٍّ رَكْعَةً بَطَلَتْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْأَرْجَحِ) ش: هَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ عِنْدَهُ أَيْضًا بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا عَلَى

فصل صلاة العيدين

الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَصَحِيحَةٌ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي الْمَغْرِبِ رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَرَوَى سَحْنُونٌ: صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ تُعِيدُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَقَطْ وَنَصُّ كَلَامِ سَحْنُونٍ عَلَى مَا فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ سَحْنُونٌ. (قُلْت) : وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ بِأَرْبَعِ طَوَائِفَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً أَنَّ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ تَامَّةٌ وَتَفْسُدُ عَلَى الْبَاقِينَ وَقَالَ سَحْنُونٌ بَلْ تَفْسُدُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً جَهْلًا أَوْ عَمْدًا فَصَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ سُنَّتَهَا وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ لِوُقُوفِهِ فِي مَوْضِعِ غَيْرِ قِيَامٍ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصَلِّ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ] ص (فَصْلٌ سُنَّ لِعِيدٍ رَكْعَتَانِ لِمَأْمُورِ الْجُمُعَةِ) ش: هَذَا الْفَصْلُ يُذْكَرُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَالتَّكَرُّرُ؛ لِأَنَّهُ مُتَكَرِّرٌ فِي أَوْقَاتِهِ، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَيَّامَ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ تُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ. (قُلْت) وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُ وَجْهِ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لِعَوْدِهِ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ عَلَى النَّاسِ وَقِيلَ: تَفَاؤُلًا بِأَنْ يَعُودَ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ النَّاسِ. وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَارَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا لِنَقْلِ الْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ: لَا يَبْعُدُ كَوْنُهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّهَا إظْهَارٌ لِأُبَّهَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ إلَّا أَنَّهُ لَا خُطْبَةَ عَلَيْهِمْ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهَا، وَالْإِجْمَاعُ يَمْنَعُهُ؛ إذْ هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ إلَّا أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ عَنْ الْحَوَاضِرِ انْتَهَى. (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ صَحِيحٌ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا السُّنَّةُ فَخَمْسُ صَلَوَاتٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوِتْرُ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْعِيدَانِ وَقَدْ قِيلَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: إنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ بِالسُّنَّةِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ ابْنُ رِزْقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ عَلَى الْأَعْيَانِ انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ إنَّمَا يَقْتَضِي الْخِلَافَ هَلْ هُمَا سُنَّتَانِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْ سُنَّتَانِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا أَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ - بَعِيدٌ وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ عَرَضَهُ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي مَهْدِيِّ فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لِمَأْمُورِ الْجُمُعَةِ) ش: يَعْنِي أَنَّ

صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ إنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالْجُمُعَةِ يُرِيدُ وُجُوبًا وَأَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الصِّغَارِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَمَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الصِّبْيَانِ فَلَيْسَتْ فِي حَقِّهِمْ سُنَّةً وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ إقَامَتُهَا كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِقَامَةُ مِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَلَوْ تَرَكُوا الْجُمُعَةَ وَهِيَ عَلَيْهِمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا الْعِيدَ بِخُطْبَةٍ وَجَمَاعَةٍ انْتَهَى. وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: لِمَأْمُورِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَيَنْزِلُ إلَيْهَا مَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ انْتَهَى. وَخَرَجَ مِنْهُ الْحَاجُّ بِمِنًى إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِقَامَةُ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا وَهِيَ لَا تُشْرَعُ لِلْحَاجِّ بِمِنًى قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بِمِنًى صَلَاةُ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا يُصَلِّي أَهْلُ الْآفَاقِ، وَإِنَّمَا صَلَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وُقُوفُهُمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَذَلِكَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَاتُهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ وُقُوفُهُمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَا أَرَى لِأَهْلِ مِنًى الْمُقِيمِينَ بِهَا مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ أَنْ يُطَوِّلَ الْعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ لِبِدْعَةِ ذَلِكَ بِمِنًى وَلَوْ صَلَّاهَا مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى أَهْلِ مَكَّةَ صَلَاةُ الْعِيدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مِنًى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ: وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تُشْرَعُ لِلْحَاجِّ بِمِنًى كَصَلَاةِ الْعِيدِ انْتَهَى. (وَقَالَ) الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَلَا يُجْزِي نَحْرُ الْهَدْيِ إلَّا نَهَارًا بَعْدَ الْفَجْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِمِنًى وَلَوْ قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ الشَّمْسِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَقْتُ الرَّمْيِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي الْعِيدِ لَمَّا كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ نَاسَبَ أَنْ يَتَوَقَّفَ الذَّبْحُ عَلَى ذَبْحِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ إلَّا صَلَاةَ عِيدٍ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْفَجْرِ مَا نَصُّهُ: وَقْتُ الرَّمْيِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ الذَّبْحُ إلَّا أَنَّ الرَّمْيَ يُسْتَحَبُّ ضَحْوَةً فَكَذَلِكَ الذَّبْحُ. وَيُخَالِفُ الْهَدْيُ الْأُضْحِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا تُصَلَّى الْعِيدُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ بِخِلَافِ الْهَدْيِ وَلَا عِيدَ عَلَى أَهْلِ مِنًى انْتَهَى. وَقَالَ فِي آخِرِ بَابِ الْهَدْيِ: وَالضَّحَايَا مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْحَاجُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ صَلَاةِ الْعِيدِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا تُشْرَعُ لِلْحَاجِّ بِمِنًى لَا سُنَّةً وَلَا اسْتِحْبَابًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَؤُمَّ الْعَبْدُ وَلَا الْمُسَافِرُ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا فِي الْعِيدِ وَلَا أَنْ يَسْتَخْلِفَهُمَا الْإِمَامُ فِيهِمَا بَعْدَ إحْرَامِهِمَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْجُمُعَةُ انْتَهَى. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا أَيْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤْمَرَانِ بِهِمَا عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَتَقَدَّمَ حُكْمُ إمَامَتِهِمَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي رَسْمِ الْمُحْرِمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُسَافِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فَقِيلَ: لَهُ فَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: غَيْرُ شَيْءٍ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى مَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسَافِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَكَرِهَ ذَلِكَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِشُهُودِ الْعِيدِ بَعْدُ، وَلَوْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِسَفَرٍ وَيَدَعَ الْخُرُوجَ لِشُهُودِ صَلَاةِ الْعِيدِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْجِبُنِي السَّفَرُ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ قَبْلَ صَلَاتِهِ إلَّا لِعُذْرٍ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ حَرُمَ سَفَرُهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت الصَّوَابُ حَمْلُ الرِّوَايَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ وَالْجُمُعَةُ فَرْضٌ انْتَهَى. (قُلْت) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ يَقْتَضِي إثْمُ مَنْ تَرَكَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجَمْعِ، وَلَمْ أَرَ

مَنْ قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُنَادِي الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ شُيُوخِنَا: إنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ بِدْعَةٌ لِعَدَمِ وُرُودِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِدْعَةً. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي قَوْلِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ: كَوْنُهَا بِغَيْرِ أَذَانٍ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ خَوَاصِّ الْفَرَائِضِ وَلَكِنْ يُنَادِي فِيهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلُ وَالْجُزُولِيُّ أَنَّهُ يُنَادِي الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ بِخِلَافِ الْكُسُوفِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ: هَذَا ظَاهِرٌ وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَادَى فِيهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ انْتَهَى. ص (وَافْتَتَحَ بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ بِالْإِحْرَامِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَالْأُولَى مِنْهُنَّ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ بَيِّنٌ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ: قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ وَفِي الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ لَمْ يُتْبَعْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ زَادَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ وَنَصُّهُ إذَا زَادَ لَا يُتْبَعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ وَالْخَطَأُ لَا يُتْبَعُ فِيهِ انْتَهَى. (الثَّانِي) لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى أَنَّ التَّكْبِيرَ دُونَ السَّبْعِ فِي الْأُولَى وَدُونَ الْخَمْسِ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ يَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُ أَوْ يُكْمِلُ التَّكْبِيرَ؟ . لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ لَوْ جَهِلَ إمَامٌ أَوْ سَهَا أَوْ حُصِرَ فَلَمْ يُكَبِّرْ السَّبْعَ وَالْخَمْسَ لَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُكَبِّرُوا انْتَهَى. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُومَ يُكْمِلُ التَّكْبِيرَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمَسْبُوقِ بِالتَّكْبِيرِ هَلْ يُكَبِّرُ السَّبْعَ أَوْ وَاحِدَةً وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ السَّبْعَ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُ التَّكْبِيرَ وَيَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ كَبَّرَ هُوَ أَيْضًا وَلَا يُنْصِتُ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَرَأَيْت فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَقِفُ فِي تَكْبِيرِ صَلَاةِ الْعِيدِ هُنَيْهَةً قَدْرَ مَا يُكَبِّرُ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ دُعَاءٌ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَأَمَّا تَكْبِيرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَمَا أَسْتَحْسِنُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ التَّرَبُّصِ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ الْعِيدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْعِيدَيْنِ مَنْ تَابَعَ التَّكْبِيرَ خَلَطَ عَلَى الْقَوْمِ. وَأَمَّا تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ فَكُلٌّ يُكَبِّرُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ يُعْتَبَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ لَكَبَّرَ الْقَوْمُ وَأَمَّا تَكْبِيرُ الْعِيدِ فَلَا يُكَبِّرُوا إلَّا بِتَكْبِيرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حَالِ الصَّلَاةِ مَعَهُ لَا يُخَالِفُونَهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَرَكَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ لَا يُكَبِّرُ الْمَأْمُومُ فَتَأَمَّلْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالتَّكْبِيرِ بَلْ يَتْبَعُونَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى التَّكْبِيرَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ كَالْحَنَفِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُؤَخِّرُ التَّكْبِيرَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ كَمَا إذَا أَخَّرَ الْقُنُوتَ أَوْ السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ. (الرَّابِعُ) فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُؤَخِّرُ تَكْبِيرَ الثَّانِيَةِ وَيَنْقُصُ مِنْهُ وَقُلْنَا: يَتْبَعُهُ فِي التَّكْبِيرِ وَكَانَ يَنْقُصُ مِنْهُ فَهَلْ يَتْبَعُهُ فِي النَّقْصِ أَيْضًا؟ الْأَمْرُ فِيهِ مُحْتَمَلٌ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلْيَجْهَرْ مَنْ خَلْفَهُ بِالتَّكْبِيرِ جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: وَأَمَّا جَهْرُ الْمَأْمُومِ بِالتَّكْبِيرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجْهَرُ النَّاسُ بِالتَّكْبِيرِ جَهْرًا يُسْمِعُ مِنْ يَلِيهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي جَهْرِهِ لِيُسْمِعَ مَنْ يَقْرُبُ مِمَّنْ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ وَيَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ انْتَهَى. (السَّادِسُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ أَيْضًا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إذَا نَسِيَ تَكْبِيرَةً مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَذَكَرَ أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا ثَوْرٍ قَالَا يَسْجُدُ وَاحْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّهَا

هَيْئَةٌ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ فَلَا يَسْجُدُ بِتَرْكِهَا كَوَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ: مَنْ سَهَا فِي الْعِيدِ فَزَادَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَمْ يُرَاعِ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ خِفَّةَ السَّهْوِ انْتَهَى. فَانْظُرْهُ ص (ثُمَّ بِخَمْسٍ غَيْرِ الْقِيَامِ) ش: الْأُولَى هِيَ تَكْبِيرَةُ الْقِيَامِ قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْجَوَاهِرِ. (فَائِدَةٌ) اتَّفَقَتْ عِبَارَةُ الشُّيُوخِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فِي الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ بِالْإِحْرَامِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ غَيْرِ الْقِيَامِ قَالَ ابْنُ نَاجٍ: وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِمَا قَالُوا فِي الْأُولَى أَنْ يَقُولُوا: يُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْقِيَامِ أَوْ يَقُولُوا: يُكَبِّرُ السِّتَّ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا يُجِيبُ بِأَنَّ سِرَّ ذَلِكَ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ لَمَّا كَانَ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالِ الْقِيَامِ صَارَتْ كَالْمُغَايِرَةِ لِمَا بَعْدَهَا فَلِذَلِكَ قَالُوا فِيهَا: غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ، بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ مَا بَعْدَهَا انْتَهَى. ص (مُوَالٍ إلَّا بِتَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: تَنْبِيهٌ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يُتَابِعُ التَّكْبِيرَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَتَرَبَّصُ خَشْيَةَ التَّخْلِيطِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ انْتَهَى. ص (وَكَبَّرَ نَاسِيهِ إنْ لَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ بَعْدَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُ مَا لَمْ يَرْكَعْ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى رَكَعَ فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ التَّكْبِيرَ بِالرُّكُوعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلسَّائِلِ الَّتِي عَقَدَ الرَّكْعَةَ فِيهَا بِالِانْحِنَاءِ وَإِذَا كَبَّرَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِذَكَرِ السُّجُودِ عَنْ ذِكْرِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ بِسَبَبِ إعَادَتِهَا وَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَلْطَفَ اخْتِصَارَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ السُّجُودَ بِغَيْرِ الْمُؤْتَمِّ هُنَا كَمَا قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا تَرْتِيبُ السُّجُودِ عَلَى الْمُؤْتَمِّ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ فِيهَا عَلَى إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُؤْتَمُّ لَا تُطْلَبُ مِنْهُ الْقِرَاءَةُ وَهَذَا وَاضِحٌ ص (وَإِلَّا تَمَادَى وَسَجَدَ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ قَبْلَهُ) ش: أَيْ وَإِنْ رَكَعَ تَمَادَى فَأَحْرَى إنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ سَهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ التَّكْبِيرِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا يَقْضِي تَكْبِيرَ رَكْعَةٍ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى انْتَهَى. وَقَيَّدَ السُّجُودَ هُنَا بِغَيْرِ الْمُؤْتَمِّ لِمَا تَقَدَّمَ وَرُبَّمَا يُقَالُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ قَوْلِهِ: غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ بِمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ السَّهْوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُدْرِكُ الْقِرَاءَةِ يُكَبِّرُ) ش: فَأَحْرَى مَنْ أَدْرَكَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ التَّكْبِيرَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَالْخِلَافُ فِي الْفَرْعَيْنِ سَوَاءٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَمُقَابِلُهُ لَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ وَإِنَّمَا يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَزَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ وَهْبٍ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لَهُمَا وَلِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ الْخِلَافَ ص (فَمُدْرِكُ الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَعُدُّ فِي الْخَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ الْإِحْرَامَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُخْتَلَفُ إذَا وَجَدَهُ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ يُكَبِّرُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّ مَا أَدْرَكَ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ؛ يُكَبِّرُ خَمْسًا وَيَقْضِي سَبْعًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَهَا؛ يُكَبِّرُ سَبْعًا وَيَقْضِي خَمْسًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ - وَسَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ

فِي الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسًا وَفِي الْقَضَاءِ سَبْعًا وَعَنْهُ أَيْضًا سِتًّا ابْنُ حَبِيبٍ سِتًّا فِيهَا وَفِي الْقَضَاءِ وَالسَّابِعَةِ تَقَدَّمَتْ فِي الْإِحْرَامِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَلْيُكَبِّرْ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا يُكَبِّرُ إلَّا وَاحِدَةً وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَدْرَكَهُ فِي قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسًا غَيْرَ الْإِحْرَامِ، وَإِذَا قَضَى كَبَّرَ سِتًّا وَالسَّابِعَةُ قَدْ كَبَّرَهَا لِلْإِحْرَامِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسًا وَقَضَى رَكْعَةً بِسَبْعٍ بِالْقِيَامِ وَقِيلَ: يُكَبِّرُ سِتًّا وَيَقْضِي رَكْعَةً بِسِتٍّ انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافٌ لِلْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُرَادَهُ مِنْ قَالَ: يُكَبِّرُ خَمْسًا أَنْ لَا يَعُدَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا جَعْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُكَبِّرُ سِتًّا خِلَافًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقُولُ: يُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا سِتًّا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ يَصِيرُ التَّكْبِيرُ الْوَاقِعُ فِي الْأُولَى أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ فَقَطْ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَسْبُوقُ هَلْ الرَّكْعَةُ أُولَى أَوْ ثَانِيَةٌ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا ص (ثُمَّ سَبْعًا بِالْقِيَامِ) ش: هَذَا خِلَافُ أَصْلِهِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَنَّ مَنْ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ جُلُوسٍ أَنَّهُ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ فَاتَتْ قَضَى الْأُولَى بِسِتٍّ) ش: أَيْ فَإِنْ فَاتَتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ يَقْضِي الْأُولَى بِسِتٍّ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا وَذَكَرَ فِي الطِّرَازِ فِي اسْتِحْبَابِ قَطْعِهَا وَابْتِدَائِهَا بِإِحْرَامٍ قَوْلَيْنِ ثُمَّ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ سِتًّا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ. ص (وَنُدِبَ إحْيَاءُ لَيْلَتِهِ) ش: قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيّ «مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَلَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» قَالَ: رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظٌ آخَرُ: «مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَلَيْلَةَ الْأَضْحَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» قَالَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَلَفْظٌ آخَرُ: «مَنْ أَحْيَا اللَّيَالِيَ الْأَرْبَعَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ لَيْلَةَ الْعَرُوبَةِ وَلَيْلَةَ عَرَفَةَ وَلَيْلَةَ النَّحْرِ وَلَيْلَةَ الْفِطْرِ» رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ مُعَاذٍ وَلَفْظٌ آخَرُ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْعِيدِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَكْحُولٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ: اُسْتُحِبَّ إحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ لِلْحَدِيثِ «مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فِيهَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ؛ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَقِيلَ: يَحْصُلُ بِسَاعَةٍ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِلنَّوَوِيِّ فِي الْأَذْكَارِ رَوَاهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَدْخَلِهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ بِلَفْظِ «مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ أَحْيَا اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» وَبِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ الدَّمِيرِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ إثْرَهُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي عِلَلِهِ قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ وَقْفُهُ عَلَى مَكْحُولٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا بِعَنْعَنَةِ بَقِيَّةَ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّيُوطِيّ فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ مُوَافِقٌ لِمَا لِلنَّوَوِيِّ فِي الْأَذْكَارِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَم ص (وَغُسْلٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْغُسْلَ لِلْعِيدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ غُسْلَ الْعِيدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ انْتَهَى. (قُلْت) وَرَجَّحَ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ: إنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ كَانَ ذَا رِيحٍ وَأَحَبَّ شُهُودَ الْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِإِزَالَةِ ذَلِكَ ص (وَبَعْدَ الصُّبْحِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا فِي غُسْلِ الْعِيدَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ فَاتَهُ هَذَا الِاسْتِحْبَابُ

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ اغْتَسَلَ لِلْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ قَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا قُلْنَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَهَلْ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ؟ يُخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي وَقْتِ أَذَانِ الصُّبْحِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاتِّصَالُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْغُسْلُ ابْنُ حَبِيبٍ أَفْضَلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ وَسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ هُوَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاسِعٌ ابْنُ زَرْقُونٍ ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَدَا بَعْدَ الْفَجْرِ ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ اتِّصَالُهُ بِالْغُدُوِّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مَسْنُونٍ ثُمَّ قَالَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَمْ يُجْزِهِ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَالْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. ص (وَتَطَيُّبٌ وَتَزَيُّنٌ وَإِنْ لِغَيْرِ مُصَلٍّ) ش جَعَلَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ وَإِنْ لِغَيْرِ مُصَلٍّ رَاجِعٌ إلَى التَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ فَقَالَ: اُنْظُرْ هَلْ الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلْيَوْمِ؟ . ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَغْتَسِلُ إلَّا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَأَمَّا الطِّيبُ وَالزِّينَةُ فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُصَلِّي وَمَنْ لَا يُصَلِّي وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ؟ انْتَهَى. (قُلْت) وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ هُوَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَنَصُّهُ: وَيَغْتَسِلُ مَنْ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ لِلصَّلَاةِ وَمَنْ لَا يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى. وَخِلَافِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَصُّهُ: وَفِي حَوَاشِي الْبُخَارِيِّ الْغُسْلُ يُؤْمَرُ بِهِ الْمُصَلِّي وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لِغَيْرِ مُصَلٍّ عَلَى أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْغُسْلِ، وَأَيْضًا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ مِنْ كَمَالِ التَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ، بَلْ لَا يَظْهَرُ لِلطِّيبِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَدَنُ نَظِيفًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ إذَا خَرَجْنَ فَإِنَّهُنَّ لَا يَتَزَيَّنَّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الطِّرَازِ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا خَرَجَ النِّسَاءُ فَيَخْرُجْنَ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَلَا يَلْبَسْنَ الْحَسَنَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا يَتَطَيَّبْنَ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ بِهِنَّ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ وَغَيْرُ ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ يَجْرِي ذَلِكَ فِي حُكْمِهَا انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: هَذِهِ سُنَّةٌ فِي إظْهَارِ الزِّينَةِ فِي الْأَعْيَادِ بِالطِّيبِ وَالثِّيَابِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ زُهْدًا وَتَقَشُّفًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَيَرَى أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ لِمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ رَغْبَةً عَنْهُ فَذَلِكَ بِدْعَةٌ مِنْ صَاحِبِهَا انْتَهَى. ص (وَمَشْيٌ فِي ذَهَابِهِ) ش: قَالَ سَنَدٌ: اتَّفَقَ الْكَافَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ إلَى الْمُصَلَّى ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْعِيدِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالزِّينَةِ وَذَلِكَ يَوْمُهَا انْتَهَى. ص (وَفِطْرٌ قَبْلَهُ فِي الْفِطْرِ) ش: قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَطْعَمَ يَوْمَ الْفِطْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ شَيْئًا مِنْ الْحُلْوِ إنْ أَمْكَنَ قَبْلَ صُعُودِهِ الْمُصَلَّى انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِطْرُهُ عَلَى تَمَرَاتٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ» زَادَ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَيَأْكُلهُنَّ وِتْرًا انْتَهَى. ص (وَتَأْخِيرُهُ فِي النَّحْرِ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ وَتَأْخِيرُهُ فِي النَّحْرِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْجَوَاهِرِ وَكَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ لِقَوْلِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فِي الْأَضْحَى. ص (وَخُرُوجٌ بَعْدَ الشَّمْسِ) ش: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ فَيَأْتِي بِحَيْثُ يَكُونُ وُصُولُهُ قَبْلَ وُصُولِ الْإِمَامِ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِينَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغُدُوُّ الْإِمَامِ رَوَى أَبُو عُمَرَ: قَدْرَ مَا يَصِلُ إلَى الْمُصَلَّى وَقَدْ بَرَزَتْ الشَّمْسُ وَرَوَى اللَّخْمِيُّ: قَدْرَ مَا يَصِلُ لَهُ حَلَّتْ الصَّلَاةُ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا حَلَّ النَّفَلُ وَفَوْقَهُ إذَا كَانَ فِيهِ رِفْقٌ بِالنَّاسِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ وَالسُّنَّةُ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَنْ يُؤَخِّرَ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَتَحِلُّ

النَّافِلَةُ وَقَبْلَ ذَلِكَ قَلِيلًا إنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، وَأَمَّا الْمُصَلُّونَ فَبِحَسَبِ قُرْبِ مَنَازِلِهِمْ وَبُعْدِهَا، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُ الْإِمَامِ بَعِيدًا مِنْ الْمُصَلَّى أُمِرَ بِالْخُرُوجِ بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ حَانَتْ الصَّلَاةُ انْتَهَى. ص (وَتَكْبِيرٌ فِيهِ حِينَئِذٍ) ش: يَعْنِي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَمَنْ خَرَجَ قَبْلَهُ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لَا قَبْلَهُ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: فَمَنْ كَانَ خُرُوجُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَبَّرَ فِي حَالِ ذَهَابِهِ مُعْلِنًا بِهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِهَا لَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُكَبِّرُ مُطْلَقًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي ابْتِدَائِهِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ الْإِسْفَارِ أَوْ انْصِرَافِ صَلَاةِ الصُّبْحِ. رَابِعُهَا وَقْتُ غُدُوِّ الْإِمَامِ تَحَرِّيًا. الْأَوَّلُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُمَا، وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، وَالرَّابِعُ لِابْنِ مَسْلَمَةَ انْتَهَى. وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَصُحِّحَ خِلَافُهُ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَوْلًا لِمَالِكٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: هُوَ الْأَوْلَى لَكِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ ابْتِدَاءَهُ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ ص (وَجَهْرٌ بِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: فَيُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى يَعْقِرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَعْقِرَ حَلْقَهُ مِنْ الْبِدَعِ؛ إذْ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا ذُكِرَ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ يُخْرِجُ عَنْ حَدِّ السَّمْتِ وَالْوَقَارِ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَعْنِي فِي التَّكْبِيرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُؤَذِّنًا أَوْ غَيْرَهُمَا فَإِنَّ التَّكْبِيرَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِمْ أَجْمَعِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ إلَّا لِلنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُسْمِعُ نَفْسَهَا لَيْسَ إلَّا بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ فَكَأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ، فَتَجِدُ الْمُؤَذِّنِينَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَسْتَمِعُونَ لَهُمْ وَلَا يُكَبِّرُونَ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ كَأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا شُرِعَ لَهُمْ وَهَذِهِ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، ثُمَّ إنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يُكَبِّرَ كُلُّ إنْسَانٍ لِنَفْسِهِ وَلَا يَمْشِي عَلَى صَوْتِ غَيْرِهِ. ص (وَإِيقَاعُهَا بِهِ) ش: أَيْ بِالْمُصَلَّى وَالْمُرَادُ بِهِ الْفَضَاءُ وَالصَّحْرَاءُ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ الْمُتَّخَذُ فِيهِ فَبِدْعَةٌ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ الْمَوْضِعُ مَكْشُوفًا لَا بِنَاءَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيمَا حَوَاهُ الْبُنْيَانُ وَيُصَلِّي خَارِجَهُ فِي الْبَرَاحِ فَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ الْيَوْمَ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ أَيْضًا: فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّحْرَاءِ وَخَطَبَ فَلْيَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَا يَخْرُجُ إلَيْهَا بِمِنْبَرٍ انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَنَصُّهُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْبَرٌ وَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَخْطُبَ بِالْأَرْضِ لِقَصْدِ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ وَلَا بَأْسَ فِي الْعِيدَيْنِ بِاِتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ كَمَا

فَعَلَهُ عُثْمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إقَامَةُ أُبَّهَةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِيهِ أَيْضًا: وَصَلَاتُهَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِدْعَةٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ ثُمَّ عَلَّلَ كَوْنَهُ بِدْعَةً بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَمَرَ النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ أَنْ يَخْرُجْنَ فَقَالَتْ إحْدَاهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ فَقَالَ: تُعِيرُهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا شَرَعَ لَهُنَّ الْخُرُوجَ وَشَرَعَ الصَّلَاةَ فِي الْبَرَاحِ؛ لِإِظْهَارِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَلِيَحْصُلَ لَهُمْ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَاعِدُوا بَيْنَ أَنْفَاسِ النِّسَاءِ وَأَنْفَاسِ الرِّجَالِ» فَمَا أُمِرْنَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ النِّسَاءُ بَعِيدًا مِنْ الرِّجَالِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ جَاءَ إلَى النِّسَاءِ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَلَوْ كُنَّ قَرِيبًا لَسَمِعْنَ الْخُطْبَةَ، وَلَمَا احْتَجْنَ إلَى تَذْكِيرِهِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ هَذَا وَجْهٌ. وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَبُرَ فَهُمْ مَحْصُورُونَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ أَبْوَابِهِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَتُتَوَقَّعُ الْفِتْنَةُ فِي مَوَاضِعِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْبَرَاحِ وَهَذَا بِعَكْسِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ عِنْدَهُمْ كَبِيرٌ وَالْأَبْوَابُ شَتَّى لَا يَخْرُجُونَ إلَى الْبَرَاحِ؛ لِكَوْنِهِ أَوْسَعَ وَهُوَ السُّنَّةُ وَبَنَوْا فِي ذَلِكَ الْبَرَاحِ مَوْضِعًا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ قَدْرَ صَحْنِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ أَصْغَرَ، وَجَعَلُوا لَهُ بَابَيْنِ لَيْسَ إلَّا فَيَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَتَقِفُ الدَّوَابُّ وَالْخَيْلُ عَلَى الْبَابَيْنِ وَالْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا خَرَجْنَ لِغَيْرِ الْعِيدِ يَلْبَسْنَ الْحَسَنَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَسْتَعْمِلْنَ الطِّيبَ وَيَتَحَلَّيْنَ فَمَا بَالُكَ بِالْعِيدِ. وَالرِّجَالُ أَيْضًا يَتَجَمَّلُونَ فَيَقَعَ الضَّرَرُ وَتَتَلَوَّثَ الْقُلُوبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ الْمَوْضِعُ عَنْ هَذَا وَيُتْرَكَ مَكْشُوفًا لَا بِنَاءَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْدَرُ عَلَى إزَالَةِ مَا فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيمَا حَوَاهُ الْبِنَاءُ وَيُصَلِّي خَارِجًا عَنْهُ فِي الْبَرَاحِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ الْيَوْمَ كَمَا تَقَدَّمَ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا كَانَ الْمَطَرُ وَالطِّينُ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْمُصَلَّى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَى سُنَّةِ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى انْتَهَى. مِنْ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُصَلَّى فِي مَوْضِعَيْنِ قَالَ سَنَدٌ: يُرِيدُ أَنَّهَا لَا تُقَدَّمُ بِخُطْبَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَسْقَطَهَا الْبَرَاذِعِيّ مِنْ تَهْذِيبِهِ وَقَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَنَصُّهُ وَفِي الْكِتَابِ وَلَا تُصَلَّى فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَمَاعُهُمَا) ش: يَعْنِي أَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُهَا وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ قَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْإِنْصَاتَ فِيهِمَا مُسْتَحَبٌّ، وَفِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ مَالِكٌ: يُنْصِتُ النَّاسُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا يُنْصِتُونَ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا خُطْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْخُطْبَةِ فِي الْإِنْصَاتِ لَهَا. وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ إلَى أَنَّهَا لِلتَّعْلِيمِ لَا لِلصَّلَاةِ كَخُطْبَةِ الْحَجِّ فَلَا يُنْصَتُ لَهَا وَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: «شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ إلَى الْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ» وَكَذَلِكَ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ؛ إذْ لَا صَلَاةَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْخُطْبَةِ فِي الْإِنْصَاتِ لَهَا يَعْنِي أَنَّهُ يُطْلَبُ الْإِنْصَاتُ لَهَا كَمَا يُطْلَبُ الْإِنْصَاتُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ: يُنْصَتُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَالْجُمُعَةِ

وَرَوَى الْقَرِينَانِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيٌّ: لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا كَالْجُمُعَةِ وَإِنْ أَحْدَثَ فِيهَا تَمَادَى وَفِي تَكْبِيرِهِمْ بِتَكْبِيرِهِ قَوْلَا مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ حَبِيبٍ وَيَذْكُرُ فِيهَا فِي الْفِطْرِ سُنَّةَ زَكَاتِهِ وَيَحُضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَفِي الْأَضْحَى الْأُضْحِيَّةَ وَالذَّكَاةَ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: الْخُطَبُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُنْصَتُ فِيهِ وَهُوَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، وَقِسْمٌ لَا يُنْصَتُ فِيهِ وَهُوَ خُطَبُ الْحَجِّ كُلِّهَا، وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ خُطَبُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْإِنْصَاتَ فِيهِمَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ تَمَادَى وَهَكَذَا قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَنَصُّهُ: وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ تَمَادَى وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ لَا يَخْطُبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَفْظُ الْأُمِّ قُلْت أَرَأَيْت الْإِمَامَ إذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى أَيَسْتَخْلِفُ أَمْ يَخْطُبُ بِهِمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؟ . قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ وَأَنْ يُتِمَّ بِهِمْ الْخُطْبَةَ انْتَهَى. ص (وَأُعِيدَتَا إنْ قُدِّمَتَا) ش: فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُمَا أَجْزَأَتْهُ أَيْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ص (وَإِقَامَةُ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا أَوْ فَاتَتْهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَلَا يُؤْمَرُونَ بِالْخُرُوجِ إلَيْهَا وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا بِانْصِرَافِ الْإِمَامِ وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْنَ النِّسَاءُ؛ فَمَا عَلَيْهِنَّ بِوَاجِبٍ أَنْ يُصَلِّينَ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُنَّ أَنْ يُصَلِّينَ أَفْذَاذًا وَلَا تَؤُمُّهُنَّ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ صَلَّيْنَ أَفْذَاذًا فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ تَخَلَّفَ لِعُذْرٍ فَهَلْ يَجْمَعُ بِهِنَّ يُخْتَلَفُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ مَنَعَهُ الْعُذْرُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعِيدَيْنِ هَلْ يَجْمَعُ دُونَهُ؟ وَسَيَأْتِي، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: إنْ جَاءَ مَنْ فَاتَتْهُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ فَاتَتْ جَمَاعَةٌ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِجَمَاعَتِهِمْ فَهَلْ يَجُوزُ؟ . يُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ فَاتَتْهُ الْعِيدُ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَهَا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا أَرَى أَنْ يَجْمَعُوا وَإِنْ أَحَبُّوا صَلَّوْا أَفْذَاذًا ثُمَّ قَالَ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ لَا يَخْطُبُونَ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُصَلِّيهَا أَهْلُ الْقُرَى كَأَهْلِ الْحَضَرِ فَحَمَلَهُ سَنَدٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الْقُرَى الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا ثُمَّ قَالَ: إذَا قُلْنَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ مَوْطِنِ اسْتِيطَانٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوهَا فَهَلْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خُطْبَةٍ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ شَاءَ مَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوهَا بِإِمَامٍ فَعَلُوا وَلَكِنْ لَا خُطْبَةَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ خَطَبُوا فَحَسَنٌ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيسَى هُوَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ هُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي رَسْمِ الْعِيدَيْنِ آخِرَ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ الْمُشَارِ إلَيْهِ: لَمْ يَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ وَخُطْبَةٍ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَة انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إقَامَةُ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا أَوْ فَاتَتْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَهَلْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ أَفْذَاذًا؟ . قَوْلَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ جَمْعُهَا، قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِقَامَتُهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ وَلِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ فَذًّا وَكَذَلِكَ جَمَاعَةً عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ تَرْجِيحُ جَوَازِ الْجَمْعِ

وَعَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ لِمَنْ فَاتَتْهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ لَا يَخْطُبُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لِعُذْرٍ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ وَالْمُسَافِرُونَ وَاخْتُلِفَ فِي أَهْلِ الْقُرَى الصِّغَارِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَهَا مَنْ فَاتَتْهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمُصَلَّى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي حُضُورِ الْعِيدِ ص (وَتَكْبِيرُهُ إثْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةٍ) ش لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لِبَيَانِ صِفَةِ التَّكْبِيرِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: قَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ أَهْلَ الْآفَاقِ يُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَيَّامِ إقَامَةِ الْحَاجِّ بِمِنًى فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَبَّرَ تَكْبِيرًا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ، وَكَبَّرَ الْحَاضِرُونَ بِتَكْبِيرِهِ كُلُّ وَاحِدٍ يُكَبِّرُ لِنَفْسِهِ لَا يَمْشِي عَلَى صَوْتِ غَيْرِهِ عَلَى مَا وُصِفَ مِنْ أَنَّهُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ. فَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ كَبَّرَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ زَعَقَاتِهِمْ وَيُطَوِّلُونَ فِيهِ وَالنَّاسُ يَسْتَمِعُونَ إلَيْهِمْ وَلَا يُكَبِّرُونَ فِي الْغَالِبِ وَإِنْ كَبَّرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَصْوَاتِهِمْ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ وَفِيهِ إخْرَامُ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَالتَّشْوِيشِ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالتَّالِينَ وَالذَّاكِرِينَ انْتَهَى. ص (وَكَبَّرَ نَاسِيهِ إنْ قَرُبَ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ لَكَبَّرَ بِالْقُرْبِ، وَالْقُرْبُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ قَالَ سَنَدٌ: وَأَمَّا حَدُّ الطُّولِ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: يُكَبِّرُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ فَإِذَا قَامَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْكَلَامُ هُنَا كَالْكَلَامِ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَمَا مَنَعَ الْبِنَاءَ فِيهِ مَنَعَ التَّكْبِيرَ هُنَا وَمَا لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ لَمْ يَمْنَعْهُ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ وَهُوَ بِالْقُرْبِ رَجَعَ فَكَبَّرَ وَإِنْ بَعُدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ تَقَدَّمَ الشَّاذُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُهُ وَإِنْ بَعُدَ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ وَإِنْ قَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ حَكَاهُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالْمَازِرِيِّ أَبُو إبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ: رَجَعَ. يَعْنِي: بِالْقَوْلِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَمِثْلُهُ لِلْمَغْرِبِ وَمَا ذَكَرَاهُ هُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ. وَمَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مُصَلَّاهُ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَكَبَّرَ عَلَى سُنَّةِ ذَلِكَ وَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَانَ شَيْخُنَا يَنْقُلُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ سَحْنُونَ بْنَ سَعِيدٍ جَرَى لَهُ ذَلِكَ فَكَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ قَائِمًا وَبَعْضَهُ جَالِسًا، وَانْظُرْ مَا حَدُّ الْقُرْبِ هَلْ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ الْبِنَاءُ أَوْ هُوَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ تَكْبِيرَتَيْنِ) ش: يُرِيدُ وَتَكُونُ التَّكْبِيرَةُ الثَّانِيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى التَّهْلِيلَةِ بِالْوَاوِ وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ. ص (وَكُرِهَ تَنَفُّلٌ بِمُصَلًّى قَبْلَهَا

فصل صلاة الكسوف

أَوْ بَعْدَهَا لَا بِمَسْجِدٍ فِيهِمَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فِي مُصَلًّى الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا، وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَلَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فِيهِ لَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الطِّرَازِ وَنَحْنُ إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا فَهَلْ نُطْلِقُهُ لِلْإِمَامِ؟ بَلْ سُنَّةُ الْإِمَامِ إذَا قَدِمَ أَنْ يَبْدَأَ بِصَلَاةِ الْعِيدِ إلَّا أَنْ يَقُومَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَقْتِ التَّنَفُّلِ أَيْضًا انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ النَّافِلَةَ جَائِزَةٌ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِلْمَأْمُومِ فَهَلْ تَحْرُمُ أَوْ تُكْرَهُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ أَوْ تُبَاحُ؟ . لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَأَمَّا التَّنَفُّلُ فِي الْبُيُوتِ يَوْمَ الْعِيدِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى جَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: صَلَاةُ الْعِيدِ سُبْحَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلْيُقْتَصَرْ عَلَيْهَا إلَى الزَّوَالِ وَجَنَحَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْعِيدِ حَظَّهُ مِنْ النَّافِلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَهَذَا مَذْهَبٌ مَرْدُودٌ بِاتِّفَاقِ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: لَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ قَوْلَ النَّاسِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَى. وَانْظُرْ النَّوَادِرَ وَالْمَدْخَلِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: قَالَ النَّحَّاسُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ: الِاتِّفَاقُ عَلَى كَرَاهَةِ قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَحِيَّةُ الزَّنَادِقَةِ، وَفِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: صَدَقْت أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ فَإِنْ صَحَّ بَطَلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَا يُنْكَرُ فِي الْعِيدَيْنِ اللَّعِبُ لِلْغِلْمَانِ بِالسِّلَاحِ وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ لَعِبُ الصِّبْيَةِ بِالدُّفُوفِ وَشِبْهُ ذَلِكَ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ لَعِبَ الْحَبَشَةِ قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ لَعِبَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ أَنَّ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ تَرَاهُمْ انْتَهَى. [فَصَلِّ صَلَاةُ الْكُسُوفِ] ص (فَصْلٌ سُنَّ وَإِنْ لِعَمُودِيٍّ وَمُسَافِرٍ لَمْ يُجِدَّ سَيْرَهُ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ لَا تُتْرَكُ مِثْلُ صَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ لَا تُتْرَكُ؟ . قَالَ: نَعَمْ قَالَ سَنَدٌ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَفَهَا بِالْوُجُوبِ، وَنَحْنُ لَا نَتَحَاشَى أَنْ نَقُولَ: تَجِبُ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا بِالْجَمَاعَةِ وَأَمَرَ بِهَا وَهِيَ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ وَشِعَارِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ إظْهَارُهَا إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ لِمَا بَيَّنَّا فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ أَنَّهُ لَا مَفْرُوضَ إلَّا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ سُنَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَمَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَبِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ تَطَوَّعَ مَنْ يُصَلِّي بِأَهْلِ الْبَادِيَةِ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ؛ فَلَا بَأْسَ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ: الَّذِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ؛ فَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِمْ الْجَمْعَ لِلْكُسُوفِ انْتَهَى. وَأَتَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْمُؤْذِنَةِ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَأْتِ بِلَوْ الْمُشِيرَةِ إلَى الْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا إلَّا مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ فِيهَا خَمْسُونَ رَجُلًا وَمَسْجِدٌ يَجْمَعُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعُوا صَلَاةَ الْخُسُوفِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَأَجْرَاهَا مَجْرَى الْجُمُعَةِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَكَالْعِيدَيْنِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَفِيمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ نَظَرٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا تُسْقِطُهُ عَمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْجُمُعَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعُوهَا يُرِيدُ أَنَّ جَمْعَهُمْ بِهَا أَصْوَبُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الِانْفِرَادِ، وَمَنْ لَا جُمُعَةَ لَهُمْ إنْ

شَاءُوا جَمَعُوا وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا مُنْفَرِدِينَ، أَمَّا أَنْ يَتْرُكُوهَا فَلَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي جَمْعِهَا فَقَطْ انْتَهَى. ص (لِكُسُوفِ الشَّمْسِ) ش: سَوَاءٌ كَانَ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْكُسُوفُ عِبَارَةٌ عَنْ ظُلْمَةِ أَحَدِ النَّيِّرَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَوْ بَعْضِهَا انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ: وَلَوْ انْكَسَفَ كُلُّ الشَّمْسِ فَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى انْجَلَى بَعْضُهَا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ لِقِيَامِ الْوَقْتِ وَرَغْبَةً فِي إكْمَالِهَا كَمَا لَوْ انْكَسَفَ بَعْضُهَا ابْتِدَاءً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ الرَّابِعِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُنَجِّمِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى مُدَّةِ مَسِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: فَإِذَا قَدَّرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا أَحْكَمَهُ مِنْ أَمْرِهِ وَقَدَّرَهُ مِنْ مَنَازِلِهِ فِي مَسِيرِهِ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ الشَّمْسِ فِي النَّهَارِ فَمَا بَيْنَ الْأَبْصَارِ وَبَيْنَ الشَّمْسِ سَتْرُ جُرْمِهِ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ كُلِّهِ إنْ كَانَ مُقَابِلًا لَهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضُهُ إنْ كَانَ مُنْحَرِفًا عَنْهَا فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدُّعَاءِ عِنْدَ ذَلِكَ وَسُنَّ لَهُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ اُنْظُرْ هَلْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نُصَلِّي إلَّا إذَا خَسَفَتْ كُلُّهَا، الشَّيْخُ: أَوْ جُلُّهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكُلِّ حُكْمُ الْجُلِّ انْتَهَى. وَلَا تُصَلَّى إذَا خَسَفَتْ بَعْضُهَا أَبُو عِمْرَانَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ تَفْسِيرُ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَاخْتُلِفَ مَتَى تُصَلَّى؟ . قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: حِينَ تَغِيبُ كُلُّهَا وَتَسْوَدُّ وَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ جُلُّهَا تُصَلَّى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجُلِّ حُكْمُ الْكُلِّ، وَأَمَّا إذَا خَسَفَ مِنْهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مَا رَأَيْت مَنْ قَالَ يُصَلَّى انْتَهَى. (قُلْت) يُحْمَلُ عَلَى الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ وَلَا يُدْرِكُهُ إلَّا مَنْ لَدَيْهِ شُعُورٌ مِنْ أَهْلِ عِلْمِ الْفَلَكِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تُصَلَّى حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا تُصَلَّى إذَا ظَهَرَ الْكُسُوفُ لِلنَّاسِ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْكُسُوفِ فِي الشَّمْسِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِعْمَالِ الْخُسُوفِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى مَنْعِهِ وَصَارَ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: وَالْأَكْثَرُونَ يُقَالُ خَسَفَتْ وَكَسَفَتْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْئِهِمَا انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يُصَلَّى لِزِلْزَالٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْآيَاتِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ الصَّلَاةَ وَاخْتَارَهُ انْتَهَى. ص (رَكْعَتَانِ سِرًّا) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ خَلْفَ إمَامِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَقْرَأُ وَقَالَ أَصْبَغُ: يَقْرَأُ ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ ص (وَرَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَالنَّوَافِلِ) ش: مَشَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ صَلَاةَ خُسُوفِ الْقَمَرِ سُنَّةٌ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ وَالْجَلَّابِ قَالَ الشَّارِحُ وَشَهَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ. (قُلْت) وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّهُ وُجِدَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ الْمُخْتَصَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَرَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ مَا نَصُّهُ: صَرَّحَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ سُنِّيَّةُ الصَّلَاةِ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ

عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ؛ قَالَ الشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَصَدَّرَ بِهِ فِي شَامِلِهِ فَقَالَ وَصَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ فَضِيلَةٌ وَقِيلَ: سُنَّةٌ وَشُهِرَ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ بَشِيرٍ وَالتَّلْقِينِ فَقَالَ: وَصَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ اللَّخْمِيُّ وَالْجَلَّابُ سُنَّةٌ ابْنُ بَشِيرٍ وَالتَّلْقِينُ فَضِيلَةٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِلَا جَمْعٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ صَلَاةَ خُسُوفِ الْقَمَرِ إنَّمَا تُصَلَّى أَفْذَاذًا لَا جَمَاعَةً قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ جَمَعُوا أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ سَائِرَ النَّوَافِلِ إذَا وَقَعَتْ جَمَاعَةً صَحَّتْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِهَا أَوْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ صَلَاةَ كُسُوفِ الشَّمْسِ تُصَلَّى جَمَاعَةً وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ سُنَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ لَا فِي الْمُصَلَّى وَقِيلَ وَالْمُصَلَّى قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ يُرِيدُ مَخَافَةَ انْجِلَائِهَا فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْمُصَلَّى هُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إيقَاعِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى، وَفُهِمَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ لِإِتْيَانِهِ بِالْوَاوِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْجَمْعِ وَهَذَا إذَا وَقَعَتْ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي اشْتِرَاطِهَا بِالْجَمَاعَةِ قَوْلَا ابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَشْهُورِ انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ فِي الْمَسْجِدِ) ش: هَذَا رَاجِعٌ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا إذَا وَقَعَتْ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ، وَأَمَّا الْفَذُّ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّاسَ يُصَلُّونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُونَ الْخُرُوجَ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجْمَعُونَ وَأَجَازَ أَشْهَبُ الْجَمْعَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قُلْنَا: لَا يَجْمَعُونَ لِمَا فِي خُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فَإِذَا جَمَعُوا لَمْ يُمْنَعُوا قِيَاسًا عَلَى كُسُوفِ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ وَالْمَشْهُورُ كَوْنُهَا فِي الْبُيُوتِ وَلَا يُجْمَعُ وَرَوَى عَلِيٌّ: يَفْزَعُونَ لِلْجَامِعِ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا وَيُكَبِّرُونَ وَيَدْعُونَ وَصَوَّبَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ أَشْهَبَ يَجْمَعُونَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْمَسْجِدُ؟ . يُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَيَفْزَعُ النَّاسُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ إلَى الْجَامِعِ فَيُصَلُّونَ أَفْذَاذًا وَيُكَبِّرُونَ وَيَدْعُونَ وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي تَفْرِيعِهِ يُصَلِّيهَا النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ فُرَادَى وَهَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاعْتَلَّ بِأَنَّ فِي خُرُوجِهِمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ لَيْلًا مَعَ الِانْكِشَافِ مَشَقَّةً وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ عَادَتَهُمْ إنَّمَا كَانَتْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنْ يَفْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَنَسٌ إنْ كَانَتْ الرِّيحُ تَشْتَدُّ فَبَادِرْ الْمَسْجِدَ مَخَافَةَ الْقِيَامَةِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ لَهَا حَالَ الْكُسُوفِ اتِّعَاظٌ وَادِّكَارٌ وَشُهُودُ الْآيَةِ يَنْصَرِفُونَ فِي ظُلُمَاتِ الْكُسُوفِ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْهُ فِي ضَوْءِ الْكَمَالِ انْتَهَى. ص (وَقِرَاءَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ مُوَالِيَاتِهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَيُعِيدُ الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّهَا رَكْعَتَانِ، وَالْفَاتِحَةُ لَا تُقْرَأُ فِي رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ كُلِّ رُكُوعٍ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ فَاتِحَةٌ قَالَ فِي الطِّرَازِ مَسْأَلَةٌ قَالَ وَالِاسْتِفْتَاحُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمَّا قَوْلُهُ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ فَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْحَمْدِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَلَا فِي الرَّابِعَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ الرُّكُوعَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي رَكْعَةٍ

وَاحِدَةٍ فَلِهَذَا مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ الرُّكُوعَيْنِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ تُجْزِئُ فِيهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَنَقُولُ لَيْسَ هِيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رُكُوعَيْنِ وَهُمَا رَكْعَتَانِ فِيهَا كَالسَّجْدَتَيْنِ جَازَ أَنْ تَكُونَ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَفِيهَا قِرَاءَتَانِ وَرَكْعَتَانِ كَالرُّكُوعَيْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِدْرَاكِ الْمَسْبُوقِ كَمَا فِي الرُّكُوعَيْنِ فَإِنَّهُ بِإِدْرَاكِ أَحَدِهِمَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَاجِبًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَسْنُونَةَ يُسَنُّ تَكْرِيرُهَا وَهِيَ السُّورَةُ الزَّائِدَةُ فَيُصَلِّي فِي الْقِيَامَيْنِ بِسُورَتَيْنِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ تَكْرِيرَهَا أَيْضًا فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّ مَسْنُونَ الْقِرَاءَةِ تَبَعٌ لِمَفْرُوضِهَا فَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْمَتْبُوعُ لَمْ يُشْرَعْ التَّبَعُ فَكُلُّ قِيَامٍ فِي الصَّلَاةِ تُسَنُّ فِيهِ الْقِرَاءَةُ وَجَبَ فِيهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ خَلْفَ إمَامِهِ قَوْلَا أَصْبَغَ وَأَشْهَبَ انْتَهَى. قَالَ: ابْنُ نَاجِي وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِهَا أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا سِرًّا فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَصْبَغُ بَلْ يَقْرَأُ وَكِلَاهُمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ فِي الِاسْتِلْحَاقِ وَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ قَوْلُ أَصْبَغَ قِيَاسًا عَلَى الْفَرْضِ فِي الْمَشْهُورِ انْتَهَى. ص (وَوَعْظٌ بَعْدَهَا) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْجَهْرِ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً يَجْهَرُ فِيهَا» يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهَا فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاعْتِبَارُهُمْ بِصَلَاةِ الْعِيدِ فَاسِدٌ وَذَلِكَ أَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا شَبِيهَةٌ بِفَرَائِضِهِ وَفَرَائِضِهِ لَا يُشْرَعُ فِيهَا جَهْرٌ إلَّا مَا كَانَتْ فِيهِ خُطْبَةٌ بِدَلِيلِ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلْتَكُنْ النَّوَافِلُ كَذَلِكَ وَالْعِيدُ وَالِاسْتِسْقَاءُ لَهَا خُطْبَةٌ فَكَانَتْ فِي الْجَهْرِ كَالْجُمُعَةِ، وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ لَا خُطْبَةَ لَهَا فَكَانَتْ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بَعْدَ سَلَامِهِمْ يَعِظُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ) ش: هُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا كَنَحْوِ قِيَامِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تُعْطِي أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ صِفَةُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لَا أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَإِلَّا قَالَ: وَرُكُوعٌ كَالْقِيَامِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ يَجْعَلُ طُولَهُ دُونَ قِرَاءَتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي الرُّكُوعِ بَلْ يُسَبِّحُ وَهُوَ يَدْعُو يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ ثُمَّ قَالَ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَيَقُولُ الْمُقْتَدُونَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَالَ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي اعْتَدَلَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَمْ يَزِدْ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَيُسَبِّحُ اللَّهَ فِي رُكُوعِهِ وَلَا يَدْعُو وَلَا يَقْرَأُ انْتَهَى. ص (وَسَجَدَ كَالرُّكُوعِ) ش: هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالسُّجُودُ مِثْلُ الرُّكُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ وَإِذَا قُلْنَا: يُسَنُّ طُولُ السُّجُودِ فَمَنْ سَهَا عَنْ تَطْوِيلِهِ سَجَدَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ تَكْبِيرَ الْعِيدِ وَيُفَارِقُ تَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَضَائِلِهَا ثُمَّ قَالَ وَالْحُكْمُ فِي تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَالْقِيَامِ يَجْرِي عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي السُّجُودِ (فَرْعٌ) قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَلَا يُطِيلُ الْفَصْلَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا التَّشَهُّدَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِنْ قَصَّرَ فِي مَحَلِّ الطُّولِ؛ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا يُطِيلُ الْفَصْلَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَإِنَّمَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَإِذَا قُلْنَا يُسَنُّ طُولُ السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَطْوِيلِهِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَطْوِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَقْتُهَا كَالْعِيدِ) ش: أَيْ مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقْتُهَا وَقْتُ الْعِيدَيْنِ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا

فرع فاتته مع الإمام صلاة الكسوف

وَعَلَى الِاسْتِسْقَاءِ بِجَامِعِ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ فَجُعِلَ لِلسُّنَنِ الْمُسْتَقِلَّةِ تَمْيِيزًا لَهَا عَنْ النَّوَافِلِ التَّابِعَةِ انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ طَلَعَتْ مَكْسُوفَةً؛ لَمْ تُصَلَّ حَتَّى تَبْرُزَ الشَّمْسُ وَيَأْتِي وَقْتُ النَّافِلَةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقِفُوا وَيَدْعُوا؟ . قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَلَا تُصَلَّى فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُزَ وَتَحِلُّ النَّافِلَةُ وَلَكِنْ يَقِفُونَ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فَإِنْ تَمَادَتْ صَلَّوْهَا وَإِنْ انْجَلَتْ حَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلُّوهَا، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا قِيَامَ عَلَيْهِمْ وَلَا اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ، وَلَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ؛ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. فَظَاهِرُ مَا فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ ذَلِكَ مَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ غَيْرُ مَسْنُونٍ إلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَمْ يُعَدَّ بِدْعَةً وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ يَتَضَرَّعُونَ وَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى قِيَامًا مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَمُبْتَهِلِينَ لَا يُنْكِرُ الْقَائِمُ عَلَى الْجَالِسِ وَلَا الْجَالِسُ عَلَى الْقَائِمِ وَلَا الدَّاعِي عَلَى السَّاكِتِ وَلَا السَّاكِتُ عَلَى الدَّاعِي انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا إذَا قُلْنَا لَا تُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ فَانْكَشَفَتْ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَغَابَتْ مُنْكَسِفَةً؛ لَمْ تُصَلَّ إجْمَاعًا وَسَلَّمَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ فِي الْقَمَرِ إذَا غَابَ مُنْكَسِفًا بِلَيْلٍ فَلْيُصَلَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَهَذَا لِأَنَّ سُلْطَانَ الشَّمْسِ قَدْ ذَهَبَ، وَوَقْتَهَا قَدْ فَاتَ وَهُوَ النَّهَارُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رَغْبَةً لِيُرَدَّ ضَوْءُهَا إلَيْنَا وَتَعُودَ مَنْفَعَتُهَا عَلَيْنَا وَهَذَا الْمَعْنَى يَذْهَبُ بِفَقْدِ الشَّمْسِ رَأْسًا فَيَسْقُطُ حُكْمُهَا بِفَقْدِهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ طَلَعَ الْقَمَرُ مَخْسُوفًا بَدَأَ بِالْمَغْرِبِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ افْتِقَارُهَا إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهَا بِخِلَافِ الْكُسُوفِ فَإِنْ انْكَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ وُجُودُ ضَوْئِهِ لَيْلًا لِتَحْصُلَ مَصْلَحَتُهُ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ فَلَوْ خَسَفَ فَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى غَابَ بِلَيْلٍ لَمْ يُصَلُّوا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَوْلَيْنِ وَاقْتَصَرَ التِّلْمِسَانِيُّ عَلَى أَنَّهَا تُصَلَّى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ بِالرُّكُوعِ) ش: أَيْ الثَّانِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَمْ يَقْضِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا يَقْضِي رَكْعَةً فِيهَا رَكْعَتَانِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: حَاصِلُهُ أَنَّ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ، وَالثَّانِيَ هُوَ الْفَرْضُ فَذَلِكَ إذَا أَدْرَكَ الثَّانِيَ مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ فِي مَحَلِّهِ فَيُصَلَّى أَوَّلُهُ بِالْقِرَاءَةِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ بِالسُّجُودِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَنْ الْمَسْبُوقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا إنْ رَكَعَ بِنِيَّةِ الثَّانِي وَسَهَا عَنْ الْأَوَّلِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَسْنُونٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَإِنْ رَكَعَ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ وَسَهَا عَنْ الثَّانِي فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ تَرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ اُنْظُرْ لَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ وَفَاتَهُ الثَّانِي لِرُعَافٍ أَوْ نَحْوَهُ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ انْحِطَاطِهِ لِلسُّجُودِ هَلْ يَقْضِيهِ؟ . ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَقْضِيهِ فَإِنَّهُ نَفَى الْقَضَاءَ عَمَّنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ الْعَكْسُ مُسَاوِيًا؛ لَمَا كَانَ لِاخْتِصَاصِهِ فَائِدَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ سَنَدٍ إنْ سَهَا عَنْ الْأَوَّلِ سَجَدَ لَهُ قَبْلُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى السُّنَنِ انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ وَاجِبٌ، فِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَوْلُهُ: أَجْرَاهُ مَجْرَى السُّنَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِهِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ يُرِيدُ وَلَوْ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ الْأَوَّلَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَدَارَكُهُ مَا لَمْ يَعْقِدْ الرَّكْعَةَ الَّتِي تَلِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ صَلَاة الْكُسُوف] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فَإِنْ فَعَلَ

مَا دَامَتْ الشَّمْسُ مُنْكَسِفَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. ص (وَلَا تُكَرَّرُ) ش أَيْ لَا تُكَرَّرُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ يَجِبُ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ مَا لَمْ تَنْجَلِ فَإِنْ أَتَمَّهَا عَلَى سُنَّتِهَا قَبْلَ الِانْجِلَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الْجَمْعُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى عَلَى سُنَّتِهَا، وَلَكِنْ لِلنَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا أَفْذَاذًا رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَيَدْعُوا وَيَذْكُرُوا اللَّهَ انْتَهَى. ، وَأَمَّا لَوْ تَكَرَّرَ الْكُسُوفُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَسَأَلْنَاهُ هَلْ يُسْتَسْقَى فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَهَذَا قَوْلُ الْكَافَّةِ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَلَيْسَ أَسْتَحِبُّ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [الأعراف: 94] وَقَوْلُهُ {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43] فَرَبَطَ التَّضَرُّعَ بِالْحَالِ الْمُؤَدِّيَةِ بِهِ وَفِي الْحَدِيثِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلِاسْتِسْقَاءِ أَوَّلًا هِيَ الْغَيْثُ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْغَيْثِ قَائِمَةٌ وَهَكَذَا لَوْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ أَوْ الْقَمَرُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْكُسُوفَ كُلَّ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَسْقِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ تِلْكَ الْمَرَّةِ إلَى اسْتِسْقَاءٍ انْتَهَى. ص (وَإِنْ انْجَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي إتْمَامِهَا كَالنَّوَافِلِ قَوْلَانِ) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَعْنِي الْخِلَافَ فِي إتْمَامِهَا كَالنَّوَافِلِ فِي السُّورَتَيْنِ، لَكِنَّهُ مُخْتَلِفٌ فَإِنْ انْجَلَتْ بَعْدَ إتْمَامِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا [] فَلَا خِلَافَ. أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُتِمُّهَا عَلَى سُنَّتِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ أَوْ يُتِمُّهَا كَالنَّوَافِلِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إنَّمَا هُوَ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ وَالْقِيَامِ دُونَ الْإِطَالَةِ، وَإِنْ انْجَلَتْ قَبْلَ إتْمَامِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَاخْتُلِفَ هَلْ يُتِمُّهَا كَالنَّوَافِلِ أَوْ يَقْطَعُ هَكَذَا حَصَلَ الْخِلَافُ ابْنُ نَاجِي، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الثَّانِيَيْنِ عَدَمُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقُدِّمَ فَرْضٌ خِيفَ فَوَاتُهُ ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ عِيدٌ وَأُخِّرَ الِاسْتِسْقَاءُ لِيَوْمٍ آخَرَ) ش أَمَّا كُسُوفُ الشَّمْسِ فَلَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ وَقْتَهَا إلَى الزَّوَالِ إلَّا عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِيمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ فَوَقْتُهَا إذَا اسْتَيْقَظَ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ فَمُمْكِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ عِيدٌ فَفِيهِ سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُحَالٌ عَادَةً؛ لِأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَمَرِ إذَا حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا فِي دَرَجَتِهَا يَوْمَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَعِيدُ الْفِطْرِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ دَرَجَةً مَنْزِلَةً تَامَّةً وَالْأَضْحَى يَكُونُ بَيْنَهُمَا نَحْوُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دَرَجَةً عَشْرَ مَنَازِلَ. نَعَمْ يُمْكِنُ عَقْلًا أَنْ يَذْهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْقَمَرِ كَمَا يُمْكِنُ حَيَاةُ إنْسَانٍ بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِهِ وَإِخْلَاءِ جَوْفِهِ وَالْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مُنْكَرٌ مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ تَحَدَّثُوا فِيهِ. (السُّؤَالُ الثَّانِي) أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ النَّفْلِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِتَقْدِيمِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكُسُوفَ يُخْشَى ذَهَابُ سَبَبِهِ بِخِلَافِ الْعِيدَيْنِ كَمَا فِي جَوَابِ الْأَذَانِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: زَعَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بُطْلَانَ كَوْنِ الْكُسُوفِ بِحَيْلُولَةِ الْقَمَرِ وَكَوْنِ خُسُوفِهِ بِدُخُولِهِ فِي ظِلِّ الْأَرْضِ لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ خِلَافَ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ وَالْجَمَاعَةِ: فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ لَا سُؤَالَ. انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الْقَرَافِيُّ إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ عِنْدَ خَوْفِ فَوَاتِهَا وَإِنْ أَمِنَ قَدَّمَ الْكُسُوفَ، وَتُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْخُسُوفِ، إلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقْتُهُ انْتَهَى. (قُلْت) وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فصل صلاة الاستسقاء

[فَصَلِّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ] ص (فَصْلٌ سُنَّ الِاسْتِسْقَاءُ لِزَرْعٍ أَوْ شُرْبٍ بِنَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ بِسَفِينَةٍ رَكْعَتَانِ جَهْرًا) ش الِاسْتِسْقَاءُ: طَلَبُ السَّقْيِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الِاسْتِسْقَاءُ يَكُونُ لِأَرْبَعٍ: الْأَوَّلُ لِلْمَحَلِّ وَالْجَدْبِ، وَالثَّانِي: عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى شُرْبِ شِفَاهِهِمْ أَوْ دَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ فِي سَفَرٍ فِي صَحْرَاءَ أَوْ فِي سَفِينَةٍ أَوْ فِي الْحَضَرِ وَالثَّالِثُ: اسْتِسْقَاءُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلٍّ وَلَا حَاجَةٍ إلَى الشُّرْبِ وَقَدْ أَتَاهُمْ مِنْ الْغَيْثِ مَا إنْ اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ كَانُوا فِي دُونِ السَّعَةِ، فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَيَسْأَلُوا اللَّهَ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ قَوْمٍ احْتَاجُوا زِيَادَةً إلَى مَا عِنْدَهُمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَسْقُوا، وَالرَّابِعُ: اسْتِسْقَاءُ مَنْ كَانَ فِي خِصْبٍ لِمَنْ كَانَ فِي جَدْبٍ وَمَحَلٍّ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَالثَّالِثُ مُبَاحٌ وَالرَّابِعُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ بِأَنَّهُ رَدَّ الرَّابِعَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الدُّعَاءُ وَنَصُّهُ اللَّخْمِيُّ وَلِنُزُولِ الْجَدْبِ بِغَيْرِهِمْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِحَدِيثِ «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» «وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ» وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ الدُّعَاءُ لَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَأَنْكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الصَّلَاةَ فِي الثَّالِثِ وَتَأَوَّلَ الِاسْتِسْقَاءَ فِيهِ بِالدُّعَاءِ وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي رَسْمِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي أَهْلِ قَرْيَةٍ: إنَّمَا يَشْرَبُونَ مِنْ الْأَمْطَارِ إذَا كَانَ سَالَ وَادِيهِمْ فَيَزْرَعُونَ وَيَشْرَبُونَ وَكَانَ عَامٌ قَلَّ الْمَطَرُ عَلَيْنَا فَنُمْطَرُ مَا نَزْرَعُ عَلَيْهِ الزَّرْعَ الْكَثِيرَ وَلَا يَسِيلُ وَادِينَا فَنَسْتَسْقِيَ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: إنَّهُ قِيلَ: الِاسْتِسْقَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ وَأَنْتُمْ قَدْ مُطِرْتُمْ وَقَدْ زَرَعْتُمْ عَلَيْهِ زَرْعًا كَثِيرًا فَقَالَ: مَا قَالُوا شَيْئًا، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ إنَّهُمْ يَسْتَسْقُونَ يُرِيدُ الدُّعَاءَ لَا الْبُرُوزَ إلَى الْمُصَلَّى عَلَى سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إلَى الْغَيْثِ حَيْثُ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبُرُوزَ إلَى الْمُصَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ انْتَهَى. فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّ الِاسْتِسْقَاءَ سُنَّةٌ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ لَيْسَ سُنَّةً بَلْ إمَّا مُبَاحٌ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ أَوْ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَسَيُصَرِّحُ بِحُكْمِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي جَوَازِهِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ. (فَرْعٌ) وَإِذَا أَضَرَّ الْمَطَرُ بِالنَّاسِ دَعَوْا اللَّهَ وَتَضَرَّعُوا إلَيْهِ وَلَا يُقِيمُونَ لَهُ صَلَاةً. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَإِذَا تَضَرَّرُوا مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ فَلْيَسْأَلُوا الِاسْتِصْحَاءَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «اللَّهُمَّ مَنَابِتَ الشَّجَرِ وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ وَظُهُورَ الْآكَامِ» فِيهِ تَعْلِيمُ كَيْفِيَّةِ الِاسْتِصْحَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ ارْفَعْهُ عَنَّا؛ لِأَنَّهُ رَحْمَةٌ وَنِعْمَةٌ فَكَيْفَ يُطْلَبُ رَفْعُهُ وَلَمْ يَقُلْ: اللَّهُمَّ اصْرِفْهُ إلَى مَنَابِتِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِوَجْهِ

تنبيه الخروج إلى الصحراء لصلاة الاستسقاء

اللُّطْفِ وَطَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ انْتَهَى. وَالْجَدْبُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ نَقِيضُ الْخِصْبِ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْجَدْبُ خَاصٌّ بِاحْتِيَاجِ الزَّرْعِ إلَى الْمَاءِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي احْتِيَاجِ الْحَيَوَانِ انْتَهَى. ص (وَخَرَجُوا ضُحًى مُشَاةً) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنَّمَا تُصَلَّى ضَحْوَةً وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ فَهِمَهَا عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا ضَحْوَةً فَقَطْ وَلَا تُصَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا تُصَلَّى مِنْ ضَحْوَةٍ إلَى الزَّوَالِ وَتَرَدَّدَ سَنَدٌ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ هَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ خِلَافٌ؟ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ كَذَلِكَ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ غَيْرَ مُتَوَكِّئٍ إلَى الْمُصَلَّى، وَرَوَى الشَّيْخُ لَا يُكَبِّرُونَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ إلَّا فِي الْإِحْرَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ فِي الْغُدُوِّ لَهَا جَهْرٌ بِتَكْبِيرٍ وَلَا اسْتِغْفَارٍ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُكَبِّرُ الْإِمَامُ فِي مَمْشَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ يُكَبِّرُونَ فِي غُدُوِّهِمْ انْتَهَى. ص (وَكَرَّرَ إنْ تَأَخَّرَ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَيَّامًا مُتَوَالِيَاتٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مِنْ إبْطَاءِ النِّيلِ قَالَ أَصْبَغُ وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَاتٍ يَسْتَسْقُونَ عَلَى سُنَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَرِجَالٌ صَالِحُونَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ انْتَهَى. [تَنْبِيه الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] (تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ مَكَّةَ كَمَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُصَلُّونَ الِاسْتِسْقَاءَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جُبَيْرٍ فِي رِحْلَتِهِ وَكَانَتْ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسمِائَةِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ صَلَّوْا صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَدْ أَلْصَقَ بِالْبَيْتِ عَلَى الْعَادَةِ وَأَنَّهُمْ كَرَّرُوا ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِبِذْلَةٍ) ش: هِيَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبِذْلَةُ مَا يُمْتَهَنُ مِنْ الثِّيَابِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالتَّبَذُّلُ تَرْكُ التَّزَيُّنِ ص (وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ وَانْفَرَدَ لَا بِيَوْمٍ) ش قَالَ فِي الطِّرَازِ وَإِذَا قُلْنَا: لَا يُمْنَعُونَ فَهَلْ يَخْرُجُونَ بِإِشْهَارِ الصَّلِيبِ وَإِظْهَارِ شِعَارِ الْكُفْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّطَوُّفِ بِصَلِيبِهِمْ شِرْكِهِمْ إذَا بَرَزُوا بِذَلِكَ وَتَنَحَّوْا بِهِ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ ذَلِكَ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ انْتَهَى. وَقَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (ثُمَّ خَطَبَ كَالْعِيدِ) ش: يَعْنِي فِي كَوْنِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ فِي ابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى

كتاب الجنائز

وَبَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا يَدْعُوا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ إلَّا فِي كَشْفِ مَا نَزَلَ بِهِمْ لَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ بِسَبِّحْ وَالشَّمْسِ وَبِلَا أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ص (ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ) ش: لَعَلَّهُ إنَّمَا أَتَى بِثُمَّ لِيُنَبِّهَ عَلَى التَّحْوِيلِ بَعْدَ الِاسْتِقْبَالِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِذَا فَرَغَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا فَحَوَّلَ مَا عَلَى يَمِينِهِ مِنْ رِدَائِهِ عَلَى يَسَارِهِ وَمَا عَلَى يَسَارِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَلَا يَقْلِبُهُ فَيَجْعَلَ الْأَسْفَلَ الْأَعْلَى وَالْأَعْلَى الْأَسْفَلَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنَّمَا يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ انْتَهَى. ص (بِلَا تَنْكِيسٍ) ش: التَّنْكِيسُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَاشِيَةَ الَّتِي تَلِي عَجُزَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَبِالْعَكْسِ عَلَى مَا فَهِمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي الْبَرَانِيسِ وَالْغَفَائِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ لَا تُحَوَّلُ خِلَافًا لِابْنِ عَيْشُونٍ وَنَصَّ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ وَعَنْهُ إنْ شَاءَ انْصَرَفَ وَإِنْ شَاءَ حَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى النَّاسِ فَكَلَّمَهُمْ وَرَغَّبَهُمْ فِي الصَّدَقَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. ص (وَبَدَّلَ التَّكْبِيرَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَبَالَغَ فِي الدُّعَاءِ آخِرَ الثَّانِيَةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ بِالسُّقْيَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَيَصِلُ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ مَالِكٍ: أَنْكَرَ أَبُو مَسْلَمَةَ عَلَى رَجُلٍ رَآهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمِنْبَرِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا أَنْكَرَ الْكَثِيرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِكَانَةِ فَمَحْمُودٌ وَأَجَازَهُ فِيهَا فِي مَوَاضِعِ الدُّعَاءِ وَفَعَلَهُ وَاسْتَحَبَّهُ وَكَفَّيْهِ بُطُونُهُمَا لِلْأَرْضِ وَسَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي رَفْعُهُمَا فِي الدُّعَاءِ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُهُ خِلَافُ إجَازَةِ رَفْعِهِمَا فِيهِ فِي مَوَاضِعِهِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَعَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَمَقَامَيْ الْجَمْرَتَيْنِ وَالْأَوْلَى حَمْلُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَتَهُ فِي غَيْرِ مَوَاطِنِهِ فَلَا يَكُونُ خِلَافًا؛ الشَّيْخُ رَوَى عَلَى اسْتِحْسَانِ رَفْعِهِمَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ انْتَهَى. ص (وَصَدَقَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَحُضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَأْمُرُ فِيهَا بِالطَّاعَةِ وَيُحَذِّرُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ انْتَهَى. ص (وَجَازَ تَنَفُّلٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِذَا فَاتَتْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ مَالِكٌ إنْ شَاءَ صَلَّاهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [فَصَلِّ غُسْلِ الْمَيِّتِ] ص (فَصْلٌ فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِمُطَهِّرٍ وَلَوْ بِزَمْزَمَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَدَفْنِهِ وَكَفَنِهِ وَسُنِّيَّتِهِمَا خِلَافٌ) ش: اشْتِرَاطُهُ هُنَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ بِمُطَهِّرٍ مُوَافِقٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ أَنَّ الْغُسْلَ تَعَبُّدٌ

فرع التكفين بثوب غسل بماء زمزم

وَقَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ: وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ، يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُجْعَلُ السِّدْرُ فِي غَيْرِ الْأُولَى، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَحْسَنُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَفِي الْآخِرَةِ كَافُورًا إنْ تَيَسَّرَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَنَّهُ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الْأُولَى، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُدَلَّكَ الْمَيِّتُ بِالسِّدْرِ ثُمَّ يُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْقَرَاحُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْيَاخِي وَالْمُدَوَّنَةُ قَابِلَةٌ لَهُ، وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ يَكُونُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَخَذَ مِنْهَا جَوَازَ غُسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ كَقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ وَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافًا، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ اخْتِيَارِ أَشْيَاخِهِ ظَاهِرٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ إذَا وَرَدَ عَلَى الْعُضْوِ طَهُورًا وَانْضَافَ فِيهِ لَا يَضُرُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ التُّونُسِيِّ: خَلْطُ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ يُضِيفُهُ، وَصَبُّهُ عَلَى الْجَسَدِ بَعْدَ حَكِّهِ بِهِ لَا يُضِيفُهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُخْتَصَرِ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ حَدٌّ مَا نَصُّهُ: اُخْتُلِفَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ حَاشَا الشَّهِيدَ شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تُوُفِّيَ أُتِيَ بِحَنُوطٍ وَكَفَنٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ وَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ فِي وِتْرٍ مِنْ الثِّيَابِ وَحَنَّطُوهُ وَتَقَدَّمَ مَلَكٌ مِنْهُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ ثُمَّ أَقْبَرُوهُ وَأَلْحَدُوهُ وَنَصَبُوا اللَّبِنَ عَلَيْهِ وَابْنُهُ شِيثٌ مَعَهُمْ فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا لَهُ هَكَذَا فَاصْنَعْ بِوَلَدِك وَإِخْوَتِك فَإِنَّهَا سُنَّتُكُمْ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِزَمْزَمَ يُرِيدُ مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ لِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ كَرِهْنَا غُسْلَهُ بِهِ؛ لِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي النَّجَاسَاتِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ أَجَزْنَا غُسْلَهُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: قَالُوا وَلَوْ كَانَ فِي جَسَدِ الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ كُرِهَ غَسْلُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ انْتَهَى. [فَرْعٌ التَّكْفِين بِثَوْبِ غَسَلَ بِمَاء زَمْزَم] (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ لَا يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ قَالَ: وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ هَذَا لَا يَجْرِي إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ الَّذِي يَمْنَعُ غَسْلَ النَّجَاسَةِ بِهِ. الثَّانِي: أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَاءِ قَدْ ذَهَبَتْ حِسًّا وَمَعْنًى، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ نَظَرٌ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْمَاءِ مِنْ حَلَاوَةٍ وَمُلُوحَةٍ، وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الصلاة على الميت] وَقَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ: وَيُخْتَلَفُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَمْ لَا؟ . فَذَهَبَ جُمْهُورُ النَّاسِ إلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ يَحْمِلُهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ صَحِبَ الْجِنَازَةَ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، وَاحْتَجَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ لِلْفَرِيضَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ، وَبِقَوْلِهِ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَلَاثٌ فَذَكَرَ وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ» . وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَيَّنَ فَرَائِضَ الْخَمْسِ الصَّلَوَاتِ قَالَ لَهُ السَّائِلُ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ؛ وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ وَفَرَائِضِ الصَّلَاةِ؛ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ فَرْضًا لَشُرِعَتْ لَهَا الْإِقَامَةُ وَالْأَذَانُ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ فَلَمَّا لَمْ تُشْرَعْ لَهَا الْإِقَامَةُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ الْفَرِيضَةِ فِيهَا كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أُخَرَ احْتَجَّ بِهَا عَلَى عَدَمِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَهَلْ هِيَ سُنَّةٌ، أَوْ تَنْحَطُّ عَنْ رُتْبَةِ السُّنَنِ إلَى الرَّغَائِبِ وَالْمَنْدُوبَاتِ؟ . حَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي مَعُونَتِهِ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً وَهِيَ مِنْ الرَّغَائِبِ؛ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ يَقُولَانِ شُهُودُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِ النَّوَافِلِ

تنبيهان الأول الطهارة لصلاة الجنازة

وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: النَّوَافِلُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ حَتَّى أَنَّ سَعِيدًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى جِنَازَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَرَأَى أَنَّ مَا فَعَلَ أَفْضَلُ، قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى ذَلِكَ إلَّا فِي جِنَازَةِ الرَّجُلِ الَّذِي تُرْجَى بَرَكَتُهُ فَإِنَّ شُهُودَهُ أَفْضَلُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، أَوْ أَحَدٍ تُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا يُقْتَضَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي رُتْبَةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ سَادَاتِ الْأُمَّةِ وَأَهْلَ الْفَضْلِ لَمْ تَزَلْ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَوَالِي الْأَعْصَارِ تُلَازِمُ مَسَاجِدَهُمْ وَزَوَايَاهُمْ مَعَ قَطْعِهِمْ بِوُجُودِ الْجَنَائِزِ فِي مِصْرِهِمْ فَلَوْ كَانَ حُضُورُهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ لَكَانَتْ الْأَئِمَّةُ يُؤْثِرُونَهَا عَلَى سَائِرِ النَّوَافِلِ وَلَوْ فَعَلُوهُ لَمَا اتَّصَلَ الْعَمَلُ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، (الثَّانِي) : أَنَّهَا سُنَّةٌ، (الثَّالِثُ) : أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالسُّنَّةِ وَأَنَّ سُنِّيَّتَهَا دُونَ سُنِّيَّةِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْأَوْقَاتِ مَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ الطَّهَارَة لِصَلَاةِ الْجِنَازَة] (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: هِيَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَهَا وَيَدُلُّنَا عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ خِلَافًا لِقَوْمٍ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ» وَلَا تُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ إلَّا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَتْ تَفُوتُ بِالْتِمَاسِ الْمَاءِ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْمَاضِينَ كَرِهَهُ إلَّا مَالِكٌ. [الثَّانِي اشْتِرَاط الْجَمَاعَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة] (الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا الْإِمَامَةُ فَإِنْ فُعِلَتْ بِغَيْرِ إمَامٍ؛ أُعِيدَتْ مَا لَمْ تَفُتْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الثَّالِث ذِكْر مَنْسِيَّة فِي صَلَاة الْجِنَازَة] (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنْ ذَكَرَ مَنْسِيَّةً فِيهَا لَمْ يَقْطَعْ وَلَمْ يُعِدْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُقْضَى وَالتَّرْتِيبُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْمُؤَقَّتَاتِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَا تُقْطَعُ فَإِنْ ذَكَرَ الْجِنَازَةَ فِيهَا اسْتَخْلَفَ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُعِدْ وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ الْجِنَازَةُ انْتَهَى. [الرَّابِع صلوا الْجِنَازَة قُعُود] (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّوْا قُعُودًا لَا تُجْزِئُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الرَّغَائِبِ يَنْبَغِي أَنْ تُجْزِئَهُمْ انْتَهَى [الْخَامِس قَهْقَهَ أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا فِي صَلَاة الْجِنَازَة] (الْخَامِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَاسْتَأْنَفَ إنْ قَهْقَهَ، أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْتَخْلِفُ وَيَتَأَخَّرُ مُؤْتَمًّا وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ انْتَهَى [السَّادِس صَلَّى عَلَيْهَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ] (السَّادِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا وَهَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا بَعْدَهُ، أَوْ تَجِبُ فِيهَا، أَوْ لَا تُعَادُ مُطْلَقًا؟ أَقْوَالٌ. [السَّابِع نوي الْإِمَام الصَّلَاةَ عَلَيَّ احدي الْجِنَازَتَيْنِ وَمنْ خَلْفه يَنْوِيهِمَا] (السَّابِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَا يَدْخُلُ فِي الثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْوَ، وَلَوْ أَتَى بِالثَّانِيَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْأُولَى فَسَهَا الْإِمَامُ فَنَوَى إحْدَى الْجِنَازَتَيْنِ وَمَنْ خَلْفَهُ يَنْوِيهِمَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ تُعَادُ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ يَنْوِهَا الْإِمَامُ دُفِنَتْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَصْلُ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ غَالِبُهَا فِي التَّوْضِيحِ خُصُوصًا فُرُوعُ الشَّامِلِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصَايَا: فَائِدَةٌ مِمَّا اُخْتُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْغَنَائِمُ، وَثُلُثُ الْمَالِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَكَفْنِهِ بِسُكُونِ الْفَاءِ الْفِعْلُ وَبِالْفَتْحِ الثَّوْبُ، نَقَلَهُ الْقَبَّابُ عَنْ عِيَاضٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَمَا حَكَاهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ؛ إذْ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ سَتْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ خِلَافٌ. أَمَّا الْقَوْلُ بِسُنِّيَّةِ الْغُسْلِ فَقَدْ شَهَرَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ وَلَكِنَّ الْوُجُوبَ أَقْوَى وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَلَى تَصْحِيحِهِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِسُنِّيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَعْزِهِ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا لَأَصْبَغَ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

مسائل متعلقة بالغسل والدفن والصلاة

[مسائل متعلقة بالغسل والدفن والصلاة] ص (وَغُسْلٌ كَالْجَنَابَةِ) ش: أَيْ يَجِبُ تَعْمِيمُ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ؛ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا صِفَةُ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ فِي صَبِّ الْمَاءِ وَالتَّدَلُّكِ عَلَى حُكْمِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ حُكْمَهُ فِي الْمُوَالَاةِ كَحُكْمِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَيْضًا، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيُغْسَلُ كَالْجَنَابَةِ يَعْنِي الْأَجْزَاءَ كَالْأَجْزَاءِ، وَالْكَمَالَ كَالْكَمَالِ إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ غُسْلُ الْمَيِّتِ كَالتَّكْرَارِ فَإِنَّهُ يُبَيِّنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَسْقُطُ الدَّلْكُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّ فَرَائِضَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَسُنَنَهُ وَفَضَائِلَهُ تَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ كَالْجَنَابَةِ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِغُسْلِ النَّجَاسَةِ فَيَتَتَبَّعُهَا وَيَغْسِلُ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَيُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ حِينَئِذٍ الْغُسْلَ الْفَرْضَ قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ. [فَرْعٌ غُسِلَتْ الْمَيِّتَةُ ثُمَّ وُطِئَتْ] (فَرْعٌ) فَإِنْ غُسِلَتْ الْمَيِّتَةُ ثُمَّ وُطِئَتْ لَمْ تُغْسَلْ نَقَلَهُ الْأَبِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (بِلَا نِيَّةٍ) ش: أَيْ وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إذَا كَانَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ. [غسل الزوجين للآخر] ص (وَقُدِّمَ الزَّوْجَانِ إنْ صَحَّ النِّكَاحُ) ش يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ فِي الْحَجِّ الثَّانِي فِي وَطْءِ الْمُحْرِمِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسِّلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُحْرِمَيْنِ الْآخَرَ فَيَرَى عَوْرَتَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ عَنْ ذَلِكَ مَذْيٌ فَلْيُهْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ مَذْيٌ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ فَأَرَادَ زَوْجُهَا دَفْنَهَا فِي مَقْبَرَتِهِ وَأَرَادَ عَصَبَتُهَا دَفْنَهَا فِي مَقْبَرَتِهِمْ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُكْنَى الْمُعْتَدَّاتِ سُئِلْت عَمَّنْ مَاتَتْ فَأَرَادَ زَوْجُهَا دَفْنَهَا فِي مَقْبَرَتِهِ وَأَرَادَ عَصَبَتُهَا دَفْنَهَا فِي مَقْبَرَتِهِمْ فَأَجَبْت بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ عَصَبَتِهَا أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِفَقْدِ النَّصِّ فِيهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْهُ بِلَفْظِ: وَأَرَادَ أَهْلُهَا وَزَادَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا نَصًّا فَمَنْ رَأَى ذَلِكَ فَلْيُضِفْهُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ رَاجِيًا ثَوَابَ اللَّهِ الْجَزِيلَ. ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: وَاخْتُلِفَ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ نَاجِي. وَالْمَسْأَلَةُ أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَتَنْثَوِي الْبَدَوِيَّةُ حَيْثُ انْثَوَى أَهْلُهَا لَا حَيْثُ انْثَوَى أَهْلُ زَوْجِهَا وَالِانْثِوَاءُ الْبُعْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَاسِدُهُ) ش: شَامِلٌ لِمَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ وَلِمَا يَفُوتُ بِالطُّولِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَفُتْ فَسْخُهُ فَإِنَّهُ لَا غُسْلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِيهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُحْرِمًا فَلَا يُغَسِّلُ الْحَيُّ الْمَيِّتَ يُرِيدُ: إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَلِي غُسْلَهَا انْتَهَى. وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَهَذَا مَعَ وُجُودِ مَنْ يَجُوزُ مِنْهُ الْغُسْلُ فَإِنْ عُدِمَ وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى التَّيَمُّمِ؛ كَانَ غُسْلُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَجَازَهُ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ. ص (وَإِنْ رَقِيقًا أَذِنَ سَيِّدُهُ) ش: أَيْ فِي الْغُسْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ رُجُوعَ الْإِذْنِ لِلنِّكَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَهُوَ عَامٌّ فِي الرَّقِيقَيْنِ وَالْمُخْتَلِفِينَ، كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الرَّقِيقَ، أَوْ الْحُرَّ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِذْنِ إذْنُ السَّيِّدِ الْحَيِّ مِنْهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ الزَّوْجَ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا يُقْضَى لَهُ بِغُسْلِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَذَكَرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِغُسْلِ زَوْجَتِهِ إذَا كَانَتْ أَمَةً قَالَ: وَكَأَنَّهُ أَجَازَ لِلسَّيِّدِ غُسْلَهَا وَالِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَالزَّوْجُ أَحَقُّ مِنْهُ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ

هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَ سَحْنُونٍ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِغُسْلِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَقِيلَ: لَا يُقْضَى لَهُ بِغُسْلِ زَوْجَتِهِ إذَا كَانَتْ أَمَةً، وَأَمَّا مَا فَهِمَهُ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّهُ أَجَازَ لِلسَّيِّدِ غُسْلَهَا فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لَا يُغَسِّلُهَا وَلَا تُغَسِّلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلزَّوْجَةِ بِغُسْلِ زَوْجِهَا حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا وَأَنَّ الْحُرَّ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقُّ بِهِ، وَالْعَبْدَ سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ أَسْقَطَ السَّيِّدُ حَقَّهُ مِنْ الْغُسْلِ، أَوْ كَانَ الْعَبْدُ مِلْكًا لِامْرَأَةٍ كَانَ الْأَمْرُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْعَبْدِ؛ قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُقْضَى لِلزَّوْجَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَوْلًى، أَوْ وَلِيٍّ وَهُوَ أَحْسَنُ وَالزَّوْجَةُ أَسْتَرُ لِزَوْجِهَا؛ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَقَلُّبِهِ أَنْ يَنْكَشِفَ انْتَهَى ص (أَوْ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ) ش:؛ لِأَنَّ مَوْتَ أَحَدِهِمَا يُفِيتُ خِيَارَ الْعَيْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالْأَحَبُّ نَفْيُهُ إنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ) ش: أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فِي الْأُولَى فَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ يَنْقُلُهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِبَاحَةُ الْوَطْءِ لِمَوْتٍ بِرِقٍّ يُبِيحُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْوَطْءُ بِسَبَبِ الرِّقِّ وَاسْتَمَرَّتْ الْإِبَاحَةُ لِلْمَوْتِ فَذَلِكَ يُبِيحُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقِنُّ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ عَبْدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا وَتَخْرُجُ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا، وَالْمُشْتَرَكَةُ وَأَمَةُ الْقِرَاضِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: وَلَا يُغَسِّلُ مُكَاتَبَتَهُ عِنْدَنَا وَلَا الْمُعْتَقَ بَعْضُهَا وَلَا الْمُعْتَقَةَ إلَى أَجَلٍ وَمَنْ لَهُ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا كُلَّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا انْتَهَى. قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَيَعْنِي بِالْإِبَاحَةِ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ فَالْمُحَرَّمُ لِعَارِضٍ لَا يَقْدَحُ فِيهَا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا انْتَهَى. وَفِي الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ فِيهَا وَفِي الْمُولِي مِنْهَا لِعَدَمِ إبَاحَةِ الْوَطْءِ بِدَلِيلِ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي أَمَةِ الْمِدْيَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ وَقَيَّدَ الْإِبَاحَةَ بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَمِرَّةً لِلْمَوْتِ فَلَوْ زَالَتْ بِزَوَالِ الرِّقِّ فَلَا إشْكَالَ وَلَوْ زَالَتْ مَعَ بَقَائِهِ كَأَمَةِ الْمِدْيَانِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ وَلَا يُغَسِّلُهَا انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ، وَكَلَامُ النَّوَادِرِ شَامِلٌ لَهَا وَلِلْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَلِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إبَاحَةُ الْوَطْءِ أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَصَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا قَالَ يُبِيحُ وَلَمْ يَقُلْ يُقْضَى؛ لِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِالرِّقِّ لَا يُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ اتِّفَاقًا وَلَا تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوْلِيَاءُ، أَوْ كَانُوا وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الْغُسْلُ فَهِيَ أَحَقُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا كَانَتْ تُحْسِنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ سَنَدٌ إنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْأَمَةَ تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا وَإِنْ كَانَ مِلْكُهَا قَدْ انْتَقَلَ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ حَقٌّ لِلْمَالِكِ ثَبَتَ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمِلْكِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تُوفِيَ سَيِّدَهَا مَا وَجَبَ لَهُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ لِلْمَيِّتِ حَقًّا يَجْرِي مَجْرَى الْمَالِكِ فِي بَيْتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يَتِمَّ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (ثُمَّ أَقْرَبُ أَوْلِيَائِهِ) ش: عَلَى تَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ التَّقَدُّمِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ

فرع صلين عليه ثم قدم رجل لم يغسله

كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ امْرَأَةُ مَحْرَمٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَلُ إلَى الْمَحَارِمِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ مُسْلِمِينَ كَانُوا، أَوْ كِتَابِيِّينَ وَأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ كِتَابِيٌّ لِغُسْلِهِ، قَالَ ابْنُ نَاجٍ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ: يُعَلِّمُهُ النِّسَاءَ وَيُغَسِّلْنَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يَلِي ذَلِكَ كَافِرٌ وَلَا كَافِرَةٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُغَسِّلُهُ الْكَافِرُ وَكَذَلِكَ الْكَافِرَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يُحْتَاطُونَ بِالتَّيَمُّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ هَارُونَ أَيْضًا وَقَالَ: إنَّ الْكِتَابِيَّةَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مَعَ الْأَجَانِبِ فَيُعَلِّمُونَهَا إلَى آخِرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَحَارِمِ النَّسَبِ وَالصِّهْرِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَكَذَلِكَ مَحَارِمُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ص (وَهَلْ تَسْتُرُهُ، أَوْ عَوْرَتَهُ؟ تَأْوِيلَانِ) ش التَّأْوِيلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ تُلْصِقَ الثَّوْبَ بِالْجَسَدِ وَتُحَرِّكَهُ فَتُغَسِّلَ مَا بِهِ انْتَهَى ص (ثُمَّ يُمِّمَ لِمِرْفَقَيْهِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [فَرْعٌ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدِمَ رَجُلٌ لَمْ يُغَسِّلْهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدِمَ رَجُلٌ لَمْ يُغَسِّلْهُ انْتَهَى ص (كَعَدَمِ الْمَاءِ) ش: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُيَمَّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ، أَوْ مَحَارِمُ يُمِّمَتْ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَإِلَّا فَإِلَى الْكُوعَيْنِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ص (وَتَقْطِيعُ الْجَسَدِ وَتَزْلِيعُهُ) ش: مُرَادُهُ إذَا خُشِيَ مِنْ الْغُسْلِ تَقْطِيعُ الْجَسَدِ، أَوْ تَزْلِيعُهُ كَمَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ، وَأَمَّا الْجَسَدُ الْمُقَطَّعُ فَإِنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ كُلُّهُ، أَوْ جُلُّهُ غُسِّلَ وَصَلِّي عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُضَفَّرُ) ش: يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَأَمَّا الشَّعْرُ فَلْيَفْعَلُوا كَيْفَ شَاءُوا وَأَمَّا الضَّفْرُ فَلَا أَعْرِفُهُ لَكِنْ تَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَسَنٌ مِنْ الْفِعْلِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ وَضَفْرُهَا شَعْرَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (ثُمَّ مَحْرَمٌ فَوْقَ ثَوْبٍ) ش: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ وَلَا يُفْضِي بِيَدِهِ لِجَسَدِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَتْرٌ مِنْ سُرَّتِهِ لِرُكْبَتَيْهِ) ش: وَقَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ يُرِيدُ: لِأَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ يَجِبُ سَتْرُهُ حَالَ الْحَيَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ سَتْرَ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ سَحْنُونٍ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى صَدْرِهِ خِرْقَةً. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ فِيمَنْ طَالَ مَرَضُهُ وَنَحَلَ جِسْمُهُ؛ لِأَنَّ مَنْظَرَهُ حِينَئِذٍ يَقْبُحُ وَالْمَيِّتُ يُكْرَهُ أَنْ يُرَى ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ انْتَهَى. وَفِي الْمَدْخَلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً غَلِيظَةً فَوْقَ الْمِئْزَرِ حَتَّى لَا يَصِفَ عَوْرَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ زَوْجًا) ش: هَذَا مَذْهَبُ

الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُغَسِّلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَالْمَيِّتُ عُرْيَانُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِهِ الْبُرْزُلِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُعِينٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ بِاتِّفَاقٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ إلَى الْمُتَقَدِّمِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرُكْنُهَا النِّيَّةُ) ش: قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ: الصَّحِيحُ فِي النِّيَّةِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُ هَهُنَا الْقَصْدُ لِلصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ خَاصَّةً، وَاسْتِحْضَارُ كَوْنِهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِنْ غَفَلَ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ؛ لَمْ يَضُرَّ كَمَا لَا يَضُرُّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ انْتَهَى. ص (وَأَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) ش: الْأُولَى مِنْهُنَّ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ، قَالَ الْقَبَّابُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ هُنَا وَفِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ صِفَةً وَحُكْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ قَالَ سَنَدٌ: هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَذَهَبَ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ إلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ ثَلَاثٌ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُكَبِّرُهَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يُكَبِّرُ مَا يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعٍ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ كَبَّرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّجَاشِيِّ تِسْعًا وَخَمْسًا وَأَرْبَعًا فَكَبِّرُوا كَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَوَجْهُ مَا اخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ حَدِيثُ الْمُوَطَّإِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ حَدِيثَ يَعْنِي النَّجَاشِيِّ وَهُوَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَّصِلِ فَكَانَ أَرْجَحَ مِنْ كُلِّ مَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ زَادَ لَمْ يَنْتَظِرْ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ كَبَّرَ خَمْسًا أَجْزَأَتْ الصَّلَاةَ، وَلَمْ تَفْسُدْ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُكَبِّرُ خَمْسًا فَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَبَّرَ الرَّابِعَةَ يُسَلِّمُ وَلَمْ يَنْتَظِرْ تَسْلِيمَهُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: يَثْبُتُونَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ حَتَّى يُسَلِّمُوا بِتَسْلِيمِهِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةٌ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُكَبِّرُهَا مَعَهُ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا مِمَّا فَاتَهُ وَلْيُمْهِلْ فَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ وَقَالَ أَصْبَغُ يُكَبِّرُ مَعَهُ الْخَامِسَةَ وَيَحْتَسِبُ بِهَا وَعَلَى أَصْلِ مَالِكٍ لَا يَنْتَظِرُ تَسْلِيمَهُ وَيُكَبِّرُ لِنَفْسِهِ وَيَنْصَرِفُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِسَنَدٍ وَعَزَا الْقَطْعَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُكَبِّرُ خَمْسًا لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَلِسَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ وَعَزَا الْقَوْلَ بِسُكُوتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ بِسَلَامِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلِأَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ وَجَّهَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَعَزَا الْقَوْلَ فِيمَنْ فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةٌ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُهَا مَعَهُ لِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَالثَّانِي لِأَصْبَغَ قَالَ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ قَضَاءِ الْمَأْمُومِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يُجْزِئُهُ مَا قَضَاهُ قَبْلَ سَلَامِهِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَيَتَمَشَّى قَوْلُ أَصْبَغَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ دُونَ الْإِمَامِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا ذَلِكَ الْمَحَلُّ مَحَلًّا لِسَلَامِ الْمَأْمُومِينَ وَمَحَلَّ قَضَاءِ الْمَسْبُوقِينَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي اعْتِدَادِ مَسْبُوقٍ بِهَا فَيُكَبِّرُهَا وَلَغْوَهَا، وَلَوْ كَبَّرَهَا قَوْلَا أَصْبَغَ وَابْنِ رُشْدٍ مَعَ أَشْهَبَ وَالْأَخَوَيْنِ وَرِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ: قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُ أَصْبَغَ اسْتِحْسَانٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) عَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ مِنْ الْمَمْنُوعَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّهُ عَدَّ مَعَهَا الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ وَعَلَى الْغَائِبِ وَفِي الْمَسْجِدِ وَعَلَى الْمُبْتَدِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ عَنْ بَعْضِ التَّكْبِيرِ سَبَّحُوا بِهِ وَلَا يُكَبِّرُونَ دُونَهُ إلَّا إنْ مَضَى وَتَرَكَهُمْ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى ص (وَالدُّعَاءُ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ

الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ الدُّعَاءَ فَرْضٌ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي فُرُوضِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَهُنَّ وَنَحْوُهُ لِلشَّبِيبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَصَبْرُ الْمَسْبُوقِ لِلتَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي قَالَ: وَيُحْمَلُ - نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي - قَدْرُ الدُّعَاءِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ لَا عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى. وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ هُوَ قَوْلُهُ فِي التَّهْذِيبِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ فِي تَرْجَمَةِ السَّهْوِ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ: اُدْعُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ فِي الْمَسْبُوقِ: إنَّهُ إذَا لَمْ تُتْرَكْ الْجِنَازَةُ يُوَالِي التَّكْبِيرَ إنَّمَا ذَلِكَ لِئَلَّا تَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَى غَائِبٍ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْوَقَارِ أَنَّهُ قَالَ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي الْأُولَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّانِيَةِ وَيَشْفَعُ لِلْمَيِّتِ فِي الثَّالِثَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الثَّنَاءُ وَالصَّلَاةُ فِي الْأُولَى وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الثَّانِيَةِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إلَى آخِرِ الدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ ثُمَّ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ السَّنَدُ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ثُمَّ تَدْعُو لِلْمَيِّتِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا كَبَّرْت الثَّالِثَةَ قُلْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إلَى آخِرِ الدُّعَاءِ ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَرَوَى سَحْنُونٌ فِي الْكِتَابِ مُسْنَدًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي ذَلِكَ فَذَكَرَ دُعَاءَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْمِيدٍ وَلَا صَلَاةٍ ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ: يَقُولُ هَذَا كُلَّمَا كَبَّرَ فَإِنْ كَانَتْ التَّكْبِيرَةُ الْأَخِيرَةُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَاقَ الصَّلَاةَ وَالِاسْتِغْفَارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا كُلُّهُ الْمَقْصُودُ بِهِ أَنْ يَجْتَهِدَ بِالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ فَقَدْ يَكْثُرُ الدَّاعُونَ؛ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَكْرِيرٍ، وَقَدْ تَقِلُّ فَيُكَرِّرُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ

فروع الجماعة سنة ليس بشرط

لَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الدُّعَاءِ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي قَوَاعِدِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرِ الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ وَنَصُّهُ: مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ تَحْمَدَ اللَّهَ وَتُثْنِيَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِهَا ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الدُّعَاءُ فِي آخِرِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ سَنَدٌ: وَلَا تُكَرَّرُ الصَّلَاةُ وَلَا التَّحْمِيدُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ انْتَهَى. (الثَّانِي) عَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ فُرُوضِهَا الْقِيَامَ لِلتَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءَ وَالسَّلَامَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ صَلَّوْا قُعُودًا لَا يُجْزِئُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الرَّغَائِبِ يَنْبَغِي أَنْ تُجْزِئَهُمْ انْتَهَى. وَلَا تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقِبَاب الْفَرْعَيْنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَنَصَّ سَنَدٌ عَلَى فَرْعِ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَعَزَاهُ لِأَشْهَبَ وَنَصُّهُ: وَأَرْكَانُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ خَمْسٌ الْقِيَامُ وَالتَّحْرِيمُ وَالدُّعَاءُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْلِيمُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا صَلَّوْا عَلَيْهَا وَهُمْ جُلُوسٌ، أَوْ رُكُوبٌ فَلَا تُجْزِيهِمْ وَلْيُعِيدُوا الصَّلَاةَ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِهَا الْقِيَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ فُرُوضِهَا طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَتَرْكَ الْكَلَامِ وَسَتْرَ الْعَوْرَةِ وَقَالَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا وَلَا رُكُوعَ وَلَا سُجُودَ وَلَا جُلُوسَ انْتَهَى. فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالشَّاذُّ اسْتِحْبَابُهَا وَحَكَى فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ أَشْهَبَ وُجُوبَهَا بَعْدَ الْأُولَى قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَكَانَ شَيْخُنَا الْقَرَافِيُّ يَحْكِيهِ وَيَقُولُ: إنَّهُ يَفْعَلُهُ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَرَعًا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى. وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِرَاءَتَهَا مِنْ الْمَمْنُوعَاتِ وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ (الثَّالِثُ) يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ إنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ جُنُبٌ، أَوْ رَعَفَ فِيهَا وَإِذَا قَهْقَهَ بَطَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ جُنُبٌ لَمْ يُعِدْ فَإِنْ كَانَ هُوَ وَمَنْ خَلْفَهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَعَادُوا وَإِنْ ذَكَرُوا مَنْسِيَّةً فِيهَا لَمْ تُقْطَعْ؛ إذْ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْجِنَازَةِ وَالْفَرَائِضِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ. [فُرُوعٌ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَالَهُ فِي الْمَعُونَةِ وَشَرَطَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرُهُ فِيهَا الْجَمَاعَةَ قَالَ: وَإِنْ فُعِلَتْ بِغَيْرِ إمَامٍ أُعِيدَتْ. [تبين أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ] (الثَّانِي) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَهَلْ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا بَعْدَهُ، أَوْ تَجِبُ فِيهِمَا، أَوْ تُعَادُ مُطْلَقًا؟ . أَقْوَالٌ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى. [مَا يُدْعَى بِهِ لِلْمَيِّتِ وَالدُّعَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ] (الثَّالِثُ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِبَيَانِ مَا يُدْعَى بِهِ، وَالدُّعَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجْتَهِدُ لِلْمَيِّتِ فِي الدُّعَاءِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَلَا يَقْرَأُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مَعَ أَهْلِهَا فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ قَالَ مَالِكٌ: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت مِنْ الدُّعَاءِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَعْلُومٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: يُحْمَلُ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلُهُ هَذَا أَحْسَنُ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَيَّنَهُ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْوَاجِبِ وَالثَّانِي عَلَى ثُبُوتِ الْمُسْتَحَبِّ وَإِلَّا كَانَ تَنَاقُضًا؛ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ اتِّفَاقًا وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ دُعَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِقَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الرِّسَالَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَدْعِيَةً مُعَيَّنَةً وَنَحْوُهُ لِابْنِ هَارُونَ، وَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ قَوْلُ الرِّسَالَةِ: وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ يُعَارِضُ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يُسْتَحَبُّ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ اتِّفَاقًا فَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّسَالَةَ لَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ

الدعاء للميت إن كان رجلا بلفظ التذكير والإفراد

مَخْصُوصٌ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ غَيْرُ شَيْءٍ مَحْدُودٍ وَأَيْضًا فَالْمُسْتَحَبُّ مَا ثَبَتَ بِنَصٍّ وَالْمُسْتَحْسَنُ مَا أُخِذَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ، وَأَمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّمَا رَجَّحَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ تَقُولُ ذَلِكَ بِإِثْرِ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ عِنْدَنَا لِطُولِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي: قَدْرُ الدُّعَاءِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ قَدْرُ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَقَلُّهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الدُّعَاء لِلْمَيِّتِ إِن كَانَ رَجُلًا بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَالْإِفْرَادِ] (الرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا دَعَا لَهُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَالْإِفْرَادِ قَالَ الشَّيْخُ حَاتِمٌ: وَالْأَعْزَبُ كَالْمُتَزَوِّجِ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّزْوِيجِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً دَعَا بِالتَّأْنِيثِ وَالْإِفْرَادِ وَإِنْ كَانُوا رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلًا وَاحِدًا وَامْرَأَةً دَعَا بِالتَّثْنِيَةِ وَالتَّذْكِيرِ، وَإِنْ كَانَا امْرَأَتَيْنِ فَبِالتَّأْنِيثِ وَإِنْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ، أَوْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ دَعَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَغَلَّبَ الرِّجَالَ وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ عَشْرَةً وَمَعَهُنَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اجْتَمَعَ نِسَاءٌ دَعَا لَهُنَّ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ وَإِنْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَأَطْفَالٌ؛ قَدَّمْت الدُّعَاءَ لِلرِّجَالِ وَجَعَلْت آخِرَ دُعَائِك لِلْأَطْفَالِ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ أَحْوَجُ لِلشَّفَاعَةِ مِنْ الصِّغَارِ، أَوْ تَشْمَلُهُمْ فِي دُعَاءٍ وَاحِدٍ وَتَقُولُ عَقِبَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْأَوْلَادَ لِوَالِدِيهِمْ سَلَفًا وَذُخْرًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا وَثَقِّلْ بِهِمْ مَوَازِينَهُمْ وَأَعْظِمْ بِهِمْ أُجُورَهُمْ وَلَا تَحْرِمْنَا وَإِيَّاهُمْ أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا وَإِيَّاهُمْ بَعْدَهُمْ وَيَجْزِيكَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً نِسَاءً وَأَطْفَالًا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ وَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ، أَوْ امْرَأَةٌ وَصَبِيَّةٌ اقْتَصَرَ لَهُمَا بِدُعَاءٍ وَاحِدٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى شُمُولِهِمْ بِدُعَاءٍ وَاحِدٍ. (الْخَامِسُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَنْ الْمَيِّتُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا، أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَنْ وَيَدْعُو وَيُعِيدُ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَلَا يَعْرِفُ مَا هُوَ الْمَيِّتُ وَاحِدًا، أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا فَإِنَّهُ يَنْوِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ إمَامُهُ ثُمَّ يَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ. انْتَهَى. يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ فَوَجَدَ الْمَيِّتَ ذَكَرًا] (السَّابِعُ) إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ فَوَجَدَ الْمَيِّتَ ذَكَرًا، أَوْ الْعَكْسُ قَالَ التُّونُسِيُّ: تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ عَيْنَ ذَلِكَ الشَّخْصِ؛ فَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِصِفَتِهِ انْتَهَى مِنْ الْبُرْزُلِيّ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ. (الثَّامِنُ) قَالَ ابْنُ هَارُونَ فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَجَهِلَ الْإِمَامُ فَنَوَى بِالصَّلَاةِ أَحَدَهُمَا وَنَوَى مَنْ خَلْفَهُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا مَعًا؛ أُعِيدَتْ عَلَى الَّتِي لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا الْإِمَامُ، دُفِنَتْ أَمْ لَا إلَّا أَنْ تَتَعَيَّنَ فَيُصَلَّى عَلَى قَبْرِهَا. انْتَهَى مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. [الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ الْمَيِّت] (التَّاسِعُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك إلَى آخِرِهِ هَذَا إنْ كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتَ النَّسَبِ مِثْلَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا فَقِيلَ: يُدْعَى لَهُمَا بِأُمِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ ثَابِتَيْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُمَا نُطْفَةُ شَيْطَانٍ وَقِيلَ: يُدْعَى لَهُمَا بِأَبِيهِمَا وَقِيلَ: ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ يُدْعَى لَهُ بِأَبِيهِ وَوَلَدُ الزِّنَا بِأُمِّهِ انْتَهَى. (الْعَاشِرُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَوَّلِ الْعَارِضَة: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَاصِيَ يَنْتَفِعُ بِالدُّعَاءِ وَلِذَلِكَ يُدْعَى لِلْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا انْتَهَى بِلَفْظِهِ. [تُصَفَّ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ] (الْحَادِيَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْعُمْدَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُصَفَّ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَدُعَاءٌ بَعْدَ الرَّابِعَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُنَوَّنٌ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَيُشِيرُ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ: وَمَحَلُّ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ مَحَلُّ مَا قَبْلَهَا إنْ عَقَبَهَا الدُّعَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ سَنَدٌ وَهَلْ يُدْعَى بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ؟ . حَكَى الْبَاجِيُّ فِيهِ خِلَافًا قَالَ عَنْ سَحْنُونٍ: يَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَيَدْعُو كَمَا يَدْعُو بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ، قَالَ: وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَثْبُتُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاعْتِبَارًا بِسَائِرِ

التَّكْبِيرَاتِ وَوَجْهُ قَوْلِ غَيْرِهِ أَنَّ الدُّعَاءَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ بِمَثَابَةِ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِهَا وَفِي غَيْرِهَا لَا يُقْرَأُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ فَلَا يَدْعُو لَهَا هَاهُنَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ عَنْ سَنَدٍ نَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَفِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَعَادَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ كَبَّرَهَا مَا لَمْ يُطِلْ فَتُعَادُ مَا لَمْ يُدْفَنْ فَتَجِيءُ الْأَقْوَالُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا رَجَعَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُرْبِ اقْتَصَرَ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا يُكَبِّرُ لِئَلَّا تَلْزَمَ الزِّيَادَةُ فِي عَدَدِهِ، فَإِنْ كَبَّرَ حَسَبَهُ فِي الْأَرْبَعِ وَقَوْلُهُ: فَتَجِيءُ الْأَقْوَالُ يَعْنِي فِيمَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ هَلْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ أَمْ لَا؟ وَعَلَى النَّفْيِ هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ وَعَزَا ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْلَهُ وَلَا يُكَبِّرُ لَهُ لِئَلَّا تَلْزَمَ الزِّيَادَةُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَادَ بَعْدَهُ قُلْت: وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُكَبِّرَ كَمَا فِي الْفَرِيضَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَسْلِيمَةٌ خَفِيفَةٌ) ش: فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ نَاجِي أَنَّ مَنْ سَمِعَ سَلَامَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ غَانِمٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَنَصُّ مُخْتَصَرِ صَاحِبِ الْوَاضِحَةِ: وَسَلَامُ الْإِمَامِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَاحِدَةٌ أَنْ يَخْفِضَ بِهَا صَوْتَهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْمِعُ بِهَا نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَكَذَلِكَ مَنْ وَرَاءَهُ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً دُونَ تَسْلِيمَةِ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا عَلَى الْإِمَامِ إلَّا مَنْ سَمِعَهُ. كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَوْلُهُ: إلَّا مَنْ سَمِعَهُ يَعْنِي فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَرَدَّ مُقْتَدٍ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَرْضٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَبْرُ الْمَسْبُوقِ لِلتَّكْبِيرِ) ش: سَوَاءٌ سُبِقَ بِوَاحِدَةٍ، أَوْ بِأَكْثَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَعُونَةِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ لَا تَفُوتُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ مَا بَعْدَهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ: وَلَا تَفُوتُ التَّكْبِيرَةُ بِأَخْذِهِ فِي الدُّعَاءِ وَلَا بِتَمَامِهِ؛ إذْ لَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ تَفُوتَهُ بِأَقَلَّ مَا يُجْزِئُهُ مِنْهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَلَوَجَبَ إذَا لَمْ يُكَبِّرْ مَعَ الْإِمَامِ مَعًا وَتَرَاخَى فِي ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ الْإِمَامُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَهُ التَّكْبِيرُ وَهَذَا مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فَجَوَابُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَجَوَابُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ: إنَّهُ يُكَبِّرُ حِينَ يَجِيءُ

فرع يستعد للكفن قبل الموت وكذلك القبر

تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقِفُ عَمَّا سَبَقُوهُ بِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ ثُمَّ يَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَاخْتَارَ سَنَدٌ الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ: لِأَنَّ مَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ مِنْ تَوَابِعِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ فَذَكَرَهَا وَالْإِمَامُ يَدْعُو فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ فَقَالَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَيَدْعُو فِي انْتِظَارِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: إنْ شَاءَ دَعَا وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُفِّنَ بِمَلْبُوسِهِ لِجُمُعَةٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَيُكَفَّنُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فِي حَيَاتِهِ وَيُقْضَى بِذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ فِيهِ انْتَهَى. ص (إنْ فُقِدَ الدَّيْنُ) ش: إنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْقَيْدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْكَفَنَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ الْمَنْعُ مِنْهُ وَيُقَدَّمُ عَلَى دُيُونِهِمْ لَا يَتَعَلَّقُ لَهُمْ بِهِ حَقٌّ وَلَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ فَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. ص (كَأَكْلِ السَّبُعِ الْمَيِّتَ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الْبَصْرِيِّ وَزَادَ وَكَأَنَّهُ عَنْ الْقَابِسِيِّ: وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ كَانَتْ حِرَاسَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ أَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ ص (وَهُوَ عَلَى الْمُنْفِقِ بِقَرَابَةٍ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ فَإِنْ اجْتَمَعَ أَبٌ وَابْنٌ وَمِثَالٌ مِنْ ذَلِكَ إذَا هَلَكَ هَالِكٌ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَابْنَهُ وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ زَمِنًا بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ الْأَبِ فَهَلْ الْكَفَنُ عَلَى الْأَبِ، أَوْ عَلَى الِابْنِ فَقَالَ الْكَفَنُ عَلَى الِابْنِ انْتَهَى. [فَرْعٌ يَسْتَعِدَّ لِلْكَفَنِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ الْقَبْرُ] (فَرْعٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْكَفَنِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ الْقَبْرُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ انْتَفَعَ بِهِ انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِالْقَبْرِ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَفِي التَّوْضِيحِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ. ص (أَوْ رِقٍّ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُكَفِّنُهُمْ وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ مَعًا وَلَمْ يَتْرُكْ السَّيِّدُ إلَّا كَفَنًا وَاحِدًا كُفِّنَ بِهِ الْعَبْدُ وَيُكَفَّنُ السَّيِّدُ مِثْلُ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُكَفَّنُ فِيهِ السَّيِّدُ وَيُتْرَكُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَزَاهُ الشَّارِحُ لِقَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَلَعَلَّهُ الْقَبَّابُ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُمَا ص (وَنُدِبَ تَحْسِينُ ظَنِّهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) ش: فِي

فرع كيفية الغسل

الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا يَقُولُ تَعَالَى «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ: فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ: إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (تَنْبِيهٌ) وَتَحْسِينُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْمَرَضِ فَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: حَسِّنْ ظَنَّك بِرَبِّك عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا تُسِئْ الظَّنَّ بِهِ فَإِنَّكَ فِي كُلِّ نَفَسٍ يَخْرُجُ مِنْك لَا تَدْرِي هَلْ أَنْتَ عَلَى آخِرِ أَنْفَاسِك وَدَعْ عَنْكَ قَوْلَ مَنْ قَالَ سِئْ الظَّنَّ بِهِ فِي حَيَاتِك وَحَسِّنْ الظَّنَّ بِهِ عِنْدَ مَوْتِك ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْفُتُوحَاتِ ص (وَتَقْبِيلُهُ عِنْدَ إحْدَادِهِ عَلَى أَيْمَنَ ثُمَّ ظَهْرٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي شَهَرَهُ هُنَاكَ أَنَّهُ أَوَّلًا عَلَى الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى الْأَيْسَرِ ثُمَّ عَلَى الظَّهْرِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُنَا بَلْ أَسْقَطَ الْأَيْسَرَ وَقَالَ سَنَدٌ وَيَكُونُ فِي تَوْجِيهِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ اعْتِبَارًا بِحَالِ صَلَاتِهِ وَبِحَالِ قَبْرِهِ النَّائِمِ انْتَهَى [فَرْعٌ كَيْفِيَّة الْغُسْلِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: أَمَّا فِي حَالَةِ الْغُسْلِ فَيُوضَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ لِيَبْدَأَ بِغُسْلِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى الْأَيْمَنِ وَذَلِكَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَفِي تَكْرِيرِ الْوُضُوءِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ خِلَافٌ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. ص (وَتَجَنُّبُ حَائِضٍ وَجُنُبٍ لَهُ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُغْمِضَهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَحْضُرَ الْحَائِضُ وَلَا الْكَافِرَةُ قَالَ وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَقُرْبَهُ غَيْرُ طَاهِرٍ انْتَهَى. وَكَذَا لَا يَحْضُرُهُ صَبِيٌّ يَعْبَثُ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَقَالَ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَمَا عَلَيْهِ طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَهُ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ طِيبٌ وَأَنْ يَحْضُرَهُ أَحْسَنُ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ سَمْتًا وَخُلُقًا وَخَلْقًا وَدِينًا فَلْيُلَقِّنْهُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ بِرِفْقٍ وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ وَلِلْحَاضِرِينَ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ وَهُوَ مِنْ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا قَبُولُ الدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ أَحَدٌ يَبْكِي حَوْلَهُ بِرَفْعِ صَوْتٍ وَمَنْ كَانَ بَاكِيًا فَلْيَبْكِ بِمَوْضِعٍ لَا يَسْمَعُهُ فِيهِ الْمُحْتَضَرُ فَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ وَيَقُولَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ اُؤْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَبْدَلَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمُصِيبَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ بَعِيدَاتٍ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَيَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الرِّجَالِ أَنْ لَا يُظْهِرَ الْجَزَعَ ص (وَتَلْقِينُهُ الشَّهَادَةَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَقَّنَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَيُلَقَّنَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ وَمُرَادُ الشَّرْعِ وَالْأَصْحَابِ الشَّهَادَتَانِ مَعًا ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً ثُمَّ تَكَلَّمَ أُعِيدَ تَلْقِينُهُ وَإِلَّا تُرِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ وَلَا يُقَالُ لَهُ: قُلْ بَلْ يُقَالُ عِنْدَهُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ انْتَهَى. زَادَ فِي الْمَدْخَلِ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَا يُلَقِّنُوهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْرِجُهُ وَيُقْلِقُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُلَقَّنَ الشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ يُلَقَّنَ التَّهْلِيلَ وَحْدَهُ وَذَكَرَ لِي الْوَالِدُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَالِ احْتِضَارِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يُلَقَّنُ الصَّغِيرُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يُلَقَّنُ إلَّا مَنْ بَلَغَ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّلْقِينَ حَالَ الِاحْتِضَارِ وَالتَّلْقِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَهُ غَيْرُ وَارِثِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَأَقْرَبُهُمْ بِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَجْلِسَ عِنْدَهُ إلَّا أَحْسَنُ أَهْلِهِ وَأَفْضَلُهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَلَا يَضْجَرُ مَنْ عَدَمِ قَبُولِ الْمُحْتَضَرِ لِمَا يُلْقِيهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ مَا لَا يُشَاهِدُونَ

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مَسْأَلَةُ مَنْ خَرِسَ لِسَانُهُ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَةِ وَلَا أَحْضَرَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَمَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مَاتَ مُؤْمِنًا وَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَأَخْرَسَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عَاجِزًا عَنْ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَحْكَامُ الَّذِينَ اسْتَحْضَرُوا الْكُفْرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِالْفِعْلِ فَالْمُعْتَبَرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ وَقَالَ التَّادَلِيُّ إثْرَ كَلَامِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ عِزُّ الدِّينِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِاسْتِحْبَابِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْإِرْشَادِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّلَّاعِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِالشَّوَاهِدِ وَعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِّ قَدِيمًا وَقَالَ الْمَتْيَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ إنْسَانٌ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ عَقِبَ دَفْنِهِ وَيَقُولَ لَهُ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَوْ يَا أَمَةَ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا، وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُسْلِمِينَ إخْوَانًا رَبِّي اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَقَّدَهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَيَقِفَ عِنْدَ قَبْرِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيُلَقِّنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -؛ إذْ ذَاكَ يَسْأَلَانِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ الْمُنْصَرِفِينَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَرَوَى رَزِينٌ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا عَبْدُك نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَاغْفِرْ لَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ انْتَهَى. وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو حَامِدِ بْنُ الْبَقَّالِ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً عَزَّى وَلِيَّهَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَانْصَرَفَ مَعَ مَنْ يَنْصَرِفُ فَيَتَوَارَى هُنَيْهَةً حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ ثُمَّ يَأْتِيَ إلَى الْقَبْرِ فَيُذَكِّرَ الْمَيِّتَ بِمَا يُجَاوِبُ بِهِ الْمَلَكَيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَيَكُونُ التَّلْقِينُ بِصَوْتٍ فَوْقَ السِّرِّ دُونَ الْجَهْرِ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ لَا تَنْسَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَكَ الْمَلَكَانِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَسَأَلَاك فَقُلْ لَهُمَا اللَّهُ رَبِّي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّ وَالْقُرْآنُ إمَامِي وَالْكَعْبَةُ قِبْلَتِي وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ نَقَصَ فَخَفِيفٌ وَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ التَّلْقِينِ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَالزَّعَقَاتِ بِحُضُورِ النَّاسِ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلُوهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ. وَاسْتَحَبَّ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَيْضًا الْقُرْطُبِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْأَبِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَيْلٌ إلَيْهِ ص (وَتَغْمِيضُهُ) ش: لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ» وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا إذَا قَضَى هُوَ قَيْدٌ فِي التَّغْمِيضِ وَالشَّدِّ قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ وَكَانَ رَجُلًا عَابِدًا: غَمَّضْت جَعْفَرَ الْمُعَلِّمَ وَكَانَ رَجُلًا عَابِدًا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ فَرَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي لَيْلَةً يَقُولُ: أَعْظَمُ مَا كَانَ عَلَيَّ تَغْمِيضُك لِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ، أَوْ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِذَا قَضَى فَأَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِتَغْمِيضِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُغَمَّضَ بَصَرُهُ إذَا قَضَى وَيُقَالَ عِنْدَهُ: سَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، وَيُقَالُ عِنْدَ

إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَوْتَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَ الشَّيْخِ بَهْرَامَ وَفِي كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّغْمِيضَ يَكُونُ قَبْلَ الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ: وَيَقُولُ حِينَئِذٍ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَوْتَهُ وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إذَا قَضَى مَعَ كَلَامِ سَنَدٍ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الدُّعَاءَ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقُولُهُ عِنْدَ إغْمَاضِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ التَّغْمِيضَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ بِالتَّسْهِيلِ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: إذَا قَضَى رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَتَغْمِيضُهُ وَشَدُّ لَحْيَيْهِ فَهُوَ قَيْدٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُغْمَضُ إذَا انْقَطَعَ نَفَسُهُ وَانْحَدَرَ بَصَرُهُ وَانْفَرَجَتْ شَفَتَاهُ وَلَمْ تَنْطَبِقَا وَسَقَطَتْ قَدَمَاهُ وَلَمْ تَنْتَصِبَا فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ عَلَامَاتٍ يُغْمَضُ الْمَيِّتُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي التَّوْضِيحِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا قَضَى لَا قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بْنُ أَسْبَاطٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُغْمَضْ عِنْدَ مَوْتِهِ وَبَقِيَ مَفْتُوحَ الْأَجْفَانِ وَالشَّفَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَاحِدٌ بِعَضُدِهِ وَآخَرُ بِإِبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ وَيَجْذِبَانِهِ قَلِيلًا فَإِنَّهُ يَتَغَمَّضُ وَذَلِكَ مُجَرَّبٌ صَحِيحٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَشَدُّ لَحْيَيْهِ إذَا قَضَى وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ وَوَضْعُ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ) ش: قَالَ سَنَدٌ ثُمَّ يَشُدُّ لَحْيَهُ الْأَسْفَلَ بِعِصَابَةٍ وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ وَيَنْفَتِحَ فَاهُ فَتَدْخُلَهُ الْهَوَامُّ وَيَقْبُحَ بِذَلِكَ مَنْظَرُهُ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ: إغْمَاضُ عَيْنَيْهِ، وَشَدُّ لَحْيَيْهِ، وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ، وَتَجْرِيدُهُ مِنْ ثِيَابِهِ، وَوَضْعُهُ عَلَى لَوْحٍ أَوْ سَرِيرٍ، وَتَثْقِيلُ بَطْنِهِ، وَتَسْجِيَتُهُ بِثَوْبٍ. زُعِمَ أَنَّ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ إسْهَالًا عَلَى غَاسِلِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ إذْ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِينُهُ لِوَقْتِ غُسْلِهِ، نَعَمْ تَمَدَّدَ فَإِنْ كَانَ مُرْتَفِعَ الرُّكَبِ غُمِزَ وَلِينَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ فِي تَجْرِيدِهِ: لِئَلَّا تَحْمِيَهُ ثِيَابُهُ فَلَا يُؤْمَنُ مَعَهَا الْفَسَادُ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ فَلَا يُجْعَلُ سُنَّةً لِسَائِرِ الْأَمْوَاتِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رَفْعِهِ عَلَى سَرِيرٍ لِئَلَّا يَسْرُعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَتَنَالَهُ الْهَوَامُّ، وَتَثْقِيلُ بَطْنِهِ لِئَلَّا تَعْلُوَ فَيُتْرَكَ عَلَيْهَا حَدِيدٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّسْجِيَةُ فَرَوَى ابْنُ حَنْبَلٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُجِّيَ فِي ثَوْبِ حِبَرَةٍ انْتَهَى. وَنَقَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مَا عَدَا تَجْرِيدَهُ بَلْ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ التَّسْجِيَةِ: وَيُزِيلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ مَا عَدَا الْقَمِيصَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ التَّجْرِيدِ فِي كَلَامِ سَنَدٍ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَضْعِ ثَقِيلٍ: تُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدَةٌ، أَوْ سِكِّينٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَطِينًا مَبْلُولًا طَاهِرًا لِئَلَّا يَعْلُوَ فُؤَادُهُ فَيُخْشَى أَنْ يَنْفَجِرَ قَبْلَ حُلُولِهِ فِي قَبْرِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَدَّ اللَّحْيَيْنِ عَنْ غَيْرِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ سَنَدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَعْزِهِ لِغَيْرِ الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِخَوْفِ دُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ غُسْلِهِ لِجَوْفِهِ وَقَالَ ابْنُ غَازِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَدْ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ تُجْعَلُ حَدِيدَةٌ عَلَى بَطْنِهِ وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَعْنَاهُ قَالُوا لِئَلَّا يَسْرُعَ انْتِفَاخُ بَطْنِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إبَاحَتَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَدْخَلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إلَّا الْغَرَقَ) ش فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ الْمُسْلِمِ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ ثُمَّ يَأْخُذُ فِي تَجْهِيزِهِ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ مِنْ إكْرَامِ الْمَيِّتِ الِاسْتِعْجَالَ بِدَفْنِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ فَجْأَةً، أَوْ بِصَعْقٍ، أَوْ غَرَقٍ، أَوْ بِسِمَنِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يُسْتَعْجَلُ عَلَيْهِ وَيُمْهَلُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ، وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ الْيَوْمَانِ، أَوْ الثَّلَاثُ، أَوْ يَظْهَرُ تَغَيُّرُهُ فَيَحْصُلُ الْيَقِينُ بِمَوْتِهِ لِئَلَّا يُدْفَنَ حَيًّا فَيُحْتَاطُ لَهُ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَثِيرًا انْتَهَى. (فَرْعٌ) الدَّفْنُ لَيْلًا جَائِزٌ نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي دَفْنِ فَاطِمَةَ لَيْلًا جَوَازُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ

فروع الأول البخور عند غسل الميت

وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ النَّهَارَ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ الْعَارِضَةَ وَفِي النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ، وَفِيهِ أَيْضًا: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ مَاتَ فَقُبِرَ لَيْلًا وَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَوِيلٍ فَزَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْبَرَ إنْسَانٌ لَيْلًا إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ» ص (وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَحْسَنُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَيُجْعَلُ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا إنْ تَيَسَّرَ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: اُنْظُرْ، هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ نَظَافَةٌ لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَظَاهِرُهُ فِي الْأُولَى وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَا رِجَالَ مَعَهُ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ وَلَا نِسَاءَ مَعَهَا: إنَّهُمَا يُيَمَّمَانِ وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ نَظَافَةً لَمْ يَجِبْ أَنْ يُيَمَّمَا فِي عَدَمِ الْمَاءِ؛ إذْ لَا نَظَافَةَ فِي التَّيَمُّمِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَلَا يُخْلَطُ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ وَقَوْلُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ أَيْ يُدَلِّكُهُ بِالسِّدْرِ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْقَرَاحَ وَعَلَى الظَّاهِرِ حَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ فَقَالَ: اُخْتُلِفَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُغَسِّلُ بِهِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَيُجْعَلُ فِي الْآخِرَةِ كَافُورٌ فَأَجَازَ غُسْلَهُ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَنَصُّ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُغَسَّلُ فِي الْأُولَى بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَفِي الثَّالِثَةِ بِغَيْرِ سِدْرٍ وَيُجْعَلُ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ يَعْنِي وَرَقَ النَّبْقِ يُطْحَنُ وَيُجْعَلُ فِي الْمَاءِ وَيُحَرَّكُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ رَغْوَةٌ وَيُغَسَّلُ بِهِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ: السِّدْرُ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ لَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَأَخَذَ مِنْهُ اللَّخْمِيُّ غُسْلَهُ بِالْمُضَافِ لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُخْلَطُ الْمَاءُ بِالسِّدْرِ بَلْ يُحَكُّ الْمَيِّتُ بِالسِّدْرِ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي مُتَّجِهٌ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَشْيَاخِي وَالْمُدَوَّنَةِ قَابِلَةٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ؛ فَالْأَوَّلُ لَا يَضُرُّ وَالثَّانِي عَكْسُهُ يَضُرُّ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا كَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: الْأُولَى بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَالثَّالِثَةُ بِالْكَافُورِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ يُسْتَحَبُّ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَفِي الْأَخِيرَةِ كَافُورٌ فَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ مِنْهُ غُسْلَهُ بِالْمُضَافِ كَقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ تُنَظَّفُ، ابْنُ حَبِيبٍ: الْأُولَى بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَالثَّانِيَةُ بِغَاسُولِ بَلَدِهِ إنْ عُدِمَ السِّدْرُ فَإِنْ عُدِمَا فَبِالْمَاءِ فَقَطْ وَالثَّالِثَةُ بِالْكَافُورِ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِالنَّطْرُونِ وَالْحُرْضِ إنْ فُقِدَ السِّدْرُ أَشْهَبُ إنْ عَظُمَتْ مُؤْنَةُ الْكَافُورِ تُرِكَ التُّونُسِيُّ خَلْطُ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ يُضِيفُهُ، وَصَبُّهُ عَلَى الْجَسَدِ بَعْدَ حَكِّهِ بِهِ لَا يُضِيفُهُ. (قُلْت) : إنْ كَانَ أَخَذَ اللَّخْمِيُّ مِنْ كِلَا الْأَمْرَيْنِ كَانَ خِلَافًا التُّونُسِيُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ كَانَ وِفَاقًا وَعَلَيْهِمَا طَهَارَةُ الثَّوْبِ النَّجِسِ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَ طَلَبِهِ بِالصَّابُونِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ غُسْلِهِ بِالْمُطَهِّرِ مَرَّةً دُونَ سِدْرٍ وَكَافُورٍ وَغَيْرِهِمَا يَعْنِي بِالْمُطَهِّرِ الْمَاءَ الطَّاهِرَ الْمُطَهِّرَ وَحْدَهُ دُونَ أَنْ يُخَالِطَهُ شَيْءٌ، وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ لِلنَّظَافَةِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِابْنِ فَرْحُونٍ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ الْبَخُور عِنْد غَسَلَ الْمَيِّت] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيُسْتَحَبُّ الْبَخُورُ حِينَئِذٍ لِئَلَّا تُشَمَّ مِنْ الْمَيِّتِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَيُزَادَ فِي الْبَخُورِ عِنْدَ عَصْرِ بَطْنِهِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ. [الثَّانِي مَا يَجِب عَلَيَّ الْغَاسِل] (الثَّانِي) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ يُكْرَهُ لِلْغَاسِلِ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّكَّةِ وَيَجْعَلَ الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ بَلْ يَقِفُ بِالْأَرْضِ وَيُقَلِّبُهُ حِينَ غُسْلِهِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ أَيْضًا: يَنْبَغِي لِلْغَاسِلِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ عَنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا وَجَعَلُوا لِكُلِّ عُضْوٍ ذِكْرًا يَخُصُّهُ فَإِنَّهُ

بِدْعَةٌ بَلْ يَشْتَغِلُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ ذِكْرًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي وَيُكْثِرُ الْغَاسِلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَالَ الْغُسْلِ انْتَهَى. فَانْظُرْهُ مَعَ مَا قَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَتَجْرِيدُهُ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيُجَرَّدُ لِلْغُسْلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ فِي قَمِيصِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَيَنْبَغِي إذَا جُرِّدَ لِلْغُسْلِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يَلِيهِ، وَتُسْتَرَ عَوْرَتُهُ بِمِئْزَرٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى صَدْرِهِ وَوَجْهِهِ خِرْقَةٌ أُخْرَى انْتَهَى ص (وَوَضْعُهُ عَلَى مُرْتَفِعٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْغُسْلِ فِي شَيْءٍ انْتَهَى. ص (وَلَمْ يُعِدْ كَالْوُضُوءِ لِنَجَاسَةٍ) ش: وَكَذَا لَوْ وُطِئَتْ الْمَيِّتَةُ لَمْ يُعَدْ غُسْلُهَا نَقَلَهُ الْأَبِيُّ ص (وَعَصْرُ بَطْنِهِ بِرِفْقٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ نَجَاسَةٌ أَزَالَهَا وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ لِتَذْهَبَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهِ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ لِيَذْهَبَ بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ انْتَهَى. ص (وَصَبُّ الْمَاءِ فِي غَسْلِ مَخْرَجِهِ بِخِرْقَةٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ بَدَنِهِ إنْ شَاءَ غَسَلَهُ بِيَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ غَسَلَهُ بِخِرْقَةٍ وَقَدْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُغَسِّلَهُ بِخِرْقَةٍ وَقَالَ يُعِدُّ خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ يُغَسِّلُ بِإِحْدَاهُمَا أَعَالِيَ بَدَنِهِ وَوَجْهَهُ وَصَدْرَهُ، ثُمَّ مَذَاكِيرَهُ وَبَيْنَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُلْقِيهَا وَيَفْعَلُ بِالْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَتَوْضِئَتُهُ) ش: وَفِي تَكْرَارِ الْوُضُوءِ بِتَكْرَارِ الْغُسْلِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ وَيَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْرَارِ الْوُضُوءِ أَنْ لَا يُغَسِّلَ أَوَّلًا ثَلَاثًا بَلْ مَرَّةً مَرَّةً؛ لِئَلَّا يَقَعَ التَّكْرَارُ فِي الْعَدَدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَكْرَارِهِ أَنْ يُثَلِّثَ أَوَّلًا انْتَهَى. ص (وَعَدَمُ حُضُورِ غَيْرِ مُعِينٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَاز وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ إلَّا ثِقَةً أَمِينًا صَالِحًا يُخْفِي مَا يَرَاهُ مِنْ عَيْبٍ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَحَدٌ فَحَسَنٌ انْتَهَى. ص (وَكَافُورٌ فِي الْآخِرَةِ) ش: وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ فَيَجْعَلَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَيُذِيبَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ بِهِ قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: وَالْأَخِيرَةُ بِالْكَافُورِ كَانَتْ الثَّالِثَةَ، أَوْ الْخَامِسَةَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَغَيْرُهُ مِنْ طِيبٍ إنْ وُجِدَ انْتَهَى. ص (وَنَشَّفَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي طَهَارَةِ

فرع أوصى بأن لا يزاد على ثوب فزاد بعض الورثة آخر

الثَّوْبِ الْمُنَشَّفِ بِهِ الْمَيِّتُ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَجَاسَةِ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُنَجَّسُ الثَّوْبُ الَّذِي يُنَشَّفُ فِيهِ قَالَ التُّونُسِيُّ: وَلَا يُصَلَّى فِيهِ حَتَّى يُغْسَلَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ طَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَبَيَاضُ الْكَفَنِ وَتَجْمِيرُهُ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَمَا كَانَ فِي الثَّوْبِ مِنْ عَلَمٍ، أَوْ حَاشِيَةٍ فَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ ثِيَابِ الْبَيَاضِ وَقَالَ قَبْلَهُ: الْأَحْسَنُ فِي ذَلِكَ التَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كُفِّنَ فِي ثِيَابِ قُطْنٍ لَا حَرِيرَ فِيهَا وَالْكَتَّانُ فِي مَعْنَى الْقُطْنِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ، وَالْقُطْنُ أَفْضَلُ لَهُ وَأَسْتَرُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْكَتَّانِ مَا يَكُونُ أَسْتَرَ مِنْ الْقُطْنِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِيهِ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّكْفِينَ بِالصُّوفِ غَيْرَ مَطْلُوبٍ انْتَهَى. ص (وَتَجْمِيرُهُ) ش: قَالَ سَنَدٌ فَرْعٌ: فَكَيْفَ يُجَمَّرُ؟ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يُجَمَّرُ وِتْرًا وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ النَّخَعِيّ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُجَمِّرُ ثِيَابَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وِتْرًا وَأَخَذَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّهُ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وِتْرٌ وَكَفَنَهُ وِتْرٌ وَالتَّجْمِيرُ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَكَانَ وِتْرًا وَالْمَقْصُودُ عُبُوقُ الرَّائِحَةِ فَتُجْعَلُ الثِّيَابُ عَلَى مِشْجَبٍ، أَوْ سَنَابِلَ وَهِيَ ثَلَاثُ قَصَبَاتٍ يُقْرَنُ رُءُوسُهُنَّ بِخَيْطٍ يُنْصَبُ وَتُتْرَكُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ وَتُجَمَّرُ بِعُودٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَجَمَّرُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَيَتَبَخَّرُ الْكَفَنُ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ بِالْعَنْبَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَضَبَطَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ الثِّيَابَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَيُدْرِجَ فِيهَا الْمَيِّتَ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ أَدْرِجْ فِيهَا انْتَهَى. وَهُوَ تَصْحِيفٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ فِي الطِّرَازِ: يَجُوزُ أَنْ يُخَفَّفَ فِي أَكْفَانِ الصِّغَارِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ إلَّا ثَوْبَيْنِ لُفَّتْ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ صَبِيٍّ، أَوْ صَبِيَّةٍ قَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونُ هَذَا فِيمَنْ رَاهَقَ فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَالْخِرْقَةُ تَكْفِيهِ انْتَهَى. ص (وَلَا يُقْضَى بِالزَّائِدٍ إنْ شَحَّ الْوَرَثَةُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. [فَرْعٌ أَوْصَى بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَى ثَوْبٍ فَزَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ آخَرَ] (فَرْعٌ) لَوْ، أَوْصَى بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَى ثَوْبٍ فَزَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ آخَرَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْوَاحِدِ مَعَرَّةً ابْنُ رُشْدٍ: وَلِأَنَّهُ أَوْصَى لِمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ فَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ؛ إذْ لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشَّيْخِ زَرُّوق. ص (إلَّا أَنْ يُوصِيَ فَفِي ثُلُثِهِ) ش: قَالَ سَنَدٌ عَنْ سَحْنُونٍ فِي الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ وَارِثٌ وَتَرَكَ شَيْئًا يَسِيرًا كَالدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ فَيَنْبَغِي مِنْ مِثْلِ هَذَا الْيَسِيرِ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّهُ فِي كَفَنِهِ وَحَنُوطِهِ وَقَبْرِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ كُلُّهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ الْوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُ، أَوْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْبَاقِي سُنَّةٌ خِلَافٌ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ سَلَّمَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَنَسَبَ الثَّانِيَ لِلتَّقْيِيدِ وَالتَّقْسِيمِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ هُنَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّشْهِيرِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ أَبُو عُمَرَ وَابْنُ رُشْدٍ الْفَرْضُ مِنْ الْكَفَنِ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ، وَالزَّائِدُ لِغَيْرِهَا سُنَّةٌ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ أَقَلُّهُ ثَوْبٌ

يَسْتُرُ كُلَّهُ انْتَهَى. وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوِتْرُهُ) ش: هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَهُ بِالثَّلَاثِ فَمَا فَوْقَهَا وَأَمَّا مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَالشَّفْعُ أَفْضَلُ مِنْ الْوِتْرِ، بَلْ صَرَّحَ الْجُزُولِيُّ بِأَنَّ الْوَاحِدَ مَكْرُوهٌ وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ ذَلِكَ عَقِبَهُ فَصَارَ كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَقْمِيصُهُ وَتَعْمِيمُهُ وَعَذَبَةٌ فِيهَا وَأَزَرَةٌ وَلِفَافَتَانِ) ش: هَذِهِ الْخَمْسُ هِيَ الْمُسْتَحَبَّةُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهِيَ: الْقَمِيصُ وَالْعِمَامَةُ وَالْإِزَارُ وَلِفَافَتَانِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ لِلرَّجُلِ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَجُوزُ زِيَادَتُهَا إلَى سَبْعٍ وَذَلِكَ بِأَنْ تُزَادَ لِفَافَتَانِ كَمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ص (وَالسَّبْعُ لِلْمَرْأَةِ) ش: يَعْنِي أَنَّ إيتَارَ كَفَنِ الرَّجُلِ يَنْتَهِي إلَى خَمْسَةٍ وَالْوِتْرُ الَّذِي هُوَ السَّبْعَةُ وَقُلْنَا بِجَوَازِ إيتَارِ الْكَفَنِ إلَيْهِ خَاصٌّ بِالْمَرْأَةِ، وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَغَايَةُ الرَّجُلِ خَمْسَةٌ: قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَلِفَافَتَانِ وَالْمَرْأَةُ سَبْعٌ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَحَقْوٌ وَأَرْبَعُ لَفَائِفَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَمَّرَ بِالْعُودِ وَالْعَنْبَرِ وَتُبْسَطَ اللَّفَائِفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَحَقْوٌ يَعْنِي الْإِزَارَ وَأَمَّا الْخِرْقَةُ الَّتِي تُجْعَلُ عَلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَالْعَصَائِبُ الَّتِي يُشَدُّ بِهَا وَجْهُهُ فَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي هَذِهِ الْأَثْوَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَدْخَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ سَنَدٌ تُبْسَطُ الْأَكْفَانُ وَيُجْعَلُ أَسْفَلُهَا أَحْسَنَهَا؛ لِأَنَّ أَحْسَنَ ثِيَابِ الْحَيِّ يَكُونُ ظَاهِرَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ثُمَّ يُعْطَفُ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ بِضَمِّ الْأَيْسَرِ إلَى الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْمَنِ إلَى الْأَيْسَرِ كَمَا يَلْتَحِفُ فِي حَيَاتِهِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ وَإِنْ عُطِفَ الْأَيْمَنُ أَوَّلًا فَلَا بَأْسَ وَيُفْعَلُ هَكَذَا فِي كُلِّ الثَّوْبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْوَاضِحَةِ وَنَحْوِهِ لِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: فَإِذَا فَرَغْت مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ نَشَّفْت بَلَلَهُ فِي ثَوْبٍ، وَعَوْرَتُهُ مَسْتُورَةٌ وَقَدْ أَجْمَرْت ثِيَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُرِكَ وَإِنْ أَجْمَرْتهَا شَفْعًا فَلَا حَرَجَ ثُمَّ تُسْقِطُ الثَّوْبَ الْأَعْلَى قَالَ أَشْهَبُ: اللِّفَافَةُ الَّتِي هِيَ أَوْسَعُ أَكْفَانِهِ ثُمَّ الْأَوْسَعُ فَالْأَوْسَعُ مِنْ بَاقِيهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَيَذَرُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الْحَنُوطِ ثُمَّ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ هَكَذَا إلَى الَّذِي يَلِي جِسْمَهُ فَيَذَرُ عَلَيْهِ أَيْضًا ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ جَعْلِ الْحَنُوطِ فِي مَسَاجِدِهِ وَمَرَاقِّهِ وَمَسَامِّهِ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ يُعْطَفُ بِاَلَّذِي يَلِي جَسَدَهُ ثُمَّ يُضَمُّ الْأَيْسَرُ إلَى الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْمَنُ عَلَيْهِ كَمَا يَلْتَحِفُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: وَإِنْ عَطَفْت الْأَيْمَنَ أَوَّلًا فَلَا بَأْسَ وَيُفْعَلُ هَكَذَا فِي كُلِّ ثَوْبٍ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ الْحَنُوطُ إلَى الثَّوْبِ الْأَخِيرِ فَلَا يُجْعَلُ عَلَى ظَاهِرِ كَفَنِهِ حَنُوطًا ثُمَّ يُشَدُّ الثَّوْبُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ فَإِذَا أَلْحَدْته فِي الْقَبْرِ حَلَلْته، قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ تَرَكْت عَقْدَهُ فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ تَتَبَيَّنْ أَكْفَانُهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْقُرْطُبِيِّ وَيُخَاطُ الْكَفَنُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا يُتْرَكُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ انْتَهَى. ص (وَحَنُوطٌ دَاخِلَ كُلِّ لِفَافَةٍ وَعَلَى قُطْنٍ يُلْصَقُ بِمَنَافِذِهِ وَالْكَافُورُ فِيهِ وَفِي مَسَاجِدِهِ وَحَوَاسِّهِ وَمَرَاقِّهِ) ش: صِفَةُ التَّحْنِيطِ وَالتَّكْفِينِ

بِاخْتِصَارٍ مِنْ النَّوَادِرِ وَالْمَدْخَلِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَيَذْرُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الْحَنُوطِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ هَكَذَا إلَى الْأَعْلَى الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ فَيَذْرُ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ جَعَلَ الْحَنُوطَ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَالْكَافُورَ فَوَاسِعٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ثُمَّ يَجْعَلُ الْكَافُورَ عَلَى مَسَاجِدِهِ مِنْ وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَيَجْعَلُ مِنْهُ فِي عَيْنَيْهِ وَفِي فَمِهِ وَأُذُنَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَرُفْغَيْهِ، وَعَلَى الْقُطْنِ الَّذِي يَجْعَلُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ لِئَلَّا يَسِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَشُدُّهُ بِخِرْقَةٍ إلَى حُجْزَةِ مِئْزَرِهِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: وَيَشُدُّ دُبُرَهُ بِقُطْنَةٍ فِيهَا دَرِيرَةٌ وَيُبَالِغُ فِيهِ بِرِفْقٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَسُدُّ مَسَامَّ رَأْسِهِ بِقُطْنٍ عَلَيْهِ كَافُورٌ وَأُذُنَيْهِ وَمَنْخَرَيْهِ انْتَهَى. وَصِفَةُ التَّكْفِينِ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ أَنْ يَأْخُذَ قُطْنَةً، وَيَجْعَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ وَالْكَافُورُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يَرْدَعُ الْمَوَادَّ فَيَجْعَلُهَا عَلَى فَمِهِ ثُمَّ يَأْخُذَ قُطْنَةً أُخْرَى فَيَجْعَلَ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ وَيَسُدَّ بِهَا أَنْفَهُ ثُمَّ أُخْرَى مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى وَيُرْسِلَهَا فِي أَنْفِهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَأْخُذَ خِرْقَةً فَيَشُدَّ عَلَى الْأَنْفِ وَالْفَمِ ثُمَّ يَعْقِدَهَا مِنْ خَلْفِ عُنُقِهِ عَقْدًا وَثِيقًا فَتَبْقَى كَأَنَّهَا اللِّثَامُ ثُمَّ يَجْعَلَ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ خِرْقَةً ثَانِيَةً بَعْدَ وَضْعِ الْقُطْنِ وَالْكَافُورِ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَيَعْقِدُهَا عَقْدًا جَيِّدًا فَتَصِيرَ كَالْعِصَابَةِ ثُمَّ يَأْخُذَ خِرْقَةً ثَالِثَةً فَيَشُدَّ بِهَا وَسَطَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ خِرْقَةً رَابِعَةً فَيَعْقِدَهَا فِي هَذِهِ الْخِرْقَةِ الْمَشْدُودِ بِهَا وَسَطُهُ، أَوْ يَخِيطَهَا فِيهَا ثُمَّ يُلْجِمَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ قُطْنَةً وَتَجْعَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ، أَوْ الْكَافُورِ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْعُضْوَ وَيَسُدُّهُ فَيَجْعَلُهُ عَلَى بَابِ الدُّبُرِ وَيُرْسِلُ ذَلِكَ قَلِيلًا بِرِفْقٍ وَيَزِيدُ لِلْمَرْأَةِ سَدَّ الْقُبُلِ بِقُطْنَةٍ أُخْرَى وَيَفْعَلُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدُّبُرِ سَوَاءٌ ثُمَّ يُلْجِمُهُ عَلَيْهِ بِالْخِرْقَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ يَرْبِطُهَا رَبْطًا وَثِيقًا وَلْيَحْذَرْ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ إدْخَالِهِمْ فِي دُبُرِهِ قُطْنًا، وَكَذَلِكَ فِي حَلْقِهِ وَإِبِطِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَإِخْرَاقِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يَأْخُذُ فِي تَكْفِينِهِ فَيَشُدُّ عَلَى وَسَطِهِ مِئْزَرًا، أَوْ يُلْبِسُهُ سَرَاوِيلَ وَهُوَ أَسْتَرُ لَهُ ثُمَّ يُلْبِسُهُ الْقَمِيصَ ثُمَّ يُعَمِّمُهُ فَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ الْعِمَامَةِ ذُؤَابَةً وَتَحْنِيكًا كَالْحَيِّ إلَّا أَنَّهَا هُنَا لَا تُرْخَى بَلْ يَشُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْثِقُ فِي عَقْدِهِ لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ ذَقَنُهُ فَيُفْتَحَ فَاهُ ثُمَّ يُعَمِّمُهُ بِبَاقِي الْعِمَامَةِ وَيَشُدُّهَا شَدًّا وَثِيقًا ثُمَّ يَبْسُطُ الذُّؤَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ فَيَسْتُرُ وَجْهَهُ بِهَا وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِمَا يَفْضُلُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ يَسْتُرُ بِهَا وَجْهَهَا ثُمَّ يَنْقُلُهُ إلَى مَوْضِعِ الْكَفَنِ فَيَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَيُحَنِّطُهُ وَمَوَاضِعُ الْحَنُوطِ خَمْسٌ: الْأَوَّلُ ظَاهِرُ جَسَدِ الْمَيِّتِ، الثَّانِي: بَيْنَ أَكْفَانِهِ وَلَا يُجْعَلُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَفَنِ، الثَّالِثُ: الْمَسَاجِدُ السَّبْعَةُ وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَالْكَفَّانِ مَعَ الْأَصَابِعِ وَالرُّكْبَتَانِ وَأَطْرَافُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، الرَّابِعُ: مَنَافِذُ الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا، الْخَامِسُ: الْأَرْفَاغُ وَهِيَ مَغَابِنُ الْجَسَدِ خَلْفَ أُذُنَيْهِ وَتَحْتَ حَلْقِهِ وَتَحْتَ إبِطَيْهِ وَفِي سُرَّتِهِ وَفِيمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَأَسَافِلِ رُكْبَتَيْهِ وَقَعْرِ قَدَمَيْهِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَكُونُ مَعَهُ مِنْ الطِّيبِ فَإِنْ قَلَّ عَنْ اسْتِيعَابِ ذَلِكَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى الْأَرْفَاغِ وَالْمَسَاجِدِ السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا ثُمَّ يَأْخُذُ طَرَفَ أَحَدِ كُمَّيْهِ فَيَرْبِطُهُ بِطَرَفِ الْكُمِّ الْآخَرِ رَبْطًا وَثِيقًا ثُمَّ يَأْخُذُ خِرْقَةً طَوِيلَةً فَيَرْبِطُهَا فِي مَوْضِعِ رِبَاطِ الْكُمَّيْنِ ثُمَّ يَمُدُّهَا إلَى إبْهَامِ رِجْلَيْهِ فَيَرْبِطُهَا فِيهِمَا رَبْطًا جَيِّدًا وَثِيقًا لِئَلَّا تَتَحَرَّكَ أَطْرَافُهُ وَتَتَعَرَّى، هَذَا إذَا لَبِسَ الْقَمِيصَ وَأَمَّا إذَا أُدْرِجَ فَلَا حَاجَةَ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ فَإِذَا جَاءَ إلَى لَحْدِهِ أَزَالَ الرِّبَاطَ عَنْهُ وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ جَعْلِ الْقُطْنِ الْكَثِيرِ عَلَى وَجْهِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَعْلُوَ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ وَتَحْتَ حَنَكِهِ وَتَحْتَ رَقَبَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ رَأْسُهُ وَكَتِفَاهُ بِالسَّوَاءِ وَكَذَلِكَ مَا يَجْعَلُونَهُ مِنْ الْقُطْنِ عِنْدَ سَاقِهِ هَاهُنَا وَمِنْ هَاهُنَا حَتَّى يَصِيرَ بَطْنُهُ وَرَأْسُهُ وَرِجْلَاهُ بِالسَّوَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ وَفِيهِ مُحَرَّمَانِ: وَهُمَا إضَاعَةُ الْمَالِ وَأَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهُمْ الْوَرَثَةُ إنْ كَانَ فِيهِمْ قَاصِرُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَاصِرُونَ وَرَضُوا بِذَلِكَ فَفِيهِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْبِدْعَةِ ثُمَّ

يَرْبِطُ الْكَفَنَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَمِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ رَبْطًا وَثِيقًا، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي نَقْلِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى النَّعْشِ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِرِفْقٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَوَقَارٍ انْتَهَى. ص (وَمَشْيُ مُشَيِّعٍ) ش: فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَأَبَى، ثُمَّ لَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَهَا» انْتَهَى. ص (وَإِسْرَاعُهُ) ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ -: السُّنَّةُ فِي الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ كَالشَّابِّ الْمُسْرِعِ فِي حَاجَتِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَقَدُّمُهُ) ش: أَيْ وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ لِلْمُشَيِّعِ لِلْجِنَازَةِ إذَا كَانَ مَاشِيًا أَنْ يَتَقَدَّمَ أَمَامَهَا قَالَ فِي الطِّرَازِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَشْيَ أَمَامَهَا أَفْضَلُ فَلَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا قَالَهُ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ قَالَ: أَمَامَهَا السُّنَّةُ وَخَلْفَهَا وَاسِعٌ، وَاَلَّذِي قَالَهُ بَيِّنٌ وَنَظِيرُهُ مَنْ قَدَرَ أَنْ يَجْلِسَ فِي الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَجَلَسَ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَالْأَوَّلُ كَانَ أَفْضَلَ انْتَهَى. ص (وَتَأَخُّرُ رَاكِبٍ وَامْرَأَةٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْشِيَ أَمَامَهَا وَلْيَمْشِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ الْجِنَازَةِ وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهُنَّ؛ وَلِأَنَّ شَأْنَهُنَّ التَّأْخِيرُ فِي الْمَقَامِ عَنْ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ: فَإِنْ رَكِبَ مَعَهَا كَانَ خَلْفَهَا خَلْفَ الْمُشَاةِ، أَوْ يَتَقَدَّمُهُمْ وَلَا يَصْحَبُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ وَيَكُونُ النِّسَاءُ خَلْفَ الرِّجَالِ انْتَهَى ص (وَيَسْتُرُهَا بِقُبَّةٍ) ش: وَلَا بَأْسَ بِسَتْرِ النَّعْشِ لِلرَّجُلِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ إنْزَالِ الْمَيِّتَةِ فِي قَبْرِهَا بِثَوْبٍ وَكَذَلِكَ فُعِلَ بِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَمَا أَكْرَهُ أَنْ يُسْتَرَ الْقَبْرُ فِي دَفْنِ الرِّجَالِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي وَذَلِكَ وَاسِعٌ فِي الرَّجُلِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَتْرُ قَبْرٍ لِلْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ مِمَّا يَنْبَغِي فِعْلُهُ انْتَهَى ص (وَابْتِدَاءٌ بِحَمْدِ اللَّهِ وَصَلَاةٍ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَا تُكَرَّرُ الصَّلَاةُ وَلَا التَّحْمِيدُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُقْرَأُ عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ نَاقِلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِيهِ الْكَرَاهَةُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ لِلْقَارِئِ وَالْمَيِّتُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَقَالَ أَشْهَبُ اقْرَءُوا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَقَطْ انْتَهَى. وَمِنْهُ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ مَأْمُورٌ بِهَا فَهِيَ فِيمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ مِنْ الشُّرُوطِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءُ فِيهَا كَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَكَوْنُهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَشْهَبُ: يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ كَالشَّافِعِيِّ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَرَعًا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ ص (وَوُقُوفٌ أَمَامَ الْوَسْطِ وَمَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقِفُ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَفِي الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبَيْهَا. قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَيَّدْنَاهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا بِسُكُونِ السِّينِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ كَذَا رَدَّهُ عَلَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ صَاحِبِ الْإِحْبَاسِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَسْطُ الدَّارِ

فرع القيام في صلاة الجنازة

وَوَسَطُهَا سَوَاءٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ يُقَالُ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ بِالتَّسْكِينِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ بِالتَّحْرِيكِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ وَسْطٌ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ وَسَطٌ بِالتَّحْرِيكِ وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ يُقَالُ فِيمَا هُوَ مُتَفَرِّقُ الْأَجْزَاءِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ كَالدَّارِ وَالرَّأْسِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ بِالسُّكُونِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْآخَرِ وَكَأَنَّهُ الْأَشْبَهُ انْتَهَى [فَرْعٌ الْقِيَام فِي صَلَاة الْجِنَازَة] (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَالْقِيَامُ فَرْضٌ فِيهَا فَلَوْ صَلَّى جَالِسًا أَعَادَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَلَا تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الِاسْتِقْبَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تَقَدُّمُ الْمُصَلِّي عَلَى الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ تَقَدُّمُ الْمُصَلِّي عَلَى الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ فِيهِ مَكْرُوهَانِ أَحَدُهُمَا تَقَدُّمُهُ عَلَى الْإِمَامِ وَالثَّانِي تَقَدُّمُهُ عَلَى الْجِنَازَةِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقَدُّمُ عَلَى الْجِنَازَةِ مَكْرُوهًا فَقَطْ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ إمَامًا، أَوْ مَأْمُومًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. السَّادِسَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَرَأْسُهُ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَلَدِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُلَاصِقُ الْجِنَازَةَ وَلْيَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فُرْجَةٌ انْتَهَى ص (رَأْسُ الْمَيِّتِ عَنْ يَمِينِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ وَأَجْزَأَتْ إنْ صَلَّى عَلَيْهَا مَنْكُوسًا رَأْسُهُ مَوْضِعَ رِجْلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ ص (وَحَثْوُ قَرِيبٍ فِيهِ ثَلَاثًا) ش: هَذَا الْقَوْلُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْعُمْدَةِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَاَلَّذِينَ يَلُونَ دَفْنَهَا يَلُونَ رَدَّ التُّرَابِ عَلَيْهَا وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَمِنْ شَأْنِهِمْ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْقَبْرِ لِيَشْتَدَّ رُوِيَ أَنَّهُ فُعِلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَمَسَّ أَحَدٌ الْقَبْرَ بِيَدِهِ بَعْدَ رَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ) ش: أَيْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَيَّأَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَجُوزُ حَمْلُ الطَّعَامِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُمْ فَاجَأَهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد. لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْبِرِّ وَالتَّوَدُّدِ لِلْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ وَعَدُّوهُ مِنْ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَائِمِ أَمَّا عَقْرُ الْبَهَائِمِ وَذَبْحُهَا عَلَى الْقَبْرِ فَمِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد انْتَهَى. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْعَقْرُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْإِنْسَانُ فِي بَيْتِهِ وَيُطْعِمُهُ لِلْفُقَرَاءِ صَدَقَةً عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا مُفَاخَرَةً وَلَمْ يَجْمَعْ عَلَيْهِ النَّاسَ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ: وَعَقْرُ الْبَهَائِمِ وَذَبْحُهَا عِنْدَ الْقَبْرِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُهُمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ الْخِرْفَانَ وَالْخُبْزَ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ بِعَشَاءِ الْقَبْرِ فَإِذَا أَتَوْا إلَى الْقَبْرِ ذَبَحُوا مَا أَتَوْا بِهِ بَعْدَ الدَّفْنِ

وَفَرَّقُوهُ مَعَ الْخُبْزِ وَيَقَعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُزَاحَمَةٌ وَضِرَابٌ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُحْرَمُهُ الْمُسْتَحِقُّ فِي الْغَالِبِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» انْتَهَى. وَالْعَقْرُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي أَفْعَالِ الْقُرَبِ الْإِسْرَارُ بِهَا دُونَ الْجَهْرِ فَهُوَ أَسْلَمُ وَالْمَشْيُ بِذَلِكَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ جَمْعٌ بَيْنَ إظْهَارِ الصَّدَقَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ فِي الْبَيْتِ سِرًّا لَكَانَ عَمَلًا صَالِحًا سَلِمَ مِنْ الْبِدْعَةِ أَعْنِي أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ سُنَّةً، أَوْ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي اتِّبَاعِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انْتَهَى ص (وَتَعْزِيَةٌ) ش: عَدَّ الْمُصَنِّفُ التَّعْزِيَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَصَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا صَاحِبُ الْإِرْشَادِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ أَمَّا اسْتِحْبَابُهَا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ انْتَهَى. وَعَلَى اسْتِحْبَابِهَا مَشَى الشَّارِحُ فِي شَامِلِهِ فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِهِ انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَنَصُّهُ: التَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي التَّعْزِيَةِ ثَوَابٌ كَثِيرٌ ابْنُ شَاسٍ سُنَّةٌ انْتَهَى. وَالتَّعْزِيَةُ - قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ - هِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ شَكَّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ: وَالتَّعْزِيَةُ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا تَهْوِينُ الْمُصِيبَةِ عَلَى الْمُعَزَّى، وَتَسْلِيَتُهُ مِنْهَا، وَتَحْضِيضُهُ عَلَى الْتِزَامِ الصَّبْرِ وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ وَالرِّضَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِهِ. وَالثَّانِي: الدُّعَاءُ بِأَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ مِنْ مُصَابِهِ جَزِيلَ الثَّوَابِ وَيُحْسِنَ لَهُ الْعُقْبَى وَالْمَآبَ. وَالثَّالِثُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ انْتَهَى. وَأَمَّا أَلْفَاظُ التَّعْزِيَةِ فَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَلْفَاظًا فِي التَّعْزِيَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَدْرِ مَنْطِقِ الرَّجُلِ وَمَا يَحْضُرُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ وَقَدْ اسْتَحْسَنْت أَنْ أَقُولَ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك عَلَى مُصِيبَتِك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك عَنْهَا، وَعُقْبَاك مِنْهَا غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَرَحِمَهُ، وَجَعَلَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ جَاءَ فِي تَعْزِيَةِ الْمُصَابِ ثَوَابٌ كَثِيرٌ، وَجَاءَ أَنَّ اللَّهَ يُلْبِسُ الَّذِي عَزَّاهُ لِبَاسَ التَّقْوَى، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَزَّى قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي الْبَاقِي وَآجَرَك فِي الْفَانِي «وَعَزَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً فِي ابْنِهَا فَقَالَ: إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَبْقَى، وَلَكِ أَجَلٌ مُسَمًّى، وَكُلٌّ إلَيْهِ رَاجِعٌ، فَاحْتَسِبِي وَاصْبِرِي، فَإِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ» . وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ إذَا عَزَّى قَالَ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَجَبَرَ مُصِيبَتِك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك عَنْهَا، وَأَعْقَبَكَ عَقِبًا نَافِعًا لِدُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ وَكَانَ مَكْحُولٌ يَقُولُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عُقْبَاك وَغَفَرَ لِمُتَوَفَّاك قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكُلٌّ وَاسِعٌ بِقَدْرِ مَا يَحْضُرُ الرَّجُلَ وَبِقَدْرِ مَنْطِقِهِ، وَأَنَا أَقُولُ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك عَلَى مُصِيبَتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك عَنْهَا وَعُقْبَاك مِنْهَا، غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَرَحِمَهُ وَجَعَلَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَأَحْسَنُ التَّعْزِيَةِ مَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ آجَرَكُمْ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِكُمْ وَأَعْقَبَكُمْ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ انْتَهَى. وَزَادَ سَنَدٌ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ وَجَاءَتْ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَعِوَضًا

فروع

مِنْ كُلِّ فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا؛ فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّعْزِيَةِ أَلْفَاظٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَحْسَنُ التَّعْزِيَةِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «آجَرَكُمْ اللَّهُ عَلَى مُصِيبَتِكُمْ وَأَعْقَبَكُمْ خَيْرًا مِنْهَا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ» انْتَهَى [فُرُوعٌ] [الْأَوَّلُ الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) فِي الْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ قَالَ سَنَدٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ لِلتَّعْزِيَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد انْتَهَى. [الثَّانِي مَحَلِّ التَّعْزِيَةِ] (الثَّانِي) فِي مَحَلِّ التَّعْزِيَةِ وَمَحَلُّهَا فِي الْبَيْتِ وَإِنْ جُعِلَتْ عَلَى الْقَبْرِ فَوَاسِعٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَالْأَدَبُ فِي التَّعْزِيَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عُلَمَاؤُنَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ رُجُوعِ وَلِيِّ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ إلَى بَيْتِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ قَبْلَ الدَّفْنِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَيِّتِ بِسَبَبِهَا تَأْخِيرٌ عَنْ مُوَارَاتِهِ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ مُنِعَ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا وَتَجُوزُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ إلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ: عَلَى مَا فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَلِكَ وَاسِعٌ فِي الدِّينِ، وَأَمَّا فِي الْأَدَبِ فَفِي الْمَنْزِلِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ بِلَفْظِ ابْنِ حَبِيبٍ وَالتَّعْزِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاسِعٌ فِي الدِّينِ وَالْأَدَبُ فِي الْمَنْزِلِ وَنَقَلَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَالطِّرَازِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ جَوَازُهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَقَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّهُ: بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ. وَتَجُوزُ التَّعْزِيَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يُعَزَّى بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ وَمَا قُلْنَاهُ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ عَقِيبَ الدَّفْنِ يَكْثُرُ الْجَزَعُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُفَارَقَةِ شَخْصِهِ وَالِانْصِرَافِ عَنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعْيِينَ وَقْتِ التَّعْزِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حِينَ يَمُوتُ إلَى حِينِ يُدْفَنُ عَقِيبَ الدَّفْنِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يُعَزَّى بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ. (قُلْت) وَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا؛ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» فَإِنَّهُ عَامٌّ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقِيبَ وَقْتٍ يَكْثُرُ الْجَزَعُ وَالْهَلَعُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُفَارَقَةِ شَخْصِ الْمَيِّتِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ بِالْإِيَاسِ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ التَّعْزِيَةُ حِينَئِذٍ لِئَلَّا يَتَسَخَّطَ الْمُصَابُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْثَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْفَاكِهَانِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الثَّالِث مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيَة] (الثَّالِثُ) فِيمَنْ يُعَزَّى قَالَ سَنَدٌ: وَيُعَزَّى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ مِمَّنْ يُقْصَدُ بِالْخِطَابِ وَيَفْهَمُهُ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا تُعَزَّى الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ وَتُعَزَّى الْمُتَجَالَّةُ، وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ قَالَ: وَكَذَلِكَ السَّلَامُ عَلَيْهِنَّ فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُعَزِّيَ الشَّابَّةَ إلَّا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَيُخَصُّ بِالتَّعْزِيَةِ أَجْزَعُهُمْ وَأَضْعَفُهُمْ عَنْ احْتِمَالِ الْمُصِيبَةِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ فِي تَعْزِيَتِهِمْ أَكْثَرُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِلَفْظِ وَيُعَزَّى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَمَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَالْمُتَجَالَّةُ بِخِلَافِ الشَّابَّةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِلَفْظِ: وَيُعَزَّى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ وَالْمَرْأَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَابَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَزَادَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ وَمَا عَزَاهُ سَنَدٌ لِسَحْنُونٍ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهَا وَنَصُّهُ: وَفِي كِتَابِ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا تُعَزَّى الشَّابَّةُ وَتُعَزَّى الْمُتَجَالَّةُ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ كَالسَّلَامِ عَلَيْهَا انْتَهَى [الرَّابِع التَّعْزِيَةِ بِالنِّسَاءِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ] (الرَّابِعُ) فِي التَّعْزِيَةِ بِالنِّسَاءِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أُصِيبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمَّا دُفِنَتْ وَرَجَعَ مَعَهُ الْقَوْمُ فَأَرَادُوا تَعْزِيَتَهُ عِنْدَ مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَقَالَ إنَّا لَا نُعَزَّى فِي النِّسَاءِ وَفَعَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مَا أَتَى بِكَ؟ . فَقَالَ: لِأُشَارِككَ فِي مُصِيبَتِكَ وَأُعَزِّيَكَ بِابْنَتِكَ، فَقَالَ لَهُ: مَهْلًا فَإِنَّا لَا نُعَزَّى فِي النِّسَاءِ وَلِغَيْرِ

الخامس تعزية المسلم بالكافر والكافر بالمسلم أو بالكافر

ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ فَبِالْأُمِّ، قَالَ غَيْرُهُ: وَكُلٌّ وَاسِعٌ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَذْكُرْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُعَزَّى الْمُسْلِمُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ بِالْمُصِيبَةِ بِي» وَجَعَلَ الْمُصِيبَةَ بِالزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ مُصِيبَةً انْتَهَى كَلَامُ النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُخْتَصَرًا وَنَصُّهُ: قَالَ - يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ وَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ -: التَّعْزِيَةُ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَبِالْأُمِّ غَيْرُهُ كُلٌّ وَاسِعٌ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَتَعَزَّى الْمُسْلِمُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ بِالْمُصِيبَةِ بِي» وَجَعَلَ مُصِيبَةَ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ مُصِيبَةً انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي صَدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي زَوْجَتِهِ الصَّالِحَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَائِبِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحُرَّ يُعَزَّى بِالْعَبْدِ [الْخَامِس تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ أَوْ بِالْكَافِرِ] (الْخَامِسُ) فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ، أَوْ بِالْكَافِرِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُعَزَّى بِأَبِيهِ الْكَافِرِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] انْتَهَى. زَادَ سَنَدٌ بَعْدَ قَوْلِ الْمَجْمُوعَةِ {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] : فَمَنَعَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ وَقَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يُهَاجِرُوا يُرِيدُ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ لَا يُعَزَّى بِالْمُسْلِمِ الْقَرِيبِ لِتَرْكِ الْهِجْرَةِ فَمَا الظَّنُّ بِالْكَافِرِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَهُوَ أَبْعَدُ وَأَسْحَقُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ بِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ فِي دُنْيَاهُ فَيَكُونُ فَقْدُهُ مُصِيبَةً فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُعَزَّى بِهِ وَكَمَا يُعَزَّى الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَيُعَزَّى الذِّمِّيُّ فِي وَلِيِّهِ يَقُولُ: أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا عَزَّى ذِمِّيًّا بِمُسْلِمٍ قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ لِكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ هُوَ فِي النَّوَادِرِ بِزِيَادَةِ: إنْ كَانَ لَهُ جِوَارٌ وَنَصُّهُ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَيُعَزَّى الذِّمِّيُّ فِي وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ جِوَارٌ يَقُولُ لَهُ: أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِأَبِيهِ الْكَافِرِ هِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَيْضًا فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ شَكَّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَأَطَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَاخْتَارَ تَعْزِيَتَهُ بِهَا وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَهْلَكُ أَبُوهُ وَهُوَ كَافِرٌ أَتَرَى أَنْ يُعَزَّى بِهِ فَيَقُولُ: آجَرَك اللَّهُ فِي أَبِيكَ؟ . قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَزِّيَهُ يَقُولُ اللَّهُ {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُمْ وَقَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يُهَاجِرُوا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُعَزَّى بِأَبِيهِ الْكَافِرِ لَيْسَ بَيِّنًا؛ لِأَنَّ التَّعْزِيَةَ تَجْمَعُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأَشْيَاءَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَنْهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعْزِيَةِ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْكَافِرُ يُمْنَعُ فِي حَقِّهِ الشَّيْءُ الْأَخِيرُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] وَلَيْسَ مَنْعُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ الْكَافِرِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ بِاَلَّذِي يَمْنَعُ مِنْ تَعْزِيَةِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ بِمُصَابِهِ بِهِ؛ إذْ لَا مُصِيبَةَ عَلَى الرَّجُلِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ الَّذِي كَانَ يَحِنُّ عَلَيْهِ وَيَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ كَافِرًا فَلَا يَجْتَمِعُ بِهِ فِي أُخْرَاهُ فَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ الْمُصِيبَةَ وَيُسَلِّيهِ مِنْهَا وَيُعَزِّيهِ فِيهَا بِمَنْ مَاتَ لِلْأَنْبِيَاءِ الْأَبْرَارِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْآبَاءِ الْكُفَّارِ وَيَحُضُّهُ عَلَى الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَيَدْعُو لَهُ بِجَزِيلِ الثَّوَابِ إلَى اللَّهِ؛ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْجَرَ الْمُسْلِمُ بِمَوْتِ أَبِيهِ الْكَافِرِ إذَا شَكَرَ اللَّهَ وَسَلَّمَ لِأَمْرِهِ وَرَضِيَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ الْمُسْلِمُ يُصَابُ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَحَامَّتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَهُ خَطِيئَةٌ» وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ وَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُجِرَ بِمَوْتِ عَمِّهِ

أَبِي طَالِبٍ لِمَا وُجِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُزْنِ وَالْإِشْفَاقِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَزِّيَ جَارَهُ الْكَافِرَ بِمَوْتِ أَبِيهِ الْكَافِرِ لِذِمَامِ الْجِوَارِ فَيَقُولَ: أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَالْمُسْلِمُ بِالتَّعْزِيَةِ أَوْلَى وَهُوَ بِذَلِكَ أَحَقُّ وَأَحْرَى وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَالِكٌ مَنْسُوخَةٌ قَالَ عِكْرِمَةُ: أَقَامَ النَّاسُ بُرْهَةً لَا يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَعْرَابِيَّ وَلَا الْأَعْرَابِيُّ الْمُهَاجِرِيَّ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] فَنَزَلَتْ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فَاحْتَجَّ بِالْمَنْسُوخِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ إذَا نُسِخَ وُجُوبُهُ جَازَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ، وَفِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافٌ وَبَحْثٌ وَاعْتِلَالُهُ بِامْتِنَاعِ الْمِيرَاثِ ضَعِيفٌ؛ إذْ قَدْ يُعَزَّى الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ لَكَانَ أَظْهَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا قَاطِعًا لِلْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِأَبِيهِ الْكَافِرِ قَوْلَانِ لِابْنِ رُشْدٍ مَعَ تَخْرِيجِهِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ بِتَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِجَوَازِهِ بِأَبِيهِ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ يَقُولُ بَلَغَنِي مُصَابُك بِأَبِيك أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِأَكَابِرِ أَهْلِ دِينِهِ وَخِيَارِ ذَوِي مِلَّتِهِ وَسَحْنُونٌ يَقُولُ: أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ الْمُصِيبَةَ وَجَزَاك أَفْضَلَ مَا جَزَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. (قُلْت) فِي الْأَوَّلِ إيهَامُ كَوْنِ أَهْلِ مِلَّتِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْمِلَّةِ فِي سَعَادَةٍ وَإِلَّا كَانَ دُعَاءً عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ: تَعْزِيَةُ الْمُسْلِمِ بِأَبِيهِ الْكَافِرِ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِجَزِيلِ الثَّوَابِ فِي مُصَابِهِ وَيُهَوِّنُ مُصَابَهُ بِمَنْ مَاتَ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَرِيبٍ وَأَبٍ كَافِرٍ لَا بِالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ. (قُلْت) فِي التَّعْزِيَةِ بِمَنْ مَاتَ لِلْأَنْبِيَاءِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ. الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُعَزَّى بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَتَخْرِيجُهُ لَهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ لِجِوَارِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُعَزَّى بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمُخَرَّجُ عَلَيْهَا وَهِيَ تَعْزِيَةُ الْكَافِرِ بِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ بِجِوَارِهِ؛ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا قَوْلُ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ: إنَّهُ يُعَزَّى بِهِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ صَدَّرَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ بِتَعْزِيَةِ الْكَافِرِ فِي وَلِيِّهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، ثُمَّ حَكَى فِي آخِرِ كَلَامِهِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ لِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ وَنَصُّهُ: وَيُعَزَّى الْكَافِرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَيُعَزَّى مِنْ النِّسَاءِ بِالْأُمِّ خَاصَّةً وَلَا يُعَزَّى مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: يُعَزَّى؛ لِأَنَّ مُصِيبَتَهُ بِمَوْتِهِ كَافِرًا أَعْظَمُ انْتَهَى. وَتَبِعَ فِي التَّصْحِيحِ بِعَدَمِ تَعْزِيَتِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَنَصُّهُ: وَيُعَزَّى مِنْ النِّسَاءِ بِالْأُمِّ خَاصَّةً لَا مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَيُعَزَّى الذِّمِّيُّ بِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ الْمُعَزَّى بِهِ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ اسْتِحْقَاقَ تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ بِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِتَعْزِيَةِ الذِّمِّيِّ بِالْمُسْلِمِ وَبِالذِّمِّيِّ انْتَهَى. وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ سَحْنُونٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَكَمَا يُعَزَّى الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ مِنْ بَقِيَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ كَيْفِيَّةَ تَعْزِيَتِهِ بِهِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إلَّا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لَقَالَ: وَيُعَزَّى بِهِ كَمَا يُعَزَّى الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْوَاوِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِ كَيْفِيَّةِ تَعْزِيَتِهِ بِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي كَيْفِيَّةِ تَعْزِيَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّعْزِيَةَ لَا تَخْتَصُّ بِلَفْظٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يَحْضُرُ الرَّجُلَ وَبِقَدْرِ مَنْطِقِهِ فَلَمَّا رَأَى النَّصَّ فِي كَيْفِيَّتِهَا لِلشَّافِعِيِّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ سَنَدٍ هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِ

فرع هل لمن يدخل القبر بالميت عدد محصور

الشَّيْخِ زَرُّوق الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: وَيُعَزَّى الْكَافِرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُزِّيَ بِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ فَلَأَنْ يُعَزَّى بِوَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ نَاقِلًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِرْجَاعِ لِلْمُصَابِ فَقَالَ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة: 156] الْآيَةَ وَهَذَا مِنْ الِاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ وَالِاحْتِسَابِ، وَإِنَّمَا الْمُصِيبَةُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابُ يُرِيدُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَا أَسْلَفَ عَلَيْهِ وَلَا اسْتَفَادَ عِوَضًا مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى فِي أَوَائِلِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» لَا يَجِبُ الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة: 156] الْآيَةَ وَإِنَّمَا يَجِبُ الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا ذَكَرَتْ وُصُولَ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ إلَيْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ: إنَّهُ اسْتَرْجَعَ، فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِرْجَاعِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الدِّينِ، أَوْ فِي الدُّنْيَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ انْتَهَى ص (وَضَجْعٌ فِيهِ عَلَى أَيْمَنَ مُقْبِلًا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى سَتْرِ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّعْشَ يُوضَعُ عَلَى طَرَفِ الْقَبْرِ يَكُونُ رَأْسُ الْجِنَازَةِ عَلَى جَانِبِهِ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ وَيُسَلُّ الْمَيِّتُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُوضَعُ بِطُولِ الْقَبْرِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، ثُمَّ يُؤْخَذُ الْمَيِّتُ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَيُدْخَلُ الْقَبْرَ مُعْتَرِضًا وَذَكَرَ خَبَرًا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ احْتَجَّ بِهَا الْجَمَاعَةُ وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي كِتَابِ الْفُرُوعِ وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَوَجُّهٍ بَلْ دُخُولٌ فَدُخُولُ الرَّأْسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا، أَوْ لَا يَدْخُلُ الْمَيِّتُ مُعْتَرِضًا مِنْ قِبْلَتِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْأَسْهَلُ فَالْأَسْهَلُ انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، أَوْصَى الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ الْقَبْرِ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ الْمَدْخَلِ [فَرْعٌ هَلْ لِمَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ بِالْمَيِّتِ عَدَدٌ مَحْصُورٌ] (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَهَلْ لِمَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ بِالْمَيِّتِ عَدَدٌ مَحْصُورٌ؟ . ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونُوا وِتْرًا: ثَلَاثَةً، أَوْ خَمْسَةً إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَخْصِيصٌ؛ وَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِمَا تَيَسَّرَ ص (وَتُدُورِكَ إنْ خُولِفَ بِالْحَضْرَةِ كَتَنْكِيسِ رِجْلَيْهِ وَكَتَرْكِ الْغُسْلِ وَدَفْنِ مَنْ أَسْلَمَ بِمَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ إنْ لَمْ يُخَفْ التَّغَيُّرُ) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ التَّغَيُّرُ قَيْدٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا

فرع من دفن بغير صلاة

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَدَفْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِمَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَهُ فِي الصَّغِيرِ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ فَإِنَّمَا يُتَدَارَكُ فِي الْحَضْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُسَوُّوا عَلَيْهِ التُّرَابَ وَيُفْرَغَ فَإِنْ سَوَّوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ وَفُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ تُرِكَ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَغَيْرَهُ. [فَرْعٌ مَنْ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ] (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَنْ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ يَفُوتُ ذَلِكَ بِالدَّفْنِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، أَوْ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: يَدْعُونَ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَقِيلَ: يُخْرَجُ إلَّا أَنْ يُخَافَ تَغَيُّرُهُ الثَّالِثُ إلَّا أَنْ يَطُولَ يُخْرَجُ نَقَلَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ يُخْرَجُ مُطْلَقًا وَإِنْ تَغَيَّرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. ص (وَسَدُّهُ بِلَبِنٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَيُسْتَحَبُّ سَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنِ، وَلَقَدْ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ «إنَّ ذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْهُ وَلَكِنَّهُ أَقَرُّ لِعَيْنِ الْحَيِّ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إذَا عَمِلَ الْعَبْدُ عَمَلًا أَنْ يُحْسِنَهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنْ يُتْقِنَهُ» انْتَهَى ص (وَسَنُّ التُّرَابِ أَوْلَى مِنْ التَّابُوتِ) ش: قَالَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ: «وَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابِ سَنًّا» السَّنُّ وَالشَّنُّ الصَّبُّ وَقِيلَ: هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ الصَّبُّ بِسُهُولَةٍ وَبِالْمُعْجَمَةِ التَّفْرِيقُ وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي صَبِّ التُّرَابِ عَلَى الْمَيِّتِ وَكَرِهَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ التَّرْمِيضَ عَلَى الْقَبْرِ بِالْحِجَارَةِ وَالطِّينِ وَالطُّوبِ. (قُلْت) سَنُّ التُّرَابِ فِي الْقَبْرِ صَبُّهُ فِيهِ دُونَ لَحْدٍ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِهِ إلَى الْكَفَنِ فَإِنْ عَنَى بِكَوْنِهِ سُنَّةً السُّنَّةَ عُرْفًا فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَّا وَصِيَّةُ عُمَرَ وَبِهَذِهِ وَغَايَتُهَا أَنَّهُ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ يُرِيدُ بِالسَّنِّ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ التُّرَابَ فَوْقَ اللَّحْدِ لَا أَنْ يَعْقِدَ الْقَبْرَ كُلَّهُ بِنَاءً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ كَرَاهِيَةِ التَّرْمِيضِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالتَّرْمِيضِ رَفْعَ الْبِنَاءِ فَوْقَ الْقَبْرِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: مَا جَنْبِي الْأَيْمَنُ أَحَقَّ بِالتُّرَابِ مِنْ الْأَيْسَرِ وَأَوْصَى أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ دُونَ غِطَاءٍ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَا يُكْرَهُ بِنَاءُ اللَّحْدِ بِاللَّبِنِ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَفْضَلُ اللُّحُودِ اللَّبِنُ، ثُمَّ الْأَلْوَاحُ، ثُمَّ الْقَرَامِيدُ، ثُمَّ الْقَصَبُ، ثُمَّ السَّنُّ انْتَهَى ص (وَجَازَ غُسْلُ امْرَأَةٍ ابْنَ كَسَبْعٍ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: أَيْ وَابْنَ ثَمَانٍ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ وَسَبْعٍ؛ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ: مَا لَمْ يُؤْمَرْ مِثْلُهُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ ابْنَ سَبْعٍ اللَّخْمِيُّ وَالْمُنَاهِزُ كَالْكَبِيرِ ص (وَرَجُلٍ كَرَضِيعَةٍ) ش: أَيْ وَفَوْقَهَا بِيَسِيرٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا ص (وَالْمَاءُ السُّخْنُ) ش: وَاسْتَحَبَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِزِيَادَةِ الْإِنْقَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُرْخِيهِ وَالْمَطْلُوبُ شَدُّهُ ص (وَتَكْفِينٌ بِمَلْبُوسٍ) ش: إذَا لَمْ يَكُنْ وَسِخًا وَلَمْ يَخَفْ نَجَاسَةً. قَالَ سَنَدٌ وَكَانَ سَالِمًا مِنْ الْقَطْعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا الْجَمَاعَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَثَوْبَيْ إحْرَامِهِ رَجَاءَ بَرَكَةِ ذَلِكَ انْتَهَى ص (وَمُزَعْفَرٌ وَمُوَرَّسٌ) ش: هَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ كُلُّ مَا صُبِغَ بِطِيبٍ فَجَائِزٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

قَالَ سَنَدٌ ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا يُكْرَهُ كُلُّ مَصْبُوغٍ. ص (وَخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ أَوْ إنْ لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ) ش: قَالَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ: النِّسَاءُ فِي شُهُودِ الْجِنَازَةِ ثَلَاثَةٌ: مُتَجَالَّةٌ وَشَابَّةٌ، وَرَائِعَةٌ قَدِرَةٌ جَسِيمَةٌ ضَخْمَةٌ. فَالْمُتَجَالَّةُ تَخْرُجُ فِي جِنَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ وَالشَّابَّةُ تَخْرُجُ فِي جِنَازَةِ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَمَنْ أَشْبَهَهُمَا مِنْ قَرَابَتِهَا، وَالْمَرْأَةُ الرَّائِعَةُ الْقُدْرَةِ الضَّخْمَةُ الْجَسِيمَةُ يُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ أَصْلًا وَالتَّصَرُّفُ فِي كُلِّ حَالٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ خُرُوجَ النِّسَاءِ فِي الْجَنَائِزِ مَكْرُوهٌ بِكُلِّ حَالٍ انْتَهَى. ص (وَسَبْقُهَا وَجُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إذَا طُلِبَ الرَّجُلُ بِحُضُورِ جَنَائِزَ بِمَقَابِرَ مُتَبَاعِدَةٍ فَعَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهُ يَمْضِي يَشْهَدُ الْأَفْضَلَ مِنْهَا. (قُلْت) فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ قَرُبَتْ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ دَفْنِ جَمِيعِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا نَوَى ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ وَلَهُ أَصْلٌ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْجَنَائِزِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمِيعِ انْتَهَى مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ. ص (وَنُقِلَ وَإِنْ مِنْ بَدْوٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يُخْلَقُ مِنْ تُرْبَةٍ إلَّا أُعِيدَ فِيهَا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا غُرْبَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِ، مَا مَاتَ مُؤْمِنٌ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بِوَاكِيهِ إلَّا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَقَالَ إذَا مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِنْ وَطَنِهِ إلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ» انْتَهَى ص (بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ الْبُكَاءُ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ نِيَاحَةٍ وَنَدْبٍ وَالْجَزَعُ وَضَرْبُ الْخَدِّ وَشَقُّ الثَّوْبِ حَرَامٌ انْتَهَى مِنْ آخِرِ بَابِ الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي حَدِيثِ الْوِسَادَةِ: قَوْلُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنِّي وَضَعْت رَأْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوِسَادَةِ وَقُمْت أَلْتَزِمُ مَعَ النِّسَاءِ الِالْتِزَامُ ضَرْبُ الْخَدِّ بِالْيَدِ وَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى الصُّرَاخِ وَالنَّوْحِ وَلَعْنَةِ الْحَالِقَةِ وَالْخَارِقَةِ وَالصَّالِقَةِ وَهِيَ الرَّافِعَةُ لِصَوْتِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ اللُّزُومَ لَكِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي حَالِ الْمُصِيبَةِ وَتَرْكُهُ أَحْمَدُ إلَّا عَلَى أَحْمَدَ وَالصَّبْرُ يُحْمَدُ فِي الْمَصَائِبِ كُلِّهَا ... إلَّا عَلَيْك فَإِنَّهُ مَذْمُومُ انْتَهَى. (قُلْت) وَفِيمَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. ص (وَجَمْعُ أَمْوَاتٍ بِقَبْرٍ لِضَرُورَةٍ وَوَلِيَ الْقِبْلَةَ الْأَفْضَلُ)

ش: وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِي قَبْرٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ مُوسَى إنْ جُمِعُوا فِي قَبْرٍ لِضَرُورَةٍ فَالرَّجُلُ لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّرْتِيبُ فِي تَعَدُّدِ قُبُورِهِمْ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَفِي تَقْدِيمِ أَخْيَارِهِمْ وَنَزَلَتْ هَذِهِ بِشَيْخِنَا ابْنِ هَارُونَ وَزَوْجَتِهِ وَحَضَرَهُ السُّلْطَانُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَسَأَلَ شَيْخَنَا السَّطِّيَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي تَعْيِينِ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْهُمَا فَقَالَ: الْأَمْرُ وَاسِعٌ وَفِيهَا إنْ دُفِنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي قَبْرٍ جُعِلَ الرَّجُلُ لِلْقِبْلَةِ قِيلَ: أَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ؟ . قَالَ مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِحَمْلِ مَنْفُوسِ النِّسَاءِ مَعَهَا إنَّ اسْتَهَلَّ جُعِلَ لِنَاحِيَةِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَإِلَّا أُخِّرَ عَنْهَا وَنُوِيَتْ بِالصَّلَاةِ دُونَهُ إنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَهَا وَلَوْ اسْتَهَلَّ انْتَهَى. (قُلْت) مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا هِيَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي أَوَاخِرِهِ وَنَقَصَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْهَا وَنَصُّهَا وَإِذَا دُفِنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ جُعِلَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ قِيلَ: فَهَلْ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ الصَّعِيدِ، أَوْ يُدْفَنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَعَصَبَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ زَوْجِهَا وَزَوْجُهَا أَحَقُّ مِنْهُمْ بِغُسْلِهَا وَإِدْخَالِهَا فِي قَبْرِهَا مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا فَإِنْ اُضْطُرُّوا إلَى الْأَجْنَبِيِّينَ جَازَ أَنْ يُدْخِلُوهَا فِي الْقَبْرِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ دَفْنَ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ إذَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَإِمَّا لِغَيْرِهَا فَلَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَعِيسَى انْتَهَى. الْجُزُولِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي دَفْنِ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ اخْتِيَارًا قِيلَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: يَجُوزُ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ فَمَكْرُوهٌ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَالشَّيْخُ دَاوُد وَقَالَ الشَّيْخُ وَيُكْرَهُ عِنْدَنَا دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ مِنْ ضِيقِ مَكَان، أَوْ تَعَذُّرِ حَافِرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ جَازَ انْتَهَى. اُنْظُرْ الْبُرْزُلِيُّ فِي الْجَنَائِزِ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ. (فَرْعٌ) وَيُجْمَعُ بَيْنَ مَيِّتَيْنِ فِي كَفَنٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ اُنْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ أَيْضًا فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ ص (وَبِصَلَاةٍ يَلِي الْإِمَامَ رَجُلٌ فَطِفْلٌ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُجْمَعَ الْجَنَائِزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ: يَعْنِي أَنَّ الْمُصَلِّينَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُفْرِدُوا كُلَّ جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ، أَوْ يُصَلُّوا عَلَيْهَا صَلَاةً وَاحِدَةً قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَيَلِي الْإِمَامَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْعَالِمُ وَالصَّالِحُ فَفِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ وَقَعَ التَّسَاوِي فَالْقُرْعَةُ بِاتِّفَاقٍ فَإِنْ تَفَاضَلَ الصِّغَارُ قُدِّمَ مَنْ عُرِفَ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَشَيْءٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ ثُمَّ مَنْ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ اهـ اُنْظُرْ الْفَاكِهَانِيَّ. ص (وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ بِلَا حَدٍّ) ش: قَالَ

فِي الْمَدْخَلِ فَصْلٌ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْ لِلْعَالِمِ أَنْ يَمْنَعَهُنَّ أَيْ النِّسَاءُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقُبُورِ وَإِنْ كَانَ لَهُنَّ مَيِّتٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ حَكَمَتْ بِعَدَمِ خُرُوجِهِنَّ وَذَكَرَ أَحَادِيثَ وَآثَارًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِهِنَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: بِالْمَنْعِ، وَالْجَوَازِ عَلَى مَا يُعْلَمُ فِي الشَّرْعِ مِنْ السَّتْرِ وَالتَّحَفُّظِ عَكْسُ مَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ. وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْمُتَجَالَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نِسَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَمَّا خُرُوجُهُنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَوْ مَنْ لَهُ مُرُوءَةٌ، أَوْ غَيْرَةٌ فِي الدِّينِ بِجَوَازِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَصِفَةُ السَّلَامِ عَلَى الْأَمْوَاتِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا والْمُسْتأْخِرينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ وَمَا زِدْت، أَوْ نَقَصْت فَوَاسِعٌ، وَالْمَقْصُودُ الِاجْتِهَادُ لَهُمْ فِي الدُّعَاءِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِي قِبْلَةِ الْمَيِّتِ وَيَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ فِي نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ إلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا حَضَرَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ الْمَشْرُوعَةَ، ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ بِمَا أَمْكَنَهُ انْتَهَى. وَقَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْعُلُومِ الْفَاخِرَةِ فِي النَّظَرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ: وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُبَاحُ لِلْقَوَاعِدِ وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّوَابِّ اللَّوَاتِي يُخْشَى عَلَيْهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَذَكَرَ أَحَادِيثَ تَقْضِي الْحَثَّ عَلَى زِيَارَةِ الْقُبُورِ مِنْ جُمْلَتِهَا عَنْ الْإِحْيَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ زَارَ أَبَوَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ وَكُتِبَ بَارًّا» وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الرَّجُلَ لِيَمُوتَ وَالِدَاهُ وَهُوَ عَاقٌّ لَهُمَا فَيَدْعُو اللَّهَ لَهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْبَارِّينَ» ثُمَّ قَالَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيَنْبَغِي لِمَنْ عَزَمَ عَلَى زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِهَا وَيُحْضِرَ قَلْبَهُ فِي إتْيَانِهَا وَلَا يَكُونَ حَظُّهُ التَّطْوَافَ عَلَى الْأَجْدَاثِ فَإِنَّ هَذِهِ حَالَةً تُشَارِكُهُ فِيهَا الْبَهِيمَةُ بَلْ يَقْصِدُ بِزِيَارَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِصْلَاحَ قَلْبِهِ وَنَفْعَ الْمَيِّتِ بِالدُّعَاءِ وَمَا يَتْلُو عِنْدَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُسَلِّمُ إذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ وَيُخَاطِبُهُمْ خِطَابَ الْحَاضِرِينَ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَنَّى بِالدَّارِ عَنْ عُمَّارِهَا، وَإِذَا وَصَلَ إلَى قَبْرِ مَعْرِفَتِهِ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَيَأْتِيهِ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَيَعْتَبِرُ بِحَالِهِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ بِزِيَارَتِنَا إيَّاكُمْ؟ . فَقَالَ: نَعْلَمُ بِهِ عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ كُلَّهُ وَيَوْمَ السَّبْتِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لِفَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعِظَمِهَا وَعَنْ ابْنِ وَاسِعٍ أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْأَرْوَاحَ تَزُورُ قُبُورَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الدَّوَامِ وَلِذَلِكَ تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبُكْرَةَ السَّبْتِ فِيمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَرْوَاحِ أَنَّهَا بِأَفْنِيَةِ الْقُبُورِ وَأَنَّهَا تَطْلُعُ بِرُؤْيَتِهَا وَأَنَّ أَكْثَرَ إطْلَاعِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ السَّبْتِ انْتَهَى. ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَاجْعَلُوا ثَوَابَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ فَإِنَّهُ يَصِلُ إلَيْهِمْ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» انْتَهَى. ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ أَيْضًا عَنْ

الْحَسَنِ قَالَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الدُّنْيَا وَهِيَ بِكَ مُؤْمِنَةٌ أَدْخِلْ عَلَيْهَا رُوحًا مِنْك وَسَلَامًا مِنِّي إلَّا كُتِبَ لَهُ بِعَدَدِهِمْ حَسَنَاتٌ انْتَهَى ص (وَقَلْمُ ظُفْرِهِ) ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ إذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ يُنَظِّفُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ بِعُودٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُقَلِّمُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَيُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِرَأْسِهِ وَيَتَرَفَّقُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجَ فِي الْمُشْطِ شَعْرٌ جَمَعَهُ وَأَلْقَاهُ فِي الْكَفَنِ لِيُدْفَنَ مَعَهُ انْتَهَى. ص (وَقِرَاءَةٌ عِنْدَ مَوْتِهِ كَتَجْمِيرِ الدَّارِ وَبَعْدَهُ عَلَى قَبْرِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجِّ: وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الْقِرَاءَةِ كَمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُدْفَنُ عِنْدَهُمْ، أَوْ يُدْفَنُونَ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ وُصُولِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ حَصَلَ الْخِلَافُ فِيهَا فَلَا يَنْبَغِي إعْمَالُهَا فَلَعَلَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُصُولُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، إنَّمَا هُوَ فِي أَمْرٍ هَلْ يَقَعُ كَذَلِكَ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ التَّهْلِيلُ الَّذِي عَادَةُ النَّاسِ يَعْمَلُونَهُ الْيَوْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ وَيُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْجُودُ وَالْإِحْسَانُ. هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْعِبَادِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا انْتَهَى بِلَفْظِهِ وَانْظُرْ هَلْ هَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ لِلْقَرَافِيّ، أَوْ أَوَّلُهُ فَقَطْ؟ . وَيُشِيرُ بِالتَّهْلِيلِ الْمَذْكُورِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ السَّنُوسِيُّ فِي آخِرِ شَرْحِ عَقِيدَتِهِ الصُّغْرَى وَفِي كِتَابِ الْعُلُومِ الْفَاخِرَةِ ص (كَتَجْمِيرِ الدَّارِ) ش: قَالَ سَنَدٌ: وَهَلْ تُجَمَّرُ الدَّارُ عِنْدَ الْمَوْتِ؟ . قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ هُوَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَرَّبَ إلَيْهِ الرَّوَائِحُ الطَّيِّبَةُ مِنْ بَخُورٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. ص (وَحَمْلُهَا بِلَا وُضُوءٍ) ش: هَكَذَا قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ

ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ وَلَا يُصَلَّى وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ فِي مَوْضِعِ الْجِنَازَةِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ أَشْهَبَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؛ قَالَ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ رِوَايَةَ أَشْهَبَ وَجَعَلَهُمَا الْمَازِرِيُّ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. (قُلْت) وَكُلٌّ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُكْرَهُ لِمَنْ يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا بِلَا صَلَاةٍ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَشْهَبَ ص (وَإِدْخَالُهُ بِمَسْجِدٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ رَوَى أَشْهَبُ أَكْرَهُ الدَّفْنَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إذَا دُفِنَ فِي الْمَسْجِدِ رُبَّمَا اتَّخَذَ مَسْجِدًا فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُعْبَدَ ذَلِكَ الْقَبْرُ. (قُلْت) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ قِيلَ: إنَّهَا نَجِسَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّضَاعِ وَقِيلَ: طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ هَلْ الْمَسْجِدُ فِيهِ ظَرْفٌ لِلْمُصَلِّي، أَوْ لِلْجِنَازَةِ فَيَكُونُ كَرَاهَةُ الدَّفْنِ لِأَجْلِ كَرَاهَةِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ فِي صَرْفِ الْأَحْبَاسِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ وَبِهِ عَمَلُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ خِلَافًا لِلْقَرَوِيِّينَ فَعَلَى قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ بِوَجْهٍ وَهَذَا فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ فِيهَا، وَأَمَّا لَوْ بُنِيَتْ لِوَضْعِ الْمَوْتَى فِيهَا صَحَّ إدْخَالُهَا وَالدَّفْنُ فِيهَا إنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ الَّتِي بُنِيَتْ بِالْمَقَابِرِ فَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: اخْتَلَفَ أَشْيَاخُنَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِيهَا فَمَنَعَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْكَاتِبِ انْتَهَى. ص (وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ) ش: قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ» وَلَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَدْخُلَ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَرِهَهُ عُلَمَاؤُنَا لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ وَحَرْفُ الْجَرِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِصَلَّى، أَوْ بِاسْمِ فَاعِلٍ مُضْمَرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَإِنَّمَا أَذِنَتْ عَائِشَةُ فِي الْمُرُورِ بِالْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا أَمِنَتْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ لِقُرْبِ مُدَّةِ الْمُرُورِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا لِاحْتِرَاسِهِ وَحَسْمِهِ لِلذَّرَائِعِ مَنَعَ مِنْ إدْخَالِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْتَرْسِلُونَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَنَعَتْ عَائِشَةُ مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ فِيهِ وَحَسْمُ الذَّرَائِعِ فِيمَا لَا يَكُونُ مِنْ اللَّوَازِمِ أَصْلٌ فِي الدِّينِ انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَمَلُ النَّاسِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْمَوْتَى بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءُ الْغَرَامِ فِي أَخْبَارِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ يُصَلُّونَ عَلَى الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ الْفَاسِيُّ وَمُرَادُهُ بِالْمَذْكُورِ الْمَشْهُورُ وَالنَّاسُ الْيَوْمَ يُصَلُّونَ عَلَى الْمَوْتَى جَمِيعًا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ النَّاسِ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا إنَّمَا يُصَلُّونَ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ عَلَى الْأَشْرَافِ وَقُرَيْشٌ أَدْرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَعْيَانِ وَبَعْضُ النَّاسِ تَسَامَحَ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ قُرَيْشٍ وَالْأَشْرَافِ وَفِي إخْرَاجِهِمْ مِنْ بَابِ السَّلَامِ وَلَمْ أَرَ فِي خُرُوجِهِمْ مِنْ بَابِ السَّلَامِ بِالْمَوْتَى مَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَعِنْدِي أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ طَرِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهِ خَدِيجَةَ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْمَوْتَى عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْت فِيهِ خَبَرًا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ يَقْتَضِي أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صُلِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا مَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ؛ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ خَلْفَ الْمَقَامِ عِنْدَ مَقَامِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُهُمْ يُصَلِّي عَلَيْهِ عِنْدَ بَابِ الْحَزْوَرَةِ وَهُمْ الْقُرَّاءُ الطُّرَحَاءُ وَذَلِكَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى ص (وَتَكْرَارُهَا)

ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَتَى وَقَدْ فَرَغَ النَّاسُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْقَبْرِ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى مَا جَاءَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ مَا لَمْ تَفُتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمْ يُسْتَحَبُّ التَّلَافِي فَقَطْ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ انْتَهَى. فَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا هُوَ إذَا صَلَّى عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ وَأَمَّا إذَا صَلَّى عَلَيْهَا وَاحِدٌ فَالْإِعَادَةُ مَطْلُوبَةٌ، إمَّا وُجُوبًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْقَائِلِ بِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا عَلَى طَرِيقَةِ اللَّخْمِيّ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالدُّعَاءُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِهَا بِإِمَامٍ شَرْطُ إجْزَاءٍ يَجِبُ تَلَافِيهَا مَا لَمْ تَفُتْ، أَوْ كَمَالٍ يُسْتَحَبُّ تَلَافِيهِ طَرِيقَا ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّامِلِ أَنَّ الْمَشْهُورَ كَرَاهَةُ تَكْرَارِهَا وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا مُنْفَرِدًا لِحِكَايَتِهِ هَذَا بِقِيلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا وَلَا تُكَرَّرُ تَكْرَارًا مَعَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا تَكْرَارُ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا وَبِالثَّانِي تَكْرِيرُهَا مِمَّنْ قَدْ صَلَّى وَفِيهِ تَكَلُّفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَزِيَادَةُ رَجُلٍ عَلَى خَمْسَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ، وَأَخْذُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ لَا يَلْزَمُ انْتَهَى. (قُلْت) صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَصُّهُ فِي بَابِ التَّحْنِيطِ وَالتَّكْفِينِ: وَمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ مَكْرُوهٌ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ غُلُوٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَغْلُوا فِي الْكَفَنِ» وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِي سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ الْمَرْأَةُ فِي عَدَدِ أَثْوَابِ الْكَفَنِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّجُلِ وَأَقَلُّهُ لَهَا خَمْسَةٌ وَأَكْثَرُهُ سَبْعَةٌ انْتَهَى ص (وَاجْتِمَاعُ نِسَاءٍ لِبُكَاءٍ وَلَوْ سِرًّا) ش قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ

الضَّرَرِ: وَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ لِلْبُكَاءِ بِالصُّرَاخِ الْعَالِي، أَوْ النَّوْحِ وَالنَّهْيُ فِيهِ قَائِمٌ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ قَبْلَ الدَّفْنِ، أَوْ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ مَعْنَى هَذَا مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ الزَّغْرَتَةِ عِنْدَ حَمْلِ جِنَازَةِ الصَّالِحِ، أَوْ فَرَحٍ يَكُونُ فَإِنَّهُ مِنْ مَعْنَى رَفْعِ النِّسَاءِ الصَّوْتَ، وَأَحْفَظُ لِلشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ الْقَرَوِيِّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهَا وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي الْجَنَائِزِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي الْمَوْتِ يُسَمَّى الْمَأْتَمَ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمَأْتَمُ فِي الْأَصْلِ مُجْتَمَعُ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي الْغَمِّ وَالْفَرَحِ، ثُمَّ خُصَّ بِهِ اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ لِلْمَوْتِ وَقِيلَ: هُوَ لِلشَّوَابِّ مِنْ النِّسَاءِ لَا غَيْرَ انْتَهَى. وَفِي الصِّحَاحِ: الْمَأْتَمُ عِنْدَ الْعَرَبِ النِّسَاءُ يَجْتَمِعْنَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْجَمْعُ الْمَآتِمُ وَعِنْدَ الْعَامَّةِ الْمُصِيبَةُ، يَقُولُونَ: كُنَّا فِي مَأْتَمِ فُلَانٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: فِي مَنَاحَةِ فُلَانٍ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَآثِمُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ، أَوْ هُوَ الْإِثْمُ نَفْسُهُ وَضْعًا لِلْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الِاسْمِ وَفِي الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ بَابِ مَنْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ: إنَّ تَحْرِيمَ النَّوْحِ كَانَ عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ فَلَا يُحْتَجُّ عَلَى إبَاحَتِهِ بِقَوْلِ أُمِّ الرَّبِيعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي عَنْ حَارِثَةَ إنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْت وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْت عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَلَا يُحْتَجُّ أَيْضًا بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ص (وَقِيَامٌ لَهَا) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ هُوَ تَصْرِيحٌ بِكَرَاهَةِ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَفَهِمَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ فِي حُكْمِ الْقِيَامِ قَوْلَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّ وُجُوبَهُ نُسِخَ لِلْإِبَاحَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نُسِخَ لِلنَّدْبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَعَلَى هَذَا فَلَا كَرَاهَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَرْوَحَ الْكَرَاهَةَ مِنْ قَوْلِهِ فَأَمَّا نَهْيُ، أَوْ بِمَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. (قُلْت) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَمِنْ كَلَامِ سَنَدٍ وَنَصِّ الْأَوَّلِ الْجُلُوسُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا لِمَنْ مَاتَ بِهِ وَالثَّانِي لِمَنْ يَتْبَعُ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى تُوضَعَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ جُلُوسَهُ نَاسِخٌ لِقِيَامِهِ وَاخْتَارُوا أَنْ لَا يَقُومَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّوْسِعَةِ، وَأَنَّ الْقِيَامَ فِيهِ أَجْرٌ وَحِكْمَةُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَوْلَى لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ فِيهِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَهُ وَذَكَرَ سَنَدٌ كَلَامَ الْبَاجِيِّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَيَعْضِدُهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَفِيهِ اجْلِسُوا خَالِفُوهُمْ وَهَذَا أَمْرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَقْتَضِيَ اسْتِحْبَابَ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَ الْمَاشِي قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ، وَلَا يَنْزِلَ الرَّاكِبُ حَتَّى تُوضَعَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ. ص (وَتَطْيِينُ قَبْرٍ وَتَبْيِيضُهُ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ، أَوْ تَحْوِيزٌ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ

وَجَازَ لِلتَّمْيِيزِ كَحَجَرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ تَطْيِينُ الْقَبْرِ أَيْ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ الطِّينُ وَالْحِجَارَةُ وَيُكْرَهُ تَبْيِيضُهُ بِالْجِيرِ وَالْجِبْسِ وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ وَالتَّحْوِيزُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَصَدَ الْمُبَاهَاةَ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ التَّبْيِيضِ، أَوْ التَّطْيِينِ فَذَلِكَ حَرَامٌ وَيَجُوزُ التَّحْوِيزُ الَّذِي لِلتَّمْيِيزِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ حَجَرٌ، أَوْ خَشَبَةٌ بِلَا نَقْشٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقُبُورِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ تَجْصِيصُ الْقُبُورِ وَهُوَ تَبْيِيضُهَا بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ وَقِيلَ: هُوَ الْجِيرُ، وَيُرْوَى فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ تَجْصِيصٌ وَهُمَا بِمَعْنَى تَبْيِيضِهَا أَيْضًا بِالْقَصَّةِ وَهِيَ الْجِيرُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُرَصَّصَ عَلَى الْقَبْرِ بِالْحِجَارَةِ وَالطِّينِ، أَوْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِطُوبٍ، أَوْ حِجَارَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنُهِيَ عَنْ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَالْكِتَابَةِ وَالتَّجْصِيصِ وَرَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُرَبَّعَ الْقُبُورُ، أَوْ يُبْنَى عَلَيْهَا، أَوْ يُكْتَبَ فِيهَا، أَوْ تُقَصَّصَ» وَرُوِيَ تُجَصَّصَ وَأَمَرَ بِهَدْمِهَا وَتَسْوِيَتِهَا ابْنُ حَبِيبٍ: تُقَصَّصَ، أَوْ تُجَصَّصَ يَعْنِي تُبَيَّضَ بِالْجِيرِ، أَوْ بِالتُّرَابِ الْأَبْيَضِ وَالْقَصَّةُ الْجِيرُ وَهُوَ الْجِبْسُ انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى قَالَ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا تَجْعَلُوا عَلَى قَبْرِي حَجَرًا قَالَ مَا أَظُنُّهُ مَعْنَاهُ إلَّا مِنْ فَوْقَ عَلَى وَجْهِ مَا يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ بِالْحِجَارَةِ وَقَدْ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْقَبْرِ يُجْعَلُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةُ تُرَصَّصُ عَلَيْهِ بِالطِّينِ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا يُجَيَّرُ وَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ بِطُوبٍ وَلَا حِجَارَةٍ ابْنُ رُشْدٍ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا الْبِنَاءُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْرِ وَالثَّانِي الْبِنَاءُ حَوَالَيْهِ فَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ فَمَكْرُوهٌ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْبِنَاءُ حَوَالَيْهِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْمَقْبَرَةِ مِنْ نَاحِيَةِ التَّضْيِيقِ فِيهَا عَلَى النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَمْلَاكِ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: كَرِهَ مَالِكٌ تَجْصِيصَ الْقُبُورِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاهَاةِ وَزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتِلْكَ مَنَازِلُ الْآخِرَةِ وَلَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلْمُبَاهَاةِ وَإِنَّمَا يُزَيِّنُ الْمَيِّتَ عَمَلُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي تَسْنِيمِهَا وَالْحِجَارَةِ الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلَدِهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِيهِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ: تَسْنِيمُ الْقَبْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ رُفِعَ فَلَا بَأْسَ يُرِيدُ أَنْ يُزَادَ عَلَى التَّسْنِيمِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ: وَقَبْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُسَنَّمَةٌ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَكَانَ قَبْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْبُخَارِيِّ: رَأَيْتنِي وَنَحْنُ شُبَّانُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى يُجَاوِزَهُ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ أَشْهَبُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ رُفِعَ فَلَا بَأْسَ يُرِيدُ وَيُمْنَعُ مِنْ بِنَاءِ الْبُيُوتِ عَلَى الْمَوْتَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاهَاةٌ وَلَا يُؤْمَنُ لِمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْفَسَادِ وَقِيلَ: لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الرَّجُلِ يُوصِي أَنْ يُبْنَى عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ. يُرِيدُ بِنَاءَ الْبُيُوتِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَائِطِ الْيَسِيرِ الِارْتِفَاعِ لِيَكُونَ حَاجِزًا بَيْنَ الْقُبُورِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ عَلَى الْإِنْسَانِ مَوْتَاهُ مَعَ غَيْرِهِمْ لِيَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ وَيَجْمَعَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفِنَ فِي مَقْبَرَةِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ اُضْطُرَّ لَمْ يُمْنَعْ؛ لِأَنَّ الْجَبَّانَةَ أَحْبَاسٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ وَيُمْنَعُ مَعَ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ أَغْرَاضًا فِي صِيَانَةِ مَوْتَاهُمْ وَتَعَاهُدِهِمْ بِالتَّرَحُّمِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَمِنْ السُّنَّةِ تَسْنِيمُ الْقَبْرِ وَلَا يُرْفَعُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا فَأَمَّا بُنْيَانُهُ وَرَفْعُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَاةِ فَمَمْنُوعٌ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّمَا كَرِهَ أَنْ يُرَصَّصَ عَلَى الْقَبْرِ بِالْحِجَارَةِ، أَوْ الطِّينِ، أَوْ الطُّوبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا بِهَذِهِ الْحِجَارَةِ، أَوْ الطِّينِ، أَوْ الطُّوبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: هُوَ رَفْعُهَا وَتَعْظِيمُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي بِنَاءِ الْبُيُوتِ عَلَيْهَا إذَا

كَانَتْ فِي غَيْرِ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ وَفِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ فَأَبَاحَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَيُنْهَى عَنْ بِنَائِهَا يَعْنِي الْقُبُورَ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي الْمُبَاهَاةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَعَ الْقَصْدِ، وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ، أَوْصَى أَنْ يُبْنَى عَلَى قَبْرِهِ بَيْتٌ أَنَّهُ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ وَظَاهِرُ هَذَا التَّحْرِيمُ وَإِلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ وَنُهِيَ عَنْهَا ابْتِدَاءً وَأَمَّا الْبِنَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْمُبَاهَاةِ فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ بِهِ تَمْيِيزَ الْمَوْضِعِ حَتَّى يَنْفَرِدَ بِحِيَازَتِهِ فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ بِهِ تَمْيِيزَ الْقَبْرِ عَنْ غَيْرِهِ فَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الْمَذْهَبِ قَوْلَيْنِ: الْكَرَاهَةَ - وَأَخَذَهَا مِنْ إطْلَاقِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ - وَالْجَوَازَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنَّمَا كَرِهَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْبِنَاءَ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ عَلَامَةٌ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُكْرَهُ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْإِنْسَانُ قَبْرَ وَلِيِّهِ وَيَمْتَازُ بِهِ الْقَبْرُ حَتَّى يُحْتَرَمَ وَلَا يُحْفَرَ عَلَيْهِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْرٍ ثَانٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُبَاهَاةِ حَرُمَ وَإِنْ كَانَ لِقَصْدِ التَّمْيِيزِ فَقَوْلَانِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ الْبِنَاءَ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْمُبَاهَاةُ، أَوْ التَّمْيِيزُ، أَوْ لَا يُقْصَدَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ حَرَامٌ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ الْحَيِّ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَكْلٍ وَلِبَاسٍ وَرُكُوبٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِي كَرَاهَتِهِ وَإِبَاحَتِهِ وَالثَّالِثُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَرًا بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» وَأَمَّا تَحْوِيزُ مَوْضِعِ الدَّفْنِ بِبِنَاءٍ فَقَالُوا: إنَّهُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُرْفَعْ فِيهِ إلَى قَدْرٍ يَأْوِي إلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَهْلُ الْفَسَادِ وَإِنْ فُعِلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُزَالُ مِنْهُ مَا يَسْتُرُ أَهْلَ الْفَسَادِ وَيُتْرَكُ بَاقِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّ الْبِنَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِقَصْدِ الْمُبَاهَاةِ، أَوْ التَّمْيِيزِ، أَوْ لَا يُقْصَدُ بِهِ شَيْءٌ وَالْأَوَّلُ حَرَامٌ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَالثَّالِثُ مَكْرُوهٌ وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ ابْنُ بَشِيرٍ وَالْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ وَاخْتَارَ الْكَرَاهَةَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَوَازَ فِي غَيْرِهَا قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ التَّمْيِيزِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَإِنَّمَا كَرِهَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْبِنَاءَ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَلَامَةُ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُكْرَهُ مَا قَصَدَ بِهِ مَعْرِفَةَ قَبْرِ وَلِيِّهِ؟ وَلَمْ يَجْزِمْ ابْنُ بَشِيرٍ بِتَحْرِيمِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَلْ قَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ إلَى قَوْلِهِ لَنَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَجَازَ عُلَمَاؤُنَا رَكْزَ حَجَرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْقُوشًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَضَعَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ حَجَرًا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةٌ وَيَكْتُبُ فِيهَا، وَأَمَّا تَحْوِيزُ مَوْضِعِ الدَّفْنِ بِبِنَاءٍ وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّنْبِيهَاتِ اُخْتُلِفَ فِي بِنَاءِ الْبُيُوتِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ فَأَبَاحَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَ غَيْرُهُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ كَالْقَرَافَةِ الَّتِي بِمِصْرَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْبِنَاءُ مُطْلَقًا وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِهَدْمِهَا حَتَّى يَصِيرَ طُولُهَا عَرْضًا وَسَمَاؤُهَا أَرْضًا، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ: الْبِنَاءُ فِي الْقُبُورِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إذَا كَانَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُرْصَدَةً فَلَا يَحِلُّ الْبِنَاءُ فِيهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ الْقَرَافَةَ بِمِصْرَ لِدَفْنِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الْبِنَاءَ بِهَا مَمْنُوعٌ، وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الثِّقَاتِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ السُّلْطَانَ الظَّاهِرَ أَمَرَ بِاسْتِفْتَاءِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِهِ فِي هَدْمِ مَا بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ فَاتَّفَقُوا عَلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَهْدِمَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَلِّفَ أَصْحَابَهُ رَمْيَ تُرَابِهَا فِي الْكِيمَانِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ سَافَرَ إلَى الشَّامِ فَلَمْ يَرْجِعْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَمَّا تَجْصِيصُ الْقُبُورِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ إلَّا

مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ تَطْيِينَ الْقَبْرِ أَيْ جَعْلَ الطِّينِ عَلَيْهِ وَالْحِجَارَةِ مَكْرُوهٌ وَكَذَلِكَ تَبْيِيضُهُ وَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ التَّحْوِيزُ حَوَالَيْهِ بِبَيْتٍ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الْمُبَاهَاةَ وَلَا التَّمْيِيزَ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُبَاهَاةَ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ حَوَالَيْهِ، أَوْ تَبْيِيضِهِ، أَوْ تَطْيِينِهِ حَرُمَ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بُوهِيَ بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَذْكُورِ جَمِيعِهِ قَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِهِ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ عَلَى الْمَذْكُورِ فِيهِ أَيْ وَإِنْ قَصَدَ الْمُبَاهَاةَ بِالْبِنَاءِ، أَوْ التَّحْوِيزِ، أَوْ التَّبْيِيضِ حَرُمَ؛ لِأَنَّ زِينَةَ الدُّنْيَا ارْتَفَعَتْ بِالْمَوْتِ انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ الْحَيِّ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَجَازَ لِلتَّمْيِيزِ أَيْ وَجَازَ التَّحْوِيزُ لِلتَّمْيِيزِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْ وَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ وَالتَّحْوِيزُ عَلَيْهِ لِلتَّمْيِيزِ أَمَّا التَّحْوِيزُ لِلتَّمْيِيزِ فَقَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ نَفْسِهِ لِلتَّمْيِيزِ فَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّحْوِيزَ لِلتَّمْيِيزِ يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً، أَوْ مُبَاحَةً، أَوْ مُسَبَّلَةً لِلدَّفْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِمَّا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ عَنْهُ وَعَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَنَصُّهُ: وَكَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَسْأَلُهُ فِيمَا اُبْتُدِعَ مِنْ بِنَاءِ السَّقَائِفِ وَالْقُبَبِ وَالرَّوْضَاتِ عَلَى مَقَابِرِ الْمَوْتَى وَخُولِفَتْ فِيهِ السُّنَّةُ فَقَامَ بَعْضُ مَنْ بِيَدِهِ أَمْرٌ فِي هَدْمِهَا وَتَغْيِيرِهَا وَحَطِّ سَقْفِهَا وَمَا أُعْلِيَ مِنْ حِيطَانِهَا إلَى حَدِّهَا هَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ جُدْرَانِهَا مَا يَمْنَعُ دُخُولَ الدَّوَابِّ أَمْ لَا قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ؟ . وَلَا يَتْرُكُ مِنْهَا إلَّا مَا أَبَاحَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ الْجِدَارِ الْيَسِيرِ لِتُمَيَّزَ بِهِ قُبُورُ الْأَهْلِينَ وَالْعَشَائِرِ لِلتَّدَافُنِ، وَكَيْفَ إنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لِبَقَاءِ جِدَارِي مَنْفَعَةٌ لِصِيَانَةِ مَيِّتٍ لِئَلَّا يُتَطَرَّفَ إلَيْهِ لِلْحَدَثِ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْهَا بِقُرْبِ الْعِمَارَةِ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ مَنْ يُوجِبُ أَنْ يَتْرُكَ عَلَيْهَا مِنْ الْجُدْرَانِ أَقَلَّ مَا يَمْنَعُ هَذَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْعَامَّ بِظُهُورِ الْبِدْعَةِ فِي بِنَائِهَا، أَوْ تَعْلِيَتِهَا أَعْظَمُ وَأَشَدُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ اسْتِتَارُ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ فِيهَا بَعْضَ الْأَحْيَانِ وَذَلِكَ أَضَرُّ بِالْحَيِّ وَالْمَيِّتِ مِنْ الْحَدَثِ عَلَيْهِ، وَمُرَاعَاةُ أَشَدِّ الضَّرَرَيْنِ وَأَخَفِّهِمَا مَشْرُوعٌ، بَيِّنْهُ وَجَاوِبْ عَلَيْهِ مَشْكُورًا مَأْجُورًا وَالسَّلَامُ فَأَجَابَ: تَصَفَّحْت سُؤَالَك الْوَاقِعَ فَوْقَ هَذَا وَوَقَفْت عَلَيْهِ وَمَا يُبْنَى مِنْ السَّقَائِفِ وَالْقُبَبِ وَالرَّوْضَاتِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ هَدْمُهَا وَاجِبٌ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ مِنْ حِيطَانِهَا إلَّا قَدْرُ مَا يُمَيِّزُ بِهِ الرَّجُلُ قُبُورَ قَرَابَتِهِ وَعَشِيرَتِهِ مِنْ قُبُورِ سِوَاهُمْ لِئَلَّا يَأْتِيَ مَنْ يُرِيدُ الدَّفْنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَنْبُشُ قَبْرَ امْرَأَتِهِ وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ مَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى بَابٍ، ثُمَّ سَأَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ نَقْضِ هَذِهِ الْأَبْنِيَةِ هَلْ هِيَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَنَاهَا بَانِيهَا فِي الْحَبْسِ وَقَدْ عَلِمْت مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْخِلَافِ أَمْ تُرْجَعُ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَهَذَا حَبْسٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَلَا مَشْرُوعٍ بَلْ هُوَ مَحْظُورٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهُوَ رَدٌّ فَأَرَدْت جَوَابَك فَأَجَابَ: النَّقْضُ لِأَرْبَابِهِ الَّذِي بَنَوْهُ لَا يَكُونُ حَبْسًا كَالْمَقْبَرَةِ الَّتِي جُعِلَ فِيهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي نَقْضِ مَا يُبْنَى فِي الْحَبْسِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ أَجْوِبَتِهِ وَنَقْضُ مَا يُبْنَى فِي الرَّوْضَاتِ لَا يَلْحَقُ بِالْحَبْسِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ انْتَهَى. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ قَبْرٍ عَلَا بِنَاؤُهُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَشْبَارٍ وَأَزْيَدَ هَلْ يَجِبُ هَدْمُهُ وَتُغَيَّرُ بِدْعَتُهُ، وَكَيْفَ إنْ شَكَا بَعْضُ جِيرَانِهِ أَنَّهُ يَسْتُرُ بَابَ فُنْدُقِهِ عَنْ بَعْضِ الْوُرَّادِ وَيَمْنَعُهُ النَّظَرَ لِلْجُلَّاسِ فِي أُسْطُوَانَتِهِ هَلْ لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ فِيهِ حُجَّةٌ؛ إذْ يَقُولُ مَنَعْتَنِي مَنْفَعَتِي لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ بَلْ لِمَا لَا يَجُوزُ وَهَلْ لِأَوْلِيَاءِ الْقَبْرِ حُجَّةٌ فَيَجُوزَ لَهُمْ بِنَاؤُهُ وَكَيْفَ إنْ كَانَ بِنَاؤُهُ قَبْلَ بِنَاءِ الْفُنْدُقِ فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ وَيُهْدَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَوَالَيْهِ كَالْبَيْتِ يُبْنَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ وَحَقِّهِ

فَلَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرْت مِنْ حُجَّةِ صَاحِبِ الْفُنْدُقِ الْمُوَاجِهِ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فَوْقَ هَذَا أَنَّ هَدْمَهُ وَاجِبٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ لِتَمْيِيزِ الْقُبُورِ جَائِزٌ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ كَالْقَرَافَةِ بِمِصْرَ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ بِهَا مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا لِتَمْيِيزِ قُبُورِ الْأَهْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا كَلَامُهُ فِي بِنَاءِ الْبُيُوتِ وَالْقُبَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ الْبِنَاءَ لِلتَّحْوِيزِ جَائِزٌ وَقَبِلَهُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ وَكَلَامُ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَقْوَى فِي الْمَنْعِ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ. (قُلْت) هَذَا فِي غَيْرِ الْمَقْبَرَةِ الْمُحْبَسَةِ لِدَفْنِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْوُلَاةِ مَنْ يَهْدِمُ بِمَكَّةَ مَا بُنِيَ بِهَا وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْهَدْمَ. (قُلْت) فَلَا يَجُوزُ التَّضْيِيقُ فِيهَا بِبِنَاءٍ يَحُوزُ فِيهِ قَبْرًا وَلَا غَيْرَهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ غَيْرُ الدَّفْنِ فِيهَا خَاصَّةً وَقَدْ أَفْتَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ جُلَّةِ الْعُلَمَاءِ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ وَأَلْزَمَ الْبَانِينَ حَمْلَ أَنْقَاضِهَا وَإِخْرَاجَهُ عَنْهَا وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ إلَى صُورَةِ مَسْجِدٍ بُنِيَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ الصُّغْرَى فَجَلَسَ فَقِيلَ: لَهُ أَلَا صَلَّيْت التَّحِيَّةَ؟ . فَقَالَ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْجِدٍ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ هُوَ الْأَرْضُ وَالْأَرْضُ مُسَبَّلَةٌ لِدَفْنِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ بَالَغَ فِي إنْكَارِ الْبِنَاءِ وَذَكَرَ الْمَفَاسِدَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ الْمُتَقَدِّمُونَ أَعْنِي اللَّخْمِيَّ وَابْنَ رُشْدٍ وَعِيَاضًا وَابْنَ بَشِيرٍ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ أَبَاحَهُ الْعُلَمَاءُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمَازِرِيِّ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا لَوْ بُنِيَ بَيْتٌ وَحَائِطٌ جُعِلَ لِلْقَبْرِ لِيَصُونَهُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: جَائِزٌ إلَّا أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ مُبَاحٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَا أَعْرِفُ مَنْ قَالَ بِهِ إلَّا اللَّخْمِيَّ قَالَ يُمْنَعُ بِنَاءُ الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاهَاةٌ وَلَا يُؤْمَنُ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمُتَقَدِّمَ انْتَهَى. (قُلْت) بَلْ فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اللَّخْمِيّ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِالْمَنْعِ فَقَدْ تَلَقَّاهُ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ بِالْقَبُولِ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي تَقَدَّمَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَنَصُّ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَائِطِ الْيَسِيرِ الِارْتِفَاعِ يَكُونُ حَاجِزًا بَيْنَ الْقُبُورِ؛ لِئَلَّا تَخْتَلِطَ عَلَى النَّاسِ قُبُورُهُمْ وَأَشَارَ ابْنُ الْقَصَّارِ إلَى أَنَّ الْبِنَاءَ الْمَكْرُوهَ عَلَيْهَا، أَوْ حَوْلَهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ؛ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَأَمَّا الْبِنَاءُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ جَائِزٌ وَهُوَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ ظَاهِرُهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبِنَاءَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُبَاحُ مَوَاتًا، أَوْ مَقْبَرَةً مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَتَأَمَّلْهُ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبِنَاءَ حَوْلَ الْقَبْرِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَانِي، أَوْ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ، أَوْ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، أَوْ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِلدَّفْنِ مُصَرَّحٌ بِوَقْفِيَّتِهَا، أَوْ فِي أَرْضٍ مُرْصَدَةٍ لِدَفْنِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ مُسَبَّلَةٍ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَانِي فَلَا يَخْلُو الْبِنَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لِلتَّمْيِيزِ كَالْحَائِطِ الصَّغِيرِ الَّذِي يُمَيِّزُ بِهِ الْإِنْسَانُ قُبُورَ أَوْلِيَائِهِ، أَوْ يَكُونَ كَثِيرًا كَبَيْتٍ، أَوْ قُبَّةٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ وَالْكَثِيرُ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْمُبَاهَاةُ، أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ يَسِيرًا لِلتَّمْيِيزِ فَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَقُصِدَ بِهِ الْمُبَاهَاةُ فَهُوَ حَرَامٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْمُبَاهَاةُ؛ فَقَدْ قَالَ ابْنِ الْقَصَّارِ هُوَ جَائِزٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ أَفْتَى أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ وَأَمَّا الْأَرْضُ

ضرب الفسطاط على قبر المرأة

الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْبَانِي فَحُكْمُهَا كَالْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا أَذِنَ رَبُّهَا وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ إذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْبِنَاءُ بِأَحَدٍ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ لِلدَّفْنِ فَلَا يَخْلُو الْبِنَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جِدَارًا صَغِيرًا لِلتَّمْيِيزِ، أَوْ بِنَاءً كَبِيرًا كَالْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالْحَائِطِ الْكَبِيرِ. فَأَمَّا الْجِدَارُ الصَّغِيرُ لِلتَّمْيِيزِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ: إنَّهُ جَائِزٌ وَأَبَاحَهُ الْعُلَمَاءُ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ: الْحَدُّ فِي ذَلِكَ مَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا الْبِنَاءُ الْكَثِيرُ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَأَمَّا الْأَرْضُ الْمُرْصَدَةُ لِدَفْنِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَوْقُوفَةِ بَلْ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي الْمَدْخَلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَبَاحَ الْبِنَاءَ حَوْلَ الْقَبْرِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ صَالِحًا، أَوْ عَالِمًا، أَوْ شَرِيفًا، أَوْ سُلْطَانًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَوَازُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْحَاكِمِ وَنَصُّهُ: وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ إثْرَ تَصْحِيحِهِ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنْ الْبِنَاءِ وَالْكَتْبِ عَلَى الْقَبْرِ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْجَنَائِزِ وَقَالَ عَقِبَهُ: قُلْت فَيَكُونُ إجْمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَنَدُوا إلَى حَدِيثٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَفِي فَتَاوَى ابْنِ قَدَّاحٍ: إذَا جُعِلَ عَلَى قَبْرِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَخَفِيفٌ انْتَهَى. لِأَنَّ كَلَامَ الْحَاكِمِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَتْبِ عَلَى الْقَبُورِ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَتْبِ، وَنَصُّ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِهِ: لَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقُبُورِ بِحَجَرٍ وَلَا بِجِيرٍ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ حَجَرٌ لِيَكُونَ عَلَامَةً عَلَيْهِ. وَهَلْ يُكْتَبُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ . لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ وَعُمِلَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَخَفِيفٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي كِتَابِ الْفُرُوعِ: قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ يَعْنِي فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ فَهُوَ عَاصٍ قَالَ وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ أَنَّ مَا بُنِيَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَقْفِهِ فَإِنَّ وَقْفَهُ بَاطِلٌ، وَأَنْقَاضُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ وَيُؤْمَرُ بِنَقْلِهَا مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَيَسْتَأْجِرُ الْقَاضِي عَلَى نَقْلِهَا مِنْهَا، ثُمَّ يُصْرَفُ الْبَاقِي فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى [ضَرْبُ الْفُسْطَاطِ عَلَى قَبْرِ الْمَرْأَةِ] (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ضَرْبُ الْفُسْطَاطِ عَلَى قَبْرِ الْمَرْأَةِ أَجْوَزُ مِنْهُ عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ؛ لِمَا يَسْتُرُ مِنْهَا عِنْدَ إقْبَارِهَا وَقَدْ ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى قَبْرِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَمَّا عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ فَأُجِيزَ وَكُرِهَ وَمَنْ كَرِهَهُ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ جِهَةِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَكَرِهَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَدْ ضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَبْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَرَاهُ وَاسِعًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَيُبَاتَ فِيهِ إذَا خِيفَ مِنْ نَبْشٍ، أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: ضَرْبُ الْخِبَاءَ عَلَى الْقَبْرِ فِيهِ قَوْلَانِ: بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ فَإِنْ، أَوْصَى بِهِ أُنْفِذَ لِلْخِلَافِ وَكَذَلِكَ إذَا، أَوْصَى بِأُجْرَةٍ لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ كَالْأُجْرَةِ عَلَى الْحَجِّ انْتَهَى [يَحْفِرَ قَبْرًا لِيُدْفَنَ فِيهِ] (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ قَبْرًا لِيُدْفَنَ فِيهِ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ سَبَقَ كَانَ أَوْلَى بِالْمَوْضِعِ مِنْهُ وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَصْبَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ حُفِرَ لَهُ انْتَهَى مِنْ فَصْلِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٌ: وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ يَعْنِي حَفْرَ قَبْرٍ لِلْحَيِّ ابْتِدَاءً وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَمُوتُ هُنَا أَمْ لَا وَقَدْ يَمُوتُ بِغَيْرِهِ وَيَحْسَبُ غَيْرُهُ أَنَّ فِي هَذَا الْقَبْرِ أَحَدًا فَيَكُونُ غَاصِبًا لِذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ «مَنْ غَصَبَ

دفن في مقبرة غيره من غير اضطرار

شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ. [دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ غَيْره مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ] (الرَّابِعُ) إذَا دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَوَقَعَ ذَلِكَ وَنَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ بَلْ هِيَ حَبْسٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ حَفَرَ قَبْرًا لِلْمَيِّتِ فَدُفِنَ غَيْرُهُ فِيهِ: إنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَأَحْرَى مَسْأَلَتُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ الشَّبِيبِيَّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. [الْمُعَلَّاةَ وَالشَّبِيكَةَ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبَّلَةِ] (الْخَامِسُ) لَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَلَّاةَ وَالشَّبِيكَةَ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبَّلَةِ الْمُرْصَدَةِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ وَأَنَّ الْبِنَاءَ بِهِمَا لَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ هَدْمُهُ يَدُلُّ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْآتِي بَلْ لِلْمُعَلَّاةِ زِيَادَةُ خُصُوصِيَّةٍ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِي فَضْلِهَا وَتَسْمِيَتِهَا مَقْبَرَةً فَقَدْ رَوَيْنَا فِي تَارِيخِ الْأَزْرَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «نِعْمَ الْمَقْبَرَةُ هَذِهِ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ» قَالَ وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «نِعْمَ الشَّعْبُ وَنِعْمَ الْمَقْبَرَةُ» وَأَمَّا مَا يُقَالُ: إنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْقَفَهَا فَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ لِلدَّفْنِ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ فَإِنَّ الزَّرْكَشِيَّ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْخَادِمِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُورِ قَالَ الْحَاوِي بَعْدَ ذِكْرِهِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيُهْدَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَأَيْت الْوُلَاةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِيهَا وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى الْقَرَافَةِ وَهَلْ هِيَ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ مُرْصَدَةٌ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ص (كَحَجَرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ حَجَرًا، أَوْ خَشَبَةً بِلَا نَقْشٍ لِتَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ: كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةً يَكْتُبُ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ بَأْسًا يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِيهِ انْتَهَى. وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مُسْتَحَبًّا وَنَصُّهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَلَّمَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِحَجَرٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا أَنْ دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ حَمَلَهُ فَوَضَعَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخِي أَزُورُهُ وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» انْتَهَى. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ فِي طَرَفِ الْقَبْرِ عَلَامَةً لِيُعْرَفَ بِهِ أَنَّ فِيهِ قَبْرًا وَلِيَعْرِفَ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ فَأَمَّا الْحِجَارَةُ الْكَثِيفَةُ وَالصَّخْرُ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ؛ فَلَا خَيْرَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِلَا نَقْشٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ: وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةٌ وَيُكْتَبَ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي ذَلِكَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَبْرِ وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ الْبَلَاطَةُ الْمَكْتُوبَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا أَهْلُ الطَّوْلِ مِنْ إرَادَةِ الْفَخْرِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالسُّمْعَةِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا فَأَمْرٌ قَدْ عَمَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ تَسَامَحَ النَّاسُ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا التَّعْلِيمُ لِلْقَبْرِ لِئَلَّا يَدَّثِرَ انْتَهَى ص (وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ فَقَطْ وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) ش: وَلَا يُحَنَّطُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ سَبَبِهِمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِمْ وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ عَنْ فَرَسِهِ فَانْدَقَّ عُنُقُهُ، أَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ، أَوْ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ شَهِيدٌ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَالشَّهِيدُ مَنْ مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْعَدُوِّ فَقَطْ لَا بَيْنَ لُصُوصٍ، أَوْ فِتْنَةٍ بَيْنَ

الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي دَفْعِهِ عَنْ حَرِيمِهِ وَإِنْ صَبِيًّا، أَوْ امْرَأَةً وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، أَوْ هُوَ نَائِمٌ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُهُ، أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَيِّتًا وَلَيْسَ فِيهِ جِرَاحٌ، أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ وَلَمْ يَحْيَ لِحَيَاةٍ بَيِّنَةٍ، أَوْ رُفِعَ مَغْمُورًا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ حُمِلَ لِأَهْلِهِ فَمَاتَ فِيهِمْ، أَوْ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ، أَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَجُهِلَ قَاتِلُهُ، أَوْ تُرِكَ فِي الْمَعْرَكَةِ حَتَّى مَاتَ فَكَغَيْرِ الشَّهِيدِ إلَّا مَنْ عُوجِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ سَحْنُونٌ وَإِنْ جُهِلَ قَاتِلُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الرَّمْيِ بِالنَّارِ وَالْحِجَارَةِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ بِحَجَرٍ، أَوْ بِعَصًا، أَوْ خَنَقُوهُ حَتَّى مَاتَ، أَوْ قَتَلُوهُ أَيَّ قِتْلَةٍ كَانَتْ فِي مَعْرَكَةٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَعْرَكَةٍ فَهُوَ كَالشَّهِيدِ فِي الْمُعْتَرَكِ وَلَوْ أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْإِسْلَامِ فَدَافَعُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ كَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَالشَّهِيدِ فِي الْمَعْرَكَةِ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَوْ قَتَلُوهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي غَيْرِ مُلَاقَاةٍ وَلَا مُعْتَرَكٍ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ هُمْ كَالشُّهَدَاءِ فِي الْمُعْتَرَكِ حَيْثُمَا نَالَهُمْ الْقَتْلُ، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ وَبِهِ أَقُولُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيَّةً، أَوْ صَبِيًّا وَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ هُوَ وِفَاقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا، أَوْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي الْمُعْتَرَكِ، أَوْ مَاتَ بِغَرَقٍ، أَوْ هَدْمٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي دَفْعِهِ إيَّاهُمْ عَنْ حَرِيمِهِ ابْنُ سَحْنُونٍ وَلَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُعْتَرَكِ مُسْلِمًا ظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ الْعَدُوِّ، أَوْ دَرَسَتْهُ الْخَيْلُ مِنْ الرِّجَالِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ انْتَهَى. (فَوَائِدُ الْأُولَى) قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَاَلَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ: الْمَطْعُونُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الطَّاعُونِ وَالْغَرِيقُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ غَرَقًا فِي الْمَاءِ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ هُوَ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ وَرَمٌ يَعْرِضُ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ لِلْأَضْلَاعِ وَالْمَبْطُونُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ: هُوَ صَاحِبُ الْإِسْهَالِ وَقِيلَ: الْمَجْنُونُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ بِمَرَضِ بَطْنِهِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ وَفِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ لِأَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ شَيْخِهِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ صَاحِبُ الْقُولَنْجِ، وَالْحَرِقُ الَّذِي يُحْرَقُ فِي النَّارِ فَيَمُوتُ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تَمُوتُ بِجُمْعٍ هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ مِنْ الْوِلَادَةِ سَوَاءٌ أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا أَمْ لَا وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ فِي النِّفَاسِ وَوَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ عَذْرَاءَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ بَقِيَ مِنْ الشُّهَدَاءِ صَاحِبُ السِّلِّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْغَرِيبُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالصَّابُونِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَاحِبُ الْحُمَّى رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَاللَّذِيعُ وَالشَّرِيقُ الَّذِي تَفْتَرِسُهُ السِّبَاعُ وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْمُتَرَدِّي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْمَيِّتُ عَلَى فِرَاشِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَقْتُولُ دُونَ مَالِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ أَهْلِهِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ دُونَ مَظْلَمَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْمَيِّتُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حُبِسَ ظُلْمًا رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَالْمَيِّتُ عِشْقًا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَالْمَيِّتُ وَهُوَ طَالِبٌ لِلْعِلْمِ رَوَاهُ الْبَزَّازُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي الَّذِي يَقْتُلُهُ اللُّصُوصُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ شَهِيدٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا دُونَ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَمَنْ غَرِقَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ وَكُلُّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَلَهُ أَجْرُ شَهَادَتِهِ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَاتَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ كَانَ قَوْمٌ فِي مَعْصِيَةٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ الْبَيْتُ فَلَهُمْ الشَّهَادَةُ وَعَلَيْهِمْ الْمَعْصِيَةُ انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ

«أَنَّ أُمَّ خَلَّادٍ جَاءَتْ مُنْتَقِبَةً تَسْأَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ابْنِهَا وَهُوَ مَقْتُولٌ فَقَالَ لَهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ: جِئْت تَسْأَلِي عَنْ ابْنَكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ فَقَالَتْ: إنْ أُرْزَأُ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ أَحِبَّائِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُك لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ قَالَتْ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ . قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ» انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا الْغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. (الثَّالِثَةُ) الشَّهِيدُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَعَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ: لِأَنَّهُ حَيٌّ فَرُوحُهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وَرُوحُ غَيْرِهِ إنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ وَقِيلَ: لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّ تَشْهَدُ بِصِدْقِ نِيَّتِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ مَعَهُ شَاهِدًا وَهُوَ الدَّمُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ وَدَمُهُ يَثْعَبُ وَقِيلَ: لِأَنَّ دَمَهُ يَشْهَدُ عَلَى الْأَلَمِ وَعَلَى هَذَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهَذَا السَّبَبِ. وَالشُّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ: شَهِيدُ حَرْبِ الْكُفَّارِ لَهُ أَحْكَامُ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا وَفِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ. وَالثَّانِي: شَهِيدٌ فِي الثَّوَابِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُمْ الْمَبْطُونُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ. وَالثَّالِثُ: مَنْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ وَشِبْهُهُ فَلَهُ حُكْمُ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُمْ الثَّوَابُ الْكَامِلُ ص (وَإِنْ أَجْنَبَ عَلَى الْأَحْسَنِ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِ دَمِهِ كَالرَّوْثِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُغَسَّلُ اعْتِبَارًا بِالْجَنَابَةِ وَمَا قُلْنَاهُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ الْإِبْعَادُ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ فِي الدَّمِ خَاصَّةً؛ وَلِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى خَصْمِهِ فَتُرِكَ لِذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَاعْتِبَارًا بِمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ جِلْدُ خِنْزِيرٍ، أَوْ جِلْدُ مَيْتَةٍ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ إجْمَاعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى ص (وَدُفِنَ بِثِيَابِهِ إنْ سَتَرَتْهُ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَنْزِعَ ثِيَابَهُ وَيُكَفِّنَهُ بِغَيْرِهَا وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ هَلْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ شَيْئًا؟ . قَالَ مَالِكٌ فِي

الْكِتَابِ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ يُزَادُ فِي كَفَنِ الشَّهِيدِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ. ص (وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ إلَّا أَنْ يُدْفَنَ بِغَيْرِهَا وَلَا غَائِبٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى غَرِيقٍ، أَوْ أَكِيلٍ قَوْلَانِ ابْنُ حَبِيبٍ مَعَ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَالْمَشْهُورُ وَفِي مَنْعِهَا عَلَى قَبْرِ مَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ قَوْلَا الْمَشْهُورِ وَاللَّخْمِيُّ مَعَ نَقْلِهِ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ عُمَرَ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَصَّارِ مَا لَمْ يُطِلْ وَأَقْصَى مَا قِيلَ فِيهِ: شَهْرٌ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ دُفِنَ دُونَ صَلَاةٍ أُخْرِجَ لَهَا مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ فَفِي الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرٍ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَسَحْنُونٍ مَعَ أَشْهَبَ وَشَرْطُ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يُطِلْ حَتَّى يَذْهَبَ الْمَيِّتُ بِفِنَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَفِي كَوْنِ الْفَوْتِ إهَالَةَ التُّرَابِ عَلَيْهِ، أَوْ الْفَرَاغَ مِنْ دَفْنِهِ. ثَالِثُهَا: خَوْفُ تَغَيُّرِهِ لِأَشْهَبَ وَسَمَاعِ عِيسَى ابْنِ وَهْبٍ وَسَحْنُون مَعَ عِيسَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بَشِيرٍ قِيلَ: يُخْرَجُ لِلصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا وَقِيلَ: إنْ طَالَ فَظَاهِرٌ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُخْرَجُ مُطْلَقًا، لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. فَنَصَّ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ أَنَّهُ يَفُوتُ بِالدَّفْنِ وَيُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ هَارُونَ كَمَا نَقَلَهُ عِنْدَ ابْنِ نَاجِي وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ: فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَارَ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ يَدْعُونَ وَيَنْصَرِفُونَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ. الثَّانِي: يُخْرَجُ إلَّا أَنْ يُخَافَ تَغَيُّرُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ. الثَّالِثُ: يُخْرَجُ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ثَالِثُهَا: يُخْرَجُ مَا لَمْ يُطِلْ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ يُخْرَجُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَإِنَّمَا حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَبَّهَ عَلَى هَذَا ابْنُ هَارُونَ انْتَهَى كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ يَعْنِي الْمُوصِيَ مُرَاغَمَةَ الْوَلِيِّ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَنَحْوِهَا انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِالْوَصِيِّ مَنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْعُتْبِيَّةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ اجْتَمَعَ وَلِيٌّ وَمَنْ أَوْصَاهُ الْمَيِّتُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَشْفِعُ لَهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمَيِّتِ لِعَدَاوَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَوْلَى مِمَّنْ لَهُ دِينٌ وَفَضْلٌ وَإِلَّا كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ وَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ فِي التَّقْصِيرِ لَهُ فِي الدُّعَاءِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَكَانَ ابْنُ الْعَمِّ مَعَ الْعَدَاوَةِ كَانَ ذَلِكَ أَبْيَنَ وَأَرَى إذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَعْرُوفًا بِالدِّينِ وَالْفَضْلِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَدَاوَةٌ؛ لِأَنَّ فِي تَقَدُّمَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَصْمًا عَلَى الْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ مُوصًى إلَيْهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَسُلْطَانُ كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ النَّاظِرُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ ص (ثُمَّ الْخَلِيفَةُ لَا فَرْعُهُ إلَّا مَعَ الْخُطْبَةِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهِ مِنْ قَاضٍ وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ، أَوْ وَالٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا حَضَرَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ بَلْدَةٍ كَانَ عِنْدَهُمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: قَوْلُهُ مَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ إلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْخُطْبَةُ وَإِنَّمَا يَكُونُ صَاحِبُ الصَّلَاةِ وَالْمِنْبَرِ أَحَقَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانَ وَلِيُّهُ سُلْطَانَ الْحُكْمِ مِنْ قَضَاءٍ، أَوْ شُرْطَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَسَائِرِ النَّاسِ هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا يَتَقَدَّمُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَتْ لَهُ خُطْبَةٌ وَالصَّلَاةُ دُونَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا، أَوْ قَاضِيًا، أَوْ صَاحِبَ شُرْطَةٍ، أَوْ أَمِيرًا عَلَى

الْجُنْدِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُ الصَّلَاةِ إذَا فَوَّضَ لَهُ الصَّلَاةَ الْأَمِيرُ، أَوْ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ، أَوْ الْقَاضِي فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمِنْبَرِ أَمِيرَ الْجُنْدِ، وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ إذَا كَانَ مُوَكَّلًا بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي فِي هَذَا عَمَلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ إلَيْهِ قِيلَ: يُوَكَّلُ أَمِيرُ الْجُنْدِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ إذَا غَابَ الْأَمِيرُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْخُطْبَةَ فِي مِثْلِ وَكِيلِهِ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ إلَيْهِ شُرْطَةٌ وَلَا ضَرْبُ الْحُدُودِ وَلَا شَيْءَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ لَا أَرَى لِهَذَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ شَيْئًا؛ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذَا الْكَلَامِ الْتِبَاسٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتِهِمْ إلَّا الْأَمِيرُ، أَوْ قَاضِيهِ، أَوْ صَاحِبُ شُرْطَةٍ، أَوْ مُؤَمَّرٌ عَلَى الْجُنْدِ إذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْخُطْبَةِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ بِقَضَاءٍ، أَوْ شُرْطَةٍ، أَوْ إمَارَةٍ عَلَى الْجُنْدِ، أَوْ انْفَرَدَ بِالْحُكْمِ بِالْقَضَاءِ، أَوْ الشُّرْطَةِ، أَوْ الْإِمَارَةِ دُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ إلَيْهِ وَالصَّلَاةُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ حَقٌّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ إلَيْهِ مِنْهُمْ الْحُكْمُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِمَنْزِلَتِهِ فِي أَنَّهُ أَحَقُّ فَوَكِيلُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَأَمَّا إنْ كَانَ وَكَّلَهُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الصَّلَاةِ، أَوْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ دُونَ الْحُكْمِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ كَانَتْ إلَيْهِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ يُرِيدُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ حُكْمٌ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ لِابْنِ الْقَاسِمِ نَصًّا وَظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْقَاضِيَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصَّلَاةُ إلَيْهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ حَقٌّ سِوَى الْأَمِيرِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ لِمَنْ انْفَرَدَ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ وَالْقَضَاءِ، أَوْ بِالْحُكْمِ دُونَ الْقَضَاءِ وَالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، فَهَذَا تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. ص (ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ) ش: قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَاسْتَحَبَّ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنُ الْمَيِّتِ أَبَاهُ وَأَخَاهُ وَجَدَّهُ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَفِي السُّلَيْمَانِيَّةِ لَا يَتَقَدَّمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ مَعَهُ عَبِيدًا قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَبِيهِ الْمَيِّتِ مِنْ الْأَحْرَارِ كَصَاحِبِ الْمَنْزِلِ يَوْمَ مَنْ غَشِيَهُ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَالْقَبْرُ حَبْسٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ) ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَفَاسِدَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى

مسألتان الأولى الجلوس على القبر

الْبِنَاءِ فِي الْمَقَابِرِ الثَّالِثُ وَهُوَ أَكْبَرُ وَأَشْنَعُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ مِنْهُ شَيْءٌ مَوْجُودًا فِيهِ حَتَّى يَفْنَى فَإِذَا فَنِيَ حِينَئِذٍ؛ يُدْفَنُ غَيْرُهُ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ بِجَمِيعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ قَدْ غُصِبَ انْتَهَى. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَفَنَ أَرْبَعَةً مِنْ الْأَوْلَادِ فِي مَقْبَرَةٍ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ مِنْ دَفْنِهِ إيَّاهُمْ غَابَ الرَّجُلُ عَنْ الْبَلَدِ فَجَاءَ الْحَفَّارُ فَحَفَرَ عَلَى قَبْرِ أُولَئِكَ الْأَطْفَالِ قَبْرًا لِامْرَأَةٍ وَدَفَنَهَا فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ الْوَالِدُ مِنْ سَفَرِهِ بَعْدَ دَفْنِ الْمَرْأَةِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَجِدْ لِقَبْرِ بَنِيهِ أَثَرًا غَيْرَ قَبْرِ الْمَرْأَةِ فَأَرَادَ نَبْشَهَا وَتَحْوِيلَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِيُقِيمَ قُبُورَ بَنِيهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ . (فَأَجَابَ) بِأَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْبُشَهَا وَيَنْقُلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مَيِّتَةً كَحُرْمَتِهَا حَيَّةً وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْشِفَهَا وَيَطَّلِعَ عَلَيْهَا وَيَنْظُرَ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ لَهَا لَمَا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ إذْ لَا يُشَكُّ فِي تَغْيِيرِهَا فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي آخِرِ بَابِ الْجَنَائِزِ: وَلِلْمَيِّتِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ قَبْرِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ نِسْيَانِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيهِ - وَإِلْحَاقِ دَفْنِ آخَرَ مَعَهُ بِأَبْوَابِ الضَّرُورَةِ الْمُبِيحَةِ لِإِخْرَاجِهِ يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ آخَرَ وَبَسْطٍ طَوِيلٍ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ الْجَنَائِزِ وَسُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ نَقْلِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ؟ . فَأَجَابَ: إنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ تَأْثِيمَ فَاعِلِهِ انْتَهَى. [مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ] (مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى) الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ جَائِزٌ عِنْدَنَا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: السُّؤَالُ الثَّالِثُ هَلْ يَجْلِسُ عَلَى الْقَبْرِ؟ . (وَالْجَوَابُ) أَنْ يُقَالَ عِنْدَنَا: الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ جَائِزٌ، وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ، أَوْ يَطَأَهُ، أَوْ يَتَّكِئَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ الدُّخُولُ إلَى الْمَقَابِرِ بِالنِّعَالِ وَلَا يُكْرَهُ بِالْخِفَافِ وَالشَّمْسَكَاتِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَنَحْنُ نَتَأَوَّلُ النَّهْيَ عَلَى أَنَّهُ عَنْ الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَسَّرَهُ مَالِكٌ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالْمَشْيِ عَلَى الْقَبْرِ إذَا عَفَا فَأَمَّا وَهُوَ مُسَنَّمٌ وَالطَّرِيقُ دُونَهُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْسِيرُ تَسْنِيمِهِ وَإِبَاحَتِهِ طَرِيقًا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ بَعْدَهُ: قُلْت وَيَجُوزُ الْمَشْيُ عَلَى الْقُبُورِ بِالنِّعَالِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى [الثَّانِيَة اتِّخَاذُ الْقُبُورِ وَطَنًا] (الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ يُكْرَهُ اتِّخَاذَ الْقُبُورِ وَطَنًا وَإِذَا لَمْ يُتَّخَذْ وَطَنًا فَأَحْرَى أَنْ لَا يُتَّخَذَ مَنْزِلًا انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يَشِحَّ رَبُّ كَفَنٍ غَصَبَهُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَكَذَلِكَ إذَا اُحْتِيجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ لِمَصَالِحِ

الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ إجْرَاءَ الْعَيْنِ إلَى جَانِبِ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ كُلُّ مَنْ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيَخْرُجْ إلَيْهِ وَلْيَنْبُشْهُ وَلْيُخْرِجْهُ وَلْيُحَوِّلْهُ، قَالَ جَابِرٌ فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا يَتَثَنَّوْنَ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ ص (وَالصَّلَاةُ أَحَبُّ مِنْ النَّفْلِ إذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ إنْ كَانَ كَجَارٍ، أَوْ صَالِحًا) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ مَرِضَ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ غَيْرَ أَنَّهُ

فرع الاشتغال بالعلم أولى من الخروج مع الجنازة

لَمْ يَجْعَلْ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالنَّافِلَةِ بَلْ جَعَلَهُ بَيْنَ شُهُودِ الْجِنَازَةِ وَالْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصُّهُ: سَأَلْت مَالِكًا فَقُلْت: أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ إلَيْك الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ صَلَاةُ الْجَنَائِزِ؟ . قَالَ بَلْ الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ أَعْجَبُ إلَيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، أَوْ أَحَدٍ تُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ يَزِيدُ بِهِ فِي فَضْلِهِ فَيَحْضُرُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ وَالْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِ الْجِنَازَةِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَمَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَانْقَطَعَ النَّاسُ لِجِنَازَتِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَشْهَدُ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ مِنْ الْبَيْتِ الصَّالِحِ؟ فَقَالَ: لَأَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْهَدَ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ مِنْ الْبَيْتِ الصَّالِحِ وَخَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَاتَّبَعَهُ وَكَانَ يَقُولُ: شُهُودُ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ جُمْلَةً أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَتَفْصِيلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ عَيْنُ الْفِقْهِ، إذْ إنَّمَا يُرَغِّبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يُعْرَفُ بِالْخَيْرِ وَتُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، أَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ، أَوْ قَرَابَةٍ فَشُهُودُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ: يَتَعَيَّنُ مِنْ حَقِّ الْجِوَارِ وَالْقَرَابَةِ وَلِمَا جَاءَ مِنْ الْفَضْلِ فِي شُهُودِ الْجِنَازَةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ مَا يَعْمَلُ الْمَرْءُ فِي يَوْمِهِ شُهُودُ جِنَازَةٍ» . إلَّا أَنَّ مَرَاتِبَ الصَّلَاةِ فِي الْفَضْلِ عَلَى قَدْرِ مَرَاتِبِهَا فِي الْوُجُوبِ فَأَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ صَلَاةُ الْوِتْرِ فِي الْفَضْلِ إذَا قِيلَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ سُنَّةً، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْهَا فَضِيلَةً، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْهَا نَافِلَةً انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي كَلَامِ سَنَدٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَدَفْنِهِ [فَرْعٌ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الْجِنَازَةِ] (فَرْعٌ) وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الْجِنَازَةِ قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الزَّكَاةِ] ص (- بَابٌ - تَجِبُ زَكَاةُ النَّعَمِ) ش الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ: النُّمُوُّ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ، يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا وَزَكَتْ النَّفَقَةُ إذَا بُورِكَ فِيهَا وَفُلَانٌ زَاكٍ أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَيُطْلَقُ عَلَى التَّطْهِيرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ طَهَّرَهَا مِنْ الْأَدْنَاسِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِنُمُوِّ الْمَالِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَطُهْرَةً لِلْمُخْرِجِ مِنْ الْإِثْمِ، وَفِي الشَّرْعِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الزَّكَاةُ اسْمُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ شَرْطُهُ لِمُسْتَحِقِّهِ بِبُلُوغِ الْمَالِ نِصَابًا وَمَصْدَرُ إخْرَاجِ جُزْءٍ إلَى آخِرِهِ، وَعُلِمَ وُجُوبِهَا لِغَيْرِ حَدِيثِ الْإِسْلَامِ ضَرُورِيٌّ ابْنُ رُشْدٍ جَاحِدُهَا كَافِرٌ قُلْت يُرِيدُ غَيْرَ الْحَدِيثِ، وَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ تَارِكُهَا كَافِرٌ، انْتَهَى. وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعْنِي كَوْنَهَا اسْمًا فَقَالَ: هِيَ اسْمٌ لِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ يُخْرِجُهُ الْمُسْلِمُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالنِّيَّةِ وَسُمِّيَتْ زَكَاةً؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِبَرَكَةِ إخْرَاجِهَا وَمُؤَدِّيهَا يَزْكُو عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ شَاسٍ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ عَلَى الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ تَرْتِيبِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا لِشَرَفِ مَا يَنْمُو بِنَفْسِهِ، وَقُدِّمَ الْحَيَوَانُ لِشَرَفِهِ عَلَى الْجَمَادِ وَبُدِئَ مِنْهَا بِالْإِبِلِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، وَالنِّصَابُ بِكَسْرِ النُّونِ فِي اللُّغَةِ: الْأَصْلُ، وَفِي الشَّرْعِ: الْقَدْرُ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ الْمَالُ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ وَسُمِّيَ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ كَالْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا بَلَغَ النِّصَابَ إلَيْهِ يُبْعَثُ لِلسُّعَاةِ، وَالنَّصَبُ بِالتَّحْرِيكِ بِمَعْنَى التَّعَبِ أَوْ بِمَعْنَى النَّصِيبِ؛ لِأَنَّ لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ نَصِيبًا حِينَئِذٍ وَالنَّعَمُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْإِبِلِ

وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ نَقَلَ الْوَاقِدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَخَصَّهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ بِالْإِبِلِ لِقَوْلِ حَسَّانٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ ... خِلَالَ بُيُوتِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ ، وَقِيلَ: يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرَ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْغَنَمِ، انْتَهَى. قُلْت وَعَلَى مَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَابْنُ دُرَيْدٍ مَشَى الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ فِي أَوْهَامِ الْخَوَاصِّ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّعَمِ وَالْأَنْعَامِ، وَقَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا الْعَرَبُ فَجَعَلَتْ النَّعَمَ اسْمًا لِلْإِبِلِ خَاصَّةً وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي مِنْهَا الْإِبِلُ، وَقَدْ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَجُعِلَتْ الْأَنْعَامُ اسْمًا لِأَنْوَاعِ الْمَاشِيَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ أَدْخَلَ فِيهَا الظِّبَاءَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] انْتَهَى. قُلْت، وَظَاهِرُ كَلَامِ الصِّحَاحِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالنَّعَمُ وَاحِدُ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْمَالُ الرَّاعِيَةُ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْإِبِلِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ ذَكَرٌ لَا يُؤَنَّثُ يَقُولُونَ هَذَا نَعَمٌ وَارِدٌ وَالْأَنْعَامُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: النَّعَمُ الْإِبِلُ وَالشَّاءُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ جَمْعُهَا أَنْعَامٌ وَأَنَاعِيمُ جَمْعُ الْجَمْعِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ النَّعَمَ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالشَّاءِ وَسُمِّيَ النَّعَمُ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ فِيهِ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ النُّمُوِّ وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ مَعَ كَوْنِهَا مَأْكُولَةً، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالنَّعَمُ وَالنَّعْمَةُ وَالنَّعِيمُ وَالنَّعْمَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ " نَعَمْ "؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ بِهَا يَسُرُّ غَالِبًا فَاشْتُقَّ مِنْهَا أَلْفَاظُ هَذِهِ الْأُمُورِ لِكَوْنِهَا سَارَةَ، وَلَفْظُ الْغَنَمِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْبَقَرِ مِنْ الْبَقْرِ الَّذِي هُوَ الشَّقُّ؛ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا، وَالْجِمَالُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَجَمَّلُ بِهَا، انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (بِمِلْكٍ وَحَوْلٍ كَمُلَا) ش: أَيْ بِشَرْطِ مِلْكٍ وَحَوْلٍ كَامِلَيْنِ وَاحْتُرِزَ بِالْمِلْكِ الْكَامِلِ مَنْ مِلْكِ الْعَبْدِ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ وَعَدَمُ كَمَالِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ التَّصَرُّفَ التَّامَّ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعَهُ لِعَدَمِ شُمُولِ الْعِلَّةِ لِلْمُكَاتَبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ. (تَنْبِيهٌ) وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَ عَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَيَمُرَّ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِي مِلْكِهِ، فَأَمَّا مَنْ مَلَكَ مَاشِيَةً فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا، قَالَ مَالِكٌ: فَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ دِيَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَقَبَضَهَا بَعْدَ أَعْوَامٍ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ دَيْنًا مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ، وَالْحَوْلُ إنَّمَا يُرَاعَى فِي عَيْنِ الْمَاشِيَةِ عَلَى مِلْكِ مَنْ يُزَكِّي عَلَيْهِ فَإِذَا قَبَضَهَا تَعَيَّنَتْ فِي مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا مَرَّ السَّاعِي بِأَهْلِ الدِّيَةِ زَكَّى مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُ زَكَاتَهَا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجَزَّارِ يَشْتَرِي الْغَنَمَ لِيَذْبَحَهَا فَيَحُولُ حَوْلُهَا عِنْدَهُ: إنَّهُ يُزَكِّيهَا، انْتَهَى. مِنْ الْبِسَاطِيِّ. (تَنْبِيهٌ) الْحَوْلُ الْكَامِلُ لَا كَلَامَ إنَّهُ شَرْطٌ، وَأَمَّا مِلْكُ النِّصَابِ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ سَبَبٌ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ شَرْطٌ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مُحْتَمِلٌ لَهُمَا إلَّا أَنَّ ذِكْرَهُ مَعَ الْحَوْلِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (لَا مِنْهَا وَمِنْ الْوَحْشِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ كَمَا إذَا ضَرَبَتْ فَحَوْلُ الظِّبَاءِ

فِي إنَاثِ الْغَنَمِ أَوْ الْعَكْسُ أَوْ ضَرَبَتْ فَحَوْلُ بَقَرِ الْوَحْشِ فِي إنَاثِ الْإِنْسِيِّ مِنْهَا أَوْ الْعَكْسُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا مُطْلَقًا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ الشَّارِحُ: وَنَسَبَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ لِابْنِ الْقَصَّارِ (قُلْت) وَهُوَ ضَعِيفٌ فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي عَدَمِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ وَحْشِيَّةً وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِنَفْيِ الْخِلَافِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ كَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُثْبَتَ أَوْلَى مِمَّنْ نُفِيَ وَنَسَبَ فِي الْجَوَاهِرِ الْقَوْلَ بِالتَّفْرِقَةِ لِابْنِ الْقَصَّارِ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضُمَّتْ الْفَائِدَةُ لَهُ وَإِنْ قَبْلَ حَوْلِهِ بِيَوْمٍ لَا أَقَلَّ) ش: الْمُرَادُ بِالْفَائِدَةِ هُنَا مَا حَصَلَ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَاشِيَةَ الْحَاصِلَةَ بِوَجْهٍ مِمَّا تَقَدَّمَ تُضَمُّ إلَى مَا بِيَدِ الْمَالِكِ مِنْ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَتْ الْأُولَى نِصَابًا وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ لِحَوْلِ الْأُولَى، وَلَوْ حَصَلَتْ الثَّانِيَةُ قَبْلَ حَوْلِ الْأُولَى بِيَوْمٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْأُولَى أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَإِنَّهَا تُضَمُّ إلَى الثَّانِيَةِ وَيَسْتَقْبِلُ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الثَّانِيَةَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الثَّانِيَةُ نِصَابًا أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَ نُقْصَانُ الْأُولَى عَنْ النِّصَابِ بِمَوْتٍ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي بِيَوْمٍ أَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ سُعَاةٌ فَإِنَّهَا تُضَمُّ إلَى الثَّانِيَةِ وَيَسْتَقْبِلُ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفَائِدَتُهَا، وَلَوْ بِشِرَاءٍ تُضَمُّ إلَى مَا بَعْدَهَا إنْ نَقَصَتْ عَنْ نِصَابٍ، وَلَوْ بِمَوْتٍ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي بِيَوْمٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ بِوِلَادَةٍ فَإِنَّهَا تُضَمُّ إلَى أُمَّهَاتِهَا وَتُزَكَّى عَلَى حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا زَكَّى النِّتَاجَ عَلَى حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ إذَا كَانَ فِيهِ نِصَابًا، وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. (تَنْبِيهٌ) مَنْ قَبَضَ دِيَةً وَجَبَتْ لَهُ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي وَعِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ حَوْلُهَا فَإِنَّهُ يَضُمُّ الدِّيَةَ إلَيْهَا وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ص (الْإِبِلُ فِي كُلِّ خَمْسٍ ضَائِنَةٌ) ش قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الضَّائِنُ مِنْ الْغَنَمِ ذُو الصُّوفِ وَيُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ كَبْشٌ ضَائِنٌ وَالْأُنْثَى ضَائِنَةٌ وَالْجَمْعُ ضَوَائِنُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي كُلِّ خَمْسٍ ضَائِنَةٌ أَنَّ الزَّائِدَةَ عَلَى الْخَمْسِ مَعْفُوٌّ لَا شَيْءَ فِيهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ الشَّاةَ مَأْخُوذَةٌ عَنْ الْخَمْسِ وَمَا زَادَ وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي الْخُلْطَةِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَلَا شَيْءَ فِي الْوَقَصِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي جَمْعِ الْمَاشِيَةِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْوَقَصِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَوْ الْفَرْدُ وَقَصٌ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " ضَائِنَةٌ " اشْتِرَاطُ الْأُنْثَى فِي الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَصَرَّحَ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ الشَّاةَ الْمَأْخُوذَةَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ كَالشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَأْخُذُ فِي ذَلِكَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَاشْتَرَطَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْأُنْثَى فِي الْبَابَيْنِ، وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: يُجْزِئُ الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ - يَعْنِي ابْنَ الْقَصَّارِ - لَا يُجْزِي إلَّا الْأُنْثَى جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ كَالْأُضْحِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ الشَّاةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي الْغَنَمِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجْزِي الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ كَالْأُضْحِيَّةِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ سَنَدٌ: يُقَالُ لِمَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ ذَوْدٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى تِسْعٍ وَمَا فَوْقَ التِّسْعِ شَنَقٌ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَا يَنْقُصُ الذَّوْدُ عَنْ ثَلَاثَةٍ

فرع وجبت عليه معز وأعطى ضأنا

كَالْبَقَرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَالنِّسَاءِ وَالْخَيْلِ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ ذَوْدٌ قَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَالْحَدِيثُ يُؤَكِّدُهُ فَإِنَّك تَقُولُ: خَمْسَةُ رِجَالٍ وَلَا تَقُولُ: خَمْسَةُ رَجُلٍ، وَقَالَ الْمَطَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ: هُوَ اسْمٌ لِلْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ التَّاءُ مِنْ الْخَمْسِ فِي الْحَدِيثِ، وَتَكُونُ الزَّكَاةُ فِي الذُّكُورِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالْحَدِيثِ، انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ خَمْسُ ذَوْدٍ بِالْإِضَافَةِ، وَرُوِيَ بِتَنْوِينِ خَمْسٍ فَذَوْدٍ بَدَلٌ مِنْهُ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عَنْ الْجُمْهُورِ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: وَالذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، إنَّمَا يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ بَعِيرٌ، فَقَوْلُهُ: خَمْسُ ذَوْدٍ كَقَوْلِهِمْ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وَخَمْسَةُ جِمَالٍ وَخَمْسُ نُوقٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الذَّوْدُ مَا بَيْنَ ثِنْتَيْنِ إلَى تِسْعٍ، وَأَنْكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنْ يُقَالَ خَمْسُ ذَوْدٍ كَمَا لَا يُقَالُ خَمْسَةُ ثَوْرٍ وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ بَلْ هَذَا اللَّفْظُ شَائِعٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَمَسْمُوعٌ مِنْ الْعَرَبِ وَضُبِطَتْ الْخَمْسُ بِغَيْرِهَا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ خَمْسَةَ ذَوْدٍ بِالْهَاءِ وَكِلَاهُمَا لِرِوَايَةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فِي اللُّغَةِ فَإِثْبَاتُ الْهَاءِ لِانْطِلَاقِهِ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَمَنْ حَذَفَهَا أَرَادَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُ فَرِيضَةٌ، انْتَهَى. ص (إنْ لَمْ يَكُنْ جُلُّ غَنَمِ الْبَلَدِ الْمَعْزَ) ش: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقْتَضَاهَا أَنَّهُ إذَا تُسَاوَيَا يُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الضَّأْنَ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ جُلُّ غَنَمِ الْبَلَدِ الْمَعْزَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْأَقْرَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَخْيِيرُ السَّاعِي، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَزَادَ: وَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ فُقِدَ الصِّنْفَانِ بِمَحِلِّهِ فَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ يُطَالِبُ بِكَسْبِ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ، انْتَهَى. قُلْت، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْبَلَدُ جُلُّ كَسْبِهِ كَمَا فِي الْبَلَدِ نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مَعْزٌ وَأَعْطَى ضَأْنًا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ مُحَمَّدٌ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مَعْزٌ وَأَعْطَى ضَأْنًا فَلْيُقْبَلْ مِنْهُ، وَأَمَّا مَعْزٌ عَنْ ضَأْنٍ فَلَا، قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ تَبْلُغَ لِرَفَاهِيَتِهَا مِثْلَ مَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّأْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ مَعْلُومَانِ، وَهَلْ يَلْحَقُ غَنَمُ التُّرْكِ بِالضَّأْنِ أَوْ بِالْمَعْزِ؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ، انْتَهَى. ص (وَالْأَصَحُّ إجْزَاءُ بَعِيرٍ) ش: يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْخَمْسِ لَا عَنْ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ إخْرَاجِ الْغَنَمِ قَطْعًا وَهُوَ لَا يُجْزِئُ، وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ بَعِيرٍ مِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ بَدَلًا مِنْ شَاةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ، وَاتَّفَقَتْ عِبَارَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي التَّبْعِيرِ بِالْبَعِيرِ وَهُوَ إنَّمَا يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْجَذَعِ كَمَا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ عَنْ الشَّاةِ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْإِبِلِ وَهُوَ بِنْتُ الْمَخَاضِ أَوْ ابْنُ الْمَخَاضِ أَجْزَأَهُ وَقَيَّدَ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِجْزَاءَ بِكَوْنِ الْبَعِيرِ يَفِي بِقِيمَةِ الشَّاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ الشَّاةِ بَعِيرًا يَفِي بِقِيمَتِهَا فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلَا عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَالْبَاجِيِّ مَعَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَتَخْرِيجُهُ الْمَازِرِيُّ عَلَى إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ بِالْعَيْنِ، انْتَهَى. قُلْت وَفِي قَوْلِهِ بَعِيدٌ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ حَقِيقَةَ الْقِيَمِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيَمِ وَجَعَلُوا مِنْهُ إخْرَاجَ الْعَرْضِ عَنْ الْعَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَوَازِ بَيْعِ الْبَعِيرِ: وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهِ الْبَعِيرَ مِنْ الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْسَانِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، تَقُولُ الْعَرَبُ صَرَعَنِي بَعِيرِي وَشَرَبْت مِنْ لَبَنِ بَعِيرِي، انْتَهَى. ص (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سَلِيمَةً فَابْنُ لَبُونٍ) ش: أَيْ سَلِيمَةً مِنْ عَيْبٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَمَنْ شِرْكٍ فِيهَا وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ " أَنَّهُ إذَا وُجِدَا مَعًا تَعَيَّنَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْإِبِلِ أَنْ يُعْطِيَ ابْنَ

فرع وجبت بنت اللبون فلم توجد ووجد حق

اللَّبُونِ وَلَا لِلسَّاعِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ إذَا تَرَاضَيَا بِأَخْذِهِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلُ أَصْوَبُ، وَقَدْ يَكُونُ أَخَذَهُ نَظَرًا لِلْمَسَاكِينِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَنَسَبَ الْجَوَازَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي " أَخَذَهُ نَظَرًا مَعَ وُجُودِهَا بِاخْتِيَارِهَا " قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشْهَبَ، انْتَهَى. وَالضَّمِيرُ فِي أَخَذَهُ عَائِدٌ عَلَى ابْنِ اللَّبُونِ، وَقَوْلُهُ: نَظَرًا " يَعْنِي أَنَّهُ نَظَرَ بِعَيْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي أَخْذِهِ لِلْفُقَرَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ابْنُ اللَّبُونِ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ مَعًا فِي الْإِبِلِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أُجْبِرَ رَبُّهَا عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِبِنْتِ مَخَاضٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدْفَعَ خَيْرًا مِنْهَا فَلَيْسَ لِلسَّاعِي رَدُّهَا فَإِنْ أَتَاهُ بِابْنِ لَبُونٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَأْخُذْهُ السَّاعِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَيَرَى ذَلِكَ نَظَرًا، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا. (فَرْعٌ) فَلَوْ لَمْ يُلْزِمْ السَّاعِي صَاحِبَ الْإِبِلِ بِالْإِتْيَانِ بِبِنْتِ الْمَخَاضِ حَتَّى جَاءَ بِابْنِ لَبُونٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ فِيهَا وَعَلَى أَصْلِ أَصْبَغَ لَا يُجْبَرُ، نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ. [فَرْعٌ وَجَبَتْ بِنْتُ اللَّبُونِ فَلَمْ تُوجَدْ وَوُجِدَ حِقٌّ] (فَرْعٌ) لَوْ وَجَبَتْ بِنْتُ اللَّبُونِ فَلَمْ تُوجَدْ وَوُجِدَ حِقٌّ لَمْ يُؤْخَذْ ابْنُ اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ فَدَفَعَ بِنْتَيْ لَبُونٍ لَمْ تَجُزْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، أَمَّا إذَا رَضِيَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ بِإِعْطَاءِ سِنٍّ أَفْضَلَ مِمَّا عَلَيْهِ كَبِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ حِقَّةٍ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ اتِّفَاقًا. (فَائِدَةٌ) لَفْظُ الْحَدِيثِ " فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ " فَوَرَدَ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» بِأَنَّ الِابْنَ لَا يَكُونُ إلَّا ذَكَرًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَوَارِيثِ «فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَالرَّجُلُ لَا يَكُونُ إلَّا ذَكَرًا جَوَابُهُ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى السَّبَبِ الَّذِي زِيدَ لِأَجْلِهِ فِي السِّنِّ فَعَدَلَ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ بِنْتِ سَنَةٍ إلَى ابْنِ اللَّبُونِ ابْنِ سَنَتَيْنِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا زِيدَ فَضِيلَةُ السَّنَةِ لِنَقِيصَةِ وَصْفِ الذُّكُورِيَّةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْعَصَبَةُ الْمِيرَاثَ لِوَصْفِ الرُّجُولِيَّةِ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى الْحِمَايَةِ وَالنُّصْرَةِ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى التَّعْلِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ، انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ: وَقِيلَ أَفَادَ بِقَوْلِهِ " ذَكَرٌ " هُنَا وَفِي ابْنِ اللَّبُونِ التَّحَرُّزُ مِنْ الْخَنَاثَى فَلَا يُؤْخَذُ الْخُنْثَى فِي فَرِيضَةِ الزَّكَاةِ وَلَا تَحُوزُ الْمَالَ إذَا انْفَرَدَ، وَإِنَّمَا لَهُ نِصْفُ الْمِيرَاثَيْنِ، انْتَهَى. ص (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) ش تَقَدَّمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ عَنْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَلَا يُؤْخَذُ عَنْ الْحِقَّةِ بِنْتَا لَبُونٍ ص (وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعٍ حِقَّتَانِ أَوْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَالْخِيَارُ لِلسَّاعِي) ش: لَا خِلَافَ أَنَّ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَيْنِ، وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةً وَبِنْتَيْ لَبُونٍ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ " فِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ " سَهْوٌ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنْ كَلَامِهِ وَاخْتُلِفَ فِي مَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ تَخْيِيرُ السَّاعِي إذَا وُجِدَ الصِّنْفَانِ أَوْ فُقِدَا وَيَتَعَيَّنُ أَحَدٌ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، وَكَذَلِكَ فِي مِائَتَيْنِ الْخِيَارُ لِلسَّاعِي بَيْنَ أَرْبَعِ حِقَقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَات لَبُونٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ، وَنَصُّهُ: وَفِي كَوْنِ الْخِيَارِ لِلسَّاعِي أَوْ لِرَبِّهَا ثَالِثُهَا إنْ وُجِدَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ قَالَ الْمَازِرِيُّ إنْ وُجِدَ بِهَا أَحَدُ السِّنَّيْنِ تَعَيَّنَ، قَالَ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ فَأَحْضَرَ رَبُّهَا أَحَدَ السِّنَّيْنِ فَفِي بَقَاءِ خِيَارِ السَّاعِي وَلُزُومِهِ أَخْذُهُ كَمَا لَوْ كَانَا فِيهَا قَوْلَا أَصْبَغَ وَابْنِ الْقَاسِمِ. (تَنْبِيهٌ) وَالْمُعْتَبَرُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ زِيَادَةٌ وَاحِدَةٌ كَامِلَةٌ فَلَوْ زَادَتْ جُزْءًا مِنْ بَعِيرٍ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ " فَمَا زَادَ " وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّيَادَةِ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَادَةُ وَقِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَوْقَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُهَا بِزِيَادَةِ جُزْءٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: لَمْ يُرِدْ مَالِكٌ بِتَخْيِيرِ السَّاعِي أَنَّهُ يَنْظُرُ أَيُّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ السَّاعِيَ إنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجِبُ الِانْتِقَالَ أَخَذَ بَنَاتِ اللَّبُونِ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الِانْتِقَالَ أَخَذَ الْحِقَاقَ قَالَ

فرع أخذ المصدق أفضل من الواجب وأعطى عن الفضل ثمنا

عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَرَأَيْت كِتَابَ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لِلْفُقَرَاءِ خِلَافَ مَا لِابْنِ الْكَاتِبِ فَاعْلَمْهُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا اخْتَارَ السَّاعِي أَخْذَ الصِّنْفَيْنِ، وَعِنْدَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الصِّنْفَ الْآخَرَ أَفْضَلُ أَجْزَأَهُ مَا أَخَذَ السَّاعِي وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ، قَالَهُ سَنَدٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا وَهُنَاكَ سَوَاءٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَدَفَعَ أَفْضَلَ سِنًّا فِي تَوَقُّفِ قَبُولِهِ عَلَى رِضَا الْمُصَدِّقِ طَرِيقَا ابْنِ بَشِيرٍ وَالْأَكْثَرِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَفْضَلَ مِنْ الْوَاجِبِ وَأَعْطَى عَنْ الْفَضْلِ ثَمَنًا] (فَرْعٌ) لَوْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَفْضَلَ مِنْ الْوَاجِبِ وَأَعْطَى عَنْ الْفَضْلِ ثَمَنًا أَوْ أَخَذَ أَنْقَصَ وَأَخَذَ عَنْ النَّقْصِ فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ وَنَزَلَ فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ أَعْطَى الْفَضْلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا) ش: لَا إنْ كَانَ صِفَةً لَا تُجْزِئُ فَإِنَّهُ كَالْعَدَمِ، وَإِنْ وُجِدَ وَكَانَ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْمَالِ دَفْعَهُ، وَإِنْ وُجِدَ الصِّنْفَانِ مَعًا وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا كَانَ كَالْعَدَمِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ الْكَرَائِمِ وَيَتَعَيَّنُ الصِّنْفُ الْآخَرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْمَالِ دَفْعَ الْكَرَائِمِ، قَالَهُ سَنَدٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَابُ وَاحِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ فِي كُلِّ عَشْرٍ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِفِي الْجَارَّةِ، وَفِي بَعْضِهَا بِإِسْقَاطِهَا وَنَصْبِ كُلٍّ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقِيسٍ، وَيَجُوزُ رَفْعُ كُلٍّ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِيهِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَعْرِفَةُ وَاجِبِهَا فِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَصَاعِدًا اقْسِمْ عُقُودَهَا فَإِنْ انْقَسَمَتْ عَلَى خَمْسِينَ فَعَدَدُ الْخَارِجِ حِقَاقٌ وَعَلَى أَرْبَعِينَ بَنَاتُ لَبُونٍ وَعَلَيْهِمَا هُمَا فَيَجِيءُ الْخِلَافُ وَانْكِسَارُهَا عَلَى خَمْسِينَ يُلْغِي قَسْمَهَا وَعَلَى أَرْبَعِينَ الْوَاجِبُ عَدَدٌ صَحِيحٌ خَارِجُهُ بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَدَلٌ لِكُلِّ رُبْعٍ مِنْ كَسْرِهِ حِقَّةٌ مِنْ صَحِيحِ خَارِجِهِ، انْتَهَى. وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَصَاعِدًا أَنْ تُقْسَمَ الْعُقُودُ عَلَى الْخَمْسِينَ وَالْأَرْبَعِينَ فَإِنْ انْقَسَمَتْ عَلَى الْخَمْسِينَ فَقَطْ دُونَ كَسْرٍ فَالْوَاجِبُ عَدَدُ الْخَارِجِ حِقَاقًا وَعَلَى الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ دُونَ كَسْرٍ فَعَدَدُ الْخَارِجِ بَنَاتُ لَبُونٍ وَعَلَيْهِمَا مَعًا دُونَ كَسْرٍ فَالْوَاجِبُ عَدَدُ خَارِجِ أَحَدِهِمَا، وَيَأْتِي الْخِلَافُ الَّذِي فِي مِائَتَيْ الْإِبِلِ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمَا فَاقْسِمْهُمَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَخُذْ بِعَدَدِ الصَّحِيحِ الْخَارِجِ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ اُنْظُرْ الْكَسْرَ فَإِنْ كَانَ رُبْعًا فَأَبْدِلْ وَاحِدَةً مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ حِقَّةً، وَإِنْ كَانَ أَرْبَعِينَ فَأَبْدِلْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ فَأَبْدِلْ ثَلَاثًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرَهُ عَدَدٌ يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَأَتَّى فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ بِعَدَدٍ آخَرَ خِلَافِ مَا حَصَلَ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ لِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ يَحْصُلُ بِطَرِيقَةِ سَبْعِ حِقَاقٍ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ حِقَاقٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَهُ - يَعْنِي السَّاعِيَ - عِنْدَنَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَأَنْ يُفْرِدَ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِمِائَةٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ص (وَالْبَقَرُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ) ش وَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ

يَدْفَعَ عَنْ التَّبِيعِ أُنْثَى وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهَا قَالَ سَنَدٌ: لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ الذَّكَرَ يُجْزِي، وَأَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ أُنْثَى؛ لِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ التَّبِيعِ لِفَضِيلَةِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَلِرَبِّ الْمَالِ دَفْعُهَا وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهَا وَلَا أَنْ يُجْبِرَ رَبَّهَا عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ التَّبِيعِ الْأُنْثَى لِفَضْلِهَا عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، قَالَ مَالِكٌ: التَّبِيعُ ذَكَرٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُنْثَى لِفَضِيلَةِ أَخْذِ اللَّبَنِ وَالنَّسْلِ إذَا رَضِيَ رَبُّهَا يَدْفَعُهَا وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَجَدَ عِنْدَ رَبِّ الْمَالِ التَّبِيعَ وَالتَّبِيعَةَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ إلَّا التَّبِيعَةُ فَقِيلَ: لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّبِيعَةِ، وَقِيلَ يُجْبِرُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ لَيْسَ لِلسَّاعِي الْخِيَارُ لِمَا وَرَدَ مِنْ الرِّفْقِ بِأَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ، وَالشَّاذُّ لِابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ، أَمَّا إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا التَّبِيعُ فَلَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى دَفْعِ الْأُنْثَى، وَلَوْ مَوْجُودَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَبْرِ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْقَوْلُ بِالْجَبْرِ لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ: وَفِي عَدَمِ جَبْرِهِ عَلَى أَخْذِ أُنْثَاهُ مَوْجُودَةً مَعَهُ أَوْ دُونَهُ رِوَايَتَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَعَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَكَوْنُهُ ذَكَرًا شَرْطٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ أَرَادَ السَّاعِي جَبْرَهُ عَلَى الْأُنْثَى مِنْ سِنِّهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَعَ أَشْهَبَ لَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَوْلُ الشَّيْخِ زَرُّوق: وَكَوْنُهُ ذَكَرًا شَرْطٌ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ يَعْنِي بِهِ أَنَّ السِّنَّ الْمَأْخُوذَ هُنَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ فِي الثَّلَاثِينَ هُوَ الذَّكَرُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْأُنْثَى عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الْأُنْثَى وَلَا لِلسَّاعِي قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِآخِرِ كَلَامِهِ وَلِلنُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى إسْقَاطِ الْمُصَنِّفِ لَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي أَخْذِ الْأُنْثَى " مَوْجُودَةً كُرْهًا " قَوْلَانِ حَكَى خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الْجَبْرِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَسَقَطَ هَذَا الْفَرْعُ مِنْ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: ابْنُ السَّنَةِ تَبِيعٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَنِيٌّ وَثَنِيَّةٌ وَهِيَ الْمُسِنَّةُ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ ثَنِيَّتَهَا، وَفِي الرَّابِعَةِ رِبَاعٌ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ رُبَاعِيَّتَهَا، وَفِي الْخَامِسَةِ سُدُسٌ وَسَدِيسٌ لِإِلْقَائِهَا السِّنَّ الْمُسَمَّى سَدِيسًا وَفِي السَّادِسَةِ ظَالِعٌ، ثُمَّ يُقَالُ ظَالِعُ سَنَةٍ وَظَالِعُ سَنَتَيْنِ، فَأَمَّا الْجَذَعُ فَلَيْسَ بِاعْتِبَارِ سِنٍّ يَطْلُعُ أَوْ يَسْقُطُ وَسُمِّيَ تَبِيعًا لِتَبَعِهِ أُمَّهُ، وَقِيلَ لِتَبَعِ أُذُنَيْهِ قَرْنَيْهِ لِتَسَاوِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. ص (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) ش: إلَى سِتِّينَ فَتَبِيعَانِ فَيَكُونُ الْوَقَصُ هُنَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ مِنْ سِتِّينَ فَصَاعِدًا أَنْ تُقْسَمَ الْعُقُودُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَالثَّلَاثِينَ فَإِنْ انْقَسَمَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ دُونَ كَسْرٍ فَالْوَاجِبُ عَدَدُ الْخَارِجِ مُسِنَّاتٌ وَعَلَى الثَّلَاثِينَ فَقَطْ دُونَ كَسْرٍ فَأَتْبِعَةٌ وَعَلَيْهِمَا مَعًا دُونَ كَسْرٍ فَأَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَيَأْتِي الْخِلَافُ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمَا فَاقْسِمْهَا عَلَى الثَّلَاثِينَ وَخُذْ بِعَدَدِ الصَّحِيحِ الْخَارِجِ أَتْبِعَةً ثُمَّ اُنْظُرْ الْكَسْرَ فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَأَبْدِلْ وَاحِدًا مِنْ الْأَتْبِعَةِ بِمُسِنَّةٍ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ فَمُسِنَّتَانِ، كَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَلِابْنِ بَشِيرٍ طَرِيقَةٌ اعْتَرَضَهُ فِيهَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ كَمِائَتَيْ الْإِبِلِ)

ش لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مِائَتَيْ الْإِبِلِ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّهُ إنْ وُجِدَ الصِّنْفَانِ أَوْ فُقِدَا خُيِّرَ السَّاعِي فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ قَالَ فِيهَا: فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ كَانَ السَّاعِي مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ كَانَ السِّنَانُ فِي الْإِبِلِ أَمْ لَا، وَيُجْبَرُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمَا اخْتَارَهُ السَّاعِي؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ سِنٌّ وَاحِدٌ فَلَيْسَ لِلسَّاعِي غَيْرُهَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ السَّاعِيَ يُخَيَّرُ إنْ وُجِدَا أَوْ فُقِدَا، وَإِنْ وَجَدَ أَحَدَهُمَا وَفَقَدَ الْآخَرَ يُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ وَتَقَدَّمَتْ الْفُرُوعُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الطِّرَازِ فَإِنْ بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَالسَّاعِي مُخَيَّرٌ فِي ثَمَانِ حِقَاقٍ أَوْ عَشْرِ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي كَلَامِ الذَّخِيرَةِ ص (الْغَنَمُ فِي أَرْبَعِينَ شَاةٌ) ش مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظَةِ " كُلِّ ". ص (جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ) ش: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ فِيهِمَا. ص (وَلَوْ مَعْزًا) ش: مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْجَذَعُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ سَوَاءٌ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُمَا فِي الصَّدَقَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لَكِنْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَهُ وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ تَيْسًا وَيَحْسُبُهُ عَلَى رَبِّ الْغَنَمِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَهُ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ الثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَا يُؤْخَذُ الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ إلَّا الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ مِنْهَا تَيْسٌ وَلَا يَأْخُذُ تَيْسًا وَالتَّيْسُ دُونَ الْفَحْلِ إنَّمَا يُعَدُّ مَعَ ذَوَاتِ الْعَوَارِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ التَّيْسُ الْمَنْهِيُّ عَنْ أَخْذِهِ قِيلَ هُوَ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ دُونَ سِنِّ الْفَحْلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْضَى بِهِ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِعَدِّهِ مَعَ ذَوَاتِ الْعَوَارِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هُوَ الْفَحْلُ الَّذِي يُطْرِقُ فَيُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِرِضَا رَبِّ الْمَاشِيَةِ قَالَ وَنَاقَضَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَا: لَا يُؤْخَذُ التَّيْسُ، وَقَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ: يُؤْخَذُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ تَيْسٌ انْتَهَى. وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرَ التَّيْسِ بِالْفَحْلِ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا رَأَى الْمُصَدِّقُ أَخْذَ التَّيْسِ وَالْهَرِمَةِ وَذَاتَ الْعَوَارِ فَلَهُ ذَلِكَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالتَّيْسُ هُوَ الذَّكَرُ الَّذِي يُعَدُّ لِلضِّرَابِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا فَسَّرَهُ غَالِبُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الْمَشَارِقِ: وَالتَّيْسُ هُوَ الذَّكَرُ الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الضِّرَابِ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ

الْجَذَعُ هُوَ مَا أَوْفَى سَنَةً كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إنَّهُ مَا دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ يَضْرِبُ فَيَصِيرُ فَحْلًا إنْ كَانَ مُعَدًّا لِلضِّرَابِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ إلَى حَدِّ الضِّرَابِ فَارْتَفَعَ عَنْ سِنِّ التَّيْسِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إلَى عَهْدِ الضِّرَابِ، وَقَدْ نَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ التَّيْسَ مَا أَتَى عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَالْجَذَعُ مَا دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ فَيَكُونُ التَّيْسُ الَّذِي هُوَ فِي آخِرِ الْأُولَى إلَّا أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: التَّيْسُ كَبِيرُ الْمَعْزِ، انْتَهَى. ص (وَضُمَّ بُخْتٌ لِعِرَابٍ) ش: الْبُخْتُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، وَالْعِرَابُ كَجِرَابٍ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْبُخْتُ إبِلٌ ضَخْمَةٌ مَائِلَةٌ إلَى الْقِصَرِ لَهَا سَنَامَانِ: أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ تَأْتِي مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ، وَقَدْ رَأَيْنَاهَا بِمِصْرَ وَالْحِجَازِ مَعَ الْأَرْوَامِ فِي حَجِّهِمْ فَسُبْحَانَ الْخَلَّاقِ الْعَظِيمِ. ص. (وَجَامُوسٌ لِبَقَرٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْجَوَامِيسُ بَقَرٌ سُودٌ ضِخَامٌ صَغِيرَةُ الْأَعْيُنِ طَوِيلَةُ الْخَرَاطِيمِ مَرْفُوعَةُ الرَّأْسِ إلَى قُدَّامَ بَطِيئَةُ الْحَرَكَةِ قَوِيَّةٌ جِدًّا لَا تَكَادُ تُفَارِقُ الْمَاءَ بَلْ تَرْقُدُ فِيهِ غَالِبَ أَوْقَاتِهَا، يُقَالُ إذَا فَارَقَتْ الْمَاءَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ هَزَلَتْ رَأَيْنَاهَا بِمِصْرَ وَأَعْمَالِهَا ص (أَوْ الْأَقَلُّ نِصَابٍ غَيْرُ وَقَصٍ) ش: مُرَادُهُ هُنَا بِالنِّصَابِ أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ أَرْبَعِينَ فَأَكْثَرَ وَمَعْنَى كَوْنِهِ غَيْرَ وَقَصٍ أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ هُوَ الْمُوجِبُ لِلشَّاةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ النَّوْعَيْنِ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَأَقَلَّ وَالْوَقَصُ ضَبَطَهُ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِفَتْحِ الْقَافِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَبَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ يَقُولُونَ بِالسُّكُونِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ الْإِسْكَانَ عَنْ النَّوَوِيِّ، وَقَالَ سَنَدٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى تَسْكِينِ الْقَافِ ص (وَإِلَّا فَكَذَلِكَ) ش: أَيْ فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ أَرْبَعِينَ فَأَكْثَرَ وَكَانَ غَيْرَ وَقَصٍ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوجِبَ لِلشَّاةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ شَاةً وَاحِدَةً وَتُؤْخَذُ الشَّاتَانِ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ غَيْرَ نِصَابٍ أَوْ كَانَ وَقَصًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْجَمِيعُ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَنَمِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ زَكَاةِ الْغَنَمِ: وَكَذَلِكَ يَجْرِي هَذَا فِي اجْتِمَاعِ الْجَوَامِيسِ مَعَ الْبَقَرِ وَالْبُخْتِ مَعَ الْعِرَابِ فَإِذَا وَجَبَتْ بِنْتَا لَبُونٍ أَوْ حِقَّتَانِ وَتَسَاوَى الصِّنْفَانِ أُخِذَ مِنْ كُلٍّ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فَإِنْ كَانَ فِي أَقَلِّ عَدَدٍ مَا يَجِبُ فِيهِ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةٌ أُخِذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا أُخِذَتَا مِنْ الْأَكْثَرِ وَيُسْتَغْنَى هُنَا عَنْ الشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ وَقَصٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ فِيهِ عَدَدَ مَا تَجِبُ فِيهِ بِنْتُ اللَّبُونِ أَوْ الْحِقَّةُ وَيَكُونُ وَقَصًا فَتَأَمَّلْ، وَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَتْ ثَلَاثُ بَنَاتِ

فرع الماشية صنفين توافرت في أحدهما شروط الزكاة ولم تتوافر في الآخر

لَبُونٍ أَوْ ثَلَاثُ حِقَاقٍ فَإِنْ تَسَاوَيَا أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَخُيِّرَ فِي الثَّالِثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا بِأَنْ كَانَ فِي الْأَقَلِّ عَدَدُ مَا تَجِبُ فِيهِ بِنْتُ اللَّبُونِ أَوْ الْحِقَّةُ أُخِذَ مِنْهُ وَاحِدٌ وَإِلَّا أُخِذَ الثَّلَاثُ مِنْ الْأَكْثَرِ. ص (وَفِي أَرْبَعِينَ جَامُوسًا وَعِشْرِينَ بَقَرَةً مِنْهُمَا) ش؛ لِأَنَّ مِنْ السِّتِّينَ تَقَرَّرَتْ النُّصُبُ وَاتَّحَدَ الْوَقَصُ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ نِصَابٍ عَلَى حِدَتِهِ كالْأَرْبعِمِائَةِ فِي الْغَنَمِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَامِيسِ تَبِيعٌ عَنْ ثَلَاثِينَ وَيَبْقَى مِنْهَا عَشْرَةٌ تُضَمُّ إلَى عِشْرِينَ مِنْ الْبَقَرَةِ فَتَكُونُ الْبَقَرُ هِيَ الْأَكْثَرُ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا تَبِيعٌ. [فَرْعٌ الْمَاشِيَة صِنْفَيْنِ تَوَافَرَتْ فِي أَحَدهمَا شُرُوط الزَّكَاةِ وَلَمْ تَتَوَافَر فِي الْآخِر] (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ: إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مِنْ صِنْفَيْنِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِيهِ السِّنُّ الْمَفْرُوضُ وَالْآخَرَ لَيْسَ فِيهِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُؤْخَذُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ السِّنَّ مِنْ الْجِنْسِ الْآخَرِ فَإِنْ عُدِمَا فَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يُكَلِّفَهُ ذَلِكَ السِّنَّ مِنْ أَيِّ الْجِنْسَيْنِ شَاءَ وَهَذَا نَظِيرُهُ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ. ص (وَمَنْ هَرَبَ بِإِبْدَالِ مَاشِيَةٍ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَنَى فِي رَاجِعَةٍ بِعَيْبٍ أَوْ فَلَسٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَاشِيَةٌ فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ بَاعَهَا فَأَقَامَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ ظَهَرَ فِيهَا أَوْ بِتَفْلِيسِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَائِعَ يَبْنِي عَلَى حَوْلِهَا الَّذِي عِنْدَهُ فَيُزَكِّيهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا أَوْ مِنْ يَوْمِ زَكَّاهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ وَفُسِّرَ فِي التَّوْضِيحِ الْبِنَاءُ بِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ نَفْسِهِ، وَفَسَّرَ الرَّجْرَاجِيُّ الْبِنَاءَ بِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْمُشْتَرِي وَالْكُلُّ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ إنْ رُدَّتْ إلَيْهِ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ الشِّرَاءِ فَقَدْ مَضَى لَهَا عِنْدَهُ حَوْلٌ، وَإِنْ رُدَّتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: اُخْتُلِفَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ هَلْ هُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ نَقْضٌ لَهُ الْآنَ؟ وَكَذَلِكَ الْمَرْدُودُ فِي الْفَلَسِ وَعَلَى ذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْمَاشِيَةِ تُرَدُّ بِعَيْبٍ أَوْ بِنَقْضِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِيهَا، أَوْ يَأْخُذُهَا رَبُّهَا لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ قَامَتْ بِيَدِهِ حَوْلًا أَوْ أَحْوَالًا فَهَلْ تُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ؟ وَهَلْ يَبْنِي رَبُّهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا أَوْ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا؟ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ قَوْلَانِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِالِاسْتِقْبَالِ إنَّمَا هُوَ تَخْرِيجٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ، وَالْمَنْصُوصُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ الْأَوَّلُ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ غَنَمًا فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ حَوْلًا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي فَزَكَاتُهَا عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ رَدَّهَا بَعْدَ أَنْ أَدَّى فِيهَا شَاةً فَلْيَرُدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُصَدِّقُ، وَلَوْ فَلِسَ الْمُشْتَرِي فَقَامَ الْغُرَمَاءُ وَجَاءَ السَّاعِي فَالزَّكَاةُ مُبَدَّأَةٌ، وَمَا بَقِيَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَوْ طَلَبَ رَبُّ الْغَنَمِ أَخْذَهَا فِي التَّفْلِيسِ، وَقَدْ أَتَى الْمُصَدِّقُ فَلَهُ أَخْذُ شَاةٍ ثُمَّ إنْ شَاءَ رَبُّهَا أَخَذَهَا نَاقِصَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، انْتَهَى. ص (كَمُبَدِّلِ مَاشِيَةٍ تِجَارَةً) ش: إذَا أَبْدَلَهَا بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ

الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ رِقَابَهَا أَمَا؛ لِأَنَّهَا دُونَ نِصَابٍ أَوْ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَإِنْ زَكَّى رِقَابَهَا وَبَاعَهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِهَا فَالْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ إلَى إبْدَالِهَا، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ لِاسْتِهْلَاكٍ) ش: يَعْنِي: أَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ مَاشِيَتَهُ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ فَأَخَذَ بَدَلَهَا نِصَابَ عَيْنٍ أَوْ مَاشِيَةٍ مِنْ نَوْعِهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأُولَى فَالْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةٌ إلَى إبْدَالِهَا بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمَاشِيَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (كَنِصَابِ قُنْيَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ لِلْقِنْيَةِ فَأَبْدَلَهَا بِنِصَابِ عَيْنٍ أَوْ بِنِصَابٍ مِنْ نَوْعِهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ فَالتَّشْبِيهُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْضًا، وَلَوْ أَبْدَلَهَا بِدُونِ نِصَابٍ مِنْ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَبْدَلَهَا بِدُونِ نِصَابٍ مِنْ نَوْعِهَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ نِصَابٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ دُونَ النِّصَابِ لِلْقِنْيَةِ وَأَبْدَلَهَا بِنِصَابٍ أَنَّهُ لَا يَبْنِي وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَيْنِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَوْعِ الْمَاشِيَةِ فَلَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّجْرَاجِيُّ، وَلَكَ أَنْ تَحْمِلَ قَوْلَهُ كَنِصَابِ قُنْيَةٍ عَلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي إبْدَالِهَا بِالْعَيْنِ فَقَطْ وَيَكُونُ سَكَتَ عَنْ حُكْمِ إبْدَالِ نِصَابِ الْقُنْيَةِ بِنَوْعِهِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَحْمَلَيْنِ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (لَا مُخَالِفِهَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْنِي إذَا أَبْدَلَ

الْمَاشِيَةَ بِمُخَالِفِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ أَوْ الْقُنْيَةِ، وَسَوَاءٌ أُخِذَتْ مُبَادَلَةً أَوْ لِاسْتِهْلَاكٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِذَلِكَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ وَغَيْرِهِ وَاضِحٌ. ص (وَخَلْطُ الْمَاشِيَةِ كَمَالِكٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخُلْطَةُ اجْتِمَاعُ نِصَابَيْ نَعَمِ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ فِيمَا يُوجِبُ تَزْكِيَتَهُمَا عَلَى مِلْكِ وَاحِدٍ، انْتَهَى. ص (إنَّ نُوِيَتْ) ش: أَيْ الْخُلْطَةُ يُرِيدُ وَلَمْ يَقْصِدَا بِالْخُلْطَةِ الْفِرَارَ مِنْ تَكْثِيرِ الْوَاجِبِ إلَى تَقْلِيلِهِ فَإِنْ قَصَدَا ذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لِلْخُلْطَةِ وَيُؤْخَذَانِ بِمَا كَانَا عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَثْبُتُ الْفِرَارُ بِالْقَرِينَةِ وَالْقُرْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي الْقُرْبِ الْمُوجِبِ تُهْمَتَهُمَا خَمْسَةٌ ابْنُ الْقَاسِمِ اخْتِلَاطُهُمْ لِأَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَقْرُبْ جِدًّا ابْنُ حَبِيبٍ أَقَلُّهُ شَهْرٌ وَمَا دُونَهُ لَغْوٌ مُحَمَّدٌ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ مَا لَمْ يَقْرُبْ جِدًّا ابْنُ بَشِيرٍ فِي كَوْنِ مُوجِبِ التُّهْمَةِ شَهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ شَهْرًا، ثَالِثُ الرِّوَايَاتِ دُونَهُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ الْإِشْكَالِ كَيَمِينِ التُّهْمَةِ، ثَالِثُهَا يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ الْبَاجِيُّ لَا يُؤْخَذُ بِنَقْضِ حَالِهِمَا إلَّا بِتَيَقُّنِ فِرَارِهِمَا، وَإِنْ شُكَّ فِيهِ حُمِلَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا الْقَاضِي إنْ اُتُّهِمَا حَلَفَا وَإِلَّا فَلَا، وَأَخَذَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الْإِحْلَافِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا مِنْ قَوْلِهَا مَنْ قَالَ فِيمَا بِيَدِهِ قِرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ مِدْيَانٌ أَوْ لَمْ يَحِلَّ الْحَوْلُ لَمْ يَحْلِفْ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَيْنِ أَمِينٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ سَنَدٍ، وَمِنْهُ مَسْأَلَةٌ فِي أَوَّلِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ، قَالَ: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنٍ لَهُ بِغَنَمٍ فَحَازَهَا لَهُ وَوَسَمَهَا، فَإِنْ ضَمَّهَا إلَى غَنَمِهِ كَانَ فِيهَا شَاتَانِ، وَإِنْ أَفْرَدَهَا كَانَ فِيهَا شَاةٌ، قَالَ: لَا يَضُمُّهَا إلَى غَنَمِهِ، قَالَ فَلَوْ ضَمَّهَا، وَقَالَ لِلْمُصَدِّقِ لَمَّا جَاءَ: لَيْسَ لِي إلَّا كَذَا وَكَذَا وَسَائِرُهَا تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى وَلَدِي، أَيُصَدِّقُهُ السَّاعِي؟ قَالَ نَعَمْ يُصَدِّقُهُ إنْ كَانَ عَلَى صَدَقَتِهِ بَيِّنَةٌ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ: يُصَدِّقُهُ عَلَى تَعْيِينِ الْغَنَمِ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ تُعَيِّنْهَا، وَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَصْلًا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْغَنَمَ كَانَتْ لَهُ وَادَّعَى مَا يُسْقِطُ زَكَاتَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْآتِيَ. ص (وَكُلُّ حُرٍّ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَخُلْطَةُ الْعَبْدِ سَيِّدَهُ وَشَرِكَتُهُ كَأَجْنَبِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يُزَكِّي السَّيِّدُ الْجَمِيعَ، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَبْدِ يَكُونُ شَرِيكًا لِسَيِّدِهِ فِي الزَّرْعِ فَلَا يَرْفَعَانِ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ هَلْ يَكُونُ فِيهَا زَكَاةٌ أَوْ يَكُونُ خَلِيطًا؟ وَكَذَلِكَ فِي الْغَنَمِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ هَلْ عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ فِي زَرْعٍ وَلَا غَنَمٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا كَلَامَ وَاحْذَرْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا أَوْ يَرْوِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ ضَلَالٌ ابْنُ رُشْدٍ، مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَإِنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ يُوجِبُ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ فِي الزَّرْعِ وَالْغَنَمِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ كِنَانَةَ نَحْوُهُ، قَالَ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ جَمِيعِ

ذَلِكَ ثُمَّ يَصْنَعُ هُوَ وَعَبْدُهُ مَا شَاءَا، انْتَهَى. ص (مَلَكَا نِصَابًا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالشَّرِيكَانِ كَالْخَلِيطَيْنِ وَلَا تَرَادَّ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي جُمْلَةِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الثَّانِي وَالشُّرَكَاءُ فِي كُلِّ حَبٍّ يُزَكَّى أَوْ تَمْرٍ أَوْ عِنَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّهُ مِنْهُمْ - فِي النَّخِيلِ وَالزَّرْعِ وَالْكُرُومِ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ - زَكَاةٌ، انْتَهَى. وَفِي الْمُقَرِّبِ، قَالَ مَالِكٌ: وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الشُّرَكَاءِ فِي النَّخِيلِ وَالزَّرْعِ وَالْكُرُومِ وَالزَّيْتُونِ إذَا بَلَغَ حَظُّ كُلٍّ مِنْهُمْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ فَلَا شَيْءَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا زَكَاةَ عَلَى شَرِيكِ حِصَّةٍ دُونَ نِصَابٍ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ وَحَرْثٍ، انْتَهَى. ص (بِحَوْلٍ) ش: يَعْنِي أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْحَوْلِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ اتِّحَادَ نَوْعَيْ الْمَاشِيَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ. ص (بِمِلْكٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ) ش: أَيْ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ اشْتِرَاكٍ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْخَمْسَةِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ ص (وَمُرَاحٍ) ش: ضَبَطَهُ عِيَاضٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْجَوْهَرِيُّ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمَبِيتِ فَبِالضَّمِّ وَبِمَعْنَى مَوْضِعِ الِاجْتِمَاعِ لِلرَّوَاحِ لِلْمَبِيتِ فَبِالْفَتْحِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِذِكْرِهِ الْمَبِيتَ ص (بِرِفْقٍ)

ش:، وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلْجَمِيعِ قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ خَلَطُوهَا لِلرِّفْقِ فَكَالْمَالِكِ الْوَاحِدِ ص (، وَلَوْ انْفَرَدَ وَقَصٌ لِأَحَدِهِمَا) ش: تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْوَقَصَ هُوَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي جَمْعِ الْمَاشِيَةِ، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَالْوَقَصُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَا لَا زَكَاةَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ فِي الزَّكَاةِ، وَجَمْعُهُ أَوْقَاصٌ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: هُوَ مَا وَجَبَ فِيهِ الْغَنَمُ كَالْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ إلَى الْعِشْرِينَ، وَقِيلَ هُوَ فِي الْبَقَرِ خَاصَّةً، قَالَ سَنَدٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى تَسْكِينِ الْقَافِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهِ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ أَوْقَاصٌ كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ وَجَبَلٍ وَأَجْبَالٍ، وَلَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً لَجُمِعَ عَلَى أَفْعَلَ، مِثْلُ كَلْبٍ وَأَكْلُبٍ وَفَلْسٍ وَأَفْلُسٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: حَوْلٌ وَأَحْوَالٌ، وَهَوْلٌ وَأَهْوَالٌ وَكَبَرٌ وَأَكْبَارٌ، انْتَهَى. وَفِي عَدِّهِ " كِبَرٌ " " وَأَكْبَارٌ " فِي سَلْكِ ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَبَرَ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَلَا يَنْهَضُ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ جَمَلَ وَجَبَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقْصُ الْعُنُقِ: كَسْرُهَا، وَوَقَصَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَبِفَتْحِ الْقَافِ قِصَرُ الْعُنُقِ وَوَاحِدُ الْأَوْقَاصِ فِي الصَّدَقَةِ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الشَّنَقُ، وَقِيلَ: الْوَقَصُ فِي الْبَقَرِ وَالشَّنَقُ فِي الْإِبِلِ، وَتَقُولُ تَوَقَّصَتْ بِهِ فَرَسُهُ إذَا نَزَا نَزْوًا يُقَارِبُ الْخَطْوَ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الشَّرْعِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ لِمَعْنًى لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالزَّكَاةِ الَّتِي لَمْ تُعْلَمْ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَاسْتُعِيرَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِهَذَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ " وَقَصِ الْعُنُقِ " الَّذِي هُوَ قِصَرُهُ لِقُصُورِهِ عَنْ النِّصَابِ أَوْ مِنْ " وَقَصَتْ بِهِ فَرَسُهُ " إذَا قَارَبَتْ الْخَطْوَ؛ لِأَنَّهُ يُقَارِبُ النِّصَابَ، قَالَ سَنَدٌ وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْوَقَصِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالشَّنَقُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ، قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ مَا يُزَكَّى مِنْ الْإِبِلِ بِالْغَنَمِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الشَّنَقِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَحَكَاهُ عَنْهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الشَّنَقَ مُرَادِفًا لِلْوَقَصِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَفَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِذَلِكَ أَيْضًا، قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَنَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَشْنَقَ إلَى مَا يَلِيهِ، أَيْ أُضِيفَ وَجُمِعَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا وَجَبَتْ عَلَى الرَّجُلِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ قَدْ أَشْنَقَ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَنَقٌ فَلَا يَزَالُ مُشْنَقًا إلَى أَنْ تَبْلُغَ إبِلُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَقَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْإِشْنَاقِ وَيُقَالُ لَهُ: مَعْقِلٌ أَيْ مُؤَدٍّ لِلْعِقَالِ مَعَ بِنْتِ الْمَخَاضِ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفَرْضٌ، أَيْ وَجَبَتْ فِي إبِلِهِ الْفَرِيضَةُ، انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - سُمِّيَ شَنَقًا لِكَوْنِهِ أُشْنِقَ إلَى غَيْرِهِ أَيْ أُضِيفَتْ الْإِبِلُ إلَى الْغَنَمِ فَزُكِّيَتْ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فِي الْقِيمَةِ) ش: يُرِيدُ: وَلَوْ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِشَاةٍ كَامِلَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ جُزْءًا فَتَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ ابْنُ عَرَفَةَ اتِّفَاقًا، وَشَاذُّ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ شَاسٍ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا قَوْلَ أَشْهَبَ: لَيْسَ لِمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ حِقَّةٌ عَنْهُمَا أَخْذُ خَلِيطِهِ بِجُزْءٍ وَحِقَّةٍ وَمَنْ قَالَ: لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ جُزْءًا مِنْهَا لَمْ

أَعِبْهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ، بَلْ جَزَمَ بِنَقِيضِهِ سَلَّمْنَاهُ، مَدْلُولُهُ خِيَارُ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لَا لُزُومُهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْأَخْذِ أَوْ يَوْمَ الْقَضَاءِ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَخْرِيجِ الشَّيْخِ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (كَالْخَلِيطِ الْوَاحِدِ) ش: هَذَا جَوَابٌ عَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: " عَلَيْهِ شَاةٌ إلَى آخِرِهِ " زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي الْأُولَى وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيَانًا لَهُمَا فَإِنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا يُلْزِمُ فِي الثَّانِيَةِ شَاةً - عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ ثُلُثَاهَا وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا - قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ ص (بِالْقِيمَةِ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ تَرَاجُعَ الْخُلَطَاءِ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا وَلَا كَبِيرَ فَائِدَةٍ فِيهِ حِينَئِذٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ إلَى أَنَّ السَّاعِيَ إذَا وَجَبَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِذَا وَجَبَ جُزْءٌ تَعَيَّنَ أَخْذُ الْقِيمَةِ لَا جُزْءٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يُسَنَّى إذَا وَجَبَ لِلسَّاعِي عَلَى أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ جُزْءُ شَاةٍ أَوْ جُزْءُ بَعِيرٍ فَإِنَّ عَلَى السَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَةَ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " تَعَيَّنَ أَخْذُ الْقِيمَةِ "، وَقِيلَ يَأْتِي بِشَاةٍ يَكُونُ لِلسَّاعِي جُزْؤُهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إذْ لَا بُدَّ لِلشَّاةِ مِنْ الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْقِيمَةُ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ فَدَفَعَ قِيمَتَهَا إذْ لَا ضَرُورَةَ بِخِلَافِ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَخَرَجَ السَّاعِي، وَلَوْ بِجَدْبٍ طُلُوعَ الثُّرَيَّا بِالْفَجْرِ) ش: مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ تُؤْخَذُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ

نزل به الساعي فقال له إنما أفدت غنمي منذ شهر

وَلَوْ أَدَّى لِسُقُوطِ عَامٍ فِي نَحْوِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ فِي أَيِّ فَصْلِ كَانَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا هِيَ مَنُوطَةٌ فِي الْغَالِبِ بِالسِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ، وَلَوْ قُلْنَا بِمَا قَالَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ لَأَدَّى إلَى سُقُوطِ عَامٍ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ عَامًا وَمَا قُلْنَاهُ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَلَّقَ مَالِكٌ الْحُكْمَ هُنَا بِالسِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ سَنَةٍ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي الِاحْتِجَاجِ لِلشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّ رَبْطَهُ بِالثُّرَيَّا يُؤَدِّي لِلزِّيَادَةِ فِي الْحَوْلِ زِيَادَةَ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ: إنَّ ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ لِأَجْلِ أَنَّ الْمَاشِيَةَ تَكْتَفِي فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ بِالْحَشِيشِ عَنْ الْمَاءِ فَإِذَا أَقْبَلَ الصَّيْفُ اجْتَمَعَتْ عَلَى الْمِيَاهِ فَلَا تَتَكَلَّفُ السُّعَاةُ كَثْرَةَ الْحَرَكَةِ وَلِأَنَّهُ عَمَلُ الْمَدِينَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَدًّا عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: الْبَعْثُ حِينَئِذٍ لِمَصْلَحَةِ الْفَرِيقَيْنِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلْمِيَاهِ لَا لِأَنَّهُ حَوْلٌ لِكُلِّ النَّاسِ بَلْ كُلٌّ عَلَى حَوْلِهِ الْقَمَرِيِّ فَاللَّازِمُ فِيمَنْ بَلَغَتْ مِنْ أَحْوَالِهِ مِنْ الشَّمْسِيَّةِ مَا تَزِيدُ عَلَيْهِ الْقَمَرِيَّةُ حَوْلًا كَوْنُهُ فِي الْعَامِ الزَّائِدِ كَمَنْ تَخَلَّفَ سَاعِيهِ لَا سُقُوطُهُ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ لِكَوْنِ السَّاعِي شَرَطَ وُجُوبَ فَائِدَةٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي كَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ حَوْلِهَا إذْ حَوْلُهَا مَجِيءُ السَّاعِي مَعَ مُضِيِّ عَامٍ، انْتَهَى. فَهَذَا يُعْلِمُ قَطْعًا أَنَّ عِنْدَهُ حَوْلًا فَكَانَ اللَّازِمُ أَنْ يُزَكِّيَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَهُ أَنْ يَذْبَحَ وَيَبِيعَ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي، وَإِنْ نَقَّصَ ذَلِكَ مِنْ زَكَاتِهَا إلَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا فَيَلْزَمُهُ مَا فَرَّ مِنْهُ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا تَخَلَّفَ عَنْهُ السَّاعِي فَلْيَنْتَظِرْهُ وَلَا يُخْرِجْ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إنَّ حَلَّ الْحَوْلُ بَعْدَ أَنْ مَرَّ السَّاعِي بِهِ بِيَسِيرٍ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَلْيُخْرِجْ لِلْحَوْلِ إنْ خَفِيَ لَهُ فَإِنْ خَافَ أَنْ يُؤَاخِذَاهُ انْتَظَرَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ عَزَلَ ضَحَايَا لِعِيَالِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا، يُرِيدُ: أَشْهَدَ أَنَّهَا لِعِيَالِهِ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ جَاءَ وَهِيَ حَيَّةٌ بَعْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُشْهِدْ فَلْيُزَكِّهَا، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ يُونُسَ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ نَحْوُهُ إذْ فِيهَا عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَمَا ذَبَحَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ قُدُومِ السَّاعِي ثُمَّ قَدِمَ لَمْ يُحَاسِبْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُزَكِّي مَا وَجَدَ بِيَدِهِ حَاضِرًا، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَنَصَّهُ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ: لِرَبِّهَا الْأَكْلُ مِنْهَا وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ حَوْزِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي إنْ لَمْ يُرِدْ فِرَارًا فَيَحْسُبُ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ مَرَّ السَّاعِي بِالْوَارِثِ بَعْدَ بَعْضِ الْحَوْلِ تَرَكَهُ لِلْحَوْلِ الثَّانِي، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُوصِي بِقَبْضِهَا عِنْدَ كَمَالِ حَوْلِهَا وَيَصْرِفُهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَإِنَّ كُلَّ شَهْرٍ يَتَجَدَّدُ فِيهِ كَمَالُ أَحْوَالِهِ وَلَمْ تَكُنْ السُّعَاةُ تَتَجَدَّدُ فِي ذَلِكَ بَلْ كَانُوا يَقْتَضُونَ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ، انْتَهَى. وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذِهِ النُّصُوصَ بِلَفْظِهَا لِيُسْتَفَادَ حُكْمُهَا وَيَظْهَرَ الْأَخْذُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) طُلُوعُ الثُّرَيَّا بِالْفَجْرِ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي مُنْتَصَفِ شَهْرِ أَيَارَ وَهُوَ مَايُه، وَقِيلَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَهَذَا عَلَى حِسَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَطُلُوعُهَا لِيَوْمِ ثَانِي عِشْرِينَ مِنْ أَيَارَ وَمَايُه وَهُوَ سَابِعُ عِشْرِينَ بَشَنْس وَالشَّمْسُ فِي عَاشِرِ دَرَجَةٍ مِنْ بُرْجِ الْجَوْزَاءِ وَهُوَ أَوَّلُ فَصْلِ الصَّيْفِ عَلَى حِسَابِ الْمَغَارِبَةِ وَالْفَلَّاحِينَ وَعَلَى حِسَابِ غَيْرِهِمْ أَوَاخِرَ الرَّبِيعِ [نَزَلَ بِهِ السَّاعِي فَقَالَ لَهُ إنَّمَا أَفَدْت غَنَمِي مُنْذُ شَهْرٍ] (الثَّانِي) ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَزَلَ بِهِ السَّاعِي فَقَالَ لَهُ إنَّمَا أَفَدْت غَنَمِي مُنْذُ شَهْرٍ صُدِّقَ مَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُحَلَّفُ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ يُحَلِّفُ النَّاسَ مِنْ السُّعَاةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْلِفُ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: الْمَعْرُوفُ بِالدِّيَانَةِ لَا يُطَالَبُ وَلَا يُحَلَّفُ، وَالْمَعْرُوفُ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ يُطَالَبُ بِهَا وَلَا يَحْلِفُ، وَالْمَجْهُولُ الْحَالِ فِي الزَّكَاةِ، وَلَوْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ يَحْلِفُ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي تَحْلِيفِ مَنْ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا

لا يحل للساعي أن يستضيف من يسعى عليه

يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الثَّالِثَ تَفْسِيرٌ قَالَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ صَحِيحٌ فِيمَنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى مَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى عَلَيْهِ السَّاعِي أَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يُتَّهَمُ لَمْ يَحْلِفْ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فَقَوْلَانِ، انْتَهَى. مِنْ أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ. [لَا يَحِلُّ لِلسَّاعِي أَنْ يَسْتَضِيفَ مَنْ يَسْعَى عَلَيْهِ] (الثَّالِثُ) فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْهُ لَا يَحِلُّ لِلسَّاعِي أَنْ يَسْتَضِيفَ مَنْ يَسْعَى عَلَيْهِ إلَّا مَنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالضِّيَافَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيُكْرَهُ لِلذَّرِيعَةِ وَخَوْفًا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي إكْرَامِهِ لِلسِّعَايَةِ وَلَا يَسْتَعِيرُ دَوَابَّهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَشُرْبُ الْمَاءِ خَفِيفٌ ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى عَلِيٌّ وَابْنُ نَافِعٍ وَصِدِّيقُهُ كَغَيْرِهِ، وَرَوَى سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مَا خَفَّ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ الصَّدَقَةِ. [لِكُلِّ أَمِيرِ إقْلِيمٍ قَبْضُ صَدَقَاتِ إقْلِيمِهِ] (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ: لِكُلِّ أَمِيرِ إقْلِيمٍ قَبْضُ صَدَقَاتِ إقْلِيمِهِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ، وَلَيْسَ لِسَاعِي الْمَدِينَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ مَرَّ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ سَحْنُونٌ فِي رَجُلٍ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فِي أَرْبَعَةِ أَقَالِيمَ: يَأْخُذُ كُلُّ أَمِيرٍ رُبْعَ شَاةٍ يَأْتِيهِ بِشَاةٍ يَكُونُ لَهُ رُبْعُهَا، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ كُلُّ أَمِيرٍ قِيمَةَ رُبْعِ شَاةٍ أَجْزَأَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ وَسْقٌ أَعْطَى لِكُلِّ أَمِيرٍ زَكَاةَ وَسْقٍ، وَإِنْ كَانَ الْوُلَاةُ غَيْرَ عُدُولٍ أَخْرَجَ مَا لَزِمَهُ كَمَا ذَكَرْنَا. [حَالَ الْحَوْلُ وَالْإِبِلُ فِي سَفَرٍ] (الْخَامِسُ) إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَالْإِبِلُ فِي سَفَرٍ فَلَا يُصَدِّقُهَا السَّاعِي وَلَا رَبُّهَا حَتَّى تَقْدَمَ فَإِنْ مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا حَدَثَ بِهَا، وَإِذَا مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهَا إلَّا مِنْهَا، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَقَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. [تَخْرُجُ السُّعَاةُ لِلزَّرْعِ وَالثِّمَارِ عِنْدَ كَمَالِهَا] (السَّادِسُ) قَالَ سَنَدٌ تَخْرُجُ السُّعَاةُ لِلزَّرْعِ وَالثِّمَارِ عِنْدَ كَمَالِهَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. [دُعَاء السَّاعِي لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ] (السَّابِعُ) لَا يَجِبُ عَلَى السَّاعِي الدُّعَاءُ لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ خِلَافًا لِدَاوُدَ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْقُرْطُبِيَّةِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ لَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ لَمْ يَكُونُوا يَأْمُرُونَ بِذَلِكَ السُّعَاةَ بَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] فَهَذَا سَبَبُ الْأَمْرِ بِذَلِكَ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِجَدْبِ " مُقَابِلُهُ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: لَا تَخْرُجُ السُّعَاةُ سَنَةَ الْجَدْبِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ فِي أَوَائِلِ الزَّكَاةِ: وَلِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ خُرُوجِهِمْ سَنَةَ الْجَدْبِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَإِذَا خَرَجُوا سَنَةَ الْجَدْبِ فَيَأْخُذُونَ الْوَاجِبَ، وَلَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ عِجَافًا خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْجَدْبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ضِدُّ الْخِصْبِ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ إنْ كَانَ وَبَلَغَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُعَاةٌ أُخْرِجَتْ كَالْعَيْنِ اللَّخْمِيُّ - اتِّفَاقًا - الشَّيْخُ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّعَاةُ، انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُزَكِّي بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ مُرُورِ السَّاعِي عَلَى النَّاسِ وَيَتَحَرَّى أَقْرَبَ السُّعَاةِ وَهَذَا إذَا كَانَ بِبَلَدِهِ مَنْ يَصْرِفُهَا لَهُ وَإِلَّا نَقَلُوهَا لِحَوَاضِرِ الْبِلَادِ إنْ كَانَتْ تَصِلُ، وَإِنْ لَمْ تَصِلْ فَتُبَاعُ وَيُشْتَرَى مِثْلُهَا كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ، قَالَ فِي سَمَاع ابْنِ الْقَاسِمِ: أَوْ يَدْفَعُ لَهُ قِيمَتَهَا لِلضَّرُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَبْلَهُ يَسْتَقْبِلُ الْوَارِثُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إذَا مَاتَ رَبُّ الْغَنَمِ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَارِثِ إخْرَاجُهَا عَنْهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ إخْرَاجُهَا ص (وَلَا تَبْدَأُ إنْ أَوْصَى بِهَا) ش: أَيْ فِي الثُّلُثِ وَيَبْدَأُ عَلَيْهَا فَكُّ الْأَسِيرِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هِيَ مَرْتَبَةُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ ذَكَرَهُ فِي زَكَاةِ الثِّمَارِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتُفَرَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَفِي الْأَصْنَافِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ وَلَيْسَ

ذبح الشاة الواجبة عليه وصدقها لحما

لِلسَّاعِي قَبْضُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمَيِّتِ أَبُو الْحَسَنِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْلُكَ بِهَا مَسْلَكَ الزَّكَاةِ فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ مَصْرِفَهَا، قَالَ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ أَمْ لَا، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَعْنَاهُ كَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَوْجَبْت عَلَيَّ زَكَاةَ مَاشِيَتِي؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَيَّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّطَوُّعَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُنَفِّذُوا وَصِيَّتَهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ وُجُوبَهَا مُعَلَّقٌ بِمَجِيءِ السَّاعِي وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَنْ لَهُ سُعَاةٌ، وَأَمَّا مَنْ لَا سُعَاةَ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَجْرِي الْجَوَابُ فِيهَا عَلَى زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ فَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَصَّى بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يُوَصِّ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرٌ ص (وَلَا تَجْزِي) ش: أَيْ إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي وَهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالتَّفْرِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّ مَجِيءَ السَّاعِي شَرْطُ وُجُوبٍ بَلْ وَعَلَى مُقَابِلِهِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ شَرْطُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَ قَبْلَ حُصُولِ شَرْطِ الْأَدَاءِ لَغْوٌ، وَقَدْ بَحَثَ هَذَا الْبَحْثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْآتِي بِالتَّطَوُّعِ عَنْ الْوَاجِبِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ سِوَى مَا ذُكِرَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُخَرَّجَ الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَعَلَّلَهُ الْقَرَافِيُّ بَعْلَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ كَدَفْعِ مَالِ السَّفِيهِ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ. (الثَّانِي) هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ فَلْيَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا إنْ خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَهْرَبَ بِهَا عَنْهُمْ إنْ قَدَرَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَجْزَأَهُ مَا أَخَذُوا ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِنْ خَافَ أَخْذَهُ انْتَظَرَهُ. [ذَبَحَ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهَا لَحْمًا] (الثَّالِثُ) لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهَا لَحْمًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِيهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَوَّازِ تُجْزِيهِ نَقَلَهُ الْبِسَاطِيُّ عَنْ النَّوَادِرِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي زَكَاةِ غَنَمِهِ فَذَبَحَهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَقَالَ: لَا تُجْزِئُهُ لِذَبْحِهِ إيَّاهَا فَكَيْفَ إنْ أَمَرَ رَجُلًا فَقَالَ لَهُ: اذْبَحْهَا وَتَصَدَّقْ بِهَا؟ قُلْت: فَظَاهِرُهُ لَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ يَدَ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ بِدَلِيلِ مَا فِي الرُّهُونِ، انْتَهَى. ص (كَمَرِّهِ بِهَا نَاقِصَةً ثُمَّ رَجَعَ، وَقَدْ كَمُلَتْ) ش: أَيْ بِوِلَادَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا بِنِصَابٍ مِنْ نَوْعِهَا فَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ، وَأَمَّا لَوْ كَمُلَتْ بِفَائِدَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إرْثٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ حِينَئِذٍ. [فَرْعٌ ضَلَّ بَعِيرٌ مِنْ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ] (فَرْعٌ) لَوْ ضَلَّ بَعِيرٌ مِنْ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَمَرَّ بِهِ السَّاعِي نَاقِصًا فَلَا زَكَاةَ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ بَعْدَهُ فَهَلْ يُزَكِّيهِ حِينَئِذٍ وَلَا يَنْتَظِرُ السَّاعِي، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ أَيِسَ مِنْهُ فَلْيَجْعَلْ السَّنَةَ مِنْ يَوْمِ يَجِدُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى رَجَاءٍ فَلْيَتْرُكْهُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ كَ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الْعَبْدِ الْآبِقِ يَعْنِي يُزَكِّيهِ قَبْلَ أَنْ يَجِدَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَفِيهَا نَظَرٌ وَاخْتَارَ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ رَاجِيًا لَهُ زَكَّاهُ حِينَ يَجِدُهُ، وَإِنْ كَانَ يَائِسًا مِنْهُ اسْتَقْبَلَ بِهِ كَالْفَائِدَةِ، قَالَهُ فِي رَسْمٍ لَمْ يُدْرَكْ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ وَنَصَّهُ، وَلَوْ ضَلَّ بَعْضُ

النِّصَابِ بَعْدَ حَوْلِهِ فَمَرَّ بِهِ السَّاعِي نَاقِصًا ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَهُ فَفِي زَكَاتِهِ وَانْتِقَالِ حَوْلِهِ لَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْتَظِرُ السَّاعِيَ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي أَوْ إنْ أَيِسَ مِنْهُ، وَالْمُرْجَى عَلَى حَوْلِهِ الْأَوَّلِ ثَالِثُهَا الْمَرْجُوُّ عَلَى حَوْلِهِ وَالْمَيْئُوسُ مِنْهُ فَائِدَةٌ فَلَا زَكَاةَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ رُشْدٍ، انْتَهَى. ص (فَإِنْ تَخَلَّفَ وَأُخْرِجَتْ أَجْزَأَ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش: يَعْنِي إذَا كَانَ السُّعَاةُ مَوْجُودِينَ وَشَأْنُهُمْ الْخُرُوجُ وَتَخَلَّفُوا فِي بَعْضِ الْأَعْوَامِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ سُعَاةٌ أَصْلًا فَإِنَّهَا تَجِبُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ كَانَ وَبَلَغَ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ وَبَلَغَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كَالْمَنْطُوقِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ شَأْنُ السُّعَاةِ الْخُرُوجَ وَتَخَلَّفُوا فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ ابْتِدَاءً أَمْ لَا؟ لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِحُكْمِهِ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارَ الْغَيْرِ عُذِرَ فَإِنَّهُمْ يُخْرِجُونَ زَكَاتَهُمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا فَعَلُوهُ وَلَا يَنْبَغِي دُخُولُ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ اضْطِرَارَ الْفِتْنَةِ فَهَلْ يُخْرِجُونَهَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ أَوْ لَا يُخْرِجُونَهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ - جَوَازُ التَّأْخِيرِ وَعَزَاهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهَا لَمْ تُجْزِهِ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرْ، وَيُزَكِّيهَا أَرْبَابُهَا وَعَزَاهُ لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ، وَنَصَّ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي إجَازَةِ تَأْخِيرِهَا، وَلَوْ أَعْوَامًا لِمَجِيئِهِ وَإِيجَابِهِ إيَّاهَا، ثَالِثُهَا - لَا يَنْتَظِرُ لِرِوَايَةِ اللَّخْمِيِّ مَعَ نَقْلِهِ إنْ أَتَاهُ السَّاعِي بَعْدَ إخْرَاجِهَا لِتَخَلُّفِهِ أَجْزَأَ، وَنَقَلَهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا تُجْزِئُهُ وَاخْتَارَهُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ السَّاعِيَ وَكِيلٌ قُلْت فِي النَّوَادِرِ: رَوَى مُحَمَّدٌ مَنْ تَخَلَّفَ سَاعِيهِ انْتَظَرَهُ، وَكَذَا إنْ حَلَّ حَوْلُهُ بَعْدَ نُزُولِهِ بِيَسِيرٍ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَإِلَّا أَخْرَجَ لِحَوْلِهِ إنْ خَفِيَ لَهُ، وَإِنْ خَافَ أَخْذَهُ انْتَظَرَهُ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ تَأَخَّرَ السَّاعِي، قَالَ مَالِكٌ: انْتَظَرَهُ، انْتَهَى. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حَمْلُ صَدَقَاتِهِمْ وَلْتُؤْخَذْ مِنْهُمْ فِي حَوَائِطِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَرْبَابُ الزَّرْعِ، وَعَلَى السُّعَاةِ أَنْ يَأْتُوا أَرْبَابَ الْمَاشِيَةِ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَلَا يَقْعُدُونَ فِي قَرْيَةٍ وَيَبْعَثُونَ إلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ مِنْ الْمِيَاهِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا السَّاعِي فَعَلَيْهِ جَلْبُ مَاشِيَةٍ فَإِنْ ضَعُفَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَتَّفِقُوا عَلَى قِيمَتِهَا وَلَا بَأْسَ بِالْقِيمَةِ فِي مِثْلِ هَذَا، انْتَهَى. يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَحِلِّهِمْ فُقَرَاءُ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا ص (وَإِلَّا عَمِلَ عَلَى الزَّيْدِ وَالنَّقْصِ فِي الْمَاضِي بِتَبْدِئَةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُنْقِصَ الْأَخْذُ النِّصَابَ أَوْ الصِّفَةَ، فَيُعْتَبَرُ) ش: يَعْنِي، وَإِنْ تَخَلَّفَ السَّاعِي يُرِيدُ وَالْمَاشِيَةُ نِصَابٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَتَخَلُّفِهِ عَنْ أَقَلَّ وَلَمْ تَخْرُجْ الزَّكَاةُ فِي مُدَّةِ تَخَلُّفِهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ فِي الْمَاشِيَةِ عَلَى مَا يَجِدُهَا أَيْ يُزَكِّيهَا لِمَاضِي السِّنِينَ عَلَى مَا يَجِدُهَا مِنْ النَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يَضْمَنُ زَكَاةَ مُدَّةِ تَخَلُّفِهِ وَلَا نَقْصَهَا، وَلَوْ بِذَبْحٍ أَوْ بَيْعٍ الْبَاجِيُّ مَا لَمْ يُرِدْ فِرَارًا، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَلَا صَدَقَةَ فِيهَا، انْتَهَى. وَيُزَكِّيهَا لِمَاضِي السِّنِينَ عَلَى زِيَادَتِهَا ابْنُ يُونُسَ عَرَفَ عَدَدَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ، وَقَوْلُهُ " بِتَبْدِئَةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ " يَعْنِي: أَنَّهُ يُزَكِّي مَا وَجَدَهُ عَنْ أَوَّلِ سَنَةٍ ثُمَّ عَنْ الثَّانِيَةِ ثُمَّ عَنْ الثَّالِثَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ السَّاعِي أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْعَامِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْهَارِبِ، وَقَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يُنْقِصَ الْأَخْذُ النِّصَابَ

أَوْ الصِّفَةَ " فَيُعْتَبَرُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ " عَمِلَ عَلَى الزَّيْدِ وَالنَّقْصِ لِمَاضِي السِّنِينَ " يَعْنِي: أَنَّهُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ عَمَّا وَجَدَهُ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ مُبْتَدِئًا بِالْأَوَّلِ إلَّا إذَا نَقَصَ الْأَخْذُ النِّصَابَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ النَّقْصُ وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ حِينَئِذٍ، وَإِذَا نَقَصَ الْأَخْذُ صِفَةَ الْوَاجِبِ اُعْتُبِرَ وَأَخَذَ غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَ: " فَإِذَا نَقَصَ الْأَخْذُ النِّصَابَ أَوْ الصِّفَةَ اُعْتُبِرَ " كَانَ أَوْضَحَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَهَا عَلَى مَا فَارَقَهَا عَلَيْهِ أَنَّهُ يُزَكِّيهَا لِمَاضِي السِّنِينَ عَلَى مَا وَجَدَهَا مُبْتَدِئًا بِالْأَوَّلِ فَإِذَا نَقَصَ الْأَخْذُ النِّصَابَ أَوْ الصِّفَةَ اُعْتُبِرَ كَمَا لَوْ غَابَ عَنْ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ شَاةً أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ وَجَدَهَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا أَرْبَعًا، وَلَوْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ حِينَ غَابَ وَوَجَدَهَا كَذَلِكَ لَأَخَذَ وَاحِدَةً وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ فِي بَاقِي السِّنِينَ. (الثَّانِي) إذَا غَابَ عَنْهَا السَّاعِي وَهِيَ نِصَابٌ ثُمَّ نَقَصَتْ عَنْ النِّصَابِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى النِّصَابِ ثُمَّ أَفَادَ إلَيْهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى حَتَّى صَارَتْ أَلْفًا فَإِنْ كَانَ عَوْدُهَا إلَى النِّصَابِ بِوِلَادَةٍ أَوْ بِإِبْدَالٍ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تُزَكَّى الْأَلْفُ لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا آخُذَ بِهَذَا بَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا مِنْ يَوْمِ تَمَّتْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَسْقُطُ مَا قَبْلَهُ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَوْدُهَا لِلنِّصَابِ إنَّمَا هُوَ بِفَائِدَةٍ فَإِنَّمَا تُزَكَّى مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْ النِّصَابَ إلَى مَجِيءِ السَّاعِي اتِّفَاقًا، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ يُونُسَ وَأَصْلُهُ فِي النَّوَادِرِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ غَابَ السَّاعِي عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ أَتَى فَيَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسَ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْإِبِلِ هُنَا مِنْ غَيْرِهَا، زَادَ اللَّخْمِيُّ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَرْضُ، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا وَلَا يَجِدُ مَا يُزَكِّي عَنْهَا إلَّا أَنْ يَبِيعَ بَعِيرًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا بِخَمْسِ شِيَاهٍ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ. (الرَّابِعُ) ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا، وَإِنْ غَابَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ أَتَى فَلْيَأْخُذْ لِعَامٍ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ سِتَّ عَشْرَةَ شَاةً أَبُو الْحَسَنِ، ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَخْذُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فَقَالَ يُرِيدُ قَوْلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ أَيْ أَرْبَعَ شِيَاهٍ لِكُلِّ سَنَةٍ عَنْ عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْأَرْبَعُ الْبَاقِيَةُ وَقَصٌ سَوَاءٌ أَخَذَهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنَّمَا هَذَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ عَدَدِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا فَلْيَأْتِ فِي الْعَامِ الثَّانِي بِمِثْلِ مَا أَخَذَ مِنْهُ فِي الْأُولَى الشَّيْخُ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ خِلَافٌ وَهَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ، انْتَهَى. وَلِلَّخْمِيِّ فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ اخْتَارَهُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِنْتُ الْمَخَاضِ مَوْجُودَةً فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ وَعَزَلَهَا لِلْمَسَاكِينِ أَوَّلًا ابْنُ عَرَفَةَ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ إنْ تَخَلَّفَ عَنْ أَرْبَعِينَ تَيْسًا وَحْدَهُ سِنِينَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَا حُجَّةَ لِلسَّاعِي أَنَّ زَكَاتَهَا مِنْ غَيْرِهَا قُلْت؛ لِأَنَّهَا مِنْ نَوْعِهَا فَلَا يُشْكِلُ تَصَوُّرُهَا بِأَنَّ بَقَاءَهَا يَنْقُلُهَا عَنْ سِنِّهَا لِجَوَازِ بَدَلِهَا كُلَّ عَامٍ بِأَصْغَرَ مِنْهَا، انْتَهَى. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ تَلِفَ مِنْ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ بَعِيرٌ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي لَمْ يُزَكِّ إلَّا بِالْغَنَمِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ أَوْ الضَّمَانَ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بِمَجِيئِهِ، انْتَهَى. (الْخَامِسُ) إذَا غَابَ عَنْهُ السَّاعِي، وَعِنْدَهُ نِصَابٌ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ جَاءَ السَّاعِي بَعْدَ أَعْوَامٍ فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِدُونِ نِصَابٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِنِصَابٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الثَّمَنَ عِنْدَ كُلِّ سَنَةٍ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَاشِيَةَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَنْقُصَ الثَّمَنُ عَنْ النِّصَابِ، وَقِيلَ: إنَّمَا يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ كَذَا نَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ لِلْقَرِينَيْنِ وَالثَّانِي لِمُحَمَّدٍ وَنَصُّهُ: وَلَوْ بَاعَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ سَاعِيهِ بِسِنِينَ غَنَمَ تَجْرٍ بِنِصَابِ عَيْنٍ فَفِي زَكَاتِهِ لِعَامٍ أَوْ لِكُلِّ عَامٍ تُزَكَّى لَهُ لَوْ بَقِيَتْ مُسْقِطًا مِنْ كُلِّ عَامٍ زَكَاةَ مَا قَبْلَهُ مَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ نِصَابٍ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْقَرِينَيْنِ وَمُحَمَّدٌ، انْتَهَى. (السَّادِسُ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْأَسِيرِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ يَكْسِبُ مَالًا وَمَاشِيَةً وَلَا يَحْضُرُهُ فُقَرَاءُ مُسْلِمُونَ فَلْيُؤَخِّرْ الْعَيْنَ حَتَّى يَخْلُصَ أَوْ يُمْكِنَهُ بَعْثُهَا إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْمَاشِيَةِ كَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ السَّاعِي لَا يَضْمَنُ فَإِنْ تَخَلَّصْ بِهَا أَدَّى لِمَاضِي السِّنِينَ إلَّا مَا نَقَصَتْ

تنبيه أتى الساعي بعد غيبة سنين فقال له رجل معه ألف شاة أخذتها مني

الزَّكَاةُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْأَسِيرِ بَلْ قَالَ: لَوْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَيَشْمَلُ الْأَسِيرَ وَمَنْ أَسْلَمَ بِهَا وَنَحْوَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) إذَا غُصِبَتْ الْمَاشِيَةُ وَرَدَّهَا الْغَاصِبُ وَلَمْ تَكُنْ السُّعَاةُ تَمُرُّ بِهَا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا لِمَا مَضَى عَلَى مَا يَجِدُهَا إلَّا مَا نَقَصَتْهُ الزَّكَاةُ كَاَلَّذِي يَغِيبُ عَنْهُ السَّاعِي لَا كَالْهَارِبِ، وَلَوْ غُصِبَ بَعْضُ الْمَاشِيَةِ وَبَقِيَ دُونَ النِّصَابِ لَمْ يُزَكِّهِ السَّاعِي فَإِذَا عَادَتْ زَكَّى الْجَمِيعَ لِمَاضِي السِّنِينَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَزْكِيَةِ الْمَغْصُوبِ لِعَامٍ يُزَكِّي الْجَمِيعَ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ ص (كَتَخَلُّفِهِ عَنْ أَقَلَّ فَكَمُلَ وَصَدَّقَ) ش: التَّشْبِيهُ فِي كَوْنِهِ يُعْتَبَرُ هُنَا وَقْتُ الْكَمَالِ فَمِنْ وَقْتِ كَمَالِهَا نِصَابًا يُزَكِّيهَا عَلَى مَا يَجِدُهَا وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ سَنَةٍ مَا فِيهَا وَذَلِكَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَمُقَابِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تُزَكَّى عَلَى مَا يَجِدُهَا السَّاعِي لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ الْكَامِلَةِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَمُلَتْ بِوِلَادَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا بِمَاشِيَةٍ مِنْ نَوْعِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَيْضًا كَمُلَتْ بِفَائِدَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ حِينِ كَمَالِهَا نِصَابًا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ " كَتَخَلُّفِهِ عَنْ أَقَلَّ " أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ وَقْتَ تَخَلُّفِ السَّاعِي أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ نِصَابًا يُزَكِّي وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفِي كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ، وَنَصُّهُ: فَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْ دُونِ نِصَابٍ فَتَمَّ بِوِلَادَةٍ أَوْ بَدَلٍ فَفِي عَدِّهِ كَامِلًا مِنْ يَوْمِ تَخَلُّفِهِ أَوْ كَمَالِهِ مُصَدِّقًا رَبَّهَا فِي وَقْتِهِ، قَوْلَا أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سِنِي تَخَلُّفِهِ كَسَنَةٍ أَوْ لَا، وَلَوْ كَمُلَ بِفَائِدَةٍ فَالثَّانِي اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ لَوْ تَخَلَّفَ عَنْ نِصَابٍ ثُمَّ نَقَصَ ثُمَّ كَمُلَ فَكَمَا هُوَ فِي الصُّورَتَيْنِ خِلَافًا وَوِفَاقًا وَالْقَوْلَانِ هُنَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ مَعَ اللَّخْمِيّ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ لَعَلَّ مُحَمَّدًا عَنَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تُزَكَّى قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ السَّاعِيَ غَابَ عَنْهَا وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ نِصَابِ بَعِيدٍ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى. [تَنْبِيه أَتَى السَّاعِي بَعْدَ غَيْبَة سِنِينَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَعَهُ أَلْفُ شَاة أَخَذْتهَا مِنِّي] (تَنْبِيهٌ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَإِذَا أَتَى السَّاعِي بَعْدَ غَيْبَتِهِ سِنِينَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَعَهُ أَلْفُ شَاةٍ: إنَّمَا أَخَذْتهَا مِنِّي مُنْذُ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَيُزَكِّيهِ لِمَا قَالَ، انْتَهَى، يَعْنِي يُزَكِّيهِ عَلَى مَا يَجِدُهُ لِمَا، قَالَ مِنْ السِّنِينَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَصُدِّقَ " يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَاشِيَةِ مُصَدِّقٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَمُلَتْ فِيهِ نِصَابًا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ نَقَصَتْ هَارِبًا، وَإِنْ زَادَتْ فَلِكُلِّ مَا فِيهِ بِتَبْدِئَةِ الْأَوَّلِ) ش: هَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِهِ " عَمِلَ عَلَى الزَّيْدِ وَالنَّقْصِ " يَعْنِي هَذَا فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ السُّعَاةُ لَا فِي الْهَارِبِ فَإِنَّهُ فِي النُّقْصَانِ يَعْمَلُ عَلَى مَا فَارَقَهَا السَّاعِي عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْهَارِبُ فِي نَقْصِهَا وَفِي الزِّيَادَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ مَا فِيهَا وَقَوْلُهُ " بِتَبْدِئَةِ الْأَوَّلِ " رَاجِعٌ لِلزِّيَادَةِ

تنبيهان الأول هلك المال الذي تجب فيه الزكاة

وَالنُّقْصَانِ مَعًا، وَإِنْ وَجَدَهَا عَلَى مَا فَارَقَهَا زَكَّاهَا كَذَلِكَ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ مُبْتَدِئًا بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فَإِنْ نَقَصَ الْأَخْذُ النِّصَابَ أَوْ الصِّفَةَ اُعْتُبِرَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُمْ لَا يُصَدَّقُ فِي النَّقْصِ يُرِيدُ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا بَيِّنٌ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ ثَانٍ، قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّائِبِ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ فِيمَنْ قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ، قَالَ: وَفِيهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ كَتَوْبَتِهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَصْدِيقَ التَّائِبِ دُونَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ وَالزِّنْدِيقِ وَالْمَالُ أَشَدُّ مِنْ الْعُقُوبَةِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ دُونَهُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَالْفَارُّ عَنْ السَّاعِي ضَامِنٌ لِزَكَاةِ مَاشِيَتِهِ، فَأَمَّا مَنْ يَتْبَعُ الْكَلَأَ أَوْ تَخَلَّفَ عَنْهُ السَّاعِي فَلَا يُؤْخَذُ إلَّا بِزَكَاةِ مَا وَجَدَ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْهَارِبِ مِنْ السُّعَاةِ اتِّفَاقًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمُرَادُ بِتَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ وُجُوبُ أَدَائِهَا لِمَاضِي السِّنِينَ لَا تَعَلُّقُ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَشْهُورَ تَعَلُّقُهَا بِأَعْيَانِ الْمَاشِيَةِ وَقَبْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ وَالِدِهِ: بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ تَعَلُّقَ الدُّيُونِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ ضَمِنَ زَكَاتَهَا وَلَمْ يَضَعْ عِنْدَ مَوْتِهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فَإِذَا عُلِمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَعْيَانِهَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا مَاتَ فَلَيْسَتْ كَالدُّيُونِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَصَحِيحٌ، انْتَهَى. ص (وَهَلْ يُصَدَّقُ؟ قَوْلَانِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ حَتَّى فِي الْعَامِ الَّذِي فَرَّ فِيهِ وَجَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ مَحِلَّ الْخِلَافِ غَيْرَهُ فَقَالَ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ صُدِّقَ فِي عَدَمِ زِيَادَتِهَا عَلَى مَا بِهِ فَرَّ فِي عَامٍ، وَفِي تَصْدِيقِهِ فِي غَيْرِهِ نَقْلًا الْبَاجِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْحَارِثِ وَالشَّيْخِ عَنْهُ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَ. (تَنْبِيهٌ) الْقَوْلُ بِتَصْدِيقِهِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عُمِلَ عَلَيْهَا بِلَا إشْكَالٍ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذُ بِمَا وُجِدَ لِجَمِيعِ السِّنِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ صُدِّقَ وَنَقَصَتْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اللَّخْمِيُّ وَفِي مَعْنَى التَّصْدِيقِ أَنْ يَعُدَّ عَلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي النَّقْصِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمَوْتٍ أَوْ بِذَبْحٍ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْفِرَارَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَى تَصْدِيقِهِ نَقَصَهَا بِذَبْحٍ غَيْرَ فَارٍّ كَمَوْتِهَا لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ نَقْصَهَا بِالْمَوْتِ وَشَبَّهَهُ بِضَيَاعِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا سَوَّى مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي، انْتَهَى. وَالشَّيْخُ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ فَلَعَلَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ. [تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ هَلَكَ الْمَال الَّذِي تجب فِيهِ الزَّكَاة] (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) لَوْ عَدَّهَا ثُمَّ هَلَكَتْ كُلُّهَا بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ بِغَصْبِ أَوْ بَقِيَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضَمَانِهِ وَلَا هُوَ أَتْلَفَهَا، قَالَ: وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ، وَقَدْ قِيلَ مَا عَدَّهُ الْمُصَدِّقُ وَجَبَتْ

الثاني عد نصف الماشية التي تجب فيها الزكاة ومنعه من عد باقيها

زَكَاتُهُ، وَإِنْ هَلَكَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ وَيَأْخُذُهَا مِمَّا بَقِيَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ، قَالَ فِي الْعَيْنِ تَهْلِكُ وَيَبْقَى بَعْضُهَا: إنَّ لِلْمَسَاكِينِ عُشْرَ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ مَعَهُ فَمَا ذَهَبَ فَمِنْهُمْ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ وَيَدْخُلُ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَاشِيَةِ وَلَهُ وَجْهٌ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالشُّرَكَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ الشَّرِيكِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقُّهُمْ فِيهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ، وَنَصُّهُ وَفِي كَوْنِ مَا هَلَكَ إثْرَ عَدِّهَا قَبْلَ أَخْذِ زَكَاتِهَا كَهَلَاكِهِ قَبْلَهُ وَلُزُومِ أَخْذِ مَا وَجَبَ مِمَّا بَقِيَ، ثَالِثُهَا السَّاعِي شَرِيكٌ فِيمَا بَقِيَ كَشَرِيكِهِ فِي الْجَمِيعِ لِأَبِي عِمْرَانَ مَعَ اللَّخْمِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ وَتَخْرِيجُهُ مِنْ تَلَفَ بَعْضِ نِصَابِ الْعَيْنِ بَعْدَ حَوْلِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، انْتَهَى. وَمَا صَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَقَبْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَبَّرَ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ بِالْمَشْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُقَابِلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ إنَّهُ ضَعِيفٌ خَارِجٌ عَنْ أَصْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْجَهْمِ، وَالثَّالِثُ تَخْرِيجٌ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. [الثَّانِي عَدَّ نِصْفَ الْمَاشِيَةِ الَّتِي تجب فِيهَا الزَّكَاةُ وَمَنَعَهُ مِنْ عَدِّ بَاقِيهَا] (الثَّانِي) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَوْ عَدَّ نِصْفَ الْمَاشِيَةِ وَمَنَعَهُ مِنْ عَدِّ بَاقِيهَا حَتَّى تَغَيَّرَ الْمَعْدُودُ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ فِيمَا عَدَّ بَعْدَهُ أَوْ لَا يَسْتَقِرُّ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَاهُمَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَنَصُّهُ: وَلَوْ تَغَيَّرَ شَرْطُهَا الْمَعْدُودُ بِنَقْصٍ، وَإِنَّمَا قَبْلَ عَدِّ الْبَاقِي فَفِي الْبَقَاءِ عَلَى عَدِّهِ الْأَوَّلِ قَوْلَا الْمُتَأَخِّرِينَ، انْتَهَى. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَشْهُورَ وَالْأَصْوَبَ أَنَّهُ إذَا عَدَّهَا كُلَّهَا ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاتُهَا فَأَحْرَى إذَا عَدَّ بَعْضَهَا، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ هَذَا فِي النَّقْصِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ ص (وَفِي الزَّيْدِ تَرَدُّدٌ) ش: هُوَ اخْتِلَافُ طُرُقٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا وُجِدَ وَخَبَرُ رَبِّهَا لَغْوٌ، وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ طَرِيقِينَ: إحْدَاهُمَا - أَنَّهُ يُعْمَلُ عَلَى مَا صَدَّقَهُ، الثَّانِيَةُ - أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَمَلُ عَلَى مَا صَدَّقَهُ، وَالثَّانِي الْعَمَلُ عَلَى مَا وَجَدَ فَإِنْ عَدَّهَا وَقَبْلَ الْأَخْذِ مِنْهَا زَادَتْ فَيَجْرِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ عَدَدَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصْدِيقِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ قُلْنَا الْعَمَلُ عَلَى مَا صَدَّقَهُ فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى مَا عَدَّهُ، وَإِذَا قُلْنَا الْعَمَلُ عَلَى مَا وَجَدَهُ فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى مَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْعَدَدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْتِي الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا إذَا عَدَّ الْبَعْضَ وَمَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ إكْمَالِهِ حَتَّى تَغَيَّرَ الْمَعْدُودُ إلَى زِيَادَةٍ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ فِيمَا عَدَّ بِعَدَدِهِ أَوْ لَا يَسْتَقِرُّ؟ وَاخْتُصِرَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَدَّ بَعْضَهَا ثُمَّ زَادَ ذَلِكَ الْبَعْضُ فَلَا تَجِبُ بِهِ الزَّكَاةُ وَنَصُّهُ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ وَحَالَ عَلَيْهَا

فرع عزل من ماشية شيئا للساعي فولدت

الْحَوْلُ وَنَزَلَ بِهِ السَّاعِي وَشَرَعَ فِي عَدِّهَا فَوَضَعَتْ مِنْهَا شَاةٌ وَهُوَ يَعُدُّهَا فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ الَّتِي وَضَعَتْ مِمَّا مَضَى عَلَيْهَا الْعَدَدُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ الْعَدَدُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا، انْتَهَى. [فَرْعٌ عَزَلَ مِنْ مَاشِيَةٍ شَيْئًا لِلسَّاعِي فَوَلَدَتْ] (فَرْعٌ) لَوْ عَزَلَ مِنْ مَاشِيَةٍ شَيْئًا لِلسَّاعِي فَوَلَدَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُ أَوْلَادِهَا لِلسَّاعِي، قَالَهُ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ عَدَمِ جَوَازِ إبْدَالِ الْهَدْي بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، قَالَ: وَلَوْ عَيَّنَ طَعَامًا تَعَيَّنَ وَلَا يَبِيعُهُ إلَّا وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَفْسَخُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي حُكْمِ الدُّيُونِ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فِيهَا تَغْلِبُ فَجَازَ لِمَنْ هِيَ لَهُ فِي يَدِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَمَا تَقُولُ لَهُ فِي تَسَلُّفِ الْوَدِيعَةِ وَتَسَلُّفِ الْوَصِيِّ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ وَسَفِيهِهِ. ص (وَفِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ " تَجِبُ " وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا " نِصْفُ الْعُشْرِ " إلَى آخِرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ " زَكَاةُ نِصَابِ النَّعَمِ " وَالْمَعْنَى: وَيَجِبُ فِي خَمْسِ أَوْسُقٍ نِصْفٌ إلَى آخِرِهِ وَالْأَوْسُقُ جَمْعُ وَسْقٍ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمُقَدَّرِ وَبِالْفَتْحِ فِعْلُ الرَّجُلِ وَنَحْوِهِ فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْوَسْقُ بِكَسْرِ الْوَاو وَفَتْحِهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَبْلَغُهُ كَيْلًا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: خَمْسُونَ وَيْبَةً وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرَادِبَ وَثُلُثُ إرْدَبٍّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: هِيَ عَشْرَةُ أَرَادِبَ خَلِيلٌ وَكَانَ هَذَا الْإِرْدَبُّ أَصْغَرَ مِنْ الْإِرْدَبِّ الْمِصْرِيِّ، وَإِلَّا فَقَدْ حُرِّرَ النِّصَابُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِمُدٍّ مُعَبَّرٍ عَلَى مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ سِتَّ أَرَادِبَ وَنِصْفًا وَنِصْفَ وَيْبَةٍ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ وَثُلُثَ إرْدَبٍّ وَرُبْعَ إرْدَبٍّ بِإِرْدَبٍّ الْقَاهِرَةِ وَمِصْرَ، وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ: الْإِرْدَبُّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ، وَقَالَ عِيَاضٌ فِي السَّلَمِ الثَّانِي بِالْفَتْحِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِكْيَالٌ لِأَهْلِ مِصْرَ، انْتَهَى. وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ رَآهُ بِخَطِّ ابْنِ الْقَطَّاعِ بِالْفَتْحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَامُوسِ أَنَّ فِيهِ لُغَةً بِالضَّمِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ " فَأَكْثَرَ " يُرِيدُ إلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قَلَّ كَمَا فِي الْعَيْنِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ص (وَإِنْ بِأَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ غَيْرَهَا فَزَرَعَهَا فَزَكَاةُ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ عَلَى الْمُكْتَرِي وَلَا يَضَعُ الْخَرَاجُ الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ زَكَاةَ مَا خَرَجَ مِنْهَا عَلَى الزُّرَّاعِ كَانَتْ لَهُ الْأَرْضُ أَوْ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَالْخَرَاجُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا - مَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ لَمَّا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ رَأَى أَنْ يَنْزِلُوا عَنْهَا لِئَلَّا يَشْتَغِلُوا عَنْهَا بِالْجِهَادِ فَتَخْرَبَ أَوْ تُلْهِيَ عَنْ الْجِهَادِ فَنَزَلَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِعِوَضٍ وَبَعْضُهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَضَرَبَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا وَوَقَفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، قَالَ سَنَدٌ: هُوَ أُجْرَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ مَالِكٌ الشُّفْعَةَ فِيهَا، وَقِيلَ بَلْ بَاعَهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِثَمَنٍ مُقَسَّطٍ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَهُوَ الْخَرَاجُ وَجَازَتْ الْجَهَالَةُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَعَ كَافِرٍ لِلضَّرُورَةِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا يُصَالَحُ بِهِ الْكُفَّارُ عَلَى أَرْضِهِمْ فَتَكُونُ كَالْجِزْيَةِ تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ كُلِّهَا إنَّهَا تُوقَفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتُتْرَكُ بِيَدِ أَهْلِهَا لِيَعْمَلُوا فِيهَا فَإِذَا أَسْلَمُوا لَمْ يَسْقُطْ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ وَالْأَرْضُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُ وَعَلَيْهَا الْخَرَاجُ فَيُجَابُ بِأَنَّهَا مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: أَوْ وَضَعَهَا السُّلْطَانُ عَلَيْهَا ظُلْمًا أَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ مِنْ صُلْحِيٍّ وَتَحَمَّلَ عَنْهُ الْخَرَاجَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ بَاعَ الْمُسْلِمُ أَرْضًا لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا لِذِمِّيٍّ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَوْ بَاعَ الْمُسْلِمُ أَرْضًا لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا لِذِمِّيٍّ فَلَا خَرَاجَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَا عُشْرَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ لِئَلَّا تَخْلُوَ الْأَرْضُ عَنْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ عُشْرَانِ وَمَنَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صِحَّةَ

الثاني منح أرضه صبيا أو ذميا أو عبدا أو أكراها

الْبَيْعِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْخُلُوِّ لَنَا أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ سَبَبًا لِخَرَاجٍ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِيهَا بِالْقِيَاسِ يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ بِبَيْعِ الْمَاشِيَةِ مِنْ الذِّمِّيِّ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ سَنَدٍ [الثَّانِي مَنَحَ أَرْضَهُ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ أَكْرَاهَا] (الثَّانِي) مَنْ مَنَحَ أَرْضَهُ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ أَكْرَاهَا فَلَا زَكَاةَ إلَّا عَلَى الصَّبِيِّ لِقِيَامِ الْمَانِعِ فِيمَا عَدَاهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ، انْتَهَى [الثَّالِث وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجِبَالِ مِنْ كَرْمٍ وَزَيْتُونٍ وَتَمْرٍ] (الثَّالِثُ) مِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجِبَالِ مِنْ كَرْمٍ وَزَيْتُونٍ وَتَمْرٍ مَا لَا مَالِكَ، وَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَفِيهِ الْخُمْسُ إنْ جَعَلَهُ فِي الْمَغَانِمِ، انْتَهَى. ص (أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ) ش: قَالَ النَّوَوِيُّ الرِّطْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا ص (مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا) ش: هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الثَّعْلَبِيِّ أَنَّهُ صَحَّحَهُ أَيْضًا، وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَقَوْلُهُ دِرْهَمًا بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، وَكَسْرُهَا شَاذٌّ ص (كُلٌّ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ) ش: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ مَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَتَبِعَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الدِّينَارَ وَزْنُهُ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَالدِّرْهَمَ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ عُشْرِ حَبَّةٍ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الدِّينَارِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ الْأَزْدِيِّ عَلَى خَلَلٍ فِي نَقْلِ ابْنُ شَاسٍ أَظُنُّهُ فِي نُسْخَتِهِ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ الْمَذْكُورُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ، وَقَدْ انْفَرَدَ فِيهِ بِشَيْءٍ شَذَّ فِيهِ عَلَى عَادَتِهِ بَلْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ، وَكَوْنُ وَزْنِ الدِّرْهَمِ سَبْعَةَ أَعْشَارِ الدِّينَارِ - وَهُوَ الْمِثْقَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنَّ وَزْنَ الدِّينَارِ مَا ذَكَره فَهُوَ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ النَّاسَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَزْنُ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارٍ وَعُشْرُ الْعُشْرِ، وَوَزْنُ الدِّينَارِ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً خِلَافُ الْإِجْمَاعِ صَوَابٌ، وَاتِّبَاعُهُ عَبْدَ الْحَقُّ يَعْنِي الْأَزْدِيَّ صَاحِبَ الْأَحْكَامِ وَابْنَ شَاسٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ وَهْمٌ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي النِّصَابِ مِعْيَارُ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ كَيْلٍ كَالْقَمْحِ أَوْ وَزْنٍ كَالْعِنَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرْعِ مِعْيَارٌ فَبِعَادَةِ مَحِلِّهِ، انْتَهَى. ص (مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحَبِّ الْقَمْحِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عِنْدَ التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ أَثْقَلَ عِنْدَ التَّحْمِيلِ لِتَدَاخُلِهِ، وَأَفَادَنِي الْأَخُ فِي اللَّهِ الْمُحَقِّقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ غَازِيٍّ - كَانَ اللَّهُ لَهُ - أَنَّ وَزْنَ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ بِحَبِّ الْقَمْحِ سِتٌّ وَتِسْعُونَ حَبَّةً، وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ نَقَلَهُ إلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ مُحَقِّقٌ، انْتَهَى. ص (مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْأَجْنَاسَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَوَّلُ - حَبٌّ لَا زَيْتَ لَهُ

وَالثَّانِي - حَبٌّ لَهُ زَيْتٌ، وَالثَّالِثُ - ثَمَرُ الشَّجَرِ فَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ مِنْ حَبٍّ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الزَّيْتُونَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَبٌّ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُبُوبِ، وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ تَمْرٍ وَهُوَ بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَدْرَجَ الزَّبِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الثِّمَارِ وَأَطْلَقَ فِي الْحَبِّ، وَشَرْطُهُ كَمَا قَالَ فِي الشَّامِلِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا لِلْعَيْشِ غَالِبًا، قَالَ فَتَجِبُ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ اتِّفَاقًا، وَالزَّبِيبُ كَالتَّمْرِ وَفِي السُّلْتِ وَالْعَلَسِ وَالزَّيْتُونِ وَالْجُلْجُلَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْقَطَانِيِّ كَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ وَالْجُلْبَانِ وَالْبَسِيلَةِ وَاللُّوبِيَا وَالتُّرْمُسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَفِي الْأُرْزِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْقَطَانِيِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَجِبُ فِي كِرْسِنَّةٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْقَطَانِيِّ وَلَا فِي قَصَبٍ وَبُقُولٍ وَلَا فِي فَاكِهَةٍ كَرُمَّانٍ وَتِينٍ عَلَى الْأَشْهَرِ وَفِي حَبِّ الْفُجْلِ وَالْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ، ثَالِثُهَا إنْ كَثُرَ وَجَبَتْ، وَرَابِعُهَا إلَّا فِي الْأَخِيرِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ، قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْكِرْسِنَّةِ: إنَّهَا مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: بَلْ هُوَ صِنْفٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ فِي الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا زَكَاةٌ وَلَا فِي الْخُضَرِ زَكَاةٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْبَيَانِ لَا خِلَافَ فِي التُّرْمُسِ أَنَّهُ مِنْ الْقَطَانِيِّ، انْتَهَى. وَفِي الرِّسَالَةِ وَلَا زَكَاةَ فِي الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِي التُّرْمُسِ الزَّكَاةَ، وَلَيْسَ فِي الْحُلْبَةِ زَكَاةٌ وَلَا فِي الْعُصْفُرِ وَلَا فِي الزَّعْفَرَانِ وَلَا فِي الْعَسَلِ وَلَا فِي الْخَلِّ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ التَّوَابِلِ وَلَا فِي الْفُسْتُقِ وَشَبَهِهِ وَلَا فِي الْقُطْنِ وَلَا زَكَاةَ فِي يَابِسِ الْفَوَاكِهِ وَلَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ، انْتَهَى. وَفِي الْجَلَّابِ وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلْبَةِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا وَلَا فِي الْبُقُولِ وَلَا فِي الْقُطْنِ وَلَا فِي الْقَصَبِ وَلَا الْخَشَبِ وَالْكُولَانِ وَالْأَسَلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا فِي الْعَسَلِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَالتِّينِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا زَكَاةَ فِي التَّوَابِلِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا زَكَاةَ فِي التَّوَابِلِ، وَذَكَرُوا فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهَا الْفُلْفُلُ وَالْكُزْبَرَةُ وَالْأَنِيسُونَ وَالشَّمَارُ وَالْكَمُّونُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ وَالْكَرَاوْيَا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ، وَأَمَّا الْأَبَازِيرُ فَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدَنَا مِنْ الْكُتُبِ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا وَيَأْتِي عَلَى مَا فِي كِتَابِ الرِّبَا أَنَّهَا تُزَكَّى يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالنَّوَادِرِ وَالذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَا حَكَاهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْكِرْسِنَّةِ عَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (نِصْفُ عُشْرِهِ كَزَيْتِ مَا لَهُ زَيْتٌ وَثَمَنِ غَيْرِ ذِي الزَّيْتِ وَمَا لَا يَجِفُّ وَفُولٌ أَخْضَرُ) ش: هَذَا بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْمُخْرَجِ وَصِفَتِهِ وَذُكِرَ أَنَّهُ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ اللَّذَيْنِ

يُجَفَّفَانِ وَالْحَبِّ الَّذِي لَا زَيْتَ لِجِنْسِهِ، وَأَمَّا الَّذِي لِجِنْسِهِ زَيْتٌ كَالزَّيْتُونِ فَيُخْرِجُ مِنْ زَيْتِهِ إنْ كَانَ فِي بِلَادٍ لَهُ مِنْهَا زَيْتٌ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا زَيْتَ لَهُ فِيهَا فَيُخْرِجُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَجِفُّ كَرُطَبِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا وَالْفُولِ الَّذِي يُبَاعُ أَخْضَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْوَسْقُ بِالزَّيْتُونِ اتِّفَاقًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّيْتِ بُلُوغُهُ نِصَابًا، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَجِفُّ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ثَمَنِهِ إذَا كَانَ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَفَافِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ كَانَ عِنَبًا لَا يُزَبَّبُ وَبَلَحًا لَا يُتَمَّرُ فَلْيُخْرِجْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ مُمْكِنًا فَإِنْ صَحَّ فِي التَّقْدِيرِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ خَرْصُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ كَثُرَ ثَمَنُهُ وَهُوَ فَائِدَةٌ ثُمَّ، قَالَ فِي الزَّيْتُونِ فَإِنْ كَانَ لَا زَيْتَ لَهُ كَزَيْتُونِ مِصْرَ فَمِنْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ رَسْمَ الزَّكَاةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيمَا لَا يَتَزَبَّبُ وَلَا يَتَتَمَّرُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ بَاعَ زَيْتُونًا لَهُ لَا زَيْتَ لَهُ فَمِنْ ثَمَنِهِ وَمَا لَا زَيْتَ مِثْلُ مَا لَزِمَهُ زَيْتًا كَمَا لَوْ بَاعَ ثَمَرًا أَوْ حَبًّا يَبِسَ، قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا ظَاهِرٌ ثُمَّ، قَالَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الزَّيْتَ سَأَلَ الْمُشْتَرِيَ عَمَّا خَرَجَ مِنْهُ إنْ كَانَ يَوْثُقُ بِهِ وَإِلَّا سَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ ابْنُ رَاشِدٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلًا بِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ ثَمَنِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ بَاعَ زَيْتُونًا لَهُ بِزَيْتٍ أَوْ رُطَبًا بِتَمْرٍ أَوْ عِنَبًا بِزَبِيبٍ فَلِيَأْتِ بِمِثْلِ مَا لَزِمَهُ زَيْتًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا مِنْ عُشْرٍ أَوْ نِصْفِ عُشْرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ بَعْدَ هَذَا: فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ لَا يَعْصِرُونَ الْجُلْجُلَانَ، وَإِنَّمَا يَبِيعُونَهُ حَبًّا لِلزَّيْتِ فَأَرْجُو إذَا أُخِذَ مِنْ حَبِّهِ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَأَشَارَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ إلَى مُعَارَضَةِ قَوْلِهَا بِقَوْلِهَا، وَقَالَ عِيَاضٌ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجُلْجُلَانَ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ زَيْتٌ إلَّا بِبِلَادٍ يُعْصَرُ فِيهَا، انْتَهَى. ص (إنْ سُقِيَ بِآلَةٍ وَإِلَّا فَالْعُشْرُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرُ مَسْأَلَةِ مَنْ لَهُ زَرْعٌ يَسْقِيهِ بِآلَةٍ فَجَهِلَ وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْعُشْرَ وَلَهُ زَرْعٌ آخَرُ فَهَلْ يُحْتَسَبُ بِمَا زَادَ فِي الْأُولَى جَهْلًا مِنْ زَكَاةِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ عَنْهَا الصَّائِغُ فَقَالَ: لَا يُجْتَزَأُ بِالْأَوَّلِ وَيُخْرِجُ عَنْ الْآخَرِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِيهِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: إنْ وَجَدَ ذَلِكَ فِي أَيْدِي الْفُقَرَاءِ أَخَذَهُ كَمَا إذَا دَفَعَ الْكَفَّارَةَ أَوْ الزَّكَاةَ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا مِنْ عَبْدٍ أَوْ وَصِيٍّ، وَإِنْ فَاتَتْ فَلَا يَسْتَرْجِعُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَسْأَلَةِ مَنْ عَوَّضَ مِنْ صَدَقَةٍ ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَفِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ النِّيَّةِ. ص (السَّيْحُ) ش: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ السَّيْلُ وَالْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ وَسَقْيُ السَّمَاءِ الْمَطَرَ

فرع عجل إخراج زكاته أو أخرها

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْبَعْلُ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيِ سَمَاءٍ وَلَا غَيْرِهَا وَالسَّيْحُ مَا يَشْرَبُ بِالْعُيُونِ وَالْعَثَرِيِّ مَا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ وَالْغَرْبُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ وَالدَّالِيَةُ أَنْ تَمْضِيَ الدَّابَّةُ فَيَرْتَفِعَ الدَّلْوُ فَيُفَرَّغَ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَنْزِلَ، وَالسَّانِيَةُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْنَى عَلَيْهِ أَيْ يُسْقَى، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّضْحُ السَّقْيُ بِالْجَمَلِ، وَيُسَمَّى الْجَمَلُ الَّذِي يَجُرُّهُ نَاضِحًا، وَمِثْلُهُ الدَّوَالِيبُ وَالنَّوَاعِيرُ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَمَا يُسْقَى بِالْيَدِ بِالدَّلْوِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يُسْقَى بِالسَّوَانِي وَالرَّزَانِقِ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَالذَّخِيرَةِ وَالتَّنْبِيهَاتِ ص (وَإِنْ سَقَى بِهِمَا فَعَلَى حُكْمِهِمَا، وَهَلْ يَغْلِبُ الْأَكْثَرُ؟ خِلَافٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّرْعَ إذَا سُقِيَ بَعْضُهُ بِالسَّيْحِ وَشِبْهِهِ وَبَعْضُهُ بِالسَّوَانِي وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ عَلَى قَدْرِهِمَا أَيْ تُقَسَّمُ عَلَى زَمَنَيْهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ مُطْلَقٌ أَوْ هَذَا مَعَ التَّسَاوِي، وَأَمَّا فِي غَيْرِ التَّسَاوِي فَيُغَلَّبُ الْأَكْثَرُ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: أَحَدُهُمَا - شَهَرَهُ ابْنُ شَاسٍ، وَالثَّانِي - شَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ الْإِرْشَادِ كَذَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ بَهْرَامَ مِنْ التَّوْضِيحِ فَشَهَرَ الثَّانِيَ فَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتُجْمَعُ الْقَطَانِيُّ كُلُّهَا فِي الزَّكَاةِ كَصِنْفٍ وَاحِدٍ وَلَا تَجْتَمِعُ مِنْ غَيْرِهَا فَمَنْ رَفَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلْيُخْرِجْ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِهِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ فِي نَقْلِهِ فِي تَفْسِيرِ الْقَطَانِيِّ الْفُولَ وَالْحِمَّصَ وَالْعَدَسَ وَالْجُلْبَانَ وَاللُّوبِيَا وَمَا يَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْقَطَانِيِّ ص (كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَمَنْ رَفَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلْيَتْرُكْ وَيُخْرِجْ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ التُّمُورُ وَالْأَعْنَابُ وَأَنْوَاعُ الزَّيْتُونِ وَكُلٌّ مِنْهَا جِنْسٌ لَا يُضَمُّ لِلْآخَرِ فَالسُّلْتُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ. ص (وَإِنْ بِبُلْدَانٍ) ش: اُنْظُرْ رَسْمَ الزَّكَاةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ ص (إنْ زُرِعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ حَصَادِ الْآخَرِ) ش: مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ لِاقْتِصَارِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَيْهِ وَتَصْدِيرِ اللَّخْمِيِّ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ، وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ الثَّانِي قُرْبَ حَصَادِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ إثْرَهُ: وَأَرَى إنْ كَانَتْ زِرَاعَةُ الثَّانِي عِنْدَمَا قَرُبَ حَصَادُ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يُضَافَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَى الْمَحْصُودِ، وَإِنْ يَبِسَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا حَصَادُهُ كَانَ ذَلِكَ أَبْيَنُ، انْتَهَى. [فَرْعٌ عَجَّلَ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ أَوْ أَخَّرَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ عَجَّلَ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ أَوْ أَخَّرَهَا، قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ زَكَاةُ زَرْعِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي سُنْبُلِهِ فَهُوَ يَجْزِيهِ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، انْتَهَى. ص (فَيُضَمُّ الْوَسَطُ لَهُمَا) ش: يَعْنِي فَإِذَا كَانَ

الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّمِّ إنَّمَا هُوَ زِرَاعَةُ الثَّانِي قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ فَإِذَا كَانَ الزَّرْعُ فِي ثَلَاثِ أَزْمِنَةٍ فَإِنْ زَرَعَ الثَّالِثَ قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ضَمَّ الثَّلَاثَةَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ زَرَعَ الثَّانِيَ قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ بَعْدَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ حَصَادِ الثَّانِي ضَمَّ الْوَسَطَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ عَلَى انْفِرَادِهِ فَإِنْ حَصَلَ مِنْ ضَمِّهِ إلَيْهِ نِصَابٌ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ حَصَّلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَسْقَيْنِ وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثَةً فَإِنَّهُ يَضُمُّهَا وَيُزَكِّيهَا فَإِنْ حَصَلَ مِنْ الثَّالِثِ وَسْقَانِ زَكَّاهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمَّ إلَى الْوَسَطِ حَصَلَ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَيُزَكِّي الثَّالِثَ، وَالْوَسَطُ قَدْ زَكَّاهُ مَعَ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَسْقَيْنِ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةً وَالثَّانِي وَسْقَيْنِ، وَالثَّالِثُ وَسْقَيْنِ وَجَبَتْ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا فِي الثَّالِثِ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَسْقَيْنِ وَالثَّانِي وَسْقَيْنِ وَالثَّالِثُ ثَلَاثَةً وَجَبَتْ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا فِي الْأَوَّلِ، وَخَرَّجَ ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا مِنْ الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ " إنَّ خَلِيطَ الْخَلِيطِ كَالْخَلِيطِ " أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُزَكِّي الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ خَلِيطٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ: اُنْظُرْ كَيْفَ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي خَلِيطِ الْخَلِيطِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَلَا الْأَصَحُّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى خَلِيطِ الْخَلِيطِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا مَشَى الشَّيْخُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَصَدَّرَ بِهِ اللَّخْمِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرَاهُ عَلَى أَنَّهُ تَخْرِيجٌ بَلْ جَزَمَا بِهِ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ إنَّمَا هُوَ تَخْرِيجٌ مِنْهُ اُنْظُرْ هَلْ سَلِمَ لَهُ أَمْ لَا؟ وَإِنْ سَلِمَ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَخْرِيجٌ لَيْسَ بِقَوْلٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا حَصَّلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَسْقَيْنِ وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثَةً وَقُلْنَا إنَّهُ يُضَمُّ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَا حَصَّلَ مِنْ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ بَاقٍ أَوْ أَنْفَقَهُ، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا زَكَّى الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ أَنْفَقَهُ لَمْ يُزَكِّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْفَائِدَتَيْنِ يَحُولُ حَوْلُ الْأُولَى مِنْهُمَا

وَهِيَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَيُنْفِقُهَا ثُمَّ يَحُولُ حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهَا وَعَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ يُزَكِّيهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا حَصَّلَ مِنْ الثَّالِثِ وَسْقَيْنِ وَقُلْنَا: إنَّهُ يُضَمُّ لِلْوَسَطِ فَلَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ نَقَصَ بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَوْسُقٍ فَلَمْ يَبْقَ مَا إذَا ضُمَّ لِلثَّالِثِ حَصَلَ مِنْهُ نِصَابٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) لَوْ زَرَعَ الثَّانِيَ قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ ثُمَّ زَرَعَ الثَّالِثَ بَعْدَ حَصَادِ الثَّانِي وَقَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ إذْ مِنْ الْقَطَانِيِّ مَا يَتَعَجَّلُ وَمِنْهَا مَا يَتَأَخَّرُ لِضَمِّ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي وَلِلثَّالِثِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَلَا يُضَمُّ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ وَيَكُونُ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ الْوَسَطِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ كَالطَّرَفَيْنِ، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يُضَمُّ حَمْلُ نَخْلَةٍ إلَى حَمْلِهَا فِي الْعَامِ الثَّانِي، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا كَانَتْ الْكُرُومُ وَالزَّيْتُونُ تُطْعِمُ بُطُونًا مُتَلَاحِقَةً ضَمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ إذَا كَانَتْ الْبُطُونُ فِي الصَّيْفِ أَوْ فِي الشِّتَاءِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بَعْضُهَا فِي الشِّتَاءِ وَبَعْضُهَا فِي الصَّيْفِ لَمْ يَضُمَّ، انْتَهَى. ص (وَالسِّمْسِمُ وَبَزْرُ الْفُجْلِ وَالْقُرْطُمِ كَالزَّيْتُونِ لَا الْكَتَّانِ) ش: لَيْسَ فِيهِ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " مِنْ حَبٍّ " بَيَانٌ لِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْحُبُوبِ وَدَخَلَ تَحْتَهُ الزَّيْتُونُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ " كَزَيْتِ مَا لَهُ زَيْتٌ " بَيَّنَ فِيهِ صِفَةَ الْمُخْرَجِ فَقَطْ، وَهُنَا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الَّذِي لَهُ زَيْتٌ غَيْرُ الزَّيْتُونِ، فَقَالَ: إنَّ السِّمْسِمَ وَبَزْرَ الْفُجْلِ يَعْنِي الْأَحْمَرَ وَالْقُرْطُمَ حُكْمُهَا كَالزَّيْتُونِ لَا الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ بَهْرَامَ خُصُوصًا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالزَّيْتُونِ فِي أَنَّهُ إذَا بَلَغَ كَيْلُ حَبٍّ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَخْرَجَ مِنْ زَيْتِهِ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ قَلَّ الزَّيْتُ أَوْ كَثُرَ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَتُضَمُّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: الزَّيْتُونُ أَجْنَاسٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَأَمَّا الْحُبُوبُ الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا الزَّيْتُ فَإِنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ كَالزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَغَيْرِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْجُلْجُلَانِ فِي الْمُغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّخِذُونَهُ لِلتَّدَاوِي، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ بَلَدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَفِي حَبِّ الْفُجْلِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ كَيْلُ حَبِّهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ، وَكَذَلِكَ الْجُلْجُلَانُ، قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَلَفْظَةُ الْكَتَّانِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَبِّ الْفُجْلِ زَيْتٌ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي، وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ أَبُو سَعِيدٍ ابْنُ أَخِي هِشَامٍ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ الْمَغْرِبِيِّ إنَّمَا جَعَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَزَيْتُونٍ لَا زَيْتَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَيْتٌ لَمْ يُؤْكَلْ، انْتَهَى. وَيَعْنِي بِالْمَغْرِبِيِّ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الشَّيْخِ بِمِثْلِ مَا قُيِّدَ فِيهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالسِّمْسِمُ بِكَسْرِ السِّينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْبِزْرُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَالْفُجْلُ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَبِضَمِّهَا وَالْقُرْطُمُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا فَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَالْكَتَّانُ بِفَتْحِ الْكَافِ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. ص (وَحُسِبَ قِشْرُ الْأُرْزِ وَالْعَلَسِ) ش: أَيْ فِي جُمْلَةِ النِّصَابِ وَلَا يُزَادُ فِي النِّصَابِ لِأَجْلِهِ، وَنَحْوُ هَذَا لِلشَّارِحِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ يُحْسَبَانِ لِيَسْقُطَانِ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ وَالْعَلَسُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ ص (وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ وَاسْتَأْجَرَ قَتًّا) ش:

أَيْ وَيُحْسَبُ أَيْضًا مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَمَا أَكَلَهُ أَوْ عَلَفَهُ دَوَابَّهُ أَوْلَى، وَكَذَا مَا اسْتَأْجَرَ بِهِ مِنْ الْقَتِّ وَهُوَ جَمْعُ قَتَّةٍ وَهِيَ الْحُزَمُ الَّتِي تُعْمَلُ عِنْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُحْسَبُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ مَا أَكَلَ أَوْ عَلَفَ أَوْ تَصَدَّقَ بَعْدَ طِيبِهِ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ مَالِكٌ: وَيُحْسَبُ عَلَى الرَّجُلِ كُلُّ مَا أَهْدَى أَوْ عَلَفَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ زَرْعِهِ بَعْدَ مَا أَفْرَكَ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الْيَسِيرَ فَلَا يُحْسَبُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَكَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا مَا أَكَلَتْ الدَّوَابُّ بِأَفْوَاهِهَا عِنْدَ الدَّرْسِ فَلَا يُحْسَبُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ " بَعْدَ طِيبِهِ " مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ طِيبِهِ فَلَا يُحْسَبُ وَهُوَ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَكَلَ مِنْ الثِّمَارِ قَبْلَ طِيبِهَا كَالْبَلَحِ وَمِنْ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يُفْرِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَخْضَرَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِالْإِزْهَاءِ فِي الثِّمَارِ وَالْإِفْرَاكِ فِي الْحَبِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْصِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُخْرِجَ زَكَاتَهُ، وَالثَّانِي - لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ، وَالثَّالِثُ - يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْحُبُوبِ لَا فِي الثِّمَارِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ زَكَاةِ الثِّمَارِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَا أَكَلَ بَعْدَ يُبْسِهِ أَوْ عَلْفِهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْصِيَهُ وَكَذَا مَا تَصَدَّقَ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ التَّافِهِ الْيَسِيرِ أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ وَكَذَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمُدَوَّنَةِ. (الثَّانِي) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ " يُحْسَبُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ " قَالُوا مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الزَّكَاةَ فَيَجْزِيَهُ، وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَيَانِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْسُبَهُ مِنْ زَكَاتِهِ إذَا نَوَى بِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي تَطَوُّعٍ وَلَا زَكَاةَ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ كَيْلَهُ وَإِلَّا فَيَقْتَصِرْ مِنْهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُحَقَّقِ. (الثَّالِثُ) يُحْسَبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا اسْتَأْجَرَ بِهِ فِي حَصَادِهِ وَدِرَاسِهِ وَجَدَادِهِ، وَلَقَطُ الزَّيْتُونِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ وَيُزَكِّي عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ كَيْلًا مُعَيَّنًا أَوْ جُزْءًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَأَمَّا مَا لَقَطَهُ اللَّقَّاطُ فَلَا يُزَكِّي عَنْهُ إذَا كَانَ رَبُّهُ قَدْ تَرَكَهُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ، وَأَمَّا اللَّقَاطُ الَّذِي مَعَ الْحَصَادِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَمَّا لَقَطَهُ اللَّقَّاطُ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ، انْتَهَى. ص (لَا أَكْلُ دَابَّةٍ فِي دَرْسِهَا) ش: ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ بِمَنْزِلَةِ مَا أَكَلَتْهُ الْوُحُوشُ أَوْ ذَهَبَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، انْتَهَى. مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ ص (وَالْوُجُوبُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ أَوْ طِيبِ الثَّمَرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالْحُبُوبِ بِالْإِفْرَاكِ وَفِي الثَّمَرِ وَالزَّبِيبِ بِطِيبِهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - وَهُوَ الْمَشْهُورُ: إنَّهُ الطِّيبُ وَطِيبُ كُلِّ نَوْعٍ مَعْلُومٌ فِيهِ، وَالثَّانِي -: إنَّهُ الْجِذَاذُ فِيمَا يُجَذُّ مِنْ الثَّمَرَةِ وَالْحَصَادُ فِيمَا يُحْصَدُ، وَالثَّالِثُ -: إنَّهُ الْخَرْصُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَجِبُ بِالطِّيبِ وَالْإِزْهَاءِ وَالْإِفْرَاكِ، وَقِيلَ بِالْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ مَعًا، وَقِيلَ بِالْخَرْصِ فِيمَا يُخْرَصُ الطِّيبُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِزْهَاءُ خَاصٌّ بِالثَّمَرِ وَهُوَ طِيبٌ أَيْضًا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالْإِفْرَاكُ فِي الْحَبِّ خَاصَّةً. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ فِي الْحُبُوبِ قَوْلَيْنِ وَفِي الثِّمَارِ ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ - قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ: إذَا زَهَتْ النَّخْلُ وَطَابَ الْكَرْمُ وَاسْوَدَّ الزَّيْتُونُ أَوْ قَارَبَ وَأَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي -: إنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الزَّرْعِ إلَّا بِالْحَصَادِ وَلَا يَجِبُ فِي الثَّمَرِ إلَّا بِالْجِذَاذِ، وَنَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِابْنِ مَسْلَمَةَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ خَاصٌّ

بِالثَّمَرَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْخَرْصِ وَهُوَ لِلْمُغِيرَةِ وَرَأَى الْخَارِصَ كَالسَّاعِي، وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْوُجُودِ هُوَ أَنَّ الطِّيبَ أَوَّلًا ثُمَّ الْخَرْصَ ثُمَّ الْجِذَاذَ، وَأَنَّ الْإِفْرَاكَ أَوَّلًا ثُمَّ الْحَصَادَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَا تَجِبُ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ الطِّيبُ مُبِيحُ الْبَيْعِ الْمُغِيرَةُ الْخَرْصُ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْجَذُّ وَالْحَصْدُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْحَبِّ بِالْإِفْرَاكِ يُخَالِفُ قَوْلَهُ إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِالطِّيبِ الْمُبِيحِ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ الْمُبِيحَ لِلْبَيْعِ هُوَ الْيُبْسِ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَقَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ زَكَاةِ الْحُبُوبِ: إذَا أَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ إذَا أَزْهَتْ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي رَسْمٍ يَشْتَرِي الدُّورَ وَالْمَزَارِعَ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى أَمَّا مَا أَكَلَ مِنْ حَائِطِهِ بَلَحًا أَوْ مِنْ زَرْعِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْرِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَحْسُبُهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ، إذْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الزَّرْعِ حَتَّى يُفْرِكَ وَلَا فِي الْحَائِطِ حَتَّى يُزْهِيَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا أُكِلَ مِنْ ذَلِكَ أَخْضَرَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِالْإِزْهَاءِ فِي الثِّمَارِ أَوْ بِالْإِفْرَاكِ فِي الْحُبُوبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْصِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُخْرِجَ زَكَاتَهُ، وَالثَّانِي - إنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، وَالثَّالِثُ - تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُبُوبِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الثِّمَارِ «لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: إنَّ الْخَارِصَ يَتْرُكُ لِأَهْلِ الْحَوَائِطِ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ وَيُعْطُونَ، وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي الثِّمَارِ إلَّا بِالْجِذَاذِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ عَلَى هَذَا مَخَافَةُ أَنْ يَكْتُمَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْد الْيُبْسِ أَوْ الْجِذَاذِ، فَإِنْ خَشِيَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُوَكِّلُ الْإِمَامُ مَنْ يَتَحَفَّظُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ إنَّهُ يُخْرَصُ إنْ وُجِدَ مَنْ يُحْسِنُ خَرْصَهُ وَهُوَ أَحْسَنُ وَالْمُغِيرَةُ يَرَى الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الثِّمَارِ بِالْخَرْصِ فَفِي حَدِّ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالطِّيبِ وَالثَّانِي - تَجِبُ بِالْجِذَاذِ، وَالثَّالِثُ - تَجِبُ بِالْخَرْصِ فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُصَ خُرِصَتْ عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ فِي حَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَمَّا بَيْعُ الْحَبِّ إذَا أَفْرَكَ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ حَتَّى يَيْبَسَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ إذَا وَقَعَ، فَقِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ فِيهِ فَوْتٌ، وَقِيلَ الْقَبْضُ، وَقِيلَ لَا يَفُوتُ بِالْقَبْضِ حَتَّى يَفُوتَ بَعْدَهُ، وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى: إنْ عُلِمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ مَضَى، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ بَيْعِ الزَّرْعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَفْرَكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى يَيْبَسَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَنَا أُجِيزُ الْبَيْعَ إذَا فَاتَ بِالْيُبْسِ لِمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَأَرُدُّهُ إذَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الْيُبْسِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَهَذَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَيْبَسَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَرْكَهُ وَلَا كَانَ الْعُرْفُ فِيهِ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِيهِ جَائِزٌ وَإِنْ تَرَكَهُ مُشْتَرِيهِ حَتَّى يَيْبَسَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْجَوَائِحِ: وَمَضَى بَيْعُ حَبٍّ أَفْرَكَ قَبْلَ يُبْسِهِ بِقَبْضِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ لَمَّا ذُكِّرَ بِهِ: وَالصَّلَاحُ فِي الثِّمَارِ وَفِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَالْقَطَانِيِّ يُبْسُهَا فَإِنْ بِيعَتْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْإِفْرَاكِ عَلَى السَّكْتِ كُرِهَ وَمَضَى بِالْقَبْضِ عَلَى الْمُتَأَوَّلِ، وَقِيلَ: يُفْسَخُ، وَقِيلَ: يَفُوتُ بِالْيُبْسِ، وَقِيلَ بِالْعَقْدِ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ: الْمُرَادُ بِالْإِفْرَاكِ أَنْ يَيْبَسَ الْحَبُّ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: الزَّكَاةُ تَجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالطِّيبِ فَإِذَا أَزْهَى النَّخْلُ وَطَابَ الْكَرْمُ وَحَلَّ بَيْعُهُ أَوْ أَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَاسْوَدَّ الزَّيْتُونُ أَوْ قَارَبَ الِاسْوِدَادَ وَجَبَتْ

تنبيهان مات قبل الإزهاء وعليه دين يغترق ذمته

الزَّكَاةُ فِيهِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: تَجِبُ بِالْخَرْصِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: بِالْجِذَاذِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَكْفِي الْإِفْرَاكُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الْإِفْرَاكِ لَا يُفْسَخُ عَلَى الرَّاجِحِ فَتَأَمَّلْهُ. الثَّانِي الْحَصَادُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا، وَالْكَسْرُ لُغَةُ الْحِجَازِيِّينَ وَالْفَتْحُ لُغَةُ نَجْدٍ وَالْجَدَادُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يُقَالُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَوْلُ الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى نَصِّ التَّنْزِيلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] إنْ حُمِلَتْ الْآيَةُ عَلَى الزَّكَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْحُبُوبِ، وَأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْحَقِّ هَلْ هُوَ الزَّكَاةُ أَوْ هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيْهَا أَوْ أَمْرٌ آخَرُ نُسِخَ بِهَا؟ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الزَّرْعِ بَعْدَ الطِّيبِ وَقَبْلَ الْجِذَاذِ أَجْزَأَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ لَا تَجْزِي كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ ص (فَلَا شَيْءَ عَلَى وَارِثٍ قَبْلَهُمَا لَمْ يَصِرْ لَهُ نِصَابٌ) ش: وَكَذَلِكَ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَهُمَا، أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ وَهَبَ الزَّرْعَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، أَوْ انْتَزَعَ السَّيِّدُ مَالَ عَبْدِهِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ، وَإِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَهُمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الزَّرْعِ حِينَئِذٍ فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَجْزِي، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ لَا يَجْزِي، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَفِي الْبَيَانِ لَوْ أُخِذَتْ مِنْهُ زَكَاةُ زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَقَدْ رَوَى زِيَادٌ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ زَكَاةُ زَرْعِهِ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فِي سُنْبُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْزِيهِ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعْ بِهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا أُخِذَتْ مِنْهُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ أَفْرَكَ وَقَبْلَ يُبْسِهِ، انْتَهَى. مِنْ أَوَّلِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي الزَّرْعِ يُجْزِئُهُ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْلَ الْحَبِّ قَبْلَ حَصْدِهِ وَمُرَاعَاةً لِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ يَحْسُبُهُ إلَّا إذَا نَوَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَأَيْضًا لِمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْخَرْصِ وَقَبْلَ الْجِدَادِ لَمْ يُجْزِئْهُ، قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا فَمُقْتَضَاهُ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهَا تَجْزِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ. (فَرْعٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا وَمِنْ كَلَامِ النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ عَيْنِ الزَّرْعِ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ إذَا وَجَبَتْ مِنْ عَيْنِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا إذَا دَفَعَ مِثْلَهَا أَوْ أَجْوَدَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ أَدْنَى مِمَّا عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إنْ قَدَّمَ مُعَشَّرًا " زَكَاةُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا [تَنْبِيهَانِ مَاتَ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ ذِمَّتَهُ] (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ ذِمَّتَهُ وَقَامَ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرِ يَلْزَمُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى ذِمَّتِهِ لَا مِيرَاثَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ لِأَجْلِ الدَّيْنِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فَقِفْ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا غَيْرُهُ وَنَقَلَهَا الْقَرَافِيُّ عَنْهُ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ. (الثَّانِي) إذَا حَصَلَ لِلْوَارِثِ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَكَانَ لَهُ زَرْعٌ آخَرُ إذَا ضَمَّهُ لِهَذَا كَانَ فِي الْمَجْمُوعِ نِصَابٌ فَإِنَّهُ يَضُمُّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ. [فَرْعٌ وَهَبَ الزَّرْعَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ] (فَرْعٌ) إذَا وَهَبَ الزَّرْعَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فَفِي كَوْنِ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَاهِبِ أَوْ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَ يَمِينِ الْوَاهِبِ مَا وَهَبَ لِيُزَكِّيَهَا مِنْ مَالِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ، وَرُوِيَ إنْ تَصَدَّقَ بِزَرْعٍ يَبِسَ عَلَى فَقِيرٍ فَعُشْرُهُ زَكَاةٌ وَبَاقِيهِ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. ص (وَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَهُمَا) ش:

فرع الزرع فلا يجوز خرصه على الرجل المأمون

وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ ثِقَةً لَا يُتَّهَمُ فِي إخْرَاجِهَا وَعَلِمَ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ بِأَمْرٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْجُزْءَ فَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ كَانَ لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ كَانَ لَهُ وَعَلِمَ أَيْضًا هَلْ هُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَهُ أَنْ يُؤَمِّنَ الْمُبْتَاعَ فِي مَبْلَغِ مَا وَقَعَ فِيهِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا أَوْ كَانَ ذِمِّيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَخَّى قَدْرَهُ وَيَزِيدَ لِيَسْلَمَ ص (إلَّا أَنْ يُعْدَمَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي) ش: وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا يَنُوبُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ ابْنُ رُشْدٍ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَنُوبُهُ أَيْضًا مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا فِي عَمَلِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنَّمَا يُخْرَصُ الثَّمَرُ وَالْعِنَبُ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي خَرْصِ الزَّيْتُونِ، ثَالِثُهَا إنْ اُحْتِيجَ لِأَكْلِهِ أَوْ لَمْ يُؤَمَّنْ أَهْلُهُ عَلَيْهِ لِرِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ وَالْمَشْهُورِ وَابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ زَادَ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ: وَسَائِرُ الثِّمَارِ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اُحْتِيجَ لِأَكْلِ غَيْرِ الثَّمَرِ وَالْعِنَبِ فِي خَرْصِهِ قَوْلَانِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ خِيفَ عَلَى الزَّرْعِ خِيَانَةُ رَبِّهِ جُعِلَ عَلَيْهِ حَافِظٌ ابْنُ رُشْدٍ، وَفِي وُجُوبِ إحْصَاءِ مَا أُكِلَ أَخْضَرَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، ثَالِثُهَا فِي الْحُبُوبِ لَا الثِّمَارِ لِمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَابْنِ حَبِيبٍ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ لَا يَحْسُبُ مَا أَكَلَهُ بَلَحًا بِخِلَافِ الْفَرِيكِ وَالْفُولِ الْأَخْضَرِ وَشَبَّهَهُ مَالِكٌ مِنْ قُطْنِيَّةٍ خَضْرَاءَ أَوْ بَاعَ خَرْصَهُ يَابِسًا نِصَابًا زَكَّاهُ بِحَبٍّ يَابِسٍ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ: أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ أَشْهَبُ مِنْ ثَمَنِهِ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى أَكْلِ مَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ قَبْلَ كَمَالِهِ يَعْنِي الْعِنَبَ وَالرُّطَبَ فَقَطْ فَفِي خَرْصِهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى عِلَّةِ الْخَرْصِ هَلْ هِيَ حَاجَةُ الْأَكْلِ أَوْ أَنَّ الثَّمَرَ وَالْعِنَبَ يَتَمَيَّزُ لِلْبَصَرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ لَا يَأْتِيهِ الْخَارِصُ وَاحْتَاجَ إلَى التَّصَرُّفِ دَعَا أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ وَعَمِلَ عَلَى قَوْلِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ وَكَانَ يَبِيعُ رُطَبًا وَعِنَبًا فِي السُّوقِ وَلَا يَعْرِفُ الْخَرْصَ، قَالَ مَالِكٌ: يُؤَدِّي مِنْهُ يُرِيدُ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِ نِصَابًا أَوْ جَهِلَ مَا زَادَ، فَإِنْ عَلِمَ جُمْلَةَ مَا بَاعَ ذَكَرَهُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَحَزَرُوهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ مِثْلِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ النِّصَابُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. [فَرْعٌ الزَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ خَرْصُهُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَأْمُونِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ: أَمَّا الزَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ خَرْصُهُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَأْمُونِ، وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدِي جَوَازُهُ إذَا وُجِدَ مَنْ يُحْسِنُهُ، انْتَهَى. ص (نَخْلَةً نَخْلَةً) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ سَنَدٌ: وَصِفَةُ الْخَرْصِ، قَالَ مَالِكٌ يَخْرُصُ نَخْلَةً نَخْلَةً

مَا فِيهَا رُطَبًا فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ جِنْسًا وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُ فِي الْجَفَافِ جَمَعَ جُمْلَةَ النَّخَلَاتِ وَحَرَزَ كَمْ يَنْقُصُ حَتَّى يُتَمَّرَ، وَإِنْ كَانَ يَخْتَلِفُ الْمَائِيَّةُ وَاللَّحْمُ حَزَرَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَيَكُونُ الْخَارِصُ عَدْلًا عَارِفًا، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَمِنْ كُلِّ جُزْءٍ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مِنْ اسْمِ عَدَدِهِمْ كَثُلُثٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اُعْتُبِرَتْ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ سُرِقَتْ الثِّمَارُ بَعْدَ الْخَرْصِ أَوْ أَجِيحَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَجِيحَ بَعْضُهَا زَكَّى عَنْ الْبَاقِي إنْ كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. فَإِنْ بَلَغَتْ الْجَائِحَةُ الثُّلُثَ حِينَ يَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى. وَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ وَتَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِذِمَّتِهِ ثُمَّ أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ نَقَصَتْهَا عَنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِنْ بَلَغَتْ الْجَائِحَةُ الثُّلُثَ حِينَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى ص (وَإِنْ زَادَتْ عَلَى تَخْرِيصِ عَارِفٍ فَالْأَحَبُّ الْإِخْرَاجُ) ش: فَإِنْ نَقَصَتْ فَجَزَمَ فِي الْجَلَّابِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَنْقُصُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: فَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَ أَخْرَجَ الزَّائِدَ فَإِنْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ النُّقُولِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ نَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِذَا ادَّعَى رَبُّ الْحَائِطِ حَيْفَ الْخَارِصِ وَأَتَى بِخَارِصٍ آخَرَ لَمْ يُوَافَقْ؛ لِأَنَّ الْخَارِصَ حَاكِمٌ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأُخِذَ مِنْ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ كَالثَّمَرِ نَوْعًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَإِلَّا فَمِنْ أَوْسَطِهَا)

ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ فَإِنْ كَانَ جَيِّدًا أُخِذَتْ مِنْهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ رَدِيئًا أَوْ وَسَطًا فَإِنْ كَانَ نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عُشْرُهُ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا كَانَ الْقَمْحُ مُخْتَلِفًا جَيِّدًا وَرَدِيئًا أُخِذَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِقَدْرِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ الْوَسَطُ، وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ أَوْ اجْتَمَعَ أَصْنَافُ الْقَطَانِيِّ أُخِذَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِقَدْرِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْوَسَطِ، وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ وَاخْتُلِفَ فِي التَّمْرِ، فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَاسًا أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، فَأَمَّا الْمَكِيلُ مِثْلُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ الَّذِي هُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَمِثْلُ الْقَطَانِيِّ الَّتِي هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَمِثْلُ الْحَائِطِ مِنْ النَّخْلِ يَكُونُ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنْ التَّمْرِ مُخْتَلِفَةٌ فَالْحُكْمُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مَا يَجِبُ فِيهِ عُشْرٌ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ إلَّا أَنْ تَكْثُرَ أَنْوَاعُ أَجْنَاسِ الْحَائِطِ مِنْ النَّخْلِ فَيُؤْخَذَ مِنْ وَسَطِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلُّهَا إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَرْفَعِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَوْضَعِهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ أَوْسَطِهَا، وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ جَيِّدًا كُلُّهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَوَاشِي فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الثَّمَرِ نَوْعٌ أَوْ نَوْعَانِ أُخِذَ مِنْ كُلٍّ بِحَسَبِهِ فَقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ " لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ " غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ صِنْفٍ آخَرَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْكَيْلِ جَازَ مِنْ الْأَرْفَعِ وَلَمْ يَجُزْ مِنْ الْأَدْنَى. وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ أَوْ مُجْمَعٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ رُبْعُ الْعُشْرِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنِصَابُ الْفِضَّةِ خَمْسُ أَوَاقٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَوَزْنُهُ خَمْسُونَ حَبَّةً شَعِيرًا وَخُمُسَانِ وَالذَّهَبُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَزْنُهُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ: وَزْنُ الدِّرْهَمِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: كُلٌّ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى مَعْرِفَةِ النِّصَابِ بِغَيْرِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ الشَّرْعِيَّيْنِ، وَلْنَذْكُرْ كَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ مَعَ زِيَادَةِ تَفْسِيرٍ لَهُ وَنَصُّهُ وَمَعْرِفَةُ نِصَابِ كُلِّ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ غَيْرُهُمَا يَعْنِي غَيْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ الدِّينَارِ الشَّرْعِيَّيْنِ بِقَسْمِ مُسَطَّحٍ أَيْ الْخَارِجِ مِنْ ضَرْبِ عَدَدِ النِّصَابِ الْمَعْلُومِ يَعْنِي الشَّرْعِيَّ وَهُوَ مِنْ الذَّهَبِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَمِنْ الْوَرِقِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَبَّاتُ دِرْهَمِهِ وَهِيَ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ وَدِينَارِهِ، يَعْنِي: وَحَبَّاتِ دِينَارِهِ، وَهِيَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً عَلَى حَبَّاتِ الْمَجْهُولِ نِصَابُهُ يَعْنِي عَلَى عَدَدِ حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ الْمَجْهُولِ نِصَابُهُ أَوْ عَلَى عَدَدِ حَبَّاتِ الدِّينَارِ الْمَجْهُولِ نِصَابُهُ وَالْخَارِجُ النِّصَابُ؛ لِأَنَّهُ: أَيْ؛ لِأَنَّ مُسَطَّحَ عَدَدِ النِّصَابِ الْمَعْلُومِ وَحَبَّاتِ دِرْهَمِهِ أَوْ دِينَارِهِ ضَرُورَةٌ أَيْ بِالضَّرُورَةِ مُسَطَّحُ عَدَدِ حَبَّاتِ الدُّرِّ أَوْ الدِّينَارِ الْمَجْهُولِ نِصَابُهُ وَعَدَدُهُ أَيْ عَدَدُ النِّصَابِ الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ إلَى حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ الْمَجْهُولِ كَنِسْبَةِ النِّصَابِ الْمَجْهُولِ إلَى النِّصَابِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَاعِدَةُ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ أَنَّهُ مَتَى جُهِلَ أَحَدُ الْوَسَطَيْنِ أَنْ تُسَطِّحَ الطَّرَفَيْنِ، وَتُقَسِّمَ الْخَارِجَ عَلَى الْوَسَطِ الْمَعْلُومِ فَيَخْرُجَ الْوَسَطُ الْمَجْهُولُ، وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّ مُسَطَّحَ الْوَسَطَيْنِ كَمُسَطَّحِ الطَّرَفَيْنِ، مِثَالُهُ نِسْبَةُ ثَلَاثَةٍ إلَى خَمْسَةٍ كَنِسْبَةِ شَيْءٍ مَجْهُولٍ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا فَأَحَدُ الْوَسَطَيْنِ مَجْهُولٌ فَتُسَطِّحُ الطَّرَفَيْنِ أَيْ تَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ، وَالطَّرَفَانِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ تَقْسِمُهَا عَلَى الْخَمْسَةِ الْمَعْلُومَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْوَسَطَيْنِ يَخْرُجُ تِسْعَةٌ، فَنِسْبَةُ الثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ كَنِسْبَةِ التِّسْعَةِ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ أَيْضًا، وَإِذَا ضَرَبْت الْوَسَطَيْنِ وَهُمَا خَمْسَةٌ وَتِسْعَةٌ حَصَلَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَهِيَ الْحَاصِلَةُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مُسَطَّحَ الطَّرَفَيْنِ كَمُسَطَّحِ الْوَسَطَيْنِ إذَا عَرَفَتْ ذَلِكَ فَحَبَّاتُ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَنَا هِيَ الطَّرَفُ الْأَوَّلُ، وَحَبَّاتُ الدِّينَارِ الْمَجْهُولِ نِصَابُهُ هِيَ الْوَسَطُ الْأَوَّلُ وَالنِّصَابُ الْمَجْهُولُ هُوَ الْوَسَطُ

الثَّانِي وَالنِّصَابُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الطَّرَفُ الثَّانِي فَأَحَدُ الطَّرَفَيْنِ مَجْهُولٌ فَتُسَطِّحُ الطَّرَفَيْنِ وَتَقْسِمُ الْحَاصِلَ عَلَى الْوَسَطِ الْمَعْلُومِ فَيَحْصُلُ الْوَسَطُ الثَّانِي، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُسَطَّحَ الْوَسَطَيْنِ كَمُسَطَّحِ الطَّرَفَيْنِ فَكَأَنَّا قَسَمْنَا مُسَطَّحَ الْوَسَطَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَخَرَجَ الْوَسَطُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ضَرْبَ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ وَقِسْمَةَ الْحَاصِلِ عَلَى أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مَخْرَجٌ لِلْعَدَدِ الْآخَرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " وَخَارِجُ قَسْمِ مُسَطَّحِ عَدَدَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا هُوَ الْآخَرُ "، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ بِالْأَرْبَعَةِ أَعْدَادٍ الْمُنَاسَبَةِ، وَلَهُ خَوَاصُّ كَثِيرَةٌ وَبِهِ يُسْتَخْرَجُ غَالِبُ الْمَجْهُولَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْأَوْسُقِ فَقَدْرُ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ دَرَاهِمِ مِصْرَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ وَثُمْنُ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ وَزْنَ النِّصَابِ مِنْ دَرَاهِمِ مِصْرَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَحَبَّتَانِ، وَأَنَّ وَزْنَ الدِّرْهَمِ الْمِصْرِيِّ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ، وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْ الْقَرَافِيِّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ عَلَى أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ عُشْرِ حَبَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كُلٌّ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قُلْت، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ وَزْنَ الدِّرْهَمِ الْمِصْرِيَّ سِتَّةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَيَكُونُ وَزْنُ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيرَاطٍ وَنِصْفَ خُمْسِ قِيرَاطٍ، وَإِنْ شِئْت قُلْت خَمْسَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا إلَّا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ خُمْسِ قِيرَاطٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَيْضًا أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ فَيَكُونُ وَزْنُ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا وَخُمْسَ قِيرَاطٍ وَسُبُعَيْ رُبُعِ خُمْسِ قِيرَاطٍ، وَيَكُونُ وَزْنُ النِّصَابِ مِنْ الذَّهَبِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ وَرُبْعَ قِيرَاطٍ وَثُمْنَ خُمْسِ قِيرَاطٍ وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ خُمْسِ قِيرَاطٍ فَيَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ السُّلْطَانِيِّ الْجَدِيدِ وَالذَّهَبِ الْبُنْدُقِيِّ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا لَكِنَّهَا تَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ ثَمَانِيَةَ قَرَارِيطَ وَثُمْنَ خُمْسِ قِيرَاطٍ وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ ثُمْنِ قِيرَاطٍ وَيَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ السُّلْطَانِيِّ الْقَدِيمِ والْقَايِتْبايِيّ وَالْجُقْمُقِيِّ وَالْبِيبَرْسِيِّ وَالْغُورِيِّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا لَكِنَّهَا تَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ قِيرَاطٍ وَنِصْفَ خُمْسِ قِيرَاطٍ وَأَرْبَعَةَ إسْبَاعِ ثُمُنِ خُمْسِ قِيرَاطٍ، وَاشْتُهِرَ أَنَّ كُلَّ عَشْرٍ مُلْحَقَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمُلْحَقَاتِ وَزْنُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ النِّصَابُ مِنْ الْفِضَّةِ سِتَّمِائَةِ مُلْحَقٍ وَتِسْعَةً وَخَمْسِينَ مُلْحَقًا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الدِّرْهَمَ الْمِصْرِيَّ الْآنَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَبَرَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالشَّعِيرِ فَجَاءَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ وَسَطِ الشَّعِيرِ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ فَإِنْ جَاوَزَتْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا إلَّا ثُمْنَ قِيرَاطٍ وَرُبْعَ عُشْرِ قِيرَاطٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ وَإِلَّا فَقَدْ تَغَيَّرَ وَزْنُ الْقِيرَاطِ مِنْ الشَّعِيرِ ثَلَاثَ حَبَّاتٍ وَثُلُثَ حَبَّةٍ وَثُلُثَ خُمْسِ خُمْسِ حَبَّةٍ تَقْرِيبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ " فَأَكْثَرَ " يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ نِصَابَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ " وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَخْرَجَ مِنْهُ رُبْعَ عُشْرِهِ " قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَلَوْ قِيرَاطًا وَاحِدًا، وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَإِنْ قَلَّ قَالَ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْإِخْرَاجُ مِنْ عَيْنِهِ فَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ يُمْكِنُ قَسْمُهُ عَلَى أَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ وَمَا زَادَ بِحِسَابِ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرَاهُ خِلَافًا لِلْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْإِمْكَانُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا زَادَ النِّصَابُ زِيَادَةً مَحْسُوسَةً لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَحَمَلَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا فِي التَّلْقِينِ عَلَى الْخِلَافِ، قَالَ وَقَبِلَهُ الْمَازِرِيُّ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ وَتَعَذَّرَ بِذَاتِهِ وَأَمْكَنَ بِغَيْرِهِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْغَيْرُ لِأَجْلِهِ كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَإِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ حَمَلَ الشُّيُوخُ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَى التَّفْسِيرِ وَلَمْ يُفَسِّرْ

تنبيهات المخاطب بزكاة مال الصبي والمجنون

الْإِمْكَانَ مَا هُوَ، وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرٌ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَهَذَا الْبَحْثُ جَارٍ فِيمَا يَقْتَضِي مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ النِّصَابِ وَمَا يُخْرِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ بَعْدَ النِّصَابِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُخْرِجُ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِيهِ تَقْيِيدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: وَحَمَلَهُ الشُّيُوخُ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ فُلُوسٌ فِيهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) الدَّنَانِيرُ فِي الْأَحْكَامِ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ كُلُّ دِينَارِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهِيَ دِينَارُ الدِّيَةِ وَدِينَارُ النِّكَاحِ وَدِينَارُ السَّرِقَةِ وَتُسَمَّى دَنَانِيرَ الدَّمِ، وَاثْنَانِ كُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهُمَا دِينَارُ الزَّكَاةِ وَدِينَارُ الْجِزْيَةِ وَتُسَمَّى دَنَانِيرَ الذِّمِّيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنْ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَمَالِ الْمَجْنُونِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَصِيُّ يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَتَّجِرُ فِيهِ وَلَا يُنَمِّيهِ فَالْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بَلْ حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: وَيَجِبُ فِي مَالِ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ اتِّفَاقًا عَيْنًا أَوْ حَرْثًا أَوْ مَاشِيَةً، وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ النَّقْدَ الْمَتْرُوكَ عَلَى الْمَعْجُوزِ عَنْ إنْمَائِهِ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى إنْ كَانَتْ تَنْمُو بِنَفْسِهَا كَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ أَوْ كَانَ نَقْدًا يُنَمَّى بِالتِّجَارَةِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا تَخْرِيجَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْدًا غَيْرَ مُنَمًّى فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ أَيْضًا وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا خِلَافًا مِنْ مَسَائِلَ وَهِيَ مَا إذَا سَقَطَ الْمَالُ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ أَوْ دَفَنَهُ فَنَسِيَ مَوْضِعَهُ أَوْ وَرِثَ مَالًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَؤُلَاءِ هَلْ يُزَكُّونَ لِسَنَةٍ أَوْ لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ أَوْ يَسْتَأْنِفُونَ الْحَوْلَ وَرَدَّهُ؟ ابْنُ بَشِيرٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَجْزَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ خَاصَّةً مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْعَجْزَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ جِهَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْمَالُ فَلَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَيُلْزِمُ اللَّخْمِيُّ عَلَى تَخْرِيجِهِ إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الرَّشِيدِ الْعَاجِزِ عَنْ التَّنْمِيَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " ضَعِيفٌ " انْتَهَى. قُلْت: وَلَفْظُ ابْنِ بَشِيرٍ مَذْهَبُنَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ مَلَكَ مِلْكًا حَقِيقِيًّا مُكَلَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا مُهَيَّأٌ لِلنَّمَاءِ، وَإِنَّمَا الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَاجِزًا عَنْ التَّنْمِيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَهَذَا الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَالِ، انْتَهَى. وَقَبِلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ صُورِيٌّ ثُمَّ قَالَ: بَلْ يُرَدُّ مَعْنَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِأَنَّ فَقْدَ الْمَالِ يُوجِبُ فَقْدَ مَالِكِهِ وَعَجْزَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُوجِبُهُ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الصِّغَارِ فِي الْعَيْنِ، انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ وَالنُّقُولُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَرُدُّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهَاتٌ الْمُخَاطَبُ بِزَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْمُخَاطَبُ بِزَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا مَا دَامَا غَيْرَ مُكَلَّفَيْنِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلْيُزَكِّ وَلِيُّ الْيَتِيمِ مَالَهُ وَيُشْهِدْ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَكَانَ مَأْمُونًا صُدِّقَ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَنَصُّهُ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَعَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُزَكِّيَ مَالَهُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ وَيُعَيِّنَهُ يَقُولُ هَذَا زَكَاةُ فُلَانٍ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَإِنْ أَضَاعَ الْإِعْلَانَ بِهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا كَانَ مَأْمُونًا، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُزَكِّي الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ مَالَهُ وَيُشْهِدُ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَكَانَ مَأْمُونًا صُدِّقَ. وَهَذَا يَحْسُنُ فِي كُلِّ بَلَدٍ الْقَضَاءُ فِيهِ بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَلَوْ كَانَ بَلَدٌ فِيهِ مَنْ يَقُولُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ لَرَأَيْت أَنْ يُرْفَعَ إلَى حَاكِمِ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى فِي ذَلِكَ قَوْلَ مَالِكٍ أَمَرَهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى

ذَلِكَ لَمْ يُزَكِّهِ هُوَ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ فِيمَنْ مَاتَ فَوُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ خَمْرٌ: إنَّ الْوَلِيَّ يَرْفَعُ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ، قَالَ خَوْفًا أَنْ يُتَعَقَّبَ عَلَيْهِ يُرِيدُ مِنْ الِاخْتِلَافِ هَلْ يُتَّخَذُ خَلًّا، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَمِمَّنْ يَرَى فِي ذَلِكَ قَوْلَ مَالِكٍ وَخَفِيَ لَهُ إخْرَاجُهَا لِلْجَهْلِ بِمَعْرِفَةِ أَصْلِ مَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَلْيُخْرِجْهَا، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْوَصِيَّ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ: وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يُتَعَقَّبَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ وَكَانَ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يُخْفَ لَهُ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُتَعَقَّبَ بِأَمْرٍ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي زَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ الْعَيْنِ فَلَا يُزَكِّي عَنْهُ كَمَا قَالُوا إذَا وَجَدَ فِي التَّرِكَةِ مُسْكِرًا وَخَافَ التَّعَقُّبَ فَلَا يَكْسِرُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْأَشْيَاخُ: إنَّ الْوَصِيَّ يَحْتَرِزُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ خَفِيَ لَهُ وَأَمِنَ الْمُطَالَبَةَ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةِ حَاكِمٍ، وَإِنْ حَاذَرَ الْمُطَالَبَةَ رَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ، وَعَوَّلُوا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْوَصِيِّ يَجِدُ فِي التَّرِكَةِ خَمْرًا أَنَّهُ يَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَتَوَلَّى كَسْرَهَا وَهُوَ مُحَاذَرَةٌ مِنْ مَذْهَبِ الْمُجِيزِ تَخْلِيلَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الشَّيْخُ وَاللَّخْمِيُّ إنَّمَا يُزَكِّي الْوَصِيُّ عَنْ يَتِيمَةٍ إنْ أَمِنَ التَّعَقُّبَ أَوْ خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا رَفَعَ كَقَوْلِهِمْ فِي التَّرِكَةِ يَجِدُ فِيهَا خَمْرًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَيُزَكِّي أَيْ وَلِيُّ الْيَتِيمِ مَالَهُ وَيُخْرِجُ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِهِ الْفِطْرَ وَيُضَحِّي عَنْهُ مِنْ مَالِهِ الشَّيْخُ: إنْ أَمِنَ أَنْ يُتَعَقَّبَ بِأَمْرٍ مِنْ اخْتِلَافِ النَّاسِ أَوْ كَانَ شَيْئًا يَخْفَى لَهُ وَفِي زَكَاتِهَا وَيُؤَدِّيهَا الْوَصِيُّ عَنْ الْيَتَامَى وَعَبِيدِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (قُلْتُ) : وَلِقَوْلِ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يُزَكِّي الْوَصِيُّ مَالَهُ حَتَّى يَرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ فَمَا قَالَهُ مَالِكٌ إذَا وَجَدَ فِي التَّرِكَةِ خَمْرًا لَا يُرِيقُهَا إلَّا بَعْدَ مُطَالَعَةِ السُّلْطَانِ لِئَلَّا يَكُونَ مَذْهَبُهُ جَوَازَ التَّخْلِيلِ، وَكَذَا يَكُونُ مَذْهَبُ الْقَاضِي سُقُوطَ الزَّكَاةِ عَنْ الصَّغِيرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَلْزَمُ الرَّفْعُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُخْشَى فِيهَا وِلَايَةُ الْحَنَفِيِّ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا، قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَابْنُ بَشِيرٍ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ أَحْكَامِ نَمَاءِ الْمَالِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا كَانَ مَذْهَبُهُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْأَطْفَالِ: إمَّا بِاجْتِهَادِهِ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا، أَوْ بِتَقْلِيدِ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَذْهَبِ أَبِي الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ انْتَقَلَ عَنْهُ وَلَا إلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَلَا مُخَاطَبٍ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ يَقُولُ بِسُقُوطِهَا لَزِمَ الْوَصِيَّ إخْرَاجُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ " نَعَمْ " يُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ صُدِّقَ إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَانْظُرْ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ هَلْ يَلْزَمُ الْغُرْمُ أَوْ يَحْلِفُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْأَطْفَالِ فَإِنْ خَفِيَ لِلْوَصِيِّ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِلصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ فَيَأْمُرَهُ بِإِخْرَاجِهَا، وَإِنْ لَمْ يُخْفَ لَهُ إخْرَاجُهَا، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْحُكَّامُ فِي الْبَلَدِ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَبَعْضُهُمْ يَرَى سُقُوطَهَا، وَكَانَ الْوَصِيُّ يَرَى وُجُوبَهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ الَّذِي يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَمَا يَلْزَمُهُ إذَا وَجَدَ فِي التَّرِكَةِ خَمْرًا وَكَانَ يَرَى وُجُوبَ كَسْرِهَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ السَّابِقِ فَيَأْمُرُهُ بِإِخْرَاجِهَا وَيَحْكُمُ لَهُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ الَّذِي يَرَى سُقُوطَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا حَاكِمٌ وَيَرَى سُقُوطَهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فَإِنْ قَلَّدَ مَنْ يَقُولُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْأَطْفَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَلَّدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الْأَطْفَالِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا، قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَيُزَكِّي أَمْوَالَ الْمَجَانِينِ كَالصِّبْيَانِ، وَإِذَا كَانَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ لَا يُزَكِّي مَالَهُ فَلْيُزَكِّ الْيَتِيمُ إذَا قَبَضَهُ لِمَاضِي السِّنِينَ

السفيه البالغ تجب الزكاة في ماله

وَلَوْ كَانَ الْوَصِيُّ تَسَلَّفَهُ سِنِينَ لَمْ يُزَكِّهِ إلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ مِنْ يَوْمِ ضَمِنَهُ الْوَصِيُّ، انْتَهَى. وَلَوْ رَفَعَ الْوَصِيُّ الْأَمْرَ لِحَاكِمٍ يَرَى سُقُوطَ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْأَطْفَالِ فَحَكَمَ بِسُقُوطِهَا ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَقَلَّدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الْأَطْفَالِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فَتَأَمَّلْ. (الثَّانِي) حُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ [السَّفِيهُ الْبَالِغُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ] (الثَّالِثُ) السَّفِيهُ الْبَالِغُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ إجْمَاعًا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَيُلْزِمُ اللَّخْمِيُّ إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الرَّشِيدِ الْعَاجِزِ عَنْ التَّنْمِيَةِ فَتَأَمَّلْهُ [الْوَصِيَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَ الْيَتِيمِ] (الرَّابِعُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ هُنَا فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَحَسُنَ أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى حُكْمِ تَسَلُّفِ الْوَصِيِّ مَالَ يَتِيمِهِ وَتَسْلِيفِهِ لِغَيْرِهِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ الْوَصَايَا وَدَفْعِ مَالِهِ قِرَاضًا وَبِضَاعَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ نَقَصَتْ) ش: أَيْ فِي الْوَزْنِ وَرَاجَتْ بِرَوَاجِ الْكَامِلَةِ فَلَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ كَمَا صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذَا أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ يَسِيرًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكْثُرَ النَّقْصُ وَتَرُوجَ بِرَوَاجِ الْكَامِلَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْعَدَدِ فَقَطْ وَالْوَزْنُ كَامِلٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْعَدَدِ أَوْ الْوَزْنِ فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَاكَ حَاطَ لَهَا عَنْ الْكَامِلَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُهَا نَاقِصًا وَوَزْنُهَا نَاقِصًا وَالتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ وَتَرُوجُ بِرَوَاجِ الْكَامِلَةِ، وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّقْصُ فِي الْعَدَدِ وَالتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَلَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ حَطَّهَا عَنْ الْكَامِلَةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ ذَلِكَ يَسِيرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِرَدَاءَةِ أَصْلٍ) ش: مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ، وَالْمَعْنَى: أَوْ نَقَصَتْ فِي الْوَزْنِ أَوْ نَقَصَتْ بِرَدَاءَةٍ أَصْلٍ، يُرِيدُ: وَرَاجَتْ كَرَوَاجِ الْكَامِلَةِ أَيْ الطَّيِّبَةِ الْأَصْلِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا كَامِلَةً تَجَوُّزًا، وَاعْلَمْ أَنَّ رَدَاءَةَ الْأَصْلِ إنْ كَانَتْ لَا تَنْقُصُ بِسَبَبِهَا فِي التَّصْفِيَةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا كَمَا تَجِبُ فِي الطَّيِّبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا نَصَّ وَأَرَى إنْ قَلَّ وَجَرَى كَخَالِصٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ إلَّا اُعْتُبِرَا الْخَالِصُ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُعْتَبَرُ خَالِصُهُمَا وَرَدِيئُهُمَا بِرَدَاءَةِ مَعْدِنِهِ لَا لِنَقْصِ تَصْفِيَتِهِ مِثْلَهُ وَبِنَقْصِ تَصْفِيَتِهِ الْبَاجِيُّ لَا نَصَّ وَأَرَى إنْ قَلَّ وَجَرَى كَخَالِصٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْخَالِصُ فَقَطْ، وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَذْهَبَ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ إضَافَةٍ) ش: يَعْنِي أَوْ كَانَ النَّقْصُ بِإِضَافَةٍ. ص (وَرَاجَتْ كَكَامِلَةٍ) ش: رَاجِعٌ إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لَكِنْ فِي الرَّدِيئَةِ الْأَصْلُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ رَوَاجُهَا بِرَوَاجِ الطَّيِّبَةِ الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ الرَّدَاءَةُ تُنْقِصُهَا فِي التَّصْفِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا حُسِبَ الْخَالِصُ) ش:

أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَرُجْ بِرَوَاجِ الْكَامِلَةِ فَيُحْسَبُ الْخَالِصُ فَقَطْ فِي الرَّدِيئَةِ بِالْإِضَافَةِ أَوْ بِأَصْلِهَا وَكَانَ ذَلِكَ يُنْقِصُهَا، وَأَمَّا النَّاقِصَةُ فَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْهَا. (تَنْبِيهٌ) وَإِذَا اُعْتُبِرَ الْخَالِصُ فَيُعْتَبَرُ مَا فِيهَا مِنْ النُّحَاسِ اعْتِبَارَ الْعُرُوضِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ غَيْرَ خَالِصَةٍ مُخْتَلِطَةً بِالنُّحَاسِ، مِثْلُ الدَّرَاهِمِ الْجَائِزَةِ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى وَزْنِ الْفِضَّةِ وَقِيمَةِ مَا فِيهَا مِنْ النُّحَاسِ، انْتَهَى. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ قِيمَةَ ذَلِكَ النُّحَاسِ فَيُقَوِّمَهُ الْمُدِيرُ وَيُزَكِّيَهُ الْمُحْتَكِرُ إذَا بَاعَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص. (إنْ تَمَّ الْمِلْكُ) ش: جَعَلَ الْمِلْكَ التَّامَّ لِلنِّصَابِ شَرْطًا، وَكَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبَبٌ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ؛ لِأَنَّ حَدَّهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حَدِّ الشَّرْطِ، وَالسَّبَبُ وَالشَّرْطُ الشَّرْعِيَّانِ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ السَّبَبَ مُنَاسَبَتُهُ فِي ذَاتِهِ وَالشَّرْطَ مُنَاسَبَتُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَمِلْكُ النِّصَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغَنِيِّ وَنِعْمَةِ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ، وَالْحَوْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُكَمِّلٌ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا - التَّمَكُّنُ، وَالثَّانِي - قَرَارُ الْمِلْكِ، وَالْأَوَّلُ يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَلَا زَكَاةَ فِي عَيْنٍ فَقَطْ وُرِثَتْ إلَى آخِرِهِ وَالثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مِنْ لَكَأُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَسَيَأْتِي ص (وَحَوْلُ غَيْرِ الْمَعْدِنِ) ش: يَرِدُ عَلَيْهِ الرِّكَازُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْحَوْلُ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ لِنُدُورِهِ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَبِيهٌ بِالْمَعْدِنِ ص (فِي مُودَعَةٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَ الْمُودَعُ حَاضِرًا بِهَا أَوْ غَابَ عَنْهُ فَقَدْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى فِي رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْوَدِيعَة: إنَّهُ يُزَكِّيهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَنْمِيَتِهَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِهَا هَذَا اعْتِرَافٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُودَعَ غَائِبٌ عَنْهُ فَيَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُودَعُ غَائِبًا عَنْهُ أَمْ لَا. (تَنْبِيهٌ) وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبِضَاعَةِ، قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الرَّجُلِ يَقْطَعُ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَيَبْعَثَ بِهَا إلَى مِصْرٍ يَبْتَاعُ لَهُ بِهَا طَعَامًا يُرِيدُ أَكْلَهُ لَا يُرِيدُ بَيْعًا. قَالَ: مَا أَرَى الزَّكَاةَ إلَّا عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ، وَلَا تَأْثِيرَ لِمَا نَوَاهُ مِنْ صَرْفِهَا لِقُوَّتِهِ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ: مَنْ بَعَثَ دَنَانِيرَ يَشْتَرِي لِعِيَالِهِ بِهَا كِسْوَةً فَإِنَّ لَهُ مِثْلَهَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ أَشْهَدَ أَمْ لَمْ يُشْهِدْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَبَتُّلَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ بَعَثَ بِهَا لِيَشْتَرِيَ

بِهَا ثَوْبًا لِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِدَّةِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ يُوجِبْهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِشْهَادِ، انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي الْمُدِيرِ أَنَّهُ إذَا بَعَثَ بِمَالٍ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ وَحَالَهُ زَكَّاهُ وَإِلَّا أَخَّرَ وَزَكَّاهُ لِكُلِّ عَامٍ، وَفِي الشَّامِلِ، وَلَوْ بَعَثَ بِمَالِهِ يَشْتَرِي بِهِ ثِيَابًا لَهُ أَوْ لِأَهْلِهِ فَحَالَ حَوْلُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ زَكَّاهُ، انْتَهَى. يَعْنِي إذَا عَرَفَ قَدْرَهُ، وَأَنَّهُ بَاقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ تَسَلَّفَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَقْرَضَهَا لِغَيْرِهِ فَمَا أَقَامَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَى رَبِّهَا زَكَاتُهَا لِكُلِّ سَنَةٍ، وَأَمَّا مِنْ يَوْمِ تَسَلَّفَهَا أَوْ أَسْلَفَهَا فَإِنَّمَا يُزَكِّيهَا رَبُّهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَالْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ تَسَلَّفَ ذَلِكَ أَوْ تَرَكَهُ، وَأَمَّا الْمُودَعُ فَإِنْ تَسَلَّفَهَا فَيُزَكِّيهَا لِكُلِّ عَامٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِهَا، وَإِنْ أَسْلَفَهَا لِغَيْرِهِ فَحُكْمُ الْغَيْرِ كَحُكْمِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُودَعِ إذَا رَدَّهَا مَنْ اقْتَرَضَهَا أَنْ يُزَكِّيَهَا لِعَامٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ. ص (وَمُتَّجِرٌ فِيهَا بِأَجْرٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إعْطَاءُ الْمَالِ لِلتَّجْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُعْطِيهِ قِرَاضًا: وَقِسْمٌ يُعْطِيهِ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِأَجْرٍ، وَهَذَا كَالْوَكِيلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ شِرَائِهِ بِنَفْسِهِ وَقِسْمٌ يَدْفَعُهُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْعَامِلِ وَلَا ضَمَانَ فَهُوَ كَالدَّيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ يُزَكِّيهِ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ وَمَدْفُوعَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ بِلَا ضَمَانٍ وَهِيَ فِي " رَسْمِ اسْتَأْذَنَ " مِنْ سَمَاعِ عِيسَى زَادَ فِيهِ فَقَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مُدِيرًا فَيُزَكِّيَهَا مَعَ مَالِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا عَلَى حَالِهَا وَنَصُّهُ. (، مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: هَذِهِ مِائَةُ دِينَارٍ اتَّجِرْ فِيهَا وَلَكَ رِبْحُهَا وَلَيْسَ عَلَيْك ضَمَانٌ فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَلَا عَلَى الَّذِي هِيَ لَهُ زَكَاتُهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا فَيُزَكِّيَهَا زَكَاةً وَاحِدَةً لِسَنَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ يُدِيرُ فَيُزَكِّيَهَا مَعَ مَالِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا عَلَى حَالِهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ " إنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ " صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ وَلَا هِيَ فِي ضَمَانِهِ فَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ بِهَا وَفَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ السَّلَفِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ رَبِحَ فِيهَا عِشْرِينَ دِينَارًا اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ إذْ لَا أَصْلَ لَهُ فَيُزَكِّيهِ عَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا، وَقَوْلُهُ " لَا زَكَاةَ عَلَى صَاحِبِهَا " لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحَرِّكَهَا بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَتْ اللُّقَطَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ زَكَاةِ الْقِرَاضِ: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ بِيَدِ الْعَامِلِ بِإِجَارَةٍ بِدَنَانِيرَ مَعْلُومَةٍ أَنَّهُ يُزَكِّي قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى رَبِّهِ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (لَا مَغْصُوبَةٌ) ش: أَيْ فَلَا تَتَعَدَّدُ الزَّكَاةُ فِيهَا بَلْ يُزَكِّيهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَإِنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُزَكِّيَهَا إنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يَجْعَلُهُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ " فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ " مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ " إنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ زَكَاةٌ " يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالنَّعَمُ الْمَغْصُوبَةُ تُرَدُّ بَعْدَ أَعْوَامٍ فَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ يُزَكِّي لِعَامٍ فَقَطْ وَلَهُ مَعَ أَشْهَبَ لِكُلِّ عَامٍ فَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلَ عَلَى عَدَمِ رَدِّ الْغَلَّاتِ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ أَيْضًا اسْتِقْبَالَهُ بِهَا عَلَيْهِ فِي الْعَيْنِ ثُمَّ فَرَّقَ بِرَدِّ الْوَلَدِ وَهُوَ عِظَمُ غَلَّتِهَا ابْنُ بَشِيرٍ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِاسْتِقْبَالِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى رَدِّ الْوَلَدِ إلَّا عَلَى قَوْلِ السُّيُورِيِّ إنَّهُ غَلَّةٌ فَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ اسْتِقْبَالَهُ نَصًّا وَهَمَ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى رَدِّ الْغَلَّاتِ الثَّانِي اتِّفَاقًا وَعَلَى عَدَمِ الرَّدِّ لَوْ زُكِّيَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ يُخْتَلَفُ فِي رُجُوعِ رَبِّهَا عَلَيْهِ زَكَاتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ رُدَّتْ عَلَيَّ قَبْلَ زَكَاتِهَا لَمْ أُزَكِّهَا وَلَا يَأْخُذُهَا السَّاعِي مِنْكَ لَوْ عَلِمَ أَنَّك غَاصِبٌ الصَّقَلِّيُّ، وَعَلَى الثَّانِي لَوْ اخْتَلَفَ قَدْرُهَا فِي أَعْوَامِهَا فَكَمُخْتَلَفٍ عَنْهُ وَفِيهَا لَوْ زُكِّيَتْ لَمْ تُزَكَّ عَبْدُ الْحَقِّ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ " فِيهِ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا فَيَغْرَمُ لِرَبِّهَا مَا يُؤَدِّيهِ السَّاعِي " غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَا دَفَعَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَالنَّخْلُ الْمَغْصُوبَةُ تُرَدُّ مَعَ ثَمَرِهَا تُزَكَّى إنْ لَمْ تَكُنْ زُكِّيَتْ عَبْدُ الْحَقِّ بِخِلَافِ النَّعَمِ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَ قِيمَتِهَا لِطُولِ حَبْسِهَا فَأَخَذَهَا كَابْتِدَاءِ مِلْكِهَا، وَلَوْ أَخَذَ قِيمَةَ الثَّمَرِ لَجَذَّهُ

الْغَاصِبُ قَبْلَ طِيبِهِ أَوْ لِجَهْلِ مِلْكِيَّتِهَا زَكَّى قِيمَتَهَا، انْتَهَى. قُلْت: لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِهَا قَبْلَ طِيبِهَا فَلَوْ رَدَّ مِمَّا بَلَغَ كُلَّ سَنَةٍ نِصَابًا مَا إنْ قَسَّمَ عَلَى سِنِيهِ لَمْ يَبْلُغْهُ لِكُلِّ سَنَةٍ وَهُوَ نِصَابٌ فَأَكْثَرُ فَفِي زَكَاتِهِ اسْتِحْسَانٌ ابْنُ مُحْرِزٍ وَقِيَاسُهُ مَعَ التُّونُسِيِّ وَعَزَا أَبُو حَفْصٍ الْأَوَّلَ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاخْتَارَهُ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْكَاتِبِ، قَالَ: ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ زَكَّى خَمْسَةً وَتَرَكَ الثَّلَاثَةَ حَتَّى يَقْبِضَ وَسْقَيْنِ، انْتَهَى. ص (وَضَائِعَةٌ) ش: وَلَوْ أَقَامَتْ أَعْوَامًا، سَوَاءٌ حَبَسَهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا، وَإِنْ حَبَسَهَا لِيَأْكُلَهَا فَلْيُزَكِّهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَبْسَهَا لِنَفْسِهِ فَيُزَكِّيَهَا لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ نَوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: يُحَرِّكُهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْجَارِي عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي صَيْرُورَتِهَا دَيْنًا عَلَى مُلْتَقِطِهَا بِإِرَادَةِ أَكْلِهَا أَوْ بِتَحْرِيكِهِ لَهَا نَقَلَا الشَّيْخُ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ الْمُغِيرَةِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلَ لِرِوَايَتَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالضَّائِعَةِ لِيَعُمَّ الْمُلْتَقَطَةَ وَغَيْرَهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي " رَسْمِ اسْتَأْذَنَ سَيِّدَهُ " مِنْ سَمَاعِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْبِسَاطِيّ إنَّ مِنْ شَرْطِ الضَّائِعَةِ أَنْ تُلْتَقَطَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَمَدْفُوعَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ بِلَا ضَمَانٍ) ش: قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فَوْقَ هَذَا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " بِلَا ضَمَانٍ " مِمَّا لَوْ كَانَ ضَامِنًا لَهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ سَلَفًا فِي ذِمَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا زَكَاةَ فِي عَيْنٍ فَقَطْ وُرِثَتْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ لَمْ تُوقَفْ إلَّا بَعْدَ حَوْلِهَا) ش: عِبَارَةُ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ وُرِثَتْ عَيْنًا اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا مِنْ قَبْضِهِ أَوْ قَبْضِ رَسُولِهِ، وَلَوْ أَقَامَ أَعْوَامًا أَوْ عَلِمَ بِهِ أَوْ وُقِفَ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُزَكِّي الْحَرْثَ وَالْمَاشِيَةَ مُطْلَقًا، انْتَهَى. كَأَنَّ الْقُيُودَ الَّتِي فِي

كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ. ص (بَعْدَ قَسْمِهَا وَقَبْضِهَا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا حَوْلُ إرْثِ الْأَصَاغِرِ مِنْ يَوْمِ قَبْضِ وَصِيِّهِمْ مُعَيَّنًا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا كِبَارًا أَوْ صِغَارًا لَمْ يَكُنْ قَبْضُ الْوَصِيِّ قَبْضًا لَهُمْ حَتَّى يَقْسِمُوا فَيَسْتَقْبِلَ الْكِبَارُ بِحَظِّهِمْ حَوْلًا وَيَسْتَقْبِلَ الْوَصِيُّ لِلصِّغَارِ بِحَظِّهِمْ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ الْقَسْمِ، انْتَهَى. ابْنُ فَرْحُونٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ قَبْضَ وَكِيلِهِ كَقَبْضِهِ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ: وَقَبْضُ رَسُولِ الْوَارِثِ كَقَبْضِهِ وَمُدَّةُ تَخَلُّفِهِ لِعُذْرٍ كَمُدَّتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيُخْتَلَفُ فِي لَغْوِ مُدَّةٍ حَبَسَهُ الْوَكِيلُ تَعَدِّيًا وَكَوْنِهِ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِهِ إجْحَافٌ، وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ " وَيُخْتَلَفُ إذَا حَبَسَهُ الْوَكِيلُ تَعَدِّيًا، هَلْ يَسْتَأْنِفُ بِهِ حَوْلًا أَوْ يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ؟ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ لِكُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ، انْتَهَى. ص (وَلَا مُوصِيَ بِتَفْرِقَتِهَا) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْعَيْنَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَعَهَا الْمَاشِيَةَ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مَجْهُولِينَ أَوْ فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ يَعْنِي فِي الْمَاشِيَةِ، قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَكَذَلِكَ النَّخْلُ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ: تُوقَفُ لِتَفَرُّقِ أَعْيُنِهَا، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَإِذَا كَانَتْ دَنَانِيرَ يَعْرِفُ أَصْلَهَا فَلَمْ تُفَرَّقْ حَتَّى أَتَاهَا الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ أَوْ فِي السَّبِيلِ كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ فِي الصِّحَّةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ تُفَرَّقُ رِقَابُهَا فِي السَّبِيلِ أَوْ تُبَاعُ لِتُفَرَّقَ أَثْمَانُهَا، فَيَأْتِي عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ تُفَرَّقَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَالْعَيْنِ، قَالَهُ مَالِكٌ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَاشِي: إذَا كَانَتْ تُفَرَّقُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَهِيَ كَالْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تُفَرَّقُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَهُمْ كَالْخُلَطَاءِ، وَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ فِي حَظِّهِ مِنْهُمْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا، وَأَمَّا الْعَيْنُ تُفَرَّق عَلَى مُعَيَّنِينَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُفَرَّقُ عَلَى مَجْهُولِينَ فَالْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ سَوَاءٌ لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعَيْنِ، انْتَهَى. كَلَامُ النَّوَادِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا مَالَ رَقِيقٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تَجِبُ عَلَى عَبْدٍ، وَإِنْ بِشَائِبَةِ، إذْ مِلْكُهُ لَمْ يَكْمُلْ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ فَإِنْ عَتَقَ اسْتَقْبَلَ

حَوْلًا بِالنَّقْدِ وَالْمَاشِيَةِ كَسَيِّدِهِ إنْ انْتَزَعَهُمَا، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَعَلَى حُكْمِهِ، انْتَهَى. ص (وَحُلِيٌّ) ش: يَعْنِي لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ إذَا سَلِمَ مِمَّا سَيَأْتِي ذَكَرَهُ سَوَاءٌ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ عَنْ حُلِيِّ الرَّجُلِ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ مَا إذَا اتَّخَذَهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ ابْنَتِهِ أَوْ خَدَمِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَاِتَّخَذَهُ لِتَلْبَسَهُ الْآنَ، وَكَذَلِكَ خَاتَمُهُ الْفِضَّةُ وَحِلْيَةٌ لِسَيْفِهِ وَمُصْحَفِهِ وَتَجِبُ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ مَا إذَا اتَّخَذَهُ لِلتِّجَارَةِ، وَيُخْتَلَفُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي، وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ حُلِيِّ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهَيْنِ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ مَا إذَا اتَّخَذَتْهُ لِلِبَاسِهَا أَوْ لِابْنَةٍ لَهَا لِتَلْبَسَهُ الْآنَ، وَتَجِبُ فِي وَجْهٍ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ مَا إذَا اتَّخَذَتْهُ لِلتِّجَارَةِ ص (إنْ لَمْ يَتَهَشَّمْ) ش: فَإِنْ تَهَشَّمَ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ تَهَشَّمَ، هَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ: وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ رَوَى مُحَمَّدٌ: لَا زَكَاةَ فِي التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ الْمَكْسُورِ يُرِيدُ أَهْلُهُ إصْلَاحَهُ، انْتَهَى. فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِالتِّبْرِ الْحُلِيَّ الْمُتَهَشِّمَ، وَأَمَّا التِّبْرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَعْدِنِ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلَمْ يَنْوِ عَدَمَ إصْلَاحِهِ) ش: هَذَا

فرع زكاة ما جعل في ثياب الرجل أو الجدر من الورق

أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ " وَلَا زَكَاةَ فِيمَا انْكَسَرَ مِنْ الْحُلِيِّ فَحُبِسَ لِإِصْلَاحِهِ "، وَمِنْ قَوْلِهِ فِي النَّوَادِرِ " وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَتَّخِذُهُ النَّاسُ، وَكَذَلِكَ مَا انْكَسَرَ مِنْهُ مِمَّا يُرِيدُ أَهْلُهُ إصْلَاحَهُ "، انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَهَشَّمْ وَلَمْ يَنْوِ صَاحِبُهُ عَدَمَ إصْلَاحِهِ فَكَأَنَّهُ حَبَسَهُ لِإِصْلَاحِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ كِرَاءٌ) ش: كَذَلِكَ مَا اُتُّخِذَ لِلْعَارِيَّةِ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ص (إلَّا مُحَرَّمَ اللُّبْسِ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا مُحَرَّمًا بِغَيْرِ لُبْسٍ، قَالَ: هِيَ الَّتِي نَشْرَحُ عَلَيْهَا وَهِيَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ الْحُلِيَّ الْمُحَرَّمَ سَوَاءٌ كَانَ مَلْبُوسًا أَوْ لَا، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَدَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُلِيُّ الصِّبْيَانِ فَإِنَّهُ عَلَى مَا شَهَرَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ مُحَرَّمُ اللُّبْسِ إذْ قَالَ: وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَحِلْيَةُ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمُبَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي حُلِيِّ الصِّبْيَانِ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَهُوَ تَابَعَ اللَّخْمِيَّ فَالْخِلَافُ فِي الزَّكَاةِ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ لُبْسِهِ وَرُجِّحَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْحَجِّ عَدَمُ الْجَوَازِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ اتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ زَكَاة مَا جُعِلَ فِي ثِيَابِ الرَّجُلِ أَوْ الْجُدُرِ مِنْ الْوَرِقِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: وَمَا جُعِلَ فِي ثِيَابِ الرَّجُلِ أَوْ الْجُدُرِ مِنْ الْوَرِقِ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ قَدْرٌ يَفْضُلُ عَنْ أُجْرَةِ عَامِلِهِ زَكَّى إنْ كَانَ فِيهِ نِصَابٌ أَوْ كَمُلَ بِهِ النِّصَابُ ذَهَبًا كَانَ أَوْ وَرِقًا، وَتَحْلِيَةُ غَيْرِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكُتُبِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ [فَرْعٌ زَكَاة مَا تحلي بِهِ الْكَعْبَة وَالْمَسَاجِد] (فَرْعٌ) وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ بِالْقَنَادِيلِ وَعَلَائِقهَا وَالصَّفَائِحِ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْجُدُرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُزَكِّيهِ الْإِمَامُ لِكُلِّ عَامٍ كَالْمُحْبِسِ الْمَوْقُوفِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْمَوْقُوفِ مِنْ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ لِلْقَرْضِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَأَعْرِفُ فِي الْمَالِ لِإِصْلَاحِ الْمَسَاجِدِ وَالْغَلَّاتِ الْمُحْبَسَةِ فِي مِثْلِ هَذَا اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَكَاةِ ذَلِكَ، قَالَ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَنْ لَا عِبَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَيُزَكِّي مَا اتَّخَذَ لِتَجْرٍ أَوْ حِلْيَةِ كَعْبَةٍ، وَلَوْ قِنْدِيلًا وَنَحْوَهُ أَوْ صَفِيحَةً بِجِدَارٍ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى. ص (أَوْ صَدَاقًا) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا اتَّخَذَهُ لِيُلْبِسَهُ لِزَوْجَةٍ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا الْآنَ أَوْ لِجَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لِابْنَةٍ لَهُ إذَا كَبُرَتْ أَوْ إذَا وُجِدَتْ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ ص (أَوْ مَنْوِيًّا بِهِ التِّجَارَةَ) ش: وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ لِلْقُنْيَةِ وَيَنْتَقِلُ لِلتِّجَارَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. [فَرْعٌ وَرِثَ حُلِيًّا لَمْ يَنْوِ بِهِ تِجَارَةً وَلَا قُنْيَةً] (فَرْعٌ) وَلَوْ وَرِثَ حُلِيًّا لَمْ يَنْوِ بِهِ تِجَارَةً وَلَا قُنْيَةً، قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: يُزَكِّيهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يُزَكِّيهِ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ فَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَالْعَيْنِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَا لَمْ تَكُنْ بِنِيَّةِ الْقُنْيَةِ وَهِيَ اسْتِعْمَالُهُ، وَرَأَى أَشْهَبُ أَنَّهُ كَالْعَرْضِ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ التِّجَارَةَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَبَسَ فِي الْمُخْتَصَرِ، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا تَحَرَّى) ش: أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَزْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ فَيَتَحَرَّى زِنَةَ مَا فِيهِ مِنْ النَّقْدِ فَيُزَكِّيهِ، وَأَمَّا الْجَوْهَرُ الَّذِي مَعَهُ أَوْ السَّيْف وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَالْعَرَضِ إنْ كَانَ مُدِيرًا قَوْمَهُ وَزَكَّاهُ لِكُلِّ عَامٍ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَكِرًا فَإِذَا بَاعَهُ فَضَّ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ النَّصْلِ وَقِيمَةِ الْحُلِيِّ مَصُوغًا فَيُزَكِّي مَا نَابَ النَّصْلَ

مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُزَكِّي مَا زَادَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا زَكَّى تَحَرِّيًا، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: إنَّمَا يَفُضُّ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْحِجَارَةِ وَقِيمَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْحِلْيَةِ لَا عَلَى وَزْنِ ذَلِكَ فَيَصِيرُ زَكَاتُهُ أَوْلَى عَلَى تَحَرِّي الْوَزْنِ وَفَضِّهِ الثَّمَنَ حِينَ الْمَبِيعِ لَا عَلَى الْوَزْنِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَجِبُ فِي ثَمَنِ الْعَرْضِ زَكَاةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضُمَّ الرِّبْحُ لِأَصْلِهِ) ش: الرِّبْحُ مَا زَادَ مِنْ ثَمَنِ سِلَعِ التِّجَارَةِ عَلَى ثَمَنِهَا الْأَوَّلِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنَّمَا النَّقْدُ رِبْحٌ وَفَائِدَةٌ وَغَلَّةٌ ص (وَلَوْ رِبْحَ دَيْنٍ لَا عِوَضَ لَهُ عِنْدَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرِّبْحَ يُزَكَّى لِحَوْلِ أَصْلِهِ، وَلَوْ كَانَ نَشَأَ عَنْ دَيْنٍ لَا عِوَضَ لَهُ عِنْدَهُ: إمَّا بِأَنْ يَكُونَ اسْتَلَفَ دَنَانِيرَ وَتَجَرَ فِيهَا حَوْلًا، أَوْ اسْتَلَفَ عَرْضًا وَتَجَرَ فِيهِ حَوْلًا أَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَتَجَرَ فِيهِ حَوْلًا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا أَنَّ حَوْلَ الَّذِي تَسَلَّفَ الدَّنَانِيرَ وَتَجَرَ فِيهَا مَحْسُوبٌ مِنْ يَوْمِ تَسَلَّفَ الدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا بِالسَّلَفِ وَفِي عَيْنِهَا الزَّكَاةُ وَحَوْلُ رِبْحِ الَّذِي تَسَلَّفَ الْعَرْضَ لِيَتَّجِرَ فِيهِ مَحْسُوبٌ مِنْ يَوْمِ تَجَرَ فِي الْعَرْضِ لَا مِنْ يَوْمِ اسْتَلَفَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْعَرْضَ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ، وَحَوْلُ رِبْحِ الَّذِي اشْتَرَى فَتَجَرَ فِيهِ مَحْسُوبٌ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهُ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ لِلْقُنْيَةِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَجَرَ فِيهِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ مِنْ يَوْمِ بَاعَهُ، وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ نَضَّ ثَمَنُهُ فِي يَدِهِ، انْتَهَى، مِنْ " رَسْمِ أَوْصَى " مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ تَسَلَّفَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً أَقَامَتْ حَوْلًا ثُمَّ بَاعَهَا بِأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِوَضٌ لِلْعِشْرِينَ يُوهِمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَاةِ مُرُورُ حَوْلٍ عَلَيْهَا أَوْ أَنَّ الرِّبْحَ يُزَكَّى لِحَوْلِ الشِّرَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ نَعَمْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلًا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرِّبْحَ يُزَكَّى لِحَوْلٍ مِنْ الشِّرَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّ الْبَاجِيَّ وَابْنَ شَاسٍ وَابْنَ رُشْدٍ قَالُوا فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ تَسَلَّفَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَبَقِيَ الْمَالُ بِيَدِهِ حَوْلًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ حَوْلًا ثُمَّ بَاعَهَا بِأَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ وَالِدِي: وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ اشْتَرَى بِهِ مِنْ يَوْمِهِ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى السِّلْعَةِ كَانَ الْحُكْمُ سَوَاءً، انْتَهَى. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُرُورَ الْحَوْلِ عَلَى السِّلْعَةِ لَيْسَ شَرْطًا أَيْضًا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) نَصَّ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ هُنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْأَصْلَ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَا عِوَضَ لَهُ عِنْدَهُ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ، قَالَ فِي " رَسْمِ أَوْصَى " مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ فِيمَنْ تَسَلَّفَ عَرْضًا فَتَجَرَ فِيهِ حَوْلًا ثُمَّ رَدَّ مَا اسْتَسْلَفَ مِنْ ذَلِكَ، وَفَضَلَ لَهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: إنَّهُ يُزَكِّي هَذِهِ الْفَضْلَةَ، وَقَالَ فِي " رَسْمِ أَوَّلِهِ لَمْ يُدْرَكْ " مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَتَسَلَّفُ مِائَةَ دِينَارٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا فَيَشْتَرِي سِلْعَةً فَيَرْبَحُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ: إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ قَضَى الْمِائَةَ وَزَكَّى مَا بَقِيَ إنْ كَانَ مَا بَقِيَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

فرع يتصدق على الرجل بألف درهم وعزلها المتصدق فأقامت سنين

إذَا كَانَ قَدْ حَالَ عَلَى الْمِائَةِ الْحَوْلُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ مِنْ يَوْمِ تَسَلَّفَهَا، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ دَيْنًا، وَأَمَّا لَوْ أُعْطِيَ لَهُ مَالٌ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالرِّبْحِ حَوْلًا اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. (الثَّالِثُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَلَمْ يَنْقُدْهُ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ أَنَّهُ يُزَكِّي الرِّبْحَ لِحَوْلِ الْأَصْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ لِحَوْلِ الشِّرَاءِ، وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا. (الرَّابِعُ) إذَا كَانَ بِيَدِهِ دُونَ النِّصَابِ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَبَاعَهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْجَمِيعَ يَوْمَ يَبِيعُ وَيَكُونُ حَوْلُهُ مِنْ يَوْمِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَبَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْمَالَ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ حَوْلُهُ وَلَا يُزَكِّي الرِّبْحَ إلَّا لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي أَصْلِهِ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِمُنْفَقٍ بَعْدَ حَوْلِهِ مَعَ أَصْلِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: يَتَعَلَّقُ وَقْتُ الشِّرَاءِ بِضَمٍّ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ إنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ بَيْعِ السِّلْعَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَقَعَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الضَّمَّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَّقَهُ الْبِسَاطِيُّ بِمُنْفَقٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالْمَالُ الْمُنْفَقُ وَقَعَ إنْفَاقُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِأَصْلِ الرِّبْحِ أَوْ مَعَ الشِّرَاءِ، انْتَهَى. وَفِي تَصَوُّرِ الْإِنْفَاقِ وَالشِّرَاءِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بُعْد وَدُخُولٍ فِي عُهْدَتِهِ، إذَا الْمَنْقُولُ إنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْإِنْفَاقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَكَلُّفٍ بِأَنْ يَقُولَ: يُرِيدُ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَقْتُ الشِّرَاءِ بِمَعْنَى بَعْدَ الشِّرَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ كَوْنَ وَقْتٍ بِمَعْنَى بَعْدُ بَعِيدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ وَيَكُونُ حَالًا مِنْ الرِّبْحِ، وَالتَّقْدِيرُ وَضُمَّ الرِّبْحُ لِمَالٍ مُنْفَقٍ بَعْدَ أَنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مَعَ أَصْلِ الرِّبْحِ حَالَةَ كَوْنِ الرِّبْحِ مُقَدَّرًا حُصُولُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الْإِنْفَاقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ضُمَّ الرِّبْحُ لِلْمُنْفَقِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ حُصُولُ الرِّبْحِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْفَاقُ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا يُضَمُّ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ حِينَئِذٍ لَمْ يُقَدَّرْ حُصُولُهُ وَيُقَيَّدُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ الرِّبْحِ مَوْجُودًا مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) لَوْ كَانَ الْإِنْفَاقُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُضَمَّ الرِّبْحُ لِلْمُنْفَقِ اتِّفَاقًا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ [فَرْعٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَزَلَهَا الْمُتَصَدِّقُ فَأَقَامَتْ سِنِينَ] ص (وَاسْتَقْبَلَ بِفَائِدَةٍ تَجَدَّدَتْ لَا عَنْ مَالٍ كَعَطِيَّةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، قَالَ: سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَزَلَهَا الْمُتَصَدِّقُ فَأَقَامَتْ سِنِينَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ قَبِلَهَا، قَالَ إنْ قَبِلَهَا اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا وَسَقَطَ مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا رَجَعَتْ إلَى

صَاحِبِهَا وَأَدَّى عَنْهَا زَكَاةَ مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي النَّوَادِرِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ إنْ قَبِلَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَمَّا تَصَدَّقَ الْمُتَصَدِّقُ بِالدَّنَانِيرِ وَلِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا صَارَتْ الصَّدَقَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى قَبُولِهِ، فَإِنْ قَبِلَ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ يَوْمَ تَصَدَّقَ بِهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَيَرُدَّ بِمَا أَوْجَبَ لَهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ إنْ قَبِلَ وَجَبَتْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِالْقَبُولِ وَجَبَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ إلَّا بِالْقَبُولِ فَكَانَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِهِ غَلَّةً لَكَانَتْ الْغَلَّةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلْمُتَصَدِّقِ إلَى يَوْمِ الْقَبُولِ إنْ قَبِلَ، وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ تَكُونُ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إنْ قَبِلَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ عَلَى زَكَاةِ الدَّيْنِ الْمَوْهُوبِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا زَكَاةَ فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى. ص (أَوْ غَيْرُ مُزَكًّى) ش: يَعْنِي أَوْ تَجَدَّدَتْ عَنْ غَيْرِ مُزَكًّى كَثَمَنِ عُرُوضِ الْقُنْيَةِ. ص (وَتُضَمُّ نَاقِصَةٌ، وَإِنْ بَعْدَ تَمَامِ الثَّانِيَةِ أَوْ ثَالِثَةٍ إلَّا بَعْدَ حَوْلِهَا كَامِلَةً فَعَلَى حَوْلِهَا كَالْكَامِلَةِ أَوَّلًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْفَوَائِدَ إذَا تَعَدَّدَتْ فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ فَإِنَّهَا تُضَمُّ لِلثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ عَارِضًا لَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نِصَابًا تَامًّا إذَا لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ نِصَابٌ فَإِذَا ضُمَّتْ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ صَارَتَا كَأَنَّهُمَا فَائِدَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُمَا نِصَابٌ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا إذَا كَانَتْ الْأُولَى نِصَابًا، وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ ضُمَّ إلَى الثَّالِثَةِ وَهَكَذَا، قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: إنَّ مَنْ أَفَادَ مَالًا بَعْدَ مَالٍ. فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُزَكَّى فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى مَا بَعْدَهُ حَتَّى يَبْلُغَ عَدَدَ مَالِ الزَّكَاةِ ثُمَّ مَا أَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ حَوْلٌ مُؤْتَنَفٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْأَوَّلُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلِكُلِّ مَا أُفِيدَ بَعْدَهُ حَوْلٌ مُؤْتَنَفٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " إلَّا بَعْدَ حَوْلِهَا كَامِلَةً " يَعْنِي أَنَّ الْأُولَى إذَا عَرَضَ لَهَا النَّقْصُ تُضَمُّ لِلثَّانِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ النَّقْصُ إنَّمَا عَرَضَ لَهَا بَعْدَ أَنْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ كَامِلَةً فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُضَمُّ لِمَا بَعْدَهَا بَلْ تُزَكَّى عَلَى حَوْلِهَا، يُرِيدُ إذَا كَانَ فِيهَا وَفِيمَا بَعْدَهَا نِصَابٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ رَجَعَا مَعًا إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا جُمِعَتَا بَطَلَ وَقْتَاهُمَا وَرَجَعَا كَمَالٍ وَاحِدٍ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ثُمَّ إنْ أَفَادَ مِنْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَتِمُّ بِهِ مَعَهُمَا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ اسْتَقْبَلَ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْمَالَ الثَّالِثَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " كَالْكَامِلَةِ أَوَّلًا " يَعْنِي أَنَّ الْفَائِدَةَ الْأُولَى إذَا كَانَتْ كَامِلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَى مَا بَعْدَهَا وَلَا يُضَافُ إلَيْهَا وَكَمَالُهَا إمَّا مِنْ أَصْلِهَا كَمَا إذَا

اسْتَفَادَ عِشْرِينَ دِينَارًا وَاسْتَمَرَّتْ فِي يَدِهِ حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَزَكَّاهَا أَوْ كَانَتْ دُونَ النِّصَابِ وَرَبِحَ فِيهَا مَا كَمُلَتْ بِهِ نِصَابًا قَبْلَ حَوْلِهَا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُضَمُّ إلَى أَصْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَفَادَ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ أَفَادَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ خَمْسَةً أُخْرَى فَتَجَرَ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى فَصَارَتْ بِرِبْحِهَا نِصَابًا زَكَّى كُلَّ فَائِدَةٍ لِحَوْلِهَا، وَلَوْ تَجَرَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهَا فَرَبِحَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ أَضَافَ الْخَمْسَةَ الْأُولَى إلَى حَوْلِ الثَّانِيَةِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأُولَى إذَا أَتَى عَلَيْهَا حَوْلُهَا وَهِيَ نِصَابٌ: إمَّا مِنْ الْأَصْلِ، أَوْ بِرِبْحِهَا زُكِّيَتْ كُلُّ فَائِدَةٍ عَلَى حَوْلِهَا، وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ نَاقِصَةً مِنْ أَصْلِهَا أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا النَّقْصُ حَتَّى أَتَى حَوْلُ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا تُضَمُّ إلَيْهَا وَبَقِيَ صُورَةٌ وَهِيَ مَا إذْ أَتَى الْحَوْلُ عَلَى الْأُولَى وَهِيَ نَاقِصَةٌ ثُمَّ كَمُلَتْ بِرِبْحِهَا قَبْلَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنْ تُزَكَّى الْأُولَى حِينَ كَمَالِهَا وَيَكُونُ حَوْلُهَا مِنْ يَوْمئِذٍ، وَتَكُونُ الثَّانِيَةُ عَلَى حَوْلِهَا ص (وَإِنْ نَقَصَتَا فَرَبِحَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا تَمَامَ نِصَابٍ عِنْدَ حَوْلِ الْأُولَى أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى حَوْلَيْهِمَا وَفَضَّ رِبْحَهُمَا وَبَعْدَ شَهْرٍ فَمِنْهُ وَالثَّانِيَةُ عَلَى حَوْلِهَا وَعِنْدَ حَوْلٍ، وَالثَّانِيَةُ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَا بِهِمَا فَمِنْهُ كَبَعْدِهِ) ش: أَيْ نَقَصَ مَجْمُوعُ الْفَائِدَتَيْنِ عَنْ النِّصَابِ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْأُولَى وَهِيَ كَامِلَةٌ وَكَانَتْ كُلُّ فَائِدَةٍ تُزَكَّى عَلَى حَوْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُمَا صَارَا بِمَنْزِلَةِ مَالٍ وَاحِدٍ وَيُضَمَّانِ لِمَا بَعْدَهُمَا مِنْ الْفَوَائِدِ هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِمَا رِبْحٌ، وَأَمَّا إنْ اتَّجَرَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَرَبِحَ مَا يَكْمُلُ بِهِ مَعَهُمَا نِصَابٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِي وَقْتِ كَمَالِهَا بِالرِّبْحِ وَلَا يَخْلُو الْحَالُ فِيهِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ حَوْلِ الْأُولَى أَوْ عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ أَوْ عِنْدَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ وَفَضَّ رِبْحَهُمَا يَعْنِي أَنَّ الرِّبْحَ إذَا كَانَ فِيهِمَا جَمِيعًا يُرِيدُ: وَقَدْ خَلَطَهُمَا فَإِنَّهُ يَفُضُّ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ عَدَدَيْهِمَا وَيُزَكِّي مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَخُصُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْهُمَا زَكَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِرِبْحِهَا، وَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ فِي إحْدَاهُمَا فَقَطْ زَكَّاهَا بِرِبْحِهَا وَزَكَّى الْأُخْرَى بِغَيْرِ رِبْحٍ، وَهَذَا جَارٍ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَإِنْ نَقَصَتَا إلَى آخِرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رَسْمِ الثَّمَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. الثَّانِي قَوْلُهُ " وَبَعْدَ شَهْرٍ فَمِنْهُ " لَا خُصُوصِيَّةَ لِلشَّهْرِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ حَوْلِ الْأُولَى وَقَبْلَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ " أَوْ شَكَّ فِيهِ لِأَيِّهِمَا الْمُتَبَادَرُ " أَنَّ الْمُرَادَ إذَا شَكَّ فِي الرِّبْحِ لِأَيِّ الْفَائِدَتَانِ هُوَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي لِحَوْلِ الثَّانِيَةِ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ لِحَوْلِهَا، وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفَائِدَتَيْنِ النَّاقِصَتَيْنِ مِنْ الْأَصْلِ لَا فِي الرَّاجِعَتَيْنِ لِلنَّقْصِ بَعْدَ التَّمَامِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّاجِعَتَيْنِ

تجر في المالين فربح فيه ستة دنانير ثم لم يدر أيهما هو فكيف يزكيه

لَوْ تَحَقَّقْنَا أَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ الثَّانِيَةِ لَمْ يُجْعَلْ حَوْلُ الْجَمِيعِ مِنْ حَوْلِهَا بَلْ نَنْظُرُ مَتَى حَصَلَ الرِّبْحُ بِحَسَبِ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا النَّاقِصَتَانِ مِنْ الْأَصْلِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ فِي الْأُولَى رِبْحٌ كَمُلَتْ بِهِ نِصَابًا زُكِّيَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى حَوْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي الْأُولَى وَحَصَلَ فِي الثَّانِيَةِ ضُمَّتْ الْأُولَى إلَيْهَا فَإِذَا شَكَّ هَلْ هُوَ لِلْأُولَى أَوْ لِلثَّانِيَةِ فَيُجْعَلُ لِلثَّانِيَةِ وَتُضَمُّ الْأُولَى إلَيْهَا؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ لِلْأُولَى أَوْ قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا وَزَكَّيْنَا الْأُولَى لِذَلِكَ عَلَى حَوْلِهَا لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ الثَّانِيَةِ وَنَكُونُ زَكَّيْنَا الْأُولَى قَبْلَ الْحَوْلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ رَأَيْت هَذَا الْفَرْعَ إلَّا فِي النَّاقِصَتَيْنِ مِنْ الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ " أَوْ شَكَّ فِيهِ لِأَيِّهِمَا " أَيْ شَكَّ فِي الرِّبْحِ لِأَيِّ الْحَوْلَيْنِ حَصَلَ هَلْ عِنْدَ حَوْلِ الْأُولَى أَوْ عِنْدَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا إذَا فُرِضَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ عِنْدَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) وَلَوْ زَكَّاهُمَا عَلَى حَوْلَيْهِمَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ أَنْ زَكَّى أَحَدَهُمَا إلَى مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ بِالرِّبْحِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ حَوْلُ الْمَالِ الثَّانِي بَقِيَا جَمِيعًا عَلَى حَوْلَيْهِمَا الْمُتَقَدِّمَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا يُزَكِّي كُلَّ مَالٍ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهِ بِرِبْحِهِ إنْ كَانَ الرِّبْحُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَدْ خَلَطَهُمَا أَوْ لَمْ يَخْلِطْهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَخْلِطْهُمَا زَكَّى كُلَّ مَالٍ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهِ بِرِبْحِهِ الَّذِي رَبِحَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَلَطَهُ فَضَّ الرِّبْحَ عَلَيْهِمَا فَزَكَّى مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَنُوبُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ فِي أَحَدِهِمَا زَكَّاهُ بِرِبْحِهِ وَزَكَّى الْآخَرَ بِغَيْرِ رِبْحٍ، انْتَهَى. مِنْ الْبَيَانِ مِنْ رَسْمِ الثَّمَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، فُرِّعَ مِنْهُ أَيْضًا، وَلَوْ زَكَّاهُمَا عَلَى حَوْلَيْهِمَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا جُمِعَا ثُمَّ أَتَى حَوْلُ الْأُولَى وَهُمَا نَاقِصَتَانِ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَتَرَكَ تَزْكِيَتَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ أَشْهُرٍ وَقَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ حَوْلُ الْمَالِ الثَّانِي رَبِحَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَا فِيهِ النِّصَابُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْأُولَى حِينَئِذٍ وَيَتْرُكُ الثَّانِيَةَ إلَى حَوْلِهَا ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَرَكَ الثَّانِيَةَ إلَى حَوْلِهَا نَقَصَتْ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَتَى حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَهِيَ نَاقِصَةٌ فَتَرَكَ تَزْكِيَتَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ أَشْهُرٍ رَجَعَتَا بِالرِّبْحِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الثَّانِيَةَ الْآنَ أَيْضًا وَتَبْقَى الْفَائِدَتَانِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَوْلَيْنِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَإِنْ حَلَّ حَوْلُ الْأُولَى وَفِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَزَكَّاهَا فَنَقَصَتَا عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَحَلَّ حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَهُمَا حِينَئِذٍ نَاقِصَتَانِ فَلَمْ يُزَكِّ شَيْئًا ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ حَوْلُ الْأُولَى يَعْنِي الْحَوْلَ الثَّانِيَ إلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ يَوْمئِذٍ حَوْلًا لِلثَّانِيَةِ وَتَبْقَى الْأُولَى عَلَى حَوْلِهَا وَيَصْنَعُ فِي الرِّبْحِ كَمَا وَصَفْنَا، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. [تَجَرَ فِي الْمَالَيْنِ فَرَبِحَ فِيهِ سِتَّةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا هُوَ فَكَيْف يُزْكِيه] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَمَنْ أَفَادَ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا ثُمَّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَفَادَ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَخَلَطَ الْمَالَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ جُمْلَتِهِمَا ثَلَاثَةً فَتَجَرَ فِيهَا فَرَبِحَ ثَلَاثَةً فَلْيَقْسِمْ الرِّبْحَ عَلَى الْمَالَيْنِ، فَيَنُوبُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارَانِ وَنِصْفٌ وَالثَّلَاثَةَ نِصْفُ دِينَارٍ وَيَبْقَى الْمَالَانِ عَلَى حَوْلَيْهِمَا، يُرِيدُ حَوْلَ آخِرِهِمَا، وَلَوْ رَبِحَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ وَقَعَ لِلْمَالِ خَمْسَةٌ فَيَصِيرُ بِرِبْحِهِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيهِ لِحَوْلِهِ وَالْمَالُ الثَّانِي لِحَوْلِهِ، يُرِيدُ إذَا كَانَ هَذَا الرِّبْحُ قَبْلَ أَنْ يَضُمَّهُمَا حَوْلُ آخِرِهِمَا، قَالَ: وَلَوْ ضَمَّهُمَا حَوْلُ آخِرِهِمَا قَبْلَ الرِّبْحِ لَمْ يَرْجِعَا إلَى حَوْلَيْنِ وَيَبْقَى حَوْلُهُمَا وَاحِدًا، وَلَوْ تَجَرَ فِي الْمَالَيْنِ فَرَبِحَ فِيهِ سِتَّةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا هُوَ فَلْيُزَكِّهِمَا عَلَى حَوْلِ آخِرِهِمَا وَلَا يَفُضُّهُ بِالشَّكِّ فَقَدْ يُزَكِّي الْمَالَ الْأَوَّلَ قَبْلَ حَوْلِهِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ حَالَ حَوْلُهَا فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ حَالَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ نَاقِصَةً فَلَا زَكَاةَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَالَ حَوْلُ الْفَائِدَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَنْفَقَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا ثُمَّ حَالَ حَوْلُ الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْفَائِدَةُ الْأُولَى نِصَابًا وَزَكَّاهَا أَوْ دُونَ نِصَابٍ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَفَادَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ أَفَادَ بَعْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَزَكَّى الْأَوَّلَ لِحَوْلِهِ ثُمَّ أَنْفَقَهُ قَبْلَ حَوْلِ الثَّانِي فَإِذَا حَلَّ حَوْلُ الثَّانِي لَمْ يُزَكِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَالٌ أَفَادَهُ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتْلَفْ

وَفِي هَذَا الْأَوْسَطُ مَعَ الْمَالِ الثَّالِثِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلْيُزَكِّهِمَا لِحَوْلِ آخِرِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَوْ مَلَكَ عَشَرَةً فِي الْمُحَرَّمِ وَعَشَرَةً فِي رَجَبٍ وَحَالَ حَوْلُ الْمَحْرَمِيَّةِ ثُمَّ أَنْفَقَهَا وَضَاعَتْ ثُمَّ حَالَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ فَهَلْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهَا أَمْ لَا؟ قَالَ بِالسُّقُوطِ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمِلْكِ وَكُلِّ الْحَوْلِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الِاجْتِمَاعُ فِي كُلِّ الْحَوْلِ، وَقَالَ أَشْهَبُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، قَالَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " ضَاعَتْ الْأُولَى " مِمَّا إذَا ضَاعَتْ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ وَبِقَوْلِهِ بَعْدَ حَوْلِهِمَا مِمَّا لَوْ أَنْفَقَ الْأُولَى قَبْلَ حَوْلِهَا فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ إذْ ذَاكَ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ وَيُنْقِصَانِ الثَّانِيَةَ مِمَّا إذَا حَالَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ كَامِلَةً فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ يَتَّفِقَانِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الثَّانِيَةِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْأُولَى، انْتَهَى. ص (وَبِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ بِلَا بَيْعٍ لَهَا كَغَلَّةِ عَبْدٍ) ش: أَيْ وَاسْتَقْبَلَ بِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ إنْ كَانَ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهِ حَوْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ فَائِدَةً أَفَادَهَا وَفُهِمَ مِنْهُ مِنْ بَابِ أَحْرَى أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ السِّلَعِ الْمُشْتَرَاةِ لِلْقِنْيَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْضًا يَسْتَقْبِلُ بِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ السِّلَعِ الْمُكْتَرَاةِ لِلْقِنْيَةِ، وَأَمَّا السِّلَعُ الْمُكْتَرَاةُ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّ غَلَّتَهَا كَالرِّبْحِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ، وَلَوْ قَالَ " عَنْ رِقَابِ التِّجَارَةِ " عِوَضَ قَوْلِهِ " سِلَعِ " لَكَانَ أَوْضَحَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي عِلَّةِ الرِّقَابِ هُوَ الْحُكْمُ فِي عِلَّةِ السِّلَعِ، أَوْ لَوْ قَالَ عَنْ رِقَابِ التِّجَارَةِ وَسِلَعِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا مَنَافِعُ الرِّقَابِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مُتَوَلِّدَةً عَمَّا اشْتَرَى لِلْقِنْيَةِ أَوْ عَمَّا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ أَوْ عَمَّا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً عَمَّا اشْتَرَى لِلْقِنْيَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إذْ هِيَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهَا يُرِيدُ أَوْ قَبْضِ ثَمَنِهَا إنْ كَانَتْ ثَمَرَةً هَذَا حُكْمُ مَنَافِعِ السِّلَعِ الْمُشْتَرَاةِ لِلْقِنْيَةِ، وَأَمَّا السِّلَعُ الْمُكْتَرَاةُ لِلْقِنْيَةِ فَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ أَمَّا الْمُصَنِّفُ فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَضُمَّ الرِّبْحُ لِأَصْلِهِ كَغَلَّةِ مُكْتَرًى لِلتِّجَارَةِ، وَصَرَّحَ بِالْمَفْهُومِ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا " إلَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا حُكْمُ سِلَعِ الْقُنْيَةِ مُشْتَرَاةً أَوْ مُكْتَرَاةً أَوْ الَّتِي لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا لِلْقِنْيَةِ، وَأَمَّا الْمُتَجَدِّدُ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ السِّلَعُ مُكْتَرَاةً أَوْ مُشْتَرَاةً فَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ إلَى أَنْ قَالَ: وَثَمَرَةُ مُشْتَرًى وَأَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ ثَمَنَ ثَمَرَةِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا سَوَاءٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ أَمْ لَمْ تَجِبْ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ الْمَنْصُوصِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا فَرَجَعَ إلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلَوْ اكْتَرَى وَزَرَعَ إلَى آخِرِهِ " وَمَا ذَكَرْت أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَجْعَلْ ابْنُ عَرَفَةَ مُقَابِلَهُ إلَّا تَخْرِيجَ ابْنِ بَشِيرٍ، وَنَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَمَنْ اشْتَرَى أُصُولًا لِلتِّجَارَةِ فَأَثْمَرَتْ فَالْمَشْهُورُ كَفَائِدَةٍ يَعْنِي أَنَّ مِثَالَ الْغَلَّةِ مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أُصُولًا لِلتِّجَارَةِ وَلَا ثَمَرَةَ فِيهَا فَأَثْمَرَتْ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذِهِ الثَّمَرَةَ فَائِدَةٌ فَإِنْ كَانَ فِي عَيْنِهَا زَكَاةٌ زَكَّاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهَا الزَّكَاةُ كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ أَوْ كَانَتْ وَلَكِنَّهَا قَصُرَتْ عَنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ ثُمَّ إنْ بَاعَ الْغَلَّةَ فِي الْجَمِيعِ اسْتَقْبَلَ حَوْلًا، وَالشَّاذُّ أَنَّهُ يُزَكِّي الثَّمَنَ عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ إلَّا فِيمَا فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ وَكَانَ نِصَابًا فَإِنْ حَلَّ ثَمَنُهُ مِنْ يَوْمِ زَكَّى عَيْنَ الْغَلَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ ثَمَنِ غَلَّةِ مَا اُبْتِيعَ لِتَجْرٍ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِحَبْسِهَا أَوْ عَدَمِ نِصَابِهَا فَائِدَةً أَوْ رِبْحًا - قَوْلَا الْمَشْهُورِ، وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ مَعَ الصَّقَلِّيِّ وَهِيَ رِوَايَةُ زِيَادٍ: وَلَوْ كَانَتْ مُزَكَّاةً فَفِي تَزْكِيَةِ ثَمَنِهَا لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ بَيْعِهَا أَوْ زَكَاتِهَا نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ مَعَ ظَاهِرِهَا وَتَخْرِيجِ ابْنِ بَشِيرٍ عَلَى كَوْنِ ثَمَنِ غَيْرٍ زَكَّاهَا رِبْحًا فَجَعْلُهُ ابْنَ الْحَاجِبِ الْمَشْهُورَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّانِي لِتَخْرِيجِ ابْنِ بَشِيرٍ فَقَطْ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلًا فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي مَنَافِعِ مَا اشْتَرَى

لِلتِّجَارَةِ أَوْ اكْتَرَى لَهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَأَطْلَقَ فِي تِلْكَ فَقَالَ: الْأَوَّلُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِفَائِدَةٍ وَيُزَكِّي ذَلِكَ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى قَبَضَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ بِهِ وَاكْتَرَى بِهِ أَوْ زَكَّاهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، الثَّانِي - أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ الثَّالِثُ - غَلَّةُ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَائِدَةٌ وَغَلَّةُ مَا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ لَيْسَتْ بِفَائِدَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْمَذَاهِبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا اشْتَرَى لِيُبَاعَ فَيَرْبَحَ فِيهِ أَوْ اكْتَرَى لِيُكْرَى فَيَرْبَحَ فِيهِ وَمِنْ غَلَّةِ مَا اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ، انْتَهَى. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَوْ اكْتَرَى "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ " أَشَدُّ الْمَذَاهِبِ " كَأَنَّهُ اسْتَضْعَفَهُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَرِوَايَةُ ابْنِ زِيَادَةَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِالتَّوْهِيمِ هُوَ مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ، وَنَصُّهُ: فَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى الثَّمَنَ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ تَزْكِيَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَعَ هَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَوْ قَالَ " بَعْدَ تَزْكِيَتِهَا " لَكَانَ أَحْسَنَ، وَالْمَشْهُورُ نَقَلَهُ لِابْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ لَكِنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهُ فِيمَا إذَا اكْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَقَيَّدَهُ هُوَ، فَقَالَ يُرِيدُ إذَا اكْتَرَى الْأَرْضَ لِلتِّجَارَةِ وَاشْتَرَى طَعَامًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ، وَكَانَ الْأَحْسَنُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْ قَوْلِهِ " وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ "، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، انْتَهَى. وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا مَحِلُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَنْ اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرُ بَعْدَهَا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ اكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَغَلَّتُهُ رِبْحٌ تُزَكَّى عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ أَوْ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ يُزَكَّى لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا " وَضُمَّ الرِّبْحُ لِأَصْلِهِ " كَغَلَّةِ مُكْتَرًى لِلتِّجَارَةِ وَبِقَوْلِهِ بَعْدُ " وَإِنْ اكْتَرَى وَزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى " يَعْنِي يُزَكِّي الثَّمَنَ لِحَوْلِ الْأَصْلِ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِ مَا خَرَجَ زَكَاةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ، وَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى ثُمَّ زَكَّى الثَّمَنَ لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ فَهُوَ إنَّمَا يُرْجَعُ إلَى هَذَا الْفَرْعِ فَقَطْ وَمَنْ رَدَّهُ إلَى الْغَلَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَقَدْ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ بَلْ عَلَى التَّخْرِيجِ فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ اتِّفَاقًا، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي إلْحَاقِ سِلَعِ التِّجَارَةِ بِالرِّبْحِ أَوْ بِالْفَوَائِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهَا زَكَاةٌ قَوْلَانِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهَا زَكَاةٌ " مِمَّا لَوْ كَانَ فِي عَيْنِهَا زَكَاةٌ كَمَا لَوْ اغْتَلَّ نِصَابًا مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْحَبِّ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ زَكَاةَ الثَّمَرَةِ اتِّفَاقًا ثُمَّ إنْ بَاعَهُ اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهِ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَمَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ يُوَافِقُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَنَصُّهَا: وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا وَابْتَاعَ طَعَامًا فَزَرَعَهُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ يَوْمَ حَصَادِهِ فَإِذَا تَمَّ لَهُ عِنْدَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ زَكَّاهُ قَوْمُهُ إنْ كَانَ مُدِيرًا وَلَهُ مَالٌ عَيَّنَ سِوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدِيرًا فَلَا يُقَوِّمُهُ فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاتَهُ زَكَّى الثَّمَنَ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ حَوْلِ التَّرَبُّصِ فَإِذَا تَمَّ حَوْلٌ وَالثَّمَنُ فِي يَدَيْهِ وَفِيهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ وَمَنْ اكْتَرَى لِيُكْرِيَ زُكِّيَتْ أُجْرَتُهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ، وَغَلَّةُ مَا اشْتَرَى لِلْكِرَاءِ وَالْقِنْيَةِ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهَا الْحَوْلَ، وَكَذَلِكَ غَلَّةُ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَرُوِيَ أَنَّهَا تُزَكَّى لِحَوْلِ أَصْلِهَا، وَأَمَّا غَلَّةُ الْأَرَاضِي فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُكْتَرَاةً لِلتِّجَارَةِ وَالزَّرْعُ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا إنْ كَانَ نِصَابًا، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ زَكَّى ثَمَنَهُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ بِالثَّمَنِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ زَكَاةِ عَيْنِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْقِنْيَةِ اسْتَقْبَلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا كَانَ الْمَبِيعُ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَالْآخَرُ لِلْقِنْيَةِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى أُصُولًا لِلتِّجَارَةِ فَأَثْمَرَتْ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْغَلَّاتِ فَوَائِدُ اسْتَقْبَلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا أَمْ لَا، وَإِنْ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ عَلَى حُكْمِ الْأُصُولِ

بَيَّنَ أَثْمَانَهَا إذَا بَاعَهَا عَلَى حَوْلِ الْأُصُولِ إنْ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا، وَإِنْ وَجَبَتْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ يَوْمَ زَكَّاهَا، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ إلَّا قَوْلَهُ فِي اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ زَكَّى ثَمَنَهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ زَكَاةِ عَيْنِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، وَلَوْ قَالَ: زَكَّى ثَمَنَهُ بَعْدَ حَوْلِ الْأَصْلِ الْمُكْتَرَى بِهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ زَكَاةِ عَيْنِهِ فِيمَا إذَا كَانَ نِصَابًا أَوْ ثَمَنَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْغَلَّاتِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى الثَّمَنَ لِحَوْلٍ مِنْ تَزْكِيَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَرَجَّعَهُ لِثَمَرَةِ الْأُصُولِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ لَكِنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهُ فِيمَا إذَا اكْتَرَى أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ، انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَمَنْ رَأَى كَلَامَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ حَمَلَ كَلَامَهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا وَإِلَّا كَانَ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَوْ اكْتَرَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ حُكْمُ مَا إذَا اشْتَرَى الْأُصُولَ بِلَا ثَمَرَةٍ وَأَثْمَرَتْ عِنْدَهُ وَبَاعَ الثَّمَرَةَ مُفْرَدَةً، وَأَمَّا لَوْ ابْتَاعَ الْأُصُولَ بِثَمَرَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً فَحُكْمُهَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ أَيْضًا غَلَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهَا إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ طِيبِهَا مَعَ أُصُولِهَا فَتَكُونُ تَبَعًا لِأَصْلِهَا، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَى الْأُصُولَ بِلَا ثَمَرٍ ثُمَّ أَثْمَرَتْ عِنْدَهُ إنْ جَذَّ الثَّمَرَةَ وَبَاعَهَا فَلَا كَلَامَ أَنَّهَا غَلَّةٌ، وَإِنْ بَاعَهَا مَعَ أَصْلِهَا فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرَةِ، أَوْ قَبْلَ طِيبِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طِيبِهَا فَهُوَ تَبَعٌ فَيُضَمُّ ثَمَنُهَا إلَى ثَمَنِ الْأَصْلِ وَكَانَ الْجَمِيعُ رِبْحًا يُزَكِّي عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ سَوَاءٌ اشْتَرَى الْأُصُولَ بِلَا ثَمَرَةٍ أَوْ اشْتَرَاهَا بِثَمَرَةٍ قَبْلَ طِيبِهَا وَبَاعَ الْأُصُولَ بِثَمَرَتِهَا أَيْضًا قَبْلَ طِيبِهَا وَأَمَّا إنْ بَاعَ الْأُصُولَ بِثَمَرَتِهَا بَعْدَ الطِّيبِ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ، أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي عَيْنِهَا فَضَّ الثَّمَنَ عَلَى الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ فَمَا نَابَ الْأَصْلَ زَكَّاهُ عَلَى حَوْلِهِ وَمَا نَابَ الثَّمَرَةَ زَكَّاهُ زَكَاةَ الْحَرْثِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا: إمَّا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ أَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَكِنَّهَا قَاصِرَةٌ عَنْ النِّصَابِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ غَلَّةٌ أَوْ تَكُونُ تَابِعَةً لِأَصْلِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الثَّمَرَةِ بِمَاذَا تَكُونُ غَلَّةً هَلْ بِالطِّيبِ أَوْ بِالْيُبْسِ أَوْ بِالْجِذَاذِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا اللَّخْمِيُّ وَلَمْ يَعْزُهَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَعَزَا فِي النَّوَادِرِ كَوْنَ ثَمَرَةِ النَّخْلِ غَلَّةً بِالزَّهْوِ لِعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْهُ مَعَ أَشْهَبَ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ثَمَنَ الثَّمَرَةِ يُضَمُّ إلَى ثَمَنِ الْأَصْلِ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ لِحَوْلِ أَصْلِ الثَّمَنِ، كَذَا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَأَنَّهُ يَفُضُّ الثَّمَنَ عَلَى الْأُصُولِ وَالثَّمَرَةِ فَثَمَنُ الْأُصُولِ رِبْحٌ وَثَمَنُ الثَّمَرَةِ فَائِدَةٌ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَجُذَّ الثَّمَرَةَ أَمَّا لَوْ جَذَّهَا فَإِنَّ ثَمَنَهَا فَائِدَةٌ بِلَا كَلَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْغَلَّاتِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَوَلِّدَةً عَنْ السِّلَعِ الْمُشْتَرَاةِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ لِلْكِرَاءِ أَوْ عَنْ السِّلَعِ الْمُكْتَرَاةِ لِلْقُنْيَةِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ غَلَّاتِ السِّلَعِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ يَسْتَقْبِلُ بِهَا فَيَسْتَقْبِلُ بِغَلَّاتِ سِلَعِ الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْمُشْتَرَاةُ لِلْكِرَاءِ فَهِيَ كَالْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: إنَّ غَلَّةَ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْكِرَاءِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ أَوْ وُرِثَتْ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَائِدَةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا غَلَّاتُ السِّلَعِ الْمُكْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ فَذَكَرَ حُكْمَهَا فِي قَوْلِهِ كَغَلَّةِ مُكْتَرًى لِلتِّجَارَةِ وَقَوْلِهِ " وَإِنْ اكْتَرَى وَزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ "، وَأَمَّا غَلَّاتُ السِّلَعِ الْمُكْتَرَاةِ لِلْقِنْيَةِ فَمِنْ مَفْهُومِ مَا ذَكَرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (وَكِتَابَةٌ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَوْ بَاعَ الْكِتَابَةَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ ثَمَنِهَا غَلَّةً وَثَمَنًا قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَّةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلْنَا الْكِتَابَةَ غَلَّةً فَقِيمَتُهَا بِمَنْزِلَتِهَا كَثَمَنِ الْعُرُوضِ الْمَأْخُوذِ فِي مَنَافِعِ سِلَعِ التِّجَارَةِ وَالْعُرُوضِ النَّاشِئَةِ عَنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا الْمُؤَبَّرَةَ) ش: يَعْنِي أَنَّ سِلَعَ التِّجَارَةِ إذَا اشْتَرَاهَا وَفِيهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ فَلَيْسَ غَلَّةً بَلْ هِيَ كَسِلْعَةٍ مُشْتَرَاةٍ لِلتِّجَارَةِ، كَذَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ، قَالَ فِيهِ: فَيُزَكِّي ثَمَنَهَا لِحَوْلِ الْأَصْلِ، انْتَهَى. وَهَذَا إذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُزَكَّى أَوْ دُونَ النِّصَابِ فَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا ثُمَّ هَلْ يَسْتَقْبِلُ بِهِ أَوْ يُزَكِّيهِ لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ الْجَارِي عَلَى قَوْلِهِمْ أَيْضًا كَسِلْعَةٍ مُشْتَرَاةٍ أَنْ يُزَكِّيَهُ بِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ هَذَا عَلَى مَا تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا صَاحِبَ النُّكَتِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَذَكَرَ ابْنُ مُحْرِزٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ قَالُوا يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً يَوْمَ شِرَاءِ الْأَرْضِ، قَالَ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يُزَكِّيَهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: لَوْ ابْتَاعَ زَرْعًا لِلتِّجَارَةِ مَعَ أَرْضِهِ فَزَكَّاهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَلْيَأْتَنِفْ بِثَمَنِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَهَذَا إذَا كَانَ حِينَ ابْتَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الرِّوَايَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَعَلَى مَا قَيَّدَهَا بِهِ ابْنُ نَافِعٍ يَأْتِي كَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ وَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْجَارِي عَلَيْهِ فِيمَا إذَا زَكَّى الثَّمَرَةَ ثُمَّ بَاعَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالصُّوفُ التَّامُّ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَى الْغَنَمَ وَعَلَيْهَا صُوفٌ تَامٌّ فَجَزَّهُ ثُمَّ بَاعَهُ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ مُشْتَرًى يُزَكِّيهِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْمَالِ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ الْغَنَمُ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ: إنَّهُ غَلَّةٌ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرًى يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ بَائِعَ الْغَنَمِ بَاعَ الصُّوفَ قَبْلَ بَيْعِهِ إيَّاهَا لَرَجَعَ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَنُوبُ ذَلِكَ الصُّوفَ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ مَنْصُوصَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْغَنَمَ وَلَيْسَ صُوفُهَا تَامًّا وَتَمَّ عِنْدَهُ فَإِنْ جَزَّهُ وَبَاعَهُ فَهُوَ غَلَّةٌ، وَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْغَنَمِ فَهَلْ يَكُونُ غَلَّةً أَمْ لَا؟ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصُّوفِ بِمَ يَكُونُ غَلَّةً، وَهُوَ كَالْخِلَافِ فِي الثَّمَرَةِ تَمَامُهُ كَالطِّيبِ وَتَعْسِيلُهُ كَالْيُبْسِ وَجَزُّهُ كَالْجِذَاذِ ذَكَرَ ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَزَا فِي النَّوَادِرِ كَوْنَهُ غَلَّةً يَجُزُّهُ لِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص، (، وَإِنْ اكْتَرَى وَزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ يَتْبَعْ الْمُؤَلِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ " لَوْ اشْتَرَى أَوْ اكْتَرَى " لِقَوْلِ

ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ غَلَّةَ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَائِدَةٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا رَأَيْت مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا فَرْضُهَا فِي الْكِرَاءِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُغِيرَةُ فِيمَنْ بَنَى دَارًا ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ: فَإِنْ بَنَاهَا لِلتِّجَارَةِ وَابْتَاعَ الْقَاعَةَ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى الثَّمَنَ كُلَّهُ لِحَوْلٍ إنْ بَلَغَ مَا فِيهِ الزَّكَاةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعَةُ لِلْقُنْيَةِ زَكَّى مَا قَابَلَ الْبُنْيَانَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ بَلَغَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى، وَقَوْلُهُ " زَكَّى "، أَيْ: زَكَّى ثَمَنَ مَا يَخْرُجُ لِحَوْلِ الْأَصْلِ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " زَكَّى " تَزْكِيَةُ الثَّمَنِ مِنْ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْخَارِجَ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ، وَأَنَّهُ لِحَوْلِ الْأَصْلِ لَا لِحَوْلٍ مُسْتَقْبَلٍ لِمُخَالَفَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَجَدِّدِ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ ص (لَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ) ش: ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ لِاكْتَرَى الْأَرْضَ وَالزِّرَاعَةَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِحَوْلِ الْأَصْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ يُزَكِّي لِحَوْلِ الْأَصْلِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الِاكْتِرَاءُ لِلتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةُ لِلتِّجَارَةِ، وَلَوْ قَالَ: لَا إنْ لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ لَكَانَ أَحْسَنَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ زَرَعَ لِلْقِنْيَةِ، وَالْأَرْضُ وَالْحَبُّ لِلتَّجْرِ فَلَا نَصَّ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَائِدَةٌ، انْتَهَى، كَأَنَّهُ يَعْنِي لَا نَصَّ مَعَ تَقْيِيدِهِ الْفَرْضَ يَكُونُ الْحَبُّ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَعَلَى التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَبَّ عِنْدَ زَرْعِهِ انْتَقَلَ لِلْقِنْيَةِ بِالنِّيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَإِنْ وَجَبَتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا) ش: هَذَا خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْمُكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَرْجِعُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنَّمَا يُزَكَّى دَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَقُبِضَ عَيْنًا) ش: لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْفَوَائِدِ وَالْغَلَّاتِ وَالْأَرْبَاحِ أَتْبَعَ ذَلِكَ

بِحُكْمِ زَكَاةِ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ " بِيَدِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلِهِ، وَاحْتَرَزَ مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي يَدٍ مُوَرَّثِهِ أَوْ مَنْ وُهِبَ لَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَيَدُ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ " أَيْ احْتِكَارٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيهِ، وَسَيَتَكَلَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمُدِيرِ، وَكَذَا خَصَّصَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ " أَوْ عَرْضَ زَكَاةٍ " بِذَلِكَ فَقَالَ: أَيْ عَرْضَ احْتِكَارٍ، وَأَمَّا دَيْنُ الْمُدِيرِ فَسَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ، وَأَمَّا دَيْنُ الْمُدِيرِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَزْكِيَتِهِ الْقَبْضُ بَلْ يُزَكِّيهِ فِي كُلِّ حَوْلٍ إمَّا عَدَدًا أَوْ قِيمَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي، انْتَهَى. وَصَدَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَحْثَ بِقَوْلِهِ " وَدَيْنُ الْمُحْتَكِرِ " وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ عَرْضَ قُنْيَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ وَعَنْ مَهْرِ الْمَرْأَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ " وَقُبِضَ عَيْنًا فِيهِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا - قَبَضَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ عَيْنًا فَلَوْ قَبَضَهُ عَرْضًا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدِيرًا ص (وَلَوْ بِهِبَةٍ) ش: أَيْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ إذَا قُبِضَ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ بِهِبَةٍ بِأَنْ يَكُونَ وَهَبَهُ صَاحِبُهُ لِشَخْصٍ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ فَيُزَكِّيَهُ الْوَاهِبُ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ، وَكَذَا حَلَّهُ ابْنُ غَازِي وَنَصَّهُ قَوْلُهُ " وَلَوْ بِهِبَةٍ " أَيْ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ كَقَبْضِ الْوَاهِبِ، وَجَعْلُهُ إغْيَاءً لِلْقَبْضِ يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ لِلْمَدِينِ لَا قَبْضَ

فِيهِ أَصْلًا، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّيهِ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ وُهِبَ الدَّيْنُ لِغَيْرِ الْمَدِينِ فَقَبَضَهُ فَفِي تَزْكِيَةِ الْوَاهِبِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُمَا جَارِيَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الزَّكَاةِ، هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهَا خَشْيَةَ عَدَمِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَبْضِ، وَإِنَّمَا وُهِبَ الدَّيْنُ لِلْمَدِينِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْوَاهِبِ؟ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَهُ أَحْوَالٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ عِنْدَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ وُهِبَ لَهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَرْضٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وُهِبَ لَهُ أَوَّلًا، وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ إذَا وُهِبَ لَهُ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُنَا: يُزَكِّيهِ الْوَاهِبُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الدَّيْنِ الْمَوْهُوبِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي زَكَاةِ وَاهِبِ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَدِينِهِ بِقَبْضِهِ وَسُقُوطِهَا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا أَيْ الْهِبَةِ لَا مِنْ غَيْرِهَا ابْنُ مُحْرِزٍ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ: إنَّمَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ: أَرَدْت ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَائِعِ الزَّرْعِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ: إنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَالَ أَشْهَبُ بِنَقْضِ الْبَيْعِ فِي حِصَّةِ الزَّكَاةِ يُرِيدُ إذَا عَدِمَ الْبَائِعُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَأَمَّلْ مَا حَكَاهُ عَنْ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي زَكَاةِ الْحَرْثِ فَإِنَّهُ حَكَى عَنْهُ أَنَّ الْبَيْعَ مَاضٍ وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِشَيْءٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَهَبَ زَرْعَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْوَاهِبِ أَوْ مِنْ الزَّرْعِ الْمَوْهُوبِ بَعْدَ يَمِينِ الْوَاهِبِ أَنَّهُ مَا وَهَبَهُ لِيُزَكِّيَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ بِإِحَالَةٍ) ش: وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمُحَالِ الدَّيْنَ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَتَجِبُ عَلَى الْمُحِيلِ الزَّكَاةُ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ وَتَأَوَّلَ ابْنُ لُبَابَةَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ حَتَّى يَقْبِضَهَا وَهُوَ تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ لَا وَجْهَ لَهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي زَكَاةِ الْمُحِيلِ الْمَلِيءِ مَا أَحَالَ بِهِ بِالْحَوَالَةِ أَوْ قَبَضَ الْمُحَالُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَأْوِيلُ ابْنِ لُبَابَةَ، قَوْلَ أَصْبَغَ: وَضَعَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ، انْتَهَى. وَعَلَى الْمُحَالِ زَكَاتُهَا إذَا قَبَضَهَا أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَعِنْدَهُ مَالٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ مَلِيءٌ فَلَا يُعْطِيهِ فِي دَيْنِهِ حَتَّى يُزَكِّيَهُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى تَزْكِيَتِهِ فَهُوَ مَالٌ يُزَكِّيهِ ثَلَاثَةٌ إنْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ، انْتَهَى. يَعْنِي الْمُحِيلَ وَالْمُحَالَ بِهِ وَالْمُحَالَ عَلَيْهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ ثَلَاثَةٌ، وَإِنَّمَا يُزَكِّيهِ الْمُحَالُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُحِيلُ فَإِنَّمَا يُزَكَّى عَنْهُ فَجَوَابُك أَنَّ مَعْنَى زَكَاةِ الثَّلَاثَةِ أَيْ خُوطِبَ بِزَكَاتِهِ ثَلَاثَةٌ، انْتَهَى. وَلَوْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ بِهِبَةٍ أَوْ إحَالَةٍ إشَارَةٌ لِقَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْهِبَةِ، وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ فِي الْحَوَالَةِ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْهِبَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِانْتِفَاعِ الْمُحِيلِ فِي الْحَوَالَةِ، قَالَ: وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ بَشِيرٍ نَصًّا لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى، فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ وَالْحَوَالَةُ بَعْدَ تَمَامِ حَوْلٍ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْوَاهِبِ وَالْمُحِيلِ زَكَاةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُلَ بِنَفْسِهِ) ش: كَمَا إذَا اقْتَضَى عِشْرِينَ دِينَارًا دُفْعَةً أَوْ عَشَرَةً بَعْدَ عَشَرَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَصْلُهُ نِصَابًا عِشْرُونَ دِينَارًا فَأَخَذَ عَنْهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ عَنْهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَصْلُ الدَّيْنِ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَأَخَذَ عَنْهُ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الرِّبْحَ يُزَكَّى عَلَى حَوْلِ أَصْلِهِ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ ص (وَلَوْ تَلِفَ الْمُتَمُّ) ش: أَيْ الْمُقْتَضِي أَوَّلًا بِإِنْفَاقٍ أَوْ ضَيَاعٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الضَّيَاعِ وَمُقَابِلِهِ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِلَوْ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَتَسْقُطُ زَكَاةُ بَاقِي الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِصَابٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَاسْتَظْهَرَهُ

ابْنُ رُشْدٍ، وَأَمَّا التَّلَفُ بِإِنْفَاقٍ فَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا تَلِفَ بَعْدَ أَنْ مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مَا لَوْ كَانَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ يَضْمَنُهُ، وَأَمَّا إنْ تَلِفَ بِفَوْرِ قَبْضِهِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا دُونَ النِّصَابِ كَمَا لَا يَضْمَنُ النِّصَابَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَظْهَرُ يَعْنِي مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ فِي الْبُعْدِ كَمَا لَا يَضْمَنُهُ فِي الْقُرْبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مُرَاعَاةُ مَنْ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ فَكَالدَّيْنِ ص (أَوْ فَائِدَةٍ جَمَعَهُمَا مِلْكٌ وَحَوْلٌ) ش: أَيْ كَمُلَ بِفَائِدَةٍ جَمَعَهَا وَالدَّيْنَ مِلْكٌ وَحَوْلٌ فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الدَّيْنِ سَوَاءٌ كَمُلَ حَوْلُهَا قَبْلَ الِاقْتِضَاءِ أَوْ مَعَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُزَكَّى حَتَّى يَكُونَ قَدْ مَضَى لِأَصْلِهِ حَوْلٌ فَقَدْ جَمَعَهُمَا الْمِلْكُ وَالْحَوْلُ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا قَبْلَ الِاقْتِضَاءِ أَوْ مَعَهُ مِمَّا إذَا كَانَ لَا يَكْمُلُ حَوْلُ الْفَائِدَةِ إلَّا بَعْدَ الِاقْتِضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُزَكَّى الدَّيْنُ حِينَئِذٍ بَلْ تُؤَخَّرُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْفَائِدَةِ فَتُزَكَّى حِينَئِذٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ بَقِيَ الْمَقْبُوضُ إلَى حِينِ حَوْلِ الْفَائِدَةِ وَلِذَا اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ " أَوْ بَعْدَهُ " مَعَ قَوْلِهِ " زَكَّاهُ عِنْدَ قَبْضِهِ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (عَلَى الْمَقُولِ) ش: مُقَابِلُهُ وَهُوَ عَدَمُ ضَمِّ الْمَعْدِنِ عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمْ أَرَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الضَّمِّ لَكِنَّهُ يَأْتِي عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُضَمُّ إلَى عَيْنٍ حَالَ حَوْلُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذَا الْفَرْعِ بِبَابِ زَكَاةِ الدَّيْنِ بَلْ الْخِلَافُ فِي ضَمِّ الْعَيْنِ الَّتِي حَالَ حَوْلُهَا لِلْمَعْدِنِ، وَلِذَلِكَ شَرْطُ اجْتِمَاعِ الْمَالَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَالْحَوْلِ عَامٌّ فِي بَابِ زَكَاةِ الْعَيْنِ بَلْ فِي سَائِرِ أَبْوَابِ الزَّكَاةِ، انْتَهَى. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي ضَمِّ الْمَعْدِنِيِّ لِغَيْرِهِ مُقْتَضًى أَوْ غَيْرِهِ قَوْلَا الْقَاضِي وَالصَّقَلِّيِّ عَنْهَا، انْتَهَى. ص (لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ) ش: أَيْ يُزَكَّى الدَّيْنُ بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلٍ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ لَا عَلَى الدَّيْنِ فَلَوْ كَانَ

عِنْدَهُ نِصَابُ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ دَايَنَهُ لِشَخْصٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اقْتَضَاهُ زَكَّاهُ إذْ ذَاكَ، انْتَهَى. وَمَا اقْتَضَاهُ قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ لَا يُزَكِّيهِ وَلَا يَضُمُّهُ لِمَا يَقْتَضِيهِ بَعْدَهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا إذَا أَنْفَقَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَيْضًا ص (وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ أَخَّرَهُ فَارًّا فَفِيهَا زَكَاةٌ لِعَامٍ وَاحِدٍ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ لِكُلِّ عَامٍ، انْتَهَى. ص (إنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ لَا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقُنْيَةِ وَبَاعَهُ لِأَجَلٍ فَلِكُلٍّ) ش: هَذَا الشَّرْطُ لَا مَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ أَوْ دَيْنِ عَرْضِ التِّجَارَةِ الَّذِي لِلِاحْتِكَارِ، وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي دَيْنِ الْفَوَائِدِ كَذَا جَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ مِثْلَ جَعْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَدْخَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي دَيْنِ الْفَائِدَةِ فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ وَالتِّجَارَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا إنْ كَانَ عَنْ هِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ فَيَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا وَلَا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقُنْيَةِ لَصَحَّ الْكَلَامُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَاوَلَ عَلَى اخْتِصَارِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الدَّيْنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: دَيْنٌ مِنْ فَائِدَةٍ، وَدَيْنٌ مِنْ غَصْبٍ، وَدَيْنٌ مِنْ قَرْضٍ، وَدَيْنٌ مِنْ تِجَارَةٍ، انْتَهَى. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ الْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حَوْلِ أَصْلِ الْمَالِ وَيُؤْخَذُ حُكْمُهَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَمَّا دَيْنُ الْغَصْبِ فَقَدْ قَدُمَ أَنَّ الْمَغْصُوبَةَ يُزَكِّيهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ " لَا مَغْصُوبَةٌ "، وَأَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ وَالْقَرْضِ فَمِنْ هُنَا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُدِيرِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُدِيرِ فَإِنْ فَرَّ بِالتَّأْخِيرِ فَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ أَيْضًا، وَأَمَّا دَيْنُ الْفَائِدَةِ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَنْقَسِمُ أَيْضًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا - أَنْ يَكُونَ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ مَهْرِ امْرَأَةٍ أَوْ ثَمَنِ خُلْعٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " إنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ " وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا إنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ فَيَسْتَقْبِلُ يَصِحُّ كَلَامُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصْلَحَةِ، وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ إنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ اسْتَقْبَلَ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ثَمَنِ عَرْضٍ أَفَادَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ فَإِنْ كَانَ حَالًّا يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْحَالِّ وَالثَّانِي لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةِ يُزَكِّيهِ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ بَيْعِهِ وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ فَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ عَامٍ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ كَمَا لَمْ يَتْرُكْهُ فِرَارًا، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّ الْقَوْلَ بِزَكَاتِهِ هُنَا لِعَامٍ وَاحِدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ فَهَذَا إنَّ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي وَإِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَعَنْ إجَارَةٍ أَوْ عَرْضٍ مُفَادٍ قَوْلَانِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الْفِرَارِ فَقَطْ وَاسْتَغْنَى عَنْ أَنْ يَذْكُرَ الِاسْتِيفَاءَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الدَّيْنُ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ كَوْنِ الْقَوْلَيْنِ

فرع له دنانير فيها الزكاة فاشترى عرضا للهروب من الزكاة

مُخَرَّجَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ بِالِاسْتِقْبَالِ كَمَا فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْرَاجِيَّ نَقَلَ هُنَا الْقَوْلَيْنِ نَصًّا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّالِثَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَأْتِي ذِكْرُهَا وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسَهُ بِسِتِّينَ دِينَارًا ثَلَاثَ سِنِينَ حَوْلٌ، وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَنْ ثَمَنِ عَرْضٍ اشْتَرَاهُ لِلْقِنْيَةِ بِنَاضٍّ كَانَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ حَالًّا لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ: طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْحَالِّ، وَالثَّانِي يُزَكِّيهِ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَهُ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ يُزَكِّيهِ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ بِيعَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ زَكَّاهُ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ اتِّفَاقًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقُنْيَةِ وَبَاعَهُ لِأَجَلٍ فَلِكُلٍّ إلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يُزَكِّيهِ لِكُلِّ عَامٍ إذَا كَانَ بَاعَهُ لِأَجَلٍ ثُمَّ فَرَّ بِالتَّأْخِيرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بَاعَهُ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ عَامٍ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَهُ مِنْ ذِكْرِ الْفِرَارِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِأَجَلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِالْمَشْهُورِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فَهُوَ مِنْ نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لَهُ دَنَانِيرُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَاشْتَرَى عَرْضًا لَلْهُرُوبَ مِنْ الزَّكَاةِ] (فَرْعٌ) ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مَنْ كَانَ لَهُ دَنَانِيرُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَاشْتَرَى عَرْضًا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ إلَّا الْهُرُوبَ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِإِجْمَاعٍ، انْتَهَى. ص (لَا إنْ نَقَصَ بَعْدَ الْوُجُوبِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ نِصَابًا وَزَكَّاهُ ثُمَّ نَقَصَ بَعْدُ عَنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَلَى حَوْلِهِ وَلَا يُضَمُّ لِمَا بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ زَكَّى الْمَقْبُوضَ، وَإِنْ قَلَّ) ش: يَعْنِي فَإِذَا كَمُلَ الْمُقْتَضَى نِصَابًا إمَّا فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ فَمَا اقْتَضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ زَكَّاهُ، وَإِنْ قَلَّ وَيَكُونُ حَوْلُ مَا اقْتَضَاهُ بَعْدَ النِّصَابِ مِمَّنْ قَبَضَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا، وَلَا يُضَمُّ لِمَا قَبْلَهُ إلَّا فِي الِاخْتِلَاطِ كَمَا سَيَأْتِي. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) إذَا قَبَضَ نِصَابًا وَزَكَّاهُ وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ أَوْ لَمْ يُزَكِّهِ أَوْ ضَاعَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ أَنْفَقَهُ فِي حَوَائِجِهِ فَلَا كَلَامَ فِي تَزْكِيَةِ مَا يَقْتَضِي بَعْدَهُ، وَإِنْ تَلِفَ النِّصَابُ مِنْهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَهَلْ يُزَكِّي مَا اقْتَضَى أَيْضًا بَعْدَهُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَوْ لَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْتَضِيَ نِصَابًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ نَقَلَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُزَكِّي مَا اقْتَضَاهُ بَعْدَ النِّصَابِ سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيًا أَوْ ضَاعَ بِسَبَبِهِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ إذَا أَنْفَقَ الْمُقْتَضِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا فِي الْإِنْفَاقِ وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي الضَّيَاعِ فَإِنْ اقْتَضَى عِشْرِينَ فَزَكَّاهَا ثُمَّ ضَاعَتْ ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّاهَا، وَإِنْ ضَاعَتْ الْعِشْرُونَ قَبْلَ أَنْ يُزَكِّيَهَا وَبَعْدَ أَنَّ فَرَّطَ فِيهَا فَكَذَلِكَ يُزَكِّيهَا وَمَا اقْتَضَى بَعْدَهَا، وَإِنْ ضَاعَتْ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يُفَرِّطَ فِي زَكَاتِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ وَلَا فِيمَا اقْتَضَى بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الِاقْتِضَاءِ الثَّانِي نِصَابٌ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ، وَإِنْ قَلَّ اُنْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ بِالْإِمْكَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ دِرْهَمًا أَوْ دُونَهُ إنْ أَمْكَنَ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ اقْتَضَى دِينَارًا فَآخَرَ فَاشْتَرَى بِكُلٍّ سِلْعَةً بَاعَهَا بِعِشْرِينَ فَإِنْ بَاعَهَا أَوْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْأُخْرَى زَكَّى الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا إحْدَى وَعِشْرِينَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ

كَانَ لَهُ دَيْنٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ أَوْ يَمْلِكُ مَا لَا يَكْمُلُ بِهِ فَاقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ دِينَارًا ثُمَّ دِينَارًا فَاشْتَرَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِلْعَةً وَبَاعَهُمَا بِرِبْحٍ فَلِذَلِكَ إحْدَى عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي أَوْ بِالثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ أَوْ بِهِمَا مَعًا فَإِنْ اشْتَرَى بِالْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي أَوْ بِالثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ أَوْ بِهِمَا مَعًا فَإِنْ اشْتَرَى بِالْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي، فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّانِي، أَوْ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَى بِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ أَنْ بَاعَ ذَلِكَ أَوْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِمَا مَعًا فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى بِالثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْأَوَّلِ فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِمَا مَعًا فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ بِالثَّانِي أَوْ بَعْدَهُ أَوْ يَبِيعَهُ مَعَهُ فَالصُّورَةُ الْأُولَى وَالْخَامِسَةُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُزَكِّي فِيهِمَا إحْدَى وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا اشْتَرَى بِأَحَدِهِمَا قَبْلَ إنْ يَشْتَرِيَ بِالْآخَرِ، وَمَبْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرِّبْحَ بِقَدْرِ حُصُولِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَوْمَ الشِّرَاءِ فَإِذَا اشْتَرَى بِأَحَدِهِمَا سِلْعَةً وَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْآخَرِ، فَيُزَكِّي الدِّينَارَ الْأَوَّلَ وَرِبْحَهُ؛ لِأَنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ وَالدِّينَارَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ اقْتَضَى دِينَارًا بَعْدَ نِصَابٍ فَيَضُمُّهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَصِيرُ رِبْحُ الْآخَرِ رِبْحَ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُزَكِّي إلَّا لِحَوْلٍ آخَرَ وَبَقِيَّةُ الصُّوَرِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ هُنَا وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يُزَكِّي الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ وَالْقَرَافِيِّ وَاللَّخْمِيِّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَهُوَ تَقْدِيرُ وُجُودِ الرِّبْحِ يَوْمَ الشِّرَاءِ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَهِيَ إذَا اشْتَرَى بِالدِّينَارَيْنِ مَعًا ثُمَّ بَاعَهُمَا مَعًا أَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ رِبْحَهُمَا يُقَدَّرُ وُجُودُهُ يَوْمَ اشْتَرَى بِهِمَا وَيَضُمُّ الدِّينَارَيْنِ فَيُزَكِّي لِلْجَمِيعِ فَإِنْ كَانَ بَاعَهُمَا مَعًا زَكَّى الْأَرْبَعِينَ، وَإِنْ بَاعَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى زَكَّى مَا بَاعَ بِهِ أَوَّلًا مَعَ الدِّينَار الْآخَرِ ثُمَّ يُزَكِّي رِبْحَهُ يَوْمَ بَيْعِ سِلْعَتِهِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصُّوَرِ فَالْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّي إحْدَى وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى بِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ يُقَدَّرُ وُجُودُ رِبْحِهِ مَعَهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ فِيهِ وَفِي رِبْحِهِ النِّصَابَ فَيَضُمُّ لَهُ الدِّينَارَ الْآخَرَ وَيُزَكِّي عَنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَيَصِيرُ رِبْحُ الثَّانِي رِبْحَ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُزَكِّي عَنْهُ فَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الصُّوَرِ الْبَاقِيَةِ وَهِيَ سِتٌّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا وَاعْتَرَضَ إطْلَاقَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَكَلَامَ ابْنِ شَاسٍ فِي بَعْضِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَصْلُهُ فِي ابْنِ يُونُسَ وَالنَّوَادِرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (تَنْبِيهٌ) لَوْ كَانَ الْأَصْلُ مَعَ رِبْحِهِ دُونَ النِّصَابِ ضُمَّ لِلثَّانِي مَعَ رِبْحِهِ وَزَكَّى الْجَمِيعَ يَوْمَ بِيعَ الثَّانِي، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ.

ص (وَالِاقْتِضَاءُ لِمِثْلِهِ مُطْلَقًا وَالْفَائِدَةُ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُ فَإِنْ اقْتَضَى خَمْسَةً بَعْدَ حَوْلٍ ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةً فَأَنْفَقَهَا فَعَلَى حَوْلِهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّى الْعِشْرِينَ وَالْأَوْلَى إنْ اقْتَضَى خَمْسَةً) ش: الضَّمُّ فِي قَوْلِهِ وَضُمَّ لِاخْتِلَاطِ أَحْوَالِهِ لِجَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَالضَّمُّ هُنَا لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَإِسْقَاطِهَا فَالِاقْتِضَاءُ أَنْ يَضُمَّ بَعْضَهَا لِبَعْضٍ مُطْلَقًا أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَسَوَاءٌ أَنْفَقَ الْمُتَقَدِّمَ أَوْ كَانَ بَاقِيًا، وَسَوَاءٌ تَخَلَّلَتْهُمَا فَوَائِدُ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْفَوَائِدُ فَإِنْ كَانَتْ مُفْرَدَةً عَنْ الِاقْتِضَاءَاتِ فَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ زَكَاتِهَا وَمَا يُضَمُّ مِنْهَا وَمَا لَا يُضَمُّ وَذُكِرَ هُنَا أَيْضًا أَنَّهَا إذَا اخْتَلَطَتْ أَحْوَالُهَا تُضَمُّ الْأُولَى مِنْهَا لِلْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا إذَا تَخَلَّلَتْ بَيْنَ الِاقْتِضَاءَاتِ فَمَا اقْتَضَى وَأَنْفَقَ قَبْلَ حُصُولِهَا وَلَمْ تَجْتَمِعْ هِيَ فَائِدَةٌ فَلَا تُضَمُّ إلَيْهِ اتِّفَاقًا وَمَا اقْتَضَى وَأَنْفَقَ بَعْدَ حُصُولِهَا وَقَبْلَ حُلُولِ حَوْلِهَا لَمْ تُضَمَّ إلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الضَّمِّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مِلْكٍ حَوْلًا كَامِلًا وَتُضَمُّ عِنْدَ أَشْهَبَ، وَمَا اقْتَضَى بَعْدَ حُلُولِ حَوْلِهَا أَوْ عِنْدَ حُلُولِهِ تُضَمُّ لَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْفَائِدَةُ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُ أَيْ لِلِاقْتِضَاءِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ حَوْلِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً أَوْ أُنْفِقَتْ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُنَا: مَا اقْتَضَى بَعْدَ حُصُولِهَا وَقَبْلَ حُلُولِ حَوْلِهَا لَا تُضَمُّ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ إذَا أَنْفَقَ الْمُقْتَضَى قَبْلَ حُلُولِ حَوْلِ الْفَائِدَةِ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ الْمُقْتَضَى بَاقِيًا بِيَدِهِ حَتَّى حَلَّ حَوْلُهَا فَإِنَّهُ

يَضُمُّهَا لَهُ وَيُزَكِّيهَا وَذَلِكَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الشَّرْطُ وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمِلْكِ حَوْلًا كَامِلًا، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا لَمْ يَتِمَّ حَوْلُهَا فَاقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ لَمْ يُزَكِّ شَيْئًا مِنْ الْمَالَيْنِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ حَوْلُ الْعِشْرِينَ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْعِشْرِينَ زَكَّاهَا وَزَكَّى مَا كَانَ اقْتَضَى جَمِيعًا، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ إذَا كَانَ مَا اقْتَضَى قَائِمًا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَصِيرَانِ كَمَالٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ أَتْلَفَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ الْعِشْرِينَ لَمْ يُزَكِّهِ حَتَّى يَقْتَضِيَ تَمَامَ عِشْرِينَ فَيُزَكِّيَ حِينَئِذٍ مَا اقْتَضَى وَمَا أَتْلَفَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: وَتَحْصِيلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ حُصُولِ الْفَائِدَةِ وَكَانَ إذَا أَضَافَهُ إلَيْهَا كَانَ فِيهَا النِّصَابُ فَإِنَّهُ يُضِيفُهُ إلَيْهَا، وَكُلُّ مَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ حُصُولِ الْفَائِدَةِ أَوْ قَبْلَ حُلُولِ حَوْلِهَا فَلَا يَضُمُّهُ إلَيْهَا الشَّيْخُ، وَكَلَامُنَا فِيمَا يُضَمُّ وَمَا لَا يُضَمُّ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ أُنْفِقَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يُضَمُّ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَمَا فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيُضَمُّ الِاقْتِضَاءُ إلَى الْفَائِدَةِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ فَائِدَةٌ حَالَ حَوْلُهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً، وَهَذَا ضَمَّ الِاقْتِضَاءَ إلَى الْفَائِدَةِ قَبْلَهُ، أَيْ حَالَ حَوْلُهَا قَبْلَ الِاقْتِضَاءِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ اقْتَضَى عَشَرَةً ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةً أَوْ كَانَتْ لَمْ يَحُلْ حَوْلُهَا فَإِذَا حَلَّ حَوْلُهَا وَالْمُقْتَضَى بَاقٍ يُزَكِّي الْمَجْمُوعَ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ الْمُقْتَضَى قَبْلَ حُلُولِ حَوْلِهَا لَمْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) حَمَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ الْمُقْتَضَاةَ أَوَّلًا لَمْ تُنْفَقْ، وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُقْتَضَى إذَا كَانَ بَاقِيًا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا قَدْ اجْتَمَعَا فِي الْمِلْكِ وَالْحَوْلِ فَيَصِيرَانِ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَالًا وَاحِدًا وَلَا يَضُرُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْفَاقُ أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا مُنْفَقَةً أَوْ بَاقِيَةً وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّف عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إذَا أُنْفِقَتْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً فَإِنَّهَا تُضَمُّ إلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الْفَائِدَةِ وَالِاقْتِضَاءِ إذَا كَمُلَ النِّصَابُ وَيُزَكِّي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَوْلُنَا مَا اقْتَضَى بَعْدَ حُلُولِ حَوْلِهَا يُضَمُّ لَهَا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً أَوْ أَنْفَقَهَا وَلِذَا فَرَضَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَائِدَةَ فِي مَسْأَلَةِ مُنْفَقَةٍ فَقَوْلُهُ " ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةً فَأَنْفَقَهَا " قَصَدَ بِهِ بَيَانَ مَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ عَدَمُ الضَّمِّ، وَهِيَ مَا إذَا أُنْفِقَتْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا عَلِمْت مَا تَقَدَّمَ ظَهَرَ لَكَ الْمِثَالُ الَّذِي فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ: اقْتَضَى خَمْسَةً بَعْدَ حَوْلِهَا يَعْنِي بَعْدَ مُرُورِ حَوْلٍ عَلَى الدَّيْنِ يُرِيدُ وَأَنْفَقَهَا ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةً فَأَنْفَقَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً فَيَضُمُّ الْعَشَرَةَ الْفَائِدَةَ الْمُنْفَقَةَ لِلْعَشَرَةِ الْمُقْتَضَاةِ بَعْدَهَا وَيُزَكِّي الْعِشْرِينَ وَلَا يُزَكِّي الْخَمْسَةَ الْمُقْتَضَاةَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا أُنْفِقَتْ قَبْلَ حُلُولِ حَوْلِ الْفَائِدَةِ فَلَا يُضَمُّ لَهَا وَلَا يَكْمُلُ مِنْ الِاقْتِضَاءَاتِ نِصَابٌ فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَضَى خَمْسَةً أُخْرَى زَكَّى الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَمُلَ مِنْ الِاقْتِضَاءَاتِ نِصَابٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الِاقْتِضَاءَاتِ تُضَمُّ لِبَعْضِهَا، وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُتَقَدِّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمْ. ص (لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ) ش: هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الْأَصْغَرِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ كَنِصَابِ الْمَاشِيَةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ فَإِنْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ زَكَّى الثَّمَنَ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الرِّقَابَ، وَأَمَّا الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ إذَا كَانَتْ مُشْتَرَاةً وَحْدَهَا فَلَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْحَرْثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا اكْتَرَى إلَى آخِرِهِ ص (أَوْ قُنْيَةً عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْأَرْجَحِ) ش: يَعْنِي

إذَا نَوَى بِالْعَرْضِ التِّجَارَةَ وَالْقَنِيَّةَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيَنْوِيَ الِانْتِفَاعَ بِعَيْنِهِ وَهِيَ الْقُنْيَةُ، وَإِنْ وَجَدَ فِيهِ رِبْحًا بَاعَهُ وَهُوَ التِّجَارَةُ، كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فَتُعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْأَرْجَحِ ص (وَكَانَ كَأَصْلِهِ أَوْ عَيْنًا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا عُرُوضَ تِجَارَةٍ أَوْ عَيْنًا، قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَابْنُ غَازِيٍّ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَكَانَ أَصْلُهُ كَهُوَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا سَوَاءٌ كَانَ عَرْضَ تِجَارَةٍ أَوْ قُنْيَةٍ، انْتَهَى. وَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ لِقَوْلِهِ " وَكَانَ كَأَصْلِهِ أَوْ عَيْنًا " فَائِدَةٌ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ: فَاحْتَرَزَ بِهَذَا الشَّرْطِ مِمَّا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ عَرْضَ قُنْيَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَكَادُ يُقْبَلُ لِشُذُوذِهِ، وَنَصُّ كَلَامِ التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ بِمُعَاوَضَةٍ لِلتِّجَارَةِ بِعَرْضِ الْقُنْيَةِ فَقَوْلَانِ: الْبَاءُ فِي " بِعَرْضِ " تَتَعَلَّقُ بِمُعَاوَضَةٍ يَعْنِي فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضُ قُنْيَةٍ فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ ثُمَّ بَاعَهُ فَفِي ثَمَنِهِ إذَا بِيعَ قَوْلَانِ يُزَكِّي لِحَوْلِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ أَصْلِ الثَّانِي فَيُزَكَّى أَوْ أَصْلِهِ الْأَوَّلِ فَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّهُ عَرْضُ قُنْيَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ لِمَا أَنْ عَدَّ الشُّرُوطَ ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُ هَذَا الْعَرْضِ الْمُحْتَكَرِ إمَّا عَيْنًا أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ فَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ عَرْضَ قُنْيَةٍ اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهِ، انْتَهَى. وَنَصُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ هَذَا الْعَرْضِ الْمُحْتَكَرِ عَيْنًا أَوْ يَكُونَ عَرْضَ تِجَارَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عَرْضَ قُنْيَةٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِيهِ قَوْلَيْنِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي فَإِنْ بَاعَ عَرْضَ الْقُنْيَةِ بِعَرْضٍ يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ فَهَلْ يَكُونُ ثَمَنُ هَذَا الْعَرْضِ الْأَخِيرِ كَالدَّيْنِ أَوْ يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ كَالدَّيْنِ وَيَكَادُ لَا يُقْبَلُ الْقَوْلُ الْآخَرُ لِشُذُوذِهِ وَضَعْفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا، وَنَصُّهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرْضُ قُنْيَةٍ فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ ثُمَّ بَاعَ هَذَا الْعَرْضَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ كَسَائِرِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ كَثَمَنِ عُرُوضِ الْقُنْيَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى لِلَّخْمِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، الثَّانِيَةُ لِابْنِ حَارِثٍ إنْ كَانَ أَصْلُهُ عُرُوضَ الْقُنْيَةِ مِنْ شِرَاءٍ فَالْقَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ بِإِرْثٍ فَيَكُونُ الْعَرْضُ الْمُشْتَرَى عَرْضَ قُنْيَةٍ أَيْضًا اتِّفَاقًا، وَنَصُّهُ: وَفِي كَوْنِ مَا مَلَكَ لِتَجْرٍ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ تَجْرٍ أَوْ قُنْيَةٍ طَرِيقَانِ لِلَّخْمِيِّ قَوْلَانِ ابْنُ حَارِثٍ، إنْ كَانَ عَرْضَ الْقُنْيَةِ مِنْ شِرَاءٍ فَقَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَحَدِ قَوْلَيْ أَشْهَبَ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَ بِإِرْثٍ - فَقُنْيَةٍ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ عَزْوَهُ الطَّرِيقَ الْأُولَى لِلَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَهُ وَحْدَهُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْقُلُهُ شُيُوخُنَا نَقْلًا مُطْلَقًا، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِ السِّلْعَةِ الثَّانِيَةِ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مَوْرُوثَةٍ وَرَأَيْت ابْنَ حَارِثٍ يُنْكِرُ الِاخْتِلَافَ فِيهَا إذَا كَانَتْ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مَوْرُوثَةٍ، انْتَهَى. فَلَمْ يَجْعَلْ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى خَاصَّةً بِاللَّخْمِيِّ وَعَزَا الْمَازِرِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعَرْضَ الثَّانِيَ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ أَشْهَبَ وَالْقَوْلَ الثَّانِي لِقَوْلِ أَشْهَبَ الثَّانِي كَمَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ

وَاخْتَصَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، وَحَكَاهُ سَنَدٌ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّ كَلَامِ سَنَدٍ فِي الطِّرَازِ إذَا ابْتَاعَ الْعَرْضَ يَعْنِي عَرْضَ التِّجَارَةِ بِعَرْضٍ مُقْتَنًى فَإِنَّهُ يَتَنَزَّلُ عَلَى حُكْمِ الْقُنْيَةِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَيَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ إذَا بَاعَهُ بِالْعَيْنِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجْرِي فِي الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ عَرْضِ التِّجَارَةِ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ، انْتَهَى. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَتَبِعَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ص (وَإِنْ قَلَّ) ش: قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ: هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ " أَوْ عَيْنًا " وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَلَوْ رَجَعَ إلَى مَجْمُوعِ الشَّرْطِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَيْعٌ بِعَيْنٍ) ش: هَذَا الشَّرْطُ وَمَا قَبْلَهُ يَعُمُّ الْمُدِيرَ وَالْمُحْتَكِرَ، فَأَمَّا الْمُدِيرُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ عُرُوضَهُ وَيُزَكِّيَهَا كَمَا سَيَأْتِي إلَّا إذَا نَضَّ لَهُ شَيْءٌ مَا، وَلَوْ دِرْهَمٌ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنِضُّ لَهُ نِصَابٌ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنِضَّ لَهُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا نَضَّ لِلْمُدِيرِ فِي السَّنَةِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فِي وَسَطِ السَّنَةِ أَوْ فِي طَرَفَيْهَا قَوَّمَ عُرُوضَهُ لِتَمَامِ السَّنَةِ فَزَكَّى السِّنِينَ ابْنُ يُونُسَ، وَإِذَا نَضَّ لِلْمُدِيرِ شَيْءٌ فِي وَسَطِ السَّنَةِ أَوْ فِي طَرَفَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ النَّاضِّ شَيْءٌ وَكَانَ جَمِيعُ مَا بِيَدِهِ عُرُوضًا فَلْيُقَوِّمْهَا لِتَمَامِ الْحَوْلِ وَيُزَكِّي، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: وَيَبِيعُ عَرْضًا مِنْهَا وَيَقْسِمُهُ فِي الزَّكَاةِ أَوْ يُخْرِجُ عَرْضًا بِقِيمَتِهِ إلَى أَهْلِهَا مِنْ أَيِّ صِنْفٍ شَاءَ مِنْ عُرُوضِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: بَلْ يَبِيعُ عُرُوضَهُ وَيُخْرِجُ عَيْنًا، انْتَهَى. وَفَرَّعَ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ " أَنَّهُ يُزَكِّي " وَلَوْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ وَيَأْتِي تَفْرِيعُهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِيمَا إذَا كَانَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَفِي بِزَكَاةِ قِيمَةِ مَا مَعَهُ مِنْ الْعُرُوضِ فَالصَّوَابُ ذِكْرُهُمَا مُطْلَقَيْنِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ يُونُسَ وَالْمَازِرِيُّ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَهَّرَ فِي الشَّامِلِ الْقَوْلَ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الشَّاذِّ كَابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الرَّاجِحُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَاضٌّ أَوْ لَهُ وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ، قَالَ مَالِكٌ: يَبِيعُ الْعَرْضَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْقِيَمِ فَلَوْ أَخْرَجَ الْعَرْضَ كَانَ كَإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَيْضًا: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَإِخْرَاجِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ إخْرَاجِ الْعَرْضِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ عُرُوضَهُ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ لِحَاجَاتِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافَهُ، وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَّتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ مِمَّنْ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَتَى شَهْرُهُ الَّذِي يُقَوِّمُ فِيهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ عُرُوضَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، قَالَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ لِحَاجَاتِهِمْ وَيُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ لَمْ يَبِعْ مِنْ الْعُرُوضِ حَتَّى تَلِفَتْ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ هَلْ يَكُونُ ضَامِنًا لِلزَّكَاةِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا، قَالَ؛ لِأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَقْصِيَ فِي سِلْعَتِهِ وَيَجْتَهِدَ فِي تَسْوِيقِهَا لِيُؤَدِّيَ مِنْهَا الزَّكَاةَ دُونَ تَفْرِيطٍ وَلَا تَأْخِيرٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ حِينِهِ بِمَا يُعْطِي فِيهَا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَإِنْ فَرَّطَ فِي بَيْعِهَا حَتَّى تَلِفَتْ لَزِمَهُ ضَمَانٌ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُفَرِّطَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ إنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ تَنَزَّلُوا مَعَهُ لِحَوْلِ الْحَوْلِ مَنْزِلَةَ الشُّرَكَاءِ فَمَا تَلِفَ فَمِنْهُ وَمِنْهُمْ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ عِيسَى، وَإِنَّمَا هِيَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ فِي سَنَتِهِ فَلَا تَقْوِيمَ ابْنُ يُونُسَ وَلَا زَكَاةَ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا: فَإِنْ نَضَّ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَلَّ قَوَّمَ وَزَكَّاهُ وَكَانَ حَوْلُهُ مِنْ يَوْمئِذٍ وَأَلْغَى الْوَقْتَ الْأَوَّلَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقَوِّمُ حَتَّى يَمْضِيَ لَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ بَاعَ بِذَلِكَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ دَخَلَ فِي

فرع يبيع العرض بالعرض ولا ينض له من ثمن ذلك عين فما حكم زكاته

الْإِدَارَةِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ: إنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا بِالنَّضُوضِ، وَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ الْعَرْضَ بِالْعَرْضِ فَهَلْ يَخْرُجُ بَيْعُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ عَنْ حُكْمِ الْإِدَارَةِ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْإِدَارَةِ، وَرَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِهَا، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمُدِيرِ إذَا كَانَ يَبِيعُ الْعَرْضَ بِالْعَرْضِ ذَرِيعَةً لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمَذْهَبِ وَيُؤْخَذُ بِزَكَاةِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمُدِيرَ وَالْمُحْتَكِرَ [فَرْعٌ يَبِيعُ الْعَرْضَ بِالْعَرْضِ وَلَا يَنِضُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ عَيْنٌ فَمَا حُكْم زَكَاته] (فَرْعٌ) مَنْ كَانَ يَبِيعُ الْعَرْضَ بِالْعَرْضِ وَلَا يَنِضُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ عَيْنٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ، انْتَهَى. فَيَعُمُّ الْمُدِيرَ وَالْمُحْتَكِرَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا الْمُحْتَكِرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي شَيْءٍ مِنْ عُرُوضِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ بِالْعَيْنِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا بَاعَ بِهِ وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " كَالدَّيْنِ " فَإِنْ كَانَ يَبِيعُ الْعَرْضَ بِالْعَرْضِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بَلْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ حَوْلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلْيُزَكِّهَا إذَا قَبَضَهَا مَكَانَهُ فَإِنْ أَخَذَ بِالْمِائَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى يَبِيعَهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَالٌ وَقَدْ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَانَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ أَخْرَجَ نِصْفَ دِينَارٍ، انْتَهَى. وَذَكَره الْقَرَافِيُّ، وَقَالَ: لِأَنَّ الْقِيَمَ أُمُورٌ مُتَوَهَّمَةٌ، وَإِنَّمَا يُحَقِّقُهَا الْبَيْعُ، انْتَهَى. [فَرْعٌ أَخْرَجَ الْمُحْتَكِرُ زَكَاتَهُ قَبْلَ بَيْعِ الْعَرْضِ] (فَرْعٌ) لَوْ أَخْرَجَ الْمُحْتَكِرُ زَكَاتَهُ قَبْلَ بَيْعِ الْعَرْضِ لَمْ يُجِزْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ. ص (فَكَالدَّيْنِ إنْ رَصَدَ بِهِ السُّوقَ) ش: وَأَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ يُقَوِّمُهُ الْمُدِيرُ وَيُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ كَمَا يُقَوِّمُ الْمُدِيرُ عُرُوضَ التِّجَارَةِ وَلَا يُزَكِّيهَا غَيْرُ الْمُدِيرِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيُزَكِّيَهَا زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ ص، (فَكَالدَّيْنِ) ش: جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ يَعْنِي أَنَّ الْعَرْضَ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ مَعَ الشَّرْطِ السَّادِسِ وَهُوَ أَنْ يَرْصُدَ بِهِ السُّوقَ فَإِنَّهُ يُزَكَّى زَكَاةَ الدَّيْنِ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي الثَّمَنِ فَإِنْ قَبَضَ دُونَ نِصَابٍ دُونَ ضَمٍّ إلَى مَا يُقْبَضُ بَعْدَهُ، وَإِنْ أَنْفَقَهُ عَلَى حُكْمِ الدَّيْنِ سَوَاءٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَإِذَا قَبَضَ مِنْ الدَّيْنِ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ أَوْ بَاعَ مِنْ الْعُرُوضِ بَعْدَ أَنْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِأَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ تَمَامَ النِّصَابِ أَوْ يَبِيعَ بِتَمَامِهِ فَإِذَا كَمُلَ عِنْدَهُ تَمَامُ النِّصَابِ زَكَّى جَمِيعَهُ، كَانَ مَا قَبَضَهُ أَوَّلًا قَائِمًا أَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ تَلِفَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ تَلِفَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَظَرَهَا بِهَا تَسْقُطُ زَكَاةُ بَاقِي الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِصَابٌ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْجَهْمِ يُزَكِّي الْبَاقِيَ إذَا قَبَضَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: يُزَكِّي الْجَمِيعَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ تَلِفَ الْمُتَمُّ " فَالْمَقْصُودُ أَنَّ حُكْمَ مَا يَقْبِضُ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ حُكْمُ مَا يَقْتَضِي مِنْ الدَّيْنِ فَإِذَا اقْتَضَى بَعْدَ تَمَامِ النِّصَابِ شَيْئًا زَكَّاهُ، وَإِنْ قَلَّ وَيَكُونُ حَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ كَثُرَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَطَ ضَمَّ الْآخَرَ مِنْهَا لِلْأَوَّلِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ زَكَاةِ الدَّيْنِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمُخْتَصَرِ، قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ مَضَى لَهُ حَوْلٌ فَأَكْثَرَ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ دِينَارًا بَعْدَ دِينَارٍ فَيُنْفِقُهُ أَوْ يُتْلِفُهُ فَلَا يُزَكِّي حَتَّى يَقْبِضَ تَمَامَ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُزَكِّيَ كُلَّ مَا اقْتَضَى وَإِنْ قَلَّ، وَحَوْلُ مَا يَقْبِضُ بَعْدَ الْعِشْرِينَ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ فَإِنْ كَثُرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخُصَّهُ فَلْيَرُدَّ مَا شَاءَ مِنْهُ إلَى مَا قَبْلَهُ، قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَكَذَلِكَ فِيمَا يَبِيعُ مِنْ عَرْضِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ يَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلْيَضُمَّ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَا قَبْلَهُ فَكَالدَّيْنِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا كَثُرَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ الَّتِي زَكَّى مِنْهُ

فَلْيَرُدَّ الْآخَرَ إلَى الْأَوَّلِ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعَرْضِ يَبِيعُ مِنْهُ بَعْدَ الْحَوْلِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَكَثُرَ ذَلِكَ: فَلْيَرُدَّ الْآخَرَ إلَى مَا قَبْلَهُ، قَالَ سَحْنُونٌ: فَيَكْثُرُ كَثْرَةَ الْفَوَائِدِ فَلْيَرُدَّ الْأَوَّلَ إلَى الْآخَرِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَرُدُّ الْآخَرَ إلَى الْأَوَّلِ وَفِي الْفَوَائِدِ وَالدُّيُونِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ أَصَحُّ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ زَكَاةً قَبْلَ حَوْلِهَا وَالدَّيْنُ قَدْ حَالَ حَوْلُهُ إلَّا أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَقْبِضُ أَمْ لَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَبَضَ مِنْ دَيْنٍ لَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا ثُمَّ قَبَضَ بَعْدَ شَهْرٍ دِينَارًا: فَلْيُزَكِّ الْعِشْرِينَ يَوْمَ قَبَضَ الدَّيْنَ وَيَكُونُ مِنْ يَوْمئِذٍ حَوْلُهَا فَلْيُزَكِّهَا لِحَوْلِهَا، وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزَّكَاةُ إذَا كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا اقْتَضَى بَعْدَهَا مَا انْضَمَّ إلَيْهَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْفَائِدَتَيْنِ يُرِيدُ يَصِيرُ مَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ مُنْفَرِدَ الْحَوْلِ فَيُزَكِّي ذَلِكَ لِحَوْلِهِ وَالْعِشْرِينَ لِحَوْلِهَا مَا دَامَ فِي جَمِيعِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْفَائِدَتَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: فَإِنْ كَثُرَتْ الْفَوَائِدُ حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْصِيَ أَحْوَالَهَا فَلْيَضُمَّ الْأَوَّلَ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الْفَوَائِدِ حَتَّى يَخِفَّ عَلَيْهِ إحْصَاءُ أَحْوَالِهِ حَتَّى يُصَيِّرَهَا إلَى حَوْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَقْدِرُ أَنْ يُحْصِيَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ وَصَعُبَ عَلَيْهِ ضَمَّ جَمِيعَهَا إلَى آخِرِهَا، وَأَمَّا فِيمَا يَكْثُرُ مِنْ تَقَاضِي الدُّيُونِ فَلْيَضُمَّ آخِرَ ذَلِكَ إلَى أَوَّلِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحْكَامِ زَكَاةِ الدَّيْنِ وَحُكْمُ مَا يُقْبَضُ مِنْ ثَمَنِ الْعُرُوضِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ حُكْمُ مَا يُقْبَضُ مِنْ الدَّيْنِ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ وَمَا يَتِمُّ بِهِ إنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ دُونَهُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إنْ رَصَدَ بِهِ السُّوقَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْنَاهُ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَجِدَ رِبْحًا مُعْتَبَرًا عَادَةً فَإِنَّ الْمُدِيرَ لَا يَرْصُدُ السُّوقَ بَلْ يَكْتَفِي بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَرُبَّمَا بَاعَ بِغَيْرِ رِبْحٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْمُدِيرُ هُوَ الَّذِي يَكْثُرُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَضْبِطَ أَحْوَالَهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمُدِيرُ الَّذِي لَا يَكَادُ يَجْتَمِعُ مَالُهُ كُلُّهُ عَيْنًا كَالْحَنَّاطِ وَالْبَزَّازِ وَاَلَّذِي يُجَهِّزُ الْأَمْتِعَةَ لِلْبُلْدَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ كَانَ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ كُلَّمَا بَاعَ اشْتَرَى، مِثْلُ الْحَنَّاطِينَ وَالْفَرَّانِينَ وَالْبَزَّازِينَ وَالزَّيَّاتِينَ، وَمِثْلُ التُّجَّارِ الَّذِينَ يُجَهِّزُونَ الْأَمْتِعَةَ وَغَيْرَهَا إلَى الْبُلْدَانِ يُرِيدُ مِمَّنْ لَا يَضْبِطُ أَحْوَالَهُ فَلْيَجْعَلْ لِنَفْسِهِ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا يُقَوِّمُ فِيهِ عُرُوضَهُ لِلتِّجَارَةِ فَيُزَكِّي ذَلِكَ مَعَ مَا مَعَهُ مِنْ عَيْنٍ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ مَا نَصُّهُ: وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ بَعْدَ ذَلِكَ - يَعْنِي بَعْدَ قَبْضِ النِّصَابِ - تَبَعًا لِعُرُوضِ التِّجَارَةِ إذَا بَاعَ مِنْهُمَا بِنِصَابٍ زَكَّاهُ وَيُزَكِّي بَعْدَ ذَلِكَ يَعْنِي بَعْدَ قَبْضِ مَا يَبِيعُ بِهِ تَبَعًا، انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا مَسَائِلَ ابْنِ قَدَّاحٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: الْحَاصِلُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي دَيْنٍ حَتَّى يُقْبَضَ نِصَابٌ مِنْهُ وَلَا فِي عَرْضِ تِجَارَةٍ أَيْ احْتِكَارٍ حَتَّى يُبَاعَ فَإِذَا قُبِضَ الدَّيْنُ أَوْ بِيعَ الْعَرْضُ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ إنْ تَمَّ حَوْلُهُ وَنِصَابُهُ، ثُمَّ يَكُونُ مَا يَقْتَضِي مِنْ الدَّيْنِ أَوْ يُبَاعُ بَعْدُ تَبَعًا لِمَا قُبِضَ أَوْ بِيعَ يُزَكَّى مَعَهُ كَرِبْحِ الْمَالِ مَعَ أَصْلِهِ وَسَوَاءٌ بَقِيَ الْأَوَّلُ وَأَتْلَفَهُ بِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ لَمْ يَكْمُلْ الْحَوْلُ امْتِنَانًا إلَيْهِ، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا زَكَّى عَيْنَهُ) ش: وَإِنْ كَانَ يُدِيرُ سِلَعًا وَحُلِيًّا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ الْعُرُوضَ وَيُزَكِّي الْحُلِيَّ بِالْوَزْنِ وَلَا يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الصِّيَاغَةِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ مُرَصَّعًا بِالْجَوَاهِرِ أَوْ حِلْيَةً لِسَيْفٍ وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ طَعَامَ سَلَمٍ) ش: هَكَذَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ وَحَكَى عَنْ الْإِبْيَانِيِّ عَدَمَ التَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ كَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نُقَوِّمُ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا قُتِلَتْ وَالْكَلْبَ إذَا قُتِلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا يُزَكِّي هَذَا الطَّعَامَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ الْكَبِيرِ ص (كَسِلْعَةٍ) ش:

يَعْنِي أَنَّهُ يُقَوَّمُ سِلْعَةً، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْحُكْمُ وُجُوبُ تَقْوِيمِ سِلْعَةٍ بِغَيْرِ إجْحَافٍ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي تِلْكَ الْقِيَمِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ التَّقْوِيمِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مُدِيرٍ لَا يُقَوِّمُ: بَلْ مَتَى مَا نَضَّ لَهُ شَيْءٌ زَكَّاهُ مَا صَنَعَ إلَّا خَيْرًا وَمَا أَعْرِفُهُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالتَّقْوِيمُ أَحَبُّ إلَيَّ، انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّقْوِيمُ، وَالْأَوَّلُ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّقْوِيمِ فَيُقَوِّمُ مَا يُبَاعُ بِالذَّهَبِ وَمَا يُبَاعُ غَالِبًا بِالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا قِيَمُ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِذَا كَانَتْ تُبَاعُ بِهِمَا وَاسْتَوَيَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّكَاةِ يُخَيَّرُ وَإِلَّا فَمَنْ، قَالَ " الْأَصْلُ فِي الزَّكَاةِ الْفِضَّةُ " قَوَّمَ بِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُمَا أَصْلَانِ فَيُعْتَبَرُ الْأَفْضَلُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ لِحَقِّهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَقُوِّمَ بِالذَّهَبِ مَا يُبَاعُ بِهِ غَالِبًا كَوَرِقٍ وَخُيِّرَ فِيمَا يُبَاعُ بِهِمَا، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ صِفَةَ التَّقْوِيمِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَيْسَ عَلَى الْمُدِيرِ إذَا نَضَّ شَهْرُهُ أَنْ يُقَوِّمَ عُرُوضَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي يَجِدُهَا الْمُضْطَرُّ فِي بَيْعِ سِلَعِهِ، وَإِنَّمَا يُقَوِّمُ سِلْعَتَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي يَجِدُهَا الْإِنْسَانُ إذَا بَاعَ سِلْعَتَهُ عَلَى غَيْرِ الِاضْطِرَارِ الْكَثِيرِ، انْتَهَى. وَمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَى الِاضْطِرَارِ الْكَثِيرِ إلَى آخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيُقَوِّمُ الْمُدِيرُ رِقَابَ النَّخْلِ إذَا ابْتَاعَهَا لِلتِّجَارَةِ وَلَا يُقَوِّمُ الثَّمَرَةَ؛ لِأَنَّ فِيهَا زَكَاةَ الْخَرْصِ، وَلِأَنَّهَا غَلَّةٌ كَخَرَاجِ الدُّورِ وَغَلَّةِ الْعَبِيدِ وَصُوفِ الْغَنَمِ وَلَبَنِهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ فَائِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ رِقَابُهَا لِلتِّجَارَةِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ قَدْ طَابَتْ وَفِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَطِبْ وَهِيَ مَأْبُورَةٌ أَوْ غَيْرُ مَأْبُورَةٍ أَوْ كَانَتْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَهِيَ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ جَرَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَمَنْ، قَالَ " إنَّهَا لَا تَكُونُ غَلَّةً بِالطِّيبِ " قُوِّمَتْ مَعَ الْأَصْلِ وَمَنْ قَالَ " إنَّهَا بِالطِّيبِ تَكُونُ غَلَّةً " لَمْ تُقَوَّمْ مَعَ الْأَصْلِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: غَلَّاتُ مَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ مُزَكَّاةٌ كَالْأَصْلِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ يُرِيدُ: وَقَدْ طَابَتْ. (الثَّالِثُ) مَا بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الْفَوَائِدِ وَمِنْ عُرُوضِ الْقُنْيَةِ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ مِنْ يَوْمِ بَيْعِهِ فَإِنْ أَدَارَ بِهَا فَيُعْتَبَرُ لَهَا حَوْلٌ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ اخْتَلَطَتْ أَحْوَالُهُ فَكَاخْتِلَاطِ أَحْوَالِ الْفَوَائِدِ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (الرَّابِعُ) سُئِلَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ عَمَّا يُبَاعُ مِنْ السِّلَعِ عِنْدَ قُدُومِهَا مِنْ الْهِنْدِ وَنَحْوُهُ بِجُدَّةِ لِأَجْلِ أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَهَا فِي الْمُكُوسِ هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ أَوْ لَا؟ وَيُحْسَبُ عَلَى أَرْبَابِ السِّلَعِ أَمْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ مَا أُلْحِقَ إلَى بَيْعِهِ الْمَكْسُ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَأَجْرُهُ فِيمَا ظُلِمَ فِيهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَسَأَلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي السُّؤَالِ إنَّهُمْ قَدْ يَأْخُذُونَ فِي الْعُشُورِ سِلَعًا فَأَجَبْت أَنَّهُمْ إنْ أَخَذُوا سِلَعًا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَوِّمَهَا، وَأَمَّا إنْ أُلْزِمَ بِبَيْعِ السِّلَعِ وَقَبْضِ ثَمَنِهَا وَدَفْعِهِ إلَيْهِمْ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ كَانَ قَرْضًا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ أَخَّرَ الْمُدِيرُ قَرْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ

فرع بعث المدير بضاعة وجاء شهر زكاته

سَنَةٍ اتِّفَاقًا، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ، انْتَهَى. ص (وَلَا تُقَوَّمُ الْأَوَانِي) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ رُشْدٍ فِي تَقْوِيمِ آلَةِ الْحَائِكِ وَمَاعُونِ الْعَطَّارِ: قَوْلَا الْمُتَأَخِّرِينَ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ إعَانَتِهِمَا فِي التَّجْرِ وَبَقَاءِ عَيْنِهِمَا، انْتَهَى، وَقَالَ قَبْلَ هَذَا اللَّخْمِيُّ: وَبَقَرُ حَرْثِ التَّجْرِ وَمَاعُونُ التَّجْرِ قُنْيَةٌ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تُقَوَّمُ كِتَابَةُ مُكَاتَبٍ وَلَا خِدْمَةُ مُخَدِّمٍ، انْتَهَى. [فَرْعٌ بَعَثَ الْمُدِيرُ بِضَاعَةً وَجَاءَ شَهْرُ زَكَاتِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ: إذَا بَعَثَ الْمُدِيرُ بِضَاعَةً وَجَاءَ شَهْرُ زَكَاتِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ قَدْرَهُ أَوْ يَتَوَخَّى ذَلِكَ قَوَّمَهُ وَزَكَّاهُ مَعَ مَا يُزَكِّي وَإِلَّا أَخَّرَ لِقُدُومِهِ فَيُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ عَلَى مَا يُخْبِرُهُ بِهِ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ مَالَهُ مِنْهُ ضَمَانُهُ وَلَهُ رِبْحُهُ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةٌ بِمَغِيبِهِ، انْتَهَى [فَرْعٌ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَحَالَ حَوْلُهُ وَزَكَّى مَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَدِمَ مَالُهُ الْغَائِبُ سِلَعًا] (فَرْعٌ) فَلَوْ كَانَ الْمُدِيرُ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَحَالَ حَوْلُهُ وَزَكَّى مَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَدِمَ مَالُهُ الْغَائِبُ سِلَعًا فَهَلْ يُقَوِّمُهَا وَيُزَكِّي قِيمَتَهَا حِينَ وُصُولِهَا أَمْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهَا وَيَقْبِضَ ثَمَنَهَا؟ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فَأَجَابَ: إذَا قَدِمَ الْمَالُ الْغَائِبُ سِلَعًا قَوَّمَهَا وَزَكَّاهَا حِينَئِذٍ لِحَوْلٍ مَضَى أَوْ أَحْوَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَتْ لِلْمُدِيرِ سَفِينَةٌ فَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ قَوَّمَهَا، وَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلْكِرَاءِ لَمْ يُقَوِّمْهَا، انْتَهَى. وَرَأَيْت نُسْخَتَيْنِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَزَا فِيهِمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ يَحْيَى، وَكَذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي نَاقِلًا عَنْهُ وَلَمْ أَجِدْهَا فِيهِ بَعْدَ التَّفْتِيشِ الزَّائِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فرع أخر الزكاة انتظارا للمحاسبة فضاع

ص (وَفِي تَقْوِيمِ الْكَافِرِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ حَارِثٍ: مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ عَرْضُ تَجْرِ احْتِكَارٍ اسْتَقْبَلَ بِثَمَنِهِ حَوْلًا، وَفِي كَوْنِ الْمُدِيرِ كَذَلِكَ أَوْ يُقَوِّمُ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ قَوْلَا يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، انْتَهَى. ص (وَالْقِرَاضُ الْحَاضِرُ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ أَدَارَ أَوْ الْعَامِلُ) ش: الْقِرَاضُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اقْتَطَعَ مَالَهُ الَّذِي عِنْدَ الْعَامِلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ رَبَّ مَالِ الْقِرَاضِ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ سَنَةٍ إذَا كَانَا مُدِيرَيْنِ أَوْ الْعَامِلُ فَقَطْ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُزَكِّي جَمِيعَ الْمَالِ، وَظَاهِرُ مَا فِي ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّي رَأْسَ الْمَالِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَنَصُّهُ: وَيُزَكِّي رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّةَ رِبْحِهِ وَيُزَكِّيهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ. [فَرْعٌ أَخَّرَ الزَّكَاةَ انْتِظَارًا لِلْمُحَاسَبَةِ فَضَاعَ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَلَوْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ انْتِظَارًا لِلْمُحَاسَبَةِ فَضَاعَ لَضَمِنَ زَكَاةَ كُلِّ سَنَةٍ، انْتَهَى. ص (وَصَبَرَ إنْ غَابَ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالشَّيْخُ عَنْ الْوَاضِحَةِ، وَرُوِيَ عَنْ اللَّخْمِيِّ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ الْعَامِلِ عَنْ رَبِّهِ لَمْ يُزَكِّهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَرْجِعَ إلَيْهِ فَإِنْ تَلِفَ فَلَا زَكَاةَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُزَكِّي الْعَامِلُ فِي غَيْبَتِهِ عَنْ رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا، قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَأْخُذَ بِذَلِكَ فَيَجْزِيهِ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي رَأْسِ مَالِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَالَ إذَا كَانَ رَبُّهُ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَلَعَلَّهُ قَدْ مَاتَ وَلَا يُزَكِّي مَالَ الْقِرَاضِ حَتَّى يَحْضُرَ جَمِيعُهُ وَيَحْضُرَ رَبُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدِيرًا فَيُزَكِّيَهُ زَكَاةَ الْمُدِيرِ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ ص (وَسَقَطَ مَا زَادَ قَبْلَهَا إلَى آخِرِهِ) ش: وَيُعْتَبَرُ نَقْصُ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ

فرع تم الحول على المال بيد العامل وهو عين قبل أن يستغله

ص (وَإِنْ احْتَكَرَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. [فَرْعٌ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ وَهُوَ عَيْنٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغِلَّهُ] (فَرْعٌ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ وَهُوَ عَيْنٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغِلَّهُ قَالَ سَحْنُونٌ: وَيُزَكِّيهِ رَبُّهُ، وَإِنْ اسْتَغَلَّ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ مُدِيرٌ قَوَّمَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ عَلَى سَنَةِ الْإِدَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَكِرًا وَرَبُّ الْمَالِ مُدِيرًا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقَوِّمُهُ مَعَ حِصَّةِ رِبْحِهِ دُونَ حِصَّةِ الْعَامِلِ، انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ " أَوْ الْعَامِلُ " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا كَانَ مُحْتَكِرًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي كَالدَّيْنِ، وَهَذَا إنْ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْإِدَارَةِ وَالْحُكْرَةِ، وَالنُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ هَكَذَا وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ يُونُسَ ص (وَحُسِبَتْ عَلَى رَبِّهِ) ش: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً فِي مَالِ الْقِرَاضِ جَائِزَةً وَهِيَ لَا تَجُوزُ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَلْزَمُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ رَأْسِ مَال الْقِرَاضِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، اُنْظُرْ الرَّجْرَاجِيَّ ص (وَهَلْ عَبِيدُهُ كَذَلِكَ أَوْ تُلْغَى كَالنَّفَقَةِ تَأْوِيلَانِ) ش: يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا عَبِيدُ الْقِرَاضِ فَيُخْرِجُ زَكَاةَ فِطْرِهِمْ ابْنُ حَبِيبٍ وَهِيَ كَالنَّفَقَةِ، وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ، قَالَ: وَأَمَّا الْغَنَمُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا فِي الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ أَنَّ زَكَاتَهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ لَا مِنْ غَيْرِهَا، وَتُطْرَحُ قِيمَةُ الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ، قَالَ: وَهِيَ تُفَارِقُ زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تُزَكَّى مِنْ رِقَابِهَا، وَالْفِطْرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَيْرِ الْعَبِيدِ ابْنُ يُونُسَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ وِفَاقًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ خِلَافٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مُسَاوَاةُ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ بَيْنَ مَاشِيَةِ الْقِرَاضِ وَعَبِيدِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالنَّوَادِرِ، انْتَهَى، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالتَّوْضِيحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُيُوخَ الْمُدَوَّنَةِ اخْتَلَفُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ هَلْ هِيَ مَحْسُوبَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَزَكَاةِ مَاشِيَتِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافًا، أَوْ زَكَاةُ فِطْرِهِمْ مُلْغَاةٌ كَالنَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ وِفَاقٌ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ خَاصَّةً، وَنَصُّهَا: وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً، وَأَمَّا نَفَقَتُهُمْ فَمِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، انْتَهَى فَهَذَا صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا التَّأْوِيلَانِ فِي زَكَاةِ مَاشِيَةِ الْقِرَاضِ فَهَلْ يُزَكِّيهَا رَبُّهَا مِنْهَا أَمْ مِنْ مَالِهِ؟ فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يُزَكِّيهَا مِنْهَا، فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا هَلْ هُوَ وِفَاقٌ أَوْ خِلَافٌ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الثَّانِي قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ غَنَمًا فَتَمَّ حَوْلُهَا وَهِيَ بِيَدِ الْمُقَارَضِ فَزَكَاتُهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَامِلِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ فَسَاوَى بَيْنَ عَبِيدِ الْقِرَاضِ وَبَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَيْسَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، فَأَمَّا نَفَقَتُهُمْ فَمِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَعَبِيدِ الْقِرَاضِ، وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَلَيْسَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي عَبِيدِ الْقِرَاضِ: إنَّ زَكَاتَهُمْ كَالنَّفَقَةِ تُلْغَى، وَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ، قَالَ: وَأَمَّا فِي الْغَنَمِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا فِي الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ أَنَّ زَكَاتَهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ لَا مِنْ غَيْرِهَا وَتُطْرَحُ قِيمَةُ الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ رَأْسَ مَالٍ قَالَ وَهِيَ تُفَارِقُ زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تُزَكَّى مِنْ رِقَابِهَا

وَالْفِطْرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَيْرِ الْعَبِيدِ ابْنُ يُونُسَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ وِفَاقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ خِلَافٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مُسَاوَاةُ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالنَّوَادِرِ وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّأْوِيلِ فِي كَلَامِهِ مَعَ مَا يُسَاعِدُهُ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ إنْ اتَّفَقْنَا أَنَّ الْمُقَارَضَ إذَا شَغَّلَ بَعْضَ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّهِ أَنْ يُنْقِصَ شَيْئًا مِنْهُ إذْ عَلَيْهِ عَمَلُ الْعَامِلِ فَلَهُ شَرْطُهُ وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا فَإِذَا تَرَكَ السَّاعِي رَبَّ الْمَالِ وَأَخَذَهَا مِنْ الْعَامِلِ كَانَ النَّقْصُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ إشْغَالِهِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا أَدَّاهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْقِرَاضِ بَعْدَ إشْغَالِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، قِيلَ: إنَّمَا الزِّيَادَةُ الَّتِي لَا تَجُوزُ مَا وَصَلَ لِيَدِ الْعَامِلِ وَانْتَفَعَ بِهِ، وَهَذَا لَا يَصِلُ إلَى يَدِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْقِرَاضِ لَكَانَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ الْقِرَاضِ زِيَادَةٌ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْغَنَمَ زَكَاتُهَا مِنْ رِقَابِهَا فَلِذَلِكَ أُخِذَ مِنْهَا، وَالْعَبِيدُ زَكَاتُهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلِذَلِكَ أُخِذَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، قِيلَ: وَالدَّنَانِيرُ زَكَاتُهَا مِنْهَا فَيَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ: إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ يُدِيرُ وَالْعَامِلُ لَا يُدِيرُ وَبِيَدِهِ سِلَعُ وَمَالُ عَيْنٍ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ الْعَيْنِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ: إنَّ زَكَاةَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُقَوِّمُ مَا بِيَدِ الْعَامِلِ وَيُزَكِّي مِنْ عِنْدِهِ وَلَا يُزَكِّي الْعَامِلُ مَا بِيَدِهِ إلَّا بَعْدَ الْمُفَاصَلَةِ لِعَامٍ وَاحِدٍ وَأَيْضًا يَلْزَمُكَ أَنْ تَكُونَ زَكَاةُ الشَّنَقِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ زَكَاتَهَا مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفْت ابْنَ حَبِيبٍ وَانْفَرَدْت بِذَلِكَ وَإِنْ قُلْت عَلَى الْعَامِلِ فَقَدْ نَقَصَتْ حُجَّتُك أَنَّ كُلَّ مَا يُزَكَّى مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ: الشَّاةُ الْمَأْخُوذَةُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ زَكَاةٌ عَنْ رِقَابِهَا، وَالْفِطْرَةُ زَكَاةٌ عَنْ رِقَابِ الْعَبِيدِ فَاسْتَوَيَا وَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ زَكَاتُهَا عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ وَالْمُقَارَضُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فِي الرِّقَابِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَأْخُذُهُ كَإِجَارَةٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةِ الرَّقَبَةِ شَيْءٌ فَإِنْ قُلْنَا " إذَا سَقَطَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ مِنْ أَصْلِ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْعَامِلِ فِي رِبْحِهِ نَقْصٌ " قِيلَ: يَدْخُلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا حَالَتْ أَسْوَاقُ الْغَنَمِ بِزِيَادَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُقَارَضُ بِحَضْرَةِ السَّاعِي، وَأَمَّا إنْ غَابَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُقَارَضُ فَلِلسَّاعِي أَخْذُ الشَّاةِ مِنْ الْعَامِلِ، إذْ قَدْ لَا يُجِيبُ رَبُّ الْمَالِ فَيُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَكَانَ مَا بَقِيَ رَأْسَ الْمَالِ، وَيَكُونُ أَخْذُ الشَّاةِ كَالِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الشَّاةِ إلَى الْعَامِلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْقِرَاضِ بَعْدَ إشْغَالِ الْمَالِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّاعِي مِنْ الضَّرَرِ مِنْ مُطَالَبَةِ رَبِّ الْمَالِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى الثَّانِي - يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي - بِأَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْقِرَاضِ إنْ غَابَ رَبُّهُ أَخَذَهُ مِنْهَا وَإِلَّا فَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ أَوْ مِنْ مَالِ رَبِّهِ نَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ ظَاهِرِهَا مَعَ نَقْلِهِ عَنْ ظَاهِرِ قَوْلَيْ الشَّيْخِ وَمُحَمَّدٍ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَزُكِّيَ رِبْحُ الْعَامِلِ، وَإِنْ قَلَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ يُزَكِّي رِبْحَهُ، وَلَوْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ زَكَاتَهُ عَلَى رَبِّ الْمَال لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ. ص (إنْ أَقَامَ بِيَدِهِ حَوْلًا) ش: قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: وَإِذَا عَمِلَ الْمُقَارَضُ بِالْمَالِ أَقَلَّ مِنْ حَوْلٍ ثُمَّ اقْتَسَمَا فَزَكَّى رَبُّ الْمَالِ لِتَمَامِ حَوْلِهِ فَلَا يُزَكِّي الْعَامِلُ رِبْحَهُ حَتَّى يَحُولَ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ اقْتَسَمَهُ وَفِيمَا نَابَهُ الزَّكَاةُ، انْتَهَى. ص (بِلَا دَيْنٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْ رَبِّ الْمَالِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ، وَإِنْ نَابَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ رِبْحَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَرْضٌ يَجْعَلُ دَيْنَهُ فِيهِ، انْتَهَى. ص (وَحِصَّةُ رَبِّهِ بِرِبْحِهِ نِصَابٌ) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِ

فرع ولا يضم العامل ما ربح إلى مال له آخر ليزكي

الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ وَلَا يَضُمُّ الْعَامِلُ مَا رَبِحَ إلَى مَالٍ لَهُ آخَرَ لِيُزَكِّيَ] (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَضُمُّ الْعَامِلُ مَا رَبِحَ إلَى مَالٍ لَهُ آخَرَ لِيُزَكِّيَ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: قَالَ أَصْبَغُ: إذَا عَمِلَ الْعَامِلُ فِي الْمَالِ سَنَةً ثُمَّ أَخَذَ رِبْحَهُ فَزَكَّاهُ وَلَهُ مَالٌ لَا زَكَاةَ فِيهِ لَهُ عِنْدَهُ حَوْلٌ فَلَا يُزَكِّيهِ وَلَا يَضُمُّهُ إلَى رِبْحِ الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعَ رِبْحِ الْقِرَاضِ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَكَذَلِكَ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ أَصَابَ وَسْقَيْنِ وَأَصَابَ فِي حَائِطٍ لَهُ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي حَائِطِهِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ وَلْيُزَكِّ مَا أَصَابَ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ كَانَ فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ رَبِّ الْحَائِطِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ يُونُسَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَيْنُهَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنْهَا فَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بَعْدَ تَوَجُّهِ الزَّكَاةِ عَلَى رَبِّ الثَّمَرَةِ بِطِيبِهَا فَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْعَامِلُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ إنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَأَمَّا مَالُ الْقِرَاضِ فَالْعَامِلُ قَدْ تَقَلَّبَ فِيهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِرَبِّ الْمَالِ، وَذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَاعْتَاضَ بَدَلًا مِنْهُ فَلَمَّا طُلِبَ مِنْهُ الثَّمَنُ بِالتَّصَرُّفِ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ فِي عَيْنِ الْمَالِ أَشْبَهَ الشَّرِيكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَحْوُ هَذَا حَفِظْت عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ، انْتَهَى. مِنْ النُّكَتِ. [فَرْعٌ الزَّكَاةُ فِيمَا رِبْحه الْعَامِل إِذَا ضَمّ إلَيْهِ مَال رَبّ الْمَال] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ أَخَذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا فَرَبِحَ فِيهَا خَمْسَةً وَلِرَبِّ الْمَالِ مَالٌ حَالَ حَوْلُهُ إنْ ضَمَّهُ إلَى هَذَا صَارَ فِيهِ الزَّكَاةُ ابْنُ يُونُسَ، يُرِيدُ: وَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِ هَذَا حَوْلٌ فَلْيُزَكِّ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ لِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَوْ أَصَابَ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ وَلِرَبِّ الْمَالِ حَائِطٌ آخَرُ أَصَابَ فِيهِ وَسْقًا فَلْيَضُمَّ ذَلِكَ وَيُزَكِّ وَيَقْتَسِمَا مَا بَقِيَ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ. [فَرْعٌ اشْتِرَاطُ زَكَاةِ الْمَالِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِبْحِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ] (فَرْعٌ) يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زَكَاةِ الْمَالِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِبْحِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَأَمَّا زَكَاةُ الزَّرْعِ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَعَلَى الْعَامِلِ، وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الزَّكَاةِ عَلَى رَبِّ الْأَصْلِ وَعَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمُزَكَّى هُوَ الثَّمَرَةُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرِّبْحِ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَالْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ. [فَرْعٌ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ زَكَاةَ الرِّبْحِ فَتَفَاصَلَا قَبْلَ الْحَوْلِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَإِذَا اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ زَكَاةَ الرِّبْحِ فَتَفَاصَلَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَلِلْمُشْتَرَطِ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ رُبْعَ عُشْرِ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ شَرَطَ لِأَجْنَبِيٍّ ثُلُثَ الرِّبْحِ فَأَبَى مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لِمُشْتَرِطِهِ مِنْهُمَا، وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ اُشْتُرِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَعَلَى الْعَامِلِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ لَمْ يُصِيبَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَقَدْ شَرَطَا الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ فَإِنَّ عُشْرَ ذَلِكَ أَوْ نِصْفَ عُشْرِهِ فِي مَسْقِيِّ النَّضْحِ لِرَبِّ الْحَائِطِ خَالِصًا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ مِمَّا أَصَابَ خَمْسَةُ أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَلِلْعَامِلِ أَرْبَعَةُ أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرٍ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عُشْرَ نَصِيبِهِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَسَّمُ مَا أَصَابَا عَلَى تِسْعَةِ أَجْزَاءٍ خَمْسَةٍ لِرَبِّ الْمَالِ وَأَرْبَعَةٍ لِلْعَامِلِ، وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا وَصَوَّبَ الْأَخِيرَ فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ حُكْم مُقَارَضَة النَّصْرَانِيَّ] (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ أَنْ تُقَارِضَ النَّصْرَانِيَّ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. ص (وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةُ حَرْثٍ وَمَعْدِنٍ وَمَاشِيَةٍ بِدَيْنٍ) ش: قَصْرُهُ عَدَدَ الْإِسْقَاطِ عَلَى الثَّلَاثَةِ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَهَا يَسْقُطُ بِمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الرِّكَازَ لَا يَسْقُطُ بِمَا ذُكِرَ، وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ، لَكِنْ الرِّكَازُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَالَةَ الزَّكَاةِ شَبِيهٌ بِالْمَعْدِنِ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ قَالَ فِي بَابِهَا " وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ ". (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ إنَّمَا تَسَلَّفَ فِيمَا أَحْيَا بِهِ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَةَ وَقَوِيَ بِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ فَقْدٍ أَوْ أَسْرٍ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ

فرع الزكاة على المساكين

: وَتُزَكَّى مَاشِيَةُ الْأَسِيرِ وَالْمَفْقُودِ وَزَرْعُهُمَا وَنَخْلُهُمَا وَلَا يُزَكَّى نَاضُّهُمَا، يُرِيدُ لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا عُذْرٌ يُسْقِطُهَا وَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ، انْتَهَى. ص (أَوْ كَمَهْرٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْأَشْهَرُ سُقُوطُهَا بِدَيْنِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَخَّرُ لِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَاللَّخْمِيِّ، انْتَهَى. ص (وَهَلْ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ يُسْرٌ تَأْوِيلَانِ) ش: هَذَا الِاسْتِفْهَامُ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ أَعْنِي مَفْهُومَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَنْطُوقِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِهِ فِي فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ " وَهَلْ إنْ أَوْمَأَ إلَى آخِرِهِ "، وَقَوْلُهُ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ إلَّا مُدْرِكُ التَّشَهُّدِ وَالْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِنَفَقَتِهِ فَهَلْ لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا، وَهُوَ تَأْوِيلُ عَبْدِ الْحَقِّ، أَوْ لَا تَسْقُطُ إلَّا إنْ حَدَثَ عُسْرٌ بَعْدَ يُسْرٍ وَهُوَ تَأْوِيلُ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَجْرُ رَضَاعِ الْوَلَدِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْأُمِّ فِي عَدَمِ الْأَبِ وَالْوَلَدِ وَمِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ أَوْ فِي مَوْتِ الْأَبِ وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ سَقَطَ، قَالَ: هُوَ أَحْسَنُ إنْ كَانَتْ اسْتَرْضَعَتْ لَهُمْ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ رَضَاعِهِ لِشَرَفِهَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُهُ تَسْقُطُ هُوَ خَبَرُ قَوْلِهِ أَجْرُ رَضَاعِهَا إلَى آخِرِهِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الزَّكَاةِ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْعَادِلِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا أَجْرُ الْأَجِيرِ وَالْجَمَّالِ مُسْقَطٌ إنْ عَمِلَا اللَّخْمِيُّ وَإِلَّا فَلَا إنْ لَمْ تَكُنْ فِي الْإِجَارَةِ مُحَابَاةٌ لِجَعْلِهِ دَيْنَهُ فِيهِ - بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ مَا لَمْ يَعْمَلَا أُجْرَةً فِي قِيمَتِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ مُسْقَطٌ، انْتَهَى. ص (لَا بِدَيْنِ كَفَّارَةٍ أَوْ هَدْيٍ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ الْكَفَّارَةُ وَالْهَدْيُ لَغْوٌ، انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ دَيْنِ الْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ دَيْنِ الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ دَيْنِ الزَّكَاةِ أَنَّ الزَّكَاةَ تُدْفَعُ لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ فَدَيْنُ الزَّكَاةِ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْعَادِلِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الزَّكَاةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ] (فَرْعٌ) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ ص (إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُعَشَّرٌ زَكَّى) ش: ابْنُ غَازِيٍّ فَأَحْرَى عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُزَكِّ، وَكَذَلِكَ الْمَاشِيَةُ الْمُزَكَّاةُ فَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ

يَكُونَ عِنْدَهُ نَعَمٌ أَوْ مُعَشَّرٌ، وَإِنْ زُكِّيَا لَكَانَ أَبْيَنَ وَأَشْمَلَ انْتَهَى، وَانْظُرْ الْمُعَشَّرَ غَيْرَ الْمُزَكَّى، وَكَذَلِكَ نَعَمُ الْغَيْرِ الْمُزَكَّاةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَرْضِ أَمْ لَا؟ ابْنُ عَرَفَةَ وَخَرَّجَ الْمَازِرِيُّ الزَّرْعَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى خِدْمَةِ الْمُدِيرِ، انْتَهَى. ص (أَوْ قِيمَةُ كِتَابَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَفِي رَقَبَتِهِ فَضْلٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَذَكَر عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ يُزَكِّي مِنْ مَالِهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ الْفَضْلِ ابْنُ يُونُسَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ كَعَرْضٍ أَفَادَهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهِ فِي قِيمَةِ طَعَامِ سَلَمٍ أَوْ فِي رَأْسِ مَالِهِ نَقْلَا الْمَازِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَابْنِ شَعْبَانَ، انْتَهَى. وَمِنْهُ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ غَرِيمُهُ مُوسِرًا بِنِصْفِ دَيْنِهِ جَعَلَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ فِي نِصْفِ مَالِهِ وَزَكَّى، وَإِنْ جَعَلَ مَنَابَهُ فِي حِصَاصِهِ جَعَلَ فِي

أوصى بمال لشخص يشتري به أصلا ويوقف فحال عليه الحول قبل الشراء

قِيمَةِ دَيْنِهِ، وَالْقِيَاسُ لَغْوُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي بَيْعُهُ لِجَهْلِهِ، انْتَهَى. ص (أَوْ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسِهِ) ش: اُنْظُرْ مَا أَفَادَ بِالْكَافِ وَاحْتَرَزَ بِنَفْسِهِ مِمَّا لَوْ أَجَّرَهُ عَبْدَهُ أَوْ دَابَّتَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَهُ مَا يُجْعَلُ فِيهِ، وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ الْأُولَى بِاتِّفَاقٍ وَيَنْتَقِلُ الْخِلَافُ إلَى الْعِشْرِينَ أُجْرَةِ الْحَوْلِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ) ش: سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ. [أَوْصَى بِمَالٍ لِشَخْصٍ يَشْتَرِي بِهِ أَصْلًا وَيُوقَفُ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَبْلَ الشِّرَاءِ] (فَرْعٌ) إذَا أَوْصَى بِمَالٍ أَوْ دَفَعَهُ لِشَخْصٍ يَشْتَرِي بِهِ أَصْلًا وَيُوقَفُ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ الشِّرَاءِ زَكَّى، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الرُّجُوعِ فِي الْحَبْسِ: وَلَوْ أَوْجَبَ التَّحْبِيسُ فِي مَالٍ نَاضٍّ فَأَوْقَفَهُ إلَى أَنْ

فرع الزكاة في غلة الدور إذا وقفت

يَشْتَرِيَ بِهِ أَصْلًا مُحْبَسًا فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا اشْتَرَطَ فِيهَا ذَلِكَ وَجَعَلَهَا بِيَدِ غَيْرِهِ، قَالَ: وَفِيهَا الزَّكَاةُ، يُرِيدُ مِنْهَا إذَا أَتَى لَهَا حَوْلٌ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَذَلِكَ جَائِزٌ، أَيْ إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الزَّكَاة فِي غلة الدُّورُ إذَا وُقِفَتْ] (فَرْعٌ) إذَا وُقِفَتْ الدُّورُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّاتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لَمْ تَجِبْ فِي غَلَّاتِهَا زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّهَا وَيُقِيمَ فِي يَدِهِ سَنَةً فَكَذَلِكَ الْمُحْبَسَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ أَوْ نَسْلِهِ) ش: أَمَّا النَّبَاتُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَمُرَادُهُ إذَا وُقِفَ لِيُنْتَفَعَ بِغَلَّتِهِ كَلَبَنِهِ وَصُوفِهِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَسْلِهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا إنْ وُقِفَ لِتُفَرَّقَ عَيْنُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا مُوصًى بِتَفْرِقَتِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ " أَوْ نَسْلِهِ " فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ لِيُنْتَفَعَ بِصُوفِهَا أَوْ لَبَنِهَا أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُوقِفَ لِيُفَرَّقَ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ عَدَدَ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَجْهُولِينَ فَالزَّكَاةُ فِي جُمْلَةِ الْأَوْلَادِ إذَا تَمَّ لَهَا حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ ص (عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَعَلَيْهِمْ إنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ حَصَلَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) ش: هَذَا إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى النَّبَاتِ فَقَطْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطَابِقُ تَفْصِيلَهُ فِي الْمَنْقُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: كَعَلَيْهِمْ إنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّتِهِ دُونَ عَيْنِهِ كَالْحَوَائِطِ الْمُحْبَسَةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُحْبَسَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنْ كَانَتْ مُحْبَسَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَهَا يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْحَبْسِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي ثَمَرِهَا إذَا بَلَغَتْ جُمْلَةَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ، مِثْلُ أَنْ يَحْبِسَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَجِنَانِهِ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْحَائِطِ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى السَّقْيَ وَالْعِلَاجَ دُونَهُمْ وَيُقَسِّمُ الثَّمَرَةَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ قَوْلًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ - وَإِنْ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ هُمْ يُسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ - فَهَلْ هُمْ كَالشُّرَكَاءِ وَيُعْتَبَرُ مَا يَنُوبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُمْ كَالشُّرَكَاءِ وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ نِصَابٌ: إمَّا مِنْ ثَمَرِ الْحَبْسِ بِانْفِرَادِهَا، أَوْ بِإِضَافَتِهَا إلَى ثَمَرِ جِنَانٍ لَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي دُونَ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ نِصَابٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فِي جَمِيعِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ فَإِذَا

كَانَ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَتْ مِنْهَا الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِمَا يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَيُزَكِّي عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ الَّذِي هُوَ رَبُّ الْحَائِطِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَرَةُ الْحَبْسِ دُونَ النِّصَابِ أَضَافَهَا إلَى مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأَمَّا مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّتِهِ وَلَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ وَذَلِكَ حَوَائِطُ النَّخْلِ وَالْأَعْنَابِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ مِثْلِ الْمَسَاكِينِ فِي بَنِي زُهْرَةَ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَتَهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي ثَمَرَتِهَا إذَا بَلَغَتْ جُمْلَتُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَثْمَرَتْ فِي حَيَاةِ الْمُحْبِسِ وَلَهُ حَوَائِطُ لَمْ يَحْبِسْهَا فَاجْتَمَعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ مُحْبَسَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا أَيْضًا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إنَّهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ فَمَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ " إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ لَمْ يُوَرَّثْ عَنْهُ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ وَمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى أَصْلِ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ الْمَذْكُورِ إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إبَارِهَا فَحَقُّهُ وَاجِبٌ لِوَرَثَتِهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مَجْهُولِينَ أَوْ مُعَيَّنِينَ إنَّمَا هُوَ إذَا حِيزَ الْمُحْبَسُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُحَزْ فَإِنَّهُ يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ قَوْلًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْحَبْسُ غَيْرُ مَحُوزٍ كَمَالِ رَبِّهِ، وَالْمَحُوزُ إنْ كَانَ ذَا نَبَاتٍ عَلَى مَجْهُولٍ زُكِّيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَأَمَّا عَلَى مُعَيَّنٍ فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ فَيُشْتَرَطُ بُلُوغُ حَظِّ مُسْتَحِقِّهِ نِصَابًا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ التُّونُسِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا سَقَطَتْ، انْتَهَى. (الثَّانِي) اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ الْمَالِكُ التَّفْرِقَةَ وَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنِينَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَانَ فِي مِلْكِهِ جِنَانٌ فِي ثَمَرِهِ مَا يَكْمُلُ لَهُ بِهِ نِصَابٌ أَنَّهُ يَضُمُّ مَا حَصَلَ مِنْ ثَمَرِ الْوَقْفِ إلَى ثَمَرِ جِنَانِهِ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْفٍ عَلَيْهِ آخَرَ مِثْلُ إضَافَتِهِ إلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَأَنَّهُ يَضُمُّ ثَمَرَ مَا أَوْقَفَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِصَابٌ إلَى ثَمَرِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْحَوَائِطِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْمَرَتْ الْحَوَائِطُ فِي حَيَاةِ الْمُحْبِسِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ. (الرَّابِعُ) تَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَبْسَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ، إلَّا أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِلْحَبْسِ أَنْ يُزَكِّيَ عَلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ قَوْلًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ،. وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَهُمْ الْمُتَوَلُّونَ لَهُ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ، وَالثَّانِي - يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَالثَّالِثُ - إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُسْتَحِقِّ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) هَذَا تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ مَجْهُولِينَ أَوْ مُعَيَّنِينَ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ فَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَ طُرُقٍ الْأُولَى لِلتُّونُسِيِّ وَهِيَ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَالثَّانِيَةُ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ، وَالثَّالِثَةُ لِأَبِي حَفْصٍ أَنَّ مَا عَلَى الْمَسَاجِدِ مِنْ الْأَوْقَافِ يُضَمُّ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ، وَإِنْ تَعَدَّدَ وَاقِفُوهُ، وَنَصُّهُ: وَفِيمَا عَلَى الْمَسَاجِدِ طُرُقٌ التُّونُسِيُّ يَنْبَغِي زَكَاتُهَا عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا يَنْضَافُ لِمَالِهِ غَيْرُهَا اللَّخْمِيُّ قَوْلُهُ " مَالِكُ زَكَاتِهَا عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا " لِلْعَامِلِ، وَالْقِيَاسُ قَوْلُ مَكْحُولٍ: لَا زَكَاةَ فِيهَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ، وَالْمَسْجِدُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَكَوْنِهَا لِعَبْدٍ أَبُو حَفْصٍ لَوْ حَبَسَ جَمَاعَةٌ كُلٌّ نَخْلًا لَهُ عَلَى مَسْجِدٍ. فَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُهَا نِصَابًا زُكِّيَ

انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَزَادَ إثْرَهُ، وَقَوْلُ التُّونُسِيِّ يُضَافُ لِأَصْلِ مَالِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ عَيْنًا كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِكَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فَقَطْ. وَنَصُّهُ: وَقَدْ أَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ عَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ: أَعْرِفُ فِي الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِإِصْلَاحِ الْمَسَاجِدِ وَالْغَلَّاتِ الْمُحْبَسَةِ فِي مِثْلِ هَذَا اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَكَاةِ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُوقَفُ عَلَى مَا لَا عِبَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَالتَّقْيِيدِ، انْتَهَى، وَبِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى أَفْتَى أَبُو عُمَرَ وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَمِنْ التَّعَالِيقِ سُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ جَمَاعَةٍ حَبَسُوا حَبْسًا عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ عَلَى حِصْنٍ نَخْلًا أَوْ زَيْتُونًا كُلٌّ حَبْسُهُ عَلَى حِدَتِهِ، وَفِي جَمِيعِ مَا حَبَسُوا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَلَيْسَ فِي حَبْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ هَلْ تُزَكَّى هَذِهِ الْأَحْبَاسُ أَمْ لَا، فَقَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَبْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفِي بَعْضِهَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُزَكَّى إلَّا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي مَسَائِلِ مَسَاجِدِ قَصْرِ الْمَسِيرِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ: إنَّهَا تُجْمَعُ وَنَصُّهُ، وَفِي تَعْلِيقَة ابْنِ الْعَطَّارِ إذَا حَبَسَ جَمَاعَةٌ عَلَى مَسْجِدٍ حَوَائِطَ كُلُّ إنْسَانٍ حَبَسَ نَخْلًا وَجُمْلَةُ ذَلِكَ لِلْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحَوَائِطُ الْمُحْبَسَةُ تُزَكَّى؛ لِأَنَّ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ غَيْرُ الْفُقَرَاءِ مَعَ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُمْسَكُ لِأَجْلِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ قَدْ يَرَى صَرْفَهَا فِي غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْنَافِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ خَوْفٌ مِنْ الْعَدُوِّ صُرِفَتْ فِي السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْنُ وَالرَّخَاءُ أَعْتَقَ الرِّقَابَ، وَإِنْ كَانَ زَمَنُ شِدَّةٍ أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ، وَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَا يَصْرِفُ مَا سِوَى الزَّكَاةَ إلَّا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا ابْنُ رُشْدٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ بِرُمَّتِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " كَعَلَيْهِمْ " قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَدْخَلَ أَدَاةَ الْجَرِّ عَلَى أَدَاةِ الْجَرِّ إيثَارًا لِلِاخْتِصَارِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظَمَؤُهَا ... تَصِلُ وَعَنْ قَيْظٍ بِزَيْزَاءَ مُجْهَلٍ ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ " عَلَى " فِي الْبَيْتِ اسْمٌ بِمَعْنَى " فَوْقَ " كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ النُّحَاةِ، وَأَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ حَرْفٍ عَلَى حَرْفٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْكَافُ هُنَا اسْمًا أَوْ دَاخِلَةً عَلَى اللَّفْظِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا فِيهِ حَرْفٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنَّمَا يُزَكَّى مَعْدِنٌ عَيْنٌ) ش: أَفَادَ قَوْلُهُ " يُزَكَّى " أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ زَكَاةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهَا مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي اشْتِرَاطِهِمَا قَوْلَيْنِ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْعَيْنِ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي الْمَعْدِنِ كَالْوَاحِدِ وَالْعَبْدَ كَالْحُرِّ وَالْكَافِرَ كَالْمُسْلِمِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ، وَأَمَّا الْحَوْلُ فَقَدْ نَبَّهَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْمَعْدِنِ مِنْ اشْتِرَاطِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُ زَكَاتَهُ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ رُبْعُ الْعُشْرِ وَأَنْ يَصْرِفَهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ إلَّا فِي النُّدْرَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ مَعْدِنَ غَيْرِ الْعَيْنِ لَا زَكَاةَ فِيهِ ص (وَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَوْ بِأَرْضٍ مُعَيَّنٍ إلَّا مَمْلُوكَةً لِمَصَالِحَ فَلَهُ) ش عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ أَنَّ الْمَعْدِنَ إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَالْفَيَافِيِ وَمَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ

كَأَرْضِ الْعَنْوَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْجَيْشِ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْمُصَالِحِينَ فَإِنَّ الْمَعْدِنَ يَكُونُ لَهُمْ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا ظَهَرَ مِنْ الْمَعَادِنِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ الْبَرْبَرِ فَالْإِمَامُ يَلِيهَا وَيَقْطَعُهَا لِمَنْ رَأَى وَيَأْخُذُ زَكَاتَهَا سَوَاءٌ ظَهَرَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ فَهِيَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ دُونَ الْإِمَامِ وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ النَّاسِ أَوْ يَأْذَنُوا لَهُمْ فِيهَا وَمَا ظَهَرَ مِنْهُ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ فَهِيَ إلَى الْإِمَامِ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلَّذِينَ أَخَذُوهَا عَنْوَةً، انْتَهَى. وَقَدْ لَخَّصَ الرَّجْرَاجِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: الْمَعْدِنُ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَوْ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ أَوْ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لِلْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ، وَالثَّانِي - أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِأَهْلِ الصُّلْحِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَفِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ هَلْ يَسْتَمِرُّ لَهُ مِلْكُهُ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصِّ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، أَوْ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَالثَّالِثُ - أَعْنِي إذَا ظَهَرَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ ظَهَرَ فِي الْفَيَافِي فَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي مَمْلُوكَةٍ مَحُوزَةٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: النَّظَرُ لِمَالِكِهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) التَّمْثِيلُ بِمَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ لِلْأَرْضِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَيُرِيدُونَ بِهِ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ الْكُفَّارُ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَعْدِنَ إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مُعَيَّنٍ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ لَيْسَ خَاصًّا بِمَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ كَمَا فَرَضَهُ الشَّارِحُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيِّ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي - لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَالثَّالِثُ - إنْ كَانَ عَيْنًا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْجَوَاهِرِ فَلِمَالِكِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ تَظْهَرُ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ فِيهَا لِلْإِمَامِ يَقْطَعُهُ لِمَنْ رَآهُ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَعَادِنَ يَجْتَمِعُ إلَيْهَا شِرَارُ النَّاسِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ، انْتَهَى، بَلْ فَرْضُهُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بَعِيدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهَا أَنَّهَا وَقْفٌ. (الثَّالِثُ) زَادَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ وَشَامِلِهِ فِي مَوَاضِعِ الْمَعْدِنِ مَا وُجِدَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَقَالَ: حُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ وَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ زَالَ حُكْمُ أَهْلِهَا فَهِيَ عَنْوَةٌ أَوْ صُلْحٌ، أَوْ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ فَلَا وَجْهَ لِزِيَادَةِ هَذَا الْقِسْمِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي مَوَاضِعِ الرِّكَازِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الصُّلْحِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: رَجَعَ أَمْرُ الْمَعَادِنِ إلَى الْإِمَامِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَذْهَبُ سَحْنُونٍ أَنَّهَا تَبْقَى لَهُمْ، انْتَهَى، مُخْتَصَرًا. (الْخَامِسُ) لَمْ يُفْهَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ مَعْدِنِ غَيْرِ الْعَيْنِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ وَالْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَيْنِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَعَلَى ذَلِكَ فُهِمَ مِنْ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَلَامُهُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ " فَالْإِمَامُ يَلِيهَا ": ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْمَعَادِنُ مِمَّا يُزَكَّى أَوْ مِمَّا لَا يُزَكَّى، وَقِيلَ: أَمَّا مَعَادِنُ مَا لَا يُزَكَّى فَهِيَ لِمَالِكِهَا، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ الْقِسْمِ الثَّانِي: مِنْ الْمَعَادِنِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَعَادِنِ النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقَزْدِيرِ وَالْكُحْلِ وَالزَّرْنِيخِ وَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهِيَ مِثْلُ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالسُّلْطَانُ يَقْطَعُهَا

فرع تلف ما خرج من النيل بغير سببه فهل يضم ما خرج بعد ذلك إليه

لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَلِيهَا كَالْعَنْبَرِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، انْتَهَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِاللَّفْظِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِالْمَعْنَى. (السَّادِسُ) حَيْثُ يَكُونُ نَظَرُ الْمَعْدِنِ لِلْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِيهِ بِالْأَصْلَحِ جِبَايَةً وَإِقْطَاعًا الْبَاجِيّ إنَّمَا يَقْطَعُهُ انْتِفَاعًا لَا تَمْلِيكًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَنْ أَقْطَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يُوَرَّثُ عَمَّنْ أَقْطَعَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْلَكُ لَا يُوَرَّثُ فِي إرْثِ نَيْلٍ أَدْرَكَ قَوْلَ أَشْهَبَ، وَنَصَّ شَرِكَتَهَا، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ ص (وَضَمَّ بَقِيَّةِ عِرْقِهِ، وَإِنْ تَرَاخَى الْعَمَلُ) ش الْعِرْقُ هُوَ النَّوْلُ وَالنَّيْلُ وَالنَّوَالُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - أَنْ يَتَّصِلَ الْعِرْقُ وَالْعَمَلُ فَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ مِنْهُ نِصَابٌ فَيُزَكِّيَهُ ثُمَّ يُزَكِّيَ مَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَلَّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اتِّفَاقًا. (الثَّانِي) أَنْ يَتَّصِلَ الْعِرْقُ دُونَ الْعَمَلِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ: فَإِنْ انْقَطَعَ الْعَمَلُ الطَّارِئُ كَفَسَادِ آلَةٍ وَمَرَضِ عَامِلٍ فَلَا شَكَّ فِي الضَّمِّ فَإِنْ انْقَطَعَ اخْتِيَارُ الْغَيْرِ عُذِرَ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَبْنِي بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّ النَّيْلَ إذَا ظَهَرَ أَوَّلُهُ فَكَأَنَّهُ كُلُّهُ ظَاهِرٌ وَمَحُوزٌ، وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّيْلَ الْمُتَّصِلَ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، انْتَهَى، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ اتَّصَلَ النَّيْلُ وَحْدَهُ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنَّيْلِ دُونَ الْعَمَلِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ انْقَطَعَ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ، وَإِنْ اتَّصَلَ النَّيْلُ لَنَا أَنَّ النَّيْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ الْعَمَلِ فَإِنْ انْقَطَعَ النَّيْلُ فَلَا زَكَاةَ، وَإِذَا اتَّصَلَ لَمْ يَضُرَّ انْقِطَاعُ الْعَمَلِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ الْجُزُولِيُّ أَيْضًا عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّسَالَةِ وَالْمُوَطَّأَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الضَّمُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِقَوْلِهِ " وَضَمَّ بَقِيَّةِ عِرْقِهِ، وَإِنْ تَرَاخَى الْعَمَلُ " يَعْنِي أَنَّ عِرْقَ الْمَعْدِنِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ مِنْهُ نِصَابٌ فَيُزَكِّيَهُ ثُمَّ يُزَكِّيَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَإِنْ قَلَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اتِّفَاقًا الثَّانِي أَنْ يَتَّصِلَ الْعِرْقُ مَا دَامَ مَوْجُودًا، وَلَوْ تَرَاخَى الْعَمَلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَحَصَلَ فِيهِ انْقِطَاعٌ فَقَوْلُ الشَّارِحِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ تَرَاخَى الْعَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَرْسَلًا عَلَى هِبَةِ الْعَامِلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعْمَلَ تَارَةً وَيَبْطُلُ أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَنْقَطِعَ الْعِرْقُ وَيَتَّصِلَ الْعَمَلُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الضَّمِّ وَعَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ يُضَمُّ وَلَمْ يَحْكِ الْقَرَافِيُّ خِلَافًا فِي عَدَمِ الضَّمِّ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَنْقَطِعَ الْعِرْقُ وَالْعَمَلُ فَلَا ضَمَّ اتِّفَاقًا، وَإِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لَا عِرْقَ لِآخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ عِرْقٌ إلَى عِرْقٍ آخَرَ اتَّصَلَ الْعَمَلُ أَوْ انْقَطَعَ [فَرْعٌ تَلِفَ مَا خَرَجَ مِنْ النَّيْلِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَهَلْ يُضَمُّ مَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْهِ] (فَرْعٌ) لَوْ تَلِفَ مَا خَرَجَ مِنْ النِّيلِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَهَلْ يُضَمُّ مَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَلِفَ لِوَقْتٍ لَوْ تَلِفَ فِيهِ الْمَالُ بَعْدَ حَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فَسَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ الْعَمَلَ بِالتَّصْفِيَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ الِاشْتِغَالُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَعْدِنِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحْدُ الِانْقِطَاعِ هُوَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَلَفْظُهُ وَمِنْ الْوَاضِحَةِ، وَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُ الْمَعْدِنِ قَبْلَ بُلُوغِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَظَهَرَ عِرْقٌ آخَرُ فَلْيَجْرِ الْحُكْمُ فِيهِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ نَحْوُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ الْعِرْقُ ثُمَّ وُجِدَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عِرْقٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) إذَا وَجَدَ عِرْقًا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ مَا حَصَلَ مِنْ عِرْقٍ إلَى عِرْقٍ آخَرَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِضَمِّ مَا حَصَلَ مِنْ الْمَعْدِنِ إلَى مَعْدِنٍ آخَرَ ابْتَدَأَ فِي الثَّانِي قَبْلَ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ فَيُضَمُّ هُنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ كَلَامٌ يُوهِمُ أَنَّهُ يُضَمُّ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي، وَكَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ إنَّمَا هُوَ فِي ضَمِّ الْمَعَادِنِ لَا فِي ضَمِّ الْعُرُوقِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِمُرَاجَعَةِ الْمُقَدِّمَاتِ وَيُتَأَمَّلُ آخِرَ الْكَلَامِ وَأَوَّلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا مَعَادِنَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ لَا يُضَمُّ لِمَا خَرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ آخَرَ إذَا كَانَ

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلُ بِالضَّمِّ لِابْنِ مَسْلَمَةَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِلْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعَادِنَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرَضِينَ فَكَمَا يُضِيفُ زَرْعَ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى فَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَقْيَسُ، وَعَدَمُ الضَّمِّ لِسَحْنُونٍ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُضَمُّ نَيْلٌ إلَى نَيْلٍ فَأَوْلَى مَعْدِنٌ إلَى مَعْدِنٍ، وَالْفَرْقُ لِلْمَذْهَبِ بَيْنَ الْمَعْدِنَيْنِ وَزَرْعِ الْفَدَادِينِ إنْ أَبَانَ الزَّرْعُ وَاحِدٌ، وَالْمِلْكُ شَامِلٌ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَعْدِنِ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْعَمَلِ، وَلَوْ كَانَا فِي وَقْتَيْنِ لَمْ يُضَمَّا اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا نَسَبَهُ الْقَرَافِيُّ لِلْمَذْهَبِ فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ كَلَامَهُ وَقَصْرُهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُضَمُّ مَعْدِنٌ لِآخَرَ إلَّا فِي وَقْتِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ، انْتَهَى، وَالْأَظْهَرُ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ وَيُقَابِلُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ كَانَ لَهُ مَعْدِنَانِ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ ضَمَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَزَكَّاهُ الْبَاجِيُّ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَمَّا قَوْلُ سَحْنُونٍ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُوجَدَ فِي مَعْدِنٍ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا فِي عِرْقٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إذْ لَا يُضَمُّ عِرْقٌ لِعِرْقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي ضَمِّ فَائِدَةٍ حَالَ حَوْلُهَا) ش أَيْ: وَفِي ضَمِّ الْفَائِدَةِ الَّتِي حَالَ حَوْلُهَا نِصَابًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ إلَى مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابٍ تَرَدُّدٌ فَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيُّ أَيْضًا الضَّمَّ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ ضَمِّ الْمَعْدِنَيْنِ قَوْلًا بِعَدَمِ الضَّمِّ وَفَهِمَ ابْنُ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ عَنْهُ: وَقَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ النَّيْلُ وَابْتَدَأَ آخَرُ فَخَرَجَ لَهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى وَالْعَشَرَةُ الْأُخْرَى بِيَدِهِ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ وَيُزَكِّيَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ حَالَ حَوْلُهَا لَأَضَافَهَا إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ لَهُ أَخِيرًا وَزَكَّى فَإِضَافَتُهَا إلَى هَذِهِ الْمَعْدِنِيَّةِ أَوْلَى، انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي أَلْزَمهَا ابْنُ يُونُسَ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى الزَّكَاةِ فِيهَا فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا انْقَطَعَ النَّيْلُ بِتَمَامِ الْعِرْقِ ثُمَّ وُجِدَ عِرْقٌ آخَرُ فِي الْمَعْدِنِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ مُرَاعَاةَ النِّصَابِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ تَفْصِيلٌ إذْ لَا يَخْلُو مَا نَضَّ لَهُ مِنْ النَّيْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتْلَفَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ النَّيْلُ الثَّانِي فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ فَائِدَةٍ حَالَ حَوْلُهَا وَتَلِفَتْ، ثُمَّ أَفَادَ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، أَوْ يَتْلَفَ بَعْدَ أَنْ بَدَأَ فِي النَّيْلِ الثَّانِي وَقَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ عِنْدَهُ بِمَا كَانَ مِنْ النَّيْلِ الْأَوَّلِ نِصَابٌ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ كَمُلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّيْلِ الثَّانِي تَمَامُ النِّصَابِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا جَوَابًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُزَكِّي بِاتِّفَاقٍ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بَلْ صَرِيحُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ نَيْلٌ إلَى نَيْلٍ، لَكِنَّ فِي قَوْلِهِ " وَإِنَّمَا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ خِلَافَ الْمُدَوَّنَةِ " نَظَرٌ، وَقَدْ فَرَّقَ الْمَازِرِيُّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بِيَدِهِ فَائِدَةٌ قَدْ حَالَ حَوْلُهَا لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ، وَإِذَا أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ مِائَةً وَهِيَ فِي حُكْمِ مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ صَارَ الْجَمِيعُ مَالًا وَاحِدًا حَالَ حَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ مِائَةً مَعْدِنِيَّةً أَوَّلًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا حَوْلٌ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ فِي حُكْمِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ تَقْدِيرًا، وَهَذَا التَّقْدِيرُ إنَّمَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ فِيمَا تَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ، وَهَا هُنَا لَمْ يَتَوَجَّهْ لِقُصُورِهِ عَنْ النِّصَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا كَلَامًا مُشْكِلًا ثُمَّ ذَكَرَهُ، قَالَ: وَسَكَتَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُزَكِّي بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ " فَيَكُونُ كَابْتِدَائِهِ " أَنَّهُ بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مَا نَضَّ لَهُ مِنْ النَّيْلِ الْأَوَّلِ وَتَلِفَ فَإِذَا نُوزِعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ مُنَازَعٌ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَكِّي فِي الصُّورَةِ

الَّتِي ذَكَرهَا ابْنُ رُشْدٍ وَاَلَّتِي فُهِمَتْ مِنْ كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَكَلَامَ ابْنِ يُونُسَ بَعْدَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِضَمِّ الْفَائِدَةِ لِمَا يُكْمِلُ بِهَا نِصَابًا مِنْ الْمَعْدِنِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيُّ، وَمُقَابِلُهُ تَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ وَفَهْمِ ابْنِ يُونُسَ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُ قَوْلًا آخَرَ بِعَدَمِ الضَّمِّ، فَالْقَوْلُ بِالضَّمِّ هُوَ الْمَنْصُوصُ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَيُضَمُّ نَاقِصٌ لِغَيْرِ حَوْلِهِ، وَإِنْ نَاقِصًا عَلَى الْمَنْصُوصِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ ذِكْرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكَلَامِ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يَضُمُّ الْمَعْدِنَ لِلْفَائِدَةِ كَانَتْ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّامِلِ وَمِنْ كَلَامِ جَمَاعَةٍ غَيْرِهِ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ سَنَدٍ مِنْ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ إنَّمَا يَقُولُ بِالضَّمِّ إذَا كَانَ الْمَالُ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَهُ دُونَ النِّصَابِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ثُمَّ اسْتَخْرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ النِّصَابِ لَا يُزَكِّيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ نَقْضٌ عَلَى عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَلَوْ اسْتَخْرَجَ دُونَ النِّصَابِ وَبَعْدَ مُدَّةٍ دُونَ النِّصَابِ لَا يُضَمُّ عِنْدَ الْجَمِيعِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَتَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ تَصْفِيَتِهِ تَرَدُّدٌ) ش: أَيْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ فَنَقَلَ الْبَاجِيُّ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ بِالتَّصْفِيَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ شَيْئًا قَبْلَ التَّصْفِيَةِ، هَلْ يَحْسُبُ جُمْلَتَهُ أَمْ لَا؟ وَعَنْ الْجُزُولِيّ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ الرِّسَالَةِ، وَالثَّانِي لِلسُّلَيْمَانِيَّةِ، قَالَ وَيَبْنِي عَلَيْهِ إذَا أَخْرَجَهُ، وَلَمْ يُصَفِّهِ وَبَقِيَ عِنْدَهُ أَعْوَامًا ثُمَّ صَفَّاهُ فَعَلَى مَا فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ يُزَكِّيهِ زَكَاةً وَاحِدَةً، وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّسَالَةِ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ عَامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص. (وَجَازَ دَفْعُهُ بِأُجْرَةِ غَيْرِ نَقْدٍ) ش: مُرَادُهُ بِأُجْرَةِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِلْعَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكْرَى أَرْضَهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ جَوَازَهُ، وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَحْنُونٍ الْجَوَازُ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ كَمَا لَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا بِطَعَامٍ فِي الْمَشْهُورِ، وَهَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَيْهِ حَمْلُ الشَّارِحِ وَحَمْلُ قَوْلِهِ، وَعَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ وَاعْتُبِرَ مِلْكُ كُلٍّ عَلَى الْفَرْعِ الَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ مَا إذَا أَعْطَى الْمَعْدِنَ لِجَمَاعَةٍ يَعْمَلُونَ عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجَ مِنْهُ لَهُمْ، فَقَالَ سَحْنُونٌ: كَالشُّرَكَاءِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ بَالِغَةٌ حِصَّتُهُ نِصَابًا، وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ وَيَكُونُ سَكَتَ عَنْ فَرْعٍ وَهُوَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ لِوُضُوحِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِ ابْنِ غَازِيٍّ كَلَامَهُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ وَعَلَى الْفَرْعِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ الْفَرْعُ الَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ مَا إذَا أَعْطَى الْمَعْدِنَ لِجَمَاعَةٍ مَسْكُوتًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذِكْرِ فَرْعِ مَا إذَا أَعْطَى لِجَمَاعَةٍ أَمَسُّ مِنْ ذِكْرِ فَرْعِ مَا إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ لِوُضُوحِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاعْتُبِرَ مِلْكُ كُلٍّ) ش: هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَذِنَ لِجَمَاعَةٍ فَفِي ضَمِّ الْجَمِيعِ قَوْلَانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَاهُ إذَا دَفَعَ الْمَعْدِنَ لِجَمَاعَةٍ يَعْمَلُونَ فِيهِ: إمَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَهُمْ، أَوْ عَلَى أَنَّ لَهُ جُزْءًا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَهُمْ بَقِيَّةُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، يَعْنِي فِي دَفْعِهِ بِجُزْءٍ، فَهَلْ يَكُونُونَ كَالشُّرَكَاءِ يُعْتَبَرُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَكُونُ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْهُ كَالْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، انْتَهَى. ص (وَبِجُزْءٍ كَالْقِرَاضِ قَوْلَانِ) ش: الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ لِمَالِكٍ وَنُسِبَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ

فرع ما أصابه النساء والصبيان من ركاز

الْفَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَمُقَابِلُهُ لِأَصْبَغَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَانْظُرْ هَلْ يُزَكَّى هُنَا عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ أَوْ يُعْتَبَرُ مَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي نُدْرَتِهِ الْخُمْسُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِ النَّدْرَةِ مِنْ غَيْرِهَا هُوَ التَّصْفِيَةُ لِلذَّهَبِ وَالتَّخْلِيصُ لَهَا دُونَ الْحَفْرِ وَالطَّلَبِ، فَإِذَا كَانَتْ الْقِطْعَةُ خَالِصَةً لَا تَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصٍ فَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِالرِّكَازِ وَفِيهَا الْخُمْسُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُمَازِجَةً لِلتُّرَابِ وَتَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصٍ فَهِيَ الْمَعْدِنُ وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ، انْتَهَى.، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ النَّدْرَةُ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ " لَا تَكُونُ نُدْرَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخُمْسُ حَتَّى يَكُونَ نِصَابًا " لَمْ أَعِبْهُ، انْتَهَى. ص (كَالرِّكَازِ وَهُوَ دِفْنٌ جَاهِلِيٌّ) ش: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إدْرِيسَ: الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمْسُ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الرِّكَازُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ: الْمَالُ الْمَدْفُونُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّكْزِ بِفَتْحِ الرَّاءِ يُقَالُ: رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ: إذَا دَفَنَهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ " دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ " بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْفَاءِ: الشَّيْءُ الْمَدْفُونُ كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ وَلَا يُرَادُ هُنَا، انْتَهَى. وَمِثْلُهُ الْخِرْصُ بِمَعْنَى الْمَخْرُوصِ ص (أَوْ وَجَدَهُ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ) ش: [فَرْعٌ مَا أَصَابَهُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ رِكَازٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْجِهَادِ فِي مَسْأَلَةِ مَا غَنِمَهُ الْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ، قَالَ التُّونُسِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ نَصَّ خِلَافٍ أَنَّ مَا أَصَابَهُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ رِكَازٍ يُخَمَّسُ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا هُنَا، وَنَصَّهُ التُّونُسِيُّ: لَا خِلَافَ فِي تَخْمِيسِ رِكَازٍ وَجَدَهُ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ، انْتَهَى. ص (إلَّا لِكَبِيرِ نَفَقَةٍ أَوْ عَمِلَ فِي تَخْلِيصِهِ فَقَطْ فَالزَّكَاةُ) ش: فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي

فرع ما كان في جدار من ذهب أو فضة

تَحْصِيلِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّخْلِيصِ أَيْ تَخْلِيصِهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ " فَقَطْ " أَيْ كَبِيرُ الْعَمَلِ أَوْ النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ فِي تَحْصِيلِهِ وَإِخْرَاجِهِ فَقَطْ لَا فِي تَصْفِيَتِهِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ رِكَازٌ، وَالتَّصْفِيَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَعْدِنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ مَا كَانَ فِي جِدَارٍ مِنْ ذَهَبَ أَوْ فِضَّةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَا كَانَ فِي جِدَارٍ مِنْ ذَهَبَ أَوْ فِضَّةٍ لَوْ تَكَلَّفَ إخْرَاجَهُ أَخْرَجَ مِنْهُ بَعْدَ أُجْرَةِ مَنْ يُعْمِلُهُ شَيْئًا فَلْيُزَكِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ إلَّا قَدْرَ عَمَلِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، انْتَهَى. ص (وَكُرِهَ حَفْرُ قَبْرِهِ) ش: أَيْ قَبْرِ الْجَاهِلِيِّ، قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَمَا وُجِدَ فِيهِ مِنْ مَالٍ فَفِيهِ الْخُمْسُ، انْتَهَى. وَبَاقِيهِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَإِنْ جَيْشًا، قَالَ فِي الشَّامِلِ: ثُمَّ لِوَرَثَتِهِمْ، وَقِيلَ: لِلْوَاجِدِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ انْقَرَضُوا فَلِلْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ لِلْفُقَرَاءِ، انْتَهَى. ص (فَلِوَاجِدِهِ) ش: أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ بَلْ وُجِدَ فِي الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ. ص (وَإِلَّا دِفْنُ الْمُصَالِحِينَ فَلَهُمْ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: ثُمَّ لِوَرَثَتِهِمْ فَإِنْ انْقَرَضُوا فَكَمَالٍ جُهِلَ رَبُّهُ فَإِنْ وَجَدَهُ مَنْ مَلَكَهَا عَنْهُمَا فَلَهُ، وَقِيلَ " لَهُمْ "، وَفِي الْأَخِيرِ ثَالِثُهَا لِوَاجِدِهِ فَإِنْ كَانَ دِفْنَ صُلْحِيٍّ فَلَهُ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا فَلَهُمْ، وَذُو عَلَامَةِ إسْلَامٍ وَغَيْرُهُ فَلِوَاجِدِهِ وَيُخَمَّسُ وَمَا جُهِلَ لِعَدَمِ عَلَامَةٍ أَوْ طَمْسِهَا فَلِوَاجِدِهِ وَشُهِرَ، وَقِيلَ: إنْ وُجِدَ بِفَيَافِي الْإِسْلَامِ فَلُقَطَةٌ، أَمَّا مَنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَهُ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَوْ وُجِدَ الرِّكَازُ فِي مَوْضِعٍ جُهِلَ حُكْمُهُ، فَقَالَ سَحْنُونٌ: هُوَ لِمَنْ أَصَابَهُ وَيُخَمَّسُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ - فَرْعٌ - وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِهِ لِأَهْلِ الصُّلْحِ، فَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: " يُخَمَّسُ "، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " لَا يُخَمَّسُ "، انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يَجِدَهُ رَبُّ دَارٍ بِهَا فَلَهُ) ش: مُرَادُهُ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُمْ، نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ. [فَرْعٌ رِكَاز الْأَرْضِ إذَا بِيعَتْ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ رِكَازِ الْأَرْضِ إذَا بِيعَتْ لِمُشْتَرِيهَا أَوْ لِبَائِعِهَا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وَاللَّخْمِيِّ، وَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. ص (وَدِفْنُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لُقَطَةٌ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ الْكُفْرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الدِّفْنَ وَالْكَنْزَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَيْ فَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ وَعَلَيْهِ الْخُمْسُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يُوجَدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ أَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَطُمِسَتْ، فَقَالَ سَنَدٌ: إنَّهُ يَكُونُ لِمَنْ وَجَدَهُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الْمُتَقَدِّمِ فِيمَا إذَا أَوْجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَجْهُولَةٍ بِجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمِلْكَ فِيهِمَا، قَالَ سَنَدٌ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ لُقَطَةٌ إذَا وُجِدَ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُخَمَّسُ، وَلَوْ كَانَ لُقَطَةً مَا خُمِّسَ، قَالَ: وَهَذَا إذَا وُجِدَ فِي الْفَيَافِي فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَإِنَّهُ لَهُ عِنْدَهُمْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ كَانَ لُقَطَةً لَاخْتَلَفَ حُكْمُهُ فِي الْبَيَانِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ خَلِيلٌ وَانْظُرْ كَيْفَ ذَكَرَ سَنَدٌ أَوَّلًا أَنَّ كَوْنَهُ لِلْوَاجِدِ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سَحْنُونٍ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، انْتَهَى، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّامِلِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ كَعَنْبَرٍ فَلِوَاجِدِهِ بِلَا تَخْمِيسٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا

فرع ما غسل من تراب ساحل بحر وجد به ذهب أو فضة معدن

وَمَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَلَمْ يُمْلَكْ كَعَنْبَرٍ وَلُؤْلُؤٍ لِآخِذِهِ دُونَ تَخْمِيسٍ كَصَيْدٍ وَمَا وُجِدَ مِمَّا لَفَظَهُ الْبَحْرُ إنْ كَانَ لِمُسْلِمٍ لُقْطَةٌ وَلِمُشْرِكٍ لُقَطَةُ الْإِمَامِ لَا لِوَاجِدِهِ، وَزَادَ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَمَا شُكَّ فِيهِ لُقَطَةٌ ابْنُ رُشْدٍ مَا لَفَظَهُ مِنْ مَالٍ مَغْصُوبٍ لُقَطَةٌ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ مَا أَلْقَاهُ رَبُّهُ لِنَجَاةِ نَفْسِهِ، وَفِيهَا مَا وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ جَاهِلِيٍّ أَوْ سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ تَصَاوِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلِوَاجِدِهِ مُخَمَّسًا، وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ مِنْ مَمْلُوكٍ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِوَاجِدِهِ مُطْلَقًا خِلَافَ تَفْصِيلِ ابْنِ رُشْدٍ بَيْنَ مَا أُلْقِيَ لِنَجَاةٍ أَوْ كَانَ عَطَبًا ابْنُ بَشِيرٍ وَمَا لَفَظَهُ لِحَرْبِيٍّ إنْ كَانَ مَعَهُ وَأَخَذَهُ بِقِتَالٍ أَوْ لِخَوْفِهِ مِنْ أَخْذِهِ لِعَدَمِ حُصُولِهِ فِي قَبْضَةِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ مُخَمَّسًا، وَإِنْ لَمْ يَخَفْهُ فَلِوَاجِدِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ أُخِذَ بِقِتَالٍ خُمِّسَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَلَوْ رَآهُ أَحَدٌ فَبَادَرَ إلَيْهِ غَيْرُهُ أَوْ جَمَاعَةٌ فَلِلسَّابِقِ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَهَلْ لِمَالِكِهِ أَوْ لِوَاجِدِهِ؟ قَوْلَانِ إلَّا لِحَرْبِيٍّ فَلِوَاجِدِهِ كَانَ أَخْذُهُ مِنْهُ بِقِتَالٍ هُوَ السَّبَبُ وَإِلَّا فَفَيْءٌ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَا غُسِلَ مِنْ تُرَابِ سَاحِلِ بَحْرٍ وُجِدَ بِهِ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةُ مَعْدِنٍ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا مَا غُسِلَ مِنْ تُرَابِ سَاحِلِ بَحْرٍ وُجِدَ بِهِ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةُ مَعْدِنٍ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ مِنْ بَقِيَّةِ مَالٍ جَاهِلِيٍّ وَقَلَّتْ مُؤْنَةُ غَسْلِهِ فَرِكَازٌ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ كَثُرَتْ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ سُيُولٌ مِنْ مَعْدِنٍ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مَعْدِنًا وَالْأَظْهَرُ فَائِدَةً كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي زَيْتُونٍ جَبَلِيٍّ لَمْ يُجْنَ حِيزَ مِنْهُ نِصَابٌ (قُلْتُ) : الْأَظْهَرُ تَخْمِيسُهُ لِنُدْرَةٍ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ أَسْلَمَ دَابَّتَهُ فِي سَفَرٍ آيِسًا مِنْهَا فَأَخَذَهَا مَنْ أَخَذَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَعَاشَتْ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَنْ أَسْلَمَ دَابَّتَهُ فِي سَفَرٍ آيِسًا مِنْهَا أَخَذَهَا مَنْ أَخَذَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَعَاشَتْ ابْنُ رُشْدٍ لِمُسْلِمِهَا إتْيَانُهَا بِنِيَّةِ رَدِّهَا أَخَذَهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا إنْ كَانَ أَشْهَدَ بِذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَتَرَكَهَا بِأَمْنٍ وَمَاءٍ وَكَلَأٍ وَإِلَّا فَفِي تَصْدِيقِهِ ثَالِثَهَا بِيَمِينٍ وَبَيِّنَةِ عَدَمِ رَدِّهَا لَا يَأْخُذُهَا وَبِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي قَوْلَانِ، وَعَلَى الْأَخْذِ فَعَلَى رَبِّهَا نَفَقَةُ آخِذِهَا لَا أَجْرُ قِيَامِهِ عَلَيْهَا إنْ أَقَامَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهَا لِرَبِّهَا فَلَهُ أَجْرُهُ إنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَفِي تَصْدِيقِهِ ثَالِثَهَا بِيَمِينٍ، وَسَمِعَ أَيْضًا لِمَنْ طَرَحَ مَتَاعَهُ خَوْفَ غَرَقِهِ أَخَذَهُ مِمَّنْ غَاصَ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ يَغْرَمُ أَجْرَهَا ابْنُ رُشْدٍ هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وِفَاقًا وَخِلَافًا وَلِسَحْنُونٍ مَنْ أَخْرَجَ ثَوْبًا مِنْ جُبٍّ وَأَبَى رَدَّهُ لِرَبِّهِ فَرَدَّهُ فِيهِ فَطَلَبَهُ رَبُّهُ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهُ ثَانِيَةً وَإِلَّا ضَمِنَهُ مُحَمَّدٌ إنْ أَخْرَجَهُ فَلَهُ أَجْرُهُ إنْ كَانَ رَبُّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِأَجْرٍ وَسَمِعَ أَيْضًا لِمَنْ أَسْلَمَ مَتَاعَهُ بِفَلَاةٍ لِمَوْتِ رَاحِلَتِهِ أَخَذَهُ مِمَّنْ احْتَمَلَهُ بِغُرْمِ أَجْرِ حَمْلِهِ ابْنُ رُشْدٍ أَخَذَهُ حِفْظًا لِرَبِّهِ أَوْ تَمَلُّكًا لِظَنِّهِ تَرْكَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ اغْتِفَالًا فَلَا حَمْلَ لَهُ ابْنُ شَاسٍ وَمَا تُرِكَ بِمَضْيَعَةٍ فَقَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَأَحْيَاهُ فَفِي كَوْنِهِ لِرَبِّهِ أَوْ أَخْذِهِ رِوَايَتَانِ، وَالثَّانِيَةُ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَالسَّمَّاعَاتُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا فِي كِتَابِ اللُّقْطَةِ. (فَائِدَةٌ) وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» ، وَمَعْنَى " يَحْسِرُ " أَيْ يَنْكَشِفَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ نُهِيَ عَنْ أَصْلِهِ مِنْ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَيْسَ بِمَعْدِنٍ وَلَا رِكَازٍ فَحَقُّهُ

فصل مصارف الزكاة

أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، انْتَهَى، وَقَوْلُهُ عَنْ أَصْلِهِ لَعَلَّهُ عَلَى أَصْلِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصَلِّ مصارف الزَّكَاةِ] ص (فَصْلٌ وَمَصْرِفُهَا فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ وَهُوَ أَحْوَجُ) ش: (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فَالْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهَا تُعْطَى لَهُمْ وَتُجْزِئُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْأَصْنَافُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهَا بَلْ لَوْ أُعْطِيت لِصِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: صَرْفُهَا فِي أَحَدِهَا غَيْرِ الْعَامِلِ مُجْزِئٌ عَلَى إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّامِلِ وَالْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصُدِّقَا إلَّا لِرِيبَةٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَصُدِّقَ مَنْ ادَّعَاهُمَا أَيْ الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ إلَّا لِرِيبَةٍ وَبَيَّنَ ذَهَابَ مَالٍ عُرِفَ بِهِ، وَإِنْ ادَّعَى عِيَالًا لِيَأْخُذَ لَهُمْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ كَشَفَ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ ادَّعَى دَيْنًا بِبَيِّنَةٍ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّرْفِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ مَا خَفِيَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ صُدِّقَ مَا لَمْ يَشْهَدْ ظَاهِرُهُ بِخِلَافِهِ، أَوْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْمَوْضِعِ وَيُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ فَيُكْشَفُ، وَالْغَازِي مَعْلُومٌ بِفِعْلِهِ فَإِنْ أُعْطِيَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُوَفِّ اسْتَرَدَّ وَيُطَالِبُ الْغَارِمَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّيْنِ وَالْعُسْرِ إنْ كَانَ مِنْ مُبَايَعَةٍ إلَّا إذَا كَانَ طَعَامَ أَكْلِهِ، وَابْنُ السَّبِيلِ يُكْتَفَى فِيهِ بِهَيْئَةِ الْفَقْرِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَدَمُ كِفَايَةٍ بِقَلِيلٍ أَوْ إنْفَاقٍ أَوْ صَنْعَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَنْ يَكُونَ عَادِمًا لِلْكِفَايَةِ: إمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَا لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ صَنْعَةٌ، أَوْ

يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيهِ أَوْ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ نَفَقَةً لَا تَكْفِيهِ أَوْ لَهُ صَنْعَةٌ لَا كِفَايَةَ لَهُ فِيمَا يَحْصُلُ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ اتِّفَاقًا وَأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ مَلِيًّا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَا تَلْزَمُ وَلَكِنَّهُ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّهُ يَلْحَقُ الْمُلْتَزِمَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بِمَنْ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْتِزَامُهُ لَهَا صَرِيحًا أَوْ بِمُقْتَضَى الْحَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَرَابَتِهِ أَوْ لَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ انْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ أَوْ الْكِسْوَةُ عَنْ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَلِيءُ يُجْرِيهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ بِالْحُكْمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَا لَوْ كَانَ الْمَلِيءُ لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ أَوْ تَعَذَّرَ الْحُكْمُ، انْتَهَى. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ عَنْ السُّيُورِيِّ: مَنْ لَهُ وَلَدٌ غَنِيٌّ وَأَبَى مِنْ طَلَبِ نَفَقَتِهِ مِنْهُ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْبُرْزُلِيُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحُكْمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ فَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا كَانَ رَجُلٌ فَقِيرٌ وَلَهُ أَبٌ غَنِيٌّ لَا يَنَالُهُ رِفْقُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ يَنَالُهُ رِفْقُهُ فَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَنَالُهُ رِفْقُ أَحَدٍ أَوْلَى أَنْ يُؤْثَرَ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ " أَوْلَى أَنْ يُؤْثَرَ يَدُلُّ " عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " يَنَالُهُ رِفْقُهُ " يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لَهُ بِالْكِفَايَةِ فَلَوْ الْتَزَمَ لَهُ بِالْكِفَايَةِ لَمْ يُعْطَ. (الثَّانِي) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ مَنْ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَكْسُوهُ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى ضَرُورِيَّاتٍ أُخَرَ لَا يَقُومُ لَهُ بِهَا الْمُنْفِقُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا يَسُدُّ بِهِ ضَرُورِيَّاتِهِ الشَّرْعِيَّةَ فَقَدْ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ كَافِلِ يَتِيمَةٍ تَخْدُمُهُ وَهُوَ يُطْعِمُهَا وَيَكْسُوهَا، هَلْ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَرْتَفِقُ بِهِ فِي كِسْوَتِهَا أَوْ تَتَجَمَّلُ بِهِ فِي الْعِيدِ أَوْ مَتَى تَزَوَّجَتْ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ لَيْسَ عَنْ مِثْلِ هَذَا تَسْأَلُنِي مَعَ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي عِنْدَك فَلَعَلَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَوْجُودٌ عِنْدَكَ الْبُرْزُلِيُّ لَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا وَأَحَالَهُ عَلَى مَا قَيَّدَهُ، وَاَلَّذِي سَمِعْت عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَأَظُنُّ أَنَّى قَيَّدْتُهُ مِنْهُ أَنَّهَا تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَصْلُحُهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ، وَالْأَمْرِ الَّذِي يَرَاهُ الْقَاضِي حَسَنًا فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ، قَالَ: وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ أَنَّهُ إنْ قَابَلَ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ خِدْمَتَهَا فَلَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ يَصُونُ بِهَا مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَخْدُمْهُ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا فَلَا تُعْطَى أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ غَيْرُهَا أَشَدَّ حَاجَةً مِنْهَا فَلَا يُعْطِيهَا، وَإِنْ اسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فَغَيْرُهَا مِمَّنْ يَصْرِفُهَا فِي أَهَمِّ مِمَّا تَصْرِفُهُ هِيَ فِيهِ خَيْرٌ، وَإِنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهَا عَنْ غَيْرِهَا أُعْطِيت مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ النِّكَاحِ، انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ النَّوَادِرِ فِي قَوْلِهِ " وَدَفَعَ أَكْثَرَ مِنْهُ ". (الثَّالِثُ) يُعْطَى الْمَحْجُورُ مِنْ الزَّكَاةِ وَتُدْفَعُ لِوَلِيِّهِ وَيُدْفَعُ لَهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ فَقِيرٍ خَالَطَ عَقْلَهُ شَيْءٌ هَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ؟ ، وَكَذَا قَلِيلُ الصَّلَاةِ؟ فَأَجَابَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ عَنْهُ وَيُعْطَى لِوَلِيِّهِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي عَقْلِهِ فَيُعَادُ السُّؤَالُ عَلَيْهِ، وَقَلِيلُ الصَّلَاةِ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْبُرْزُلِيُّ لَمْ تَجِبْ عَلَى مَنْ يَفْقِدْ عَقْلَهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَجَوَابُهُ إنْ كَانَتْ حَالَتُهُ وَقْتَ الصَّحْوِ كَحَالَةِ الصَّحِيحِ الرَّشِيدِ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يُضْرَبُ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُ مَالَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَحْجُورِ يُعْطَى الْقَلِيلُ الَّذِي يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَلِوَلِيِّهِ الْكَثِيرُ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الضَّرُورَةِ، وَأَمَّا جَوَابُهُ فِي مُضَيِّعِ الصَّلَاةِ فَعَلَى وَجْهِ الشِّدَّةِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ لَمَضَى انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَرَوَى الْمُغِيرَةُ لَا يُجْرِيهَا عَلَى الْأَيْتَامِ الْبُرْزُلِيُّ قَيَّدْنَا عَنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُخْرِجَهَا لَهُمْ كِسْوَةً وَطَعَامًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ، وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهَا

بِعَيْنِهَا وَعَيَّنَهَا لَهُمْ صَحَّ لَهُ صَرْفُهَا عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ أَهْلُ الْهَوَى الْخَفِيفِ الَّذِي يُبَدَّعُ صَاحِبُهُ وَلَا يُكَفَّرُ كَتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ كَالْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ فَمَنْ كَفَّرَهُمْ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَمْ يُجِزْ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ الزَّكَاةِ، وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَجَازَ أَنْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا نَزَلَتْ بِهِمْ حَاجَةٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَمِنْ الْبِدَعِ مَا لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّهُ كُفْرٌ، كَمَنْ يَقُولُ: إنَّ عَلِيًّا هُوَ النَّبِيُّ وَأَخْطَأَ جِبْرِيلُ. وَمَنْ يَقُولُ: فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولَانِ نَاطِقٌ وَصَامِتٌ وَكَانَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاطِقًا وَعَلِيٌّ صَامِتًا، وَمَنْ يَقُولُ: الْأَئِمَّةُ أَنْبِيَاءٌ يَعْلَمُونَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، فَهَؤُلَاءِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ بِإِجْمَاعٍ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُعْطَى تَارِكُ الصَّلَاةِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ مَنْ فَعَلَهُ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ وَهُوَ بَعِيدٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَلَمْ يُجِزْ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُعْطَاهَا تَارِكَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ مَنْ فَعَلَهُ، وَهَذَا قَوْلٌ انْفَرَدَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَوْلَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَوْا إذَا كَانَ فِيهِمْ الْحَاجَةُ الْبَيِّنَةُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ جَمِيعَ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا، وَنَصَّهُ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ: لَا يُعْجِبُنِي إعْطَاؤُهَا ذَا هَوًى إلَّا خَفِيفَهُ الْإِخْوَانُ لَا يُعْطَى ذَا هَوًى وَمَنْ فَعَلَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَتْهُ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: يُعْطَى أَهْلُ الْأَهْوَاءِ إنْ احْتَاجُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ خَفَّ هَوَاهُمْ كَتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالْقَدَرِيُّ وَالْخَارِجِيُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَكْفِيرِهِمْ. وَمَنَعَهَا ابْنُ حَبِيبٍ غَيْرَ الْمُصَلِّي عَلَى أَصْلِهِ " الشَّيْخُ الْمُصَلِّي أَوْلَى مِنْهُ وَيُعْطَى إنْ كَانَ ذَا حَاجَةٍ بَيِّنَةٍ " وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْبُرْزُلِيِّ فِي جَوَابِ السُّيُورِيِّ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ فِي قَلِيلِ الصَّلَاةِ: إنَّهُ لَا يُعْطَى عَلَى وَجْهِ الشِّدَّةِ، وَلَوْ أُعْطِيَ لَمَضَى، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ: وَمِثْلُهُ أَهْلُ الْمُجُونِ وَالْمَعَاصِي إذَا كَانُوا يَصْرِفُونَ الزَّكَاةَ فِي مَحِلِّهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِمْ، وَلَوْ كَانُوا يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ لَا تُرْضَى غَالِبًا فَلَا تُعْطَى لَهُمْ، وَلَا تُجْزِئُ مَنْ أَعْطَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَا يُحِلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُكَفِّرُ تَارِكَ الصَّلَاةِ فَلَا تُجْزِئُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ يُسْلَكُ بِهِمْ هَذَا الْمَسْلَكُ الَّذِي أَصَّلْنَاهُ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْبَغَ وَنَقَلَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ بَعْدَ هَذَا: وَدَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْأَصْلَحِ حَالًا أَوْلَى مِنْ دَفْعِهَا إلَى سَيِّئِ الْحَالِ إلَّا أَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَيُعْطَى، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُعْطَى يُنْفِقُهَا فِي الْمَعْصِيَةِ فَلَا يُعْطَى وَلَا تُجْزِئُ إنْ وَقَعَتْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ فِي أَيْتَامٍ تَحِلُّ لَهُمْ زَكَاةٌ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُ مُصَلٍّ وَلَا مُنْفِقَ فَيُحْرَمُونَ مِنْ أَجْلِهِ؟ فَأَجَابَ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ وَيَأْكُلُ خَادِمُهُمْ مِنْهَا بِالْإِجَارَةِ، وَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا، انْتَهَى. (السَّادِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ وَجْهِ إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ فِي الْأَصْنَافِ: رَوَى عَلِيٌّ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ يَغِيبُ عَنْهَا زَوْجُهَا غَيْبَةً بَعِيدَةً فَتَحْتَاجُ وَلَا تَجِدُ مُسَلِّفًا فَلْتُعْطَ مِنْهَا، انْتَهَى. يَعْنِي مِنْ الزَّكَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ يُعْلَمُ أَنَّ زَوْجَهَا مُوسِرٌ وَإِلَّا فَتُعْطَى وَلَوْ وَجَدَتْ مَنْ يُسَلِّفهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيّ حُكْمُ أَهْلِ الْمُجُونِ وَمَنْ يَصْرِفُ الزَّكَاةَ فِي الْمَعَاصِي، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَمْ يُعْطَ بِالْفَقْرِ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مِثْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ تُعْلَمَ مِنْهُ تَوْبَةٌ أَوْ يُخَافَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. ص (وَعَدَمُ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الَّذِي يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ عَادِمًا لِبُنُوَّةِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَيْ لَا يَكُونُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَعَمَّمْنَا هَذَا الشَّرْطَ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، وَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ إلَّا الْمُؤَلَّفَةَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ فِيهِمْ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ " الْمُطَّلِبِ " الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ أَخُو هَاشِمٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ

عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ حَتَّى اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ بُنُوَّةَ هَاشِمٍ كَافِيَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، بَلْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ: لَمْ يُعْقَبْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إلَّا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْآلُ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، هُوَ قَوْلٌ عَزَاهُ فِي الْإِكْمَالِ لِبَعْضِ شُيُوخِ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَكَرَهُ الرَّجْرَاجِيُّ، وَلَمْ يَعْزُهُ، وَاقْتَصَرَ عِيَاضٌ عَلَيْهِ فِي قَوَاعِدِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ: هُوَ الْمَذْهَبُ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي الْمِعْيَارِ: وَسُئِلَ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ رَجُلٍ شَرِيفٍ هَلْ يواسى بِشَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ، وَحَالَةُ هَذَا الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَفَاءِ عِنْدَنَا لَا سِيَّمَا مَنْ لَهُ عِيَالٌ تَحْتَ فَاقَةٍ، فَالْمُرَادُ مَا نَعْتَمِدُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَتِكُمْ فَإِنِّي وَقَفْت عَلَى جَوَابٍ لِلْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ قِيلَ فِيهِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَبِذَلِكَ احْتَجَجْت عَلَى مَنْ تَكَلَّمْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ طَلَبَةِ بَلَدِنَا، فَقَالُوا لِي: إنْ وَقَفْنَا عَلَى هَذَا وَشِبْهِهِ مَاتَ الشُّرَفَاءُ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَهَالِيهمْ هُزَالًا فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ قَصَّرُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي حُقُوقِهِمْ، وَنِظَامُ بَيْتِ الْمَالِ وَصَرْفُ مَالِهِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهِ فَسَدَ، وَالْأَحْسَنُ عِنْدِي أَنْ يُرْتَكَبَ فِي هَذَا أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي حَفَدَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا فَعَارَضَنِي بِمَا (قُلْتُ) لَكُمْ وَبِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَلِكَ فِي الْأَجْوِبَةِ فَأَجَابَ: الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا كَمَا عَلِمْتُمْ، وَالرَّاجِحُ عِنْدِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُعْطَى وَرُبَّمَا كَانَ إعْطَاؤُهُ أَفْضَلَ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَازُونِيَّةِ وَعَنْهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَعَبْدُ مَنَافٍ اسْمُهُ الْمُغِيرَةُ، وَمَنَافٌ اسْمُ صَنَمٍ أُضِيفَ " عَبْدُ " إلَيْهِ وَلَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ أَرْبَعَةٌ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ أَشِقَّاءُ، وَالرَّابِعُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَحَسَبٍ عَلَى عَدِيمٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَقِيرٍ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَحْسِبَهُ عَلَيْهِ فِي زَكَاتِهِ، قَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُ تَاوٍ وَلَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ لَهُ قِيمَةُ دُونٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ لَا يُعْجِبُنِي عَلَى الْمَنْعِ، وَقَوْلُ الْغَيْرِ تَفْسِيرٌ وَتَتْمِيمٌ، قَالَ: وَفِي الْحَوَاشِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَاوِيًا يُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ إذْ لَوْ قَامَ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ لَبِيعَتْ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: عَلَى يَتِيمَةٍ رُبْعُ دِينَارٍ يُحْتَسَبُ بِهِ فِي مَهْرِهَا وَيَتَزَوَّجُهَا الشَّيْخُ، وَهَذَا غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَاوِيًا فَإِنَّ قِيمَتَهُ دُونٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ، وَقِيمَتُهُ دُونٌ إذْ هُوَ كَالْعَرْضِ فَلَا يَحْسُبُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ عَلَى يَتِيمَةٍ رُبْعُ دِينَارٍ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ عَلَيْهَا فِي مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ النِّصَابِ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ " عَلَى عَدِيمٍ " مَفْهُومٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَالتَّاوِي: الْهَالِكُ، وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ، وَقَدْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لَهُ فِي زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَاوٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَذَا عِنْدِي لَوْ أَعَارَ رَجُلٌ شَيْئًا لِمَنْ يَرْهَنُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَفُكُّ بِهِ مَا أَعَارَهُ وَلَا يُتَّهَمُ أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْرُوفَيْنِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يُحْسَبُ فِي دَيْنٍ عَلَى فَقِيرٍ، وَمَنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ بِنَاءً عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ الْمَنْعِ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ، انْتَهَى. ص (وَجَازَ لِمَوْلَاهُمْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالشَّاذُّ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ نَافِعٍ وَأَصْبَغَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ بِقَوْلِ أَصْبَغَ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْحَبْنِي فِيمَا نُصِيبُ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلَهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَلَا لِمَوَالِينَا»

فرع هل يعطي الفقيه من الزكاة إذا كانت له كتب يحتاج إليها

وَهُوَ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَبِقَوْلِ أَصْبَغَ قَطَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَهُوَ الثَّالِثُ لِرَبِيعَةَ، وَنَصُّهُ: قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَمَّا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فَلَا تَحِلُّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِبَنِي هَاشِمٍ وَلَا لِمَوَالِيهِمْ، لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إنَّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَهَذَا خِلَافُ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا» ، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، انْتَهَى. فَهَذَا مِنْ إجْمَاعَاتِهِ، وَقَدْ حَذَّرُوا مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ الَّذِي لَهُ صَنْعَةٌ غَيْرُ كَاسِدَةٍ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ وَمَنْ لَا صَنْعَةَ لَهُ، أَوْ لَهُ صَنْعَةٌ وَكَسَدَتْ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقَوْلَيْنِ، كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَمَالِكُ النِّصَابِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ وَلَا فَضْلَ فِي ثَمَنِهِمَا مِمَّنْ سِوَاهُمَا أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ لَمْ يُعْطَ وَيُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، إنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ لِكَثْرَةِ عِيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ أَبُو الْحَسَنِ، قَوْلُهُ " فِيهِمَا فَضْلٌ " يُرِيدُ فَضْلًا يُغْنِيهِ لَوْ بَاعَهُمَا وَاشْتَرَى غَيْرَهُمَا، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إنْ كَانَ يَفْضُلُ مِنْ ثَمَنِهِمَا عِشْرُونَ دِينَارًا لَمْ يُعْطَ، انْتَهَى، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ مَالِكَ النِّصَابِ لَا يُعْطَى أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ جَعَلَهُ هُنَا إنْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَفِي الْأَيْمَانِ مَنْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَأَخْذَ الزَّكَاةِ حَقٌّ لَهُ وَالْغِنَى الْمَرَاعِي الْعَيْنُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ أَوْ فَضْلَةُ بَيْتِهِ عَلَى الْقُنْيَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لَا فَضْلَةَ فِيهِمَا، أَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلَةٌ يَسِيرَةٌ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ فَضْلَةٌ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعْطَ انْتَهَى، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَاتِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَنْ لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثْرَةُ الثَّمَنِ فِيهِ فَضْلٌ، انْتَهَى. وَفِي ابْنِ يُونُسَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ وَالْفَرَسُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ هَذَا فِي بَلَدٍ يَحْتَاجُ فِيهِ لِلْفَرَسِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ هَلْ يُعْطِي الْفَقِيه مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ لَهُ كَتَبَ يَحْتَاج إلَيْهَا] (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَهَلْ يُعْطَى مِنْهَا الْفَقِيهُ إذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَمَا يَحْتَاجُ الْمُجَاهِدُ لِلْفَرَسِ، وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيَهُ النَّظَرُ؟ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ لِلْفَقِيهِ الَّذِي عِنْدَهُ كُتُبٌ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ عُمَرَ، وَقَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ، انْتَهَى، وَيَعْنِي بِهِ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ وَبَعْدَهُ فِي التَّوْضِيحِ اللَّخْمِيُّ. وَنَقَلَ عَنْهُ كَلَامًا آخَرَ فَيُتَوَهَّمُ كَثِيرٌ أَنَّهُ عَزَاهُ لِلَّخْمِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي الْبُرْزُلِيِّ فِي جُمْلَةِ سُؤَالٍ سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ مَا نَصُّهُ: فَلَوْ كَانَتْ لَهُ كُتُبُ فِقْهٍ قِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ، فَقَالَ: هَذَا لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا الْبُرْزُلِيُّ، كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ فَيَأْخُذُهَا، وَلَوْ كَثُرَتْ كُتُبُهُ جِدًّا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَابِلِيَّةٌ فَلَا يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ تَكُونَ كُتُبُهُ عَلَى

فرع اليتيمة تعطى من الزكاة ما تصرفه في ضروريات النكاح

قَدْرِ فَهْمِهِ خَاصَّةً فَتُلْغَى، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَعَلَى الْمَنْعِ فَهِيَ كَالْعَدَمِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ: فَلَا نَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالشَّرْعُ لَا يُجْبِرُ عَلَى مَكْرُوهٍ الْبُرْزُلِيُّ وَلَعَلَّهَا تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدِهِ فِي غَيْبَتِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْجُزُولِيِّ الشَّيْخُ، وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ هَلْ يُعْطَى أَوْ تُبَاعُ عَلَيْهِ؟ . فَإِنْ كَانَتْ كُتُبَ التَّارِيخِ تُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلطِّبِّ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ طَبِيبٌ غَيْرُهُ بِيعَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ طَبِيبٌ لَا تُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْفِقْهِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُرْجَى إمَامَتُهُ أُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُرْجَى إمَامَتُهُ تُبَاعُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لَا تُبَاعُ وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَنْ لَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ وَفَرَسٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ فِي عَقْلِهِ فَضْلَةٌ، وَكَانَ مُدَرِّسًا فَقِيهًا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَالْأَحْسَنُ فِي هَذَا أَنْ يَأْخُذَ، وَأَمَّا كُتُبُ النَّحْوِ وَالْأَدَبِ فَلَيْسَتْ مِثْلَهَا، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ بِلَفْظِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَهُوَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ [فَرْعٌ الْيَتِيمَةَ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَصْرِفُهُ فِي ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ] (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ الْيَتِيمَةَ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَصْرِفُهُ فِي ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ وَالْأَمْرِ الَّذِي يَرَاهُ الْقَاضِي حَسَنًا فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ فَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَيْسَ مَعَهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْحُلِيِّ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ لِمَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي عَشَرَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ» الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ لِمَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَالْأُوقِيَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْفِضَّةُ دُونَ الذَّهَبِ وَغَيْرِ، هَذَا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ هَذَا الْحَدُّ وَالْعَدَدُ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَهُوَ مُلْحِفٌ، وَالْإِلْحَافُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْإِلْحَاحُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، وَالْإِلْحَاحُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ مَذْمُومٍ، فَقَالَ: مَدَحَ اللَّهُ قَوْمًا، فَقَالَ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ، وَلِهَذَا قُلْت: إنَّ السُّؤَالَ لِمَنْ مَلَكَ هَذَا الْقَدْرَ مَكْرُوهٌ، وَلَمْ أَقُلْ إنَّهُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَحِلُّ يَحْرُمُ الْإِلْحَاحُ فِيهِ وَغَيْرُ الْإِلْحَاحِ، وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا تَحِلُّ الزَّكَاةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ،، وَأَمَّا غَيْرُ الزَّكَاةِ مِنْ التَّطَوُّعِ فَجَائِزٌ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، ثُمَّ قَالَ: الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِهِ يَعْنِي مَالِكًا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي الْغَنِيِّ حَدًّا لَا يُتَجَاوَزُ إلَّا عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ يُرَدُّ مَا يُعْطَى لِلْمِسْكِينِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ إلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ، ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَيْضًا «أَعْطُوا السَّائِلَ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ مِنْ أَحَادِيثِ رَبِيعَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ» يُرِيدُ: الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَغَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، إلَّا أَنَّ التَّنَزُّهَ عَنْهَا حَسَنٌ وَقَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَسْأَلَتُهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا، انْتَهَى. وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَصَّارُ: مَنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَقُومُ بِهِ لِأَدْنَى عَيْشٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَالْمَسْأَلَةُ لَهُ حَلَالٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ مَا يَقُومُ بِعَيْشِهِ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ (قُلْت) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا حَدِيثُ «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا» فَمَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ عِنْدَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ السُّؤَالِ وَلَعَلَّهَا لَا تَكُونُ غَنَاءٌ لِمِثْلِهِ، وَأَمَّا إعْطَاؤُهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ لِكُلِّ فَقِيرٍ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ فَمَنْ كَانَ غَنِيًّا مُتَكَفِّفًا لَمْ

يَجُزْ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا وَالْغِنَى فِي النَّاسِ مُخْتَلِفٌ فَمِنْهُمْ مِنْ يُغْنِيهِ الْقَلِيلُ لِقِلَّةِ عِيَالِهِ وَخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَا يُغْنِيهِ إلَّا الْكَثِيرُ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَشِدَّةِ مُؤْنَتِهِ فَهَذَا مِمَّا يُجْتَهَدُ فِيهِ، وَأَمَّا إعْطَاءُ الْفَقِيرِ مَا يُغْنِيهِ أَوْ يَزِيدُ عَلَى غِنَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ مَا أَخَذَ كَانَ فَقِيرًا، وَالصَّدَقَةُ مُبَاحَةٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْنَا فِيهَا حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ، وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي بَابِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ مَا نَصُّهُ - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ - وَقَدْ يَكُونُ السُّؤَالُ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَمَّا وُجُوبُهُ فَلِلْمُحْتَاجِ، وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَأَنْ يَعْنِيَهُ وَتَتَبَيَّنَ حَاجَتُهُ إنْ اسْتَحْيَا هُوَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ بَيَانُهُ أَنْفَعَ وَأَنْجَحَ مِنْ بَيَانِ السَّائِلِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ لِغَيْرِهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، انْتَهَى. وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَغَارِبَةِ مَا صُورَتُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ الْإِنْسَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَخْذِ الصَّدَقَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: طَالِبٌ لَهَا، وَغَيْرُ طَالِبٍ فَالطَّالِبُ لَهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: مُحْتَاجٌ، وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ فَالْمُحْتَاجُ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مُطْلَقًا وَغَيْرُ الْمُحْتَاجِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ مُطْلَقًا، وَأَعْنِي بِالْمُطْلَقِ سَوَاءٌ كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ تَطَوُّعًا، وَأَعْنِي بِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى طَلَبِ التَّطَوُّعِ أَوْ قُوتُ سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى طَلَبِ الْوَاجِبِ وَالْمُحْتَاجُ عَلَى عَكْسِهِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ غَيْرُ الطَّالِبِ لَهَا عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا: مُحْتَاجٌ، وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ فَالْمُحْتَاجُ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ وَغَيْرُ الْمُحْتَاجِ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا قَدْرُ الْمَأْخُوذِ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ فَلَا حَدَّ لَهُ وَلَا غَايَةَ، انْتَهَى. مَا رَأَيْتُهُ وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْزُوٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَدَفْعُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَكِفَايَةُ سَنَةٍ) ش، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا أُعْطِيَ الْمُحْتَاجُ فَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ: ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَيُعْطِيهِ قُوتَ سَنَةٍ بِقَدْرِ الْمَقْسُومِ، وَقَدْ تَقِلُّ الْمَسَاكِينُ وَتَكْثُرُ، وَرَوَى الْمُغِيرَةُ لَا يُعْطَى نِصَابًا، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِوَصْفِ الْفَقْرِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْطِيهِ قُوتَ السَّنَةِ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ زَادَهُ ثَمَنَ الْعَبْدِ وَمَهْرَ الزَّوْجَةِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ يُعْطَى الْغَارِمُ قَدْرَ دَيْنِهِ وَالْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ كِفَايَتَهُمَا وَكِفَايَةَ عِيَالِهِمَا وَالْمُسَافِرُ قَدْرَ مَا يُوصِلُهُ إلَى مَقْصِدِهِ أَوْ مَوْضِعِ مَالِهِ وَالْغَازِي قَدْرَ مَا يَقُومُ بِهِ حَالَةَ الْغَزْوِ وَالْمُؤَلَّفُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَامِلُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، وَمَنْ جَمَعَ صِنْفَيْنِ اسْتَحَقَّ سَهْمَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بِالِاجْتِهَادِ، قَالَ سَنَدٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعْطَى مِنْهَا الْعَامِلُ بِقَدْرِ كَثْرَةِ عَمَلِهِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ التَّحْصِيلِ وَقِلَّتِهِ، انْتَهَى. وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي دَفْعِهَا جَمِيعِهَا لِلْعَامِلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ، وَفِي النَّوَادِرِ رَوَى عَلِيٌّ وَابْنُ نَافِعٍ كَمْ أَكْثَرُ مَا يُعْطَى الْفَقِيرُ مِنْهَا وَالصَّدَقَةُ وَاسِعَةٌ؟ قَالَ لَا حَدَّ فِيهِ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ مُتَوَلِّيهَا، قِيلَ: فَيُعْطِي قَاسِمُهَا لِلْفَقِيرِ قُوتَ سَنَةٍ ثُمَّ يَزِيدُهُ الْكِسْوَةَ، قَالَ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ كَثْرَةِ الْحَاجَةِ وَقِلَّتِهَا، ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا وَالْمُسَدِّدُ لَهُ قُوتُ شَهْرٍ يُعْطَى تَمَامَ قُوتِ سَنَةٍ؟ قَالَ: يُعْطَى بِالِاجْتِهَادِ، وَقَدْ يَكُونُ أَفْقَرَ مَنْ يُوجَدُ فَيُعْطَى وَقَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ أَحْوَجَ فَيُؤْثَرُ الْأَحْوَجُ، ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا، قِيلَ: وَالْفَقِيرُ يُعْطَى مِنْهَا الشَّيْءَ الْكَثِيرَ، مِثْلُ الْعَبْدِ أَوْ مَا يَنْكِحُ بِهِ، قَالَ: إنْ كَانَ يَبِيعُ ذَلِكَ لِلْمَسَاكِينِ فَيُعَانُوا بِذَلِكَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا حَظَّ مَسَاكِينَ كَثِيرَةٍ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الْوَاسِعِ، انْتَهَى. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ سَأَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ شَيْخٍ زَمِنٍ لَهُ بَيْتٌ يُكْرِيهِ بِنَحْوِ الدِّرْهَمَيْنِ فِي الشَّهْرِ وَغُرْفَةٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهُ أَتَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ إلَّا مِنْ كِرَاءِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَلَا يَكْفِيهِ؟ فَأَجَابَ: إذَا كَانَ كَسْبُ الشَّيْخِ مَا ذَكَرْت فَهُوَ فِي عِدَادِ الْفُقَرَاءِ فَيَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ وَالْفُطْرَةَ الْبُرْزُلِيُّ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ بَيْعَ الْبَيْتِ وَأَكْلَهَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَا يَكْفِيهِ فَأَشْبَهَ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ الْقَلِيلُ، انْتَهَى. وَيَأْتِي عَنْ النَّوَادِرِ فَرْعٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ جَازَ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ ص (وَفِي جَوَازِ دَفْعِهَا لِمَدِينٍ ثُمَّ أَخَذَهَا تَرَدُّدٌ) ش: هَذَا إذَا لَمْ يُوَاطِئْهُ عَلَى رَدِّهَا فَإِنْ وَاطَأَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا مَعَ

عَدَمِ التَّوَاطُؤِ فَهُوَ مَحِلُّ التَّرَدُّدِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ الْمَنْعُ، لَكِنَّ الْجَوَازَ أَظْهَرُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الزَّكَاةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ دَيْنِهِ خَلِيلٌ، وَانْظُرْ هَلْ هَذَا مَعَ التَّوَاطُؤِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَمَّا مَعَ التَّوَاطُؤِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يُعْطِ شَيْئًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ " لَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا جَازَ أَخْذُهَا مِنْهُ فِي دَيْنِهِ خِلَافُ تَعْلِيلِ الْبَاجِيِّ، وَرَأَيْت ابْنَ حَبِيبٍ مَنَعَ إعْطَاءَ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِأَنَّهُ كَمَنْ دَفَعَ صَدَقَتَهُ لِغَرِيمِهِ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ (قُلْت) : الْأَظْهَرُ أَنَّ أَخْذَهُ بَعْدَ إعْطَائِهِ لَهُ طَوْعُ الْفَقِيرِ دُونَ تَقَدُّمِ شَرْطِ إجْزَائِهِ وَكُرِهَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مَا يُوَارِيه مِنْ عِيشَةِ الْأَيَّامِ، وَإِلَّا فَلَا كَقَوْلِهَا فِي قِصَاصِ الزَّوْجَةِ بِنَفَقَتِهَا فِي دَيْنٍ عَلَيْهَا، وَيُشْتَرَطَ لِمَنْ لَمْ يُعْطِهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَوْ أَعْطَاهَا لَهُ جَازَ أَخْذُهَا مِنْهُ فِي دَيْنِهِ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ كَرْهًا وَهُوَ مُكْفَى جَازَ، وَكَذَا إنْ أَعْطَاهَا لَهُ طَوْعًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ أَعْطَاهَا لَهُ بِشَرْطِ رَدِّهَا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، انْتَهَى. ص (وَجَابٍ وَمُفَرِّقٌ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالْكَاتِبُ وَالْخَارِصُ وَالْقَاسِمُ مِثْلُهُ، انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِي الْخِرَاصَةِ الْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَحْضَةٌ، وَنَقَلَهَا فِي التَّوْضِيحِ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَلَا أَنْ يُنْفِقَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ وَإِلَّا جَازَ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ فِي الْأَصْنَافِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى الصَّدَقَةِ عَبْدٌ وَلَا نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُمَا مَا أَخَذَا وَأُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ غَنَائِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ اسْتَعْمَلَ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَأُجْرَتُهُمَا مِنْ الْفَيْءِ لَا مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَيُرَدُّ مَا أَخَذَا مِنْهَا. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: (قُلْتُ) : فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ لَهُ عَلَيْهَا مِدْيَانًا أَيَأْخُذُ مِنْهَا مِثْلَ مَا يَأْخُذُ الْغَارِمُونَ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ السُّلْطَانُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا قَالَ: أَوْ الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ إذَا كَانَ مِدْيَانًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كَمَا يَأْخُذُ الْغَارِمُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْسِمُهَا فَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ أَجْلِ دَيْنِهِ سِوَى مَا يَجِبُ لَهُ بِعِمَالَتِهِ، انْتَهَى مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ. ص (وَأَخَذَ الْفَقِيرُ بِوَصْفَيْهِ) ش: وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَمَعَ وَصْفَيْنِ أَخَذَ بِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الذَّخِيرَةِ. (تَنْبِيهٌ)

فرع صرف الزكاة في كفن ميت أو بناء مسجد أو لكافر

إنَّمَا يُعْطَى الْعَامِلُ بِوَصْفَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَظِّهِ لِأَجْلِ الْعَمَلِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا عَقْدَ حُرِّيَّةٍ فِيهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ ابْتَاعَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا مِنْ الزَّكَاةِ فَأَعْتَقَهُ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ لَا يُجْزِئُ وَيُرَدُّ وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُجْزِئُهُ ص (وَإِنْ اشْتَرَطَهُ لَهُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْعِتْقَ صَحِيحٌ وَلَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْزِئُهُ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَقَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى رَقَبَةً مِنْ زَكَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: هِيَ حُرَّةٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُهَا لِي كَانَ وَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ مُجْزِئٌ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ: حُرٌّ عَنِّي وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَ الْإِجْزَاءَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَمْلِكُهُ، فَقَالَ: هُوَ حُرٌّ عَنِّي وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى. ص (أَوْ فَكَّ أَسِيرًا) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ قَائِلًا: هُوَ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ فَكِّ الرِّقَابِ الَّتِي بِأَيْدِينَا، وَوَافَقَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. (فَرْعٌ) لَوْ أَخْرَجَهَا فَأُسِرَ قَبْلَ صَرْفِهَا جَازَ فِدَاؤُهُ بِهَا، وَلَوْ افْتَقَرَ لَمْ يُعْطِهَا وَفَرَّقَ بِعَوْدِهَا لَهُ وَفِي الْفِدَاءِ لِغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَارِثٍ لَوْ أُطْلِقَ أَسِيرٌ بِفِدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ أُعْطِيَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ قَدَّاحٍ: أَمَّا إنْ قَاطَعَ الْأَسِيرُ عَلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، انْتَهَى.، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ وَطَلَبَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ أَنَّهُ يُعْطَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ ابْنِ عَرَفَةَ وَمِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ غَارِمٌ. [فَرْعٌ صَرْف الزَّكَاةِ فِي كفن مَيِّت أَوْ بِنَاء مَسْجِد أَوْ لِكَافِرِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تُصْرَفُ فِي كَفَنِ مَيِّتٍ وَلَا بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَلَا لِعَبْدٍ وَلَا لِكَافِرٍ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ صَرْفَهَا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُوصَفُ بِالْفَقْرِ وَلَا بِالْغِنَى وَلَا تُصْرَفُ لِقَاضٍ وَلَا لِإِمَامِ مَسْجِدٍ وَلَا لِفَقِيهٍ وَلَا لِغَازٍ؛ لِأَنَّ أَرْزَاقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ

فرع هل يدخل في الغارمين المصادر

بَيْتِ الْمَالِ يَجُوزُ صَرْفُهَا لَهُمْ، انْتَهَى. ص (يُحْبَسُ فِيهِ) ش: قَالَ فِي الشَّرْحِ الْأَصْغَرِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَا يُحْبَسُ فِيهِ كَدَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: فَلَا يُعْطَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِوَلَدِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَحْبِسُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْبَسَ فِيهِ خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَإِنْ أَرَادَ يُحْبَسُ بِالْفِعْلِ خَرَجَ مَنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: إنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ لَا يُحْبَسُ فِيهِ مَعَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ عُرِفَ بِمَنْعِهَا، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ حُبِسَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْغَارِمِينَ الْمُصَادَرُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْغَارِمِينَ الْمُصَادَرُ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُعْطَى؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ وَالْحَالُ هَذِهِ لِلسُّلْطَانِ لَا لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لِلْأَسِيرِ لِلْكُفَّارِ لَا لَهُ، وَفِي الْوَجْهَيْنِ تَخْلِيصٌ مِنْ الْأَسْرِ وَالظُّلْمِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمُصَادَرُ مُسْتَمِرَّ الْعُقُوبَةِ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَارِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَآلَتُهُ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَفِي صُلْحِ الْعَدُوِّ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَالشَّيْخُ بَهْرَامُ وَالشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَغَرِيبٌ مُحْتَاجٌ لِمَا يُوصِلُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ)

ش: هَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّامِنُ وَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ الْغَرِيبُ الْمُحْتَاجُ لِمَا يُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ إذَا كَانَ سَفَرُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، يُرِيدُ: وَلَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا لَا يُنْزَعُ مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِوَصْفِ الْفَقْرِ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُعْطَى مِنْهَا الْغَازِي وَابْنُ السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ بِمَوْضِعِهِمَا وَمَعَهُمَا مَا يَكْفِيهِمَا، وَلَا أُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَقْبَلَا ذَلِكَ فَإِنْ قَبِلَا فَلَا بَأْسَ، قَالَ أَصْبَغُ: أَمَّا الْغَازِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا وَهُوَ لَهُ فَرْضٌ، وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَلَا يُعْطَى إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُعَدُّ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الَّذِي فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَقَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ غَزْوٍ وَلَا تِجَارَةٍ فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ أَخَذَ زَكَاةً لِفَقْرِهِ لَمْ يَرُدَّهَا إنْ اسْتَغْنَى قَبْلَ إنْفَاقِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْغَازِيَ وَابْنَ السَّبِيلِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِيهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَسُوغُ لَهُ لِفَقْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنَ سَبِيلٍ، قَالَ: وَفِي الْغَازِي - يَأْخُذُ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ثُمَّ يَسْتَغْنِي قَبْلَ أَدَائِهِ - إشْكَالٌ، وَلَوْ قِيلَ " يُنْزَعُ مِنْهُ " لَكَانَ وَجْهًا، انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَجْعَلَ زَكَاتَهُ فِيهِمْ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا آثَرَ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قِسْمٌ مُسَمًّى، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ أَجْزَأَ الْإِعْطَاءُ لَهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا أَجْزَأَهُ صِنْفٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا وُجِدُوا وَاسْتَحَبَّهُ أَشْهَبُ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ الْعِلْمُ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مَصَالِحِ سَدِّ الْخَلَّةِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْغَزْوِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِمَا يُرْجَى مِنْ بَرَكَةِ دُعَاءِ الْجَمِيعِ وَمُصَادَقَةِ وَلِيٍّ فِيهِمْ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اسْتِيعَابِ آحَادِهِمْ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَمَّا إجْزَاؤُهَا إذَا دُفِعَتْ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ أَوْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ فَفِيهِ الِاضْطِرَابُ الْمَعْلُومُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَاَلَّذِي تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ هُوَ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْهُ إنَّ دَفْعَهَا إلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ الصِّنْفِ كَدَفْعِهَا إلَى الصِّنْفِ فِي جَرْيِ الْخِلَافِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ فِيهِ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُبْدَأُ فِي الزَّكَاةِ بِأَجْرِ الْعَامِلِينَ ثُمَّ بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَدَّ خَلَّةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ أَنْ لَا تُصْرَفَ زَكَاتُهُمْ لِغَيْرِ الْفُقَرَاءِ إلَّا بَعْدَ سَدِّ خَلَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِهِمْ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُسَاوَاةَ لِأُولَئِكَ قَبْلَ الْعَامِ التَّالِي، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُؤَلَّفَةٌ بَدَأَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ اسْتِنْقَاذَهُمْ مِنْ النَّارِ بِإِدْخَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ تَثَبُّتَهُمْ عَلَيْهِ إنْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ، وَقَدْ يُبْدَأُ بِالْغَزْوِ إذَا خَشِيَ عَلَى النَّاسِ، وَيَبْدَأُ بِابْنِ السَّبِيل عَلَى الْفَقِيرِ إذَا كَانَ يُدْرِكُهُ فِي بَقَائِهِ وَتَأَخُّرِهِ ضَرَرٌ، وَالْفَقِيرُ فِي وَطَنِهِ أَقَلُّ ضَرَرًا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَصَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ الْحُكْمُ الثَّانِي: التَّرْتِيبُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ مَا هُوَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ " وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ " وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيُّ تَبْدِئَةَ الْمَسَاكِينِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْوَجُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَحْوَجَ مُقَدَّمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا رُتْبَةَ الْغَارِمِينَ. (الثَّالِثُ) قَالَ سَنَدٌ: إنْ اسْتَوَتْ الْحَاجَةُ، قَالَ مَالِكٌ: يُؤْثَرُ الْأَدْيَنُ وَلَا يُحْرَمُ غَيْرُهُ، وَكَانَ عُمَرُ يُؤْثِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ، وَيَقُولُ: الْفَضَائِلُ الدِّينِيَّةُ لَهَا أُجُورٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُؤْثِرُ بِسَابِقَةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ؛ لِأَنَّ إقَامَةِ بِنْيَةِ الْأَبْرَارِ أَفْضَلُ مِنْ إقَامَةِ بِنِيَّةِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَائِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُمَرَيْنِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

عَكْسُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُمَا إلَّا أَنَّهُمَا نَقَلَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَقَسَمْت ذَلِكَ قَسْمًا وَاحِدًا، وَلَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأُلْحِقَنَّ الْأَسْفَلَ بِالْأَعْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) أَطْلَقَ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ الْقَوْلَ بِأَنَّ دَفْعَهَا لِصِنْفٍ مُجْزِئٌ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَيَّدَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ بِمَا عَدَا الْعَامِلَ، قَالَ: إذْ لَا مَعْنَى لِدَفْعِهَا جَمِيعِهَا لَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَهُ بَالٌ، وَأَمَّا إنَّ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ وَجَاءَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إعْطَاؤُهُ الْجَمِيعَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ ثُمَّ ذَكَرَهُ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: الْإِشْكَالُ فِي تَبْدِئَةِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ وَجَاءَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ لَا يُسَاوِي مِقْدَارَ أُجْرَتِهِ لَأَخَذَهُ جَمِيعَهُ وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ: وَصَرْفُهَا فِي أَحَدِهَا غَيْرَ الْعَامِلِ مُجْزِئٌ، انْتَهَى. وَيُقَيَّدُ بِمَا، قَالَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَوْ دُفِعَتْ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ إلَّا الْعَامِلَ فَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْرَ عَمَلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالِاسْتِنَابَةُ، وَقَدْ تَجِبُ) ش، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ أَحَدٌ تَفْرِقَةَ صَدَقَةِ مَالِهِ خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ، وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ وَلَكِنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ فَيُقَسِّمَهُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: لَا أُحِبُّ، وَهَذَا بَيِّنٌ أَنْ لَا يُعْجِبَنِي عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ وَأَرَادَ خَوْفَ قَصْدِ الْمَحْمَدَةِ، وَلَوْ جَزَمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْمَحْمَدَةَ لَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ جَزَمَ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لَصَرَّحَ بِالْجَوَازِ، انْتَهَى. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا وَمَصْرِفِهَا وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ أَوْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: مِنْ آدَابِ الزَّكَاةِ أَنْ يَسْتُرَهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَ، وَقَدْ قِيلَ: الْإِظْهَارُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ، قَالَ شَارِحُهُ: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ أَنَّ إعْلَانَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ إسْرَارِهَا، وَأَنَّ الْإِسْرَارَ بِصَدَقَةِ النَّوَافِلِ أَفْضَلُ مِنْ إعْلَانِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَطِيَّةَ وَغَيْرِهِ خِلَافًا فِي صَدَقَةِ الْفَرْضِ لَكِنْ ضَعَّفَ الْقَوْلَ بِإِسْرَارِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَا بَدَأَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ الْمَطْعُونُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: فَأَمَّا سَتْرُهَا فَمُسْتَحَبٌّ لِمَا يَعْرِضُ مِنْ الرِّيَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ تَرْكَهَا فَيُسْتَحَبُّ الْإِظْهَارُ لِلِاقْتِدَاءِ، انْتَهَى. وَهَذَا عَكْسُ مَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَلَى مَا نَقَلَ الْقَبَّابُ فَإِنَّهُ قَالَ كَثُرَ الْمَانِعُ لَهَا وَصَارَ إخْرَاجُهَا عُرْضَةً لِلرِّيَاءِ، انْتَهَى. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَمَنْ أَيْقَنَ بِسَلَامَتِهِ مِنْ الرِّيَاءِ وَحَسُنَ قَصْدُهُ فِي الْإِظْهَارِ اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ خَوْفُ الرِّيَاءِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِسْرَارُ وَمَنْ تَحَقَّقَ وُقُوعُ الرِّيَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْفَاءُ وَالِاسْتِنَابَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) عَنْ عِيَاضٍ فِي آدَابِهَا أَيْضًا دَفْعُهَا بِالْيَمِينِ، وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَدِّقِ وَالْإِمَامِ الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى دَافِعِهَا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْقُرْطُبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى السَّاعِي الدُّعَاءُ لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى نَائِبِهِ أَنْ يَدْعُوَ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ إذَا أَخَذَهَا مِنْهُ لَكِنْ يُنْدَبُ إلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي عَشَرَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، لَمَّا أَنْ «قَالَ الْأَعْرَابِيُّ لِرَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْت» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ الْأَعْرَابِ الْجُفَاةِ الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ مَنْ تَوَلَّى تَفْرِيقَ الصَّدَقَاتِ لَمْ يَعْدَمْ مَنْ يَلُومُهُ، قَالَ

وَقَدْ كُنْتُ أَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِي فَأُوذِيت فَتَرَكْت ذَلِكَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَصْرِفِ الزَّكَاةِ: مَنْ دُفِعَتْ إلَيْهِ زَكَاةٌ لِيُفَرِّقَهَا فِي أَهْلِهَا، وَكَانَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى مَالًا فِي خُرُوجِهِ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لِيَصْرِفَهُ عَلَى مَنْ قَطَعَ بِهِ فَقَطَعَ بِهِ فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ قَائِمَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ نَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي فِيمَنْ بُعِثَ مَعَهُ جَزَاءٌ أَوْ فِدْيَةٌ أَوْ جَزَاءُ صَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا فَجَائِزٌ أَنْ يَأْكُلَ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِهِ: وَنَظِيرُهُ الْكَفَّارَةُ وَالزَّكَاةُ تُدْفَعُ لِبَعْضِ الْمَسَاكِينِ يُفَرِّقُهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْهَا بِالْعَدْلِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أُعْطِيت لَهُ صَدَقَةٌ يُفَرِّقُهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ حَظِّهِ إذَا كَانَ مِسْكِينًا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِيهَا قَوْلَانِ وَسَبَبُهُمَا الْوَكِيلُ، هَلْ هُوَ مَعْزُولٌ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْمَأْمُورُ بِالتَّبْلِيغِ دَاخِلٌ تَحْتَ الْخِطَابِ أَمْ لَا؟ وَيَقُومُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ فِي الْعُطَاشِ أَنَّهُ يُشْرَبُ مِنْهُ إنْ عَطِشَ، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ ابْنُ رُشْدٍ أَجَازَ لِمَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِمَالٍ فِي غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمُنْقَطِعِينَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إذَا احْتَاجَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنْ لَا يُحَابِيَ نَفْسَهُ فَيَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي غَيْرَهُ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ إنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، وَاسْتُحِبَّ لَهُ إذَا رَجَعَ أَنْ يُعْلِمَ رَبَّهُ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْضِهِ وَجَبَ غُرْمُهُ لَهُ، وَإِنْ فَاتَ لَمْ يُمْكِنُهُ إعْلَامُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَاشَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ لَهُ الْأَخْذَ ابْتِدَاءً، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُهُ: " إنْ احْتَجْت فَخُذْ " جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِاتِّفَاقٍ مِثْلَ مَا يُعْطِي غَيْرَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَرْضَى بِذَلِكَ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ فَكَّ أَسِيرًا أَنَّهُ لَوْ افْتَقَرَ صَاحِبُ الزَّكَاةِ لَمْ يُعْطَ مِنْهَا، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِإِثْرِ الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي مَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَلَمْ تَنْفُذْ حَتَّى أُسِرَ، فَقَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى مِنْهَا، وَلَوْ افْتَقَرَ لَمْ يُعْطَ مِنْهَا. (فَرْعٌ) وَفِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْهَا وَرَثَتُهُ إنْ احْتَاجُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَهَلْ يُمْنَعُ إعْطَاءُ زَوْجَةٍ زَوْجَهَا أَوْ يُكْرَهُ تَأْوِيلَانِ) ش تَصَوُّرُ التَّأْوِيلَيْنِ وَاضِحٌ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا أَعْطَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ جَازَ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ لِلْمُعْطِي، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إثْرَ نَقْلِهِ هَذَا وَفِي التَّبْصِرَةِ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَ أَبِيهِ، وَأَبُوهُ فَقِيرٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَعُودُ عَلَى الْمُعْطِي، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِالتَّبْصِرَةِ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي اللَّخْمِيّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ دَفَعَ زَكَاتَهُ لِأَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، وَذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيّ الْمُتَقَدِّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَجَازَ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَفِي تَرْجَمَةِ قَدْرِ مَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ النَّفَرُ فِي الدِّينَارِ أَوْ يَصْرِفَهُ دَرَاهِمَ إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ كَثِيرَةً، وَإِنْ زَكَّى دَرَاهِمَ فَلَا يَصْرِفْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا دَنَانِيرَ وَلَا يَصْرِفْهَا بِفُلُوسٍ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ لِيَعُمَّهُمْ وَلَكِنْ لِيَجْمَعَ النَّفَرُ فِي الدِّرْهَمِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ صَرَفَهَا فُلُوسًا وَأَخْرَجَهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَأَجْزَأهُ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ " فِي الذَّهَبِ " عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ، وَقَوْلُهُ " فِي الْفُلُوسِ " عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَتْهُ كَمَا شَهَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَنَقْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ أَوْ طَاعَ بِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ فِي صَرْفِهَا أَوْ بِقِيمَةٍ لَمْ

فروع الأول وجب جزء ذهب أو فضة فأخرج أدنى أو أعلى بالقيمة

تَجُزْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِصَرْفِ وَقْتِهِ مُطْلَقًا) ش: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسَاوِيًا لِلصَّرْفِ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ أَوْ أَزْيَدَ ص (بِقِيمَةِ السِّكَّةِ) ش: يَعْنِي إذَا أَخْرَجَ ذَهَبًا عَنْ وَرِقٍ مَسْكُوكٍ أَوْ وَرِقًا عَنْ ذَهَبٍ مَسْكُوكٍ فَإِنَّ قِيمَةَ السِّكَّةِ مُعْتَبَرَةٌ اتِّفَاقًا ص (وَلَوْ اتَّحَدَ نَوْعٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ إخْرَاجَ قِيمَةِ السِّكَّةِ مُعْتَبَرَةٌ وَلَوْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمُخْرِجِ وَالْمُخْرَجِ مِنْهُ ص (لَا صِيَاغَةَ فِيهِ) ش، يَعْنِي لَا بِقِيمَةِ الصِّيَاغَةِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ ص (وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي وَفِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ فِي غَيْرِ النَّوْعِ تَرَدُّدٌ، هَذَا حِلُّ كَلَامِهِ الَّذِي يُسَاعِدُهُ كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ وَجَبَ جُزْءُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَأَخْرَجَ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى بِالْقِيمَةِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا وَجَبَ جُزْءُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَأَخْرَجَ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى بِالْقِيمَةِ، فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِيهِ قَوْلَانِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَقَبِلَهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ جَوَازَ إخْرَاجِ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى بِالْقِيمَةِ لَا أَعْرِفُهُ، بَلْ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُخْرِجُ عَنْ رَدِّ قِيمَتِهِ مِنْ نَوْعِهِ جَيِّدًا بَلْ قِيمَةُ رَدِيءِ الذَّهَبِ فِضَّةٌ وَعَكْسُهُ أَوْ مِنْهُ، انْتَهَى.

الثاني إخراج العرض والطعام عن الورق أو الذهب في الزكاة

[الثَّانِي إخْرَاجُ الْعَرَضِ وَالطَّعَامِ عَنْ الْوَرَقِ أَوْ الذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ] الثَّانِي) لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْعَرَضِ وَالطَّعَامِ عَنْ الْوَرَقِ أَوْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا ابْتِدَاءً فَلَوْ أَخْرَجَ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا رَجَعَ عَلَى الْفَقِيرِ بِهِ وَدَفَعَ لَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ إذَا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مِنْ زَكَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ لَمْ يَرْجِعْ مُطْلَقًا فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ قَالَهُ مَالِكٌ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ يُونُسَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يُخْرِجُ غَيْرَهُمَا عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ لَا يُجْزِئُ ابْنُ حَارِثٍ، قَالَهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ أَعْطَى عَرَضًا أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ بِلَفْظِهِ وَفِي إجْزَاءِ عَرَضٍ عَنْ عَيْنٍ كَقِيمَتِهِ نَقَلَا ابْنُ حَارِثٍ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ. [الثَّالِث وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ] (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْزِئُهُ قُلْت: أَجْزَأَهَا عَلِيٌّ لَوْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدَهُ لِأَنَّ يَدَ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ - فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْفُقَرَاءِ - جَوَازَهُ بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ ص (لَا كَسْرُ مَسْكُوكٍ) ش: إنَّمَا لَمْ يَجُزْ كَسْرُ الْمَسْكُوكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ كَامِلًا أَوْ رُبَاعِيًّا، أَمَّا الْكَامِلُ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الرُّبَاعِيُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَكَأَنَّهُ رَجَّحَ الْمَنْعَ فِي تَوْضِيحِهِ وَاحْتَرَزَ بِالْمَسْكُوكِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ حُلِيِّ التَّجْرِ مِنْهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا كَرَاهَةَ فِي قَطْعِهِ قُلْت إنْ كَانَ فِيهِ فَسَادٌ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَجَبَ نِيَّتُهَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَنْ يَنْوِيَهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا يُعْطَى وَقْتَ الدِّرَاسِ أَوْ الْجِذَاذِ لِبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّينَ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَغَيْرِ إذْنِهِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَغَيْرِ إذْنِهِ، فَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفِرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَأْمُورَ بِهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ كَدَفْعِ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَدَفْعِ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ، وَقِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَالْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ يُجْزِئُ فِعْلُ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَيَسُدُّ الْمَسَدَّ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - الزَّكَاةُ فَإِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ عِلْمِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَغَيْرِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ يَذْبَحُهَا غَيْرُ رَبِّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ إنْ كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ صَدِيقَهُ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ لِتَمَكُّنِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُمَا أَجْزَأَتْ الْأُضْحِيَّةُ إنْ كَانَ مُخْرِجُ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ الزَّكَاةَ مُجْزِئَةٌ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عِبَادَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا تَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا تُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَجْلِ شَائِبَةِ الْعِبَادَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ فِعْلُ الْغَيْرِ مُطْلَقًا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ - أَعْنِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ - قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَاسَهُ عَلَى الدُّيُون، وَاسْتَدَلَّ بِأَخْذِ الْإِمَامِ لَهَا كُرْهًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَبِاشْتِرَاطِهَا، قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا فِي نُصُبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَلَا يُقَالُ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالزَّكَاةِ: إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَعَيَّنَتْ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالذَّبْحِ وَالنَّذْرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَمَّا إنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْأَشْيَاءِ

الفرع الثاني وجبت عليه زكاة في ماله فتصدق بجميعه

الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الْوَكَالَةُ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ مَالِ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَمِنْ مَالِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْقُرُبَاتِ فَهِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ، وَقَدْ اسْتَنَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا عَلَى نَحْرِ الْبُدْنِ وَنَحْرُهَا قُرْبَةٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ شَيْئًا " مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الفرع الثَّانِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ] (الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ لَوْ تَصَدَّقَ بِجُمْلَةِ مَالِهِ فَإِنْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ وَمَا زَادَ تَطَوُّعٌ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بِمَا لَوْ صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ يَنْوِي اثْنَيْنِ لِلصُّبْحِ وَالْبَقِيَّةَ لِلنَّفْلِ بِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ سَنَدٍ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ فَإِنْ نَوَى أَدَاءَ زَكَاتِهِ وَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ أَجْزَأَهُ وَلَهُ الْفَضْلُ، كَمَنْ أَطْعَمَ فِي كَفَّارَتِهِ مِائَةَ مِسْكِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ فِعْلُ الْفَرْضِ وَهُوَ لَمْ يَنْوِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى مِائَةَ رَكْعَةٍ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضٍ وَلَا يَسْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بَلْ تَعَدَّى تَصَرُّفُهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ آخِرَ كَلَامِ سَنَدٍ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَحْوُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْإِفْرِيقِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ حَائِطَهُ بَعْدَ الْخَرْصِ لِلْمَسَاكِينِ عَنْ تَبَعَاتِهِ وَلَيْسَتْ التَّبَعَاتُ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَنَوَى دُخُولَ الزَّكَاةِ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ [الفرع الثَّالِث عَزَلَ زَكَاتَهُ بَعْدَ وَزْنِهَا لِلْمَسَاكِينِ وَدَفَعَهَا لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ] (الثَّالِثُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ: قَالَ سَنَدٌ: لَوْ عَزَلَ زَكَاتَهُ بَعْدَ وَزْنِهَا لِلْمَسَاكِينِ وَدَفَعَهَا لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ الْأُولَى الْفِعْلِيَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ: وَيَنْوِي الْمُزَكِّي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ أَجْزَأَهُ وَتَجِبُ بِالتَّعْيِينِ فَلَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ عَزْلِهَا أَجْزَأَتْ، وَإِذَا عَيَّنَهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا وَيَعْزِلْهَا عَنْ مِلْكِهِ وَجَبَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الدَّفْعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ دَفْعِ الْوَدَائِعِ وَالدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وَلَفْظُ سَنَدٍ: وَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَيَنْوِي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ أَجْزَأَهُ وَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَعْيِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى إخْرَاجِهَا وَدَفْعِهَا فَتَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ كَالْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فَسَوَاءٌ نَوَى عِنْدَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَوْ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمَّا تَعَيَّنَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ نِيَّةٌ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الزَّكَاةَ أَوْ يَعْزِلْهَا عَنْ مَالِهِ وَجَبَ مُرَاعَاةُ النِّيَّةِ عِنْدَ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَقَدْ يَكُونُ وَدِيعَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، انْتَهَى. ص (وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ أَنْ تُفَرَّقَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ أَوْ قُرْبَهُ كَمَا لَوْ كَانَ زَرْعُهُ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَاضِرَةِ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَانْظُرْ فَرْضَ الْعَيْنِ لِابْنِ جَمَاعَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ عَلَى نَقْلِهَا مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَانْظُرْهُ. [مَسْأَلَةٌ الْقَادِمُونَ إلَى بَلَدٍ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ] (مَسْأَلَةٌ) وَسَأَلَ السُّيُورِيُّ عَنْ قَادِمِينَ إلَى بَلَدٍ، هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ كَمَا يُعْطَى فُقَرَاءُ الْبَلَدِ أَوْ يُخَصُّ بِهَا أَهْلُ الْبَلَدِ؟ فَأَجَابَ: أَهْلُ بَلَدِهِمْ هُمْ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ الْبُرْزُلِيُّ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ يَقُولُ: يُعْطَوْنَ كَأَهْلِ الْبَلَدِ، وَبَعْضُهُمْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَر يُعْطَى، وَالْمُخْتَارُ لَا يُعْطَى وَيُجْرِيهَا عَلَى مَسْأَلَةِ قُرْطُبَةَ إذَا حَبَسَ عَلَى مَرَضَاهَا، هَلْ يُعْطَى مِنْهَا مَنْ أَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ أَمْ لَا؟ وَالصَّوَابُ الْإِعْطَاءُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ أَهْلِهَا

أَوْ ابْنُ السَّبِيلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، انْتَهَى. مِنْ الْبُرْزُلِيِّ. ص (كَعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ مَسْأَلَةٌ إذَا فَاضَ الْمَالُ، وَلَمْ يُوجَدَ مَنْ يَقْبَلُهُ بَعْدَ نُزُولِ السَّيِّدِ عِيسَى، قَالَ الْأَبِيُّ: قَالَ الشَّيْخُ - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ إذَا أَفْضَى الْحَالُ فِي الْمَالِ إلَى أَنْ لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْإِنْسَانُ مَنْ يَسْتَأْجِرُ لِعَمَلِهِ عَمِلَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَتْ إعَانَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاسَاةَ كَمَا تَجِبُ بِالْمَالِ تَجِبُ بِالنُّفُوسِ الْأَبِيُّ، وَمَا تَقَدَّمَ لِلنَّوَوِيِّ مِنْ نَسْخِ الْجِزْيَةِ حِينَئِذٍ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ وَهُوَ فِي الزَّكَاةِ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِرْفَاقِ الضُّعَفَاءِ. (فَإِنْ قُلْت) : إنَّمَا أَسْقَطَ قَبُولُ الْجِزْيَةِ نَسْخَهَا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ قُلْت: وَهَذِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ «وَلَتَتْرُكَنَّ الْقِلَاصَ فَلَا يَسْعَى عَلَيْهَا أَحَدٌ» انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ عِيَاضٍ: إنَّهُ لَا بَيْعَةَ لِأَخِذِ زَكَاتِهَا سُعَاةٌ زَهَادَةً فِيهَا لِفَيْضِ الْمَالِ مَعَ أَنَّهَا أَنْفَسُ مَالِ الْعَرَبِ، وَالْقِلَاصُ جَمْعُ قَلُوصٍ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ كَالْفَتَاةِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْحَدَثِ مِنْ الرِّجَالِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ قَدَّمَ مُعَشَّرًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ إلَخْ) ش: ذَكَر - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَبْعَ مَسَائِلَ لَا تُجْزِئُ فِيهَا الزَّكَاةُ: (الْأُولَى) إذَا قَدَّمَ زَكَاةَ الْمُعَشَّرَاتِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَ زَكَاةَ زَرْعِهِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِيهِ يُرِيدُ إذَا قَدَّمَهَا قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ: وَهَذَا خَاصٌّ بِالْحَيَوَانِ وَالْعَيْنِ، وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْلَكْ بَعْدُ، نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، انْتَهَى. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ فِي تَبْصِرَتِهِ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ: وَهَذَا فِي الْعَيْنِ وَلَا يَصِحُّ فِي زَكَاةِ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ عَمَّا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدُ وَلَا يَدْرِي مَا قَدْرُهُ، وَيَجُوزُ فِي الْمَوَاشِي إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سُعَاةٌ عَلَى مِثْلِ مَا يَجُوزُ فِي الْعَيْنِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي تَعْجِيلِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ. (فَرْعٌ) أَمَّا إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَهُوَ إفْرَاكُ الْحَبِّ وَطِيبُ الثِّمَارِ وَقَبْلَ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ زَرْعِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي سُنْبُلِهِ، قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ: يُجْزِيهِ وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ يَقُولُ: لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يُلْجِئَهُ السَّاعِي إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ وَجَبَتْ بِطِيبِ الزَّرْعِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ " وَالْوُجُوبُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ " مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ " أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ " يَعْنِي أَنَّ مَنْ زَكَّى دَيْنًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَكَّى عَنْ ثَمَنِ عَرْضِ الِاحْتِكَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ، قَالَ بَهْرَامُ فِي الْأَوْسَطِ: قَوْلُهُ " قَبْلَ الْقَبْضِ " أَيْ قَبْضِ الدَّيْنِ وَقَبْضِ ثَمَنِ الْعَرْضِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: " قَبْلَ الْقَبْضِ " ظَرْفٌ لَهُمَا، وَالْمُرَادُ فِي الْعَرْضِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ سَنَدٌ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَمَّا احْتَجَّ لِمَالِكٍ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُزَكَّى قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ صَدَقَتِهِ إلَّا دَيْنًا يَقْطَعُ بِهِ لِمَنْ يَلِي ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَخْرُجَ زَكَاةُ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ احْتَجَّ أَيْضًا فِي عَرْضِ التِّجَارَةِ أَنَّهُ لَا يُزَكَّى حَتَّى يُبَاعَ وَيُقْبَضَ ثَمَنُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ أَيْضًا إنْ ابْتَاعَ الْعَرْضَ بِثَمَنٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَخَذَ بِهِ عَرْضًا لَمْ تَلْزَمْهُ زَكَاةُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَيْنًا فَمَا لَمْ يَنِضَّ فَهُوَ كَالْعَرَضِ فَكَأَنَّهُ ابْتَاعَ بِعَرَضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَخَذَ بِالْمِائَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا، وَذَكَرَ أَنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَبْضَ الْحِسِّيَّ هُنَا مَطْلُوبٌ وَعَدَمَهُ مُؤْثَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ قَبْضِهِ عَرَضٌ مَبِيعٌ بِعَرْضٍ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الثَّمَنَ لَا يُزَكَّى حَتَّى يُقْبَضَ، وَأَنَّهُ إنْ زَكَّاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَهُوَ دَيْنٌ وَالدَّيْنُ لَا يُزَكَّى قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ زَكَاةِ الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عَيْنًا أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَلَيْسَ لَهُ صُورَةٌ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْعَرْضَ، وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ فِي

الْكِتَابِ: إذَا بَاعَ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي حِينَئِذٍ بَعْدَ الْقَبْضِ، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ أَيْضًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سِلْعَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِمِائَةِ دِينَارٍ إذَا قَبَضَ الْمِائَةَ دِينَارٍ زَكَّاهَا مَكَانَهُ، ثُمَّ قَالَ - فَرْعٌ - فَلَوْ بَاعَهَا بِمِائَةٍ إلَّا أَنَّهُ أَخَذَ بِهَا عَرَضًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُزَكَّى وَالْعَرْضَ لَا يُزَكَّى فَإِنْ بَاعَ الْعَرَضَ بِأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ أُمُورٌ مُتَوَهَّمَةٌ وَالْبَيْعُ يُحَقِّقُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: تَقَدَّمَ لِلْبَاجِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَقْلِ الزَّكَاةِ الْبَاجِيُّ، وَهَذَا إذَا نَقَلَ ذَلِكَ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَأَمَّا دُونَهُمْ فَهُمْ فِي حُكْمِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي مُسَمَّى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي قَوْلِهِ " وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبَهُ " وَانْظُرْ الْبَيَانَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَانْظُرْ النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ. ص (أَوْ دُفِعَتْ بِاجْتِهَادٍ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ فِي أَوَّلِ الْوَرَقَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْحَبْسِ: وَأَمَّا الَّذِي زَكَّى مَالَ يَتِيمَةٍ ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ غَنِيًّا وَهُوَ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا صَنَعَ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَعَبَّدَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ إذَا أَعْطَى زَكَاتَهُ لِغَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَجْزَأَتْهُ زَكَاتُهُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُسْتَرَدَّ مِنْ عِنْدِهِ إذَا عَلِمَ بِهِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ دَفَعَهَا لِشَخْصٍ يَظُنُّهُ غَنِيًّا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ آثَمُ، انْتَهَى. مِنْ عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَانْظُرْ الذَّخِيرَةَ ص (أَوْ طَاعَ بِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ فِي صَرْفِهَا) ش، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا فِيهَا لَمْ يُجْزِهِ

دَفْعُهَا إلَيْهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ جَائِرًا فِي تَفْرِقَتِهَا وَصَرْفِهَا فِي غَيْرِ مَصَارِفِهَا لَمْ يُجْزِهِ دَفْعُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ، وَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ جَحْدُهَا وَالْهُرُوبُ فِيهَا مَا أَمْكَنَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ جَوْرُهُ فِي أَخْذِهَا لَا فِي تَفْرِقَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُجْزِيهِ ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةِ دَفْعِهَا إلَيْهِ، انْتَهَى. ص (لَا إنْ أُكْرِهَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ أَجْبَرَهُ أَجْزَأَ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَى أَخْذِهَا، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: فَإِنْ عَدَلَ فِي صَرْفِهَا أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فَفِي إجْزَائِهَا قَوْلَانِ، وَعَيَّنَ الْمُصَنِّفُ الْمَشْهُورَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ، وَهَذَا بَيِّنٌ إذَا أَخَذَهَا أَوَّلًا لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَلَا، انْتَهَى، وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَهَذَا إنْ صَحَّ فَيَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى مَا إذَا أَخَذَهَا لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا أَمَّا إذَا كَانَ أَخْذُهُ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ كَمَا يُعْلَمُ قَطْعًا مِنْ بَعْضِهِمْ وَكَمَا فِي عَامَّةِ أَعْرَابِ بِلَادِنَا فَلَا يَتَمَشَّى ذَلِكَ فِيهِمْ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ، وَلَوْ أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ قُدِّمَتْ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُجْزِئُ قَبْلَ مَحِلِّهَا كَالصَّلَاةِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَغَيْرُهُ اسْتِحْسَانٌ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَحَمَلَ ابْنُ نَافِعٍ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَيْهِ وَهُوَ رَأَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ مَحِلِّهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَا بِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى

يُخْرِجَهَا بَعْدَ مَحِلِّهَا، انْتَهَى مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَنْبَغِي إخْرَاجُ زَكَاةِ شَيْءٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ قَبْلَ وُجُوبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ فَيُجْزِئُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ فِيمَا بَعْدُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ هُنَا لَا يَنْبَغِي هُنَا بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَوْلِ رَاجِعٌ إلَى مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّسَخِ تَقْيِيدَ التَّقْدِيمِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِيمَا بَعْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ لِعَامٍ أَوْ لِعَامَيْنِ أَوْ فِي الْعَامِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرُبَ الْحَوْلُ لَمْ يُجْزِهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ، انْتَهَى. وَلَا أَعْلَمُ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِكَثِيرٍ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. (الثَّانِي) لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَدَّ الْيَسِيرِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي حَدِّهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ، الثَّانِي - أَنَّهُ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامِ وَنَحْوُهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، الثَّالِثُ - أَنَّهُ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، الرَّابِعُ أَنَّهُ الشَّهْرَانِ وَنَحْوُهُمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ، هَكَذَا قَالَ فِي الْبَيَانِ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الرَّابِعُ - أَنَّهُ الشَّهْرَانِ فَمَا دُونَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، بَلْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ مِثْلُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَنَقَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ عِيَاضٌ، وَزَادَ هُوَ وَاللَّخْمِيُّ خَامِسًا، وَلَمْ يَعْزُوَاهُ وَهُوَ نِصْفُ شَهْرٍ، وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي حَدِّ الْيَسِيرِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا - إنَّهُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، الثَّانِي - إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُهَا، انْتَهَى. قُلْت: الْقَوْلُ بِالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يُشْبِهُ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْيَوْمَانِ وَنَحْوُهُمَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يَنْقُلَا قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ هُوَ الثَّالِثُ، وَجَّهَ صَاحِبُ الطِّرَازِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حَدَّ الْيَسِيرِ الشَّهْرُ، فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ لِحَوْلِهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا فَقَدْ دَخَلَ شَهْرُ زَكَاتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفُقَرَاءِ حَاجَةٌ مُفْدَحَةٌ فَيُتَسَامَحُ فِي إخْرَاجِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ أَصْلَحُ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ الشَّرِيفُ الْفَاسِيُّ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ فَلَعَلَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْمُخْتَصَرِ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ قُدِّمَتْ بِ كَشَهْرٍ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ لَأَفَادَ الْمَسْأَلَتَيْنِ - أَعْنِي التَّقْيِيدَ بِالْيَسِيرِ وَتَحْدِيدَهُ -، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَاشِيَةِ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُعَاةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّاعِي يَخْرُجُ وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ مِمَّنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ مَجِيئِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ هُنَا، فَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ التَّقْدِيمَ: وَيَجُوزُ فِي الْمَوَاشِي إذَا لَمْ يَكُنْ سُعَاةٌ عَلَى مِثْلِ مَا يَجُوزُ فِي الْعَيْنِ أَوْ كَانَ سُعَاةٌ عَلَى الْقَوْلِ إنَّهَا تُجْزِئُ إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي، انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ قُدِّمَتْ إذَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لِلظَّرْفِيَّةِ، أَيْ قُدِّمَتْ فِي زَكَاةِ عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ فَهِيَ ظَرْفٌ لِلتَّقْيِيدِ، ثُمَّ رَأَيْت الْبِسَاطِيَّ " أَنَّهَا لِلظَّرْفِيَّةِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِجْزَاءِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْنِ هَارُونَ فِي قَوْلِهِ " الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ " بِأَنَّهُ إنَّمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ والتِّلِمْسَانِيُّ

الْخِلَافَ فِي الْإِجْزَاءِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَرْكُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى وَأَرَى الشَّهْرَ قَرِيبًا عَلَى زَحْفٍ وَكُرْهٍ، وَقَوْلُهُ عَلَى زَحْفٍ بِالزَّايِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ اسْتِثْقَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَإِنْ ضَاعَ الْمُقَدَّمُ فَعَنْ الْبَاقِي) ش: يَعْنِي فَإِنْ قَدَّمَ زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَضَاعَ الْمُقَدَّمَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ الْبَاقِي إنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ قَدَّمَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِكَثِيرٍ أَوْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَقَبِلَهُ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ: إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، قَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَخْرَجَهَا فِيهِ لَأَجْزَأَتْهُ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قِيلَ مَعْنَاهُ تُجْزِئُ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْأَيَّامِ، وَذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّهُ مَتَى هَلَكَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَنَّهُ يُزَكِّي مَا بَقِيَ إنْ كَانَ فِيهِ زَكَاةٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَذَا يَأْتِي عِنْدِي عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ، وَإِنَّمَا تُجْزِئُهُ إذَا أَخْرَجَهَا وَنَقَدَهَا كَالرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ، فَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَلَمْ تَصِلْ إلَى أَهْلِهَا وَلَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا فَإِنَّ ضَمَانَهَا سَاقِطٌ عَنْهُ، وَيُؤَدِّي زَكَاةَ مَا بَقِيَ عِنْدَ حَوْلِهِ إلَّا عَلَى مَا تُؤَوَّلُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ " بِخِلَافِ الْأَيَّامِ " أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ فَضَاعَتْ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا إذَا قُدِّمَتْ عَلَى الْحَوْلِ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَقَطْ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، أَوْ نَحْوِهِمَا كَالثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَوْلِ عَلَى تَقْيِيدِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَتَقْيِيدَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَجَعَلَهُ مُخَالِفًا لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهَا فَصْلٌ فِيمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ تَلِفَ مِنْهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَفِيهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ فَتَلِفَتْ أَوْ أَخْرَجَهَا فَنَفَّذَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ تَنْفِيذُهَا فِيهِ يُزَكِّي الْبَاقِيَ إنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ: إذَا جُوِّزَ دَفْعُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِنَحْوِ الشَّهْرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَدَفَعَ نِصْفَ دِينَارٍ عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَ بَقِيَّةُ مَالِهِ بِيَدِهِ حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ زَكَاةً مَفْرُوضَةً أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا زَكَاةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَكُونُ زَكَاةً، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ تَلِفَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ السَّاعِي قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، وَذَلِكَ الْوَقْتُ فِي حُكْمِ وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يَقَعُ ذَلِكَ مَوْقِعَ الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ بَلْ يَقَعُ عَلَى مُرَاعَاةِ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ عِنْدَ انْغِلَاقِ الْحَوْلِ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا إذَا تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَمَاتَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ تَلِفَ

مسالة للإمام تأخير الزكاة إلى الحول الثاني

مَالُهُ، هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ قَائِمًا بِيَدِ الْإِمَامِ اسْتَرْجَعَهُ، وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَيْهِ سَبِيلٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهَذَا إذَا بَيَّنَ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْفَقِيرِ عِنْدَ الْحَوْلِ فَارْتَدَّ أَوْ مَاتَ أَوْ اسْتَغْنَى بِغَيْرِ الزَّكَاةِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَدْ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ فَإِنْ قَدَّمَهَا لِشَخْصٍ فَقِيرٍ ثُمَّ اسْتَغْنَى عِنْدَ الْحَوْلِ، فَإِنْ كَانَ غِنَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا كَلَامَ فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَيَتَخَرَّجُ فِيهَا الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا أَعْطَى لِشَخْصٍ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَتَبَيَّنَ غَنِيًّا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأَسْدِيَةِ: يُجْزِئُهُ، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُجْزِئُهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : الْجَارِي عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ، وَالْجَارِي عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَنْ يُنْظَرَ إلَى تَغَيُّرِ حَالِ الْمَالِ وَرَبِّهِ وَالْفَقِيرِ، وَقَدْ جَزَمَ فِي الْجَوَاهِرِ بِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهَا، وَنَصُّهُ: وَلَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِالْمُدَّةِ الْجَائِزَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا ثُمَّ هَلَكَ النِّصَابُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَخَذَهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا وَعَلِمَ أَيْ هَلَاكَ النِّصَابِ أَوْ بَيَّنَ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَقْتَ الدَّفْعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ مُعَجَّلَةً ثُمَّ ذَبَحَ شَاةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَجَاءَ الْحَوْلُ وَلَمْ يَنْجَبِرْ النِّصَابُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ ذَبَحَ نَدَمًا لِيَرْجِعَ فِيمَا عَجَّلَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِلَفْظِ: لَوْ عَجَّلَ بِالْمُدَّةِ الْجَائِزَةِ فَهَلَكَ النِّصَابُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَخَذَهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ: إذَا قَدَّمَ زَكَاةَ الْعَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْجَائِزِ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ؛ فِي زَكَاتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَبَيْنَ أَنَّهَا زَكَاةٌ وَلَوْ قَدَّمَ زَكَاةَ الْغَنَمِ ثُمَّ ذَبَحَ مِنْهَا مَا نَقَصَهَا عَنْ النِّصَابِ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ، نَعَمْ لَوْ ضَاعَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ رَجَعَ، انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ بِالزَّمَانِ الْيَسِيرِ وَضَاعَ مَا عَجَّلَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطِّرَازِ وَكَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ الْيَوْمَانِ وَالثَّلَاثَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيهِ أَوْ لَا تُجْزِئُهُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَعَزْلِهَا فَضَاعَتْ) ش: أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا إذَا عَزَلَهَا عِنْدَ وُجُوبِهَا فَضَاعَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَجَدَهَا لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا، وَلَوْ كَانَ حِينَئِذٍ فَقِيرًا مَدِينًا، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ [مسالة لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي] ص (وَضَمِنَ إنْ أَخَّرَهَا عَنْ الْحَوْلِ) ش: مَسْأَلَةٌ، قَالَ فِي الْمُعَلِّمِ: لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي

فصل زكاة الفطر

إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، قَالَهُ فِي أَوَائِلِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُعَلِّمِ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرْهًا، وَإِنْ بِقِتَالٍ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي تَصْدِيقِ مَنْ قَالَ مَا مَعِي قِرَاضٌ أَوْ بِضَاعَةٌ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَحُلْ حَوْلِي دُونَ يَمِينٍ طُرُقُ اللَّخْمِيّ وَعَبْدِ الْحَقِّ، فِي الْمُتَّهَمِ رِوَايَتَانِ لَهَا وَلِغَيْرِهَا الصَّقَلِّيُّ، ثَالِثُهَا غَيْرُ الْمُتَّهَمِ لَهَا وَلِنَفْلِهِ وَابْنُ مُزَيِّنٍ وَغَيْرُهُمَا، ثَالِثُهَا مُفَسِّرُهُمَا اللَّخْمِيُّ يُسْأَلُ أَهْلُ رُفْقَةِ الْقَادِمِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُكَذِّبٌ صُدِّقَ وَلَا يُصَدَّقُ مُقِيمٌ فِي دَعْوَى حُدُوثِ عِتْقِهِ أَوْ إسْلَامِهِ لِظُهُورِهِ وَيُكْشَفُ فِي دَعْوَى الْقِرَاضِ وَالدَّيْنِ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى عَدَمِ الْحُلُولِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كُرْهًا ثُمَّ تَابَ، هَلْ تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا لِفَقْدِ النِّيَّةِ أَمْ لَا؟ . ص (وَدُفِعَتْ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ وَأَخَذُوا زَكَاةَ النَّاسِ وَالْجِزْيَةَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّقَلِّيُّ رَوَى مُحَمَّدٌ وَالْمُتَغَلَّبُونَ كَالْخَوَارِجِ (قُلْتُ) : وَلِذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ: فِي ذِي أَرْبَعِينَ شَاةً عَشْرَةٌ تَحْتَ كُلِّ أَمِيرٍ بِالْأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَّةَ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ إنْ كَانُوا عُدُولًا أَخْبَرَهُمْ وَأَتَى كُلٌّ مِنْهُمْ بِشَاةٍ لِلْأَمِيرِ رُبْعُهَا فَإِنْ أَخَذَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا أَجْزَأَتْهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ إنْ طَاعَ بِهَا الْخَارِجِيُّ أَجْزَأَهُ التُّونُسِيُّ إنْ طَاعَ لِوَالٍ جَائِرٍ لَا يَضَعُهَا مَوْضِعَهَا لَمْ تُجْزِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا فِيهَا لَمْ يُجْزِهِ دَفْعُهَا إلَيْهِ طَوْعًا فَإِنْ أَجْبَرَهُ أَجْزَأَتْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ الْخَوَارِجُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: فَإِنْ أَجْبَرَهُ أَجْزَأَتْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّ صَحَّ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَيَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى مَا إذَا أَخَذَهَا لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا أَمَّا إنْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَوَارِجِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَلَوْ كَانُوا يَضَعُونَهَا فِي مَوَاضِعِهَا فَهُمْ أَحَقُّ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ الْخَوَارِجِ فَمِنْ الْوُلَاةِ الْمُتَغَلِّبَةِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصَلِّ زَكَاةُ الْفِطْرِ] ص (فَصْلٌ يَجِبُ بِالسُّنَّةِ صَاعٌ أَوْ جُزْؤُهُ) ش لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْأَبْدَانِ، وَهِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُجُوبِهَا بِسَبَبِ الْفِطْرِ وَيُقَالُ

تنبيهات الأول قدر على إخراج صاع عن نفسه وبعض صاع عمن تلزمه نفقته

لَهَا صَدَقَةٌ الْفِطْرِ وَبِهِ عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَبْدَانِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِكَوْنِهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ فَرْضٌ عَلَى التَّقْدِيرِ أَيْ قُدِّرَ وَهُوَ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ بِوُجُوبِهَا فَاخْتُلِفَ فِي دَلِيلِ الْوُجُوبِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ بِالْقُرْآنِ وَعَلَى وُجُوبِهَا بِالْقُرْآنِ، فَقِيلَ بِعُمُومِ آيَةِ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ بِآيَةٍ تَخُصُّهَا وَهِيَ قَوْلُهُ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] أَيْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] أَيْ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَزَكَّى فِي الْآيَةِ أَيْ تَزَكَّى بِالْإِسْلَامِ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِقَوْلِهِ " تَزَكَّى " وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ: زَكَّى، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ مَدْحَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيَصِحُّ الْمَدْحُ بِالْمَنْدُوبِ، وَإِلَى تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَالْقَوْلِ بِأَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ السُّنَّةُ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " يَجِبُ بِالسُّنَّةِ ". (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَا يُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى مَنْعِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الرِّفْقُ بِالْفُقَرَاءِ فِي إغْنَائِهِمْ عَنْ السُّؤَالِ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: الْمُخْرَجُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَالْمُخْرِجُ بِكَسْرِهَا، وَالْوَقْتُ الْمُخْرَجُ فِيهِ، وَمَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ، وَتَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَمِيعِهَا فَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُخْرَجُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى قَدْرِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ صَاعٌ أَوْ جُزْؤُهُ، يَعْنِي: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ قَدْرُهُ صَاعٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ جُزْءُ صَاعٍ، وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، أَمَّا الصَّاعُ فَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْقَادِرِ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ، وَأَمَّا جُزْءُ الصَّاعِ فَفِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِد إلَّا جُزْءَ صَاعٍ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ: وَمَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الزَّكَاةِ خَرَّجَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، انْتَهَى. وَحَمَلَ الشَّارِحُ وَالْبِسَاطِيُّ وَالْأَقْفَهْسِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: حَمْلُهُ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُبَعَّضِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ، وَلَوْ أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ لَقَالَ " أَوْ بَعْضُهُ " قُلْت: وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى فَيَكُونُ مُرَادُهُ بَيَانَ قَدْرِ الْوَاجِبِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِ صَاعٍ عَنْ نَفْسِهِ وَبَعْضِ صَاعٍ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِ صَاعٍ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَى إخْرَاجِ بَعْضِ صَاعٍ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ. [الثَّانِي تَعَدَّدَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَاعًا وَاحِدًا أَوْ بَعْضَ صَاعٍ] (الثَّانِي) إذَا تَعَدَّدَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَاعًا وَاحِدًا أَوْ بَعْضَ صَاعٍ، فَهَلْ يُخْرِجُهُ عَنْ الْجَمِيعِ أَوْ يُقَدِّمُ بَعْضَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ عَلَى بَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَاخْتُلِفَ، هَلْ تُقَدَّمُ نَفَقَةُ الِابْنِ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى قَوْلَيْنِ؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الثَّالِث قَدْرُ الصَّاعِ] (الثَّالِثُ) قَدْرُ الصَّاعِ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّ وَزْنُ رِطْلٍ وَثُلُثٍ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الرِّطْلِ فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَحَثْنَا عَنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نَقَعْ عَلَى حَقِيقَتِهِ - يَعْنِي حَقِيقَةَ قَدْرِهِ - وَأَحْسَنُ مَا أَخَذْنَاهُ عَنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ قَدْرَ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يُعْدَمُ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِحَفْنَةِ الرَّجُلِ الْوَسَطِ لَا بِالطَّوِيلِ جِدًّا وَلَا بِالْقَصِيرِ جِدًّا لَيْسَتْ بِالْمَبْسُوطَةِ الْأَصَابِعِ جِدًّا، وَلَا بِمَقْبُوضَتِهَا جِدًّا؛ لِأَنَّهَا إنْ بُسِطَتْ فَلَا تَحْمِلُ إلَّا قَلِيلًا، وَإِنْ قُبِضَتْ فَكَذَلِكَ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَقَدْ عَارَضْنَا ذَلِكَ بِمَا يُوجَدُ الْيَوْمَ بِأَيْدِي النَّاسِ مِمَّا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فصل من تجب عليه الزكاة

فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَانَ عِنْدَ سَيِّدِنَا وَقُدْوَتِنَا شَيْخِ الطَّرِيقَةِ وَإِمَامِ الْحَقِيقَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ الدَّكَّالِيِّ مُدٌّ عُيِّرَ بِمُدِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مَكْتُوبٍ عِنْدَهُ فَعَايَرْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّعْبِيرِ فَكَانَ مِلْؤُهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ كُلُّ مُدٍّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: مِعْيَارُهُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفِّ الرَّجُلِ الَّذِي لَيْسَ بِعَظِيمِ الْكَفَّيْنِ وَلَا صَغِيرِهِمَا إذْ لَيْسَ كُلُّ مَكَان يُوجَدُ فِيهِ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْتَهَى. وَجَرَّبْت ذَلِكَ فَوَجَدْتُهُ صَحِيحًا، انْتَهَى. كَلَامُ الْقَامُوسِ (الرَّابِعُ) تَقْدِيرُهَا بِالصَّاعِ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤَدَّى مِنْ الْبُرِّ نِصْفَ صَاعٍ وَبِهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. (الْخَامِسُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَيُقَالُ لِلْمُخْرَجِ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةَ وَلَا مُعَرَّبَةَ بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ، وَمَعْنَى الْمُعَرَّبَةِ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ عَجَمِيَّةً فَسَاقَتْهَا الْعَرَبُ عَلَى مِنْهَاجِهَا وَكَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ أَيْ زَكَاةُ الْخِلْقَةِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلدَّمِيرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ: وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ضَمُّهُمَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مَصْدَرُ إعْطَاءِ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ لِقُوتِ يَوْمِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ أَوْ جُزْئِهِ الْمُسَمَّى لِلْجُزْءِ وَالْمَقْصُورِ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْقُصُ بِإِعْطَاءِ صَاعٍ ثَانٍ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ كَالْأُضْحِيَّةِ ثَانِيَةٌ وَإِلَّا زِيدَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاسْمَا صَاعٍ إلَى آخِرِهِ يُعْطَى مُسَلَّمًا إلَى آخِرِهِ [فَصَلِّ مَنْ تجب عَلَيْهِ الزَّكَاةُ] ص (فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ قَدْرِ الْمُخْرَجِ ذَكَرَ الْمُخْرَجَ عَنْهُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِعَنْ عَائِدٌ إلَى الْمُخْرَجِ عَنْهُ الْمَفْهُومِ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ " يَجِبُ " إذًا الْوُجُوبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ، وَلَوْ قَالَ " عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ " لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَوْضَحَ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ: هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُوسِرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مُعْسِرٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ صَاعٌ وَلَا وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ وَعَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ صَاعٌ وَهُوَ الَّذِي فِي الْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يُجْحَفُ بِهِ فِي مَعَاشِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ صَاعٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَكَانَ إذَا أَخْرَجَهَا يَحْصُلُ لَهُ الْإِجْحَافُ فِي مَعَاشِهِ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا، حَكَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ رَابِعًا وَهُوَ وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ مَلَكَ قُوتَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَمْلِكَ الْمُخْرِجُ نِصَابًا وَنَحْوَهُ لِلَّخْمِيِّ، انْتَهَى. وَعَنْ اللَّخْمِيِّ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَفْظُهُ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْغَنَاءِ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَعْتَبِرُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا خَارِجًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَأَثَاثِهِ، بَلْ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ دَارٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا أَوْ عَبْدٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ أَيْ لِخِدْمَتِهِ أَوْ كُتُبٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ لِأَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ، هَلْ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ عَبْدٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهُ أَوْ يُعْطَاهَا؟ ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ لَهُ عَبْدٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ: عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَرَآهُ مُوسِرًا بِالْعَبْدِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ وَرَأَى أَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، وَسَبِيلُ الْمُوَاسَاةِ أَنْ لَا يُكَلَّفُهَا مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي إعْطَائِهَا لِمَالِكِ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَتَسَلَّفَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُؤَدِّيهَا الْمُحْتَاجُ إنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَلْزَمْهُ - إنْ أَيْسَرَ بَعْدَ أَعْوَامٍ - قَضَاؤُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ

فرع زكاة الفطر هل يسقطها الدين

لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْقَضَاءِ فَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الضَّرَرِ، وَلَوْ قَالَ " يَتَسَلَّفُ " لَكَانَ أَجْرَى عَلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَذْهَبِيٌّ. (تَنْبِيهٌ) إنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ إذَا كَانَ يَرْتَجِي وُجُودَ الْقَضَاءِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ مَعْنَاهُ: إذَا كَانَ يُرْتَجَى الْقَضَاءُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْن الْمَوَّازِ وَلَعَلَّ الْمُحْتَاجَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ يَرْجُوهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: سَمِعْت مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إنَّمَا يَتَسَلَّفُهَا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ حَيْثُ يُؤَدِّيهَا، وَيُسَنُّ لِمَنْ يَتَسَلَّفُهَا مِنْهُ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا زَكَاةً عَنْهُ فَمَتَى فُتِحَ لَهُ رَدَّ، صَحَّ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ. [فَرْعٌ زَكَاة الْفِطْرِ هَلْ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ] (فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، هَلْ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ أَشْهَبُ: لَا تَسْقُطُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ، انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُهَا، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ، انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ بِفَجْرِهِ؟ خِلَافٌ) ش: هَذَا بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخِطَابُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّ الْخِطَابَ بِهَا يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَذَلِكَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ بِهَا فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ أُخْرِجَتْ عَنْهُ. وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ أَيْسَرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَشَهَّرَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي - أَنَّ الْخِطَابَ بِهَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ فَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ أَيْسَرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ شَهَّرَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا - أَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخِطَابُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَهْمِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْفَجْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَصَوَّبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلَ هَذَا الْمُنْكِرِ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ يَمْتَدُّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ يَمْتَدُّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ إلَى زَوَالِ يَوْمِ الْعِيدِ، ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ،. وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ عَنْ الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ تَسْقُطُ عَمَّنْ وُلِدَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ أَيْسَرَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَجَدَّ مِلْكَ رَقِيقٍ أَوْ اسْتَجَدَّ زَوْجَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَتَعَلَّقُ الْكَلَامُ بِالْوَقْتِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ أَرْبَعِ حَيْثِيَّاتٍ: الْوَقْتُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ، وَالْوَقْتُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا فِيهِ، وَالْوَقْتُ الَّذِي يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ، وَتَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ مُعَشَّرٍ أَوْ أَقِطٍ غَيْرِ عَلَسٍ

إلَّا أَنْ يَقْتَاتَ غَيْرَهُ) ش: هَذَا بَيَانٌ لِلْجِنْسِ الَّذِي تُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَذَكَرَ أَنَّهَا تُؤَدَّى مِنْ أَغْلَبْ الْقُوتِ يَعْنِي أَغْلَبَ قُوتِ الْبَلَدِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمُخْرِجُ لَهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَغْلَبَ مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ أَوْ مِنْ الْأَقِطِ إلَّا الْعَلَسَ فَلَا تُؤَدَّى مِنْهُ، فَإِنْ اقْتَاتَ أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرَ الْمُعَشَّرَاتِ أُخْرِجَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِمَّا يَقْتَاتُونَهُ، هَذَا حِلُّ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَبِعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ كَلَامَ صَاحِبِ الْحَاوِي وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِنَا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُعَشَّرٍ إذَا كَانَ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ بَلَدٍ تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَتُؤَدَّى مِنْ الْقَطَانِيِّ وَالْجُلْجُلَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْأَصْنَافَ التِّسْعَةَ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اُقْتِيتَ غَيْرُ الْمُعَشَّرِ يُخْرِجُ مِنْهُ وَلَوْ وَجَدَ الْمُعَشَّرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ " مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ " لَكَانَ أَخْصَرَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّهَا تُؤَدَّى مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ الَّتِي هِيَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالْأُرْزُ فَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْقُوتِ فِي بَلَدٍ خِلَافَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ مِنْ عَلَسٍ أَوْ قُطْنِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَشَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مَوْجُودٌ لَمْ تُخْرَجْ إلَّا مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ بَلَدٍ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ، وَإِنَّمَا يَقْتَاتُونَ غَيْرَهَا فَيَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى حِينَئِذٍ مِنْ عَيْشِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَتُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأُرْزِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ صَاعٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا وَيُخْرِجُ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ مِنْ جُلِّ عَيْشِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّمْرُ عَيْشُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُخْرِجُ أَهْلُ مِصْرَ إلَّا الْقَمْحَ لِأَنَّهُ جُلُّ عَيْشِهِمْ إلَّا أَنْ يَغْلُوَ سِعْرُهُمْ فَيَكُونُ عَيْشُهُمْ الشَّعِيرَ فَيُجْزِئُهُمْ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُجْزِئُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ شَيْءٌ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَإِنْ أَعْطَى فِي ذَلِكَ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ مَالِكٌ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا تِينًا، وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، مِثْلُ اللُّوبِيَا أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشُ قَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُؤَدُّوا مِنْ ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُمْ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْأَخِيرُ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا تُؤَدَّى مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْشَ قَوْمٍ، قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَرَوَاهُ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ، بَلْ الْخِلَافُ فِي كُلِّ مَا يُقْتَاتُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْمًا أَوْ لَبَنًا، انْتَهَى، فَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا لَا تُؤَدَّى مِنْ الْقُطْنِيَّةِ إنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ جُلَّ عَيْشٍ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَافَ التِّسْعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا كَذَلِكَ وَيَصِيرُ كَلَامُهُ الْأَخِيرُ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَتْ هِيَ جُلُّ عَيْشِهِمْ وَغَيْرُهَا مَوْجُودٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلُّ الْعَيْشِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَجْزَأَ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشَ قَوْمٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَيْشُهُمْ إلَّا ذَلِكَ، وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَيُجْزِئُهُمْ حِينَئِذٍ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَقَدْرُهَا صَاعٌ مِنْ الْمُقْتَاتِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ، وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَلَسَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: مِنْ السُّنَّةِ الْأَوَّلُ خَاصَّةً، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَقْدِيرُهَا بِالصَّاعِ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤَدَّى مِنْ الْبُرِّ مُدَّيْنِ إلَّا صَاعًا، وَقَوْلُهُ " فِي زَمَانِهِ " أَيْ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَلَمْ يُرِدْ بَلَدًا مُعَيَّنًا كَمَا فَهِمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَذْهَبِ فِي الْعَلَسِ وَبَيْنَ أَشْهَبَ الْمَذْهَبُ فِي الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْعَلَسُ وَالثَّلَاثَةُ غَالِبُ عَيْش قَوْمٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَوْجُودٌ، أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ فَابْنُ حَبِيبٍ يَرَى الْإِخْرَاجَ مِنْ الْعَلَسِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَالْمَشْهُورُ يُخْرَجُ مِنْ التِّسْعَةِ وَأَشْهَبُ يَرَى الْإِخْرَاجَ مِنْ

السُّنَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ كَالْقَطَانِيِّ وَالتِّينِ وَالسَّوِيقِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِي، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُ مَا ذُكِرَ فَهَلْ يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ غَيْرَ قُوتِهِ حَرَجًا عَلَيْهِ، وَرَأَى فِي الْقَوْلِ الْآخَرَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَطَانِيِّ أَنَّهَا لَا تُخْرَجُ، وَإِنْ كَانَتْ قُوتَهُ، انْتَهَى. فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوتٌ غَيْرَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَلَسُ جُلَّ عَيْشِ قَوْمٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ مَوْجُودٌ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَذُكِرَ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْقَرَوِيِّينَ رَوَوْا الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، قَالَ: وَاخْتَصَرَهَا عَلَيْهِ حَمْدِيسٌ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: مَا تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، سَوَاءٌ كَانَ جُلَّ الْعَيْشِ أَوْ لَا، وَهُوَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ إذَا كَانَ جُلُّ عَيْشِهِمْ جُلَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تُؤَدَّى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتُجْزِئُهُ، وَالثَّلَاثَةُ فِيمَا بَيْنَهَا يُخْرِجُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى وَلَا نَعْكِسُ، وَغَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ السَّبْعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ جُلَّ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَغَيْرُ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جُلَّ الْعَيْشِ، وَاخْتُلِفَ، هَلْ يُخْرَجُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ جُلَّ الْعَيْشِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: الْمُعْتَبَرُ بِالْغَالِبِ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا مَا قَبْلَهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرَةِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِينَ فَيُعْتَبَرُ مَا يُؤْكَلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَلِأَنَّهُ بِفَرَاغِهِ تَجِبُ، وَعَارَضَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْخَلِيطَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا وَافْتِرَاقُهُمَا قُرْبَ الْحَوْلِ، وَأَجَبْتُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِالتُّهْمَةِ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِتْهَامُهُمَا أَقْرَبُ مِنْ إتْهَامِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَبِأَنَّ رَمَضَانَ هُوَ السَّبَبُ بِذَاتِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لَا جَمِيعَ الْعَامِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَلِيطَيْنِ: السَّبَبُ جَمِيعُ الْعَامِ لَا الشَّهْرُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْخُلْطَةُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَجَابَ بِهِ وَاصْطِلَاحُهُ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِبَعْضِ شُيُوخِهِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَلَمْ أَقِفْ لَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ يَحْكِيهِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ أَوْ وَقَفَ لَهُ عَلَيْهِ فِي فُتْيَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْجُلِّ الْعَامُ كُلُّهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّمَا يُرَاعَى يَوْمُ الْوُجُوبِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَامِ كُلِّهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ اعْتِبَارِ يَوْمِ الْوُجُوبِ فَبَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَوَائِدُ أَنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ يَوْمَ الْعِيدِ خِلَافَ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ يَقُولُ: يُعْتَبَرُ الْجُلُّ بِالْفُرْنِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : هَذَا إذَا كَانَ الْفُرْنُ مُتَّحِدًا فِي الْبَلَدِ وَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَخْبِزُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَإِلَّا فَيَخْتَلِفْ الْجُلُّ بِحَسَبِ الْحَارَّاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا كَانَ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ قُوتَ قَوْمٍ، وَقُلْنَا: يُخْرِجُونَ، فَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَشِبْهِهِمَا مِقْدَارَ عَيْشِ الصَّاعِ، وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ لَا يَرْتَضِيهِ، وَيَقُولُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُكَالُ كَالْقَمْحِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ وَشِبْهَهُ لَا يُكَالُ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَمَا قَالَهُ الشَّبِيبِيُّ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا اقْتَاتَ أَهْلُ بَلَدٍ نَوْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ جُلٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ قُوتِهِ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ اُخْتُلِفَ فِي الْقُطْنِيَّةِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَتْ جُلَّ عَيْشِ قَوْمٍ أَجْزَأَتْهُمْ، وَقَالَ

ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُجْزِئُ، انْتَهَى. قُلْت: مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْإِجْزَاءِ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشَهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَ جُلَّ عَيْشِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ. (السَّادِسُ) ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْعَلَسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اُخْتُصَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي قَدْرِ الصَّاعِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اخْتَارَهُ، وَقَالَ بِهِ، وَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ دَقِيقٍ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُ بِزَيْفِهِ. وَكَذَا الْخُبْزُ الصَّقَلِّيُّ وَبَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ تَفْسِيرُ الْبَاجِيِّ خِلَافٌ، انْتَهَى. (الثَّامِنُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ: وَالْأَقِطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ خَثْرُ اللَّبَنِ الْمُخْرَجِ زُبْدُهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ انْتَهَى. (التَّاسِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتُؤَدَّى مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا تُؤَدَّى مِنْهُ، مَا نَصُّهُ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقَمْحُ أَفْضَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْأُرْزِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ، الْمُتَقَدِّمِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إجْزَاءِ الْقَمْحِ وَاخْتُلِفَ فِي إجْزَاءِ الْأُرْزِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْأَفْضَلُ الْقَمْحُ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَالسُّلْتُ يُلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَفْضَلُ مِنْ الشَّعِيرِ. ص (وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ، وَإِنْ لِأَبٍ وَخَادِمِهَا أَوْ رِقٍّ، وَلَوْ مُكَاتَبًا وَآبِقًا رَجَى) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ

تنبيهات من أعتق صغيرا فإنه تلزمه نفقته والزكاة عنه

وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ: اشْتَهَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُهَا غَيْرَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَ " يَمُونُهُ " لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَإِنَّمَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرهَا الْأَوَّلُ - الْقَرَابَةُ وَذَلِكَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَبَوَيْنِ الثَّانِي - الزَّوْجِيَّةُ وَذَلِكَ فِي زَوْجَةِ الشَّخْصِ فَيُخْرِجُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَلِيئَةً، وَكَذَلِكَ عَنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ أَيْضًا خَادِمَ الزَّوْجَةِ وَخَادِمَ زَوْجَةِ الْأَبِ كَمَا قَالَ " وَإِنْ لِأَبٍ وَخَادِمِهَا " وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ قَدْرٍ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ: وَإِنَّمَا تَجِبُ عَنْ الزَّوْجَةِ إذَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ دَعَا إلَى الدُّخُولِ بِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَأَمَّا مَعَ الْمُسَاكَنَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ كَالْمَدْعُوِّ لِلدُّخُولِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْفِطْرَةُ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ كَالْمَمْنُوعِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَيُخْرِجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ الْمُتَهَيِّئَةِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ، الْمَشْهُورُ أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا دَعَا إلَى الدُّخُولِ السَّبَبُ الثَّالِثُ - الرِّقُّ فَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَهْرُومًا، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجِبُ عَنْ مُدَبَّرِهِ وَعَنْ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَعَنْ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَنْهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ وَتَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْأَعْمَى وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، قَالَ: وَلَوْ غَابَ الْعَبْدُ غَيْبَةً طَوِيلَةً فِي سَفَرٍ مِنْ غَيْرِ إبَاقٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: فَلِيُؤَدِّ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَتَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَوْرُوثِ إذَا لَمْ يُقْبَضْ إلَّا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " وَآبِقًا رَجَى " قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ: كَعَبْدٍ خَافَ مِنْ سَيِّدِهِ لِجَرِيمَةٍ ارْتَكَبَهَا فَهَرَبَ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ بِذَلِكَ سَابِقَةٌ وَلَا بِمِنْ يَتَغَرَّبُ وَيَصْبِرُ عَلَى الْأَسْفَارِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ فِعْلَهُ كُلَّ حِينٍ يَهْرُبُ ثُمَّ يَعُودُ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ الْمُسَافِرِ وَالْغَائِبِ الَّذِي يُنْتَظَرُ قُدُومُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَحُكْمُ الْمَغْصُوبِ حُكْمُ الْآبِقِ إنْ رَجَى خَلَاصَهُ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى. [تَنْبِيهَاتٌ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالزَّكَاةُ عَنْهُ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالزَّكَاةُ عَنْهُ وَذَلِكَ بِسَبَبِ الرِّقِّ السَّابِقِ، قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَيُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عَنْ الْمُرْضَعِ إذَا أَعْتَقَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَسْبَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَسْقُطَ عَنْهُ نَفَقَتُهُ، انْتَهَى. وَمِثْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ زَمِنًا فَقَدْ أَلْزَمُوهُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ سَنَدٌ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِعِتْقِ الزَّمِنِ، قَالَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَاخْتُلِفَ، هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً عَنْ الْعَبْدِ، قَالَ سَنَدٌ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْأَصْلِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَمُونُهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ كَمَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ رَبِيبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَمَنْ اسْتَأْجَرَ بِنَفَقَتِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيُخْرِجُ الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ " هُوَ كَلَامٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَإِنَّ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ مَنْ لَيْسَ بِقَرِيبِهِ كَالرَّبِيبِ أَوْ قَرِيبٍ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِالْأَصَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ بِاتِّفَاقٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا، وَالْمُسْتَأْجَرُ بِنَفَقَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ الْبَائِنُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ كَمَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ لَا يَمْنَعُ الْعِصْمَةَ، وَإِنَّمَا يُهَيِّئُهَا لِلْقَطْعِ فَالْعِصْمَةُ بَاقِيَةٌ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ

المكاتب والمخدم فإنه يخرج عنهما زكاة الفطر

: وَلَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَّى الْفِطْرَةَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الزَّوْجِيَّةِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا وَهِيَ حَامِلٌ فَلَا يُزَكِّي عَنْهَا الْفِطْرَةَ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ لَهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ لَا لَهَا، انْتَهَى مِنْ بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، نَقَلَهُ أَيْضًا عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ. [الْمُكَاتَبُ وَالْمُخَدِّمُ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ] (الثَّانِي) يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " يَمُونُهُ " الْمُكَاتَبُ وَالْمُخَدِّمُ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُخَدِّمُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ فِيهِ قَوْلَيْنِ: قِيلَ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَقِيلَ عَلَى الْمُخَدَّمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرَوَى الْبَاجِيُّ الْمُخَدِّمُ يَرْجِعُ لِحُرِّيَّةٍ عَلَى ذِي خِدْمَتِهِ وَلِرَبِّهِ فِي كَوْنِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُخَدَّمِ، ثَالِثُهَا إنْ قَلَّتْ خِدْمَتُهُ وَفِي نَفَقَتِهِ الثَّلَاثَةُ، انْتَهَى. وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَمُخَدِّمًا إلَّا لِحُرِّيَّةٍ فَعَلَى مُخَدَّمِهِ. (الثَّالِثُ) لَا يُؤَدِّيهَا عَنْ عَبْدِ عَبْدِهِ وَلَا عَبْدِ مُكَاتَبِهِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ وَتَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ. [لِلْكَافِرِ عَبْد مُسْلِم فَهَلْ تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفِطْر] (الرَّابِعُ) لَوْ كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ، مِثْلُ أَنْ يُسْلِمَ فِي يَدِهِ فِي مَهَلِّ شَوَّالٍ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ يَدِهِ أَوْ تُسْلِمَ فِي يَدِهِ أُمُّ وَلَدِهِ فَتُوقَفُ فِي قَوْلِهِ، أَوْ يَكُونُ لَهُ قَرَابَةٌ مُسْلِمُونَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ، مِثْلُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ الْكَبِيرِ يَبْلُغُ زَمَنًا ثُمَّ يُسْلِمُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: تَجِبُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، انْتَهَى. مِنْ الطِّرَازِ [ارْتَدَّ مُسْلِمٌ فَدَخَلَ وَقْتُ الزَّكَاةِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ تَابَ] (الْخَامِسُ) لَوْ ارْتَدَّ مُسْلِمٌ فَدَخَلَ وَقْتُ الزَّكَاةِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ تَابَ بَعْدَهُ وَلَهُ رَقِيقٌ مُسْلِمُونَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. مِنْهُ أَيْضًا. [جَنَى عَبْدٌ جِنَايَةً عَمْدًا فِيهَا نَفْسُهُ فَلَمْ يُقْتَلْ إلَّا بَعْدَ الْفِطْرِ] (السَّادِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ جِنَايَةً عَمْدًا فِيهَا نَفْسُهُ فَلَمْ يُقْتَلْ إلَّا بَعْدَ الْفِطْرِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، انْتَهَى. [الزَّوْجُ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ] (السَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ حَالَ عُسْرِهِ، وَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ فَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهَا حَتَّى يُوسِرَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ فَقَطْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْفِطْرَةُ إذْ لَا تَلْزَمُهَا نَفَقَةٌ وَتَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا تَسْقُطُ عَنْهُ فِطْرَتُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهَا وَأَبَى ذَلِكَ زَوْجُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ دُونَهَا وَيُخْتَلَفُ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ فَرْعُ مَنْ قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ فَقَطْ فِي ابْتِدَاءِ وُجُوبِهَا، هَلْ هِيَ عَلَى مُخْرِجِهَا أَوْ الْمُخْرَجِ بِسَبَبِهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ عَنْ الْعَبْدِ؟ وَنَصُّ مَا قَدَّمَهُ: هُوَ قَوْلُهُ إذَا ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَى السَّيِّدِ فَتَنَافَسَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَصْلِ وُجُوبِهَا بِهَا، هَلْ هُوَ عَلَى السَّيِّدِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ سَبَبَ وُجُوبِهَا أَوْ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَيَتَحَمَّلُهَا السَّيِّدُ وَيَكُونُ الرِّقُّ وَالْمِلْكِيَّةُ سَبَبَ تَحَمُّلِهَا فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى السَّيِّدِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، انْتَهَى. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَأَبَى ذَلِكَ زَوْجُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يُجْزِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْبَ ذَلِكَ لِجَازٍ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنُ) إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حَنَفِيَّةً وَالزَّوْجُ مَالِكِيًّا فَهَلْ يُخْرِجُ عَنْهَا مُدَّيْنِ مِنْ الْقَمْحِ عَلَى مَذْهَبِهَا أَوْ أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ عَلَى مَذْهَبِهِ؟ ذَكَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ [صَبِيٌّ فِي حِجْرِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَلَهُ بِيَدِهِ مَالٌ] (التَّاسِعُ) لَوْ كَانَ صَبِيٌّ فِي حِجْرِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَلَهُ بِيَدِهِ مَالٌ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَهُوَ مُصَدِّقٌ فِي الزَّكَاةِ وَفِي نَفَقَةِ الْمِثْلِ، نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَبَهْرَامُ فِي الشَّامِلِ، زَادَ فِي الشَّامِلِ وَيُؤَدِّيهَا الْوَصِيُّ عَنْ الْيَتَامَى وَعَنْ رَقِيقِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، انْتَهَى. [أَمْسَكَ عُبَيْدَ وَلَدِهِ الصِّغَارَ لِخِدْمَتِهِمْ وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ سِوَاهُمْ] (الْعَاشِرُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا أَمْسَكَ عُبَيْدَ وَلَدِهِ الصِّغَارَ لِخِدْمَتِهِمْ وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ سِوَاهُمْ أَدَّى الْفِطْرَةَ عَنْهُمْ مَعَ النَّفَقَةِ ثُمَّ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَهُوَ الْعَبِيدُ؛ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ، انْتَهَى. ص (قَبْلَ الصَّلَاةِ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى فَإِنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَوَاسِعٌ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ الْجَلَّابِ

تنبيه عنده قمح في منزله وأراد شراء الفطرة من السوق

وَاللَّخْمِيِّ وَعِيَاضٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَاسْتُحِبَّ إخْرَاجُهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ إنْ وَجَبَتْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا الْوَقْتُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا فِيهِ فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ " قَبْلَ الْغُدُوِّ " إلَى الْمُصَلَّى هُوَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَمَحِلُّ الِاسْتِحْبَابِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلَوْ أَدَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى فَهُوَ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنُ، قَالَ الْقَبَّابُ: فَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ اخْتِلَافًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ عِنْدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أَدَّاهَا بَعْدَهَا فَلَيْسَ بِآثِمٍ لِأَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ بَاقٍ، انْتَهَى. وَعِنْدَ الْجُزُولِيِّ وَالْوَقَارِ إنَّ أَلِأَفْضَلَ إخْرَاجُهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَإِخْرَاجُهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَحْسَنُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: أَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ لِإِخْرَاجِهَا فِي صَبِيحَةِ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْمُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى وَبَعْدَ الْفَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ فَعَلَ مَكْرُوهًا، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَلَا تَكُونُ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ إلَّا إذَا أُدِّيَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ وَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ مَا دَامَ يَوْمُ الْفِطْرَةِ قَائِمًا فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَثِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَهُ مِمَّنْ يَلْزَمُك أَدَاءُ الْفِطْرَةِ عَنْهُ لَمْ يُزِلْهَا مَوْتُهُ، وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فَأَوْصَى بِالْفِطْرَةِ عَنْهُ كَانَتْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَتُهُ عَلَيْهَا وَيُؤْمَرُونَ بِهَا كَزَكَاةِ الْعَيْنِ تُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّمَا فِي الثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا فَرَّطَ فِيهِ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ مِنْ ثُلُثِهِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا إلَّا الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، قَالَ: وَإِنْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا عَنْهُ وَعَمَّنْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ أُخْرِجَتْ مِنْ مَالِهِ وَقُضِيَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. ص (وَمِنْ قُوتِهِ الْأَحْسَنِ) ش: يَعْنِي مَنْ كَانَ يَقْتَاتُ أَحْسَنَ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ الْأَحْسَنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ غَالِبُ الْقُوتِ الشَّعِيرَ وَهُوَ يَقْتَاتُ الْقَمْحَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ. [تَنْبِيه عِنْدَهُ قَمْحٌ فِي مَنْزِلِهِ وَأَرَادَ شِرَاءَ الْفِطْرَةِ مِنْ السُّوقِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ قَمْحٌ فِي مَنْزِلِهِ وَأَرَادَ شِرَاءَ الْفِطْرَةِ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ إبْقَاءُ الْقَمْحِ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِ صِيَانَةً لِجَوْدَتِهِ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَفِيهِ الْفَضْلُ وَالْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ إبْقَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قُوتُ أَهْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. ص (إلَّا الْغَلَثَ) ش: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ فَتَجِبُ غَرْبَلَتُهُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوَّسُ الْفَارِغُ بِخِلَافِ الْقَدِيمِ الْمُتَغَيِّرِ الطَّعْمِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، انْتَهَى. ص (وَدَفْعُهَا لِزَوَالِ فَقْرِ وَرِقِّ يَوْمِهِ) ش، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْمَوْلُودِ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (وَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُفَرِّقُهَا كُلُّ قَوْمٍ فِي أَمْكِنَتِهِمْ مِنْ حَضَرٍ أَوْ بَدْوٍ أَوْ عَمُودٍ وَلَا يَدْفَعُونَهَا إلَى الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَعْدِلُ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لَمْ يَسَعْ أَحَدٌ أَنْ يُفَرِّقَ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَلْيَدْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ فَيُفَرِّقْهَا فِي مَوَاضِعِهَا، وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعِهِمْ مُحْتَاجٌ فَيُخْرِجَهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِمْ فَيُفَرِّقُوا هُنَاكَ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَزَادَ: وَأَهْلُ السَّفَرِ فِي سَفَرِهِمْ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَطْلُبَهَا كَمَا يَطْلُبُ غَيْرَهَا، انْتَهَى. ص (وَعَدَمُ زِيَادَةٍ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عَدَمَ زِيَادَةٍ عَلَى الصَّاعِ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ

فرع هل يجزئ إخراج الأب زكاة الفطر عن ولده الغني أم لا

قِيلَ لِمَالِكٍ: أَتَرْضَى بِالْمُدِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: لَا بَلْ بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ أَرَادَ خَيْرًا فَعَلَى حِدَةِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ تَغْيِيرُ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عَدَمَ زِيَادَةِ الْمِسْكِينِ عَلَى صَاعٍ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ " وَدَفْعُ صَاعٍ لِمَسَاكِينَ وَآصُعٍ لِوَاحِدٍ "؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ الْمُسْتَحَبِّ، وَهُنَاكَ بَيَانُ الْجَوَازِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ أَرَادَهُمَا مَعًا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الصَّاعِ وَعَلَى عَدَمِ زِيَادَةِ الْمِسْكِينِ عَلَى صَاعٍ مُشِيرًا بِهِ لِكَلَامِ الْقَرَافِيِّ وَابْنِ يُونُسَ. ص (وَإِخْرَاجُ الْمُسَافِرِ وَجَازَ إخْرَاجُ أَهْلِهِ عَنْهُ) ش: ابْنُ رُشْدٍ فِي لُبِّ اللُّبَابِ: الْمُخْرَجُ فِيهِ مَوْضِعُ الْمَالِ، وَإِنْ أَدَّى أَهْلُ الْمُسَافِرِ عَنْهُ أَجْزَأَتْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَانِهِ مُحْتَاجٌ فَفِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِنْ أَدَّى أَهْلُ الْمُسَافِرِ عَنْهُ أَجْزَأَ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ أَوْ أَوْصَاهُمْ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِفَقْدِ النِّيَّةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ كَلَامَهُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ بِقَرَابَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا يُؤَدِّيهَا الْمُسَافِرُ حَيْثُ هُوَ، وَإِنْ أَدَّاهَا عَنْهُ أَهْلُهُ أَجْزَأَهُ، وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ يُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهِ إذْ لَا يَدْرِي أَتُؤَدَّى عَنْهُ أَمْ لَا لَا عَنْ أَهْلِهِ لَعَلَّهُمْ أَدَّوْا (قُلْتُ) : فَيَلْزَمُ الْأَوَّلُ وَيُجَابُ بِالْمَشَقَّةِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا إنْ تَرَكَ مَا يُؤَدُّنَّهَا مِنْهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِأَدَائِهَا عَنْهُ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ بِأَدَائِهَا عَنْهُ لَمْ يُؤَدِّهَا، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَا يُؤَدُّونَهَا مِنْهُ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا عَنْهُ وَعَنْهُمْ، انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ لِسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ هُوَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الرَّجُلِ يَغِيبُ عَنْ أَهْلِهِ أَرَى أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَتُؤَدَّى عَنْهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا أَهْلُهُ فَأَرَى أَنْ يُؤَخِّرَ لَعَلَّهُمْ أَدَّوْا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ تَرَكَ عِنْدَ أَهْلِهِ مَا يُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ فَهُوَ إذَا لَمْ يَدْرِ مَا يَفْعَلُونَ فَيُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُؤَدُّوا عَنْهُ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْهُ فِي مَغِيبِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ عِنْدَهُمْ مَا يُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ لَزِمَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِمَوْضِعِهِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَيُخْرِجُهَا عَنْهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا الْمُسَافِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَ أَهْلَهُ بِأَدَائِهَا عَنْهُ وَعَنْهُمْ فَيَجْزِي ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ إنْ كَانَ أَهْلُهُ مَوْضِعَ الثِّقَةِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَجَازَ إخْرَاجُ أَهْلِهِ أَطْلَقَ فَيَبْقَى جَوَازُ إخْرَاجِ الْأَهْلِ كَمَا هُوَ مُطْلَقٌ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَنَصُّهُ: وَإِذَا أَدَّى أَهْلُ الْمُسَافِرِ عَنْهُ أَجْزَأَ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: قَوْلَهُ: وَإِنْ أَدَّاهَا أَهْلُهُ عَنْهُ أَجْزَأَ أَبُو الْحَسَنِ وَيَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَهُ أَدَّوْهَا عَنْهُ بِأَنْ يُوصِيهِمْ بِإِخْرَاجِهَا وَيَتْرُكَ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ وَيَثِقَ بِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ عَادَتَهُمْ وَأَوْصَاهُمْ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِفَقْدِ النِّيَّةِ، انْتَهَى. وَاسْتَحْسَنَ فِي الطِّرَازِ الْإِجْزَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُرْفَهُ مَعَهُمْ، وَنَصُّهُ: فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْمُسَافِرُ وَأَخْرَجَهَا عَنْهُ أَهْلُهُ، فَقَالَ فِي الْكِتَابِ: يُجْزِئُهُ وَذَلِكَ لَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا - أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ هُوَ عُرْفَهُمْ مَعَهُمْ فَيُجْزِئُ بِلَا إشْكَالَ وَكَأَنَّهُ اسْتَنَابَهُمْ، وَالثَّانِيَةُ - لَمْ يَأْمُرْهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُرْفَهُ مَعَهُمْ فَهَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ، وَأَنْ يُجْزِيَهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَيَسْقُطُ عَنْهُ إذَا أَدَّى عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَالدَّيْنِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ عَنْ رَبِّهَا ثُمَّ إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَضِيَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ فَفِيمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ أَوْلَى وَاعْتِبَارًا بِمَنْ يُضَحِّي عَنْهُ أَهْلُهُ بِأُضْحِيَّةٍ لِيَكْفُوهُ مُؤْنَةَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، انْتَهَى. [فَرْعٌ هَلْ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْأَبِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْغَنِيِّ أَمْ لَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ فَإِنْ قُلْت، هَلْ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْأَبِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْغَنِيِّ أَمْ لَا؟ (قُلْتُ) : الْجَوَابُ فِيهَا بِالْإِجْزَاءِ أَوْ النَّفْيِ خَطَأٌ وَالْجَوَابُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا جَازَ، وَإِنْ

فرع أراد أن يزكي عن أهله أو أراد أهله أن يزكوا عنه

كَانَ كَبِيرًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُهَا، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، انْتَهَى. يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا لَمْ يُعْلَمْهُ الْأَبُ بِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الزَّكَاةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ تَطَوَّعَ عَنْهُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ غَيْرُهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَمَسْأَلَةُ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي التَّنْبِيهِ السَّابِعِ مِنْ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهَا وَأَبَى زَوْجُهَا ذَلِكَ وَهُوَ مُوسِرٌ وَمَسْأَلَةُ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَالظَّاهِرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْإِجْزَاءُ وَسُقُوطُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمُخْرَجِ عَنْهُمْ إذَا أَعْلَمَهُمْ الْمُخْرِجُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْلِمْهُمْ بِذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُ لِفُقْدَانِ النِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَجَبَ نِيَّتُهَا فِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِيمَنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَغَيْرِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ وَكَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ أَوْ أَرَادَ أَهْلُهُ أَنْ يُزَكُّوا عَنْهُ] (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ أَهْلِهِ أَخْرَجَ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ، وَإِنْ أَخْرَجُوا عَنْهُ فَمِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَأْكُلُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ أَهْلُ الْبَلَدِ أَوْ يَأْكُلُهُ هُوَ لَا لِشُحٍّ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ أَوْ أَرَادَ أَهْلُهُ أَنْ يُزَكُّوا عَنْهُ، هَلْ الْمُعْتَبَرُ مَوْضِعُهُ أَوْ مَوْضِعُ أَهْلِهِ؟ قَوْلَانِ، انْتَهَى. ص (وَآصُعٍ لِوَاحِدٍ) ش: آصُعٌ بِهَمْزَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُخَفَّفَةٍ جَمْعُ صَاعٍ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ فِي الْقَامُوسِ وَلَا فِي الصِّحَاحِ، فَقَدْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصَّاعُ وَالصُّوَاعُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالصَّوْعُ وَبِضَمٍّ الَّذِي يُكَالُ بِهِ وَتَدُورُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ: الْجَمْعُ أَصْوُعٌ وَأَصْؤُعٌ وَأَصْوَاعٌ وَصُوَعٌ بِالضَّمِّ وَصِيعَانٌ، وَهَذَا جَمْعُ صُوَاعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: جَمْعُهُ أَصْوُعٌ، وَقَدْ تُبْدَلُ الْوَاوُ الْمَضْمُومَةُ هَمْزَةً لَكِنْ وَقَعَتْ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي كِتَابِ تَحْرِيرِ أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ فَإِنَّ جَمْعَ صَاعٍ أَصْوُعٌ ثُمَّ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى مَوْضِعِ الْأَلِفِ فَصَارَ أَأْصُعٌ ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ أَلِفًا فَصَارَ آصُعَ، قَالَ: وَأَنْكَرَ ابْنُ مَكِّيٍّ هَذَا الْجَمْعَ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَكِّيٍّ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَذُهُولٌ بَيِّنٌ، لَفْظَةُ آصُعٍ صَحِيحَةٌ فَصِيحَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَإِنَّمَا قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً فِي أَصْوُعٌ لِثِقَلِ الضَّمَّةِ عَلَى الْوَاوِ، قَالَهُ ابْنُ مَكِّيٍّ ص (وَمِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ إلَّا الشُّحَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُهَا مِنْ أَغْلَبِ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا مِنْ قُوتِهِ إنْ كَانَ أَغْلَى فَإِنْ كَانَ قُوتُهُ أَدْوَنَ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شُحٍّ فَيَجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِشُحٍّ فَلَا يَجْزِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَقْتَاتُ الْأَدْوَنَ لِشُحٍّ، سَوَاءٌ كَانَ يَقْتَاتُهُ لِفَقْرٍ أَوْ لِعَادَةٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَالْبَدْوِيِّ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ بِالْحَاضِرَةِ وَهُوَ مَلِيءٌ، قَالَ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ مَنْ اقْتَاتَ الْأَدْنَى لِفَقْرٍ - خِلَافًا فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ لِمُفَرِّقٍ؟ تَأْوِيلَانِ) ش: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ قَوْلٌ مَشْهُورٌ وَالْأَرْجَحُ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: قِيلَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَشْهِيرَ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا الْأَكْثَرُ، وَقَالَهُ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا وَفِي كَلَامِهِ تَضْعِيفٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْإِجْزَاءِ لِلْمُفَرِّقِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَتْلَفَهَا الْفَقِيرُ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا قَائِمَةٌ بِيَدِ مَنْ أَخَذَهَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ أَجْزَأَتْ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ لِدَافِعِهَا إنْ كَانَتْ لَا تُجْزِئُ أَنْ يَنْتَزِعَهَا فَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ كَمَنْ ابْتَدَأَ دَفْعَهَا حِينَئِذٍ وَلِأَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ بِبَقَائِهَا عَنْ طَوَافِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص

وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخَّرَهَا الْوَاجِدُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِمَاضِي السِّنِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَمَنْ فَرَّطَ فِيهَا سِنِينَ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهَا أَخْرَجَهَا عَمَّا فَرَّطَ مِنْ السِّنِينَ عَنْهُ وَعَمَّنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عَنْهُ فِي كُلِّ عَامٍ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى مَالِهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَأَوْصَى بِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فِي وَقْتِهَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا ضَمِنَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ تَلِفَ مَالُهُ وَبَقِيَتْ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَحَيْثُ تَعَيَّنَتْ ثُمَّ ذَهَبَتْ أَوْ ذَهَبَ مَالُهُ أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ ثُمَّ وَجَدَهَا، قَالَ سَنَدٌ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُنَفِّذُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَهْلِ الدَّيْنِ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ فِي أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالْمَقْصُودَ فِي الْأُضْحِيَّةِ إظْهَارُ الشَّعَائِرِ، وَقَدْ فَاتَ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ خَوَاصِّ الْوَاجِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ) ش: خَتَمَ الْبَابَ بِبَيَانِ مَصْرِفِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَقَالَ: وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ تُدْفَعُ لَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) الْحُرِّيَّةُ، (وَالثَّانِي) الْإِسْلَامُ، (وَالثَّالِثُ) الْفَقْرُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا فَلَا تُدْفَعُ لِعَبْدٍ وَلَا لِمَنْ فِيهِ شَائِبَةٌ وَلَا لِكَافِرٍ وَلَا لِغَنِيٍّ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُعْطَاهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا الْعَبْدُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ: وَلَا الْأَغْنِيَاءُ فَإِنْ أَعْطَاهَا مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِأَيْدِيهِمْ اسْتَرْجَعَهَا، وَإِنْ أَكَلُوهَا وَصَانُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ ضَمِنُوهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ بِسَبَبٍ مِنْ اللَّهِ نُظِرَ فَإِنْ غَرُّوا ضَمِنُوا، وَإِنْ لَمْ يَغِرُّوا لَمْ يَضْمَنُوا، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي تَحِلُّ لَهُ فَقِيلَ: هُوَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ زَكَاةُ الْعَيْنِ، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ لَا يُعْطَاهَا مَنْ أَخْرَجَهَا وَلَا يُعْطَى فَقِيرٌ أَكْثَرَ مِنْ زَكَاةِ إنْسَانٍ وَهُوَ صَاعٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» فَالْقَصْدُ غَنَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْقَصْدُ بِمَا سِوَاهَا مِنْ الزَّكَاةِ مَا يُغْنِيهِ عَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ قِيلَ: يُعْطَى مَا فِيهِ كَفَافٌ لِسَنَةٍ، وَلِذَا قِيلَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الزَّكَاةَ مَنْ لَهُ نِصَابٌ لَا كِفَايَةَ فِيهِ وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى زَكَاةَ الْفِطْرِ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا، انْتَهَى. فَأَوَّلُ كَلَامِهِ يُخَالِفُ آخِرَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَا تَحِلُّ لَهُ زَكَاةُ الْعَيْنِ " يَقْتَضِي جَوَازَ دَفْعِهَا لِمَالِكِ النِّصَابِ، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا لَا تُعْطَى لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِآخِرِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ آخِرًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ الْفَقِيرُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ صَدَقَةٍ إنْسَانٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ فِي الْبَابِ الْآتِي، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ مَصْرِفِهَا فَقِيرَ الزَّكَاةِ أَوْ عَادِمَ قُوتِ يَوْمِهِ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: وَخَرَجَ عَلَيْهَا إعْطَاؤُهَا مَنْ مَلَكَ عَبْدًا فَقَطْ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِعَجْزِ قِيمَتِهِ عَنْ نِصَابٍ أَوْ كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، انْتَهَى. فَانْظُرْهُ فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي تُصْرَفُ لَهُ الْفِطْرَةُ هُوَ فَقِيرُ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقِيلَ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّصَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُعْطَى الْوَاحِدُ عَنْ مُتَعَدِّدٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تُصْرَفُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا

كتاب الصيام

مَنْ يَلِيهَا وَلَا مَنْ يَحْرُسُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا الْمُجَاهِدُونَ، وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ هُنَا أَنَّهَا لَا تُعْطَى لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ كُفَّارٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُعْطَى مِنْهَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا كَانَ فَقِيرًا بِمَوْضِعِهِ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذَلِكَ وَانْظُرْ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا الرَّقِيقَ، وَيُعْتِقَ إذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ فُقَرَاءِ بَلَدِهَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ بِهِ فَقِيرٌ أَمْ لَا وَيَنْقُلَ مَا فَضَلَ إلَى غَيْرِهِمْ وَهَلْ يُعْطَى الْغَارِمُ مِنْهَا أَمْ لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إجَازَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَصْرِفُهَا كَالزَّكَاةِ أَيْ فَتُصْرَفُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مَقْصُورٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَبِيدِ وَالْغَنِيِّ عَلَى تَقْيِيدِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهَا لِغَيْرِهِمْ فَانْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ الشَّيْخِ، انْتَهَى. كَلَامُ الشَّارِحِ. (قُلْتُ) : أَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُخِذَ حِينَئِذٍ بِوَصْفِ الْفَقْرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَا يُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لَهُ، وَأَنَّهَا لَا تُصْرَفُ فِي شِرَاءِ رَقِيقٍ وَلَا لِغَارِمٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ، وَنَصُّهُ: وَالْمُخْرَجُ إلَيْهِ مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا فِي يَوْمِهِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ، وَأَمَّا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي صَرْفُهَا لِغَيْرِ الْفَقِيرِ، وَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَمُعْتَرَضٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ اعْتَمَدَ الشَّارِحُ فِي شَامِلِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ لَكِنَّهُ حَكَاهُ بِقِيلِ، فَقَالَ وَمَصْرِفُهَا حُرٌّ مُسْلِمٌ فَقِيرٌ، وَقِيلَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُهَا لَا لِغَنِيٍّ وَعَبْدٍ وَمُؤَلَّفٍ، انْتَهَى. فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ إلَى مَا قَالَهُ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ الشَّارِح فِي الْكَبِيرِ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " فَقِيرٌ " عَلَى أَنَّهَا تُدْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْ الْفَقِيرِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهَا تُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَهَكَذَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِهَا لِأَهْلِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْأَظْهَرِ وَلِلْمَرْأَةِ دَفْعُهَا لِزَوْجِهَا الْفَقِيرِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا لَهَا وَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ وَمَنْع أَيْسَرَ بَعْدَ أَعْوَامٍ لَمْ يَقْبِضْهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. (الْخَامِسُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ - أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْنُوهُمْ - يُغْنِي الْمَسَاكِينَ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرُوِيَ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» ، وَرُوِيَ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. [كِتَابُ الصِّيَامِ] قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الصِّيَامُ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَالْكَفُّ وَالتَّرْكُ، وَأَمْسَكَ عَنْ الشَّيْءِ وَكَفَّ عَنْهُ وَتَرَكَهُ فَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] . أَيْ صَمْتًا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْكَلَامِ وَالْكَفُّ عَنْهُ، قَالَ النَّابِغَةُ: خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا يُرِيدُ بِصَائِمَةٍ وَاقِفَةً مُمْسِكَةً عَنْ الْحَرَكَةِ وَالْجَوَلَانِ، وَقَوْلُهُمْ صَامَ النَّهَارُ مَعْنَاهُ إذَا انْتَصَفَ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ فَكَأَنَّهَا وَاقِفَةٌ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ لِإِبْطَاءِ مَشْيِهَا وَالْعَرَبُ قَدْ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا قَرُبَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ: الصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ قَالَ تَعَالَى:

{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] . أَيْ إمْسَاكًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: قَالَ الْخَلِيلُ الصِّيَامُ قِيَامٌ بِلَا عَمَلٍ وَالصَّوْمُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الطَّعَامِ وَصَامَ الْفَرَسُ أَيْ قَامَ عَلَى غَيْرِ اعْتِلَافٍ وَأَنْشَدَ بَيْتَ النَّابِغَةِ الْمُتَقَدِّمَ وَصَامَ النَّهَارُ صَوْمًا إذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَاعْتَدَلَ وَالصَّوْمُ رُكُودُ الرِّيحِ وَالْبِكْرَاتُ شَرُّهُنَّ الصَّائِمَةُ يَعْنِي الَّتِي لَا تَدُورُ، وقَوْله تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَمْتًا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ مُمْسِكٍ عَنْ كَلَامٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ سَيْرٍ فَهُوَ صَائِمٌ. وَالصَّوْمُ ذَرْقُ النَّعَامَةِ وَالصَّوْمُ الْبِيعَةُ وَالصَّوْمُ الشَّجَرُ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ، انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّوْمُ شَجَرٌ عَلَى شَكْلِ شَخْصِ الْإِنْسَانِ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ، انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْبِيعَةُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَاحِدَةُ بِيَعِ الْيَهُودِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ عَمَّا تَنْزِعُ إلَيْهِ النَّفْسُ، انْتَهَى. يُسَمَّى الصَّائِمُ سَائِحًا قَالَ فِي جَمْعِ الْأُمَّهَاتِ لِلسَّنُوسِيِّ: وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يُقَالُ السَّائِحُونَ الصَّائِمُونَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا ذَكَرَ الصَّائِمِينَ لَمْ يَذْكُرْ السَّائِحِينَ وَإِذَا ذَكَرَ السَّائِحِينَ لَمْ يَذْكُرْ الصَّائِمِينَ، انْتَهَى. وَالصَّوْمُ فِي الشَّرْعِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْفَمِ وَالْفَرْجِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْهَوَى فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَبِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَ فِيمَا عَدَا زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامَ الْأَعْيَادِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصَّوْمُ رَسْمُهُ عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ فَلَا يَدْخُلُ تَرْكُ مَا تَرْكُهُ وَرَعٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لِذَاتِهِ الْوَقْتَ الْمَخْصُوصَ وَقَدْ يُحَدُّ بِأَنَّهُ كَفٌّ بِنِيَّةٍ عَنْ إنْزَالٍ يَقَظَةً وَوَطْءٍ وَإِنْعَاظٍ وَمَذْيٍ وَوُصُولِ غِذَاءٍ غَيْرِ غَالِبٍ غُبَارٍ وَذُبَابٍ وَفَلْقَةٍ بَيْنَ الْأَسْنَانِ لِحَلْقٍ أَوْ جَوْفٍ زَمَنَ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ دُونَ إغْمَاءٍ أَكْثَرَ نَهَارِهِ. وَلَا يَرِدُ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَبَيَّتَ وَأَكَلَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا رُعِيَ لِلَغْوِ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَإِلَّا زِيدَ أَثَرُ جَوْفٍ غَيْرِ مَنْسِيَّةٍ فِي تَطَوُّعٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إمْسَاكٌ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ يَبْطُلُ طَرْدُهُ قَوْلُهَا فِيمَنْ صَبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءً وَمَنْ جُومِعَتْ نَائِمَةً وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ نَهَارِهِ وَأَمْذَى أَوْ أَمْنَى يَقَظَةً،، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ صِيَامِ رَمَضَانَ فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ صَوْمِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِهِ قُتِلَ حَدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ. مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبٌ، جَحْدُهُ وَتَرْكُهُ كَالصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ صَوْمِهِ يُقْتَلُ وَكَذَلِكَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يَقْتُلُهُ إلَّا السُّلْطَانُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ بِالْقَتْلِ كُفْرًا فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مَا يُوجَدُ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يُوَافِقُهُ عَلَى ذَلِكَ الصَّوْمِ إلَّا الْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ وَافَقَ فِيهَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، انْتَهَى. (قُلْت) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، فَقَوْلُ عِيَاضٍ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِفْطَارِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ فَقَدْ صَرَّحَ بِقَتْلِهِ لِتَرْكِ الصَّوْمِ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قِيلَ عَاشُورَاءُ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَاشُورَاءُ وَثَلَاثَةُ أَيَّام وَذَكَرَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ عَاشُورَاءُ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] . فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ رَمَضَانُ وَاَلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهُمْ وَأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى مَنْ قَبْلَنَا فَجَاءَ فِي الْحَرِّ فَحَوَّلُوهُ وَزَادُوا فِيهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) أَوَّلُ مَا فُرِضَ رَمَضَانُ خُيِّرَ بَيْنَ صَوْمِهِ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] . ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . وَكَانَ فِي أَوَّلِ

باب ما يثبت به رمضان

الْأَمْرِ إنَّمَا يُبَاحُ الشُّرْبُ وَالْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى أَنْ يَنَامَ الْمُكَلَّفُ أَوْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ لِقَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ - بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ - أَنَّهُ طَلَبَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ فَذَهَبَتْ لِتَأْتِيَ لَهُ بِهِ فَوَجَدَتْهُ قَدْ نَامَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ. وَرُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَادَ وَطْءَ امْرَأَتِهِ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا نَامَتْ فَكَذَّبَهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ خَوَّنَ نَفْسَهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَذَكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] . الْآيَةَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ سَبَبٌ لِنُزُولِهَا فَأُبِيحَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ هُوَ مُخَالَفَةُ الْهَوَى؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَكَسْرُ النَّفْسِ وَتَصْفِيَةُ مِرْآةِ الْعَقْلِ وَالِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مُوَاسَاةِ الْجَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب مَا يَثْبُت بِهِ رَمَضَان] ص (بَابُ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ) ش: يَعْنِي أَنَّ رَمَضَانَ يَثْبُتُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الرُّؤْيَةُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَالثَّانِي إكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ الشُّهُورِ وَلَوْ تَوَالَى الْغَيْمُ فِي شُهُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ: يُكْمِلُونَ عِدَّةَ الْجَمِيعِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَيَقْضُونَ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ خِلَافُ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَصَلَ الْغَيْمُ فِي رَمَضَانَ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الشُّهُورِ فَكَمَّلُوهَا ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ إنْ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَقْضُوا شَيْئًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِنْ رَأَوْا شَوَّالًا لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا وَإِنْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ قَضَوْا يَوْمَيْنِ وَإِنْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ قَضَوْا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. جَوَازُ اسْتِعْمَالِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيِّ وَالْجُزُولِيِّ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصُومُ رَمَضَانَ: أَنَّهُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ: صُمْنَا رَمَضَانَ. حَتَّى يُقَالَ: شَهْرَ. وَقَالَ: إنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَصِحُّ وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا يُلْبِسُ، مِثْلُ: جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ رَمَضَانُ وَأَمَّا صُمْنَا رَمَضَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ وَتَصُومُ رَمَضَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْقَائِلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ الشَّهْرِ إلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: لَا يُقَالُ إلَّا شَهْرُ رَمَضَانَ تَمَسُّكًا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ لَا يَصِحُّ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْإِكْمَالِ وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَالُ جَاءَ رَمَضَانُ؟ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِكْمَالِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حَجَرَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: رَمَضَانُ وَتَبِعَا فِي ذَلِكَ النَّوَوِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قَالَتْ، طَائِفَةٌ: لَا يُقَالُ: رَمَضَانُ عَلَى انْفِرَادِهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ: شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ: إنْ كَانَ هُنَالِكَ قَرِينَةٌ تُصْرَفُ إلَى الشَّهْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَتُكْرَهُ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إطْلَاقِ رَمَضَانَ

بِقَرِينَةٍ وَبِغَيْرِ قَرِينَةٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبَانِ الْأَوَّلَانِ فَاسِدَانِ، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ كَلَامَ النَّوَوِيِّ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَلْ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْأَبِيِّ فِي نَقْلِ كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَمِنْ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي نَقْلِهِ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَعَدَمِ تَنْبِيهِهِ عَلَى مَا نَسَبَهُ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ مَعَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ مُؤَاخَذَةً عَلَيْهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَذَكَرَهَا ((قُلْتُ)) وَمَا نَسَبَهُ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ غَرِيبٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي لَفْظِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَفْظُ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ وَنَصُّهُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ؟ فَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَى كَرَاهَتِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ كَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشَّهْرُ كَقَوْلِهِ: صُمْت رَمَضَانَ، وَجَاءَ رَمَضَانُ الشَّهْرُ الْمُبَارَكُ. لَمْ يُكْرَهْ إفْرَادُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ كُرِهَ كَقَوْلِهِ: جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ رَمَضَانُ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرَ رَمَضَانَ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَالضَّعْفُ بَيِّنٌ عَلَيْهِ. قَالَ: وَرَوَى الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالطَّرِيقُ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا كَيْفَمَا قِيلَ: لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَدْ صَنَّفَ جَمَاعَةٌ لَا يُحْصَوْنَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يُثْبِتُوا هَذَا الِاسْمَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ جَوَازُ ذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» . الْحَدِيثَ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: إذَا كَانَ رَمَضَانُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اُخْتُلِفَ فِي رَمَضَانَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِلشَّهْرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الْجُزُولِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الشَّهْرُ إلَى اسْمِهِ وَيُقَالُ شَهْرُ كَذَا إلَّا رَمَضَانُ وَرَبِيعَانِ فَيُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَشَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ شَهْرُ رَجَبٍ وَشَهْرُ شَوَّالٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ رَجَبٌ وَشَوَّالٌ، انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُمَا شَهْرَا رَبِيعٍ وَلَا يُذْكَرُ الشَّهْرُ مَعَ أَسْمَاءِ سَائِرِ الشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: الشُّهُورُ كُلُّهَا مُذَكَّرَةٌ إلَّا جُمَادَى. وَقَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يُضَافُ إلَيْهِ شَهْرٌ إلَّا رَمَضَانُ وَالرَّبِيعَانِ وَمَا كَانَ مِنْهَا اسْمًا لِلشَّهْرِ أَوْ صِفَةً قَامَتْ مَقَامَ الِاسْمِ فَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الشَّهْرُ إلَيْهِ كَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَنَقَلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي هَمْعِ الْهَوَامِعِ أَنَّ سِيبَوَيْهِ أَجَازَ إضَافَةَ شَهْرٍ إلَى سَائِرِ أَعْلَامِ الشُّهُورِ وَمَنَعَ ذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: لَمْ تَسْتَعْمِلْ الْعَرَبُ مِنْ أَسْمَاءِ الشُّهُورِ مُضَافًا إلَى شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ وَرَبِيعَ الْأَوَّلَ وَرَبِيعَ الْآخِرَ وَلَا يُقَالُ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ وَلَا شَهْرُ جُمَادَى، انْتَهَى. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ: إنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ اسْمُ الشَّهْرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْعِلَّةُ فِي اخْتِصَاصِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِذَلِكَ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ جَاءَ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا رَبِيعُ فَلَزِمَهُ الشَّهْرُ؛ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِفَصْلِ الرَّبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّيهِ رَبِيعًا أَوَّلَ وَالْخَرِيفَ رَبِيعًا ثَانِيًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَبَّابُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْمَشْهُورُ فِي التَّلَفُّظِ بِاسْمِ الشَّهْرِ مَعَ الشَّهْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ شَهْرُ رَبِيعٍ لَا تَقُولُ جَاءَ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخِرُ وَإِنَّمَا تَقُولُ جَاءَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ، وَرَمَضَانُ أَنْتَ فِيهِ مُخَيَّرٌ إنْ شِئْت أَثْبَتَّهُ وَإِنْ شِئْت تَرَكْتَهُ

وَسَائِرُ الشُّهُورِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَلْفِظَ مَنْعَهَا بِاسْمِ الشَّهْرِ وَإِنَّمَا تَقُولُ جَاءَ الْمُحَرَّمُ وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا، هَذَا نَقْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْأَكْثَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ) ش: هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ رَمَضَانُ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُسْتَفِيضَةٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَغَيْرُ مُسْتَفِيضَةٍ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَمَا سَيَأْتِي وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: الصَّوْمُ وَالْإِفْطَارُ يَصِحُّ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، الرُّؤْيَةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَالشَّهَادَةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةٌ فَبِكَمَالِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ

انْتَهَى. ثُمَّ يُفَصِّلُ فِي الشَّهَادَةِ إلَى مُسْتَفِيضَةٍ وَغَيْرِ مُسْتَفِيضَةٍ بَلْ يَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُصَامُ رَمَضَانُ وَلَا يُفْطَرُ فِيهِ وَلَا يُقَامُ الْمَوْسِمُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ، انْتَهَى. فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَلَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ بِشَهَادَةِ صَالِحِي الْأَرِقَّاءِ وَلَا مَنْ فِيهِ عَلَقَةُ رِقٍّ وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ فَلَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الشُّهُورِ إلَّا بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: رَأَيْت أَهْلَ مَكَّةَ يَذْهَبُونَ فِي هِلَالِ الْمَوْسِمِ فِي الْحَجِّ مَذْهَبًا لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوهُ إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ فِي الشَّهَادَةِ فِي هِلَالِ الْمَوْسِمِ إلَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَقِيلَ عَنْهُمْ خَمْسِينَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ شَاهِدَا عَدْلٍ كَمَا يَجُوزُ فِي الدِّمَاءِ وَالْقُرُوحِ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ شَاهِدَيْنِ إلَّا الزِّنَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ هَلْ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ؟ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْجَوَازُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشَاهِدَيْنِ، انْتَهَى. وَيَعْنِي قَوْلَ سَحْنُونٍ فِي مَسْأَلَةِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الصَّحْوِ بِالْمِصْرِ الْكَبِيرِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَذَكَرَ بَعْدَهُ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَ سَحْنُونٍ فِي هِلَالِ الْمَوْسِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعِنْدِي أَنَّهُمْ رَأَوْا شَأْنَ الْحَجِّ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَأَعْظَمِ الْحُقُوقِ يُعْتَبَرُ فِيهِ خَمْسُونَ رَجُلًا وَهُوَ الْقَسَامَةُ فِي الدَّمِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَذَا خُصُوصِيَّةَ الثُّبُوتِ عِنْدَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ وَيَسْتَقِرَّ وُجُودُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: إذَا تَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَرْضٌ كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ عِلْمُ التَّارِيخِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ رُؤْيَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ فِي أَوَّلِ تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ إذَا تَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَرْضُ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِذَا تَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ حُلُولُ دَيْنٍ أَوْ إكْمَالُ مُعْتَدَّةٍ عِدَّتَهَا فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ وَكِتَابِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ أَيْضًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّك اللَّهُ» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْت بِاَلَّذِي خَلَقَك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا» ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَذْكَارِ مَرَّتَيْنِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَقَالَ: وَفِي أَبِي دَاوُد «كَانَ يَقُولُ: هِلَالُ رُشْدٍ وَخَيْرٍ مَرَّتَيْنِ» ، انْتَهَى. وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ مِنْ أَبِي دَاوُد مُكَرَّرًا ثَلَاثًا قَالَ الدَّمِيرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ سُورَةَ الْمُلْكِ لِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ وَلِأَنَّهَا الْمُنْجِيَةُ الْوَافِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي تَقِيَّ الدِّينَ السُّبْكِيَّ: وَكَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً بِعَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَلِأَنَّ السَّكِينَةَ تَنْزِلُ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا وَكَانَ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَؤُهَا عِنْدَ النَّوْمِ. (فَائِدَةٌ) أُخْرَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَرْفِ السِّينِ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي وَسَلِّمْهُ مِنِّي» . قَوْلُهُ: سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ أَيْ لَا يُصِيبُنِي فِيهِ مَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ صِيَامِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: وَسَلِّمْهُ لِي هُوَ أَنْ لَا يَغُمَّ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ فَيَلْتَبِسَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ، وَقَوْلُهُ: سَلِّمْهُ مِنِّي أَيْ يَعْصِمُهُ مِنْ الْمَعَاصِي فِيهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ هُوَ أَنْ لَا يَغُمَّ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فِي أَوَّلِهِ مَعَ قَوْلِهِ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَرَاءَى النَّاسُ فِيهِ الْهِلَالَ قَبْلَ حُصُولِ الرُّؤْيَةِ ص (وَلَوْ بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ) ش: أَشَارَ بِلَوْ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ غَيْرُهُمَا فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ وَالصَّحْوِ قَالَ: وَأَيُّ رِيبَةٍ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا. (قُلْت) وَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ كَمْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ، وَهَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَهُ مَا نَصُّهُ: وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي الْعَدَدِ الَّذِي يُكْتَفَى بِهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، انْتَهَى. ص (فَإِنْ لَمْ يَرَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا كَذِبَا) ش تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَيْسَ بِمُفَرَّعِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الصَّحْوِ وَالْمِصْرِ كَمَا قِيلَ: بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى هِلَالِ شَعْبَانَ فَيُعَدُّ لِذَلِكَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ لَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ قَالَ: هَذَانِ شَاهِدَا سُوءٍ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا بِكَوْنِهِمَا شَاهِدَا سُوءٍ إنَّمَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الْغَيْمِ أَوْ صِغَرِ الْمِصْرِ وَقِلَّةِ النَّاسِ فَيُحْمَلُ أَمْرُهُمَا عَلَى السَّدَادِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَلَا مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَلَا مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَلَعَلَّهَا فِي سَمَاعِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَيُشِيرُ ابْنُ غَازِيٍّ بِقَوْلِهِ كَمَا قِيلَ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرَّاحِهِ وَابْنِ نَاجِي وَالشَّارِحِ فَإِنَّهُمْ فَرَّعُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ نِسْبَتُهَا لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَتْ فِيهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ فِيهَا عَائِدٌ لِلْمَسْأَلَةِ (حِكَايَةً) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْقَيْرَوَانِ وَجَلَسَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ لَيْلَتَيْنِ وَلَمْ يَرَ وَانْحَرَفَ عَلَى قَاضِي الْقَيْرَوَانِ فِي تَسَرُّعِهِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ كَانَ تَثَبَّتَ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي شُهُودِهَا مَا قَالَ وَلَمْ يَقَعْ فِي عَصْرِنَا قَطُّ وَلَا بَلَغَنَا أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِهِ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ: وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَ النَّاسُ يَوْمًا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ وَعَدَّ النَّاسُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا هِلَالَ ذِي الْقَعْدَةِ وَكَذَلِكَ يَفْسُدُ الْحَجُّ إذَا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ فَرْحُونٍ ((قُلْتُ)) وَقَدْ أَخْبَرَنِي وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَقَعَ لَهُمْ فِي سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ أَنَّ جَمَاعَةً شَهِدُوا بِمَكَّةَ بِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ حِرْصًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْوَقْفَةُ بِالْجُمُعَةِ ثُمَّ عَدَّ النَّاسُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَتِهِمْ وَلَمْ يَرَ أَحَدٌ الْهِلَالَ لَكِنْ لَطَفَ اللَّهُ بِالنَّاسِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ وَقَفُوا بِعَرَفَةَ يَوْمَيْنِ فَوَقَفُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ دُفِعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ الْعَامَيْنِ ثُمَّ رَجَعُوا وَبَاتُوا بِهَا وَوَقَفُوا بِهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَيَقَعُ بِمَكَّةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ أَعْنِي إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ خُبَاطٌ كَثِيرٌ غَالِبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُسْتَفِيضَةٌ) ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ الرُّؤْيَةِ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ وَفِي الْجَوَاهِرِ أَمَّا سَبَبُهُ أَيْ الصَّوْمِ فَاثْنَانِ الْأَوَّلُ: رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَتَحْصُلُ بِالْخَبَرِ الْمُنْتَشِرِ وَهَذَا الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: فَيَلْزَمُ بِرُؤْيَةٍ ظَاهِرَةٍ وَنَحْوِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَثُبُوتُ الْهِلَالِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ بَابِ الثُّبُوتِ بِالْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ لَا مِنْ بَابِ الثُّبُوتِ بِالشَّهَادَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَمَّا بِالْخَبَرِ الْمُنْتَشِرِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ، الْخَبَرُ الْمُنْتَشِرُ هُوَ الْمُسْتَفِيضُ الْمُحَصِّلُ لِلْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ

الْقَرِيبِ مِنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ: يَثْبُتُ الْهِلَالُ بِالرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ ثُمَّ قَالَ الْأَبِيُّ: فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الِاسْتِفَاضَةَ بِأَنَّهَا خَبَرُ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ. وَهَذَا الَّذِي فَسَّرَهَا بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ التَّوَاتُرُ، وَفَسَّرَ الْأُصُولِيُّونَ الِاسْتِفَاضَةَ بِأَنَّهَا مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَهِيَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَعَمُّ مِمَّا فَسَّرَهَا بِهِ، انْتَهَى. (قُلْت) لَفْظُ النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَقَدْ يَأْتِي مِنْ رُؤْيَتِهِ مَا يُشْتَهَرُ حَتَّى لَا يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى الشَّهَادَةِ وَالتَّعْدِيلِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَرْيَةً كَبِيرَةً فَيَرَاهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى بَاطِلٍ فَيَلْزَمُ النَّاسَ الصَّوْمُ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ اسْتِفَاضَةِ الْأَخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَمَا ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِفَاضَةِ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّهُ: وَالْمُسْتَفِيضُ مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بَلْ صَرِيحُهُ وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالِاسْتِفَاضَةِ هُنَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جَمَاعَةٍ يَحْصُلُ بِهِمْ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَعَمَّ إنْ نَقَلَ بِهِمَا عَنْهُمَا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ يَعُمُّ كُلُّ مَنْ نُقِلَ إلَيْهِ إذَا نُقِلَ بِهِمَا أَيْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ نُقِلَ بِاسْتِفَاضَةٍ وَقَوْلُهُ عَنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهَادَةُ الْمَنْقُولُ عَنْهَا تَثْبُتُ عِنْدَ حَاكِمٍ عَامٍّ كَالْخَلِيفَةِ أَوْ خَاصٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ حَاكِمٍ خَاصٍّ فَلَا تَعُمُّ إلَّا مَنْ فِي وِلَايَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا نُقِلَ عَنْ الْحَاكِمِ الْمَخْصُوصِ وَأَمَّا مَا يُنْقَلُ عَنْ الشُّهُودِ أَوْ الْخَبَرِ الْمُنْتَشِرِ فَلَا تَخْتَصُّ بِهِ جِهَةٌ دُونَ جِهَةٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ لُحُوقِ حُكْمِ رُؤْيَةِ مَا بَعْدَ كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ خُرَاسَانَ، انْتَهَى. ص (لَا بِمُنْفَرِدٍ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا مِنْ قَوْلِهِ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْهِلَالُ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ لَغْوٌ رُؤْيَةُ الْعَدْلِ لِغَيْرِهِ ابْنُ حَارِثٍ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: مَنَعَ مَالِكٌ أَنْ يُصَامَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَلَا الْإِبَاحَةِ. قَالَ سَحْنُونٌ: لَوْ كَانَ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا صُمْت بِقَوْلِهِ وَلَا أَفْطَرْت ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إجَازَةُ الصَّوْمِ لِرُؤْيَةِ الْوَاحِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا مِمَّا يَلِيهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْهِلَالُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنْ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ أَوْ عَنْ الرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لَهُمَا مَعًا فَلَا يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلِ وَلَا بِنَقْلِهِ أَمَّا رُؤْيَةُ الْعَدْلِ فَالْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا نَقْلُ الْعَدْلِ فَاخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ بِهِ فَأَجَازَهُ ابْنُ مُيَسَّرٍ وَأَبَاهُ أَبُو عِمْرَانَ وَرَجَّحَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ ابْنِ مُيَسَّرٍ بَلْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي نَقْلِ بَيِّنَةٍ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَوْلَا الشَّيْخِ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ مُيَسَّرٍ وَأَبِي عِمْرَانَ قَائِلًا: إنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ مُيَسَّرٍ فِيمَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ كَنَقْلِ الرَّجُلِ لِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَائِمُ عَلَيْهِمْ وَصَوَّبَ ابْنُ رُشْدٍ وَالصَّقَلِّيُّ قَوْلَ الشَّيْخِ وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَقْلِهِ لِأَهْلِهِ وَلَمْ يَحْكِ اللَّخْمِيُّ وَالْبَاجِيُّ غَيْرَهُ، انْتَهَى. فَإِذَا حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِنَقْلِ الْعَدْلِ أَوْ رَاجِعٌ لِلرُّؤْيَةِ وَالنَّقْلِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا رَجَّحَهُ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: قِيلَ: وَالْمَشْهُورُ خِلَافٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ مُيَسَّرٍ فَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ مَشَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّقْلَ عَنْ الشَّهَادَةِ: وَالِاسْتِفَاضَةُ بِأَحَدِهِمَا لَا بِمُنْفَرِدٍ عَنْهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ)

عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ النَّقْلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي رَجَّحَهُ الشُّيُوخُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَبْعَثُوهُ لِيَكْشِفَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُخْبِرَهُمْ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ إنْ بَعَثَ رَجُلًا إلَى أَهْلِ بَلَدٍ لِيُخْبِرَهُ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ صَامُوا بِرُؤْيَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ أَوْ بِثُبُوتِ الْهِلَالِ عِنْدَ قَاضِيهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الصِّيَامُ فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ شَاهِدٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ إذَا بَعَثَ مَنْ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمَا يُخْبِرُهُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُنْفَرِدٍ مَنْ يُرْسِلُهُ الشَّخْصُ لِيَكْشِفَ لَهُ عَنْ الْهِلَالِ فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِإِخْبَارِهِ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوَاحِدِ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّقْلِ عَمَّا يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ الْخَبَرِ الْمُنْتَشِرِ لَا عَنْ الشَّاهِدَيْنِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ النَّقْلَ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ نَقْلٌ عَنْ شَهَادَةٍ وَلَا يَكْفِي فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: صِيَامُ رَمَضَانَ يَجِبُ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يُرَى الْهِلَالُ أَوْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ عِنْدَهُ وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ الْعَدْلُ بِذَلِكَ أَوْ عَنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ رُؤْيَةً عَامَّةً وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ إنَّهُمْ صَامُوا بِرُؤْيَةٍ عَامَّةٍ أَوْ بِثُبُوتِ رُؤْيَةٍ عِنْدَ قَاضِيهِمْ وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا قَدْ رَأَيَاهُ وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إمَامٌ يَتَفَقَّدُ أَمْرَ الْهِلَالِ بِالِاهْتِبَالِ بِهِ، انْتَهَى. فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: ثَبَتَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ خَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مُوَافِقًا لِلْمُخْبِرِ وَأَمَّا لَوْ أَخْبَرَ شَافِعِيٌّ مَالِكِيًّا فَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى. ((قُلْتُ)) يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ بِمَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِعَدْلٍ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَمَّا لَوْ رَآهُ الْقَاضِي أَوْ الْخَلِيفَةُ وَحْدَهُ لَمْ يَلْزَمْ النَّاسَ الصَّوْمُ بِرُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُنْفَرِدِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ. . (الرَّابِعُ) إذَا قَالَ شَخْصٌ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ. لَمْ يَصِحَّ بِذَلِكَ الصَّوْمُ لِصَاحِبِ الْمَنَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَلِكَ لِاخْتِلَالِ ضَبْطِ النَّائِمِ لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَنَقَلَهُ الدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُ (الْخَامِسُ) إنْ قِيلَ: وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ» لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ نَقْصُهُمَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ» . وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ اثْنَانِ ثَلَاثُونَ ثَلَاثُونَ وَسَبْعَةٌ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ» وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّهُمَا لَا يَنْقُصَانِ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ: لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُلْتَزَمُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا كَأَهْلِهِ وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ) ش: إنْ جَعَلْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُنْفَرِدٍ مُخْرَجًا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّقْلِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنْ نَقَلَ الْمُنْفَرِدُ عَنْ ثُبُوتِ الْهِلَالِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ عَنْ الرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ لَهُ يَثْبُتُ بِهِ الْهِلَالُ إلَّا إذَا نَقَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَى

أَهْلِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ كَالْأَجِيرِ وَالْخَادِمِ أَوْ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ لَيْسَ لَهُمْ قَاضٍ أَوْ جَمَاعَةٌ لَا يَعْتَنُونَ بِأَمْرِ الْهِلَالِ وَضَبَطَ رُؤْيَتَهُ وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مِنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَكَأَنَّهُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّقْلِ إلَى الْأَهْلِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِيهَا قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي وَنَصُّهُ: وَيُقْبَلُ النَّقْلُ بِالْخَبَرِ إلَى الْأَهْلِ وَنَحْوِهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُهُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ مُقَابِلَهُ لَا يَكْفِي. وَلَمْ يَذْكُرْ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي قَبُولِهِ خِلَافًا وَيَبْقَى عَلَى الْمُصَنِّفِ الْكَلَامُ عَلَى ثُبُوتِ الْهِلَالِ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَعْتَنِي بِأَمْرِ الْهِلَالِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ حِينَئِذٍ ثُبُوتُ الْهِلَالِ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُكْتَفَى حِينَئِذٍ بِنَقْلِ الْعَدْلِ فَيُكْتَفَى أَيْضًا بِرُؤْيَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ إمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَوْ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِشَرْطِهَا كَانَ ثَمَّ حَاكِمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قِيلَ لَهُ: إنْ أَخْبَرَكَ الرَّجُلُ الْفَاضِلُ بِأَنَّهُ رَآهُ قَالَ: لَوْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا صُمْت وَلَا أَفْطَرْت، انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَفِي هَذَا الْأَخْذِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ سَحْنُونًا إنَّمَا قَالَهُ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَعْتَنِي بِأَمْرِ الْهِلَالِ وَأَمَّا إذَا جَعَلْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُنْفَرِدٍ مُخْرَجًا مِنْ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ أَوْ رَاجِعًا لِلرُّؤْيَةِ وَالنَّقْلِ جَمِيعًا فَيُشْكِلُ قَوْلُهُ إلَّا كَأَهْلِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَأَى الشَّخْصُ الْهِلَالَ وَحْدَهُ فِي بَلَدٍ بِهَا قَاضٍ يَعْتَنِي بِالْهِلَالِ أَوْ جَمَاعَةٌ يَعْتَنُونَ بِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَهْلَهُ الصَّوْمُ بِرُؤْيَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ أَهْلَهُ الصَّوْمُ بِرُؤْيَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَعْتَنِي بِأَمْرِ الْهِلَالِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ إمَامٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ لَهُمْ إمَامٌ وَهُوَ يُضَيِّعُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَعْتَنِي، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَبِيُّ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ فِي بَلَدٍ بِهَا قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَالَتِهَا وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْقَاضِي جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْظُرُونَ كَنَظَرِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُعْتَنٍ بِالشَّرِيعَةِ مِنْ قَاضٍ أَوْ جَمَاعَةٍ فَذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ الِاكْتِفَاءَ بِالْخَبَرِ بِشَرْطِهِ مِنْ الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَنُونَ بِالشَّرِيعَةِ كَفَى الْخَبَرُ يَعْنِي عَلَى شَرْطِهِ مِنْ الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ وَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَتَكُونُ هَذِهِ ضَرُورَةً تُبِيحُ الِانْتِقَالَ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى الْخَبَرِ كَمَا يَنْقُلُهُ الرَّجُلُ إلَى أَهْلِ دَارِهِ بَلْ هُوَ أَوْلَى وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ إمَامٌ أَوْ كَانَ وَضَيَّعَ فَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِرُؤْيَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ فَيَصُومُ بِذَلِكَ وَيُفْطِرُ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ. نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) سَأَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ قُرًى بِالْبَادِيَةِ مُتَقَارِبَةٍ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَنِيرُوا فَرَآهُ بَعْضُ أَهْلِ الْقُرَى فَنِيرُوا فَأَصْبَحَ أَصْحَابُهُمْ صَوْمًا ثُمَّ ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ بِالتَّحْقِيقِ، فَهَلْ يَصِحُّ صَوْمُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ رُئِيَ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ ((قُلْتُ)) أَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي فِيهِ النَّارُ يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ جَعْلِ النَّارِ فِيهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ الْهِلَالُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ نَقْلِ الْوَاحِدِ وَهَذَا كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لَا يُوقَدُ الْقَنَادِيلُ فِي رُءُوسِ الْمَنَائِرِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْهِلَالِ فَمَنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ جَاءَ بِلَيْلٍ وَرَأَى ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ رَفْعُ رُؤْيَتِهِ) ش الْمُرَادُ بِالْمَرْجُوِّ مَنْ يُرْتَجَى قَبُولُ شَهَادَتِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يُزَكِّيهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ: يَجِبُ رَفْعُ الْمَرْجُوِّ وَلَوْ عَلِمَ جُرْحَةَ نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ يُرْفَعُ لِلْإِمَامِ وَلَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي

الْمَجْمُوعَةِ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ، انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِي هَذَا خِلَافًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى عَدُوِّهِ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُخْبِرُ بِالْعَدَاوَةِ؟ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَوْ لَا يُخْبِرُ بِهَا؟ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهِيَ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَلَوْ عَلِمَ الشَّاهِدُ مِنْ نَفْسِهِ مَا لَوْ أَظْهَرَهُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ هَلْ يَرْفَعُ؟ قَالَ بَعْضُ الْمَشَارِقَةِ: يَجْرِي عَلَى مَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ وَهُوَ عَدُوٌّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ هَلْ يُخْبِرُ بِالْعَدَاوَةِ فَتَبْطُلُ أَوْ لَا؛ لِئَلَّا يُضَيِّعَ الْحَقَّ، فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَتَكَرَّرَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ، انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمُخْتَارُ وَغَيْرُهُمَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ رَفْعِ الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ الْعَدْلِ وَهُوَ الْفَاسِقُ الْمَعْلُومُ فِسْقُهُ وَالْمَرْجُوُّ وَهُوَ الْمَجْهُولُ الْحَالِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الرَّفْعِ وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْجَلَّابِ وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَلَا مَرْجُوًّا فَفِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِهِ وَتَرْكِهِ نَقْلًا اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَالْقَاضِي وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ بَدَلَ اسْتِحْبَابِهِ وُجُوبَهُ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِهِ فِي التَّبْصِرَةِ إنَّمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا فِي الْوَسَطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَفْطَرُوا فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ فَتَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَرْجُوًّا أَوْ نَحْوَهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُنْتَهِكًا لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِرُؤْيَتِهِ مُنْفَرِدًا فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَأْوِيلَانِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ التَّأْوِيلَ الْبَعِيدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ صَامَ هَذَا الرَّائِي وَحْدَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ لَمْ يَرَ أَحَدٌ الْهِلَالَ، وَالسَّمَاءَ مُصْحِيَةٌ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا مُحَالٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَلِطَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ عَلَى اعْتِقَادِهِ الْأَوَّلِ وَيَكْتُمَ أَمْرَهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَكْذِبَانِ، فَكَيْفَ بِالْمُنْفَرِدِ؟! وَالْعَجَبُ مِنِ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الشَّامِلِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْمٌ يَعْمَلُ عَلَى رُؤْيَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (لَا بِمُنَجِّمٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْهِلَالَ لَا يُثْبِتُ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ: إِنَّهُ يَرَى، بَلْ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ بِقَوْلِهِ، بَلْ وَلَا يَجُوزَ لَهُ هُوَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا سَيَأْتِي عَنِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَارِفُ بِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ الشَّافِعِيِّ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِمَامِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَعُ، انْتَهَى. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنَجِّمِ بِالْحِسَابِ الَّذِي يَحْسُبُ قَوْسَ الْهِلَالِ وَنُورَهُ، وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُنَجِّمَ الَّذِي يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ، وَالْحَاسِبَ الَّذِي يَحْسُبُ سَيْرَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَإِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِ الْحَاسِبِ فَمِنْ بَابِ أَحْرَى أَنْ لَا يَعْمَلَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ رَكَنَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: وَإِنْ رَكَنَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ، يُشِيرُ بِهِ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ ابْنِ بَزِيزَةَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ فِي الْمَذْهَبِ، رَوَاهَا بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحِسَابُ الْمُنَجِّمِينَ؛ لِقَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ: رُكُونُ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ لَهُ بَاطِلٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ لِمَالِكِيٍّ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كُنْتُ أُنْكِرُ عَلَى الْبَاجِيِّ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ

الشَّافِعِيَّةِ لِتَصْرِيحِ أَئِمَّتِهِمْ بِلَغْوِهِ، حَتَّى رَأَيْتُهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ، انْتَهَى. وَقَدْ رَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ: أَنَّ ابْنَ الشِّخِّيرِ يَقُولُ: يُعْتَمَدُ عَلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: إِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ فِي خَاصَّتِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالْمِائَةِ بَيْنِ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ: يَجُوزُ إِثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا، وَقَاعِدَةِ رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدِنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِسَابِ، قَالَ سَنَدٌ: إِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ، مَعَ أَنَّ حِسَابَ الْأَهِلَّةِ وَالْخُسُوفَ وَالْكُسُوفَ قَطْعِيٌّ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَى عَادَتَهُ بِأَنَّ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَانْتِقَالَاتِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ طُولَ الدَّهْرِ، وَكَذَلِكَ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ، وَالْعَوَائِدُ إِذَا اسْتَمَرَّتْ أَفَادَتِ الْقَطْعَ، كَمَا إِذَا رَأَيْنَا شَيْخًا نَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ كَذَلِكَ، بَلْ طِفْلًا لِلْعَادَةِ. وَإِلَّا فَالْعَقْلُ يُجَوِّزُ وِلَادَتَهُ كَذَلِكَ. فَالْقَطْعُ الْحَاصِلُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْعَادَةِ، وَإِذَا حَصَلَ الْقَطْعُ بِالْحِسَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ. وَالْفَرْقُ هَاهُنَا وَهُوَ عُمْدَةُ الْخَلْفِ وَالسَّلَفِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَصَبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظَّهْرِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ، فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا بِأَيِّ طَرِيقٍ لَزِمَهُ حُكْمُهُ، فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ الْقَطْعَ، وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَلَمْ يَنْصِبْ خُرُوجَهَا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ، بَلْ نَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ هُوَ السَّبَبُ، فَإِذَا لَمْ تَحْصُلِ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَحْصُلِ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يَثْبُتِ الْحَكَمُ، وَيَدُلْ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلَمْ يَقِلْ: لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ، قَالَ فِي الصَّلَاةِ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ مَيْلِهَا، انْتَهَى أَكْثَرُهُ بِلَفْظِهِ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَوْلِ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ، كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَرُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ حَسَنٌ، وَقَدْ قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَحْوُ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَقَالَ أَهْلُ الْحِسَابِ: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ قَطْعًا - فَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ أَهَّلِ الْحِسَابِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ أَمْرٌ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةُ ظَنِّيَّةٌ، وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ. وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعُ: ذَكَرَ ابْنُ نَاجِيٍّ فِي شَرَحِ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ ابْنَ هَارُونَ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ بِأَنَّ مُطَرِّفًا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مُطَرِّفًا الْمَذْكُورَ لَيْسَ هُوَ مُطَرِّفًا الْمَالِكِيَّ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، انْتَهَى. الْخَامِسُ: يُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ بِمَا يُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَةِ نَاقِصِ الشُّهُورِ وَكَامِلِهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالنُّجُومِ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ سَمْتُ الْقِبْلَةِ وَأَجْزَاءُ اللَّيْلِ جَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ -: وَأَمَّا النَّظَرُ فِي أَمْرِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ مِنْ كَمَالِهَا دُونَ رُؤْيَةِ أَهِلَّتِهَا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي، إِذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّلَ فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَسْتَغْنِي عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْأَهِلَّةِ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ إِذَا أُغْمِيَ الْهِلَالُ، هَلْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشَّخِّيرِ: إِنَّهُ يَعْمَلُ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْكُسُوفَاتُ لِأَنَّهُ لَا يَعْنِي. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ الْعَوَامَّ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَيَزْجُرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. (قُلْتُ) : وَلَا يَحْرِمُ الِاشْتِغَالُ؛ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ

طَرِيقِ الْحِسَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّادِسُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إِثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَاقْدُرُوا لَهُ» فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: «فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ» مُفَسِّرٌ لَهُ، وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ لَهُ، وَإِلَى أَنَّ مَعْنَى التَّقْدِيرِ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ: بِأَنْ يَنْظُرَ إِذَا غُمَّ الْهِلَالُ لَيْلَةَ الشَّكِّ إِلَى سُقُوطِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ سَقَطَ لِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ - وَهِيَ سِتَّةُ أَسْبَاعِ سَاعَةٍ - عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَإِنْ غَابَ لِمَنْزِلَتَيْنِ عَلِمَ أَنَّهُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَقَضَوُا الْيَوْمَ، وَهَذَا قَوْلٌ خَطَأٌ؛ إِذْ لَا يَسْقَطُ الْقَمَرُ فِي أَوَّلِ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ - كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا - لِسِتَّةِ أَسْبَاعِ سَاعَةٍ، هَذَا يُعْلَمُ يَقِينًا بِمُشَاهَدَةِ بَعْضِ الْأَهِلَّةِ أَرْفَعَ وَأَبْطَأَ مَغِيبًا مِنْ بَعْضٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمُقْتَضَاهُ فِي أَنَّ التَّقْدِيرَ إِنَّمَا أُمِرَ بِهِ ابْتِدَاءً قَبْلَ الْفَوَاتِ لِيَصُومَ أَوْ لِيُفْطِرَ، لَا فِي الِانْتِهَاءِ بَعْدَ الْفَوَاتِ لِيَقْضِيَ أَوْ لَا يَقْضِي، وَالَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي مَعْنَى التَّقْدِيرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ «إِذَا غُمَّ الْهِلَالُ» : أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا قَبْلَ هَذَا الَّذِي غُمَّ الْهِلَالُ عِنْدَ آخِرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، فَإِنْ كَانَ تَوَالَى مِنْهَا شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَامِلَةٌ عَمِلَ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ نَاقِصٌ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ صِيَامًا، وَإِنْ كَانَتْ تَوَالَتْ نَاقِصَةً عَمِلَ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ كَامِلٌ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ مُفْطِرِينَ؛ إِذْ لَا تَتَمَادَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ نَاقِصَةٌ وَلَا كَامِلَةٌ عَلَى مَا عُلِمَ بِمَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ، وَلَا ثَلَاثَةَ أَيْضًا نَاقِصَةً وَلَا كَامِلَةً إِلَّا فِي النَّادِرِ. وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَ قَبْلَ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي غُمَّ الْهِلَالُ فِي آخِرِهِ شَهْرَانِ فَأَكْثَرَ كَامِلَةً وَلَا نَاقِصَةً احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّهْرُ نَاقِصًا أَوْ كَامِلًا احْتِمَالًا وَاحِدًا يُوجِبُ أَنْ يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، فَيَكُونُ - عَلَى هَذَا - الْحَدِيثَانِ جَمِيعًا مُسْتَعْمَلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِ صَاحِبِهِ، وَهَذَا فِي الصَّوْمِ. وَأَمَّا فِي الْفِطْرِ إِذَا غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَا يُفْطِرُ بِالتَّقْدِيرِ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ رَمَضَانَ نَاقِصٌ، انْتَهَى. وَتَفْسِيرُ مَالِكٍ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَمَا عَدَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّمَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] أَيْ تَمَامًا، انْتَهَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. السَّابِعُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلُ الْعَارِفُ، فَإِنْ أَكَلَ فِي أَذَانٍ سَأَلَهُ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا قَضَى. الْبَاجِيُّ: مَنْ يَحْضُرُ يُؤْذِّنُ مُؤَذِّنُهُ عِنْدَ الْفَجْرِ فِي وُجُوبِ كَفِّهِ بِأَذَانِهِمْ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْفَجْرَ مَا طَلَعَ، وَبَعْدَ أَذَانِهِمْ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ- رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَنَصَفَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَجُوزُ لَهُ تَصْدِيقُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ، فَإِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْفَجْرِ فَلْيَكُفَّ وَلْيَسْأَلِ الْمُؤَذِّنَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَيَعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا وَلَا عَارِفًا فَلْيَقْضِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَلْيُقْضِ وَيُبَاحُ لَهُ فِطْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالتَّمَادِي، وَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ أَتَمَّهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَا عِلْمَ عِنْدِهِ بِالْفَجْرِ- يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَلْمٌ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إِذَا أُمِنَ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَلَا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ إِلَّا بِمُبِيحٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنِ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، سَوَاءٌ خَافَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَوْ أَمِنَ مِنَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِفْرٍ أَوْ حَيْضٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إِذَا كَانَ الْعُذْرُ مِمَّا يَخْفَى مَعَهُ الْفِطْرُ، وَنَصُّهُ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا أَمِنَ مِنَ الظُّهُورِ -: وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ يَخْفَى مَعَهُ الْفِطْرُ، فَإِنْ كَانَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ مَرَضٌ يُمْكِنُهُ مَعَهُ الصَّوْمُ بِلَا مَشَقَّةٍ فَلْيَرَ هُوَ مِنْ

نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ وَيُفْطِرُ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْصُلُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِذَا خَافَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إِذَا أَمِنَ مِنَ الظُّهُورِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا قَدْ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَذَى مَعَ تَحْصِيلِ غَرَضِ الشَّرْعِ بِالْفِطْرِ بِالنِّيَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ جَائِزٌ. قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَقَالَ: لَمْ يَجُزْ إِفْطَارُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ يَشْهَدُ عَلَيْهِمَا شَاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا وَالزَّوْجَانِ يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَهَا خِفْيَةً، فَالْأَكْلُ مِثْلُهُ مِنْ بَابِ أُولَى؛ لِأَنَّ التَّخَفِي فِي الْأَكْلِ أَكْثَرُ مِنِ الْجِمَاعِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَنْقُلْهُ إِلَّا عَنِ اللَّخْمِيِّ، وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِفْطَارِ بِغَيْرِ النِّيَّةِ. وَأَمَّا الْإِفْطَارُ بِالنِّيَّةِ فَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ، عَنِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُهُ، وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابُهُ وَضَعَّفَهُ، وَنَصُّهُ: وَالْمُنْفَرِدُ بِشَوَّالٍ فِي اسْتِحْبَابِ فِطْرِهِ حَضَرًا بِنِيَّةٍ، وَوُجُوبُهُ نَقْلًا ابْنُ رُشْدٍ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ مُضَعِّفًا قَوْلَهُ، وَالْمَذْهَبُ وَيَمْنَعُ بِالْأَكْلِ وَلَوْ أَمِنَ. اللَّخْمِيُّ: لَا يَمْنَعُ إِنْ أَمِنَ بِحَضَرٍ وَلَا بِسِفْرٍ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَنَصُّهُ: وَأَمَّا إِذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ دُونَ النَّاسِ وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنَ النَّاسِ، وَالْفِطْرُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ جَائِزٌ، بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ؛ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ، لَكِنَّهُ حَظَرَهُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِلتُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الدَّوَاوِينِ، وَأَبَيْنُهُ سَمَاعُ أَصْبُغَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَنْوِيَ الْفِطْرَ وَلَا يُظْهِرَهُ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ: وَلْيَنْوِ الْفِطْرَ. وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ، انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَاتِ، يَعْنِي لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الرِّوَايَاتِ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ بِالنِّيَّةِ، بَلْ قَالُوا: إِذَا حَصَلَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ الْفِطْرَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِمْسَاكِ إِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَمْ يُنْسَبْ إِلَى الْغَلَطِ. الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْبَاجِيُّ: يُفْطِرُ الْمُسَافِرُ وَحْدَهُ؛ لِاحْتِمَالِ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ عَلِمَ عَدَمَ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ وَجَبَ صَوْمُهُ. ابْنُ زُرْقُونَ: هَذَا وَهْمٌ؛ لِأَنَّ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْقَصْرَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّهُ تَبِعَ سَمَاعَ أَبِي زَيْدٍ: لَا يُفْطِرُ مُسَافِرٌ فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِمَغَارَةٍ وَحْدَهُ أَفْطَرَ. (قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ ابْنُ زُرْقُونَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى أَنَّ فِطْرَهُ لِلْعِيدِ، وَأَمَّا إِذَا أَصْبَحَ مُفْطِرًا عَلَى أَنَّ فِطْرَهُ لِلسَّفَرِ فَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يُخْفِيهِ كَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِ أَفْطَرَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِهِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْفِطَرِ عَلَيْهِ، وَالْمَانِعُ مِنْهُ خَشْيَةُ نِسْبَتِهِ إِلَى الْفِسْقِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بَقِيَ الْوُجُوبُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَتَكَلَّمِ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ جِهَةِ فِطْرِهِ لِلسَّفَرِ، بَلْ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَنِ انْفَرَدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالٍ وَذَكَرَ كَلَامَهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعُ: فُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ الْعُذْرُ وَجَبَ الْإِفْطَارُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. الْخَامِسُ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَأْكُلُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ الْهِلَالَ، فَقَالَ أَشْهَبُ: يُعَاقَبُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ وَأَوْدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا لَمْ يُعَاقَبْ،

وَتُقِدِّمَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَعُودَ، فَإِنْ فَعَلَ عُوقِبَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالرِّضَا، نَقْلَهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى. وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالرِّضَا، فَلَا يُعَاقَبُ وَيُغْلَظُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْعِظَةِ، انْتَهَى. ص: (وَفِي تَلْفِيقِ شَاهِدٍ أَوَّلَهُ لِآخَرَ آخِرَهُ، وَلُزُومِهِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ- تَرَدُّدٌ) ش: ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: الْأُولَى: إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ الشَّهْرُ بِشَهَادَتِهِ لِانْفِرَادِهِ، وَشَهِدَ آخَرُ فِي آخِرِهِ بِرُؤْيَةِ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ تَصْدِيقَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، فَهَلْ تُضَمُّ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ لَا تُضَمُّ؟ وَذَلِكَ لَهُ صُورَتَانِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الثَّانِيَ إِمَّا أَنْ يَشْهَدَ بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَ ثَلَاثِينَ، فَإِنْ شَهِدَ بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ فَشَهَادَتُهُ مُصَدِّقَةٌ لِشَهَادَةِ الْأَوَّلِ إِذْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ بَعْدَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَقَدِ اتَّفَقَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَلْزَمُ قَضَاؤُهُ وَلَا يُفْطِرُونَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ لَا تُوجِبُ كَوْنَ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الشَّهْرِ كَامِلًا، وَإِنَّ شَهِدَ الثَّانِي بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَجِبُ الْفِطْرُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ بِحَالٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُلَفِّقُ الشَّهَادَةَ فِي الْأَفْعَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُلَفَّقُ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِعَكْسِهِ إِنَّ كَانَتْ رُؤْيَةُ الثَّانِي فِي غَيْمٍ، وَإِلَّا بَطَلَتَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي ضَمٍّ مُنْفَرِدٍ لِآخَرَ فِيمَا يَلِيهِ. ثَالِثُهَا: إِنْ رَآهُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ لِرُؤْيَةِ الْأَوَّلِ لِأَحَدٍ وَثَلَاثِينَ. وَرَابِعُهَا: عَكْسُهُ، إِنْ كَانَتْ رُؤْيَةُ الثَّانِي فِي غَيْمٍ وَإِلَّا بَطَلَتَا، وَعَزَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ - وَهُوَ الضَّمُّ مُطْلَقًا - لِتَخْرِيجِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى ضَمِّ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُلَفَّقَتَيْنِ فِيمَا يُوجِبُهُ الْحَكَمُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ عَدَمُ الضَّمِّ مُطْلَقًا - لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ لِلَّخْمِيِّ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنِ ابْنِ زُرْقُونَ أَنَّهُ قَالَ: وَالصَّوَابُ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ: لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ بِحَالٍ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّهُمَا يَتَخَرَّجَانِ عَلَى الْقَوْلِ فِي الشَّاهِدَيْنِ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْحَكَمُ وَاخْتَلَفَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تَجُوزُ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ) : إِذَا عُلِمَ هَذَا، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ لِتَرْجِيحِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ زُرْقُونَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا حَكَمَ الْمُخَالِفُ فِي الصَّوْمِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ كَالشَّافِعِيِّ، فَهَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ جَمِيعَ النَّاسِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَافَقَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، وَقَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفَصِيُّ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَتْوَى وَلَيْسَ بِحُكْمٍ، وَقَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَتَيْنِ؟ وَقَالَ سَنَدٌ: لَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لَمْ يَسَعِ الْعَامَّةَ مُخَالَفَتُهُ؛ لَأَنَّ حُكْمَهُ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُخَالَفَ. وَفِيهِ نَظَرٌ يَرْجِعُ إِلَى تَحْقِيقِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ إِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إِثْبَاتُ الشَّهَادَةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ زَائِدٍ، وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَحْدَهُ، وَقَدْ أَجْزْتُ شَهَادَتَهُ وَحَكَمْتُ بِالصَّوْمِ- تُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ فَتْوَى لَا حُكْمٍ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي هَذَا الْفَرْعِ شَيْئًا بَلْ تَرَدَّدَ فِيهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَكَلَامُ سَنَدٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : وَانْظُرْ إِذَا قُلْنَا: يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ كَمَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، فَصَامَ وَأَكْمَلُوا

ثَلَاثِينَ، وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ، فَحَكَمَ الْحَاكِمُ الشَّافِعِيُّ بِالْفِطْرِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ أَنْ يُفْطِرَ مَعَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَرَ أَحَدٌ الْهِلَالَ؟ أَوْ يُخَالِفُهُمْ فِي الْفِطْرِ وَيُصْبِحُ صَائِمًا؟ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُقَالُ - لِمَنْ قَالَ: يُصَامُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ -: أَرَأَيْتَ إِنْ أُغْمِيَ آخِرَ الشَّهْرِ كَيْفَ يَصْنَعُونَ أَيُفْطِرُونَ أَمْ يَصُومُونَ وَاحِدًا وَثَلَاثِينَ؟ فَإِنْ أَفْطَرُوا خَافُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَصُمْنَا بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ أَحَدَ وَثَلَاثِينَ لَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، فَلَمْ يَلْتَفِتِ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى ذَلِكَ وَكَبَّرُوا وَصَارَ الْعَامَّةُ يَسْأَلُونَ عَنِ الْفِطْرِ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَقُولُ لَهُمْ: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ الْفِطْرُ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ. فَيَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نَعْمَلُ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، ثُمَّ لَطَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَرُؤِيَ الْهِلَالُ حِينَ حَصَلَ ابْتِدَاءُ الظَّلَامِ. ص: (وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا لِلْقَابِلَةِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا رُؤِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ لِلَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، فَيَسْتَمِرُّ النَّاسُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ فِطْرٍ إِنَّ وَقَعَ ذَلِكَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ، أَوْ صَوْمٍ إِنَّ وَقَعَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ، وَسَوَاءٌ رُؤِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: إِنْ رُؤِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، فَيُمْسِكُونَ إِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ، وَيُفْطِرُونَ إِنْ وَقَعَ فِي رَمَضَانَ، وَيُصَلُّونَ الْعِيدَ. رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ. قَالَ: وَإِذَا رُؤِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلْآتِيَةِ، سَوَاءٌ صُلِّيْتِ الظُّهْرُ أَمْ لَمْ تُصَلَّ. (تَنْبِيهٌ) : فَإِذَا رُؤِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا ثُمَّ لَمْ يُرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِغَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ ثَلَاثِينَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَلَا يُلْتَفَتُ حِينَئِذٍ إِلَى رُؤْيَتِهِ لَيْلًا لِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْهِلَالَ يَثْبُتُ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا، وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي شَرَحِ الْجَلَّابِ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كَلَامُهُمْ إِنَّمَا هُوَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ ثَلَاثِينَ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِهِ لِلْقَابِلَةِ أَوْ لِلْمَاضِيَةِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي يَوْمِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ؛ إِذْ لَا يَكُونُ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي عَنْ رُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا. فَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّهُ لَا يُرَى فِي يَوْمِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَنَصُّهُ: وَهُوَ يُرَى بَعْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ ثَلَاثِينَ وَيَوْمَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِي يَوْمِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ، وَلَا يَكُونُ هِلَالًا قَبْلَ تَمَامِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِذَا رُؤِيَ بِالْعَشِيِّ يَوْمَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَإِنَّمَا أَهَلَّ سَاعَتَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَإِنْ ثَبَتَ نَهَارًا أَمْسَكَ، وَإِلَّا كَفَرَ إِنِ انْتَهَكَ) ش: يَعْنِي إِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْهِلَالُ لَيْلًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ نَهَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى مَنْ أَكَلَ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الْمُبَيَّتَةِ لِحُرْمَةِ رَمَضَانَ، وَيَجِبُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَإِنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِعَدَمِ الْجَزْمِ فَإِنْ أَكَلَ وَشَرِبَ أَوْ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحُرْمَةِ ذَلِكَ وَانْتَهَكَ حُرْمَةَ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلًا بِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. وَإِنَ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مُنْتَهِكٍ، بَلْ تَأَوَّلَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ جَازِ لَهُ الْفِطْرُ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ. فَهَذَا مِنَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ فَيُضَمُّ إِلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ مِنَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ بَعْدَ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَإِنْ غَيَّمَتْ وَلَمْ يُرَ فَصَبِيحَةُ يَوْمِ الشَّكِّ) ش: غَيَّمَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ تَثْبُتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَصَبِيحَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ هُوَ يَوْمُ الشَّكِّ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمِ شَكٍّ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَطْبَقَ الْغَيْمُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمِ شَكٍّ،

وَإِنَّمَا يَوْمُ الشَّكِّ إِذَا لَمْ يُطْبِقِ الْغَيْمُ وَتَحَدَّثَ النَّاسَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَمَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إِلَى هَذَا. ص: (وَصِيمَ عَادَةً) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ لِمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ سَرْدَ الصَّوْمِ، أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَالْخَمِيسِ وَالْاثْنَيْنِ فَوَافَقَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص: (وَتَطَوُّعًا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهُ وَحْدَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ، وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنِ ابْنِ مَسْلَمَةَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، وَنَقَلَ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ الْجَوَازَ، فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: إِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ إِثْرَ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْرُدَ الصَّوْمَ أَمْ لَا، انْتَهَى. ص: (وَقَضَاءً) ش: أَيْ كَمَنْ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَقَضَاهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنِ الْقَضَاءِ وَلَا عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَقَضَاءُ مَا فِي ذِمَّتِهِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي إِجْزَائِهِ قَضَاءً - وَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ - خِلَافٌ يَأْتِي، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَسْأَلَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحُكْمُ كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ كَحُكْمِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ نَوَاهُ لِلْكَفَّارَةِ أَوْ نَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَجْزَأَهُ، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَلَا عَمَّا نَوَاهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَيَقْضِي مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نُذُرٍ أَوْ فِدْيَةٍ أَوْ هَدْيٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا فَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: ص: (وَلِنُذُرٍ صَادَفَ) ش: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ أَيْضًا لِنَذْرٍ صَادَفَهُ، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا فَوَافَقَ بَعْضَهَا، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ فَيُوَافِقُ ذَلِكَ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ وَيَجْزِيهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يُحْزِئُ عَنِ النَّذْرِ وَلَا عَنِ الْفَرْضِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ لِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا، وَقَدْ فَاتَ. قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ. وَاحْتَرَزْ بِقَوْلِهِ: صَادَفَ- مِمَّا لَوْ نَذَرَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَوْمُ الشَّكِّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ) : وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ: إِنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَعَلَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطًا حَرَامٌ، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ إِذَا صَامَهُ لِلِاحْتِيَاطِ اخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ؟ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ لِنَذْرِهِ إِيَّاهُ كَذَلِكَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِهِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا، وَنَذْرُ الْمَكْرُوهَ غَيْرُ لَازِمٍ، لَكِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِعْلُ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ حَرَامًا عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ بِرَابِعِ النَّحْرِ، فَإِنَّهُ يَكْرَهُ صِيَامُهُ تَطَوُّعًا وَيَلْزَمُ نَاذِرَهُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِيهِ الْخِلَافَ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا أَيْضًا إِذَا قَصَدَ النُّذُرُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ لِيَحْتَاطَ بِهِ، فَلَوْ قَصَدَ نَذَرَهُ بِخُصُوصِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ نَذَرَ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَوْمُ شَكٍّ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، (قُلْتُ) : كَوْنُهُ مَعْصِيَةً يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ كَرَاهَةِ صَوْمِهِ، انْتَهَى. يَعْنِي تَطَوُّعًا، وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِيٍّ، لَكِنْ يُقَالُ: مُرَادُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إِذَا قَصَدَ نَذَرَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ لِيَحْتَاطَ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى نِيَّةِ النَّاذِرِ، فَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا فَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَكُلَاهُمَا لَا يَلْزَمُهُ نَذْرُهُ وَإِنْ نَذْرَهُ لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ - أَعْنِي نَذَرَهَ لَا لِلِاحْتِيَاطِ - فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ التَّلْقِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (لَا احْتِيَاطًا) ش: رَاجِعٌ إِلَى أَصْلِ صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ لَا لِمَسْأَلَةِ النَّذْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ كَمَا بَيَّنَاهُ، لَكِنَّهُ

لَيْسَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ لَا يُصَامُ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الْحَاجِبِ، حَيْثُ قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ احْتِيَاطًا لِلْعَمَلِ، هَلِ النَّهْيُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوِ التَّحْرِيمِ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنَعَهُ مَالِكٌ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَنْبَغِي صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ. وَحَمَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمَنْعِ. وَفِي الْجَلَّابِ: يُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: الْكَافَّةُ مُجْمِعُونَ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ فَرْحُونَ، وَزَادَ: وَأَجَازَتْ صَوْمَهُ احْتِيَاطًا عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ، وَأَجَازَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يُكْرَهُ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِفِطْرِهِ؛ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِطْرٌ قَبْلَ الصَّوْمِ كَمَا وَجَبَ بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِقَوْلِهِ: «عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ، انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ يُونُسَ مِنَ الْوَاضِحَةِ: وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَلْيُفْطِرْ مَتَى مَا عَلِمَ، انْتَهَى. وَنَقْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنِ الشَّيْخِ بِلَفْظِ: آخِرَ النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَحَمَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمَنْعِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ فِي الْحِيَاطَةِ مِنْ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا. وَقَالَ بَعْدَهُ: فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ- يُرِيدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: يُصَامُ احْتِيَاطًا. وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ وَمِنَ الْحَائِضِ إِذَا جَاوَزَتْ عَادَتَهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَلْيَنْظُرْهُ مَنْ أَرَادَهُ. (فَرْعٌ) : قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: اتَّفَقُوا إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا؛ إِذْ لَا وَجْهَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الصَّحْوِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ إِذَا كَانَ الْغَيْمُ، انْتَهَى. ص: (وَنُدِبَ إِمْسَاكُهُ لِيَتَحَقَّقَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرُ، بِأَنْ يَأْتِيَ الْمُسَافِرُونَ مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ، وَيَنْتَشِرَ النَّاسُ، وَتُسْمَعَ الْأَخْبَارُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِنِ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مُوجِبُ الصِّيَامِ، أَفْطَرَ النَّاسُ. وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ مَا ظَاهَرُهُ الْكَفُّ جَمِيعَ النَّهَارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ إِذْ ذَاكَ فِي صُورَةِ صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطًا بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: الرِّوَايَةُ ظَاهِرُهَا الْكَفُّ جَمِيعَ النَّهَارِ- لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. قُلْتُ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يُسْتَحَبُّ إِمْسَاكُ جَمِيعِ النَّهَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.. ص: (لَا لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ شَاهِدَانِ، وَاحْتَاجَ الْحَالُ إِلَى تَزْكِيَتِهِمَا، فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ لِذَلِكَ، وَهَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَاحْتَاجَ الْقَاضِي إِلَى الْكَشْفِ عَنْهُمَا وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ، فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِنْ زَكَّوْا بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْقَضَاءِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْفِطْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَامُوا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : تَأْمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ، فَإِنَّ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدِي أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي عَدْلَانِ فِي اللَّيْلِ وَاحْتَاجَ الْحَالُ إِلَى تَزْكِيَتِهِمَا وَكَانَ ذَلِكَ يَتَأَخَّرُ إِلَى النَّهَارِ، فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُبَيِّتُوا الصِّيَامَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ نَهَارًا، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُوبُ الصِّيَامِ لَا اسْتِحْبَابُ الْإِمْسَاكِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، فَقُيِّدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ذَلِكَ، وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى طُولٍ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا فَطَلَبَ الْقَاضِي تَزْكِيَتَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا قَرِيبًا، فَاسْتِحْبَابُ الْإِمْسَاكِ مُتَعَيِّنٌ، بَلْ هُوَ أَوْكَدُ مِنَ الْإِمْسَاكِ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ

يَأْتِيَ مَنْ يَشْهَدُ بِالْهِلَالِ، فَمِنْ بَابِ أَحْرَى إِذَا شَهِدَ بِهِ وَتَوَقَّفَ الْحَالُ عَلَى تَزْكِيَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا قَرِيبًا قَدْرَ مَا يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ إِلَى أَنْ يَرْتَفِعَ النَّهَارُ وَيَأْتِيَ النَّاسُ، وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ فِي تَزْكِيَتِهِمَا طُولٌ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ، فَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِطْلَاقُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إِذَا كَانَ أَمْرُ الشَّاهِدَيْنِ فِي التَّزْكِيَةِ يَتَأَخَّرُ لِيُوَافِقَ الْمَنْقُولَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (أَوْ زَوَالِ عُذْرٍ مُبِيحٍ لَهُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا لِذَلِكَ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، كَالْحَائِضِ تَطْهُرُ، وَالْمُسَافِرِ إِذَا قَدِمَ مُفْطِرًا، وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَفَاقَ، وَالصَّبِيِّ إِذَا احْتَلَمَ وَكَانَ مُفْطِرًا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُمْسِكُهُ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ) : الْأَوَّلُ: إِذَا أَصْبَحَ الصَّبِيُّ صَائِمًا ثُمَّ احْتَلَمَ، فَإِنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى صَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ انْعَقَدَ نَافِلَةً، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. الثَّانِي: يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِفْطَارِ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ النَّوَادِرِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ. ص: (كَمُضْطَرٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، ثُمَّ حَصَلَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ اقْتَضَتْ فِطْرَهُ مِنْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْفِطْرَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَلَوْ بِالْجِمَاعِ؟ أَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُزِيلُ ضَرُورَتَهُ فَقَطْ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِوَجْهٍ مُبَاحٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمُسْتَعْطِشِ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُوَفِّي بِصِيَامِهِ إِلَّا أَنْ يَشْرَبَ فِي نَهَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ وَيَأْكُلَ وَيُصِيبَ أَهْلَهُ. وَلَوْ كَانَ بِرَجُلٍ مَرَضٌ يَحْتَاجُ مِنَ الدَّوَاءِ فِي نَهَارِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْيَسِيرِ يَشْرَبُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالصِّيَامِ وَلَا بِالْكَفِّ عَمَّا سِوَى مَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ، انْتَهَى. وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ إِنْ قُلْنَا لَهُ: أَنْ يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ - جَازَ لَهُ التَّمَادِي - يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ -، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: إِنَّهُ إِنَّمَا يَأْكُلُ قَدْرَ سَدِّ رَمَقِهِ- يُرِيدُ هُنَا ضَرُورَتَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَرْزَلِيُّ: وَالْمَشْهُورُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ، وَكَذَا هُنَا يَشْرَبُ حَتَّى يَشْبَعَ وَيَأْكُلَ وَيُجَامِعَ إِنْ شَاءَ، انْتَهَى. ذَكَرَ ذَلِكَ إِثْرَ سُؤَالٍ سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ: سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ يُصِيبُهُ الْعَطَشُ الشَّدِيدُ فَيَشْرَبُ، هَلْ يَأْكُلُ بَعْدَهُ وَيُجَامِعُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ إِلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ وَيَرَى جَوَازَهُ. قَالَ الْبَرْزَلِيُّ: قُلْتُ: مَا اخْتَارَهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِيهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ خَاصَّةً، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ، وَكَذَا هُنَا يَشْرَبُ حَتَّى يَشْبَعَ وَيَأْكُلَ وَيُجَامِعَ إِنْ شَاءَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا احْتَاجَ لِرُكُوبِ الْهَدِيَّةِ رَكِبَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ إِذَا اسْتَرَاحَ، وَكَذَا إِذَا أُبِيحَ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ بِالشَّرْطَيْنِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِتَزْوِيجِهَا، وَكَذَا مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ إِلَى سِنِينَ يُدْرِكُهَا

ثُمَّ خَافَ الْعَنَتَ، فَإِنَّهُ إِذَا أُبِيحَ لَهُ مَرَّةً فَقَدْ سَقَطَتْ يَمِينُهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ، فَلْيُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ الَّتِي يُجَامِعُهَا كِتَابِيَّةً، أَوْ طَهُرَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ صَغِيرَةً وَلَمْ تَكُنْ صَائِمَةً، وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (فَلِقَادِمٍ وَطْءُ زَوْجَةٍ طَهُرَتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْقَادِمَ مِنْ سَفَرِ قَصْرٍ نَهَارًا إِذَا بَيَّتَ الْإِفْطَارَ وَوَجَدَ زَوْجَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ حَيْضِهَا، فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَالَ عُذْرُهُ الْمُبِيحُ لَهُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ صَغِيرَةً وَلَمْ تَصُمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ، وَانْظُرْ إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَبَيَّتَتِ الصَّوْمَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ إِبْطَالُ صَوْمَتِهَا؟ وَإِذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ كَبِيرَةً جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَاهِرَةً قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ طَهُرَتْ يَوْمَ قُدُومِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ نَصْرَانِيَّةً، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَائِمَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ وَجَدَهَا بِإِثْرِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ بِتَرْكِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: يَجُوزُ أَنْ يَطَأَهَا إِذَا كَانَتْ كَمَا طَهُرَتْ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَسْلِمَةً، وَلَا يَطَؤُهَا إِذَا كَانَتْ طَاهِرًا قَبْلَ قُدُومِهِ. قَالَ فِي الْكَبِيرِ: وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: زَوْجَتُهُ- الْمُسْلِمَةُ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِالْحُكْمِ؛ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّقْيِيدُ بِالطُّهْرِ حِينَ قُدُومِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ وَطْئِهَا، وَإِنْ أَرَادَ التَّخْصِيصَ فِي قَوْلِهِ: طَهُرَتْ- دُونَ مَا قَبْلَهُ فَبَعِيدٌ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، انْتَهَى. ص: (وَكَفُّ لِسَانٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ، وَالْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَمَّا كَفُّ اللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَلَامِ الْفَاحِشِ فَوَاجِبٌ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ، وَيَتَأَكَّدُ وُجُوبُهُ فِي الصَّوْمِ وَلَكِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّوْمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَا يُقَالُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّوْمِ؛ إِذْ يَصِحُّ الصَّوْمُ بِدُونِهِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ، أَوْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِالْكَفِّ يَحْصُلُ كَمَالُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: صِحَّةُ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ الْكَفِّ لَا تَصِيرُهُ مُسْتَحَبًّا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى وُجُوبِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ وَغَيْرُهُ فِي شَرَحِ الرِّسَالَةِ: يَنْبَغِي هُنَا لِلْوُجُوبِ قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَغْلُظُ بِحَسْبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَنَصُّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ يَنْبَغِي عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّ كَفَّ اللِّسَانِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. الثَّانِي: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسٌ يُفَطِّرْنَ الصَّائِمَ: الْكَذِبُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ» . ذَكَرُهُ فِي الْإِحْيَاءِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: رَوَاهُ الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: قَالَ سُفْيَانُ: الْغِيبَةُ تُفْسِدُ الصَّوْمَ. وعن مجاهد خصلتان يفسدان الصوم الغيبة والكذب انْتَهَى. قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ وَالْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ سُفْيَانَ وَمُجَاهِدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مُجَاهِدٍ: خَصْلَتَانِ مَنْ حَفِظَهُمَا سَلِمَ لَهُ صَوْمُهُ: الْغِيبَةُ، وَالْكَذِبُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. ثُمَّ نَقَلَ عَنِ السُّبْكِيِّ أَنَّ مُلَابَسَةَ الْمَعَاصِي تَمْنَعُ ثَوَابَ الصَّوْمِ إِجْمَاعًا، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ. نَعَمْ إِنْ كَثُرَ تَوَجَّهَتِ الْمُقَالَةُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : يَشْهَدُ لِمَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: «مَنْ لَمْ يَدَعِ الْخَنَا وَالْكَذِبَ فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ،

وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيِّ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا. الثَّالِثُ: وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، قَالَ: «إِذَا كَانَ صَوْمُ يَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنَّ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَالرَّفَثُ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، وَالْفُحْشُ مِنَ الْقَوْلِ، وَخِطَابُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ، قَالَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ: وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْفُحْشُ وَرَدِيءُ الْكَلَامِ، انْتَهَى. وَالصَّخَبُ: الصِّيَاحُ، وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فليقل إني صائم» فَقِيلَ: إِنَّهُ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ وَيُسْمِعُ ذَلِكَ لِلَّذِي شَاتَمَهُ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ. وَقِيلَ: يَقُولُهُ بِقَلْبِهِ لِيَنْكَفَّ بِهِ عَنِ الْمُشَاتَمَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: «فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَعْنِي أَنَّ الصِّيَامَ يَحْجِزُنِي عَنِ الرَّدِّ عَلَيْكَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَعْنَى شَاتَمَهُ أَظْهَرَ شَتْمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّطَوُّعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَرِّحُ بِهِ وَلْيَقُلْ لِنَفْسِهِ: إِنِّي صَائِمٌ فَكَيْفَ أَقُولُ الرَّفَثُ؟ انْتَهَى. وَانْظُرْ حَاشِيَةَ الْمُوَطَّأِ لِلْجَلَالِ السَّيُوطِيِّ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْأُمَّهَاتِ لِلسَّنُوسِيِّ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَصَمْتُهُ كُلَّهُ» فَلَا أَدْرِي أَكْرَهَ التَّزْكِيَةِ، أَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ نَوْمَةٍ أَوْ رَقْدَةٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: إِنِّي صَائِمٌ مُعْتَذِرًا، وَلَا يَقُولُهُ مُتَحَدِّثًا وَلَا مُتَزَيِّنًا، انْتَهَى. ص: (وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ) ش: قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: السَّحُورُ وَالْفَطُورُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا: اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَيُفْطَرُ عَلَيْهِ كَالسَّعُوطِ وَالْوَقُودِ، وَبِالضَّمِّ لِلْفِعْلِ، قَالَ ابْنُ الدَّفْعِ: وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ الْفَتْحَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: السَّحُورُ فِي سِينِهِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ. وَقَالَ الْأَبِيُّ: بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَبِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَالْفِعْلُ، وَالصَّوَابُ: الْفَتْحُ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الطَّعَامِ، يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَسْحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَجِّلَ الْفِطْرَ وَأَنْ يُؤَخِّرَ السُّحُورَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ سَنَةً، فَقَالَ: وَمِنَ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ الْحَفِيدُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ تَأْخِيرَ السُّحُورِ وَتَعْجِيلَ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ سَنَةٌ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ مُسْتَحَبٌّ. وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: «مِنْ عَمَلِ النُّبُوَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسُّحُورِ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: «أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ سُحُورِهِ وَدُخُولِهِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَدْرُ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيَةً» ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَالْمُرَادُ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ وَعَدَمِ الشَّكِّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ اتِّفَاقًا، وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: وَإِذَا غَشِيَتْهُمُ الظُّلْمَةُ فَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يُوقِنُوا بِالْغُرُوبِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يَدْخُلْ إِلَى الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: هَلِ الْمَطْلُوبُ تَعْجِيلُ

الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ الْبَاجِّيُّ فِي الْمُنْتَقَى لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ فِي شَرْحِ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْمَغْرِبُ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ - لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ تَعْجِيلَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهَا تَصَادُفُ النَّاسِ مُتَهَيِّئِينَ لَهَا وَرِفْقًا بِالصَّائِمِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بَعْدَ أَدَاءِ صِلَاتِهِ، انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنَ الْمُوَطَّأِ، مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إِلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَا يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْفِطْرِ حَتَّى يَرَى النُّجُومَ، وَلَا بَأْسَ لِمَنْ رَأَى سَوَادَ اللَّيْلِ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ وَيُصَلَّى إِذَا رَأَى سَوَادَ اللَّيْلِ قَدْ طَلَعَ مِنْ مَوْضِعٍ يَطْلُعُ مِنْهُ الْفَجْرُ، تَنْبَعِثُ مِنْهُ الظُّلْمَةُ، انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» فَهَذَا الْحَدِيثُ يُخَالِفُ كَلَامَ الْبَاجِّيِّ وَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْمُوَطَّأِ، إِلَّا أَنَّ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى الْفِطْرِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَكَلَامُ الْبَاجِّيِّ وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعِشَاءُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يَشْغَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ» وَقَالَ الْجَزُولِيُّ: إِنَّهُ يُفْطِرُ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَيُصَلِّي وَحِينَئِذٍ يَأْكُلُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ بِالْمَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، «عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةِ مَاءٍ» ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْخَامِسِ لعبد الرحمن بن حرملة هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ عَلَى رُطَبَاتٍ أَوْ تَمَرَاتٍ أَوْ حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الصَّوْمِ: ابْتِدَاءُ الْفِطْرِ عَلَى التَّمْرِ أَوِ الْمَاءِ، وَقَالَ فِي الْقُرْطُبِيَّةِ: مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ وَقْتُ الْفِطْرِ ... تَعْجِيلُهُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّمْرِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِهَا: مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ رِفْقًا بِالضُّعَفَاءِ وَاسْتِحْبَابًا لِلنَّفْسِ وَمُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ، وَكَوْنُهُ بِالتَّمْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْحَلَاوَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ لِلْبَصَرِ مَا زَاغَ مِنْهُ بِالصَّوْمِ كَمَا حَدَّثَ بِهِ وَهْبٌّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ لِأَنَّهُ طَهُورٌ، انْتَهَى. فَتَقْدِيمُ الْمَاءِ عَلَى التَّمْرِ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ: تَعْجِيلُهُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّمْرِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْوَزْنِ، وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَنَقَلَهُ عِزُّ الدِّينِ، وَنَقَلَهُ عَنِ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرَيِّ، الْقَصْدُ أَنْ لَا يُدْخِلَ جَوْفَهُ شَيْئًا قَبْلَهُ، قَالَ: وَمَنْ بِمَكَّةَ اسْتَحَبَّ لَهُ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ، قَالَ: والحكمة في التمر أَنَّ الصَّوْمَ يُفَرِّقُ الْبَصَرَ وَالتَّمْرَ يَجْمَعُهُ، وَلِهَذَا قَالَ الرُّوْيَانِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَعَلَى حَلَاوَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَالْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنَ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الشُّبُهَاتِ قَدْ كَثُرَتْ فِي أَيْدِي النَّاسِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ الرُّوْيَانِيُّ وَالْقَاضِي شَاذٌّ، وَالصَّوَابُ: التَّمْرُ ثُمَّ الْمَاءُ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْطِرَ عَلَى شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا، انْتَهَى. كَلَامُ الدَّمِيرِيِّ: وَقَالَ الْجَزُولِيُّ: إِنْ كَانَ عِنْدَهُ حَلَالٌ وَمُتَشَابَهٌ أَفْطَرَ بِالْحَلَالِ وَلَا يُفْطِرُ بِالْمُتَشَابَهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ سَبْعَمِائَةِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ، إِلَّا مَنِ اغْتَابَ مُسَلِّمًا، أَوْ آذَاهُ، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا، أَوْ أَفْطَرَ عَلَى حَرَامٍ» ، انْتَهَى. الثَّالِثُ: فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ صَمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: وَيَقُولُ عِنْدَ الْفِطْرِ: اللَّهُمَّ لَكَ صَمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ

فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، قِيلَ: بَيْنَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ وَوَضْعِهَا فِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْتُ) : وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ زَرُّوقٌ، أَعْنِي قَوْلَهُ: فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَالظَّمَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ وَهُوَ الْعَطَشُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: 120] قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا - لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَتَوَهَّمَهُ مَمْدُودًا، قَالَ: وَرُوِّينَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدٍ وَابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصَمْتُ وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ» . قَالَ: وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْنَا فَتَقْبَلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . وَأَمَّا حَدِيثُ: «لِلصَّائِمِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ» ، فَقَالَ النَّوَوِيُّ: رُوِّينَا فِي كِتَابَيِ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَفْطَرَ يَقُولُ: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لِدَعْوَةً مَا تُرَدُّ» ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِذَا أَفْطَرَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي» ، انْتَهَى. زَادَ فِي التَّرْغِيبِ فِي رِوَايَةٍ: «أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي» . وَقَالَ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَرُوِّينَا فِي كِتَابَيِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتَهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الرِّوَايَةُ حَتَّى بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ. (قُلْتُ) : ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَذَكَرَ فِيهِ رِوَايَةَ حِينَ بِالْمُثَنَّاةِ وَالنُّونِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعُ: قَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ» الْفَرْحَةُ عِنْدَ إِفْطَارِهِ بِلَذَّةِ الْغِذَاءِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَبِخُلُوصِ الصَّوْمِ مِنَ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ عِنْدَ الْفُقَرَاءِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ بِمَا يَرَى مِنَ الثَّوَابِ، وَلَيْسَ هَذَا لِمَنْ أَدَّى الْفَرْضَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَكْثَرَ مِنَ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ مِنَ التَّخْصِيصِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسُ: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ الْبَاجِّيُّ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ هُوَ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَاعْتِقَادٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ عِنْدَ الْغُرُوبِ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَهُ لِأَمْرٍ عَارِضٍ، أَوِ اخْتِيَارًا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ عِنْدَ الْغُرُوبِ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَهُ لِأَمْرٍ آخَرَ اخْتِيَارًا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ كَمُلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ أَشْهَبُ: وَوَاسِعُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ، وَتَأْخِيرِهِ لِلْحَاجَةِ تَنُوبُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَنَطُّعًا يَتَّقِي أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي أَنْ لَا يُؤَخَّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْفِطْرِ اسْتِنَانًا وَتَدَيُّنًا، فَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا، كَذَلِكَ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ، انْتَهَى. السَّادِسُ: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: اخْتُلِفَ فِي التَّأْخِيرِ إِذَا أَرَادَ الْوِصَالَ، فَقِيلَ: جَائِزٌ، وَقِيل: لَا، وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ، وَاخْتَارَ جَوَازُهُ إِلَى التَّسْحِيرِ، وَكَرَاهِيَّتُهُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ الْوِصَالَ وَلَوْ إِلَى السَّحَرِ، اللَّخْمِيُّ: هُوَ إِلَيْهِ مُبَاحٌ، لِلْحَدِيثِ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السُّحُورِ» ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ كَالْإِمْسَاكِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ فِي أَحَادِيثِ الْوِصَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ إِجَازَتُهُ، وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اخْتُلِفَ فِي الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ، فَقِيلَ: غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمْسَاكِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَقِيلَ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: إِنِ الْإِمْسَاكَ حَرَامٌ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ

بِأَنَّ الْوِصَالَ مَكْرُوهٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّابِعُ: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَالطَّعَامُ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى تَقْدِيمِ الطَّعَامِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ خَفِيفًا. (قُلْتُ) : الْأَقْرَبُ رَدُّهُمَا إِلَى وِفَاقٍ، وَهُوَ الْبُدَاءَةُ بِالصَّلَاةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَتَشَوَّقُ لِلطَّعَامِ، فَيَكُونُ الْخِلَافُ خِلَافًا فِي حَالٍ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ كَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي، انْتَهَى. (قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ» ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا قَرُبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَوَقَعَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ تُفَسِّرُ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا» ، وَأَلْزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ مُسْلِمًا إِخْرَاجَهُ، قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْلُغْ مُسْلِمًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ عَنْ شَيْخِهِ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ نَحْوَهُ، فَقَالَ - لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ -: مَعْنَاهُ أَنَّ بِهِ مِنَ الشَّهْوَةِ إِلَى الطَّعَامِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَقْنِ الَّذِي أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ بِالْحَقْنِ: وَمَنْ بَلَغَ بِهِ الْجُوعُ ثُمَّ حَضَرَ الطَّعَامُ وَالصَّلَاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنَ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَرَّغُ بِذَلِكَ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ بَالُهُ مَشْغُولًا، بِحَيْثُ لَا يَدْرِي مَا صَلَّى يُعِيدُ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقْلِقُهُ وَيُعَجِّلُهُ فَحسْنُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا تُتَوَّقُ نَفْسُهُ إِلَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْغَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَقَالَ الْجَزُولِيُّ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَالصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَشْغَلَهُ قَدَّمَ الطَّعَامَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ أَفْطَرَ مِنْهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ وَصَلَّى؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ بِالْمَاءِ، انْتَهَى. الثَّامِنُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ تَعْجِيلِ السُّحُورِ، وَلَمْ يُذْكُرْ حُكْمَ السُّحُورِ، وَقَدْ عَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ فِي سُنَنِ الصَّوْمِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السُّحُورَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: السُّحُورُ الْأَكْلُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّحُورَ وَاجِبٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ» . التَّاسِعُ: قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قَوْلُهُ «فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» أَصْلُ الْبَرَكَةِ الزِّيَادَةُ، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَكَةُ الْقُوَّةَ عَلَى الصِّيَامِ، وَقَدْ جَاءَ كَذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْآثَارِ، وَقَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْأَكْلِ عَلَى الْإِفْطَارِ، وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي صَوْمِهَا، وَقَدْ تَكُونُ الْبَرَكَةُ فِي زِيَادَةِ الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْفَضْلِ وَهَذَا مِنْهَا لِأَنَّهُ فِي السَّحَرِ، وَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلٍ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَبُولِ الدُّعَاءِ وَالْعَمَلِ فِيهِ وَتَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ مَا جَاءَ، وَقَدْ تَكُونُ الْبَرَكَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّحَرِ مِنْ ذِكْرٍ وَصَلَاةٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَوْلَا الْقِيَامُ لِلسُّحُورِ لَكَانَ الْإِنْسَانُ نَائِمًا عَنْهَا وَتَارِكًا لَهَا. وَتَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ لِيَخْرُجَ مِنِ الْخِلَافِ، وَالسُّحُورُ نَفْسُهُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ، وَامْتِثَالُ النَّدْبِ طَاعَةٌ وَزِيَادَةٌ فِي الْعَمَلِ، انْتَهَى. الْعَاشِرُ: قَالَ فِي الْإِكْمَالِ أَيْضًا: وَقَوْلُهُ «فَصْلٌ مَا بَيْنَ صَوْمِنَا وَصَوْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ» صَوَابُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالرِّوَايَةُ فِيهِ بِضَمِّهَا، وَبِالضَّمِّ إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى: اللُّقْمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَبِالْفَتْحِ: الْأَكْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْأَشْبَهُ هُنَا، وَالْفَصْلُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ: قَالَ التَّاذِلِيُّ: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ مَا فِي الرِّوَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ بِاللُّقْمَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا الطَّعَامُ الْكَثِيرُ

وَالشَّبَعُ الْمَذْمُومُ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي رِوَايَةِ بِلَادِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إِنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِالضَّمِّ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي رِوَايَةِ بِلَادِهِمْ، انْتَهَى. الْحَادِي عَشَرَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السُّحُورَ الْأَكْلُ وَقْتَ السَّحَرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: وَوَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ إِلَى الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، وَمِنْ عَجَّلَهُ فَوَاسِعٌ يُرْجَى لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُرْجَى لِمَنْ أَخَّرَهُ إِلَى آخِرِ أَوْقَاتِهِ، انْتَهَى. وَيَحْصُلُ السُّحُورُ بِقَلِيلِ الْأَكْلِ وَكَثِيرِهِ وَلَوْ بِالْمَاءِ، لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجُرْعَةٍ مِنْ مَاءِ» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَقَعَتْ نَازِلَةٌ بِبَغْدَادَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ صَائِمٌ أَنْ لَا يُفْطِرَ عَلَى حَارٍّ وَلَا بَارِدٍ، فَأَفْتَى ابْنُ الصَّبَّاغِ إِمَامُ الشَّافِعِيَّةِ بِحِنْثِهِ، إِذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَفْتَى الشِّيرَازِيُّ بِعَدَمِ حِنْثِهِ قَائِلًا: إِنَّهُ يُفْطِرُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَهُوَ حُصُولُ اللَّيْلِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هاَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» وَفَتْوَى ابْنُ الصَّبَّاغِ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمَقَاصِدَ، وَفَتْوَى الشِّيرَازِيُّ صَرِيحُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. ص: (وَصَوْمٌ بِسَفَرٍ وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) ش: يَعْنِي أَنْ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْإِفْطَارُ أَفْضَلُ مِنِ الْإِفْطَارِ، يُرِيدُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَلِأَنَّ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ أَكْثَرُ أَجْرًا لِأَنَّهُ أَشَدُّ حُرْمَةً، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ مَالِكًا يَسْتَحِبُّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ وَيَكْرَهُ الْإِفْطَارَ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنَّ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّوْمِ. (تَنْبِيهٌ) : لَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ بَلَدَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّتَ الصَّوْمَ، وَلَا يُنْدَبُ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا يُنْدَبُ إِلَيْهِ الْأَوَّلُ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ نَافِعٍ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ الْإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الطِّرَازِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ، كَمَا يُنْدَبُ إِلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يُنْدَبُ لَهُ الصَّوْمُ حَتَّى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَتَأَمَّلْهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ السَّفَرِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْإِفْطَارُ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْفِطْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: «وَلَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، وَلِحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ» ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ: ذَلِكَ وَاسِعٌ صَامَ أَوْ أَفْطَرَ، وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ الْإِفْطَارُ إِلَّا فِي سَفَرِ الْجِهَادِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. فَتَحْصُلُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْإِفْطَارِ وَالْقَصْرِ أَنَّ الْقَصْرَ تَبْرَأُ مَعَهُ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِ، بِخِلَافِ الْفِطْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ صَوْمَهُ مَعَ النَّاسِ أَسْهَلُ مِنَ الِانْفِرَادِ فِي صَوْمِهِ غَالِبًا، وَأَمَّا الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ فَمَحْمُولَانِ عَلَى مَنْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُظَلَّلُ عَلَيْهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ. (فَائِدَةٌ) : رُوِيَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بِإِبْدَالِ لَامِ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِ الْبِرِّ وَالصِّيَامِ وَالسَّفَرِ مِيمًا وَهِيَ لُغَةُ حِمْيَرَ. ص: (وَصَوْمُ عَرَفَةَ إِنْ لَمْ يَحُجَّ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَوْمُ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبِلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمُ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَأَمَّا إِنْ حَجَّ فَيُكْرَهُ لَهُ صَوْمُهُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ صِيَامِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» ؛ وَلِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِيهِ

مُفْطِرًا، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَةِ: وَيُكْرَهُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَصُومَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ مُتَطَوِّعًا، وَهُوَ حَسَنٌ لِغَيْرِ الْحَاجِّ؛ لِأَنَّ بِالْحَاجِّ حَاجَةً شَدِيدَةً إِلَى تَقْوِيَةِ جِسْمِهِ لِصُعُوبَةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ، وَرُبَّمَا ضَعُفَ بِالصَّوْمِ فَقَصَّرَ عَنْ بَعْضِهِ، فَلِذَلِكَ كَرِهَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْمُتَيْطِيَةِ بِمِنًى يَعْنِي فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، يُسَمَّى عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ يَوْمَ مِنًى، وَصَوْمُهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا قَالَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: وَرَدَ أَنَّهُ كَصِيَامِ سَنَةٍ، وَنَحْوَهُ فِي الْمُقْدِمَاتِ قَالَ: وَصِيَامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَمِنًى وَعَرَفَةَ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَرُوِيَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَصِيَامِ سَنَتَيْنِ، وَأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ مِنًى كَصَوْمِ سَنَةٍ، وَأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ سَائِرِ أَيَّامِ الْعَشْرِ كَصِيَامِ شَهْرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: رَوَىَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ، عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَصَوْمِ سَنَةٍ» وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَأَمَّا غَيْرُ التَّرْوِيَةِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَالْمَطْلُوعُ فِيهِ الْإِفْطَارُ كَمَا سَيَأْتِي. ص: (وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صِيَامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا كَصِيَامٍ شَهْرٍ، هَكَذَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: رُوِيَ أَنَّ صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ سَنَةً، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] أَنَّهَا عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَنَّ الشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَأَنَّ الْوِتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَفِي قَوْلِهِ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3] أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمُرَادُ بِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ التِّسْعَةُ الْأَيَّامِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، إِذْ لَا يُصَامُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَعَطْفُهُ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، عَكْسُ مَا فَعَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الصِّيَامِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ: قَالَ الْقَبَّابُ: هُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ آخِرُهَا وَهُوَ آخَرُ مَا يُصَامُ مِنْهَا، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: صَوْمُ يَوْمِ الْعَشْرِ: التِّسْعُ خَاصَّةً، وَهُوَ مُعْظَمُ الْعَشْرِ، وَيَجُوزُ إِطْلَاقُ الْكُلِّ، وَالْمُرَادُ الْبَعْضُ، انْتَهَى. وَهَذَا لِغَيْرِ الْحَاجِّ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَيَصُومُ سَبْعَةً فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الصَّوْمُ بِعَرَفَةَ وَمِنًى لِلْحَاجِّ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِمِنًى يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: عَنْ هِبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا يُوهِمُ كَرَاهَةَ صَوْمِ الْعَشْرِ وَلَيْسَ فِيهَا كَرَاهَةٌ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا شَدِيدًا لَا سِيَّمَا التَّاسِعُ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَقَدْ ثَبُتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ» يَعْنِي الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ ثَبُتَتِ الْفَضِيلَةُ لِأَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَتَظْهَرُ فَضِيلَةُ ذَلِكَ فِيمَنْ نَذَرَ الصِّيَامَ أَوْ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ بِأَفْضَلِ الْأَيَّامِ، فَلَوْ أَفْرَدَ يَوْمًا مِنْهَا تَعَيَّنَ يَوْمُ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ إِمْكَانُ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ، وَهِيَ: الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ النَّقَّاشِ، فَإِنْ قُلْتَ: أَيُّمَا أَفْضَلُ، عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَوِ الْعَشْرُ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْيَوْمِ الَّذِي مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ فِي يَوْمٍ غَيْرَ يَوْمِ بَدْرٍ أَدْحَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِيهِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلِكَوْنِهِ يُكَفَّرُ بِصِيَامِهِ سَنَتَيْنِ، وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَعْظَمِ الْأَيَّامِ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَلَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مَنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْجَوَابَ وَجَدَهُ شَافِيًا كَافِيًا، أَشَارَ إِلَيْهِ الْفَاضِلُ الْمُفَضَّلُ بِقَوْلِهِ: مَا مِنْ أَيَّامٍ، دُونَ أَنْ يَقُولَ مَا مِنْ عَشْرٍ، وَنَحْوَهُ، وَمَنْ أَجَابَ بِغَيْرِ هَذَا لَمْ يَدُلَّ بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ لَيَالِيَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَا فَضِيلَةَ فِيهَا، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْسَامَ بِهَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهَا بِمَزِيدِ فَضْلٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَعَاشُورَاءُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صِيَامُ عَاشُورَاءَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُقَالُ: فِيهِ تِيبَ عَلَى آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَاسْتَوَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ، وَفُلِقَ الْبَحْرُ لِمُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأُغْرِقَ فِرْعَوْنُ، وَوَلَدُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَخَرَجَ يُونُسُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ، وَخَرَجَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ الْجُبِّ، وَتَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ عَلَى قَوْمِ يُونُسَ، وَفِيهِ تُكْسَى الْكَعْبَةُ كُلَّ عَامٍ. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّاسِعُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إِظْمَاءِ الْإِبِلِ، وَعَادَتُهُمْ يُسَمُّونَ الثَّالِثَ رُبْعًا وَالرَّابِعَ خَمْسًا. (قُلْتُ) : ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: الْعَاشِرُ، وَقِيلَ: التَّاسِعُ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّى صَامَهُمَا، انْتَهَى. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَاصْبَحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، فَقِيلَ لَهُ: أَهَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ؟ قَالَ: نَعَمْ. لَكِنْ يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «لَئِنْ بَقِيتَ إِلَى قَابِلٍ لِأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ» قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قِيلَ فِي عَاشُورَاءَ: إِنَّهُ التَّاسِعُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُ: هُوَ الْعَاشِرُ، وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا، وَقَوْلُهُ: «لَئِنْ بَقِيتَ لِأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الْعَاشِرَ، وَهَذَا لَمْ يَصُمْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: التَّاسِعُ، وَقِيل: الْعَاشِرُ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ غَرِيبٌ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ التَّاسِعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَلِكَ الْحَادِي عَشَرَ احْتِيَاطًا لَعَلَّهُ نَقَصَ الشَّهْرُ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: قِيلَ: سُمِّيَ عَاشُورَاءُ؛ لِأَنَّ عَشْرَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ فِيهِ بِعَشْرِ كَرَامَاتٍ. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِلصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ كَانَ هُوَ الْفَرْضَ قَبْلَ رَمَضَانَ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: انْظُرْ تَفْضِيلَهُ عَاشُورَاءَ عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَرَفَةَ تُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبِلَهُ وَالَّتِي بَعْدَهُ، وَأَنَّ عَاشُورَاءَ تَكْفُرُ الَّتِي قَبِلَهُ، وَالتَّكْفِيرُ مَنُوطٌ بِالْأَفْضَلِيَّةِ، فَمَنِ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : فَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إِلَى تَفْضِيلِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ. الثَّالِثُ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنَّمَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سُنَّتَيْنِ وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً؛ لِأَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ. الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: الْمَوْسِمُ الثَّالِثُ مِنَ الْمَوَاسِمِ الشَّرْعِيَّةِ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَالتَّوْسِعَةُ فِيهِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، بِحَيْثُ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ. لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّكَلُّفِ، وَأَنْ لَا يَصِيرَ ذَلِكَ سُنَّةً يُسْتَنُّ بِهَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا، فَإِنْ وَصْلَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ

يُقْتَدَى بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ مَضَى فِيهِ طَعَامٌ مَعْلُومٌ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَتْرُكُونَ النَّفَقَةَ فِيهِ قَصْدًا لِيُنَبِّهُوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُونَهُ الْيَوْمَ مِنْ أَنَّ عَاشُورَاءَ يَخْتَصُّ بِذَبْحِ الدَّجَاجِ وَغَيْرِهَا وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنِ السَّلَفُ يَتَعَرَّضُونَ فِي هَذِهِ الْمَوَاسِمِ وَلَا يَعْرِفُونَ تَعْظِيمَهَا إِلَّا بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْخَيْرِ لَا فِي الْمَأْكُولِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ فِيهِ مِنِ الْبِدَعِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ، وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمَعْلُومِ بِدْعَةٌ مُطْلَقًا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنِ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا النِّسَاءُ فِيهِ دُخُولُ الْجَامِعِ الْعَتِيقِ بِمِصْرَ، وَاسْتِعْمَالُهُنَّ الْحِنَّاءَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَمَنْ لَمْ تَفْعَلْهَا فَكَأَنَّهَا مَا قَامَتْ بِحَقِّ عَاشُورَاءَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَحْرُهُنَّ الْكَتَّانَ فِيهِ وَتَسْرِيحُهُ وَغَزْلُهُ وَتَبْيِيضُهُ وَيَشُلَّنَّهُ لِيَخِطْنَ بِهِ الْكَفَنَ وَيَزْعُمْنَ أَنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا لَا يَأْتِيَانِ مَنْ كَفَنُهُ مَخِيطٌ بِذَلِكَ الْغَزَلِ، وَهَذَا فِيهِ مِنَ الِافْتِرَاءِ وَالتَّحَكُّمِ فِي دِينِ اللَّهِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَمِمَّا أَحْدَثُوا فِيهِ مِنِ الْبِدَعِ الْبَخُورُ فَمَنْ لَمْ يَشْتَرِهِ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَتَبَخَّرُ بِهِ فَكَأَنَّهُ ارْتَكَبَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَكَوْنُهُ سُنَّةً عِنْدَهُمْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا، وَادِّخَارُهُنَّ لَهُ طُولَ السَّنَةِ يَتَبَخَّرْنَ بِهِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ عَاشُورَاءُ الثَّانِي، وَيَزْعُمْنَ أَنَّهُ إِذَا تَبَخَّرَ بِهِ الْمَسْجُونُ خَرَجَ مَنْ سِجْنِهِ، وَأَنَّهُ يُبْرِئُ مِنَ الْعَيْنِ وَالنَّظْرَةِ، وَالْمُصَابِ وَالْمَوْعُوكِ، وَهَذَا أَمْرٌ خَطِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِلٌ فَعَلْنَهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِنَّ. (قُلْتُ) : وَقَدْ سُئِلَ الْحَافِظُ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيُّ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَكْلِ الدَّجَاجِ وَالْحُبُوبِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، أَهُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُحَرَّمٌ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُبَاحَاتِ، فَإِنِ اقْتَرَنَتْ بِهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ فَهُوَ مِنَ الطَّاعَاتِ، قَالَ: وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعَصْرِ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرَ الصَّوْمِ، قَالَ: فَسَأَلَتْ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ فَتَاوَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ فَنَظَرْتُ بَعْضَ فَتَاوَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِذَلِكَ فَوَجَدْتُهُ سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِيَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَمِنَ الْمَسْؤُولِ عَنْهُ ذَبْحُ الدَّجَاجِ وَطَبْخُ الْحُبُوبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَجَابَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سُنَّةً فِي هَذَا الْيَوْمِ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يُشَرِّعْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَعَلَهَا هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ وَالتَّوْسِعَةِ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ وَإِحْيَاءِ لَيْلَتِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، وَأَنَّ مَنِ اغْتَسَلَ فِيهِ لَمْ يَمْرَضْ إِلَّا مَرَضَ الْمَوْتِ، وَمَنِ اكْتَحَلَ فِيهِ لَمْ تَرْمُدْ عَيْنُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا رَوَى أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاغْتِسَالِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَلَا الْكُحْلَ وَالْخِضَابَ، وَتَوْسِيعَ النَّفَقَةِ، وَلَا الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَا إِحْيَاءَ لَيْلَةِ عَاشُورَاءَ، وَلَا أَمْثَالَ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ سُنَّةً عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْلَى مَا بَلَغَنِي فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سُنَّتِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْتَشِرِ، جَرَّبْنَاهُ سِتِّينَ سَنَةً فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا، ثُمَّ اعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْمُنْتَشِرِ فِيمَا ذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَلَقَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ وُقُوعِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي تَقُولُ أَصْحَابُهُ: إِنَّهُ أَحَاطَ بِالسُّنَّةِ عِلْمًا، وَخِبْرَةَ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ تَوْسِيعَ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ، وَابْنُهُ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَشُعْبَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا رَوَى أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمُ الْمَشْهُورَةِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ سُنَّةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سُنَّتِهِ» ، قَالَ: جَابِرُ: جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ، وَقَالَ شُعْبَةُ مَثَّلَهُ، رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَدِيثٍ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَهِيَ: «أَنَا الضَّامِنُ لَهُ كُلُّ دِرْهَمٍ يُنْفِقُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يُرِيدُ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ حُسِبَ بِسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِمَّنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِنْ تَصَدَّقَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وَسَلَامُهُ» قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّوْسِعَةِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، فَلَا يُغْتَرُّ بِذِكْرِ ابْنِ الْأَثِيرِ لَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ عَجِيبٌ، قَالَ: وَهَذَا الْكِتَابُ كَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّرٍ، فَإِنَّ فِيهِ عِدَّةَ أَوْهَامٍ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَخَاهُ ذَكَرَ فِي اخْتِصَارِهِ لِجَامِعِ الْأُصُولِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَعَلَّمَ عَلَيْهِ عَلَامَةَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ مِنْهُمَا، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ الْبَتَّةَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَالَ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي وَضْعِهِ، وَأَنْ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنَّ يُقَالَ هَذَا مُؤْمِنٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ جَابِرٍ مِنَ الطَّرِيقِ الْأُولَى. ثُمَّ رُوِيَ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَوْقُوفًا: «مِنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ» ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: جَرَّبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ جُزْءٍ لِلْحَافِظِ الْعِرَاقِيِّ نَحْوَ الْكُرَّاسِ. وَذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنِ العراقي في أماليه أَنَّهُ قَالَ فِي طَرِيقِ جَابِرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الِاسْتِذْكَارِ: إِنَّهَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي الْخِصَالِ الَّتِي يَذْكُرُ أَنَّهَا تُفْعَلُ فِي يَوْمِ الصَّوْمِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ. وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنِ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِالْإِثْمَدِ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ أَبَدًا» ، قَالَ الْحَاكِمُ: إِنَّهُ مُنْكِرٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ مَوْضُوعٌ، أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. قَالَ الْحَاكِمُ: وَالِاكْتِحَالُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أَثَرٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ، ذَكَرَ ذَلِكَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ، وَفِي الْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ فِي لَيْلَةِ عَاشُورَاءَ، وَفِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى الْأَهْلِ فِيهِمَا، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: فَيُوَسِّعُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مُرَآةٍ وَلَا مُمَارَاةٍ، وَقَدْ جَرَّبَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَصَحَّ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنَ الْفَرَائِضِ: وَيُسْتَحَبُّ التَّوْسِعَةُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ لَيْلَةُ الْعَاشِرِ أَوْ لَيْلَةُ الْحَادِي عَشَرَ؟ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَقَدْ ذَكَرُوا فِيمَا يُفْعَلُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ خِصْلَةً: وَهِيَ الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالِاغْتِسَالُ، وَالِاكْتِحَالُ، وَزِيَارَةُ عَالَمٍ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَمَسْحُ رَأْسِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ. وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ عَشْرٌ يَتَّصِلْ ... بِهَا اثْنَانِ لَهَا فَضْلٌ نُقِلْ

صُمْ صِلْ زُرْ عَالَمًا عَدْ وَاكْتَحَلْ ... رَأْسَ الْيَتِيمِ امْسَحْ تَصَدَّقْ وَاغْتَسِلْ وَسِّعْ عَلَى الْعِيَالِ قَلِّمْ ظُفْرَا ... وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ أَلْفًا تُقْرَا الْخَامِسُ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَقَدْ خَصَّ عَاشُورَاءَ - لِفَضْلِهِ - بِمَا لَمْ يَخُصْ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ أَنْ يَصُومَهُ مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ صِيَامَهُ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى أَكَلَ وَشَرِبَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا، انْتَهَى. (قُلْتُ) : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَاشُورَاءَ كَغَيْرِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَالشَّاذُّ لِابْنِ حَبِيبٍ: صِحَّةُ صَوْمِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَاشُورَاءَ كَغَيْرِهِ. الْبَاجِّيُّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: خَصَّ بِصِحَّتِهِ مَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ أَوْ أَتَمَّهُ بَعْدَ أَكْلٍ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى صَوْمِهِ قَضَاءً أَوْ تَطَوُّعًا لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنَّفِ: وَتَطَوُّعٌ قَبْلَ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) : قَالَ الْقَبَّابُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ فِي الْمَشَارِقِ: عَاشُورَاءُ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْمَشَارِقِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَمْدُودٌ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سُمِّيَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُعْرَفْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فَاعُولَاءُ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: أَنَّهُ سَمَّى خَابُورَاءَ، وَلَمْ يُثْبِتْهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَلَا عَرِفَهُ، وَحَكَى أَبُو عُمَرَ وَالشَّيْبَانِيُّ فِي عَاشُورَاءَ الْقَصْرَ، انْتَهَى. ص (وَتَاسُوعَاءُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ تَاسُوعَاءَ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لِأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» ، وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، هَلْ هُوَ التَّاسِعُ أَوِ الْعَاشِرُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّى صَامَهُمَا. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَلَمْ يَصُمِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّاسِعَ قَطُّ بِبَيِّنَةِ قَوْلِهِ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ» الْحَدِيثُ، قُلْتُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ فَتَأَمَّلْهُ. الثَّانِي: بَقِيَ مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِهَا أَيَّامٌ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنَّفُ، مِنْهَا: ثَالِثُ الْمُحَرَّمِ، وَالسَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ رَجَبٍ، وَنِصْفُ شَعْبَانَ، وَالْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ صَوْمَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ لِأَنَّ فِيهِ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ لِأَنَّ فِيهِ أُنْزِلَتِ الْكَعْبَةُ عَلَى آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَعَهَا الرَّحْمَةُ، وَثَالِثِ الْمُحَرَّمِ فِيهِ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ فَاسْتُجِيبَ لَهُ، انْتَهَى مِنْ آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ مِنَ التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهَا فِي الشَّامِلِ وَعَزَاهَا لِابْنِ حَبِيبٍ فَقَطْ. وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشَّيْخِ زَرُّوقٌ: وَلِابْنِ حَبِيبٍ: اسْتِحْبَابُ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي مِنْهَا ثَالِثُ الْمُحَرَّمِ، وَالسَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ رَجَبٍ، وَالْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ السَّبْعَةِ تَاسُوعَاءُ وَعَاشُورَاءُ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا نِصْفُ شَعْبَانَ فَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِمَا ذُكِرَ: أَنَّ مَا وُرِدَ التَّرْغِيبُ فِي صَوْمِهِ شَعْبَانُ، فَقَالَ خُصُوصًا يَوْمَ نِصْفِهِ فَتَصِيرُ الْأَيَّامُ الْمُرَغَّبُ فِي صِيَامِهَا فِي السَّنَةِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ: الثَّالِثُ مِنَ الْأَيَّامِ الْمُرَغَّبِ فِي صِيَامِهَا فِي الْجُمُعَةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَيَوْمُ الِاثْنَيْنِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ وَقَالَ: «إِنِ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِمَا وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَا صَائِمٌ» ، فَصِيَامُهُمَا مُسْتَحَبٌّ، انْتَهَى. الرَّابِعُ: عَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ مِنَ الصَّوْمِ الْمُسْتَحَبِّ صَوْمَ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِهَا: تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي فَضْلِ صِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَعَاشُورَاءَ، وَأَمَّا الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْهُ فَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ، فَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسُ: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: صِيَامُ الْمَوْلِدِ كَرِهَهُ بَعْضُ مَنْ قَرُبَ عَصْرِهِ مِمَّنْ صَحَّ عِلْمُهُ وَوَرَعُهُ، قَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ

لَا يُصَامَ فِيهِ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَوْرِيُّ يَذْكُرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَيَسْتَحْسِنُهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : لَعَلَّهُ يَعْنِي ابْنَ عَبَّادٍ، فَقَدْ قَالَ فِي رَسَائِلِهِ الْكُبْرَى مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْمَوْلِدُ فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمَوْسِمٌ مِنْ مَوَاسِمِهِمْ، وَكُلُّ مَا يُفْعَلُ فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ وُجُودُ الْفَرْحِ وَالسُّرُورِ بِذَلِكَ الْمَوْلِدِ الْمُبَارَكِ مِنْ إِيقَادِ الشَّمْعِ، وَإِمْتَاعِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ، وَالتَّزَيُّنِ بِلُبْسٍ فَاخِرِ الثِّيَابِ، وَرُكُوبٍ فَارِهِ الدَّوَابِّ، أَمْرٌ مُبَاحٌ لَا يُنْكَرُ عَلَى أَحَدٍ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَوْقَاتِ الْفَرَحِ، وَالْحُكْمُ بِكَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِدْعَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ سِرُّ الْوُجُودِ، وَارْتَفَعَ فِيهِ عَلَمُ الشُّهُودِ، وَانْقَشَعَ فِيهِ ظَلَامُ الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ، وَادِّعَاءُ أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ لَيْسَ مِنَ الْمَوَاسِمِ الْمَشْرُوعَةِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمُقَارَنَةُ ذَلِكَ بِالنَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ أَمْرٌ مُسْتَثْقَلٌ تَشْمَئِزُّ مِنْهُ الْقُلُوبُ السَّلِيمَةُ، وَتَدْفَعُهُ الْآرَاءُ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَا خَلَا مِنَ الزَّمَانِ خَرَجْتُ فِي يَوْمِ مَوْلِدٍ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَاتَّفَقَ أَنْ وَجَدْتُ هُنَاكَ سَيِّدِي الْحَاجَّ ابْنَ عَاشِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَخْرُجُ بَعْضُهُمْ طَعَامًا مُخْتَلِفًا لِيَأْكُلُوهُ هُنَالِكَ، فَلَمَّا قَدَّمُوهُ لِذَلِكَ، أَرَادُوا مِنِّي مُشَارَكَتَهُمْ فِي الْأَكْلِ، وَكُنْتُ إِذْ ذَاكَ صَائِمًا، فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّنِي صَائِمٌ، فَنَظَرَ إِلَيَّ سَيِّدِي الْحَاجُّ نَظْرَةً مُنْكَرَةً، وَقَالَ لِي مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، يُسْتَقْبَحُ فِي مِثْلِهِ الصِّيَامُ بِمَنْزِلَةِ يَوْمِ الْعِيدِ، فَتَأَمَّلْتُ كَلَامَهُ فَوَجَدْتُهُ حَقًّا، وَكَأَنَّنِي كُنْتُ نَائِمًا فَأَيْقَظَنِي، انْتَهَى. ص: (وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ وَشَعْبَانُ) ش: هَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْأَشْهُرُ الْمُرَغَّبُ فِي صَوْمِهَا ثَلَاثَةٌ: الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَشَعْبَانُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الصَّحِيحَانِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقْدِّمَاتِ: وَصِيَامُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَامَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، انْتَهَى. وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، بَلْ يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» ، وَهَذَا لَفْظُ الْمُوَطَّأِ. وَالَّذِي جَاءَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فَضَمّهَا وَأَرْسَلَهَا» ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» ، وَأَمَّا شَعْبَانُ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ شَعْبَانُ ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» ، وَعَنْهَا أَيْضًا أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بَعْدَ «إِلَّا قَلِيلًا: بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» ، وَعَنْ أَمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ يُونُسَ ذِكْرَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ يُعَارِضُهَا مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ ظَاهِرٌ، لَكِنْ يُعَارِضُ مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَحَدِيثُ أَمِّ سَلَمَةَ السَّابِقَانِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ بِخُصُوصِهِ إِلَّا قَوْلَهُ: «صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ» ، وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَحَادِيثَ فِي فَضْلِ صَوْمِهِ وَفِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالُوا، وَقَدْ جَمَعَ فِي ذَلِكَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ جُزْءًا سَمَّاهُ " تَبْيِينُ الْعَجَبِ بِمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ رَجَبٍ " فَرَأَيْتُ أَنْ

أَذْكُرَ مُلَخَّصَهُ هُنَا: وَقَدِ افْتَتَحَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ، فَذَكَرَ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ اسْمًا: وَهُوَ رَجَبٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُرْجَّبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ يُعَظَّمُ أَوْ لِتَرْكِ الْقِتَالِ فِيهِ، يُقَالُ: أَقْطَعُ الرَّوَاجِبِ. وَالْأَصَمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تُسْمَعُ فِيهِ قَعْقَعَةُ السِّلَاحِ، والأَصَبُّ بِمُوَحَّدَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّحْمَةَ تُصَبُّ فِيهِ، وَرَجْمٌ بِالْجِيمِ؛ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ تُرْجَمُ فِيهِ، وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ قَدِيمَةٌ، وَالْمُقِيمُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ثَابِتَةٌ، وَالْمُعَلَّى؛ لِأَنَّهُ رَفِيعٌ عِنْدَهُمْ، وَالْفَرْدُ وَهُوَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ، وَمُنْصِلُ الْأَسِنَّةِ، وَمُنْصِلُ الْآلِ أَيْ الْحِرَابِ، وَمُنْزِعُ الْأَسِنَّةِ، وَشَهْرُ الْعَتِيرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِيهِ، وَالْمُبْدِي، والمُعَشْعِشُ، وَشَهْرُ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: ذَكَرَ بَعْضُ الْقُصَّاصِ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ فِي رَجَبٍ، قَالَ: وَذَلِكَ كَذِبٌ، قَالَ الْحَرْبِيُّ: كَانَ الْإِسْرَاءُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. ثُمَّ قَالَ: فَصْلٌ لَمْ يَرِدْ فِي فَضْلِهِ، وَلَا فِي صِيَامِهِ، وَلَا فِي صِيَامِ شَيْءٍ مِنْهُ مُعَيَّنٌ، وَلَا فِي قِيَامِ لَيْلَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ: وَقَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْجَزْمِ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْهَرَوِيُّ الْحَافِظُ: رَوَيْنَاهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَكَذَا رَوَيْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنِ اشْتُهِرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَتَسَامَحُونَ فِي إِيرَادِ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَضَائِلِ - وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَعِيفٌ - مَا لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً، انْتَهَى. وَيَنْبَغِي مَعَ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَامِلُ كَوْنَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ ضَعِيفًا، وَأَنْ لَا يَشْتَهِرَ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَعْمَلَ الْمَرْءُ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ، فَيُشَرِّعُ مَا لَيْسَ بِشَرْعٍ، أَوْ يَرَاهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَعْنَى ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، وَلْيَحْذَرِ الْمَرْءُ مِنْ دُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» فَكَيْفَ بِمَنْ عَمِلَ بِهِ؟! وَلَا فَرْقَ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ فِي الْأَحْكَامِ أَوْ فِي الْفَضَائِلِ، إِذْ لِكُلٍّ شَرْعٌ. ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقُولُ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا وَرَدَ فِيهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ» ، فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ فِي رَجَبٍ مُشَابَهَةً بِرَمَضَانَ، وَأَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ عَنِ الْعِبَادَةِ بِمَا يَشْتَغِلُونَ بِهِ فِي رَمَضَانَ، وَيَغْفُلُونَ عَنْ نَظِيرِ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَصُومُهُ، وَفِي تَخْصِيصِهِ ذَلِكَ بِالصَّوْمِ إِشْعَارٌ بِفَضْلِ صِيَامِ رَجَبٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُقَرَّرِ لَدَيْهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ، فَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فَضَمّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا» ، فَفِي هَذَا الْخَبَرِ - وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ - مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صِيَامِ بَعْضِ رَجَبٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةَ سَبْعمِائَةِ سَنَةٍ» ، فَرَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ الرَّازِيِّ، وَفِي سَنَدِهِ ضُعَفَاءُ وَمَجَاهِيلُ. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ رَجَبٍِ أَوْ فِي فَضْلِ صِيَامِهِ أَوْ صِيَامِ شَيْءٍ مِنْهُ صَرِيحَةٌ، فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: ضَعِيفَةٌ، وَمَوْضُوعَةٌ. فَمِنَ الضَّعِيفِ: مَا رَوَاهُ النَّقَّاشُ فِي كِتَابِ فَضْلِ الصِّيَامِ لَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ لَهُ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا، قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ» . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَجَدْتُ لَهُ شَاهِدًا إِلَّا أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَقَرَأَتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ السِّلَفِيِّ بِسَنَدِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ مَاؤُهُ الرَّحِيقُ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا، أَعَدَّهُ اللَّهُ لِصُوَّامِ رَجَبٍ» ، وَهُوَ مِنْ وَضْعِ السَّقَطِيِّ. (قُلْتُ) : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَرْفُوعٌ، فَيُحَرَّرُ ذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيّ ُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ» . قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُ لِهَذَا الْخَبَرِ إِسْنَادًا ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ، فَكَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، فَأَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ

مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْ بَعْدَ رَمَضَانَ إِلَّا رَجَبًا وَشَعْبَانَ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. ثُمَّ قَالَ: وَوَرَدَ فِي فَضْلِ رَجَبٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْبَاطِلَةِ أَحَادِيثُ لَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا، مِنْهَا حَدِيثُ: «رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ، وَشَعْبَانُ شَهْرِي، وَرَمَضَانُ شَهَرُ أُمَّتِي» رَوَاهُ النَّقَّاشُ الْمُفَسِّر، وَرَوَاهُ ابْنُ نَاصِرٍ فِي أَمَالِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: رَجَبٌ لَا يُقَارِنُهُ مِنَ الْأَشْهُرِ أَحَدٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ شَهْرُ اللَّهِ الْأَصَمُّ، وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَاتٌ، يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، أَلَا وَإِنَّ رَجَبًا شَهْرُ اللَّهِ، وَشَعْبَانَ شَهْرِي، وَرَمَضَانَ شَهَرُ أُمَّتِي، فَمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا اسْتَوْجَبَ رِضْوَانَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ، وَأَسْكَنَهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى، وَمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمَيْنِ فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ ضِعْفَانِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ ضَعْفٍ مِثْلَ جِنَانِ الدُّنْيَا، وَمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا، طُولُ مَسِيرَةِ ذَلِكَ سَنَةٌ، وَمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ عُوفِيَ مِنَ البَلَاءَاتِ؛ مِنَ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» . وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ ذَكَرَهُ مِنْ طُرُقٍ، وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ عَلَى بَعْض، فَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «خِيرَةُ اللَّهِ مِنَ الشُّهُورِ شَهْرُ رَجَبٍ» . وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْبَاطِلَةِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ السَّقَطِيُّ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «فَضْلُ رَجَبٍ عَلَى الشُّهُورِ كَفَضْلِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَفَضْلُ شَعْبَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ كَفَضْلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَفَضْلُ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ» . وَمِنْهَا حَدِيثُ: «رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ وَيُدْعَى الْأَصَمُّ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ يُعَطِّلُونَ أَسْلِحَتَهُمُ» الْحَدِيثُ. قَالَ: وَهُوَ - إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا - فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْهَا حَدِيثُ: «رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ الْأَصَمُّ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا اسْتَوْجَبَ رِضْوَانَ اللهِ الْأَكْبَرَ» وَهُوَ مَتْنٌ لَا أَصْلَ لَهُ، بَلِ اخْتَلَقَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ السَّقَطِيُّ. وَمِنْهَا حَدِيثُ: «مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ رَجَبٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صِيَامَ شَهْرٍ، وَمَنْ صَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَ عَنْهُ سَبْعَةُ أَبْوَابِ النَّارِ، وَمَنْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ صَامَ نِصْفَ رَجَبٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ رِضْوَانَهُ، وَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ رِضْوَانَهُ لَمْ يُعَذِّبْهُ، وَمَنْ صَامَ رَجَبًا كُلَّهُ حَاسَبَهُ حِسَابًا يَسِيرًا» . وَمِنْهَا حَدِيثُ: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً فِي رَجَبٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الْفِرْدَوْسِ قَصْرًا مَدّ بَصَرِهِ، أَكْرِمُوا رَجَبًا يُكْرِمْكُمُ اللَّهُ بِأَلْفِ كَرَامَةٍ» وَهُوَ مَتْنٌ لَا أَصْلَ لَهُ، بَلِ اخْتَلَقَهُ السَّقَطِيُّ. وَمِنْهَا حَدِيثُ: «رَجَبٌ مِنْ أَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَأَيَّامُهُ مَكْتُوبَةٌ عَلَى أَبْوَابِ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَإِذَا صَامَ الرَّجُلُ مِنْهُ يَوْمًا وَجَوَّدَ صِيَامِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، نَطَقَ الْبَابُ وَنَطَقَ الْيَوْمُ، فَقَالَا: يَا رَبُّ اغْفِرْ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ صَوْمَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ» رَوَاهُ النَّقَّاشُ فِي فَضَائِلِ الصِّيَامِ لَهُ. وَمِنْهَا حَدِيثُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ كَانَ كَصِيَامِ سَنَةٍ، وَمَنْ صَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ غُلِّقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَمَنْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِّحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، وَمَنْ صَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا سَلَفَ، فَاسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ، وَفِي شَهْرِ رَجَبٍ حُمِلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ فَصَامَ وَأَمَرَ مِنْ مَعَهُ أَنْ يَصُومُوا» . رَوَيْنَاهُ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: «فَصَامَ وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ أَنْ يَصُومُوا شُكْرَ اللَّهِ بِهِمْ، فَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَفِي رَجَبٍ تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ، وَعَلَى أَهْلِ مَدِينَةِ يُونُسَ، وَفِيهِ فُلِقَ الْبَحْرُ لِمُوسَى، وَفِيهِ وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ وَعِيسَى» . وَمِنْهَا حَدِيثٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا عِشْرِينَ رَكْعَةً يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]

مَرَّةً وَيُسَلِّمُ فِيهِنَّ عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ، أَتَدْرُونَ مَا ثَوَابُهُ؟ فَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ جِبْرِيلَ عَلَّمَنِي ذَلِكَ، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَفِظَهُ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، وَأُجِيرَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَجَازَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ» وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ. وَمِنْهَا أَيْضًا حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ وَصَلَّى فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ أَوْ يُرَى لَهُ» وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ- أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا، حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ ذُنُوبَ سِتِّينَ سَنَةً، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي بُعِثَ فِيهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْهَا حَدِيثُ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ، وَفِيهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ، وَشَعْبَانُ شَهْرِيْ، وَرَمَضَانُ شَهَرُ أُمَّتِي، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مَعْنَى قَوْلِكَ رَجَبٌ شَهْرُ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمَغْفِرَةِ، وَفِيهِ تُحْقَنُ الدِّمَاءُ، وَفِيهِ تَابَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَفِيهِ أَنْقَذَ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِ، مَنْ صَامَهُ اسْتَوْجَبَ عَلَى اللَّهِ مَغْفِرَةً بِجَمِيعِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَعُمْرِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ، وَأَمَانًا مِنَ الْعَطَشِ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ. فَقَامَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ فَقَالَ: إِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لِأَعْجِزُ عَنْ صِيَامِهِ كُلِّهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صُمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَأَوْسَطَ يَوْمٍ مِنْهُ، وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْهُ فَإِنَّكَ تُعْطَى ثَوَابَ مَنْ صَامَهُ كُلَّهُ» ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ. ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ شَهْرَ رَجَبٍ شَهْرٌ عَظِيمٌ، مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صَوْمَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ يَوْمَيْنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صَوْمَ أَلْفَيْ سَنَةٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صَوْمَ ثَلَاثَةِ آلَافِ سَنَةٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ فَيَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتٍ وَنَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ قَدْ غُفِرَ لَكَ فَاسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ» . قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخَرَ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بَعْضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَكَذَلِكَ الجَزُوِليُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنِ الْحُلَيْمِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِصَوْمِ رَجَبٍ ذِكْرٌ فِي الْأُصُولِ الْمَعْرُوفَةِ سِوَى مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ فَقَالَ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ شَعْبَانَ» ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ رَجَبًا قَدْ ظَهَرَ فَضْلُهُ، فَإِنَّهُ مِنَ الْحُرُمِ، وَكَانَ مُعَظَّمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ وَاسْأَلُوا عَنْ شَعْبَانَ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ مُسْتَحَبًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ كَالْأَشْهُرِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا الْمُتَّصِلُ بِرَمَضَانَ وَالتَّنْبِيهُ بِهِ عَنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ شَعْبَانُ، فَإِنَّ فِيهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ كَمَا فِي رَمَضَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، فَاسْأَلُونِي عَنْهُ لَا عَنْ رَجَبٍ. قَالَ الْحُلَيمِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ ذَا الْقِعْدَةِ مِنَ الْحُرُمِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي صِيَامِهِ شَيْءٌ. الثَّانِي: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ» . قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِهَا: انْفَرَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ: «نَهَى عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ كُلِّهِ» وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ: إِنَّ فِيهِ دَاوُدَ بْنَ عَطَاءٍ. لَيَّنَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: دَاوُدُ بْنُ عَطَاءٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ فِيهِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَحَرَّفَ

الرَّاوِي الْفِعْلَ إِلَى النَّهْيِ، ثُمَّ إِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ صَوْمَ شَهْرٍ يُكْمِلُهُ مِنْ بَيْنِ الشُّهُورِ كَمَا يُكْمِلُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ يَوْمًا مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا كَرِهْتُ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَتَأَسَّى جَاهِلٌ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِب. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْحَدِيثُ أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَنَانِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ» . رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا رَجَبًا عِيدًا تَرَوْنَهُ حَتْمًا مِثْلَ رَمَضَانَ إِذَا أَفْطَرْتُمْ مِنْهُ صُمْتُمْ وَقَضَيْتُمُوهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ كُلِّهِ لِئَلَّا يُتَّخِذَ عِيدًا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَمِثْلُ هَذَا مَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَضْرِبُ أَيْدِيَ الرِّجَالِ فِي رَجَبٍ إِذَا رَفَعُوهَا عَنِ الطَّعَامِ حَتَّى يَضَعُوهَا فِيهِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ مَوْسِمٌ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَهُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: فَهَذَا النَّهْيُ مُنْصَرِفٌ لِمَنْ يَصُومُهُ مُعَظِّمًا لِأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَمَّا مَنْ صَامَهُ لِقَصْدِ الصَّوْمِ فِي الْجُمْلَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ حَتْمًا، أَوْ يَخُصَّ مِنْهُ أَيَّامًا مُعِينَةً يُوَاظِبُ عَلَى صَوْمِهَا، أَوْ لَيَالِيَ مُعِينَةً يُوَاظِبُ عَلَى قِيَامِهَا، بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهَا سُنِّةٌ، فَهَذَا مِنْ فِعْلِهِ مَعَ السَّلَامَةِ مِمَّا اسْتُثْنِيَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ خَصَّ ذَلِكَ أَوْ جَعَلَهُ حَتْمًا فَهَذَا مَحْظُورٌ. وَهُوَ فِي الْمَنْعِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ وَلَا لَيْلَتَهَا بِقِيَامٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَإِنْ صَامَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّ صِيَامَهُ أَوْ صِيَامَ شَيْءٍ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ غَيْرِهِ فَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَيُقَوِّي جَانِبَ الْمَنْعِ مَا فِي الصَّحِيحِ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى صَوْمَ يَوْمٍ يُفَضِّلُهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ - يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ -» . وَعَنْ أَزْهَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا كَانَتْ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ لَهَا أَنَّهَا تَصُومُ رَجَبًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: صُوْمِي شَعْبَانَ فَإِنَّ فِيهِ الْفَضْلَ، فَقَدَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنَاسٌ يَصُومُونَ رَجَبًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَيْنَ هُمْ مِنْ صِيَامِ شَعْبَانَ» ! رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ بَعْدَهُ: «قَالَ زَيْدٌ: وَكَانَ أَكْثَرَ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ رَمَضَانَ شَعْبَانُ» وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَحَرِّيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِيَامَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِعَيْنِهِ كَانَ لِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ صَدَرَ أَنَّ صَوْمَهُ كَانَ مُفْتَرَضًا قَبْلَ رَمَضَانَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الطَّاعَاتِ وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ «عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلَ شَهْرًا قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» ، فَظَاهِرُهُ فَضِيلَةُ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ عَلَى غَيْرِهِ. لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ الشُّغْلُ عَنْ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ لِسِفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَقْضِيهَا فِي شَعْبَانَ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَصُومُ فِي شَعْبَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لِصِيَامِ شَعْبَانَ فَضِيلَةً عَلَى صِيَامِ غَيْرِهِ. وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا دَخَلَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا دَخَلَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصِّيَامِ» وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَعْنى هَذَا النَّهْي لِلْمُبَالَغَةِ فِي الِاحْتِيَاطِ لِئَلَّا يَحْتَاطَ لِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، وَيَكُونَ هَذَا بِمَعْنَى نَهْيِهِ عَنْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْحَوَادِثُ وَالْبِدَعُ: يُكْرَهُ صَوْمُ رَجَبٍ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا خَصَّهُ الْمُسْلِمُونَ بِالصَّوْمِ فِي كُلِّ عَامٍ حَسِبَ الْعَوَامُّ أَنَّهُ فَرْضٌ كَشَهْرِ رَمَضَانَ، وَإِمَّا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ كَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ مَخْصُوصٌ بِفَضْلِ ثَوَابٍ عَلَى ثَوَابِ بَاقِي الشُّهُورِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: الصِّيَامُ عَمَلُ بَرٍّ لَا لِفَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ صِيَامِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: سُئِلَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ الصَّلَاحِ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ كُلِّهِ، هَلْ عَلَى صَائِمِهِ إِثْمٌ أَمْ لَهُ أَجْرٌ؟ وَفِي حَدِيثٍ يَرْوِيهِ ابْنُ دِحْيَةَ أَنَّهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ مِنَ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ لِصُوَّامِ رَجَبٍ» هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ: لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُؤْثِمْهُ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فِيمَا نَعْلَمُهُ، بَلْ قَالَ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ: لَمْ يَثْبُتْ فِي صَوْمِ رَجَبٍ حَدِيثُ أَيِّ فَضْلٍ خَاصٍّ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ زُهْدًا فِي صَوْمِهِ بِمَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوصِ فِي فَضْلِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا، وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي صَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَافٍ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَمَّا حَدِيثُ: تُسَعَّرُ جَهَنَّمُ لِصُوَّامِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ، وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ عَنْ مَنْعِ صَوْمِ رَجَبٍ وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ، وَهَلْ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ جُمْعَةٍ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: نَذْرُ صَوْمِ رَجَبٍ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِهِ، وَالَّذِي نَهَى عَنْ صَوْمِهِ جَاهِلٌ بِمَأْخَذِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ. وَكَيْفَ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ دَوَّنُوا الشَّرِيعَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ انْدِرَاجَهُ فِيمَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ؟ بَلْ يَكُونُ صَوْمُهُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الصَّوْمِ مِثْلَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ» ، وَقَوْلِهِ: «لَخُلُوفُ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُدَ» وَقَدْ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا عَدَا رَجَبًا مِنَ الشُّهُورِ. وَمَنْ عَظَّمَ رَجَبًا بِغَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَهُ لَهَا فَلَيْسَ بِمُقْتَدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا فَعَلَتْهُ الْجَاهِلِيَّةُ مَنْهِيًّا عَنْ مُلَابَسَتِهِ، إِلَّا إِذَا نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ، وَدَلَّتِ الْقَوَاعِدُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِكَوْنِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَعَلُوهُ، وَالَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ جَاهِلٌ مَعْرُوفٌ بِالْجَهْلِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي دِينِهِ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ إِلَّا لِمَنِ اشْتُهِرَ بِالْمَعْرِفَةِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَأْخَذِهَا، وَالَّذِي يُضَافُ إِلَيْهِ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُقَلَّدُ، وَمَنْ قَلَّدَهُ فَقَدْ غُرِّرَّ بِدِينِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ: تَتْمِيمُ الأَصَبِّ صَوْمُهُ نُدِبْ ... لِكُلِّ قَادِرٍ وَبِالنَّذْرِ يَجِبْ وَأَحْمَدُ كَرِهَهُ إِذَا انْفَرَدْ ... وَالْمَانِعُ الْمُطْلَقُ قَوْلُهُ يُرَدْ وَالنَّهْيَ عَنْهُ قَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ... وَضَعْفَهُ النَّسَائِي فِي الدِّيبَاجَهْ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ قَالَ مَنْ نَهَى ... عَنْ صَوْمِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ سَهَا وَشَدَّدَ النَّكِيرَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهْ ... وَقَالَ لَا يُرْجَعُ فِي الْفَتْوَى إِلَيْهْ إِذِ الَّذِينَ نَقَلُوا الشَّرِيعَهْ ... مَا كَرِهُوا صِيَامَهُ جَمِيعَهْ وَفِي عُمُومِ طَلَبِ الصَّوْمِ انْدَرَجْ ... وَزَالَ عَنْ صَائِمِهِ بِهِ الْحَرَجْ وَابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ مَنْ رَوَى رَجَبْ ... فِيهِ عَذَابُ صَائِمِيهِ قَدْ وَجَبْ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا تَحِلُّ نِسْبَتُهْ ... إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ضَلَّ مُثْبِتُهْ فَفِي عُمُومِ الْفَضْلِ لِلصَّوْمِ نُصُوصٌ ... تَدُلُّ لِاسْتِحْبَابِهِ عَلَى الْخُصُوصِ الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا ذَكَرَ مَا وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِهِ مِنَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ، وَفِي صَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: الْمُحَرَّمِ، وَرَجَبٍ، وَذِي الْقِعْدَةِ، وَذِي الْحِجَّةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عَدِّهَا مِنْ عَامَيْنِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي أَوَائِلِ الرَّوْضِ الْأُنُفِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى النُّسَاةِ الَّذِينَ نَسَؤُوا الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ. قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمُحَرَّمُ، هَذَا قَوْلٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَّلَهَا ذُو الْقِعْدَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِهِ

حِينَ ذَكَرَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَمَنْ قَالَ: الْمُحَرَّمُ أَوَّلُهَا احْتَجَّ بِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ، وَفِقْهُ هَذَا الْخِلَافِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَيُقَالُ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: ابْدَأْ بِالْمُحَرَّمِ، ثُمَّ بِرَجَبٍ، ثُمَّ بِذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُقَالُ لَهُ: ابْدَأْ بِذِي الْقِعْدَةِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ صِيَامِكَ فِي رَجَبٍ مِنَ الْعَامِ الثَّانِي، انْتَهَى. (قُلْتُ) : هَذَا لَازِمٌ إِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَهَا مُرَتَّبَةً، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعُ: ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْأَشْهُرِ الْمُرَغَّبِ فِي صِيَامِهَا شَوَّالًا، وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ وَقَفْتُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ عَلَى حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِيهِ، وَنَصُّهُ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . وَقَالَ عُقْبَةُ: أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَرِيفٍ مِنْ عُرَفَاءِ قُرَيْشٍ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا ابْنُ الْعِمَادِ فِي كشف الأسرار وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِمَنْ أَسْلَمَ وَقَضَاؤُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَان، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّتِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاؤُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اخْتُلِفَ فِي الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ عِيَاضٌ: وَالِاسْتِحْبَابُ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَابْنِ حَبِيبٍ، وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ سَاوَى الْمَجْنُونَ يُفِيقُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِخِطَابِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكَ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ، لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ تَخْرِيجٌ بَعِيدٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اخْتُصَّ بِالْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَهُ؛ لِفَوَاتِ صَوْمِهِ شَرْعًا كَالْيَوْمِ السَّابِقِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَهُ لَكَانَ الْقَضَاءُ وَالْإِمْسَاكُ وَاجِبَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِخِطَابِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ شُيُوخِنَا، وَإِنَّمَا اسْتُحِبَّ لِيَظْهَرَ عَلَيْهِمْ صِفَاتُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُمْسِكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ. قَالَ: وَعَلَى قَوْلِهِ: لَا يَقْضِيه، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلُهُ. عِيَاضٌ: وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيُّ تَرْكُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَرْكِ الْإِمْسَاكِ وَاسْتِحْبَابُهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ؛ إِذِ الْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الْإِمْسَاكِ، وَالْقَضَاءُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، وَالنَّاسِي فِي الْفَرْضِ مَأْمُورٌ بِالْإِمْسَاكِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَالْمُغْمَى وَالْمُحْتَلِمُ لَا يُمْسِكَانِ وَلَا قَضَاءَ، وَالنَّاسِي لِصَوْمِهِ يُفْطِرُ فِي التَّطَوُّعِ مَأْمُورٌ بِالْإِمْسَاكِ وَلَا قَضَاءَ فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ تَحِيضُ أَوَّلَ حَيْضَتِهَا فِي يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوِ الصَّبِيَّةُ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ انْعَقَدَ نَافِلَةً ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَهُوَ كَالْحَائِضِ، قَالَهُ سَنَدٌ، أَيْ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي بَلَغَ فِيهِ، وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ. ص: (وَتَعْجِيلُ الْقَضَاءِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى انْقِضَاءِ الثَّانِي، فَلْيَبْدَأْ إِذَا أَفَاقَ بِالْأَوَّلِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالثَّانِي أَجَزَأَهُ، انْتَهَى. ص: (وَبَدْءٌ بِكصُومِ تَمَتُّعٍ إِنْ لَمْ يَضِقِ الْوَقْتُ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ ظِهَارٍ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا

شَاءَ، إِلَّا أَنْ لَا يُدْرِكَهُمَا قَبْلَ رَمَضَانَ، فَلْيَبْدَأْ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ قَبْلَ نَذْرِهِ، انْتَهَى. ص: (وَفِدْيَةٌ لِهَرِمٍ وَعَطِشٍ) ش: الْمُرَادُ بِالْهَرِمِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي زَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ، فَيُؤَخَّرُ لِلزَّمَنِ الَّذِي يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الصَّوْمِ، وَلَا قَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يُطْعِمُ، انْظُرْ الجَزُولِيَّ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ فِي المُسْتَعْطِشِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ إِذَا بَلَغَ الْجُهْدُ مِنْهُ، وَلَا يُعِدِ الشُّرْبَ إِلَى غَيْرِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. ص: (وَصِيَامُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَكَرِهَ كَوْنَهَا الْبِيضَ كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» فَكَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ صِيَامُهَا، وَكَذَلِكَ كَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَتَعَمَّدَ صِيَامَ الْأَيَّامِ الْبِيضِ وَهُوَ يَوْمُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، عَلَى مَا رُوِيَ فِيهَا مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَ صِيَامَهَا وَاجِبًا، وَرُوِيَ أَنَّ صِيَامَ الْأَيَّامِ الْغُرِّ وَهِيَ أَوَّلُ يَوْمٍ، وَيَوْمِ عَشْرٍ، وَيَوْمِ عِشْرِينَ صِيَامُ الدَّهْرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ صَوْمَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: الْمُرَغَّبُ فِيهِ مِنَ الشُّهُورِ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَشَعْبَانُ، وَمِنَ الْأَيَّامِ سِتٌّ مِنْ شَوَّالٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُوصَلَ بِيَوْمِ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَفِي مُسْلِمٍ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ» ، الْحَدِيثُ. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ صِيَامَهَا فِي غَيْرِهِ خَوْفًا مِنْ إِلْحَاقِهَا رَمَضَانَ عِنْدَ الْجُهَّالِ، وَإِنَّمَا عَيَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ شَوَّالٍ لِلْخِفَّةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِقُرْبِهِ مِنَ الصَّوْمِ، وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِهِ فَيَشْرَعُ التَّأْخِيرُ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَالشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِسِتِّينَ كَمُلَتْ السَّنَةُ، فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي السِّنِينَ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ صِيَامَ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَكَانَ يَصُومُهَا؛ أَوَّلَهُ وَعَاشَرَهُ، وَالْعِشْرِينَ، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْغُرُّ، وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ تَعْجِيلَهَا أَوَّلَهُ وَهِيَ صِيَامُ الدَّهْرِ، انْتَهَى. وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَرٍ: وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ الْبِيضِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيْبِيُّ: إِنَّمَا كَرِهَهَا مَالِكٌ مَخَافَةَ أَنْ تَلْحَقَ بِرَمَضَانَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ صِيَامُهَا، وَاسْتُحِبَّ صِيَامُهَا فِي غَيْرِ شَوَّالٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَضَاعُفِ أَيَّامِهَا وَأَيَّامِ رَمَضَانَ حَتَّى تَبْلُغَ عِدَّةَ الْأَيَّامِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ، وَمَحَلُّ تَعْيِينهَا فِي شَوَّالٍ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ لِاعْتِيَادِهِ الصِّيَامَ لَا لِتَخْصِيصِ حُكْمِهَا بِذَلِكَ؛ إِذْ لَوْ صَامَهَا فِي عَشَرِ ذِي الْحِجَّةِ لَكَانَ ذَلِكَ أَحْسَنَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ حِيَازَةِ فَضَلِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ وَالسَّلَامَةِ مِمَّا اتَّقَاهُ مَالِكٌ، انْتَهَى. وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ: لَوْ صَامَهَا فِي عَشَرِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَخ، عَنِ الْجَوَاهِرِ. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: وَصْلُ الصَّوْمِ بِأَوَائِلِ شَوَّالٍ مَكْرُوهٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ النَّاسَ صَارُوا يَقُولُونَ تَشْيِيعُ رَمَضَانَ، وَكَمَا لَا يُتَقَدَّمُ لَا يُشَيَّعُ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ قَطْعًا لِقَوْلِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] كَانَ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ أَفْضَلُ وَمِنْ أَوْسَطِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ، وَهُوَ أَحْوَطُ لِلشَّرِيعَةِ وَأَذْهَبُ لِلْبِدْعَةِ.

وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ، وَلَسْتُ أَرَاهُ، وَلَوْ عَلِمْتُ مَنْ يَصُومُهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَلَكْتُ الْأَمْرَ أَدَّبْتُهُ وَشَرَدْتُ بِهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْفِعْلَةِ غَيَّرُوا دِينَهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إِثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: سُؤَالٌ فِي قَوْلِهِ: فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ يُشْتَرَطُ فِي التَّشْبِيهِ الْمُسَاوَاةُ أَوِ الْمُقَارَبَةُ، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ وَلَا مُدَانَاةَ بَيْنَ عُشْرِ الشَّيْءِ وَكُلِّهِ، جَوَابُهُ: مَعْنَاهُ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. (تَنْبِيهٌ) : هَذَا الْأَجْرُ مُخْتَلِفٌ: فَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ النَّاشِئَةُ عَنْ رَمَضَانَ أَعْظَمُ أَجْرًا؛ لِكَوْنِهَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ، وَسُدْسُهُ ثَوَابُ النَّفْلِ. وَإِنَّمَا قَالَ: (بِسِتٍّ) ، وَلَمْ يَقُلْ: بِسِتَّةٍ، وَهُوَ الْأَصْلُ لِوُجُوبِ تَأْنِيثِ الْمُذَكَّرِ فِي الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ اللَّيَالِيَ عَلَى الْأَيَّامِ لِسَبْقِهَا. انْتَهَى كَلَامُ الذَّخِيرَةِ. (فَرْعٌ) : مِنَ الْمَكْرُوهِ: الْوِصَالُ، وَالدُّخُولُ عَلَى الْأَهْلِ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهِنَّ، وَفُضُولُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَإِدْخَالُ الْفَمِ كُلَّ رَطْبٍ لَهُ طَعْمٌ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ النَّوْمِ بِالنَّهَارِ. نَقَلَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ جُزَيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ لَهُ ذَوْقُ الْمِلْحِ وَالطَّعَامِ، وَمَضْغُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى جَوْفِهِ، وَمَضْغُ الْعِلْكِ. أَبُو الْحَسَنِ: يَعْنِي لِيُدَاوِيَ بِهِ شَيْئًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقَارَنَتُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ، وَيَعْنِي أَيْضًا إِذَا مَضَغَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا لَوْ مَضَغَهُ مِرَارًا وَابْتَلَعَ رِيقَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَلِعُ بَعْضَ أَجْزَائِهِ مَعَ رِيقِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مُقَارَنَتُهُ مَعَ الْمِلْحِ وَالطَّعَامِ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ. وَفِي الصَّغِيرِ يَعْنِي إِذَا مَضَغَهُ لِيَجْعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ، وَأَمَّا لِيَبْتَلِعَ الرِّيقَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إِنَّمَا هِيَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ قَبْلَ مَا تَقَدَّمَ: الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ مَخَافَةَ أَنْ يَصِلَ إِلَى حَلْقِهِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَحَاصِلُهُ: إِذَا ابْتَلَعَ رِيقَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وفِي النَّوَادِرِ عَنِ الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: وَأَكْرَهُ لِلصَّائِمِ مَضْغَ الطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ، وَلَحْسَ الْمِدَادِ، فَإِنْ دَخَلَ جَوْفَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلْيَقْضِ، وَمَنْ صَامَ مِنَ الصِّبْيَانِ فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَيَذُوقُ الصَّائِمُ الْمِلْحَ وَالْعَسَلَ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ وَصَلَ مِنْهُ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلْيَقْضِ، وَإِنَّ تَعَمَّدَ فَلْيُكَفِّرْ، قَالَ أَشْهَبُ: وَأَكْرَهُ لَهُ لَحْسَ الْمِدَادِ، وَمَضْغَ الْعِلْكِ، وَذَوْقَ الْقِدْرِ وَالْعَسَلِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَيُكْرَهُ لَهُ ذَوْقُ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ، وَمَضْغُ اللِّبَانِ وَالْعِلْكِ، وَلَمْسُ الْعَقِبِ، وَلَحْسُ الْمِدَاد، وَالْمَضْغُ لِلصَّبِيِّ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ مَجَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ جَازَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى حَلْقِهِ سَاهِيًا فَلْيَقْضِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَلْيُكَفِّرْ وَيَقْضِ. وَكُلُّ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذَا أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ فِي التَّطَوُّعِ الْقَضَاءُ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ فِيهِ فِي التَّطَوُّعِ قَضَاءٌ، وَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ وَكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ فَفِيهِ الْقَضَاءُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَلَمْسُ الْعَقِبِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ: أَوْ يَلْمِسُ الْأَوْتَارَ بِفِيهِ، أَوْ يَمْضُغُهَا، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْعَقَبُ - بِالتَّحْرِيكِ - الْعَصَبُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ الْأَوْتَارُ، الْوَاحِدَةُ عَقْبَةٌ، تَقُولُ مِنْهُ: عَقَّبْتُ السَّهْمَ وَالْقَدَحَ وَالْقَوْسَ، إِذَا لَوَيْتَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقَبِ وَالْعَصَبِ: أَنَّ الْعَصَبَ يَضْرِبُ إِلَى الصُّفْرَةِ، وَالْعَقَبَ يَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ. ص: (وَمُدَاوَاةُ حَفَرٍِ زَمَنَهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: أَوْ يُدَاوِي الْحَفْرَ فِي فِيهِ وَيَمُجُّ الدَّوَاءَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا كَرَاهَةُ مُدَاوَاةِ الْحَفْرِ فِي فِيهِ. الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ: إِنْ كَانَ فِي صَبْرِهِ لِلَّيْلِ ضَرَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ نَهَارًا. ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَصِلُ لِحَلْقِهِ. الْبَاجِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدِي كَالْمَضْمَضَةِ، وَلَوْ بَلَغَ جَوْفَهُ غَلَبَةً قَضَى، وَعَمَدًا كَفَّرَ. وَكَذَا مَا ذكَرَهُ ابْنُ زَرْقُونَ، فَيَصِيرُ الْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ سَوَاءَ إِنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الْغَلَبَةِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَمْدِ الْكَفَّارَةُ. ابْنُ حَبِيبٍ: إِنْ وَصَلَ حَلَقَهُ قَضَى، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ ذَوْقَ الْأَطْعِمَةِ، وَوَضْعَ الدَّوَاءِ فِي الْفَمِ لِلْحَفَرِ

أَوْ عَقْبًا أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الِازْدِرَادَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إِفْطَارُهُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَاسُوا الطَّعْمَ عَلَى الرَّائِحَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّائِحَةَ لَا تَسْتَصْحِبُ مِنَ الْجِسْمِ شَيْئًا بِخِلَافِ الطَّعْمِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْحَفَرُ - بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا - وَحَكَاهُمَا فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ تَزْلِيعٌ فِي أُصُولِ الْأَسْنَانِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ: حَفَرَتْ أَسْنَانُهُ، إِذَا فَسَدَتْ أُصُولُهَا. ص: (وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ وَفِكْرٍ إِنْ عُلِمَتِ السَّلَامَةُ، وَإِلَّا حَرُمَتْ) ش: ذَكَرَ أَدْنَاهَا وَهُوَ الْفِكْرُ، وَوَاحِدًا مِنْ أَعْلَاهَا وَهُوَ الْقُبْلَةُ؛ لِيُعْلَمَ الْحَكَمُ فِي بَقِيَّتِهَا، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَعْلَى لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْأَدْنَى جَائِزٌ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ تُوُهِّمَ أَنَّ الْأَعْلَى مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِنْ عُلِمَتِ السَّلَامَةُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِنَ الْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي قَوْلِهِ: وَالْقُبْلَةُ وَالْمُلَاعَبَةُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْقُبْلَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا هُوَ الْمَشْهُورُ، إِنْ عُلِمَتِ السَّلَامَةُ مِنَ الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ والإِنْعَاظِ، وَإِنْ عُلِمَ نَفْيُهَا أَوِ اخْتَلَفَ حَالُهُ حَرُمَتْ، وَكَذَا إِنَّ شَكَّ، عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلَا قَضَاءَ فِي مَجْرَّدِهَا. فَإِنْ أَنْعَظَ أَوْ أَمْذَى قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَمْنَى قَضَى وَكَفَّرَ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفِكْرِ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ فِي تَوْضِيحِهِ آخِرًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: والمَبَادِئُ كَالْفِكْرِ وَالنَّظَرِ وَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَاعَبَةِ إِنْ عُلِمَتِ السَّلَامَةُ لَمْ تَحْرُمْ، وَإِنْ عُلِمَ نَفْيُهَا حَرُمَتْ، وَإِنْ شَكَّ فَالظَّاهِرُ التَّحْرِيمُ. قَالَ: لَمْ يَذْكُرِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إِلَّا فِي الْمُلَاعَبَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ، وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْفِكْرُ فَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُسْتَدَامَا لَمْ يَحْرُمَا اتِّفَاقًا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا عُلِمَتِ السَّلَامَةُ، وَإِلَّا فَبَعِيدٌ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ مَعَ كَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُمَنِي أَوْ يُمْذِي، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: قَوْلُهُ لَمْ تَحْرُمْ، نَفْيُهُ التَّحْرِيمَ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَلَا الْإِبَاحَةَ، وَقَدْ كَرِهُوا ذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ، وَقَدْ جَعَلُوا مَرَاتِبَ الْكَرَاهَةِ تَتَفَاوَتُ بِالْأَشَدِّيَّةِ عَلَى نَحْوِ مَا رَتَّبَ الْمُؤَلِّفُ المَبَادِئَ، فَالْفِكْرُ أَخَفُّهَا، وَأَشَدُّهَا الْمُلَاعَبَةُ، انْتَهَى. ص: (وَحِجَامَةُ مَرِيضٍ فَقَطْ) ش: وَمِثْلُهَا الْفِصَادَةُ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَتُكْرَهُ الْفِصَادَةُ وَالْحِجَامَةُ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُوقٌ: الْعِلَّةُ فِي كَرَاهَتِهَا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ التَّغْرِيرُ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيمَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ. وَأَمَّا مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَعَكْسُهُ عَكْسُهُ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ هَذَا - أَعْنِي إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ - بِأَنْ لَا يَكُونَ التَّأْخِيرُ يَضُرُّ بِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ وَإِنْ أَدَّى إِلَى الْفِطْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ: فَإِنِ احْتَجَّ أَحَدٌ عَلَى تَغْرِيرٍ ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى الْفِطْرِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدِ

الْفِطْرَ، انْتَهَى. ص: (وَتَطَوُّعٌ قَبْلَ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ مِنَ الصِّيَامِ، أَوْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ، وَهَذَا فِي النَّذْرِ الْمَضْمُونِ، وَأَمَّا النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فَإِذَا جَاءَ زَمَنُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّطَوُّعُ فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، قَالَهُ فِي جَامِعِ الْأُمَّهَاتِ لِلثَّعَالِبِيِّ، نَاقِلًا لَهُ عَنِ الْمُنْتَقَى، وَيُفْهَمُ مِنْهُ: أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إِذَا لَمْ يَجِئْ زَمَنُهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ وَاجِبٍ فِي مَعْنَى النَّذْرِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْآتِي. الثَّانِي: قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ تَطَوَّعَ صَحَّ صَوْمُهُ، قَالَ ابْنٌ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يَتِمُّ تَطَوُّعَهُ ثُمَّ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي تَطَوُّعِهِ قَبْلَهُ، وَهَذَا بَيِّنٌ؛ فَإِنَّ الزَّمَانَ صَالِحٌ لِلتَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ، فَأَيُّهُمَا وَقَعَ صَحَّ. وَإِنَّمَا كَانَ الْقَضَاءُ أَوْجَبَ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ مُرْتَهِنَةٌ بِهِ، فَيَسْعَى فِي بَرَاءَتِهَا ثُمَّ يَتَطَوَّعُ بِمَا أَحَبَّ، انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ. الثَّالِثُ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَأَكِّدِ مِنْ نَافِلَةِ الصَّوْمِ كَعَاشُورَاءَ: هَلِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ رَمَضَانَ؟ وَيُكْرَهُ أَنْ يَصُومَهُ تَطَوُّعًا، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي سَمَاعٍ ابْنِ وَهْبٍ؟ أَوْ هُوَ مُخَيَّرٌ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا فِي الْبَيَانِ. أَمَّا مَا دُونُ ذَلِكَ مِنْ تَطَوُّعِ الصِّيَامِ، فَالْمَنْصُوصُ كَرَاهَةُ فِعْلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ، وَأَطَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا الْكَلَامَ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ - وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ - فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ. قَالَ: فَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اسْتَحَبَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَقْضِيَ رَمَضَانَ فِي عَشَرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَالِمُ. قَالَ: وَيَقْضِي فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إِنَّمَا اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ لِفَضْلِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ التَّطَوُّعُ قَضَى فِيهَا الْوَاجِبَ، انْتَهَى. ص: (وَإِلَّا تَخَيَّرَ) ش: هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي صَدَرَ بِهِ فِي الشَّامِل، وَفَرَّعَ

عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَمُقَابِلُهُ: يَصُومُ السَّنَةَ كُلَّهَا. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: ثُمَّ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصُومُ شَهْرًا وَاحِدًا، فَلَوْ شَكَّ فِي الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ: هَلْ هُوَ شَعْبَانُ أَوْ رَمَضَانُ؟ فَإِنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ: الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَمَضَانَ، وَالَّذِي يَلِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ شَعْبَانَ، وَإِنْ شَكَّ فِي الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ: هَلْ هُوَ رَمَضَانُ أَوْ شَوَّالُ؟ صَامَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانَ فَقْدْ صَامَهُ، وَإِنْ كَانَ شَوَّالًا كَانَ قَضَاءً، وَإِنَّ شَكَّ هَلْ هُوَ شَعْبَانُ أَوْ رَمَضَانُ أَوْ شَوَّالُ؟ صَامَ شَهْرَيْنِ: الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، انْتَهَى، وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ فِيمَا إِذَا شَكَّ هَلْ هُوَ رَمَضَانُ أَوْ شَوَّالُ؟: وَقُلْنَا يَصُومُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَطْ. يُرِيدُ فَإِنْ سَاوَى عَدَدُهُ عَدَدَ مَا قَبْلَهُ قَضَى يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ شَهْرُهُ أَقَلَّ قَضَى يَوْمَيْنِ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ، انْتَهَى. ص: (أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ) ش: الَّذِي جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا حَدَثَ أَمْرٌ يُشَكِّكُهُ سِوَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَجَزَأَهُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَهُ؟ قَضَاهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ صَامَ الْأَسِيرُ شَهْرًا تَطَوُّعًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَجْرِي فِيهِ قَوْلٌ آخَرٌ، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَنْ صَامَ رَمَضَانَ عَنْ عَامٍ فَرَّطَ فِيهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنِ الْعَامِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْعَيْنِ، انْتَهَى. وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ نِيَّةَ قَضَاءِ الْوَاجِبِ أَقْرَبُ لِأَدَائِهِ مِنْ نِيَّةِ تَطَوُّعِهِ، انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَسَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعُمِّيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَكَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ نَذْرٍ، فَصَامَ رَمَضَانَ لِنَذْرِهِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ، قَالَ: لَا يُجْزِيهِ لِرَمَضَانَ وَلَا لِنَذْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا رَمَضَانُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهْ، وَأَمَّا نَذْرُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْخِلَافُ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ قَضَى عَنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. ص: (وَفِي مُصَادَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) ش: الَّذِي قَطَعَ بِهِ اللَّخْمِيُّ الْإِجْزَاءُ، وَحَكَاهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الطِّرَازِ، وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَرَدَّهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ شَكُّهُ فِي رَمَضَانَ كَشَكِّهِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ. وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ: أَنَّهُ يَصُومُهُ وَيُجْزِيهِ. ص: (وَصِحَّتُهُ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ، أَوْ مَعَ الْفَجْرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا - أَيْ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ - أَنْ يَكُونَ بِنِيَّةٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَوْلُهُ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا يُقَالُ: الصَّوْمُ لَيْسَ بِعَمَلٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ وَإِنَّمَا هُوَ كَفٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْكَفُّ عَمَلٌ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ - بَعِيدٌ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اقْتِرَانُهَا مَعَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ تَقْدِيمَهَا لِمَشَقَّةِ تَحْرِيرِ الِاقْتِرَانِ. وَحَكَى فِي الْبَيَانِ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِيقَاعُهَا مَعَ الْفَجْرِ، وَقَالَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ، وَصِفَتُهَا: أَنْ تَكُونَ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اقْتِرَانُهَا مَعَ الْفَجْرِ لِلصَّوْمِ، سَوَاءً كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً، وَأَنْ تَكُونَ مُبَيَّتَةً مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ، وَأَنْ تَكُونَ جَازِمَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، وَيَنْوِيَ أَدَاءَ فَرْضِ رَمَضَانَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: أَمَّا الْجَزْمُ فَيَتَحَرَّزُ بِهِ مِنْ

التَّرَدُّد، فَمَنْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ صِيَامَ غَدٍ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِعَدَمِ الْجَزْمِ. وَلَا يَضُرُّ التَّرَدُّدُ بَعْدَ حُصُولِ الظَّنِّ بِشَهَادَةٍ أَوْ بِاسْتِصْحَابٍ كَآخِرِ رَمَضَانَ أَوْ بِاجْتِهَادٍ كَالْأَسِيرِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، فِي تَرْجَمَةِ التَّبْيِيتِ فِي الصِّيَامِ، وَمِنَ الْمُخْتَصَرِ: قَالَ مَالِكٌ: وَالتَّبْيِيتُ أَنْ يَطْلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الصِّيَامِ، وَلَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَتْرُكَ وَيَعْزِمَ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَهُوَ عَلَى آخَرِ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ فِطْرٍ أَوْ صِيَامٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرٍ: وَإِذَا بَيَّتَ أَوَّلَ اللَّيْلِ الصَّوْمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِذَلِكَ إِلَى الْفَجْرِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ نَوَى أَنْ يُصْبِحَ صَائِمًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ تَمَادَى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ مَا لَمْ يَطْلَعِ الْفَجْرُ، انْتَهَى. وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ نَهَارًا، خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَأْكُلْ. قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَبُو الْمُطَهِّرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الحَجُنْدِيِّ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ، وَالْقَصْدُ إِلَى الْمَاضِي مُحَالٌ عَقَلًا، وَانْعِطَافُ النِّيَّةِ مَعْدُومٌ شَرْعًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنِ الحَجُنْدِيُّ أَنَّهُ أَجَازَ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ أَنْ يَنْوِيَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّفْلَ صَوْمًا، قَالَ: وَهَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: (فَرْعٌ) : وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ قَبْلَ اللَّيْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ عِيسَى: وَالَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّ إِيقَاعَ النِّيَّةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» . (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمُقْدِّمَاتِ: الَّذِي يَلْزَمُ مِنَ النِّيَّةِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ اعْتِبَارُ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ، بِأَدَاءِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ اسْتِغْرَاقِ طَرَفَيِ النَّهَارِ بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ، انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِيهِ: وَاسْتِشْعَارُ الْإِيمَانِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ كُلِّهِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ سَهَا عَنِ اسْتِشْعَارِ الْإِيمَانِ لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ إِحْرَامُهُ؛ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِنْ سَهَا عَنْ أَنْ يَنْوِيَ الْوُجُوبَ، وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالْقَصْدُ إِلَى أَدَائِهَا وَالتَّقَرُّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ لَمْ يَفْسُدْ إِحْرَامُهُ إِذَا عَيَّنَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَهَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْقُرْبَةَ وَالْأَدَاءَ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِوُجُوبِ تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَكَذَلِكَ هُنَا إِذَا نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ أَجَزَأَهُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِتَقَدُّمِ الْعِلْمِ بِهِ، إِلَى آخَرِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ البَرْزَلِيُّ: مَنْ بَيَّتَ عَلَى صَوْمِ التَّطَوُّعِ، فَاسْتَيْقَظَ، فَظَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَوَاقَعَ أَهْلَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ، فَالْأَوْلَى إِمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (قُلْتُ) : إِنْ كَانَ قَطْعُ النِّيَّةِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَالِاسْتِحْبَابُ وَاضِحٌ إِذَا أَعَادَ النِّيَّةَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى عِبَادَةً فَالْأَوْلَى تَمَامُهَا، وَإِنْ لَمْ يُعِدِ النِّيَّةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَمَامِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ. وَأَمَّا لَوْ تَمَّ عَلَى نِيَّةِ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَفَعَلَ الْوَطْءَ نِسْيَانًا أَوْ عَمْدًا وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ ضَارٍّ، فَالصَّوَابُ فِي هَذَا إِنْ تَمَادَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَنَّهُ يَجِبُ تَمَامُهُ. ص: (وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ يَكْفِي فِيهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ بَعْدِ الْغُرُوبِ، وَالصَّوْمُ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ هُوَ: رَمَضَانُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، وَالصَّوْمُ الْمَنْذُورُ، فَتَكْفِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَعَنْ مَالِكٍ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ شُذُوذٌ فِي الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ) : الْأَوَّلُ: فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنَ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَا إِنِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَكَفَتْ) يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَالشَّبِيْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا: بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (لَا مَسْرُودَ وَيَوْمٌ مُعِيَّنٌ، وَرُويْتُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِمَا) ش:

سَرْدُ الصَّوْمِ: تَتَابُعُهُ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى سَرْدِ صَوْمِ أَيَّامٍ، أَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ دَائِمًا، أَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ إِلَّا بِنِيَّةٍ مُجَدِّدَةٍ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَلَا يَكْتَفِي بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ: مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصَّوْمِ الَّذِي عَزَمَ عَلَى تَتَابُعِهِ، وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي نَوَى صَوْمَهُ أَوْ نَذْرَهُ. (تَنْبِيهٌ) : تَأَمَّلْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: (رُويْتُ عَلَيْهَا) ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّوْضِيحَ مَنْ رَوَاهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. ص: (لَا إِنِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ) ش: هَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِهِ: (وَكَفَتْ نِيَّةٌ) لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا إِنِ انْقَطَعَ وُجُوبُ تَتَابُعِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تَكْفِي فِيمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مَا يَقْطَعُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ كَالْمَرَضِ وَالسَّفْرِ، فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ فِيهِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ السَّابِقَةُ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُكَلَّفُ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الصَّوْمِ وَمُتَابَعَتَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّجْدِيدِ كُلَّ لَيْلَةٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَهُ فِي العُتْبِيَّةِ. وَالْمَرِيضُ مُلْحَقٌ بِالْمُسَافِرِ. وَحَكَى سَنَدٌ قَوْلًا ثَانِيًا فِي الْمُسَافِرِ بِالِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَشَارَ اللَّخْمِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي السَّرْدِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ ظَاهِرٌ، وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: مَنْ نَوَى جَمِيعَ رَمَضَانَ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ، فَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ. وَقَالَ فِي العُتْبِيَّةِ: يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَيَانِ الِاكْتِفَاءَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ، وَنَصُّهُ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الصِّيَامِ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فِي السَّفَرِ، وَصِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى، فَاخْتُلِفَ إِذَا نَوَى مُتَابَعَةَ ذَلِكَ هَلْ تُجْزِيهِ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِهِ؟ أَوْ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ لِجَوَازِ الْفِطْرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَظْهَرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ تُجْزِئُهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِهِ، يَكُونُ حُكْمُهَا بَاقِيًا وَلَوْ زَالَ عَيْنُهَا مَا لَمْ يَقْطَعْهَا بِنِيَّةِ الْفِطْرِ عَامِدًا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَنْوِ مُتَابَعَتَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ عَلَيْهِ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ، انْتَهَى. وَالَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي العُتْبِيَّةِ هُوَ فِي سَمَاعِ مُوسَى، وَنَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَهُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَإِنْ نَوَى أَنْ يُتَابِعَ الصِّيَامَ فِي سَفَرِهِ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَنْوِ مُتَابَعَةَ الصِّيَامِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّبْيِيتِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لِمَالِكٍ: أَنَّهُ لَا تَبْيِيتَ عَلَى مَنْ شَأْنُهُ سَرْدُ الصِّيَامِ، وَمِثْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ: أَنَّ عَلَيْهِ التَّبْيِيتَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِجَوَازٍ الْفِطْرِ. فَمَا لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ لِمَالِكٍ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّلِ رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا فَرَغَ مِنْ سَفَرِهِ وَأَقَامَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِمَا بَقِيَ مِنْ صَوْمِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ التَّتَابُعُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى،

وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إِذَا صَحَّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ السَّفْرِ وَالْمَرَضِ كَصَوْمٍ مُبْتَدَإٍ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ. وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ الْأُوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ الْأَوْلَى يَنْقَطِعُ حُكْمُهَا بِارْتِفَاعِ وُجُوبِ التَّتَابُعِ، وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ حَاصِلًا فَأَحْرَى أَنْ يَرْتَفِعَ حُكْمُهَا بِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ حِسًّا. قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا قَطْعُ النِّيَّةِ فَهُوَ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ أَوْ تَرْكِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ لِحُصُولِ الْوَجْهِ الَّذِي يَسْقُطُ مَعَهُ الِانْحِتَامُ، وَإِنْ أَثَّرَ الصَّوْمُ مَعَهُ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ، أَوْ لَا يَنْقَطِعُ اسْتَدَامَتُهَا، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ اسْتِصْحَابُ ابْتِدَائِهَا، انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ: أَنَّهُ لَوْ فَسَدَ صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنَ الصِّيَامِ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ، فَإِنَّ حُكْمَ النِّيَّةِ يَنْقَطِعُ وَلَوْ كَانَ بِالْفِطْرِ فِيهِ نَاسِيًا، وَلَا بُدّ مِنْ تَجْدِيدِهَا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ بِفِطْرٍ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نِسْيَانٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ: وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِالْمَعْرُوفِ، انْتَهَى. مَعَ أَنَّ الْفِطْرَ نَاسِيًا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ التَّلْقِينِ: أَوْ بِحُصُولِ الْوَجْهِ الَّذِي يَسْقُطُ مَعَهُ الِانْحِتَامُ - مَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُقْطَعُ اسْتِدَامَتُهَا إِلَى آخِرِهِ يَعْنِي بِهِ: أَنَّ حُصُولَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَةُ النِّيَّةِ حُكْمًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ اسْتِصْحَابهَا فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَانْظُرْ إِذَا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّجْدِيدُ اتِّفَاقًا وَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ؟ وَعِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ: لَوْ طَرَأَ فِي رَمَضَانَ مَا أَبَاحَ الْفِطْرَ هَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى إِعَادَةِ التَّبْيِيتِ؟ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْحُكْمُ السَّابِعُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِفْطَارِ قَطْعُ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ: تَنْقَطِعُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ أَوْ تَرْكِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ بِزَوَالِ التَّحَتُّمِ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ فِي التَّلْقِينِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لَا إِنِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ) أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ وَتَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ فِيهِ بِحُصُولِ الْفِطْرِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا بُدّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ. وَأَمَّا إِذَا حَصَلَ مَا يَقْطَعُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ - وَلَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ بِالْفِعْلِ - فَيُسْتَفَادُ حُكْمُهُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا: (وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَبِنَقَاءٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّوْمِ النَّقَاءُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، يُرِيدُ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَهُ بِهِ؛ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ، وَلَا يُقَالُ: قَوْلُهُ هُنَا إِنَّ النَّقَاءَ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ - يَقْتَضِي أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي الْوُجُوبِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الْحَيْضِ، وَخِلَافُ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَوْلُهُ إِنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ لَا يَنْفِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ: إِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ إِذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. ص: (وَوَجَبَ إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِنْ لَحْظَةً) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ المَاجُشُونِ: إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْغُسْلَ فَلَمْ تَغْتَسِلْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَجَزَأَهَا صَوْمُهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا لَا يَسَعُ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِهَا صَوْمُهَا، انْتَهَى مِنَ التَّوْضِيح،

وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْأَكْلُ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدُ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: تَصُومُ وَتَقْضِي، وَفِي كَلَامِهِ فِي الطِّرَازِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَإِنْ جُنَّ وَلَوْ سِنِينَ كَثِيرَةً) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ جُنَّ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، سَوَاءً طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، أَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا. وَسَوَاءً كَانَتِ السُّنُونَ كَثِيرَةً، أَوْ قَلِيلَةً. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: إِنْ قَلَّتِ: السُّنُونَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَذَلِكَ كَالْخَمْسَةِ الْأَعْوَامِ، وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَا قَضَاءَ. ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ سِنِينَ كَثِيرَةً. وَقِيلَ: إِنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. ص: (أَوْ جُلَّهُ أَوْ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَسْلَمْ أَوَّلَهُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْكَفِّ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ، انْتَهَى. وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُغْمَى، وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَدِمَ مِنَ السَّفَرِ. ص: (لَا إِنْ سَلِمَ، وَلَوْ نِصْفَهُ) ش: انْظُرْ إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَطُلْ: هَلْ هُوَ كَالْإِغْمَاءِ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: أَنَّهُ لَيْسَ كَالْإِغْمَاءِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلِّهِ وَأَوَّلِهِ سَالِمًا فَكَالنَّوْمِ. يُرِيدُ إِنْ كَانَ الْإِغْمَاءُ فِي أَقَلِّ النَّهَارِ مَعَ سَلَامَةِ أَوَّلِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ كَالنَّوْمِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ فِي النَّاسِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إِلْحَاقُ الْجُنُونِ بِهِ فِي هَذَا لِقَتْلِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ حُكْمَ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ: إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ وَكَانَ فِي عَقْلِهِ حِينَ الْفَجْرِ أَوْ أَكْثَرَ النَّهَارِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى دَخَلَ اللَّيْلُ يُجْزِئُهُ عُكُوفُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَى مَا مَرَّ فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ، انْتَهَى. ص: (وَبِتَرْكِ جِمَاعٍ وَإِخْرَاجِ مَنِيٍّ وَمَذْيٍ وَقَيْءٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ هَذَا شَرْطٌ رَابِعٌ، وَقَالَ الشَّارِحُ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُعَدَّ هَذَا مِنَ الْأَرْكَانِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا تَصِحُّ الْمَاهِيَّةُ بِدُونِهِ كَانَ دَاخِلًا أَوْ خَارِجًا، وَهَذَا جَارٍ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ. وَفِي الشَّامِلِ: وَرُكْنُهُ إِمْسَاكٌ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِلْغُرُوبِ عَنْ إِيلَاجِ حَشَفَةٍ أَوْ مِثْلِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا وَلَوْ بِدُبُرٍ

أَوْ فَرْجِ مَيْتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَإِخْرَاجِ مَنِيٍّ وَلَا أَثَرَ لِلْمُسْتَنْكِحِ مِنْهُ وَمِنَ الْمَذْيِ، انْتَهَى. وَلِأَجْلِ إِخْرَاجِ الْمُسْتَنْكِحِ مِنَ الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْقَيْءِ الْغَالِبِ وَالِاحْتِلَامِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِخْرَاجُ مِنِّي الخ. وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَنْ أَمْذَى بِمُجَرَّدِ الْفِكْرِ أَوِ النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدَامَةٍ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا أَخْرَجَ الْمَذْيَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ الْإِنْعَاظَ، وَذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ فِيهِ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ غَمَزَهَا أَوْ بَاشَرَهَا فِي رَمَضَانَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. إِلَّا أَنْ يُمْذِيَ، فَيَقْضِيَ، انْتَهَى. فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي الْإِنْعَاظِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ جَامَعَهَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ بَاشَرَهَا فَأَنْزَلَ، فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ بَاشَرَهَا فَأَمْذَى أَوْ أَنْعَظَ وَحُرِّكَ مِنْهُ لَذَّةٌ وَإِنْ لَمْ يُمْذِ فَلْيَقْضِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ذَلِكَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا أَنْعَظَ وَلَا حَرَّكَ ذَلِكَ مِنْهُ لَذَّةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي الْإِنْعَاظِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ طَلْقٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِنْ نَظَرَ قَاصِدًا إِلَى التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ، أَوْ تَذَكَّرَ قَاصِدًا إِلَى التَّلَذُّذِ بِذَلِكَ، أَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَنْعَظَ وَلَمْ يُمْذِ، فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَمَا دُوَنَهَا مِنْ قُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ، فَإِنْ أَنْعَظَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ أَنْعَظَ مِمَّا دُونَهَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي أَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي الْمَذْيِ وَالْإِنْعَاظِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ فِي الْإِنْعَاظِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَمْدِيسِيَّةِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - وَهُوَ الْأَشْهَرُ ـ: وَبِعَدَمِهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ. قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إِذَا حَصَلَ عَنْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَنْ نَظَرٍ أَوْ لَمْسٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ فِي الْبَيَانِ الْخِلَافَ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ، وَلَفَظُ عِيَاضٍ عَلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ذَلِكَ مِنْهُ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَتَّابٍ: لَمْ يُنْزِلْ ذَلِكَ مِنْهُ شَيْئًا. وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا أَنْعَظَ وَلَمْ يُمْذِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْحَمْدِيسِيَّةِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ. وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ لَا يَرَيَانِ فِي الْإِنْعَاظِ شَيْئًا مِنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ، وَوَافَقَهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رَأْيِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْقُبْلَةِ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ فِي الْكِتَابِ: لَا قَضَاءَ فِيهِمَا؛ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُمْذِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا نَقَلَهَا الْبَاجِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ نَصًّا. وَقِيلَ: إِنَّمَا الْخِلَافُ إِذَا أَنْعَظَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ، وَأَمَّا عَنْ نَظَرٍ وَلَمْسٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُمْذِيَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ نَظَرَ أَوْ فَكَّرَ فَلَمْ يَسْتَدِمْ فَلَا قَضَاءَ، أَنْعَظَ أَوْ أَمْذَى لِلْمَشَقَّةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَقْيِيدُهُ هُنَا بِعَدَمِ الِاسْتِدَامَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْمَذْيِ وَالْإِنْعَاظِ مَعَ اسْتِدَامَتِهِ، (فَإِنْ قُلْتَ) : هَلْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إِذَا حَصَلَ مِنْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ، وَالثَّانِي مَا إِذَا كَانَ عَنْ نَظَرٍ، وَيَكُونُ كَلَامُهُ مَبْنِيًّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عِيَاضٌ؟ قِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَيَّدَ كَلَامَهُ بِنَفْيِ الِاسْتِدَامَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَدَامَ لَكَانَ الْحُكْمُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَتِلْكَ الطَّرِيقَةُ لَيْسَ فِيهَا تَفْضِيلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَمْذَى مِنْ غَيْرِ اسْتِدَامَةٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ يُخَالِفُ الْمُدَوَّنَةِ، نَعَمْ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، انْتَهَى. وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ بَشِيرٍ: نَبْدَأُ بِأَوَائِلِ الْجِمَاعِ وَمُقْتَضَيَاتِ الشَّهْوَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَنَذْكُرُ مَا يَكُونُ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. فَنَقُولُ: إِنَّ مَنْ فَكَّرَ فَالْتَذَّ بِقَلْبِهِ فَلَا حُكْمَ لِلَّذَّةِ، وَهَذَا مِمَّا تُسْقِطُهُ الشَّرِيعَةُ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ حَرَجٌ، فَإِنْ أَنْعَظَ بِذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنْ أَمْذَى نَظَرْتَ هَلِ اسْتَدَامَ أَمْ لَا؟ فَإِنِ اسْتَدَامَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَمْذَى قَصْدًا فَيُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ، وَهَلْ يَجِبُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ الْقَضَاءَ لَأَدَّى إِلَى الْحَرَجِ الَّذِي تُسْقِطُهُ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ، وَإِنْ أَمْنَى فَإِنِ اسْتَدَامَ قَضَى وَكَفَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ فَالْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِلَّةً فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ

لِلْمَشَقَّةِ، وَإِنْ نَظَرَ فَالْتَذَّ بِقُبْلَةٍ فَلَا حُكْمَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ أَنْعَظَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَمْنَى فَإِنِ اسْتَدَامَ فَالْقَضَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمِ النَّظَرُ اسْتُحِبَّ الْقَضَاءُ وَلَمْ يَجِبْ، وَإِنْ أَمْذَى فَإِنِ اسْتَدَامَ قَضَى وَكَفَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ فَالْقَضَاءُ. وَهَلْ يُكَفِّرُ؟ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ، وَأَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْتَذَّ بِقَلْبِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْعَظَ فَقَوْلَانِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ بَاشَرَ أَوْ لَاعَبَ وَلَمْ يُمْذِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَنْعَظَ، فَقَوْلَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ هَذَا مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عِيَاضٌ فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالِاسْتِدَامَةِ فِي النَّظَرِ وَالْفِكْرِ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ؛ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُلَاعَبَةَ قَالَ: فَإِنْ أَمْذَى وَأَنْعَظَ قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ نَظَرٍ وَفِكْرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إِثْرَ قَوْلِهِ: وَالْأَشْهَرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُهُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَإِيصَالِ مُتَحَلِّلٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَعِدَتِهِ) ش: وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ اقْتَصَرَ فِي الْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ فَانْظُرْهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا. (فَرْعٌ) : إِذَا ابْتَلَعَ الصَّائِمُ فِي النَّهَارِ مَا يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنَ الطَّعَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ أَخْذَهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ: مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَفِي يَدِهِ حَصْبَاءُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (بِحُقْنَةٍ بِمَائِعٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتُكْرَهُ الْحُقْنَةُ وَالسَّعُوطُ لِلصَّائِمِ، فَإِنِ احْتَقَنَ فِي فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ بِشَيْءٍ يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ فَلْيَقْضِ وَلَا يُكَفِّرْ. وَقَالَ بَعْدَهُ: وَإِنْ قَطَرَ فِي إِحْلِيلِهِ دُهْنًا، أَوِ اسْتَدْخَلَ فَتَائِلَ، أَوْ دَاوَى جَائِفَةً بِدَوَاءٍ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِ مَائِعٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. عِيَاضٌ: الْحُقْنَةُ: مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ دَوَائِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ، انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: وَالْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ. وَنَقْطَعُ أَنَّهُ يَصِلُ لِجَوْفِهِ، وَلَوْ قَطَعْنَا أَنَّهُ يَصِلُ كَانَ حَرَامًا، أَوْ أَنَّهُ لَا يَصِلُ كَانَ مُبَاحًا، فَلَمَّا تَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ كَانَ مَكْرُوهًا، ثُمَّ إِنْ فَعَلَ فَإِنْ وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّ شَكَّ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَكَلَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي الْفَجْرِ. اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي الِاحْتِقَانِ بِالْمَائِعَاتِ هَلْ يَقَعُ بِهِ فِطْرٌ أَوْ لَا يَقَعُ بِهِ؟ وَأَلَّا يَقَعَ بِهِ أُحْسِنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِلُ إِلَى الْمَعِدَةِ وَلَا إِلَى مَوْضِعٍ يَتَصَرَّفُ مِنْهُ مَا يُغَذِّي الْجِسْمَ بِحَالٍ. عِيَاضٌ: وَقَوْلُهُ بَعْدُ فِي الْحُقْنَةِ بِالْفَتَائِلِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْفِطْرِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحُقْنَةِ الْمَائِعَةِ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْحُقْنَةِ مُجْمَلًا. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَائِعَاتِ فَلَا خِلَافَ فِيهَا. وَاعْتَرَضَ أَبُو إِسْحَاقَ بِأَصْلِهِ فِي الرِّضَاعِ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ غِذَاءً، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي الرِّضَاعِ مَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَيُنْشِئُ الْعَظْمَ، وَلَا يُشْتَرَطُ هَذَا فِي الصَّوْمِ، بَلْ مَا يَصِلُ إِلَى مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِمَّا يُشَغِّلُ الْمَعِدَةِ وَيُسَكِّنُ كَلْبَ الْجُوعِ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ أَوِ اسْتَدْخَلَ فَتَائِلَ: يَعْنِي فِي دُبُرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهَا دُهْنٌ أَمْ لَا، انْتَهَى. وَقَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ: وَإِذَا تَحَقَّقَ وُصُولُ الْحُقْنَةِ، يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِذَا لَمْ يُضْطَرَّ لَهَا، وَأَمَّا مَنِ اضْطُرَّ لَهَا فَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُكَفِّرُ ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. نَعَمْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا وَصَلَ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابن حبيب فِي كِتَابٍ لَهُ فِي الطِّبِّ: كَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالنَّخْعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَرَبِيعَةُ

ابْنُ هُرْمُزَ يَكْرَهُونَ الْحُقْنَةَ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ غَالِبَةٍ، وَيَقُولُونَ: لَا تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ، وَهِيَ مِنْ فِعْلِ الْعَجَمِ، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَرِهَهَا، وَقَالَ: وَهِيَ شُعْبَةٌ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمَاجِشُونِ يَكْرَهُهَا، وَيَقُولُ: كَانَ عُلَمَاؤُنَا يَكْرَهُونَهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَانَ مِمَّنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ التَّعَالُجِ بِالْحَقْنِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ غَالِبَةٍ لَا تُوجَدُ عَنِ التَّعَالُجِ بِهَا مَنْدُوحَةٌ، انْتَهَى. وَسُئِلَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُقْنَةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا. الْأَبْهَرِيُّ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنَ الدَّوَاءِ وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلنَّاسِ، وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّدَاوِيَ وَأَذِنَ فِيهِ، فَقَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، فَتَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ» انْتَهَى. خَلِيلٌ: فَظَاهِرُهُ مُعَارَضَةُ النَّقْلِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا فَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (أَوْ حَلْقٍ) ش: مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ رَعَفَ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ فَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى حَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَذَ الْأَنْفِ إِلَى الْفَمِ دُونَ الْجَوْفِ، فَهُوَ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْجَوْفِ لَا شَيْءَ فِيهِ، انْتَهَى. ص: (وَإِنْ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَعَيْنٍ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُمْنَعُ الِاسْتِعَاطُ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَذٌ مُتَّسِعٌ، وَلَا يَنْفَكُّ الْمُسْتَعِطُ مِنْ وُصُولِ ذَلِكَ إِلَى حَلْقِهِ، وَلَمْ يَخْتَلَفْ فِي وَقْعِ الْفِطْرِ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَكْتَحِلُ وَلَا يَصُبُّ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ. فَإِنِ اكْتَحَلَ بِإِثْمِدٍ وَصَبْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ صَبَّ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا لِوَجَعٍ بِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ ذَلِكَ إِلَى حَلْقِهِ، فَلْيَتَمَادَ فِي صَوْمِهِ وَلَا يُفْطِرْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا يُكَفِّرْ إِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ. فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ. وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا غَلَطٌ، وَلَعَلَّهُ مِنَ النَّاسِخِ. وَصَوَابُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ ابْتِدَاءً. فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصَّغِيرِ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ فَلْيَتَمَادَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَا إِنْ شَكَّ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنَ الْحِنَّاءِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ، انْتَهَى مِنَ الصَّغِيرِ. وَفِي الْكَبِيرِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ مَا يُعْمَلُ فِي الرَّأْسِ حِنَّاءٌ أَوْ دُهْنٌ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ فَلْيَقْضِ. الشَّيْخُ: وَيَخْتَبِرُ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْكُحْلِ وَالصَّبِّ فِي الْأُذُنِ وَالِاسْتِعَاطِ وَالْحُقْنَةِ: (فَرْعٌ) : إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمَنْعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ فَعَلَهُ نَهَارًا، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَا يَضُرُّهُ هُبُوطُهُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا غَاضَ فِي أَعْمَاقِ الْبَاطِنِ لَيْلًا لَمْ تَضُرَّ حَرَكَتُهُ، وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ مَا يَتَحَدَّرُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْفَمِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْجَائِفَةُ كَالْحُقْنَةِ بِخِلَافِ دُهْنِ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: إِلَّا أَنْ يَسْتَطْعِمَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ خِلَافٌ فِي حَالٍ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ فِي دُهْنِ الرَّأْسِ وَلَوِ اسْتُطْعِمَ، وَلَمْ أَرَ الْأَوَّلَ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَوَّلَ، وَانْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ عَمِلَ فِي رَأْسِهِ الْحِنَّاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنِ اسْتَطْعَمَهَا فِي حَلْقِهِ قَضَى، وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا مَنِ اكْتَحَلَ. (قُلْتُ) : وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَدَمَ الْقَضَاءِ فِيمَا وَصَلَ لِحَلْقِهِ مِنْ رَأْسِهِ. وَالْأَوَّلُ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ. وَثَالِثُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَنَّ هَذِهِ مَنَافِذُ ضَيِّقَةٌ، وَوُصُولُهَا إِلَى الْحَلْقِ نَادِرٌ فَتَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ النَّادِرَةِ، هَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا أَمْ لَا؟ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ مُطْلَقًا، انْتَهَى. ص: (وَبَخُورٍ) ش: أَيْ بَخُورٍ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ كَمَا قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنِ

السُّلَيْمَانِيَّةِ فِيمَنْ تَبَخَّرَ بِالدَّوَاءِ فَوَجَدَ طَعْمَ الدُّخَانِ فِي حَلْقِهِ، قَالَ: يَقْضِي يَوْمًا بِمَنْزِلَةِ مَنِ اكْتَحَلَ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، فَيَجِدُ طَعْمَ ذَلِكَ فِي حَلْقِهِ فَيَقْضِي. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ ابْنِ لُبَابَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اسْتَنْشَقَ بَخُورًا لَمْ يُفْطِرْ، وَأَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى مِنَ التَّوْضِيحِ. فَيُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ عَلَى مَنْ شَمَّ الرَّائِحَةَ وَلَمْ يَجِدْ طَعْمَ الْبَخُورِ فِي حَلْقِهِ فَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصَّغِيرِ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنَّمَا يُفْطِرُ بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ مِنْ طَعْمِ دَوَاءٍ لَا مِنْ طَعْمِ رِيحٍ، وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ عَنِ السُّلَيْمَانِيَّةِ، وَابْنِ لُبَابَةَ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا الْمِسْكُ وَغَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْفِطْرُ يَقَعُ بِجُزْءٍ مِنَ الْمُتَنَاوَلِ، لَا بِدُخُولِ رَائِحَتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: هَذَا بِخِلَافِ اسْتِنْشَاقِ رَوَائِحِ الْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ، هَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْهُ قَضَاءٌ. الشَّيْخُ: وَاسْتِنْشَاقُ قِدْرِ الطَّعَامِ بِمَثَابَةِ الْبَخُورِ؛ لِأَنَّ رِيحَ الطَّعَامِ لَهُ جِسْمٌ وَيَتَقَوَّى بِهِ الدِّمَاغُ، فَيَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا وَجَدَ طَعْمَ دُخَانِ الْقِدْرِ يُفْطِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ فِي التَّلْقِينِ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الشُّمُومِ وَلَمْ يُفَصِّلْ، انْتَهَى، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: وَالَّذِي يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: إِيصَالُ شَيْءٍ إِلَى دَاخِلِ الْبَدَنِ. وَالثَّانِي: إِخْرَاجُ شَيْءٍ عَنْهُ. فَالَّذِي يُوصِلُ إِلَى دَاخِلِ الْبَدَنِ: مَا يَصِلُ إِلَى الْحَلْقِ ثُمَّ يَنْمَاعُ وَيَقَعُ الِاغْتِذَاءُ بِهِ، أَوْ لَا يَنْمَاعُ وَيُتَطَعَّمُ أَوْ لَا يُتَطَعَّمُ، وَذَلِكَ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُغَذِّيَيْنِ، وَكَالدِّرْهَمِ، وَالْحَصَا، وَسَائِرِ الْجَمَادَاتِ الَّتِي لَا تُتَطَعَّمُ وَلَا تَنْمَاعُ وَلَا يَقَعُ بِهَا غِذَاءٌ، وَمَثَلُهَا الْكُحْلُ، وَالدُّهْنُ، وَالشَّمُومُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ الْوَاصِلَةِ إِلَى الْحَلْقِ، وَصَلَتْ مِنْ مَدْخَلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلِهِمَا كَالْعَيْنِ، وَالْأَنْفِ، وَالْأُذُنِ، وَمَا تَحَدَّرَ مِنَ الدِّمَاغِ بَعْدَ وُصُولِهِ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَنَافِذِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ هَذَا فِي الشَّامِلِ فَقَالَ فِيهِ: وَلَا يَشُمُّ شَيْئًا مِنَ الرَّيَاحِينِ، انْتَهَى، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: وَلَا يَشُمُّ شَيْئًا مِنَ الرَّيَاحِينِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الِاعْتِكَافِ، أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ، وَالْمُعْتَكِفَ لَا يَكُونُ إِلَّا صَائِمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَغَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ أَوْ سِوَاكٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ

الْإِرْشَادِ: وَابْتِلَاعُ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ، لَا بَقَايَاهُ مَعَ الرِّيقِ بَعْدَ طَرْحِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. وَفِيمَنِ ابْتَلَعَ دَمًا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ غَلَبَةً قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْجَوَاهِرِ، انْتَهَى مِنْ جَامِعِ الْأُمَّهَاتِ لِلسَّنُوسِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ ابْنُ شَاسٍ: وَابْتِلَاعُ دَمٍ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ غَلَبَةً لَغْوٌ، وَإِنِ ابْتَلَعَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِخْرَاجِ ذَلِكَ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ. (قُلْتُ) : وَلَفْظُ ابْنِ قَدَّاحٍ: مَنْ وَجَدَ فِي فَمِهِ دَمًا وَهُوَ صَائِمٌ فَمَجَّهُ حَتَّى ابْيَضَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَوْ إِلَى الْأَكْلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمَنْ كَثُرَ عَلَيْهِ الدَّمُ إِذَا كَانَ مِنْ عِلَّةٍ دَائِمَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ لَمْ يَبْتَلِعْ، انْتَهَى. ص: (وَقَضَى فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا) ش: أَحْكَامُ الْإِفْطَارِ عَلَى الْإِجْمَالِ سَبْعَةٌ: الْإِمْسَاكُ، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِطْعَامُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَالتَّأْدِيبُ، وَقَطْعُ التَّتَابُعِ، وَقَطْعُ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: مُفْسِدَاتُ الصَّوْمِ عِشْرُونَ، عَشَرَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، عَشَرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا: فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا: تَعَرِّي الصَّوْمُ مِنَ النِّيَّةِ، وَالْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْجِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِنْزَالٌ، وَالْإِنْزَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِمَاعٌ، وَالْمَذْيُ مَعَ تَقَدُّمِ سَبَبِهِ وَمُدَاوَمَتِهِ، وَالْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، وَخُرُوجُ الْوَلَدِ، وَالِاسْتِقَاءُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْقَيْءِ شَيْءٌ. وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا: الْفِلْقَةُ مِنَ الطَّعَامِ، وَغُبَارُ الدَّقِيقِ، وَغُبَارُ الطَّرِيقِ، وَمَا وَصَلَ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بَلْ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ أَوْ عَيْنٍ، وَمَا يَتَحَدَّرُ مِنَ الرَّأْسِ، وَابْتِلَاعُ مَا لَا يَتَحَلَّلُ مِثْلُ الْحَصَاةِ، وَالْمَذْيُ إِذَا لَمْ يُتَعَمَّدْ سَبَبُهُ، وَالِاسْتِقَاءُ إِذَا لَمْ يَرْجِعْ مِنَ الْقَيْءِ شَيْءٌ، وَالْقَيْءُ غَلَبَةً إِذَا رَجَعَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالرِّدَّةِ، وَرَفْضُ النِّيَّةِ. ص: (وَإِنْ بِصَبٍّ فِي حَلْقِهِ نَائِمًا، كَمُجَامَعَةِ نَائِمَةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أُكْرِهَ، أَوْ كَانَ نَائِمًا فَصُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ فِي رَمَضَانَ، أَوْ فِي نَذْرٍ، أَوْ ظِهَارٍ، أَوْ صِيَامِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، أَوْ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ، أَوْ جُومِعَتِ امْرَأَةٌ نَائِمَةٌ فِي رَمَضَانَ، فَالْقَضَاءُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَجْزِي بِلَا كَفَّارَةٍ، وَتَصِلُ الْقَضَاءَ فِي ذَلِكَ بِمَا كَانَ مِنَ الصَّوْمِ مُتَتَابِعًا، وَإِنْ كَانَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَفْظُهُ: وَفِيهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ جُومِعَتْ نَائِمَةً، أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ كَذَلِكَ، وَلَا عَلَى فَاعِلِهِ. سَحْنُونٌ: هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِهِ: الْإِكْرَاهُ بِالْوَطْءِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ، لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُمَا مَا نَصُّهُ: عُرِضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْ أَكْرَهَ شَخْصًا وَصَبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءً، فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، نَعَمْ أَوْجَبَهَا ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُكْرِهَ لِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ حَصَلَتْ لَهُ لَذَّةٌ، فَنَاسَبَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَنْهَا. وَأَمَّا مَنْ صَبَّ فِي حَلْقِ إِنْسَانٍ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنِ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِنَا: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي آخِرِ بَابِ الْإِفْطَارِ بِالْإِكْرَاهِ: وَيَجْرِي التَّفْرِيعُ فِي الْأَكْلِ كَرْهًا عَلَى حُكْمِ الْأَكْلِ سَهْوًا، فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي الْوَاجِبِ، وَسُقُوطِهِ فِي التَّطَوُّعِ، وَفِي الْكَفِّ مَعَهُ، وَعَدَمِ قَطْعِ التَّتَابُعِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُوَضَّحًا، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا: أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَكَأَكْلِهِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ) ش: أَيْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ، وَأَمَّا

إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَعْمَلُ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ اتِّفَاقًا. وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ حُرِّمَ الْأَكْلُ اتِّفَاقًا، وَوَجَبَ الْقَضَاءُ. الْبُرْزُلِيُّ: وَهَذَا مَا دَامَ عَلَى شَكِّهِ أَوْ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ، أَمَّا إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَوَابٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ عَلَى شَكٍّ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ أَرْبَعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِيمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُوبٌ سَلِمَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ. وَإِنْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ أَوْ لَا؟ وَلَا كَفَّارَةَ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ: إِذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ بِاتِّفَاقٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ، انْتَهَى. يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا قَضَاءَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَكَلَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ الْفِطْرِ، فَقِيلَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ: لَا. ذَكَرَ هَذَا ابْنُ الْقَصَّارِ. ص: (إِلَّا الْمُعَيَّنَ لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ نِسْيَانٍ) ش: تَبِعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْنَ الْحَاجِبِ فِي تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بَعْدَ النِّسْيَانِ مِنْ مُسْقِطَاتِ الْقَضَاءِ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِيهَا: وَمَنْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِطُلُوعِهِ، أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُفْطِرُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَإِنْ فَعَلَ قَضَاهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامًا بِعَيْنِهَا، أَوْ كَانَ فِي رَمَضَانَ، فَلْيَتَمَادَ عَلَى صَوْمِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، انْتَهَى. وَقَدْ وَهَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بَعْدَ النِّسْيَانِ مِنْ مُسْقِطَاتِ الْقَضَاءِ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِالْفِطْرِ فِيهِ نِسْيَانًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: وُجُوبُ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي: عَدَمُهُ. وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَخْتَصَّ بِفَضْلٍ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، أَوْ لَا يَخْتَصُّ فَيَجِبُ. وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الثَّانِيَ الْمَشْهُورَ وَهْمٌ. وَنَصَّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ بِرُمَّتِهِ: وَيَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ، وَوَاجِبُهُ - أَيْ وَاجِبُ الصَّوْمِ - الْمَضْمُونِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ مُكْرَهًا، وَالْمُعَيَّنُ بِهِ - أَيْ بِفِطْرِهِ عَمْدًا - اخْتِيَارًا. وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ بِفِطْرِ مَرَضٍ فِي الْحَضَرِ. ثَالِثُهَا: إِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِفَضْلٍ. اللَّخْمِيُّ، عَنْ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، مَعَ عِيَاضٍ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهَا، وَالْمَشْهُورُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ الشَّيْخُ عَنِ الْمُغِيرَةِ: مَنْ صَامَ أَوَّلَ شَهْرٍ نَذَرَهُ مُعَيَّنًا فَمَرِضَ بَاقِيَهُ أَوْ وَسَطَهُ وَصَامَ بَاقِيَهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَفْطَرَ أَوَّلَهُ اخْتِيَارًا فَمَرِضَ بَاقِيَهُ، قَضَى جَمِيعَهُ. وَلَوْ نَذَرَ إِثْرَ فِطْرِهِ فَصَامَ يَوْمًا فَمَرِضَ بَاقِيَهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ: بِنِسْيَانِ الثَّلَاثَةِ لِلْمَشْهُورِ، وَالشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ ابْنِ مُحْرِزٍ، عَنْهُ مَعَ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ قَوْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي فِطْرِهِ

بِمُطْلَقِ غَلَبَةٍ، وَجَعْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الثَّانِيَ الْمَشْهُورَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَجَعْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَوْلَ الْمُغِيرَةِ خِلَافَ الرَّاجِحِ، فَانْظُرْهُ. وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا الْمَرَضُ فَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالنِّسْيَانِ: أَنَّ الْمَرَضَ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَالنَّاسِي مَعَهُ ضَرْبٌ مِنَ التَّفْرِيطِ. وَالْحَيْضُ مِثْلُ الْمَرَضِ. وَحُكْمُ النِّفَاسِ حُكْمُ الْحَيْضِ. (فَرْعٌ) : وَأَمَّا السَّفَرُ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، أَمَّا لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لِسَفَرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا. نَقَلَهُ ابْنُ هَارُونَ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الْوُجُوبَ وَالِاسْتِحْبَابَ، وَنَصُّهُ: وَفِيهِ لِسَفَرٍ سَمَاعُ الْقَرِينَيْنِ: وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَفِيهَا: لَا أَدْرِي، ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ قَضَاءَهُ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ بِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَقَالَ: وَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ، بِخِلَافِ فِطْرِهِ لِسَفَرٍ. وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لَكَانَ حَصْرُهُ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِيمَا ذَكَرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَشْهِيرُ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أَفْطَرَ فِي الْمُعَيَّنِ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ خَمِيسٍ يَأْتِي لَزِمَهُ، فَإِنْ أَفْطَرَ خَمِيسًا مُتَعَمِّدًا قَضَاهُ، انْتَهَى. فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِفْطَارِ فَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا الْمُتَعَيَّنُ سِوَى رَمَضَانَ فَيَلْزَمُ قَضَاؤُهُ مَعَ الْعُذْرِ فِي فِطْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مَعَ الْعُذْرِ الْقَاطِعِ كَالْمَرَضِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَخَطَأِ الْوَقْتِ وَالسَّهْوِ، إِلَّا أَنَّ فِي هَذَيْنِ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، وَلَيْسَ مِنْهُ السَّفَرُ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِلْمَشْهُورِ إِلَّا فِي السَّهْوِ وَخَطَأِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِمَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْفِطْرِ نَاسِيًا. (فَرْعٌ) : تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ نَاسِيًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَيَقْضِيَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا يَظُنُّهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَيَقْضِيَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ. قَالَهُ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي حُكْمِ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الْوُجُوبِ كَحُكْمِ رَمَضَانَ، إِلَّا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَامِدِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) : فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَأَصْبَحَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مُفْطِرًا وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ لَهُ، ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَائِمًا يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ قَضَاءِ صَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ. قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: إِنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ قَضَائِهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَوُجُوبِ قَضَائِهِ، فَنَابَ فِي النِّيَّةِ فَرْضٌ عَنْ فَرْضٍ، فَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الْأَسِيرِ يُخْطِئُ فِي الشُّهُورِ فَيَصُومُ شَوَّالًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ رَمَضَانَ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يَجْزِيهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : هُنَا لُغْزٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ قَضَاءُ الصَّوْمِ الْمُعَيَّنِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامًا بِعَيْنِهَا ثُمَّ جَاءَهُ الْعُذْرُ فَإِنَّهُ يَقْضِي ذَلِكَ، وَفِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ صِيَامَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَالْاثْنَيْنِ، فَأَصْبَحَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ يَظُنُّهُ الْأَرْبِعَاءَ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى عَلِمَ، قَالَ مَالِكٌ: يَصُومُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَكْفِيهِ إِيجَابُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا فِي نِيَّةٍ. قَالَ: وَلَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ صَائِمًا وَهُوَ يَرَاهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. قِيلَ لِمَالِكٍ: وَلَوْ جَازَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَصْبَحَ صَائِمًا وَهُوَ يَرَاهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: يُجْزِيهِ عَنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ مَسَائِلَ: قَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْهَا فِي رَسْمِ سَلَفٍ قَبْلَ هَذَا. وَعَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِيجَابِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُتِمَّ الْيَوْمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَفْطَرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، خِلَافَ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. وَالَّذِي قَدَّمَهُ فِي رَسْمِ سَلَفٍ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّحْدِيدِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ: لَا مَسْرُودٍ وَيَوْمٍ مُعَيَّنٍ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ: وَهِيَ مُكَرَّرَةٌ فِي هَذَا الرَّسْمِ مِنَ الْإِيمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَمَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْهُ، قَالَ فِي الَّذِي يَحْلِفُ بِاللَّهِ

أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، أَنْ يَصُومَ غَدًا فَيُصْبِحُ صَائِمًا، ثُمَّ يَأْكُلُ نَاسِيًا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إِنَّمَا قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ نَاسِيًا، أَيْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ، مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ - أَيْ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي التَّطَوُّعِ عَامِدًا أَوْ فِي رَمَضَانَ سَاهِيًا لِمَا جَازَ فِي ذَلِكَ - كَذَا فِي الْبَيَانِ، انْتَهَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَفِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ بِالْفِطْرِ إِذَا كَانَ عَمْدًا حَرَامًا، كَمَنَ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرَ، فَإِنَّ إِتْمَامَ صَوْمِ النَّفْلِ وَاجِبٌ، وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَمَذْهَبُ الْمُخَالِفِ عِنْدِي أَظْهَرُ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَاحْتَرِزْ بِقَوْلِهِ: (الْعَمْدِ) مِنَ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ، (وَبِالْحَرَامِ) مَنْ أَفْطَرَهُ لِشِدَّةِ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ، وَالْحَرِّ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ تَجَدُّدُ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتُهُ، وَفِطْرُهُ لِأَمْرِ وَالِدَيْهِ وَشَيْخِهِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا: قَالَ التَّادَلِيُّ: حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ: (عَامِدًا) : حَرَامًا. كَمَا زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: وَيَجِبُ فِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ: خَاصَّةً، وَأَرَادَ بِذَلِكَ إِخْرَاجَ مَا كَانَ عَمْدًا لِلسَّبَبِ، كَجَبْرِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَالسَّيِّدِ عَبْدَهُ إِذَا تَطَوَّعَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، انْتَهَى. وَفِي السَّفَرِ رِوَايَتَانِ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: أَنَّهُ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ. وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ تَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ. وَفِي الْجَلَّابِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِسُقُوطِهِ، انْتَهَى جَمِيعُهُ مِنَ التَّوْضِيحِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ يَتَسَحَّرْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْطِرُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَإِنْ فَعَلَ قَضَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْكِتَابِ قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ نُفِيَ الْوُجُوبُ، وَهَلْ قَضَاؤُهُ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا؟ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْبَابَ قَضَائِهِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: فِي اسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكَلَ عَامِدًا أَنَّهُ يَقْضِي، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَعَ لِلْقَاضِي عِيسَى بْنِ مِسْكِينٍ الْأَفْرِيقِيِّ السَّاحِلِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي فِي قَوْلِهِ لِصَدِيقِهِ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ مَعَهُ وَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ: ثَوَابُكَ فِي سُرُورِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ بِفِطْرِكَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَاءٍ. فَظَاهِرُهُ نَفْيُهُ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَإِلَيْهِ كَانَ شَيْخُنَا - حَفِظَهُ اللَّهُ يَذْهَبُ، وَلَمْ يَرْتَضِ قَوْلَ عِيَاضٍ فِي مَدَارِكِهِ: قَضَاؤُهُ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِوُضُوحِهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مَفْهُومُهُ، بَلْ صَرِيحُهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى، وَهَذَا صَرِيحٌ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا حُرِّمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ ثَانِيًا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْعَمْدُ الْحَرَامُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ مُتَأَوِّلًا أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِقَوْلِهِ: كُلُّ مَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ فِي رَمَضَانَ يَسْقِطُ الْقَضَاءَ فِي التَّطَوُّعِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : وَحَيْثُ يُفْطِرُ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ؟ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ: رَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا وَجْهَ لِكَفِّ مُفْطِرِهِ عَمْدًا إِلَّا لِعُذْرٍ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ الْكَفِّ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُعْمَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُعْمَلَ فِي صَوْمِ الْفَرِيضَةِ. أَبُو الْحَسَنِ: مِثْلُ الْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطِ وَذَوْقِ الْمِلْحِ وَالطَّعَامِ وَمَضْغِ الْعِلْكِ وَسَائِرِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : هُنَا لُغْزٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَنَا: صَائِمٌ مُتَطَوِّعٌ، أَفْطَرَ نَاسِيًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ مَنِ اعْتَكَفَ أَيَّامًا مُتَطَوِّعًا بِهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهَا نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ وَيَصِلُهُ بِأَيَّامِ اعْتِكَافِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. ص: (وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتَّ، كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا) ش: الْخِلَافُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِلَوْ هُوَ مَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَجْهُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي

الرِّوَايَةِ أَنْ تَكُونَ الطَّلْقَةُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا هِيَ الثَّالِثَةُ. وَالْأَقْرَبُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِوَجْهِ رُجُوعِهِ إِلَى طَلَاقِ الْبَتِّ، وَيَكُونُ الْوَجْهُ مَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَنَصَّهُ الشَّيْخُ، انْظُرْ قَوْلَهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ الَّتِي حُلِفَ بِعِتْقِهَا، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي حُلِفَ بِطَلَاقِهَا، عُلِّقَ بِهَا الْحَالِفُ، وَيُخْشَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا إِنْ حَنِثَ، فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ الْفِطْرُ، أَوْ غَيْرُ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ عِنْدَ النُّزُولِ، انْتَهَى. وَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ- تَشْبِيهًا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الرِّوَايَةِ وَسِيَاقِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ فِطْرَهُ لِلْوَالِدَيْنِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ رِقُّهُ عِلَّةً لِإِدَامَةِ صَوْمِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ: الشَّيْخُ الَّذِي أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ، كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْوَالِدِ: (قُلْتُ) : ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ شَيْخَهُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عَلَيْهِ الْعِلْمَ لَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ يُفْتِي بِأَنَّهُ كَهُوَ، انْتَهَى. وَإِذَا أَفْطَرَ لِطَاعَةِ وَالِدَيْهِ أَوْ شَيْخِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْقَضَاءِ، كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ عِيَاضٍ، انْتَهَى. وَكَلَامُ عِيَاضٍ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَاءَ عَنْ عِيسَى بْنِ مِسْكِينٍ أَحَدِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَمَرَهُ بِفِطْرِهِ: ثَوَابُكَ فِي سُرُورِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ بِفِطْرِكَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَضَاءٍ. فَقَالَ عِيَاضٌ: قَضَاؤُهُ وَاجِبٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ - يَعْنِي ابْنَ مِسْكِينٍ - لِوُضُوحِهِ، انْتَهَى. وَفِي أَخْذِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْفِطْرُ مُبَاحٌ، فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَا يُعْلَمُ شَيْءٌ يُبَاحُ لِأَجْلِهِ الْفِطْرُ فِي التَّطَوُّعِ، وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ. وَالْمَسْأَلَةُ نَقَلَهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنِ التَّادَلِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْضِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : لَوْ حَلَفَ هَذَا الصَّائِمُ لَيُفْطِرَنَّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) : رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ» قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: حَدِيثٌ مُنْكَرُ السَّنَدِ صَحِيحُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ لَهُ فَيَفْسُدَ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُمْ حَتَّى لَا يَخْسَرُوا، انْتَهَى. ص: (وَكَفَّرَ إِنْ تَعَمَّدَ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إِفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ انْتِهَاكًا بِمُوجِبِ الْغُسْلِ: وَطْئًا، وَإِنْزَالًا. وَالْإِفْطَارَ بِمَا يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ أَوِ الْمَعِدَةِ مِنَ الْفَمِ، وَأَكْلَ النَّاسِي، وَمُخْطِئَ الْفَجْرَ، وَظَانَّ الْغُرُوبِ لَا يُوجِبُهَا. وَفِي جِمَاعِ النَّاسِي ثَالِثُهَا يَتَقَرَّبُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْخَيْرِ لَهَا. وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ، انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمِ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ تُفْطِرُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ تَعْلَمُ أَنَّهَا حَاضَتْ قَبْلَ فِطْرِهَا. وَعَنِ ابْنِ حَمْدِيسَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الطَّلَبَةِ: عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إِثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمِثْلُهَا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُعْتَقِدًا أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْهَا غَرَّ وَسَلَّمَ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَمَنْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا عَدَمَ إِتْمَامِ صِلَاتِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ تَمَامَهَا كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ التُّونِسِيُّ اخْتَارَ إِبْطَالَهَا لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِإِبْطَالِهَا بِسَلَامِهِ. وَكَذَا إِنْ حَلَفَ فِي مَسَائِلِ الْغَمُوسِ مُعْتَقِدًا لِلْكَذِبِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى الظَّنِّ أَوِ الْوَهْمَ أَوِ الشَّكِّ لِلْقَطْعِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مُوَافَقَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ يَقِينًا. انْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي الصَّائِمِ، وَانْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ فِي فَصْلِ السَّهْوِ. ص: (وَجَهْلٍ) ش: أَيْ بِلَا جَهْلٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْجَاهِلِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: اخْتُلِفَ فِي الْجَاهِلِ. فَجَعَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ كَالْعَامِدِ، فَقَالَ فِي الَّذِي يَتَنَاوَلُ فَلْقَ حَبَّةٍ: إِنْ كَانَ سَاهِيًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَالْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَاهِلَ فِي حُكْمِ الْمُتَأَوَّلِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ انْتِهَاكَ صَوْمِهِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، يَظُنُّ أَنَّ الصِّيَامَ الْإِمْسَاكَ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ دُونَ الْجِمَاعِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِنْ جَامَعَ، انْتَهَى. ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ سَافَرَ دُونَ

الْقَصْرِ، أَوْ قَدِمَ لَيْلًا فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَفِي الْمَرْأَةِ تَطْهُرُ لَيْلًا فَلَمْ تَغْتَسِلْ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَتُفْطِرُ- قَالَ: فَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَفْطَرُوا عَلَى الْجَهْلِ بِمُوجِبِ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْجَهْلِ مَا لَمْ يَتَأَوَّلْ شَيْئًا لَا تَأْوِيلًا قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْجَاهِلِ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِيمَنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ صَوْمَ رَمَضَانَ هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَهْلِ بِوُجُودِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَاضِحٌ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا. بَلِ الْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ الْهِلَالُ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرَمَضَانَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ قَوْلًا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْمُتَأَوِّلِ - فَإِنَّهُ جَاهِلٌ أَيْضًا بِالْحُكْمِ - فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ ثُمَّ إِنَّهُمْ فَرَّقُوا فِي الْمُتَأَوِّلِ بَيْنَ التَّأْوِيلِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ- فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا إِذَا حَمَلَ الْجَاهِلُ عَلَى مَنْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، فَجَهِلَ وُجُوبَ رَمَضَانَ، أَوْ بَعْضَ مَا يَمْنَعُهُ رَمَضَانُ مِنْ أَحْكَامِهِ الْمُشْتَهِرَةِ. وَالْمُتَأَوِّلُ مَنْ أَفْطَرَ لِوَجْهٍ يُخْفِي حُكْمَهُ. بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الْإِفْطَارِ بِهِ. وَحَاصِلُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَأَوِّلِ وَالْجَاهِلِ، وَأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا بِوَجْهٍ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُنْتَهِكِ، فَمَنْ لَمْ يَنْتَهِكْ وَادَّعَى وَجْهًا يُعْذَرْ بِهِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا- قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ نَظَرٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِمَّا يَرَى أَنَّ مِثْلَهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ صُدِّقَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ بَعِيدًا لَمْ يُصَدَّقْ. قَالَ اللَّخْمِيُّ إِثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَذِكْرِهِ التَّأْوِيلَ الْبَعِيدَ مَا نَصَّهُ الشَّيْخُ: أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ قَصَدَ الْفِطْرَ جُرْأَةً وَانْتِهَاكًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُظِرَ إِنَّ مَنْ أَفْطَرَ بِتَأْوِيلٍ، فَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ صُدِّقَ فِيمَا يَدَّعِيهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ جُرْأَةً، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ نُظِرَ فِيمَا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ مِثْلَهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ صُدِّقَ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَأُلْزِمَ الْكَفَّارَةَ وَهَذِهِ فَائِدَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا يَنْوِي، وَلَا يَنْوِي الْآخَرُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ كَانَ إِخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ إِلَيْهِ إِذَا ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ، لَمْ يَكُنْ لِلتَّفْرِقَةِ وَجْهٌ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الْأَمْوَالِ، فَمَنْ كَانَ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا، أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، أَوْ عِتْقٌ عَنْ ظِهَارٍ، أَوْ قَتْلٌ، أَوْ هَدْيٌ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ. وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِيمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَارَّةٌ، فَمَاتَ قَبْلَ إِخْرَاجِ ذَلِكَ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنَ التَّرِكَةِ إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَفَّارَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا هَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى إِخْرَاجِهَا مَعَ الْقَوْلِ أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي؟ قِيلَ: إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا مَنْ كَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يُخْرِجُهَا، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ مِنْهُ جُحُودُهَا، وَأَنَّهُ يَقُولُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَلَا يُؤْخَذُ بِهَا. وَهَذَا فِي الْحُقُوقِ الَّتِي تَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَى نَفْسِهِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا تَطَوَّعَ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ لِلْمَسَاكِينِ فِي غَيْرِ يَمِينٍ. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْبَرُ عَلَى إِنْفَاذِ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يُجْبَرُ. وَبَقِيَّةُ مَا تَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَقَّبُوهُ بِرَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْإِجْبَارُ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَا يُوكَلُ إِلَى الْأَمَانَةِ. فَمَنِ ادَّعَى سُقُوطَهَا بِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ لَمْ يُصَدَّقْ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: هِيَ مَوْكُولَةٌ إِلَى الْأَمَانَةِ، انْتَهَى. الثَّانِي: قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَتَسْتَقِرُّ الْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا، انْتَهَى. الثَّالِثُ: قَالَ الْجُزُولِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُفْطِرَ بِالتَّأْوِيلِ، دُونَ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ شَيْئًا. انْتَهَى، وَهَذَا مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا دُونَ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُكَفِّرُ فِي دَهْرٍ مَنْذُورٍ صَوْمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ: وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الدَّهْرَ كُلِّهِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا، قَالَ سَحْنُونٌ: إِنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ مِنْ عُذْرٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَفْطَرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، قِيلَ: وَمَا الْكَفَّارَةُ؟ قَالَ: إِطْعَامُ مِدٍّ. أَخْبَرَ بِهِ أَبُو زَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: أَنَّ عَلَيْهِ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَوَجْهُ هَذَا: أَنَّهُ لَمَّا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا مَا لَا يَجِدُ لَهُ قَضَاءً أَشْبَهَ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ لَهُ قَضَاءً، إِذْ قَدْ جَاءَ أَنَّهُ لَا يَقْضِيهِ بِصِيَامِ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: الْقِيَاسُ عَلَى كَفَّارَةِ التَّفْرِيطِ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ لِلْفِطْرِ مُتَعَمَّدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِيهِ، وَهَذَا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْفِطْرُ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ فَلَزِمَهُ صِيَامُ ظِهَارٍ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَصُومُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَصُومُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنَ الْوَاضِحَةِ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ؛ إِذْ لَا يَجِدُ لَهُ قَضَاءً. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: كَفَّارَةُ إِطْعَامِ مَسَاكِينَ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِالصَّوْمِ، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَمِينِهِ، وَيُطْعِمْ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ، أَوْ نَذَرَ صِيَامَ الْاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، ثُمَّ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ لِظِهَارٍ فَلْيَصُمْهَا لِظِهَارِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا نَذَرَ مِنْ صِيَامِ الدَّهْرِ مِنَ الْأَيَّامِ الْمُسَمَّاةِ، قَالَهُ مَالِكٌ. وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ: يُطْعِمُ لِعِدَّةِ مَا صَامَ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا، وَهَذَا أَدْنَى الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ، انْتَهَى. وَمِثْلُ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ: صِيَامُ الْهَدْيِ، وَالْفِدْيَةِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا يُشْبِهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ. وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَقْدِسِيِّ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ ثُمَّ أَفْطَرَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا: قَالَ كَافَّةُ النَّاسِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَانْظُرْ بَقِيَّتَهُ. ص: (جِمَاعًا) ش: قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لَوْ وَطِىءَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، أَوْ فَرْجَ مَيْتَةٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ، انْتَهَى مِنَ الذَّخِيرَةِ. (فَرْعٌ) : قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَمَنِ احْتَلَمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «: ثَلَاثَةٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ» ... فَذَكَرَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ذَلِكَ. نَقَلَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (أَوْ رَفْعُ نِيَّةٍ نَهَارًا) ش: يَعْنِي بَعْدَ أَنْ أُصْبِحَ صَائِمًا، فَأَحْرَى إِذَا أَصْبَحَ نَاوِيًا لِلْفِطْرِ وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ

بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نِيَّةِ الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى الصَّوْمَ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ جَمِيعِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي إِصْبَاحِهِ يَنْوِي الْفِطْرَ، قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ، وَأَشْهَبَ مَعَ رِوَايَتِيْ أَبِي الْفَرَجِ، وَفِيهَا: لَوْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْفِطْرَ، ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَفَّرَ. أَشْهَبُ: لَا كَفَّارَةَ. الصَّقَلِّيُّ: لَعَلَّهُ فِيمَنْ صَامَ بَعْضَهُ؛ إِذْ لَا تَرْتَفِعُ نِيَّتُهُ إِلَّا بِفِعْلٍ. وَلَوْ كَانَ أَوَّلَ صَوْمِهِ كَفَّرَ اتِّفَاقًا. وَفِيهَا الشَّكُّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ: بِكَفَّارَةِ مَنْ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَ الصُّبْحِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفَّرَ. سَحْنُونُ: لَا كَفَّارَةَ، وَقَضَاؤُهُ مُسْتَحَبٌّ. فَخَرَّجَهُمَا عِيَاضٌ عَلَى صِحَّةِ رَفْضِهِ وَامْتِنَاعِهِ. الشَّيْخُ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ نَهَارَهُ لَمْ يُفْطِرْ بِالنِّيَّةِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) : لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. ذَكَرَهُ فِي الْمَعُونَةِ. وَفِي الْعُمْدَةِ مُخْتَصَرَةِ الْمَعُونَةِ: وَالرِّدَّةُ مُبْطِلَةٌ، وَلَا يُلْزَمُ قَضَاءَ مَا أَفْطَرَهُ فِيهَا إِذَا أَسْلَمَ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، انْتَهَى. ص: (أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا) ش: انْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِالْأَكْلِ: هَلْ هُوَ الْأَكْلُ الْمُعْتَادُ؟ فَلَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحَصَا وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ. أَوْ مُرَادُهُ مَا قَدَّمَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْإِفْطَارُ فَيَعُمُّ ذَلِكَ الْجَمِيعَ؟ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكَفَّارَةِ: وَفِي نَحْوِ التُّرَابِ وَفِلْقَةِ الطَّعَامِ عَلَى تَفْرِيعِ الْإِفْطَارِ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ الْفِطْرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. وَالَّذِي اخْتَارَهُ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ يَرَى الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ. وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ مَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَصَى وَالدِّرْهَمِ. فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ: لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فَعَلَيْهِ فِي السَّهْوِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَمْدِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا، فَيَقْضِي لِتَهَاوُنِهِ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْحَصَى يَشْغَلُ الْمَعِدَةَ إِشْغَالًا وَيُنْقِصُ مِنْ كَلَبِ الْجُوعِ، انْتَهَى. ص: (بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ش: وَلَوْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ سَدُّ سِتِّينَ خَلَّةً، وَهُوَ حَاصِلٌ، فَلِمَ لَا يُجْزِئُ؟ قِيلَ: الْمَقْصُودُ سَدُّ خُلَّةِ سِتِّينَ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَجْرِ، وَلِتَوَقُّعِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَلِيٌّ مَقْبُولُ الدُّعَاءِ. نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ. (فَائِدَةٌ) : وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ فِي حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ

بَعْدَ ذِكْرِ الرَّقَبَةِ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ بَدَنَةً؟ قَالَ: لَا» . قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ الصِّحَاحِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْبَدَنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَذِكْرُ الْبَدَنَةِ هُوَ الَّذِي أُنْكِرَ عَلَى عَطَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ يُفْتِي بِهِ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَجَامِعُ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا رَقَبَةً، أَهْدَى بَدَنَةً إِلَى مَكَّةَ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. ص: (لِكُلِّ مُدٍّ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَشْهَبُ: الْمُدُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ الْغَذَاءِ وَالْعَشَاءِ. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ بِلَفْظِ: إِنْ شَاءَ. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: فَلَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ: مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ فِي يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُطْعِمَ ثَلَاثِينَ آخَرِينَ، انْتَهَى مِنَ الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. أَبُو الْحَسَنِ: وَلَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ ثَلَاثِينَ مُدًّا مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَيُعْطِيَهَا غَيْرَهُمْ، فَإِنْ فَوَّتُوهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ رُجُوعٌ، كَمَنْ عَوَّضَ مِنْ صَدَقَةٍ ظَانًّا لُزُومَهَا، انْتَهَى. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اللَّخْمِيُّ صَنَّفَهَا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ إِطْعَامِ الْكَفَّارَةِ لِأَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ كَيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، لَا يَأْخُذُ مِنْهَا الْمِسْكِينُ الْوَاحِدُ إِلَّا لِيَوْمٍ وَاحِدٍ. أَوْ أَيَّامَهُ كَأَيْمَانٍ يُجْزِيهِ أَخْذُهُ لِلْيَوْمَيْنِ نَظَرٌ، وَهَذَا أَبْيَنُ. وَقَوْلُ الْجَلَّابِ: لَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ لِإِحْدَى كَفَارَتَيْهِ، ثُمَّ أَطْعَمَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِلْأُخْرَى أَجْزَأَهُ؛ مَفْهُومُهُ لَوْ أَطْعَمَهُمْ عَنْهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى. الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ، وَلَا تَتَعَدَّدُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اتِّفَاقًا، وَلَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَيَّامِ مُوجِبِهَا وَلَوْ قَبْلَ إِخْرَاجِهَا، لَا بِتَعَدُّدِ مُوجِبِهَا قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَبُعْدَهُ نَقَلًا. ابْنُ بَشِيرٍ عَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ، انْتَهَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَهُوَ الْأَفْضَلُ) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ كَانَ حُرًّا مَالِكَ التَّصَرُّفِ، وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ وَالْأُمَّةُ بِالصِّيَامِ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالسَّيِّدِ، فَيَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ فِي الْإِطْعَامِ. وَنَقَلَهُ الْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ. وَإِذَا فَعَلَ السَّفِيهُ مُوجَبَ الْكَفَّارَةِ، وَقُلْنَا: إِنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ، أَمَرَهُ وَلَيُّهُ بِالصِّيَامِ لِحِفْظِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَأَبَى، كَفَّرَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِالْأَقَلِّ مِنِ الْعِتْقِ وَالطَّعَامِ. عَبْدُ الْحَقِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إِذَا أَبَى مِنَ الصَّوْمِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَبْيَنُ، انْتَهَى مِنَ التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: أَفْتَى مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا بِالْإِطْعَامِ فِي الشِّدَّةِ، وَالْعِتْقِ فِي الرَّخَاءِ. وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ: بِصَوْمِ ذِي سَعَةٍ. وَبَادَرَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَمِيرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حِينَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ وَطْءِ جَارِيَةٍ لَهُ فِي رَمَضَانَ بِكَفَّارَتِهِ بِصَوْمِهِ، فَسَكَتَ حَاضَرُوهُ. ثُمَّ سَأَلُوهُ: لِمَ لَمْ تُخَيِّرْهُ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ: لَوْ خَيَّرْتُهُ وَطِىءَ كُلَّ يَوْمٍ وَأَعْتَقَ. فَلَمْ يُنْكِرُوهُ. عِيَاضٌ: وَحَكَاهُ فَخْرُ الدِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ. وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ مِمَّا ظَهَرَ مِنَ الشَّرْعِ إِلْغَاؤُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إِبْطَالِهِ. (قُلْتُ) : وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُفْتِيَ بِذَلِكَ رَأَى الْأَمِيرَ فَقِيرًا، مَا بِيَدِهِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ. (قُلْتُ) : وَلَا يَرِدُ هَذَا بِتَعْلِيلِ الْمُفْتِي بِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مُوحِشٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْفَخْرِ: هَذَا الْمِثَالُ قَدْ يُتَحَيَّلُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أَبْطَلَهُ الشَّرْعُ؛ لِأَجْلِ قِيَامِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا شَرَعَ الْكَفَّارَةَ زَجْرًا، وَالْمُلُوكُ لَا تَنْزَجِرُ بِالْإِعْتَاقِ، فَتَعَيَّنَ مَا هُوَ زَجْرٌ فِي حَقِّهِمْ، فَهَذَا نَوْعٌ مِنَ النَّظَرِ

الْمَصْلَحِيِّ الَّذِي لَا تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ، انْتَهَى. ص: (وَعَنْ أَمَةٍ وَطِئَهَا، أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا) ش: إِنَّمَا قَالَ فِي الْأَمَةِ وَطِئَهَا، وَالزَّوْجَةِ أَكْرَهَهَا؛ لِيُنَبَّهَ عَلَى أَنَّ طَوْعَ الْأُمَّةِ كَالْإِكْرَاهِ، فَإِذَا وَطِئَهَا وَجَبَّتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ وَطِىءَ أَمَةً كَفَّرَ عَنْهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ؛ لِأَنَّ طَوْعَهَا كَالْإِكْرَاهِ لِلرِّقِّ، وَلِذَلِكَ لَا تُحَدُّ الْمُسْتَحَقَّةُ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنْ وَاطِئَهَا غَيْرُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إِلَّا أَنْ تَطْلُبَهُ هِيَ بِذَلِكَ وَتَسْأَلَهُ فِيهِ، فَيَلْزَمُ الْأَمَةَ الْكَفَّارَةُ، وَتُحَدُّ الْمُسْتَحَقَّةُ، إِنْ لَمْ تُعْذَرْ بِجَهْلٍ، انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالسُّؤَالِ مَا إِذَا تَزَيَّنَتْ، وَلَمْ أَرَ فِي كِتَابِ الْأَصْحَابِ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا، فَالْإِطْعَامُ عَنْهَا لَازِمٌ لَهُ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ يُونُسَ، وَانْظُرْ تَخْصِيصَهُ التَّكْفِيرَ عَنْهَا حِينَئِذٍ بِالْإِطْعَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ الْأَخَفُّ غَالِبًا، وَإِلَّا فَحِينَ صَارَتْ حُرَّةً فَيَصِحُّ التَّكْفِيرُ عَنْهَا بِالْعِتْقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِنْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ بِمَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ فَهِيَ جِنَايَةٌ، إِمَّا أَنْ يُسْلِمَهُ السَّيِّدُ فِيهَا، أَوْ يَفْدِيَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ. وَلَوْ طَلَبَتِ الْمَفْعُولُ بِهَا أَخْذَ ذَلِكَ وَتَصُومُ عَنْ نَفْسِهَا لَمْ يُجْزِهَا وَإِنْ رَضِيَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهَا، فَيَصِيرُ ثَمَنُهَا لِلصِّيَامِ، وَالصِّيَامُ لَا ثَمَنَ لَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ أَكْرَهَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ، فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: هُوَ جِنَايَةٌ إِنْ شَاءَ السَّيِّدُ أَسْلَمَهُ، أَوِ افْتَكَّهُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنَ الرَّقَبَةِ أَوِ الطَّعَامِ. وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ ذَلِكَ وَتُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ؛ إِذْ لَا ثَمَنَ لَهُ. ابْنُ مُحْرِزٍ: وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ: الرَّقَبَةُ الَّتِي يُكَفَّرُ بِهَا لَا رَقَبَةُ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ. وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ مِمَّا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَفْتَدِيَهُ السَّيِّدُ بِالْأَكْثَرِ مِنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُخَيَّرَةٌ فِيمَا تُكَفِّرُ بِهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْوَى عِنْدِي مِنَ الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ لَاحَظَ فِي الْأَوَّلِ كَوْنَ الْمُكَفِّرِ إِنَّمَا يُكَفِّرُ بِأَخَفِّ الْكَفَّارَاتِ لَا بِأَثْقَلِهَا، انْتَهَى بِمَعْنَاهُ. خَلِيلٌ: وَقَوْلُهُ: خِلَافُ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَخْ، يُرِيدُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: يَفْدِيهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ، فَهَذَا يَقْتَضِي قِيمَةَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ حُكْمَ الْجِنَايَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَهَذَا، بَلْ يَفْتَكُّهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَوْ يُسْلِمُهُ. وَعَلَى هَذَا فَفِي نَقْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ نَظَرٌ. فَاعْلَمْهُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ) : وَلَيْسَ مَا قَالَاهُ مُتَعَيِّنًا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، بَلْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَا، بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ- رَاجِعًا إِلَى مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَالطَّعَامُ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي رَقَبَتِهِ رَاجِعًا إِلَى ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَوْ يَفْتَكَّهُ بِالْأَقَلِّ مِنَ الرَّقَبَةِ وَالطَّعَامِ أَوْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ وَالطَّعَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةٌ- يَعْنِي: فِيمَا إِذَا كَانَتْ تُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهَا، وَأَمَّا إِذَا كَفَّرَ الزَّوْجُ فَالْخِيَارُ لَهُ، وَلِهَذَا إِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلَاحِظَ أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ لَوْ كَفَّرَتْ عَنْ نَفْسِهَا كَانَتْ مُخَيَّرَةً. فَتَأَمَّلْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ: أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَ أَمَةً فَالْحُكْمُ كَالزَّوْجَةِ، بَلْ صَرِيحُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَإِذَا أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى الْوَطْءِ رَجُلَانِ، فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي؛ وَذَلِكَ أَنَّ الثَّانِي لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهَا، وَلَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا بِوَطْئِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا،

انْتَهَى. ص: (وَفِي تَكْفِيرِهِ عَنْهَا إِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْقُبْلَةِ حَتَّى أَنْزَلَا تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اخْتُلِفَ فِي الَّذِي يُقَبِّلُ امْرَأَتَهُ مُكْرَهَةً حَتَّى يَنْزِلَا. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَحَمْدِيسٌ: وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، وَكُلُّ أَوَّلِ الْمُدَوَّنَةِ: عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَرَجَّحَ مَذْهَبَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَاكَ مِنَ الرِّجَالِ خَاصَّةً، انْتَهَى. ص: (وَفِي تَكْفِيرِ مُكْرِهِ رَجُلٍ لِيُجَامِعَ قَوْلَانِ) ش: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَقْرَبُ السُّقُوطُ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، وَالْمُكْرَهُ مُبَاشِرٌ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُكْرِهِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَلَكِنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ - بِفَتْحِ الرَّاءِ -. (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا الْخِلَافُ إِنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا عَنِ الْمُكْرَهِ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجُلِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْوَطْءِ. فَقِيلَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَكْثَرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِنَا: إِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، وَالْخِلَافُ فِي حَدِّهِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى إِيجَابِ الْحَدِّ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْإِكْرَاهِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الرَّجُلِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْوَطْءِ قَوْلَانِ لَهَا، وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ. عِيَاضٌ: وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ: وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَقْلِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُكْرَهِ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وُجُوبَهَا عَلَى مَكْرِهِ رَجُلٍ عَلَى وَطْءٍ، لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي النَّائِمِ، وَقَوْلِ اللَّخْمِيِّ انْتِهَاكُ صَوْمِ غَيْرِهِ كَنَفْسِهِ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُكْرِهُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُكْرَهِ، فَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ مُكْرِهٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنَّفِ: وَفِي تَكْفِيرِ مُكْرَهِ رَجُلٍ - بِفَتْحِ الرَّاءِ يَعْنِي الَّذِي أَكْرَهَهُ رَجُلٌ - عَلَى الْوَطْءِ. وَفِيهِ تَكَلُّفٌ جَدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا تَجِبِ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَكْرَهٍ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوِ امْرَأَةٍ عَلَى وَطْءٍ، انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، فِيمَنْ غَرَّرَ رَجُلًا وَقَالَ لَهُ: لَمْ يَطَّلِعِ الْفَجْرُ وَجَعَلَ يَأْكُلُ: إِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْغَارِّ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ بِالْقَوْلِ، قَالَ: وَلَوْ أَطْعَمَهُ بِيَدِهِ لُقْمَّةً وَجَعَلَ الطَّعَامَ فِي فِيهِ فَهَاهُنَا يُكَفِّرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ بِالْفِعْلِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْآكِلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَهِكٍ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَذَبَ وَغَرَّهُ، انْتَهَى مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. قَالَ: نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ الْأَقْفَهْسِيِّ. ص: (لَا إِنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا) ش: هَذَا هُوَ الْإِفْطَارُ بِالتَّأْوِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ: قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَرِيبُ مَا كَانَ مُسْتَنِدَ السَّبَبِ إِلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ، وَالْبَعِيدُ مَا اسْتَنَدَ إِلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَرِيبُ الْمُسْتَنِدُ لِحَادِثٍ، وَقَوْلُهُ: أَفْطَرَ نَاسِيًا، يَعْنِي: أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مُبِيحٌ لَهُ الْإِفْطَارَ بَعْدَ ذَلِكَ، لِكَوْنِ صَوْمِهِ قَدْ بَطَلَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمَّدًا مُعْتَقِدًا أَنَّ التَّمَادِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ. وَثَالِثُهَا: إِنْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ كَفَّرَ، وَبِغَيْرِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. ص: (أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ جُنُبٍ فَلَمْ يَغْتَسِلْ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَيُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ فَأَفْطَرَ مُتَعَمَّدًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا الْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ خِلَافًا، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْعُذْرُ فِي هَذِهِ أَضْعَفُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِهَذَا يُمْكِنُ إِجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهَا. ص: (أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ بَطَلَ وَأَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمَّدًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ. وَالْعُذْرُ فِي هَذَا أَضْعَفُ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ إِنْ لَمْ يُقِلْ أَحَدٌ

إِنَّ مَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ يَبْطُلُ صَوْمُهُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَلَا يَبْعُدُ إِجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهَا. ص: (أَوْ قَدِمَ لَيْلًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا قَدِمَ لَيْلًا فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ قَدِمَ نَهَارًا فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعُذْرُهُ فِي هَذِهِ أَضْعَفُ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِذْ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى مَا تَوَهَّمَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا، لَكِنْ يَبْعُدُ إِجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (أَوْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَافَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ فَنَوَى الْإِفْطَارَ وَأَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعُذْرَهُ هُنَا أَقْوَى مِنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبِلَهُ؛ إِذْ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ، وَأَمَّا مَنْ أَصْبَحَ فِي الْحَضَرِ صَائِمًا فَسَافِرَ دُونَ الْقَصْرِ فَأَفْطَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَنْ سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ. وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ، بَلْ هُوَ أَحْرَى فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. ص: (أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا ثَلَاثِينَ فِي رَمَضَانَ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ فَأَفْطَرَ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ رُؤْيَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. فَقَدْ حَكَاهَا فِي التَّوْضِيحِ فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نِصْفَ النَّهَارِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ رَآهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أُعْذِرَ، وَلِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي إِبَاحَةِ الْإِفْطَارِ. ص: (فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ) ش: رَاجِعٌ إِلَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ بِذَلِكَ فَأَفْطَرَ مُتَعَمَّدًا، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: تَقَدَّمَ مِنَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا إِذَا ثَبَتَ هِلَالُ رَمَضَانَ نَهَارًا، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْإِمْسَاكَ لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ، فَأَفْطَرَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْهِلَالِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَيَأْتِي مِنْهُ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ مُتَأَوِّلًا أَنَّ السَّفَرَ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ. وَالثَّانِيَةُ: إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَأَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ ظَانًّا أَنَّ عَزْمَهُ عَلَى السَّفَرِ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ. بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَفْطَرَ مُتَعَمَّدًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُنَا؛ لِمَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ- أَنَّهُمْ لَوْ شَكُّوا فِي الْإِبَاحَةِ لَزِمَتْهُمُ الْكَفَّارَةُ، وَأَحْرَى إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِلَّا تَوَهُّمُ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ ظَنِّ الْإِبَاحَةِ يَسْقُطُ عَنْهُمُ الْإِثْمُ، كَمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ ظَنِّ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِطْرِ. وَهُمْ آثِمُونَ فِي إِقْدَامِهِمْ عَلَى الْإِفْطَارِ مَعَ الشَّكِّ أَوْ مَعَ التَّوَهُّمِ، فَإِنْ أَفْطَرُوا فَعَلَيْهِمُ الْكَفَّارَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثُ: كُلُّ مِنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِظَنِّهِ الْإِبَاحَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ، فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَأَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَمَسْأَلَةِ مَنْ أَفْطَرَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مُتَأَوِّلًا: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا هِيَ تَكْفِيرٌ لِلذَّنْبِ، وَمَنْ تَأَوَّلَ فَهِمَ بِذَنَبٍ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَجَاوَزَ لِأَمَةِ نَبِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْهُ بِالْجَهْلِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَسَعُ جَهْلُهَا، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَكَأَنَّهُ يُلْزِمُهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَإِقْدَامُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ، انْتَهَى. ص: (بِخِلَافٍ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ) ش: أَيْ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنَّفِ: أَنَّ التَّأْوِيلَ الْبَعِيدَ هُوَ مَا اسْتَنَدَ إِلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ، لَكِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنَّفُ. ص: (كَرَاءٍ وَلَمْ يُقْبِلْ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ:

تَأْوِيلُهُ أَقْرَبُ مِنْ تَأْوِيلِ الْمُسَافِرِ يُقْدِمُ لَيْلًا، (قُلْتُ) : وَأَقْرَبُ مِنْ تَأْوِيلِ مَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ تَأْوِيلَيْنِ: وَهُمَا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَأَشْهَبُ يَقُولُ بِالسُّقُوطِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُمَا خِلَافٌ فِي حَالِ هَلْ هُوَ تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ، وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ قَوْلَ أَشْهَبَ خِلَافًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنِ الشُّيُوخِ: أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ تَقْيِيدًا، انْتَهَى. وَذِكْرَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ التَّأْوِيلَيْنِ، وَجَزَمَ هُنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَأَنَّهُ مِنَ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، فَكَأَنَّهُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (أَوْ لِحُمَّى ثُمَّ حُمَّ، أَوْ لِحَيْضٍ ثُمَّ حَصَلَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ تَأْتِيَهُ الْحُمَّى فِي يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، فَأَصْبَحَ فِي يَوْمِ الْحُمَّى مُفْطِرًا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُ الْحُمَّى - يُرِيدُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ إِذَا لَمْ تَأْتِهِ الْحُمَّى - ثُمَّ جَاءَتْهُ الْحُمَّى فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ لِسَبَبٍ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ. وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ، إِذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً أَنْ يَأْتِيَهَا الْحَيْضُ فِي يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، فَأَصْبَحَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُفْطِرَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْحَيْضُ، ثُمَّ جَاءَهَا الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبِلَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا كَفَّارَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَرَآهُ مِنَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ. ص: (أَوْ حِجَامَةٍ) ش: حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَنْ احْتَجَمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ بَطَلَ فَأَفْطَرَ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. ثُمَّ اعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. زَادَ فِي الْكَبِيرِ: فَذَكَرَ عَنِ النَّوَادِرِ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كُلُّ مُتَأَوِّلٍ فِي الْفِطْرِ فَلَا يُكَفِّرُ إِلَّا فِي التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، مِثْلُ أَنْ يَغْتَابَ أَوْ يَحْتَجَمَ، فَتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَفْطَرَ لِذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنَ الْعَتَبِيَّةِ: قَالَ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنِ احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ فَتَأَوَّلَ: إِنْ لَهُ الْفِطْرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقَضَاءُ، وَقَالَ أَصْبُغُ: هَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، انْتَهَى كَلَامُ النَّوَادِرِ. ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ: فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ مَسْأَلَةَ الْحِجَامَةِ مِنَ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ مَسْأَلَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى فَاعِلِ الْحِجَامَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ، وَمَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْمُحْتَجِمِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، إِنْ ظَهَرَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ عَنِ النَّوَادِرِ هُوَ كَذَلِكَ، وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي أَرَادَ الْجَمْعَ بِهِ بَعِيدٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ بَيْنَ تَأْوِيلِ الْحَاجِمِ وَالْمُحْتَجِمِ الْإِفْطَارَ فَرْقًا؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَأْوِيلِ الْإِفْطَارِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا عَنِ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ بِلَفْظِ: يَحْتَجِمُ- وَجَعَلُوهُ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَكَذَلِكَ الْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَابْنُ عَرَفَةَ، وَغَيْرُهمَا مِنَ الشُّيُوخِ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَنِ احْتَجَمَ، وَجَعَلُوا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمَ، قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ الْكَفَّارَةَ، وَرَآهُ مِنَ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْمُحْتَجِمِ إِذَا تَأَوَّلَ، فَالْحَاجِمُ مَثَّلُهُ، أَوْ أَحْرَى بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَلَفْظُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي مُخْتَصَرِ

الْوَاضِحَةِ لِفَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ - صَالِحٌ لِأَنَّ يُحْمَلَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الَّذِي يَتَأَوَّلُ الْإِفْطَارَ مَعَ الْحِجَامَةِ فَيُفْطِرُ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُحْتَجِمِ فِيهَا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ، كَمَا حَكَاهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَاجِمِ فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَكَوْنُهَا مُسَاوِيَةً لِمَسْأَلَةِ الْمُحْتَجِمِ أَوْ أَحْرَى بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا مَا نَقَلُوهُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِنَفْيِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا، إِلَّا أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَنَّ قَوْلَهُ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنَّفَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَا: إِنَّ التَّأْوِيلَ الْقَرِيبَ هُوَ مَا كَانَ مُسْتَنِدًا لِسَبَبٍ مَوْجُودٍ، وَالتَّأْوِيلَ الْبَعِيدَ مَا كَانَ مُسْتَنِدًا لِسَبَبٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ، كَمَسْأَلَتِيِ الْحُمَّى وَالْحَيْضِ، وَمَثَلُهُ أَيْضًا يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْغِيبَةِ - أَعْنِي مَنِ اغْتَابَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَوْمَهُ فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ - وَلَكِنِّي لَمْ أَرَ فِيهَا إِلَّا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: جَزَمَ الْبِسَاطِيُّ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَقَالَ: قَوْلُهُ: (أَوْ حِجَامَةٍ) يَعْنِي: مَنْ حَجَّمَ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مَنِ احْتَجَمَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْمُوجِبُ لِهَذَا الْمُحْتَمَلِ- قُلْتُ: إِذَا اطَّلَعْتَ عَلَى الرِّوَايَاتِ عَلِمْتَ وَجْهَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ النَّوَادِرِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى مَا حُمِلَ. ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ: لَعَلَّ الْمَشْهُورَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَنَّ كَلَامَهُ عَامٌّ فِيمَنْ حَجَّمَ أَوِ احْتَجَمَ، أَوْ خَاصٌّ بِمَنِ احْتَجَمَ وَتَأَوَّلَ كَلَامَهُ- قُلْتُ: هُوَ مُحْتَمَلٌ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي، لَكِنْ فِي تَأْوِيلِ حَجَمَ بِاحْتَجَمَ بُعْدٌ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَامٌّ فِيمَنْ حَجَّمَ غَيْرَهُ أَوِ احْتَجَمَ، وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُخَالِفُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الرَّاجِحُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: تَقَدَّمَ أَنَّ إِفْسَادَ الصَّوْمِ بِالْغِيبَةِ حُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنِ ابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُمَا قَالَا: يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، وَقَالَ: وَعَنِ ابْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. الثَّالِثُ: أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِوُجُوهٍ: إِمَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ. أَوْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ تَعَرَّضَ لِلْإِفْطَارِ، أَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِلضَّعْفِ، وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ بِالْمَصِّ. أَوْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ نُقْصَانُ الْأَجْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعُ: مِنَ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ مَسْأَلَةُ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ مَنْ بَيَّتَ الصِّيَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَسَوَاءٌ أَفَطَرَ فِي السَّفَرِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْحَضَرِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. ص: (وَلَزِمَ مَعَهَا الْقَضَاءُ إِنْ كَانَتْ لَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ يَلْزَمُهُ مَعَهَا الْقَضَاءُ، إِذَا كَانَتِ الْكَفَّارَةُ لَهُ - أَيْ لِلْمُكَفِّرِ - وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إِذَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ عَنِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ. وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَعَلَ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: لَهُ عَائِدًا عَلَى رَمَضَانَ، وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ص: (وَالْقَضَاءُ فِي التَّطَوُّعِ بِمُوجِبِهَا) ش: فَلَا يَفْسُدُ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ إِلَّا الْفَرْضُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَفِيمَا قَالَهُ الْمُصَنَّفُ نَظَرٌ. فَإِنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ فَسَدَ فَأَفْطَرَ ثَانِيًا، فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ، هَكَذَا قَالُوا، انْتَهَى. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا ذَكَرُوا الْقَضَاءَ فِيمَا إِذَا أَفْطَرَ ثَانِيًا مُتَعَمَّدًا، وَأَمَّا الْمُتَأَوِّلُ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنَّفِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ لِسَفَرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنْ لَا كَفَّارَةَ

عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِذَا فَعَلَهُ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي. ص: (وَلَا قَضَاءَ فِي غَالِبِ قَيْءٍ، وَذُبَابٍ، وَغُبَارِ طَرِيقٍ، أَوْ دَقِيقٍ، أَوْ كَيْلٍ، أَوْ جِبْسٍ لِصَانِعِهِ) ش: قَوْلُهُ: وَذُبَابٍ- قَالَ فِي الْجَلَّابِ: أَوْ بَعُوضٍ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَيُغْتَفَرُ غُبَارُ الطَّرِيقِ، وَكَيْلُ الْقَمْحِ وَالدَّقِيقِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنِ السُّلَيْمَانِيَّةِ: إِنْ وَجَدَ طَعْمَ دُهْنِ رَأْسِهِ قَضَى وَقَالَ التُّونُسِيُّ: وَفِي لَغْوِ غُبَارِ الدَّقِيقِ وَالْجِبْسِ وَالدِّبَاغِ لِصَانِعِهِ نَظَرٌ لِضَرُورَةِ الصَّنْعَةِ وَإِمْكَانِ غَيْرِهَا ابْنُ شَاسٍ. اُخْتُلِفَ فِي غُبَارِ الْجَبَّاسِينَ وَرَوَى ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يُفْطِرُ مَنْ عَطِشَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عِلَاجِ صَنْعَتِهِ وَالتَّشْدِيدُ فِي مَنْعِ مَا يَمْنَعُهُ فَرْضًا وَالْوَقْفُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ لِسَفَرِ التَّجْرِ ثُمَّ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَدْحِ الْمُجَوِّزِ لِلْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ وَابْتِلَاعِ حَبَّةٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ إنْ غَلَبَتْهُ لَغْوٌ، انْتَهَى. الْمَشَذَّالِيُّ فِي قَوْلِهِ وَابْتَلَعَ فِلْقَةً اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الْقَضَاءِ فِي ذَا الْبَابِ وَأَجْرَى عَلَيْهِ الشُّيُوخُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ بَعْدَ أَنْ أَكَلَ مِنْهُ وَتَبَقَّى مِنْهُ بَقِيَّةُ فِلْقَةٍ فَابْتَلَعَهَا فَقَالُوا اللَّازِمُ عَلَى الْقَضَاءِ الْحِنْثُ وَعَلَى الْعَدَمِ الْعَدَمُ ((قُلْتُ)) وَخَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَنْ نَسِيَ حَصَاةً فِي يَدِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي نَعْلِهِ أَنَّهُ إنْ رَدَّهَا فَحَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ابْتَلَعَ فِلْقَةً؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ فَكَمَا أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فَكَذَلِكَ لَا رَدَّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَسْأَلَةُ الْحُكْمِ فِي غُبَارِ الْكَتَّانِ وَغُبَارِ الْفَحْمِ وَغُبَارِ خَزْنِ الشَّعِيرِ وَالْقَمْحِ كَالْحُكْمِ فِي غُبَارِ الْجَبَّاسِينَ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَقَعُ السُّؤَالُ فِي زَمَانِنَا إذَا وَقَعَ الصِّيَامُ فِي زَمَانِ الصَّيْفِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ الْخُرُوجُ لِلْحَصَادِ مَعَ الضَّرُورَةِ لِلْفِطْرِ أَمْ لَا؟ كَانَتْ الْفُتْيَا عِنْدَنَا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِصَنْعَتِهِ لِمَعَاشِهِ مَا لَهُ مِنْهَا بُدٌّ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا كُرِهَ وَأَمَّا مَالِكُ الزَّرْعِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ جَمْعِهِ زَرْعَهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى فِطْرِهِ وَإِلَّا وَقَعَ فِي النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَكَذَا غَزْلُ النِّسَاءِ الْكَتَّانَ وَتَرْقِيقُ الْخَيْطِ بِأَفْوَاهِهِنَّ فَإِنْ كَانَ الْكَتَّانُ مِصْرِيًّا فَجَائِزٌ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ دَمَنِيًّا لَهُ طَعْمٌ يَتَحَلَّلُ فَهِيَ كَذَوِي الصِّنَاعَاتِ إنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً سَاغَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَأَفْتَى ابْنُ قَدَّاحٍ إذَا غَزَلَتْ الْكَتَّانَ الْمَعْرُوفَ فَوَجَدَتْ طَعْمَ مُلُوحَتِهِ فِي حَلْقِهَا بَطَلَ صَوْمُهَا وَهُوَ نَحْوُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَمَنْ ابْتَلَعَ خَيْطًا مِنْ غَزْلٍ أَوْ حَرِيرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ تَكُنْ صَنْعَتَهُ فَهِيَ كَابْتِلَاعِ النَّوَاةِ وَإِنْ كَانَتْ صَنْعَتَهُ فَفِيهَا نَظَرٌ كَغُبَارِ الدَّقِيقِ لِذِي الصَّنْعَةِ ص (وَحُقْنَةٍ فِي إحْلِيلٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عِيَاضٌ: الْإِحْلِيلُ

بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ثَقْبُ الذَّكَرِ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ الْبَوْلُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْإِحْلِيلُ يَقَعُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ. ص (وَجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَالسِّوَاكُ بِالْيَابِسِ كُلَّ النَّهَارِ وَفِيهَا وَلَوْ بُلَّ وَيُكْرَهُ بِالرَّطْبِ خَوْفَ تَحَلُّلِهِ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا لِعَالِمٍ ثُمَّ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي قَوْلِهِ إنْ جَهِلَ مَجَّ مَا اجْتَمَعَ مِنْ سِوَاكِ الرَّطْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ رِيقَهُ فَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي نِسْيَانِهِ وَتَأْوِيلِهِ الْقَضَاءُ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . الْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَاءٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِفَتْحِ الْخَاءِ فَقِيلَ: خَطَأٌ، وَقِيلَ: لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَهُوَ تَغْيِيرُ رَائِحَةِ الْفَمِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ اسْتِطَابَةِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ هُنَا فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِتَقْرِيبِ الصَّوْمِ مِنْ اللَّهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ أَيْ يُقَرَّبُ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إلَيْكُمْ وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّهُمْ يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْخُلُوفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْمِسْكِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْمِسْكِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ لِلطَّاعَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحًا فَرَائِحَةُ الصِّيَامِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ كَالْمِسْكِ (فَرْعٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَقَعَ نِزَاعٌ بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَنَّ هَذَا الطِّيبَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمْ فِي الْآخِرَةِ خَاصَّةً؟ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي الْآخِرَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هُوَ عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ إلَخْ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ سِنِينَ فِي مُسْنَدِهِ «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا قَالَ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ إلَخْ» حَسَّنَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ وَقْتَ وُجُودِ الْخُلُوفُ فِي الدُّنْيَا يَتَحَقَّقُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ شَرْقًا وَغَرْبًا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَّابِيِّ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَاهُ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ وَأَرْفَعُ عِنْدَهُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الْبَغَوِيّ مَعْنَاهُ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ الْقُدُورِيُّ الْحَنَفِيُّ مَعْنَاهُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَمِثْلُهُ لِلْبَوْنِيِّ مِنْ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَكَذَا قَالَ الصَّابُونِيُّ وَالسَّمْعَانِيُّ وَابْنُ الصَّفَّارِ الشَّافِعِيُّونَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَذْكُرُوا سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجْهًا فِي تَخْصِيصِهِ بِالْآخِرَةِ مَعَ أَنَّ كُتُبَهُمْ جَامِعَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَالْغَرِيبِ وَمَعَ أَنَّ رِوَايَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي الصَّحِيحِ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الرِّضَا وَالْقَبُولِ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَمَّا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ وَفِيهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ الْخُلُوفِ عَلَى الْمِسْكِ، انْتَهَى. مِنْ حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيّ وَانْظُرْ الْعَارِضَةَ ص (وَمَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلْعُ رِيقِهِ الْبَاجِيُّ يُرِيدُ بَعْدَ زَوَالِ طَعْمِ الْمَاءِ مِنْهُ وَفِي مَجِّهَا أَكْرَهُ غَسْلَ الصَّائِمِ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ، انْتَهَى. الْمَشَذَّالِيُّ وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ دَمِيَ فَمُهُ فَمَجَّ الدَّمَ وَلَمْ يَغْسِلْ فَهَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِابْتِلَاعِهِ الرِّيقَ النَّجِسَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّائِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ ابْتِلَاعُ الرِّيقِ النَّجِسِ وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ إنْ فَعَلَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي رِيقٍ يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ لِمَا فِي طَرْحِهِ مِنْ الْحَرَجِ وَإِذَا كَانَ ابْتِلَاعُهُ مُحَرَّمًا فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ بِابْتِلَاعِهِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ التَّرْخِيصِ فِي ابْتِلَاعِهِ الْمَشَذَّالِيُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: هَذَا بَيِّنٌ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَثَرُ الدَّمِ وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ لَا عَيْنُهَا قَالَ: وَيَلْزَمُ عَلَى مَا حَكَى عَبْدُ الْحَقِّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّلْوِ الَّذِي دُهِنَ بِزَيْتٍ فَاسْتُنْجِيَ بِهِ أَنَّ الْمَاءَ كُلَّهُ

نَجِسٌ أَنْ يَقُولَ هَذَا كُلُّهُ نَجِسٌ وَلَوْ انْقَطَعَ أَثَرُ الدَّمِ حَتَّى يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ كَمَا قَالَ هَذَا الشَّيْخُ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ قَبْلَهُ فِي الصِّيَامِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ مَا نَصُّهُ وَيَقْضِي إنْ جَاوَزَ حَلْقَهُ الدَّمُ وَإِنْ بَسَقَهُ حَتَّى ابْيَضَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ لِلصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ قَدَّاحٍ وَهُوَ يُجْزِئُ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالْمَائِعِ غَيْرِ الْمَاءِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَضُرُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ حِينَئِذٍ كَالْمُتَكَرِّرِ غَلَبَةً كَالذُّبَابِ وَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ فِيهِ الْقَضَاءَ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَوْمُ دَهْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَهَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ أَوْ الْأَفْضَلُ خِلَافُهُ قَالَ مَالِكٌ سَرْدُ الصَّوْمِ أَفْضَلُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ مَعْنَى كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّ سَرْدَ الصَّوْمِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ إذَا لَمْ يَضْعُفْ بِسَبَبِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَإِنْ ضَعُفَ فَالصَّوْمُ أَوْ الْفِطْرُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ أَفْضَلُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] . وَقَوْلِهِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] . «وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَا أَفْضَلَ لَكَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: إذَا فَعَلْت ذَلِكَ نَقِيَتْ نَفْسُك وَغَارَتْ عَيْنُك» وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ مَا كَانُوا يُسْأَلُونَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إلَّا لِيَخْتَارُوهُ وَكَذَا قَوْلُهُ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد.» وَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَأَلَ: أَيُّ غَبِّ الصَّوْمِ وَتَفْرِيقِهِ أَفْضَلُ؟ وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرْت تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي النَّوَادِرِ وَحَمَلَ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَلَى مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَوْ عَمَّمَ صَوْمَهُ حَتَّى صَامَ مَا يَحْرُمُ صَوْمُهُ، انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِيمَا أَظُنُّ بِفَضْلِ صَوْمِ الدَّهْرِ ص (وَفِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ) ش: أَيْ وَجَازَ فِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ أَيْ فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَصْلِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ سُنَّ لِمُسَافِرٍ غَيْرِ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَإِنْ قِيلَ: جَعَلَ هُنَا الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ جَائِزًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ مَكْرُوهٌ فَالْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا بِالْجَائِزِ مَا يُقَابِلُ الْمَمْنُوعَ فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَالْمُبَاحَ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إثْرَ قَوْلِ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَافِرِ يُقِيمُ فِي الْمَنْزِلِ يَوْمًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَهَذَا كَمَا قَالَ: وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] إلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ لَهُ الصِّيَامَ وَيُكْرَهُ لَهُ الْفِطْرُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] ، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْبَحْرِ إذَا كَانَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ سَفَرُ قَصْرٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رَسْمٍ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَنَصُّ السَّمَاعِ: وَسُئِلَ عَنْ الْمُسَافِرِ فِي الْبَحْرِ يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] . وَوُجُوبُ الْقَصْرِ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ احْفَظْهُ، انْتَهَى. وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَفَرُ الْقَصْرِ يُبِيحُ فِطْرَهُ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَحْرُ كَالْبَرِّ. الشَّيْخُ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ مَا لَا يُوجِبُ إتْمَامَهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّلْقِينَ وَالْمَعُونَةَ وَفُهِمَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَوْ أَقَامَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ سَفَرُ قَصْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَتَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ (فَرْعٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَيُفْطِرُ فِي السَّفَرِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمَحْظُورِ. وَالْمَشْهُورُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي الْمُبَاحِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكْرُوهِ وَلَا الْمَحْظُورِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ

طَلَبَةِ الْعِلْمِ عَنْ شَارِحِ الرِّسَالَةِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ السَّفَرَ فِي رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُبَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ إلَّا الْإِفْطَارُ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ الْحَجَّ فَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَجُّ ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ حَاضَتْ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ حَيْضَتِهَا وَأَخَّرَتْ الصَّلَاةَ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْحَائِضَ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءٌ وَهِيَ عَاصِيَةٌ وَالْمُتَصَدِّقُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَالْمُسَافِرُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقَضَاءُ وَزَادَ الْمُقِيمُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَيُسَافِرُ وَيُصَلِّيهَا صَلَاةَ قَصْرٍ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْجُزُولِيُّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُؤَثَّمٌ فِي هَذَا كُلِّهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْجُزُولِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي زَكَاةِ الْخُلَطَاءِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَهُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَنَصُّهُ: وَمِنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» . ثُمَّ قَالَ: اُخْتُلِفَ فِي الْحَدِيثِ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ بَاعَ إبِلًا بَعْدَ الْحَوْلِ بِذَهَبٍ فِرَارًا أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ الذَّهَبِ فَعَلَى هَذَا مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَلَوْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَجَّ وَعَلِمَ ذَلِكَ أَوْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ إرَادَةً لِسُقُوطِ الصَّوْمِ عَنْهُ الْآنَ أَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الْحَضَرِ عَنْ وَقْتِهَا لِيُصَلِّيَهَا فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَخَّرَتْ امْرَأَةٌ صَلَاةً بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا رَجَاءَ أَنْ تَحِيضَ فَحَاضَتْ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى هَذَا فِي السَّفَرِ صِيَامٌ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا وَلَا عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْخَلْطَةِ وَقَبِلَهُ إلَّا أَنَّهُ نَاقَشَهُ فِي احْتِجَاجِهِ عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ: مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ وَرِوَايَةُ ابْنِ شَعْبَانَ مَنْ بَاعَ إبِلًا بَعْدَ الْحَوْلِ بِذَهَبٍ فِرَارًا زَكَّى زَكَاةَ الْعَيْنِ عَلَى النَّدْبِ ثُمَّ قَالَ: وَاحْتِجَاجُ اللَّخْمِيُّ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ بِأَنَّ مَنْ قَصَدَ سُقُوطَ الْحَجِّ عَنْهُ بِصَدَقَتِهِ مَا يَنْفِي اسْتِطَاعَتَهُ أَوْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ لِسُقُوطِ صَوْمِهِ أَوْ أَخَّرَ صَلَاةً لِيُصَلِّيَهَا فِي سَفَرِهِ قَصْرًا أَوْ امْرَأَةٌ لِتَحِيضَ فَتُسْقِطُ لَمْ يُعَامَلُوا بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِمْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ لِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَبِأَنَّ السَّفَرَ وَالتَّأْخِيرَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا وَالتَّفْرِيقُ وَالِاجْتِمَاعُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا وَتَعْبِيرُهُ بِالنَّدْبِ دُونَ الْكَرَاهَةِ مُتَعَقَّبٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالنَّدْبِ دُونَ الْكَرَاهَةِ مُتَعَقَّبٌ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ قَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ الْأُصُولِ الْمُعَامَلَةُ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ الْفَاسِدِ وَخَالَفُوا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْمُتَصَدِّقِ بِكُلِّ الْمَالِ لِإِسْقَاطِ فَرْضِ الْحَجِّ وَمُنْشِئِ السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ لِلْإِفْطَارِ وَمُؤَخِّرِ الصَّلَاةِ إلَى السَّفَرِ لِلتَّقْصِيرِ أَوْ إلَى الْحَيْضِ لِلسُّقُوطِ، انْتَهَى. فَمَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنَّ مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ مِنْ السَّفَرِ إلَّا الْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُبَاحًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّهُ مَأْثُومٌ فِي هَذَا كُلِّهِ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ وَصَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِمَالِهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَائِضِ أَنَّهَا عَاصِيَةٌ وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فَالْفِطْرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْحَرَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجُزُولِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ) ش ذَكَرَ لِجَوَازِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ شُرُوعُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ نَوَى الصِّيَامَ فِيهِ أَيْ فِي السَّفَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَلَا أَنْ يُبَيِّتَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ قَبْلَ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِالسَّفَرِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمُبِيحُ تَبْيِيتِ الْفِطْرِ الِاتِّصَافُ بِهِ لَا يُبَيِّتُ أَبُو عُمَرَ اتِّفَاقًا انْتَهَى وَفِي النَّوَادِرِ وَمَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ فِي صِيَامِ يَوْمٍ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ انْتَهَى وَيَأْتِي فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّتْ وَإِنْ شَرَعَ فِي السَّفَرِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبَيَاتُ وَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ لَمْ يُبَيِّتْ فَإِذَا بَيَّتَهُ ثُمَّ سَافَرَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ أَوْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْأَصَحُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَقِيلَ: يَجُوزُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهَا وَإِنْ شَرَعَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَبْيِيتُ الْفِطْرِ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ فَإِنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْفِطْرُ؟ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا قَضَى) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ بَلْ عَزَمَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّتَ الصَّوْمَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصَّوْمَ وَأَصْبَحَ مُفْطِرًا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ سَوَاءٌ سَافَرَ أَمْ لَا، انْتَهَى. وَإِنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ ثُمَّ أَفْطَرَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ أَوْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَكَذَلِكَ إذَا نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَوْ تَطَوُّعًا وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا تَطَوُّعًا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ تَطَوُّعًا ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الصُّوَرِ كُلِّهَا الْمَفْهُومَةِ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ وَأَصْبَحَ صَائِمًا وَعَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَأَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَكَذَا لَوْ بَيَّتَ الْفِطْرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ مَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ أَعْنِي فِيمَا إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ وَسَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفْطَرَ بَعْدَ سَفَرِهِ فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ وَهُوَ يُرِيدُ السَّفَرَ ثُمَّ أَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا وَلَا بِسُقُوطِهَا وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهُوَ مَا إذَا بَيَّتَ الْفِطْرَ فِي الْحَضَرِ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَتَعَيَّنُ إخْرَاجُهَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلْيُكَفِّرْ مَعَ الْقَضَاءِ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ كِنَانَةَ: لَا يُكَفِّرُ وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ تَأَوَّلَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ دُخُولِهِ إلَى أَهْلِهِ نَهَارًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ مَالِكٌ كَانَ فِطْرُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ أَشْهَبُ وَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي مِثْلِ هَذَا انْتَهَى وَإِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ص (كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ دَخَلَ الْقَرْيَةَ فَأَفْطَرَ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَصْبَحَ فِي الْحَضَرِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا فَلَا يُفْطِرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ كِنَانَةَ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ قَبْلَ سَفَرِهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمُ وُجُوبِهَا وَثَالِثُهَا تَجِبُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ وَرَابِعُهَا تَجِبُ إنْ لَمْ يُتِمَّ سَفَرَهُ وَلَمْ يُرَجِّحُوا قَوْلًا مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ عَزَى

الْأَوَّلَ فِي التَّوْضِيحِ لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَسَحْنُونٍ وَالثَّانِيَ لِأَشْهَبَ وَالثَّالِثَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَالرَّابِعَ لِسَحْنُونٍ أَيْضًا وَأَشْهَبَ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ عِيسَى بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ: وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ تَكْفِيرٌ لِلذَّنْبِ وَمَنْ تَأَوَّلَ لَمْ يُذْنِبْ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُجَاوِزٌ عَنْ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِهِ بِرُمَّتِهِ فِي رَسْمٍ سَلَفَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصْبَحَ فِي الْحَضْرَةِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَتَأَوَّلَ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ فَأَكَلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَسَافَرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءَ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ سَافَرَ أَوْ لَمْ يُسَافِرْ وَالثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَافَرَ أَوْ لَمْ يُسَافِرْ وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُسَافِرَ أَوْ لَا يُسَافِرُ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ إنْ أَكَلَ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ كَفَّرَ سَافَرَ أَمْ لَمْ يُسَافِرْ وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ كَفَّرَ إنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِحَالٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِرُمَّتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا فَحَبَسَهُ مَطَرٌ فَأَفْطَرَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ كَلَامِهِ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ وَأَمَّا إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَظَاهِرُهَا سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُتَأَوِّلًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعِنْدِي أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَحُرِّمَ فِطْرُهُ إنْ خَرَجَ نَهَارًا أَوْ نَوَاهُ بِسَفَرٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي إنْ تَأَوَّلَ وَإِلَّا فَمَشْهُورُهَا يُكَفِّرُ فِي الثَّانِي فَقَطْ وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَأَوِّلِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْعُتْبِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ اعْتَرَضَهُ التُّونُسِيُّ يَعْنِي نَصَّ الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَكَرَ لَفْظَهَا الْمُتَقَدِّمَ وَأَمَّا إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي الْحَضَرِ وَسَافَرَ ثُمَّ أَفْطَرَ بَعْدَ سَفَرِهِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ وَظَاهِرُهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّامِلِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ سَفَرِهِ فَإِنْ تَأَوَّلَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فَقَوْلَانِ وَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ إنْ تَأَوَّلَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فَحَكَى فِيهِ الْخِلَافَ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي مَسْأَلَةَ مَا إذَا نَوَى فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ وَمَسْأَلَةَ مَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَالَ فِيهِمَا فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَرَابِعُهَا الْعَكْسُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَظَاهِرُهَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِالْتِزَامِهِ الصَّوْمَ وَفِطْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَالْمَشْهُورُ تَجِبُ فِيمَا إذَا نَوَى فِي السَّفَرِ دُونَ مَا إذَا صَامَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ؛ لِأَنَّ طُرُوُّ السَّفَرِ مُبِيحٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُبِيحٌ وَعَكْسُ الْمَشْهُورِ لِلْمَخْزُومِيِّ وَابْنِ كِنَانَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الصَّوْمِ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حِينَ الْإِنْشَاءِ إلَّا الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ صَائِمًا فَإِنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْفِطْرِ ابْتِدَاءً، انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَتَيْ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ حُكْمِ مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ وَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ فِي الْحَضَرِ فَسَكَتَ عَنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَقْوَى؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ لِمَالِكٍ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَحْرَوِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَأَحْرَى إذَا أَفْطَرَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى أَهْلِهِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْأَضْعَفَ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ أَشْهَبُ

بِالْأَقْوَى الَّذِي يُوَافِقُ عَلَيْهِ وَاسْتَوَى مَعَ ذَلِكَ ذِكْرُ الْفَرْعَيْنِ الْمَنْصُوصَيْنِ فَلِهَذَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذِكْرِ الْأَحْرَوِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَسَائِلَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ خَمْسُ مَسَائِلَ، الْأُولَى: إذَا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يُسَافِرْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ فَإِذَا بَيَّتَ الْإِفْطَارَ فَصَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. الثَّانِيَةُ: إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: لَا يُفْطِرُ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِهِ اتِّفَاقًا فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ ذَلِكَ فِي الْعَامِدِ أَوْ الْمُتَأَوِّلِ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى الْأَرْبَعَةَ الْأَقْوَالَ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُتَأَوِّلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سُقُوطَ الْكَفَّارَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعَامِدَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِطَرِيقِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَ ابْنِ رُشْدٍ. الثَّالِثَةُ: إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ أَمْ لَا؟ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ: يُكْرَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ حَكَاهَا الْبَاجِيُّ وَنَقَلَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. الرَّابِعَةُ: إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ مُبَيِّنٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ تَأَوَّلَ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي مِثْلُ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ وَبَيْنَ مَنْ بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ أَنَّ طُرُوُّ السَّفَرِ عُذْرٌ مُبِيحٌ طَرَأَ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الَّذِي بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُبِيحٌ وَأَنَّ الْمَخْزُومِيَّ عَكَسَ ذَلِكَ فَقَالَ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ الْعَمْدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ دُونَ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ حُرْمَةَ الصَّوْمِ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَهُ فِي الْحَضَرِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حِينَ الْإِنْشَاءِ إلَّا الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْفِطْرِ حِينَ أَنْشَأَ الصَّوْمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ: مَنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَضَرَ فَأَفْطَرَ بَعْدَ دُخُولِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِمَرَضٍ خَافَ زِيَادَتَهُ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: إذَا كَانَ الصَّوْمُ يَضُرُّ بِهِ وَيَزِيدُهُ ضَعْفًا أَفْطَرَ وَيُقْبَلُ

قَوْلُ الطَّبِيبِ الْمَأْمُونِ أَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ وَيُفْطِرُ الزَّمِنُ إذَا أَضَرَّ بِهِ الصَّوْمُ وَكَذَا كُلُّ صَوْمٍ مُضِرٍّ يُبِيحُ الْفِطْرَ الْبُرْزُلِيُّ هِيَ تَتَخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ فَلَا خِلَافَ إذَا خَافَ الْمَوْتَ وَاخْتُلِفَ إذَا خَافَ مَا دُونَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ الْإِبَاحَةُ وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْمَرَضِ وَلَوْ قَلَّ يُبِيحُ الْفِطْرَ اُنْظُرْهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ فِي مَرِيضٍ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ لَقَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ الصَّلَاةَ قَائِمًا لَقَدَرَ إلَّا أَنَّهُ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ فَلْيُفْطِرْ وَيُصَلِّي جَالِسًا وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْت رَبِيعَةَ أَفْطَرَ فِي مَرَضٍ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَقُلْت يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ إنَّمَا ذَلِكَ بِقَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْمَرِيضَ إذَا خَافَ إنْ صَامَ يَوْمًا أَحْدَثَ عَلَيْهِ زِيَادَةً فِي عِلَّتِهِ أَوْ ضَرَرًا فِي بَصَرِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ ص (وَالْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ وَجَبَ فِي قَوْلِهِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ إذَا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ بِالْعَدَدِ أَيْ يَحْسُبُ عَدَدَ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِي أَفْطَرَهُ سَوَاءٌ ابْتَدَأَ فِي الْقَضَاءِ بِالْهِلَالِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ إنْ صَامَ بِالْهِلَالِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الشَّهْرَ سَوَاءٌ وَافَقَتْ أَيَّامُهُ عَدَدَ رَمَضَانَ الَّذِي أَفْطَرَهُ أَوْ كَانَ عَدَدُ الْقَضَاءِ أَنْقَصَ وَيَجِبُ تَكْمِيلُهُ إنْ كَانَتْ أَيَّامُ شَهْرِ الْقَضَاءِ أَكْثَرَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَغَيْرُهُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ رَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَصَامَ شَهْرًا فَكَانَ ثَلَاثِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَكْسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بِالِاحْتِيَاطِ وَالنَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى. ((قُلْتُ)) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلًا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ إكْمَالُ الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ إذَا كَانَ رَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْوَاجِبُ عَدَدُ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَضَى شَهْرًا لِلْهِلَالِ عَنْ آخَرَ فَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ عَدَدَ الْأَوَّلِ أَوْ كُلَّ الثَّانِي يُجْزِئُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَيُكَمِّلُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ قَوْلَانِ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّيْخِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ مَعَ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ قَائِلًا هَذَا وَهْمٌ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَيْدِ إكْمَالِهِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ دُونَ إجْزَائِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ لَا أَعْرِفُهُ (تَنْبِيهٌ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى شَعْبَانَ وَيَحْرُمُ بَعْدَهُ وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ. نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لِبَقَاءِ قَدْرِهِ قَبْلَ تَالِيهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَإِنْ صَحَّ بَعْدَ رَمَضَانَ قَدْرَ زَمَانِ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ وَاتَّصَلَ ذَلِكَ إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ شَعْبَانَ مُطْلَقًا وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ الِاتِّفَاقَ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِ عَائِشَةَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا فِي شَعْبَانَ لِلشُّغْلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ خِلَافًا لِلدَّاوُدِيِّ فِي إيجَابِهِ مِنْ ثَانِي شَوَّالٍ وَأَنَّهُ آثِمٌ مَتَى لَمْ يُتِمَّهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ فَوَقْتُهُ مُوَسَّعٌ مُقَيَّدٌ بِبَقِيَّةِ السَّنَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ آخَرُ لَكِنَّ الِاسْتِحْبَابَ الْمُبَادَرَةُ، انْتَهَى. ص (بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ

غَيْرِ رَمَضَانَ) ش يَعْنِي أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ هُوَ كُلُّ زَمَانٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ غَيْرِ رَمَضَانَ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أُبِيحَ صَوْمُهُ مَا حَرُمَ صَوْمُهُ كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالْيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَمَا كُرِهَ صَوْمُهُ كَالْيَوْمِ الرَّابِعِ قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ وَقَعَ فِي يَوْمِ عِيدٍ لَمْ يُجْزِئْ كَالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَثَالِثُهَا يُجْزِئُ الثَّالِثُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَصَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِتَشْهِيرِ مَا شَهَّرَهُ فِي الشَّامِلِ وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِتَصْحِيحِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أُبِيحَ صَوْمُهُ أَيْضًا مَا وَجَبَ صَوْمُهُ كَرَمَضَانَ لِلْحَاضِرِ فَإِنَّ صَوْمَهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ بَلْ وَاجِبٌ فَلَوْ صَامَهُ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ الْمَاضِي لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ كُلِّهِمْ وَوَجْهُهُ أَنَّ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ فَلَا يُجْزِي عَنْ الْقَضَاءِ وَأَمَّا عَدَمُ إجْزَائِهِ عَنْ الْأَدَاءِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُجْزِهِ وَقِيلَ: يُجْزِي عَنْ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَقِيلَ: يُجْزِي عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْآخَرِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ رَمَضَانَ خَرَجَ بِهِ رَمَضَانُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا قُلْنَا لَا يُجْزِئُ رَمَضَانُ فِي الْحَضَرِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُكَفِّرُ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْ الْكُلِّ يَوْمًا وَيُكَفِّرُ عَنْ الثَّانِي كَفَّارَةَ الْعَمْدِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَامَهُ وَلَمْ يُفْطِرْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي الشَّامِلِ (الثَّانِي) خَرَجَ بِقَوْلِهِ أُبِيحَ صَوْمُهُ أَيْضًا مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَقْضِي فِيهِ رَمَضَانَ فَإِنْ قَضَى فَحُكْمُهُ حُكْمُ رَمَضَانَ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ أُبِيحَ صَوْمُهُ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِهِ الْمُبَاحَ الشَّرْعِيَّ الْمُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَلَيْسَ فِي السَّنَةِ يَوْمٌ أُبِيحَ صَوْمُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بِالصَّوْمِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ بِالْمُبَاحِ الْجَائِزَ الشَّامِلَ لِلْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ دَخَلَ فِيهِ رَابِعُ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أُبِيحَ صَوْمُهُ أَنَّ الزَّمَانَ مَنْ يُبَاحُ فِيهِ الصَّوْمُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُبَاحٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُكَلَّفِ قُلْنَا فِي هَذَا الْفَرْقِ نَظَرٌ وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ الْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ الَّتِي نَدَبَ الشَّرْعُ إلَى صِيَامِهَا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِزَمَنٍ لَمْ يُمْنَعْ فِيهِ مِنْ التَّطَوُّعِ لَصَحَّ كَلَامُهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ غَيْرُ رَمَضَانَ وَالْمَنْعُ يَشْمَلُ الْمُحَرَّمَ وَالْمَكْرُوهَ (الرَّابِعُ) مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ ثُمَّ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ صَوْمُ ظِهَارٍ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ مَا لَزِمَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نَقَلَهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ مَعَ كَلَامِ النَّوَادِرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رَمَضَانُ فَقَطْ (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ مَنْ دَامَ مَرَضُهُ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى انْقَضَى آخَرُ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَيُجْزِئُ الْعَكْسُ، انْتَهَى. (السَّادِسُ) أَيَّامُ رَمَضَانَ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَنْوِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ الْقَضَاءِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَيَّامِ الْفَائِتَةِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا الْآنَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَقَالَ سَنَدٌ فِي فَصْلِ السَّهْوِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: وَأَمَّا أَيَّامُ رَمَضَانَ فَلَيْسَ التَّرْتِيبُ فِيهَا بِمَقْصُودٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّعْيِينِ، انْتَهَى. ص (وَتَمَامُهُ إنْ ذَكَرَ قَضَاءَهُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا قَالَ ابْنُ قَدَّاحٍ مَسْأَلَةَ

مَنْ تَلَبَّسَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فَهَلْ يَقْطَعُ أَمْ لَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى نَافِلَتِهِ وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فَإِنْ كَانَ عَقَدَ رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى وَسَلَّمَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً قَطَعَ، انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا مَا قَالَهُ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَ مِنْ بَابِ الْهَدْيِ مِنْ الْحَجِّ الثَّانِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ عَمَّا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ عَامِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مَا أَحْرَمَ بِهِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَوَّلُ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ خِلَافٌ) ش: شَهَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ عَنْ وَجِيزِ ابْنِ غَلَّابٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ وُجُوبُ قَضَاءِ الْقَضَاءِ ص (وَإِطْعَامُ مُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لِمِثْلِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَلَوْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لِمِثْلِهِ أَوْ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثَالِثٌ أَوْ أَكْثَرُ أَطْعَمَ مُدًّا مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، انْتَهَى. فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ لَدَخَلَ هَذَا الْفَرْعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ قَبْلَ قَضَاءِ رَمَضَانَ قَبْلَهُ نِسْيَانًا هَلْ يُعْطِي كَفَّارَةَ التَّفْرِيطِ؟ فَأَجَابَ النَّاسِي لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيّ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ الْإِطْعَامِ وَلَا يُعْذَرُ إلَّا بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ زَمَنِ تَعْيِينٍ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَصْرِفُهَا مِسْكِينٌ وَاحِدٌ وَفِيهَا لَا يُجْزِئُهُ أَمْدَادٌ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ ((قُلْتُ)) يُرِيدُ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ فِدْيَةَ أَيَّامِ رَمَضَانَ الْوَاحِدِ كَأَمْدَادِ الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ وَالرَّمَضَانَانِ كَالْيَمِينَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالظَّاهِرُ عَلَى مَذْهَبِنَا جَوَازُ إعْطَاءِ الْمِسْكَيْنِ مُدَّيْنِ مِنْ عَامَيْنِ أَوْ مُدَّيْنِ مُتَغَايِرَيْ النِّسْبَةِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُمَا يَوْمًا وَاحِدًا كَالْحَامِلِ مَثَلًا إذَا أَفْطَرَتْ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ

تَقْضِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَكَالْمُفْطِرِ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَرَكَ قَضَاءَهُ إلَى أَنْ دَخَلَ رَمَضَانُ ثَانٍ آخَرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ يُقَالُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ. ص (وَمَنْذُورُهُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يَلْزَمُهُ يَوْمٌ وَيُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ قَالَ: الصِّيَامُ يَلْزَمُنِي وَلَا نِيَّةَ لَهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْوَاجِبِ مِنْ الصِّيَامِ ((قُلْتُ)) أَمَّا جَوَابُهُ فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَنَحْوُهُ لِابْنِ سَهْلٍ وَنَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ النُّذُورِ وَأَمَّا جَوَابُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ قَالَ النَّاذِرُ: الصِّيَامُ اللَّازِمُ وَالصَّوَابُ عِنْدِي فِي الصِّيَامِ يَلْزَمُنِي يَوْمٌ وَاحِدٌ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ وَلَا نِيَّةَ فَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِطْرُ نَاذِرِ الدَّهْرِ نِسْيَانًا أَوْ لِعُذْرٍ لَغْوٌ وَعَمْدًا فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَلُزُومُ كَفَّارَةِ التَّفْرِيطِ وَالِانْتِهَاكِ قَوْلَا سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ رِوَايَتِهِ فِيهِ وَفِي صَوْمِ مَنْ نَذْرِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ أَبَدًا لِظِهَارِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ نَحْوُهُ. ص (كَشَهْرٍ فَثَلَاثِينَ) ش: هَذَا مِثَالٌ لِمَا يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ فِيهِ الْأَكْثَرَ وَالْأَقَلَّ وَيَلْزَمُ الْأَكْثَرُ وَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا إذَا نَذَرَ نِصْفَ شَهْرٍ أَوْ ثُلُثَ شَهْرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ فِي النِّصْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي الثُّلُثِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ نَذَرَ نِصْفَ شَهْرٍ فَابْتَدَأَ فِيهِ بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا فَإِنَّهُ يُكْمِلُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْأَرْبَعَ عَشَرَ الَّتِي صَامَهَا نِصْفُ شَهْرٍ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ نِصْفَ الشَّهْرِ إمَّا خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَكْمِيلُهُ وَوَجْهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ النَّاذِرَ لَمَّا نَذَرَ نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْسَ هُوَ طَاعَةٌ لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَانْظُرْ هَلْ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا نَذَرَ نِصْفَ عِبَادَةٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ نِصْفَ رَكْعَةٍ أَوْ نِصْفَ حَجٍّ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافًا فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْزَمُهُ يَوْمُهَا وَقِيلَ:

لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، انْتَهَى. ص (وَابْتَدَأَ سَنَةً) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذْرِ صَوْمَ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ صَوْمَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْدَأَ صَوْمَ السَّنَةِ عِنْدَ حِنْثِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَا صَامَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِالْأَهِلَّةِ اُحْتُسِبَ بِهِ وَمَا أَفْطَرَ فِيهِ مِنْ الشُّهُورِ فَإِنَّهُ يُكَمِّلُهُ ثَلَاثِينَ نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ ص (وَقَضَى مَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي سَنَةٍ) ش: أَيْ مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ النَّذْرِ إمَّا لِكَوْنِهِ يَجِبُ فِيهِ الْفِطْرُ كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ أَوْ يُكْرَهُ كَالْيَوْمِ الرَّابِعِ أَوْ كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُصَامَ ص (وَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ) ش: أَيْ قَضَاءُ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ رَمَضَانُ وَيَوْمُ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالْيَوْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدَهُ وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ مَنْ نَذَرَ صَوْمَهُ سَنَةً بِعَيْنِهَا وَقَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا يَوْمًا سَمَّتْهُ مِنْ الْجُمُعَةِ مَا عَاشَتْ ثُمَّ نَذَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صِيَامَ سَنَةٍ لِأَمْرٍ شَكَّتْ فِيهِ أَتَرَى عَلَيْهَا قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَتْ نَذَرَتْهُ قَبْلَ نَذْرِ السَّنَةِ إذَا هِيَ قَضَتْ السَّنَةَ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهَا قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّ السَّنَةَ الَّتِي نَذَرَتْ بِعَيْنِهَا فَلَا تَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي صَامَتْهُ بِالنَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ رَمَضَانَ الَّتِي صَامَتْهُ لِفَرْضِهَا وَمِثْلُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تَقْضِي رَمَضَانَ وَلَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا أَيَّامَ الذَّبْحِ وَقَالَ فِيهَا: إنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ ذِي الْحِجَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ أَيَّامَ الذَّبْحِ فَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا يَدْخُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَامَهُ وَحَكَى عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ الْأَبْهَرِيِّ فَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ الْخِلَافُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَكُونُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي صَامَتْهُ لِنَذْرِهَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا صَامَتْهُ لِنَذْرِهَا أَوْ لِفَرْضِهَا وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ السَّنَةُ الَّتِي نَذَرَتْ لِأَمْرٍ شَكَّتْ فِيهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ سَنَةً كَامِلَةً سِوَى أَيَّامِ نَذْرِهَا وَأَيَّامِ صَوْمِهَا لِفَرْضِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَبِيحَةُ الْقُدُومِ فِي يَوْمِ قُدُومِهِ إنْ قَدِمَ لَيْلَةَ غَيْرِ عِيدٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ لَيْلًا صَامَ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا وَبَيَّتَ النَّاذِرُ الْفِطْرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِهِ أَبَدًا فَقَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صَامَ كُلَّ اثْنَيْنِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ

غَدٍ فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمُ الْأَضْحَى وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَمْ لَا فَلَا يَصُومُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ. أَبُو الْحَسَنِ. هَذَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ ذِي الْحِجَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ الْأَضْحَى أَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. الشَّيْخُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمُ الْأَضْحَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ صِيَامًا يُثَابُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ نَسِيَ نَاذِرٌ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ يَوْمَ قُدُومِهِ صَامَ آخِرَ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ يَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ يُرِيدُ وَنَذَرَهُ أَبَدًا وَلِذَا قَالَ: يَصُومُ آخِرَ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ يُرِيدُ أَبَدًا وَلَوْ نَذَرَهُ لَا أَبَدًا قَضَاهُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ مُطْلَقًا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَدِمَ لَيْلًا أَيْ يَوْمَ شَاءَ اتِّفَاقًا. ((قُلْتُ)) يَنْقُضُ الِاتِّفَاقَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي النَّوَادِرِ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَنَسِيَ يَوْمَ قُدُومِهِ صَامَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. وَاَلَّتِي قَبْلَهَا هِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ نَسِيَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَقَالَ الشَّيْخُ عَنْ سَحْنُونٍ: يَصُومُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ وَقَالَ أَيْضًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَالَ: الْجُمُعَةَ كُلَّهَا قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ أَبَدًا صَامَ الْأَبَدَ، انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ صَوْمُ الْجُمُعَةِ كُلِّهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ ص (وَصِيَامُ الْجُمُعَةِ إنْ نَسِيَ الْيَوْمَ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش: وَالْمُرَادُ الْجُمُعَةُ كُلُّهَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ (فَرْعٌ) فَإِنْ صَامَ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي نَذَرَهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا ثُمَّ نَسِيَ أَيَّ يَوْمٍ كَانَ مِنْ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْفَوَائِتِ: يُجْزِئُهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ يَنْوِي بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يَوْمٌ بِعَيْنِهِ فَنَوَاهُ لِقَضَائِهِ ثُمَّ انْكَشَفَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَابِعُ النَّحْرِ لِنَاذِرٍ وَإِنْ تَعْيِينًا لَا سَابِقَيْهِ إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ) ش: قَالَ الشَّبِيبِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَجِدُ هَدْيًا أَوْ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَيُمْنَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَيُكْرَهُ صَوْمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا لِمَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ أَوْ نَذَرَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَفِي صِيَامِ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ وَشَبَهِهِ قَوْلَانِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَفِي صِيَامِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ إلَّا لِمَنْ نَذَرَهُ أَوْ كَانَ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَقِيلَ بِإِبَاحَتِهِ وَقِيلَ بِتَحْرِيمِهِ، انْتَهَى. ص (وَلَيْسَ لِامْرَأَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجٌ تَطَوُّعٌ بِلَا إذْنٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ غَيْرَ التَّطَوُّعِ لَا تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِئْذَانِهِ وَلَيْسَ

باب الاعتكاف

كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَا أَوْجَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ فِدْيَةٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي الْحَرَمِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَحُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْأَمَةِ الَّتِي لِلْوَطْءِ كَالزَّوْجَةِ وَأَمَّا الْخَادِمُ الَّتِي لِلْخِدْمَةِ وَالْعَبْدُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا اسْتِئْذَانُ السَّيِّدِ إذَا لَمْ يَضُرَّ الصَّوْمُ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ قَالَهُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: وَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْإِذْنِ وَإِنْ صَامُوا بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَهُمْ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيّ: مَنْ صَامَ مِنْهُنَّ وَلَوْ دُونَ إذْنٍ لَمْ يَجُزْ فِطْرُهُ وَانْظُرْ هَلْ لِلزَّوْجِ إفْطَارُهُنَّ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَهُنَّ وَلِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا وَإِذَا عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَلَا تَتَطَوَّعُ بِالصَّوْمِ وَلَهُ أَنْ يُفْطِرَهَا إنْ شَاءَ، انْتَهَى. فَانْظُرْهُ (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْجَامِعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ قَالَ أَصْبَغُ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ أَيُفْطِرُهَا فِي صِيَامِهَا الَّذِي تَصُومُهُ مَعَ أَهْلِ دِينِهَا قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُكْرِهَهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَهْلُ دِينِهَا وَمِلَّتِهَا يَعْنِي شَرَائِعَهَا وَلَا عَلَى أَكْلِ مَا يَجْتَنِبُونَ فِي صِيَامِهِمْ أَوْ يَجْتَنِبُونَ أَكْلَهُ رَأْسًا لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا عَلَيْهِ مَنْعُهَا إيَّاهُ كُرْهًا وَلَا لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] وَقَرَأَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] . حَتَّى بَلَغَ {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِمَّا تَتَشَرَّعُ بِهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالذَّهَابِ إلَى الْكَنِيسَةِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَهُ مَنْعُهُمَا مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ دِينِهَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْكَنِيسَةِ إلَّا فِي الْفَرْضِ. [بَابٌ الِاعْتِكَافُ] ص (بَابٌ الِاعْتِكَافُ نَافِلَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الِاعْتِكَافُ لُزُومُ مَسْجِدٍ مُبَاحٍ لِقُرْبَةٍ نَاجِزَةٍ بِصَوْمٍ مَعْزُومٍ عَلَى دَوَامِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً سِوَى وَقْتِ خُرُوجِهِ لِجُمُعَةٍ أَوْ بِمُعَيَّنِهِ الْمَمْنُوعِ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ نَافِلَةٌ أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الِاعْتِكَافُ قُرْبَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمْ يُبَيِّنْ مَا رُتْبَتُهُ فِي الْقُرَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ إذْ لَوْ كَانَ سُنَّةً لَمْ يُوَاظِبْ السَّلَفُ عَلَى تَرْكِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَاضِي هُوَ قُرْبَةٌ كَالشَّيْخِ نَفْلُ خَيْرٍ الْكَافِي فِي رَمَضَانَ سُنَّةٌ وَفِي غَيْرِهِ جَائِزٌ. الْعَارِضَةِ: سُنَّةٌ لَا يُقَالُ فِيهِ مُبَاحٌ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِهِمْ جَائِزٌ جَهْلٌ ابْنُ عَبْدُوسٍ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ مَا رَأَيْت صَحَابِيًّا اعْتَكَفَ وَقَدْ اعْتَكَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قُبِضَ وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ اتِّبَاعًا فَلَمْ أَزَلْ أُفَكِّرُ حَتَّى أَخَذَ بِنَفْسِي أَنَّهُ لِشِدَّتِهِ نَهَارُهُ وَلَيْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ كَالْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ وِصَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْهُ كَرَاهِيَةَ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ التَّشَبُّهُ بِالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعِبَادَةِ وَحَبْسِ النَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَصِحَّتُهُ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ مَنَعَ مَرَضٌ صَوْمَهُ فَقَطْ فَفِي بَقَائِهِ بِمُعْتَكَفِهِ وَخُرُوجِهِ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلَا الْقَاضِي مَعَ تَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِهَا إنْ صَحَّ أَوْ طَهُرَتْ، وَرِوَايَةُ الْمَجْمُوعَةِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ لِطُرُوِّ حَيْضٍ أَوْ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ، انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيُخْتَلَفُ فِي اعْتِكَافِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ كَالرَّجُلِ الضَّعِيفِ الْبِنْيَةِ وَالْمُسْتَعْطِشِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَكِفِ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ سِوَى الصَّوْمِ أَوْ يَمْرَضُ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْمَقَامِ فَيَخْرُجُ ثُمَّ يَصِحُّ فِي بَعْضِ يَوْمٍ وَكَذَا الْحَائِضُ تَطْهُرُ فِي بَعْضِ يَوْمٍ هَلْ يَرْجِعَانِ حِينَئِذٍ وَمَنْ مَضَى لَهُ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ اعْتِكَافِهِ فَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ فِي مُعْتَكَفِهِ وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ

فرع الاعتكاف داخل الكعبة

لَا يَعُودُ وَلَا يَكُونُ فِي مُعْتَكَفِهِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ الصَّوْمُ فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا مَرِضَ فَأَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى اعْتِكَافِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ الضَّعْفِ فَيُفْطِرُ فَقَالَ: يَعْتَكِفُ وَهُوَ مُفْطِرٌ لَيْسَ هَذَا اعْتِكَافًا وَلَكِنْ يَخْرُجُ ثُمَّ يَقْضِي وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَخْرُجُ إلَّا لِمَرَضٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْمَقَامَ وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ يَوْمٍ رَجَعَا حِينَئِذٍ. فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُهُ فَقَالَ فِيمَنْ أَتَى عَلَيْهِ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ اعْتِكَافِهِ بَقِيَّةٌ هَلْ يَخْرُجُ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُفْطِرٌ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي مُعْتَكَفِهِ عَلَى اعْتِكَافِهِ؟ وَهَذَا كُلُّهُ أَصْلٌ وَاحِدٌ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَعُودُ الْمَرِيضُ وَلَا الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَيَكُونُ الْآخَرُ يَوْمَ الْعِيدِ فِي بَيْتِهِ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ يَعُودَانِ فِي بَعْضٍ وَيَكُونَانِ عَلَى اعْتِكَافِهِمَا وَهُمَا مُفْطِرَانِ لَا يَخْرُجُ الْمَرِيضُ إذَا غَلَبَ عَلَى الصَّوْمِ وَلَا يَخْرُجُ الْآخَرُ يَوْمَ الْعِيدِ وَهَذَا أَصْوَبُهُمَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إذَا أَصْبَحَ» ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَلِقَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ صَوْمٍ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الْأَخِيرَةَ يَعْتَكِفُهَا وَلَا يَصُومُ صَبِيحَتَهَا وَلِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي الْحَائِضِ إذَا خَرَجَتْ لَا تَتَصَرَّفُ وَهِيَ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَكَذَا أَرَى أَنْ لَا يُمْنَعَ مَنْ كَانَ صَحِيحًا عَاجِزًا عَنْ الصَّوْمِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى ذَلِكَ اعْتَمَدَ فِي الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ: كَأَنْ مُنِعَ مِنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ عِيدٍ. ص (وَلَوْ نَذْرًا) ش: أَيْ الِاعْتِكَافُ كَمَا قَالَ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا وَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي الصَّغِيرِ: وَلَوْ نَذَرَ أَيْ الصَّوْمَ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يَكْفِي فِيهِ مُطْلَقُ الصَّوْمِ فَلَا يَصِحُّ فِي رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَسْجِدٍ) ش: أَيْ فِي صِحَّتِهِ بِمُطْلَقِ مَسْجِدٍ أَيْ مَسْجِدٍ مُبَاحٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ لِرَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ خِلَافَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، انْتَهَى. مِنْ رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ [فَرْعٌ الِاعْتِكَافُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا الْمَسْجِدَ. وَلِجَوَازِ النَّافِلَةِ فِيهَا وَلَا يَضُرُّ أَنْ يَرْقَى إلَيْهَا بِدَرَجٍ كَالْمَسْجِدِ يُرْقَى إلَيْهِ كَذَلِكَ وَهُوَ جَائِزٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْتِ تَحْجِيرًا خَاصًّا وَهُوَ غَلْقُهَا فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْفَرْضِ فِيهَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَقَاصِيرِ الْمُعَدَّةِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَكَذَا عِنْدِي يَجْرِي الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا أَيْ عَلَى الْكَعْبَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْفَرْضِ وَعَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا وَمِنْ هَذَا النَّظَرِ بَيْتُ الْقَنَادِيلِ وَالصَّوْمَعَةِ وَظَهْرُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَفِي الِاعْتِكَافِ فِي بَعْضِهَا خِلَافٌ وَكَذَلِكَ صُعُودُ الْمَنَارِ وَالسَّطْحِ وَاخْتُلِفَ فِي الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْشِي لِمُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَكَذَا مَنْ فِي الْكَعْبَةِ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَالصَّلَاةِ خَارِجَهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ الْفَرْضَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْمَسْجِدَ وَهُوَ ابْنُ لُبَابَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْكَعْبَةِ بِالْإِطْلَاقِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ خُصُوصِيَّةً فِي الِاعْتِكَافِ لِذِكْرِهِ فِيهِ ص (وَتَجِبُ بِهِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الِاعْتِكَافِ أَيْ لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ وَنَوَى اعْتِكَافًا تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ زَمَنِهِ بِالْجَامِعِ، انْتَهَى. فَتَقْدِيرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي وَأَنَّ مَجْرُورَهَا عَائِدٌ لِلِاعْتِكَافِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِهِ أَيْ تَجِبُ فِي زَمَنِ اعْتِكَافِهِ. ص (وَإِلَّا خَرَجَ وَبَطَلَ) ش: اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ هَلْ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِعِصْيَانِهِ أَوْ لَا يَبْطُلُ؟

غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ آثِمٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ) ش: أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَتِهِمَا أَوْ عِيَادَةِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مَرَضَ الْأَبَوَيْنِ لَا يَخْرُجُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِعِيَادَةِ أَبَوَيْهِ إذَا مَرِضَا وَيَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ وَرَأَى ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِبِرِّهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: أَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِإِبْرَارِهِمَا وَوُجُوبِهِ بِالشَّرْعِ فَوْقَ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الِاعْتِكَافِ وَلَا مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي لَا انْفِكَاكَ لِأَحَدٍ عَنْهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخُرُوجُ لِعَارِضٍ هُوَ كَالْخُرُوجِ لِتَخْلِيصِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْهَرَمِيِّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ وَيَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَنْ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَيْهِمَا مِنْ بِرِّهِمَا وَبِرُّهُمَا فَرْضٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ آكَدُ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَقْضِيهِ وَمَا فَاتَهُ مِنْ بِرِّ أَبَوَيْهِ لَا يَسْتَدْرِكُهُ وَلَا يَقْضِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَخْرُجُ لِمَرَضِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَيَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ وَبِرُّهُمَا يَفُوتُ، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ غَيْرِهِمَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ وَأَنَّهُ إنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ فَهَذَا يُقَيِّدُ إطْلَاقَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي كَعِيَادَةٍ وَجِنَازَةٍ. ص (وَلَا جِنَازَتِهِمَا مَعًا) ش: أَيْ فَلَا يَخْرُجُ لِجِنَازَةِ أَبَوَيْهِ إذَا مَاتَا مَعًا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَبِلَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ قَالَ الْبَاجِيُّ: إذَا كَانَا حَيَّيْنِ لَزِمَهُ طَلَبُ مَرْضَاتِهِمَا وَاجْتِنَابُ مَا يُسْخِطُهُمَا فَيَخْرُجُ لَهُمَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لِجِنَازَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ بِحُضُورِهِ فَيُرْضِيهِمَا وَلَا بِتَخَلُّفِهِ فَيُسْخِطُهُمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إذْ لَيْسَ فِي تَرْكِ شُهُودِ جِنَازَتِهِمَا عُقُوقٌ لَهُمَا، انْتَهَى. وَلَمْ يَرْتَضِ صَاحِبُ الطِّرَازِ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ يَعُودُهُمَا إذَا مَرِضَا وَيُصَلِّي عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَا وَلَعَلَّ مَالِكًا إنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِجِنَازَتِهِمَا فِي اعْتِكَافِهِ أَيْ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ إذَا خَرَجَ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي عِيَادَتِهِمَا وَيَكُونُ خُرُوجُهُ فِي الْعِيَادَةِ مُبْطِلًا لِعُكُوفِهِ إلَّا أَنَّهُ أَصْوَنُ لِقَضَاءِ حَقِّهِمَا وَكَذَلِكَ فِي الْجِنَازَةِ وَمَا يُعَلِّلُ بِهِ الْبَاجِيُّ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ تَخَلُّفَهُ عَنْهُ مِمَّا يُسْخِطُ الْآخَرَ وَلَا يَرْضَاهُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ كَذَلِكَ فَيَسُوءُهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَمَا أَلْزَمَهُ مِنْ خُرُوجِهِ لِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مُلْتَزَمٌ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ حَيٌّ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ لِمَا يَخْشَى مِنْ عُقُوقِ الْحَيِّ وَغَضَبِهِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِشَيْءٍ وَنَصُّهُ: وَفِي الْمُوَطَّإِ لَا يَخْرُجَ لِجِنَازَتِهِمَا ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عُقُوقٍ، انْتَهَى. . ص (وَكَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ) ش: قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ: قَوْلُهُ كَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ كَالْحَيْضِ وَالْوَطْءِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مَغْلُوبًا وَكَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ نَهَارًا مُتَعَمِّدًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا نَاسِيًا فَلْيَقْضِهِ وَاصِلًا بِاعْتِكَافِهِ فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا عَامِدًا أَوْ جَامَعَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَامَسَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَابْتَدَأَهُ فَأَوْجَبَ الِاسْتِئْنَافَ لِجَمِيعِهِ مَعَ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَمَّا كَانَتْ سُنَّتُهُ التَّتَابُعَ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي إذَا فَسَدَ جُزْؤُهَا فَسَدَتْ كُلُّهَا بِخِلَافِ نِسْيَانِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ وَجَبَ مَعَهُ الْقَضَاءُ مُتَّصِلًا بِآخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَرَضَ وَالْحَيْضَ الَّذِي لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ خِيرَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَسَطِ: يُرِيدُ كَالْحَيْضِ وَالْوَطْءِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مَغْلُوبًا وَكَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ نَهَارًا مُتَعَمِّدًا وَقَالَهُ كُلَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصَّغِيرِ: أَيْ فَيَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ لِبُطْلَانِ شَرْطِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَكَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ إذْ الصَّوْمُ شَرْطٌ وَمُبْطِلُ الشَّرْطِ مُبْطِلٌ لِلْمَشْرُوطِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ

لِلْأَقْفَهْسِيِّ. وَأَمَّا ابْنُ الْفُرَاتِ فَنَقَلَ بَعْضَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى حِلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُنَبِّهْ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الصَّوْمُ بِأَيِّ مُبْطِلٍ بَطَلَ الِاعْتِكَافُ وَكَلَامُ الشَّيْخِ بَهْرَامَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْبِسَاطِيِّ وَالْأَقْفَهْسِيِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ فَكَالْمُتَدَافَعِ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَقَطَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ وَأَصْلُهُ وَكَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ عَمْدًا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مَفْسَدَةٌ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ مَفْسَدَةٌ أَيْ عَمْدًا لَا سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ بِجَمِيعِهِ بِالْمُفْسِدِ عَمْدًا وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِغَيْرِهِ. وَالْبِنَاءُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّ مُفْسِدَ الِاعْتِكَافِ إذَا فُعِلَ عَلَى سَبِيلِ الْعَمْدِ مُبْطِلٌ لِجَمِيعِ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ سُنَّتُهُ التَّتَابُعَ تَنَزَّلَ بِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ فَلِذَلِكَ كُلِّهِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِفَسَادِ جُزْئِهِ. وَقَوْلُهُ وَبِغَيْرِهِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا بِأَنْ كَانَ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ مُتَّصِلًا بِآخِرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ بَلْ وَالْوَطْءَ سَهْوًا مِمَّا يَقْضِي فِيهِ وَيَبْنِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَامَعَ فِي لَيْلِهِ أَوْ نَهَارِهِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَامَسَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَابْتَدَأَهُ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فِي التَّطَوُّعِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهِ مَنْ أَكَلَ يَوْمًا مِنْ اعْتِكَافِهِ نَاسِيًا يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ فَعُمِّمَ وَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا يَقْضِي فِيهِ بِالنِّسْيَانِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ حَبِيبٍ عِيَاضٌ وَهُوَ أَصَحُّ. وَانْظُرْ عَلَى الْأَوَّلِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، انْتَهَى. وَفَرَّقَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ بِعَيْنِهَا فَمَرِضَ فِيهَا أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَقْضِي الِاعْتِكَافَ وَلَا تَقْضِي الصَّوْمَ قَالَ: لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ أَشْبَهَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِهِ بِالْمَسْجِدِ وَتَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجِبُ اتِّصَالُ أَيَّامِهِ وَابْتِدَاءُ كُلِّهِ بِإِفْسَادِ بَعْضِهِ عَمْدًا مُطْلَقًا وَنِسْيَانًا بِغَيْرِ فِطْرِ الْغِذَاءِ وَبِهِ يَقْضِي بَانِيًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ الْبَاجِيُّ أَوْ وَاجِبٍ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْلٍ فَفِي عَدَمِ قَضَائِهِ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ زَرْقُونٍ مَعَ ظَاهِرِهَا عِنْدَهُ وَابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَائِلًا بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ الصَّقَلِّيُّ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لَا قَضَاءَ خِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ وَيُحْتَمَلُ الْوِفَاقُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ سَهْوُ غَيْرِ الْأَكْلِ كَالْأَكْلِ وَهْمٌ وَمَا مَرِضَ فِيهِ مِنْ نَذْرٍ مُبْهَمٍ أَوْ رَمَضَانَ قَضَاهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فِي قَضَائِهِ ثَالِثُهَا إنْ مَرِضَ بَعْدَ دُخُولِهِ، انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْأَكْلِ أَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ وَلِهَذَا يَأْكُلُ الْمُعْتَكِفُ فِي غَيْرِ زَمَنِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ جَامَعَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ نَاسِيًا أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَامَسَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَابْتَدَأَهُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي إلْحَاقِ الْكَبَائِرِ بِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الصَّغَائِرَ لَا تُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الصَّغِيرَةُ مُبْطِلَةً لِلصَّوْمِ كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إذَا وَالَاهُ حَتَّى أَمْذَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْطِلَ اعْتِكَافَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ بَلْ دَاخِلٌ فِي مُبْطِلِ الصَّوْمِ ص (وَقُبْلَةٌ بِشَهْوَةٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ جَامَعَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ نَاسِيًا أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَامَسَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَابْتَدَأَهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ إنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا، انْتَهَى. وَلِهَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْقُبْلَةَ بِقَوْلِهِ بِشَهْوَةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ عِيَاضٌ

تَقْبِيلُهُ مُكْرَهًا لَغْوٌ إنْ لَمْ يَلْتَذَّ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ إنَّ وَطْءَ الْمُكْرَهَةِ كَالْمُخْتَارَةِ الصَّقَلِّيُّ وَالنَّائِمَةِ كَالْيَقْظَانَةِ وَالِاحْتِلَامُ لَغْوٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وُجُودُ اللَّذَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَشَرَطَ اللَّخْمِيُّ وُجُودَ اللَّذَّةِ وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَ الْمَغْرِبِيُّ قَوْلَهُمَا فَقَالَ: يُرِيدُ إذَا وَجَدَ اللَّذَّةَ أَوْ قَصَدَهَا، انْتَهَى. ص (وَأَتَمَّتْ مَا سَبَقَ مِنْهُ أَوْ عِدَّةً) ش يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اعْتَكَفَتْ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ فَإِنَّهَا تُتِمُّ اعْتِكَافَهَا وَلَا تَخْرُجُ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا إنْ سَبَقَ مُوجِبُ الْعِدَّةِ فَلَا تَعْتَكِفُ حَتَّى تُتِمَّ الْعِدَّةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَبَانَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا لَمْ تَخْرُجْ حَتَّى تُتِمَّ اعْتِكَافَهَا ثُمَّ تُتِمَّ بَاقِيَ عِدَّتِهَا فِي بَيْتِهَا. رَبِيعَةُ. وَإِنْ حَاضَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ اعْتِكَافُهَا خَرَجَتْ فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ لِتَمَامِ اعْتِكَافِهَا فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ الِاعْتِكَافَ فَلَا تَعْتَكِفُ حَتَّى تَحِلَّ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ فَخَرَجَتْ لِلْحَيْضِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِلْمَسْجِدِ إذَا طَهُرَتْ لِتُكْمِلَ اعْتِكَافَهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا سَبَقَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ الِاعْتِكَافَ أَوْ الْإِحْرَامَ لَمْ يَصِحَّ لَهَا أَنْ تَعْتَكِفَ وَلَا أَنْ تُحْرِمَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَزِمَتْهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُضَهَا، انْتَهَى. مِنْ رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ إثْرَهُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إذَا أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا نَفَذَتْ وَهِيَ عَاصِيَةٌ فَانْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي الْبَيَانِ لَا يَصِحُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَجُوزُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ فِي عِدَّتِهَا وَمَبِيتِهَا فِي بَيْتِهَا وَتَصُومُ ذَلِكَ الشَّهْرَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا لِلِاعْتِكَافِ ظَهَرَ لِي هَذَا أَوَّلًا ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَتَعْتَكِفَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ كَانَ لَازِمًا لَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَهِيَ كَمَنْ نَوَتْ الِاعْتِكَافَ وَدَخَلَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الِاعْتِكَافِ يُوجِبُ مَا نُوِيَ مِنْهُ وَالنَّذْرُ يُوجِبُ مَا نُذِرَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ فَالدُّخُولُ فِيهِ وَالنِّيَّةُ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، انْتَهَى. وَمَا ظَهَرَ لِي أَوَّلًا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ ص (وَإِنْ مَنَعَ عَبْدَهُ نَذْرًا فَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: يُرِيدُ إنْ كَانَ مَضْمُونًا وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمُعَيَّنَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ مَنَعَهُ الِاعْتِكَافَ فِيهَا، انْتَهَى. ((قُلْتُ)) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ مَنَعَهُ نَذْرًا فَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ مَضْمُونًا قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَنَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ نَذَرَ عَبْدٌ عُكُوفًا فَمَنَعَهُ سَيِّدُهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ أَعْتَقَ وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ إذَا نَذَرَ ذَلِكَ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ أَعْتَقَ يَوْمًا لَزِمَهُ مَا نَذَرَ مِنْ مَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ إنْ بَقِيَ مَالُهُ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُسْقِطَهُ عَنْهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الدَّيْنِ. ص (وَلَزِمَ يَوْمٌ إنْ نَذَرَ لَيْلَةً) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ لَزِمَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ فَأَمَّا إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَزِمَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَيَدْخُلُ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَتِهِ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَاعْتَكَفَ يَوْمَهُ لَمْ يُجْزِهِ ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَيَلْزَمُهُ يَوْمٌ تَامٌّ وَذَلِكَ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ وَأَمَّا إنْ نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَدَخَلَ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَأَجْزَأهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فَرْعٌ: فَإِنْ اعْتَكَفَ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ مِنْ قَبْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ هَلْ يُجْزِئُهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ فَقَالَ سَحْنُونٌ

لَا يُجْزِيهِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ نَحْوُ مَا ارْتَضَاهُ الْقَاضِي. ص (لَا بَعْضَ يَوْمٍ) ش: قَالَ سَنَدٌ لَوْ نَذَرَ عُكُوفَ بَعْضِ يَوْمٍ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ وَلَا يَكُونُ عُكُوفًا وَإِنَّمَا يَكُونُ جِوَارًا نَذَرَهُ بِلَفْظِ الْعُكُوفِ وَكَمَا يَلْزَمُ الْعُكُوفُ إذَا قَصَدَ مَعْنَاهُ وَنَذَرَهُ بِلَفْظِ الْجِوَارِ يَلْزَمُ الْجِوَارُ إذَا قَصَدَ مَعْنَاهُ وَنَذَرَهُ بِلَفْظِ الْعُكُوفِ، انْتَهَى. ص (كَمُطْلَقِ الْجِوَارِ) ش: قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْجِوَارُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا مِنْ الْمُجَاوَرَةِ مِثْلُ الِاعْتِكَافِ، انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُجَاوِرَ الْمَسْجِدَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عِدَّةَ أَيَّامٍ فَهَذَا نَذْرُ اعْتِكَافٍ بِلَفْظِ الْجِوَارِ فَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ قَوْلِهِ أَعْتَكِفُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أُجَاوِرُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَيَلْزَمُ فِي ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ فِي الِاعْتِكَافِ وَيُمْنَعُ فِيهِ مَا يَمْتَنِعُ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَاللَّفْظُ لَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُرَادُ لِمَعْنَاهُ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ اعْتِكَافًا وَلَا جِوَارًا إلَّا أَنَّهُ نَوَى مُلَازَمَةَ الْمَسْجِدِ لِلْعِبَارَةِ أَيَّامًا مُتَوَالِيَةً وَشَرَعَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سُنَّةُ الِاعْتِكَافِ ص (لَا النَّهَارُ فَقَطْ فَبِاللَّفْظِ) ش: قَالَ سَنَدٌ: أَمَّا الْجِوَارُ الَّذِي يَفْعَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ سُنَّةِ الِاعْتِكَافِ وَلَا يَمْتَنِعُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَمْتَنِعُ فِي الِاعْتِكَافِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُجَامِعَ أَهْلَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ وَيَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهِ وَلِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَشُهُودِ الْجَنَائِزِ وَيَطَأُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ مَتَى شَاءَ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا وَضَعَ الِاعْتِكَافَ عَلَى وَجْهٍ يَعْسُرُ إقَامَتُهُ عَلَى جُلِّ النَّاسِ شَرَعَ فِي بَابِهِ مَا يُيَسِّرُ إقَامَتَهُ عَلَى جُلِّ النَّاسِ فَشَرَعَ الْجِوَارَ فَالْمُجَاوِرُ يَحْضُرُ الْمَسْجِدَ وَيُكْثِرُ جَمْعَهُ وَلَا يَلْتَزِمُ الْمَسْكَنَ، وَالتَّلَازُمُ كَمَا يَلْزَمُهُ الْمُعْتَكِفُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ مُلَازَمَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَوُجُوهِ الْقُرْبِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَحْرُمُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ وَلَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَى الْمُجَاوِرِ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَأْثَمْ، انْتَهَى. مُخْتَصَرًا وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْجِوَارُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فَبِاللَّفْظِ يَعْنِي أَنَّ الْجِوَارَ يَلْزَمُ إذَا نَذَرَهُ بِلَفْظِهِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا عَقْدُهُ بِالْقَلْبِ فَذَلِكَ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْيَوْمُ الْمُنْفَرِدُ أَوْ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فِيمَا إذَا نَوَى أَيَّامًا بِالدُّخُولِ فِيهَا ابْنُ يُونُسَ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اللُّزُومِ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا يَلْزَمُهُ هَذَا الْجِوَارُ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ إذْ لَا صَوْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ وَالذِّكْرُ يَتَبَعَّضُ، انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ ص (وَفِي يَوْمِ دُخُولِهِ لَهُ تَأْوِيلَانِ) ش: أَيْ وَفِي لُزُومِ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ

وَعَدَمِ لُزُومِهِ تَأْوِيلَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْجِوَارَ لَا يَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا وَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهَا فِعْلٌ وَهُوَ الدُّخُولُ فَمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ الدُّخُولِ وَاخْتُلِفَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُهُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ تَأْوِيلَانِ تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى اللُّزُومِ وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ فِي النُّكَتِ: إذَا نَوَى عُكُوفَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شُهُورٍ لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّصَالِهِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَنْ نَوَى صَوْمًا هَذَا وَإِنْ نَوَاهُ مُتَتَابِعًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَمَلُ الصَّوْمِ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ فَاصِلٌ عَنْ الصَّوْمِ وَالْعُكُوفَ عَمَلُهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَهُوَ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ فِي الصَّوْمِ. وَالْجِوَارُ إذَا كَانَ يَنْقَلِبُ فِيهِ بِاللَّيْلِ إلَى مَنْزِلِهِ مِثْلُ الصَّوْمِ لَا يَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ وَالدُّخُولِ إلَى أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ بِدُخُولِهِ فِيهِ وَأَمَّا مَا لَا يَنْقَلِبُ فِيهِ فَهُوَ كَالْعُكُوفِ وَبِالدُّخُولِ فِي يَوْمٍ مِنْهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُهُ، انْتَهَى. وَتَأَوَّلَ أَبُو عِمْرَانَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ بِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَالْجِوَارُ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ يَحْصُلُ لِلْمُجَاوِرِ أَجْرُهُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ: فَرْعٌ: فَإِنْ نَوَى جِوَارَ يَوْمٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ وَبَعْدَ دُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ فِيهِ صَوْمٌ فَيُقَدَّرُ بِزَمَانِهِ بَقَاءٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الِاعْتِكَافُ يَجِبُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا بِالنَّذْرِ وَإِمَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْجِوَارُ إذَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ الصِّيَامَ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ الصِّيَامَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُجَاوِرَ كَجِوَارِ مَكَّةَ بِغَيْرِ صِيَامٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهِ مَا نَوَى مِنْ الْأَيَّامِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَلْزَمُهُ مُجَاوَرَةُ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. إذْ لَمْ يَتَشَبَّثْ بِعَمَلٍ يُبْطِلُ عَلَيْهِ بِقَطْعِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَرْعٌ) فَلَوْ نَوَى جِوَارَ الْمَسْجِدِ مَا دَامَ فِيهِ أَوْ وَقْتًا مُعَيَّنًا لَمْ يَلْزَمْ بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَابْنُ رُشْدٍ وَأَبُو عِمْرَانَ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ وَعَبْدِ الْحَقِّ فِيمَا يَظْهَرُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَدْخَلِ فِي أَوَّلِهِ فِي نِيَّةِ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: وَيَنْوِي الِاعْتِكَافَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ أَوْ الْجِوَارَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ فِي الِاعْتِكَافِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْجِوَارُ كَالِاعْتِكَافِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِيهِ إنْ نَوَاهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةُ الْفِطْرِ فَلَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ حِينَئِذٍ صَوْمٌ) ش أَيْ إذَا نَوَى مُجَاوَرَةَ النَّهَارِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِاللَّفْظِ فَإِذَا نَذَرَهُ بِلَفْظِهِ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ صَوْمٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْحَاوِي لِأَبِي الْفَرَجِ: إذَا نَذَرَ جِوَارًا فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ فَهُوَ كَالِاعْتِكَافِ وَعَلَيْهِ الصِّيَامُ إلَى أَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ إلَى مَنْزِلِهِ لَيْلًا فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ صِيَامٌ، انْتَهَى. وَفِي اللُّبَابِ وَإِذَا نَذَرَ جِوَارَ مَكَّةَ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ صَوْمٌ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِاللَّيْلِ إلَى مَنْزِلِهِ لِيَبِيتَ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ النَّذْرِ إلَّا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فَيَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ لِدُخُولِهِ فِيهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إذَا نَوَى مُجَاوَرَةَ الْمَسْجِدِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَوْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ عَدَمَ الصِّيَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ بِاللَّفْظِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِتْيَانُ سَاحِلٍ لِنَذْرِ صَوْمٍ بِهِ مُطْلَقًا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بِسَاحِلٍ

فرع نذر الصوم بمكة أو المدينة أو بيت المقدس

مِنْ السَّوَاحِلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ لِيَصُومَ فِيهِ يُرِيدُ إنْ كَانَ ذَلِكَ السَّاحِلُ مَحَلَّ رِبَاطٍ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِتْيَانِهِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ فِي بَلَدٍ أَشْرَفَ مِنْهُ كَمَنْ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ بِسَاحِلٍ مِنْ السَّوَاحِلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ [فَرْعٌ نَذَرَ الصَّوْمَ بِمَكَّة أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ] (فَرْعٌ) فَمَنْ نَذَرَ الصَّوْمَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ مِنْ بَابِ أَحْرَى وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِيمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِمَوْضِعٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِلِاعْتِكَافِ وَلَوْ نَذَرَهُ بِسَاحِلٍ مِنْ السَّوَاحِلِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ. [فَرْعٌ نَذَرَ صَوْمًا بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ وَغَيْرِ رِبَاطٍ] (فَرْعٌ) وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ وَغَيْرِ رِبَاطٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ وَيَصُومُ بِمَوْضِعِهِ قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ص (وَاعْتِكَافُهُ غَيْرُ مَكْفِيٍّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ فَيَشْتَرِيَ طَعَامَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ وَالْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَدْخُلَ مُعْتَكَفَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: وَلَا يَخْرُجُ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَدْخُلُ حَتَّى يُعِدَّ مَا يُصْلِحُهُ وَلَا يَعْتَكِفُ إلَّا مَنْ كَانَ مَكْفِيًّا حَتَّى لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَإِنْ اعْتَكَفَ غَيْرَ مَكْفِيٍّ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ لِشِرَاءِ طَعَامِهِ وَلَا يَقِفُ مَعَ أَحَدٍ يُحَدِّثُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ شَيْئًا أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ الْآخَرِ وَقَوْلُهُ لَا يَقِفُ عَلَى أَحَدٍ يُحَدِّثُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الِاعْتِكَافِ وَحُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ عَلَيْهِ كَالرَّاعِفِ يَنْصَرِفُ لِغَسْلِ الدَّمِ وَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بِحَدِيثٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَيْرَ مُعْتَكِفٍ، انْتَهَى. ص (وَكِتَابَةٌ وَإِنْ مُصْحَفًا وَإِنْ كَثُرَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ كِتَابَةُ الْمُعْتَكِفِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِلْمًا أَوْ مُصْحَفًا فَأَحْرَى غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْكَثْرَةِ فَلَا تُكْرَهُ كِتَابَةُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا فَالضَّمِيرُ فِي الْكِتَابَةِ رَاجِعٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَكِتَابَةٌ مَرْفُوعَةٌ عَطْفًا عَلَى اشْتِغَالِهِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى عِلْمٍ وَالْأَوَّلُ أَقْعَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِعْلٌ غَيْرُ ذِكْرٍ وَصَلَاةٍ وَتِلَاوَةٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يُحَاكِي الْمُؤَذِّنَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ مَنْ اعْتَكَفَ بِمَكَّةَ] (فَرْعٌ) قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَيَجُوزُ لَهُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَمَنْ اعْتَكَفَ بِمَكَّةَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَعْبَةَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ وَتَرْقِيعُ ثَوْبِهِ وَقْت الِاعْتِكَاف] (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَتَرْقِيعُ ثَوْبِهِ مَكْرُوهٌ وَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ اعْتِكَافُهُ. ص (كَعِيَادَةٍ وَجِنَازَةٍ وَلَوْ لَاصَقَتْ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِيَادَةَ وَالْجِنَازَةَ يُكْرَهُ لَهُ فِعْلُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْكَرَاهَةُ إنَّمَا هِيَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ وَلَوْ، انْتَهَى إلَيْهِ زِحَامُ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهَا وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ إلَى جَانِبِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ لِيُعَزِّيَ أَوْ لِيُهَنِّيَ أَوْ لِيَعْقِدَ نِكَاحًا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَغْشَاهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَحَبَسَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا حَتَّى يَجْتَنِبَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَالصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُعْتَكِفُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَإِنْ شَهِدَ جِنَازَةً وَعَادَ مَرِيضًا أَوْ أَحْدَثَ

فرع المعتكف إذا اصبح جنبا

سَفَرًا صَنَعَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِابْتِدَاءُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَلَا لِشُهُودِ جِنَازَةٍ وَلَا لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ فَإِنْ فَعَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَاخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهُوَ فِي مَكَان وَكَرِهَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي الْمَعُونَةِ إجَازَتُهُ وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ وَتَأَمَّلْهُ هَلْ يَصِحُّ الْأَخْذُ مِنْهُ أَوْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَرَتُّبِهِ لِلْإِمَامَةِ) ش: هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ وَحَكَى فِي الْإِكْمَالِ عَنْهُ قَوْلَيْنِ هَذَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْجَوَازُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ وَاللَّخْمِيُّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ. ص (وَإِخْرَاجُهُ لِحُكُومَةٍ إنْ لَمْ يَلُدَّ بِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَرَجَ يَطْلُبُ حَدًّا أَوْ دَيْنًا أَوْ أَخْرَجَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ دَيْنٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: إنْ أَخْرَجَهُ قَاضٍ لِخُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَارِهًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ اعْتِكَافَهُ وَإِنْ بَنَى أَجْزَأَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ إخْرَاجُهُ لِخُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يُتِمَّ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ إنَّمَا اعْتَكَفَ لَدَدًا فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، انْتَهَى. مِنْ التَّهْذِيبِ. إلَّا قَوْلَهُ لِخُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا الثَّانِي فَإِنَّهُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. ص (وَجَازَ إقْرَاءُ قُرْآنٍ) ش: قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَقْرَأَ أَوْ يُقْرِئَ غَيْرَهُ الْقُرْآنَ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ وَزَادَ مَا نَصُّهُ: يُرِيدُ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مِنْ الْأَذْكَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاصِدَ التَّعْلِيمِ فَلَا، انْتَهَى. وَكَذَا قَيَّدَهُ فِي الشَّامِلِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ التِّلِمْسَانِيُّ كَلَامَ الْجَلَّابِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ مَا فِي الْجَلَّابِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَشْتَغِلُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ وَلَا يُدَرِّسُهُ وَلَا بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَفِي التَّفْرِيعِ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْمَسْجِدِ وَيُقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ شُرِعَ لَهَا الْمَسْجِدُ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَتَدْرِيسُ الْعِلْمِ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: الْمُعْتَكِفُ دَخَلَ عَلَى الْتِزَامِ نَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ مِمَّا شُرِعَ لَهُ الْمَسْجِدُ وَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ: فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُ مَا الْتَزَمَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّمِهِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الِاعْتِكَافِ، انْتَهَى. فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْغَيْرِ وَسَمَاعُهُ مِنْ الْغَيْرِ ص (وَتَطَيُّبُهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ الْمُعْتَكِفُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَطَيَّبَ وَلَا يَلْبَسَ الرَّفِيعَ مِنْ الثِّيَابِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الصَّائِمَ لَا يَشُمُّ الرَّيَاحِينَ وَالْمُعْتَكِفَ لَا يَكُونُ إلَّا صَائِمًا وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الصَّوْمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَخُورٌ ص (وَأَخْذُهُ إذَا خَرَجَ لِكَغُسْلِ جُمُعَةٍ ظُفْرًا أَوْ شَارِبًا) ش: فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَهُ لِخُرُوجِهِ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِهِ لِلْعِيدِ وَرَدَّهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْجَلَّابِ: وَلَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْغُسْلِ، انْتَهَى. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ لِيَغْسِلَ مَا أَصَابَهُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْحَاجَةِ. [فَرْعٌ الْمُعْتَكِف إذَا اصْبَحْ جنبا] (فَرْعٌ) ثُمَّ قَالَ: وَيَخْرُجُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ إجْمَاعًا وَلَا يُؤَخِّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَلَمْ يَجِدْ لَهُ سَبِيلًا يُتِمُّ لِاسْتِبَاحَةِ

اللُّبْثِ وَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَهَلْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ أَوْ لَا يَخْرُجُ وَلَا يَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَيَمَّمَ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّيَمُّمِ ((قُلْتُ)) وَتَقَدَّمَ الْأَرْجَحُ عَدَمُ التَّيَمُّمِ ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ يَذْهَبُ إلَى الْحَمَّامِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْمُعْتَكِفِ فِي الشِّتَاءِ يَحْتَلِمُ وَيَخَافُ الْمَاءَ الْبَارِدَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَهَذَا إذَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا أَوْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْحَمَّامِ وَيَتَطَهَّرُ فِي بَيْتِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَازَ لَهُ بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: إذَا احْتَاجَ الْمُعْتَكِفُ إلَى قَصِّ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيُدْنِيَ رَأْسَهُ لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَيُصْلِحُهُ وَلَا يَخْرُجُ فِي ذَلِكَ إلَى بَيْتِهِ وَلَا إلَى دُكَّانِ حَجَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَنْتِفَ إبِطَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ فِي بَيْتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ إلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ التَّنْظِيفِ وَمُتَعَلِّقٌ بِالْغُسْلِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ لَهُ الْحِجَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا الْفَصَادَةُ وَإِنْ جُمُعَةً كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغْوِيطُ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ خَرَجَ وَإِنْ فَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ يُخْتَلَفُ فِيهِ فَمَنْ رَاعَى فِي ارْتِكَابِهِ مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً لَمْ يُبْطِلْهُ وَمَنْ لَمْ يُرَاعِ أَبْطَلَهُ ثُمَّ قَالَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَسْتَاكَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ مَا يُلْقِيهِ مِنْ فِيهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَخْذُهُ إذَا خَرَجَ لِكَغُسْلِ جُمُعَةٍ ظُفْرًا، أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ مُسْتَقِلًّا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ سَنَدٌ فِي كَلَامِهِ هَذَا وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ عَرَفَةَ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَانْتِظَارُ غَسْلِ ثَوْبِهِ وَتَجْفِيفِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَنْتَظِرُ غَسْلَ ثَوْبِهِ وَتَجْفِيفَهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِلشُّيُوخِ هُنَا تَأْوِيلَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَنْتَظِرُ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَا الْغُسْلَ وَلَا التَّجْفِيفَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ مَعْنَاهُ يَنْتَظِرُ التَّجْفِيفَ وَأَمَّا الْغُسْلُ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ، انْتَهَى. وَفَهِمَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: لَا يَنْتَظِرُ غَسْلَ ثَوْبِهِ وَلَا تَجْفِيفَهُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ وَفِيهَا لَا يَنْتَظِرُ فِي خُرُوجِهِ لِغُسْلِ جَنَابَتِهِ جَفَافَ ثَوْبِهِ، انْتَهَى. ص (وَمُكْثُ لَيْلَةِ الْعِيدِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ مُكْثَهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ خَرَجَ فِيهَا لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ قَالَهُ فِي رَسْمٍ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ أَيْضًا بِفِعْلِهِ مَا يُضَادُّ الِاعْتِكَافَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. ص (وَبِآخِرِ الْمَسْجِدِ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَطْلُبَ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. ص (لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الْغَالِبَةِ بِهِ وَفِي كَوْنِهَا بِالْعَامِ أَوْ بِرَمَضَانَ خِلَافٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ

يُسْتَحَبُّ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِأَجْلِ طَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي يَغْلِبُ كَوْنُهَا فِيهِ وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَمَّا كَوْنُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ فَذَلِكَ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الِاعْتِكَافِ فِيهِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ وَأَمَّا طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَإِنَّمَا هُوَ بِالِانْجِرَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَخْتَصُّ بِاللَّيْلِ لَكِنَّ حَدِيثَ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اُخْتُلِفَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ: إنَّهَا فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَنْتَقِلُ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ: إنَّهَا مُبْهَمَةٌ فِي الْعَامِ كُلِّهِ وَقِيلَ: فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ، وَقِيلَ: فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ وَالْأَخِيرِ وَقِيلَ: فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَقَطْ، الثَّانِي: إنَّهَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا تَنْتَقِلُ مَعْرُوفَةٍ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ: إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّهَا لَيْسَتْ فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا تَنْتَقِلُ فِي الْأَعْوَامِ وَلَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْغَالِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ، انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) تَتَعَلَّقُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ ((قُلْتُ)) وَهَهُنَا مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ وَقِيلَ: فِي السَّنَةِ قَالُوا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي رَمَضَانَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا السَّنَةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مَخْصُوصَةً بِرَمَضَانَ مَظْنُونٌ وَصِحَّةُ النِّكَاحِ مَعْلُومَةٌ فَلَا تَزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ كَانَ إزَالَةُ النِّكَاحِ بِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْأَحَادِيثُ وَالْأَحْكَامُ الْمُقْتَضِيَةُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ يَجُوزُ بِنَاؤُهَا عَلَى الْأَحَادِيثِ وَيَرْتَفِعُ بِهَا النِّكَاحُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ اسْتِنَادُهُ إلَى التَّوَاتُرِ أَوْ قُطِعَ اتِّفَاقًا الْمَشَذَّالِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ تَقِيُّ الدِّينِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَلَا إلَى تَفْصِيلٍ بَلْ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا الْوَانُّوغِيُّ وَعَلَى أَنَّهَا ارْتَفَعَتْ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ الْمَشَذَّالِيُّ ذَكَرَ صَاحِبُ الِاسْتِغْنَاءِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَمُحَالٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إخْبَارَهَا أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا. وَظَاهِرُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَازِمٌ. الْبُرْزُلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ الْحَجَرُ وَفِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ الطَّلَاقِ بِالْمَاضِي كَطَلَاقِهِ فَهُوَ كَظَاهِرِ ابْنِ الْحَاجِبِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ) ش: قَالَ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ يَوْمِهَا فَرَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا تُمْسِكُ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا وَلَا تَعْتَدُّ بِهِ فِي اعْتِكَافِهَا إلَّا أَنْ تَطْهُرَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَتَنْوِيَ صِيَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتَدْخُلَ مُعْتَكَفَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ اشْتَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَمْ يُعِدْهُ) ش: وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالِاعْتِكَافُ وَقِيلَ: إنْ اشْتَرَطَهُ مِنْ قَبْلِ الدُّخُولِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالِاعْتِكَافُ وَإِنْ اشْتَرَطَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الِاعْتِكَافُ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يُسْقِطُهُ الِاشْتِرَاطُ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهُ قَالَ: إنْ اشْتَرَطَ فِي الِاعْتِكَافِ مَا يُغَيِّرُ سُنَّةً فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الِاعْتِكَافُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَرْطُ مُنَافِيهِ لَغْوٌ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ لَوْ نَذَرَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بِدُخُولِهِ فَيَبْطُلُ شَرْطُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَحُكِيَ لَنَا عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ: أَنَّهُ شَرَطَ فِي الِاعْتِكَافِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الِاعْتِكَافُ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ: إنْ دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ بِهَذَا الشَّرْطِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ اُنْتُقِضَ اعْتِكَافُهُ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ اُنْظُرْ النُّكَتَ

باب الحج

انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: فَإِنْ شَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لِحُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُفِدْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَثَالِثُهَا إنْ وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَإِلَّا بَطَلَ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْحَجِّ] ص (بَابُ فَرْضِ الْحَجِّ وَسُنَّةِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَنَا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْت: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ «لَوْ قُلْت: نَعَمْ لَوَجَبَتْ ثُمَّ إذًا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تُطِيعُونَ وَلَكِنَّهَا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ» انْتَهَى. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] ، وَالرَّجُلُ السَّائِلُ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ طَرِيقِ النَّسَائِيّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَنَاسِكِهِ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ شَذَّ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ.» قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ حَرَامٌ فَكَيْفَ إثْبَاتُ حُكْمٍ بِهِ؟ ، يَعْنِي أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ فِي الْقَبَسِ: وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ؛ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى. وَهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِشُذُوذِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَقَائِلُهُ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ وُرُودِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالتَّأَكُّدِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ، كَمَا حَمَلَ الْعُلَمَاءُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْآتِي ذِكْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُنْذِرَهُ أَوْ يُرِيدَ دُخُولَ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَوْ بِهِمَا، وَيُسْتَحَبُّ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِمَنْ حَجَّ الْفَرْضَ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّ عَبْدًا صَحَّحْت لَهُ جِسْمَهُ وَوَسَّعْت عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَمْضِي إلَيَّ لَمَحْرُومٌ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالتَّأَكُّدُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ انْتَهَى. وَهَذَا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إخْلَاءِ الْبَيْتِ عَمَّنْ يَقُومُ بِإِحْيَائِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ عَدَّ فِيهِ زِيَارَةَ الْكَعْبَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: لَوْ تَرَكَ النَّاسُ زِيَارَةَ هَذَا الْبَيْتِ عَامًا وَاحِدًا مَا أُمْطِرُوا، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «لَوْ تَرَكَ النَّاسُ زِيَارَةَ هَذَا الْبَيْتِ عَامًا مَا أُمْطِرُوا» وَقَالَ التَّادَلِيُّ بَعْدَ كَلَامِ صَاحِبِ الْقَبَسِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إخْلَاءِ الْبَيْتِ عَمَّنْ يَقُومُ بِإِحْيَائِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَمَّا إذَا خِيفَ إخْلَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ إحْيَاؤُهُ وَفِي كُلِّ سَنَةٍ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي رَوْضَتِهِ فَقَالَ: وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ هَكَذَا أَطْلَقُوا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ بَلْ وَالِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ التَّعْظِيمَ وَإِحْيَاءَ الْبُقْعَةِ يَحْصُلُ بِكُلِّ ذَلِكَ ((قُلْتُ)) : وَلَا

يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْحَجِّ بِمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَالرَّمْيِ وَإِحْيَاءِ تِلْكَ الْبِقَاعِ بِالطَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا يَبْعُدُ قَوْلُ مِثْلِهِ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ عِمَارَاتِ الْمَسَاجِدِ غَيْرَهُ بِالْجَمَاعَاتِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَكَذَلِكَ عِمَارَةُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهُوَ أَوْلَى. انْتَهَى كَلَامُ التَّادَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَيَنْبَغِي لِمَنْ حَجَّ الْفَرْضَ أَنْ يَنْوِيَ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: يُكْرَهُ لِلْحَاضِرِ بِمَكَّةَ مُقِيمًا أَنْ لَا يَحُجَّ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْكَرَاهَةِ تَرْكُ الْأُولَى وَالْفَضِيلَةِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَحْصُلُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَتَطَوُّعٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: وَهَذَا الثَّالِثُ يَحْتَاجُ إلَى تَصْوِيرٍ؛ لِأَنَّ الْقَاصِدَ لِلْبَيْتِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ سَقَطَ عَنْهُ وَكَانَ قَائِمًا بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ كَانَ قَائِمًا بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَنَا حَجُّ تَطَوُّعٍ، قَالَ: وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ قَالَ: وَهَذَا فِيهِ الْتِزَامُ السُّؤَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِينَ ثُمَّ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ وُقُوعُهُ فَرْضًا وَيَسْقُطُ بِهِمْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، قَالَ: وَقِيلَ: هُنَا جِهَتَانِ: جِهَةُ تَطَوُّعٍ وَهِيَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْعَيْنِ وَجِهَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ حَيْثُ إحْيَاءِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: وَهَذَا فِيهِ الْتِزَامُ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لَنَا حَجُّ تَطَوُّعٍ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ: إذَا أُتِيَ بِهِ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ لَا يَكُونُ فَرْضًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَقَدَّمَ إحْرَامُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِأَنَّ مَا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَأَزْمَانٍ كَمَا قَالُوا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ، انْتَهَى، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إنَّمَا يَشْكُلُ عَلَى مَذْهَبٍ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ يَنْقَلِبُ فَرْضًا وَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا خُوطِبَ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ كَانَ حُكْمُهُ مُسَاوِيًا لِحُكْمِ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِنَفْلٍ يَنْقَلِبُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَجَّ فَرْضَ الْإِسْلَامِ يُطْلَبُ بِإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ، فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ سَقَطَ الطَّلَبُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَاقِينَ وَصَارُوا مَطْلُوبِينَ بِهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، فَمَنْ جَاءَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَوَى الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ حَصَلَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَنْوِ إلَّا التَّطَوُّعَ فَحَجُّهُ تَطَوُّعٌ، بَلْ لَوْ لَمْ يَقُمْ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَحَدٌ وَأَحْرَمَ الْجَمِيعُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُمْ تَطَوُّعًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ ثَوَابُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ إلَّا بِنِيَّةٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَحْصُلُ أَيْضًا أَنَّ فَرْضَ الْإِسْلَامِ يَجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَفَرْضِيَّةَ ذَلِكَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّطْوِيلِ بِهَا لِشُهْرَتِهَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ كِفَايَةٌ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَمَنْ تَرَكَهُ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ إلَيْهِ فَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ. قَالَ الْجُزُولِيُّ: أَيْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: وَعْظٌ وَزَجْرٌ وَوَبَخٌ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يُقْتَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَنْكَرَتْ الْمُلْحِدَةُ الْحَجَّ وَقَالَتْ: إنَّ فِيهِ التَّجَرُّدَ مِنْ الثِّيَابِ وَهُوَ يُخَالِفُ الْحَيَاءَ، وَفِيهِ السَّعْيُ وَهُوَ يُخَالِفُ الْوَقَارَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِغَيْرِ مَرْمًى فَصَارُوا إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ إذْ لَمْ يَعْرِفُوا لَهَا حِكْمَةً، وَجَهِلُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَبْدِ مَعَ الْمُولِي أَنْ يَفْهَمَ الْمَقْصُودَ بِجَمِيعِ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَلَا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى فَائِدَةِ تَكْلِيفِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ وَيَلْزَمُهُ الِانْقِيَادُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ فَائِدَةٍ وَلَا سُؤَالٍ عَنْ مَقْصُودٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا لَبَّيْكَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا، انْتَهَى مِنْ الْقُرْطُبِيِّ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا سُنَّةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَلَا

بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ كَوْنِهَا مُؤَكَّدَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ كَالْوِتْرِ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنْسَكِهِ هِيَ أَوْكَدُ مِنْ الْوِتْرِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُمَرَ: حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ لَا نَعْلَمُ مَنْ رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَذَلِكَ جَهْلٌ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنْسَكِهِ: قَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ كَالْحَجِّ وَهِيَ أَوْكَدُ مِنْ الْوِتْرِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بَعْدَ قَوْلِهِ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] كَلَامٌ مُؤْتَنَفٌ وَقَدْ قُرِئَتْ بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ: إنَّمَا أُمِرَ بِإِتْمَامِهَا مَنْ دَخَلَ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ: هِيَ فَرْضٌ كَالْحَجِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَنَازَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ؛ وَلِأَنَّهَا نُسُكٌ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَلَا تَكُونُ وَاجِبَةً كَطَوَافِ التَّطَوُّعِ وَلِعَدَمِ ذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: هِيَ فَرْضٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: كَرِهَ مَالِكٌ الِاعْتِمَارَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمُجَاوِرِينَ بِهَا وَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. (قُلْت) : وَهُوَ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّاسِ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ وَيَجِبُ إتْمَامُهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحُكْمُهَا بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى الِاسْتِحْبَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَبِيرُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَأَمَّا أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فَيَنْتَفِي عَنْهَا التَّأْكِيدُ وَتَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَبَّةً انْتَهَى. وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَجَازَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ: وَفَرَّطَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْعُمْرَةِ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ قَضَتْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ وَحَجَّ سِتِّينَ حَجَّةً وَحُمِلَ عَلَى أَلْفِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَعْتَقَ أَلْفَ رَقَبَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: كَرِهَ مَالِكٌ تَكَرُّرَهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً وَحَكَى كَرَاهَةَ ذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَعْتَمِرُ كُلَّ يَوْمٍ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْتَمِرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً عَنْ نَذْرٍ أَوْ لِوَجْهٍ رَآهُ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ فَرَّطَتْ فِي الْعُمْرَةِ سَبْعَ سِنِينَ فَقَضَتْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ أَوْ نَدَبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْن الْمَوَّازِ جَوَازَ تَكْرَارِهَا فِي السَّنَةِ مِرَارًا وَاخْتَارَهُ وَنَصُّهُ: قَالَ مُطَرِّفٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا مِنْ الِازْدِيَادِ مِنْ الْخَيْرِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ نَصٌّ، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ قَالَ ذَلِكَ فِي الِاعْتِمَارِ مِرَارًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ فَقَطْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ

الْمُدَوَّنَةِ، وَالشَّاذُّ لِمُطَرِّفٍ إجَازَةُ تَكْرَارِهَا وَنَحْوِهِ لِابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِالْعُمْرَةِ مَرَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ بَأْسٌ وَقَدْ اعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَكَرِهَتْ عَائِشَةُ عُمْرَتَيْنِ فِي شَهْرٍ، وَكَرِهَهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ هُوَ كَذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. وَنَصُّ النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْتَمِرَ عُمْرَتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُرِيدُ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنْ يُكْرَهَ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِثَانِيَةٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ إجْمَاعًا، قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ حَيْثُ قَالَ: يُرِيدُ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ إنَّمَا هِيَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ اعْتَمَرَ بَعْدَهَا لَزِمَتْهُ كَانَتْ الْأُولَى فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لَا أَرَادَ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَمْ لَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ فَأَوَّلُ السَّنَةِ الْمُحَرَّمُ فَيَجُوزُ لِمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحَجَّةِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الْمُحَرَّمِ قَالَهُ مَالِكٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ وَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ لِمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَنْ لَا يَعْتَمِرَ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُحَرَّمُ أَيْ لَقُرْبِ الزَّمَنِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ أَيْ اسْتَثْقَلَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحَجَّةِ ثُمَّ يَعْتَمِرُ فِي الْمُحَرَّمِ لَقُرْبِ الزَّمَنِ أَيْ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا وَاحِدَةً، وَإِذَا كَانَ لَا يَفْعَلُ إلَّا وَاحِدَةً فَهَلْ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحَجَّةِ أَوْ الْمُحَرَّمِ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ لِمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَنْ لَا يَعْتَمِرَ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُحَرَّمُ فَتَضَمَّنَ كَلَامُ مَالِكٍ الثَّانِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا اسْتِثْقَالُ الْإِتْيَانُ بِعُمْرَةٍ فِي ذِي الْحَجَّةِ، ثُمَّ أُخْرَى فِي الْمُحَرَّمِ، وَالثَّانِيَةُ اسْتِحْبَابُ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ فِي الْمُحَرَّمِ لِمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَكَذَلِكَ نَقَلَهَا التَّادَلِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فِي الْعُمْرَةِ، الثَّالِثُ هَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ تَكُنْ فِي الْمُحَرَّمِ أَوْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ فِي الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ لَهُ وَقِيلَ: لَهُ فِعْلُهَا بَعْدَ حَجِّهِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ ذُو الْحَجَّةِ كُلُّهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لَا. الرَّابِعُ إذَا اعْتَمَرَ بَعْدَ حَجِّهِ هَلْ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ أُخْرَى فِي الْمُحَرَّمِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: لِقُرْبِ الزَّمَنِ؛ تَعْلِيلُ الِاسْتِثْقَالِ فَقَطْ وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ كَوْنِهَا فِي الْمُحَرَّمِ فَلْتَكُنْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى مَا قَالَهُ التَّادَلِيُّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَأَوَّلُ السَّنَةِ الْمُحَرَّمُ إلَخْ أَنَّ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ خِلَافًا هَلْ هُوَ الْمُحَرَّمُ أَوْ ذُو الْحَجَّةِ؟ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا فِي كَلَامِ مَالِكٍ وَإِلَّا لَعَلَّلَ اسْتِثْقَالَهُ الْعُمْرَةَ فِي الْمُحَرَّمِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحَجَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا إنَّمَا عَلَّلَهُ بِقُرْبِ الزَّمَنِ وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَإِذَا رَاعَيْنَا الْعُمْرَةَ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَهَلْ هِيَ مِنْ الْحَجِّ إلَى الْحَجِّ أَوْ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَى الْمُحَرَّمِ؟ وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ بَعْدَ أَيَّامِ الرَّمْيِ فِي آخِرِ ذِي الْحَجَّةِ ثُمَّ يَعْتَمِرُ فِي الْمُحَرَّمِ عُمْرَةً أُخْرَى فَيَصِيرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ لِمَنْ أَقَامَ أَنْ لَا يَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُحَرَّمُ فَعَلَى هَذَا يَعْتَمِرُ قَبْلَ الْحَجِّ وَبَعْدَهُ وَيَكُونُ انْتِهَاءُ الْعُمْرَةِ وَقْتَ فِعْلِ الْحَجِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ فَلَا يَعْتَمِرُ بَعْدَهُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُحَرَّمُ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَأَوَّلُ السَّنَةِ الْمُحَرَّمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ مَنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ إلَى مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَقَدْ أَحْرَمَ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ دَخَلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ الصَّرُورَةَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ انْتَهَى. وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ صَرُورَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، وَأَمَّا إذَا قَدَّمَ الصَّرُورَةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيَجُوزُ لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عُمْرَتِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ

أُحِبُّ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يُقِيمَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثًا بِمَكَّةَ، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اعْتَمَرَ لَمْ يُحْطِطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَرْضُ الْحَجِّ وَسُنَّةُ الْعُمْرَةِ الْمَوْجُودَةُ فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَرُفِعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَى النِّيَابَةِ لِلْفَاعِلِ وَنُصِبَ مَرَّةً عَلَى النِّيَابَةِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِلُ فِيهِ الْعُمْرَةُ وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ مَصْدَرَانِ يُقَدَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ وَالْفِعْلِ وَالْمَعْنَى فُرِضَ بِأَنْ يَحُجَّ مَرَّةً وَسُنَّ أَنْ يَعْتَمِرَ مَرَّةً وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ فُرِضَ وَسُنَّتْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالسُّنَّةَ وَقَعَ مِنْ الشَّارِعِ مَرَّةً وَلَا يُفِيدُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ؛ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ مَرَّةً عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ النَّائِبِ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَعْنَى فُرِضَ الْمَرَّةُ مِنْ الْحَجِّ وَسُنَّةِ الْعُمْرَةُ مِنْ الْعُمْرَةِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَرْضُ الْحَجِّ بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَيُرْفَعُ سُنَّةٌ بِالْعَطْفِ عَلَيْهِ وَيُجَرُّ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ بِالْإِضَافَةِ، وَمَرَّةٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْبِسَاطِيِّ. وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ الْمَفْرُوضُ مِنْ الْحَجِّ مَرَّةٌ، وَالْمُسِنُّونَ مِنْ الْعُمْرَةِ مَرَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا وَلَمْ يُنَبِّهْ الشَّارِحُ عَلَيْهَا (وَلِنَشْرَعْ) فِي الْكَلَامِ عَلَى اشْتِقَاقِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَعْنَاهُمَا لُغَةً وَشَرْعًا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ؛ فَنَقُولُ: الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ، وَقِيلَ: الْقَصْدُ الْمُتَكَرِّرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ، وَقِيلَ: بِقَيْدِ التَّكْرَارِ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: أَصْلُ الْحَجِّ الْقَصْدُ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ حَجًّا لِمَا كَانَتْ قَصْدَ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَقِيلَ: الْحَجُّ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّكْرَارِ وَالْعَوْدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِتَكْرَارِ النَّاسِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - مَثَابَةً لِلنَّاسِ أَيْ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَثُوبُونَ فِي كُلِّ عَامٍ، انْتَهَى. وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْخَلِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ؛ لِقَوْلِهِ: الْحَجُّ الْقَصْدُ وَرَجُلٌ مَحْجُوجٌ أَيْ مَقْصُودٌ وَقَدْ حَجَّ بَنُو فُلَانٍ فُلَانًا إذَا أَطَالُوا الِاخْتِلَافَ إلَيْهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللُّغَةِ بِالْوَجْهَيْنِ؛ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ: الْحَجُّ الْقَصْدُ وَالْكَفُّ وَالْقُدُومُ وَكَثْرَةُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّرَدُّدِ وَقَصْدُ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ «أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا» ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ: «أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ» الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ أَوْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ عَلَى الْبَيَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِاقْتِضَائِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ مُقْتَضٍ لِلتَّكْرَارِ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ يَرَى بَعْضَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِ الْحَجِّ عَلَى الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ فَقِيلَ: حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ، وَأَنَّ الْحَجَّ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْقَصْدُ أَوْ الْقَصْدُ الْمُتَكَرِّرُ غَيْرَ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ أُمُورًا لَا بُدَّ مِنْهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَقِيلَ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ نَقَلَهَا الشَّارِعُ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةٍ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَإِنْ صَادَفَ أَنَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَّاقَةً لِأَمْرٍ اتِّفَاقِيٍّ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَقِيلَ: إنَّهُ نُقِلَ إلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِمُنَاسِبَتِهِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْمَازِرِيَّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ جَارِيَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْقَامُوسِ الْمُتَقَدِّمِ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ قَصْدَ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِي الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَعْنَى الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ الْقَصْدُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ الْمُتَكَرِّرُ فَقِيلَ فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْحَجِّ فِي الشَّرْعِ لَهُ

كَوْنُ النَّاسِ يَأْتُونَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَالَ ابْنُ مَشَدَّيْنِ: فَحُكْمُ التَّكْرَارِ بَاقٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْعُمُومِ قَالَ: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ مَنَارَهُ كُلَّ سَنَةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقِيلَ: لِأَنَّ النَّاسَ يَعُودُونَ إلَى الْبَيْتِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَيْهِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: لَمَّا كَانَ مُقْتَضَى الْحَجِّ التَّكْرَارَ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِقَاقُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَتْ الْعَوْدَةُ إلَى الْبَيْتِ تَقْتَضِي كَوْنَهَا فِي عُمْرَةٍ حَتَّى يَحْصُلَ التَّرَدُّدَ إلَى الْبَيْتِ كَمَا اقْتَضَاهُ الِاشْتِقَاقُ انْتَهَى. فَيَتَحَصَّلُ فِي مَعْنَى التَّكْرَارِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ انْتَهَى كَلَامُ التَّادَلِيِّ. وَقَدْ أَشْبَعَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: هُوَ الْقَصْدُ إلَى التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ بِالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ فَرْضًا وَسُنَّةً انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: فَحَجُّ الْبَيْتِ فِي الشَّرْعِ قَصْدُهُ عَلَى مَا هُوَ فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنَّهُ قَصْدٌ عَلَى صِفَةٍ مَا فِي وَقْتٍ مَا تَقْتَرِنُ بِهِ أَفْعَالٌ مَا انْتَهَى. قَالَ التَّادَلِيُّ: وَيُرَدُّ عَلَى الْأَوَّلِ كَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ فِيهِ بَلْ أَطْلَقَ وَعَلَى الثَّانِي مَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحَدِّ أَنْ يَكُونَ مُبَيِّنًا لِذَاتِ الْمَحْدُودِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: لَا يُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِلْحُكْمِ بِوُجُوبِهِ ضَرُورَةً وَتَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ضَرُورَةً ضَرُورِيٌّ وَيُرَدُّ بِأَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ مَا وَالْمَطْلُوبُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِعُسْرِهِ وَيُرَدُّ بِعَدَمِ عُسْرِ حُكْمِ الْفَقِيهِ بِثُبُوتِهِ وَنَفْيِهِ وَصِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ وَلَازِمُهُ إدْرَاكُ فَصْلِهِ أَوْ خَاصَّتِهِ كَذَلِكَ، وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ عَشَرَ ذِي الْحَجَّةِ وَحَدُّهُ بِزِيَارَةٍ وَطَوَافِ ذِي طُهْرٍ أَخُصُّ بِالْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ سَبْعًا بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالسَّعْيِ مِنْ الصَّفَا لِلْمَرْوَةِ وَمِنْهَا إلَيْهَا سَبْعًا بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ لَا يُقَيَّدُ وَقْتُهُ بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَلَازِمُهُ إدْرَاكُ فَصْلِهِ أَوْ خَاصَّتِهِ كَذَلِكَ أَيْ دُونَ عُسْرٍ. وَقَوْلُهُ: وَطَوَافُ ذِي طُهْرٍ بِإِضَافَةِ طَوَافٍ إلَى ذِي بِمَعْنَى صَاحِبٍ. وَقَوْلُهُ: أَخُصُّ أَيْ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ، أَيْ ذِي طُهْرٍ. . . إلَخْ. وَقَوْلُهُ: لَا يُقَيِّدُ وَقْتَهُ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ السَّعْيِ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ كَوَقْتِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَوَقْتِ الْوُقُوفِ بَلْ يَصِحُّ السَّعْيُ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَقَوْلُهُ: بِإِحْرَامٍ أَيْ مَعَ إحْرَامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لُزُومَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ذَاتِيٌّ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَسْمًا إذْ لَا يُؤْتَى فِيهِ بِالذَّاتِيَّاتِ وَإِنْ كَانَ اللُّزُومُ خَارِجِيًّا فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الذَّاتِيِّ وَالْخَارِجِيِّ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَالْجَوَابُ أَنَّا نَلْتَزِمُ صِحَّةَ الرَّسْمِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِيهِ الْجِنْسُ الْبَعِيدُ وَالْخَاصَّةُ قَوْلُكُمْ: لُزُومُ الْوُقُوفِ ذَاتِيٌّ، قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا الذَّاتِيُّ فِعْلُ الْوُقُوفِ وَبَيْنَ الْوُقُوفِ وَبَيْنَ الْمَفْهُومَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ وَيَلْزَمُ تَرْكِيبُهُ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ مِنْ عَوَارِضِ التَّصْدِيقَاتِ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ بُطْلَانَ الْحَدِّ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يُقَالَ: عِبَادَةٌ ذَاتُ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ إلَى آخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَمَّا كَانَ ابْنُ هَارُونَ حَجَّ أَشْبَهَ مَا قَالَ، وَلَمَّا لَمْ يَحُجَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَسُنَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لِعُسْرِهِ انْتَهَى، وَأَمَّا ضَبْطُهُ فَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَكَذَا الْحَجَّةُ فِيهَا اللُّغَتَانِ وَأَكْثَرُ الْمَسْمُوعُ فِيهَا الْكَسْرُ وَالْقِيَاسُ الْفَتْحُ. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: الْحِجُّ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْحَجُّ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: الْحَجُّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مَعًا الِاسْمُ وَبِالْكَسْرِ أَيْضًا الْحُجَّاجُ انْتَهَى. وَالْعُمْرَةُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَارَةُ يُقَالُ: اعْتَمَرَ فُلَانٌ أَيْ زَارَهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَلِذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى الْعُمْرَةَ لِأَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ بِهَا فَلَا مَعْنَى لِزِيَارَتِهِمْ إيَّاهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ: وَالِاعْتِمَارُ فِي الْكَلَامِ لُزُومُ الْمَوْضِعِ وَهِيَ أَيْضًا الزِّيَارَةُ قَالَ التَّادَلِيُّ: وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الِاعْتِمَارِ

فائدة أحكام الحج

وَالْعُمْرَةِ الْقَصْدُ قَالَ الشَّاعِر لَقَدْ سَمَا ابْنُ مَعْمَرٍ حِينَ اعْتَمَرَ ... فَحَلَّ أَعْلَى مُحْتَدٍ وَمُفْتَخِرٍ أَرَادَ حِينَ قَصَدَ انْتَهَى. وَفِي الشَّرْعِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ أَوْ تَقُولُ: عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ فَقَطْ مَعَ إحْرَامٍ، وَقَوْلُنَا: فَقَطْ لِيَخْرُجَ الْحَجُّ [فَائِدَة أَحْكَامَ الْحَجِّ] (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ: أَحْكَامُ الْحَجِّ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعُهُ غَزِيرَةٌ وَالِاعْتِبَارُ بِهَا الْيَوْمَ قَلِيلٌ لَا سِيَّمَا بِبِلَادِ الْغَرْبِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَتَحْقِيقُهَا فِي الْغَالِبِ يَحْتَاجُ لِطَوِيلِ الْبَحْثِ وَدَقِيقِ النَّظَرِ وَبَعْضِ الْمُلَابَسَةِ فِي الْفِعْلِ فَلْيُعْذَرْ الْمُتَكَلِّمُ فِيهِ عِنْدَ تَقْصِيرِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ الْقُورِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ: إنَّ أَحْكَامَ الْحَجِّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ لِزِمَامٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَدْ تَنْضَبِطُ أَفْعَالُهُ وَذَكَرَ أَنَّهَا تِسْعَةَ عَشَرَ فِعْلًا وَالْعُمْرَةُ نِصْفُهَا وَعِنْدِي أَنَّ أُصُولَهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي أَبْيَاتٍ وَهِيَ أَحْرِمْ وَلَبِّ ثُمَّ طُفْ وَاسْعَ وَزِدْ ... فِي عُمْرَةٍ حَلْقًا وَحَجًّا إنْ تُرِدْ فَزِدْ مِنًى وَعَرَفَاتٍ جَمْعًا ... وَمَشْعَرًا وَالْجَمَرَاتِ السَّبْعَا وَانْحَرْ وَقَصِّرْ وَافْضِ ثُمَّ ارْجِعْ ... لِلرَّمْيِ أَيَّامَ مِنًى وَوَدِّعْ وَكَمِّلْ الْحَجَّةَ بِالزِّيَارَةِ ... مُتَّقِيًا مِنْ نَفْسِك الْأَمَّارَةِ فَالسِّرُّ فِي التَّقْوَى وَالِاسْتِقَامَةِ ... وَفِي الْيَقِينِ أَكْبَرُ الْكَرَامَةِ ص (وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَشُرُوطُهُ الْآتِيَةُ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِيهَا وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْهَا أَوْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ إمَّا لِفَسَادِ الطَّرِيقِ بَعْدَ أَمْنِهَا أَوْ لِخَوْفِ ذَهَابِ مَالِهِ أَوْ صِحَّتِهِ أَوْ بِبُلُوغِهِ السِّتِّينَ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَغَيْرُهُ: أَوْ يُخَافُ عَجْزُهُ فِي بَدَنِهِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ اتِّفَاقًا، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ وَابْنُ بَزِيزَةَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْهُمَا شَهَرَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ رَاشِدٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) يَعْنِي أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَسَائِلَ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا خِلَافَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اُخْتُلِفَ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ فَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَمَسَائِلُهُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، شَهْرُ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا التَّرَاخِي وَحَاصِلُ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ اخْتَلَفَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: هَلْ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي يَرَى التَّوْسِعَةَ مُغَيَّاةً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ خَوْفِ الْفَوَاتِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَكَثْرَةِ الْأَمْرَاضِ وَقِلَّتِهَا وَأَمْنِ الطَّرِيقِ وَخَوْفِهَا وَحَدَّهُ سَحْنُونٌ بِسِتِّينَ سَنَةٍ، قَالَ: وَيَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا زَادَ عَلَيْهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ صَاحِبُ التَّمْهِيدِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ غَيْرَ سَحْنُونٍ انْتَهَى. زَادَ ابْنُ الْحَاجِّ وَالتَّادَلِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ وَهَذَا تَوْقِيتٌ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ مِمَّنْ يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ. قَالَ: وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُجْدِي ذَلِكَ وَالْحُدُودُ فِي الشَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِمَّنْ لَهُ أَنْ يُشَرِّعَ، وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ لِسَحْنُونٍ بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» وَقَلَّ مَنْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ عَنْ الْأَغْلَبِ أَيْضًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ

بِتَفْسِيقِ مَنْ صَحَّتْ عَدَالَتُهُ وَدِينُهُ وَأَمَانَتُهُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ التَّأْوِيلِ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا: يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ تَأْخِيرُ مَا لَمْ يَخَفْ عَجْزَهُ عَنْهُ كَمَا يَقُولُ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ أَنْ لَا يَعْصِي وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنَّهُ مَتَى يَخَافُ الْفَقْرَ وَالضَّعْفَ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَعَصَى وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] وَإِنَّمَا أَرَادَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إذَا أَخَّرَهُ وَهُوَ شَابٌّ مُقْتَدِرٌ وَفِي نِيَّتِهِ فِعْلُهُ فَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا طَرَأَ عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَأْثَمُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، كَمَا جُوِّزَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصِّبْيَانِ وَلِلزَّوْجِ ضَرْبُ الزَّوْجَةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ مَتَى يَعْصِي؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِتَأْخِيرِهِ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْقُدْرَةِ إذْ التَّأْخِيرُ عَنْهَا إنَّمَا جَازَ بِشَرْطٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْ آخِرِ سَنَةٍ لَمْ يُمْكِنْهُ الْحَجُّ بَعْدَهَا انْتَهَى. وَرَأَى بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِي عَائِدًا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَنَحْوُ هَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَنَصُّهُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ فَوَاتُهُ. وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إبَاحَةُ التَّعْزِيرِ لِلْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا أَخَّرَ الرَّجُلُ حَجَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْعَجْزُ عَنْهُ يُعَدُّ عَاصِيًا وَإِنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ الْمُعْتَرَكَ فَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ تَكُونَ الطَّرِيقُ آمِنَةً فَيَخَافُ فَسَادُهَا أَوْ يَكُونَ ذَا مَالٍ فَيَخَافُ ذَهَابَ مَالِهِ بِدَلِيلٍ يَظْهَرُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ عَجَّلَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَبْلُغَ الْمُعْتَرَكَ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ، وَتَعْجِيلُهُ نَفْلٌ كَالصَّلَاةِ الَّتِي تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنْ عَجَّلَهَا فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَتَعْجِيلُهَا نَفْلٌ انْتَهَى. فَلَمَّا تَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ تَجْدِيدَهُ بِخَوْفِ الْفَوْتِ لَا بِسِتِّينَ سَنَةٍ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ: جَزَمَ بِهِ فَقَالَ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ لَكِنْ مِنْ خَوْفِ الْفَوَاتِ بُلُوغُ السِّتِّينَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ الْمُعْتَرَكَ أَيْ مُعْتَرَكَ الْمَنَايَا وَهُوَ مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَتُسَمِّيهَا الْعَرَبُ دَقَّاقَةَ الرِّقَابِ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا خِيفَ الْفَوَاتُ بِبُلُوغِ السِّتِّينَ مُعْتَرَكَ الْمَنَايَا أَوْ بِغَيْرِهِ تَعَيَّنَ عَلَى الْفَوْرِ اتِّفَاقًا وَإِذَا لَمْ يَخَفْ الْفَوَاتَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَرَأَوْا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَشَهَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ وَمُصَنِّفُ الْإِرْشَادِ وَشَهَرَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الرِّسَالَةِ التَّرَاخِي وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْهَا: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْبَاجِيّ وَابْنُ رُشْدٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَخَذُوهُ مِنْ مَسَائِلَ فَأَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لَا تَخْرُجُ إلَيْهِ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ فَوْرًا إجْمَاعًا انْتَهَى. وَأَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ يُؤَخَّرُ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ الْعَامَ وَالْعَامَ الْقَابِلَ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ وَإِلَّا خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ تَعَجَّلَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مَعْصِيَةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، فَقَدْ نُقِلَ فِي النَّوَادِرِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِالْإِعْجَالِ عَلَيْهَا، الثَّانِي أَنَّ طَاعَةَ الْأَبَوَيْنِ لَمَّا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْفَوْرِ بِاتِّفَاقٍ وَكَانَ الْحَجُّ مُخْتَلَفًا فِي فَوْرِيَّتِهِ قُدِّمَ الْمُتَّفَقُ عَلَى فَوْرِيَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِوَاجِبٍ أَقْوَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْفَوْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ انْتَهَى. وَهَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي لِابْنِ بَشِيرٍ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُرَدُّ بِقَوْلِهَا: إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَسَمَاعَ الْقَرِينَيْنِ: سَفَرُ الِابْنِ الْبَالِغِ بِزَوْجَتِهِ وَلَوْ إلَى الْعِرَاقِ وَتَرْكُ أَبِيهِ شَيْخًا كَبِيرًا عَاجِزًا

عَنْ نَزْعِ الشَّوْكَةِ مِنْ رِجْلِهِ جَائِزٌ فَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَحَمْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِهِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ بَعِيدٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي أَوَائِلِهِ وَسَمَاعُ الْقَرِينَيْنِ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَانِعِ الْحَجِّ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَأَخَذَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: رَوَى أَشْهَبُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ زَوْجَتُهُ فَأَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ صَرُورَةٌ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ مَا أَدْرِي مَا تَعْجِيلُ الْحِنْثِ، حَلَفَ أَمْسِ، وَتَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، وَلَعَلَّهُ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ سَنَةً وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ سَنَةً وَكَذَلِكَ يُقْضَى عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُ عَلَى التَّرَاخِي إذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا شَكَّ فِي تَعْجِيلِ الْحِنْثِ فِي أَوَّلِ الْعَامِ، بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي أَوَّلِ الْعَامِ وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تُعَجِّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ تَعْجِيلُهُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَالِكًا فَهِمَ عَنْهَا قَصْدَ الْإِضْرَارِ؛ لِقَوْلِهِ: حَلَفَ أَمْسِ وَتَخْرُجُ الْيَوْمَ، وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَجَدْت دَلَالَتَهُ عَلَى الْفَوْرِ أَقْرَبَ، انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْبَيَانِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي بِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ نَزَلَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَخَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَإِنَّمَا فُرِضَ الْحَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَهَذِهِ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ سَنَدٌ: وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ الْوَقْتَ كَانَ لَا يَتَّسِعُ بِأَنْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ الْعَامِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) سَوَّى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: الظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ شَهَرَ الْفَوْرَ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِيلٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعَّفَ حُجَّةَ التَّرَاخِي وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِ نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ بِالتَّرَاخِي إنَّمَا أُخِذَ مِنْ مَسَائِلَ، وَلَيْسَ الْأَخْذُ مِنْهَا بِقَوِيٍّ انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي مَنَاسِكِهِ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ الثَّانِي بِقِيلَ فَقَالَ: وَالْحَجُّ وَاجِبٌ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ: عَلَى التَّرَاخِي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا تَأَمَّلْت الْمَسَائِلَ الْمَأْخُوذَ مِنْهَا التَّرَاخِي وَجَدْتهَا أَقْرَبَ إلَى دَلَالَتِهَا عَلَى الْفَوْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الَّذِي عَلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْمَذَاهِبِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ الْفَوْرُ انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِ أَرْجَحُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيّ عَنْ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى مَنْ بَلَغَهَا أَوْ كَادَ، وَفِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ السِّتِّينَ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَوْلُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ سَحْنُونٍ. (الثَّالِثُ) وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ الْعَامِ عَصَى وَلَا يَكُونُ قَضَاءً خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ نَقَلَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ عَامٍ فَقَضَاءٌ، وَقِيلَ: أَدَاءٌ انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَا صَدَّرَ بِهِ هُوَ الرَّاجِحُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُسَمَّى قَاضِيًا إجْمَاعًا وَنَصُّهُ فِي الِاحْتِجَاجِ لِلْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُسَمَّى قَاضِيًا إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَوَجَبَ إذَا أَخَّرَهُ عَنْهَا أَنْ يَفُوتَ أَدَاؤُهُ وَيُسَمَّى قَاضِيًا كَمَا تَقُولُ: إذَا أَفْسَدَهُ أَنَّهُ يَقْضِيهِ، وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا اسْمُ الْقَضَاءِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَخْتَصُّ وُجُوبُهُ بِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ وَإِنَّمَا

يَجِبُ وَقْتُ إمْكَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ كَوُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْعَارِيَّةِ لَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِوَقْتٍ كَأَنْ فَعَلَهُ أَوَّلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ كَفِعْلِهِ فِيمَا بَعْدَهُ فِي تَسْمِيَتِهِ أَدَاءً، بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ إذَا أَوْقَعْته فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ بِوُقُوعِهِ فَإِذَا أَفْسَدَ فَسَمَّيْنَا عَزْمَتَهُ لَهُ قَضَاءً انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ لَمْ يَعْصِ وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ عَصَى. (الرَّابِعُ) قَالَ سَنَدٌ: إذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ الْحَجِّ وَجَبَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَانِهِ وَقْتٌ وَاسِعٌ كَانَ وُجُوبُهُ مُوَسَّعًا فَمَتَى سَعَى فِيهِ سَعَى فِي وَاجِبِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ وَرَثَتُهُ وَلَا مَالُهُ إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدُ فَذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَالَ أَشْهَبُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ: فَإِنْ أَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ صَرُورَةٌ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صَرُورَةٌ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ نَذَرَتْهُ وَلَهُ مَنْعُهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ فِيهَا: وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ إذَا نَذَرَتْ الْمَشْيَ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ النَّوَادِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصِحَّتُهُمَا بِإِسْلَامٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْإِسْلَامُ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمِمَّا ذَكَرَ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ صَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى خِطَابِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ قَالَ الْبَاجِيِّ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ خِطَابُهُمْ بِهَا خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ انْتَهَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: الْكُفَّارُ عِنْدَنَا مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْقُرْطُبِيِّ نَفْيُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ نَفْسِهِ لَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِ الْخِلَافَ مِنْهُمْ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ: إنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَكَى فِي الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَفِي كَلَامِهِ فِي الصِّيَامِ مِيلٌ إلَى عَدَمِ الْخِطَابِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ. وَيُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالْخِطَابِ بِالنَّظَرِ إلَى مَسَائِلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْعِبَادَةَ تَصِحُّ مِنْ الْكُفَّارِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَفِي الشَّامِلِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ حِكَايَةِ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ، وَإِلَّا أَجْزَأَ الْفِعْلُ قَبْلَ وُجُوبِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَلَا يُنْقَضُ بِإِجْزَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ مِثْلُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَتْ قَبْلَهُ مُطْلَقًا اهـ. وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الشَّامِلِ وَهَلْ الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ وَرُجِّحَ أَوْ فِي وُجُوبِهِ أَوْ فِيهِمَا خِلَافٌ وَمِمَّنْ تَبِعَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: يَعْنِي أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ فِيهِمَا، انْتَهَى.

وَكَانَ الْحَامِلُ لِلشَّيْخِ بَهْرَامَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا فَحَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَنَصُّهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْإِسْلَامِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ وَالْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْخِطَابِ أَوْ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ شَاسٍ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّبْصِرَةِ وَجَعَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ مَعًا وَحَكَى الْأُولَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا، انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ إنَّمَا هِيَ فِي تَضْعِيفِ الْعَذَابِ فَقَطْ وَذَكَرَ الْبِسَاطِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِذَلِكَ فَائِدَةً أُخْرَى وَهِيَ وُجُوبُ الِاسْتِنَابَةِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ إذَا أَسْلَمَ وَمَاتَ فِي الْحَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَإِنَّمَا تُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ ((قُلْتُ)) : وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا مُسْتَطِيعًا وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَسْتَطِيعُهُ بِالنِّيَابَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَوْلَى رَدُّهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ أَيْضًا وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ يَعْنِي نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِّ الِاسْتِطَاعَةَ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّادَلِيِّ وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَشُرُوطُ وُجُوبِهِ ثَلَاثَةٌ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلِأَدَائِهِ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ ثُمَّ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعْيِينِهَا انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ أَعْنِي نَفْيَ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ فَمَنْ أَحَبَّ فَلِيُرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: لَوْ اعْتَقَدَ الصَّبِيُّ الْكُفْرَ لَمْ يَكْفُرْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلَوْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الرُّويَانِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ وَالِدُهُ: يَصِحُّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَمَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ أَنَّ ارْتِدَادَهُ ارْتِدَادٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ) ش: يَعْنِي فَبِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا الْإِسْلَامُ صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحَجُّ بِالرَّضِيعِ وَأَمَّا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسٍ فَنَعَمْ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا فَلَا يَحُجُّ بِالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقُ. وَكَأَنَّهُ فَهِمَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الْمَنْعِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي صِحَّتِهِ يَعْنِي الْإِحْرَامَ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يُحَجُّ بِابْنِ أَرْبَعٍ لَا بِرَضِيعٍ وَفِي الْمَجْنُونِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِتَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: عَدَمُ الْعَقْلِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ خِلَافُ النَّصِّ وَنَقْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَهُ عَنْ بَعْضِ شَارِحِي الْمُوَطَّإِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَعْمِيَةٌ أَوْ قُصُورٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَمَلَ عِيَاضٌ قَوْلَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحَجُّ بِالرَّضِيعِ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ لَا مَنْعِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ شَارِحِي الْمُوَطَّإِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ نَفْلًا وَلَا فَرْضًا وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ فِي

شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ وَالْعَبْدُ فَعَنْ أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَجِبُ بِالْإِسْلَامِ إلَى آخِرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، انْتَهَى. فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ تَرْكَ الْإِحْرَامِ بِالرَّضِيعِ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَصْلُ فِي الْحَجِّ بِالصَّغِيرِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مَحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ إلَّا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنَعُوهُ وَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِمْ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ وَإِجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ يَرُدُّ قَوْلَهُمْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ لِلْعُلَمَاءِ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْحَجِّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إلْزَامُهُمْ مِنْ الْفِدْيَةِ وَالدَّمِ وَالْجَبْرِ مَا يَلْزَمُ الْكَبِيرَ أَمْ لَا؟ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُلْزِمُهُمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَتَجَنَّبُ عِنْدَهُ مَا يَتَجَنَّبُ الْمُحْرِمُ عَلَى طَرِيقِ التَّعْلِيمِ وَالتَّمْرِينِ وَسَائِرُهُمْ يُلْزِمُونَهُ ذَلِكَ وَيَرَوْنَ حُكْمَ الْحَجِّ مُنْعَقِدًا عَلَيْهِ إذْ جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ إذْ جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجًّا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ إذَا بَلَغَ مِنْ الْفَرِيضَةِ، إلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ فَقَالَتْ: يُجْزِيهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْعُلَمَاءُ إلَى قَوْلِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَحْرَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ فَبَلَغَ قَبْلَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُرْفَضُ إحْرَامُهُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: يُجْزِيهِ إنْ نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ وَرَفْضُ الْأُولَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُجْزِئُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي الْعَبْدِ يُحْرِمُ ثُمَّ يُعْتَقُ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّضِيعِ وَمَنْ لَا يَفْقَهُ هَلْ يَحُجُّ بِهِ؟ وَحَمَلَ أَصْحَابُنَا قَوْلَهُ بِالْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَرْكِهِ، وَالْكَرَاهَةِ لِفِعْلِهِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ مِنْ الْإِجْزَاءِ إذَا اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ أَوْ نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلَ الْفَرْضَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفَى فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَإِذَا صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا وَمَنْ الْمَجْنُونِ فَيُحْرِمُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا قُرْبَ الْحَرَمِ وَتَجْدِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْوِي الْإِحْرَامَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قُرْبَ الْحَرَمِ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ، وَالْمَعْنَى فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الرَّضِيعِ قُرْبَ الْحَرَمِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِهِ جَرَّدَهُ وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ: قُرْبَ الْحَرَمِ، عَلَى قَوْلِهِ: وَجَرَّدَ، لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْيَنَ فَإِنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجَرَّدَ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوَلِيَّ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيُؤَخِّرُ تَجْرِيدَهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ يُجَنَّبُ مَا يُجَنَّبُهُ الْكَبِيرُ وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مُنَاهِزٌ وَرَضِيعٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَمِيعَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَأَنْ يُحْرِمَ بِهِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قُرْبَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَ الرَّضِيعِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُنْهَى عَنْهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَأَنْ يُحْرِمَ الْمُنَاهِزُ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ فِي الْأُمِّ: قَالَ مَالِكٌ: وَالصِّبْيَانُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ الْكَبِيرُ قَدْ نَاهَزَ وَمِنْهُمْ الصَّغِيرُ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَثَمَانِ سِنِينَ الَّذِي لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَذَلِكَ يُقَرَّبُ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمُ، وَاَلَّذِي قَدْ نَاهَزَ فَمِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَدَعُ مَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ الَّذِي إذَا جَرَّدَهُ أَبُوهُ يُرِيدُ بِتَجْرِيدِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَيُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي اخْتِصَارِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ صَبِيًّا صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ فَلَا يُلَبِّي عَنْهُ وَيُجَرِّدُهُ إذَا دَنَا مِنْ الْحَرَمِ، وَإِذَا

جَرَّدَهُ كَانَ مُحْرِمًا وَيُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ وَمَنْ كَانَ مِنْ الصِّبْيَانِ قَدْ نَاهَزَ وَيَتْرُكُ مَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ فَهَذَا يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ فَلَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهِ فَهَذَا أَيْضًا يُقَرَّبُ مِنْ الْحَرَمِ وَيُجَنَّبُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: نَاهَزَ، أَيْ قَارَبَ الْبُلُوغَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الصَّغِيرُ وَالْمُنَاهِزُ بِكَسْرِ الْهَاءِ الْمُرَاهِقُ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ وَالصِّبْيَانُ فِي هَذَا مُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ الْكَبِيرُ وَقَدْ نَاهَزَ وَمِنْهُمْ الصَّغِيرُ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَسَبْعٍ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَهَذَا يُقَرَّبُ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمُ وَاَلَّذِي قَدْ نَاهَزَ فَمِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَدَعُ مَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ وَيَقَعُ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَبْعُدُ بِهِ الْمَسَافَةُ بِخِلَافِ مَنْ يَنْزَجِرُ وَجَازَ تَأْخِيرُ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ وَهُوَ مُرِيدٌ لِلنُّسُكِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ الْبَالِغُ الْمُكَلَّفُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ سِيَّمَا الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ، وَأَسْقَطَ الْبَرَاذِعِيّ ذِكْرَهُ فِي تَهْذِيبِهِ وَذَلِكَ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُحْرِمُ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَالصَّبِيُّ يُجْزِئُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجُنُونِ لِيُعْلَمَ مِنْ أَيِّ الْبَابَيْنِ هُوَ وَهُوَ بِالصَّغِيرِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ غَفْلَتَهُ دَائِمَةٌ كَغَفْلَةِ الصَّغِيرِ وَالْإِغْمَاءُ مَرَضٌ يُرْتَقَبُ زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَلَعَلَّ مَسْأَلَةَ الْمَجْنُونِ سَقَطَتْ مِنْ نُسْخَتِهِ مِنْ تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَإِلَّا فَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيمَا رَأَيْتُهُ مِنْ نُسَخِ التَّهْذِيبِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: الصِّبْيَانُ مُخْتَلِفُونَ فَمَنْ كَانَ كَبِيرًا قَدْ عَقَلَ وَعَرَفَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ فَإِنَّ أَهْلَهُ يُحْرِمُونَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ فَإِنَّ أَهْلَهُ لَا يُحْرِمُونَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُونَ بِهِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمُونَ بِهِ وَيُجَرِّدُونَهُ مِنْ مِخْيَطِ الثِّيَابِ وَيَكْشِفُونَ رَأْسَهُ وَيُجَنِّبُونَهُ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مِنْ الطِّيبِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُلَبُّونِ عَنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ بِتَجْرِيدِهِ يَنْوِي الْإِحْرَامَ لَا أَنْ يُلَبِّيَ عَنْهُ لَا يُقَالُ: ذِكْرُهُ التَّجْرِيدَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا حَجَّ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ وَهُوَ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِثْلُ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَلَا يُجَرَّدُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ: إذَا حَجَّ وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ كَقَوْلِ الْجَلَّابِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَ الصَّبِيِّ عَنْ الْمِيقَاتِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَهَكَذَا لَفْظُ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْأُمِّ صَرِيحًا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَحُجَّ بِالصَّبِيِّ وَيُلَبِّيَ الطِّفْلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَاَلَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ لَا يُلَبِّي عَنْهُ. وَكَيْفِيَّةُ إحْرَامِ الصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ الْوَلِيُّ إدْخَالَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُدْخِلَهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ بَلْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامِهِ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْحَرَمِ وَإِذَا نَوَى إدْخَالَهُ فِي الْإِحْرَامِ جَرَّدَهُ مِنْ الْمِخْيَطِ فَيُعْقَدُ إحْرَامُهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيُؤَخِّرُ تَجْرِيدَهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ إلَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ شَارِحِ الْعُمْدَةِ وَابْنِ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَكَى لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِذَا حَجَّ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ إلَى آخِرِهِ، بِلَفْظٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَحْرَمَ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ وَهُوَ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِثْل ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ وَثَمَانِيَةٍ فَلَا يُجَرِّدُهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْحَرَمِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ دُونَ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ فَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ جَعَلَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا الْإِحْرَامُ مَعَ النِّيَّةِ وَتَقُومُ مَقَامَ التَّجَرُّدِ التَّوَجُّهَ عَلَى الطَّرِيقِ؛ فَبِذَلِكَ يَنْعَقِدُ إحْرَامُ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُجَرَّدُ مِنْ الْمِيقَاتِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَعْنِي

قَوْلَهُ: وَإِذَا أَحْرَمَ بِالصَّبِيِّ؛ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا ابْنَ الْمُنِيرِ فِي اخْتِصَارِهِ لِتَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ التَّهْذِيبِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ وَفِي نُسَخِ التَّهْذِيبِ وَفِي اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنِ يُونُسَ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظٍ: وَإِذَا حَجَّ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ، كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِهِ يُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ وَنَصُّ كَلَامِ شَارِحِ الْعُمْدَةِ فِي إحْرَامِ الصَّبِيِّ وَلَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا لَكِنْ لَا يُجَرِّدُ الطِّفْلَ الصَّغِيرَ جِدًّا مِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِلْمَشَقَّةِ وَخَوْفِ الْإِضْرَارِ بِهِ حَتَّى يُقَارِبَ الْحَرَمَ وَيَفْدِي عَنْهُ، انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَمَتَى يُجَرَّدُ الصَّبِيُّ مِنْ الْمَخِيطِ أَمَّا الْكَبِيرُ فَكَالْبَالِغِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِذَا خِيفَ عَلَيْهِ أُخِّرَ تَجْرِيدُهُ وَأُفْدِيَ عَنْهُ انْتَهَى. فَكَلَامُهُمَا أَيْضًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي حِلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ احْتِمَالًا وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّارِحِ وَرَدَّهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ احْتِمَالًا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَنَصُّ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَهَذَا التَّجْرِيدُ مُخَالِفٌ لِتَجْرِيدِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهُوَ مَعْمُولٌ مُجَرَّدٌ، وَأَجَازَ الشَّارِحُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فِي يُحْرِمُ وَجُرِّدَ مَعًا وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُجَرِّدُ إلَّا قُرْبَ الْحَرَمِ؛ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخَّرَ إحْرَامُ الصَّبِيِّ عَنْ الْمِيقَاتِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى تَجْرِيدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يُؤَخَّرُ الْفِعْلُ عَنْ النِّيَّةِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُؤَخَّرُ انْتَهَى. فَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَقَصَدَ خِلَافَهُ فَالصَّوَابُ مَعَ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّارِحِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَطْ وَنَصُّهُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ: قُرْبَ الْحَرَمِ، هَلْ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ، وَبِقَوْلِهِ: جُرِّدَ، مَعًا حَتَّى تَكُونَ النِّيَّةُ مِنْ الْوَلِيِّ مَقْرُونَةً بِتَجْرِيدِ الصَّبِيِّ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِنِيَّةٍ مَقْرُونَةٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَنْوِيَ عَنْهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَيُجَرَّدُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّيْخِ انْتَهَى. وَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالْوَسَطُ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فِي كَلَامِهِ فِي الصَّغِيرِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَمُطْبِقٌ، أَيْ فَيُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُجَرِّدُهُ وَلَيْسَ كَالصَّبِيِّ فِي تَأْخِيرِ تَجْرِيدِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ كَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ وَحُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَأَنَّهُ يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ، وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ، وَنَصُّهَا نَوَى وَلِيٌّ عَنْ كَرَضِيعٍ وَجَرَّدَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ انْتَهَى. وَلَمَّا اضْطَرَبَتْ هَذِهِ النُّقُولُ وَغَيْرُهَا عَلَى بَعْضِ مَنْ عَاصَرَ مَشَايِخَنَا جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: فَقَالَ فِي مَنْسَكِهِ: وَيُجَرِّدُهُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهَلْ يُحْرِمُ بِهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَوْ عِنْدَ تَجْرِيدِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ إحْرَامَ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ لَيْسَ خَاصًّا بِالرَّضِيعِ وَكَذَا تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِقُرْبِ الْحَرَمِ لَيْسَ خَاصًّا بِهِ كَمَا قَدْ يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلَكِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَصَّ الرَّضِيعَ بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ صِحَّةُ حَجِّهِ وَجَوَازُهُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ مَنْعِ الْحَجِّ بِهِ وَلَوْ أُتِيَ بِالْكَافِ فَقَالَ: عَنْ كَرَضِيعٍ؛ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ: يُسْتَحَبُّ الْحَجُّ بِالصِّبْيَانِ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُهُ وَعَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ قَرْنٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحُجُّ بِالصِّبْيَانِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو مَهْدِيٍّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكَافِلِ الصَّبِيِّ تَمْرِينُهُ عَلَى الْعِبَادَاتِ حَتَّى تَصِيرَ لَهُ كَالْعَادَاتِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى

كَافِلِهِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فِي وَقْتِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَيُعْفَى عَمَّا يَجْتَرِحُهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَإِنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَأِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا تَجِبُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ الْحُلُمَ وَالصَّغِيرَةُ الْحَيْضَ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَجَّ بِهِمَا وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: كَانَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحُجُّوا بِأَبْنَائِهِمْ وَيَعْرِضُونَهُمْ لِلَّهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَنَصُّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ السَّابِقِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمَا أَيْ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ فِي الْإِحْرَامِ بِالتَّجْرِيدِ، وَالتَّجْرِيدُ فِعْلٌ فَيَكُونُ كَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وَأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا بُدَّ فِي انْعِقَادِهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ؛ لِأَنَّ التَّجْرِيدَ فِعْلٌ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَهَذَا فِي الذَّكَرِ وَفِي الْأُنْثَى يَكُونُ الْفِعْلُ كَشْفَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالتَّوَجُّهَ عَلَى الطَّرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَجُرِّدَ؛ أَنَّ الرَّضِيعَ يُجَرَّدُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَقَالَ الْبَرَاذِعِيّ أَيْضًا: وَإِذَا كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فَلَا يُلَبِّي عَنْهُ أَبُوهُ وَإِذَا جَرَّدَهُ أَبُوهُ يُرِيدُ بِتَجْرِيدِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَيُجَنِّبُهُ مَا يُجَنِّبُ الْكَبِيرَ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي سَنَدٌ مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ عَنْ صَغِيرٍ لَا يَتَكَلَّمُ حَجَّ بِهِ أَبُوهُ لَا يُلَبِّي عَنْهُ أَبُوهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ وَلَكِنَّهُ يُجَرِّدُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَعَلَى صِحَّتِهِ، أَيْ صِحَّةِ إحْرَامِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ يُحْرِمُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا بِتَجْرِيدِهِمَا نَاوِيهِ وَلَا يُلَبِّي عَنْهُمَا انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ فِي كَلَامِهِ شَامِلٌ لَهُ وَلِلرَّضِيعِ لِمُقَابِلَتِهِ لَهُ بِقَوْلِ الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُحْرِمُ بِالرَّضِيعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: لَا يُجَرَّدُ الرَّضِيعُ وَنَحْوُهُ لِلْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يُجَرَّدُ الْمُتَحَرِّكُ مِنْ الصِّغَارِ. وَقَبِلَهُ شَارِحَاهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ لَا يُجَرَّدُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَالْمَجْنُونُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: لَا يُجَرَّدُ الرَّضِيعُ؛ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهِ تَضْيِيعًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْسَكُ مَا يُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي مَنْسَكِ ابْنِ الْحَاجِّ وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَيَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) يَشْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلِيُّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ قِبَلِ الْقَاضِي وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَلِيِّ كُلُّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي كَفَالَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. (السَّادِسُ) سَيَأْتِي أَنَّ سَفَرَ الْوَلِيِّ بِالصَّبِيِّ وَالْكَافِلِ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: جَائِزٌ وَمَمْنُوعٌ. فَفِي الْوَجْهِ الْجَائِزِ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ وَلَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّعَرِّي إنَّمَا كَانَ قَبْلُ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ كَانَ إحْرَامُهُ أَوْلَى وَأَفْضَلَ، وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَى وَلِيِّهِ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ فِي الطِّرَازِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَأَصَابَ صَيْدًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْأَبِ انْتَهَى فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَهُ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ وَالْأَمْرُ بِاسْتِحْسَانِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يُكْتَبَ لِلصَّبِيِّ دَرَجَةٌ وَحَسَنَةٌ فِي الْآخِرَةِ بِصَلَاتِهِ وَزَكَاتِهِ وَحَجِّهِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يَعْمَلُهَا وَيُؤَدِّيهَا عَلَى سُنَّتِهَا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّهِ كَمَا تَفَضَّلَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَنْ يُؤْجَرَ بِصَدَقَةِ الْحَيِّ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرِ الصَّبِيِّ بِالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهَا. وَصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَسٍ وَالْيَتِيمِ، وَأَكْثَرُ السَّلَفِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يُؤْجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَصَايَاهُمْ

وَلِلَّذِي يَقُومُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ أَجْرٌ لَعَمْرِي كَمَا لِلَّذِي يَحُجُّهُمْ أَجْرٌ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَلَا عَمِلْت لَهُ مُخَالِفًا مِمَّنْ يَجِبُ اتِّبَاعُ قَوْلِهِ انْتَهَى. وَفِي الْإِكْمَالِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَةٍ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ دُونَ سَيِّئَاتِهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاخْتُلِفَ هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ أَوْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ؟ وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ أَوْلِيَاؤُهُمْ بِحَمْلِهِمْ عَلَى آدَابِ الشَّرِيعَةِ وَتَمْرِينِهِمْ عَلَيْهَا وَأَخْذِهِمْ بِأَحْكَامِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَبْعُدُ مَعَ هَذَا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ بِادِّخَارِ ثَوَابِ مَا عَمِلُوهُ مِنْ ذَلِكَ لَهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَائِلِ الْمُقَدِّمَاتِ: لِلصَّبِيِّ حَالَانِ: حَالٌ لَا يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَهُوَ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ، وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ وَحَالٌ يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ فِيهَا مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَإِنَّ وَلِيَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِتَعْلِيمِهِ وَالْمَأْجُورُ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ: وَلَكِ أَجْرٌ، الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَعِنْدَ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ كَانَ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَقَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَفَعَتْ صَبِيًّا، انْتَهَى. مِنْ مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ إحْرَامِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ إلَى آخِرِهِ. (الثَّامِنُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ وَفِي أَرْجُلِهِمْ الْخَلَاخِلُ وَفِي أَيْدِيهِمْ الْأَسْوِرَةُ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ حُلَى الذَّهَبِ انْتَهَى. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ إبَاحَةُ لُبْسِ الْحُلِيِّ لَهُمْ وَهَذَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى، وَالثَّانِي كَوْنُهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِنَزْعِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّبِيَّ يُمْنَعُ مِنْ لِبَاسِ الْمَخِيطِ وَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَخْرَجَ قَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ بِالْمُخْتَصِرِ لَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الْخَاتَمَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ جِنْسِ الْمَخِيطِ وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَمَنْ مَنَعَ الْخَاتَمَ لِلرِّجَالِ مَنَعَ أَيْضًا لِلصَّبِيِّ الْخَلْخَالَيْنِ وَالسِّوَارَيْنِ انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُتْرَكَ عَلَيْهِ مِثْلُ الْقِلَادَةِ وَالسِّوَارَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ الشُّيُوخِ فِي إبَاحَةِ الْمُحَلَّى لَهُمْ ثُمَّ قَالَ عَنْ التُّونُسِيِّ: يَشْغَلُ السِّوَارَ وَالْخَلْخَالِ مَحَلَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ: يَنْزِعُ الْكَبِيرُ فِي إحْرَامِهِ مَا بِعُنُقِهِ مِنْ كُتُبٍ، انْتَهَى. وَقَدْ رَأَيْت كَلَامَ التُّونُسِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَشْهُورِ مَذْهَبِهِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَوَّازِيَّةِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُطْبِقٌ) ش: هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَكَذَا يُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ قُرْبَ الْحَرَمِ وَيُجَرِّدُهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَالصَّبِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ قَوْلُهُ: وَمُطْبِقٌ، أَيْ فَيُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُجَرِّدُهُ، وَلَيْسَ كَالصَّبِيِّ فِي تَأْخِيرِ تَجْرِيدِهِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَلِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُطْبِقُ هُوَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ انْتَهَى. (قُلْت) وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَحْسَنُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يُقَالَ: هُوَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَلَوْ كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ كَمَا يَأْتِي فِي الصَّبِيِّ. (الثَّانِي) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " وَمُطْبِقٌ " مِمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ أَحْيَانًا وَيُفِيقُ أَحْيَانًا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهِ حَالَ إفَاقَتِهِ فَإِنْ عُلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ صَارَ كَالْأَوَّلِ، انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَنَصُّهُ:

وَالْمُطْبِقُ وَمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ قَبْلَ الْفَوَاتِ كَالصَّغِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا غَيْرُهُمَا كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا مُغْمًى) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ يُرِيدُ وَلَا غَيْرُهُ، فَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَحَدٌ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُتَرَقَّبُ زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصَّبِيِّ لِدَوَامِهِ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ غَيْرَهُ - فِي أَصْلِ الدِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَوَاءٌ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِمُوا - عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، وَسَوَاءٌ خَافُوا أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ أَمْ لَا كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْبَرَاذِعِيّ: وَمَنْ أَتَى الْمِيقَاتَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَتَمَادَوْا فَإِنْ أَفَاقَ وَأَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمُوا عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ أَوْ بَعْدَهُمْ - قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا وَلَيْسَ مَا أَحْرَمُوا عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَا أَحْرَمَ بِهِ هُوَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَقَدْ وَقَفَ بِهِ أَصْحَابُهُ؛ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ. انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمُوا عَنْهُ لَا بِفَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ، أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ وَهِيَ نَافِلَةٌ وَلِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ؛ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ وَلَمْ يَقُلْ: وَيُكْمِلُ حَجَّهُ - وَيُجْزِئُ نَافِلَةً فَتَأَمَّلْهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ لِلدُّخُولِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالِاعْتِقَادَاتُ - النِّيَّاتُ وَلَا يَنُوبُ فِيهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا فِي حَالِ إغْمَائِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَنْ أُغْمِيَ - عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَيُنْتَظَرُ فَإِنْ لَمْ يُفِقْ مِنْ إغْمَائِهِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ أَفَاقَ مِنْ إغْمَائِهِ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَلَا يَخْلُو؛ - إمَّا أَنْ يُفِيقَ بِعَرَفَةَ أَوْ يُفِيقَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ أَفَاقَ بِعَرَفَةَ أَحْرَمَ مِنْهَا حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي ثُمَّ يَقْطَعُ مَكَانَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أَفَاقَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَجْزَأَهُ، وَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ شَيْئًا وَأَرْجُو أَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ بَيِّنٌ فَإِنَّ دَمَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يُجَاوِزُهُ مُرِيدًا لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِي الْأَخِيرَةِ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ مُرِيدًا أَصْلًا؛ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ إذَا جَاوَزَ بِهِ أَهْلُهُ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عُوفِيَ فَأَفَاقَ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَتَحَصَّلَ - مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَرْبَعَ - حَالَاتٍ: الْأُولَى: أَنْ لَا يُفِيقَ أَصْلًا مِنْ أَوَّلِ الْحَجِّ إلَى كَمَالِهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُفِيقَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ بَعْدَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَهَذَا قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي الصُّورَتَيْنِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُفِيقَ بِعَرَفَةَ فَهَذَا مُحْرِمٌ حِينَئِذٍ وَيُلَبِّي إلَى الزَّوَالِ إنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيُلَبِّي ثُمَّ يَقْطَعُ فِي حِينِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. الرَّابِعَةُ أَنْ يُفِيقَ قَبْلَ عَرَفَةَ فَحُكْمُ هَذَا مَا قَالَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ، فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ لَكِنْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَكَانَ لِلْمُوَلَّى - تَحْلِيلُهُ مِنْهُ وَلَهُ إجَازَةُ فِعْلِهِ وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ كَانَ يُرْتَجَى بُلُوغُهُ فَالْأَوْلَى تَحْلِيلُهُ لِيُحْرِمَ بِالْفَرْضِ بَعْدَ بُلُوغِهِ

فَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ، قَالَ الشَّارِحُ: وَانْظُرْ إذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْعَبْدِ أَمْ لَا، انْتَهَى. (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ كَالْعَبْدِ بَلْ هُوَ أَوْلَى لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ مُنْعَقِدٌ وَأَنَّ تَحْلِيلَهُ جَائِزٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ سَنَدٌ: الصَّبِيُّ يَصِحُّ حَجُّهُ فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فَأَحْرَمَ وَصَحَّ إحْرَامُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَيَصِيرُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمَا يَنْوِيهِ وَلِيُّهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ؟ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الرَّجُلِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ السَّفَهِ لَا يَمْضِي. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ فَحَلَّلَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ أَعْتَقَ أَوْ حَلَّلَ الصَّبِيُّ وَلِيَّهُ ثُمَّ بَلَغَ فَلِيُحْرِمَا الْآنَ بِالْحَجِّ وَيَجْزِيهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا يَقْتَضِي انْعِقَادُ إحْرَامِهِ، وَإِنَّمَا لِلْوَلِيِّ النَّظَرُ فِي إمْضَائِهِ وَرَدِّهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَاخْتَلَفَ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى. وَلَمْ يَفْهَمْ الشُّيُوخُ رِوَايَةَ الْعُتْبِيَّةِ كَمَا فَهِمَهَا الْقَاضِي سَنَدٌ كَمَا سَيَأْتِي الْآنَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جَوَازُ التَّحْلِيلِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تَأَمَّلْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ؟ وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَحْلِيلِ الصَّبِيِّ إذَا حَصَلَ هُنَاكَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ إلَّا أَنْ يَخْشَى مِنْ تَمَادِيهِ عَلَى الْإِحْرَامِ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَوْ جَزَاءٌ فَإِنْ صَحَّ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ السَّفِيهُ الْبَالِغُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُ ذِي رِقٍّ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَشَكَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَوَازِ تَحْلِيلِ الصَّبِيِّ وَالْكَبِيرِ السَّفِيهِ قُصُورٌ؛ لِقَبُولِ الصَّقَلِّيِّ وَالشَّيْخِ قَوْلَ أَشْهَبَ: لَوْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ عَقِبَ تَحْلِيلِهِ سَيِّدَهُ أَوْ وَلِيُّهُ فَأَحْرَمَ لِفَرْضِهِ أَجْزَأَهُ، وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ إحْرَامُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ سَفَهٌ لَا يَمْضِي وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ، وَتَعَلَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْحَجِّ وَمِيقَاتِهِ بَعِيدٌ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي عَقَلَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: حَقِيقَةُ الْمُمَيِّزِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَمَقَاصِدَ الْكَلَامِ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِفْهَامِ انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ. (الثَّالِثُ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِحْرَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ. (الرَّابِعُ) هَلْ يَنْعَقِدُ إحْرَامُ الْمُمَيِّزِ بِإِحْرَامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ الِانْعِقَادُ وَالْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ فَلَا يَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُمَيِّزَ يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَةَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا قَضَاءَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَحَلَّلَهُ الْوَلِيُّ مِنْ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا حَلَّلَهُ مِنْهُ سَيِّدُهُ فِي حَالِ الرِّقِّ إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَإِذَا عَتَقَ؛ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَيُقَدِّمُ حَجَّةَ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَنَصُّهُ: وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَعْتَقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْفَرْضِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَشْهَبَ، رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا لِقَوْلِهِ: وَقَدَّمَهُ وَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي الْجَزْمِ بِتَقْدِيمِ حَجَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَرْضِ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَعْتَقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الْفَرْضِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ انْتَهَى. وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ الْأَقْطَعِ فِي مَنْسَكِهِ بِأَنَّهُ يُقَدِّمُ حَجَّةَ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي فَصْلِ الْمَوَانِعِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَبْدِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالتُّونُسِيِّ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ

التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَمَرَهُ مَقْدُورُهُ وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ إنْ قَبْلَهَا كَطَوَافٍ لَا كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَحْرَمَ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ فِي فِعْلِهِ إنْ قَبِلَ ذَلِكَ الْفِعْلُ النِّيَابَةَ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ النِّيَابَةَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ كَالتَّلْبِيَةِ وَالرُّكُوعِ لِلْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لِلطَّوَافِ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ. قَاعِدَةٌ إنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فَإِنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ فَعَلَ عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ فِعْلِ الطَّوَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَإِنَّ حَقِيقَةَ النِّيَابَةِ أَنْ يَأْتِيَ النَّائِبُ بِالْفِعْلِ دُونَ الْمَنُوبِ عَنْهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: نَابَ عَنَّى فُلَانٌ، أَيْ قَامَ مَقَامِي وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُطَافَ بِهِ وَيَسْعَى مَحْمُولًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: ضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا فَعَلَهُ وَمَا لَا يُمْكِنُهُ مُسْتَقِلًّا فَعَلَ بِهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ كَالرَّمْيِ فَعَلَ عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ كَالتَّلْبِيَةِ وَالرُّكُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ الصَّبِيُّ فَلَا يَفْعَلُ عَنْهُ، وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ وَالْأَصْلُ سُقُوطُهُ كَالتَّلْبِيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الرُّكُوعِ وَالْأَشْهَرُ سُقُوطُهُ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَقَالَ حَمْدِيسٌ وَغَيْرُهُ: يَرْكَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ رُكُوعَ الطَّوَافِ جُزْءٌ مِنْ الْحَجِّ الَّذِي تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ انْتَهَى وَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِأَنْ يَقُولَ: وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ وَقَبْلَ النِّيَابَةِ فَعَلَ عَنْهُ كَالرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْ الصَّبِيِّ اسْتِقْلَالًا وَلَا بِمُشَارَكَةٍ فَيَفْعَلُ عَنْهُ وَمَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ سَقَطَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ يُلَقَّنُ التَّلْبِيَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ لِصِغَرِهِ سَقَطَ حُكْمُ التَّلْبِيَةِ فِي حَقِّهِ كَمَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ الْكَبِيرِ وَإِذَا سَقَطَ وُجُوبُهَا رَأْسًا سَقَطَ حُكْمُ الدَّمِ عَنْهَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ رُكْنٌ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يُلَبِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا يَنْوِي عَنْهُ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَ الشَّارِحُ: لَا يُلَبِّي عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ الصِّرْفَةِ وَلَمْ يَعْمَلْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِجَوَازِ الرُّكُوعِ عَنْهُ قَوْلٌ بِجَوَازِ التَّلْبِيَةِ عَنْهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَعْجُوزٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا كَانَ كَالْجُزْءِ مِنْ الطَّوَافِ، وَالطَّوَافُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ نَاسَبَ أَنْ يَرْكَعَ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ انْتَهَى. وَفِي قَوْلِهِ إنَّ الطَّوَافَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ نَظَرٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يُلَبِّي عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ رُكْنٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْكَانَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَمَعَ ذَلِكَ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إلَّا بِهَا، وَالظَّاهِرُ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْكَعُ عَنْهُ لِلطَّوَافِ أَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَكَانَ الرُّكُوعُ مِنْ وَاجِبَاتِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَيُعِيدُ الطَّوَافَ لِأَجْلِهَا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فَأُمِرَ بِالرُّكُوعِ عَنْهُ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا كَانَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَإِلَّا لَرَجَعَ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَعَلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرْكَعُ عَنْهُ الْإِحْرَامُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرْكَعُ عَنْهُ لِلطَّوَافِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ أَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَزَاهُ لِحَمْدِيسٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِحَمْدِيسٍ وَغَيْرِهِ. (الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ الطَّهَارَةَ وَلَا يُمْتَثَلُ

مَا يُؤْمَرُ بِهِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ طَوَافِهِ فِيهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَتُهُ مِنْ الْخُبْثِ وَلَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ بِطُرُوِّ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَيْسَ بِهِ سَلَسٌ، (قُلْت) هُوَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ الطَّهَارَةَ وَلَا يَمْتَثِلُ مَا أُمِرَ بِهِ انْتَهَى. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي طَوَافِهِ بَقِيَّةُ شُرُوطِ الطَّوَافِ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَكَوْنِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا ذَكَرُوا هَذِهِ الشُّرُوطَ لَمْ يَخُصُّوهَا بِأَحَدٍ، وَلِقَوْلِ ابْنِ فَرْحُونٍ: وَلَا يُبْطِلُهُ طُرُوُّ الْحَدَثِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْلَبُ أَوَّلًا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَلِقَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الصَّبِيُّ عَلَى الطَّوَافِ طَافَ بِهِ مَنْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ مَحْمُولًا عَلَى سُنَّةِ الطَّوَافِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الطَّوَافِ: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِذَا طَافَ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُتَوَضِّئَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الطَّوَافُ وَكَذَا إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُتَوَضِّئًا وَالْوَلِيُّ مُحْدِثًا، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُتَوَضِّئًا وَالصَّبِيُّ مُحْدِثًا فَوَجْهَانِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِحُّ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْفَرْعَيْنِ غَرِيبٌ. (الثَّالِثُ) حُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَتْهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِحْرَامَ بِالصَّبِيِّ وَالطَّوَافَ بِهِ وَالسَّعْيَ بِهِ وَالرَّمْيَ عَنْهُ، وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَالصَّبِيِّ، انْتَهَى. ص (وَأَحْضَرَهُمْ الْمَوَاقِفَ) ش: الضَّمِيرُ لِلرَّضِيعِ وَالْمُطْبِقِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُمَيِّزِ يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يُحْضِرَ الطِّفْلَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونَ وَالْمُمَيِّزَ مَوَاقِفَ الْحَجِّ، وَالْمُرَادُ بِهَا عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى وَلَا يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِيمَنْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ خَافَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِمْ الْمَوَاقِفَ فَأَجَابَ بِزَوَالِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: الضَّمِيرُ فِي إحْضَارِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ انْتَهَى وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَوَاقِفِ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُحْضِرُهُ الْمَوَاقِيتَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ وَاحِدٌ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ الْمَشَاعِرَ كَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى انْتَهَى. وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاقِفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: وَجُمِعَتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا يَصِحُّ فِيهِ الْوُقُوفُ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إحْضَارُهُ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ عَرَفَةَ وَمِثْلُهُ تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ الْمَوَاقِفَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَقَالَ: أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ؛ لِأَنَّ مِنًى مِنْ الْمَوَاقِفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ بِهَا الْوُقُوفُ إثْرَ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ ضَيَاعُهُ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ إذَا خَرَجَ بِهِ إلَى الْحَجِّ فَزَادَتْ نَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ عَلَى نَفَقَتِهِ فِي الْحَضَرِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي الْحَضَرِ رُبْعَ دِرْهَمٍ فِي الْيَوْمِ وَفِي السَّفَرِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَالزِّيَادَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذَا تَرَكَهُ وَلَمْ يَسْتَصْحِبْهُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ بَعْدَهُ فَالزِّيَادَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا " شَرْطٌ مُرَكَّبٌ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَلَا النَّافِيَةِ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً، كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ مَحْذُوفَةٌ، وَقَوْلُهُ: " فَوَلِيُّهُ " الْفَاءُ دَخَلَتْ لِرَبْطِ الْجَوَابِ بِالشَّرْطِ وَوَلِيُّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ فَوَلِيُّهُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: أَوْ يَكُونُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَإِلَّا فَالزَّائِدُ عَلَى وَلِيِّهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، انْتَهَى. وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي كَفَالَتِهِ مِنْ أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ لِأُمِّ الصَّبِيِّ أَوْ أَبِيهِ أَوْ مَنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُحِجَّهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ ضَيْعَتِهِ بَعْدَهُ أَوْ لَا كَافِلَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا ضَمِنَ لَهُ مَا أَكْرَى لَهُ بِهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرَ مَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي مَقَامِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ السَّفَرِ بِالصَّبِيِّ وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ: السَّفَرُ فِي أَصْلِهِ مَضَرَّةٌ بِالصَّبِيِّ فِي بَدَنِهِ وَلَمَّا كَانَ

مَشَقَّةٌ قَصَرَ الْمُسَافِرُ وَأَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَالصَّبِيُّ لَا يَسْلُكُ بِهِ وَلِيُّهُ إلَّا سَبِيلَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا لِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا إلَّا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ فَالْأَبُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ مَعَهُ لِمَالِهِ فِي صُحْبَتِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ حُسْنِ النَّظَرِ وَلِكَمَالِ شَفَقَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ بَعْدَهُ لِمَا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ وَغَيْرُ الْأَبِ لَا يَخْرُجُ بِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يُكَلِّفُهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ خَافَ ضَيْعَتَهُ حَمَلَهُ وَنَفَقَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ إذَا سَافَرَ لِمَصْلَحَتِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ مَصْلَحَةٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ لَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهَا عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ وَلِيِّهِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: لَا يَحُجُّ بِالصَّبِيِّ إلَّا وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَمَنْ لَهُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فَكَانَ أَمْرُهُ لِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي مَالِهِ وَذَلِكَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَوَلِيُّ الْحَاكِمِ وَلَوْ كَانَ فِي كَفَالَةِ أَحَدٍ بِغَيْرِ إيصَاءٍ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيَّةِ مِنْ الْأَعْرَابِ تَأْخُذُهُمْ السَّنَةُ فَيَضُمُّهَا الْإِنْسَانُ وَيُرَبِّيهَا وَيُرِيدُ تَزْوِيجِهَا مَنْ أَنْظَرَ لَهَا مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ تَحْتَ جَنَاحِ أَبِيهِ وَخَالِهِ وَعَمِّهِ وَأَخِيهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: " يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ " يَعْنِي إذَا خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَلَا يَحُجُّ بِهِ إلَّا الْأَبُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى: إنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا فَلَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ إنْ خَافَتْ ضَيْعَتَهُ بَعْدَهَا وَنَصُّ الْمَسْأَلَةِ وَشَرْحُهَا، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْوَالِدَةِ أَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ جَوَازُهُ لِلْأُمِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمَرْأَةِ وَلَكِ أَجْرٌ، وَلَمْ يَقُلْ وَلِوَلِيِّهِ وَلَا شَرْطُهُ فِي إحْرَامِ الصَّبِيِّ وَبِهِ احْتَجَّ مَالِكٌ فَإِنَّ الَّذِي رُفِعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُحِفَّةِ إنَّمَا رَفَعَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ. وَلَمْ تَذْكُرْ أَنَّ مَعَهُ وَالِدُهُ قَالَ: فَإِذَا أَحْرَمَتْ أُمُّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَازَ الْإِحْرَامُ فَأَرَى كُلَّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ يَجُوزُ لَهُ مَا جَازَ لِلْأُمِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ الْوَلَدَ فِي كَفَالَةِ أُمِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي حِجْرِ وِصَايَتِهَا وَلِأَنَّ لِلْأُمِّ أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنْ الْأَبِ وَتَصْرِفُهَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَتَنْظُرُ فِي بَعْضِ شَأْنِهِ فَكَانَ نَظَرُهَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ جَائِزًا كَنَظَرِهَا فِي غَيْرِهِ بِمَا يَصْلُحُ شَأْنُهُ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ لَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ إنْ خَافَتْ ضَيْعَتُهُ بَعْدَهَا انْتَهَى. (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ لَا تُسَافِرُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ لِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّفَقَةِ كَالْأَبِ بَلْ هِيَ أَعْظَمُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فَلَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ لِلصَّبِيِّ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَنْ يُسَافِرُ بِهِ، إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ. (قُلْت) وَهَذَا كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا مِمَّا تَسْقُطُ بِهِ الْحَضَانَةُ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَرِيبًا فَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تَخْرُجَ بِهِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَضَانَةِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا حُكْمُ إحْرَامِهِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ وَلَيٌّ عَنْ رَضِيعٍ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِالصَّبِيِّ يَضْمَنُ لَهُ مَا أَكْرَى لَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: كِرَاءُ الدَّابَّةِ عَلَى مَنْ سَافَرَ بِهِ إلَّا قَدْرَ كِرَاءِ بَيْتِهِ فِي مُدَّةِ سَفَرِهِ إنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بِالْكِرَاءِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ كَانَ كِرَاءُ الصَّبِيِّ وَنَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ قَدْرَ نَفَقَتِهِ فِي الْإِقَامَةِ ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْكِرَاءَ أَدْخَلَتْهُ فِي السَّفَرِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْكِرَاءِ وَعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ فِيمَا طَرَأَ فِي السَّفَرِ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِ الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِثْلَ أَنْ يَغْرَقَ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ إذْ لَا صُنْعَ

لِلْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. ذَكَرَ هَذَا فِيمَا إذَا سَافَرَ بِهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَجَزَاءِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ) ش: هَذَا الْكَلَامُ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَوَلِيِّهِ " فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الْجَزَاءَ وَالْفِدْيَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ ضَرُورَةٍ عَلَى الْوَلِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ خِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ الضَّيْعَةُ أَمْ لَا، وَلَا يَفْصِلُ فِي ذَلِكَ كَمَا فَصَلَ فِي زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الصَّغِيرِ وَكَذَا الْأَقْفَهْسِيُّ وَالْبِسَاطِيُّ وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا فِي الْحَجِّ الثَّالِثِ، وَإِذَا حَجَّ بِالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالِدُهُ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَبِسَ وَتَطَيَّبَ فَالْجَزَاءُ وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الدَّمِ فِي الْحَجِّ فَذَلِكَ عَلَى وَالِدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَجَّهُ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ وَالِدُهُ فِي الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ وَلَكِنْ يُطْعِمُ أَوْ يُهْدِي انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَحَمَلَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ بِالْوَلَدِ نَظَرًا لَهُ إذْ لَا كَافِلَ لَهُ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِهِ وَلَا يُحِجُّهُ فَلَمَّا أَدْخَلَهُ فِي الْحَجِّ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ أُمُورِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ أَحَجَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَفْصِلُ فِي ذَلِكَ كَالنَّفَقَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا خِلَافُ مَا يَتَأَوَّلُهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ لَهُ وَجْهٌ فِي الْقِيَاسِ لَكِنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ مَا يَتَخَوَّفُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي إحْجَاجِهِ إيَّاهُ مِنْ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ وَإِحْجَاجُهُ طَاعَةٌ وَأَجْرٌ لِمَنْ أَحَجَّهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَهَذَا حَجُّ تَطَوُّعٍ لِلصَّبِيِّ وَأَجْرٌ لِمَنْ أَحَجَّهُ لَا يُتْرَكُ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَهَذَا أَصْلُنَا أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَ الثَّالِثَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا وَتَأَوَّلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ عَلَى وَجْهٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ رَجَّحَ الْقَوْلَ الثَّالِثَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا رَجَّحَ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَحَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلتُّونُسِيِّ عَنْ ثَالِثِ حَجِّهَا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْكَافِي هُوَ الْأَشْهَرُ لَكِنْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنْ تَكُونَ الْفِدْيَةُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ غَيْرُهُ بِذَلِكَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَتْ الْفِدْيَةُ لِضَرُورَةٍ تَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَقَبِلَهُ الشَّارِحُ قَالَ وَقَالَهُ ابْنُ شَاسٍ. (قُلْت) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ حَكَى فِي الْفِدْيَةِ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ التَّفْصِيلُ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَصَوَّبَهُ. وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَعَطَفَهُ بِقِيلَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ طَيَّبَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ إلَّا إذَا قَصَدَ الْمُدَاوَاةَ فَيَكُونَ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ انْتَهَى مِنْ آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي، فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ وَقَدْ حَكَى فِي اسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَإِذَا حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَشْهَرِ وَأَنَّ الْفِدْيَةَ فِي اسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ الطِّيبَ عَلَى الْوَلِيِّ فَكَذَلِكَ إذَا طَيَّبَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ وَلَوْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَتَأَمَّلْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ يَفْصِلُ فِي ذَلِكَ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَهُوَ الَّذِي صَدَرَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ مَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِ يُصِيبُ صَيْدًا: إنَّهُ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَحَمَلَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي أَنَّ الْفِدْيَةَ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ يَفْصِلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ لَا يُفْصَلُ فِيهَا وَهُوَ عَكْسُ الْمَنْقُولِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ تَكُونُ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا يَفْصِلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ تَكُونُ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ

فَيَفْصِلُ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَأَوْلَى وَيُتْرَكُ الْعَمَلُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ أَوْ يُجْعَلُ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْفِدْيَةُ الَّتِي بِلَا ضَرُورَةٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَأَحْرَى الَّتِي لِضَرُورَةٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الْوَلِيَّ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ فَلَمَّا أَدْخَلَهُ فِي الْإِحْرَامِ صَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يَفْصِلُ بِهِ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ أَحْرَمَ بِهِ أَمْ لَا وَنَصُّهُ وَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ فِي الْحَرَمِ كَانَ فِي مَالِ الْوَصِيِّ إذَا أَخْرَجَهُ تَعَدِّيًا وَإِنْ أَخْرَجَهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَانَ مَا أَصَابَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْإِحْرَامُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ: وَجَزَاءُ صَيْدٍ بِالْحَرَمِ دُونَ إحْرَامِهِ جِنَايَةٌ إنْ خِيفَ، أَيْ فَيَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِلَّا فَعَلَى وَلِيِّهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ كَانَ فِي مَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ وَلَيْسَ بِالْبَيْنِ؛ لِأَنَّهَا جَنَابَةٌ مِنْ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ دَابَّةً فِي سَفَرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا فِي مَالِهِ انْتَهَى. (قُلْت) وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْهَدْيِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْهَدْي لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْوَلِيِّ فَإِذَا فَرَّطَ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الدَّمِ فِي الْحَجِّ فَذَلِكَ عَلَى وَالِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: فِي الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَإِذَا أَفْسَدَ حَجَّهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَصْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ وَخِلَافَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنْ أَعْطَيْنَا وَطْأَهُ حُكْمَ الْجِمَاعِ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ نُعْطِهِ حُكْمَ الْغُسْلِ وَالْحَدَثِ فَلَا قَضَاءَ فِيهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ فِي حَالِ صِبَاهُ؟ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى جِمَاعِ الصَّبِيِّ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ وَأَنَّهُ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْقَضَاءِ فَلَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ الصِّحَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ) ش شُرُوطُ الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، وَشَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَشَرْطٌ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا شَرْطَ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَذَكَرَ هُنَا شُرُوطَ وُجُوبِهِ وَشُرُوطَ وُقُوعِهِ فَرْضًا، فَقَالَ: وَشَرْطُ وُجُوبِهِ فَرْضًا إلَى آخِرِهِ يَعْنِي أَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ الْحَجِّ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ أَيْ كَوْنُ الشَّخْصِ مُكَلَّفًا وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ، وَشَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَخُلُوُّهُ عَنْ نِيَّةِ النَّفْلِ فَيَكُونُ شُرُوطُ وُجُوبِهِ ثَلَاثَةً: الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَشُرُوطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا أَرْبَعَةً: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَخُلُوُّهُ عَنْ نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُهُ وَلَا عَلَى مَنْ لَيْسَ بِبَالِغٍ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ وَيَصِحُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ إذَا كَانُوا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا يَقَعُ فَرْضًا مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَلَوْ نَوَوْا الْفَرْضَ وَقَوْلُهُ وَقْتَ إحْرَامِهِ رَاجِعٌ إلَى الْأَخِيرِ، يَعْنِي أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِ فَمَنْ كَانَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ حُرًّا مُكَلَّفًا صَحَّ إحْرَامُهُ بِالْفَرْضِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا أَوْ مُكَلَّفًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ الَّذِي أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ أَوْ الْوَلِيُّ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفَرْضُ، وَلَوْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ

تنبيهات أحرم الصبي بغير إذن وليه ولم يعلم إلا بعد بلوغه

الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ فِي حَالَ رِقِّهِ ثُمَّ عَتَقَ أَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ بُلُوغِهَا ثُمَّ بَلَغَا فَلَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْإِحْرَامُ فَرْضًا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ رَفَضُوهُ وَنَوَوْا الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ بِالْفَرْضِ لَمْ يَرْتَفِضْ، وَهُمْ بَاقُونَ عَلَى إحْرَامِهِمْ وَلَوْ حَصَلَ الْعِتْقُ وَالْبُلُوغُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: يُجْزِيهِمَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ وَالْبُلُوغُ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَوَافَقَهُمَا فِي الْعَبْدِ وَمَنَعَ انْعِقَادَ إحْرَامِ الصَّبِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُرْفَضُ إحْرَامُهُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ إنْ نَوَى فِي إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ، وَأَمَّا إذَا نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ الْفَرْضَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَانْظُرْهُ، انْتَهَى. (قُلْت) هَذَا الْحَمْلُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَالصَّبِيُّ وَالْجَارِيَةُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَمَادَوْا عَلَى حَجِّهِمْ، وَلَمْ يُجِزْ لَهُمْ أَنْ يُجَدِّدُوا إحْرَامًا وَلَا تَجْزِيهِمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَلَفْظُ الطِّرَازِ أَبْيَنُ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يُحْرِمُ ثُمَّ يَبْلُغُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهَا فَيُجَدِّدُ إحْرَامًا: إنَّهُ لَا يُجْزِي عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: قَالَ: لَوْ أَنَّ غُلَامًا مُرَاهِقًا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ احْتَلَمَ مَضَى عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يُرْدِفَ إحْرَامًا عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ: لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ نَفْلًا إجْمَاعًا وَمَا عُقِدَ نَفْلًا لَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْإِكْمَالِ السَّابِقِ: إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِالْحَجِّ وَبَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ فَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ نَفْلًا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ عَنْ مَالِكٍ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ سَوَاءٌ جَدَّدَ إحْرَامًا أَمْ لَا، وَنَحْوُهُ لِلتِّلِمْسَانِيِّ وَالْقَرَافِيِّ وَنَحْوُهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ لِقَوْلِهِ: اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ يُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ ثُمَّ يَحْتَلِمُ هَذَا وَيُعْتَقُ هَذَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا سَبِيلَ إلَى رَفْضِ إحْرَامِهَا وَيَتَمَادَيَانِ وَلَا يُجْزِيهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ: انْتَهَى بِمَعْنَاهُ، وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا التَّمَادِي وَلَا يَكُونُ لَهُمَا رَفْضٌ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِثْلُ مَالِهِ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَهَذَا النَّقْلُ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَلَمْ يَعْلَم إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ظَاهِرٌ إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ ثُمَّ أَجَازَاهُ فَإِنْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ وَلَا السَّيِّدُ بِذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدَ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَ الصَّبِيُّ وَلَوْ بَلَغَ إذَا كَانَ سَفِيهًا؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْمَوَانِعِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَ السَّفِيهَ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَيُحَلِّلُهُ مِنْ هَذَا الْإِحْرَامِ النَّفَلُ لَيُحْرِمَ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ رَشِيدًا وَانْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَتَقَ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُحَلِّلَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ وَيَتَمَادَى عَلَى حَجِّهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ فَأَعْتَقَ أَوْ بَلَغَ أَحْرَمَ عَنْ فَرِيضَتِهِ، وَلَوْ بِعَرَفَاتٍ لَيْلَتُهَا وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ، أَمَّا لَوْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَهُمَا بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ فَلَا الضَّمِيرُ فِي كَانَ

عَائِدٌ عَلَى أَحَدِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَقَوْلُهُ: قَبْلَهُمَا، أَيْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ، أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ بِإِذْنِ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَهُ وَكَلَامُهُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّبِيِّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُ السَّفِيهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ فَلَا؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ ارْتَفَعَ حُكْمُ السَّيِّدِ عَنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّمَادِي فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ مَنَاسِكَ ابْنِ فَرْحُونٍ. (الثَّانِي) لَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ إحْرَامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ إحْرَامَ الْوَلِيِّ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْفُضَهُ وَيُجَدِّدَ إحْرَامًا بِالْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مَعْتُوهٍ انْتَهَى. (قُلْت) إنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْمَعْتُوهِ الْمَجْنُونَ وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: الْمَعْتُوه الذَّاهِبُ الْعَقْلِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ يُعِيدُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ أَبَدًا فَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ ضَعِيفُ الْعَقْلِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ. (الرَّابِعُ) إنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ وُقُوعَهُ فَرْضًا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ وَاجِبًا بِأَنْ يَقَعَ فَرْضًا، وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِمُقَارَنَتِكُمْ بَيْنَهُمَا بِتَشْبِيهِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ؛ قِيلَ: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ شَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا حَتَّى يَحْصُلَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ، فَلَوْ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ وَتَحَمَّلَ الْمَشَاقَّ وَالْكَفَّ وَحَجَّ قَبْلَ حُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ مَعَ أَنَّهُ أَوَّلًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَهُ شَرْطٌ أَوْ سَبَبٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَجِبُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِ وُجُوبِهِ وَلَا مَعَ فَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يُجْزِئُ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ عَنْ الْفَرْضِ؟ (فَالْجَوَابُ) كَمَا قَالَ سَنَدٌ: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا حَصَلَ بِمَوْضِعِ الْحَجِّ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فَأَجْزَأَهُ فِعْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَبْلُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَجْزِيَهُ عَنْ فَرْضٍ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ إذَا وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ بِخِدْمَةِ النَّاسِ أَوْ بِالسُّؤَالِ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَجَابَ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُجْزِي عَنْ الْوَاجِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، كَالْجُمُعَةِ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَتُجْزِيهِمَا عَنْ الظُّهْرِ انْتَهَى. (قُلْت) إنَّمَا أَجْزَأَتْ الْجُمُعَةُ عَنْ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِاسْتِقْرَارِ وُجُوبِ شَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) اُنْظُرْ هَلْ عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَجْزِيَهُ عَنْ الْفَرْضِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ، مَا حُكْمُ مَنْ كَانَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ مِنْهُ ثُمَّ تَكَلَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوُصُولَ إلَى مَكَّةَ عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، قَالَ سَنَدٌ: لَمَّا قَسَّمَ شُرُوطَ الْحَجِّ وَمِنْهَا مَا يُمْنَعُ فَقْدُهُ الْوُجُوبَ دُونَ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ: وَأَمَّا عَدَمُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ فَيُمْنَعُ الْوُجُوبُ دُونَ الْإِجْزَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَتَخَرَّجَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْحُكْمِ سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَإِنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا لَمْ يُعْتَبَرْ إجْمَاعًا وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا اُعْتُبِرَ إجْمَاعًا وَإِنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا بَعْدَ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ سَبَبُهَا وَكَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ جَرَيَانِ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ، وَقَبْلَ وُجُوبِ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَخْتَلِفُ التَّشْهِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِحَسَبِ مَدَارِكَ أُخَرَ، فَنَقُولُ: كَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا وَقَعَ بَعْدَ شُرُوطِهِ

وَقَبْلَ سَبَبِهِ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَيَتَّجِهُ حِينَئِذٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْصُلْ الِاسْتِطَاعَةُ لَمْ يَصِحَّ الْحَجُّ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطُ صِحَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَطِيعِ لَا يُجْزِئُهُ حَجُّهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الْقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ: إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضْنَاهَا وَهِيَ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ فَتَكَلَّفَ وَأَتَى وَمَا حَصَلَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ مِنْ مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مُسْتَطِيعًا فَلَا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ وَلَا فِي صِحَّةِ حَجِّهِ وَإِجْزَائِهِ عَنْ الْفَرْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ أَنْ نَقُولَ بِالْإِجْزَاءِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا حَصَلَ السَّبَبُ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَفُقِدَتْ الشُّرُوطُ أَعْنِي الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشُّرُوطِ عَدَمُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ غَيْرَ مُسْتَطِيعِينَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا تُصْرَفُ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمَا. وَقَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ وَنَفْلٍ يَعْنِي بِهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الْحَجِّ فَرْضًا أَنْ يَخْلُوَ عَنْ نِيَّةِ النَّفْلِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ أَوْ يَنْوِيَ الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَهُ سَنَدٌ، وَنَصَّهُ وَلَوْ نَوَى الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ انْصَرَفَ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إذَا كَانَ صَرُورَةً وَذَلِكَ لِتَأْثِيرِ قُرْبِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ إذَا نَوَى النَّفَلَ هَلْ يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ صَرُورَةٌ، قَالَ: يَنْصَرِفُ إلَى فَرْضِ نَفْسِهِ انْتَهَى. فَنَحْصُلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا نَوَى النَّفَلَ انْعَقَدَ وَلَمْ يَنْقَلِبْ فَرْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَكَرِهَ لَهُ تَقْدِيمَ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ قَالَهُ الْجَلَّابُ وَالتَّلْقِينُ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ تَقْدِيمُهُ عَلَى فَرْضٍ قَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ بَقِيَّةٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ قَرَنَ النَّفَلَ مَعَ الْفَرْضِ فَجَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَوَى النَّفَلَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَيْ خَالٍ مِنْ نِيَّةِ نَفْلٍ سَوَاءٌ لَمْ يَنْوِ إلَّا النَّفَلَ أَوْ قَرَنَهُ عَلَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ انْتَهَى. وَهُوَ فِي عُهْدَةِ قَوْلِهِ: أَوْ قَرَنَهُ، وَقَوْلُهُ: غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَنَى بِهِ قَوْلَهُ أَوْ قَرَنَهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ عَنَى بِهِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ فَغَيْرُ مُسْلِمٍ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ: بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ، يُغْنِي عَنْهُ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقْتَ إحْرَامِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ فَقَدْ انْعَقَدَ إحْرَامُهُمَا نَافِلَةً، وَلَا يَنْقَلِبُ فَرِيضَةً، وَكَذَلِكَ نَفْلُ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ انْقِلَابِ نَفْلِهِمَا إلَى الْفَرْضِ وَعَدَمِ انْقِلَابِ نَفْلِ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ الْإِحْرَامُ حَصَلَ مِنْهُمَا وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ أَلْبَتَّةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَحَالَ أَنْ يَنْقَلِبَ النَّفَلُ فَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفَرْضُ بِخِلَافِ نَفْلِ مَنْ كَانَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَلِبَ فَرْضًا فَلِذَلِكَ نُبِّهَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) تَقَدَّمَ أَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ الْحَجِّ الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَأَنَّهَا أَيْضًا مِنْ شَرْطِ وُقُوعِهِ فَرْضًا، وَهَذَا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُمَيِّزَ عَاقِلٌ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا عَقْلَ إلَّا لِلْبَالِغِ فَيَكْفِي اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ عَنْ الْبُلُوغِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ مُسْتَغْرِقُونَ بِحُقُوقِ السَّادَاتِ وَالْحَجُّ مَشْرُوعٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَهُمْ غَيْرُ مُسْتَطِيعِينَ، وَقِيلَ فِي إسْقَاطِهِ عَنْهُمْ: إنَّهُمْ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي الْخِطَابِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي دُخُولِهِمْ فِي خِطَابِ الْأَحْرَارِ وَالصَّحِيحُ دُخُولُهُمْ انْتَهَى. وَكَوْنُ شُرُوطِ الْوُجُوبِ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ هُوَ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطًا بَلْ جَعَلَهَا سَبَبًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَعَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَذَاهِبِ مِنْ أَنَّهَا شَرْطٌ؛ فَنَقُولُ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ

وَالِاسْتِطَاعَةُ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانِ السَّيْرِ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي فُرُوعِ الِاسْتِطَاعَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ يُزِيدَانِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ الْمَحْرَمُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ شَرْطًا عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ هُوَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ: هُوَ وَالْعَقْلُ، وَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ وَغَيْرُهُ هُمَا وَالِاسْتِطَاعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ) ش لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ شَرْطِهِ وَسَبَبِهِ وَانْتِفَاءِ مَانِعِهِ، وَفَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْحَجِّ ذَكَرَ هُنَا سَبَبَهُ وَسَيَذْكُرُ فِي آخِرِ الْحَجِّ مَوَانِعَهُ، فَقَالَ: وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ، يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَجِّ الِاسْتِطَاعَةُ، وَإِفْرَادُهَا عَنْ شُرُوطِ الْحَجِّ وَعَدَمُ عَطْفِهَا عَلَيْهَا وَإِدْخَالُ الْبَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَكَذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا: زَنَى فَرُجِمَ، وَسَرَقَ فَقُطِعَ، وَسَهَا فَسَجَدَ، وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوُجُوبَ بِحَرْفِ " عَلَى " لِلِاسْتِطَاعَةِ فَتَكُونُ سَبَبًا لَهُ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَجْعَلُونَ الِاسْتِطَاعَةَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ لَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق وَنَصَّهُ وَالِاسْتِطَاعَةُ هِيَ شَرْطُ وُجُوبٍ لَا صِحَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَنَحْوِهِ فِي عِبَارَةِ التَّلْقِينِ وَنَصَّهُ وَشَرْطُ أَدَائِهِ شَيْئَانِ: الْإِسْلَامُ وَإِمْكَانُ الْمَسِيرِ، قَالَ مُؤَلِّفُ طُرَرِ التَّلْقِينِ: عَدَّهُ إمْكَانَ الْمَسِيرِ شَرْطُ أَدَاءً وَهُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ إذْ هُوَ مِنْ لَوَاحِقِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ هَذَا هُوَ أَنْ لَا يَتَصَوَّرَ لَهُ حَجٌّ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُغَرَّرُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَهُ فَيَكُونُ حَجُّهُ عَلَى هَذَا مَعْصِيَةً وَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فَلَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ وَيَكُونُ كَحَجِّ الْكَافِرِ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: هُوَ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ وَلِلْوُجُوبِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا حَيْثُ يَقَعُ الْإِحْرَامُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَمَّا لَوْ تَكَلَّفَ حَتَّى صَارَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ مُسْتَطِيعًا ثُمَّ أَحْرَمَ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نِزَاعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا سَبَبٌ. الثَّانِي أَنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ. الثَّالِثُ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ الْوُجُوبُ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالْفِعْلِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ بِدُونِ الِاسْتِطَاعَةِ وَيَتَحَتَّمُ بِوُجُودِهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ بِدُونِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَإِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَوُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَعْنِي الِاسْتِطَاعَةَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَانِهِ وَقْتٌ وَاسِعٌ كَانَ وُجُوبُهُ مُوسِعًا وَمَتَى سَعَى فِيهِ سَعَى فِي وَاجِبِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا إذَا طَرَأَ لِعُذْرٍ فِي وَقْتِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إذَا مَاتَ سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا، وَلَا يَلْزَمُ وَرَثَتُهُ وَلَا مَالُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنَ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ انْتَهَى. ص (بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ) ش: لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَجِّ الِاسْتِطَاعَةُ أَخَذَ يُفَسِّرُهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى

{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] أَذَلِكَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا ذَاكَ إلَّا طَاقَةُ النَّاسِ، الرَّجُلُ يَجِدُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ وَآخَرُ يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى رِجْلِهِ وَلَا صِفَةَ فِي هَذَا أَبْيَنُ مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَزَادَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَرُبَّ صَغِيرٍ أَجْلَدُ مِنْ كَبِيرٍ، وَنَقَلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَلَامَ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاجِلًا بِغَيْرِ كَبِيرِ مَشَقَّةٍ أَوْ رَاكِبًا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا وَقِيلَ: الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَدَلِيلُهُ أَيْ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ هِيَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» التِّرْمِذِيُّ وَتَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي رَاوِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ فُهِمَ عَنْ السَّائِلِ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ إلَّا بِذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَعْنَاهُ فِي بَعِيدِ الدَّارِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَتَأَوَّلَ أَيْ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِتَقْيِيدِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَوْلُهُمَا فِي اعْتِبَارِ الرَّاحِلَةِ بِالْبَعِيدِ حَيْثُ قَالَ فِي نَوَادِرِهِ: يُرِيدُ الرَّاحِلَةَ فِي بَعِيدِ الدَّارِ وَقَبِلَ الْمُتَأَخِّرُونَ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ وَنَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ: الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لِبَعِيدِ الدَّارِ وَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ انْتَهَى. بَلْ حَكَى سَنَدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَنَصُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِالْقُدْرَةِ دُونَ الْمِلْكِ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمَشْيِ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ الرَّاحِلَةُ إجْمَاعًا، وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ اسْتَوَى فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ كَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا يَقُولُ صَاحِبُ الشَّامِلِ: وَمَنْ تَبِعَهُ. وَثَالِثُهَا يُعْتَبَرُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لِمَنْ بَعُدَ مَكَانُهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ خِلَافٌ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَعِيدِ رَاجِعٌ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا فِي الرَّاحِلَةِ، وَأَمَّا الزَّادُ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُ لِابْنِ قُنْبُلَ الْمَكِّيِّ: مَا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْنَا الْحَجَّ؟ قَالَ خُبْزَةٌ نَتَزَوَّدُوهَا إلَى عَرَفَةَ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ هُنَا: بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَنْسَكِهِ: مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ بِالْفَاءِ وَالدَّالِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ ثَقِيلَةٍ عَظِيمَةٍ مَنْ فَدَحَهُ الدَّيْنُ، إذَا أَثْقَلَهُ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ مُطْلَقِ الْمَشَقَّةِ فَإِنَّ السَّفَرَ لَا يَخْلُو عَنْهَا، وَلِذَلِكَ رُخِّصَ فِيهَا لِلْمُسَافِرِ بِالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَنَدٌ: الْمَشَقَّةُ عَلَى حَسَبِ الْأَحْوَالِ فَمَا هَانَ تَحَمُّلُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَمَا صَعُبَ أَثَّرَ انْتَهَى. (الثَّانِي) إذَا فَسَّرْنَا الِاسْتِطَاعَةَ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ إمْكَانُ الْمَسِيرِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ وَإِنْ فَسَّرْنَاهَا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ قَالَ سَنَدٌ: فَهُمَا شَرْطَانِ زَائِدَانِ، قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمُعْظَمُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ هُمَا شَرْطَا وُجُوبٍ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِنَا، وَقَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هُمَا شَرْطَا أَدَاءً. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَعَطْفُ الْمُصَنِّفُ الْأَمْنَ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالَ عَلَى إمْكَانِ الْوُصُولِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ. (الثَّالِثُ) مَعْنَى إمْكَانِ الْمَسِيرِ أَنْ يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ زَمَانٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهِ السَّيْرُ الْمُعْتَادُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعِبَادَةِ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِمْكَانِهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، قَالَهُ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ سَنَدٍ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ حَمْلُ الْمَشَقَّةِ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَجُّ انْتَهَى. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا قَالَهُ سَنَدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حَمْلُ الْمَشَقَّةِ وَلَيْسَتْ عَظِيمَةً فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ عَظِيمَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ بِوُجُوبِ تَحَمُّلِهَا، وَإِذَا لَمْ

يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَنِ الْحَجِّ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْمَسِيرُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَيَكُونُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فِيهِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُهُ فِيهِ الْمَسِيرُ مِنْ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْخُرُوجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا كَانَتْ لَهُ طَرِيقٌ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ كَخَوْفِهَا مِنْ عُذْرٍ أَوْ غَوْرِ مَائِهَا وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ السَّفَرُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى لَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ كَمَا لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَمَّنْ بَعُدَتْ دَارُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي كِلَا الطَّرِيقَيْنِ عُذْرٌ قَاطِعٌ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ وَنَصُّهُ: الْحَجُّ يَجِبُ فِي الْبَرِّ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ يَغْرَمُهُ لِمَانِعِ طَرِيقٍ، فَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَوَجَدَ السَّبِيلَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ؛ لَمْ يَسْقُطْ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ أَوْعَرَ بِأَمْرٍ يُدْرِكُهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ أَوْ كَانَ مَخُوفًا مِنْ سِبَاعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ لُصُوصٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَنَصُّهُ: وَيُعْتَبَرُ الْأَمْنُ عَلَى النَّفْسِ اتِّفَاقًا وَعَلَى الْمَالِ مِنْ لُصُوصٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ مَا يَأْخُذُ ظَالِمٌ مِمَّا يُجْحِفُ بِهِ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومٍ إنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا سِوَاهُ أَوْ كَانَتْ مَخُوفَةً أَوْ وَعِرَةً تَشُقُّ وَإِلَّا وَجَبَ كَأَخْذِهِ مَالًا يُجْحِفُ عَلَى الْأَظْهَرِ إنْ لَمْ يَنْكُثْ انْتَهَى. وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْعُذْرِ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ أَوْعَرَ بِأَمْرٍ يُدْرِكُهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ يُرِيدُ الْمَشَقَّةَ الْعَظِيمَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. (قُلْت) وَإِذَا كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ يُمْكِنُ سُلُوكُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِحْدَاهُمَا تُوَصِّلُ فِي عَامٍ وَالْأُخْرَى فِي عَامَيْنِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ سُلُوكُ الْقُرْبَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ وَيَتَرَجَّحُ سُلُوكُهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلَّخْمِيِّ فِي مَسْأَلَةِ سُلُوكِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. (الْخَامِسُ) السُّلْطَانُ الَّذِي يَخَافُ أَنَّهُ مَتَى حَجَّ اخْتَلَّ أَمَرُ الرَّعِيَّةِ وَيَفْسُدُ نِظَامُهُمْ مِنْ خَوْفِ عَدُوِّ الدِّينِ أَوْ الْمُفْسِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ وَسُئِلْت عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ حُكْمِ اسْتِئْجَارِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا نَصُّهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي سُلْطَانٍ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَخَافَ أَنَّهُ مَتَى حَجَّ بِنَفْسِهِ اخْتَلَّ أَمْرُ الرَّعِيَّةِ وَفَسَدَ نِظَامُهُمْ وَاسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى بِلَادِهِمْ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَبْت إذَا تَحَقَّقَ مَا ذُكِرَ مِنْ اخْتِلَالِ أَمْرِ الرَّعِيَّةِ وَفَسَادِ نِظَامِهِمْ وَاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بِلَادِهِمْ بِسَبَبِ حَجِّ هَذَا السُّلْطَانِ فَلَا كَلَامَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَيَصِيرُ الْحَجُّ فِي حَقِّهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ حِينَئِذٍ فِيهِ وَصِحَّتُهَا إنْ وَقَعَتْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَقُولُ بِجَوَازِهَا ابْتِدَاءً وَأَجَابَ سَيِّدِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي السَّعَادَاتِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى لَهُ زَوَالُ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَعْضُوبِ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ رَجَى زَوَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ كَالْمَرْجُوِّ الصِّحَّةَ، وَنَصُّهُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ مُتَرَكِّبًا مِنْ عَمَلٍ بَدَنِيٍّ وَعَمَلٍ مَالِيٍّ وَرَدَ النَّصُّ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ بِقَبُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ فِي حَقِّ الْمَعْضُوبِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ: مَنْ لَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ الْبَاجِيِّ كَالزَّمِنِ وَالْهَرِمِ فَالسُّلْطَانُ الْمَذْكُورُ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّ مَا خَشِيَهُ مِنْ اخْتِلَالِ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ وَصْفٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَهُوَ كَالْمَعْضُوبِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ أَجْرَ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءَ وَإِنْ رَجَى زَوَالَ مَا خَشِيَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ كَالْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ صِحَّتَهُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَرَأَيْت بِخَطِّ الْقَاضِي عَبْدِ الْقَادِرِ الْأَنْصَارِيِّ صُورَةَ اسْتِئْجَارٍ وَنَصُّهُ بِاخْتِصَارٍ لَمَّا عَظَّمَ اللَّهُ حُرْمَةَ الْبَيْتِ وَأَوْجَبَ حَجَّهُ وَكَانَ السُّلْطَانُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْأَنْصَارِيُّ السَّعْدِيُّ الْخَزْرَجِيُّ مِمَّنْ شَطَّتْ بِهِ الدِّيَارُ وَاشْتَغَلَ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَنْ عَجَزَ عَنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْحَجِّ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ

مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْقَوْلَ الْغَيْرَ الْمَشْهُورِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ مُؤَلِّفُ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْعَاجِزِ وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ، هُوَ ظَاهِرُ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا اسْتِنَابَةَ لِلْعَاجِزِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَنْعِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَنُقِلَ أَنَّ الْقَادِرَ لَا يَسْتَنِيبُ اتِّفَاقًا وَإِجْمَاعًا: وَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ مِنْ شِرَاءِ الْحَجَّاتِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا يَفْعَلُ فِي حَقِّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ، وَفَعَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَامَ حَجَّ فَذَكَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلْخَلِيفَةِ سُلْطَانِ إفْرِيقِيَّةَ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ أَبِي الْعَبَّاسِ حَجَّةً انْتَهَى. وَأَجَابَ سَيِّدِي الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْنِ الدِّينِ الْقَطَّانُ الشَّافِعِيُّ إمَامُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَطِيبُهُ بِمَا نَصُّهُ الَّذِي رَضِيَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مِنْ الْحَصْرِ الْخَاصِّ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إنْ أَيِسَ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ وَيَكُونُ كَالْمَعْضُوبِ فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ النَّائِبِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ أَنَّ الْمُعْتَمِدَ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنَّ الْحَصْرَ الْخَاصَّ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ عِنْدَ الْيَأْسِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (السَّادِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ اُنْظُرْ هَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخُطُوَاتِ وَإِذَا فَعَلَ هَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ انْتَهَى. (قُلْت) أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَمَحَلُّ نَظَرٍ كَمَا قَالَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) شَمَلَ قَوْلُهُ: " وَأَمِنَ " عَلَى نَفْسِ الْأَمْنِ مِنْ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، وَالْأَمْنُ عَلَى الْبِضْعِ وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ. وَشَمَلَ قَوْلُهُ: " وَمَالُ الْأَمْنِ " عَلَى الْمَالِ مِنْ اللُّصُوصِ جَمْعُ لِصٍّ مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ السَّارِقُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُحَارِبُ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقِتَالِ لِقَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ: لَا يَشُكُّ فِي اعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنْ كَانَ مِنْ لُصُوصٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ إلَى ضَيَاعِ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ انْتَهَى. وَقَدْ يُطْلَقُ اللِّصُّ عَلَى الْمُحَارِبِ، وَأَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَمَلَ أَيْضًا كَلَامُهُ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ مِنْ الْمُكَّاسِ وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا مُرَتَّبًا فِي الْغَالِبِ، وَأَصْلُ الْمَكْسِ فِي اللُّغَةِ النَّقْصُ وَالظُّلْمُ وَيُقَالُ لَهُ الْعَشَّارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْعُشُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَمِنْهُ الرَّصَدِيُّ الَّذِي يَرْقَبُ النَّاسَ عَلَى الْمَرَاصِدِ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا قَالَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمَّا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْمَكَّاسُ فِيهِ تَفْصِيلٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِمَا سَيَأْتِي، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى الْمَالِ مِنْ اللُّصُوصِ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الصَّادِقِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ مِنْ اللُّصُوصِ: هُوَ عُذْرٌ بَيِّنٌ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ مَا أَفْتَى بِهِ زَمَانًا، فَقَالَ: لَا يُنْجِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ مَالِكٌ إلَّا فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْأَمْصَارِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجَابَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَعَلَى الْمَالِ مِنْ لُصُوصٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَكَأَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُ مَا نَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الصَّادِقِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الصَّادِقِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ جُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ عَبْدِ الصَّادِقِ وَجَعَلَهُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً فَيُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يَتَحَدَّدُ أَوْ يَتَحَدَّدُ وَيُجْحِفُ فَلَا يَجِبُ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يُجْحِفُ

فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لَا يَنْكُثُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْأَمْنِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ فِي الطَّرِيقِ مَكَّاسًا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا قَلِيلًا وَلَا يَنْكُثُ بَعْدَ أَخْذِهِ لِذَلِكَ الْقَلِيلِ، فَذَكَرَ أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ سُقُوطِ الْحَجِّ، وَالثَّانِي سُقُوطُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْمَكَّاسُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنًا مُجْحِفًا سَقَطَ الْوُجُوبُ وَفِي غَيْرِ الْمُجْحِفِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ وَالْآخَرُ حَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَكَّاسُ يَأْخُذُ مَا يُجْحِفُ سَقَطَ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يَخْتَارُ عَدَمَ السُّقُوطِ سَوَاءٌ طَلَبَ مَا يُجْحِفُ أَمْ لَا يُجْحِفُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ السِّرَاجِ: فَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الظَّالِمُ فِي طَرِيقٍ أَوْ فِي دُخُولِ مَكَّةَ مَالًا فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَدْخُلُ وَلَا يُعْطِيهِ وَلْيَرْجِعْ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ عِرْضَهُ مِمَّنْ يَهْتِكُهُ بِمَالِهِ، وَقَالُوا: كُلُّ مَا وَقَى بِهِ الْمَرْءُ عَرْضَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ دِينَهُ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ إيَّاهُ وَلَوْ أَنَّ ظَالِمًا قَالَ لِرَجُلٍ لَا أَمْكَنَك مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ إلَّا بِجُعْلٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ انْتَهَى. وَصَاحِبُ السِّرَاجِ هُوَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُجْحِفُ وَمَا لَا يُجْحِفُ، كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَيْلٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِبَقَائِهِ فَقِيرًا وَأَنَّهُ يَبِيعُ عُرُوضَهُ، وَأَنَّهُ يَتْرُكُ وَلَدَهُ لِلصَّدَقَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى مَا يُجْحِفُ فَضْلًا عَمَّا لَا يُجْحِفُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي الْإِعْطَاءِ هُنَا إعَانَةً لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ وَبَغْيِهِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَّا بِهَا بِخِلَافِ هَذِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ قَلِيلًا وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَكَّاسُ يَطْلُبُ الْكَثِيرَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَجَّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْكَثِيرُ لَا يُجْحِفُ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَوْ صَرِيحُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا لَا يُجْحِفُ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَرَافِيّ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ إذَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ عَدُوٌّ يَطْلُبُ النَّفْسَ أَوْ مِنْ الْمَالِ مَا لَا يَتَحَدَّدُ أَوْ يَتَحَدَّدُ وَيُجْحِفُ وَفِي غَيْرِ الْمُجْحِفِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ فِي تَغَايُرِ الْعِبَارَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُجْحِفَ وَغَيْرَ الْمُجْحِفِ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَرُبَّ شَخْصٍ يُجْحِفُ بِهِ الدِّينَارُ وَآخَرُ لَا يُجْحِفُ بِهِ الْعَشَرَةُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَسْقُطُ بِعَدَمِ الْيَسِيرِ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي: وَلَا بِكَثِيرٍ، لَا يُجْحِفُ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَاعْتِبَارُ الْمُجْحِفِ وَغَيْرِ الْمُجْحِفِ هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: مَا قَلَّ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَلَا يُجْحِفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ فَيَتَّفِقُ كَلَامُهُ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: وَاَلَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، وَنَصُّ كَلَامِهِ إذَا كَانَ الْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ لِمَغْرَمٍ فَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ: إذَا كَانَ يُجْحِفُ لَمْ يَلْزَمْ فَاعْتُبِرَ مَا تَبْلُغُ مَضَرَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى حَدٍّ لَا يُحْتَمَلُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَسِيرُ إلَّا بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِعَلْعَلٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي يَعْنِي فِي الْمَعُونَةِ حَسَنٌ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِانْتِقَاصِ دِينَارٍ مِنْ مَالِهِ، وَضَرَرُ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ انْتَهَى. وَمِمَّنْ قَالَ بِسُقُوطِ الْحَجِّ بِغَيْرِ الْمُجْحِفِ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ فَإِنَّهُ أَفْتَى جَمَاعَةً مَشَوْا مَعَهُ لِلْحَجِّ فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَعْرَابِيٌّ عَلَى كُلِّ جَمَلٍ ثَمَنُ دِرْهَمٍ بِأَنْ يَرْجِعُوا

فَرَجَعُوا ذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الْوُجُوبَ بِكَوْنِ الظَّالِمِ لَا يَنْكُثُ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ فِي مَنَاسِكِهِ، وَمَا قَالَهُ هُنَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ فِي مَنَاسِكِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا كَانَ الظَّالِمُ يَنْكُثُ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلُّ مِنْ الْمُخْتَصَرِ: أَوْ جَهِلَ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: " عَلَى الْأَظْهَرِ " رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: " مَا قَلَّ " لَا إلَى قَوْلِهِ: لَا يَنْكُثُ، إذْ لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ إذَا كَانَ يَنْكُثُ وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ غَدْرِهِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ: لَا يَنْكُثُ، عَلَى قَوْلِهِ: مَا قَلَّ؛ فَقَالَ: إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ لَا يَنْكُثُ مَا قَلَّ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لَكَانَ أَبْيَنَ. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ: " عَلَى الْأَظْهَرِ " يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ هُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي رَجَّحَهُ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَمْ أَجِدْهُ لَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا فِي الْبَيَانِ وَلَا فِي الْأَجْوِبَةِ وَلَا عَزَاهُ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَلَا فِي مَنَاسِكِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي سُقُوطِهِ بِغَيْرِ الْمُجْحِفِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) رَأَيْت فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْحَجِّ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ عَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَصَدَّرَ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ مَا نَصُّهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى: إنْ سَأَلَ يَسِيرًا أَوْ عَلِمَ عَدَمَ غَدْرِهِ قِيَاسًا عَلَى عَادِمِ الْمَاءِ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُجْحَفُ بِهِ، وَإِنْ أَجْحَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ انْتَهَى. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ فَأَشَارَ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ مَالَ إلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ عَزْوُ مُقَابِلِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو عِمْرَانَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَفْتَاهُمْ بِالرُّجُوعِ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ ثَمَنَ دِينَارٍ عَلَى كُلِّ جَمَلٍ. (الْخَامِسُ) قَالَ سَنَدٌ: أَمَّا مَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ عَلَى مَنْ بَذْرَقَةُ الْحَجِيجِ لِيَدْفَعُوا عَنْهُمْ كُلَّ يَدٍ عَادِيَةٍ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْوَلِيدِ: هِيَ مِنْ وَجْهٍ تُشْبِهُ سَائِرَ النَّفَقَاتِ اللَّازِمَةِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا لِلْجُنْدِ جَائِزٌ إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ فَهِيَ أُجْرَةٌ يَصْرِفُونَهَا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَهِيَ مِنْ وَجْهٍ تُشْبِهُ الظُّلْمَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ تَوْظِيفِهَا خَوْفُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِمْ مَنْ يَخْفِرُهُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ وَاللُّصُوصِ مَعَ تَجْوِيزِ الْغَرَرِ، وَقَالَ: إنَّ أُجْرَةَ الدَّلِيلِ تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ سُؤَالِ ابْنِ رُشْدٍ: لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْحَافِظُ مِنْ اللُّصُوصِ إذَا قَلَّ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا يَأْخُذُهُ الظَّالِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ نَكْثُهُ وَالْحَافِظُ لَيْسَ بِظَالِمٍ فِيمَا يَأْخُذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْتَمَنَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ نَكْثُهُ؛ تَعْلِيلٌ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْكُثَ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لَيْسَ لَهُ دِينٌ يَمْنَعُهُ وَأَمَّا لَوْ عُلِمَ نَكْثُهُ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ، وَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ أُجْرَةَ الدَّلِيلِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ وَمَنْ يَحْفَظُ الْحُجَّاجَ مِنْ اللُّصُوصِ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَجُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْبَذْرَقَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا قَافٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ مَعْنَاهَا الْخِفَارَةُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: هِيَ الْخَفِيرُ وَهُوَ الَّذِي يَحْفَظُ الْحُجَّاجَ وَيَحْرُسُهُمْ وَكَأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْخُفَارَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَكَّمِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ الْفَتْحَ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَلَى الضَّمِّ وَفَسَّرَهَا بِالذِّمَّةِ، وَكَذَا صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَفَسَّرَهَا فِي النِّهَايَةِ بِالذِّمَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى الذِّمَّةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهَا جُعْلُ الْخَفِيرِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ قَوْلُ الْقَائِلِ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قِلَّةُ أَدَبٍ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِطَاعَةُ مَعْدُومَةٌ فِي الْمَغْرِبِ وَمَنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَرَأَيْت كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَصْدُهُ التَّقْرِيبَ إلَى فَهْمِ الْعَامَّةِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَقَفْت عَلَى تَأْلِيفٍ فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيِّ السَّبْتِيِّ وَلَعَلَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَأَوَّلُهُ: سَأَلْت أَيُّهَا الْأَخُ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ عَنْ بَعْضِ مَنْ يُعْزَى إلَى الْفِقْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ سُقُوطَ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مُكَلَّفٍ ضَمَّهُ أُفُقٌ مِنْ آفَاقِ الدُّنْيَا أَوْ صُقْعٌ مِنْ أَصْقَاعِ الْأَرْضِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَحَضَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِطَاعَةِ مَفْقُودٌ عِنْدَهُمْ وَالصُّقْعُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ: النَّاحِيَةُ، وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ حَكَاهُ التَّادَلِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ فَحَكَى عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْوَلِيدِ أَفْتَى بِسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ وَأَنْ الطُّرْطُوشِيَّ بِضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى أَفْتَى بِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَأَنَّ مَنْ غُرَّ وَحَجَّ سَقَطَ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ آثِمٌ بِمَا ارْتَكَبَ مِنْ الْغَرَرِ وَذَكَرَ عَنْ مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ أَنَّ السَّبِيلَ السَّابِلَةَ اسْمٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَقِيتُ فِي الطَّرِيقِ مَا اعْتَقَدْت أَنَّ الْحَجَّ مَعَهُ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ بَلْ حَرَامٌ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رَدَّ هَذَا وَنَصَّهُ، وَفِي تَعْلِيقِ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ قَدْ عَلَّقَ اللَّهُ الْحَجَّ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَبَيَّنَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هِيَ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَتَرْكِ التَّفْرِيطِ وَارْتِكَابِ الْمَنَاكِيرِ وَسَبَبُ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْوَلِيدِ أَفْتَى بِسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، وَأَفْتَى الطُّرْطُوشِيُّ بِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ فَمَنْ غُرَّ وَحَجَّ سَقَطَ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ آثِمٌ بِمَا ارْتَكَبَ مِنْ الْغَرَرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَاعْلَمُوهُ وَاعْتَقِدُوهُ، وَفِي مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ السَّبِيلُ السَّابِلَةُ اسْمٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ مُسَمًّى فَلَقَدْ دَخَلْت الطَّرِيقَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ إلَى إشْبِيلِيَّةَ ثُمَّ إلَى بِجَايَةَ وَعَبَرْت الزُّقَاقَ، وَتَخَيَّلْت وُجُودَ السَّبِيلِ ثُمَّ خَرَجْت إلَى الْمُهْدِيَةِ فَلَقِيت فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَا اعْتَقَدْت أَنَّ الْحَجَّ مَعَهُ سَاقِطٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ بَلْ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنَّ الِانْصِرَافَ فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ تَقَحُّمِ هَذِهِ الْمُخَاطَرَاتِ وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَرَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى هَؤُلَاءِ فَقَالَ: الْعَجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ يُسَافِرُ مِنْ قُطْرٍ إلَى قُطْرٍ وَيَقْطَعُ الْمَخَاوِفَ وَيَخْرِقُ الْبِحَارَ فِي مَقَاصِدَ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ، وَالْحَالُ وَاحِدٌ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ وَإِعْطَائِهِ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ لَا يُرْضِي انْتَهَى. مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى: إشَارَةٌ صُوفِيَّةٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ سُقُوطِ فَرْضِ الْحَجِّ عَمَّنْ يُكْرَهُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ غَيْرِ مُجْحِفٍ بِهِ لِظَالِمٍ اسْتَغْرَمَهُ إيَّاهُ مَا نَصُّهُ وَقَدْ خَاضَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَكْثَرُوا فِيهَا الْقَوْلَ فَكُلُّ تَعَلُّقٍ بِمِقْدَارِ مَا يَكْثُرُ عَلَى سَمْعِهِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ إلَى مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ مِنْ تَهْوِيلِ مَا يَجْرِي عَلَى الْحُجَّاجِ، قَالَ: وَلَقَدْ حَضَرْت مَجْلِسَ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ بِصَفَاقُصَ وَحَوْلَهُ جُمَلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَكْثِرُوا الْقَوْلَ وَالتَّنَازُعَ فِيهَا فَمِنْ قَائِلٍ بِالْإِسْقَاطِ وَمِنْ مُتَوَقِّفٍ صَامِتٍ، وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَكَلَّمُ وَكَانَ مَعَنَا فِي الْمَجْلِسِ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ الْوَاعِظُ وَكُنَّا مَا أَبْصَرْنَاهُ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْحَلَقَةِ وَخَاطَبَ الشَّيْخَ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ: يَا مَوْلَايَ الشَّيْخَ

إنْ كَانَ سَفْكُ دَمِي أَقْصَى مُرَادُهُمْ ... فَمَا غَلَتْ نَظْرَةٌ مِنْهُمْ بِسَفْكِ دَمِي فَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ مِنْ جِهَةِ طُرُقِ الْمُتَصَوِّفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ التَّفَقُّهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ قَالَ: وَأَنْشَدَ فِي السِّرَاجِ قَالُوا تَوَقَّ رِجَالَ الْحَيِّ إنَّ لَهُمْ ... عَيْنًا عَلَيْك إذَا مَا نِمْت لَمْ تَنَمْ (فَقُلْت) إنَّ دَمِي أَقْصَى مُرَادُهُمْ ... وَمَا غَلَتْ نَظْرَةٌ مِنْهُمْ بِسَفْكِ دَمِي وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمَتْ نَفْسِي بِمَنْ هَوِيَتْ ... جَاءَتْ عَلَى رَأْسِهَا فَضْلًا عَنْ الْقَدَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ الَّذِي لَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْي كَأَعْمَى بِقَائِدٍ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ هِيَ إمْكَانُ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَقَدْ يَجِبُ الْحَجُّ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ إذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ لَهُ صَنْعَةٌ يَعْمَلُهَا فِي الطَّرِيقِ وَتَقُومُ بِهِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى فِعْلِهَا وَتَكُونُ نَافِعَةً بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهَا قُوتَهُ وَيَكُونُ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ كَالْجَمَّالِ وَالْعَكَّامِ وَالْخَرَّازِ وَالنَّجَّارِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ وَأَشَارَ بِ " لَوْ " إلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَابْنِ أَبِي سَلَمَةَ زَادَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ صَحِيحَ الْأَعْضَاءِ جَمِيعِهَا فَلَوْ كَانَتْ بِهِ زَمَانَةٌ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ مَعَهَا إلَى مَكَّةَ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ مَعَ الْأَمْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَذَلِكَ كَأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا يَقُودُهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَكَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ يَعْمَلُهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ لَا تَكُونُ لَهُ صَنْعَةٌ وَوَجَدَ الزَّادَ وَمَنْ يَحْمِلُهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى حَمْلِ زَادِهِ وَمِثْلُهُ أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ وَأَشَلُّهُمَا وَأَقْطَعُ الرِّجْلَيْنِ وَأَشَلُّهُمَا، وَالْأَعْرَجُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْوُصُولِ وَكَذَلِكَ الْأَصَمُّ بَلْ هُوَ أَحْرَى وَلِذَلِكَ أُتِيَ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ: " كَأَعْمَى بِقَائِدٍ " قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ كَانَتْ بِهِ زَمَانَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ نُظِرَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الرُّكُوبِ وَلَهُ مَالٌ يُكْتَرَى بِهِ لِرُكُوبِهِ وَمَنْ يَخْدِمُهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ الْحَجُّ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَقُودُهُ ثُمَّ هُوَ فِي الْعَيْشِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ يَتَكَفَّفُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ وَجَدَ الْمَرْكُوبَ وَمَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ كَغَيْرِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى. كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوُصُولُ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ فَيُعْتَبَرُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ وَمَتَى وُجِدَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ وَجَبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا فِي جَانِبِ السُّقُوطِ فَمَتَى عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الزَّادِ فَقَطْ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُهُ وَوُجُودُ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ أَوْ يَعْجِزُ عَنْ الْمَشْيِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْمَرْكُوبِ بِكِرَاءٍ أَوْ بِشِرَاءٍ أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُمَا فَيُعْتَبَرَانِ جَمِيعًا قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْي وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ وَلَا ضَعْفٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّكُوبِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَحِقَتْهُ مَشَقَّةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَظِيمَةً لَا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُهَا مِثْلَ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ رُكُوبُ الْقَتَبِ وَالزَّامِلَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْمَحْمَلِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الزَّادِ الْمُبَلِّغِ إلَى مَكَّةَ أَوْ مَا يَرُدُّ بِهِ إلَى بَلَدِهِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْخِلَافِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ إلَّا أَنَّهَا لَا تَقُومُ بِهِ فَإِذَا وَجَدَ مِنْ الزَّادِ مَا يَقُومُ بِهِ مَعَ صَنْعَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ

تنبيهات حج من له قدرة على المشي

الْحَجُّ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ انْتَهَى. [تَنْبِيهَاتٌ حَجُّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْيُ مِنْ شَأْنِهِ وَعَادَتِهِ، وَهَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَهُ. (الثَّانِي) يُشْتَرَطُ فِي الصَّنْعَةِ الَّتِي يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا أَنْ لَا تَزْرِيَ بِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِذِلَّةٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ عَادَتِهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: أَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ عَادَتِهِ فِي الْمَشْيِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتَهُ وَشَأْنَهُ فَغَيْرُ مُرَاعَى وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ وَالصَّحَابَةُ يَعُدُّونَ ذَلِكَ شَرَفًا وَإِنْ أَرَادَ التَّكَفُّفَ وَالسُّؤَالَ فِيمَنْ لَيْسَ ذَلِكَ شَأْنُهُ فَحَسَنٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: " بِذِلَّةٍ " مُتَعَلِّقٌ بِتَكَلُّفٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ قُدْرَةِ غَيْرِ مُعْتَادِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ اسْتِطَاعَةً، قَوْلَا اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ مَعَ الْقَاضِي انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَافَقَهُمَا صَاحِبُ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ بَيِّنٌ فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ فَضِيلَةٌ، قُلْنَا: نَعَمْ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَالْقَاضِي تَكَلَّمَ فِيمَا يَلْزَمُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي مَنَاسِكِهِ اللُّزُومُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَأَمَّا كَوْنُ الصِّنَاعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ لَا تَزْرِيَ بِهِ فَظَاهِرٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَمَّا مَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَهُوَ حَاجٌّ وَلَا يَزْرِي ذَلِكَ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) تَقْيِيدُهُ هُنَا الْأَعْمَى بِوُجُودِ الْقَائِدِ وَإِدْخَالُهُ عَلَيْهِ الْكَافَ أَحْسَنُ مِنْ تَرْكِهِ الْأَمْرَيْنِ فِي مَنَاسِكِهِ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَلَكِنْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَاكَ عَلَى مَا قَالَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ بَعْضَ الطَّرِيقِ وَيَرْكَبَ الْبَعْضَ وَوَجَدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا لَزِمَهُ الْحَجُّ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَهُوَ وَاضِحٌ. (الْخَامِسُ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوبِ عَلَى الْقَتَبِ وَالزَّامِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْمَحْمَلِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ: وَلَوْ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ الْعَظِيمَةُ فِي رُكُوبِ الْمَحْمَلِ أَيْضًا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْكَنِيسَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ: وَالْكَنِيسَةُ كَمَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ شِبْهُ الْهَوْدَجِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهِيَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ بِجَوَانِبِ الْمَحْمَلِ عَلَيْهِ سِتْرٌ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيُسَمَّى فِي الْعُرْفِ مَجْمُوعُ ذَلِكَ مَحَارَةٌ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُنُسِ وَهُوَ السِّتْرُ، وَمِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] أَيْ الْمَحْجُوبَةِ انْتَهَى. (السَّادِسُ) أَطْلَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ تَحْصِيلِ الْمَرْكُوبِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُقَيِّدُوا ذَلِكَ بِوُجُودِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُمْ بِأَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَصُّ ابْنِ جَمَاعَةَ وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَا الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَالْمُرَادُ عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يَتَمَكَّنَ مِنْ تَمَلُّكِهِ أَوْ اسْتِئْجَارُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ زِيَادَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ فِي الزَّادِ: وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِشِرَاءٍ وَأَطْلَقُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْرِفُهُ فِي ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ فَاضِلًا عَنْهُ وَسَيَأْتِي بَيَانَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الزَّادِ: وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ غَيْرَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ وَأَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ الدُّيُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إذَا كَانَ مَالُهُ دَيْنًا يَتَيَسَّرُ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ كَالْحَاصِلِ فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنْسَكِهِ: فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ فَقَدْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ انْتَهَى. (السَّابِعُ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ: رَأَيْت لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ لَا دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ

كَالزَّادِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّادِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ دُفْعَةً وَاحِدَةً هُوَ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الزَّادِ أَنْ يُحْمَلَ دُفْعَةً وَاحِدَةً لِطُولِ الطَّرِيقِ، وَالْمَاءُ إنَّمَا يُحْمَلُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ وَأَيْضًا لِحَمْلِ الزَّادِ دُفْعَةً لَا يُشَقُّ، وَفِي حَمْلِ الْمَاءِ لِطُولِ الطَّرِيقِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَمُؤْنَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ الْمَاءَ أَكْثَرَ مِنْ الزَّادِ فَيَشُقُّ حَمْلُهُ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ كَلَامٌ مُسْتَقِيمٌ فَاعْلَمْهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ بِلَفْظٍ، وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِلَفْظٍ وَصَوَّبَ عَبْدُ الْحَقِّ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ. وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِلَفْظٍ مِنْ شَرْطِ الْحَجِّ أَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَالْأَقْفَهْسِيُّ وَالْبَرْزَلِيُّ وَقَبَلُوهُ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ: وَلِهَذَا لَمْ يَحُجَّ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا لِكَوْنِ الْمَاءِ يَتَعَذَّرُ غَالِبًا فِي بَعْضِ الْمَنَاهِلِ، وَحَكَاهُ فِي الشَّامِلِ بِقِيلَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَضْعِيفَهُ، وَأَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ الْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وُجُودُهُ فِي الْمَنَاهِلِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهَا غَالِبًا لَا وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ قُلْت: وَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ لَا يُرِيدُ بِهِ مَنْزِلَ كُلَّ يَوْمٍ إنَّمَا يُرِيدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَنْزِلٍ، يَعْنِي الْمَنْهَلَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ حَيْثُ عَبَّرَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ بِالْمَنْهَلِ وَفِي آخِرِهِ بِالْمَنْزِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ هُوَ إمْكَانُ الْوُصُولُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ الْإِمْكَانُ بِثَمَنِ مَمْلُوكٍ لِلْمُكَلَّفِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَمْلُوكُ وَلَدَ زِنًا؛ لِأَنَّ ثَمَنَ وَلَدِ الزِّنَا حَلَالٌ لِمَالِكِهِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَإِثْمُ الزِّنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ نَاشِئًا عَنْ الزِّنَا مَانِعٌ مِنْ الْحَجِّ بِثَمَنِهِ وَلِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ، يَعْنِي مِمَّنْ يَمْلِكُ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ الْمُحْرِمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي كِتَابِ الْجَامِعِ أَيْضًا، وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَحُجُّ بِثَمَنِ وَلَدِ الزِّنَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَمَتِهِ وَلَدَتْهُ مِنْ زِنًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ بِثَمَنِ وَلَدِ الزِّنَا وَأَنَّهُ يُعْتَقُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ عِنْدَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ فِي سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ أَنْ لَا يُعْتَقَ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَإِنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ مَنْعِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ» وَحَدِيثِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زَانِيَةٍ» وَحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ عِتْقِهِ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ نَعْلَانِ يُعَانُ بِهِمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا» وَلَيْسَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى ظَاهِرِهَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا قَالَهُ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ كَانَ يُؤْذِيهِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا بَلَغَهَا مَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَسَاءَ سَمْعًا فَأَسَاءَ إجَابَةً. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلْ هُوَ خَيْرُ الثَّلَاثَةِ قَدْ أَعْتَقَهُ عُمَرُ وَلَوْ كَانَ خَبِيثًا مَا فَعَلَ وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِمَا اقْتَرَفَهُ أَبَوَاهُ وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ: إنَّهُ حَدَثَ عَنْ شَرِّ الثَّلَاثَةِ أَبَوَاهُ وَالشَّيْطَانُ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ شَرٌّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الزِّنَا حَتَّى نُسِبَ إلَيْهِ كَمَا يُنْسَبُ إلَى الشَّيْءِ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ حَتَّى يُقَالُ لِلْمُتَحَقِّقِينَ بِالدُّنْيَا: الْعَامِلِينَ لَهَا أَبْنَاءُ الدُّنْيَا، وَلِمَنْ أَكْثَرَ مِنْ السَّفَرِ: ابْنُ السَّبِيلِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَفْظُ الرِّوَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْحَجُّ بِثَمَنِ وَلَدِ الزِّنَا إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ وَهَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ

وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَوْ تَرَكَ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ خُشُونَةَ هَذَا اللَّفْظِ فِي مِثْلِ الْحَجِّ لَكَانَ أَحْسَنَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْأَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ عِنْدَهُ غَيْرَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى عِتْقِهِ وَإِلَى الْحَجِّ بِثَمَنِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ غَيْرَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ غَيْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّالِثُ) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا وَإِنَّمَا مَنْعُ ذَلِكَ مَنْ مَنَعَهُ يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ مَنَعَ مِنْ عِتْقِهِ، وَنَحْوُهُ لِلْقَاضِيَّ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ وَلَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ: وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا فَعِتْقُهُ جَائِزٌ فِي الْكَفَّارَةِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: هُوَ قَوْلُنَا وَقَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ مَنْعَ ذَلِكَ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) حَدِيثُ وَلَدِ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَتَأَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ بِمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ أَبَوَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُنْسَبُ إلَى أَبَوَيْنِ وَهُوَ لَا يُنْسَبُ إلَى أَبٍ وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَعْلَمَتْهُ أُمُّهُ أَنَّهُ وَلَدُ زِنًا أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ حَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْمِيرَاثِ مِنْ نَسَبِ أَبِيهِ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ وَإِلَّا كَانَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ قَالَ: وَقَدْ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى وُجُوهٍ هَذَا أَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ وَفِي آخَرِ كِتَابِ الزِّنَا مِنْ النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّمَا قِيلَ: شَرُّهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ شَرَّهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَا انْتَظَرَ بِأُمِّهِ أَنْ تَضَعَ وَقَالَ عُمَرُ أَكْرِمُوا وَلَدَ الزِّنَا وَأَحْسِنُوا إلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا أَعْتِقُوا أَوْلَادَ الزِّنَا وَأَحْسِنُوا إلَيْهِمْ وَاسْتَوْصُوا بِهِمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ إنْ أَحْسَنَ جُوزِيَ وَإِنْ أَسَاءَ عُوقِبَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَلَدُ الزِّنَا خَيْرُ الثَّلَاثَةِ إذَا اتَّقَى اللَّهَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ قَالَهُ كَعْبٌ لَوْ كَانَ شَرَّ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُنْتَظَرْ بِأُمِّهِ وِلَادَتُهُ. وَحَدِيثُ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زِنْيَةٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَعَمَ ابْنُ طَاهِرٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ قَالَ: وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ حَجَرٍ: قَدْ فَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ كَمَا يُقَالُ لِلشُّهُودِ بَنُو صُحُفٍ، وَلِلشُّجْعَانِ بَنُو الْحَرْبِ وَلِأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ بَنُو الْإِسْلَامِ، وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَفْظُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَا فَقَالَ: نَعْلَانِ أُجَاهِدُ فِيهِمَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَا» وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ أُحْمَلَ عَلَى نَعْلَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَا وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: وَلَدُ زِنْيَةٍ هُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا: وَلَدَ لِغَيَّةٍ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا وَوَلَدَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَيُقَالُ فِي ضِدِّهِ وَلَدَ شِرَّةٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَقِيلَ بِثَمَنِ كَلْبٍ يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي الْكَلْبِ: أَبِيعُهُ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَقَدْ شَهَرَهُ بَعْضُهُمْ لَكِنَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْلُومُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ بِيعَ فَرَوَى أَشْهَبَ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُفْسَخُ وَإِنْ طَالَ وَصَدَّرَ فِي الشَّامِلِ بِالْأَوَّلِ وَعَطَفَ الثَّانِيَ بِقِيلَ فَعَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ مَعَ الطُّولِ إذَا بَاعَهُ وَطَالَ الْأَمْرُ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِثَمَنِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَكَانَتْ حَلَالًا لِمَالِكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِهَا إنْ كَانَ فِيهَا كِفَايَةٌ أَوْ كَمَّلَ بِهَا مَا عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا

خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ وَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ) ش: هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ وَيَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ مَا يَصْرِفُهُ فِي حَجِّهِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عُرُوضِهِ مَا يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَى الْمُفَلَّسِ مِنْ رُبْعٍ وَعَقَارٍ وَمَاشِيَةٍ وَخَيْلٍ وَدَوَابَّ وَسِلَاحٍ وَمُصْحَفٍ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ بِافْتِقَارِهِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُتُبَ الْعِلْمِ تُبَاعُ عَلَى الْمُفَلِّسِ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَيُبَاعُ عَلَيْهِ أَيْضًا ثِيَابٌ جَمَعْته إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَكَانَ فِي ثَمَنِهَا مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ مَا يُكْمِلُ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَالْمُفَلَّسُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَفْلَسَ الْقَاضِي الْغَرِيمَ يُفَلِّسُهُ تَفْلِيسًا إذَا حَكَمَ بِفَلَسِهِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالتَّفْلِيسُ الْعَدَمُ، وَالتَّفْلِيسُ خَلْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ، وَالْمُفَلَّسُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُفَلَّسِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِافْتِقَارِهِ أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ لِلصَّدَقَةِ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الْمُكَلَّفِ مَا يَكْفِيهِ لِسَفَرِهِ لَكِنْ إذَا سَافَرَ وَحَجَّ يَبْقَى فَقِيرًا لَا شَيْءَ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَمَعَهُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا حَجَّ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ فِي الصَّدَقَةِ يَأْكُلُونَ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَيَتْرُكُهُمْ لِلصَّدَقَةِ أَنَّهُ يَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ إلَّا أَنْ يَخْشَى الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حِينَئِذٍ الْفَرْضُ، فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا، رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَنَصُّهُ سَأَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْقَرْيَةُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا أَيَبِيعُهَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَتْرُكُ أَوْلَادَهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ يَعِيشُونَ بِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَتْرُكُ وَلَدَهُ فِي الصَّدَقَةِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ ضَيْعَتَهُ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَجِّ مَا يَبِيعُهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي الدَّيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ وَلَدَهُ فِي الصَّدَقَةِ فَمَعْنَاهُ إذَا أَمِنَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِمْ الْهَلَاكَ إنْ تَرَكَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ فِي مَالِهِ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَجَّ فِيهِ فَهُمَا حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَيَّنَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَإِذَا ضَاقَ عَنْهُمَا وَلَمْ يُحْمَلْ إلَّا أَحَدُهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَهْلَكُوا؛ لِأَنَّ خَشْيَةَ الْهَلَاكِ عَلَيْهِمْ تُسْقِطُ عَنْهُ فَرْضَ الْحَجِّ كَمَا لَوْ خَشِيَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا إشْكَالٍ فِي تَبَدُّئِهِ نَفَقَةَ الْوَلَدِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَيَّدُوا تَقَيُّدَ الْحَجِّ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ بِأَنْ لَا يُخْشَى عَلَيْهِمْ الْهَلَاكُ وَفِي التَّفْلِيسِ يُؤْخَذُ جَمِيعُ مَالِهِ وَلَا يَتْرُكُ لِنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ إلَّا مَا يَعِيشُونَ بِهِ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ وَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ وَالْهَلَاكَ؟ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَالَ فِي الْفَلَسِ مَالُ الْغُرَمَاءِ، وَالْغُرَمَاءُ لَا يُلْزِمُونَهُ مِنْ نَفَقَةِ أَوْلَادٍ إلَّا مَا يَلْزَمُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُوَاسَاةِ، وَفِي الْحَجِّ الْمَالُ مَالُهُ وَهُوَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ فَافْتَرَقَا وَهَذَا بَيِّنٌ وَحُكْمُ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ حُكْمُ نَفَقَةِ الِابْنِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَقَدْ قِيلَ فِيمَنْ لَهُ أَوْلَادٌ يَخْرُجُ وَيَتْرُكُهُمْ وَإِنْ تَكَفَّفُوا: يُرِيدُ مَا لَمْ يَخْشَ عَلَيْهِمْ الْمَوْتَ وَأَرَى أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ فِي خُرُوجِهِ عَنْهُمْ إذَا كَانُوا يُضَيِّعُونَ حَرَجًا وَالْحَجُّ سَاقِطٌ انْتَهَى. وَإِلَى تَقْيِيدِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ قَوْلَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُعْتَبَرُ بَقَاؤُهُ فَقِيرًا، وَقِيلَ: مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى ضَيَاعِهِ أَوْ ضَيَاعِ مَنْ يَقُوتُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ مَا اسْتَطَاعَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى ضَيَاعِهِ أَوْ ضَيَاعِ مَنْ يَقُوتُ وَإِذَا حَمَلْنَا الضَّيَاعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ عَلَى الْهَلَاكِ فَيَكُونُ كَلَامُهُمَا مُخَالِفًا لِمَا قَيَّدَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَاهُ خِلَافًا وَعَلَى هَذَا

حَمَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَسَمِعَ يَحْيَى يَجِبُ بَيْعُهُ قَرْيَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا لِحَجِّهِ، وَيَتْرُكُ وَلَدَهُ لِلصَّدَقَةِ ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَمِنَ ضَيْعَتَهُمْ، وَنَقْلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُعْتَبَرُ ضَيَاعًا أَوْ ضَيَاعَ مَنْ يَقُوتُ لَا نَعْرِفُهُ انْتَهَى. (قُلْت) وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ الضَّيَاعُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ بِالتَّكَفُّفِ وَلَوْ لَمْ يَخْشَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِهِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ بِقِيلَ فِي كَلَامِهِمَا هُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَأَرَى أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ إلَى آخِرِهِ لَكِنْ يَبْقَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِمَا مُحْتَاجًا إلَى التَّقْيِيدِ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ يَحْيَى وَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَعَزَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ لِأَبِي الْقَاسِمِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَهَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ قَالَ: وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَيُعْتَبَرُ مَا يُنْفِقُهُ فِي ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ وَمَا يُنْفِقُهُ عَلَى مَنْ يَخْلُفُهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ حِرْفَةٌ تُوَصِّلُهُ وَتَعُودُ بِهِ فَيُعْتَبَرُ مَا يَخْلُفُهُ لِنَفَقَةِ أَهْلِهِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَهُ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ حُكْمُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ: إنْ قُلْنَا: الْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِدَ مَا يَتْرُكُهُ لَهَا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ شَاءَتْ صَبَرَتْ وَإِنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهُ مِنْ الْمَالِ كِفَافُ حَجَّةٍ فَإِنْ خَلَفَ مِنْهُ نَفَقَتُهَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ النَّفَقَةَ قَامَتْ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِمَهْلٍ حَتَّى يَجِدَ انْتَهَى. وَلَفْظُ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَهُوَ إنْ تَرَكَ عِنْدَهَا نَفَقَةً لَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ وَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ وَلَفْظُ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَقُلْنَا: الْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي اُعْتُبِرَ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا يُنْفِقُهُ فِي ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ وَمَا يُنْفِقُ عَلَى مُخَلَّفِيهِ فِي غِيبَتِهِ هَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حِرْفَةٌ فِي سَفَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حِرْفَةٌ تُوَصِّلُهُ وَتَعُودُ بِهِ اُعْتُبِرَ مَا يُتْرَكُ لِنَفَقَةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَهُمْ أَحْوَجُ إلَيْهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» . هَذَا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي فَيَكُونُ حَقُّ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ تَقَدَّمَا عَلَيْهِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: عَلَى الْفَوْرِ كَانَ أَوْلَى مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ إنْ شَاءَتْ صَبَرَتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ، وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مُوَاسَاةٌ تَجِبُ فِي الْفَضْلَةِ فَلَا يُتْرَكُ لَهَا مَا تَعَيَّنَ فِعْلُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ لَا يَمْلِكُ إلَّا قَرْيَةً وَلَهُ وَلَدٌ قَالَ: يَبِيعُهَا لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ وَيَدَعُ وَلَدَهُ فِي الصَّدَقَةِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ مِنْ مُفَارَقَتِهَا بِأَنْ يَقَعَ فِي الزِّنَا مَعَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا فَيُقَدِّمُ نَفَقَتَهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَهُ وَعَزَا بَيْعَ الْقَرْيَةِ الَّتِي لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِمَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) مَنْ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلْحَجِّ أَوْ لِلزَّوَاجِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَّ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ فَيَتَزَوَّجُ وَيُؤَخِّرُ الْحَجَّ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ وَقَدَّمَ التَّزْوِيجَ أَثِمَ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَرْأَةِ الصَّدَاقُ. قَالَ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ أَيَتَزَوَّجُ أَوْ يَحُجُّ؟ قَالَ: بَلْ يَحُجُّ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ فَالْحَجُّ آكَدُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَأَمَّا عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دُونَ التَّزْوِيجِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُؤَخِّرَ الْحَجَّ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ وَلَا يُؤْخَذُ

مِنْ الزَّوْجَةِ الصَّدَاقُ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُؤَخِّرَ الْحَجَّ حَتَّى يَجِدَ مَا يَحُجُّ بِهِ مِنْ الزَّادِ وَشِرَاءِ رَاحِلَةٍ أَوْ كِرَائِهَا إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ مُجْحِفٍ وَفِي الْبَرَاذِعِيّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي، وَيَنْبَغِي لِلْأَعْزَبِ يُفِيدُ مَا لَا أَنْ يَحُجَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ بِلَفْظِ يَنْبَغِي، وَقَالَ الْقَاضِي سَنَدٌ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ عَزَبًا فَيُفِيدُ مَا يَكُونُ كَفَافَ الْحَجِّ أَوْ التَّزْوِيجِ بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ قَالَ: يَحُجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ، وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهَا التُّونُسِيُّ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَجِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، فَعَلَى قَوْلِهِ: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ يَكُونُ وَاجِبًا وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي يَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ بَعْدَ الْقَوْلِ إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، إنْ قَدَّمَ التَّزْوِيجَ أَنَّهُ مَاضٍ وَلَا يَرُدُّ الْمَالَ مِنْ الزَّوْجَةِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ أَيْضًا فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْحَجِّ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِ تَبْدِئَةِ الْحَجِّ عَلَى غَيْرِهِ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَرُورَةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا: عَلَى التَّرَاخِي وَعَلَى الْقَوْلِ: بِالْفَوْرِ، يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ فَيَبْدَأُ بِالتَّزْوِيجِ، فَإِذَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ فَنَكَحَ فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ وَلَا يَنْزِعُ الصَّدَاقَ مِنْ الزَّوْجَةِ وَذَلِكَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ تَصَدَّقَ بِالْمَالِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مَاضِيَةٌ وَالْبَيْعَ وَالْعِتْقَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى شَرَائِطِهِ، وَيُجْرَحُ فِي بَابِ الْحَجِّ انْتَهَى. وَيُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَوْلِهِ: وَيُجْرَحُ فِي بَابِ الْحَجِّ، أَنَّ ذَلِكَ جُرْحُهُ فِي شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْمَالِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ قَالَ: وَأَمَّا التَّوْفِيرُ وَالْجَمْعُ لِيَصِيرَ مُسْتَطِيعًا فَلَا يَجِبُ وَقَالَهُ غَيْرُهُ هَذَا حُكْمُ الرَّجُلِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ قُلْنَا: لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا فَمَتَى قَدَرَتْ عَلَى الْحَجِّ وَعَرَضَ لَهَا النِّكَاحُ فَلَا تَنْكِحُ حَتَّى تَحُجَّ، فَإِنْ نَكَحَتْ قَبْلَهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ عَلَى شَرَائِطِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ مَنْعَهَا مِنْ الْحَجِّ فَلَا يُكْرَهُ لَهَا النِّكَاحُ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْفَرِيضَةِ. (الرَّابِعُ) إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ لَمْ يُجَزْ لَهُ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ لِيَسْتَبْقِيَ مَا يَحُجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَنْكِحُ مَعَ اسْتِطَاعَةِ الطُّولِ لِلْحُرَّةِ. (الْخَامِسُ) لَوْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَخَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لَا فَضْلَ فِيهِمَا عَنْ كِفَايَتِهِ وَإِذَا بَاعَهُمَا وَجَدَ مَسْكَنًا وَخَادِمًا يَكْتَرِيهِمَا وَيَفْضُلُ لَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَعَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْحَجُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ أَوْ كَانَ حَاكِمًا وَعِنْدَهُ كُتُبٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا انْتَهَى. يَعْنِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُ ذَلِكَ لِيَحُجَّ بِهِ وَلَوْ كَانَ يَجِدُ بِبَعْضِ ثَمَنِ الدَّارِ أَوْ الْخَادِمِ دَارًا أَوْ خَادِمًا دُونَهُمَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (السَّادِسُ) لَوْ كَانَ ثَمَنُ الدَّارِ أَوْ الْخَادِمِ قَدْرَ كِفَايَةِ الْحَجِّ وَلَا يَجِدُ مَا يُكْتَرَى بِهِ لِأَهْلِهِ دَارًا وَلَا خَادِمًا كَانَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَةِ، فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ قُلْنَا: الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُنْظَرْ لِذَلِكَ كَمَا لَا يُنْظَرُ لِنَفَقَةِ الْأَهْلِ، وَإِنْ قُلْنَا: عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ الْحَقَّيْنِ كَانَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَقِّ الْحَجِّ، كَمَا تَقُولُ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الْكَفَّارَةِ، انْتَهَى. (السَّابِعُ) مَنْ كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ يَتَسَبَّبُ بِهَا وَيَأْكُلُ مِنْ رِبْحِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ يَعْنِي فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخْشَى الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ. (الثَّامِنُ) قَالَ سَنَدٌ: فَلَوْ كَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ لَا يُحْسِنُ إلَّا التَّقَلُّبَ فِيهَا وَرِبْحُهَا بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ أَوْ ضَيْعَةِ غَلَّتِهَا بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُ ذَلِكَ وَصَرْفُهُ فِي الْحَجِّ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَقِيرًا وَقَدْ لَا يُحْسِنُ الِاكْتِسَابَ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّصَدُّقِ وَذِلَّةِ السُّؤَالِ وَذَلِكَ فَوْقَ ضَرَرِ الْمَشْيِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَنَحَ إلَيْهِ بَعْضُ

الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ فَإِنَّهُ يَجِدُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَيُقَيَّدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَخْشَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِافْتِقَارِهِ. (التَّاسِعُ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَاؤُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ دَيْنِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْحَجُّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِيَدِهِ مَالٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ بِمَالِهٍ مِنْ الْحَجِّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ أَيَقْضِي دَيْنَ أَبِيهِ أَمْ يَحُجَّ قَالَ: بَلْ يَحُجُّ وَهَذَا بَيِّنٌ فَإِنَّ الْحَجَّ دَيْنٌ عَلَيْهِ قُلْنَا: بِالْفَوْرِ أَوْ بِالتَّرَاخِي، وَدَيْنُ أَبِيهِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَفِعْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ انْتَهَى. (الْعَاشِرُ) لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ دُيُونِ الزَّكَاةِ وَهُوَ يَسْتَغْرِقُ مَا بِيَدِهِ فَهَلْ يَحُجُّ بِهِ وَيُؤَخِّرُ دَيْنَ الزَّكَاةِ أَوْ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَيْنُ الْحَجِّ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَ الزَّكَاةِ وَيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ أَدَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ اتِّفَاقًا وَإِجْمَاعًا وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَلِأَنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ الْحَاضِرَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزَّكَاةَ الْحَاضِرَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَجِّ فَيُقَدَّمُ دَيْنُ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَجِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى، أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ كَفَّارَاتٍ أَوْ هَدَايَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عَلَى التَّرَاخِي وَالرَّاجِحُ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَهُوَ الصِّيَامُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ. وَرَأَيْت فِي مَسَائِلَ سُئِلَ عَنْهَا الْقَابِسِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ رُبْعٍ وَحَنِثَ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ: إنْ كَانَ حِينَ حِنْثِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَاَلَّذِي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ثَمَنِ الرُّبْعِ قَدْرُ مَا يَحُجُّ بِهِ نَفَقَةً لَا تَرَفُّهَ فِيهِ وَلَا إسْرَافَ وَلَا هَدِيَّةَ وَلَا تَفَضُّلَ عَلَى أَحَدٍ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ الرُّبْعِ تَصَدَّقَ بِهِ انْتَهَى. وَلَوْ نَذَرَ صَدَقَةَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ أَوْ كَانَ إخْرَاجُ ثُلُثِهِ مِنْ مَالِهِ يَنْقُصُ مَا بِيَدِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَعَهُ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْحَجِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْمَالِ الَّذِي صَارَ بِهِ مُسْتَطِيعًا وَكَذَا لَوْ كَانَ مَالُهُ كُلُّهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا كَعَبْدٍ أَوْ دَارٍ وَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ وَلَوْ حَلَفَ لَيَتَصَدَّقُنَّ بِذَلِكَ الْمَالِ فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ فَلِيُكَفِّرْ عَنْهَا بِغَيْرِ الصَّوْمِ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْكَفَّارَةِ يُمْكِنُهُ الْحَجَّ بِهِ وَإِلَّا فَلِيُكَفِّرْ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ فَالظَّاهِرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَلَوْ أَدَّى لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَإِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ وَهَذَا كُلُّهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا فَلِيَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) إذَا وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بِهِ رَقَبَةً فَإِنْ فَعَلَ فَالْعِتْقُ مَاضٍ وَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى شَرَائِطِهِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ مَنْ يَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَفَطَرَ بِسَفَرِ قَصْرٍ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَ عَشَرَ) مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ سَنَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فِيهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُهُ، وَلَوْ قِيلَ: بِالْفَوْرِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهَا عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ إحْرَامِ مَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) قَوْلُهُمْ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ الْمُتَقَدِّمَةِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ يُرِيدُونَ أَوْ فِي مَحَلٍّ يُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ، كَمَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَوَاتُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِأَنْ يَسْتَدِينَ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا جِهَةَ وَفَاءٍ لَهُ فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ

الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ وَقَدَرَ عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ مَالُهُ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَدِينَ الْآنَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَقَوْلُهُ: أَوْ عَطِيَّةً، يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى لَهُ مَالٌ يُمْكِنُهُ بِهِ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ عَلَى جِهَةِ الصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ فَلَا يَقْبَلُهُ وَيَحُجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ سَاقِطٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيّ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَلَدِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَبَذَلَ لَهُ ذَلِكَ لِيَحُجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاذِلُ وَلَدُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْمِنَّةِ، وَإِنْ بُذِلَ لَهُ فَرْضًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَيَمْلِكُ ذِمَّتَهُ بِهِ وَإِنَّ الدَّيْنَ أَيْضًا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَأَصْلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ فِي شَرْحِ الْقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ: فَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِأَبِيهِ مَالًا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا مِنَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ سُقُوطَ حُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ إذْ قَدْ يُقَالُ: قَدْ جَزَاهُ وَقَدْ وَفَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَم انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَظْهَرُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ مَالِكٍ: لَا يُكْرِهُ السُّلْطَانُ الْمَرْءَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ أَبَاهُ وَلَا عَلَى إنْكَاحِهِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَيَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَاءً لِغُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ إذْ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ انْتَهَى. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ الْوَلَدُ أَنْ يَحُجَّ أَبَاهُ وَيَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ الْقَبُولَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: أَمَّا الدَّيْنُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ وَلَا يَرْجُو مَا يُوفِي بِهِ فَلَا شَكَّ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِغَيْرِ الْحَجِّ وَقَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ، فَقَالَ مَالِكٌ فِيهِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحُجَّ، وَأَمَّا الْعَطِيَّةُ فَلِأَنَّ فِيهَا تَحَمُّلَ مِنَّةٍ وَانْظُرْ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِعْطَاءِ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِعْطَاءِ، مَسْأَلَةَ الْوَلَدِ فَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، الدَّيْنُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ فِي الشَّامِلِ: لَا بِاسْتِعْطَاءٍ وَدَيْنٍ لَا وَفَاءَ لَهُ عِنْدَهُ وَرَوَى إبَاحَتَهُ، انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ عَدَمُ إبَاحَتِهِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَبَعْضُ النَّاسِ يَسْمَعُ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ فَيَذْهَبُ وَيَتَسَلَّفُ وَلَا جِهَةَ وَفَاءَ لَهُ وَهُوَ فِعْلٌ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ وَكَانَتْ بَرِيئَةً انْتَهَى. وَالْقَبِيحُ هُوَ الْفِعْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعًا سَوَاءٌ كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا وَقَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ وَرَوَى إبَاحَتَهُ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْإِبَاحَةِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَالْمَنْعُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْ يَقْتَرِضُ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا جِهَةَ وَفَاءٍ لَهُ، وَأَمَّا إذَا أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَرَضِيَ بِإِقْرَاضِهِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ وَكَانَتْ بَرِيئَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا كَانَ الشَّخْصُ لَهُ صَنْعَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهَا مَا يَصِيرُ بِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ مُسْتَطِيعًا بِأَنْ يَجْمَعَ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ وَحَاجَتِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ وَحَاجَتِهِ، قَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: لَيْسَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْتَالَ فِي تَحْصِيلِ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ غَالِبًا فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَذِمَّتِهِ الْآنَ بَرِيئَةٌ فَلَا يَشْغَلُهَا بِشَيْءٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَرَاءَتُهَا فِيهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ فِي نَفْسِهِ يُحِبُّ الْحَجَّ وَيَنْوِيهِ وَيَخْتَارُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَخْتَارَ طَاعَةَ رَبِّهِ وَيُحِبُّهَا لَكِنْ يُقَيَّدُ مَحَبَّتَهُ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ فِيهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ الشَّرْعُ بِأَنْ يُوَفِّرَ وَيَحْتَالَ وَيَتَسَبَّبَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ

بِشَرْطِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهُوَ عَاصٍ وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُنْفِقُهُ فِيهِ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ هُوَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ وَالْحَجُّ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَالتَّطَوُّعُ لَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْفِيرُ وَالِاحْتِيَالُ فِي تَحْصِيلِ مَا يَجِبُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ، مَنْ يَذْهَبُ إلَى بَعْضِ النَّاسِ لِيَحُجَّ بِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ بَرِيئَةً فَيُدْخِلُ نَفْسَهُ فِيمَا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَيَتَحَمَّلُ الْمِنَّةَ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَطْلُبُ مِنْ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ يَتَعَيَّنُ هِجْرَانُهُمْ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِطُغْيَانِهِمْ؛ لِكَوْنِهِمْ يَرَوْنَ مَنْ يَقْتَدُونَ بِهِ يُعَامِلُهُمْ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَيَطْلُبُ مِنْ فَضَلَاتِ أَوْسَاخِهِمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ الْقَذِرَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى بَعْضِهِمْ الْجَهْلُ فَتُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ فِي طَاعَةٍ، وَهَيْهَاتَ أَنْ يُطَاعَ اللَّهُ بِمَالٍ حَرَامٍ، قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: أَوْ يَغُرُّهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَلَى طَاعَةٍ وَخَيْرٍ وَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ، وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ الْوُقُوفُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ وَبَعْضٌ مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُمْ يَعِدُهُمْ بِالدُّعَاءِ فِي الْأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ اتَّخَذَ ذَلِكَ دُكَّانًا يُجْبَى مِنْهُمْ بَدَاةً كَمَا تَقَدَّمَ وَعَوْدَةً بِأَنْ يُهْدَى لَهُمْ وَهُوَ يَطْلُبُ مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَبَعْضُهُمْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ؛ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَيْهِمْ فَيَتَشَفَّعُوا عِنْدَهُمْ بِمَنْ يَرْجُو أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ وَيَرْجِعُوا إلَى قَوْلِهِ وَيَنْتَهِي الشَّافِعُ عَلَى مَنْ يَشْفَعُ لَهُ عِنْدَهُمْ، إذْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ يَتَعَطَّفُوا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَذَلِكَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، انْتَهَى. كَلَامُهُ فِي الْمَنَاسِكِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَذَكَرَ فِي الْمَدْخَلِ حِكَايَاتٍ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ جَمْرَةَ نَفَعَنِي اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ وَبِعُلُومِهِ وَالْمُسْلِمِينَ يَحْكِي أَنَّ شَابًّا مِنْ الْمَغَارِبَةِ جَاءَ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْبِلَادِ فَرَغَ مَا بِيَدِهِ وَكَانَ يُحْسِنُ الْخَيَّاطَةَ فَجَاءَ إلَى خَيَّاطٍ وَجَلَسَ يَخِيطُ عِنْدَهُ بِالْأُجْرَةِ وَكَانَ عَلَى دِينٍ وَخَيْرٍ وَكَانَ جُنْدِيٌّ يَأْتِي إلَى الدُّكَّانِ فَيَقْعُدُ عِنْدَهُمْ فَيَتَكَلَّمُونَ وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ بَلْ مُقْبِلٌ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ؛ فَحَصَلَ لَهُ فِيهِ حُسْنَ ظَنٍّ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ أَوَانُ خُرُوجِ الرَّكْبِ إلَى الْحَجِّ سَأَلَهُ الْجُنْدِيُّ لَمْ لَا تَحُجَّ؟ قَالَ: لَيْسَ لِي شَيْءٌ أَحُجُّ بِهِ، فَجَاءَهُ الْجُنْدِيُّ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ؛ فَحَجَّ بِهَا فَرَفَعَ الشَّارِبُ رَأْسَهُ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: كُنْتُ أَظُنُّك مِنْ الْعُقَلَاءِ، فَقَالَ: وَمَا رَأَيْت مِنْ عَدَمِ عَقْلِي؟ فَقَالَ لَهُ: أَنَا أَقُولُ لَك: كُنْتُ فِي بَلَدِي بَيْنَ أَهْلِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ الْحَجَّ فَلَمَّا أَنْ وَصَلْت إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَسْقَطَهُ عَنِّي لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِي جِئْت أَنْتَ بِدَرَاهِمِك تُرِيدُ أَنْ تُوجِبَ عَلَيَّ شَيْئًا أَسْقَطَهُ اللَّهُ عَنِّي، وَذَلِكَ لَا أَفْعَلُهُ أَوْ كَمَا قَالَ وَقَدْ كَانَ أَيْضًا جَاءَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ جَاءَ إلَى هَذِهِ الْبِلَادِ فَفَرَغَ مَا بِيَدِهِ فَبَقِيَ يَعْمَلُ بِالْقِرْبَةِ عَلَى ظَهْرِهِ وَكَانَ يَحْصُلُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَأَقَلُّ وَأَكْثَرُ فَيَأْكُلُ مِنْهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، وَكَانَ لَهُ مَالٌ بِبَلَدِهِ فَجَاءَ بَعْضُ مَعَارِفِهِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمْضِيَ مَعَهُمْ إلَى الْحِجَازِ فَأَبَى عَلَيْهِمْ فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيَّ الْحَجَّ إلَّا لِعَدَمِ قُدْرَتِي عَلَى الزَّادِ، وَمَا أَحْتَاجُهُ فِي الْحَجِّ فَقَالُوا لَهُ: خُذْ مِنَّا مَا تَخْتَارُ، فَقَالَ: لَمْ يَجِبُ عَلَيَّ ذَلِكَ وَلَمْ أُنْدَبْ إلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ نُقْرِضُك إلَى أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَلَدِك، فَقَالَ: وَمَنْ يَضْمَنُ لِي الْحَيَاةَ حَتَّى تَأْخُذُوا قَرْضَكُمْ فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ نَجْعَلُك فِي حِلٍّ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا يَجِبُ عَلَيَّ ذَلِكَ وَلَا أَنْدُبُ إلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: فَوَفِّرْ مِمَّا تَحْصُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَحُجُّ بِهِ وَتَرْجِعُ إلَى بِلَادِك وَمَالِك، فَقَالَ لَهُمْ: تَفُوتُنِي حَسَنَاتٌ مُعَجَّلَةٌ لِشَيْءٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ الْآنَ، وَلَا أَدْرِي هَلْ أَعِيشُ إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ أَمْ لَا أَوْ كَمَا قَالَ: وَقَدْ مَنَعَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ بَعْضَ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ مِنْ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ قَرْضًا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدِهِ مَعَ رَغْبَةِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي ذَلِكَ وَتَلَهُّفِهِ عَلَيْهِ وَصَبْرِهِ إلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْمُقْتَرِضِ فِي بَلَدِهِمْ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ وَعَلَّلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عِمَارَةُ الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ لَا يَدْرِي هَلْ يَفِي بِهِ

أَمْ لَا إنْ كَانَ قَرْضًا. وَالثَّانِي الْمِنَّةَ فِيهِ وَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى جِهَةِ الْهِبَةِ فَفِيهِ الْمِنَّةُ أَكْثَرُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ سَيِّدِي الشَّيْخِ: لَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَا يَمُنُّ بَلْ يَمُنُّ اللَّهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إنْ لَمْ يَمُنَّ هُوَ يَمُنُّ أَهْلُهُ وَأَقَارِبُهُ فِي بَلَدِهِ، فَقَالُوا لَهُ: قَدْ لَا يَرْجِعُ هُوَ لِلْبَلَدِ يَعْنِي الْمُقْتَرِضَ فَقَالَ الشَّيْخُ: تَقَعُ الْمِنَّةُ عَلَى أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَدْ تَقَعُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ حَجَّجَ فُلَانًا وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ مَا فِيهِ بِشَيْءٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْدَبُ إلَيْهِ، أَوْ كَمَا قَالَ هَذَا فِعْلُهُمْ فِي الْحَجَّةِ الْأُولَى فَمَا بَالُك بِهِمْ فِي التَّطَوُّعِ وَهَذَا حَالُ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ فِي خَلَاصِ ذِمَمِهِمْ وَيُفَكِّرُونَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ مَالًا بِبَلَدِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَلَا التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ وَالْإِتْيَانُ بِهِ، وَإِلَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَلَزِمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِالسُّؤَالِ وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ بِبَلَدِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ وَلَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ صُوَرٍ لَا إشْكَالَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ وَلَا فِي مَنْعِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِلْقَاءِ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ وَلَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ فَيَخْتَلِفُ فِي خُرُوجِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ الْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ نَقَلَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَالْأَرْجَحُ مِنْهُمَا الْكَرَاهَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَنَقَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُ فِي بَلَدِهِ السُّؤَالَ وَمِنْهُ عَيْشُهُ وَالْعَادَةُ إعْطَاءَهُ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنْسَكِهِ: إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَيُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ وَجَزَمَ بِهِ هُنَا وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَأَقَرَّ فِي شُرُوحِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ وَالشَّيْخُ زَرُّوق وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ ((قُلْتُ)) وَنُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ: فَإِنْ وَجَدَ الرَّاحِلَةَ وَعَدَمَ الزَّادَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ السُّؤَالَ انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُهُ فِي الْمَعُونَةِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ: وَمَنْ شَأْنُهُ فِي مَوْضِعِهِ السُّؤَالُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، وَالسُّؤَالُ فِي طَرِيقِهِ كَمَا يَسْأَلُ فِي بَلَدِهِ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ وَالْقَدْرُ الَّذِي يَتَسَبَّبُ بِهِ فِي بَلَدِهِ غَيْرُ مَعْدُومٍ فِي الطَّرِيقِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنْسَكِهِ: وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَادَتَهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعِيشَتُهُ فِي أَهْلِهِ كَانَ اسْتِطَاعَةً فِي حَقِّهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِرْفَةٍ مِنْ الْمَسَاكِينِ فَالسُّؤَالُ فِي حَقِّهِ خَفِيفٌ لِأَجْلِ حَاجَتِهِ فَإِذَا كَانَ فِي أَهْلِهِ يَسْأَلُ فَسَوَاءٌ فِي حَقِّهِ قَطَنَ أَوْ ظَعَنَ وَيَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِسَائِرِ الْحِرَفِ الَّتِي تُكْتَسَبُ بِهَا الْمَعِيشَةُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَفْدَحُهُ وَمَا يَعِيشُ بِهِ فِي بَلَدِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ مِنْ صِنَاعَةٍ لَا يُعْدِمُهَا أَوْ سُؤَالٍ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ: وَيَلْزَمُ السَّائِلُ الْفَقِيرُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ: إنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَعَيْشُهُ فِي الْمَقَامِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ أَوْ كَانَ عَيْشُهُ بِالتَّكَفُّفِ وَكَانَ فِي رُفْقَةٍ لَا يَخْشَى الضَّيْعَةَ فِيهَا وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُتَسَائِلِ؟ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ فِي وَطَنِهِ وَفِي الطَّرِيقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُعْطِيهِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلَيْنِ وَهُمَا مُنَزَّلَانِ عَلَى حَالَيْنِ فَمَنْ تَسَاوَتْ حَالُهُ لَزِمَهُ كَمَا قُلْنَا، وَمَنْ افْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ مِنْ

أَجْلِ الْخُرُوجِ لَمْ يَلْزَمْهُ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) كَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِيمَنْ لَيْسَ عَادَتُهُ السُّؤَالَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ: وَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَعَيْشُهُ فِي الْمَقَامِ مِنْ صِنَاعَةٍ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ عَمَلُهَا فِي السَّفَرِ، وَالْعَيْشُ مِنْهَا أَوْ كَانَ شَأْنُهُ التَّكَفُّفَ وَكَانَ سَفَرُهُ فِي. رُفْقَةٍ وَجَمَاعَةٍ لَا يَخْشَى الضَّيْعَةَ مَعَهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَعَ عَدَمِ الْجَمِيعِ يَعْنِي الزَّادَ وَالرَّكْبَ ثُمَّ قَالَ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: مَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ بِذِلَّةٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ عَادَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ الشَّيْخُ، أَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ عَادَتِهِ فِي الْمَشْيِ فَغَيْرُ مُرَاعًى، وَإِنْ أَرَادَ السُّؤَالَ وَالتَّكَفُّفَ فِيمَنْ لَيْسَ شَأْنُهُ فَهُوَ حَسَنٌ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَخْرُجُ يَسْأَلُ النَّاسَ فَقَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أَرَى لِلَّذِي لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحَجِّ وَلَا لِلْغَزْوِ وَيَسْأَلَ يُرِيدُ فِيمَنْ كَانَ عَيْشُهُ فِي الْمَقَامِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي عُمْدَتِهِ: وَيَلْزَمُ مَعَهُ مُعْتَادُ الْمَشْيِ وَالسُّؤَالُ إذَا وَجَدَ مِنْ يُعْطِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ فِي بَلَدِهِ وَإِنْ سَأَلَ فِي الطَّرِيقِ أَعْطَى لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ فِي بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ إذَا سَأَلَ فِي الطَّرِيقِ أَعْطَى انْتَهَى فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَمْ يَحْكُوا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ خِلَافًا وَأَمَّا ابْنُ شَاسٍ فَذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ صَدَّرَ بِالْوُجُوبِ وَعَطَفَ الثَّانِي عَلَيْهِ بِقِيلَ، وَنَصُّهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَسَائِلِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ عَادَتُهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُعْطِيهِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ حِكَايَةَ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَتَبِعَ ابْنُ شَاسٍ عَلَى التَّصْدِيرِ بِالْوُجُوبِ، وَحِكَايَةُ مُقَابِلِهِ بِقِيلِ ابْنِ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ وَالْقَرَافِيُّ وَالتَّادَلِيُّ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَقِبَلَهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَمَنْ بَعْدُهُمْ وَرَجَّحُوا الْقَوْلَ بِالسُّقُوطِ وَبَعْضُهُمْ صَرَّحَ بِتَشْهِيرِهِ، وَكَذَلِكَ شُرَّاحُ الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُ ذَلِكَ. (فَإِنْ (قُلْتُ)) قَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي السَّائِلِ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ إعْطَاءَهُ قَوْلَانِ مَا نَصُّهُ الْقَوْلَانِ رِوَايَتَانِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ السُّقُوطَ وَزَادَ فِيهَا الْكَرَاهَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ الْوُجُوبَ. ((قُلْتُ)) مَا ذَكَرَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ، وَنَصُّهُ وَمَنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قِيلَ فِيمَنْ يَسْأَلُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَلَا نَفَقَةَ عِنْدَهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ؟ قَالَ: حِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَلَا أَرَى لِلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَيَسْأَلُونَ النَّاسَ وَهُمْ لَا يَقْوَوْنَ إلَّا بِمَا يَسْأَلُونَ وَإِنَى لَأَكْرَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] انْتَهَى بِلَفْظِهِ فَلَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ بَلْ الرِّوَايَةُ مُجْمَلَةٌ وَفَسَّرَهَا الشُّيُوخُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ فِي بَلَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ حَيْثُ قَالَ إثْرِ كَلَامِ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أَرَى لِلَّذِي لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحَجِّ وَلَا لِلْغَزْوِ وَيَسْأَلُ النَّاسَ يُرِيدُ فِيمَنْ كَانَ فِي الْمَقَامِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ. وَلَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ ذَكَرَ بَعْدَهَا تَفْسِيرَ اللَّخْمِيّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِنْ كَانَ عَيْشُهُ مِنْ غَيْرِ السُّؤَالِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى مَكَّةَ بِالسُّؤَالِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَوْ يُكْرَهُ؟ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ انْتَهَى. فَجَعَلَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَنْ لَيْسَ عَادَتُهُ السُّؤَالَ وَقِبَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَقُدْرَةُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ قَادِرٍ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ فِي السَّفَرِ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، وَفِي كَرَاهَتِهِ وَإِبَاحَتِهِ رِوَايَتَا ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَخْرُجُ يَسْأَلُ فَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أَرَى لِمَنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ خُرُوجَهُ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ وَيَسْأَلُ النَّاسَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ فِيمَنْ كَانَ فِي مَقَامِهِ لَا يَسْأَلُ وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ سُقُوطَهُ عَنْ مُعْتَادِ السُّؤَالِ ظَانًّا وُجُودَ مَنْ يُعْطِيهِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك صِحَّةَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَجَمِيعُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ وَأَعْيَانِ الْحُفَّاظِ لِنُصُوصِهِ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُلُوا فِي لُزُومِ الْحَجِّ خِلَافًا فَهِمُوا رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهَا فِيمَنْ لَيْسَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ وَإِلَّا فَمِنْ الْبَعِيدِ عَادَةً أَنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَيْهَا أَوْ اطَّلَعُوا عَلَيْهَا وَفَهِمُوا أَنَّهَا فِيمَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ وَجَزَمُوا بِخِلَافِهَا وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهَا، وَمِنْ الْبَعِيدِ عَادَةً أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفَ اطَّلَعَا عَلَى النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفِيهَا الرِّوَايَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَمْ يُنَبِّهَا عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (تَنْبِيهٌ) حَيْثُ حَرُمَ الْخُرُوجُ لِكَوْنِ الْعَادَةِ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِمْ إعَانَتَهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ بِالشَّرْبَةِ وَالشَّرْبَتَيْنِ وَاللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَيَعْرِفهُمْ أَنَّ مَا ارْتَكَبُوا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: إنَّهُ يُوَاسِيهِمْ وَلَا يُوَبِّخُهُمْ فِي خُرُوجِهِمْ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَصِلُ إلَيْهِمْ يَعْنِي الظُّلْمَةَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ فَيَخْرُجُ بِغَيْرِ زَادٍ وَلَا مَرْكُوبٍ فَتَطْرَأُ عَلَيْهِ أُمُورٌ عَدِيدَةٌ كَانَ عَنْهَا فِي غِنًى، مِنْهَا عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْقُدْرَةِ وَالْوُقُوعُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ، وَتَكْلِيفُ النَّاسِ الْقِيَامَ بِقُوتِهِ وَسَقْيِهِ، وَرُبَّمَا آلَ أَمْرُهُ إلَى الْمَوْتِ وَهُوَ الْغَالِبُ فَتَجِدُهُمْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ طَرْحَى مَيِّتِينَ بَعْدَ أَنْ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ عَلِمَ بِحَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ فِي إثْمِهِمْ وَكَذَلِكَ يَأْثَمُ كُلُّ مَنْ أَعَانَهُمْ بِشَيْءٍ لَا يَكْفِيهِمْ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ أَوْ سَعَى لَهُمْ فِيهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ غَيْرَهُ يُعِينُهُمْ بِشَيْءٍ تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ فِي الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ فَلَا بَأْسَ إذَنْ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِهِمْ فِيمَا لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ وَالتَّعَبِ وَالْإِفْضَاءِ إلَى الْمَوْتِ وَهُوَ الْغَالِبُ؛ فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُمْ فِيمَا وَقَعَ بِهِمْ وَفِيمَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنْ التَّسَخُّطِ وَالضَّجَرِ وَالسَّبِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا فِي الطَّرِيقِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِحَالَتِهِمْ إعَانَتُهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ بِالشَّرْبَةِ وَالشَّرْبَتَيْنِ وَاللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَيَعْرِفُهُمْ أَنَّ مَا ارْتَكَبُوا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا) ش: لِمَا قُدِّمَ أَوَّلًا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ إمْكَانُ الْوُصُولِ خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ مَا يُرَدُّ بِهِ، فَقَالَ: وَيَعْنِي أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَا يُوَصِّلُ الْمُكَلِّفَ إلَى مَكَّةَ وَمَا يُرَدُّ بِهِ إنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الضَّيَاعَ فِي مَكَّةَ وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ وَمُرَادُهُ مَا يُرَدُّ بِهِ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يُمْكِنُهُ التَّعَيُّشُ فِيهِ، كَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَدَرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَفِي اعْتِبَارِ مَا يُرَدُّ بِهِ مَشْهُورُهَا لِأَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُرْتَجَى فِيهَا مَعَاشُهُ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمُرَاعَى فِي الزَّادِ وَالْمَرْكُوبِ مَا

يَبْلُغُ دُونَ الرُّجُوعِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ هُنَاكَ ضَاعَ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُرَاعَى مَا يَبْلُغُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ إلَى أَقْرَبَ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يُمْكِنُهُ التَّعَيُّشُ فِيهِ انْتَهَى. وَعَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ مُعَلَّى عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ اعْتِبَارِ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَشْتَرِطْ خَوْفَ الضَّيَاعِ فَلَمَّا اشْتَرَطَهُ الْمُصَنِّفُ عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ ابْن مُعْلِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ عَلَى الْإِنْسَانِ حَرَجًا عَظِيمًا فِي إلْزَامِهِ الْمَقَامَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ وَلَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ مُعَلَّى وَقَبِلَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ كَلَامَ التِّلِمْسَانِيِّ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَكَّةَ فَقَطْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق قَوْلًا وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الرِّسَالَةِ وَنَصُّهُ إثْرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ يَعْنِي إلَى مَحَلٍّ يَأْمَنُ الضَّيَاعَ فِيهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَحَكَى ابْنُ مُعَلَّى قَوْلًا بِاعْتِبَارِ مَا يَرُدُّهُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا مَنْ أَبْقَى الرِّسَالَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْوَسَطِ فَإِنَّهُ قَالَ مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَوْدِهِ وَأَمَّا فِي الْكَبِيرِ فَقَالَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْوُصُولُ فَقَطْ (تَنْبِيهٌ) عَلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمَقَامَ فِي مَكَّةَ بِحِرْفَةٍ أَوْ تَسَبُّبٍ فَلَا يَعْتَبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْحِرْفَةُ لَا تَزِرِي بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحِرَفِ الَّتِي يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ لَكَمِيدٍ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ إمْكَانُ الْوُصُولُ خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْبَرِّ فَقَالَ: وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ يَعْنِي أَنَّ الْبَحْرَ طَرِيقٌ إلَى الْحَجِّ كَالْبَرِّ فَيَجِبُ سُلُوكُهُ إذَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ طَرِيقٌ سِوَاهُ كَمَنْ يَكُونُ فِي جَزِيرَةٍ أَوْ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ سُلُوكُ الْبَرِّ لِخَوْفٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ سُلُوكُهُ فَيُخَيِّرُ فِي سُلُوكِهِ وَفِي سُلُوكِ الْبَرِّ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ سَنَدٌ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الْحَجِّ فِيهِ إلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ طَرِيقًا سَوَاءٌ كَأَهْلِ الْجُزُرِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ طَرِيقًا غَيْرَهُ وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ فَرْضَ الْحَجِّ سَاقِطٌ عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إلَّا عَلَى الْبَحْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] إذْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ وَدَلِيلٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْبَحْرِ فَلَا يَصِلُ إلَيْهَا أَحَدٌ إلَّا رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا رَكِبَ الْبَحْرَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ لَمْ يَرْكَبْ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] الْآيَةَ قَالَ: مَا أَسْمَعُ لِلْبَحْرِ ذِكْرًا وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَنَصُّهُ رَأَيْت فِي جَوَابٍ لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: رَأَيْت لِابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْجَزَائِرِ حَجٌّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] الْآيَةَ، وَذَكَرَ لِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الصَّادِقِ نَحْوَ ذَلِكَ وَكَانَ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رِزْقٍ يَسْتَدِلُّ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْحَجِّ إذَا كَانَ السَّيْرُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ بِمَا رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَمْرَ رَاكِبُ الْبَحْرِ فِي الثُّلُثِ، وَمِنْ شَرْطِ الْحَجِّ السَّبِيلُ السَّابِلَةُ وَلَيْسَ مَعَ الْغَرَرِ أَمْنُ سَبِيلٍ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ صَاحِبُنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى. قَالَ التَّادَلِيُّ إثْرَ نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا جَعَلَ مَالِكٌ أَمْرَهُ فِي الثُّلُثِ إذَا رَكِبَهُ فِي حَالِ ارْتِجَاجِهِ، وَرُكُوبُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ مُعَلَّى عَنْ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ، وَأَمَّا رَكُوبُهُ فِي حَالِ هُدْنَتِهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَجَوَابُ مَالِكٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي عَلَى إلْحَاقِ

رَاكِبِ الْبَحْرِ بِالْمَرِيضِ إذَا رَكِبَهُ فِي حَالِ ارْتِجَاجِهِ فَقَيَّدَ الْحَالَةَ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا بِأَنَّ أَمْرَ رَاكِبِ الْبَحْرِ فِي ثُلُثِهِ بِحَالَةِ الِارْتِجَاجِ فَأَعْلَمْهُ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ التَّادَلِيُّ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ. (تَنْبِيهٌ) نَقَلَ التَّادَلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحُجُّ فِي الْبَحْرِ إلَّا مِثْلَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ الْبَرَّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ فِيهِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِالْكَرَاهَةِ الْمُتَقَدِّمُ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ كَلَامَ الْقَاضِي سَنَدٍ جَمِيعُهُ وَنَصُّهُ وَكَرِهَ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ فِي الْبَحْرِ إلَّا مِثْلَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ الَّذِي لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا انْتَهَى. فَتَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْحَجِّ لِمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ وَجَوَازُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. الثَّانِي سُقُوطُ الْحَجِّ عَمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ إلَّا مِنْ الْبَحْرِ. الثَّالِثُ كَرَاهَةُ السَّفَرِ فِيهِ إلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ طَرِيقًا سِوَاهُ. وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] وَيَبْعُدُ أَنْ يَمُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِمَا حَظَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَبُحْهُ لَهُمْ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ عِنْدَ أُمِّ حَرَامٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَرَضُوا عَلَى غُزَاةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ» الْحَدِيثَ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْبَحْرِ طَرِيقًا إلَى الْحَجِّ أَنْ لَا يَغْلِبَ الْعَطَبُ فِيهِ وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَضْيِيعِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ مِيدَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ كَزِحَامٍ وَضِيقٍ، أَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ لَا يَغْلِبَ الْعَطَبُ فِيهِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ الْأَمْنُ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ فَإِذَا غَلَبَ فِيهِ حَرُمَ رُكُوبُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ إذَا عَرَضَ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الدِّينِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ خُصُوصًا إذَا جَعَلْنَا التَّشْبِيهَ فِي قَوْلِنَا كَالْبَرِّ رَاجِعًا لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسِيرِ مِنْ الْبَرِّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ وَأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ اللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْمُكُوسِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَرِّ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّشْبِيهُ أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْأَمْنِ مِنْ اللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْمُكُوسِ، وَهَذَا الْكَلَامُ أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْأَمْنِ مِنْ الْبَحْرِ نَفْسِهِ أَوْ يُقَالُ: التَّشْبِيهُ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ طَرِيقًا يَجِبُ سُلُوكُهُ فَقَطْ، وَأَفَادَ هَذَا الْكَلَامُ بَيَانَ شُرُوطِ رُكُوبِهِ، أَوْ يُقَالُ: لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَإِنْ فُهِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُقِدَ فَقَدْ حَرُمَ السَّفَرُ حِينَئِذٍ فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَغَلَبَةُ الْعَطَبِ فِيهِ بِأُمُورٍ مِنْهَا: رَكُوبُهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَعِنْدَ هَيَجَانِهِ، قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: تَنْبِيهٌ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ أَنْ لَا يَرْكَبَ الْغَرَرَ الْمُتَّفَقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ رَكُوبُهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَوَقْتَ هَيَجَانِهِ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي إكْمَالِهِ (فَإِنْ قُلْت) فَعَيِّنْ لَنَا هَذَا الْوَقْتَ حَتَّى تَجْتَنِبَهُ، ((قُلْتُ)) قَدْ نَصَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْعَطَبُ امْتَنَعَ رَكُوبُهُ وَقَدْ نَصَّ الدَّاوُدِيُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ سُقُوطِهِ الثُّرَيَّا بَرِيءَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا كَوْنُ ذَلِكَ الْبَحْرِ مَخُوفًا تَنْدُرُ السَّلَامَةُ فِيهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنْ كَانَ الْبَحْرُ مَأْمُونًا يَكْثُرُ سُلُوكُهُ لِلتُّجَّارِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ بَحْرًا مَخُوفًا تَنْدُرُ السَّلَامَةُ مِنْهُ وَلَا يَكْثُرُ رَكُوبُ النَّاسِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ فَرْضَ الْحَجِّ انْتَهَى. وَمِنْهَا خَوْفُ عَدُوِّ الدِّينِ أَوْ الْمُفْسِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَلَخَّصَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ الْعَطَبُ فِي الطَّرِيقِ حَرُمَ الْخُرُوجُ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ

اللَّخْمِيُّ فِيمَنْ خَرَجَ حَاجًّا فِي طَرِيقٍ مَخُوفَةٍ عَلَى غَرَرٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ هَلْ هُوَ مِنْ الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إلَى التَّهْلُكَةِ أَوْ هُوَ مَأْجُورٌ بِسَبَبِ قَصْدِهِ إلَى فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَالتَّقَرُّبِ بِالنَّفْلِ إنْ كَانَ قَدْ حَجَّ أَمْ لَيْسَ بِمَأْجُورٍ وَلَا مَأْثُومٍ؟ فَأَجَابَ: الْحَجُّ مَعَ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ الْغَرَرِ سَاقِطٌ وَتَحَامُلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسْلِمُ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا حَكَى ابْنُ رُشْدٍ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ أَنْ لَا يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ عِزُّ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ رَأَيْتُهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَسَلِمَ فَحُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى الْغَالِبِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ هُنَا إذَا صَلَحَتْ نِيَّتُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُؤَدِّي فَرَائِضَ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعَهَا انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ: أَوْ يُضَيِّعُ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّ شَرْطَ رَكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ؛ فَأَحْرَى لِغَيْرِهِ أَنْ يَعْلَمَ الرَّاكِبُ أَنَّهُ يُوفِي بِصَلَاتِهِ فِي أَوْقَاتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَيِّعَ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِهَا، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ خَاصًّا بِالْبَحْرِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَنَّهُ تَفُوتُهُ صَلَاةٌ وَاحِدَةً إذَا خَرَجَ إلَى الْحَجِّ فَقَدْ سَقَطَ الْحَجُّ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الْحَجَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَشَبَهُهُ فَهُوَ سَاقِطٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِهِ عَنْ سُؤَالٍ مَا نَصُّهُ: إنْ كَانَ يَقَعُ فِي تَرْكِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى تَخْرُجَ أَوْقَاتُهَا أَوْ يَأْتِيَ بِبَدَلٍ مِنْهَا فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُوقِعْهُ فِي ذَلِكَ إلَّا السَّفَرُ لِلْحَجِّ فَإِنَّ هَذَا السَّفَرَ لَا يَجُوزُ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ يَأْتِي بِبَدَلٍ مِنْهَا أَوْ يَتْرُكُ بَعْضَ أَرْكَانِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ التَّادَلِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هِيَ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَتَرْكِ التَّفْرِيطِ وَتَرْكِ الْمَنَاكِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي مَنْسَكِهِ: اعْلَمْ أَنَّ تَضْيِيعَهُ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ سَيِّئَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُوفِيهَا حَسَنَاتُ الْحَجِّ بَلْ الْفَاضِلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَهَمُّ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْمَيْدَ وَلَوْ عَنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِرُكُوبِ الْبَحْرِ أَوْ الدَّابَّةِ تَرَكَ الْحَجَّ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُقَصِّرُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الِاحْتِرَازِ مَا يَجِبُ فِي الْحَضَرِ انْتَهَى. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلِتَكُنْ الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ أَهَمَّ أُمُورِهِ فَلِيَسْتَعِدْ لَهَا ثِيَابًا طَاهِرَةً يَجِدُهَا إذَا تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ إعْوَازِ الْمَاءِ، وَهَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا وَبَعْضُ الْقَافِلِينَ لَا يَسْتَعِدُّ إلَّا لِلَذَّةٍ لَطِيفَةٍ فَيَحْمِلُ لَذَائِذَ الْأَطْعِمَةِ وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَبِالنَّجَاسَةِ وَلِتَفْرِيطِ الْحَاجِّ فِي الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرِهِمْ إيَّاهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِمْ: إنَّهُمْ عُصَاةٌ وَقَدْ أُخِذَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ رَكُوبُ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ إذَا أَدَّى لِتَعْطِيلِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ مَتَى خِيفَ تَعْطِيلُهَا فِي الْبَرِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ، فَقَدْ سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ حُكْمِ الْحَجِّ فِي زَمَنِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَتَى وَجَدَ السَّبِيلَ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَمِنَ أَنْ يُفْتَنَ عَنْ دِينِهِ وَأَنْ يَقَعَ فِي مُنْكَرَاتٍ أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبَاتٍ مِنْ صَلَوَاتٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي تَرْكِ صَلَوَاتٍ حَتَّى يَخْرُجَ أَوْقَاتُهَا وَلَمْ يُوقِعْهُ فِي ذَلِكَ إلَّا السَّفَرُ لِلْحَجِّ فَهَذَا السَّفَرُ لَا يَجُوزُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَرَى مُنْكَرَاتٍ وَيَسْمَعُهَا فَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ انْتَهَى. وَنَكَّرَ الْمُصَنِّفُ رُكْنًا لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَأَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى كَمَيْدٍ لِيَدْخُلَ الزِّحَامُ وَالضَّيِّقُ وَكَثْرَةُ النَّجَاسَاتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَالَ الْبَاجِيُّ إلَى رَكُوبِ الْبَحْرِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَضْيِيعِ بَعْضِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ لِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ رَكُوبِهِ لِلْجِهَادِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجِهَادِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَالْقِيَامُ بِهَا أَشْرَفُ مِنْ الْقِيَامِ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقِيَامِ بِالتَّوْحِيدِ كُفْرٌ وَعَدَمُ الْقِيَامِ بِالصَّلَاةِ لَيْسَ بِكُفْرٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ وَالْحَجُّ مَعَ الصَّلَاةِ بِالْعَكْسِ إذْ هِيَ أَفْضَلُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجِهَادِ

فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَبَعِيدٌ أَنْ يُقَالَ: بِرُكُوبِهِ وَإِنْ أَدَّى لِتَضْيِيعِ بَعْضِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْبَاجِيُّ مَا الَّذِي يُسْتَخَفُّ تَضْيِيعُهُ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا جَالِسًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْجُدَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَنَصُّهُ وَالْحَجُّ فِي الْبَحْرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ فِي الْجَزَائِرِ، مِثْلُ صِقِلِّيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ؛ لِأَنَّهَا بِحَارٌ مَارِجَةٌ إذَا كَانَ الرَّاكِبُ يُوفِي بِصَلَاتِهِ وَلَا يُعَطِّلُهَا وَلَا يَنْقُصُ فُرُوضُهَا فَإِنْ كَانَ يُعْرَضُ لَهُ مَيْدٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْتِيَ بِفَرْضٍ لِيُسْقِطَ فُرُوضًا، وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَ يَأْتِي بِصَلَاتِهِ جَالِسًا أَوْ لَا يَجِدُ مَوْضِعًا لِسُجُودِهِ لِضِيقِ الْمَوْضِعِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ فَلَا يَرْكَبُهُ أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي، وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ إذَا كَانَ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الرُّتْبَةِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَاَلَّذِي يُسَافِرُ حَيْثُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَيَنْتَقِلُ لِلتَّيَمُّمِ فَخَرَجَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْجُمُعَةِ بِالْإِجْزَاءِ لُزُومُ الْحَجِّ مَعَ ذَلِكَ وَقَاسَ مَنْعُ رُكُوبِهِ حَيْثُ يُصَلِّي جَالِسًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَنْعِ رُكُوبِهِ حَيْثُ يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ فَسَاوَى بَيْنَ تَرْكِ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ، وَقَبِلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ؛ فَقَالَ: وَفِي كَوْنِهِ مَعَ الصَّلَاةِ جَالِسًا أَوْ السُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ مُسْقِطًا أَوْ لَا سَمَاعُ أَشْهَبَ وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْجُمُعَةِ بِصِحَّةِ جُمُعَةِ مَنْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَإِبَاحَةِ سَفَرٍ يَنْقُلُ لِلتَّيَمُّمِ انْتَهَى. فَعَزَا لِسَمَاعِ أَشْهَبَ: سُقُوطُ الْحَجِّ بِصَلَاتِهِ جَالِسًا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ نَصًّا وَلَكِنَّهُ تَبِعَ اللَّخْمِيَّ فِي مُسَاوَاتِهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَالسُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَتَبِعَ اللَّخْمِيّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اخْتَصَرَهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: إذَا عَلِمَ شَخْصٌ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ حَتَّى يَئُولَ أَمْرُهُ إلَى تَعْطِيلِ الصَّلَاةِ أَوْ الْخَلَلِ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ لِأَجْلِ خَوْفِ الْغَرَقِ أَوْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مُحَرَّمٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَحَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مَنَعَهُ مِنْ الْقِيَامِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ: وَأَمَّا الَّذِي يَمِيدُ حَتَّى يَمْنَعَهُ الصَّلَاةَ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَإِنَّ اللَّخْمِيَّ خَرَّجَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ، وَصَحَّحَ الْجَوَازَ انْتَهَى. وَسَمَاعُ أَشْهَبَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ كَلَامُ مَالِكٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ إذَا رَكِبَهُ وَكَانَ يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَانْظُرْ إذَا أَدَّاهُ ذَلِكَ لِلصَّلَاةِ جَالِسًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ السَّابِقِ أَنَّهُ مِثْلُ الَّذِي يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ. وَكَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَلَمْ يَرْتَضِ صَاحِبُ الطِّرَازِ مُسَاوَاةَ اللَّخْمِيِّ بَيْنَ صَلَاتِهِ جَالِسًا وَسُجُودِهِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَنَصُّهُ وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِزِحَامِ النَّاسِ، فَذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ وَقَوْلَ أَشْهَبَ فِي الْجُمُعَةِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَخَرَّجَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ وَقَدَرَ عَلَى الْجُلُوسِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ السُّجُودَ آكَدُ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْقِيَامُ فِي النَّقْلِ وَفِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَالْقِيَامُ يَتَرَخَّصُ بِتَرْكِهِ فِي حَالٍ وَالسُّجُودُ لَا يُتْرَكُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي كُلِّ حَالٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَتَصَرَّعُ فَلَا يَتَمَسَّكُ جَالِسًا فَهُوَ كَتَرْكِهِ السُّجُودَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ الْحَجِّ لِأَجْلِ السُّجُودِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ السُّقُوطَ

تنبيهات ركوب البحر على ثلاثة أقسام

بِصَلَاتِهِ جَالِسًا وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ كَلَامَ سَنَدٍ بِاخْتِصَارِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ وَفَهِمَ مِنْهُ عَكْسَ الْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ: وَقَدْ يُقَالُ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ آكَدَ فَقَدْ تُرُخِّصَ فِيهِ فَلَأَنْ يُتَرَخَّصَ فِي الْقِيَامِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ دُونَهُ انْتَهَى. وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ الِاخْتِصَارِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ إنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي كَلَامِهِ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا جَالِسًا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ لِكَوْنِهِ قَالَ: رُكْنُ صَلَاةٍ فَأَطْلَقَ فِي ذَلِكَ وَإِطْلَاقُهُ مُوَافِقٌ لِمَا نَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لِمَالِكٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَ رُكُوبُ الْبَحْرِ يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ بِالسُّجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَإِنْ رَكِبَهُ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى الصَّلَاةِ جَالِسًا فَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِطْلَاقِ الْبُرْزُلِيِّ وَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: وَقِيَاسُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ فَرْحُونٍ ذَلِكَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الْحَجِّ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ فِي السَّفِينَةِ يُصَلِّي جَالِسًا وَسَيَأْتِي كِلَاهُمَا فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهَاتٌ رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ مُعَلَّى وَغَيْرُهُمْ جَائِزٌ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَمِيدُ وَلَا يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ وَمَمْنُوعٌ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ تَضْيِيعَ الصَّلَاةِ وَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ مَنْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَصْلٌ: وَرُكُوبُ الْبَحْرِ لِلْأَسْفَارِ مُبَاحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ رُكُوبِهِ وَمِنْ الْعَوَارِضِ الْإِخْلَالُ بِالصَّلَاةِ لِلْمَيْدِ فَمَنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتِهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا جُمْلَةً فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ رُكُوبُهُ وَلَا إلَى حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَطْلُبُ فَرْضًا فَيُضَيِّعُ فُرُوضًا آكَدَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ بِإِخْلَالِ فَرْضٍ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَالِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَى بَدَلٍ كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي قَائِمًا هَذَا إنْ وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً لَمْ يَرْكَبْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ فَمَنْ قَالَ بِهِ أَجَازَ رُكُوبَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَى التُّرَابِ فِي السَّفَرِ فِي الْمَفَازَاتِ وَإِنْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مُجَرَّدُ طَلَبِ الدُّنْيَا وَمَنْ مَنَعَ الْقِيَاسَ عَلَيْهَا مَنَعَهُ إذَا أَدَّى لِلْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْفُرُوضِ وَإِنْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ هَلْ يَسْلَمُ مِنْ الْمَيْدِ أَمْ لَا فَقَدْ قَالُوا: يُكْرَهُ لَهُ الرُّكُوبُ وَلَا يُمْنَعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَى التُّرَابِ فِي السَّفَرِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ وَالْقِيَامَ رُكْنٌ وَالشَّرْطُ خَارِجٌ وَالرُّكْنُ دَاخِلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ اُنْظُرْهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَمِيدُ لَا يَنْبَغِي فِيهِ مُسَامَحَةٌ بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى: لَا يَخْلُو رَاكِبُ الْبَحْرِ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَمِيدُ بِحَيْثُ لَا يُصَلِّي فَيُمْنَعُ أَوْ لَا فَيَجُوزُ أَوْ يَشُكُّ فَقَوْلَانِ: الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ فِيمَا إذَا كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا وَقَالَ إثْرَهُ: قَالَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَمَّا لَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا فَلَا قِيَاسَ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَدَلٌ عَنْ الْقُعُودِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمِيدُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ السَّفَرُ فِيهِ الْبُرْزُلِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ سُقُوطِ بَعْضِ أَرْكَانِهَا انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: قَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ نَقْصٍ فِي صَلَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْخُ يَعْنِي نَفْسَهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِفَرْضِهِ قَائِمًا وَلَا يَمِيدُ، وَمَكْرُوهٌ إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ لَهُ عَادَةٌ بِرُكُوبِهِ وَلَا يَعْلَمُ إذَا رَكِبَهُ هَلْ يَمِيدُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ

السَّلَامَةُ وَمَمْنُوعٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا لِكَثْرَةِ الرُّكَّابِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ، قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ يَسْجُدَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ فَلَا يَرْكَبُ لِحَجٍّ وَلَا لِعُمْرَةٍ أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا جَالِسًا وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: مَنْ أَرَادَ رُكُوبَ الْبَحْرِ وَقْتَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ قَائِمًا لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ الْبَحْرِ وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ قَائِمًا قَالَ: يَجْمَعُهُمَا فِي الْبَرِّ قَائِمًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي وَقْتِهَا قَاعِدًا، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ قَعَدُوا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مَنْ رَكِبَ أَوْ عَزَمَ عَلَى رُكُوبِهِ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْتَارُهُ لَهُمْ مِنْ الرُّكُوبِ أَوْ التَّرْكِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ: إنَّهُ يَكْرَهُ رُكُوبَهُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا جَالِسًا وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَهُوَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا قَالَ: بَلْ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا فَقُعُودًا قِيلَ: وَيَؤُمُّهُمْ قُعُودًا؟ قَالَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَقُومُوا، قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا قَالَهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فُرُوضِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا مَنْ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا كَانُوا كَالْمَرْضَى وَجَازَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ الْإِمَامُ قُعُودًا وَهُوَ قَاعِدٌ انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسُئِلَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ الْقَوْمِ فِي الْمَرْكَبِ يُصَلُّونَ جُلُوسًا وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِيَامِ قَالَ: يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ إمَامُهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ فَمَنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَإِنْ أَمْكَنَ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ الْخُرُوجُ إلَى الشَّاطِئِ خَرَجَ إلَيْهِ فَإِنْ أَدَّى الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ عَلَى الْإِكْمَالِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالشَّاطِئِ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَآمَنُ مِنْ طَرَيَانِ الْمُفْسِدِ فَإِنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ وَأَكْمَلَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَخَلَّ بِفَرْضٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَحَّتْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا أَجْزَأَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فَلَا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ فِيهَا قَاعِدًا قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَفْهُومُهُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ صَلَّى جَالِسًا الْمَغْرِبِيُّ وَنَحْوُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ ثُمَّ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَدُورُونَ إلَى الْقِبْلَةِ كُلَّمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ السُّجُودَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ فِي السَّفِينَةِ أَنْ يَسْجُدَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ رُكُوبُهَا فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَإِنْ فَعَلَ وَصَلَّى وَسَجَدَ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَعَادَ أَبَدًا عَلَى قَوْله لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يُقْدَحُ الْمَاءُ مِنْ عَيْنِهِ فَيُصَلِّي إيمَاءً أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَكَذَا نَقُولُ فِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الزِّحَامِ أَنْ يَسْجُدَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَّا فِي الْوَقْتِ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرْضَ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى الْإِيمَاءِ مِنْ أَجْلِ الزِّحَامِ فَكَانَ كَالْمَرِيضِ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ فَرَفَعَ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافُ الْمَرِيضِ يُعِيدُ أَبَدًا إنْ لَمْ يَسْجُدْ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَوْ إيمَاءً فَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ إلَّا إيمَاءً أَوْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ سَجَدَ مَا لَمْ يَعْقِدْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي تَلِيهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ سَجَدَ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ أَوْ مَا لَمْ يَطُلْ الْأَمْرُ بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي سَلَامِ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ كَعَقْدِ رَكْعَةٍ أَمْ لَا انْتَهَى. (الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ حُكْمُ رُكُوبِهِ ابْتِدَاءً عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ أَثْنَاءِ الْكَلَامِ حُكْمُ رُكُوبِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ

مُجْمَلًا وَتَحْصِيلُهُ أَنَّهُ إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِالصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ قَدَرَ عَلَيْهَا فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي إعَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَخَلَّ بِبَعْضِ الْأَرْكَانِ فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَائِزِ وَهُوَ مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مَنَعَهُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا يُشَكُّ فِي عَدَمِ إعَادَتِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ مَنْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْإِخْلَالِ بِالصَّلَاةِ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ فِي السَّفِينَةِ قَعَدُوا وَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ وَأَخَلَّ بِفَرْضٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ صَحَّتْ وَأَمَّا الْقَسَمُ الْمَمْنُوعُ وَهُوَ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ تَضْيِيعَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِ وَأَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) مَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ حَصَلَ لَهُ مَيْدٌ يَغِيبُ عَقْلُهُ مِنْهُ وَيُغَمَّى عَلَيْهِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ رُكُوبِهِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَخُرُوجُهُ لِلْحَجِّ إنَّمَا هُوَ شَهْوَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ بَلْ نَزْعَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَلَقَدْ حَكَى شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ عَنْ طَالِبٍ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ يُقَالُ اخْتَصَمَ شَيَاطِينُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ غَوَايَةً فَقَالَ شَيَاطِينُ الْمَشْرِقِ لِشَيَاطِينِ الْمَغْرِبِ: نَحْنُ أَشَدُّ مِنْكُمْ غَوَايَةً لِأَنَّا نَحْمِلُ الْمَرْءَ عَلَى الْمَعَاصِي وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فِي مَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَقَالَ شَيَاطِينُ الْمَغْرِبِ: نَحْنُ أَشَدُّ لِأَنَّا نَجِدُ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ فِي رَاحَةٍ وَمَلَائِكَتُهُ مَعَهُ كَذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ التَّبِعَاتِ فَإِذَا قَالَ الْقَوَّالُ فِي التَّشْوِيقِ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ نَنْخُسُهُ بِسِكِّينٍ فَيَبْكِي وَنَحْمِلُهُ عَلَى الْخُرُوجِ فَيَخْرُجُ فَمِنْ يَوْمِ يَخْرُجُ نَحْمِلُهُ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ إلَى يَوْمِ دُخُولِهِ إلَى أَهْلِهِ فَخَسِرَ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَدِينِهِ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا فَسَلَّمَ شَيَاطِينُ الْمَشْرِقِ لِشَيَاطِينِ الْمَغْرِبِ شِدَّةَ الْغَوَايَةِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَقَدْ شَاهَدْت فِي سَفَرِي لِلْحَجِّ بَعْضَ هَذَا انْتَهَى. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَانْظُرْ إذَا حَصَلَ لَهُ مَيْدٌ حَتَّى غَابَ عَنْ عَقْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَخَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ غَائِبُ الْعَقْلِ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَفِي الْوَجْهِ الْجَائِزِ وَالْمَكْرُوهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمَمْنُوعِ يَقْضِي الصَّلَاةَ وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قِيَاسًا عَلَى السَّكْرَانِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِغْمَاءُ لِمَرَضٍ غَيْرِ الْمَيْدِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إذَا رَكِبَهُ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَهَلْ يُطْلَبُ بِالرُّجُوعِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطْلَبُ بِالنُّزُولِ مِنْهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: يَتَرَجَّحُ الْبَرُّ الْمُوَصِّلُ مِنْ عَامِهِ عَلَى الْبَحْرِ الْمُبَاحِ الْمُوَصِّلِ فِي عَامٍ آخَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَإِنْ تَسَاوَيَا جَرَى عَلَى أَيِّهِمَا أَحَبَّ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّادَلِيُّ وَالْبَرْزَلِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إثْرَهُ: وَالظَّاهِرُ رُجْحَانُ الْبَرِّ بِكَوْنِهِ أَكْثَرَ نَفَقَةً وَلِمَرْجُوحِيَّةِ رُكُوبِ الْبَحْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ أَسْرَعَ تَعَيَّنَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى مَا يَتَسَاهَلُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ السَّفَرِ مَعَ الْكَفَرَةِ فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ إبَاحَةِ السَّفَرِ مَعَهُمْ لِمُجَرَّدِ التِّجَارَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: جَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ بِالسَّفَرِ فِي مَرَاكِبِ النَّصَارَى وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِيلَاءُ لَهُمْ وَرُبَّمَا قَدَرُوا فَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ يَحْكِي أَنَّهُ كَالتِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَفِيهَا يَعْنِي التِّجَارَةَ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ تَشْدِيدِ الْكَرَاهَةِ وَهَلْ هِيَ جُرْحَةٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَالصَّوَابُ الْيَوْمَ أَنَّهُ خِلَافٌ فِي حَالٍ

فَإِنْ كَانَ أَمِيرُ تُونُسَ قَوِيًّا يَخَافُ مِنْهُ النَّصَارَى إذَا غَدَرُوا أَوْ أَسَاءُوا الْعِشْرَةَ فَهُوَ خَفِيفٌ وَإِلَّا كَانَ خَطَرًا وَفِي عُرْضَةٍ أُخْرَى قَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ خَطَرٌ وَرَأَيْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ سَافَرَ مَعَهُمْ وَرَآهَا ضَرُورَةً لِتَعَذُّرِ طَرِيقِ الْبَرِّ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: كَانَ يُذْكَرُ عَنْ الْقَبَّاب أَحَدِ فُقَهَاءِ فَاسَ، وَابْنُ إدْرِيسَ أَحَدُ فُقَهَاءِ بِجَايَةَ وَاشْتُهِرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ سَافَرَ مَعَهُمْ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَقَابُلِ الضَّرَرَيْنِ فَيُنْفَى الْأَصْغَرُ لِلْأَكْبَرِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَنْظُرُ مَا يَتَرَتَّبُ مِنْ الْمَفَاسِدِ فِي رُكُوبِهِ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَكُلَّمَا عَظُمَ الْمَكْرُوهُ اُعْتُبِرَ وَمَتَى قَلَّ انْتَفَى ثُمَّ قَالَ عَنْ الْمَازِرِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَتْ أَجْوِبَتِي إذَا كَانَتْ أَحْكَامُ أَهْلِ الْكُفْرِ جَارِيَةً عَلَى مَنْ يَدْخُلُ بِلَادَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ السَّفَرَ لَا يَحِلُّ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْآنَ مِنْ السَّفَرِ فِي مَرَاكِبِ النَّصَارَى عَلَى حَالِهِمْ مِنْ كَوْنِهِمْ يَقْدِرُونَ أَحْيَانَا فَكَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ: إنَّهُ كَالتِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا إنْ كَانَ أَمِيرُ إفْرِيقِيَّةَ يَخَافُ النَّصَارَى مِنْهُ إذَا غَدَرُوا أَوْ أَسَاءُوا عِشْرَةً فَهُوَ خَفِيفٌ وَإِلَّا كَانَ خَطَرًا. ((قُلْتُ)) : وَلِلشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ الْقَبَّابَ فِي نَوَازِلِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا مَرْكَبٌ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ لِلنَّصَارَى فَيَجْرِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا شُهِرَ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ فِي السَّفَرِ لِأَرْضِ الْعَدُوِّ. قَالَ: وَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى النَّظَرِ فِيمَا يُنَالُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُكْرَهَ عَلَى سُجُودٍ لِصَنَمٍ أَوْ إذْلَالٍ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا كُرِهَ. قَالَ: وَهَذَا الْقَدْرُ لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ فِي مَرَاكِبِهِمْ لَكِنِّي رَأَيْت النَّجَاسَةَ فِيهَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا التَّحَفُّظُ أَصْلًا وَأَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ فَلَيْسَ رُؤْيَةُ ذَلِكَ فِيهِمْ مُنْكَرًا وَأَمَّا كَشْفُ الصُّورَةِ فَإِنْ كَانَ يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَتَأَتَّى الرُّكُوبُ إلَّا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ رُكُوبُهُ وَإِنْ كَانَ يَخْشَى رُؤْيَةَ عَوْرَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ: عِنْدِي أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَإِنْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ قَصْدِهِ لَمْ يَضُرَّهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَتُكْرَهُ التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَبِلَادِ السُّودَانِ: الْكَرَاهَةُ قِيلَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَقِيلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَدَّدَ مَالِكٌ الْكَرَاهَةَ فِي التِّجَارَةِ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ بِجَرْيِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ عَلَيْهِمْ قَالَ عِيَاضٌ: إنْ تَحَقَّقَ جَرْيُ أَحْكَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ حُرِّمَ وَيَخْتَلِفُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ هَلْ يُحَرَّمُ أَوْ يُكْرَهُ؟ قَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ الْغُبْرِينِيُّ وَعَلَيْهِ السَّفَرُ مَعَهُمْ فِي مَرَاكِبِهِمْ يَجْرِي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ عِيَاضٌ: وَتَأَوَّلَ الشُّيُوخُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ جَوَازِ شَهَادَةِ التِّجَارَةِ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ تَابُوا وَقِيلَ غَلَبَتْهُمْ الرِّيحُ وَقَوْلُهُ بِلَادِ السُّودَانِ أَيْ الْكُفَّارِ مِنْهُمْ انْتَهَى. (السَّابِعُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ يَضِيعُ يَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ فَيَكُونُ ثُلَاثِيًّا مِنْ ضَاعَ يَضِيعُ وَبِرَفْعِ رُكْنٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ أَوْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ فَيَكُونُ رُبَاعِيًّا مِنْ ضَيَّعَ يُضَيِّعُ وَبِنَصَبِ رُكْنِ صَلَاةٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ وَرُكُوبِ بَحْرٍ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ كَحُكْمِ الرَّجُلِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَسُنِّيَّةِ الْعُمْرَةِ كَذَلِكَ وَفِي فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ وَشُرُوطِ صِحَّتِهِ وَشُرُوطِ وُجُوبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ - قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» الْحَدِيثَ إلَّا أَنَّهَا لِضَعْفِهَا وَعَجْزِهَا اعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِي حَقِّهَا شُرُوطًا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ إلَى آخِرِهِ أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ مَاشِيَةً مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ لِخَوْفِ عَجْزِهَا وَلَيْسَتْ كَالرَّجُلِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَحُجَّ فِي الْبَرِّ لِخَوْفِ الِانْكِشَافَ بَلْ يُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حَدَّ الْقُرْبِ الَّذِي يَلْزَمُهَا الْمَشْيُ مِنْهُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ مِثْلُ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا وَنَصُّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي

الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهَةُ الْمَشْيِ لَهُنَّ قَالَ: لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ فِي مَشْيِهِنَّ إلَّا الْمَكَانَ الْقَرِيبَ مِثْلَ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي النَّوَادِرِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ وَلَفْظُهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ الرِّجَالِ: وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي الْمَشْيِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَوِينَ لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ فِي مَشْيِهِنَّ إلَّا الْمَكَانَ الْقَرِيبَ مِثْلَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا وَمَا قَرُبَ مِنْهَا إذَا أَطَقْنَ الْمَشْيَ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مِثْلُ مَكَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا أَرَى عَلَيْهَا مَشْيًا وَإِنْ قَوِيَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَشْيَهُنَّ عَوْرَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ الْقَرِيبُ مِثْلَ مَكَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَنِسَاءُ الْبَادِيَةِ لَسْنَ كَنِسَاءِ الْحَاضِرَةِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَكَانُ قَرِيبًا وَقَوِينَ عَلَى ذَلِكَ يَرَى عَلَيْهِنَّ الْمَشْيَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمَوَّازِيَّةِ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَهَا مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّ مَشْيَهُنَّ عَوْرَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ فِيهِ انْكِشَافَ الْعَوْرَةِ لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِنَّ الضَّعْفُ وَالْعَجْزُ فَيَئُولُ بِهَا الْحَالُ إلَى التَّعَبِ الْمُؤَدِّي إلَى انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِهَا الْمَشْيَ مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ هُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْقَوْلُ بِلُزُومِ الْمَشْيِ لَهَا وَلَوْ كَانَ الْمَكَانُ بَعِيدًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَشْيِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَانِثِ وَالْحَانِثَةِ: وَالْمَشْيُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ انْتَهَى. قَالَ فِي تَبْصِرَتِهِ: لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِحَجَّةِ الْفَرِيضَةِ آكَدُ مِنْ النَّذْرِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَوْ كُلِّفَتْ بِالْمَشْيِ فِي الْحَجِّ لَزِمَ مِنْهُ عُمُومُ الْفِتْنَةِ وَالْحَرَجِ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهَا صُورَةٌ نَادِرَةٌ وَقَدْ أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِيَمِينِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُ يَوْمِ الْفِطْرِ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَوْ نَذَرَ إخْرَاجَهُ لَزِمَهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْمَشْيُ مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَلَوْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِ كَلَامِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ إذَا اسْتَطَاعَتْ وَأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إلَّا أَنَّ الْحَجَّ لَا يَلْزَمُهَا إذَا قَدَرَتْ عَلَى الْمَشْيِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّ مَشْيَهَا عَوْرَةٌ إلَّا فِيمَا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَيْضًا الْإِطْلَاقُ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّخْرِيجَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ بَعْدَهُ كَلَامَ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا يَحْسُنُ فِي الْمَرْأَةِ الرَّائِعَةِ وَالْجَسِيمَةِ وَمَنْ يُنْظَرُ لِمِثْلِهَا عِنْدَ مَشْيِهَا وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ وَمَنْ لَا يَؤُبْهُ بِهَا مِنْ النِّسَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ انْتَهَى فَيَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا ثَالِثًا وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَفِي كَوْنِ مَشْيِهَا مِنْ بَعْدُ كَالرَّجُلِ أَوْ عَوْرَةً ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ جَسِيمَةٍ وَرَائِعَةٍ لِلَّخْمِيِّ عَنْ قَوْلِهِ فِيهَا نَذْرُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ وَرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَرَدَّ ابْنُ مُحْرِزٍ الْأَوَّلَيْنِ لِلثَّالِثِ انْتَهَى، فَيَكُونُ وِفَاقًا وَكَذَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ: يُحْتَمَلُ الْوِفَاقُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: أَخَذَ اللَّخْمِيُّ مِنْهَا خِلَافَ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ هُوَ مُنَاقَضَتُهَا ابْنَ الْكَاتِبِ بِهَا وَيُرَدُّ إلَى أَنَّ مَعْنَاهَا الْمَشْيُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ أَيْ فِي إكْمَالِهِ وَالْعَوْدِ لِتَلَافِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَشْيَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْوُجُوبِ فَلَفْظُ عَلَيْهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِنَذْرٍ لَا بِسَوَاءٍ انْتَهَى. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَّ الْمَشْيَ فِي النَّذْرِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الْحَجِّ بَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالنَّذْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فَرْقًا فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَرُدُّ عَلَى اللَّخْمِيِّ لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ لَمْ يَأْخُذْ الْوُجُوبَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمَشْيُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ إيجَابِهِ الْمَشْيَ عَلَيْهَا فِي النَّذْرِ فَقَالَ: الْفَرْضُ أَوْلَى فَمَا يَحْسُنُ الرَّدُّ عَلَيْهِ إلَّا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالنَّذْرِ وَالْفَرْقُ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ حَسَنٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ رُكُوبِهَا الْبَحْرَ وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ هُوَ

قَوْلُ مَالِكٍ الْمَنْصُوصُ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهَةُ سَفَرِ النِّسَاءِ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: نَهَى مَالِكٌ عَنْ حَجِّ النِّسَاءِ فِي الْبَحْرِ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ: وَأَمَّا حَجُّهَا فِي الْبَحْرِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مَا لَهَا وَلِلْبَحْرِ الْبَحْرُ هُوَ شَدِيدٌ وَالْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ وَأَخَافُ أَنْ تَنْكَشِفَ وَتَرْكُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي نَفْسَهُ: وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِجَوَازِ رُكُوبِ النِّسَاءِ فِي الْبَحْرِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ فَرُكُوبُ النِّسَاءِ فِي الْبَحْرِ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ فِي سَرِيرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَسْتَتِرُ فِيهِ وَتَسْتَغْنِي فِيهِ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَعِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَمُنِعَتْ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي رُكُوبِهَا الْبَحْرَ قَوْلَانِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ. وَيُخْتَلَفُ فِي إلْزَامِهَا الْحَجَّ مَعَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ وَإِذَا وَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً وَمَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَحْرِ أَوْ الْمَشْيِ انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا الْمُصَنِّفُ وَلَا ابْنُ فَرْحُونٍ الْقَوْلَ الثَّانِي لِأَحَدٍ وَلَا ذَكَرُوا مَنْ ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأُخِذَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ رُكُوبِهِنَّ الْبَحْرَ مِمَّا وَرَدَ فِي السَّنَةِ بِجَوَازِ رُكُوبِهِنَّ الْبَحْرَ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ قَالَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَيُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَالَ الْبَاجِيُّ إلَى رُكُوبِ الْبَحْرِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَضْيِيعِ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ اُنْظُرْ شَرْحَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ يَضِيعُ رُكْنُ صَلَاةٍ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ وَالْخِلَافُ فِي حَالٍ انْتَهَى. وَالْمَوْجُودُ فِي الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمُ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ الَّذِي أَخَذَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِ كَالرَّجُلِ وَسُقُوطِهِ بِهَا عَنْهَا قَوْلَا اللَّخْمِيِّ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَأَشَارَ اللَّخْمِيُّ إلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَحْسُنُ فِي الشَّابَّةِ وَمَنْ يُؤْبَهُ بِهَا وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ وَمَنْ لَا يُؤْبَهُ بِهَا فَهِيَ كَالرَّجُلِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ لَمْ أَرَهُ هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَشْيِ الْبَعِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ هُنَاكَ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَقَيَّدَ عِيَاضٌ مَا وَقَعَ لِمَالِكٍ بِمَا صَغُرَ مِنْ السَّفَرِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ حِينَئِذٍ مِنْ انْكِشَافِ عَوْرَاتِهِنَّ لَا سِيَّمَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ قَالَ: وَرُكُوبُهُنَّ فِيمَا كَبُرَ مِنْ السُّفُنِ وَحَيْثُ يُخْصَصْنَ بِأَمَاكِنَ يَسْتَتِرْنَ فِيهَا جَائِزٌ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي الْمَنَاسِكِ إنَّهُنَّ إذَا خُصِصْنَ بِأَمَاكِنَ وَجَبَ عَلَيْهِنَّ الْحَجُّ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ وَكَذَلِكَ الْأَقْفَهْسِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ قَائِلًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ كَالرِّجَالِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي الْمَشْيِ مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ فَاخْتُلِفَ فِي إلْزَامِهَا ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ اللُّزُومِ فِيهَا قَالَ عِيَاضٌ إلَّا فِي الْمَرَاكِبِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يُخْصَصْنَ فِيهَا بِأَمَاكِنَ انْتَهَى. فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ هَذَا أَوْ صَرِيحُهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرَحَهُ عَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ وَالْأَقْفَهْسِيُّ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ عِيَاضٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا إنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ فَقَطْ مِنْ جَوَازِ الرُّكُوبِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ هُوَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ وَنَصُّهُ: وَرُكُوبُهُنَّ فِيمَا كَبُرَ مِنْ السُّفُنِ وَحَيْثُ يُخْصَصْنَ بِأَمَاكِنَ يَسْتَتِرْنَ فِيهَا جَائِزٌ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ الصَّغِيرِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ أَيْ فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ الْوُجُوبَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حَيْثُ جَعَلَ رُكُوبَهُنَّ حِينَئِذٍ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ جَائِزًا صَارَ الْبَحْرُ طَرِيقًا لَهُنَّ يَجِبُ سُلُوكُهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِنَّ الْحَجُّ فَتَأَمَّلْهُ. (الرَّابِعُ) هَذِهِ الْحَالُ الَّتِي ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُنَّ رُكُوبُ الْبَحْرِ فِيهَا جَعَلَهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ هِيَ مَحِلُّ الْكَرَاهَةِ قَالَ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: سُئِلَ مَالِكٌ

عَنْ حَجِّ النِّسَاءِ فِي الْبَحْرِ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا أُحِبُّهُ وَعَابَهُ عَيْبًا شَدِيدًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ نَاحِيَةِ السِّتْرِ مَخَافَةَ أَنْ يَنْكَشِفْنَ لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ وَهَذَا إذَا كُنَّ فِي مَعْزِلٍ عَنْ الرِّجَالِ لَا يُخَالِطْنَهُمْ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَفِي سَعَةٍ يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّلَاةِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنَّ فِي مَعْزِلٍ عَنْ الرِّجَالِ أَوْ كُنَّ فِي ضِيقٍ يَمْنَعُهُنَّ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَحْجُجْنَ ثُمَّ قَالَ: وَفِي دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ حَرَامٍ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْهُمْ لِسُؤَالِهَا إيَّاهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ رُكُوبِهِ لِلنِّسَاءِ وَذَلِكَ عَلَى الصِّفَةِ الْجَائِزَةِ انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَبْلَ التَّنْبِيهَاتِ. (الْخَامِسُ) رَأَيْت فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِابْنِ فَرْحُونٍ عَزْوَ كَلَامِ الْمَوَّازِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاقِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ وَرُكُوبِهَا الْبَحْرَ: وَهَلْ إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً أَوْ مَا لَمْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ بِسَفِينَةٍ عَظِيمَةٍ تَأْوِيلَانِ انْتَهَى. فَأَطْلَقَ التَّأْوِيلَ عَلَى غَيْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ التَّأْوِيلُ عِنْدَهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالْمُدَوَّنَةِ وَيُسْقِطُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً لَفْظَةُ غَيْرٍ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّخْمِيَّ لَمْ يَذْكُرْ الْمُتَجَالَّةَ فِي هَذَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي الْمَشْيِ الْبَعِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَزِيَادَةُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ) ش: يَعْنِي وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا وُجُودُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ وَلَا زَوْجٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ لِلْحَجِّ فِي الْفَرْضِ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَرَوَى مَالِكٌ فِي جَامِعِ الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ يُرِيدُ أَنَّ مُخَالَفَةَ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَيَخَافُ عِقَابَهُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ كَوْنُهَا عَوْرَةً يَجِبُ عَلَيْهَا التَّسَتُّرُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا التَّبَرُّجُ حَيْثُ الرِّجَالُ مَخَافَةَ الْفَضِيحَةِ وَالِاخْتِلَاطِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَاسَ الْعُلَمَاءُ الزَّوْجَ عَلَى الْمَحْرَمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى. ((قُلْتُ)) وَفِي كَلَامِهِ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ عَلَى الزَّوْجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَحْرَمُ يَشْمَلُ النَّسَبَ وَالرَّضَاعَ وَالصِّهْرَ لَكِنْ كَرِهَ مَالِكٌ سَفَرَهَا مَعَ رَبِيبِهَا إمَّا لِفَسَادِ الزَّمَانِ لِضَعْفِ مَدْرَكِ التَّحْرِيمِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَعَلَى هَذَا فَيُلْحَقُ بِهِ مَحَارِمُ مَحْرَمِ الصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ وَإِمَّا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدَاوَةِ فَسَفَرُهَا مَعَهُ تَعْرِيضٌ لِضَيْعَتِهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَصَاحِبُ التَّلْقِينِ بِجَوَازِ سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمِهَا مِنْ الرَّضَاعِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ انْتَهَى. وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَدْرَكِ التَّحْرِيمِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إمَّا لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَلَا تَقْوَى الْحُرْمَةُ إذَا كَانَ التَّحْرِيمُ طَارِئًا انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ أَبُوهُ قَدْ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ وَنَصُّهُ فِي رَسْمِ حَلَفَ: لَيَرْفَعَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ سَفَرِ الرَّجُلِ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَتُرَاهُ ذَا مَحْرَمٍ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - {أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَأَتَمَّ الْآيَةَ وَقَالَ هَؤُلَاءِ ذُو الْمَحْرَمِ. فَأَمَّا الرَّجُلُ يَكُونُ أَبُوهُ قَدْ طَلَّقَ الْمَرْأَةَ وَتَزَوَّجَتْ أَزْوَاجًا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فَارَقَهَا أَبُوهُ أَوْ لَمْ يُفَارِقْهَا وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مِنْ مَالِكٍ حُجَّةً وَلَمْ أَرَهُ يُعْجِبُهُ ابْنُ رُشْدٍ. احْتِجَاجُ مَالِكٍ بِالْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا» عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَكَرَاهِيَتُهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إذَا كَانَ أَبُوهُ قَدْ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ الْأَزْوَاجَ اسْتِحْسَانٌ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَتْ فِي تِلْكَ الْحَالِ زَوْجَةً لِأَبِيهِ

وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فَارَقَهَا أَبُوهُ أَوْ لَمْ يُفَارِقْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَوِي مَحَارِمِهَا مِنْ النَّسَبِ دُونَ الصِّهْرِ فَقَوْلُ مَالِكٍ فِي حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْعُمُومِ أَظْهَرُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْوَطُ انْتَهَى. وَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُوَافِقُ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَفِي رَسْمِ الْحَجِّ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ مَا نَصُّهُ: وَسَمِعْتُهُ سُئِلَ أَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ الْحَجَّ مَعَ خَتَنِهَا فَقَالَ تَخْرُجُ فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَ خَتَنِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا إذَا كَانَتْ لَهُ حَلَالًا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَمِثْلُ هَذَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ السَّفَرَ لِلرَّجُلِ مَعَ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَحَمَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى السَّفَرِ الْمُبَاحِ وَالْمَنْدُوبِ إلَيْهِ دُونَ الْوَاجِبِ بِدَلِيلِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْلَمَتْ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ مِنْهَا إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ خِلَافًا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ فَرْضَ الْحَجِّ يَسْقُطُ عَنْهَا بِعَدَمِ الْمَحْرَمِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُخَصِّصُ مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْهِجْرَةَ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَحَجَّ الْفَرِيضَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِجْمَاعِ انْتَهَى، وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ جَامِعِ الْجَلَّابِ وَأَمَّا سَفَرُ الْحَجِّ فَإِنَّهَا تُسَافِرُ مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لِأَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا إذَا أُسِرَتْ وَأَمْكَنَهَا أَنْ تَهْرُبَ مِنْهُمْ يَلْزَمُهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهَا أَنْ تُؤَدِّيَ كُلَّ فَرْضٍ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الزِّنَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَغْرِيبِ الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ تَخْرُجُ فِي جَمَاعَةِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ كَحَجِّ الْفَرْضِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ وَلَا زَوْجٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ لِلْحَجِّ الْفَرْضِ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَقِّهَا وُجُودُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ فَمَنْ وُجِدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَرَجَتْ مَعَهُ، وَظَاهِرُ النُّقُولِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا أَنَّهَا إنَّمَا تَخْرُجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ أَوْ امْتِنَاعِهِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فِي الصَّرُورَةِ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي لَمْ تَحُجَّ قَطُّ إنَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ وَلْتَخْرُجْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النِّسَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ أَبَى أَوْ لَمْ يَكُنْ فَرُفْقَةٌ مَأْمُونَةٌ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ أَوْ الْمَحْرَمُ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ فَهَلْ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ أَوْ تَخْرُجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: إنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْأُجْرَةَ تَلْزَمُهَا. ((قُلْتُ)) : أَمَّا مَعَ عَدَمِ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فَلَا شَكَّ فِي لُزُومِ ذَلِكَ لَهَا وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فَظَاهِرُ النُّصُوصِ لُزُومُ ذَلِكَ لَهَا أَيْضًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا لَهَا الْخُرُوجَ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ إلَّا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْخُرُوجِ وَحَيْثُ طَلَبَ الْأُجْرَةَ وَكَانَتْ قَادِرَةً عَلَيْهَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ امْتَنَعَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَحْرَمَ يَشْمَلُ الْمَحْرَمَ مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ وَاخْتُلِفَ فِي عَبْدِهَا فَقِيلَ: إنَّهُ مَحْرَمٌ وَقَالَ ابْنُ الْقِطَّانِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ وَغْدًا وَعَزَاهُ ابْنُ الْقِطَّانِ لِمَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ عَبْدُهَا مَحْرَمًا يَخْلُو بِهَا وَيُسَافِرُ مَعَهَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَغْدًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؟ ذَهَبَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ

وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَهَبَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ الْقَوْلَانِ قَالَ الْإسْفَرايِينِيّ: وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ النَّظَرِ فِي أَحْكَامِ النَّظَرِ لِابْنِ الْقَطَّانِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ مِنْ شَرْحِهِ وَذَكَرَهُ فِي مَنَاسِكِهِ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ هُوَ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْهُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَكَرِهَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا عَبْدُهَا قِيلَ لَهُ إنَّهُ أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَلَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ: وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ هَلْ هُوَ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ لَهُ أَمْ لَا كَذَا رَأَيْتُهُ فِي وَرَقَةٍ بِخَطِّهِ وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَبْدُهَا وَلَمْ أَرَ جَوَابًا فِي الْوَرَقَةِ وَالْجَوَابُ لَا لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذُو الْمَحْرَمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْظَرٌ فَيُكْرَهُ أَنْ يَرَى مَا عَدَا وَجْهَهَا وَلَهَا أَنْ تُؤَاكِلَهُ إنْ كَانَ وَغْدًا دَيِّنًا يُؤْمَنُ مِنْهُ التَّلَذُّذُ بِهَا بِخِلَافِ الشَّابِّ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمَحْرَمِ فِي أَنَّهُ يُسَافِرُ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ السَّفَرَ مَعَ رَبِيبِهَا فَمَا بَالُكِ بِعَبْدِهَا الَّذِي يَحِلُّ لَهَا عِنْدَ زَوَالِ مِلْكِهَا عَنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حُرِّمَ بِصِفَةٍ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ ضَابِطًا فِي الْمَحْرَمِ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ سَفَرُ الْمَرْأَةِ وَالْخَلْوَةِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ لِحُرْمَتِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ فَعَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ عَبْدِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَقَوْلُهُمْ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَحْرَمًا فَإِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِالْإِبَاحَةِ وَقَوْلُهُ لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهَا بَلْ تَغْلِيظٌ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ. وَلَا أَعْلَمُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ عِنْدَنَا انْتَهَى، وَقَدْ نَقَلَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَبْدُهَا مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا الَّذِي يَجُوزُ لَهَا السَّفَرُ مَعَهُ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مِنْهُ لَا تَدُومُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتِقَهُ فِي سَفَرِهَا فَيَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْبَاجِيُّ تَفْسِيرَ الْمَحْرَمِ فِي جَامِعِ الْمُنْتَقَى بِمَنْ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَى الْمَرْءِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَمَّا الْكَافِلُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو بِمَكْفُولَتِهِ وَيُسَافِرُ مَعَهَا لِأَنَّهُ كَالْأَبِ لَهَا مِنْ الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ لِابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَيْشُونٍ انْتَهَى مِنْ مَنَاسِكِهِ. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ إنَّ لِلْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ غَيْرِ الْمَحْرَمَيْنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالصَّبِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَهْلٌ تُخَلَّفُ عِنْدَهُمْ وَكَانَا مَأْمُونَيْنِ وَيُخْتَلَفُ فِيهِ إذَا كَانَ لِلصَّبِيَّةِ أَهْلٌ وَهُوَ مَأْمُونٌ وَلَهُ أَهْلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ مَنْ أُرْسِلَتْ مَعَهُ أَمَةٌ لِشَخْصٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْحَبَهَا مَعَهُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إذَا أَمِنَ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ: لَا تُودَعُ الْمَحْرَمُ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا لَهُ أَهْلٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ» وَأَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ ادَّعَى أَمَةً أَنَّهُ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَوْ أَقَامَ خَطًّا وَوَضَعَ الْقِيمَةَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إذَا كَانَ مَأْمُونًا وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ. وَالْمَنْعُ أَصْوَبُ لِلْحَدِيثِ لَا يَخْلُوَنَّ وَلِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُدَّعِي أَشَدُّ لِأَنَّهُ يَقُولُ: هِيَ أَمَتِي وَحَلَالٌ لِي فَهُوَ يَسْتَبِيحُهَا إذَا غَابَ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَوَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تُدْفَعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا أَوْ يَأْتِيَ بِأَمِينٍ يَتَوَجَّهُ بِهَا مَعَهُ فَيَسْتَأْجِرُهُ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ السَّفَرِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ بَزِيزَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: قِيلَ لَا تُسَافِرُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا لِلْحَدِيثِ كَانَتْ صَرُورَةٌ أَمْ لَا، وَقِيلَ تُسَافِرُ مَعَ الرُّفْقَةِ مُطْلَقًا وَالْمَشْهُورُ تُسَافِرُ فِي الْفَرِيضَةِ خَاصَّةً ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْفَرِيضَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسُوا مِنْهَا بِمَحْرَمٍ وَهَلْ مُرَادُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ دُونَ النِّسَاءِ فَيَكُونُ وِفَاقًا لِمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَحَمَلَ

سَنَدٌ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَنَدٍ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ بَعِيدٌ إنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَنَصُّهُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَحْرَمَ مُعْتَبَرٌ فَهَلْ تَخْرُجُ مِنْ ثِقَاتِ الرِّجَالِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَى آخِرِهِ: وَقَوْلُهُ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى رِجَالٍ لَا امْرَأَةَ مَعَهُمْ فَيُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى مُخَالَطَتِهَا لَهُمْ وَكَشْفِهَا عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْمَآرِبِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ نِسْوَةٌ تَرْتَفِقُ بِهِنَّ وَتَسْتَنِدُ إلَيْهِنَّ لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ انْتَهَى. فَحَمَلَ سَنَدٌ وَعِيَاضٌ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى الْوِفَاقِ وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْخِلَافِ وَاخْتَارَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ دُونَهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رِجَالٌ أَوْ نِسَاءٌ لَا بَأْسَ بِهِمْ انْتَهَى، وَنَقَلَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ مُتَجَالَّةً وَقَيَّدَ الْقَلِيلَ. (الْخَامِسُ) حُكْمُ سَفَرِهَا الْوَاجِبِ جَمِيعِهِ حُكْمُ سَفَرِهَا لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ فِي الْخُرُوجِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ والتِّلِمْسَانِيِّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ كَسَفَرِهَا لِحَجَّةِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَكُلِّ سَفَرٍ يَجِبُ عَلَيْهَا وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِفَرْضِ إشَارَةٍ إلَى ذَلِكَ فَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَاصَّةً. (السَّادِسُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِفَرْضِ أَنَّ سَفَرَهَا فِي التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ مُتَجَالَّةً وَقَيَّدَ ذَلِكَ الْبَاجِيُّ بِالْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَنَصُّهُ: هَذَا عِنْدِي فِي الِانْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ فَأَمَّا فِي الْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ فَهِيَ عِنْدِي كَالْبِلَادِ يَصِحُّ فِيهَا سَفَرُهَا دُونَ نِسَاءٍ وَذَوِي مَحَارِمَ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِكْمَالِ وَقَبِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيُقَيِّدُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَنَصُّ كَلَامِ الزَّنَاتِيِّ إذَا كَانَتْ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ ذَاتِ عَدَدٍ وَعُدَدٍ أَوْ جَيْشٍ مَأْمُونٍ مِنْ الْغَلَبَةِ وَالْمَحَلَّةُ الْعَظِيمَةِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ سَفَرِهَا مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ الْوَاجِبِ مِنْهَا وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَابِسِيُّ انْتَهَى. (السَّابِعُ) قَوْلُهُ يَعْرِضُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أُمِنَتْ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا كَانَتْ لِرُفْقَةٍ غَيْرِ مَأْمُونَةٍ أَوْ مَأْمُونَةٍ وَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ بِالْحَجِّ فَلَا يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَأْمُونَةٌ وَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعَدَدِ الْيَسِيرِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: قَوْلُهُ بِفَرْضٍ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّشْبِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ أَيْ وَيُشْبِهُ الْمَحْرَمَ رُفْقَةٌ أُمِنَتْ فِي فَرْضٍ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ مُتَعَلِّقٌ بِآمَنْت لَا مَعْنَى لَهُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّامِنُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَزِيَادَةُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لَوْ قَالَ عِوَضَهُ وَاسْتِصْحَابُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لَكَانَ أَوْلَى لِإِيهَامِ لَفْظِ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ وَزِيَادَةُ اسْتِصْحَابِ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ لِأَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَكَانَ أَمْكَنَ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعُ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ الْبُلُوغُ أَوْ يَكْفِي فِيهِ التَّمْيِيزُ وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُجُودُ الْكِفَايَةِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرُ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ أَنَّهُ «قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا فَقَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك» قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى النِّسَاءِ وَإِلْزَامُ أَزْوَاجِهِنَّ تَرْكُهُنَّ وَنَدْبُهُمْ إلَى الْخُرُوجِ مَعَهُنَّ وَإِنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى الْغَزْوِ لِأَنَّ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ مُؤَكَّدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ فَرِيضَةً فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ مُؤَكَّدَةٌ لَفْظُ سُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا نَدْبُ الْمَحْرَمِ

إلَى الْخُرُوجِ مَعَ مَحْرَمِهِ كَالزَّوْجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) اخْتَلَفَ رُوَاةُ الْحَدِيثِ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ الْمَمْنُوعِ فَرُوِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَرُوِيَ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ وَرُوِيَ يَوْمَانِ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ لَيْلَةٍ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَرُوِيَ «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مُسْلِمٍ وَرُوِيَ بَرِيدٌ وَهِيَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالْبَرِيدُ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ حَمَلُوا هَذَا الِاخْتِلَافَ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاطِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُعَلَّقٌ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا فَقَالَ: لَا وَكَذَلِكَ الْبَرِيدُ فَأَدَّى كُلَّ مَا سَمِعَهُ وَمَا جَاءَ مُخْتَلِفًا عَنْ رَاوٍ وَاحِدٍ فَسَمِعَهُ فِي مَوَاطِنَ، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ تَحْدِيدٌ لِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ وَلَمْ يُرِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْدِيدَ أَقَلِّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا نَهَى عَنْهُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ زَوْجٍ وَمَحْرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمًا أَوْ بَرِيدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَهَذَا شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُلَفَّقَ بَيْنَهَا بِأَنَّ الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ مُفْرَدٌ أَوْ اللَّيْلَةَ الْمَذْكُورَةَ مُفْرَدَةٌ بِمَعْنَى اللَّيْلَةِ وَالْيَوْمِ الْمَجْمُوعَيْنِ لِأَنَّ اللَّيْلَ مِنْ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَكُونُ ذِكْرُهُ يَوْمَيْنِ مُدَّةَ مَغِيبِهَا فِي هَذَا السَّفَرِ فِي السَّيْرِ وَالرُّجُوعِ فَأَشَارَ مَرَّةً لِمُدَّةِ السَّفَرِ وَمَرَّةً لِمُدَّةِ الْمَغِيبِ، وَهَكَذَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ فَقَدْ يَكُونُ الْيَوْمُ الْوَسَطُ الَّذِي بَيْنَ السَّفَرِ وَالرُّجُوعِ الَّذِي تَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهَا فَتَتَّفِقُ عَلَى هَذَا الْأَحَادِيثُ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ لِلْوَاحِدِ إذْ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ الِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثْرَةِ وَأَقَلُّهَا وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مِثْلِ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ فِيهِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فَكَيْفَ بِمَا زَادَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا انْتَهَى، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا سَفَرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَبَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّهَا لَوْ مُنِعَتْ مِنْ السَّفَرِ وَالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ جُمْلَةً إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَضَاقَ وَأَدَّى إلَى فَوَاتِ أَكْثَرِ حَوَائِجِهَا وَكَأَنَّ الْكَثِيرَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ فَاحْتِيجَ إلَى مُدَّةٍ تُضْرَبُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَوَجَدْنَا الْيَوْمَ أَوْ اللَّيْلَةَ أَوَّلَ حَدٍّ ضُرِبَ لِتَغَيُّرِ هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ السَّفَرِ وَهِيَ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَاعْتُبِرَ سَفَرُ الْمَرْأَةِ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَيْ لَا يَجُوزُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ هَلْ لَهُ مَفْهُومٌ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ يَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فَيَكُونَ مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ؟ وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ إلَى آخِرِهِ أَمْ لَا مَفْهُومَ لَهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عُمَرَ: إنَّمَا تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُمْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا مَعَ الْوَاحِدِ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَدَ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ فَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ: اخْتِلَافُ الْجَوَابِ عَلَى اخْتِلَافِ السُّؤَالِ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا تُسَافِرَ مَعَهُ يَعْنِي غَيْرَ الْمَحْرَمِ أَصْلًا، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: أَمَّا أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَأَمَّا مَعَ الْوَاحِدِ فَلَا انْتَهَى. وَنَقَلَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالزَّنَاتِيُّ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمُتَقَدِّمَ فَتَحَصَّلَ مِنْ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ: قَوْلَانِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَ عَشَرَ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَخْرُجُ مِنْهُ الْمُتَجَالَّةُ؛ لِأَنَّهَا كَالرَّجُلِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا مَمْنُوعَةٌ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ الْمَرْأَةُ تَدْخُلُ فِيهِ الشَّابَّةُ وَالْمُتَجَالَّةُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً أَوْ مِمَّنْ لَا يُؤْبَهُ بِهِ لَمْ تُمْنَعْ مِنْ الْخُرُوجِ يُرِيدُ بِخِلَافِ الشَّابَّةِ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَمَا ذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ الرَّدِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا سَافَرَتْ مَعَ مَنْ تَرْتَفِعُ مَعَهُ الْخَلْوَةُ وَأَمَّا حَيْثُ الْخَلْوَةُ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بِلَا إشْكَالٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا عِنْدِي فِي الشَّابَّةِ وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةُ فَتُسَافِرُ حَيْثُ شَاءَتْ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ لَا يُوَافِقُ عِلْمَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَمَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَقَدْ قَالُوا: لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ وَيَجْتَمِعُ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ سَفَلِ النَّاسِ وَسَقَطِهِمْ مَنْ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْفَاحِشَةِ بِالْعَجُوزِ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةِ دِينِهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ إنَّمَا نَقَلَهُ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ الْفَرْعَ الْمُتَقَدِّمَ فِي التَّنْبِيهِ السَّادِسِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ كَالْبَلَدِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ فَقَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ وَهَذَا إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَ عَشَرَ) قَالَ فِي بَابِ الْعِدَّةِ: إذَا خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا إنَّهَا تَرْجِعُ إنْ وَجَدَتْ ثِقَةً ذَا مَحْرَمٍ أَوْ نَاسًا لَا بَأْسَ بِهِمْ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْ كَانَتْ أَحْرَمَتْ أَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَسَوَاءٌ أَحْرَمَتْ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ لَمْ تَجِدْ رُفْقَةً تَرْجِعُ مَعَهُمْ فَإِنَّهَا تَمْضِي وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْمَحْرَمِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ إذَا كَانَتْ الرُّفْقَةُ مَأْمُونَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالُوا أَيْضًا فِي بَابِ الْعِدَّةِ: إذَا خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا لِحَجِّ تَطَوُّعٍ أَوْ لِغَزْوٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمَاتَ عَنْهَا فِي الطَّرِيقِ إنَّهَا تَرْجِعُ لِتُتِمَّ عِدَّتَهَا بِبَيْتِهَا إنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَصِلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إنْ وَجَدَتْ ثِقَةً ذَا مَحْرَمٍ أَوْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً وَإِلَّا تَمَادَتْ مَعَ رُفْقَتِهَا وَقِيَاسُهُ فِي الْمَحْرَمِ إذَا مَاتَ عَنْهَا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَلَا رُفْقَةً مَأْمُونَةً أَنْ تَمْضِيَ مَعَ رُفْقَتِهَا بِلَا إشْكَالٍ وَإِنْ وَجَدَتْ الْمَحْرَمَ أَنْ تَرْجِعَ مَعَهُ وَإِنْ وَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً وَاَلَّتِي هِيَ فِيهَا أَيْضًا مَأْمُونَةٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا مَضَى مِنْ سَفَرِهَا أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَفِي الْأُولَى تَمْضِي مَعَ رُفْقَتِهَا بِلَا إشْكَالٍ وَفِي الثَّانِيَةِ مَحِلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُعَارِضُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) إذَا قُلْنَا: تُسَافِرُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَعُودَ مَعَهَا أَيْضًا بَعْدَ قَضَاءِ فَرْضِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ سَافَرَتْ مَعَ مَحْرَمٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَعُودَ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْإِقَامَةَ بِغَيْرِ بَلَدِهَا مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَ عَشَرَ) يُسْتَثْنَى مِمَّا تَقَدَّمَ مَا إذَا وَجَدَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي مَفَازَةٍ وَمَقْطَعَةٍ وَخَشِيَ عَلَيْهَا الْهَلَاكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْحَبَهَا مَعَهُ وَأَنْ يُرَافِقَهَا وَإِنْ أَدَّى إلَى الْخَلْوَةِ بِهَا لَكِنْ يَحْتَرِسُ جُهْدَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَضِيَّةُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: فِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ لَا سِيَّمَا فِي الْخَلْوَةِ بِهِنَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ مِنْ تَرْكِهِ مُكَالَمَةَ عَائِشَةَ وَسُؤَالِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِرْجَاعِ وَتَقْدِيمِ مَرْكَبِهَا وَإِعْرَاضِهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى رَكِبَتْ ثُمَّ تَقَدَّمَهُ يَقُودُ بِهَا وَفِيهِ إغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ وَعَوْنُ الضَّعِيفِ وَإِكْرَامُ مَنْ لَهُ قَدْرٌ كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَ عَشَرَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا فِي رُفْقَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ هِيَ وَإِيَّاهُ مُتَرَافِقَيْنِ فَلَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ الرُّفْقَةِ وَهِيَ فِي آخِرِهَا أَوْ بِالْعَكْسِ بِحَيْثُ إنَّهَا إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ أَمْكَنَهَا الْوُصُولُ بِسُرْعَةٍ كَفَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَ عَشَرَ) الْخُنْثَى إذَا كَانَ وَاضِحًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصِّنْفِ الَّذِي لُحِقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ: يَحْتَاطُ فِي الْحَجِّ لَا يَحُجُّ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَا مَعَ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ فَقَطْ. ((قُلْتُ)) : إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَارِيَهُ أَوْ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ

بَعْضِ التَّعَالِيقِ وَأَقَرَّهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ خَاصٌّ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ أَمَّا حَجُّ الْفَرْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي خُرُوجُهُ مَعَ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي الرُّفْقَةِ مَجْمُوعُ الصِّنْفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ طَالَ الْكَلَامُ بِنَا وَخَرَجْنَا عَنْ الْمَقْصُودِ فَلْنَرْجِعْ إلَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ ص (وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ أَخَذَ يُفَسِّرُهَا وَيَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ فِيهَا وَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِاخْتِلَافِ الشُّيُوخِ فِي نَقْلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فَاخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيّ وَبِلَفْظِ فَإِنْ أَبَى الْمَحْرَمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ وَوَجَدَتْ مَنْ تَخْرُجُ مَعَهُ مِنْ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ مَأْمُونِينَ فَلْتَخْرُجْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَكَذَا اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ بِالْأَلِفِ وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ بِالْوَاوِ وَلَفْظُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْحَجَّ وَلَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ فَلْتَخْرُجْ مَعَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَذَا اخْتَصَرَهَا سَنَدٌ وَنَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِلَا وَلِيٍّ إذَا كَانَتْ مَعَ جَمَاعَةٍ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ: لَا بَأْسَ بِحَالِهِمْ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَحُجَّ مَعَهُمْ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ فَأَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ مِثْلِ مَنْ ذَكَرْت لَكَ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأُمَّهَاتِ بِغَيْرِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ وَنِسَاءٍ كَذَا نَقَلَهَا الْقَرَافِيُّ وَنَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ: تَحُجُّ بِلَا وَلِيٍّ مَعَ رِجَالٍ مَرْضِيِّينَ وَإِنْ امْتَنَعَ وَلِيُّهَا وَقَالَ: تَخْرُجُ مَعَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَأْمُونَةِ إذَا ثَبَتَ الْمَحْرَمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَهَلْ تَخْرُجُ مَعَ الرِّجَالِ الثِّقَاتِ، قَالَ سَنَدٌ: مَنَعَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتَهَى. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ الْوَاوُ عَلَى حَالِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَوْ هِيَ لِلْجَمْعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْحُكْمُ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَحْرَمَ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ دُونَ مَكَّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَلْزَمُهَا الْحَجُّ دُونَهُ لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا نِسَاءٌ وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً تَقِيَّةً مُسْلِمَةً وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ هَلْ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَمْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ وَأَكْثَرُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا اشْتِرَاطُ النِّسَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسُوا مِنْهَا بِمَحْرَمٍ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ دُونَ النِّسَاءِ فَيَكُونُ وِفَاقًا لِمَا تَقَدَّمَ عِنْدَنَا وَتَأَوَّلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَمَلَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْخِلَافِ وَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَخْرُجُ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَاخْتَارَهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا اشْتِرَاطُ الْمَجْمُوعِ، الثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِ الْجِنْسَيْنِ، الثَّالِثُ اشْتِرَاطُ النِّسَاءِ سَوَاءٌ كُنَّ وَحْدَهُنَّ أَوْ مَعَ رِجَالٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ كَمَا تَقَدَّمَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي فِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَأَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا قَوْلَانِ: الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِ الْجِنْسَيْنِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَجْمُوعِ وَلِذَلِكَ كَرَّرَ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ أَنَّ هَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فَكَانَ الْأَلْيَقُ بِقَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: تَأْوِيلَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْجِنْسَيْنِ كَوْنُ الْبَرَاذِعِيّ وَابْنُ يُونُسَ اخْتَصَرَا الْمُدَوَّنَةَ بِأَوْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِمَا وَتَبِعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي مُخْتَصَرِهِ الَّذِي اخْتَصَرَ فِيهِ التَّهْذِيبَ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُو مَحْرَمٍ فَمَعَ جَمَاعَةِ نِسَاءٍ صَوَالِحَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ذَا مَحْرَمٍ وَلَا جَمَاعَةً مِنْ النِّسَاءِ جَازَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحُجَّاجِ شَابَّةً كَانَتْ أَوْ عَجُوزًا وَعَلَيْهَا حِفْظُ نَفْسِهَا وَدِينِهَا وَهَذَا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) لَوْ تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَهُ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ لَكَانَ أَحْسَنُ لِإِيهَامِ كَلَامِهِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّرَدُّدِ وَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَلَوْ قَالَ: وَفِي الِاكْتِفَاءِ

بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ تَرَدُّدٌ أَوْ وَهَلْ رِجَالٌ أَوْ نِسَاءٌ أَوْ الْمَجْمُوعُ تَرَدُّدٌ لَكَانَ أَحْسَنَ وَيَكُونُ ضَمِيرُ هِيَ رَاجِعًا إلَى الرُّفْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَصَحَّ بِالْحَرَامِ وَعَصَى) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِالْمَالِ الْحَرَامِ وَلَكِنَّهُ عَاصٍ فِي تَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ الْحَرَامِ، قَالَ سَنَدٌ: إذَا غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ ضَمِنَهُ وَأَجْزَأَهُ حَجُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَحَجُّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ لِفِقْدَانِ شَرْطِ الْقَبُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْقَبُولِ فِي تَرَتُّبِ الثَّوَابِ، وَأَثَرَ الصِّحَّةِ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: الْحَرَامُ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ الْغَصْبُ وَالتَّعَدِّي وَالسَّرِقَةُ وَالنَّهْبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: صَحَّ وَلَمْ يَقُلْ: سَقَطَ لِيَشْمَلَ كَلَامُهُ النَّفَلَ وَالْفَرْضَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَشْمَلُهُمَا وَالسُّقُوطُ خَاصٌّ بِالْفَرْضِ وَجَازَ اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْعِصْيَانِ لِانْفِكَاكِ الْجِهَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَفْعَالٌ بَدَنِيَّةٌ وَإِنَّمَا يُطْلَبُ الْمَالُ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَهُ لَمْ يَقْدَحْ فِيهِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ كَمَنْ خَرَجَ مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ رَاكِبًا لِلْمَخَاوِفِ وَحَجَّ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنْسَكِهِ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، وَنَقَلَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ الْمُخْتَصَرِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ رِوَايَةً بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِعَبْدِ الصَّادِقِ وَنَقَلَهُ مِنْ كِتَابِ جُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ أَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ وَيَغْرَمُ الْمَالَ لِأَصْحَابِهِ؟ قَالَ: أَمَّا فِي مَذْهَبِنَا فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَرُدُّ الْمَالَ وَيَطِيبُ لَهُ حَجُّهُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَقَالَ: قُلْت: وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ عَنْ مَالِكٍ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ وَقَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَنَادَى أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَا يَعْرِفْنِي فَأَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَلَيْسَ لَهُ حَجٌّ أَوْ كَلَامٌ هَذَا مَعْنَاهُ انْتَهَى، فَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَحَمْلُهَا عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ بَعِيدٌ وَفِي مَنَاسِكِ ابْنِ مُعَلَّى قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَجِبُ عَلَى مُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ يَحْرِصَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ حَلَالًا لَا شُبْهَةَ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا} [البقرة: 197] الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا الطَّيِّبَ» الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ فِي مُسْلِمٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يُفِيدُ أَنَّهُ سَفَرُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ غَالِبًا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِيهِ قَالُوا: فَلَوْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُجْزِئُهُ وَحَجُّهُ بَاطِلٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْمُنْفِقُ مِنْ غَيْرِ حِلٍّ فِي حَجِّهِ جَدِيرٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ وَإِنْ سَقَطَ الْفَرْضُ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ: أَمَّا عَدَمُ الْقَبُولِ فَلِاقْتِرَانِ الْعَمَلِ بِالْمَعْصِيَةِ وَفِقْدَانِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّقْوَى، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] . وَأَمَّا صِحَّةُ عِبَادَةٍ فِي نَفْسِهَا فَلِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا، قَالَ: وَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَثَرَ عَدَمِ الْقَبُولِ يَظْهَرُ فِي سُقُوطِ الثَّوَابِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَأَثَرُ الصِّحَّةِ يَظْهَرُ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ وَإِبْرَاءِ الذِّمَّةِ مِنْهُ. ((قُلْتُ)) : وَقَدْ أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ الْقُشَيْرِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ

وَالنَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَفَى بِهِ حَجَّةً، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: آكِلُ الْحَرَامِ مَطْرُودٌ مَحْرُومٌ لَا يُوَفَّقُ لِعِبَادَةٍ وَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ فِعْلُ خَيْرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرِبَ جَرْعَةً مِنْ لَبَنٍ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ لَمَّا عَلِمَ اسْتِقَاءَهَا فَأَجْهَدَهُ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: أَكُلُّ ذَلِكَ فِي شَرْبَةِ لَبَنٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِنَفْسِي لَأَخْرَجْتُهَا، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» . ((قُلْتُ)) : وَإِذَا كَانَتْ الْحَالُ هَذِهِ فَسَبِيلُ الْمَرْءِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَيُحَافَظَ عَلَى شُرُوطِ قَبُولِ عِبَادَتِهِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ إعْمَالَ الْجَوَارِحِ فِي الطَّاعَاتِ مَعَ إهْمَالِ شُرُوطِهَا ضَحْكَةٌ لِلشَّيْطَانِ لِكَثْرَةِ التَّعَبِ وَعَدَمِ النَّفْعِ، وَقَدْ رُوِيَ «مَنْ حَجَّ مِنْ غَيْرِ حِلٍّ فَقَالَ: لَبَّيْكَ، قَالَ اللَّهُ لَهُ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ» انْتَهَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، قَالَ: رُوِيَ عَنْ سَيِّدِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ حَتَّى تَرُدَّ مَا فِي يَدَيْك وَفِي رِوَايَةٍ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ وَحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْك وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ خَرَجَ يَؤُمُّ هَذَا الْبَيْتَ بِكَسْبٍ حَرَامٍ شَخَصَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَإِذَا بَعَثَ رَاحِلَتَهُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ كَسْبُك حَرَامٌ وَرَاحِلَتُك حَرَامٌ وَثِيَابُك حَرَامٌ وَزَادُك حَرَامٌ ارْجِعْ مَأْزُورًا غَيْرَ مَأْجُورٍ وَأَبْشِرْ بِمَا يَسُوءُك، وَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بِمَالٍ حَلَالٍ وَبَعَثَ رَاحِلَتَهُ، وَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ أَجَبْت بِمَا تُحِبُّ رَاحِلَتُك حَلَالٌ وَثِيَابُك حَلَالٌ وَزَادُك حَلَالٌ ارْجِعْ مَبْرُورًا غَيْرَ مَأْزُورٍ وَاسْتَأْنِفْ الْعَمَلَ» ، أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ أَبُو ذَرٍّ وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «رَدُّ دَانِقٍ مِنْ حَرَامٍ يَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ سَبْعِينَ حَجَّةً» وَأَنْشَدُوا إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتُ ... فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا كُلَّ طَيِّبَةٍ ... مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ ، وَقِيلَ: إنَّ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقِيلَ: إنَّهُمَا لِغَيْرِهِ وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَرْسَلَ إلَى نَاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِي مَا تَرَوْنَ فَقَالُوا: كُنْتَ تُعْطِي السَّائِلَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَحَفَرْت الْآبَارَ فِي الْفَلَوَاتِ لِابْنِ السَّبِيلِ وَبَنَيْت الْحَوْضَ بِعَرَفَاتٍ فَمَا نَشُكُّ فِي نَجَاتِك وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ سَاكِتٌ فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَتَكَلَّمُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا طَابَتْ الْمُكْسِبَةُ زَكَتْ النَّفَقَةُ وَسَتَرِدُ فَتَعْلَمُ انْتَهَى مِنْ الْبَابِ الثَّانِي، وَقَالَ فِيهِ: وَمَا أَغْبَنَ مَنْ بَذَلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ عَلَى صُورَةِ قَصْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَصْدُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَيَبُوءُ بِالْحِرْمَانِ وَغَضَبِ الرَّحْمَنِ انْتَهَى. وَالرِّوَايَتَانِ الْأُولَيَانِ أَخْرَجَهُمَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ فِي مُثِيرِ الْغَرَامِ إلَى زِيَارَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قَالَ وَلَكِنْ بِلَفْظِ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَبِلَفْظِ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْك فِي الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ: يَؤُمُّ أَيْ يَقْصِدُ، وَقَوْلُهُ: شَخَصَ شُخُوصُ الْمُسَافِرِ خُرُوجُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَالسُّحْتُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحَرَامُ وَمَا خَبُثَ مِنْ الْمَكَاسِبِ وَقَدْ نَظَمَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي فِي الْمَنَاسِكِ الْمُسَمَّاةِ بِالذَّهَبِيَّةِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: وَحُجَّ بِمَالٍ مِنْ حَلَالٍ عَرَفْتَهُ ... وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ وَإِيَّاهُ فَمَنْ كَانَ بِالْمَالِ الْمُحَرَّمِ حَجُّهُ ... فَعَنْ حَجِّهِ وَاَللَّهِ مَا كَانَ أَغْنَاهُ إذَا هُوَ لَبَّى اللَّهَ كَانَ جَوَابُهُ ... مِنْ اللَّهِ لَا لَبَّيْكَ حَجٌّ رَدَدْنَاهُ

تنبيهات خرج لحج واجب بمال فيه شبهة

كَذَاكَ رَوَيْنَا فِي الْحَدِيثِ مُسَطَّرًا ... وَمَا جَاءَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ سَطَرْنَاهُ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَإِنَّمَا أُتِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي عَدَمِ قَبُولِ عِبَادَاتِهِمْ وَعَدَمِ اسْتِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ لِعَدَمِ تَصْفِيَةِ أَقْوَاتِهِمْ عَنْ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَبْرُورٍ انْتَهَى، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَبْرُورَ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ مَأْثَمٌ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُقُوعُهُ فِي الْإِثْمِ وَقَدْ حَمَلَ الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ وَدَاوَمَ أَفْضَتْ بِهِ إلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْعُرُ بِهَا فَمُنِعَ مِنْ تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ فَمَنْ تَعَاطَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ لَا يُحْرَمُ فَإِنَّهُ آثِمٌ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشُّبُهَاتِ حَرَامٌ وَقِيلَ: إنَّهَا حَلَالٌ وَصَوَّبَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِلْفَاكِهَانِيِّ وَلِأَنَّهُمْ عَدُّوا مِنْ الشُّبُهَاتِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ وَالزَّنَاتِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَابْنُ نَاجِي وَمَنْ ارْتَكَبَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ لَا نَقُولُ فِيهِ إثْمٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنْ حَجَّ بِشُبْهَةٍ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ حَجُّهُ مَبْرُورًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَلَالِ هَلْ هُوَ مَا عُلِمَ أَصْلُهُ أَوْ مَا جُهِلَ أَصْلُهُ: وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ الثَّانِي مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْفَاكِهَانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي أَمْرِ الزَّادِ وَمَا يُنْفِقُهُ فَيَكُونُ مِنْ أَطْيَبِ جِهَةٍ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَكَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَتْرُكُونَ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ هَذَا وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِغَيْرِ الْحَجِّ فَمَا بَالُكَ بِالْحَجِّ انْتَهَى، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَطَاعَ اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى وَمَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ عَصَى اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى» ذَكَرَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَمْسَى وَانِيًا مِنْ طَلَبِ الْحَلَالِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَقَوْلُهُ وَانِيًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَنَى إذَا تَعِبَ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْمُؤْمِنُ قَالَ الَّذِي إذَا أَصْبَحَ سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصُهُ وَإِذَا أَمْسَى سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصُهُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَلِمَ النَّاسُ لَتَكَلَّفُوهُ قَالَ: قَدْ عَلِمُوا ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ غَشَمُوا الْمَعِيشَةَ غَشْمًا» أَيْ تَعَسَّفُوا تَعَسُّفًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عِمَادُ الدِّينِ وَقَوَامُهُ طِيبُ الْمَطْعَمِ فَمَنْ طَابَ كَسْبُهُ زَكَا عَمَلُهُ وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ فِي طِيبِ مَكْسَبِهِ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَجَمِيعُ عَمَلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] انْتَهَى [تَنْبِيهَاتٌ خَرَجَ لِحَجٍّ وَاجِبٍ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: قَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ خَرَجَ لِحَجٍّ وَاجِبٍ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَلْيَجْتَهِدْ أَنْ يَكُونَ قُوتُهُ مِنْ الطَّيِّبِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ إلَى التَّحَلُّلِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَجْتَهِدْ يَوْمَ عَرَفَةَ لِئَلَّا يَكُونَ قِيَامُهُ بَيْنَ يَدْيِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَدُعَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مَطْعَمُهُ فِيهِ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ فَإِنَّا وَإِنْ جَوَّزْنَا هَذَا لِلْحَاجَةِ فَهُوَ نَوْعُ ضَرُورَةٍ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيُلْزِمْ قَلْبَهُ الْخَوْفَ وَالْغَمَّ لِمَا هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ مِنْ تُنَاوِلْ مَا لَيْسَ بِطَيِّبٍ فَعَسَاهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَيَتَجَاوَزُ عَنْهُ بِسَبَبِ حُزْنِهِ وَخَوْفِهِ وَكَرَاهَتِهِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَجَدْت بِخَطِّ الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْأَمِينِ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى ظَهْرِ شَرْحِهِ لِكِتَابِ الْمُوَطَّإِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ بِمَالٍ فِيهِ شَيْءٌ أَنْ يُنْفِقَهُ فِي سَفَرِهِ وَمَا يُرِيدُ مِنْ حَوَائِجِهِ وَلْيَتَحَرَّ أَطْيَبَ مَا يَجِدُ فَيُنْفِقُهُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِيمَا يَأْكُلُ وَيَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ إحْرَامِهِ وَشِبْهُ هَذَا وَرَأَيْتُهُ يَسْتَحِبُّ هَذَا وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ

ابْنُ فَرْحُونٍ جَمِيعَهُ قَالَ: وَذَكَرَهُ بَعْضُ السَّلَفِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَالِ الْحَلَالِ السَّالِمِ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالْحَرَامِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: فَلْيَقْتَرِضْ مَالًا حَلَالًا يَحُجُّ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا انْتَهَى. وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ جَمَاعَةَ الْكَبِيرِ: وَإِنْ اقْتَرَضَ لِلْحَجِّ مَالًا حَلَالًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ وَفَاءٌ بِهِ وَرَضِيَ الْمُقْرِضُ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَعْنِي رِضَا الْمُقْرِضِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ وَرِعٌ فِي حَجِّهِ غَيْرُ وَرِعٍ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَنْ يَقْتَرِضُ مَالًا حَلَالًا لِيُنْفِقَهُ وَيَقْضِيَهُ مِنْ مَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ طَرَفًا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) كَمَا طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي يَحُجُّ بِهِ خَالِصًا مِنْ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ كَذَلِكَ هُوَ مَطْلُوبٌ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - بَلْ هُوَ أَهَمُّ فَلَا يَخْرُجُ لِيُقَالَ: إنَّهُ حَاجٌّ أَوْ لِيُعَظَّمَ أَوْ لِيُعْطَى الْفُتُوحَاتِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ رِيَاءٌ وَالرِّيَاءُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: وَأَهَمُّ مَا يَهْتَمُّ بِهِ قَاصِدُ الْحَجِّ إخْلَاصُهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ» وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْإِحْيَاءِ: وَلْيَجْعَلْ عَزْمَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعِيدًا عَنْ شَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَلْيَتَحَقَّقْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ قَصْدِهِ وَعَمَلِهِ إلَّا الْخَالِصَ فَإِنَّ مِنْ أَفْحَشِ الْفَوَاحِشِ أَنْ يَقْصِدَ بَيْتَ الْمَلِكِ وَحُرْمَتَهُ وَالْمَقْصُودُ غَيْرُهُ فَلْيُصَحِّحْ مَعَ نَفْسِهِ الْعَزْمَ وَتَصْحِيحُهُ بِإِخْلَاصِهِ وَإِخْلَاصُهُ بِاجْتِنَابِ كُلِّ مَا فِيهِ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ انْتَهَى. وَاسْتَحَبُّوا لَهُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَارِغَةً مِنْ التِّجَارَةِ لِيَكُونَ قَلْبُهُ مَشْغُولًا بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ فَقَطْ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ حَجِّهِ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ لِلْحَاجِّ مَعَ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ شِرْكًا وَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْمُكَلَّفُ عَنْ رَسْمِ الْإِخْلَاصِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ أَمَّا الْحَجُّ دُونَ تِجَارَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ لِعَرْوِهَا عَنْ شَوَائِبِ الدُّنْيَا وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ صَاحِبُ السِّرَاجِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا تُعَارِضُ التِّجَارَةُ نِيَّةَ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة: 198] الْآيَةُ قَالُوا: يَعْنِي فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى وَقَالَ الشَّيْخُ يَحْيَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَارِغَةً مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُ الْقَلْبَ قَالَ: فَإِنْ اتَّجَرَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ حَجِّهِ. ((قُلْتُ)) : إطْلَاقُ الشَّيْخِ اسْتِحْبَابَ تَرْكِ التِّجَارَةِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ وَتَعْلِيلُهُ بِشُغْلِ الْقَلْبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ إلَى آخِرِ حَجِّهِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا حِينَئِذٍ مُبَدِّدٌ لِلْخَاطِرِ وَمُصْرِفٌ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْإِقْبَالِ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَأَمَّا فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ فَلَا وَجْهَ لِاسْتِحْبَابِ تَرْكِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ التِّجَارَةُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِهَا فِي ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَسَادِ سِلْعَتِهِ وَعَدَمِ نَفَادِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْصِدُهُ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْحَجِّ أَوْ لَا يَسَعُهُ الْوَقْتُ لِمُحَاوِلَةِ بَيْعِهَا فَيَقْطَعُهُ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا سَمِعْت بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: خَرَجْت لِلْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلْت تُونُسَ أَشَارَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّاسِ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ أَحْمِلُهَا إلَى مَكَّةَ فَفَعَلَتْ فَدَخَلَتْهَا فِي سَابِعِ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ بَيْعِهَا فَعَزَمْت عَلَى الْقُعُودِ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فَقَيَّضَ اللَّهُ لِي مُسَلِّفًا فَخَرَجْت فِي الْحِينِ. قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ سَبَبًا لِذَلِكَ فَالْجَزْمُ تَرْكُهَا أَوْ يُقَالُ: وَجْهُ اسْتِحْبَابِهِ إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلْعِبَادَةِ حَتَّى لَا يَشُوبَهَا شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَبَّ تَرْكَهَا ذَاهِبًا

وَرَاجِعًا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْمُعَلَّى وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّيْخِ يَحْيَى النَّوَوِيُّ فِي قَوْلِهِ رَاجِعًا إذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فِي الذَّهَابِ وَلَمْ تَشْغَلْهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ فَإِنْ اتَّجَرَ إلَى آخِرِهِ يُرِيدُ بِشَرْطِ أَنْ يُخْلِصَ لِلْحَجِّ النِّيَّةَ وَتَكُونَ التِّجَارَةُ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ لَا بِالْعَكْسِ وَقَدْ بَالَغَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِخْلَاصِ فِي النِّيَّةِ وَحُكْمِ الْعِبَادَةِ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا أَغْرَاضًا دُنْيَوِيَّةً وَحَرَّرَهُ غَايَةَ التَّحْرِيرِ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا» الْحَدِيثُ، فَقَالَ: يُفْهَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ الْإِخْلَاصِ فِي الْجِهَادِ وَكَذَلِكَ هُوَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ مَصْدَرُ أَخْلَصْتُ الْعَسَلَ إذَا صَفَّيْته مِنْ شَوَائِبِ كَدَرِهِ فَالْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُهَا مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالرِّيَاءِ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى عَمَلِهَا قَصْدَ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَابْتِغَاءَ مَا عِنْدَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا فَلَا تَكُونُ عِبَادَةً بَلْ تَكُونُ مُصِيبَةً مُوبِقَةً لِصَاحِبِهَا فَإِمَّا كُفْرٌ وَهُوَ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ وَإِمَّا رِيَاءٌ وَهُوَ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَمَصِيرُ صَاحِبِهِ إلَى النَّارِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ. ((قُلْتُ)) : الْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي مُسْلِمٍ وَنَصُّهُ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ اُسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ اللَّهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْت فِيهَا، قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اُسْتُشْهِدْت، قَالَ: كَذَبْت وَلَكِنْ قَاتَلْت لِيُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْت لِي فِيهَا قَالَ: تَعَلَّمْت الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتَهُ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا فَعَلْت فِيهَا قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» . قَالَ الْإِمَامُ الْمَذْكُورُ: هَذَا إذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْغَرَضُ الدُّنْيَوِيُّ وَحْدَهُ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَ ذَلِكَ الْغَرَضُ لَتَرَكَ الْعَمَلَ وَأَمَّا لَوْ انْبَعَثَ لِلْعِبَادَةِ بِمَجْمُوعِ الْبَاعِثَيْنِ بَاعِثُ الدِّينِ وَبَاعِثُ الدُّنْيَا فَإِنْ كَانَ بَاعِثُ الدُّنْيَا أَقْوَى أَوْ مُسَاوِيًا لَحِقَ بِالْقَسَمِ الْأَوَّلِ فِي الْحُكْمِ بِإِبْطَالِ الْعَمَلِ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» فَأَمَّا لَوْ كَانَ بَاعِثُ الدِّينِ أَقْوَى فَقَدْ حَكَمَ الْمُحَاسِبِيُّ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مُتَمَسِّكًا بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالُوا بِصِحَّةِ الْعَمَلِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ فُرُوعِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُسْتَدَلُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ رَجُلًا مُمْسِكًا فَرَسَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَجَعَلَ الْجِهَادَ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْمَعَاشِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَاعِثُ الدِّينِ الْأَقْوَى كَانَ ذَلِكَ الْغَرَضُ مُلْغًى فَيَكُونُ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ قَاصِدًا رَفْعَ الْحَدَثِ وَالتَّبَرُّدَ فَأَمَّا لَوْ انْفَرَدَ بَاعِثُ الدِّينِ بِالْعَمَلِ ثُمَّ عَرَضَ بَاعِثُ الدُّنْيَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ فَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ انْتَهَى كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ مُعَلَّى وَالْقُرْطُبِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْإِمَامُ الْمُحَدِّثُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتّمِائَةِ وَالْقُرْطُبِيُّ الْمُتَقَدِّمُ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ هُوَ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فَرَجٍ مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِلْقَرَافِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ كَلَامٌ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُعَلَّى رَأَيْت أَنْ أَذْكُرَهُ بِكَمَالِهِ كَمَا ذَكَرْت الْأَوَّلَ لِتَتِمَّ الْفَائِدَةُ وَيُحِيطَ النَّاظِرُ بِهَا عِلْمًا وَنَصُّهُ الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ

وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِيهَا، اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ شِرْكٌ وَتَشْرِيكٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْإِثْمِ وَالْبُطْلَانِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَاتِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَاسِبِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ خَرَّجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ لَهُ أَوْ تَرَكْتُهُ لِشَرِيكِي» فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخْلِصِ لِلَّهِ - تَعَالَى - غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَسِرُّهَا وَضَابِطُهَا أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَيَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَنْ يُعَظِّمَهُ النَّاسُ أَوْ بَعْضُهُمْ فَيَصِلُ إلَيْهِ نَفْعُهُمْ أَوْ يَنْدَفِعَ بِهِ ضَرَرُهُمْ فَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ أَحَدِ مُسَمِّي الرِّيَاءِ، وَالْقِسْمُ الْآخَرُ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ لَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ النَّاسَ فَقَطْ وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ رِيَاءَ الْإِخْلَاصِ وَالْأَوَّلُ رِيَاءَ الشِّرْكِ وَأَغْرَاضُ الرِّيَاءِ ثَلَاثَةٌ التَّعْظِيمُ وَجَلْبُ الْمَصَالِحِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَخِيرَانِ يَتَفَرَّعَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا عُظِّمَ انْجَلَبَتْ إلَيْهِ الْمَصَالِحُ وَانْدَفَعَتْ عَنْهُ الْمَفَاسِدُ فَهُوَ الْغَرَضُ الْكُلِّيُّ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ كَمَنْ يُجَاهِدُ لِتَحْصِيلِ طَاعَةِ اللَّهِ بِالْجِهَادِ وَلِيَحْصُلَ لَهُ الْمَالُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَفَرْقٌ بَيْنَ جِهَادِهِ لِيَقُولَ النَّاسُ هَذَا شُجَاعٌ أَوْ لِيُعَظِّمَهُ الْإِمَامُ فَيُكْثِرَ عَطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ هَذَا وَنَحْوُهُ رِيَاءٌ حَرَامٌ وَبَيْنَ أَنْ يُجَاهِدَ لِتَحْصِيلِ السَّبَايَا وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ. مَعَ أَنَّهُ قَدْ شَرَّكَ وَلَا يُقَالُ لِهَذَا رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّ الرِّيَاءَ أَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ غَيْرُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ وَالرُّؤْيَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخَلْقِ فَمَنْ لَا يَرَى وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُقَالُ فِي الْعَمَلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ رِيَاءٌ وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الْغَنِيمَةِ وَنَحْوُهُ لَا يُقَالُ أَنَّهُ يَرَى وَيُبْصِرُ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَفْظُ الرِّيَاءِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ مَنْ حَجَّ وَشَرَّكَ فِي حِجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ وَيَكُونُ جُلُّ مَقْصُودِهِ أَوْ كُلُّهُ السَّفَرُ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً وَيَكُونُ الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَيَقَعُ تَابِعًا اتِّفَاقًا فَهَذَا أَيْضًا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَلَا يُوجِبُ إثْمًا وَلَا مَعْصِيَةً وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ أَوْ لِيَحْصُلَ لَهُ زَوَالُ مَرَضٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يُنَافِيهَا الصَّوْمُ وَيَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ مَقْصُودُهُ أَوْ بَعْضُ مَقْصُودِهِ وَالصَّوْمُ مَقْصُودٌ مَعَ ذَلِكَ. وَأَوْقَعَ الصَّوْمَ مَعَ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ لَا يَقْدَحُ فِي صَوْمِهِ بَلْ أَمَرَ بِهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي قَوْلِهِ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» أَيْ قَاطِعٌ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّوْمِ لِهَذَا الْغَرَضِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعِبَادَةِ إلَّا مَعَهَا وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ التَّبَرُّدُ أَوْ التَّنَظُّفُ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَلْقِ بَلْ هِيَ لَتَشْرِيكِ أُمُورٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لَيْسَ لَهَا إدْرَاكٌ وَلَا تَصْلُحُ لِلْإِدْرَاكِ وَلَا لِلتَّعْظِيمِ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِيهَا غَرَضٌ آخَرُ غَيْرُ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ تَشْرِيكٌ، نَعَمْ لَا يَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ الْمُخَالِطَةِ لِلْعِبَادَةِ قَدْ تُنْقِصُ الْأَجْرَ وَأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْهَا زَادَ الْأَجْرُ وَعَظُمَ الثَّوَابُ أَمَّا الْإِثْمُ وَالْبُطْلَانُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَمِنْ جِهَتِهِ حَصَلَ الْفَرْقُ لَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّشْرِيكَ بِجَمِيعِ وُجُوهِهِ لَا يَحْرُمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ فَرْضٌ وَمَنْ كَانَ الْبَاعِثُ الْأَقْوَى عَلَيْهِ بَاعِثَ النَّفْسِ لَمْ يُخْلِصْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ مُطْلَقَ الرِّيَاءِ وَلَوْ قَلَّ يُحْبِطُ الْعَمَلَ وَيَصِيرُ لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَانْظُرْ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ الْبَيَانِ وَقَدْ حَرَّرَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ

أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْإِخْلَاصِ مِنْ رُبْعِ الْمُنْجِيَاتِ وَكِتَابِ الرِّيَاءِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ وَفِي الْمِنْهَاجِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَمَلَ لِأَجْلِ حَظِّ النَّفْسِ دَاخِلٌ فِي الرِّيَاءِ عَارٍ عَنْ الْإِخْلَاصِ كَمَنْ صَامَ لِيَسْتَنْفِعَ بِالْحَمِيَّةِ وَمَنْ يُعْتِقُ عَبْدًا لِيَخْلُصَ مِنْ مُؤْنَتِهِ أَوْ يَغْزُوَ لِيُمَارِسَ الْحَرْبَ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ: وَلَيْسَ الِاعْتِبَارُ بِلَفْظِ الرِّيَاءِ وَاشْتِقَاقِهِ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ الْفَاسِدَةُ رِيَاءً لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا تَقَعُ مِنْ قِبَلِ رُؤْيَةِ النَّاسِ قَالَهُ فِي الْمِنْهَاجِ. وَتَلْخِيصُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ فَهُوَ سَبَبُ الثَّوَابِ وَإِنْ كَانَ خَالِصًا لِلرِّيَاءِ أَوْ لَحَظِّ النَّفْسِ فَهُوَ سَبَبُ الْعِقَابِ لَا لِأَنَّ طَلَبَ الدُّنْيَا حَرَامٌ وَلَكِنَّ طَلَبَهَا بِأَعْمَالِ الدِّينِ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّيَاءِ وَتَغْيِيرِ الْعِبَادَةِ عَنْ وَضْعِهَا وَإِنْ اخْتَلَطَ الْقَصْدَانِ فَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ الدِّينِيُّ مُسَاوِيًا لِلْبَاعِثِ النَّفْسِيِّ تَقَاوَمَا وَتَسَاقَطَا وَصَارَ الْعَمَلُ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ النَّفْسِيُّ أَقْوَى وَأَغْلَبُ فَلَيْسَ الْعَمَلُ بِنَافِعٍ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ نَعَمْ هُوَ أَخَفُّ مِنْ الْعَمَلِ الْمُتَجَرِّدِ لَحَظِّ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ الدِّينِيُّ أَقْوَى فَلَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ مَا فَضَلَ مِنْ قُوَّةِ الْبَاعِثِ الدِّينِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] وَقَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وَلَيْسَ مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ مِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ مِنْ قَصْدِ الرِّيَاءِ فَإِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَمُبَاشَرَةِ الْمَنَاسِكِ الْبَاعِثُ الدِّينِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَجَّ وَيَتَّجِرَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ. نَعَمْ لَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يُعْطَى لَهُ مَالٌ لَأَمْكَنَ أَنْ يُفْرَضَ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ وَيَصِيرَ كَمَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ بِنِيَّةِ الْغَنِيمَةِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ وَأَمَّا سَفَرُهُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ فَيَدْخُلُهُ التَّفْصِيلُ وَقَدْ قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ حَاجًّا وَمَعَهُ تِجَارَةٌ صَحَّ حَجُّهُ وَأُثِيبَ عَلَيْهِ وَقَدْ امْتَزَجَ بِهِ حَظٌّ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يُثَابُ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إلَى مَكَّةَ وَتِجَارَتُهُ غَيْرُ مَوْقُوفَةٍ عَلَيْهِ فَهُوَ خَالِصٌ وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَكُ طُولُ الْمَسَافَةِ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: مَهْمَا كَانَ الْحَجُّ هُوَ الْمُحَرِّكُ الْأَصْلِيُّ وَغَرَضُ التِّجَارَةِ كَالْمُعِينِ وَالتَّابِعِ فَلَا يَنْفَكُّ نَفْسُ السَّفَرِ عَنْ ثَوَابٍ وَمَا عِنْدِي أَنَّ الْغُزَاةَ لَا يُدْرِكُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ تَفْرِقَةً بَيْنَ غَزْوِ الْكُفَّارِ فِي جِهَةٍ تَكْثُرُ فِيهَا الْغَنَائِمُ وَبَيْنَ جِهَةٍ لَا غَنِيمَةَ فِيهَا وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إدْرَاكُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ يُحْبِطُ بِالْكُلِّيَّةِ ثَوَابَ جِهَادِهِمْ بَلْ الْعَدْلُ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ الْبَاعِثُ الْأَصْلِيُّ وَالْمُزْعِجُ الْقَوِيُّ هُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّمَا الرَّغْبَةُ فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ فَلَا يُحْبَطُ بِهِ الثَّوَابُ نَعَمْ لَا يُسَاوِي ثَوَابُهُ ثَوَابَ مَنْ لَا يَلْتَفِتُ إلَى الْغَنِيمَةِ أَصْلًا فَإِنَّ هَذَا الِالْتِفَاتَ نُقْصَانٌ لَا مَحَالَةَ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مَنْ كَانَ دَاعِيَتُهُ الدِّينِيَّةُ تُزْعِجُهُ إلَى الْغَزْوِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَنِيمَةٌ وَقَدَرَ عَلَى غَزْوِ طَائِفَتَيْنِ مِنْ الْكُفَّارِ إحْدَاهُمَا غَنِيَّةٌ وَالْأُخْرَى فَقِيرَةٌ فَمَالَ إلَى جِهَةِ الْأَغْنِيَاءِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَلِلْغَنِيمَةِ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى غَزْوِهِ أَلْبَتَّةَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حَرَجٌ فِي الدِّينِ وَمَدْخَلٌ لِلْيَأْسِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الشَّوَائِبِ التَّابِعَةِ قَدْ لَا يَنْفَكُّ الْإِنْسَانُ عَنْهَا إلَّا عَلَى النُّدُورِ فَيَكُونُ تَأْثِيرُ هَذَا فِي نُقْصَانِ الثَّوَابِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي إحْبَاطِهِ فَلَا، نَعَمْ الْإِنْسَانُ فِيهِ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ أَنَّ الْبَاعِثَ الْأَقْوَى هُوَ قَصْدُ التَّقَرُّبِ وَيَكُونُ الْأَغْلَبُ عَلَى سِرِّهِ الْحَظُّ النَّفْسِيُّ وَذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى غَايَةَ الْخَفَاءِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ إلَّا لِخَوْفٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَوْفٌ فَلَا يَكُونُ أَفْضَلَ هَذَا حَلُّ كَلَامِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَفِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَنَصُّهَا: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك قَالَ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَنَةَ خَوْفٍ قِيلَ فَالْحَجُّ وَالصَّدَقَةُ قَالَ الْحَجُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَنَةَ مَجَاعَةٍ قِيلَ لَهُ فَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ قَالَ: الصَّدَقَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ إنَّ الْحَجَّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْغَزْوِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَوْفٌ مَعْنَاهُ فِي حَجِّ

التَّطَوُّعِ لِمَنْ قَدْ حَجَّ الْفَرِيضَةَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ إذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ قَدْ لَا يَفِي أَجْرُهُ فِيهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ الْمُوَازَنَةِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْجَنَّةَ كَالْحَجِّ وَأَمَّا الْغَزْوُ مَعَ الْخَوْفِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الْغَازِيَ مَعَ الْخَوْفِ قَدْ بَاعَ نَفْسَهُ مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَاسْتَوْجَبَ بِهِ الْجَنَّةَ وَالْبُشْرَى مِنْ اللَّهِ بِالْفَوْزِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الْآيَةُ وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّ الْحَجَّ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَنَةَ مَجَاعَةٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ سَنَةَ مَجَاعَةٍ كَانَتْ الْمُوَاسَاةُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ وَاجِبَةً فَإِذَا لَمْ يُوَاسِ الرَّجُلُ فِي سَنَةِ مَجَاعَةٍ مِنْ مَالِهِ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمُوَاسَاةِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ أَثِمَ وَقَدْرُ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ حَقِيقَةً فَالتَّوَقِّي مِنْ الْإِثْمِ بِالْإِكْثَارِ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْلَى مِنْ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ الَّذِي لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ «أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ: أَشْعَرْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي، قَالَ: أَوَفَعَلْت، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتهَا أَخْوَالَكَ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ» وَهَذَا نَصٌّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ بِرَفْعِ مُؤْنَةِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِالظَّوَاهِرِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَلِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ: حَجُّ التَّطَوُّعِ مَعَ الْغَزْوِ التَّطَوُّعِ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْخَوْفِ، وَحَجُّ الْفَرْضِ مَعَ الْغَزْوِ وَالتَّطَوُّعُ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْخَوْفِ أَيْضًا وَحَجُّ الْفَرْضِ مَعَ الْغَزْوِ وَالتَّطَوُّعُ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْخَوْفِ وَحَجُّ التَّطَوُّعِ مَعَ الْغَزْوِ وَفِي سَنَةِ الْخَوْفِ أَيْضًا. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ حُكْمُ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ثِنْتَانِ بِالْمَنْطُوقِ وَوَاحِدَةٌ بِالْأَحْرَوِيَّةِ. أَمَّا الْأُولَى فَقَدْ صَرَّحَ بِحُكْمِهَا وَأَنَّ التَّطَوُّعَ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ التَّطَوُّعِ بِالْغَزْوِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ تَطَوُّعُ الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ الْحَجِّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ ابْنُ سَحْنُونٍ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ تَطَوُّعُ الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ الْحَجِّ انْتَهَى، وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ حُكْمُ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى الْجِهَادِ نَدْبًا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَوُجُوبًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ وَعَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَعْنِي رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ الْمُتَقَدِّمَةَ تُجْرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَيُقَدَّمُ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فَيَكُونُ تَقْدِيمُهُ كَالنَّقْلِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ نَدْبًا فِي غَيْرِ حَقِّ حُمَاةِ الدِّينِ وَالْقَائِمِينَ بِهِ وَوُجُوبًا فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ الْجِهَادَ صَارَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ بِتَعَيُّنِهِمْ لَهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الْحَجِّ إلَّا مَنْ بَلَغَ الْمُعْتَرَكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ بِالْأَصَالَةِ وَالْجِهَادُ إنَّمَا صَارَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ بِتَعَيُّنِهِمْ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. وَحُكْمُ الثَّالِثَةِ تَقْدِيمُ الْجِهَادِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنْ قُلْت: الْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي فَيُقَدَّمُ الْجِهَادُ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ نُظِرَ إلَى كَثْرَةِ الْخَوْفِ الْمُتَوَقَّعِ وَقِلَّتِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِيهَا وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَأَمَّا الْغَزْوُ مَعَ الْخَوْفِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ وَإِنَّ الْفَرْضَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْأَجْوِبَةِ إجْرَاؤُهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ فَعَلَى الْفَوْرِ يُقَدَّمُ الْحَجُّ وَعَلَى التَّرَاخِي يُؤَخَّرُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْ الْخَوْفَ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ لِأَنَّ بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ كَانَتْ إذْ ذَاكَ فِيهَا الْخَوْفُ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِبْ الْجِهَادُ عَلَى الْأَعْيَانِ بِأَنْ يَفْجَأَ الْعَدُوُّ مَدِينَةَ قَوْمٍ فَإِنْ وَجَبَ فَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ وَنَصُّهُ: جَوَابُك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ - فِيمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ فِي وَقْتِنَا هَذَا هَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ لَهُ أَمْ الْجِهَادُ؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ قَدْ حَجَّ الْفَرِيضَةَ فَأَجَابَ فَرْضُ الْحَجِّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ فِي وَقْتِنَا هَذَا لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوُصُولِ مَعَ

الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَإِذَا سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ صَارَ فِعْلًا مَكْرُوهًا لِتَقَحُّمِ الْغَرَرِ فِيهِ فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْجِهَادَ الَّذِي لَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْآثَارِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَإِنَّ ذَلِكَ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ وَمَوْضِعُ السُّؤَالِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَدْ حَجَّ الْفَرِيضَةَ وَالسَّبِيلُ مَأْمُونَةٌ هَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ أَمْ الْجِهَادُ؟ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ: إنَّ الْجِهَادَ لَهُ أَفْضَلُ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ وَالسَّبِيلُ مَأْمُونَةٌ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي وَهَذَا إذَا سَقَطَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَنْ الْأَعْيَانِ لِقِيَامِ مَنْ قَامَ بِهِ وَأَمَّا فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ عَلَى الْأَعْيَانِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ قَوْلًا وَاحِدًا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الْعَدْوَةِ هَلْ هُمْ كَأَهْلِ الْأَنْدَلُسِ؟ فَقَالَ: سَبِيلُهُمْ سَبِيلُ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ إذَا كَانُوا لَا يَصِلُونَ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِخَوْفٍ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَوْ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَالْجِهَادُ لَهُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِ الْحَجِّ إذْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ مَسَائِلُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ مَنْ عَدَا مَنْ يَقُومُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ وَأَمَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ حُمَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْنَادِهِمْ فَالْجِهَادُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ تَعْجِيلُ الْحَجِّ مِنْهُمْ إلَّا عَلَى مَنْ بَلَغَ الْمُعْتَرَكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى التَّرَاخِي لَهُ حَالَةٌ يَتَعَيَّنُ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُعْتَرَكُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُخْتَصَرًا فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ، وَقَالَ: قُلْت فِي قَوْلِهِ نَفْلًا مَكْرُوهًا نَظَرٌ لِأَنَّ النَّفَلَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ وَالْمَكْرُوهُ ضِدَّانِ وَالشَّيْءُ لَا يُجَامِعُ الْأَخَصَّ مِنْ ضِدِّهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْلًا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ مَكْرُوهًا بِاعْتِبَارِ عَارِضِهِ كَقِسْمِ الْمَكْرُوهِ مِنْ النِّكَاحِ مَعَ أَنَّ مُطْلَقَ النِّكَاحِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِ مَكْرُوهًا نَظَرٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ لَا مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ أَدَّى فَرْضَهُ فَجِهَادُهُ أَفْضَلُ. (قُلْت) : هُوَ نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ انْتَهَى، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا التَّنْبِيهُ عَلَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ فَرْضَهُ يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي فَوْرِ الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ الَّتِي أَفْتَى بِهَا لَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ عَلَى الْأَعْيَانِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ قَوْلًا وَاحِدًا بَلْ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ الْجِهَادُ وَتَرْكُ الْحَجِّ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ مَنْ عَدَا مَنْ يَقُومُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ إلَخْ كَأَنَّهُ تَأَكَّدَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِكَوْنِهِمْ عُيِّنُوا لَهُ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَمَنْ لَمْ يَحُجَّ فَالْجِهَادُ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ تَقَدُّمِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ إلَّا مَنْ بَلَغَ الْمُعْتَرَكَ أَيْ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلْحَجِّ وَتَرْكُ الْجِهَادِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَمِنْ أَنَّ تَطَوُّعَ الْجِهَادِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَطَوُّعِ الْحَجِّ وَكَلَامُهُ هُنَا يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَتْ الْفُتْيَا بِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ فِي سُلْطَانٍ يَخَافُ إذَا حَجَّ أَنْ يَسْتَوْلِيَ الْكُفَّارُ عَلَى بِلَادِهِ وَيَخَافُ أَنْ يَفْسُدَ أَمْرُ الرَّعِيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّهِ الِاسْتِطَاعَةُ فَاشْتِغَالُهُ بِالْجِهَادِ أَوْلَى وَخُرُوجُهُ لِلْحَجِّ مَكْرُوهٌ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ وَمَنْ وُجِدَتْ فِي حَقِّهِ الِاسْتِطَاعَةُ فَإِنْ وَجَبَ الْجِهَادُ عَلَى الْأَعْيَانِ قُدِّمَ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ الْفَرْضِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ الْمُتَعَيِّنُ الَّذِي لَا يَجِبُ سِوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْجِهَادُ عَلَى الْأَعْيَانِ فَلَا يَخْلُو الشَّخْصُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ أَوْ لَا فَمَنْ حَجَّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي سَنَةِ خَوْفٍ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ خَوْفٍ فَالْجِهَادُ أَوْلَى اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَنَةَ خَوْفِ فَالْحَجُّ أَوْلَى عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْجِهَادُ أَوْلَى عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَفَتْوَى ابْنِ وَهْبٍ وَهَذَا وَاَللَّهُ

فرع الصلاة أفضل من الحج

أَعْلَمُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ لِلْجِهَادِ لِأَنَّ أُولَئِكَ الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ فَهُوَ الْمُتَعَيِّنُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ. وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ مِمَّا سَيَقُولُهُ فِي الْقِسْمِ الْآتِي، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَحُجَّ فَلَا يَخْلُو أَيْضًا مِنْ أَنْ تَكُونَ سَنَةَ خَوْفٍ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَنَةَ خَوْفٍ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا إشْكَالَ فِي تَقْدِيمِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ وُجُوبًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ وَنَدْبًا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْقَائِمِينَ بِالْجِهَادِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَفَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ يُنْظَرُ فَإِنْ قُلْنَا: عَلَى الْفَوْرِ قَدَّمَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْقَائِمِينَ بِالْجِهَادِ أَمْ لَا وَإِنْ قُلْنَا: بِالتَّرَاخِي قُدِّمَ الْجِهَادُ نَدْبًا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَائِمِينَ بِالْجِهَادِ وَوُجُوبًا إنْ كَانَ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ بَلَغَ الْمُعْتَرَكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ خَوْفٍ فَصَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ بِتَقْدِيمِ الْجِهَادِ عَلَى الْحَجِّ لَكِنْ حَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْفَرْضَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَكَلَامُهُ فِي الْأَجْوِبَةِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي فَوْرِيَّةِ الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَحُجَّ الْفَرْضَ وَالسَّبِيلُ مَأْمُونَةٌ إلَخْ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ وُجُودِ الْخَوْفِ كَمَا كَانَ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِهِ فَعَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَأَنَّ تَطَوُّعَ الْجِهَادِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ الْجِهَادِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ وَإِنَّ تَطَوُّعَ الْحَجِّ مُقَدَّمٌ عَلَى تَطَوُّعِ الْجِهَادِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْحَجِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيمَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَقُلْنَا: إنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى تَطَوُّعِ الْجِهَادِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ فَيُرْتَكَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ قَالَ مَالِكٌ: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْحَجُّ فَرْضُ عَيْنٍ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ مُرَادَ مَالِكٍ بِالْحَجِّ الْمُفَضَّلِ حَجُّ الْفَرِيضَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّدَقَةِ فَقَدْ نَصَّ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ سَنَةِ الْمَجَاعَةِ وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ فَأَحْرَى الْفَرِيضَةُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَحُجُّ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ فَتُقَدَّمُ الصَّدَقَةُ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ الْمُوَاسَاةُ بِأَنْ يَجِدَ مُحْتَاجًا يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَاسَاتُهُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي حَجِّهِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى الْحَجِّ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَالْحَجُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَخَلَ الْكُوفَةَ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَإِذَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ عَلَى مَزْبَلَةٍ تَنْتِفُ بَطَّةً فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهَا مَيْتَةٌ فَوَقَفَ وَقَالَ: يَا هَذِهِ أَمَيْتَةٌ أَمْ مَذْبُوحَةٌ، فَقَالَتْ: مَيْتَةٌ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ آكُلَهَا وَعِيَالِي، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَأَنْتِ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَقَالَتْ: يَا هَذَا انْصَرِفْ عَنِّي فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُهَا الْكَلَامَ حَتَّى عَرَفَ مَنْزِلَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَعَلَ عَلَى بَغْلٍ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَزَادًا وَجَاءَ فَطَرَقَ الْبَابَ فَفَتَحَتْ فَنَزَلَ عَنْ الْبَغْلِ وَضَرَبَهُ فَدَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: هَذَا الْبَغْلُ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالزَّادِ لَكُمْ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى جَاءَ الْحَجُّ فَجَاءَهُ قَوْمٌ يُهَنِّئُونَهُ بِالْحَجِّ فَقَالَ: مَا حَجَجْت السَّنَةَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَمْ أُودِعْك نَفَقَتِي وَنَحْنُ ذَاهِبُونَ إلَى عَرَفَاتٍ وَقَالَ الْآخَرُ: أَلَمْ تَسْقِنِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ: أَلَمْ تَشْتَرِ لِي كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُونَ أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ أُتِيَ فِي مَنَامِهِ فَقِيلَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ قَدْ قَبِلَ اللَّهُ صَدَقَتَك وَأَنَّهُ بَعَثَ مَلَكًا عَلَى صُورَتِك فَحَجَّ عَنْكَ انْتَهَى مِنْ مَنَاسِكِ ابْنِ جَمَاعَةَ. وَقَوْلُهُ: الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ ظَاهِرٌ وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَالطَّعَامُ فِي الْغَلَاءِ وَالْعِتْقُ فِي الرَّخَاءِ فَتَأَمَّلْ هَلْ يَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ] (فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِكَمَالِهِ وَهَذَا الْفَرْضُ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ صَلَاةً وَاحِدَةً فَرِيضَةً أَفْضَلُ مِنْ

فرع أفضل أركان الحج

الْحَجِّ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ إذَا خِيفَ فَوَاتُهَا سَقَطَ وُجُوبُهُ وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِمَّنْ حَجَّ حَجَّةَ تَطَوُّعٍ وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُهُ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصًا خَرَجَ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَاشْتَغَلَ آخَرُ بِالنَّوَافِلِ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ إلَى الْحَجِّ إلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ لَكَانَ الْحَجُّ أَفْضَلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّوْمِ وَأَمَّا الْحَجُّ وَالصَّوْمُ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا أَعْنِي فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ شَخْصٌ يُكْثِرُ الصَّوْمَ وَإِذَا سَافَرَ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ الَّذِي جُعِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَلَهُ الصِّيَامُ الَّذِي لَا إفْطَارَ فِيهِ وَالْقِيَامُ الَّذِي لَا فُتُورَ فِيهِ مُدَّةَ خُرُوجِ الْمُجَاهِدِ وَرُجُوعِهِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ وَلَفْظُ الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ» انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْحَجُّ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَأَيْضًا فَإِنَّا دُعِينَا إلَيْهِ فِي الْأَصْلَابِ كَالْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قَالَ الْمُحِبُّ: (أَحَدُهَا) الصَّلَاةُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَقَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، (الثَّانِي) الصَّوْمُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّوْمِ لَا مِثْلَ لَهُ «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» (الثَّالِثُ) الْحَجُّ انْتَهَى [فَرْعٌ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ] (فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الطَّوَافُ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ شَبِيهٌ بِهَا وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ فَيَكُونُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْوُقُوفِ عَلَى سَائِرِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ مُعْظَمُ الْحَجِّ وُقُوفُ عَرَفَةَ لِعَدَمِ انْحِصَارِهِ أَيْ الْحَجِّ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا: بَلْ مُقَدَّرٌ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ إدْرَاكُ عَرَفَةَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيبُ فِي مِثْلِ هَذَا وَفِي الرِّسَالَةِ: وَالتَّنَفُّلُ بِالرُّكُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الطَّوَافِ، وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرُّكُوعِ لِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ وَهَذَا لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِلَّةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ مُقِيمُونَ فَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ الطَّوَافُ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادُوهُ فَكَانَ التَّنَفُّلُ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلَ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَالْغُرَبَاءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ لِأَوْطَانِهِمْ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الطَّوَافِ فَكَانَ الطَّوَافُ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى فَوَاتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا فِي الْمَوْسِمِ لِئَلَّا يُزَاحِمُوا الْغُرَبَاءَ فِي الطَّوَافِ وَالْغُرَبَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمَكَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: تَعْلِيلُهُ بِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ وَلِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْغُرَبَاءِ وَأَهْلِ مَكَّةَ إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَفْضَلِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِمُسَاوَاةِ النَّفْلِ لِلْفَرْضِ فِي الْفَضْلِ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ وَإِنْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَلِّيَ نَفْسَهُ مِنْ الطَّوَافِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَقَدْ قِيلَ مِنْ الْحِرْمَانِ أَنْ يُقِيمَ الْإِنْسَانُ بِمَكَّةَ يَمْضِي عَلَيْهِ يَوْمٌ بِلَا طَوَافٍ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٍ فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ يُحْصِيهِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ سَيِّئَةٌ وَرُفِعَتْ لَهُ دَرَجَةٌ وَكَانَ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَمَعْنَى يُحْصِيهِ أَيْ يَتَحَفَّظُ فِيهِ لِئَلَّا يَغْلَطَ

قَالَهُ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ» أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْجُنْدِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْقُرْبَى وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - خَمْسُونَ أُسْبُوعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَطَافَ خَمْسِينَ أُسْبُوعًا كَانَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَوْقُوفًا وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا خَمْسِينَ أُسْبُوعًا مَكَانَ مَرَّةٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَمُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَفِيهَا رَدٌّ لِمَنْ قَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرَّةِ الشَّوْطُ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُتَوَالِيَةً بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تُوجَدَ فِي صَحِيفَةِ حَسَنَاتِهِ وَلَوْ فِي عُمْرِهِ كُلِّهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَنْزِلُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ رَحْمَةٍ سِتُّونَ مِنْهَا لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْعَاكِفِينَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ لِلْبَيْتِ وَفِي رِوَايَةٍ يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ مَكَّةَ كُلَّ يَوْمٍ وَقَالَ فِيهِ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ» وَلَا مُضَادَّةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ الْبَيْتَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] وَيَحْتَمِلُ قِسْمَةُ الرَّحَمَاتِ بَيْنَهُمْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الرُّءُوسِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قِلَّةِ عَمَلٍ وَلَا إلَى كَثْرَتِهِ وَيَكُونُ لِمَنْ كَثُرَ عَمَلُهُ ثَوَابًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْقَسْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْأَعْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ طَائِفٍ سِتُّونَ أَوْ السِّتُّونَ لِجَمِيعِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَهُ فِي الْقُرْبَى وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ شِفَاءِ الْغَرَامِ أَنَّ صَاحِبَ الْقُرْبَى ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَ أَنَّ تَعَدُّدَ الطَّوَافِ سَبْعُ مَرَاتِبَ: الْأُولَى خَمْسُونَ أُسْبُوعًا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، الثَّانِيَةُ أَحَدَ وَعِشْرُونَ فَقَدْ قِيلَ سَبْعُ أَسَابِيعَ بِعُمْرَةٍ وَوَرَدَ ثَلَاثُ عُمَرَ بِحَجَّةٍ، الثَّالِثَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَدْ وَرَدَ عُمْرَتَانِ بِحَجَّةٍ وَهَذَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فِيهِ كَحَجَّةٍ، الرَّابِعَةُ اثْنَا عَشَرَ أُسْبُوعًا خَمْسَةٌ بِالنَّهَارِ وَسَبْعَةٌ بِاللَّيْلِ وَرُوِيَ أَنَّهُ طَوَافُ آدَمَ وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، الْخَامِسَةُ سَبْعُ أَسَابِيعَ، السَّادِسَةُ ثَلَاثَةُ أَسَابِيعَ، السَّابِعَةُ أُسْبُوعٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا الطَّوَافُ وَالْعُمْرَةُ فَنَصَّ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَلَى أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالطَّوَافِ أَفْضَلُ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِالْعُمْرَةِ وَبِهِ قَيَّدَ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا بِأَنْ لَا يَشْغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ الطَّوَافِ وَلَا يُضْعِفَهُ بِحَيْثُ يَقْطَعُهُ عَنْ الْإِكْثَارِ مِنْهُ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ شَغْلَ قَدْرِ وَقْتِ الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ أَفْضَلُ مِنْ شَغْلِهِ بِهَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمُقِيمِينَ فِيهَا أَنْ يَتْرُكُوا الطَّوَافَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ تَوْسِعَةً عَلَى الْحُجَّاجِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِفَةَ مَا يَفْعَلُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَنَّهُ يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ ثُمَّ يَسْعَى مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَ آفَاقِيًّا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكْثِرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ لَيْلًا وَنَهَارًا لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا وَقْتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَطُوفَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ إلَّا لِحَاجَةٍ تَدْعُوهُ لِلطَّوَافِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الطَّوَافِ أَنْ يَأْتِيَ عَقِبَهُ بِرَكْعَتَيْنِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُؤَخِّرَ الرُّكُوعَ لَهُ إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مَغِيبِهَا وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَوَائِجِهِ وَضَرُورَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ رَجَعَ إلَى الطَّوَافِ فَإِنْ تَعِبَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَلَسَ فِي مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ فَحَصَلَ لَهُ النَّظَرُ إلَى الْكَعْبَةِ وَهُوَ عِبَادَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النَّظَرُ إلَى الْبَيْتِ عِبَادَةٌ» وَيَحْصُلُ لَهُ اسْتِغْفَارُ الْمَلَائِكَةِ فَإِذَا ذَهَبَ تَعَبُهُ قَامَ وَشَرَعَ فِي الطَّوَافِ يُفْعَلُ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ وَهَذَا بِخِلَافِ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُمْ أَنْ يُكْثِرُوا مِنْ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ

بَيْنَهُمَا أَنَّ الْآفَاقِيَّ هَذِهِ الْعِبَادَةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ فَيَبْغَتُهَا بِخِلَافِ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَةٌ ثَمَّ عَلَيْهِمْ طُولَ سَنَتِهِمْ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوهُمْ إلَى مُزَاحَمَةِ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ انْتَهَى. وَقَدْ انْجَرَّ الْكَلَامُ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَسَعَى هَلْ يُطْلَبُ بِالطَّوَافِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ أَمْ لَا وَالثَّانِيَةُ فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا الطَّوَافُ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يُمْنَعُ وَالْأَلْيَقُ بِالثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ وَأَمَّا الْأُولَى فَنَذْكُرُهَا هَهُنَا حَيْثُ جَرَى ذِكْرُهَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقْلُهُ أَيْضًا مُنَاسِبًا لِذِكْرِهَا عِنْدَهُ فَنَقُولُ الَّذِي يَنْقُلُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَحُجُّ إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِكَثْرَةِ الطَّوَافِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ: ثُمَّ يَعُودُ إلَى التَّلْبِيَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ مِنْ إحْرَامِهِ مُتَصَرِّفًا فِي حَوَائِجِهِ مُجْتَنِبًا لِمَا أُمِرَ بِهِ فِي إحْرَامِهِ وَلْيُكْثِرْ مِنْ الطَّوَافِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِلَا رَمَلٍ وَلَا سَعْيٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُصَلِّي لِكُلِّ السُّبُوعِ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَثْرَةُ الطَّوَافِ مَعَ كَثْرَةِ الذِّكْرِ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْعَمَلِ فِي الطَّوَافِ: فَإِذَا فَرَغْت مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَارْجِعْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَكْثِرْ مِنْ الطَّوَافِ مَا كُنْتَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ وَمِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي اسْتِحْبَابِ كَثْرَةِ طَوَافٍ لَهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ فَصْلِ السَّعْيِ ثُمَّ تُعَاوِدُ التَّلْبِيَةَ بَعْدَ السَّعْيِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلْتُكْثِرْ مِنْ الطَّوَافِ فِي مَقَامِكَ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَرُكُوبٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْحَجِّ عَلَى الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الشُّكْرِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مَالِكٌ: الْحَجُّ عَلَى الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَشْيِ لِمَنْ يَجِدُ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي آخَرِينَ إلَى أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ أَفْضَلُ وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَالرُّكُوبُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا أَفْضَلُ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى، وَكَلَامُهُ الْأَخِيرُ يُوهِمُ أَنَّ الرُّكُوبَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ أَفْضَلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَشْيُ فِيهِمَا عِنْدَهُ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَمِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ الَّذِي يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَالرُّكُوبُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ عَلَى الْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الشُّكْرِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ الْحَجُّ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ مِنْ تَفْسِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ. (الثَّانِي) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رُكُوبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمَعْرُوفُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُشَاةً مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ» لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا فِيهَا بِلَا شَكٍّ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ. (الثَّالِثُ) اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ تَفْضِيلَ الْمَشْيِ عَلَى الرُّكُوبِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَأَجَابَا عَنْ رُكُوبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَوْ مَشَى مَا وَسِعَ أَحَدٌ الرُّكُوبَ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَنُّ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَشْيِ وَلِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ فَيَقْتَدُونَ بِهِ وَلِهَذَا طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ رَاكِبًا مِنْهُ مَاشِيًا لِأَنَّ النَّبِيَّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِاتِّفَاقِ الْكَافَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَهُ رَاكِبًا وَحَجَّ مَاشِيًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ نَذَرَهُ مَاشِيًا مَا وَسِعَهُ أَنْ يَحُجَّهُ إلَّا مَاشِيًا إذَا كَانَ يُطِيقُهُ فَلَوْ كَانَ رَاكِبًا أَفْضَلَ مَا أُمِرَ بِالْمَشْيِ بَلْ كَانَ يُنْدَبُ إلَى الرُّكُوبِ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَدِدْت أَنِّي حَجَجْت مَاشِيًا وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَقْصِدُ التَّخْفِيفَ عَلَى الْأُمَّةِ وَلَوْ مَشَى مَا رَكِبَ أَحَدٌ مِمَّنْ حَجَّ مَعَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُقْتَدَى بِهِ فِي فِعْلِهِ وَكَانَ يَظْهَرُ لِلنَّاسِ عَلَى بَعِيرِهِ وَيَلْحَظُونَهُ وَلِهَذَا طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا لِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَشْيِ فَكَانَ فِيهِ فِي حَقِّهِ أَكْبَرُ مَشَقَّةً وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَنَفَّلُ جَالِسًا لِمَشَقَّةِ الْقِيَامِ فَكَيْفَ بِالْمَشْيِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ قَالَ: أَرَى أَنْ أَمْشِيَ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ الْحَدِيثُ فَدَخَلَ فِيهِ الْمَشْيُ لِلْحَجِّ وَالْمَسَاجِدِ وَالْغَزْوِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ خَرَجَ لِجِنَازَةٍ مَاشِيًا وَرَجَعَ رَاكِبًا» وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْعِيدَيْنِ مَاشِيًا» وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ لِلْعِيدَيْنِ وَقَالَ فِيمَنْ خَرَجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ يَخْرُجُ مَاشِيًا مُتَوَاضِعًا غَيْرَ مُظْهِرٍ لِزِينَةٍ وَكُلُّ هَذِهِ طَاعَاتٌ يُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْتِيَ مَوْلَاهُ مُتَذَلِّلًا مَاشِيًا وَقَدْ رُئِيَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ بِمَكَّةَ فَقِيلَ لَهُ: أَرَاكِبًا جِئْت؟ قَالَ: مَا حَقُّ الْعَبْدِ الْعَاصِي الْهَارِبِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَوْلَاهُ رَاكِبًا وَلَوْ أَمْكَنَنِي لَجِئْت عَلَى رَأْسِي وَأَمَّا حَجُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى أُمَّتِهِ وَقَدْ كَانَ أَسَنَّ فَكَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ جَالِسًا انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ الْمَشْيِ فَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ مُنْهَبِطًا مِنْ ثَنِيَّةِ هَرْشَى مَاشِيًا» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ مُشَاةً حُفَاةً وَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَيَقْضُونَ الْمَنَاسِكَ حُفَاةً مُشَاةً «وَيُرْوَى أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَجَّ عَلَى رِجْلِهِ سَبْعِينَ حَجَّةً» أَخْرَجَهُ الْأَزْرَقِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً مِنْ الْهِنْدِ عَلَى رِجْلَيْهِ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ أَفَلَا كَانَ يَرْكَبُ؟ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَحْمِلُهُ أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - حَجَّا مَاشِيَيْنِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ حَجَّ مَاشِيًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا آسَى عَلَى شَيْء مَا آسَى عَلَى أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ مَرِضَ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ: كُلُّ حَسَنَةٍ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَيُرْوَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَعْتَنِقُ الْمُشَاةَ وَتُصَافِحُ الرُّكْبَانَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَدَّمَ الْمُشَاةَ عَلَى الرُّكْبَانِ فِي الْآيَةِ لِيُزِيلَ مُكَابَدَةَ مَشَقَّةِ الْمَشْيِ وَالْعَنَاءِ بِفَرَحِ التَّقْدِيمِ وَالِاجْتِبَاءِ انْتَهَى جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ ابْنِ جَمَاعَةَ (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى عَلَى رِجْلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَشَاعِرِ إلَّا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَرَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَإِنَّ الرُّكُوبَ فِيهِمَا أَفْضَلُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَمْشِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا وَالْمَشَاعِرَ وَالنَّجَائِبُ تُقَادُ إلَى جَانِبِهِ وَقَدْ نُقِلَ فِي تَفْسِيرِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ أَنَّهُ إطْعَامُ الطَّعَامِ وَلِينُ الْكَلَامِ وَالْمَشْيُ فِي الْمَنَاسِكِ وَالْمَشَاعِرِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا وَهِيَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ ثُمَّ إلَى مُزْدَلِفَةَ ثُمَّ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى الْمُحَصَّبِ ثُمَّ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ انْتَهَى. وَفِي قَوْلِهِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى عَلَى رِجْلَيْهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي السَّعْيِ سُنَّةٌ يَجِبُ فِي تَرْكِهِ الدَّمُ لَا مُسْتَحَبٌّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ إثْرَ كَلَامِ

الْقُرْطُبِيِّ وَكَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لَا ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْعُمْرَةِ: إنَّ الْمَشْيَ فِيهَا كَالْمَشْيِ فِي الْحَجِّ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، قَالَ وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ بِمَكَّةَ هَلْ الْمَشْيُ فِيهَا أَفْضَلُ أَمْ يَكْتَرِي حِمَارًا بِدِرْهَمٍ قَالَ: إنْ كَانَ وَزْنُ الدِّرْهَمِ أَشَدَّ عَلَيْهِ فَالْكِرَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْيُ أَشَدَّ عَلَيْهِ كَالْأَغْنِيَاءِ فَالْمَشْيُ لَهُ أَفْضَلُ انْتَهَى. (السَّادِسُ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ التَّاجِرِ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِسَفَرِهِ مَرْكُوبًا جَيِّدًا يَأْمَنُ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْقَطِعَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُقَتَّبٌ) ش: أَيْ وَفُضِّلَ الْمُقَتَّبُ عَلَى الْمَحْمِلِ يُرِيدُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي مَنْسَكِهِ وَنَصُّهُ: وَالْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَحْمِلِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِإِرَاحَةِ الدَّابَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَالْحَجُّ عَلَى الْقَتَبِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَحْمِلِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَكَرِهُوا الْهَوَادِجَ وَالْمَحَامِلَ إلَّا لِعُذْرٍ أَوْ ضَرُورَةٍ وَلَيْسَتْ الرِّيَاسَةُ وَارْتِفَاعُ الْمَنْزِلَةِ عُذْرًا فِي تَرْكِ السُّنَّةِ انْتَهَى. وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ اسْتَحَبَّ الرُّكُوبَ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَالتَّنَطُّفُ فِي الْحَجِّ أَوْلَى مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ لِأَنَّهَا السُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ انْتَهَى. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فَيَرْكَبُ فِي الْمَحْمِلِ وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَرْبَابُ الضَّرُورَاتِ لَهُمْ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ بِدْعَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فَرَكِبَ النَّاسُ سُنَّتَهُ وَكَانَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِهِ يَتْرُكُونَهَا وَيَكْرَهُونَ الرُّكُوبَ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ مَكِّيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ: وَأَخَافُ أَنَّ بَعْضَ مَا يَكُونُ مِنْ تَفَاوُتِ الْإِبِلِ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبُهُ ثِقَلُ مَا تَحْمِلُهُ وَلَعَلَّهُ عَدْلُ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ وَزِيَادَةٌ مَعَ طُولِ الْمَشَقَّةِ وَقِلَّةِ الْمَطْعَمِ. وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا نَظَرَ إلَى مَا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ مِنْ الزِّيِّ وَالْمَحَامِلِ يَقُولُ الْحَاجُّ: قَلِيلٌ وَالرَّكْبُ كَثِيرٌ انْتَهَى. وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَدَرْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَوْمَ الصَّدْرِ فَمَرَّتْ بِنَّا رُفْقَةٌ يَمَانِيَّةٌ رِحَالُهُمْ الْأُدْمُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَنْ اخْتَارَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَشْبَهِ رُفْقَةٍ وَرَدَتْ الْحَجَّ الْعَامَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ إذَا قَدِمُوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذِهِ الرُّفْقَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ انْتَهَى مِنْ مَنْسَكِ ابْنِ جَمَاعَةَ، ذَكَرَهُ فِي فَضْلِ حَجِّ الْمَاشِي وَفِيهِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَيُسْتَحَبُّ الْحَجُّ عَلَى الرَّحْلِ وَالْمُقَتَّبِ دُونَ الْمَحْمِلِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ اقْتِدَاءٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْمَسْكَنَةِ وَلَا يَلِيقُ بِالْحَاجِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «حَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ تُسَوَّى ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ حَجَّةٌ بِلَا رِيَاءٍ فِيهَا وَلَا سُمْعَةٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «وَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَائِشَةَ أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَيُرْوَى أَفْضَلُ الْحَجِّ الشَّعِثُ التَّفِلُ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ فِي كَرَاهَةِ رُكُوبِ الْمَحْمِلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَأْسَ بِهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيِّ الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَرَفِّهِينَ وَقَالَ طَاوُسٌ: حَجُّ الْأَبْرَارِ عَلَى الرِّحَالِ وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْمَحَامِلَ الْحَجَّاجُ وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إذَا مَرَّتْ بِنَّا رُفْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ قَدْ أَحَقَبُوا بِالْمَاءِ وَالْحَطَبِ قَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا رَأَيْت رُفْقَةً أَشْبَهَتْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَؤُلَاءِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ انْتَهَى. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَسُئِلَ عَنْ الْحَاجِّ فَقَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ» انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَالْمُقَتَّبُ بِالتَّشْدِيدِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا وَلَمْ أَقِفْ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ قَتَّبَ بِالتَّشْدِيدِ بَلْ الَّذِي فِي

الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ أَقْتَبَ بِالْهَمْزِ بِالْبَعِيرِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ: مُقْتَبٌ بِالتَّخْفِيفِ كَمُكْرَمٍ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَفُضِّلَ رُكُوبٌ عَلَى مُقَتَّبٍ وَالْمُقَتَّبُ سَوَاءٌ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ أَوْ بِالتَّخْفِيفِ هُوَ الَّذِي جُعِلَ لَهُ قَتَبٌ وَالْقَتَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ رَحْلٌ صَغِيرٌ عَلَى قَدْرِ السَّنَامِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَحْمِلُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَمَجْلِسٍ وَاحِدُ مَحَامِلِ الْحَاجِّ وَكَسَفَرْجَلٍ عَلَاقَةُ السَّيْفِ انْتَهَى. وَرَأَيْت فِي نُسْخَةِ حَاشِيَةِ الصِّحَاحِ عَنْ السَّيِّدِ أَنَّ مِحْمَلِ الْحَاجِّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ) ش: أَيْ وَفُضِّلَ تَطَوُّعُ وَلِيِّ الْمَيِّتِ عَنْهُ بِغَيْرِ الْحَجِّ كَصَدَقَةٍ عَنْهُ وَالْعِتْقِ عَنْهُ وَالْإِهْدَاءِ عَنْهُ وَالدُّعَاءِ لَهُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عَنْهُ بِالْحَجِّ وَأَتَى بِالْكَافِ لِيَدْخُلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعِتْقِ وَالْإِهْدَاءِ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي: وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ صَرُورَةٌ وَلَمْ يُوصِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ أَحَدٌ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَلْيَتَطَوَّعْ عَنْهُ بِغَيْرِ هَذَا يُهْدِي عَنْهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ أَوْ يُعْتِقُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ صَرُورَةٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الصَّرُورَةِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُحَجَّ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْ حَيٍّ زَمِنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ صَرُورَةٍ كَانَ أَوْ لَا وَلْيَتَطَوَّعْ عَنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُهْدِيَ عَنْهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ أَوْ يُعْتِقَ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَوْلَى لِوُصُولِهَا إلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ انْتَهَى، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَالدُّعَاءُ جَارٍ مَجْرَى الصَّدَقَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّ ثَوَابَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ وَثَوَابُ الْحَجِّ هُوَ لِلْحَاجِّ وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ بَرَكَةُ الدُّعَاءِ وَثَوَابُ الْمُسَاعِدَةِ وَعَلَى الْمُبَاشَرَةِ بِمَا تَصَرَّفَ مِنْ حَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَائِدَةٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ بِالْإِجْمَاعِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَمِنْهَا مَا يَقْبَلُهَا إجْمَاعًا كَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَرَدِّ الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَاخْتُلِفَ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النِّيَابَةَ وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ لَا تَصِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَالشَّيْخُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وُصُولُ الْقِرَاءَةِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ نَقَلَهُ سَيِّدِي ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا قِيلَ لَهُمْ وَمَاذَا لَقُوا وَنَحْنُ مُكَلَّفُونَ بِالتَّدَبُّرِ فِي الْقُرْآنِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى إسْقَاطِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النِّيَابَةَ مِنْ الْحَيِّ وَالْعَاجِزِ وَأَمَّا الْقَادِرُ فَلَا يَقْبَلَانِ اتِّفَاقًا فَإِنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ وَمَاتَ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ يُصَلِّي عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَجِّ انْتَهَى، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْحَاوِي لَوْ صَلَّى إنْسٌ عَنْ غَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْرِكُهُ فِي ثَوَابِ صَلَاتِهِ جَازَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ بِأُجْرَةٍ فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْن عَاتٍ: وَهُوَ رَأْيُ شُيُوخِنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَتْ بِمَالٍ لِمَنْ يُصَلِّي عَنْهَا أَوْ يَصُومُ وَالْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ فِي الثُّلُثِ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْوَصَايَا فِي مَسْأَلَةٍ جَامِعَةٍ لِوُجُوهٍ مِنْ الْوَصَايَا وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَأْجَرَ قَارِئًا يَقْرَأُ عَنْهُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ فِي الثُّلُثِ يَعْنِي الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ وَبِأَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بِأُجْرَةٍ وَلَا يُرِيدُ الْوَصِيَّةَ لِمَنْ يُصَلِّي عَنْهُ أَوْ يَصُومُ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَصَرَّحَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْأَشْيَاءِ

مسألة إهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم

الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيهَا الْوَكَالَةُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ لَا عَنْ الْحَيِّ وَلَا عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا وَنَصُّهُ: وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ مَعَ الْحَيَاةِ وَأَمَّا مَعَ الْمَوْتِ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَالْمُخَالِفُ أَخَذَ بِهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا الْمُعَلِّمِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِمَا وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا حُكْمُ التَّطَوُّعِ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْحَجِّ مَا هُوَ وَحُكْمُهُ الْكَرَاهَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا وَمَنْعُ اسْتِنَابَةٍ صَحِيحٌ فِي فَرْضٍ وَإِلَّا كُرِهَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُتَطَوِّعُ عَنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَكَمَا يُكْرَهُ عَنْ الْمَيِّتِ فَهُوَ عَنْ الْحَيِّ أَشَدُّ وَيَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِبْهُ أَحَدٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي الْحَيِّ إنْ وَقَعَ وَلَا يَكُونُ فِي الْفَرْضِ بِوَجْهٍ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ الْمَيِّتِ حَكَمَ الْجَمِيعُ بِانْعِقَادِ إحْرَامِهِ انْتَهَى [مَسْأَلَةٌ إهْدَاء الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي كِتَابِ كَنْزِ الرَّاغِبِينَ الْعُفَاةِ فِي الرَّمْزِ إلَى الْمَوْلِدِ وَالْوَفَاةِ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ مُؤَلِّفِهِ وَلَكِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا فَإِنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ عَنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ أَدْرَكْتُهُمْ كَالشَّيْخِ زَكَرِيَّا وَالشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ حَمْزَةَ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَأَجَازَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ وَالْبَارِزِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ كَابْنِ عَقِيلٍ تَبَعًا لِعَلِيِّ بْنِ الْمُوَفَّقِ. وَكَانَ فِي طَبَقَةِ الْجُنَيْدِ وَكَأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إهْدَاءَ ثَوَابِ الْقُرْآنِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الَّذِي سُقْنَاهُ قَرِيبًا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْمَانِعِينَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: كَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ يَمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَجَرَّأُ عَلَى الْجَنَابِ الرَّفِيعِ إلَى آخِرِ لَفْظِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الدُّعَاءِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ لِمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ مَعْنَى التَّعْظِيمِ بِخِلَافِ الرَّحْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَقَالَ ابْنِ قَاضِي شُهْبَةَ فِي شَرْحِهِ كَانَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْقَرَوِيُّ يَمْنَعُ مِنْهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالْأَدَبُ مَعَ الْكِبَارِ مِنْ الْأَدَبِ وَالدِّينِ وَأَعْمَالُ الْأُمَّةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ فِي صَحِيفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِّ الْحَنْبَلِيُّ فِي اخْتِيَارَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ إهْدَاءَ الْقُرَبِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ. وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ إهْدَاءُ الثَّوَابِ إلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بَلْ كَانُوا يَدْعُونَ لَهُمْ فَلَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ لَهُمْ وَلَمْ يَرَهُ مَنْ لَهُ أَجْرُ الْعَامِلِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ بِخِلَافِ وَالِدِ الشَّخْصِ فَإِنَّ لَهُ أَجْرًا كَأَجْرِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْعَامِلَ يُثَابُ عَلَى إهْدَائِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَيْضًا مِثْلُهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» قَالَ: وَأَقْدَمُ مَنْ بَلَغَنَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْمُوَفَّقِ وَأَنَّهُ كَانَ أَقْدَمَ مِنْ الْجُنَيْدِ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَطَبَقَتَهُ وَعَاصَرَهُ وَعَاشَ بَعْدَهُ وَأَصْحَابُنَا إنَّمَا قَالُوا: إنَّهُ فِي طَبَقَةِ الْجُنَيْدِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ الْعَطَّارِ تِلْمِيذُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَلْ تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِهْدَاءُ الثَّوَابِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَهَلْ فِيهِ أَثَرٌ؟ فَأَجَابَ بِمَا هَذَا لَفْظُهُ: أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَمِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَأَمَّا إهْدَاؤُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ أَثَرٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَجُّمِ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ مَعَ أَنَّ ثَوَابَ التِّلَاوَةِ حَاصِلٌ لَهُ بِأَصْلِ شَرْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعُ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ فِي مِيزَانِهِ وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَحَثَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ وَالسُّؤَالِ بِجَاهِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَوَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ هَدِيَّةَ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِذْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُنَا الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ تِلْمِيذُ شَيْخِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ حَجَرٍ فِي مَنَاقِبِهِ الَّتِي أَفْرَدَهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْته زِيَادَةً فِي شَرَفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَابَ هَذَا مُخْتَرَعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْقُرَّاءِ لَا أَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْكُرْدِيُّ فِي كِتَابِ النَّصِيحَةِ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ جَوَازِ إهْدَاءِ الْقُرْآنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يُرْوَ عَنْ السَّلَفِ فِعْلُهُ وَنَحْنُ بِهِمْ نَقْتَدِي وَبِذَلِكَ نَهْتَدِي ثُمَّ تَوَسَّعَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْتَهُ اقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ قَالَ: وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِهِ بَلْ اسْتِحْبَابِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَانَ يُهْدَى إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الدُّنْيَا وَكَمَا طَلَبَ الدُّعَاءَ مِنْ عُمَرَ وَحَثَّ الْأُمَّةَ عَلَى الدُّعَاءِ بِالْوَسِيلَةِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَعَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ اتَّبَعْت وَإِنْ فَعَلْت فَقَدْ قِيلَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ خَطَّابٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تُوجَدُ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْقَاضِي بْنُ عَجْلُونٍ قَدْ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَتَصَرَّفُوا فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِمْ فِي صَحِيفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْ نُقَدِّمُهَا إلَى حَضْرَتِهِ أَوْ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ وَقَدْ تَقْتَرِنُ بِذَلِكَ هَيْئَاتٌ تُخِلُّ بِالْأَدَبِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَلْجَأَهُمْ إلَى ارْتِكَابِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ حَسَنَاتِ الْأُمَّةِ فِي صَحِيفَتِهِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» . قَالَ: فَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُ ذَلِكَ وَالِاشْتِغَالُ بِمَا لَا رَيْبَ فِيهِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الْمَأْثُورَةِ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهَا بِحَمْدِ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا مَا يُغْنِي عَنْ الِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ وَالْوُقُوعِ فِي الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ حَمْزَةَ الْحَسَنِيُّ الشَّافِعِيُّ ابْنُ أُخْتِ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ عَارَضَ مَا أَفْتَى بِهِ خَالُهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ إنَّ ذَلِكَ يُجَوِّزُ إهْدَاءُ الثَّوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِدْعَةٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْجَائِزَةِ أَمْ لَا وَحَيْثُ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اتَّجَهَ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْمُشَارُ إلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ فَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ فَالْأَحْوَطُ التَّرْكُ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الصُّوفِيَّةُ: إذَا خَطَرَ لَكَ أَمْرٌ فَزِنْهُ بِالشَّرْعِ فَإِنْ شَكَكْت فِيهِ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَوْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؟ فَأَمْسِكْ عَنْهُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ: وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَشَيْخِهِ مَالِكٍ وَالْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يَصِلُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ: فَإِهْدَاءُ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ الْوُصُولَ عَبَثٌ مَكْرُوهٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى إهْدَاءِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَذَكَرَ كَلَامَ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي الْأَذْكَارِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ بِهَاءِ الدِّينِ الْحَوَارِيِّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْيَةِ حِوَارَانِ كَمَا ضَبَطْنَاهُ وَآخِرُهَا رَاءٌ مَفْتُوحَةٌ مُهْمَلَةٌ وَيَاءٌ مَقْصُورَةٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ عَقِبَ السَّمَاعِ مَرَّاتٍ لِجَمَاعَةٍ وَآخِرَ الْكُلِّ يَسْأَلُهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ لَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ قَالَ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَوَى الْقَارِئُ بِقِرَاءَتِهِ أَنْ تَكُونَ عَنْ الْمَيِّتِ وَأَمَّا النَّفْعُ فَيَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِأَنْ يَدْعُوَ لَهُ عَقِبَهَا أَوْ يَسْأَلَ جَعْلَ أَجْرِهِ

لَهُ أَوْ يُطْلِقَ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِنُزُولِ الرَّحْمَةِ عَلَى الْقَارِئِ ثُمَّ تُنْشَرُ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ لِحُصُولِ النَّفْعِ بِهَا وَلَا يُقَالُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الثَّوَابِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَمْنُوعَ مَا يَكُونُ بِصِيغَةِ جَعَلْته لَهُ أَوْ أَهْدَيْته لَهُ أَمَّا الدُّعَاءُ بِجَعْلِ ثَوَابِهِ لَهُ فَلَيْسَ تَصَرُّفًا بَلْ سُؤَالٌ لِنَقْلِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَلَا مَنْعَ فِيهِ وَأَمَّا إهْدَاءُ الثَّوَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ يَمْنَعُ مِنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ شُهْبَةَ ثُمَّ قَالَ: وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ السُّبْكِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا سُؤَالُ الْفَاتِحَةِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ جَزْمًا لِمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى كَلَامُهُ. فَهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ قَالُوا بِالْمَنْعِ مِنْ هَذَا وَذَكَرُوا تَعْلِيلَهُ وَدَلِيلَهُ حَتَّى مَنْ أَفْتَى مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِالْجَوَازِ وَفَصَّلَ وَحَصَّلَ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ الْهَادِي الْمُوَفِّقُ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْمَوْلِدِ وَكَلَامُ ابْنِ السُّبْكِيّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ يَعْنِي بِهِ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ أَنَّ أَعْمَالَ أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهَا فِي صَحِيفَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِلْحَجِّ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى وَجْهِ الْبَلَاغِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى الْأَرْزَاقِ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةٍ فَقَالَ بِهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ انْتَهَى. وَالرِّزْقَةُ هُوَ أَنْ يَدْفَعَ لِلْحَاجِّ شَيْئًا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى حَجِّهِ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إجَارَةٍ فِي ذِمَّتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ أَمْ لَا وَقَالَ فِي غُنْيَةِ الْفَقِيرِ فِي حَجِّ الْأَجِيرِ وَقَدْ فَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْإِجَارَةِ بِأَنَّ الرِّزْقَ هُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّتِهِمْ وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَهُوَ شَيْءٌ مَقْدُورٌ قَصُرَ عَنْ كِفَايَتِهِ أَوْ زَادَ انْتَهَى. وَلَفْظُ سَنَدٍ فِي الطِّرَازِ: الَّذِي اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رِزْقَةً لَا أُجْرَةً صَحَّحَهُ الْكَافَّةُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَصَحَّحَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ عَمَلٌ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فَجَازَ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ بِالنَّفَقَةِ فَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَزَعَمَ أَنَّهَا أُجْرَةٌ مَجْهُولَةٌ وَنَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الرِّزْقَةِ وَكَاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِمُؤْنَتِهَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُعَاوَضَةُ فِي الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ حَجٌّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَحَجٌّ بِنَفَقَةٍ مَا بَلَغَتْ وَتُسَمَّى أُجْرَةً عَلَى الْبَلَاغِ وَحَجٌّ بِأُجْرَةٍ عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ وَهُوَ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ حَجَّ كَانَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ كَذَا وَهِيَ مِنْ وَجْهِ الْبَلَاغِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. ((قُلْتُ)) : فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْحَجُّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ إجَارَةَ ضَمَانٍ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ تَارَةً يَكُونُ مُعَيَّنًا فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ قَالَ: مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُك لِتَحُجَّ عَنِّي بِكَذَا، قَالَ: وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَنِّي بِنَفْسِك كَانَ تَأْكِيدًا وَإِضَافَةُ الْفِعْلِ إلَيْهِ تَكْفِي فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَتَارَةً يَكُونُ مَضْمُونًا فِي ذِمَّتِهِ قَالَ: مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَأْخُذُ كَذَا فِي حَجَّةٍ أَوْ مَنْ يَضْمَنُ لِي حَجَّةً بِكَذَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لِفِعْلِهَا أَحَدًا وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْمُعَاوَضَةُ فِي الْحَجِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُعَيَّنٍ وَمَضْمُونٍ وَالْمُعَيَّنُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إجَارَةٍ وَبَلَاغٍ وَالْبَلَاغُ عَلَى وَجْهَيْنِ: بَلَاغٍ فِي الْحَجِّ وَهُوَ الْجُعْلُ وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِهَا، وَبَلَاغِ النَّفَقَةِ، وَالْمَضْمُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: ضَمَانٍ بِالسَّنَةِ وَهُوَ كَوْنُهَا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ إذَا فَاتَتْهُ هَذِهِ السَّنَةُ يَأْتِي فِي سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَضَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجِيرِ فَإِذَا مَاتَ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَحُجُّ انْتَهَى، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: ضَمَانٌ بِالنِّسْبَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ قِسْمٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ وَمِنْ إجَارَةِ الْبَلَاغِ وَمِنْ الْجَعَالَةِ يَنْقَسِمُ إلَى مَضْمُونٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّنَةِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَإِلَى مُعَيَّنَةٍ فِي السَّنَةِ، وَقَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ مُرَادُهُ بِهِ تَعْيِينُ

الْأَجِيرِ وَمُرَادُهُ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي جَعَلَهَا قِسْمَ الْمُعَيَّنِ الْإِجَارَةُ الْمَضْمُونَةُ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ مِنْ الْمَضْمُونِ هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى عَامٍّ مُطْلَقٍ وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ فِي تَقْسِيمِ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الْحَجِّ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ عَلَى الْحَجِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ اسْتِئْجَارٌ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ تُدْفَعُ لِلْأَجِيرِ وَيَكُونُ ضَمَانُهَا مِنْهُ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَالْفَضْلُ لَهُ وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْحَجُّ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ الْأَجِيرِ، وَالثَّانِي الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَكُونُ الْحَجُّ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ، وَالثَّالِثُ الِاسْتِئْجَارُ بِالنَّفَقَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَلَاغِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالرَّابِعُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ يُسَمِّيهِمَا الْمُصَنِّفُ إجَارَةَ ضَمَانٍ وَذَكَرَ الْقِسْمَ الثَّانِي أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُ فِي حَجِّهِ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَالْبَلَاغُ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ إلَخْ، وَالرَّابِعُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْجَعَالَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي خِلَافٌ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَجْهُ تَسْمِيَةِ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِالضَّمَانِ أَنَّ الْأَجِيرَ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ الْعِوَضِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَا رَدٍّ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالنِّيَابَةُ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ بِذَاتِهِ أُجْرَةٌ إنْ كَانَتْ عَنْ مُطْلَقِ الْعَمَلِ وَجُعْلٌ إنْ كَانَتْ عَنْ تَمَامِهِ وَبَلَاغٌ إنْ كَانَتْ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ وَفِيهَا الْإِجَارَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ فُلَانٍ لَهُ مَا زَادَ وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ وَالْبَلَاغُ خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَحُجَّ بِهَا عَنْهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْنَا مَا نَقَصَ عَنْ الْبَلَاغِ أَوْ يَحُجَّ مِنْهَا عَنْهُ وَالنَّاسُ يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَأْخُذُونَ إنْ أَخَذُوا عَلَى الْبَلَاغِ فَبَلَاغٌ وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَنَّهُمْ ضَمِنُوا الْحَجَّ فَقَدْ ضَمِنُوهُ. ((قُلْتُ)) : يُرِيدُ بِالضَّمَانِ لُزُومَهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ الْعِوَضِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَا رَدٍّ مِنْهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ يَعْنِي بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فِي غَيْرِ الْأَجِيرِ وَالْبَلَاغُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَيَبْقَى وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُمَا الْحَجُّ الْمَضْمُونُ وَالْجُعْلُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يَقُومُ مِنْ الْكِتَابِ إلَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَكَانَ ابْنُ لُبَابَةَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ ضَمِنُوا الْحَجَّ فَقَدْ ضَمِنُوهُ أَنَّهُ وَجْهٌ ثَالِثٌ مِنْ أَنَّ الْحَجَّ اسْتِئْجَارٌ وَبَلَاغٌ وَمَضْمُونٌ وَيَقُولُ فِي الَّذِي يَأْخُذُ عَلَى الْحَجَّةِ الْمَضْمُونَةِ: إنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ إكْمَالِهَا أَنَّهُ يَرُدُّ جَمِيعَ الْمَالِ وَلَا يَحْتَسِبُ بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ الطَّرِيقِ وَقَالَهُ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيدٍ وَغَيْرُهُمَا وَنَحْوُهُ فِي أَقْضِيَةِ ابْنِ زِيَادٍ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ ابْنُ زَرْبٍ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَمِنْ عَيْبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إنْ لَمْ يَكْفُلْ ذَهَبَ عَنَاؤُهُ بَاطِلًا وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ الْمَضْمُونُ عَلَى الِاسْتِئْجَارِ مِنْ جِهَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجَرِ مَا زَادَ وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ فَهُوَ الَّذِي أَرَادَ بِأَنَّهُمْ ضَمِنُوا الْحَجَّ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَجُّ الْمَضْمُونُ لَا يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ إلَّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ إنْ كَانَ أَوْصَى بِهَا وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا فَلَا يَتَعَدَّى قَوْلُهُ مِنْ اسْتِئْجَارٍ أَوْ بَلَاغٍ هَذَا هُوَ الْمُسْتَحْسَنُ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ بَعْضِ قُضَاةِ قُرْطُبَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَّا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِالِاسْتِئْجَارِ وَقَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَهَذَا عِنْدِي نَقْضٌ لِعَهْدِ الْمُوصِي وَمُخَالِفٌ لِوَصِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً فَيُوقَفُ عِنْدَ عَهْدِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْحَجَّةُ إنْ تَوَلَّاهَا قَابِضُ الدَّنَانِيرِ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَنَابَ فِيهَا غَيْرَهُ سَوَاءٌ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهَا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ عَلَى تَمَامِهَا انْتَهَى. وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجَّةٍ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَسْتَنِيبُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَنَّ مُقَابِلَهُ يَقُولُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ وَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: إنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ فَإِنْ

قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّعْيِينِ عُمِلَ عَلَيْهَا وَالْقَرِينَةُ هُنَا دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ التَّعْيِينِ حَيْثُ جَعَلُوهَا مَضْمُونَةً بَلْ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ فَتَأَمَّلْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْجَزَائِرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَضْمُونِ وَذَكَرَ أَيْضًا الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عَمْر وَفِي كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ إشَارَةً إلَى صِحَّتِهِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي قَوْلِهِ فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهَا. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ بَقِيَّةٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ: الْإِجَارَةُ الْمُعَيَّنَةُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِلَ فِيهَا الْعَمَلُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ تَرَاخِيهَا عَنْهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى خِدْمَةِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَا جَازَ فِي ذَلِكَ جَازَ هُنَا وَمَا امْتَنَعَ امْتَنَعَ هَهُنَا فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَشْرَعُ فِي الْحَجِّ عَقِبَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَتْ فِي بِلَادٍ قَاصِيَةٍ جَازَتْ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُخْرَجُ فِيهِ إلَى الْحَجِّ وَإِنْ تَرَاخَى الْخُرُوجُ الْأَيَّامَ انْتَظَرَ فِي تَجْهِيزِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحُجَّ مَاشِيًا فِي الْعَامِ الثَّانِي وَكَانَتْ الْمُشَاةُ تَخْرُجُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ جَازَ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ وَقْتِهِ وَهَذَا فِي الْإِجَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَمَّا الْمَضْمُونَةُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ عَقْدِهَا عَلَى فِعْلِهَا سِنِينَ وَهُوَ كَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَضُ إلَى سِنِينَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وَنَصُّهُ: وَقَوْلُنَا فِي النَّصِّ مَعَ تَقْدِيمِ النَّقْدِ وَأَخْذٍ فِي التَّجْهِيزِ هُوَ الصَّوَابُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ تَقْدِيمَ النَّقْدِ مَعَ تَأْخِيرِ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ فِي غَيْرِ إبَّانِ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ يَجِبُ النَّقْدُ عَلَى الشَّرْطِ وَجَازَ عَلَى التَّطَوُّعِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ) ش:. يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ إجَارَةَ الضَّمَانِ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ إجَارَةِ الْبَلَاغِ فَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْكَرَاهَةِ وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ إجَارَةَ الْبَلَاغِ وَهَذِهِ وَالْإِجَارَةُ فِي الْكَرَاهَةِ سَوَاءٌ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُؤَاجِرَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ كَانَ ضَامِنًا لِذَلِكَ يُرِيدُ مُحَمَّدٌ ضَامِنًا لِلْمَالِ وَيُحَاسَبُ بِمَا سَارَ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا بَقِيَ فَكَانَ هَذَا أَحْوَطَ مِنْ الْبَلَاغِ وَلَيْسَ يَعْنِي أَنْ يُؤَاجِرَ مِنْ مَالِهِ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ فَانْفَسَخَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحَجَّةُ إنَّمَا جُعِلَتْ فِي ذِمَّتِهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَيُسَاعِدُ هَذَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهَا وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى فَأَعَادَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ أَيْ كَالنَّوْعِ الْآخَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَضْمُونَةَ عَلَى الْحَجِّ كَالْإِجَارَةِ عَلَى غَيْرِ الْحَجِّ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ الْفَضْلُ لَهُ وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ وَهَذَا لَفْظُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُشِيرُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي الْجَوَاهِرِ: وَقِسْمٌ هُوَ إجَارَةٌ بِعِوَضٍ تَكُونُ ثَمَنًا لِلْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَاتِ كُلِّهَا فَيَكُونُ الْعِوَضُ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجَرِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كِفَايَتِهِ لَزِمَهُ تَمَامُهُ مِنْ مَالِهِ وَمَا بَقِيَ كَانَ لَهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْحَجِّ لَزِمَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيَحُجَّ عَنْ مَيِّتٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ لِمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَرَاهَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْإِجَارَةُ تَلْزَمُهُ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَرَادَ نَقْضَ الْإِجَارَةِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. ص (وَتَعَيَّنَتْ فِي الْإِطْلَاقِ) ش:. يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَضْمُونَةَ تَتَعَيَّنُ فِي إطْلَاقِ الْمُوصِي فَإِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ ذَلِكَ عَلَى الضَّمَانِ أَوْ عَلَى الْبَلَاغِ؟ فَتَتَعَيَّنُ الْمَضْمُونَةُ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِفَةَ مَا يُكْتَبُ فِي الْبَلَاغِ وَقَوْلُنَا فِيهِ إنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عُهْدَةِ الْمُتَوَفَّى صَوَابٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُوصِي عُهْدَةٌ فَلَا يَكُونُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَفْعَلَهُ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا شَرَحَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبِسَاطِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الصَّغِيرِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ هَلْ هِيَ ضَمَانٌ أَوْ بَلَاغٌ تَعَيَّنَتْ الْمَضْمُونَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ وَابْنِ الْفُرَاتِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي بَيَانِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِنْ بَيَانِ الْأُجْرَةِ مَا هِيَ هَلْ النَّفَقَةُ أَوْ شَيْءٌ مُسَمًّى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَضْمُونَةَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ فِي عَيْنِ

الْأَجِيرِ، وَنَوْعٌ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنَّ فِي الثَّانِي خِلَافًا وَأَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازُ فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُدْفَعَ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ قُضَاةِ قُرْطُبَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَّا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ وَإِنَّ ابْنَ زَرْبٍ قَالَ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ مَيِّتٍ مِنْ بَلَدِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ بَرِيدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَحُجُّونَ عَنْهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَوْصَى يُرِيدُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ خُرَاسَانَ وَهَذَا أَحْسَنُ وَإِنَّمَا يَحُجُّ مِنْ بَلَدِ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ إلَّا أَنْ لَا يَحُجَّ مَنْ يُسْتَأْجَرُ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ مِنْ مَوْضِعٍ وَصَّى بِهِ انْتَهَى كَلَامُ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْحَجِّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَوْضِعًا يُحْرِمُ مِنْهُ أَوْ لَا يَشْتَرِطُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُ مَا قُلْنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ لَهُ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ مِيقَاتُهُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا أَطْلَقَ هَلْ يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْ نَفْسِ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ فِيهِ نَقْصُ الْمِيقَاتِ حَتَّى يَجِبَ فِيهِ دَمٌ؟ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ فِيمَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَّةَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْمَيِّتِ مَبْنِيٌّ عَلَى صَرْفِ الْإِطْلَاقِ إلَى نَفْسِ الْمَيِّتِ وَوَجْهُهُ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِيهِ وَفِي الْأَسْدِيَةِ أَنَّهُ إنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَسَوَاءٌ شَرَطُوا عَلَيْهِ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطُوا لِأَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَيِّتٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ انْتَهَى. يُرِيدُ إذَا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ بَلَدِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْبَلَدِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ مِنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ فِيهَا أَنَّ مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ مَالٌ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مِيقَاتِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَمِيقَاتِ مَحِلِّ الْعَقْدِ كَانَ أَشْمَلَ وَأَبَيْنَ وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا خَالَفَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ خَالَفَ مِيقَاتًا شُرِطَ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَهَلْ يُفْسَخُ إنْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ مِصْرِيٍّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْجُحْفَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ وَهُوَ فِي الْيَمَنِ بَعِيدٌ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ السَّابِقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بِمَكَّةَ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ رَجُلٍ: فَلْيُحْرِمْ مِنْ مِيقَاتِ الرَّجُلِ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ص (وَلَهُ بِالْحِسَابِ إنْ مَاتَ

وَلَوْ بِمَكَّةَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَجِيرَ عَلَى الْحَجِّ إذَا مَاتَ فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ سُهُولَةِ الطَّرِيقِ وَصُعُوبَتِهَا وَأَمْنِهَا وَخَوْفِهَا لَا بِمُجَرَّدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ فَقَدْ يَكُونُ رُبْعُ الْمَسَافَةِ يُسَاوِي نِصْفَ الْكِرَاءِ فَيُقَالُ: بِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ فِي زَمَنِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَبِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فِي زَمَنِ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَمَا نَقَصَ الْأَقْرَبُ عَنْ الْأَبْعَدِ فَلَهُ بِحِسَابِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ قَلَّتْ: أَوْ كَثُرَتْ مَثَلًا الْحَجُّ مِنْ مَوْضِعِ خُرُوجِهِ بِعَشْرَةٍ وَمِنْ مَوْضِعِ مَوْتِهِ بِثَمَانِيَةٍ فَيَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْأُجْرَةِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا صُدَّ، وَسَوَاءٌ بَلَغَ مَكَّةَ أَوْ مَاتَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً وَضُعِّفَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَ الْأَجِيرُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا بِحِسَابِ مَا سَارَ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ فَلَهُ مِنْهَا بِحِسَابِ مَا سَارَ وَمَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَاقِيَةً بِعَيْنِهَا أَوْ تَلِفَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ تَلَفُهَا بِسَبَبِهِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَهَذَا فِي الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَجُّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَكَانَ مَضْمُونًا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ لِلْوَرَثَةِ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ أُجْرَةُ حَجِّهِ قَالَهُ الْمُتَيْطِيّ وَسَنَدٌ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَأَمَّا فِي الْبَلَاغِ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْجَعَالَةِ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ صُدَّ وَالْبَقَاءُ لِقَابِلٍ) ش:. يَعْنِي وَكَذَلِكَ يَكُونُ لِلْأَجِيرِ بِحِسَابِ مَا سَارَ إذَا صُدَّ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجِيرَ إذَا صُدَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ عَلَى الْبَلَاغِ أَوْ عَلَى الْجَعَالَةِ فَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا يَخْلُو أَيْضًا أَنْ يُسْتَأْجَرَ لِيَحُجَّ فِي عَامٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لَمْ يُعَيَّنْ الْعَامُ فَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ الْعَامُ فَلَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِلْعُذْرِ سَوَاءٌ أَحْرَمَ أَوْ لَمْ يُحْرِمْ وَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ وَلَهُ الْبَقَاءُ إلَى قَابِلٍ أَوْ يَتَحَلَّلُ ثُمَّ يَقْضِيهِ وَالْأُجْرَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ الْمُسَمَّى لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَإِنْ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا فَلَهُ الْفَسْخُ إذَا خَشِيَ الْفَوَاتَ سَوَاءٌ أَحْرَمَ أَيْضًا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ وَلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِيمَا فَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ أَوْ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَضَاهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: فَلَوْ أَرَادَ بَقَاءَ إجَارَتِهِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي مُحْرِمًا أَوْ مُتَحَلِّلًا فَقَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُمَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْحَجُّ فِي هَذَا الْعَامِ انْفَسَخَتْ فَصَارَ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ يَأْخُذُ عَنْهُ مَنَافِعَ مُؤَخَّرَةً مُنِعَ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَمَنْ رَأَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَخَفُّ مِنْ الْإِجَارَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ لَمْ يُقَدِّرْ الِانْفِسَاخَ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْحَجِّ وَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ إلَيْهِ جَازَ وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْجَوَازَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: فَلَوْ مَاتَ أَوْ صُدَّ كَانَ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَرَجَعَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى تَرِكَتِهِ بِالْبَاقِي يَسْتَأْجِرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى عَمَلُهُ لِحُصُولِ النِّيَابَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا أَوْ لَمْ يُوَفِّ عَادَ مِيرَاثًا فَإِنْ أُحْصِرَ وَأَرَادَ الْمُقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ أَوْ تَحَلَّلَ وَأَرَادَ بَقَاءَ الْإِجَارَةِ إلَى قَابِلٍ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ قَوْلَانِ: الْجَوَازُ لِأَنَّهُ إبْقَاءُ

دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمَنْعُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: فِي كَلَامِهِ إجْمَالٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَامٍ مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى حَجٍّ مَضْمُونٍ أَوْ عَلَى الْبَلَاغِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَجِيرَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى عَامٍ بِعَيْنِهِ إذَا صُدَّ وَأَصَابَهُ مَرَضٌ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ وَلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا بَلَغَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبْقَى عَلَى إجَارَتِهِ وَقَدْ تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ بَقِيَ مُحْرِمًا فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَالْآخَرُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَازَهُ وَقَالَ: لَا يُنْتَهَى إلَى مَا قِيلَ لَكُمْ أَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إذْ لَمْ يَعْمَلَا عَلَيْهِ لَكِنْ لَوْ تَحَاكَمَا وَجَبَتْ الْمُحَاسَبَةُ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْحَجُّ فِي هَذَا الْعَامِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَصَارَتْ لَهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يُؤْخَذُ عَنْهُ مَنَافِعُ مُؤَخَّرَةٌ وَالْقَائِلُ بِالْجَوَازِ يَرَى هَذَا النَّوْعَ أَخَفَّ مِنْ الْإِجَارَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَلَا يُقَدِّرُ الِانْفِسَاخَ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْحَجِّ وَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ إذَا كَانَ الصَّبْرُ لِقَابِلٍ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ فَرْضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَجِّ الْمَضْمُونِ لَا عَلَى عَامٍ بِعَيْنِهِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ لِمُسَاعَدَةِ النَّقْلِ لَهُ وَمَا عَلَّلَا بِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُوَضِّحُ أَنَّهَا إجَارَةٌ عَلَى عَامٍ بِعَيْنِهِ انْتَهَى. عُلِمَ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ. ((قُلْتُ)) : وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُؤَلِّفُ فَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ: وَالْبَقَاءُ لِقَابِلٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِ الْعَامِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَانَ الْخِيَارُ لِلْأَجِيرِ وَإِذَا كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبَقَاءُ إلَّا بِاتِّفَاقِ الْأَجِيرِ وَالْمُؤَجِّرِ وَمَنْ طَلَبَ مِنْهُمَا الْفَسْخَ قُضِيَ لَهُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ. وَأَمَّا فِي إجَارَةِ الْبَلَاغِ فَلَهُ النَّفَقَةُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ مِنْهُ فَإِنْ حُصِرَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى إحْرَامِهِ بَعْدَ الْحَصْرِ وَإِمْكَانِ التَّحَلُّلِ قَالَ سَنَدٌ: فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ إمْكَانِ التَّحَلُّلِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ وَلَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ وَلَا يُوجِبُهُ لَكِنْ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَتْ لَهُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَإِنْ بَقِيَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ وَقَدْ كَانَ أَحْرَمَ وَسَارَ إلَى الْبَيْتِ وَقَدْ زَالَ الْحَصْرُ لِيَتَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ تَحَلَّلَ وَبَقِيَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ قَابِلٍ أَوْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَامِهِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُطْلَقِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَامٍ بِعَيْنِهِ فَهَذَا يَسْقُطُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَيَوْمَ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَإِنْ سَارَ إلَى مَكَّةَ بِنِيَّةِ الْبَقَاءِ إلَى قَابِلٍ فَلَهُ نَفَقَةُ سَيْرِهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مُقَامِهِ بِمَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الَّذِي أَمْكَنَهُ فِيهِ التَّحَلُّلُ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ وَيَذْهَبُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا سَارَ فِيهِ إلَى مَكَّةَ فَيَكُونُ لَهُ النَّفَقَةُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ سَارَ إلَى مَكَّةَ بِنِيَّةِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي سَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَارَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ لَمَّا تَأَخَّرَ تَحَلُّلُهُ عَنْ مَوْضِعِ الْحَصْرِ فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ خَرَجَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَحَلَّلَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ بِالْحَجِّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ وَنَفَقَتُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ إلَى الْمِيقَاتِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِحُكْمِ الْعِبَادَةِ لَا بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ فِيهِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ مُحْرِمًا انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَأَمَّا إنْ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى الْجَعَالَةِ ثُمَّ أُحْصِرَ فَإِنْ تَحَلَّلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فَإِنْ تَمَادَى وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ وَإِنْ أَقَامَ إلَى قَابِلٍ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ حَجُّ عَامِهِ فَهُوَ عَلَى عَقْدِهِ وَإِنْ شُرِطَ عَلَيْهِ فَقَدْ سَقَطَ الْعَقْدُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ((قُلْتُ)) : وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاسْتُؤْجِرَ مِنْ الِانْتِهَاءِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَجِيرَ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ إكْمَالِ حَجِّهِ أَوْ صُدَّ عَنْ الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ وَقُلْنَا: إنَّ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ

بِحَسَبِ مَا سَارَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ أَوْ وَرَثَتَهُ يَسْتَأْجِرُونَ مَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ الْأَجِيرُ الْأَوَّلُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطٌ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَجِيرَ إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا فَإِنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْهَدْيُ عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَبِيعٍ مَجْهُولٍ صِفَتُهُ ضُمَّ إلَى الْإِجَارَةِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ فَتَمَتَّعَ فَإِنَّ الْهَدْيَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ تَمَتَّعَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَقُلْنَا: يُجْزِئُهُ كَانَ الْهَدْيُ عَلَيْهِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ سَبَبَ إيجَابِهِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَى إذْنٍ ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ: فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ دَمَ التَّمَتُّعِ وَشِبْهَهُ فَهَذَا فِي حُكْمِ مَبِيعٍ ضُمَّ إلَى الْإِجَارَةِ فَإِنْ لَمْ تُضْبَطْ صِفَتُهُ وَأَجَلُهُ لَمْ يَجُزْ انْتَهَى. فَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَأَتَى بِالْكَافِ لِيَدْخُلَ هَدْيُ الْقِرَانِ وَيُقَيَّدُ عَدَمُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا لَمْ تُضْبَطْ صِفَةُ الْهَدْيِ وَأَجَلُهُ فَإِنْ ضُبِطَ ذَلِكَ جَازَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْهَدْيَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالثَّمَنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ فِي الْأُجْرَةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ: نَبَّهَ بِقَوْلِهِ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَى أَنَّ هَدْيَ الْقِرَانِ وَجَزَاءَ الصَّيْدِ وَفِدْيَةَ الْأَذَى كَذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَهَذَا لَا يَصِحُّ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَجِيرِ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مَضْمُونَةً وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْبَلَاغِ فَإِنْ تَعَمَّدَ سَبَبَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ أَوْ خَطَأٍ كَانَ فِي الْمَالِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي صِفَةِ الْبَلَاغِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ فَتَرَكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ فَإِنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ إنْ كَانَتْ عَنْ نَفْسِهِ أَجْزَأَتْ فَهِيَ تُجْزِئُ عَنْ الْمَيِّتِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَهُ لِضَرُورَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامَ مِنًى حَتَّى رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ أَوْ أَصَابَهُ أَذًى فَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ كَانَتْ الْفِدْيَةُ وَالْهَدْيُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْبَلَاغِ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِتَعَمُّدِهِ فَهُوَ فِي مَالِهِ فَأَمَّا إنْ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى الْإِجَارَةِ فَكُلُّ مَا لَزِمَهُ بِتَعَمُّدٍ أَوْ خَطَأٍ فَهُوَ فِي مَالِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَبِيرِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ: وَهَذَا وَاضِحٌ إلَّا أَنَّهُ مَتَى حُمِلَ عَلَى هَذَا خَالَفَ ظَاهِرَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ لَازِمًا لَهُ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَضُرُّهُ الِاشْتِرَاطُ انْتَهَى. ((قُلْتُ)) : فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ الْمَأْذُونِ فِيهِمَا فَقَطْ وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِ عَائِدًا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِكَسْرِ الْجِيم وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ وَالْكَلَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي حَجِّ النَّائِبِ نَقْصٌ يُوجِبُ الْهَدْيَ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي إجْزَاءِ الْحَجِّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ مَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَجَّةٌ صَحِيحَةٌ وَمَا جَازَ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالنَّذْرِ وَأَجْزَأَ هُنَا إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ فِي مُرَاعَاةِ الْمَسَافَةِ وَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُهُ وَإِنْ أَخَلَّ بِهِ وَجَبَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَمَا عَلَيْهِ بَعْدَهُ إلَّا الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَسَوَاءٌ فَعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ دَمًا أَوْ لَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْبُرُ الْخَلَلَ إلَّا فِي إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنْ جَامَعَ فِي الْحَجِّ فَأَفْسَدَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تُرَدُّ النَّفَقَةُ وَيُتِمُّ مَا هُوَ فِيهِ وَيَحُجُّ ثَانِيًا لِلْفَسَادِ مِنْ مَالِهِ وَيُهْدِي ثُمَّ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَإِنْ شَاءُوا آجَرُوا غَيْرَهُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ انْتَهَى. وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - بَقِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ عَلَى مَسْأَلَةِ إفْسَادِ الْأَجِيرِ الْحَجَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفُسِخَتْ إنْ عَيَّنَ الْعَامَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: فِيمَنْ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى الْبَلَاغِ وَأَفْسَدَ حَجَّهُ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ يَغْرَمُ

الْمَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْمَالُ فَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ دُفِعَ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ إمَّا عَلَى الْإِجَارَةِ وَإِمَّا عَلَى الْبَلَاغِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْسَدَهُ بِالْإِنْزَالِ وَقَوْلُهُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ يَعْنِي بَعْدَ إتْمَامِهِ الْفَاسِدِ وَقَضَائِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ وَيُعَيَّنُ الْأَوَّلُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ فِي الْعَقْدِ الْعَامُ الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ الْأَجِيرُ وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا فِي سَائِرِ عُقُودِ الْإِجَارَةِ إذَا وَقَعَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَتُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ زَمَنٍ يُمْكِنُ وُقُوعُ الْفِعْلِ فِيهِ ابْنُ شَاسٍ وَالْقَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. فَإِذَا صُحِّحَتْ الْإِجَارَةُ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْعَامِ الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ الْأَجِيرُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ فِي أَوَّلِ عَامٍ يُمْكِنُهُ الْحَجُّ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ فِيمَا بَعْدَهَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ) ش: لَيْسَ هَذَا بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعَيَّنْ الْعَامُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنَّ الْإِجَارَةَ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ الْعَامُ الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً فِي أَيِّ عَامٍ شَاءَ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الْبِسَاطِيُّ وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ إلَّا بِتَعْيِينِ السَّنَةِ وَقَوْلُهُ خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى حَجَّةٍ مُقَاطَعَةٍ فِي غَيْرِ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ ذَكَرَ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامٍ لَا بِعَيْنِهِ قَالَ: فَإِنَّ الْإِجَارَةُ ثَابِتَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مُخَالِفَةِ الْأَجِيرِ إنْ خَالَفَ الْأَجِيرُ فَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حَجَّةٍ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَمَّا إنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ فِي عَامٍ لَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ ثَابِتَةٌ وَيُؤْمَرُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى عَمَّنْ اسْتَأْجَرَهُ انْتَهَى. فَجَعَلَ الْإِجَارَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي تَقْدِيمِ الْإِجَارَةِ: وَالْمَضْمُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: ضَمَانٌ بِالسَّنَةِ وَهُوَ كَوْنُهَا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ إذَا فَاتَتْهُ هَذِهِ السَّنَةُ يَأْتِي فِي سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَضَمَانٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجِيرِ فَإِذَا مَاتَ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَحُجُّ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ هُوَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَقَالَ مَا نَصُّهُ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى حَجَّةٍ وَلَا يُسَمِّيَ أَيَّ سَنَةٍ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَلَى الْحُلُولِ فَإِنْ أَفْسَدَهَا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ أَوْ حُصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ أَخْطَأَ عَدَدًا حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا أَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعَيَّنْ الْعَامُ فَلَا يَكُونُ قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ كَلَامِ التَّادَلِيِّ وَإِذَا مَشَيْنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَأْجَرُ عَلَى أَنْ يَحُجَّ فِي سَنَةِ كَذَا وَيُفْسَخُ لَهُ فِي قَضَائِهِ فِي عَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ وَحَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى عِزَّاوِيٍّ وَفُضِّلَ تَعْيِينُ الْعَامِ الَّذِي يَحُجُّ فِيهِ عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ وَفِيهِ بُعْدٌ وَكَأَنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ التَّكْرَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى الْجَعَالَةِ) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْجُعْلِ بِشَرْطٍ إلَى الْمَجْعُولِ لَهُ وَإِنْ تَطَوَّعَ الْجَاعِلُ بِدَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ انْتَهَى. وَهَذَا جَارٍ عَلَى حُكْمِ الْجُعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَجَّ عَلَى مَا فَهِمَ وَجَنَى إنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَمَشَى) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي السُّلَيْمَانِيَّة وَنَصُّهَا عَلَى مَا فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ: قَالَ: لَا يَتَعَيَّنُ لِمَنْ أَخَذَ الْحَجَّةَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ

الْجِمَالِ وَالدَّوَابِّ إلَى مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَرْكَبُ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ وَلَا يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ وَيَسْأَلَ النَّاسَ وَهَذِهِ خِيَانَةٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمَيِّتُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ وَالْعَادَةُ الْيَوْمَ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَصْنَعَ بِهِ مَا أَحَبَّ وَيَحُجَّ مَاشِيًا وَكَيْفَمَا تَيَسَّرَ لَهُ انْتَهَى. وَسَاقَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي إجَارَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَهِيَ قِسْمَانِ قِسْمٌ بِمُعَيَّنٍ فَيَمْلِكُ قَوْلَهُ فَيَمْلِكُ أَيْ يَضْمَنُهُ وَيَكُونُ الْفَضْلُ لَهُ وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَمْلِكُ أَيْ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ كُلَّ مَا أَرَادَ قَالَ مَالِكٌ فِي السُّلَيْمَانِيَّة وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَنَحْوُهُ فِي مَنَاسِكِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي إجَارَةِ الْبَلَاغِ وَذَلِكَ ظَاهِرِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ سَاقَهَا إثْرَ الْكَلَامِ عَلَى إجَارَةِ الْبَلَاغِ وَقَوْلُهُ: وَهَذِهِ خِيَانَةٌ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْجِيمِ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى الضَّمَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهَا إنَّهَا خِيَانَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى الْبَلَاغِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ الْمَالِ قَدْرَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَأُجْرَةِ رُكُوبِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْبَلَاغُ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ) ش: قَوْلُهُ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ سَنَدٌ: إنَّ مَنْ أَخَذَ نَفَقَةً لِيَحُجَّ عَلَى الْبَلَاغِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِيهِ غَالِبًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا فَإِنْ أَخَذَ أَقَلَّ مِمَّا يَكْفِيهِ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ بِهِ كَانَ سَلَفًا وَإِجَارَةً وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَإِنَّمَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ وَسَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: مَعْنَى إجَارَةِ الْبَلَاغِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَلْزَمُهُ تَبْلِيغُ الْأَجِيرِ ذَهَابًا وَإِيَابًا بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ مِنْ مَوْضِعِ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ حُكْمَ الْوَكِيلِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا تَلِفَ بِغَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُ مَا فَضَلَ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: الثَّانِي مَضْمُونَةٌ وَفِيهَا يَتَعَيَّنُ قَدْرُ الْإِجَارَةِ وَصِفَةُ الْحَجَّةِ وَمَوْضِعُ الِابْتِدَاءِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهَا كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ يَلْزَمُ فِي عَقْدِهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْوَجْهِ الْمَعْمُولِ عَلَيْهِ وَالْمَعْمُولِ بِهِ مَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ أُجْرَةٍ وَيَصِحُّ عَقْدُهَا كَالْجُعْلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأُجْرَةَ لَزِمَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْحَجِّ لَزِمَهُ الْإِفْرَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ الْقِرَانُ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الِابْتِدَاءَ فَمِنْ مَحِلِّهِ إنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَلَاغِ وَالضَّمَانِ أَنَّ أَجِيرَ الْبَلَاغِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَجِيرُ عَلَى الضَّمَانِ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمَالِ وَلِذَلِكَ يَكُونُ الْفَضْلُ لَهُ وَالتَّلَفُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ بِالْعُرْفِ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَأَمَّا أَوَّلًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ النَّفَقَةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِنَفَقَتِهِ جَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَضَى وَيُنْفِقُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُنْفِقُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِثْلُ الْكَعْكِ وَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَالثِّيَابِ وَالْوِطَاءِ وَالْخِفَافِ. ص (وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا) ش: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّعَمُّدِ حَتَّى يَثْبُتَ تَعَمُّدُهُ لِلْجِنَايَةِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّهُ: أَمَّا مَنْ أَخَذَ نَفَقَةً لِيَحُجَّ مِنْهَا فَيَرُدَّ مَا فَضَلَ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُهُ وَتَعَمُّدُهُ لِلْجِنَايَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْإِحْرَامُ مَضْمُونٌ فِي النَّفَقَةِ بِتَوَابِعِهِ فَيَكُونُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْهَدْيِ مُنْدَرِجًا تَحْتَ النَّفَقَةِ حَتَّى يَثْبُتَ تَعَمُّدُهُ لِلْجِنَايَةِ فَيَكُونُ فِي خَالِصِ مَالِهِ وَذَلِكَ بِمَثَابَةِ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ فَتَمَتَّعَ فَإِنَّ الْهَدْيَ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ تَمَتَّعَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَقُلْنَا يُجْزِيهِ كَانَ الْهَدْيُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَى إذْنٍ انْتَهَى. ص (وَاسْتَمَرَّ إنْ فَرَغَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَجِيرَ

عَلَى الْبَلَاغِ إذَا فَرَغْت مِنْهُ النَّفَقَةُ فِي الْمُؤَنِ وَالْأَكْرِيَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى الْمُضِيِّ إلَى مَكَّةَ وَإِكْمَالِ حَجَّتِهِ وَلَا يَرْجِعُ وَسَوَاءٌ كَانَ فَرَاغُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ قَالَ فِيهِ: وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ وَأَحْكَامَهُ بَاقِيَةٌ وَقَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ بَلْ لِقَوْلِهِ هُوَ فِي تَعْرِيفِ الْبَلَاغِ وَنَوْعٌ يُدْفَعُ لَهُ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا بِالْعُرْفِ وَيَغْرَمُ السَّرَفَ وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ وَيَرْجِعُ بِمَا زَادَ انْتَهَى. ص (أَوْ أَحْرَمَ وَمَرِضَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَجِيرَ عَلَى الْبَلَاغِ إذَا أَحْرَمَ ثُمَّ مَرِضَ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى عَمَلِهِ وَلَهُ نَفَقَتُهُ مَا أَقَامَ مَرِيضًا قَالَ سَنَدٌ لَهُ نَفَقَتُهُ الَّتِي كَانَتْ تَجِبُ لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْغَالِبِ وَالْمُتَعَاهَدِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْأَجِيرِ وَنَفَقَةِ الدَّابَّةِ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ قَدْرُ مَا كَانَ يَصْرِفُهُ فِي الصِّحَّةِ فِي أَكْلِهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ لِدَوَاءٍ وَنَحْوِهِ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِيمَا إذَا مَرِضَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا مَرِضَ الْأَجِيرُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَكَانَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَلَهُ نَفَقَتُهُ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا بِقَدْرِ نَفَقَةِ الصَّحِيحِ وَمَا زَادَ فَفِي مَالِهِ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ النَّفَقَةُ فِي إقَامَتِهِ مَرِيضًا وَرُجُوعِهِ فَإِنْ تَمَادَى إلَى مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي تَمَادِيهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. ص (وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ) ش:. يَعْنِي وَإِنْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَرْجِعَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ النَّفَقَةُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ شَرْطٌ قَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ شَرْطٌ عَمِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ شَرْطٌ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: يَرْجِعُ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَالَ لَمَّا تَعَيَّنَ صَارَ كَأَنَّهُ مَحِلُّ الْعَقْدِ انْتَهَى. وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ فِي بَاقِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ أَوَّلًا جَمِيعَ الثُّلُثِ وَعَلَيْهِ رَاضُونَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الذَّهَابِ بَعْدَ ضَيَاعِ النَّفَقَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبَتْ فِيهِ النَّفَقَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُنْفِقُهُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَوْضِعِ ذَهَابِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَبِهَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا عَلَى الْأَجِيرِ وَبِهَا أَخَذَ ابْنُ يُونُسَ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. (فَرْعٌ) وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي ضَيَاعِ النَّفَقَةِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِي الضَّيَاعِ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ وَسَوَاءٌ أَظْهَرَ ذَلِكَ فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ وَلَوْ قِسْمٌ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ ثُلُثٌ فَذَلِكَ عَلَى الْعَاقِدِ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: فَإِنْ قَالُوا: لَهُ فِي الْعَقْدِ هَذَا جَمِيعُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ لَا شَيْءَ لَكَ غَيْرَهُ فِيمَا زَادَتْ نَفَقَتُك وَلَا تَرُدُّ شَيْئًا إنْ فَضَلَ فَهَذِهِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ

وَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنْ قَالُوا: إنْ فَضَلَ شَيْءٌ رَدَدْته وَإِنْ زِدْت شَيْئًا لَمْ تَرْجِعْ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ الْقِلَّةِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَهَذَا رَجُلٌ مُتَبَرِّعٌ بِالزَّائِدِ وَفَعَلَ مَعْرُوفًا وَكَذَا إنْ كَانَ يَقْطَعُ بِكِفَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَهُوَ غَرَرٌ يَسِيرٌ لَا يَنْفَسِخُ بِمِثْلِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ مِنْ جِهَتِهِ مُقَامَرَةٌ وَلَا يَرْجِعُ يَعْنِي الْأَجِيرَ إذَا ضَاعَتْ مِنْهُ النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إذَا ذَهَبَتْ النَّفَقَةُ قَبْلَ إحْرَامِهِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَالْإِرْشَادِ. ص (وَأَجْزَأَ إنْ قَدَّمَ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ) ش هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ فَعَزْوُهُ لِابْنِ رَاشِدٍ قُصُورٌ وَنَصُّ الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا أَتَى بِالْحَجَّةِ فِي مَوْسِمٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَفْسَخْ لَهُ الْوَصِيُّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يُجْزَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَعْجِيلِ دَيْنٍ يُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى اقْتِضَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِ الْمَوْسِمِ إلَّا إرَادَةَ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي عَقْدِ الْوَثِيقَةِ: اسْتَأْجَرَ فُلَانٌ إلَى أَنْ قَالَ: فِي مَوْسِمِ كَذَا ثُمَّ قَالَ: وَفَسَخَ لَهُ النَّاظِرُ فِي أَنْ يَكُونَ يُوَفِّي الْحَجَّ الْمَذْكُورَ فِي مَوْسِمٍ قَبْلَ الْمَوْسِمِ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُنَا يَأْتِي بِالْحَجَّةِ فِي مَوْسِمِ سَنَةِ كَذَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُفْتَرِقَةٌ إلَى أَجَلِهِ بِخِلَافِ الْجُعْلِ وَقَوْلُنَا بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ الْوَصِيَّ فَسَخَ لَهُ فِي أَنَّهُ إنْ قَضَى الْحَجَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ وَفَاءٌ لَهُ حَسَنٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ لَهُ قَضَاءَ الْحَجَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَقَالَهُ الْقَاضِي ابْنُ زَرْبٍ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُمْ وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَعَقَدَ بِذَلِكَ عَقْدًا وَقَالَ: أَدْرَكْت أَكْثَرَ شُيُوخِنَا بِالْأَنْدَلُسِ يُجِيزُونَ ذَلِكَ وَحَكَاهُ ابْنُ حَارِثٍ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ فَضْلٍ وَأَنَّهُ عَقَدَ بِهِ عَقْدًا انْتَهَى. ص (أَوْ تَرَكَ الزِّيَادَةَ وَرَجَعَ بِقِسْطِهَا) ش وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ بَعْدَ الْحَجِّ فَتَرَكَهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِسْطِ ذَلِكَ مِنْ الْإِجَارَةِ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَنَصُّهُ: وَقَوْلُنَا إنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَالْقَصْدَ إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْأَفْضَلُ فَإِنْ تَرَكَ مَعَ ذَلِكَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْقَصْدَ حَطَّ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا يَرَى انْتَهَى. ص (أَوْ خَالَفَ إفْرَادًا لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ) ش: قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ أَيْ لِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْزَاءِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ: إذَا قُلْنَا يُجْزِيهِ فَالْهَدْيُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ سَبَبَ ذَلِكَ كَدَمِ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ وَلَهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَلَا يُزَادُ فِيهَا لِزِيَادَتِهِ نُسُكًا وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْزِيهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَيَقَعُ ذَلِكَ نَافِلَةً لِلْمُسْتَأْجَرِ انْتَهَى. وَالْمُسْتَأْجَرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَلَا) ش: أَيْ وَإِنْ اشْتَرَطَ الْمَيِّتُ فَلَا يُجْزِئُهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَهُمَا: أَنْ يُخَالِفَ الْإِفْرَادَ إلَى التَّمَتُّعِ أَوْ إلَى الْقِرَانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ شَرْطَ الْمَيِّتِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إذَا خَالَفَهُ إلَى الْقِرَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ خَالَفَهُ إلَى تَمَتُّعٍ لَمْ تَنْفَسِخْ وَأَعَادَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَامُ مُعَيَّنًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ) ش: هَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ نَصَّ سَنَدٌ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِيهَا: الْأُولَى أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ التَّمَتُّعُ فَيَأْتِيَ بِالْقِرَانِ، الثَّانِيَةُ عَكْسُهَا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ فَيَأْتِيَ بِالتَّمَتُّعِ، الثَّالِثَةُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ فَيُفْرِدَ، الرَّابِعَةُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ التَّمَتُّعُ فَيُفْرِدَ وَذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ إلَّا إذَا خَالَفَ التَّمَتُّعَ إلَى الْإِفْرَادِ وَنَقَلَهَا الْقَرَافِيُّ عَنْ سَنَدٍ وَنَقَلَهَا عَنْ الْقَرَافِيِّ التَّادَلِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَزَادَ سَنَدٌ فِيمَا إذَا خَالَفَ التَّمَتُّعَ إلَى الْإِفْرَادِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ قَالَ: لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَتَنَاوَلُهُ ثُمَّ

قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: الْإِفْرَادُ عِنْدَكُمْ فَوْقَ التَّمَتُّعِ قُلْنَا: الْأُجْرَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِشَرْطِ الْإِجَارَةِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعُمْرَةِ فَحَجَّ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ الْقَرَافِيِّ إنْ أَفْرَدَ أَوْ قَرَنَ مِنْ شُرِطَ تَمَتُّعُهُ لَمْ يُجْزِهِ كَمَنْ حَجَّ عَنْ عُمْرَةٍ لَا أَعْرِفُهُ. ((قُلْتُ)) : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ. (تَنْبِيهٌ) صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ أَخَذَ مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ فَقَرَنَ يَنْوِي الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ نَافِلَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا خَالَفَ الْإِفْرَادَ إلَى التَّمَتُّعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. ص (أَوْ مِيقَاتُ شَرْطٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامَ مِنْ مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَصُّهُ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ فَمَضَى مِنْ طَرِيقِ الْيَمَنِ وَأَحْرَمَ مِنْ يَلَمْلَمَ أَوْ قَالُوا لَهُ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَمَرَّ هُوَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيَرُدُّ الْمَالَ فِي الْحَجِّ الْمُعَيَّنِ إنْ فَاتَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا مَا إذَا شَرَطُوا عَلَيْهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَتَعَدَّاهُ وَأَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الطِّرَازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَ لَهُمْ الْحَجَّةَ بِتَعَدِّيهِ وَخَرَّجَ فِيهِ قَوْلًا بِالْإِجْزَاءِ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَّةَ وَقَالَ: إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ زَادَ وَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ مَا جَاوَزَهُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ شَرْحُهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ مَفْهُومَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ شَرَطَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ وَلَكِنْ قُلْنَا: يَتَعَيَّنُ مِيقَاتُ الْمَيِّتِ فَخَالَفَهُ أَوْ تَعَدَّاهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَّةَ لَكِنَّ الْجَارِي عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَأَنَّ الْإِجْزَاءَ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي هَذَا الْمَعْنَى شَيْءٌ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ. ص (وَفُسِخَتْ إنْ عُيِّنَ الْعَامُ وَعُدِمَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ إذَا كَانَ الْعَامُ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ فِيهِ مُعَيَّنًا مِثْلُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ فِي عَامِ كَذَا وَكَذَا وَعُدِمَ الْحَجُّ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَحُجَّ الْأَجِيرُ فِيهِ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِأَحَدِ أَوْجُهِ الْفَوَاتِ أَوْ أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا إذَا أَفْسَدَهُ وَكَمَا فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ الْأَجِيرِ أَمَّا إذَا تَرَكَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَكَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الطِّرَازِ بِأَنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَالصَّبْرِ إلَى عَامٍ آخَرَ كَمَنْ أَسْلَمَ فِي الشَّيْءِ إلَى إبَّانِ مَعْلُومٍ فَفَاتَ الْإِبَّانُ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ يُخَيَّرُ فِي الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ إلَى إبَّانٍ آخَرَ قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مَضْمُونَةً خُيِّرَ الْوَرَثَةُ لِمَا وَقَعَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ خَرَّجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَفْسَدَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ وَقَالَ فِيمَا إذَا أَفْسَدَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الْفَاسِدِ وَيَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِ وَيُهْدِي ثُمَّ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ وَإِنْ شَاءُوا آجَرُوا غَيْرَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْمَيِّتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ الْمَازِرِيِّ وَذَكَرَهُ حَرَامٌ قَالَ: إذَا مَرِضَ الْأَجِيرُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَكَانَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَلَهُ نَفَقَتُهُ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا بِقَدْرِ نَفَقَةِ الصَّحِيحِ وَمَا زَادَ فِي مَالِهِ ثُمَّ رَدَّهُ بِمَا يَطُولُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْمَيِّتِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِفَاعِلِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجًّا وَجَبَ عَنْهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِ تَخْيِيرِ الْوَرَثَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ

قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النَّفَقَةَ وَيُبْقِيَ عَلَى الْإِجَارَةِ حَتَّى يَقْضِيَ هَذَا حَجَّهُ الْفَاسِدَ وَأَمَّا مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ نَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحَسَبِ مَا سَارَ وَتَنْفَسِخُ الْأُجْرَةُ فِيمَا بَقِيَ إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَامٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْجَارِي عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَلَيْهِ الْبَقَاءَ إلَى قَابِلٍ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَقَاءُ لِقَابِلٍ وَأَمَّا إذَا فَعَلَ الْأَجِيرُ مَا لَا يُجْزِئُ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ السَّبْعِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِلَّا فَلَا كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ إلَى قَوْلِهِ: مِيقَاتًا شُرِطَ فَقَدْ نَصَّ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّهُ إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا خَالَفَ الْمِيقَاتَ الْمُشْتَرَطَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَلَهُ الْبَقَاءُ إلَى قَابِلٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَارِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ فَيَكُونُ لَهُ الْبَقَاءُ إلَى قَابِلٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْفَسْخِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِيمَا إذَا فَسَدَ حَجُّهُ وَهُوَ أَنَّ الْوَرَثَةَ بِالْخِيَارِ فِي الْفَسْخِ وَالْبَقَاءِ إلَى قَابِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَغَيْرِهِ أَوْ قَرَنَ أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ وَأَعَادَ إنْ تَمَتَّعَ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ إنْ عُيِّنَ الْعَامُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ الْعَامُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ السَّبْعِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ نَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَغَيْرِهِ يَعْنِي أَوْ قَرَنَ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ إذَا خَالَفَ إلَى الْقِرَانِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَمَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إذَا كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ كَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَلَكِنَّهُ خَالَفَ إلَى الْقِرَانِ وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ: الْأُولَى إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَقَرَنَ، الثَّانِيَةُ إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ التَّمَتُّعُ فَقَرَنَ أَمَّا الْأُولَى فَقَدْ نَصَّ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِيهَا فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَخَالَفَهُ فَقَرَنَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا وَإِنْ خَالَفَهُ بِتَمَتُّعٍ لَمْ تَنْفَسِخْ وَأَعَادَ إذَا كَانَ الْعَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ انْتَهَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِيهَا وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حُكْمَهَا وَحُكْمَ الْأُولَى سَوَاءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي الطِّرَازِ فِي آخِرِ بَابِ النِّيَابَةِ إذَا أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَصَرَفَ إحْرَامَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجِزْهُ عَنْ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ حَجِّ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالْعَمَلِ نَفْسَهُ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً فِي عَمَلٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ عَمَلَ الْإِجَارَةِ انْتَهَى. وَحَمْلُ الشَّيْخِ بَهْرَامَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا بَعِيدٌ مِنْ اللَّفْظِ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَعَادَ إنْ تَمَتَّعَ فَيَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ مَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ إلَى التَّمَتُّعِ وَكَانَ الْعَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ وَيُعِيدُ الْحَجَّ فِي عَامٍ آخَرَ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ: الْأُولَى أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَيُخَالِفَ إلَى التَّمَتُّعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ وَأَنَّهُ يُعِيدُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ فَيَتَمَتَّعَ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ فِيهَا بِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُمَا سَوَاءٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ بِأَنَّ عَدَاءَ الْقَارِنِ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ فِي النِّيَّةِ فَلَا يُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ فَلِهَذَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِعَادَةِ وَعَدَاءُ الْمُتَمَتِّعِ ظَاهِرٌ فَلِهَذَا مُكِّنَ مِنْ الْعَوْدِ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَوْ رَاعَيْنَا أَمْرَ النِّيَّةِ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ ذَكَرَ فَرْقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ جِدًّا. (قُلْت) : وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَفُسِخَتْ رَاجِعٌ إلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الَّتِي ذُكِرَ أَنَّ حَجَّ الْأَجِيرِ فِيهَا لَا يُجْزِئُ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يُفْعَلُ فِيهَا مِنْ الْحُكْمِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا وَعُدِمَ فِيهِ الْحَجُّ انْفَسَخَتْ

فرع قرن ينوي العمرة عن نفسه والحج عن الميت

الْإِجَارَةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَتَنْفَسِخُ إذَا خَالَفَ لِلْقِرَانِ لَا لِلتَّمَتُّعِ فَإِنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: وَعُدِمَ قُلْت: لَعَلَّهُ يُشِيرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى أَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ فَاتَ أَنْ يُؤْتَى بِالْحَجِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمُشْتَرَطِ إمَّا بِفَوَاتِ وَقْتِهِ أَوْ بِتَلَبُّسِهِ أَوْ بِالْإِحْرَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ كَمَا إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادُ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَقَرَنَ أَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ التَّمَتُّعُ فَقَرَنَ أَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ أَوْ التَّمَتُّعُ فَأَفْرَدَ أَوْ خَالَفَ الْمِيقَاتَ الْمُشْتَرَطَ وَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا شُرِطَ الْإِفْرَادُ فَأَتَى بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِيَحُجَّ بَعْدَهَا وَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا فَقِيلَ لَهُ: هَذَا لَا يُجْزِئُهُ فَعَادَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهَا وَحَجَّ مِنْهَا بِالْإِفْرَادِ فَيُجْزِئُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ فَتَمَتَّعَ فَتَأَمَّلْهُ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ وَاسْتَظْهَرَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَعِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ إذَا قَرَنَ كَغَيْرِهِ وَقَرَنَ بِالْوَاوِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّهُ بِأَوْ وَأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ يُفْسَخُ إنْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ أَوْ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ عَنْ الْمَيِّتِ فَيُجْزِئَهُ تَأْوِيلَانِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَا إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادُ فَتَمَتَّعَ وَجَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ عَنْ الْمَيِّتِ ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ عُمْرَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيمَنْ أَخَذَ مَالًا يَحُجُّ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ مِنْ بَعْضِ الْآفَاقِ فَاعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى كَمَا اُسْتُؤْجِرَ وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي تَأْوِيلِهَا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ وَأَرَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ مِنْهُ وَهَذَا تَأْوِيلُ بَعْضِ شُيُوخِ ابْنِ يُونُسَ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ أَجْزَأَهُ وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ وَارْتَضَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَبُو إِسْحَاقَ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ عَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ بَلْ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ بَلْ لَا خِلَافَ، قَوْلٌ آخَرَ إنَّهُ يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاسْتَبْعَدَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَهُوَ مَحِلُّ التَّأْوِيلَيْنِ. (تَنْبِيهٌ) إذَا قُلْنَا: يُجْزِئُهُ وَكَانَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي شَرْطِ كَوْنِهَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَدَمُ الْمُتْعَةِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ قَالَ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ يَعْنِي لِمَا أَدْخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْصِ التَّمَتُّعِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَ مَا بَعُدَ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْزِئُهُ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَلَا تَنْفَسِخُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَنَدٌ وَغَيْرُهُمْ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْزِئُهُ بَلْ يُعِيدُ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (قُلْت) : فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَخَذَ مَالًا يَحُجُّ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ مِنْ بَعْضِ الْآفَاقِ أَنْ لَا يَأْتِيَ مَكَّةَ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ جَاءَ قَبْلَ شَهْرِ الْحَجِّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ قَرَنَ يَنْوِي الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ] (فَرْعٌ) وَأَمَّا لَوْ قَرَنَ يَنْوِي الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الْإِعَادَةِ أَوْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ. ((قُلْتُ)) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامُ مُعَيَّنًا وَأَمَّا فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ فَتَنْفَسِخُ وَالْجَارِي عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي قَوْلَهُمْ: إنَّ عَدَاءَ الْقَارِنِ خَفِيٌّ

الْفَسْخَ مُطْلَقًا وَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ: فَلَوْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي الْقِرَانِ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ فَأَذِنُوا لَهُ لَمْ يَصْرِفْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ وَفَّاهُمْ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكٌ فِي طَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ فِي رَجُلٍ حَجَّ عَنْ رَجُلٍ وَاعْتَمَرَ عَنْ آخَرَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ: إنَّ دَمَ الْقِرَانِ عَلَى الْمُعْتَمِرِ فَرَأَى أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا صَحَّحَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ وَإِرْدَافَهُ عَلَى الْحَجِّ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِحْرَامَانِ حَالَ الِاجْتِمَاعِ كَمَا يَتَحَقَّقَانِ حَالَ الِانْفِرَادِ فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا جَازَتْ عَلَيْهِ مُجْتَمِعًا انْتَهَى. وَإِذَا اسْتَأْذَنَهُمْ فِي التَّمَتُّعِ بِعُمْرَةٍ لَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ص (وَمُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ، وَإِلَّا كُرِهَ) ش يَعْنِي أَنَّ اسْتِنَابَةَ الصَّحِيحِ الْقَادِرِ فِي الْفَرْضِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَتُفْسَخُ إذَا عُثِرَ عَلَيْهَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: أَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ الْقَادِرَ عَلَى الْحَجِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي مَرَضِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَطَوُّعِهِ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ وَقَعَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ فَرْحُونٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُخَصِّصُ الصِّحَّةَ بِالْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَرْجُوٍّ صِحَّتُهُ وَلِأَشْهَبَ إنْ آجَرَ صَحِيحٌ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لَزِمَ بِلَا خِلَافٍ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا تَصِحُّ مِنْ قَادِرٍ اتِّفَاقًا، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ قَالَ: لَا تَصِحُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَجَعَلَ الْقَوْلَ بِاللُّزُومِ لِأَشْهَبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ أَشْهَبَ فِي النَّافِلَةِ عَنْ الصَّحِيحِ، وَلَكِنَّ سِيَاقَهُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَدُلَّ أَنَّهُ فَهِمَ كَلَامَ أَشْهَبَ فِي الْفَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَرْجُوَّ الصِّحَّةِ كَالصَّحِيحِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا كُرِهَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ ثَلَاثُ صُوَرٍ اسْتِنَابَةُ الصَّحِيحِ فِي النَّفْلِ، وَاسْتِنَابَةُ الْعَاجِزِ فِي الْفَرْضِ، وَفِي النَّفْلِ لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ هُنَا إلَّا صُورَتَانِ؛ لِأَنَّ الْعَاجِزَ لَا فَرِيضَةَ عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ حَكَى فِي جَوَازِ اسْتِنَابَتِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ: عَدَمُ الْجَوَازِ الَّذِي يُكْرَهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْجَلَّابِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَرَاهَةُ بَلْ الْمَنْعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ انْتَهَى. وَمَا قَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَنَقَلَ الْكَرَاهَةَ عَنْ الْجَلَّابِ وَاعْتَرَضَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي حَمْلِهِ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَالَ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ

فرع الاستنابة في العمرة

الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَنْعِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ: لَا يَجُوزُ وَلَفْظُ: لَا يَجُوزُ يَنْفِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي سَنَدٍ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إنَّمَا هُوَ بِالْكَرَاهَةِ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ الْوَاضِحَةِ لَفْظَ لَا يَجُوزُ إنَّمَا نَقَلَ لَا يَنْبَغِي ثُمَّ لَمَّا أَنْ أَخَذَ يُوَجِّهُ الْأَقْوَالَ، قَالَ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ، وَذَكَرَهُ فَهُوَ مُسَاعِدٌ لِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْعُمْرَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ: وَالْكَلَامُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْكَلَامِ فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَنَصُّهُ فِي بَابِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ: وَسُئِلَ هَلْ كَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ أَنْ يَعْتَمِرَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إذَا كَانَ لَا يُوَسِّعُ فِي الْحَجِّ، قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، وَهُوَ رَأْيٌ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِقَوْلِهِ: إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَعْتَمِرُ عَنْهُ، وَلَا عَنْ مَيِّتٍ، وَلَا عَنْ حَيٍّ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْكَلَامِ فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَشَأْنُهُمَا وَاحِدٌ فَمَا جَازَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ جَازَ فِي الْعُمْرَةِ، وَمَا مُنِعَ مُنِعَ انْتَهَى. (قُلْتُ) فَلَا يَكُونُ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي الْعُمْرَةِ إلَّا الْكَرَاهَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ صَحِيحًا أَوْ عَاجِزًا اعْتَمَرَ أَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَحَسَنَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ مَعْرُوفٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِأُجْرَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهَا وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ رَأَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الْخِلَافِ: الْفَرْقُ بَيْنَ النِّيَابَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ أَنَّ النِّيَابَةَ وُقُوعُ الْحَجِّ مِنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْهُ وَمَعْنَى الِاسْتِنَابَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ مِنْ الْغَيْرِ فَقَطْ يُرِيدُ بِالْغَيْرِ الْمُسْتَنِيبَ انْتَهَى. ص (وَإِجَارَةٌ لِنَفْسِهِ) ش: هُوَ أَتَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ إجَارَةَ نَفْسِهِ مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَطِيعًا أَمْ لَا فَانْظُرْهُ. ص (وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ) ش: يَعْنِي أَنَّا، وَإِنْ قُلْنَا الِاسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُبِيحُ الْمَمْنُوعَ قَالَ: وَيُصْرَفُ الْقَدْرُ الْمُوصَى بِهِ فِي هَدَايَا، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: يُصْرَفُ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَ صَرُورَةً أَوْ غَيْرَ صَرُورَةٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ صَرُورَةً نَفَذَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَمْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ، وَإِنْ كَانَ صَرُورَةً عَلَى الْأَصَحِّ فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ يَقُولُ يَلْزَمُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الضَّرُورَةِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا أَوْصَى بِمَالٍ وَحَجٍّ فَإِنْ كَانَ صَرُورَةً فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَتَحَاصَّانِ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُقَدِّمُ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: وَالصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ مُبْدَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَلَا قُرْبَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَالَ مُبَدَّأٌ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ يَتَحَاصَّانِ فَفِي هَذِهِ قَوْلَانِ، وَفِي الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ انْتَهَى. وَمَحِلُّ ذِكْرِ هَذَا كِتَابُ الْوَصَايَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحُجَّ عَنْهُ حُجَجٌ إنْ وَسِعَ، وَقَالَ: يُحَجُّ بِهِ لَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ كُلِّهِ أَمَّا حَجَّةَ وَاحِدَةَ أَوْ حِجَجًا مُتَعَدِّدَةً إنْ كَانَ يَسَعُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الثُّلُثُ حِجَجًا أَوْ وَسِعَ، وَلَمْ يَقُلْ يُحَجُّ بِهِ بَلْ قَالَ: يُحَجُّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ وَالْبَاقِي يَرْجِعُ مِيرَاثًا

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ أَوْ تَطَوُّعِ غَيْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا سَمَّى الْمَيِّتُ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ يُحَجُّ بِهِ فَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِدُونِهِ أَوْ تَطَوُّعِ غَيْرِ وَاحِدٍ بِالْحَجِّ فَإِنَّ الْبَاقِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ مِيرَاثًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْمَيِّتُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا سَمَّى الْمَيِّتُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُحَجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ تَأْوِيلَانِ) ش هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ وَتَطَوُّعِ غَيْرٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْمَالِ يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَلَا فُهِمَ مِنْهُ إعْطَاءُ الْجَمِيعِ فَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِدُونِ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ مَنْ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِالْحَجِّ وَقُلْنَا بِهِ يَرْجِعُ الْبَاقِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِيرَاثًا، وَالْمَالُ كُلُّهُ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَهَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ: الْمَيِّتُ يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا حَجَّةً أَوْ قَالَ: يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا أَوْ لَمْ يَقُلْ حَجَّةً أَوْ يَرْجِعُ مِيرَاثًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا إذَا قَالَ: الْمَيِّتُ يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا، وَلَمْ يَقُلْ حَجَّةً فَيُصْرَفُ فِي حِجَجٍ تَأْوِيلَانِ، وَيُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ سَمَّى قَدْرًا حُجَّ عَنْهُ بِهِ، فَإِنْ وَجَدُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِدُونِهِ كَانَ الْفَاضِلُ مِيرَاثًا إلَّا أَنْ يُفْهِمَ إعْطَاءَ الْجَمِيعِ هَذَا إنْ سَمَّى حَجَّةً، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُحَجُّ بِهِ حِجَجٌ، وَاخْتَلَفَ هَلْ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ أَوْ خِلَافٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ خِلَافٌ انْتَهَى. فَبَانَ لَكَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَلِّ كَلَامِهِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي تُسَاعِدُهُ النُّقُولُ، وَمَا عَدَاهُ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالَاتٌ يَدْفَعُهَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَتَرُدُّهَا النُّقُولُ إمَّا لِكَوْنِهَا مُخَالِفَةً لَهَا أَوْ لِعَدَمِ وُجُودِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ، وَلَمْ يُسَمِّ زِيدَ إنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثَهَا) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: أَحِجُّوا فُلَانًا، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي أُعْطِيَ مِنْ الثُّلُثِ قَدْرَ مَا يُحَجُّ بِهِ، فَإِنْ أَبَى الْحَجَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ إلَّا أَنْ يَحُجَّ بِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ: يُعْطَى مَا يَقُومُ بِهِ لِحَجِّهِ لِكِرَاءِ رُكُوبِهِ وَزَادِهِ وَثِيَابِ سَفَرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ السَّفَرِ وَكِرَاءِ سُكْنَاهُ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مُقَامِهِ حَتَّى يَحُجَّ، وَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يُعْتَادُ مِثْلُهُ، فَإِنْ انْقَضَتْ أَيَّامُ الرَّمْيِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ عَنْ الْمُوصِي إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ الشَّيْخُ. وَلَوْ قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا الْوَارِثَ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ

فرع عين الميت للحج عبدا أو صبيا

شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ انْتَهَى. ص (ثُمَّ أُوجِرَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ غَيْرُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ، وَإِنْ امْرَأَةً) ش: لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أُوجِرَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الْمَيِّتُ شَخْصًا يَحُجُّ عَنْهُ، وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُعْطِي، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ زِيدَ عَلَيْهَا قَدْرُ ثُلُثِهَا، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ تَرَبَّصَ بِهِ قَلِيلًا لَعَلَّهُ يَرْضَى، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ، فَإِنَّهُ يُسْتَأْجَرُ لِلْمَيِّتِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إنْ كَانَ صَرُورَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحُجُّ عَنْهُ وَيَرْجِعُ الْمَالُ مِيرَاثًا، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ كَانَ صَرُورَةً فَسَمَّى رَجُلًا بِعَيْنِهِ يَحُجُّ فَأَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ فَلْيَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ الَّذِي قَدْ حَجَّ إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ تَطَوُّعًا هَذَا إنْ أَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجَعَتْ مِيرَاثًا انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بَعْدَ أَنْ يُزَادَ مِثْلُ ثُلُثِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ التَّوْضِيحِ: وَلَوْ قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا عَنِّي فَأَبَى فُلَانٌ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ زِيدَ مِثْلُ ثُلُثِهَا، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا لَمْ يُزَدْ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتُؤْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ غَيْرُهُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ، وَلَمْ يَرْجِعْ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ فَرِيضَةً بِاتِّفَاقٍ أَوْ نَافِلَةً عَلَى قَوْلٍ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: غَيْرِ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ فَلَيْسَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ مَنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ عَنْ الْمَيِّتِ يَكُونُ غَيْرَ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ إلَّا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَرُورَةً، وَلَا يَحُجُّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُ الصَّرُورَةِ فَيَحُجُّ عَنْهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَحْوُهُ فِي أَبِي الْحَسَن الصَّغِيرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَكَانَ صَرُورَةً فَلَا يَحُجُّ عَنْهُ عَبْدٌ، وَلَا صَبِيٌّ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ الْمُوصِي قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَدْفَعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا، وَإِنْ أَوْصَى لَهُمَا أَمَّا إنْ ظَنَّ الْوَصِيُّ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ، وَقَدْ اجْتَهَدَ فَلَا يَضْمَنُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَمَنْ حَجَّ ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. زَادَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ فَغَايَةُ شَرْطِهِ التَّمْيِيزُ وَالْإِسْلَامُ انْتَهَى. فَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّمْيِيزِ وَكَأَنَّهُ لِلْخِلَافِ الَّذِي فِي صِحَّةِ حَجِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ أُنْفِذَ ذَلِكَ وَيَحُجُّ عَنْهُ مَنْ قَدْ حَجَّ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَجْزَأَ وَتَحُجُّ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ؛ إذْ لَا حَجَّ عَلَيْهِمْ، وَيَضْمَنُ الدَّافِعُ إلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ، وَقَدْ اجْتَهَدَ، وَلَمْ يَعْلَمْ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَزُولُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِجَهْلِهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يَعْنِي حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَحُجُّ عَنْهُ مَنْ قَدْ حَجَّ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يَعْنِي حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَحُجُّ عَنْهُ مَنْ قَدْ حَجَّ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ انْتَهَى. [فَرْعٌ عَيَّنَ الْمَيِّتُ لِلْحَجِّ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِذَا عَيَّنَ الْمَيِّتُ لِلْحَجِّ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أُنْفِذَ ذَلِكَ عَنْهُ حَسْبَمَا أَوْصَى بِهِ إنْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ سَيِّدُهُ وَلِلصَّبِيِّ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا رَجَعَتْ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ مِيرَاثًا وَاسْتُؤْنِيَ بِالصَّبِيِّ مِلْكُ نَفْسِهِ، فَإِنْ حَجَّ، وَإِلَّا رَجَعَتْ مِيرَاثًا هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ مَنْ لَا حَجَّ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ التَّطَوُّعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ لِفُلَانٍ حُرٍّ بَالِغٍ، فَإِنَّهُ إنْ أَبَى يَرْجِعُ مِيرَاثًا انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ خِلَافُ هَذَا وَنَصَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَوْصَى، وَهُوَ صَرُورَةٌ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ دَفَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا مَكَانَهُمَا، وَلَا يُنْتَظَرُ عِتْقُ الْعَبْدِ وَكِبَرُ الصَّبِيِّ قَالَ أَشْهَبُ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ يُوصِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ صَبِيٌّ فَلْيَنْفُذْ ذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الصَّبِيِّ مَضَرَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ وَصِيُّهُ أَوْ سَيِّدُ الْعَبْدِ تَرَبَّصَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَيِّسَ مِنْ عِتْقِ الْعَبْدِ وَبُلُوغِ الصَّبِيِّ، فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ فَأَبَيَا رَجَعَ

مِيرَاثًا انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْوَصَايَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُسْتَأْنَى عِتْقُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ لَكِنْ نَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَائِهِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ لَا يُسْتَأْنَى عِتْقُ الْعَبْدِ كَمَا يُسْتَأْنَى بُلُوغُ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ يُوصِي أَنْ يُشْتَرَى فَيُعْتَقَ هُنَا يُنْتَظَرُ لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ أَشْهَبُ، وَذَكَرَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِينَاءِ الْعَبْدِ حَتَّى يُؤَيِّسَ مِنْ عِتْقِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَهَذَا صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُنْتَظَرُ لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ كَذَلِكَ حُرْمَةُ الْحَجِّ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ لِبُلُوغِ الصَّبِيِّ حَدًّا، وَلَا حَدَّ لِعِتْقِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: رُبَّمَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَيْضًا سَفِيهًا، وَقَوْلُ أَشْهَبَ: حَتَّى يُؤَيِّسَ مِنْ عِتْقِ الْعَبْدِ وَبُلُوغِ الصَّبِيِّ، أَمَّا عِتْقُ الْعَبْدِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا بُلُوغُ الصَّبِيِّ فَكَيْفَ يُؤَيِّسُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأُنْفِذَ ذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَقَبَتُهُ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحُرِّيَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ، وَلَا عَلَى الْأَجِيرِ وَمَا لَمْ يَفُتْ مِنْ ذَلِكَ رُدَّ انْتَهَى. ص (وَلَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِدًا) ش: مَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِمَا غَيْرَ مُجْتَهِدٍ ضَمِنَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَمَّا إنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةٌ فِي التَّعْيِينِ أَوْ عَدَمِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَارُ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ وَقِيَاسُ الْإِجَارَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّعْيِينِ انْتَهَى. وَفِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ مَنْ يَسْتَأْجِرُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فِي الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَكَانَ مَرْغُوبًا فِيهِ لَعِلْمه وَصَلَاحِهِ تَعَيَّنَ، وَإِلَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي تَعْلِيقِ الْفِعْلِ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا الْإِشْهَادِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) ش: قَالَ سَنَدٌ إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ انْتَفَيَا، فَإِنْ قَبَضَ الْأُجْرَةَ فَهُوَ أَمِينٌ عَلَى مَا يَفْعَلُ، وَلَا تُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْإِجَارَةُ حَتَّى يَثْبُتَ خِيَانَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْأُجْرَةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ وَفَّى، وَلَا يُصَدَّقُ إنْ اُتُّهِمَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجَّةٍ) ش يَعْنِي أَنَّ وَارِثَ الْأَجِيرِ يَقُومُ مَقَامَهُ إذَا مَاتَ أَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مَضْمُونَةً فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ كَمَا قَالَ فِي قَوْلِ الْمُسْتَأْجَرِ: مَنْ يَأْخُذُ كَذَا فِي حَجَّةٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَّلِ بَابِ النِّيَابَةِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَوْتِ الْأَجِيرِ فَلَوْ كَانَ الْحَجُّ مَضْمُونًا، وَلَمْ يُشْتَرَطْ حَجُّهُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْمَالَ عَلَى حَجَّةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ يَأْخُذُ كَذَا فِي حَجَّةٍ؟ أَوْ مَنْ يَضْمَنُ لِي حَجَّةً بِكَذَا؟ وَلَمْ يُعَيِّنْ لِفِعْلِهَا أَحَدًا فَهَذَا إنْ مَاتَ، وَلَمْ يُحْرِمْ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ وَتَوْفِيَةِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ

وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا أَوْ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ عَنْ فُلَانٍ فَمَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَجُّ فَذَلِكَ فِي مَالِهِ حَجَّةٌ لَازِمَةٌ تَبْلُغُ مَا بَلَغَتْ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ مِنْ السِّلَعِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ إلَّا أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي مَالِهِ كَمَا فِي الْكِرَاءِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُحْرِمَ بِذَلِكَ إنْ لَمْ تَفُتْ السَّنَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَإِنْ فَاتَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَطِ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَلَا يَجْتَرِئُ بِمَا فَعَلَ الْمَيِّتُ، وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَضْمُونَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْوَقْتِ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ فَاتَ وَقْتُ الْوُقُوفِ فُسِخَ الْعَقْدُ وَرَدَّ بَاقِيَ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ الْوَارِثُ مِنْ قَابِلٍ وَرَضِيَ الْمُسْتَأْجَرُ جَازَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجَرُ الْفَسْخَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ حَجٌّ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ سَنَةً بِعَيْنِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَهُ أَنْ يَفْسَخَ لِتَأْخِيرِ الْحَجِّ عَنْهُ انْتَهَى. فَاَلَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَوَّلًا أَعْنِي قَوْلَهُ: إنْ لَمْ تَفُتْ السَّنَةُ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنْ فَاتَتْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْهُ فَلِذَا ذَكَرْتُ كَلَامَ الطِّرَازِ مِنْ أَصْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ، وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ) ش قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِغَيْرِ هَذَا يُهْدِي عَنْهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ أَوْ يُعْتِقُ قَالَ: لِأَنَّ ثَوَابَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ، وَثَوَابُ الْحَجِّ هُوَ لِلْحَاجِّ، وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ بَرَكَةُ الدُّعَاءِ، وَثَوَابُ الْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ بِمَا يَصْرِفُ مِنْ مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا بَعْدَهُ: وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالشَّاذُّ لَا تَنْفُذُ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ يَكُونُ الْحَجُّ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ؟ وَعَلَيْهِ نَزَلَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَحُجُّ عَنْهُ صَرُورَةً، وَلَا مَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ، فَاعْتِبَارُ الْمُبَاشَرَةِ لِلْحَجِّ يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ، وَإِنْ تَطَوَّعَ عَنْهُ أَحَدٌ فَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ انْتَهَى. وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ثَوَابَ الْحَجِّ لِلْحَاجِّ مَا قَالَهُ سَنَدٌ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ بَابِ النِّيَابَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُ الْمَعْضُوبَ الْغَنِيَّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَيَلْزَمُ الْأَجِيرَ أَنْ يَنْوِيَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمَعْضُوبِ ثُمَّ يَقَعُ الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ تَطَوُّعًا دُونَ الْمَعْضُوبِ، وَإِنَّمَا لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فِي إنْفَاقِ الْأَجِيرِ وَتَسْهِيلِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَإِنَّمَا قَالَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَا يَقُولُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْجَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ النِّيَابَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ بِنَحْوِ الْوَرَقَةِ: وَالْحَجُّ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْفَعَةٌ لِفَاعِلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَعْيُهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم: 40] {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} [النجم: 41] فَهُوَ يَرَى سَعْيَهُ وَيُجَازِيهِ أَوْفَى جَزَاءٍ، وَإِنَّمَا لِلْمُسْتَنِيبِ بِقَصْدِ اسْتِنَابَتِهِ وَإِعَانَتِهِ وَسَعْيِهِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَعْضُوبُ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ الْعَضْبِ، وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قَطَعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ، وَيُقَالُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَأَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى عَصَبِهِ فَانْقَطَعَتْ أَعْضَاؤُهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ فَالنِّيَّةُ تُجْزِئُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ مَقْصُودُهُ أَنَّ الْحَجَّ يَنْعَقِدُ عَنْ الْغَيْرِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَمَا يَنْعَقِدُ عَنْ الْمُحْرِمِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرُكْنُهَا الْإِحْرَامُ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَشَرْطِ صِحَّتِهِمَا وَشُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ، وَمَا انْجَرَّ إلَيْهِ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالْمُقَدِّمَاتِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَقَاصِدِ، وَهِيَ الْأَرْكَانُ وَلَمَّا كَانَتْ الْعُمْرَةُ تُشَارِكُ الْحَجَّ فِي ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا مُثَنًّى

لِلِاخْتِصَارِ فَقَالَ وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ ثُمَّ قَالَ: الطَّوَافُ لَهُمَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ ذَكَرَ الرُّكْنَ الرَّابِعَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْحَجُّ، وَهُوَ الْوُقُوفُ فَقَالَ: وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ الْإِحْرَامُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُونَ إنَّهُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَلَا يَنْجَبِرُ تَرْكُهُ بِشَيْءٍ وَأَمَّا الْوُقُوفُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِمَا نَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْقَبَّابُ وَنَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي الْإِكْمَالِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ الطَّحَاوِيُّ حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ نَابَ الدَّمُ مَنَابَهُ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ، وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى رُكْنِيَّةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيل عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ مَالِكٍ هِيَ قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ حَتَّى تَبَاعَدَ وَتَطَاوَلَ الْأَمْرُ فَأَصَابَ النِّسَاءُ أَنَّهُ يُهْدِي وَيُجْزِئُهُ فَفَهِمَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَفَهِمَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَعَدَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَفِي رَسْمٍ لَيَرْفَعَنَّ أَمْرَهُ إلَى السُّلْطَانِ، وَلَفْظُهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ الدَّمُ لِقَوْلِهِ: عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ تَقْدِيمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ بِعَرَفَةَ أَمَسُّ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْهُ أَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ: إذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى، وَلَمْ يَنْزِلْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ دَفَعَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ وَسَطَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالثَّالِثُ: إذَا نَزَلَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَقِفْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَنْزِلْ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَجَعَلُوا النُّزُولَ بِهَا أَوْكَدَ مِنْ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا: عَلَيْهِ الدَّمُ، وَقَالَ عَلْقَمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: إذَا لَمْ يَقِفْ بِالْمَشْعَرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ انْتَهَى. فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يُصَرِّحْ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ الدَّمِ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ: اُخْتُلِفَ فِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ أَمْ لَا؟ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فَهِمَ الْقَبَّابُ أَنَّ نَقْلَ اللَّخْمِيُّ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجُ قَالَ: لَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ، وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مَا فَهِمُوهُ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ بِمُزْدَلِفَةَ غَيْرُ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ بِرُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ وَعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ بِتَرْكِ النُّزُولِ، وَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَبِيتَ سُنَّةٌ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا دَمٌ، وَالْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ هَكَذَا نَقَلَ عَنْهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُمْ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ وَحَكَى فِي آخِرِ الْبَابِ

الثَّانِي عَشَرَ أَنَّ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ قَالَ: وَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ مُنْجَبِرٌ بِالدَّمِ إلَّا رَكْعَتِي الطَّوَافِ، وَالْفَرْضُ لَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى جَابِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ عَدَّهُمَا أَيْضًا ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَرَعَيْنَ، وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِجَمْعٍ فَاتَهُ الْحَجُّ وَيَجْعَلُ إحْرَامَهُ فِي عُمْرَةٍ إلَّا أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ تَعَالَى بِالذِّكْرِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الذِّكْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَجِبَ الْوُقُوفُ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي رَدَّهُ الطَّحَاوِيُّ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ ابْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَعَدَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا مِنْ الْأَرْكَانِ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَحَقِيقَةُ مَذْهَبِهِ أَنَّ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي أَيَّامِ مِنًى رُكْنٌ، فَإِنْ رَمَاهَا يَوْمَ النَّحْرِ تَحَلَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَرْمِهَا لَمْ يَتَحَلَّلْ، فَإِنْ رَمَى الْجِمَارَ ثَانِيَ يَوْمٍ تَحَلَّلَ بِرَمْيِ الْعَقَبَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُ نِيَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى زَالَتْ أَيَّامَ مِنًى بَطَلَ حَجُّهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَالْهَدْيُ صَرَّحَ بِهِ فِي الطِّرَازِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ قَبْلَ بَابِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَنِيَّةِ الْإِحْرَامِ، وَذَكَرَهُ فِي بَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ «إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» فَجَعَلَ رَمْيَهَا شَرْطًا فِي التَّحْلِيلِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَكَرَّرُ سَبْعًا فَتَكُونُ رُكْنًا كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ رُكْنِيَّتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد اُنْظُرْ الْمَقَاصِدَ الْحَسَنَةَ لِلسَّخَاوِيِّ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ بِلَفْظِ «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَعَزَاهُ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى قَبْلَ ذَلِكَ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رُكْنًا لَمَا فَاتَتْ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا كَالطَّوَافِ بِالسَّعْيِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا دَاوُد حَرَّفَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَتَكْرَارُهُ سَبْعًا لَا يُوجِبُ رُكْنِيَّتَهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْجِمَارِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْجِمَارِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الطَّوَافِ قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: وَحَكَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِوُجُوبِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا بِرُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَلَيْسَ النُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ رُكْنًا خِلَافًا لِبَعْضِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحَلْقُ لَيْسَ بِرُكْنٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحِلَاقَ رُكْنٌ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَحَدِ الْأَقْوَالِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ النِّيَّةَ، قَالَ شَارِحُهُ: جَمْعُ الْمُؤَلِّفِ بَيْنَ عَدِّ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ فَرِيضَةً وَعَدِّ الْإِحْرَامِ فَرِيضَةً أُخْرَى وَمَا رَأَيْتُهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعُدُّ النِّيَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُدُّ الْإِحْرَامَ، وَالْإِحْرَامُ يَشْتَمِلُ عَلَى التَّجَرُّدِ وَالْغُسْلِ وَالرُّكُوعِ وَالنِّيَّةِ وَلَيْسَ فِي الْجَمِيعِ مَا هُوَ فَرْضٌ غَيْرُ النِّيَّةِ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ اكْتَفَى غَيْرُهُ بِعَدِّ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَهُوَ الْبَيِّنُ انْتَهَى. وَقَدْ عَدَّ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْفُرُوضِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَالنِّيَّةَ مِنْ الْفُرُوضِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ فَرْضِيَّتُهَا، وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ قَالَ: ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ. ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ فَتَكُونُ كَالنِّيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَنْوِي مَا أَرَادَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يَعْنِي مَعَ التَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ بِمَثَابَةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْغُسْلُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَامَةُ، وَالرُّكُوعُ كَرَفْعِ

الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْفُرُوضِ دُخُولَ وَقْتِ الْحَجِّ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْوُقُوفِ فَيَشْتَرِطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَزَادَ التَّادَلِيُّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ عَلَى السَّعْيِ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى السَّعْيِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ طَوَافٍ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْمُسْتَقِلَّةَ تِسْعَةٌ ثَلَاثَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ، وَهِيَ السَّعْيُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَالْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ، وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُمَا لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ بَلْ الْأَوَّلُ: مُسْتَحَبٌّ، وَالثَّانِي: سُنَّةٌ أَوْ الْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي وَوَاحِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ فَقَطْ، وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ، وَالثَّانِي: مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا خَارِجَ الْمَذْهَبِ فَقَطْ، وَهُمَا النُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْحِلَاقُ وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ بَلْ سُنَّتَانِ أَوْ وَاجِبَتَانِ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَيْضًا إذَا أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الرُّكْنِيَّةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَلِيَكْثُرَ الثَّوَابُ؛ إذْ ثَوَابُ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ السُّنَّةِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَسِّمُهَا إلَى أَرْكَانٍ وَوَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَاجِبَاتٌ أَرْكَانٌ غَيْرُ مُنْجَبِرَةٍ وَوَاجِبَاتٌ غَيْرُ أَرْكَانٍ مُنْجَبِرَةٌ وَسُنَنٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَسِّمُهَا إلَى فُرُوضٍ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ أَوْ يَقُولُ مُسْتَحَبَّاتٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَسِّمُهَا إلَى فُرُوضٍ وَوَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ، وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ يُسَمِّي الْقِسْمَ الثَّانِيَ سُنَنًا مُؤَكَّدَةً أَوْ سُنَنًا وَاجِبَةً، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافٍ فِي الْعِبَارَةِ فَمَا يُسَمِّيهِ الْأَوَّلُ أَرْكَانًا يُسَمِّيهِ الثَّانِي وَاجِبَاتٍ أَرْكَانًا غَيْرَ مُنْجَبِرَةٍ وَيُسَمِّيهِ الْآخَرَانِ فُرُوضًا، مَا يُسَمِّيهِ الْأَوَّلُ وَالرَّابِعُ وَاجِبَاتٍ يُسَمِّيهِ الثَّانِي وَاجِبَاتٍ غَيْرَ أَرْكَانٍ مُنْجَبِرَةٍ وَيُسَمِّيهِ الْآخَرُ سُنَنًا أَوْ سُنَنًا مُؤَكَّدَةً أَوْ سُنَنًا وَاجِبَةً وَمَا يُسَمِّيهِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ سُنَنًا يُسَمِّيهِ الثَّالِثُ فَضَائِلَ أَوْ مُسْتَحَبَّاتٍ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ بَدَلٌ لَا دَمٌ، وَلَا غَيْرُهُ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٍ يَفُوتُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ بِسَبَبِ تَرْكِهِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ إمَّا بِتَرْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِتَرْكِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ، وَهُوَ النِّيَّةُ وَتَرْكُ التَّلْبِيَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ وَقِسْمٍ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَالْقَضَاءِ فِي قَابِلٍ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ فَأَتَمَّهُ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِاتِّفَاقٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُضَافُ إلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيُضَافُ إلَى ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ النُّزُولُ بِمُزْدَلِفَةَ وَقِسْمٍ لَا يَفُوتُ الْإِحْرَامُ بِتَرْكِهِ، وَلَكِنْ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِفِعْلِهِ، وَلَوْ صَارَ إلَى أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ لِيَفْعَلهُ، وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ بِاتِّفَاقٍ، وَالسَّعْيُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَطَوَافُ الْقُدُومِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِرُكْنِيَّتِهِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يُطَالَبُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَهَلْ يَأْثَمُ بِتَعَمُّدِ التَّرْكِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي التَّسْمِيَةِ بِالتَّأْثِيمِ وَعَدَمِهِ فَمَنْ يَرَى وُجُوبَهَا يَقُولُ بِالتَّأْثِيمِ لِتَارِكِهَا، وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهَا سُنَّةٌ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ: أَصْحَابُنَا يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَاجِبَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وُجُوبُ السُّنَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا هَلْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا أَوْ لَا أَوْ أَرَادُوا بِالْوُجُوبِ وُجُوبَ الدَّمِ وَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي مَحْضِ عِبَارَةٍ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْخِلَافُ عِنْدِي آيِلٌ إلَى عِبَارَةٍ مَحْضَةٍ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَالُوا فِي تَرْكِهِ دَمٌ انْتَهَى. وَأَمَّا التَّأْثِيمُ بِتَعَمُّدِ التَّرْكِ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عَصْرِيٌّ الطُّرْطُوشِيُّ

الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَاجِّ فِي مَنْسَكِهِ قَالَ فِيهِ: أَمَّا سُنَنُ الْحَجِّ فَمِنْهَا مَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ، وَلَا يَلْحَقُ مَأْثَمٌ بِالْقَصْدِ إلَى تَرْكِهِ كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا سُنَنٌ مُؤَكَّدَةٌ يَجِبُ فِعْلُهَا وَيَتَعَلَّقُ الْإِثْمُ مَعَ الْقَصْدِ إلَى تَرْكِهَا كَالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهَا ثَمَانِيَةً ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَصَدَقَ حَقِيقَةُ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ فَيَكُونُ كَالْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الشَّارِعَ خَصَّصَ كُلًّا مِنْهَا بِحُكْمٍ يَخُصُّهُ فَجَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَجَعَلَ هَذِهِ تُجْبَرُ بِالدَّمِ كَمَا أَنَّهُ خَصَّصَ بَعْضَ الْأَرْبَعَةِ بِأَنَّهُ يَفُوتُ الْحَجُّ بِهِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ، وَبَعْضُهَا بِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِسَبَبِ فَوْتِهِ، وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ، وَبَعْضَهَا بِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهِ، وَبِإِطْلَاقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ صَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْوَاجِبَاتُ الْمُنْجَبِرَةُ، وَقِيلَ: سُنَنٌ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: الْقِسْمُ الثَّانِي: وَاجِبَاتٌ لَيْسَتْ بِأَرْكَانٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالسُّنَنِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سُنَنًا مُؤَكَّدَةً، وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ التَّأْثِيمُ لَكِنْ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا هَلْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا أَمْ لَا، وَإِنْ أَرَادُوا بِالْوُجُوبِ وُجُوبَ الدَّمِ، فَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِالتَّأْثِيمِ، فَظَهَرَ إطْلَاقُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَالَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْخَامِسِ فِي الْمَقَاصِدِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: تَنْبِيهٌ: اصْطِلَاحُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ إلَّا فِي الْحَجِّ فَقَدْ خَصَّصَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَغَيْرُهُ اسْمَ الْفَرْضِ بِمَا لَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ فَقَالَ: فُرُوضُ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَاجِبٌ كَمَا خَصَّصَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي السَّهْوِ السُّنَّةَ بِمَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ فَجَعَلَهَا خَمْسَةً مَعَ أَنَّ سُنَنَ الصَّلَاةِ قَدْ عَدَّهَا صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَقَالَ يَسْجُدُ مِنْهَا لِثَمَانِيَةٍ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ حُلُولُو فِي شَرْح جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ مُتَرَادِفَانِ، قَالَ: وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ انْتَهَى. لَكِنْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ تَفْرِيقَ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ كَتَفْرِيقِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفَرْضَ مَا يَثْبُتُ بِقَطْعِيٍّ وَالْوَاجِبَ بِظَنِّيٍّ بَلْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِيجَابُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الدَّمَ فِي تَرْكِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَمَا أَوْجَبُوا السُّجُودَ فِي بَعْضِ سُنَنِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَظْهَرُ مِنْهَا لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِسُجُودِ السَّهْوِ، وَالْهَدْيُ إنَّمَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ خَاصَّةً فِيمَا نَعْلَمُهُ، وَفِي إلْحَاقِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْقِيَاسَ فَقَطْ بَلْ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ» ذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الْقِسْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٍ مُتَّفَقٍ عَلَى وُجُوبِ الدَّمِ فِيهِ، وَقِسْمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ، وَقِسْمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، فَالْأَوَّلُ: كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمُرِيدِ النُّسُكِ، وَتَرْكِ التَّلْبِيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ وَتَرْكِ الْجِمَارِ كُلِّهَا أَوْ حَصَاةً مِنْهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الرَّمْيِ، وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةً كَامِلَةً مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَتَرْكِ الْحِلَاقِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ يُطَوِّلَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ لِوَجَعٍ بِرَأْسِهِ لَكِنْ لَا إثْمَ مَعَ الْعُذْرِ وَتَأْخِيرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ السَّعْيِ أَوْ هُمَا مَعًا إلَى الْمُحَرَّمِ وَتَرْكِ الْبُدَاءَةِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَالدَّفْعُ مِنْ عَرَفَةَ نَهَارًا قَبْلَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ ثُمَّ لَمْ يُعَاوِدْهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَالْقِسْمِ الثَّانِي: كَتَرْكِ التَّلْبِيَةِ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ حَتَّى يَطُولَ أَوْ فَعَلَهَا فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَكَهَا عَلَى مَا شَهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ فِي هَذَا وَكَتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ لِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَتَرْكِ السَّعْيِ بَعْدَهُ وَتَرْكُهُمَا مَعًا كَتَرْكِ أَحَدِهِمَا مِنْ ذِي الْجِمَارِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ لِمَرَضٍ بِهِ، وَلَوْ رَمَى

عَنْهُ غَيْرُهُ، وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ حِينَئِذٍ وَكَتَرْكِ الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ لِلْقَادِرِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْهُ أَيْضًا وَتَرْكِ الْمَشْيِ فِي السَّعْيِ لِقَادِرٍ ثُمَّ لَمْ يُعِدْهُ أَيْضًا وَكَتَرْكِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ الْإِمَامِ نَهَارًا لِلْمُتَمَكِّنِ وَتَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْ الْجِمَارِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ لِمَرَضٍ بِهِ، وَلَوْ رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ، وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ حِينَئِذٍ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى جُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الرَّمْيِ وَتَرْكِ النُّزُولِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَتَرْكِ السَّعْيِ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَةَ وَتَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ وَالْقِسْمِ الثَّالِثِ: كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَنْ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ، وَلَا يُرِيدُ النُّسُكَ وَتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ نِسْيَانًا حَتَّى يَخْرُجَ لِعَرَفَةَ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ: وَهُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ انْتَهَى. وَتَرْكِ الْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ حَتَّى خَرَجَتْ أَيَّامُ مِنًى كَمَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَقْدِيمِ النَّحْرِ عَلَى الرَّمْيِ وَتَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى النَّحْرِ وَتَرْكِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ وَتَرْكِ الْخَبَبِ فِي السَّعْيِ وَتَفْرِيقِ الظُّهْرِ مِنْ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَأَمَّا الدَّمُ اللَّازِمُ لِتَرْكِ الْإِفْرَادِ فَلَيْسَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يَقُولُ: إنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِفْرَادِ يَقُولُ بِلُزُومِ الدَّمِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ مَا يُطَالَبُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا دَمَ، وَلَا إثْمَ، وَهُوَ كَثِيرٌ وَأَكْثَرُهُ مُسْتَحَبَّاتٌ كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لَهُ وَمُقَارَنَةِ التَّلْبِيَةِ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا سَيَأْتِي، وَتَكْرَارِ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ كُلِّ شَرَفٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ، وَأَنْ يُسْمِعَ بِهَا نَفْسَهُ، وَمَنْ يَلِيهِ، وَأَنْ تُسْمِعَ بِهَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَالدُّخُولِ مِنْ أَعْلَاهَا، وَقَطْعِ التَّلْبِيَةِ إذَا دَخَلَهَا، وَالْمُبَادَرَةِ لِلْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَالدُّخُولِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ تَقْبِيلِهِ فِي غَيْرِ الْأُولَى، وَاسْتِلَامِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ، وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ عِنْدَ الْخُرُوجِ لِلسَّعْيِ، وَالْخُرُوجِ لِلسَّعْيِ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ مِنْ بَابِ الصَّفَا أَوْ غَيْرِهِ، وَالصُّعُودِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَى أَعْلَاهُمَا إنْ أَمْكَنَ، وَالتَّوَجُّهِ عَلَيْهِمَا لِلْقِبْلَةِ، وَالسَّعْيِ مُتَطَهِّرًا، وَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَدْرَ مَا يُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ، وَالْغُسْلِ لِلْوُقُوفِ، وَالْوُقُوفِ رَاكِبًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَرْكَبُ فَعَلَى قَدَمَيْهِ، وَالِابْتِهَالِ بِالدُّعَاءِ، وَالذِّكْرِ، وَالدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَالْإِتْيَانِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَالْإِسْرَاعِ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَالدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَرَمْيِهِ الْعَقَبَةِ حِينَ وُصُولِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ لِلدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَتَتَابُعِ الرَّمْيِ وَلَقْطِ الْحَصَاةِ لَا كَسْرِهَا وَإِيقَاعِ الرَّمْيِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَشْيِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ وَالنُّزُولِ بِالْأَبْطَحِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، وَفِي مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ وَسَوْقِ الْهَدْيِ فِيهِ وَالْإِحْرَامِ فِي الْبَيَاضِ وَإِيقَاعِ أَعْمَالِهِ كُلِّهَا بِطَهَارَةٍ وَإِيقَاعِ رُكُوعِ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُفَصَّلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ عَلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى هِدَايَةَ السَّالِكِ الْمُحْتَاجِ إلَى بَيَانِ أَفْعَالِ الْمُعْتَمِرِ وَالْحَاجِّ فَمَنْ أَرَادَ الشِّفَاءَ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَفْعَالَ الْحَجِّ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِلَى الْمَحْظُورِ الْمُفْسِدِ وَالْمَحْظُورِ الْمُنْجَبِرِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ تَقْسِيمَ أَفْعَالِ الْحَجِّ إلَى الْمَحْظُورِ الْمُفْسِدِ وَالْمُنْجَبِرِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ مَشْرُوعًا فِيهِ، وَمَا عَدَاهُ فَيُعَدُّ مِنْ الْمَوَانِعِ كَمَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُفْسِدَةَ لِلصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا: إنَّهَا مِنْ أَفْعَالِهَا؟ انْتَهَى. وَاعْتَذَرَ ابْنُ رَاشِدٍ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْحَاجِّ وَأَضَافَ الْمَحْظُورَاتِ إلَى الْحَجِّ لِكَوْنِهَا وَاقِعَةً فِيهِ وَالْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى، مُلَابَسَةٍ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: الْفِعْلُ

الصَّادِرُ مِنْ الْحَاجِّ إمَّا مَطْلُوبُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: وَاجِبٌ وَغَيْرُهُ، وَالْوَاجِبُ قِسْمَانِ: رُكْنٌ وَغَيْرُهُ، وَمَطْلُوبُ التَّرْكِ: مُفْسِدٌ وَمُنْجَبِرٌ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعُدَّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ تَرْكَ اللِّبَاسِ وَالْحِلَاقِ وَالْوَطْءِ، وَإِزَالَةَ الْوَسَخِ، وَشِبْهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَاتٌ، وَتَقْسِيمُهُ لَيْسَ بِشَامِلٍ لِمَا يَصْدُرُ مِنْ الْحَاجِّ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الْأُمُورُ الْمَكْرُوهَةُ وَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ الْمَحْظُورَاتُ أَيْضًا. وَعُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ: أَمَّا الْإِحْرَامُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، أَمَّا الطَّوَافُ فَاتَّفَقَ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَمَّا السَّعْيُ فَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامِهِ إلَّا بِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ دَمٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَيَكُونُ عَنْهُ الدَّمِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ انْتَهَى. وَيَأْتِي فِيهَا الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى النِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ التَّلْبِيَةُ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ الْحِلَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْإِحْرَامُ مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ أَوْ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ الصَّلَاةِ كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ وَأَتْهَمَ وَأَمْسَى وَأَصْبَحَ إذَا دَخَلَ نَجْدًا أَوْ تِهَامَةَ وَالْمَسَاءَ وَالصَّبَاحَ؛ وَلِذَلِكَ يَتَنَاوَلُ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] الْفَرِيقَيْنِ انْتَهَى. مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ: الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] الْآيَةِ، وَالْحُرُمُ جَمْعُ مُحْرِمٍ، وَالْمُحْرِمُ مَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ، أَوْ فِي الْحُرُمَاتِ فَتَتَنَاوَلُ الْآيَةُ السَّبَبَيْنِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... فَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَظْلُومًا أَيْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ انْتَهَى. قَالَ التَّادَلِيُّ، وَفِيهِ دَرَكٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مُحْرِمًا لَيْسَ بِمُفْرَدِ حُرُمٍ إنَّمَا مُفْرَدُهُ حَرَامٌ. الثَّانِي: أَنَّ حُرُمًا مُطْلَقٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الْجَمْعِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْحُرُمُ جَمْعُ حَرَامٍ يُقَالُ: أَحْرَمَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَحَرَامٌ إذَا أَتَى الْحَرَمَ أَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَذَكَرَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: يُرِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ فَتُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُهُ إذَا كَانَتْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَحْمِلُهُ فَيَكُونُ مُجْمَلًا لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَالدَّلِيلُ هُنَا سِيَاقُ الْآيَةِ وَيُقَالُ: أَيْضًا فِي اللُّغَةِ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي ذِمَّةٍ وَحُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ، وَيُقَالُ أَيْضًا إذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ. وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ الْبَيْتَ الْمُتَقَدِّمَ، وَالْحُرْمُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَالتَّحْرِيمُ أَيْضًا الْإِحْرَامُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «كُنْتُ أُطَيِّبُهُ لِحِلِّهِ وَحَرَمِهِ» وَالْحُرْمَةُ مَا لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ وَكَذَا الْحُرْمَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَرْبَعَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَانَتْ الْعَرَبُ لَا تَسْتَحِلُّ فِيهَا الْقِتَالَ إلَّا حَيَّيْنِ خَثْعَمَ وَطَيْءٍ وَكَانَ الَّذِينَ يَنْسَئُونَ الشُّهُورَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ يَقُولُونَ: حَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ الْقِتَالَ فِي هَذِهِ الشُّهُورِ إلَّا دِمَاءَ الْمُحِلِّينَ، وَهِيَ: رَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ عَدِّهَا قِيلَ: كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: مِنْ الْمُحَرَّمِ لِتَكُونَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْحِكْمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فِي تَفْرِقَتِهَا كَذَلِكَ لِتَصِيرَ وِتْرًا، فَإِنَّهُ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحِرْمُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَالْحَرَامِ وَقُرِئَ وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَيْ وَاجِبٌ وَالْحِرْمَةُ بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ أَيْضًا الْغُلْمَةُ بِالضَّمِّ، وَهِيَ شَهْوَةُ الْجِمَاعِ، وَفِي الْحَدِيثِ «الَّذِينَ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ يُبْعَثُ عَلَيْهِمْ الْحِرْمَةُ وَيُسْلَبُونَ الْحَيَاءَ» وَالْحُرْمَةُ أَيْضًا: الْحِرْمَانُ، وَالْمُحْرِمُ: مَنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا، وَالْمَحْرُومُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُحَارِبُ انْتَهَى. مِنْ الصِّحَاحِ بِالْمَعْنَى، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ اللُّغَةِ، أَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ

ابْنُ عَرَفَةَ اسْتَشْكَلَ عِزُّ الدِّينِ مَعْرِفَتَهُ وَأَبْطَلَ كَوْنَهُ التَّلْبِيَةَ بِعَدَمِ رُكْنِيَّتِهَا وَكَوْنِهِ النِّيَّةَ بِأَنَّهَا شَرْطُ الْحَجِّ وَعَرَّفَهُ تَقِيُّ الدِّينِ بِأَنَّهُ الدُّخُولُ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَالتَّشَاغُلُ بِأَفْعَالِهِمَا وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَا يَدْخُلُ بِهِ النِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ وَالتَّوَجُّهُ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ، وَالْأَوَّلَانِ لَهُ، وَالْوَاجِبُ مِنْهُمَا النِّيَّةُ فَقَطْ، وَغَيْرُ الْوَاجِبِ لَا يَكُونُ رُكْنَ الْوَاجِبِ، وَيُرَدُّ بِوُجُوبِ التَّوَجُّهِ مُطْلَقًا لِتَوَقُّفِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ لِلْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ الصَّقَلِّيّ وَالْقَاضِي هُوَ اعْتِقَادُ الدُّخُولِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (قُلْتُ:) إنْ أَرَادَ تَقِيُّ الدِّينِ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ لَزِمَ كَوْنُهُ بَعْدَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ فِعْلِهِمَا لَزِمَ نَفْيُهُ فِي الْإِحْصَارِ وَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ، وَيَبْطُلُ الثَّانِي بِنَفْيِهِ فِي الْآخَرَيْنِ وَالْغَافِلِ عَنْ اعْتِقَادِهِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ اتِّفَاقًا أَوْ إجْمَاعًا، وَلَا يُرَدُّ بِأَنَّ الدُّخُولَ فِي حَجٍّ مُضَافٌ إلَيْهِ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الْحَجِّ، وَالْإِحْرَامُ جُزْؤُهُ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَيْهِ فَيَدُورُ لِمَنْعِ الثَّانِيَةِ لِجَوَازِ مَعْرِفَتِهِ بِغَيْرِ الْحَدِّ التَّامِّ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ لَمْ يَذْكُرْ قَسِيمَهُ، وَتَقْدِيرُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ بَلْ تَجَوَّزَ وَأَطْلَقَ الدُّخُولَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَعَلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْحُدُودِ الْمَجَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ فِعْلِهِمَا هُوَ إيرَادٌ ثَانٍ عَلَى قَوْلِهِ: وَالتَّشَاغُلُ بِأَفْعَالِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ قَسِيمَهُ أَيْضًا، وَتَقْدِيرُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنْ أَرَادَ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِخُصُوصِهِ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ الثَّانِي أَيْ: التَّعْرِيفُ الثَّانِي الَّذِي عَزَاهُ لِلصَّقَلِّيِّ وَالْقَاضِي. ثُمَّ قَالَ: وَكَلَامُهُمْ غَلَطٌ، وَسَبَبُهُ عَدَمُ الشُّعُورِ بِمَيْزِ الْإِحْرَامِ عَمَّا بِهِ يَقَعُ الْإِحْرَامُ، فَالْإِحْرَامُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُرْمَةَ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ وَإِلْقَاءِ الشَّعْثِ وَالطِّيبِ وَلُبْسِ الذُّكُورِ الْمَخِيطَ وَالصَّيْدِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا تُبْطِلُ بِمَا يَمْنَعُهُ قَالَ: وَعَدَمُ نَقْضِهِ بِإِحْرَامِ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةِ الِاعْتِكَافِ وَاضِحٌ انْتَهَى. (قُلْتُ:) الظَّاهِرُ: أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي آخِرِ بَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَصَاحِبُ الْمُعَلِّمِ وَغَيْرُهُمَا وَنَصُّ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُعَلِّمِ لَمَّا ذَكَرَ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا قَالَ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ، وَهَذَا يُسَمَّى مُحْرِمًا حَتَّى يُفِيضَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَفَرَائِضِهِ فَلَا يَذْهَبُ عَنْهُ تَسْمِيَةُ الْمُحْرِمِ حَتَّى يَفْعَلَهُ انْتَهَى. . وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَالصَّيْدِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: يُوجِبُ حُرْمَةَ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ وَالصَّيْدِ لَدَخَلَ ذَلِكَ، وَلَا يَرُدُّ إحْرَامَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الصَّيْدَ، وَلَا يَرُدُّ مَنْعَ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ وَالصَّيْدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِيهِ لَيْسَ صِفَةً حُكْمِيَّةً فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَحْدُودِ، وَلَا يُقَالُ: حَدُّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا بِتَرْكِ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مَا ذَكَرَهُ مَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَتْ الْيَمِينُ تَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَتَقْضِي تَحْرِيمَ الْحَلَالِ إنَّمَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْفِعْلِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَشَيْخِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ كَانَ يُحْرِمُ عَلَى تَعْيِينِ فِعْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ النِّيَّةُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَفْظُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْإِيرَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الدُّخُولُ لَقِيلَ: لَهُ الدُّخُولُ حَقِيقَةٌ مُرَكَّبَةٌ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ أَجْزَاؤُهَا وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ جُزْءَ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ بِوَاجِبٍ إلَّا النِّيَّةُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْإِحْرَامَ؛ لِأَنَّ مَا قَارَنَهَا مِنْ تَلْبِيَةٍ وَسَيْرٍ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ، فَإِنْ قَالَ: حَقِيقَةُ الشَّرْطِ مُنْطَبِقَةٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ. (قُلْنَا:) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ، وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْمَاهِيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِلَّا فَرُكْنُ الْمَاهِيَّةِ وَجُزْءُ عِلَّتِهَا يُشَارِكَانِ الشَّرْطَ فِيمَا ذَكَرْتُ فَلَا يَكُونُ حَدُّ

الشَّرْطِ مَانِعًا انْتَهَى. وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ بِأَنَّهُ الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ مَعَ قَوْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ أَوْ فِعْلٍ كَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيقِ انْتَهَى. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ شَامِلٍ لِمَنْ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: الْإِحْرَامُ هُوَ الدُّخُولُ فِي التَّحْرِيمِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِنْسَانُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ بِنِيَّةٍ وَيَلْتَزِمَ بِخَالِصِ مُعْتَقَدِهِ تَحْرِيمَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُنَافِيهَا الْإِحْرَامُ عَنْ نَفْسِهِ مَا دَامَ مُحْرِمًا انْتَهَى. . وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ النِّيَّةُ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ طَلْحَةَ بِأَنَّهُ إخْلَاصُ النِّيَّةِ، وَبَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِ مَنْ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الدُّخُولُ. وَأَطَالَ، وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ بِذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الصِّفَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِحُرْمَةِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ أَعْنِي الصِّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهُوَ بِذَلِكَ غَيْرُ النِّيَّةِ وَالتَّوَجُّهِ وَالدُّخُولِ وَجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِكَذَا، وَيَمْنَعُ الْإِحْرَامُ مِنْ كَذَا، وَالْمَعْنَى الثَّانِي: الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ فِي حُرْمَةِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مَعَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: هُوَ النِّيَّةُ أَوْ الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: الْإِحْرَامُ رُكْنٌ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فَالتَّكْلِيفُ بِهَا إنَّمَا هُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا يَصْلُحُ بِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فَكَانَ تَعْرِيفُ الْجَمَاعَةِ لِلْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ لِلصِّفَةِ النَّاشِئَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ بِصَدَدِ بَيَانِ الْأَرْكَانِ الَّتِي يُطَالَبُ الْمُكَلَّفُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، فَإِنْ قِيلَ: الرُّكْنُ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ، وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، فَالنِّيَّةُ هِيَ الْمُمَيِّزَةُ لِلْحَجِّ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُمَيِّزُ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُمَيَّزِ فَيَكُونُ شَرْطًا قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ رُكْنًا أَنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا أَنْ كَانَ تَنْشَأُ عَنْهُ صِفَةٌ تُلَازِمُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ وَتُقَارِنُ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا صَارَ كَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَدَاخِلٌ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ الْمُنْعَقِدُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لِآخِرِ ذِي الْحَجَّةِ) ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْإِحْرَامِ وَلَمَّا كَانَ الْإِحْرَامُ رُكْنًا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْإِحْرَامِ مِيقَاتَيْنِ: أَحَدُهُمَا زَمَانِيٌّ، وَالْآخَرُ مَكَانِيٌّ، وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ: بَيَانُ الْأَوَّلِ فَمَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّ الْمِيقَاتَ الزَّمَانِيَّ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ إلَى آخِرِ الْحَجَّةِ، وَالْمِيقَاتُ إنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ، فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَكَانِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ» الْحَدِيثَ، وَإِنْ كَانَا مَأْخُوذَيْنِ مِنْ التَّوْقِيتِ وَالتَّأْقِيتِ اللَّذَيْنِ هُمَا بِمَعْنَى التَّحْدِيدِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الشَّيْءِ مَا يُفْعَلُ فِيهِ، وَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ بِكَمَالِهِ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ بَلْ بَعْضُهُ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ. وَأَمَّا الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِيقَاتُهُ الزَّمَانِيُّ فِي الْحَجِّ مَا قَبْلَ زَمَنِ الْوُقُوفِ مِنْ الشَّهْرِ، وَهُوَ شَوَّالٌ وَتَالِيَاهُ وَآخِرُهَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَشْرُ ذِي الْحَجَّةِ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَأَيَّامُ الرَّمْيِ، وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ رِوَايَةَ أَشْهَبَ بَاقِيهِ انْتَهَى. لَكِنْ فِي عِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَذْفٌ، وَتَقْدِيرُهُ: مَا قَبْلَ آخِرِ زَمَنِ الْوُقُوفِ إلَخْ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ وَقْتَهُ الْمُخْتَصَّ بِهِ دُونَ الْوُقُوفِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ لِلْحَجِّ وَقْتٌ يُبْتَدَأُ فِيهِ عَقْدُهُ وَمُنْتَهَى مَحَلٍّ مِنْهُ بَيْنَهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَأَوَّلُهَا: شَوَّالٌ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِهَا فَقَالَ: عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، وَقَالَ: ذُو الْحَجَّةِ كُلُّهُ، وَقَالَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ إلَى الزَّوَالِ مِنْ تِسْعِ ذِي الْحَجَّةِ مَحِلٌّ لِعَقْدِ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِمَنْ أَتَى مِنْ الْحِلِّ، فَإِذَا زَالَتْ

الشَّمْسُ كَانَتْ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْعَاشِرِ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَارَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ لِبَعْدِ الْأَسْفَارِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا صَارَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ وَالنَّحْرِ لِمَنْ تَعَجَّلَ مِنْ ضَعَفَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ثُمَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لِلرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحِلَاقِ وَالطَّوَافِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ، وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ، فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَعَلَ وَأَجْزَأَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا أَخَّرَ مِنْ الْحِلَاقِ وَالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي الدَّمِ عَنْ تَأْخِيرِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إذَا أَخَّرَهَا رَمَاهَا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ خَرَجَتْ لَمْ تُرْمَ. وَكَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَخَّرَ الطَّوَافَ وَالْحِلَاقَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَقِيلَ: عَلَيْهِ الدَّمُ، وَقِيلَ: لَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ حَتَّى يَخْرُجَ الشَّهْرُ، فَإِنْ خَرَجَ الشَّهْرُ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَطُوفَ انْتَهَى. وَمُرَادُهُمْ أَنَّ بِالزَّوَالِ مِنْ التَّاسِعِ انْقَطَعَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَعْتَقَ بِعَرَفَةَ عَشِيَّةً أَوْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ أَحْرَمَ حِينَئِذٍ وَوَقَفَ بِهَا وَتَمَّ حَجُّهُ، وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ النَّوَادِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُسَامَحَةُ الَّتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاقِعَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِّ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِمْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ وَقْتٌ لِعَقْدِ الْإِحْرَامِ وَالْإِحْلَالِ مِنْهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَا وَقْتِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَاخْتُلِفَ فِي آخِرِهَا عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مِنْ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَأَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هُنَا شَهْرَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ انْتَهَى. مِنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْحَاجِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَسَنَدٌ وَغَيْرُهُمْ إلَّا قَوْلَيْنِ إلَى آخِرِ ذِي الْحَجَّةِ أَوْ إلَى عَاشِرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَتَابِعُوهُ وَغَيْرُهُمْ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَعَزَا الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ الْقَوْلَ بِأَنَّ آخِرَهَا عَشْرُ ذِي الْحَجَّةِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَكُونُ إطْلَاقُ الْأَشْهُرِ عَلَى ذَلِكَ مَجَازًا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ دَمُ تَأْخِيرِ الْإِفَاضَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَعَلَى الْعَشْرِ يَلْزَمُهُ إذَا أَخَّرَهُ إلَى الْحَادِيَ عَشَرَ وَهَكَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ مَا زَعَمَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ مِنْ أَنَّهُ اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا بِخُرُوجِ الشَّهْرِ بِجَيِّدٍ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ هُوَ فِي أَوَائِلِ مَنَاسِكِهِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافٌ فِي أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَجِبُ بِتَأْخِيرِهِ دَمٌ حَتَّى يَتَأَخَّرَ عَنْ ذِي الْحَجَّةِ كُلِّهِ انْتَهَى. ، مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النُّكَتِ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ كُلُّهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي بَعْضِهَا وَعَشْرُ ذِي الْحَجَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ: ذُو الْحَجَّةِ كُلُّهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ الدَّمُ حَتَّى يَفْرَغَ ذُو الْحَجَّةِ وَيَدْخُلَ الْمُحَرَّمُ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْ جَمِيعِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ وَأَعْرِفُ أَنِّي رَأَيْتُ نَحْوَ هَذَا لِبَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ دَمٌ بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الدَّمِ إذَا أَوْقَعَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا كَمَا تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعِ آخَرَ: وَقَالَ: يَعْنِي مَالِكًا فِيمَنْ أَخَّرَ الْإِفَاضَةَ وَطَافَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى إنْ قَرُبَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ:

فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَقَالَ مَرَّةً شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحَجَّةِ، وَقَالَ مَرَّةً ذُو الْحَجَّةِ كُلُّهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ هَدْيٌ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَ الْحِلَاقَ وَالْإِفَاضَةَ حَتَّى يَخْرُجَ ذُو الْحَجَّةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ عَلَيْهِ الدَّمُ إذَا خَرَجَتْ أَيَّامُ مِنًى وَقَوْلُهُ: فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِ الطَّوَافِ، وَإِنْ خَرَجَتْ أَيَّامُ مِنًى مَا لَمْ يُطِلْ اسْتِحْسَانٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ انْتَهَى. فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَحْكِ وُجُوبَ الدَّمِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ أَيَّامِ مِنًى لَكِنْ فِي بِنَائِهِ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ آخِرَهَا عَشْرُ ذِي الْحَجَّةِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ: عَلَى هَذَا الْقَوْلِ - كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ -: أَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْحَادِيَ عَشَرَ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ بَلْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى حَتَّى مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَلْ لَا يُعْرَفُ فِي الْأُمَّةِ خِلَافُ ذَلِكَ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا فِي إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الدَّمِ وَقَبُولِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ نَظَرٌ أَوْ يَكُونُ مِنْ اخْتِلَافِ الطُّرُقِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي نَقْلِ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَاللَّخْمِيِّ وَأَشَارَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى أَنَّ ظَاهِرَ تَوْجِيهِ اللَّخْمِيِّ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ لِرَعْيِ الْخِلَافِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي لُزُومِ الدَّمِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ إثْرَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ الْبَاجِيُّ: فَائِدَةُ دَمِ تَأْخِيرِ الْإِفَاضَةِ فَتَوْجِيهُ اللَّخْمِيِّ قَوْلَهُ فِيهَا إنْ أَفَاضَ قُرْبَ أَيَّامِ مِنًى فَلَا دَمَ، وَإِنْ طَالَ فَالدَّمُ لِرَعْيِ الْخِلَافِ خِلَافَهُ انْتَهَى. ، وَلَا يَظْهَرُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ لُزُومَ الدَّمِ تَرَتَّبَ عَلَى الْخِلَافِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَطَالَ فَعَلَيْهِ الدَّمُ غَيْرَ مَحْدُودٍ بِوَقْتٍ، وَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ ذَكَرَ بَعْدَهُ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ خَارِجٌ عَمَّا قَالُوهُ انْتَهَى. ، وَكَذَلِكَ أَشَارَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِعَدَمِ التَّحْدِيدِ مُخَالِفٌ لِلتَّحْدِيدِ بِآخِرِ ذِي الْحَجَّةِ فَلَمَّا رَأَى اللَّخْمِيُّ ذَلِكَ قَالَ إنَّهُ اسْتِحْسَانٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يُفَرِّعْ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ آخِرَهَا أَيَّامُ الرَّمْيِ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: وَمَنْ أَوْقَعَهُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ عَشَرَ لَزِمَهُ الدَّمُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْغَايَةَ آخِرُ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي آخِرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا: أَنَّ آخِرَهَا آخِرُ ذِي الْحَجَّةِ، وَهَلْ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِّ أَوَّلًا، وَعَلَيْهِ فَهَلْ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَنَدٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ أَوْ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ الْبَاجِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَصَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَشْهُورِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُؤَلِّفِ لِلُزُومِ الدَّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُمِّيَ أَوَّلُهَا شَوَّالًا؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ فِيهِ الْحُجَّاجُ فَتَشُولُ الْإِبِلُ بِأَذْنَابِهَا أَيْ: تَرْفَعُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَالَ الشَّيْءُ يَشُولُ شَوْلًا ارْتَفَعَ، وَشُلْتُ بِهِ: لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَهُوَ بِالضَّمِّ مِنْ بَابِ فَعَلَ قَالَ فِي الصِّحَاحِ، وَلَا تَقُلْ: شِلْتُ يَعْنِي بِكَسْرِ الشِّينِ، وَالْجَمْعُ شَوَّالَاتٌ، وَشَوَائِلُ، وَشَوَاوِيلُ وَذُو الْقَعْدَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا وَكَذَا ذُو الْحَجَّةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ فِيهَا أَشْهُرُ سُمِّيَ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْعُدُونَ فِيهِ عَنْ الْقِتَالِ، وَسُمِّيَ الْآخَرُ بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ، وَالْجَمْعُ ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ وَذَوَاتُ الْحَجَّةِ، وَلَمْ يَقُولُوا ذَوُو عَلَى وَاحِدَةٍ وَمَنْ يُسَمِّي شَوَّالًا عَادِلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْدِلُهُمْ عَنْ الْإِقَامَةِ فِي أَوْطَانِهِمْ، وَقَدْ حَلَّتْ وَيُسَمَّى ذُو الْقَعْدَةِ هُرَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَهْرَعُ النَّاسَ أَيْ: يُخْرِجُهُمْ إلَى الْحَجِّ يُقَالُ: هَاعَ فُلَانٌ إذَا قَاءَ، وَيُسَمَّى ذَا الْحَجَّةِ بَرَكَا بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا

لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَجِّ فَتَكْثُرُ فِيهِ الْبَرَكَاتُ وَلَهَا أَسْمَاءٌ أُخَرُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ فَيُسَمُّونَ شَوَّالًا جَيْفَلًا وَذَا الْقَعْدَةِ مَجْلِسًا وَذَا الْحَجَّةِ مُسَبَّلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ قَبْلَهُ كَمَكَانِهِ، وَفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ وَصَحَّ) ش: أَيْ: وَكُرِهَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ كَمَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا قَبْلَ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ وَتَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الشُّيُوخِ فِي رَابِغٍ هَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمِيقَاتِ فَيُكْرَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ أَوْ هُوَ أَوَّلُ الْمِيقَاتِ فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يَكُونُ هُوَ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ إنَّ الْإِحْرَامَ يَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا أَعْنِي فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَفِيمَا إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْفُرَاتِ أَيْ: وَصَحَّ الْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالصَّوَابُ: حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَائِدَةً فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ، فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَيَصِحُّ إنْ وَقَعَ فَهُوَ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مِيقَاتُهُ أَوْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ فَعَلَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَزِمَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ: الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ، وَلَمْ يَعْزُهُ، وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ إذَا عُقِدَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ حُلُولِ شَوَّالٍ فَقَالَ مَالِكٌ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ وَيَكُونُ فِي حَجٍّ بِمَنْزِلَةِ مِنْ عَقَدَ ذَلِكَ بَعْدَ حُلُولِهِ، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدَّمَ الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ شَوَّالًا، مَا بَعْدَهُ إلَى الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ مَحَلٌّ لِلْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَيْسَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ ثُمَّ قَدِمَ مُرَاهِقًا لَمْ يُعِدْ الْإِحْرَامَ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْمُحَرَّمُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ إلَى شَوَّالٍ مَحِلًّا لِلْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْآيَةِ فَائِدَةٌ، وَلَا لِاخْتِصَاصِ الذِّكْرِ بِالْأَشْهُرِ لِلْإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ فَائِدَةٌ إذَا كَانَ غَيْرُهَا مِنْ الشُّهُورِ بِمَنْزِلَتِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ فَاسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَلَى شَفْعٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ قَطَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. يَعْنِي، فَإِنْ قَطَعَ الصَّلَاةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ رَاجِعًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ إذْ لَا نَصَّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ بَلْ إنَّمَا يُشْبِهُ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ إلَى آخِرِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ بَيِّنٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَزَاهُ لِمَالِكٍ غَيْرَهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ، وَالْأَشْهُرُ زَمَانٌ، وَالْحَجُّ لَيْسَ بِزَمَانٍ فَيَتَعَيَّنُ حَذْفُ أَحَدِ الْمُضَافَيْنِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ زَمَانُ الْحَجِّ أَوْ أَشْهُرُ الْحَجِّ، أَوْ وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ أَوْ يُقَدَّرُ الْحَجُّ ذُو أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ فَيُحْذَفُ الْمُبْتَدَأُ وَخَبَرُهُ ثُمَّ الْمُبْتَدَأُ يَجِبُ حَصْرُهُ فِي الْخَبَرِ فَيَجِبُ انْحِصَارُ الْحَجِّ فِي الْأَشْهُرِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَهَا كَالْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يَنْعَقِدُ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ: قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ سَائِرَ الْأَهِلَّةِ مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ وَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ: الْإِحْرَامُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، وَالنِّيَّةُ هِيَ الْمُمَيِّزَةُ لِلْحَجِّ، وَالْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْمُمَيَّزِ فَيَكُونُ شَرْطًا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: إنَّهُ رُكْنٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِكَوْنِهِ رُكْنًا أَنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمَحْصُورُ إنَّمَا هُوَ الْمَشْرُوطُ أَوْ نَقُولُ: هُوَ رُكْنٌ، وَالْمَحْصُورُ فِي الْأَشْهُرِ الْحَجُّ الْكَامِلُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْإِحْرَامُ فِيهِ أَفْضَلُ؛ لِيَحْصُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الشُّهُورَ كُلَّهَا وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ وَيَجْعَلَ شُهُورَ الْحَجِّ وَقْتًا لِلِاخْتِيَارِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ التَّحْدِيدَ وَقَعَ فِي الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ

الْإِحْرَامِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَنْسَبُ لِلْمَذْهَبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا لِلْقَارِنِ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلِمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَعَلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَابِعُوهُ سَبَبَ الْخِلَافِ هَلْ إيقَاعُهُ فِي أَشْهُرِهِ أَوْلَى أَوْ وَاجِبٌ؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِيهِ بَحْثٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَلَعَلَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَرُبَّمَا جَعَلَ سَبَبَ الْخِلَافِ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْإِحْرَامِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ؟ ، وَهَذَا الْبَحْثُ حَسَنٌ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا هُنَا فَعِبَارَةُ الْأَئِمَّةِ فِيهِ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَلَكِنْ مَنْ جَوَّزَ تَقْدِيمَهُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] الْآيَةِ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ: أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْأَهِلَّةِ لِلْعُمُومِ فَعَلَى هَذَا كُلُّ هِلَالٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِيقَاتًا لِلنَّاسِ فِي انْتِفَاعَاتِهِمْ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَفِي الْحَجِّ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِصِحَّةِ انْعِقَادِ الْحَجِّ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي فَضْلِ الْحَجِّ أَنَّهُ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَنَازِلِ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ شَوَّالٍ وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الْإِحْرَامَ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ، وَهَذَا خَاصٌّ إذَا نُسِبَ إلَى دَلِيلِ الْأَوَّلِينَ، وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لِبَعْضِهِمْ انْتَهَى. مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْرَامِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ؟ قَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ دَلِيلِ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَقَدْ عَلِمْتَ جَوَابَهُ، وَدَلِيلَ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: اعْتَرَضَ عَلَيْنَا مُخَالِفُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَأَصْلُ الْحَجِّ مُبَايِنٌ لِلصَّلَاةِ فِي أُمُورٍ شَتَّى قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَجَدْنَا الْحَجَّ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يُوقَعَ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَلِذَلِكَ جَازَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ أَشْهُرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ قَبْلَ أَشْهُرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَوْ جَوَّزْنَا الدُّخُولَ فِيهَا قَبْلَ وَقْتِهَا لَخَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ وَقْتِهَا انْتَهَى. (فَإِنْ قِيلَ:) مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ وَالْمَكَانِيِّ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ مَعَ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَكَانِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ لِقُرْبِ الْبَيْتِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي الْمَكَانِيِّ «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ» فَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ مَحْصُورَةٌ فِي النَّاسِكِينَ، وَلَمْ يَحْصُرْ النَّاسِكِينَ فِيهَا فَجَازَ التَّقْدِيمُ وَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ النُّسُكَ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ فِي الْمُحَرَّمِ إلَى ذِي الْحَجَّةِ لَزِمَهُ، وَلَا يَزَالُ مُلَبِّيًا مُحْرِمًا حَتَّى يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ وَحُكْمُ مَا بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ حُكْمُ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الطِّرَازِ بِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُفِقْ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ لَمْ يُطَالَبْ بِالْإِحْرَامِ، وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ إذَا أَسْلَمَ، وَلِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ شَامِلٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مِيقَاتَ إحْرَامِ الْحَجِّ مَا تَقَدَّمَ قَالَ: فَلَا يُحْرِمُ قَبْلَهُ، فَإِنْ فَعَلَ انْعَقَدَ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ لَا يَنْعَقِدُ، وَمَالَ إلَيْهِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: فَلَا يُحْرِمُ قَبْلَهُ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ فِي تَعْلِيلِ الْكَرَاهَةِ: بَقَاءُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ، وَنَصُّهُ قَالَ سَنَدٌ: يُكْرَهُ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ خَشْيَةَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ بِسَنَةٍ، وَهُوَ يُكْرَهُ فِي الْيَسِيرِ انْتَهَى. بَلْ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ وَالتُّونُسِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُمْ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّادَلِيّ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفُوتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْآنَ وَقْتُهُ بَاقٍ، وَأَنَّهُ إنْ فَعَلَ وَفَاتَهُ لَا يَتَحَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْبَقَاءِ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْمُحْصَرِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يُدْرِكُ فَلْيَلْبَثْ هَذَا حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِنْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ لَمْ يَنْفَعْهُ وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ

إلَى قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَيْسَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الْحَجِّ انْتَهَى. وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ ثُمَّ أُحْصِرَ عَنْ ذَلِكَ الْعَامِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ عَامًا قَابِلًا انْتَهَى. (الثَّانِي) حُكْمُ الْإِحْرَامِ بِالْقِرَانِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ حُكْمُ الْإِفْرَادِ فِي الْوَقْتِ، وَفِي كَرَاهَةِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ وَقْتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَصُّهُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَانَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يُكْرَهُ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمِيعِ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَرَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُهِلُّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَيَّامِ الْحَجِّ؟ فَقَالَ: لَا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ إنْ وَقَعَ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّهُ إذَا وَقَعَ صَحَّ وَانْعَقَدَ الْإِحْرَامُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِهِ فِي الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ، وَفِي الْقِرَانِ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَيَكُونُ مُعْتَمِرًا فَقَطْ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ إرْدَافَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَذَلِكَ أَيْ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ انْعَقَدَ، وَكَانَ قَارِنًا فَلَوْ شَكَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ؟ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الْآتِي: أَنَّهُ شَامِلٌ لِهَذَا وَأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: وَإِطْلَاقُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَالِكِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي التَّعْيِينِ انْتَهَى يَعْنِي إطْلَاقَهُ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا جَازَ وَخُيِّرَ فِي التَّعْيِينِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ صَرْفُهُ إلَى الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) : عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ قَبْلَ أَشْهُرِهِ يَنْعَقِدُ الْقِرَانُ عُمْرَةً فَقَطْ، وَكَذَا الْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ، وَلَا يَصِحُّ الْإِرْدَافُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَإِنْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ بِحَجٍّ وَشَكَّ بَعْدَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ هَلْ وَقَعَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَمْ لَا كَانَ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمَانِعِ، وَهَذَا التَّفْرِيعُ لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا، وَلَكِنْ هُوَ مُقْتَضَى عَدَمِ الِانْعِقَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمَ أَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحَجَّةِ قَالَ سَنَدٌ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ يُحْرِمُ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ بِهَا إذَا أَهَلَّ ذُو الْحَجَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُسْتَحَبُّ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «إذَا تَوَجَّهْتُمْ إلَى مِنًى فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ» ، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ وَرَأَيْتُكَ إذَا كُنْتُ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ مَا بَالُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا، وَأَنْتُمْ مُدْهِنُونَ أَهِلُّوا إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَحَدٌ أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَاجُّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ» ، وَهَذَا لِمَا يَكُونُ لِبُعْدِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْوُقُوفِ رَوَى مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ سِنِينَ يُهِلُّ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَهَذَا ابْنُ الزُّبَيْرِ يَفْعَلُهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَأَنَّهُ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْآبَاءِ، وَسُنَّةٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَدِيثُ جَابِرٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَابِ وَلِقُرْبِ إحْرَامِهِمْ مِنْ إحْلَالِهِمْ، وَأَثَرُ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ غَيْرُهُ عَلَى مَا قُلْنَا، عَلَى أَنَّهُ رَوَى مَالِكٌ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى مَا قُلْنَا، وَقَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُهِلَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِيَكُونَ إحْرَامُهُمْ مُتَّصِلًا بِسَيْرِهِمْ وَتَلْبِيَتُهُمْ مُطَابِقَةً لِمُبَادَرَتِهِمْ لِلْعَمَلِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ لِأَوَّلِ ذِي الْحَجَّةِ لِيَلْحَقَهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَحِقَ غَيْرَهُمْ وَالْقَوْلَانِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ الْبَاجِيُّ، وَعَلَيْهِ كَانَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ انْتَهَى. كَلَامُ التَّادَلِيِّ، وَاَللَّهُ

أحرم قبل ميقاته المكاني

أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى الشَّيْخُ: لَا يُقِيمُ مُحْرِمٌ مُطْلَقًا بِأَرْضِهِ إلَّا إقَامَةَ الْمُسَافِرِ انْتَهَى. وَنَصُّ النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يُقِيمُ بِأَرْضِهِ إلَّا إقَامَةَ الْمُسَافِرِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ الْمُحْرِمِ هَلْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ الْمُعْتَكِفِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَوَائِجِهِ وَيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي الْأَسْوَاقِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا} [البقرة: 198] يَعْنِي التِّجَارَةَ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ فَحَالُهُ غَيْرُ حَالِ الْمُعْتَكِفِ فِي السَّفَرِ أَيْضًا إنْ أَرَادَهُ انْتَهَى. مِنْ أَوَائِلِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَحْرَمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ] ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَهِيَ: مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَحَّ إحْرَامُهُ فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّةِ إحْرَامِهِ وَانْعِقَادِهِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ قَبْلَهُ، مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَمَّا كَرَاهَةُ تَقْدِيمِهِ فَهُوَ الَّذِي يَحْكِيهِ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَنْزِلِهِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّا نَكْرَهُ لِمَنْ قَارَبَ الْمِيقَاتَ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَهُ، وَقَدْ أَحْرَمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْفَرْعِ كَأَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ انْتَهَى. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا بِجَوَازِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ، وَوَجْهُ الْأُولَى الْمَشْهُورَةِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُحْرِمْ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَكَأَنَّ تَوْقِيتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِهَذِهِ الْمَوَاقِيتِ نَهْيٌ عَنْ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إحْرَامَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ انْتَهَى. ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ مَعَ الْقُرْبِ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى إلَّا قَصْدُ الْمُخَالَفَةِ لِتَحْدِيدِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ، فَإِنَّ فِيهِ قَصْدَ اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: أَنَّ الْمِيقَاتَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْعِ مُجَاوَزَتِهِ لَا لِمَنْعِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّخْفِيفُ فَمَنْ قَدَّمَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْقَرَافِيُّ: مَا رَوَوْهُ يُحْمَلُ عَلَى النَّذْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ لِلِاخْتِصَارِ لِتَسَاوِيهَا مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ أَشَارَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ قَالَ حَكَى شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ رَابِغٍ مِنْ الْإِحْرَامِ أَوَّلَ الْمِيقَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا قَالَ وَدَلِيلُهُ اتِّفَاقُ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَرَآهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: وَرَأَى سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ أَنَّ إحْرَامَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ رَابِغٍ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ، مَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا وَكَانَ يَنْقُلُهُ عَنْ الزَّوَاوِيِّ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْمَنُوفِيُّ عَنْ الزَّوَاوِيِّ وَنَصُّهُ وَرَابِغٌ أَوَّلُ مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَيِّدِي أَبِي عَبْد اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ

فَهُوَ فِي مَدْخَلِهِ قَالَ: وَلْيُحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ رَابِغٍ، وَهُوَ قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَيَبْتَدِئُونَ الْحَجَّ بِفِعْلٍ مَكْرُوهٍ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّ الْجُحْفَةَ لَا مَاءَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ مُسْتَحَبٌّ، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ سُنَّةٌ، وَلِإِمْكَانِ الْغُسْلِ بِرَابِغٍ وَتَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّ الرَّكْبَ لَا يَدْخُلُ الْجُحْفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ بَلْ إذَا حَاذَاهَا أَحْرَمَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْجُحْفَةِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ أَوْسَطِهَا أَوْ مِنْ آخِرِهَا تَرَكَ الْأَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَالسَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْهَا مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ، وَنَصُّ ابْنِ جَمَاعَةَ وَهِيَ أَيْ: الْجُحْفَةُ بِالْقُرْبِ مِنْ رَابِغٍ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ النَّاسُ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى مَكَّةَ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ رَابِغٍ فَقَدْ أَحْرَمَ قَبْلَ مُحَاذَاتِهَا بِيَسِيرٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ نَذْرَ الْمَكْرُوهِ لَا يَلْزَمُ، بَلْ وَلَا الْمُبَاحِ فَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ فَأَلْزَمُوا بِهِ مَنْ نَذْرِهِ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ وَالْمَكَانِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النُّذُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْعُمْرَةِ أَبَدًا إلَّا الْمُحْرِمَ بِحَجٍّ فَلِتَحْلِيلِهِ وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ) ش تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْإِحْرَامِ مِيقَاتَيْنِ، زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الزَّمَانِيِّ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مِيقَاتِ الْحَجِّ الزَّمَانِيِّ ذَكَرَ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ؛ وَيَعْنِي أَنَّ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ إلَّا لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ إلَى تَحْلِيلِهِ، وَهِيَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ بَعْدَهُ لِمَنْ لَمْ يَسْعَ وَيُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا حِينَئِذٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَيْهِ شَرَحَهُ الشَّارِحَانِ وَقَبِلَاهُ، وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: فَلِتَحَلُّلَيْهِ ثَبَتَ فِي نُسْخَتِهِ بِالْإِفْرَادِ وَلَمَّا كَانَ التَّحَلُّلُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ ثَنَّى الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ مِيقَاتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ جَمِيعُ أَيَّامِ السَّنَةِ لِمَنْ لَمْ يُحْرِمْ بِحَجٍّ حَتَّى يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ الْعُمْرَةُ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا لِلْحَاجِّ فَيُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلُوا وَقَفَلُوا إلَى مَكَّةَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَلَا يُحْرِمُوا بِالْعُمْرَةِ مِنْ التَّنْعِيمِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْهُمْ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ أَنْ تَمَّ رَمْيُهُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَحَلَّ مِنْ إفَاضَتِهِ فَيَلْزَمُهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ حَاجًّا مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَجَائِزٌ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ إحْلَالَهُ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَوَاءٌ كَانَ إحْلَالُهُ مِنْهَا فِي أَيَّامِ مِنًى أَوْ بَعْدَهَا بِخِلَافِ الْحَاجِّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَعْتَمِرُ مِنْ أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُحِلُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا أَرَى هَؤُلَاءِ مِثْلَ مَنْ يَعْتَمِرُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ الْحَاجِّ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَهَذَا لَا يُعْجِبُنِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: جَائِزٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَمْرُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ لَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ فَاتَهُمَا الْحَجُّ لِإِضْلَالِ رَاحِلَتِهِ وَبِخَطَأِ الثَّانِي فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَتَحَلَّلَا مِنْ إحْرَامِهِمَا بِالْحَجِّ وَيَقْضِيَاهُ قَابِلًا وَيُهْدِيَا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ فَلِمَنْ لَمْ يَحُجَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ سَوَاءٌ حَلَّ مِنْهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَوْلُهُ هُنَا، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا: إنَّ هَؤُلَاءِ يُحِلُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْسَ بِتَعْلِيلٍ صَحِيحٍ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ فَلَا حَجَّةَ عَلَيْهِ يَعْتَمِرُ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَيَّامِ مِنًى وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَرَوَى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ

السَّنَةُ كُلُّهَا لِلْعُمْرَةِ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ وَقْتٌ يَصِحُّ فِيهِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ الْعُمْرَةُ كَسَائِرِ السَّنَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ يَصِحُّ فِيهِ الْقِرَانُ فَلَا يُكْرَهُ فِيهِ إفْرَادُ الْعُمْرَةِ كَمَا لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْحَجِّ وَلِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَفْعَلُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ فِي أَيَّامِ مِنًى، وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً، فَإِذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا لِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَالذِّمَّةُ خَالِيَةً مِمَّا يُنَافِي الْعُمْرَةَ لَمْ يَبْقَ لِلْكَرَاهَةِ وَجْهٌ، وَمَا رَوَاهُ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَالْوَقْتُ الَّذِي يُؤْتَى بِهَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ حَجٌّ، وَلَا يُرِيدُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَيَعْتَمِرُ مِنْ السَّنَةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَحَبَّ، وَفِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَكُونُ النَّاسُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلَ الْعُمْرَةِ، أَمَّا مَنْ حَجَّ فَلَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ، وَإِنْ تَعَجَّلَ فَلَا يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْعَقِدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الرَّمْيِ فَيَلْزَمُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَلَا يُحِلُّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَإِحْلَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ ذَلِكَ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَقَضَاهَا وَأَهْدَى، وَالْقِيَاسُ إذَا أَكْمَلَ الْإِحْرَامَ لِلْحَجَّةِ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِحْرَامُ لِعُمْرَةٍ، وَيَصِحُّ عَمَلُهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَنٍ مُعِينٍ كَالْحَجِّ فَقَدْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الصِّدِّيقِ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ فِي ذِي الْحَجَّةِ «، وَقَالَ: عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» أَوْ قَالَ: «حَجَّةً مَعِي» إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: الْعُمْرَةُ لَا تُرْتَدَفُ عَلَى الْحَجِّ فَلِذَلِكَ يَشْتَرِطُونَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي أَيَّامِ مِنًى لِمَنْ حَجَّ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَحُجَّ فَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي سَائِرِ السَّنَةِ، وَلَوْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ انْتَهَى. وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِّ وَابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّصُوصِ وَصَرِيحِهَا وَنَصِّ ابْنُ الْحَاجِّ، أَمَّا غَيْرُ ابْنِ الْحَاجِّ فَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْعُمْرَةُ أَيَّامَ مِنًى وَأَنْ يَحِلَّ مِنْهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا مِنْ أَيِّ بَلَدٍ كَانَ، وَأَصْلُ ذَلِكَ: حَدِيثُ هَبَّارٍ: وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ يَوْمِ النَّحْرِ فِي ذَلِكَ حُكْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ انْتَهَى. وَنَصُّ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فَلَعَلَّ لَفْظَ قَوَاعِدَ سَقَطَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ سَنَدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَتَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُ عَلَى مَا عَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ فَلَوْ كَانَ الْمَذْهَبُ يُوَافِقُهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ لَبَيَّنَهُ، وَلَا أَدْرِي مَا مُرَادُهُمَا بِالْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ بَيَانُ مِيقَاتِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ بَيَانُ مِيقَاتِ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ لِمَنْ حَجَّ فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهَا مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ مِنْهَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ حَيْثُ قَالَ: وَتَجُوزُ الْعُمْرَةُ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا الْحَاجَّ فَيُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلْحَاجِّ عَلَى الْمَنْعِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، أَمَّا مَنْ حَجَّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ بَعْدَ أَنْ رَمَى وَأَفَاضَ وَأَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَلَا يَعْمَلُ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ شَيْئًا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَإِنْ عَمِلَ فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ، وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَالْأَصْلُ فِي

ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَضَاءِ عُمْرَتِهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَجِّهَا انْتَهَى. وَيَعْنِي بِقَضَاءِ عُمْرَتِهَا أَنَّ صُورَتَهَا صُورَةُ الْقَضَاءِ لَا أَنَّهَا قَضَاءٌ حَقِيقَةً؛ إذْ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ الْمَنْعَ شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ، وَلَوْ رَمَى لَهُ، وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ نَعَمْ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ رَمْيِ الرَّابِعِ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنَّ كُلَّ حَجَّةٍ بِتَحْلِيلَةٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ تَعَجَّلَ، وَمَنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَذَلِكَ: أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ مَا رَمَى الْجِمَارَ، وَحَلَّ مِنْ إفَاضَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ مَا نَصَّهُ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ تُنَافِي الْعُمْرَةَ، وَوَقْتُ الْفِعْلِ مُلْحَقٌ بِالْفِعْلِ، فَإِذَا سَقَطَ الْفِعْلُ وَبَقِيَ الْوَقْتُ، فَإِنْ كَانَ وَقْتًا لِمَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْحَجِّ فَمَا بَعْدُ امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْفِعْلِ تُرِكَتْ تَخْفِيفًا وَبَقِيَ حُكْمُهُ فَمَا عَدَا الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ قَائِمًا، وَذَلِكَ كَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُتَعَجِّلَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ أَنْ حَلَّ وَخَرَجَ وَتَمَّ عَمَلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ أَحْرَمَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا سَقَطَ الْفِعْلُ بِتَوْقِيتِهِ، وَبَقِيَ الْوَقْتُ الْمُتَّسِعُ لَهُ فَهَاهُنَا لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ انْعِقَادُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ابْتِدَاءً إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ جَهِلَ فَأَحْرَمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَدْ كَانَ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَقَدْ رَمَى فِي يَوْمَيْهِ، فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْزَمُهُ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَإِحْلَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَاطِلٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَطُوفُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَوَقْتُ الْفِعْلِ مُلْحَقٌ بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَهُ فِي تَعْلِيلِ كَوْنِ الْمُتَعَجِّلِ لَا يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الرَّابِعِ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِغَيْرِهِ، وَنَصُّهُ: رَاعَى مَالِكٌ وَقْتَ الرَّمْيِ وَوَقْتُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ رَمْيَ الثَّالِثِ إلَى قَبْلِ الْغُرُوبِ، وَلِلْوَقْتِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لَا تَشْغَلُهُ عُمْرَتُهُ عَنْ فِعْلِ الرَّمْيِ فِي وَقْتِهِ إذْ وَقْتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَلَوْ كَانَ الْمَنْعُ لِمُجَرَّدِ فِعْلِ الرَّمْيِ لَاخْتَصَّ بِوَقْتِ فِعْلِهِ وَلَمَّا مُنِعَ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الرَّمْيِ كَانَ لِلزَّمَانِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهَا بَعْدَ رَمْيِ الرَّابِعِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَعُلِمَ مِمَّا نَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُتَعَجِّلَ أَيْضًا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ رَمْيِ الرَّابِعِ، وَفِي شَرْحِ الْجَلَّابِ لِلتِّلِمْسَانِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِلشَّبِيبِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَنَصُّ كَلَامِ الشَّبِيبِيِّ وَجَمِيعُ السَّنَةِ لَهَا وَقْتٌ إلَّا أَيَّامَ مِنًى لِمَنْ حَجَّ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جَازَ الْإِحْرَامُ بِهَا، فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَأَخَّرَ السَّعْيَ وَالطَّوَافَ إلَى الْغُرُوبِ، فَإِنْ فَعَلَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَأَمَّا الزَّمَانِيُّ فَفِي جَمِيعِ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِهَا مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا يَعْتَمِرُ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَجِّهِ، وَلَوْ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ رَمْيِهِ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا، وَلَا قَضَاؤُهَا فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ رَمْيِهِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ أَحْرَمَ حِينَئِذٍ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا وَمَضَى فِيهَا حَتَّى يُتِمَّهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَرْمِيَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ وَأَنْ يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِهَا حِينَئِذٍ فَلَا يَفْعَلُ مِنْهَا فِعْلًا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ طَافَ وَسَعَى فَهُمَا كَالْعَدَمِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ

فَنَرْجِعُ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مُخْتَصَرِهِ فَنَقُولُ: ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَمْتَنِعُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ الْحَجِّ بِتَحَلُّلَيْهِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، وَهُمَا رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَالسَّعْيُ بَعْدَهُ إنْ كَانَ لَمْ يُقَدِّمْ السَّعْيَ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا يُكْرَهُ لَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا وَيَنْعَقِدُ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْ الِانْعِقَادَ وَعَدَمَهُ فِي كَلَامِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْنَاهُ، وَبِهِ فَسَّرَهُ شَارِحَاهُ وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَعَ مِنْهُ التَّحَلُّلَانِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَدْ عَلِمْتَ، وَكَلَامُهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي النُّكَتِ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: وَيَكُونُ خَارِجَ الْحَرَمِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ الْحَرَمَ لِسَبَبِ الْعُمْرَةِ عَمَلٌ لَهَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ لَهَا عَمَلًا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَانْظُرْ لَوْ دَخَلَ مِنْ الْحِلِّ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَالظَّاهِرُ عَلَى بَحْثِهِ أَنَّ دُخُولَهُ لَغْوٌ وَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إلَى الْحِلِّ لِيَدْخُلَ مِنْهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) شَمِلَ قَوْلُهُ: إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ مَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِقِرَانٍ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بَلْ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى حَتَّى تَكْمُلَ الْأُولَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَسَنَدٌ فِي بَابِ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَغَيْرُهُمَا، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إلَّا لِمُحْرِمٍ فَلِفَرَاغِهِ مِنْهُ وَدُخُولِ وَقْتِ رَمْيِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ بِحَجٍّ، وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ لَوَافَقَ النُّقُولَ وَشَمِلَ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ لَوْ تَرَكَ ذِكْرَ ذَلِكَ هُنَا، وَقَالَ إثْرَ قَوْلِهِ: فِيمَا يَأْتِي وَأَلْغَى عُمْرَةً عَلَيْهِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ وَرَمَى الرَّابِعَ وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ لَكَانَ صَحِيحًا أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ أَفْعَالِ الْحَجِّ الْحِلَاقُ، فَإِنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْحِلَاقُ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ سَنَدٌ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ وَحَرُمَ الْحَلْقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَكْمَلَهَا، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا الْحِلَاقُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِأُخْرَى انْعَقَدَ إحْرَامُهُ الثَّانِي: كَمَا سَيَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ إحْلَالَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَا يُفِيدُ قَالَ سَنَدٌ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِحْلَالِ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَلْيَقْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَيُهْدِ وَخَرَّجَ الْبَاجِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ عَلَى نُزُولِ الْمُحْصَبِ هَلْ هُوَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ قَالَ: فَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَلَّا يُحْرِمَ بِهَا قَبْلَ إتْمَامِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ رَمْيِ الرَّابِعِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْهُ، وَذَلِكَ: أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ: وَقْتُ الْعُمْرَةِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ السَّنَةُ كُلُّهَا، وَلِلْحَاجِّ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَنَحْوُهُ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَسَوَاءٌ تَعَجَّلَ أَمْ لَا، فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْعُمْرَةِ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الرَّمْيِ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ انْعَقَدَ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا التَّادَلِيُّ، وَذَكَرَهُ بَعْدَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي ذِكْرِهِمَا كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ مَا قَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُهَا رَدٌّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي وَطْئِهِ بَعْدَ إحْلَالِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ، قَالَ: الْقِيَاسُ إذَا كَانَ قَدْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَانْعَقَدَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ يَصِحَّ عَمَلُهَا انْتَهَى. مِنْ الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَحْوُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ:) قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ الصَّرُورَةُ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ، وَقَدْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ صَرُورَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، أَمَّا

إذَا قَدِمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ حِينَئِذٍ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ - مَكَّةُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ أَقَامَ بِهَا (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مَكَّةَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ غَيْرِهَا، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ خَرَجَا يَعْنِي الْمَكِّيَّ وَالْآفَاقِيَّ الْمُقِيمَ بِهَا إلَى الْحِلِّ جَازَ عَلَى الْأَشْهَرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِمَا قَوْلًا بِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: مُقَابِلُ الْأَشْهَرِ فِي كَلَامِهِ قَوْلٌ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَعْزُوًّا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ مَكِّيٌّ أَوْ مُتَمَتِّعٌ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ دَاخِلِ الْحَرَمِ، فَإِنْ مَضَى إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ مِنْ الْحَرَمِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْحَرَمَ، وَهُوَ مُرَاهِقٌ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا زَادَ، وَلَمْ يَنْقُصْ قَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ الْبَاجِيُّ قَوْلُهُ: زَادَ، وَلَمْ يَنْقُصْ هَذَا عِنْدِي - فِيمَنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ - ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْحِلِّ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ دُونَ دُخُولِهِ الْحَرَمَ أَوْ أَهَلَّ مِنْ عَرَفَاتٍ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا حَلَالًا مَرِيدًا الْحَجَّ، فَإِنَّهُ نَقَصَ، وَلَمْ يَزِدْ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ وُقِّتَتْ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْإِنْسَانُ إلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَمَنْ كَانَ عِنْدَ الْبَيْتِ فَلَيْسَ الْبَيْتُ مِيقَاتًا لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يُحْرِمُ مِنْهَا وَالْمَوَاقِيتُ يَسْتَوِي فِي الْإِحْرَامِ مِنْهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَعْضَ كَلَامِ الْبَاجِيِّ، وَلَعَلَّهُ حَصَلَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ الْمُنْتَقَى سَقْطٌ، وَوَجَّهَ سَنَدٌ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ تَرَكَ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلَ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ آثِمٌ، وَلَا إنَّهُ أَسَاءَ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: الشَّافِعِيُّ: لَوْ فَارَقَ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ بُنْيَانَهَا وَأَحْرَمَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مُسِيءٌ يَلْزَمُهُ الدَّمُ إنْ لَمْ يَعُدْ قَبْلَ الْوُقُوفِ إلَى مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ الدَّمَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا انْتَهَى. (قُلْت:) الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا إسَاءَةَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى عَرَفَةَ، وَهُوَ مَرِيدٌ لِلْحَجِّ: إنَّهُ مُسِيءٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَا أَجْزِمُ بِأَنَّهُ آثِمٌ (الثَّانِي:) يُخَصَّصُ كَلَامُهُ هُنَا بِالْمُقِيمِ الَّذِي لَيْسَ فِي نَفَسٍ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَانَ فِي نَفَسٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ لِمِيقَاتِهِ أَيْ: فِي سَعَةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ أَوْ يُقَالُ: لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ وَكَانَ فِي نَفَسٍ مِنْ الْوَقْتِ أَيْ: فِي سَعَةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالنَّفَسُ بِفَتْحِ الْفَاءِ السَّعَةُ ص (نُدُوبُ الْمَسْجِدِ) ش: أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا بِالْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلِمَنْ دَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى. وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا مِنْ بَابِهِ بَلْ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ قَوْلَانِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوُجُوبِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ إلَّا لِابْنِ بَشِيرٍ انْتَهَى. (قُلْت:) لَيْسَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ بَشِيرٍ تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ، وَنَصُّهُ: وَمُرِيدُ ذَلِكَ يَعْنِي الْإِحْرَامَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَبْعُدَ بَلَدُهُ أَوْ يَقْرُبَ أَوْ يَكُونَ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ قَالَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ مِمَّنْ دَخَلَهَا ثُمَّ أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْهَا، فَإِنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَحْرَمَ مِنْ مَكَانِهِ، وَمِنْ أَيْنَ؟ هَلْ

مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى الْمُمْكِنِ فِي الْبُعْدِ عَنْ الْحِلِّ فَأَشْبَهَ الْمَوَاقِيتَ أَوْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فَفِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ لِلْإِحْرَامِ قَوْلَانِ أَيْ: يُسْتَحَبُّ تَعْيِينُ الْمَسْجِدِ إذْ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلِ الثَّانِي بِعَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ حَسَنٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَهْلَلْنَا بِالْأَبْطَحِ وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِاللُّزُومِ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَسَمَاعِ أَشْهَبَ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ وَلْنَذْكُرْ كَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ قَالَ مِنْهَا فِيهَا إحْرَامُ مُرِيدِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَفِيهَا أَيْضًا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسُمِعَ الْقَرِينَانِ يُحْرِمُ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ قِيلَ: مِنْ بَيْتِهِ قَالَ بَلْ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ قِيلَ: مِنْ عِنْدِ بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ: لَا بَلْ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُ الْإِحْرَامِ إثْرَ نَفْلٍ بِالْمَسْجِدِ، فَإِذَا صَلَّى وَجَبَ إحْرَامُهُ مِنْ مَكَانِهِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ إجَابَةٌ إلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ أَوْ بِخُرُوجِهِ يَزْدَاد مِنْ الْبَيْتِ بُعْدًا بِخِلَافِ خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَوَاقِيتِ إذْ بِخُرُوجِهِ يَزْدَادُ مِنْ الْبَيْتِ قُرْبًا اللَّخْمِيُّ قَوْلُهُ: فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ مَكَّةَ أَصْوَبُ الْبَاجِيُّ فِي كَوْنِ إحْرَامِهِ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهِ رِوَايَتَا أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَكْثَرُ النُّصُوصِ اسْتِحْبَابُ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَحْكِ لُزُومَهُ غَيْرُ ابْنِ بَشِيرٍ قُصُورًا لِنَقْلِ الشَّيْخِ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ وَسَمَاعَ أَشْهَبَ يُحْرِمُ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بَلْ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ عَنْهُ يُوجِبُ انْتَهَى. وَيُشِيرُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، فَإِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَانِهِ، وَلَا يَخْرُجَ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ إجَابَةُ اللَّهِ إلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ فَهُوَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَزْدَادُ بُعْدًا مِنْ الْبَيْتِ بِخِلَافِ خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَوَاقِيتِ بِخُرُوجِهِ يَزْدَادُ قُرْبًا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ وَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَانِهِ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْوُجُوبَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِهِ اللُّزُومُ وَالتَّرَتُّبُ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَفْسَدَ الْأَجِيرُ حَجَّهُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَمَّا كَوْنُهُ لَا يُجْزِئُهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ ثُمَّ رَدَّهُ وَأَطَالَ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُجْزِئْ عَنْ الْمَيِّتِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِفَاعِلِهِ، وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إلَيْهَا عَلَى صِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ مِنْ الْبَيَانِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا مَاتَ قَبْلَ السَّابِعِ لَا يُعَقُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ إنَّمَا يَجِبُ ذَبْحُهَا فِي يَوْمِ السَّابِعِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي عِبَارَاتِهِمْ، وَلَوْ فَهِمَ ابْنُ رُشْدٍ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الْوُجُوبِ لَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا (تَنْبِيهٌ) : إذَا قُلْنَا: يُحْرِمُ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَيُلَبِّي، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِهِمْ لَا سِيَّمَا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَانِهِ، وَلَا يَخْرُجَ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ، وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَطْلُوبًا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابَ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُحْرِمُ مِنْ قُرْبِ الْبَيْتِ إمَّا تَحْتَ الْمِيزَابِ أَوْ غَيْرَهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ: مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَخُرُوجِ ذِي النَّفَسِ لِمِيقَاتِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا كَانَ فِي نَفَسٍ مِنْ الْوَقْتِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْخُرُوجُ لِمِيقَاتِهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَوَاقِيتُ فِي

الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ سَوَاءٌ إلَّا مَنْ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحِلِّ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ التَّنْعِيمُ وَمَا بَعُدَ مِثْلُ الْجِعْرَانَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَوْ خَرَجَ الطَّارِئُ إلَى مِيقَاتِهِ كَانَ أَفْضَلَ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ وَالْعُمْرَةُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِحْرَامِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ لِمَنْ بِمَكَّةَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا مَوَاقِيتَهُمْ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ لَهُمْ الْإِحْرَامُ مِنْ مَوَاقِيتِهِمْ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ التِّلِمْسَانِيِّ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ فِي غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهَا، وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ وَالْجِعْرَانَةُ أَوْلَى ثُمَّ التَّنْعِيمُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ لِلْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ طَرَفُ الْحِلِّ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ طَرَفِ الْحِلِّ وَأَفْضَلُ جِهَاتِ الْحِلِّ الْجِعْرَانَةُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ مِنْهَا وَلِبُعْدِهَا ثُمَّ يَلِيهَا فِي الْفَضْلِ التَّنْعِيمُ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مِنْهَا وَقَوْلُهُ هُنَا: ثُمَّ التَّنْعِيمُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَنَاسِكِهِ أَوْ التَّنْعِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الْجِعْرَانَةِ عَلَى التَّنْعِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِأَفْضَلِيَّتِهَا فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ وَالْجِعْرَانَةُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَصَوَّبَ الشَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ، وَقَالَ: إنَّ التَّشْدِيدَ خَطَأٌ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى التَّشْدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجِعْرَانَةُ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْعَيْنُ وَتُشَدَّدُ الرَّاءُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ التَّشْدِيدُ خَطَأٌ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ انْتَهَى. ، وَهِيَ إلَى مَكَّةَ أَقْرَبُ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجِهَاتِ بَعْدَهُمَا مُتَسَاوِيَةٌ وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ بَعْدَ التَّنْعِيمِ الْحُدَيْبِيَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَلَّلَ فِيهَا، وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيَجُوزُ فِي يَائِهَا الثَّانِيَةِ التَّخْفِيفُ وَالتَّشْدِيدُ، وَصَوَّبَ الشَّافِعِيُّ التَّخْفِيفَ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى التَّشْدِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَوَائِدُ: الْأُولَى) : اعْتِمَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجِعْرَانَةِ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ إحْرَامَهُ بِالْعُمْرَةِ مِنْهَا كَانَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَمِنْهَا يُحْرِمُ أَهْلُ مَكَّةَ فِي كُلِّ عَامٍ فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ، مَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يُخَالِفُ مَا أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَيُقِيمُونَ الْيَوْمَ السَّابِعَ عَشَرَ بِالْجِعْرَانَةِ وَيُصَلُّونَ الْمَغْرِبَ بِهَا لَيْلَةَ الثَّامِنَ عَشَرَ وَيُحْرِمُونَ وَيَتَوَجَّهُونَ إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ يُلَائِمُ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ يَحْصُلُ لِلنَّاسِ خَوْفٌ فَيَخْرُجُونَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مُحْرِمِينَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ وَرُبَّمَا خَرَجُوا مِنْهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ انْتَهَى. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ عَمَلَ أَهْلِ مَكَّةَ لَكِنْ يَخْرُجُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَبَعْدَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ خَوْفٍ، وَفِي هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَهَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ يُفَوِّتُ فَضِيلَةَ الْإِفْرَادِ بِالْحَجِّ لِمَنْ يَحُجُّ فِي عَامِهِ، وَمِنْهَا اتِّخَاذُ ذَلِكَ سُنَّةً فِي كُلِّ عَامٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا صَادَفَ اعْتِمَارُهُ هَذَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُشْهِرْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ هُنَاكَ حَجَرًا مَحْفُورًا يُسَمُّونَهُ صَحْفَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَخْرَةً عَظِيمَةً يُسَمُّونَهَا نَاقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجْتَمِعُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ عِنْدَهُمَا وَيَعْجِنُونَ فِي الصَّحْفَةِ عَجِينًا وَيُقَطِّعُونَهُ قِطَعًا صِغَارًا يَضَعُونَهَا فِي الدَّرَاهِمِ لِلْبَرَكَةِ وَيَحْمِلُونَ مِنْ مَائِهَا وَيَصُرُّونَ ذَلِكَ مَعَ قِطَعِ الْعَجِينِ لِلْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ، وَمِنْ فَضَائِلِ الْجِعْرَانَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْجُنْدِيُّ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْ

الْجِعْرَانَةِ ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ، وَفِيهَا مَاءٌ شَدِيدُ الْعُذُوبَةِ يُقَالُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَصَ مَوْضِعَ الْمَاءِ بِيَدِهِ الْمُبَارَكَةِ فَانْبَجَسَ فَشَرِبَ مِنْهُ وَسَقَى النَّاسَ وَيُقَالُ: إنَّهُ غَرَزَ فِيهِ رُمْحَهُ فَنَبَعَ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مَزِيدِ فَوَائِدَ عَدِيدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْعُمْرَةِ وَالْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فَمَنْ أَرَادَ الشِّفَاءَ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ يَخْرُجَ بِأُخْتِهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ وَذَلِكَ: أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ فَحَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ وَتَسْعَى لِلْعُمْرَةِ، وَأَدْرَكَهُمْ وَقْتُ الْوُقُوفِ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَلَمَّا قَضَتْ الْحَجَّ قَالَتْ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَرْجِعُ أَنَا بِنُسُكٍ وَاحِدٍ يَعْنِي يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ مُفْرَدَيْنِ وَتَرْجِعُ هِيَ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ أَيْ: بِصُورَةِ نُسُكٍ، فَإِنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ اضْمَحَلَّ فَأَمَرَ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ، وَهَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِك، وَتَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَضَاءِ عُمْرَتِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ حَجِّهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ صُورَتَهَا صُورَةُ الْقَضَاءِ لَا أَنَّهَا قَضَاءٌ حَقِيقَةً؛ إذْ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءٌ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ، وَقَالَ سُفْيَانُ هَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ:) قَالَ سَنَدٌ: وَقَدْ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِي الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ لِمَا يُرْجَى مِنْ تَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ فَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي كُنْتُ قَدْ تَجَهَّزْتُ لِلْحَجِّ فَاعْتَرَضَ لِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ بِحَجَّةٍ» رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْحَجَّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا أَحْجِجْنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: إنَّهَا أَمَرَتْنِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا يَعْدِلُ حَجَّةً مَعَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرِئْهَا السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ، وَأَخْبِرْهَا أَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد انْتَهَى. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ أَفْضَلُ شُهُورِ الْعُمْرَةِ رَجَبٌ وَرَمَضَانُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَانِينِ: وَتَجُوزُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إلَّا لِمَنْ كَانَ مَشْغُولًا بِالْحَجِّ وَأَفْضَلُهَا فِي رَمَضَانَ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي فَضْلِهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَبَعْدَ أَيَّامِ مِنًى لِآخِرِ الْحَجَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، فَإِنَّ إحْرَامَهُ بِهَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَيُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لَهَا، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ فَطَوَافُهُ وَسَعْيُهُ كَالْعَدَمِ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا مِنْ الْحِلِّ وَاجِبٌ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ وَالْمَعُونَةِ: لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ، وَكَذَا قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمَا بَلْ نَقَلَ التَّادَلِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ مَنَاسِكِهِ وَابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ انْعِقَادُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى انْعِقَادِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) إذَا قُلْنَا: إنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَحَكَى ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي الْفَرْعَيْنِ

عَلَى مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ جَمَاعَةَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ، وَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ، وَلَزِمَهُ الدَّمُ لِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ انْتَهَى. (الثَّالِثُ:) حُكْمُ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْحَرَمِ كَأَهْلِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ (الرَّابِعُ:) بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ، وَلَكِنَّهُ إذَا دَخَلَ مِنْ الْحِلِّ فَلَا يَطُوفُ، وَلَا يَسْعَى؛ لِأَنَّ سَعْيَهُ يَقَعُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَحْرَمَ مَكِّيٌّ بِعُمْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً لَزِمَتَاهُ وَصَارَ قَارِنًا، وَيَخْرُجُ لِلْحِلِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِلْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ حَتَّى خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ رَجَعَ وَسَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ خُرُوجِ الْقَارِنِ إلَى الْحِلِّ هُوَ: الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ مَا عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِسَحْنُونٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَإِسْمَاعِيلَ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَحْنُونٍ وَمُحَمَّدٍ وَإِسْمَاعِيلَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ: الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ فِي الْقِرَانِ مُضْمَحِلٌّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ الْحَجُّ، وَالْحَجُّ يَنْشَأُ مِنْ مَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَهْدَى إنْ حَلَقَ) ش: فِي إطْلَاقِ الْهَدْيِ عَلَى هَذَا مُسَامَحَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِدْيَةٌ، وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي إطْلَاقِ الدَّمِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ غَالِبَ اسْتِعْمَالِهِمْ لَفْظَ إنَّمَا هُوَ فِي الْهَدْيِ لِتَعَيُّنِهِ فِيهِ ابْتِدَاءً وَعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّمِ فِي الْفِدْيَةِ انْتَهَى. وَإِطْلَاقُ الْهَدْيِ عَلَيْهِ أَشَدُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمُ وَقَرْنٌ وَذَاتُ عِرْقٍ) ش: الضَّمِيرُ فِي لَهُمَا رَاجِعٌ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ فَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ إذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ» فَأَمَّا ذُو الْحُلَيْفَةِ فَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ تَصْغِيرُ حَلْفَةَ، وَهُوَ مَاءٌ لِبَنِي جُشَمٍ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا عَشْرُ مَرَاحِلَ أَوْ تِسْعٌ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ سِتَّةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ سَبْعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مُسْدِي، وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ دُونَهَا وَبَيْنَ الْحُلَيْفَةِ وَمَكَّةَ نَحْوُ الْمِائَتَيْ مِيلٍ تَقْرِيبًا قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ وَمَسْجِدُهُ يُسَمَّى مَسْجِدَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ خَرِبَ، وَبِهَا الْبِئْرُ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْعَوَامُّ بِئْرَ عَلِيٍّ يَنْسُبُونَهَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ بِهَا، وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يَرْمِي بِهَا حَجَرًا، وَلَا غَيْرَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهِيَ دَاخِلُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَفِي بُعْدِهَا مَعْنًى لَطِيفٌ، وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَتَلَبَّسُونَ بِالْإِحْرَامِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَيَخْرُجُونَ مُحْرِمِينَ مِنْ حَرَمٍ إلَى حَرَمٍ فَيَتَمَيَّزُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمَدِينَةِ بِحُصُولِ شَرَفِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَالْحَاصِلُ بِغَيْرِهِ شَرَفُ الِانْتِهَاءِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَأَمَّا الْجُحْفَةُ فَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الرُّومِ وَبِلَادُ التَّكْرُورِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الشَّرْحِ

وَهِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ خَمْسَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ عَلَى نَحْوِ ثَمَانِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَكَانَتْ عَامِرَةً ذَاتُ مِنْبَرٍ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ سُمِّيَتْ جُحْفَةَ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا، وَحَمَلَ أَهْلَهَا انْتَهَى. وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا بِذَلِكَ فِي زَمَانِهِ وَالسَّيْلُ إنَّمَا أَجْحَفَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ انْتَهَى. (قُلْت:) : وَالظَّاهِرُ: أَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا قَبْلَ هَذَا الْإِجْحَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى مَهْيَعَةَ فَنَزَلَهَا بَنُو عُبَيْدٍ، وَهُمْ إخْوَةُ عَادٍ حِينَ أَخْرَجَهُمْ الْعَمَالِيقُ مِنْ يَثْرِبَ فَجَاءَهُمْ سَيْلٌ فَأَجْحَفَهُمْ فَسُمِيَتْ الْجُحْفَةَ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَأَجْحَفَهُمْ أَيْ أَهْلَكَهُمْ وَيُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا فِي وَقْتٍ انْتَهَى. وَمَهْيَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ هَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ عَلَى وَزْنِ جَمِيلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهَا حُمَّى الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ يَوْمئِذٍ دَارَ الْيَهُودِ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا مُسْلِمٌ وَيُقَالُ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إلَّا حُمَّ، وَهِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ رَابِغٍ الَّذِي يُحْرِمُ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى مَكَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ مَهْيَعَةَ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ الْجُحْفَةِ انْتَهَى. وَحَدِيثُ الدُّعَاءِ بِنَقْلِ حُمَّى الْمَدِينَةِ إلَى الْجُحْفَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَالْجُحْفَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَحْرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَأَمَّا يَلَمْلَمُ فَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ وَيَمَانِيِّ تِهَامَةَ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مِيمٌ وَيُقَالُ: أَلَمْلَمَ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ فِي مَوْضِعِ الْيَاءِ ثُمَّ لَامٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنْ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ: يَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ، وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَأَمَّا قَرْنٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ الْيَمَنِ وَأَهْلِ نَجْدٍ الْحِجَازَ وَالنَّجْدُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَحَدُّهُ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ وَإِلَى الْيَمَامَةِ وَإِلَى جَبَلَيْ طَيِّئٍ وَإِلَى جُدَّةَ وَإِلَى الْيَمَنِ وَذَاتُ عِرْقٍ أَوَّلُ تِهَامَةَ إلَى الْبَحْرِ وَجُدَّةُ، وَقِيلَ: تِهَامَةُ مَا بَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْمَغْرِبِ فَهُوَ غَوْرٌ وَالْمَدِينَةُ لَا تِهَامِيَّةٌ، وَلَا نَجْدِيَّةٌ، فَإِنَّهَا فَوْقَ الْغَوْرِ وَدُونَ نَجْدٍ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَرْنٌ هُوَ جَبَلٌ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ، وَقَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعُونَ مِيلًا انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ مُسَدِّيٍّ فِي مَنْسَكِهِ إنَّ أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ يَلَمْلَمُ، وَقَالَ: إنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثِينَ مِيلًا، وَقَالَ بَيْنَ مَكَّةَ وَقَرْنٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَهُوَ غَرِيبٌ، فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ أَنَّ بَيْنَ مَكَّةَ وَقَرْنٍ أَرْبَعِينَ مِيلًا وَبَيْنَ مَكَّةَ وَيَلَمْلَمَ أَرْبَعِينَ مِيلًا، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَرْنٍ وَيَلَمْلَمَ وَذَاتِ عِرْقٍ: إنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَنَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ اثْنَانِ أَرْبَعُونَ مِيلًا، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَأَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَيَلِيهِ فِي الْبُعْدِ الْجُحْفَةُ، وَأَمَّا يَلَمْلَمُ وَذَاتُ عِرْقٍ وَقَرْنٌ فَقِيلَ: مَسَافَةُ الْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ بَيْنَ الْمِيقَاتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ قَاصِرَتَانِ (قُلْت:) فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ الثَّلَاثَةَ مُتَقَارِبَةُ الْمَسَافَةِ إلَّا أَنَّ قَرْنًا أَقْرَبُهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْمُصَنِّف فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ وَأَصْلُ الْقَرْنِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ الْمُسْتَطِيلُ الْمُنْقَطِعُ عَنْ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ

قَرْنُ الْمَنَازِلِ أَوْ قَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهُوَ خَطَأٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ هَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ الْقَرْنَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا فِي هُبُوطٍ يُقَالُ: لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَالْآخَرُ عَلَى ارْتِفَاعٍ، وَهِيَ الْقَرْيَةُ وَكِلَاهُمَا مِيقَاتٌ، وَقِيلَ: قَرْنٌ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَوْضِعِ وَقَرَنٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْجَبَلُ الَّذِي تَفْتَرِقُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ فِيهِ طُرُقٌ مُفْتَرِقَةٌ انْتَهَى. وَعَزَا صَاحِبُ الْإِكْمَالِ هَذَا الْقَوْلَ الْآخَرَ لِلْقَابِسِيِّ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَيُقَالُ لَهُ: قَرْنٌ غَيْرُ مُضَافٍ وَسَمَّاهُ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ قَرْنَ الْمَعَادِنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَخْطَأَ الْجَوْهَرِيُّ فِيهِ خَطَأَيْنِ فَاحِشَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا: بَنُو قَرَنٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهِيَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِهِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ قَرَنٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ذَاتُ عِرْقٍ فَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبِلَادِ فَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَمَنْ وَرَاءَهُمْ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَيْنَهُمَا اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَيُقَالُ: إنَّ بِنَاءَهَا تَحَوَّلَ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَتُتَحَرَّى الْقَرْيَةُ الْقَدِيمَةُ وَيُذْكَرُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا لَا بِأَسْمَائِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمِيقَاتُ قَرْيَةً فَخَرِبَتْ، وَانْتَقَلَتْ عِمَارَتُهَا وَاسْمُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ فَأَخَذَ بِهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبُيُوتِ وَقَطَعَ بِهِ الْوَادِيَ وَأَتَى بِهِ الْمَقَابِرَ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ ذَاتُ عِرْقٍ الْأُولَى انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى جِهَاتِ الْحَرَمِ انْتَهَى. وَالْمَوَاقِيتُ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى، وَهِيَ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمُ وَقَرْنٌ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوْقِيتِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ فَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ تَوْقِيتِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ: اُنْظُرُوا حَذْوهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ، وَالْمُرَادُ بِ " الْمِصْرَانِ " الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ وَالْمُرَادُ بِفَتْحِهِمَا بِنَاؤُهُمَا، فَإِنَّهُمَا بُنِيَتَا فِي خِلَافَةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُمَا مِصْرَيْنِ وَقَوْلُهُ: جَوْرٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ: مَائِلَةٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَّتَ عُمَرُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُوَطَّإِ مَنْ وَقَّتَهَا، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا مِنْ تَوْقِيتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ «سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْسِبُهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ الْجُحْفَةُ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» وَقَوْلُهُ: عَنْ الْمُهَلِّ هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: مِنْ وَضْعِ الْإِهْلَالِ، وَكَذَلِكَ مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ نَجْدٍ وَأَهْلِ الْيَمَنِ أَيْ: مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ اسْمُ مَكَان مِنْ أَهَلَّ وَقَوْلُهُ: أَحْسِبُهُ يَعْنِي أَبَا الزُّبَيْرِ فَقَالَ: أَظُنُّ أَنَّ جَابِرًا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْزِمْ بِرَفْعِهِ انْتَهَى. (قُلْت:) لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَلَى الْجَزْمِ وَبِرَفْعِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَجَزَمَ بِرَفْعِهِ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَكِنْ فِي

سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْجُوَيْرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ ظَهَرَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ قُوَّتُهُ وَصَلَاحِيَّتُهُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ (الثَّانِي:) قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَفِيَ عَلَى عُمَرَ، وَلَا غَيْرِهِ (قُلْت:) يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى؛ لِأَنَّ الْعِرَاقِ لَمْ تُفْتَحْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ حَتَّى يَكُونَ إهْلَالًا شَائِعًا ذَائِعًا، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ بَيَانًا لِمَا سَيَكُونُ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَى مُعْظَمِ الصَّحَابَةِ، كَمَا خَفِيَ عَلَى عُمَرَ تَوْرِيثُ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ وَخَفِيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمْرُ الْجَدَّةِ حَتَّى رُوِيَ لَهُ حُكْمُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا انْتَهَى. (قُلْت:) فَيُحْمَلُ تَوْقِيتُ سَيِّدِنَا عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ فَوَقَّتَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ فَوَافَقَ نَصَّ الْحَدِيثِ، وَقَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ قِيلَ: فَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا مُشْرِكِينَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِيقَاتٌ (قُلْنَا) عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ جَاءَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ نَفْسِهَا وَالثَّانِي: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُلِمَ أَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ كَمَا يُسْلِمُ أَهْلُ الشَّامِ وَكَمَا قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ» انْتَهَى. (قُلْت:) يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ، وَلَمْ تَكُونَا فُتِحَتَا، فَكَذَلِكَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ، وَقَدْ عَلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَيُفْتَحُ بَعْدَهُ وَزُوِيَتْ لَهُ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا، وَقَالَ: «سَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» وَكَمَا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ، وَقَدْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيّ الْحَدِيثَ بِمَا تَقَدَّمَ أَعْنِي كَوْنَ الْعِرَاقِ لَمْ تُفْتَحْ حِينَئِذٍ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَحَبَّ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ لِحَدِيثِ أَبِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ بِمَرْحَلَتَيْنِ أَوْ مَرْحَلَةٍ وَالْعَقِيقُ كُلُّ وَادٍ نَسَفَتْهُ السُّيُولُ، وَفِي بِلَادِ الْعَرَبِ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ تُسَمَّى بِالْعَقِيقِ عَدَّهَا بَعْضُهُمْ عَشْرَةً، وَوَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ نُصُوصِ الْأَحَادِيثِ وَإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ إذَا جَاوَزُوا الْعَقِيقَ وَأَحْرَمُوا مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، فَإِنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ كَانَ الْعَقِيقُ مِيقَاتًا لَهُمْ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الدَّمُ بِتَرْكِهِ (قُلْت:) وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي إسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَقَدْ ضَعَّفُوهُ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاقِيتَ الْخَمْسَةَ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ: - عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِيّ ... وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيُّ وَالشَّامِيُّ جُحْفَةُ إنْ مَرَرْتَ بِهَا ... وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنُ فَاسْتَبِنِ وَلَمْ يُنَوِّنْ الْجُحْفَةَ، وَلَا " قَرْنُ " اهـ. (الرَّابِعُ:) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ حُكْمِ الْمَوَاقِيتِ: يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَّ لَهُنَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ يَعْنِي أَنَّهُ بِالتَّأْنِيثِ فِي قَوْلِهِ: لَهُنَّ قَالَ: وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ هُنَّ لَهُمْ يَعْنِي بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ أَهْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَالَ: وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُنَّ عَائِدٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ وَالْأَقْطَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ وَالشَّامُ وَالْيَمَنُ وَنَجْدٌ أَيْ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِهَذِهِ الْأَقْطَارِ، وَالْمُرَادُ لِأَهْلِهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: هُنَّ بِالتَّأْنِيثِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَكْثَرُ مَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ، وَمَا جَاوَزَ

الْعَشَرَةَ اسْتَعْمَلَتْهُ بِالْأَلِفِ وَالْهَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] أَيْ: مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ قِيلَ: فِي الِاثْنَيْ عَشْرَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ شَاذٌّ فَاعْلَمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ، فَإِنَّهَا مِنْ النَّفَائِسِ (قُلْت:) ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَهُنَّ فَجَمْعُ مَنْ لَا يَعْقِلُ بِالْهَاءِ وَالنُّونِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُهُ وَأَكْثَرُ مَا تَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَتَسْتَعْمِلُ مَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ بِالْهَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ الْآيَةَ. ص (وَمَسْكَنٌ دُونَهَا) ش: يَعْنِي بِهِ أَنَّ مَنْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ: «وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي الْحِلِّ أَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ الْقِرَانَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) إذَا قُلْنَا يُحْرِمُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَمِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ؟ قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُحْرِمُ مِنْ دَارِهِ أَوْ مِنْ مَسْجِدِهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ ذَلِكَ، وَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: مِنْ دَارِهِ فَلِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ» ، وَإِنْ قُلْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ فَوَاسِعٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيُحْرِمُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَأْتُونَ مَسْجِدَهُمْ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ حَدِّ قَرْيَتِهِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ وَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَدْ سُئِلَ فِي مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ أَيُحْرِمُ مِنْ وَسَطِ الْوَادِي أَوْ مِنْ آخِرِهِ؟ قَالَ: كُلُّهُ مُهَلٌّ، وَمِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيْهِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْمَوَّازِيَّةِ بِكَمَالِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ (الثَّالِثُ:) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا كَمِصْرِيٍّ حُكْمُ مَا إذَا سَافَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ لِمَا وَرَاءَ مَنْزِلِهِ أَوْ لِمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ أَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ فَهُوَ كَمَنْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ مِنْ مِيقَاتِهِ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ انْتَهَى.، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوْ مَرَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَاذَى وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَرَّ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا الْمِصْرِيَّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ إذَا مَرُّوا بِالْحُلَيْفَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَمَنْ كَانَ بَلَدُهُ بَعِيدًا مِنْ الْمِيقَاتِ مَشْرِقًا عَنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مَغْرِبًا عَنْهُ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعِهِ لَمْ يَرَ مِيقَاتًا، وَإِذَا قَصَدَ إلَى الْمِيقَاتِ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ مَسَافَةُ بَلَدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ مِثْلَ مَسَافَةِ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ، فَإِذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ بِالتَّقْدِيرِ وَالتَّحَرِّي أَحْرَمَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ السَّيْرُ إلَى الْمِيقَاتِ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا حَاذَوْا الْمِيقَاتَ أَحْرَمُوا انْتَهَى. (فَرْعٌ) حُكْمُ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ حِذَاءَ الْمِيقَاتِ حُكْمُ مَنْ حَاذَى الْمِيقَاتَ فِي السَّيْرِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ حِذَاءَ الْمِيقَاتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتَ انْتَهَى. لَكِنْ إنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الذَّهَابُ إلَى الْمِيقَاتِ قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ حُكْمِ الْمَوَاقِيتِ: إنَّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِقُرْبِ الْمَوَاقِيتِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ قَالَهُ فِيمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ (قُلْت:) وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرِيدَ الْحَجِّ أَوْ الْقِرَانِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمَكِّيَّ إذَا مَرَّ بِمِيقَاتٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ حَاذَاهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَرَّ مَكِّيٌّ بِأَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَجَاوَزَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ جَاوَزَهُ يُرِيدُ إحْرَامًا بِأَحَدِهِمَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَكَذَلِكَ

لَوْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ، فَإِنْ كَانَ إذَا جَاوَزَهُ مَرِيدًا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ فِي دُخُولِهِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ يَقْدَمُ مَعَهُمْ فَذَلِكَ مِيقَاتٌ لَهُ قَالَ سَنَدٌ إذَا مَرُّوا عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ أَوْ يَلَمْلَمَ أَوْ قَرْنٍ صَارَ ذَلِكَ مِيقَاتًا لَهُمْ، فَإِنْ تَعَدَّوْهُ فَعَلَيْهِمْ دَمٌ؛ إذْ لَا يَتَعَدَّوْنَهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُمْ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَكِّيُّ يَقْدَمُ مَعَهُمْ فَذَلِكَ مِيقَاتٌ لَهُ قَالَ سَنَدٌ فِي بَاب الْمَوَاقِيتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى إحْرَامِ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ مَا نَصُّهُ: لَوْ سَافَرَ الْمَكِّيُّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إلَّا كَمِصْرِيٍّ، فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمِصْرِيِّ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِهِمْ وَالْإِحْرَامُ لِلْجُحْفَةِ؛ لِأَنَّهَا مِيقَاتُهُمْ أَنْ يَجُوزَ لِلْمَكِّيِّ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ إلَى مَكَّةَ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمَوَاقِيتَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِئَلَّا يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَلَوْ أَجَزْنَا لِلْمَكِّيِّ دُخُولَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَزِمَ مِنْهُ إبْطَالُ الْحِكَمِ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَتْ الْمَوَاقِيتُ، وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ فِي الْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ (قُلْت:) وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَلَا يُؤَخِّرُ لِلْجُحْفَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ بِبَحْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ، وَلَا يُؤَخِّرُ إلَى الْبَرِّ وَهَكَذَا قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ وَنَصُّهُ: وَمَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ أَحْرَمَ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ إذَا حَاذَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِسَنَدٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ يُؤَخِّرُ لِلْبَرِّ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَرُدَّهُ الرِّيحُ فَيَبْقَى مُحْرِمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَ قَوْلِ سَنَدٍ فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا يُحْرِمُ فِي السُّفُنِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ: عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَشَبَهِهِمْ إذَا حَاذَى الْجُحْفَةَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَبْقَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا، وَأَجْمَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا حَكَاهُ عَنْ سَنَدٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَنَدًا يَقُولُ: مَنْ أَتَى بَحْرَ عَيْذَابَ حَيْثُ لَا يُحَاذِي الْبَرَّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ فِي الْبَحْرِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَرِّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَلَى بَرٍّ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْبَرِّ هَدْيٌ، أَمَّا إنْ أَتَى عَلَى بَحْرِ الْقُلْزُمِ حَيْثُ يُحَاذِي الْبَرَّ فَالْإِحْرَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَاجِبٌ لَكِنْ يُرَخَّصُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الْبَرِّ، وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْأَوَّلَ فِي إحْرَامِهِ فِي الْبَحْرِ عَلَى مُحَاذَاةِ الْجُحْفَةِ خَطَرٌ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَرُدَّهُ الرِّيحُ فَيَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَتَيَسَّرَ لَهُ إقْلَاعٌ سَالِمٌ قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ مِنْ الدِّينِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوَازُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ نَفْيُ الدَّمِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ، وَلَا دَلِيلَ، أَمَّا الثَّانِي، فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ الْبَرِّ مِنْ نَفْسِ الْجُحْفَةِ وَالسَّيْرِ فِيهِ لَكِنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي النُّزُولِ إلَى الْبَرِّ وَمُفَارَقَةِ رَحْلِهِ فَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ لِلصَّرُورَةِ مَعَ إلْزَامِهِ الْهَدْيَ كَمَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ لِلصَّرُورَةِ مَعَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى فَقَدْ ظَهَرَ الْإِجْمَالُ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ سَنَدٍ وَأَنَّ قَوْلَ سَنَدٍ لَيْسَ كَرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ سَنَدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: وَكَذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي مَنَاسِكِهِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبُوهُ بِأَنَّهُ خِلَافٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ قَبِلُوا تَقْيِيدَهُ كَلَامَ مَالِكٍ بِمَا ذَكَرَ، وَهَذَا هُوَ: الظَّاهِرُ فَيَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهِ، وَقَدْ شَاهَدْتُ الْوَالِدَ يُفْتِي بِمَا قَالَهُ سَنَدٌ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) قَالَ سَنَدٌ: وَلَا يَرْحَلُ مِنْ جُدَّةَ إلَّا مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ إنَّمَا كَانَ لِلصَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ

وَهَلْ يُحْرِمُ إذَا وَصَلَ الْبَرَّ أَوْ إذَا ظَعَنَ مِنْ جُدَّةَ يُحْتَمَلُ وَالظَّاهِرُ: إذَا ظَعَنَ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ مَنْ أَحْرَمَ وَقَصَدَ الْبَيْتَ أَنْ يَتَّصِلَ إهْلَالُهُ بِالْمَسِيرِ (الثَّانِي:) هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي جِهَةِ الشَّامِ فِي بَحْرِ عَيْذَابَ وَبَحْرِ الْقُلْزُمِ يُقَالُ: مِثْلُهُ فِي جِهَةِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا كَمِصْرِيٍّ بِمَا يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ فَهِيَ أَوْلَى) ش: أَشَارَ بِالْكَافِ لِلْمَغَارِبَةِ وَالشَّامِيِّينَ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَشَارَ بِهَا لِذَلِكَ وَلِمَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِمْ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ، وَهُوَ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ إذَا سَافَرَ لِمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، وَنَصُّهُ: مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ وَسَافَرَ لِمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَتَى مُرِيدًا لِدُخُولِ مَكَّةَ فَهَذَا لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى مَنْزِلِهِ كَمَا يُؤَخِّرُ الْمِصْرِيُّ إحْرَامَهُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ إلَى الْجُحْفَةِ فَيُنْظَرُ هَاهُنَا إنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَخَّرَ إحْرَامَهُ إلَى مَنْزِلِهِ إنْ شَاءَ إذَا كَانَ مَنْزِلُهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ مَكَّةَ إذْ لَا يَدْخُلُ الْمَكِّيُّ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا فَلَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مَنْزِلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي مَرَّ بِهِ، وَهُوَ كَمَنْ لَا مِيقَاتَ لِإِحْرَامِهِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الدَّاخِلُ مُعْتَمِرًا نَظَرْتُ، فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي الْحِلِّ جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَجُزْ كَالْمَكِّيِّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ مَرَّ مِنْ مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ بِمِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمُعَيَّنَةِ الْعَامَّةِ، وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ، وَلَا يُؤَخِّرَ الْإِحْرَامَ إلَى بَيْتِهِ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» وَيُخَالِفُ هَذَا مَنْ كَانَ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةَ وَمَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ؛ لِأَنَّ الْجُحْفَةَ مِيقَاتٌ مَنْصُوبٌ نَصْبًا عَامًّا لَا يَتَبَدَّلُ بِخِلَافِ الْمَنْزِلِ، فَإِنَّهُ إضَافِيٌّ يَتَبَدَّلُ بِالسَّاكِنِ فَانْفَصَلَا انْتَهَى. (قُلْت:) وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ: أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْمِصْرِيِّ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْلَى وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَانْظُرْ عَلَى مَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إذَا سَافَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ إلَى مَنْزِلٍ أَبْعَدَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ دُونَ الْمِيقَاتِ أَيْضًا ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَوْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَنْزِلِ الْأَبْعَدِ أَوْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ الَّذِي هُوَ بِهِ لَيْسَ بِمِيقَاتٍ عَامٍّ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمَنْزِلِ الْأَبْعَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت:) وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ إلَى مَنْزِلِهِ وَأَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ، وَلَمْ يُرِدْ دُخُولَ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ كَمَا لَوْ كَانَ مَسْكَنُهُ بِالْحَرَمِ وَأَرَادَ دُخُولَهُ، وَلَمْ يُرِدْ دُخُولَ مَكَّةَ أَوْ أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ دُونَ مَكَّةَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فَقَالَ، وَقَالَ غَيْرُ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّ حُكْمَ دُخُولِ الْحَرَمِ حُكْمُ دُخُولِ مَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ، وَلَمْ يُلْحِقْ الْمَالِكِيَّةُ الْحَرَمَ بِمَكَّةَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَالْمَارُّ بِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ أَوْ كَعَبْدٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَا دَمَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إلَّا مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدَ النُّسُكِ قَالَ فِيهَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ حِينَ دَخَلَ الْحَرَمَ حَلَالًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْحَرَمِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَهَذَا فِيمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ إلَى مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى دُخُولِ مَكَّةَ أَمَّا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمُرُورُ إلَى مَنْزِلِهِ إلَّا بِالْمُرُورِ عَلَى مَكَّةَ فَلَا إشْكَالَ فِي

أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمِصْرِيَّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ إذَا مَرُّوا بِالْحُلَيْفَةِ فَالْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْهَا، وَيَجُوزُ لَهُمْ التَّأْخِيرُ لِلْجُحْفَةِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمِصْرِيِّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ يَمُرُّونَ بِالْجُحْفَةِ أَوْ يُحَاذُونَهَا، أَمَّا إنْ أَرَادُوا تَرْكَ الْمُرُورِ بِالْجُحْفَةِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ إنْ أَرَادَ الْمِصْرِيُّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ تَرْكَ الْمَمَرِّ بِالْجُحْفَةِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ إذَا مَرُّوا عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرُوا إلَى الْجُحْفَةِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ لَمْ يَمُرُّوا بِالْجُحْفَةِ فَلَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا لِيُحْرِمُوا إذَا حَاذَوْهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَمُرُّ بِمِيقَاتِهِ فَمُهَلُّهُ إذَا حَاذَاهُ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُرُورُ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ بِالْجُحْفَةِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرُورُهُمْ عَلَى مَوْضِعٍ يُحَاذِي مِيقَاتَهُمْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ تَقْيِيدٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَا خِلَافٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ تُرِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ مُشْكِلًا، وَلِذَلِكَ اسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: اُنْظُرْ لِمَ ذَلِكَ، وَهُمْ يُحَاذُونَ الْجُحْفَةَ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَقْيِيدَ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامُ سَنَدٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الطِّرَازِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا كَمِصْرِيٍّ إلَخْ أَنَّ غَيْرَ الْمِصْرِيِّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ كَالْعِرَاقِيِّ وَنَحْوِهِ إذَا مَرُّوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْهَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مَنَاسِكِهِ قَالَ: وَلَوْ مَرَّ الْعِرَاقِيُّ وَنَحْوُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ إذْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ فَقَوْلُهُ: إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ إنْ أَخَّرُوا الْإِحْرَامَ عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لَزِمَهُمْ الدَّمُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ، فَقَالَ: وَمَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَوْ نَجْدٍ أَوْ الْعِرَاقِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَارَتْ مِيقَاتًا لَهُ لَا يَتَعَدَّاهَا، فَإِنْ تَعُدَّاهَا إلَى الْجُحْفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إذْ لَا يَتَعَدَّاهَا إلَى مِيقَاتٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ خَلَا أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ فَذَلِكَ لَهُمْ إذْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتُهُمْ، وَالْفَضْلُ لَهُمْ فِي إحْرَامِهِمْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وَنَجْدٍ: وَمَنْ مَرَّ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالْمَدِينَةِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إذْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِمِيقَاتٍ لَيْسَ لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِيقَاتُهُ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الَّذِي مَرَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ هَذَا الَّذِي مَرَّ بِهِ مِيقَاتًا لَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِيقَاتٌ لَهُ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْقِينِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَتَّى إنَّهُمْ إنْ أَخَّرُوا عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهْدَوْا، وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَأُحِبُّ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ إنْ مَرُّوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ وَجَّهَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوَّلُ: أَبْيَنُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ يُجَاوِزَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ انْتَهَى. فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ إحْرَامَ الْحَائِضِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْحُلَيْفَةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهِمْ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ ` `، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إحْرَامِهَا الْآنَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَكَانَتْ تَرْتَجِي إذَا أَخَّرَتْ إلَى الْجُحْفَةِ أَنْ تَطْهُرَ وَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ لِلْإِحْرَامِ

فرع من أحرم من ذي الحليفة

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا تُؤَخِّرُ إلَى الْجُحْفَةِ رَجَاءَ أَنْ تَطْهُرَ، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَفْضَلُ إجْمَاعًا، فَإِنَّهَا تُقِيمُ فِي الْعِبَادَةِ أَيَّامًا قَبْلَ أَنْ تَصِل إلَى الْجُحْفَةِ فَلَا يَفِي غُسْلُهَا بِفَضْلِ تَقْدِمَةِ إحْرَامِهَا مِنْ مِيقَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. (قُلْتُ:) ، وَفِي قَوْلِهِ: لَا يَفِي غُسْلُهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَغْتَسِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَفِي رُكُوعُهَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الَّذِي يَفُوتُهَا فِي تَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا، وَنَصُّهُ: إنْ كَانَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ مِنْ أَهْلِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَمْكَنَهَا الْمُقَامُ فِي أَهْلِهَا حَتَّى تَطْهُرَ فَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ أَنْ لَا تُعَجِّلَ بِالسَّفَرِ إنْ لَمْ تَدْعُهَا إلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَتُؤَخِّرَ حَتَّى تَطْهُرَ فَتَغْتَسِلَ وَتَرْكَعَ وَتُحْرِمَ عَلَى أَكْمَلِ حَالِهَا، وَقَالَ مَالِكٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: تَغْتَسِلُ، وَلَا تُؤَخِّرُ لِانْتِظَارِ الطُّهْرِ، وَهُوَ بَيِّنٌ، فَإِنَّهَا إذَا أَحْرَمَتْ مِنْ الْآنَ دَخَلَتْ فِي الْعِبَادَةِ، وَاَلَّذِي يَفُوتُهَا مِنْ الْفَضِيلَةِ بِالْحِرْمَانِ فَوْقَ مَا يَفُوتُهَا مِنْ فَضِيلَةِ الْغُسْلِ بَعْدَ أَيَّامٍ وَزَمَانٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُنَنِ الْإِحْرَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا، وَفِي كَلَامِ سَنَدٍ الْأَخِيرِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ: التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ إذَا كَانَتَا مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لَا يُرَخَّصُ لَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ فِي تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ رَجَاءَ أَنْ تَطْهُرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ وَنَصُّهُ: وَلَا تُؤَخِّرُ الْحَائِضُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَى الْجُحْفَةِ رَجَاءَ أَنْ تَطْهُرَ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَوْ مِمَّنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا، وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ الْأَوَّلِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحَلِيفَة] (فَرْعٌ) وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ غَيْرِ الْحَائِضِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ يَرْكَبَ ثُمَّ يُهِلَّ، وَالْحَائِضُ تُحْرِمُ مِنْ فِنَاءِ مَسْجِدِهَا قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: وَيُجْبَرُ الْكَرِيُّ أَنْ يُنِيخَ بِالْمُكْتَرِي بِبَابِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يُصَلُّوا ثُمَّ يَرْكَبُونَ فَيُهِلُّونَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: اذْهَبُوا فَصَلُّوا ثُمَّ تَأْتُونَ إلَيَّ فَأَحْمِلُكُمْ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَتُحْرِمُ الْحَائِضُ مِنْ رَحْلِهَا إنْ كَانَتْ بِالْجُحْفَةِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ هُنَيْهَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِالشَّجَرَةِ يُرِيدُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَمِنْ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّهُ خَلَلٌ وَذَلِكَ: أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ مَوْضِعٌ يُقْصَدُ لِرُكُوعِ الْإِحْرَامِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ عَدَاهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَوَّلُ الْمِيقَاتِ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْكَرِيِّ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُرِفَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْكَرِيُّ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : اُخْتُلِفَ فِي الْمَدَنِيِّ الْمَرِيضِ هَلْ يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَقَالَ مَرَّةً: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ لِمَا يَرْجُوهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلْيُحْرِمْ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ افْتَدَى، وَقَالَ مَرَّةً: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى الْجُحْفَةِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَاللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ: أَقْيَسُ، وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مَخِيطٍ أَوْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَعَلَ وَافْتَدَى انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْأَوَّلُ: أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُبِيحُ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتٌ يَجُوزُ لِبَعْضِ النُّسَّاكِ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ فَكَانَتْ الصَّرُورَةُ وَجْهًا فِي جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ: انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَوَّلُ: أَقْيَسُ ابْن بَزِيزَةَ وَالْمَشْهُورُ: الثَّانِي لِلصَّرُورَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُؤَخِّرُ إلَى مَكَّةَ وَرُبَّ مَرِيضٍ أَرَى لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي تَأْخِيرِ الْمَدَنِيِّ إحْرَامَهُ لِلْجُحْفَةِ لِمَرَضٍ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ إحْدَى رِوَايَتَيْ مُحَمَّدٍ وَنَقَلَ ابْنُ

عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلَيْنِ لَا بِقَيْدِ الْمَرَضِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا نَقْلَ أَبِي عُمَرَ إنْ أَخَّرَ الْمَدَنِيُّ لِلْجُحْفَةِ فَفِي لُزُومِ الدَّمِ قَوْلَا مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. (قُلْت:) لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَيْدُ الْمَرَضِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسَخٍ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا نَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَدَنِيِّ الْمَرِيضِ هَلْ يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ انْتَهَى. وَاعْتَمَدَ فِي الشَّامِلِ تَشْهِيرَ ابْنَ بَزِيزَةَ فَقَالَ وَرَخَّصَ لِلْمَدَنِيِّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مَرِيضًا فِي تَأْخِيرِهِ لِلْجُحْفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ: لَا لِمَكَّةَ انْتَهَى. وَكَذَا التِّلِمْسَانِيُّ وَسَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَنَصُّهُ: وَالْمَرِيضُ يُحْرِمُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ افْتَدَى، وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْجُحْفَةِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِحْرَامَ لِمَرَضِهِ حَتَّى يَقْرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِغَيْرِ مِيقَاتٍ لَهُ فَلَا يَفْعَلُ وَلْيُحْرِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْن بَزِيزَةَ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ رَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ التَّأْخِيرُ حَرَامٌ وَيَجِبُ بِسَبَبِ الْهَدْيِ أَمْ لَا وَلَفْظُ النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمُ: لَا يَنْبَغِي، وَهَكَذَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَصُّهُ: وَهَلْ لِلْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُؤَخِّرَ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِعُذْرِهِ وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلْيُحْرِمْ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ افْتَدَى انْتَهَى. فَلَعَلَّهُ فَهِمَ قَوْلَ لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَفِي كَلَامِهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمَرِيضِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ: ظَاهِرٌ وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَيَعْنِي بِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْمِصْرِيِّ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحُلَيْفَةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ كَانَ الْمَدَنِيُّ غَيْرَ مَرِيضٍ وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَسُقُوطِهِ قَوْلَانِ، وَالْوُجُوبُ لِمَالِكٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالسُّقُوطِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ اُخْتُلِفَ فِي مُرِيدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُجَاوِزُ مِيقَاتَهُ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَدَنِيُّ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهُ انْتَهَى. وَهَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَرَضٍ، وَلَا بِغَيْرِ مَرَضٍ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّحِيحُ وَلِذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُؤَخِّرُهُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَالدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ بِغَيْرِ قَيْدِ الْمَرَضِ إلَّا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الطَّاعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قِيلَ: لِمَالِكٍ فِي مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ أَيُحْرِمُ مِنْ وَسَطِ الْوَادِي أَوْ آخِرِهِ قَالَ كُلُّهُ مُهَلٌّ وَلْيُحْرِمْ مِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَ الْجُحْفَةِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَسُئِلَ أَيْضًا: أَيُحْرِمُ مِنْ الْجُحْفَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ أَحَبُّ إلَيْنَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ سَنَدٌ وَذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي رَسْمِ حَلَفَ لَيَرْفَعَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَمِنْ الْأَوَّلِ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَلَمْ يَزِدْ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ الْأَوَّلَ أَعْنِي قَوْلَهُ: مُهَلٌّ وَمِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ وَعَزَاهُ لِلْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرُ وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُ مَالِكٍ بِالْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ رَابِغٌ أَمْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَنْ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ لِلْإِحْرَامِ فِي مَسْجِدِهَا

ثُمَّ يُحْرِمَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ، وَتُحْرِمَ الْحَائِضُ مِنْ فِنَائِهِ، وَلَا تَدْخُلَ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَسْجِدَهَا يُقْصَدُ لِرُكُوعِ الْإِحْرَامِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ عَدَاهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَوَّلُ الْمِيقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ مُسَدِّيٍّ فِي خُطْبَةِ مَنْسَكِهِ: وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: مِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ؟ قَالَ: أَحْرِمْ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا، وَقَالَ: فَإِنْ زِدْتُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ، قَالَ وَمَا فِي هَذِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ إنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ فِي هَذَا؟ قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَرَى أَنَّكَ أَصَبْتَ فَضْلًا قَصَّرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَرَى أَنَّ اخْتِيَارَكَ لِنَفْسِكَ فِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَكَ وَاخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا رُوِّينَا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي فَكُلُّ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يُوَافِقْ السُّنَّةَ مِنْ ذَلِكَ فَاتْرُكُوهُ انْتَهَى. ص (وَإِزَالَةُ شَعَثِهِ) ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الَّذِي يُرِيدُ الْإِحْرَامَ يَعْنِي أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ أَنْ يُزِيلَ شَعَثَهُ بِأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ وَيَنْتِفَ إبِطَهُ وَيُزِيلَ الشَّعْرَ الَّذِي عَلَى بَدَنِهِ مَا عَدَا شَعْرَ رَأْسِهِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ إبْقَاؤُهُ طَلَبًا لِلشَّعَثِ فِي الْحَجِّ لَكِنْ نَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُلَبِّدَهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ فَيَلْتَصِقُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَتَقِلُّ دَوَابُّهُ أَيْ: لَا يَكْثُرُ فِيهِ الْقَمْلُ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِ وَيَقْتُلُ دَوَابَّهُ، وَنَقَلَهُ فِي مَنَاسِكِهِ بِلَفْظِ وَتَمُوتُ دَوَابُّهُ، وَذَلِكَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَقْتُلُ دَوَابَّ رَأْسِهِ بَعْدَ أَنْ يَلْتَصِقَ الشَّعْرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَكُونُ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ أَوْ شَاكًّا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَمْلَةَ إذَا مَاتَتْ نَجُسَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَقَعَ الْقَتْلُ لِلْقَمْلِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَاَلَّذِي فِي لَفْظِ ابْنِ بَشِيرٍ إنَّمَا هُوَ لِتَقِلَّ دَوَابُّهُ مِنْ الْقِلَّةِ ضِدُّ الْكَثْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَيُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِي إزَالَةِ دَرَنِهِ وَتَقْلِيمِ أَظْفَارِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَالشَّعَثُ الدَّرَنُ وَالْوَسَخُ وَالْقَشَبُ انْتَهَى. ص (وَتَرْكُ اللَّفْظِ بِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّلَفُّظَ بِالنُّسُكِ الَّذِي يُرِيدُهُ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى النِّيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ: هَذَا هُوَ: الْمَعْرُوفُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ التَّلَفُّظِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ التَّسْمِيَةُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَاسِعٌ سَمَّى أَوْ تَرَكَ وَصِفَةُ التَّسْمِيَةِ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ أَوْ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ أَوْ يَقُولَ: أَحْرَمْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ فِي جَامِعِ الْأُمَّهَاتِ قِيلَ: التَّلَفُّظُ أَوْلَى لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَنْطِقْ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ انْتَهَى. ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمَارُّ بِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ أَوْ كَعَبْدٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَا دَمَ، وَإِنْ أَحْرَمَ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إذَا لَمْ يُرِدْ دُخُولَ مَكَّةَ بَلْ كَانَتْ حَاجَتُهُ دُونَ مَكَّةَ أَوْ فِي جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ دُخُولُ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ لِلْمِيقَاتِ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَرُورَةً فَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ عَلَى مَنْ لَا يُخَاطَبُ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَعَبْدٍ وَشَمِلَ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَا يُخَاطَبُ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ بِهِ كَالْكَافِرِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُدْخِلَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَيُخْرِجَهُمَا إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ غَيْرَ مُحْرِمَيْنِ، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَلَا دَمَ عَلَى الْعَبْدِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَإِذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ حَاضَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ أَوْ، وَهُمْ بِعَرَفَاتٍ فَأَحْرَمُوا حِينَئِذٍ فَوَقَفُوا

أَجْزَأَتْهُمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمْ جَاوَزُوهُ قَبْلَ تَوَجُّهِ حَجِّ الْفَرْضِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ: إذَا أَفَاقَ وَأَحْرَمَ وَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ أَجُزْأَهُ حَجُّهُ وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْأَةُ فِي التَّطَوُّعِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إذَا أَحْرَمَ وَكَانَتْ صَحِبَتْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ الْإِحْرَامِ فَهَاهُنَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُحْرِمَ بِالتَّطَوُّعِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ فَتَأْوِيلَانِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ إذَا أَرَادَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ وَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِمَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ فَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِ الدَّمِ لَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ كَذَلِكَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي شُرُوحِهَا، وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ الْخِلَافَ فِي الصَّرُورَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَتَوْضِيحِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَالتَّأْوِيلَانِ لِابْنِ شَبْلُونٍ عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ سَوَاءٌ كَانَ مُرِيدًا لِلْحَجِّ حِينَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ أَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ وَتَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِ ابْنِ شَبْلُونٍ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. ص (وَمَرِيدُهَا إنْ تَرَدَّدَ أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ فَكَذَلِكَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيْهَا كَالْمُتَسَبَّبِينَ فِي الْفَوَاكِهِ وَالطَّعَامِ وَكَالْحَطَّابِينَ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَحَبَّ اللَّخْمِيُّ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمُتَرَدِّدِينَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْحَطَبِ وَأَنَّهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ قَالَ أَوْ مِثْلُ مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ خَرَجَ إلَى فَدِيدٍ فَبَلَغَهُ خَبَرُ فِتْنَةِ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ لِمِثْلِ جُدَّةَ وَالطَّائِفِ وَعُسْفَانَ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الْعَوْدَ فَلَمَّا خَرَجَ بَدَا لَهُ فَأَرَادَ الْعَوْدَ فَعَلَيْهِ الْإِحْرَامُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَتْ مُخَالِفَةً لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَضِيَّةِ ابْنِ عُمَرَ وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ أَوْ لَا، فَإِنْ خَرَجَ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ قَرِيبٍ لِأَمْرٍ عَاقَهُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ فَيَدْخُلُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَا لَهُ عَنْ سَفَرِهِ لِأَمْرٍ رَآهُ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَتْ بِخِلَافٍ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ قَرِيبًا، وَلَمْ يُقِمْ فِيهِ كَثِيرًا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مُحْرِمًا قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ وَحَدُّ الْقُرْبِ فِي ذَلِكَ مَا إذَا خَرَجَ عَلَى أَنْ يَعُودَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَدَاعُ قَالَ: وَهُوَ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ بَعِيدٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّائِفَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ جَعَلَهَا فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْقَرِيبِ، وَلَوْ حَدَّدَ الْقَرِيبَ بِمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَقَلَّ لَكَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ فِي الرِّوَايَةِ جَعَلَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ حَدًّا لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الرِّوَايَةِ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ أَوْ يَرْجِعَ بِسُرْعَةٍ وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنْ لَا يُقِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ بِطُولِ الْإِقَامَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا الطُّولَ مَا هُوَ وَكَأَنَّهُمْ أَحَالُوا ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ فَكَذَلِكَ يُقَيِّدُ بِقَيْدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنْ يَكُونَ عَادَ مِنْ قَرِيبٍ وَأَنْ يَكُونَ عَوْدُهُ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ وَيَلْحَقُ بِهَذَا فِي

جَوَازِ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مَنْ دَخَلَ لِقِتَالٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ، وَيَلْحَقُ بِهَذَا أَيْضًا عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ مَنْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سُلْطَانِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَظْهَرَ أَوْ كَانَ خَائِفًا مِنْ جَوْرٍ يَلْحَقُهُ بِوَجْهٍ قَالَ: فَهَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُهَا حَلَالًا فِي ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ عُذْرِ التَّكْرَارِ فَكَيْفَ بِعُذْرِ الْمُخَالَفَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : إذَا أَجَزْنَا لَهُ الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُرِدْ الدُّخُولَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، أَمَّا إنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ إنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ كَجُدَّةِ وَعُسْفَانَ، وَإِنْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مَعَ إرَادَتِهِ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَلَمْ يَكُنْ مَرِيدًا لِدُخُولِ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الدُّخُولَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مَتَى جَاوَزَهُ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ شَاهَدْتُ وَالِدِي يُفْتِي غَيْرَ مَرَّةٍ فِيمَنْ خَرَجَ لِجُدَّةِ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا رَجَعَ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى جُدَّةَ، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْ جُدَّةَ وَحِدَّةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ وَعَرَضْتُهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فَوَافَقُوا عَلَيْهِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَكَلَّمَهُ الْوَالِدُ فِي ذَلِكَ، مَا أَدْرِي هَلْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَإِلَّا وَجَبَ الْإِحْرَامُ وَأَسَاءَ تَارِكُهُ، وَلَا دَمَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إذَا كَانَ مُرِيدًا لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ كَعَبْدٍ، وَلَا مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ، وَلَا مِمَّنْ عَادَ لِأَمْرٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ أَرَادَ دُخُولَهَا لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَقَدْ أَسَاءَ أَيْ: أَثِمَ إلَّا أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَهَا لِأَجْلِ نُسُكٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا لِحَاجَةٍ أُخْرَى أَوْ؛ لِأَنَّهَا بَلَدُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَرَادَ النُّسُكَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ مِنْ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا، وَهُوَ: اخْتِيَارُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: عَلَيْهِ الدَّمُ (فَرْعٌ) ، فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ نَفَسٌ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَخُرُوجِ ذِي النَّفَسِ لِمِيقَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِيقَاتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا رَجَعَ، وَإِنْ شَارَفَهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ، وَإِنْ شَارَفَ مَكَّةَ وَقَرُبَ مِنْهَا، وَقَدْ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا دَخَلَهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُشَارَفَةَ غَايَةً فِي مَحِلِّ الرُّجُوعِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ: خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يُحْرِمْ، وَلَوْ دَخَلَهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ جَاهِلًا، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلْيَرْجِعْ فَيُحْرِمْ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْحَجِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مَوْضِعِهِ وَيَتَمَادَى، وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي اخْتِصَارِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ جَاهِلًا، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلْيَرْجِعْ، وَيُحْرِمْ مِنْهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارَفْ مَكَّةَ، فَإِنْ شَارَفَهَا أَحْرَمَ، وَأَهْدَى ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَوْ لَمْ يُحْرِمْ فَرَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ مَرَّ بِمِيقَاتٍ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَجَاوَزَهُ، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ رَجَعَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ، فَإِنْ شَارَفَهَا أَحْرَمَ وَأَهْدَى، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا فَلْيُحْرِمْ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَنِيَّتُهُ النُّسُكُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ رَجَعَ مَا لَمْ يُحْرِمْ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ، وَقَالَ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْح الْجَلَّابِ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلْيَرْجِعْ إلَى

الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ بِنُسُكٍ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَلَا أَدْخَلَ نُقْصَانًا عَلَى إحْرَامِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَرْجِعُ أَيْنَمَا كَانَ مَتَى لَمْ يُحْرِمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ، فَإِنْ شَارَفَهَا أَحْرَمَ وَأَهْدَى، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى: مَنْ أَرَادَ دُخُولَهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا إلَّا حَرَامًا، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَقَدْ عَصَى، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحِيَّةِ الْبُقْعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ سَقَطَ فِعْلُهُ كَمَا فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا دَمَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: عَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ، وَظَاهِرُ هَذِهِ النُّقُولِ كُلِّهَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يُحْرِمْ، وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُفْتِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ نَاصِرُ الدِّينِ أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ آمِينَ، وَذَكَرَ فِي فَتْوَاهُ بَعْضَ كَلَامِ الْبَرَاذِعِيِّ وَصَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ تَقْيِيدٌ لِلْأَوَّلِ فَقَالَ وَمَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ رَجَعَ مَا لَمْ يُحْرِمْ أَوْ يَخَافُ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَصْحَبُهُ أَوْ يُشَارِفُ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَيُهْدِي وَكَذَا ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ فِي طُرَرِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ مَنْقُولَ مُحَمَّدٍ وِفَاقًا بَعِيدٌ انْتَهَى. مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَقِفْ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ عَلَى الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الرُّجُوعِ وَعَدَمَهُ مَعَ الْمُشَارَفَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهَا ذِكْرًا إلَّا فِي التَّنْبِيهِ، وَلَا فِي الْجَوَاهِرِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمِيقَاتِ إلَى الْإِحْرَامِ وُجُوبًا، وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ الدَّمُ قَالَ الْبَرَاذِعِيُّ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ مِنْهَا بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَحَجُّهُ تَامٌّ، وَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مَرِيدٍ لِلْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا فَعَلَ حِينَ دَخَلَ الْحَرَمَ حَلَالًا مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْآفَاقِ كَانَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. ، وَهَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ أَمَّا ابْتِدَاءً فَمُرِيدُ النُّسُكِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى الْمِيقَاتِ وَغَيْرُ مُرِيدِ النُّسُكِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْخُرُوجُ لِمِيقَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَإِلَى الْحِلِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا دَمَ، وَلَوْ عَلِمَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ جَاوَزَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِهِ فِي مَنَاسِكِهِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ إنَّ الدَّمَ إنَّمَا يُسْقِطُهُ بِالرُّجُوعِ إذَا جَاوَزَهُ جَاهِلًا، أَمَّا إنْ جَاوَزَهُ عَالِمًا بِقُبْحِ فِعْلِهِ فَمَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ، وَلَا يُسْقِطُ رُجُوعَهُ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى سُقُوطِ الدَّمِ بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا انْتَهَى. (قُلْتُ:) يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ جَاهِلًا، وَلَمْ يُحْرِمْ فَلْيَرْجِعْ فَيُحْرِمَ مِنْهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْحَجِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى. ، وَلَمْ أَرَ مَنْ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمَفْهُومِ الَّذِي ذَكَرَهُ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَأَنْكَرَهُ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ جَاهِلًا، وَإِلَّا فَدَمٌ لَا أَعْرِفُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْمَنَاسِكِ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ يُوهِمُ أَنَّ الْأَكْثَرَ حَمَلُوهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: إنَّهُ إنْ عَادَ بَعْدَ

الْبُعْدِ لَمْ يَسْقُطْ، فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتًا فَالدَّمُ) ش: مَا هَذِهِ ظَرْفِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا رَجَعَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ لِلْمِيقَاتِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّفْقَةِ أَوْ فَوْتَ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ إنْ خَافَ ذَلِكَ أَحْرَمَ مِنْ مَحِلِّهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ. ص (كَرَاجِعٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ، فَإِنَّ الدَّمَ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَهَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ الدَّمُ بِرُجُوعِهِ، وَلَهُ نَظَائِرُ. ص (وَلَوْ أَفْسَدَ لَا فَاتَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ إلَّا بِالْإِفْسَادِ أَمَّا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، أَمَّا لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ إلَى قَابِلٍ لَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِفْسَادِ وَالْفَوَاتِ: أَنَّهُ فِي الْإِفْسَادِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى إحْرَامِهِ بِخِلَافِ الْفَوَاتِ، فَإِنَّ الْحَجَّ الَّذِي قَصْدَهُ لَمْ يَحْصُلْ، وَالْعُمْرَةُ لَمْ يَقْصِدْهَا، فَأَشْبَهَ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكَيْنِ، وَإِتْمَامُهُ لِإِحْرَامِهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَإِنْشَائِهِ الْعُمْرَةَ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهَا تَعَدٍّ يَجِبُ بِهِ الدَّمُ عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّ الدَّمَ لَا يَسْقُطُ بِالْفَوَاتِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْفَسَادِ قَوْلًا بِسُقُوطِ الدَّمِ بِالْفَسَادِ، وَلَا أَعْلَمُ. فِي لُزُومِ الدَّمِ خِلَافًا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي سُقُوطِ الدَّمِ بِالْفَوَاتِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ احْتَجَّ لِلْقَوْلِ بِانْعِقَادِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مُحْرِمٌ يَوْمَ أَنْ كَلَّمَ فُلَانًا فَهُوَ يَوْمَ يُكَلِّمُهُ مُحْرِمٌ، قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ أَرَ لِمُتَقَدِّمٍ فِي انْعِقَادِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ - نَصًّا - قُصُورٌ (قُلْتُ:) ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ انْعِقَادُ الْإِحْرَامِ يَوْمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ إحْرَامٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ هَذَا قَوْلَ سَحْنُونٍ، وَأَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ حَتَّى يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاسْتَشْكَلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ سَحْنُونٍ، وَقَالَ: وَهُوَ حَقِيقٌ بِالْإِشْكَالِ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ تُفْتَقَرُ إلَيَّ نِيَّةٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي بَابِ النَّذْرِ. ص (وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا نَوَاهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ إذَا خَالَفَ النِّيَّةَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ اخْتَلَفَ عَقْدُهُ وَنُطْقُهُ فَالْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَمَا لَوْ نَوَى الْإِفْرَادَ بِلَفْظِ الْقِرَانِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَالْأَصَحُّ: اعْتِبَارُ نِيَّتِهِ، وَلَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ صَرَّحَ بِالْعَمَلِ عَلَى مَا تَلَفَّظَ بِهِ كَمَا تُعْطِيهِ عِبَارَتُهُ، وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي حَاشِيَتِي عَلَى الْمَنَاسِكِ (فَرْعٌ) : لَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ الْحَجُّ مُفْرِدًا فَسَهَا حِينَئِذٍ فَقَرَنَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى ذِكْرِ مَا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَا وَقَعَ الْقِرَانُ نَقَلَهُ سَنَدٌ، وَهُوَ وَاضِحٌ، فَإِنَّ هَذَا وَقَّتَ الْإِحْرَامَ بِنِيَّةِ الْقِرَانِ، وَلَفَظَ بِالْقِرَانِ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ، فَإِنَّ ذَلِكَ نِيَّتُهُ مِثْلُ الْإِفْرَادِ، وَإِنَّمَا سَبَقَ لَفْظُهُ إلَى الْقِرَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا دَمَ، وَإِنْ بِجِمَاعٍ) ش: قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ

فرع نذر أن يصوم بعضا أو يعتكف الليل دون النهار

مَسْأَلَةُ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ النِّيَّةَ، مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ، وَقَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَالْأَوَّلُ: أَقْيَسُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ بِجِمَاعٍ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا شَرَحَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَهُ الشُّرَّاحُ، وَجَمَعَ فِي الْكَبِيرِ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَلَا دَمَ وَقَوْلِهِ: وَإِنْ بِجِمَاعٍ، وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَوْسَطِ، وَذَلِكَ يُوهِمُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ بِجِمَاعٍ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الشَّامِلِ، فَقَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِنِيَّةٍ وَقَوْلٍ كَتَلْبِيَةٍ أَوْ فِعْلٍ كَتَوَجُّهٍ بِطَرِيقٍ، وَإِنْ بِجِمَاعٍ، وَلَا دَمَ وَتَمَادَى وَقَضَى فَقَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ: لَا دَمَ إنْ أَرَادَ بِهِ نَفْيَ هَدْيِ الْفَسَادِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى إيقَاعِ الْإِحْرَامِ حَالَةَ الْجِمَاعِ فَلَا قَائِلَ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ سَنَدٌ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ، وَهُوَ بِجِمَاعٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ فَاسِدًا، وَكَانَ عَلَيْهِ تَمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ، وَلَازَمَ ذَلِكَ وُجُوبَ الْهَدْيِ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ فِي الشَّامِلِ أَرَادَ نَفْيَ وُجُوبِ الدَّمِ لِكَوْنِهِ أَوْقَعَهُ حَالَةَ الْجِمَاعِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) اعْتَرَضَ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ سَلَّمَ هَذَا الْفَرْعَ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (قُلْتُ:) وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسْلِيمٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَنْعَقِدُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ يُرِيدُ مَعَ قَوْلٍ كَالتَّلْبِيَةِ بِأَنْ يَنْوِيَ وَيُلَبِّيَ، وَهُوَ يُجَامِعُ أَوْ يَفْعَلُ كَأَنْ يَكُونَ فِي مِحَفَّةٍ، وَهُوَ سَائِرٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى مَكَّةَ فَيَنْوِيَ الْإِحْرَامَ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ بِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِمَنْ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ مُتَطَهِّرًا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْعَقِدَ لِمَنْ يُجَامِعُ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا (الثَّانِي:) إنْ قِيلَ: لِمَ لَزِمَهُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ، وَفِي الصَّوْمِ إذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، وَهُوَ يُجَامِعُ فَنَزَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ قِيلَ:؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعَدَمِهِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّزْعُ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) قَالَ فِي طُرَرِ التَّلْقِينِ: وَشَرْطُ صِحَّةِ انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَنْوِيَ عِنْدَ الدُّخُولِ فِيهِ وَطْئًا، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ مَعَ إحْرَامِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا شَيْءٌ انْتَهَى، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بَعْضًا أَوْ يَعْتَكِفَ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بَعْضًا أَوْ يَعْتَكِفَ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ أَوْ يَطُوفَ شَوْطًا أَوْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ فَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَأْتِي بِمِثْلِ تِلْكَ الطَّاعَةِ تَامَّةً وَالْمَشْهُورُ: اللُّزُومُ فِي الِاعْتِكَافِ انْتَهَى. ص (مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ) ش هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ النِّيَّةِ أَيْ: يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ حَالَ كَوْنِهَا مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَتَعَلَّقَانِ بِالْإِحْرَامِ، وَالْقَوْلُ الْمُتَعَلَّقُ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ، قَالَ فِي مَنْسَكِ التَّادَلِيِّ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُحْرِزٍ قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامَ كَانَ مُحْرِمًا، وَالْفِعْلُ الْمُتَعَلَّقُ بِهِ كَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَهَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَصَاحِبُ الْمُعَلِّمِ وَصَاحِبُ الْقَبَسِ وَسَنَدٌ: النِّيَّةُ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ مَقْرُونًا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مُتَعَلَّقٍ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّوَجُّهِ لَا بِنَحْوِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ قَوْلُهُ: لَا بِنَحْوِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ يُرِيدُ إذَا تُجُرِّدَ عَنْ النِّيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فَهِمَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ مَعَهُمَا وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنْ قَالَ، وَفِي عَدَمِ انْعِقَادِ النُّسُكِ بِمَجْمُوعِ النِّيَّةِ وَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَإِشْعَارِهِ نَظَرٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ هَذَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ أَنَّهُ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ؟ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَكَيْفَ يُقَالُ: هَذَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ لَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَانْظُرْ، مَا أَنْكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَفِيهِ أَيْ: فِي الِانْعِقَادِ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ مَعَهَا أَيْ: مَعَ النِّيَّةِ قَوْلَا إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالْأَكْثَرُ عَنْهُ انْتَهَى.

فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْأَكْثَرَ نَقَلُوا عَنْ الْمَذْهَبِ عَدَمَ الِانْعِقَادِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ) ش: يُرِيدُ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ سَوَاءٌ بَيَّنَ النُّسُكَ الَّذِي يُحْرِمُ بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ أَبْهَمَهُ بِأَنْ نَوَى الْإِحْرَامَ فَقَطْ، وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا مُعَيَّنًا، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِانْعِقَادِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَضِيلَةِ، فَقَالَ سَنَدٌ: وَالْأَفْضَلُ فِي الْإِحْرَامِ أَنْ يُعَيِّنَ نُسُكَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ انْتَهَى. ص (وَصَرَفَهُ لِلْحَجِّ، وَالْقِيَاسُ: الْقِرَانُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ وَأَبْهَمَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ النُّسُكَ الَّذِي يُحْرِمُ بِهِ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا وَيُخَيَّرُ فِي صَرْفِهِ إلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْرِفَهُ لِلْحَجِّ فَقَوْلُهُ: وَصَرَفَهُ لِلْحَجِّ، وَهُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا جَازَ وَخُيِّرَ فِي التَّعْيِينِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْرِنَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَقِيلَ: الْقِيَاسُ: أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ: الْمَذْهَبُ بِلَا شَكٍّ، وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيثِ نَقَلَ عَنْ الْمَذْهَبِ خِلَافَهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَنْ نَوَى مُطْلَقَ الْإِحْرَامِ فَلِابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ أَشْهَبَ خُيِّرَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلِلصَّقِلِّيِّ وَاللَّخْمِيِّ عَنْهُ الِاسْتِحْسَانُ إفْرَادُهُ، وَالْقِيَاسُ قِرَانُهُ وَتَعَقَّبَهُ التُّونُسِيُّ بِأَنَّ لَازِمَ قَوْلِهِ: فِي الْقِرَانِ فَمُحْتَمَلٌ أَقَلُّهُ الْعُمْرَةُ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعُمْرَةَ تُجْزِئُهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا الْتَزَمَ الْإِحْرَامَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ تُجْزِئُهُ الْعُمْرَةُ انْتَهَى. يَعْنِي إذَا نَظَرَ الْإِحْرَامَ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّف: صَرَفَهُ لِلْحَجِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْإِطْلَاقِ أَيْ: دُونَ تَعْيِينِ نُسُكٍ، قَالَ أَشْهَبُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْمَشْهُورُ: يَحْمِلُ عَلَى الْحَجِّ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ آفَاقِيًّا كَأَهْلِ الْمَغْرِبِ حَمَلَ عَلَى الْحَجِّ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَحَدَ الْأَقْوَالِ وَيَعْمَلْ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ، فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ: إطْلَاقُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي التَّعْيِينِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ صَرْفُهُ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَإِنْشَاءِ الْحَجِّ حِينَئِذٍ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: إذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ حَتَّى طَافَ فَالصَّوَابُ: أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا، وَيَقَعُ هَذَا طَوَافَ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يَجْعَلُهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي الْحَجِّ، وَطَوَافَ الْعُمْرَةِ رُكْنٌ فِيهَا، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الطَّوَافُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَقَعَ رُكْنًا فِي الْعُمْرَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَخَفَّ ذَلِكَ فِي الْقُدُومِ، وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ إلَى إفَاضَتِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ سَعَى، وَصَرَفَهُ لِحَجٍّ بَعْدَ السَّعْيِ هَلْ يُعِيدُ السَّعْيَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلذَّاكِرِينَ أَنَّهُ يُعِيدُ احْتِيَاطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَذَكَرَ الْفَرْعَ الَّذِي قَالَهُ سَنَدٌ الْقَرَافِيُّ، وَلَمْ يَعْزُهُ لِسَنَدٍ وَسَقَطَ مِنْهُ، وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ إلَى إفَاضَتِهِ وَعَزَا نَقْلَهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ إلَى إفَاضَتِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ السَّعْيُ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ الْقُدُومَ، وَهَذَا الطَّوَافُ

لَمْ يَنْوِ بِهِ الْقُدُومَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَوَّلَ طَوَافِهِ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَفَاتَ مَحِلُّ طَوَافِ الْقُدُومِ أَخَّرَ سَعْيَهُ إلَى ذَلِكَ، وَهَذَا تَكَلُّفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ: لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فَوَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُدْخِلًا لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَالثَّانِي: وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ يَبْطُلُ الثَّانِي، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا انْتَهَى. ص (وَإِنْ نَسِيَ فَقِرَانٌ وَنَوَى الْحَجَّ وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْقِرَانِ وَيُجَدِّدُ الْآنَ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ احْتِيَاطًا، فَإِنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ: وَإِنْ كَانَ حَجًّا أَوْ قِرَانًا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عُمْرَةً ارْتَدَفَ ذَلِكَ الْحَجُّ عَلَيْهَا، وَقَدْ صَارَ قَارِنًا، وَيُكْمِلُ حَجَّهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ الْأَوَّلِ أَتَى بِعُمْرَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ بِحَجَّةٍ فَقَطْ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عُمْرَةَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَبَرِيءَ مِنْهُ فَقَطْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا أَحْرَمَ بِمُعَيَّنٍ ثُمَّ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَهُوَ عُمْرَةٌ أَوْ قِرَانٌ أَوْ إفْرَادٌ؟ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى الْحَجِّ وَالْقِرَانِ أَيْ: يَحْتَاطُ بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ؛ إذْ ذَاكَ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَارِنٌ وَيُهْدِيَ لِلْقِرَانِ وَيَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا بِإِفْرَادٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَيَطُوفُ وَيَسْعَى يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ وَسَعَى، وَإِنْ كَانَ طَافَ وَسَعَى أَجْزَاهُ وَقَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ أَيْ: وَقْتَ شَكِّهِ، وَإِطْلَاقُهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ شَكُّهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلِيَمُرَّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، مَا قَالَهُ سَنَدٌ هُوَ: الظَّاهِرُ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ عَجَّلَ فَنَوَى الْحَجَّ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ جَرَى عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي إرْدَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا، وَنَصُّ كَلَامِهِ: وَلَوْ نَوَى شَيْئًا وَنَسِيَهُ فَهَذَا قَارِنٌ، وَلَا بُدَّ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي: أَنْ يَنْوِيَ إحْرَامًا بِالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَطُفْ بَعْدُ فَهُوَ قَارِنٌ، وَيَصِحُّ الْحَجُّ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّعْيِ، فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَصِحُّ حَجُّهُ أَيْضًا، وَهُوَ أَصْلَحُ، وَمَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ، وَلَعَلَّهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ بِهِ حَجٌّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُهْدِيَ احْتِيَاطًا لِخَوْفِ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، وَإِنْ وَقَعَ شَكُّهُ بَعْدَ سَعْيِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَلَيْسَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَإِنْ عَجَّلَ، فَنَوَى الْحَجَّ، هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ يُخَرَّجُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي إرْدَافِ الْحَجِّ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَا كَانَ إحْرَامَهُ، فَإِنْ قَدَّرْنَاهُ عُمْرَةً وَصَحَّحْنَا الْإِرْدَافَ، فَقَدْ صَحَّ حَجُّهُ، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ الْإِرْدَافَ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ، فَلِهَذَا قُلْنَا يُجَدِّدُ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَ السَّعْيِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حَجِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجْزِئْ بِحَجَّةٍ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ إحْرَامِهِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ: أَنَّ الْإِرْدَافَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَبِالْكَرَاهَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَمَّا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَأَثْنَاءَ السَّعْيِ، فَلَا يَصِحُّ الْإِرْدَافُ وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَطُوفُ وَيَسْعَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَارِنٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ شَكُّهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَنَوَى الْحَجَّ أَنْ يُكْمِلَ طَوَافَهُ وَيَسْعَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرْدَفَ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِمَّا أَحْرَمَ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ قِرَانًا أَوْ إفْرَادًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، أَمَّا لَوْ وَقَعَ شَكُّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ وَنَوَى الْحَجَّ لَمْ يَصِحَّ وَيُعِيدُ النِّيَّةَ بَعْدَ السَّعْيِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ) ش: هَذَا التَّشْبِيهُ لِهَذَا الْفَرْعِ بِمَا قَبْلَهُ فِي الْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَشَكِّهِ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ وَتَبِعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَفُهِمَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ هُنَا أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ: عُمْرَةً، وَهُوَ

فرع شك هل أفرد أو قرن

ظَاهِرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَنْوِي الْحَجَّ يَعْنِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ، وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي حَجٍّ، فَهُوَ مُتَمَادٍ، وَإِنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ، فَالْمَطْلُوبُ إنَّمَا هُوَ تَصْحِيحُهَا، وَقَدْ حَصَلَ جَمِيعُ أَرْكَانِهَا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ نَدْبًا لِيُوفِيَ بِمَا نَوَاهُ إنْ كَانَ قَدْ نَوَاهُ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَتَى بِأَحَدِ جُزْأَيْ التَّمَتُّعِ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ، وَبَقِيَ الْجُزْءُ الْأُخَرُ، وَهُوَ الْحَجُّ؛ وَلِهَذَا لَمَّا فَرَضَ اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ شَكَّ، هَلْ أَفْرَدَ أَوْ اعْتَمَرَ لَمْ يَذْكُرْ إنْشَاءَ الْحَجِّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالشَّكُّ فِي إفْرَادٍ وَقِرَانٍ قِرَانٌ، وَفِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ حَجٌّ، وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِ حَلْقِ الْعُمْرَةِ لَا الْقِرَانِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةً بِحَجٍّ، فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِعُمْرَةٍ، فَمَا زَادَ عَلَى فِعْلِهَا لَا يُصَيِّرُهُ قَارِنًا ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: وَيَنْوِي الْحَجَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ قُلْتُ: فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ الْحَجَّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ بِعُمْرَةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ كَافٍ فِي خُلُوصِهِ مِنْ عُمْرَةِ الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَحُجَّ الْفَرْضَ، فَلَا يَخْلُصُ بِذَلِكَ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَجَّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ، الصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ، وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ يَنْوِيهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ يَنْوِيهِ حِينَ وَقَعَ لَهُ الشَّكُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّوَافِ كَانَ مُرْدِفًا لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ عُمْرَةً، وَإِنْ كَانَ حَجًّا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ عُمْرَةً، وَإِنْ كَانَ حَجًّا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ نَعَمْ إنْ وَقَعَ لَهُ الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ، فَلْيَصْبِرْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سَعْيِهِ ثُمَّ يَنْوِيَ الْحَجَّ لِلْخِلَافِ الَّذِي فِي الْإِرْدَافِ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ نَوَاهُ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ صَحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ نَوَاهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ لَمْ يَصِحَّ وَيُعِيدُ النِّيَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ الْحَجِّ فَقَطْ، فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ بِنَفْيِهَا، فَقَالَ: وَلَوْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ نَوَى الْحَجَّ وَتَمَادَى قَارِنًا، فَطَافَ وَسَعَى وَأَهْدَى ثُمَّ اعْتَمَرَ، كَمَا لَوْ شَكَّ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ؟ وَلَا عُمْرَةَ، وَلَكِنْ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي مُوجِبِ الْعُمْرَةِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَوْلُهُ: كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ لَيْسَ بِمِثَالٍ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الَّذِي قَبْلَهُ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِعُمْرَةٍ، وَلَا بِقِرَانٍ وَشَكَّ، هَلْ أَحْرَمَ بِالْإِفْرَادِ أَوْ بِالتَّمَتُّعِ؟ انْتَهَى. (قُلْتُ:) نَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ هُوَ التَّمَتُّعُ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ السَّابِقِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ شَكَّ هَلْ أَفْرَدَ أَوْ قَرَنَ] (فَرْعٌ) ، فَإِنْ شَكَّ، هَلْ أَفْرَدَ أَوْ قَرَنَ؟ تَمَادَى عَلَى نِيَّةِ الْقِرَانِ وَحْدَهُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ شَكَّ، هَلْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى الْقِرَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَلْغَى عُمْرَةٌ عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَهُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَغْوٌ، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِنَّ الْحَجَّةَ الثَّانِيَةَ، وَالْعُمْرَةَ الثَّانِيَةَ لَغْوٌ يُرِيدُ وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً، فَإِنْ أَرْدَفَ ذَلِكَ أَوَّلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ أَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَقَدْ أَسَاءَ وَلْيَتَمَادَ عَلَى حَجِّهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِيمَا أَرْدَفَهُ، وَلَا قَضَاؤُهُ، وَلَا دَمُ قِرَانٍ انْتَهَى. ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ بِعُمْرَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ: وَعُمْرَةٌ فَاعِلُ أَلْغَى؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ. ص (وَرَفَضَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ رَفْضَ الْإِحْرَامِ لَغْوٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَا

فائدة مثلثات الحج

يَرْتَفِضُ الْإِحْرَامُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ إلَّا مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ إحْرَامُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ مِنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلْتُ كَلَامَهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ، فَانْظُرْهُ. ص (وَفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَوَى الْإِحْرَامَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا أَحْرَمَ بِهِ، فَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي صِحَّةِ إحْرَامِهِ، وَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ سَنَدٌ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعُ وَالظَّاهِرُ: الْأَوَّلُ: وَعَلَيْهِ، فَلَوْ بَانَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُحْرِمْ قَالَ سَنَدٌ، فَإِحْرَامُهُ يَقَعُ مُطْلَقًا وَيُعَيِّنُهُ بِمَا شَاءَ وَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. ، فَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ أَوْ وَجَدَهُ مُحْرِمًا بِالْإِطْلَاقِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا فِي الْمَذْهَبِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَقَعُ إحْرَامُهُ أَيْضًا مُطْلَقًا، وَيُخَيَّرُ فِي تَعْيِينِهِ، وَالنَّصُّ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ مِثْلُ مَا ذَكَرْتُ، وَإِذَا قُلْنَا: يَتْبَعُ زَيْدًا فِي إحْرَامِهِ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إنَّمَا يَتْبَعُهُ فِي أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ خَاصَّةً، أَمَّا كُلُّ شَخْصٍ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ إفْرَادٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْتِ بَعْدَ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ ظَاهِر كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ فِي فَضْلِ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ، وَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُهَا، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ مُفْرِدًا ثُمَّ إذَا فَرَغَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، فَلَمْ يَجْعَلْ الْعُمْرَةَ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الْإِفْرَادِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ بَلْ جَعَلَهَا سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْإِفْرَادِ، وَتَرَكَ الْعُمْرَةَ، وَتَرَكَ السُّنَّةَ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ: فِي التَّوْضِيحِ، وَالْإِفْرَادُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِلْعُمْرَةِ لَكِنَّهُ إذَا أَتَى بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ، فَقَدْ أَتَى بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ إفْرَادًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِفْرَادُ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ حَجٍّ فَقَطْ، وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمُحَمَّدٌ: الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ إذَا كَانَ بَعْدَهُ عُمْرَةٌ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَهُ، فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا نَقَلَهُ سَنَدٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْعُمْرَةَ، وَأَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ اتِّفَاقَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، وَلَعَلَّ الْمُقْرِي أَخَذَ مَا قَالَهُ مِمَّا وَقَعَ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجٍّ، أَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْكَ أَمْ إفْرَادُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَهُ فِي ذِي الْحَجَّةِ؟ فَقَالَ: بَلْ إفْرَادُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحَجَّةِ بَعْدَ الْحَجِّ أَحَبُّ إلَيَّ صَرُورَةً كَانَ أَوْ غَيْرَ صَرُورَةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ أَعْمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ التَّنْعِيمِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ بِتَفْضِيلِ الْمُتَمَتِّعِ انْتَهَى. لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْعُتْبِيَّةِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ، فَلَا يَكُونُ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ، كَمَا قَالَ الْمُقْرِي (قُلْتُ:) وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْمُقْرِي اسْتِدْلَالُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ اعْتَمَرَ بَعْدَ حَجَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ سَنَدٌ: وَإِنَّمَا كَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَرَخَّصُ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّهُ يَأْتِي بِكُلِّ نُسُكٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَكَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ التَّمَتُّعِ، وَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْقِرَانِ، وَلِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الدَّمِ، وَغَيْرُهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَوُجُوبُهُ: دَلِيلٌ عَلَى الْخَلَلِ، فَكَانَ الْإِفْرَادُ الَّذِي لَا خَلَلَ فِيهِ أَفْضَلَ وَلِأَنَّهُ فِعْلُ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ مُثَلَّثَاتُ الْحَجِّ] (فَائِدَةٌ) مُثَلَّثَاتُ: الْحَجِّ أَوْجُهُ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَقِرَانٌ وَالْإِطْلَاقُ وَالْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ يَرْجِعُ إلَى أَحَدِهَا، وَالِاغْتِسَالَاتُ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالرُّكُوعُ ثَلَاثَةٌ لِلْإِحْرَامِ وَلِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَلِلْإِفَاضَةِ، وَمَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ثَلَاثَةٌ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ

وَالْهَدْيُ وَالْخَبَبُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الطَّوَافِ، وَفِي السَّعْيِ، وَفِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَخُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ وَالْجِمَارُ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَمُتَعَدِّي الْمِيقَاتِ ثَلَاثَةٌ مُرِيدُ النُّسُكِ وَمُرِيدُ مَكَّةَ بِغَيْرِ النُّسُكِ وَغَيْرُ مُرِيدٍ لِمَكَّةَ وَالْمُحْرِمُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ يَتَعَيَّنُ لَهُمْ الْحَلْقُ، وَهُمْ الْمُلَبِّدُونَ، وَمَنْ كَانَ شَعْرُهُ قَصِيرًا، وَمَنْ يَكُونُ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ وَقِسْمٌ يَتَعَيَّنُ لَهُمْ التَّقْصِيرُ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ الْأَمْرَانِ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَهُمْ مَنْ عَدَا مَنْ ذُكِرَ وَالْهَدْيُ ثَلَاثَةٌ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ، وَعَلَامَاتُهُ ثَلَاثَةٌ تَقْلِيدٌ وَإِشْعَارٌ وَتَجْلِيلٌ، وَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ، أَمَّا الْبَقَرُ، فَتُقَلَّدُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَسْنِمَةٌ، فَتُقَلَّدُ وَتُشْعَرُ فَقَطْ، وَلَا يُفْعَلُ فِي الْغَنَمِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَكُلُّ أَفْعَالِ الْحَجِّ يُطْلَبُ فِيهَا الْمَشْيُ إلَّا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ بِالْمَشْعَرِ وَرَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْجُزُولِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ قَرَنَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا وَقَدَّمَهَا أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْقِرَانَ يَلِي الْإِفْرَادَ فِي الْفَضْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ مِنْ السُّنَّةِ عُسْرٌ، وَإِنَّمَا رَاعَوْا فِيهِ كَوْنَ الْمُتَمَتِّعِ فِيهِ تَرَخَّصَ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَقَالَهُ سَنَدٌ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَنَصُّهُ: وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ هُوَ أَنَّ الْقَارِنَ فِي عَمَلِهِ كَالْمُفْرِدِ، وَالْمُفْرِدُ أَفْضَلُ، فَمَا قَارَبَ فِعْلَهُ كَانَ أَفْضَلَ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَتَحَلَّلُ بِمُدَّةٍ، فَتَعَطَّلَ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَلَا يُكْرَهُ الْقِرَانُ خِلَافًا لِمَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَا التَّمَتُّعُ خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَهُ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْقِرَانَ لَهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا أَيْ: يَقْصِدُ الدُّخُولَ فِي حُرْمَتِهِمَا مَعًا، وَسَوَاءٌ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ فِي لَفْظِهِ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ بَعْدَهُ قَالَهُ سَنَدٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ فِي نِيَّتِهِ لِارْتِدَافِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يُجْزِئُهُ الْبَاجِيُّ وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ نَوَاهُمَا جَمِيعًا انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ مُتَعَيِّنٌ قَالَ سَنَدٌ: الْقِرَانُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، فَإِنْ نَوَاهُمَا مَعًا جَازَ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ فِي لَفْظِهِ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ نَظَرْتَ، فَإِنْ سَبَقَتْ نِيَّةُ الْعُمْرَةِ جَازَ أَنْ يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ سَبَقَتْ نِيَّةُ الْحَجِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْخِلَ الْعُمْرَةَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ الْإِفْرَادِ وَغَيْرِهِ: إذَا ابْتَدَأَ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِ عُمْرَةً، هَلْ يَكُونُ قَارِنًا يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِنًا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ يَعْنِي الْأَبْهَرِيَّ فِيمَنْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي تَلْبِيَتِهِ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَكُونُ قَارِنًا قَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ نَوَاهُمَا جَمِيعًا، وَزَعَمَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، كَمَا يُخْتَلَفُ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى. مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ هُوَ الصَّوَابُ، فَلَا يَبْعُدُ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ خِلَافًا، وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ: الْقِرَانُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدٍ يَنْوِي بِقَلْبِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِمَا مُقَدِّمًا لِلْعُمْرَةِ فِي نِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِاللَّفْظِ انْتَهَى. وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ صُورَتَيْ الْقِرَانِ هِيَ الْإِرْدَافُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا إنْ صَحَّتْ إلَخْ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مُفْرِدًا ثُمَّ يُضِيفَ الْحَجَّ إلَيْهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُجَدِّدَ اعْتِقَادًا أَنَّهُ قَدْ شَرَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ، فَهَذَا يَكُونُ قَارِنًا كَالْمُتَمَتِّعِ انْتَهَى. ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ بِطَوَافِهَا لَكَانَ أَبْيَنَ، وَلَكَانَ مُشِيرًا إلَى الْخِلَافِ فِي الْإِرْدَافِ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ وَقْتَ الْإِرْدَافِ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَاتَ الْإِرْدَافُ عِنْدَ أَشْهَبَ هَكَذَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْهُ، وَفِي الْجَلَّابِ عَنْهُ إذَا طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْرَامُهُ، وَلَا يَكُونُ قَارِنًا وَاعْلَمْ أَنَّ أَشْهَبَ إنَّمَا يَقُولُ بِفَوَاتِ الْإِرْدَافِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى إكْمَالِ الطَّوَافِ أَمَّا لَوْ قَطَعَهُ لَصَحَّ عِنْدَهُ الْإِرْدَافُ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ

ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيَجُوزُ الْإِرْدَافُ فِي الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ يُكْرَهُ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَتَمَّ الطَّوَافَ مَا لَمْ يَرْكَعْ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَتَمَّ الطَّوَافَ فِيهِ سَهْوٌ، وَالصَّوَابُ: أَنْ يُقَالَ جَائِزٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ يُتِمَّ الطَّوَافَ، فَإِنَّهُ إذَا أَتَمَّ الطَّوَافَ كُرِهَ الْإِرْدَافُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ كَلَامِهِ هَذَا بِيَسِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: صَارَ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَنْ يُرْدِفَ قَبْلَ الطَّوَافِ أَيْ: قَبْلَ كَمَالِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ وَبَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ وَبَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بِقِرَانٍ، وَبَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السَّعْيِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِقِرَانٍ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِرْدَافِ بَعْدَ كَمَالِ الطَّوَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ: إنَّهُ بَعْدَ السَّعْيِ جَائِزٌ يُرِيدُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، كَمَا سَيَأْتِي. ص (إنْ صَحَّتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ الْإِرْدَافِ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَمْ يَصِحَّ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى عُمْرَتِهِ، وَلَا يَحُجُّ حَتَّى يَقْضِيَهَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهَا صَحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ كَانَتْ عُمْرَتُهُ الْفَاسِدَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَائِهَا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ، وَحَجُّهُ تَامٌّ قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَرْتَدِفُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَكُونُ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي عَامِهِ الْأَوَّلِ لِقِرَانِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَيُرِيقُ دَمَيْنِ، دَمٌ لِقِرَانِ الْقَضَاءِ وَدَمُ الْفَسَادِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ انْتَهَى. ص (وَكَمَّلَهُ، وَلَا يَسْعَى) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فِي الْعُمْرَةِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الطَّوَافَ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَنْ لَا يَسْعَى إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إذْ لَا طَوَافَ قُدُومٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرْدَفَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَرْكَعُ تَكْمِيلًا لِلطَّوَافِ، وَإِنْ أَرْدَفَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَوَافٌ، وَلَا سَعْيٌ، وَإِنْ أَرْدَفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ لَزِمَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَتَقْدِيمُ السَّعْيِ بَعْدَهُ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ: إنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَهُ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُهُ، وَلَا يَسْعَى سَهْوٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْدَافَ فِي الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَيُكْمِلُ عُمْرَتَهُ. ص (وَتَنْدَرِجُ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى انْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ أَنْ يُسْتَغْنَى بِطَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ وَحِلَاقِهِ عَمَّا وَافَقَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ هَذَا الْقَارِنُ مُرَاهِقًا جَازَ لَهُ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَقَعُ حَلْقُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَالطَّوَافُ الَّذِي يُوقِعُهُ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلَيْسَ هُوَ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ انْدَرَجَتْ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَارِنَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِأَفْعَالِهِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِإِحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَقْصِدُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ بِخُصُوصِهَا، وَلَا يَقْصِدُ التَّشْرِيكَ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَالسَّعْيِ، وَأَنَّهُمَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَلْ يَنْوِي بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَهُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِالسَّعْيِ بَعْدَهُ السَّعْيَ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ وَبِالْوُقُوفِ الْوُقُوفَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ لِلْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ وَبِالطَّوَافِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ لِلْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْقَضَتْ بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَالسَّعْيِ بَلْ حُكْمُهَا بَاقٍ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ

تنبيهان القارن بين الحج والعمرة والداخل قبل أشهر الحج

الثَّالِثُ: فِي تَرْجَمَةِ الَّذِي يُفْسِدُ حَجَّهُ، وَإِذَا طَافَ الْقَارِنُ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ وَسَعَى ثُمَّ جَامَعَ فَلْيَقْضِ قَارِنًا؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ إنَّمَا كَانَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، أَلَا تَرَى لَوْ لَمْ يُجَامِعْ، وَمَضَى عَلَى الْقِرَانِ صَحِيحًا لَمْ يَلْزَمْهُ إذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ يَسْعَى لِحَجِّهِ وَأَجْزَاهُ السَّعْيُ الْأَوَّلُ؟ انْتَهَى. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا أَنَّهُ لِلْإِحْرَامِ بِهِ لَا أَنَّهُ يَقْصِدُ بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لِلْقُدُومِ، وَلِلْعُمْرَةِ وَبِالسَّعْيِ أَنَّهُ سَعْيُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ تَمَّتْ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَيِّنٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ الْحَجُّ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا حَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يُؤْتَى لَهَا إلَّا بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ فَيَقَعُ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ وَسَعْيُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ يَخْتَصُّ بِهِ الْحَجُّ دُونَ الْعُمْرَةِ فَيُقَابِلُ الْفَسَادُ أَفْعَالَ الْحَجِّ الْمُخْتَصَّةَ بِدُونِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّ فِعَالَ الْعُمْرَةِ قَائِمٌ بِالْقِرَانِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ الْقَارِنُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ إذَا قَدَّمَ سَعْيَهُ لِتَأْخِيرِ حَلْقِ الْعُمْرَةِ انْتَهَى. فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفْصِحًا بِهِ، وَمِثْلُ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَوْلُهُ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ: مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ قَارِنًا فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ، وَلَا يَكُونُ طَوَافُهُ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ لِعُمْرَتِهِ لَكِنْ لَهُمَا جَمِيعًا، وَلَا يَحِلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِيهِمَا قَضَاهُمَا قَارِنًا فَقَوْلُهُ: لَهُمَا جَمِيعًا أَنَّهُ لِلْإِحْرَامِ الَّذِي أَحْرَمَهُ بِهِمَا، وَبِذَلِكَ يَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ: إنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ تَنْدَرِجُ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَنَصُّهُ: وَفِيهَا عَلَى مَنْ دَخَلَ قَارِنًا فَطَافَ وَسَعَى قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ دَمُ الْقِرَانِ فَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى اخْتِصَاصِ حَجِّ الْقَارِنِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ دُونَهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا إنْ رَمَى قَارِنٌ مُرَاهِقٌ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَلَقَ وَنَفْيُهُ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِمَا كَقَوْلِ ابْنِ الْجَهْمِ فِي الْقَارِنِ، وَأَنَّ الْمُرَاهِقَ لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَسْعَى انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: عَلَى اخْتِصَاصِ حَجِّ الْقَارِنِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ يَعْنِي بِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ التَّشْرِيكَ فِيهِمَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَالسَّعْيَ الْوَاجِبَيْنِ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَهْمِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَقْصِدُ بِهِمَا التَّشْرِيكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا مُرَادُهُمَا صُورَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِالطَّوَافِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَبِالسَّعْيِ سَعْيَ الرُّكْنِ فِي إحْرَامِهِ الْمَذْكُورِ. [تَنْبِيهَانِ الْقَارِن بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة وَالدَّاخِل قَبْل أشهر الْحَجّ] (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) لَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ الْقَارِنَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ إتْيَانِهِ بِالْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَلْ إذَا نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَجْزَاهُ، وَكَذَلِكَ السَّعْيُ وَالْوُقُوفُ وَغَيْرُهُمَا بَلْ لَوْ لَمْ يَسْتَشْعِرْ الْعُمْرَةَ أَجْزَاهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِيمَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِنْ كَانَ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ بَلْ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْقَارِنِ إذَا طَافَ وَسَعَى قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ فِي الْعُمْرَةِ فَقَطْ لِوُقُوعِ فِعْلِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ إنَّهُ يُجْزِئُهُ وَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ اعْتِقَادُهُ ذَلِكَ نَعَمْ إنْ تَحَلَّلَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِمَا فَعَلَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ، وَإِنْ جَامَعَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَارِنًا انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْزَاءِ ظَاهِرٌ إذَا رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، أَمَّا إنْ ذَكَرَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ فَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ بِنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ الْوَاجِبَيْنِ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَعَادَ السَّعْيَ إثْرَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَعَادَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيَ بَعْدَهُ، وَإِنْ دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ أَعَادَهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ، كَمَا سَيَأْتِي فِيمَنْ تَرَكَ رَكْعَتَيْ

الطَّوَافِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَنْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ بَطَلَ طَوَافُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَسَعَى بَعْدَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ لَهَا وَسَعَى لَهَا بِوُضُوءٍ أَنَّ طَوَافَهُ لِلْعُمْرَةِ وَسَعْيَهُ يُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِ حَجِّهِ وَسَعْيِهِ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا رَجَعَ إلَيَّ بَلَدِهِ، أَمَّا إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَيُعِيدُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ إذَا تَطَوَّعَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ بِطَوَافٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فَتَأَمَّلْهُ (الثَّانِي:) قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي الْقَارِنِ - إذَا دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجّ - إنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ بَلْ يُؤَخِّرُ سَعْيَهُ لِإِفَاضَتِهِ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُؤَخِّرُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَالسَّعْيَ حَتَّى تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى فَيُوقِعُ أَفْعَالَ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الدَّمُ إذَا أَخَّرَهَا حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَعَمْ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ التَّعْجِيلِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ لِإِيقَاعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ: عَدَمُ التَّأْخِيرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ) ش: أَيْ: وَكُرِهَ الْإِرْدَافُ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ: فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَرْكَعْ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ وَصَارَ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بَعْدَهُ) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا، وَالضَّمِيرُ لِلرُّكُوعِ أَيْ: فَلَا يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَصِحُّ الْإِرْدَافُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَكُونُ قَارِنًا، وَكَذَلِكَ الْإِرْدَافُ فِي السَّعْيِ لَا يَصِحُّ وَيُكْرَهُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَرَكَعَ، وَلَمْ يَسْعَ أَوْ سَعَى بَعْضَ السَّعْيِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَمْضِ عَلَى سَعْيِهِ فَيَحِلَّ ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ الْحَجَّ انْتَهَى. فَالنَّفْيُ رَاجِعٌ إلَيَّ الْإِرْدَافِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ: أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا إنْ صَحَّتْ، وَلَيْسَ هُوَ مُخَرَّجًا مِنْ قَوْلِهِ: وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ فِي السَّعْيِ، وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ وَالْبِسَاطِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِرْدَافُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السَّعْيِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ الَّذِي أَرْدَفَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ الْحَجَّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنْ شَاءَ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ قَالَ: فَإِنْ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ كُرِهَ، وَكَانَ قَارِنًا بِذَلِكَ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَقِيلَ: وَلَوْ رَكَعَ، وَقِيلَ: وَفِي السَّعْيِ، وَعَلَى الصِّحَّةِ يَكُونُ كَمُحْرِمٍ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَيَرْكَعُ إنْ كَمَّلَ الطَّوَافَ، وَلَا يَسْعَى، وَعَلَى نَفْيِهَا فَكَالْعَدِمِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ: وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى نَفْيِ صِحَّةِ الْإِرْدَافِ فَيَكُونُ إحْرَامُهُ الثَّانِي كَالْعَدَمِ فَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَعْنِي إذَا لَمْ يَصِحَّ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَوْلَيْنِ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَسُقُوطِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَادَ وَأَجْرَى ابْنُ بَشِيرٍ وُجُوبَ الْقَضَاءِ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ النَّذْرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِوُجُودِ الْخِلَافِ هُنَاكَ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ:، وَإِذَا قُلْنَا يَصِيرُ قَارِنًا فِي بَعْضِ الطَّوَافِ لَسَقَطَ عَنْهُ بَاقِي الْعُمْرَةِ، وَيُتِمُّ طَوَافَهُ نَافِلَةً، وَلَا يَسْعَى؛ لِأَنَّ سَعْيَ الْحَجِّ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِطَوَافٍ وَاجِبٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يَصِيرُ قَارِنًا فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ قَطَعَ سَعْيَهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَتَطَوَّعُ بِهِ مُفْرَدًا، وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا يَكُونُ قَارِنًا، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ الْإِسْلَامِ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ تَطَوُّعًا سَقَطَ عَنْهُ عِنْدَ أَشْهَبَ، كَمَا لَوْ أَرْدَفَ حَجًّا عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةً عَلَى عُمْرَةٍ عَلَى حَجٍّ قِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ شَيْئَيْنِ فِي إحْرَامِهِ الْحَجَّ وَتَدَاخَلَ الْعَمَلُ بَطَلَ الثَّانِي فَيَبْقَى الْأَوَّلُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ انْتَهَى. وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَحْوَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ الْحَجَّ فِي الْأَحْوَالِ

فرع تمتع ثم ذكر بعد أن حل من حجه أنه نسي شوطا

الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى عُمْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِهِ أَوْ لَا اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَعُونَتِهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَالْآخَرَ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِجَاجَ كُلِّ قَوْلٍ بِمَا يَطُولُ قُلْنَا: وَقَوْلُهُ: وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ فِي الْأَحْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي إذَا أَرْدَفَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِرْدَافِ حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ إكْمَالِ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَيْضًا أَوْ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْحَجَّ لَا يُرْتَدَفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَهَلْ يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ؟ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ: عَدَمُ اللُّزُومِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ مَا لَا يَحِلُّ صَوْمُهُ، هَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءَهُ أَمْ لَا، وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ النَّظْمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ فَمَنْ نَظَرَ إلَيَّ نَفْسِ الِالْتِزَامِ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ، وَمَنْ الْتَفَتَ إلَى الشَّرْطِ أَسْقُطهُ انْتَهَى. ، وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَقَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ اهـ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَنَصُّ كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَارِنًا، هَلْ يَلْزَمُهُ إحْرَامُهُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِالْحَجِّ أَمْ ذَلِكَ إذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ فِي طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُرْتَدَفُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَكُونُ قَارِنًا فَقِيلَ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْحَجُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ، وَيَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ، وَذَهَبَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ أَيْ: إنْ شَاءَ انْتَهَى. ، وَعَلَى قَوْلِ يَحْيَى اقْتَصَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَنَصَّهُ، أَمَّا إنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ بَعْدَ طَوَافِهِ لِعُمْرَتِهِ وَرُكُوعِهِ وَبَعْدَ أَنْ سَعَى بَعْضَ السَّعْيِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْ السَّعْيِ شَيْئًا فَهَذَا يَمْضِي عَلَى سَعْيِهِ وَيَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ، كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ انْتَهَى. ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا مُنَاقَشَتُهُ فِي التَّوْضِيحِ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنْ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ أَنْ يَرْكَعَ كُرِهَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تَمَتَّعَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْ حَجِّهِ أَنَّهُ نَسِيَ شَوْطًا] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمَنْ تَمَتَّعَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ أَنْ نَسِيَ شَوْطًا لَا يَدْرِي مِنْ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ وَسَعَى وَأَهْدَى لِقِرَانِهِ وَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِحِلَاقِهِ وَلِبَاسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّوْطُ مِنْ حَجِّهِ فَقَدْ أَتَى بِهِ يَعْنِي لِإِتْيَانِهِ الْآنَ بِالطَّوَافِ وَأَهْدَى لِتَمَتُّعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا طَافَ شَوْطًا لَا يُرْتَدَفُ حَجُّهُ لَكِنْ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الطَّوَافِ الْكَامِلِ، وَهَذَا الطَّوَافُ الَّذِي نَسِيَ مِنْهُ الشَّوْطَ إنْ كَانَ مِنْ الْعُمْرَةِ فَقَدْ أَسَاءَ لِلتَّبَاعُدِ فَيَصِيرُ إرْدَافَ الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَلَوْ وَطِئَ النِّسَاءَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُهْدِي لِقِرَانِهِ أَوْ لِتَمَتُّعِهِ، وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي وَبَقِيَ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّوْطُ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا، وَأَفْسَدَ قِرَانَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ مُقْرِنًا فِي قَوْلِهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا أَعْلَمُ مَعْنَاهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ يَرَى أَنَّهُ يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ. أَمَّا فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا إلَّا أَنْ يَطَأَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَقَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْإِفَاضَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. ص (وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ) ش: أَيْ: وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَلْقُ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصِّحَّةِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَأْخِيرَ حَلْقِ الْعُمْرَةِ أَوْ سُقُوطَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ جَائِزٌ. وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَرُمَ الْحَلْقُ وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ، وَلَوْ فَعَلَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِهَا وَقُلْنَا: إنَّ إحْرَامَهُ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ لِتَأْخِيرِ حِلَاقِ الْعُمْرَةِ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ

فَإِنْ أَرْدَفَ بَعْدَ السَّعْيِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا اتِّفَاقًا، وَلَا مُتَمَتِّعًا إلَّا أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَلِهَذَا لَا يَحْلِقُ لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ انْتَهَى، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ فِي عُمْرَتِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَأْخِيرُ الْحِلَاقِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ مَا نَصُّهُ: هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ زَمَنٌ طَوِيلٌ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْعَبْدِ الْكَرِيمِ الْإِسْكَنْدَرِيّ - فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي آخِرِ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَحْلِقْ حَتَّى وَصَلَ إلَى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ فَحَلَقَ أَجْزَأَهُ وَكَأَنَّهُ تَدَاخَلَ الْحِلَاقَانِ مَعًا - قَالَ: وَانْظُرْ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِأُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ الْأُولَى، هَلْ يَكُونُ مِثْلَهُ تَرَدُّدٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا مَعًا مِنْ بَابِ التَّدَاخُلِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي كِتَابِ الْحِلَاقِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّمَ لَا يَسْقُطُ، وَلَوْ حَلَقَ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لِلنُّسُكِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مَا نَصُّهُ: إذَا قُلْنَا: يَحْلِقُ بَعْدَ إفَاضَتِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ اعْتَمَرَ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ الْعُمْرَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ لَهَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ يُونُسَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْحِلَاقِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: عَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِلَاقِ، فَإِنْ عَمِدَ فَعَجَّلَ الْحِلَاقَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَزِمَ ذِمَّتَهُ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ تَعَدَّى لِهَذَا الَّذِي لَزِمَهُ تَأْخِيرُ الْحِلَاقِ فَحَلَقَ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ لَزِمَهُ كَمَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَزِمَهُ دَمُ التَّعَدِّي فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ رُجُوعُهُ إلَى الْمِيقَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَب فِيمَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَلَمَّا اسْتَوَى قَائِمًا رَجَعَ فَجَلَسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَسْجُدُ بَعْدُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: قَبْلُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ دَمُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ انْتَهَى أَوَّلَهُ بِاللَّفْظِ وَآخِرَهُ مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى، وَإِلَى عَدَمِ سُقُوطِ الدَّمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ فَعَلَهُ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ دَمَ التَّأْخِيرِ يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا حَلَقَ وَرَدَّ الْقَوْلَ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فَقَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ، وَإِنْ حَلَقَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ التَّأْخِيرُ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ، وَالْحَلْقُ هَاهُنَا غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ، وَيُضَاهِي الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنْ حَلَقَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا مِثْلُ مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَلَقَ لِكُلِّ نُسُكٍ حِلَاقًا فَتَأَمَّلْهُ. ص (ثُمَّ تَمَتَّعَ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا، وَإِنْ بِقِرَانٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ بِأَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلَّ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجُّ بَعْدَهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ حَجُّهُ بِقِرَانٍ بِأَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اتِّفَاقًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ لِتَمَتُّعِهِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ مِنْ قَاعِدَةِ التَّدَاخُلِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَعَلَيْهِ دَمَانِ عَلَى الْمَنْصُوصِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَالْمُعْتَمِرُ مِرَارًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ فَهَدْيٌ وَاحِدٌ يُجْزِئُهُ لِتَمَتُّعِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَيَتَكَرَّرُ الدَّمُ بِتَكَرُّرِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا حَجَّةَ فِي هَذَا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ الْمُوجِبَيْنِ لِلدَّمِ، أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَأْتِ إلَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ

فِعْلِهِمَا، وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا) ش يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ دَمِ الْقِرَانِ وَدَمِ الْمُتْعَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّخْصُ مِنْ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ بِالِانْقِطَاعِ إلَى مَكَّةَ يُرِيدُ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ إلَى ذِي طُوًى، وَإِنَّمَا وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: بِهَا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ وَذَا طُوًى فِي حُكْمِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ: الِاسْتِيطَانُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْبَاجِيُّ إنَّمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ كَمَّلَ اسْتِيطَانَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِثْلَ أَنْ يَدْخُلَ مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَانَ فَيَحِلَّ فِي رَمَضَانَ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ يَسْتَوْطِنَ مَكَّةَ، ثُمَّ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ هَذَا: إطْلَاقُ التَّوَطُّنِ عَلَى طُولِ الْإِقَامَةِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوَطُّنِ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُوجِبُ الدَّمَ شَرْطُ كَوْنِهِ غَيْرَ مَكِّيٍّ، وَهُوَ مُتَوَطِّنُهَا أَوْ مَا لَا يَقْصِرُ مُسَافِرٌ مِنْهَا فِيهِ كَذِي طُوًى ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ: اسْتِيطَانُهُ قَبْلَ الْعُمْرَةِ، فَلَوْ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ نَاوِيهِ لَمْ يَفْدِهِ لِإِنْشَائِهَا غَيْرِ مُسْتَوْطِنٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو لَهُ مُشْكِلٌ انْتَهَى. يُشِيرُ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ سُكْنَاهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَلَيْسَ هُوَ كَأَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ السُّكْنَى، وَقَدْ يَبْدُو لَهُ، وَمَنْ حَلَّ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عُمْرَةً ثَانِيَةً مِنْ التَّنْعِيمِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مَنْ عَامِهِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ أَبْيَنُ مِنْ الَّذِي قَدِمَ لِيَسْكُنَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ الْأُولَى سُكْنَى انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: اسْتَنْبَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُكْمَ الدَّمِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ الْأَوْلَى، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الدَّمَ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لِسُكْنَى مَكَّةَ لَمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ. كَوْنُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يُرِدْ سُكْنَى مَكَّةَ وَاسْتِيطَانَهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَجَّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا بَادَرَ بِسَفَرِهِ فِيهِ أَحْرَى بِوُجُوبِ الدَّمِ وَثُبُوتِ حُكْمِ الْمُتْعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُوَطَّإِ: قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَسَكَنَهَا ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا كَانَ مِنْ سَاكِنِيهَا، وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ: وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لِقِرَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مُسْتَوْطِنًا، وَقَالَ فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ: وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ وَطَنُهُ غَيْرَ مَكَّةَ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الْمُرَاعَى فِي حُضُورِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقْتُ فِعْلِ النُّسُكَيْنِ وَابْتِدَاؤُهُ بِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتَيْنِ مُسْتَوْطِنًا مَكَّةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا سَائِرَ الْآفَاقِ انْتَهَى. وَلِابْنِ فَرْحُونٍ نَحْوُهُ وَزَادَ، وَإِنْ كَانَ مَكِّيَّ الْأَصْلِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُسْقِطَ لِلدَّمِ هُوَ الِاسْتِيطَانُ، وَأَنَّ الْإِقَامَةَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ لَا تُسْقِطُ الدَّمَ، وَلَوْ طَالَتْ، وَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَوْطِنُ نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَهْلُ مَكَّةَ، وَالثَّانِي: مَنْ انْقَطَعَ إلَيْهَا بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ بَالَغَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَامَةِ الِاسْتِيطَانُ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْإِقَامَةِ لَمَا حَسُنَتْ الْمُبَالَغَةُ بِالِانْقِطَاعِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُنْقَطِعُ إلَيْهَا كَأَهْلِهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْمُنْقَطِعُ بِهَا هُوَ الْآفَاقِيُّ الَّذِي أَقَامَ بِهَا وَأَعْرَضَ عَنْ سُكْنَى غَيْرِهَا، وَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَكِّيِّ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُنْقَطِعُ إلَيْهَا كَالْمُجَاوِرِ كَأَهْلِهَا، فَمُرَادُهُ بِالْمُجَاوِرِ مَنْ جَاوَرَ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ لَا مُطْلَقُ الْمُجَاوِرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ وَذُو طُوًى هُوَ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إلَى مَقْبَرَةِ مَكَّةَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُعَلَّاةِ وَالثَّنِيَّةُ الْأُخْرَى الَّتِي إلَى جِهَةِ الزَّاهِرِ وَتُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ بَيْنَ الْحَجُوقَيْنِ هَكَذَا قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ قَالَ: وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ عَنْ وَالِدِهِ نَحْوَ ذَلِكَ (قُلْتُ:) ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْقِرَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ، فَإِذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهُوَ رَبَضٌ مِنْ أَرْبَاضِ مَكَّةَ بِطَرَفِهَا ثُمَّ قَالَ: قِيلَ: لِمَالِكٍ ذِي طُوًى فِي مَرِّ الظَّهْرَانِ قَالَ: الَّذِي سَمِعْتُ بِقُرْبِ مَكَّةَ انْتَهَى. وَلَهُ

نَحْوُ ذَلِكَ فِي بَابِ مَا يَفْعَلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: هُوَ مَوْضِعٌ عِنْدَ بَابِ مَكَّةَ يُسَمَّى بِذَلِكَ لِبِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: مَا ذَكَرَهُ وَالِدِي هُوَ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ: إنَّهُ مَوْضِعٌ عِنْدَ بَابِ مَكَّةَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ فِي صَوْبِ طَرِيقِ الْعُمْرَةِ، وَيُعْرَفُ الْيَوْمَ بِآبَارِ الزَّاهِرِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاسِيُّ: قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إنَّ ذَا طُوًى هُوَ الْأَبْطُحُ نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ، وَقَالَ الْفَاسِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ (قُلْتُ:) وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ: إنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ الْيَوْمَ بِبَطْنِ مَرٍّ؛ لِأَنَّ بَطْنَ مَرٍّ هُوَ مَرُّ الظُّهْرَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ أَهْلَهُ لَيْسُوا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْأَقْرَبُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْفَاسِيُّ أَوَّلًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ وَالِدِهِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لِدَاخِلِ مَكَّةَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مُثَلَّثُ الطَّاءِ مَقْصُورُ الْأَلِفِ، أَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعَةِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، وَفِي طَرِيقِ الطَّائِفِ مَوْضِعٌ يُقَالُ: لَهُ طَوَاءٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمَدِّ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ أَبُو عَلِيٍّ وَطُوًى وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ مُنَوَّنٌ مَقْصُورٌ عَلَى " فَعَلَ " أَبُو زَيْدٍ طَوَاءٌ مَمْدُودٌ عَلَى وَزْنِ فَعَالٌ قَالَ: فَأَنْكَرَ هَذَا الْأَصْمَعِيُّ أَوْ قَالَ طَوَاءٌ الَّذِي بِالطَّائِفِ مَمْدُودٌ، وَاَلَّذِي بِمَكَّةَ مَقْصُورٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ وَطُوًى بِفَتْحِ الطَّاءِ مَقْصُورَةٌ وَاَلَّذِي بِطَرِيقِ الطَّائِفِ طَوَاءٌ بِالْمَدِّ انْتَهَى. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ تَثْلِيثَ الطَّاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي الصِّحَاحِ إلَّا الضَّمَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ انْقَطَعَ إلَيْهَا وَاسْتَوْطَنَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، فَإِنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ مِنْ غَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ أَمْرٍ عَرَضَ لَهُ، وَلَوْ طَلَب إقَامَتَهُ بِغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَرْفُضْ سُكْنَاهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُهُ: الْخَارِجُ لِرِبَاطٍ أَوْ تِجَارَةٍ شَمِلَ الْخَارِجَ مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَ أَهْلَهُ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَخَرَجَ لِغَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ إذَا قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مُتْعَةٌ، كَمَا لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ لِلسُّكْنَى قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَيَانِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَتَرَكَ أَهْلَهُ بِهَا عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ لِغَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ فَقَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَنَهَا بِغَيْرِ أَهْلٍ قَبْلَ أَنْ يَتَمَتَّعَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَرَكَ آفَاقِيٌّ أَهْلَهُ بِمَكَّةَ أَوْ خَرَجَ لِغَزْوٍ أَوْ تَجْرٍ وَقَدِمَهَا مُتَمَتِّعًا فَلَا دَمَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ بِنِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ مُحَمَّدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَنَهَا دُونَ أَهْلٍ فَقَوْلُ أَبِي عُمَرَ لَا يَكُونُ مَكِّيًّا حَتَّى يَسْتَوْطِنَهَا عَامًا مُشْكِلٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ مِمَّنْ اسْتَوْطَنَهَا بِغَيْرِ مَكَّةَ، فَإِنْ رَفَضَ سُكْنَى مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْحَاضِرِينَ وَيَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ إذَا تَمَتَّعَ. ص (أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا إنْ انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا، وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا عَائِدٌ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ إلَى الْعُمْرَةِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ قَدِمَ بِهَا أَيْ: فِيهَا يَعْنِي أَشْهُرَ الْحَجِّ أَوْ قَدِمَ بِهَا أَيْ: بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَنِيَّتُهُ الْإِقَامَةُ أَيْ: الِاسْتِيطَانُ فَلَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ، وَيُشِيرُ إلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ. ص (وَنُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ، وَهَلَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ تَأْوِيلَانِ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا ثُمَّ تَمَتَّعَ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ ثُمَّ اخْتَلَفَ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ فِي فَهْمِهَا فَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ يُقِيمُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ، وَقِيلَ: إذَا أَقَامَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ اعْتَبَرَ، فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَكْثَرَ فَهُوَ مَكِّيٌّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ فَهُوَ غَيْرُ مَكِّيٍّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى

اخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيِّ وَابْنِ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ، وَأَهْلٌ بِبَعْضِ الْآفَاقِ فَقَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهَذَا مِنْ مُشْتَبِهَاتِ الْأُمُورِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُهْدِيَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ رَأْيٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ إنَّمَا يَأْتِي أَهْلَهُ بِمَكَّةَ مُنْتَابًا فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ بِمَكَّةَ وَيَأْتِي أَهْلَهُ بِغَيْرِهَا مُنْتَابًا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ مَالِكٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِنَّمَا جَاوَبَ عَلَى مَنْ يُكْثِرُ الْمُقَامَ بِالْمَوْضِعَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِبَعْضِ الْآفَاقِ احْتَاطَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ يَأْتِي مَكَّةَ مُنْتَابًا، وَأَكْثَرُ إقَامَتِهِ بِغَيْرِهَا فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ إقَامَتِهِ بِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ هَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي مَكَّةَ مُنْتَابًا فَهِيَ وَطَنُهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِهَا انْتَهَى. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي دَلَالَةِ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ بِالتَّأْوِيلَيْنِ إلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ (تَنْبِيهٌ) : فِي دَلَالَةِ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى كَوْنِ الدَّمِ مُسْتَحَبًّا نَظَرٌ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ نَعَمْ نَقَلَهَا سَنَدٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ بِلَفْظِ هَذَا مِنْ مُشْتَبِهَاتِ الْأُمُورِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ إلَيَّ، وَهَذَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُنْتَابُ الَّذِي يَأْتِي مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ بِالنُّونِ وَالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ. ص (وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي عَامِهِ ذَلِكَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِلْقِرَانِ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّمَتُّعِ وَكَذَا إلَى الْقِرَانِ إذَا فَعَلَ الْأَوْلَى وَتَحَلَّلَ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ هَدْيُ الْقِرَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ ص (، وَلِلْمُتَمَتِّعِ دَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ) ش: يُرِيدُ أَوْ مَا قَارَبَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ مَا قَارَبَهُ فِي سُقُوطِ الدَّمِ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مِثْلُهُ، وَلَوْ بِالْحِجَازِ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا عَادَ إلَى مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِالْحِجَازِ وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِلَوْ إنَّمَا هُوَ إذَا عَادَ لِمِثْلِ بَلَدِهِ فَالْمَشْهُورُ: سُقُوطُ الدَّمِ، وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِالْحِجَازِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِعَوْدِهِ إلَى مِثْلِهِ إذَا كَانَ بَلَدُهُ بِالْحِجَازِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِعَوْدِهِ إلَى نَفْسِ بَلَدِهِ أَوْ بِالْخُرُوجِ عَنْ أَرْضِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ كَذَا نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قُطْرِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ إذَا كَانَ أُفُقُهُ غَيْرَ أُفُقِ الْحِجَازِ، أَمَّا الْحِجَازُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ إلَّا بِالْعَوْدِ إلَى نَفْسِ أُفُقِهِ أَوْ بِالْخُرُوجِ عَنْ أُفُقِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَمَنْ اعْتَمَرَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إلَى أُفُقٍ غَيْرِ الْحِجَازِ كَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ أَوْ أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ أَوْ أُفُقِهِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى الْحِجَازِ، وَهُوَ أُفُقُهُ أَوْ مِثْلُ أُفُقِهِ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّيُوخِ انْتَهَى. وَضَعَّفَ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْبَلَدِ نَفْسِهِ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ بِلَا خِلَافٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِأَقَلَّ) ش: هَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَطْلَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَقَيَّدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا إذَا كَانَ أُفُقُهُ يُدْرِكُهُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَعُودُ فَيُدْرِكُ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ، أَمَّا مَنْ أُفُقُهُ إفْرِيقِيَّةَ فَيَرْجِعُ إلَى مِصْرَ فَيَسْقُطُ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ لَا يُدْرِكَ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ ثُمَّ يَعُودَ مِنْ عَامِهِ انْتَهَى. وَقَبِلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ تَقْيِيدَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ

ص (وَفَعَلَ بَعْضَ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ) ش يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضَ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ أَيْ: فِي أَشْهُرِهِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ وَسَعَى بَعْضَ السَّعْيِ ثُمَّ أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَتَمَّ سَعْيَهُ فِيهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَالَ اللَّخْمِيُّ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الشَّوْطُ وَالشَّوْطَانِ مِنْ السَّعْيِ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ فِي حَيِّزِ اللَّغْوِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ سَعْيَهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ شَوَّالٍ، أَمَّا لَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَأَتَمَّ سَعْيَهُ بَعْدَ أَنْ رَآهُ نَهَارًا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ) ش: أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْأَشْهَرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا عَنْ وَاحِدٍ، وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمْ يَعْزُهُمَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَحْكِ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ إلَّا مَا وَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ تَمَتُّعٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ خَلِيلٌ، وَلَمْ أَرَ فِي ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ إلَّا الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الدَّمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَرَطَ ابْنُ شَاسٍ كَوْنَهُمَا عَنْ وَاحِدٍ، وَنَقْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا أَعْرِفُهُ بَلْ فِي كِتَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ: مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ عَنْ غَيْرِهِ مُتَمَتِّعٌ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّرَدُّدِ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَعَادَتُهُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِمَا لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيحٌ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ النُّسُكَانِ عَنْ وَاحِدٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْهُمْ الْبَاجِيُّ وَالطُّرْطُوشِيُّ، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّهُ الْأَشْهَرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ الْقَرَافِيَّ فِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ مَا سِوَى هَذَا الشَّرْطِ، وَقَالَ: إنَّ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ زَادَ هَذَا الشَّرْطَ، وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : شُرُوطُ الْقِرَانِ لَا شَكَّ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ لَا فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ قِرَانًا، أَمَّا شُرُوطُ التَّمَتُّعِ، فَهَلْ شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ أَوْ فِي تَسْمِيَتِهِ مُتَمَتِّعًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ: أَنَّهَا شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ بِأَنَّهُ إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْهَا لَا يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا، قَالَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّمَتُّعِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرُّخْصَةِ بِذَلِكَ تَعَلَّقَتْ، وَهُوَ إيقَاعُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَرَاهُ فُجُورًا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ إطْلَاقُ التَّمَتُّعِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْمَكِّيُّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَعَلَى الْقَارِنِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَالْمُتَمَتِّعِ الْهَدْيُ يَعْنِي وَالْمُتَمَتِّعَ غَيْرَ الْمَكِّيِّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّمَ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إنَّمَا هُوَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ فَلَا يُسَمَّى الْمَكِّيُّ مُتَمَتِّعًا فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْهُ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِمَا قَدَّمَهُ إلَى قَوْلِهِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَالتَّمَتُّعُ هُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحِلَّ وَيُحْرِمَ مِنْ عَامِهِ، وَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَكِّيًّا انْتَهَى. ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَنْسَكِهِ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُ التَّمَتُّعِ فَهُوَ مُفْرِدٌ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: وَالشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِوُجُوبِ الدَّمِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ وَهَلْ تُعْتَبَرُ فِي تَسْمِيَتِهِ تَمَتَّعَا؟ قَالَ الْقَفَّالُ: تُعْتَبَرُ، وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ، فَلَوْ فَاتَ شَرْطٌ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَكَانَتْ الصُّورَةُ صُورَةَ إفْرَادٍ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ

إنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ التَّادَلِيُّ لِلْمُتَمَتِّعِ تِسْعَةَ شُرُوطٍ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَزَادَ عَنْ الْبَاجِيِّ سَادِسًا: وَهُوَ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَسَابِعًا: وَهُوَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ التَّادَلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْرِيفِ التَّمَتُّعِ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا وَزَادَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَيْضًا ثَامِنًا: وَهُوَ كَوْنُ الْعُمْرَةِ صَحِيحَةً، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ:، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَتُّعِ صِحَّةُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ فِي الْحَجِّ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَلَّ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ، وَحَجُّهُ تَامٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ صَحَّتْ وَزَادَ عَنْ الْبَاجِيِّ تَاسِعًا: وَهُوَ كَوْنُ الْعُمْرَةِ مَقْصُودَةً، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمَوَانِعِ: وَلَا يَتَحَلَّلُ إنْ دَخَلَ وَقْتُهُ، وَإِلَّا فَثَالِثُهَا يَمْضِي، وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَذَكَرَ لِلْقِرَانِ شُرُوطًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مِنْهَا: أَنْ يُقَدِّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فِي نِيَّتِهِ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ إنْ أَتَى بِهِمَا فِي عَقْدَيْنِ، وَأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ تَمَامِ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ مُرْدِفًا، وَأَنْ لَا يَتَمَادَى عَلَى الطَّوَافِ إذَا أَرْدَفَ فِي أَثْنَائِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً، وَهَذِهِ كُلُّهَا مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صِفَةِ الْقِرَانِ ص (وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ) ش ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى مِنْهُمَا: أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْن فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَ يَعْنِي الْمُتَمَتِّعَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ، وَهُوَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ: ظَاهِرُهُ لَوْمَاتُ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ سَمَاعِ عِيسَى مَنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَرْمِ فَقَدْ لَزِمَهُ الدَّمُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ يُوهِمُ وُجُوبَهُ عَلَى مِنْ مَاتَ قَبْلَ وُقُوفِهِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي سُقُوطِهِ خِلَافًا وَلِعَبْدِ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ الْكَاتِبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُقُوفِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَقْلِيدِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَوَجَّهَ جَوَازَ ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ تَتَمَتَّعُ وَتَسُوقُ الْهَدْيَ مَعَهَا لِلْمُتْعَةِ مَا نَصَّهُ: فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجَبَ بَعْدُ؟ قُلْنَا: لَا يُشْتَرَطُ فِي تَقْلِيدِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَقَلَّدَهُ لِيُوقِفَهُ فِي الْحَجِّ وَيَنْحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَلَّدَهُ فِي إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَعِنْدَ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَمَتَّعَ ثُمَّ مَاتَ قَالَ: إنْ مَاتَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رَمْيِهَا فَقَدْ لَزِمَهُ هَدْيُ التَّمَتُّعِ، وَإِذَا أَخَّرَ تَقْلِيدَهَا عِنْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهَا إحْدَى نُسُكَيْ التَّمَتُّعِ فَهِيَ مِنْ سَبَبِ الْهَدْيِ فِي الْجُمْلَةِ وَنَحْوُهُ لَا يَكُونُ حَتَّى يَجِبَ فَيُقَلِّدَهُ لِوُجُوبِ سَبَبِهِ وَيَنْحَرَهُ لِتَمَامِ وُجُوبِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ صَوْمِ الْهَدْيِ: يُخْتَلَفُ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَرْمِ، ثُمَّ قَالَ: فَرَاعَى ابْنُ الْقَاسِمِ خُرُوجَ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَرَاعَى مَالِكٌ خُرُوجَهُ مِنْ إحْرَامِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ: يَعْنِي أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهُ بِأَوَائِلِ دَرَجَاتِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَذَلِكَ يَجْمُلُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رُكْنٍ آخَرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَرْتَفِضُ فَقَامَ لِذَلِكَ الرُّكْنُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْجَمْعِ، وَلَا يُرَاعَى احْتِمَالُ الْفَوَاتِ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَذَلِكَ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَعَادَ فِعْلُهُ إلَى عَدَمِ الْعُمْرَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَسَدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَوَاتِ وَالْفَسَادِ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قُلْتَ:) إذَا كَانَ هَدْيُ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يُنْحَرُ بِمِنًى إنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَوْ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَمَا فَائِدَةُ الْوُجُوبِ هُنَا (قُلْتُ:) يَظْهَرُ فِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْهَدْيُ حِينَئِذٍ مَعَ كَوْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ لَكَانَ تَقْلِيدُهُ إذْ ذَاكَ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا قَلَّدَ بَعْدَ كَمَالِ الْأَرْكَانِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ طَرِيقَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَالثَّانِيَةَ لِلَّخْمِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى: أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْوُجُوبِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ، وَالْحُكْمُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَفِي مَسْأَلَةِ الْفَوَاتِ، وَالْمَذْهَبُ: سُقُوطُ الدَّمِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ وَمُرَاعَاةُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ قَدْ أَجَازَهُ ابْنُ قَاسِمٍ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَلْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بَلْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ إذَا سَاقَ فِي عُمْرَتِهِ هَدْيًا تَطَوُّعًا، وَلَمْ يَنْحَرْهُ فِيهَا، وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَنَحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: لَا يُجْزِئُهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَلَا يُؤَخِّرَهُ وَنَحْوُ هَذَا مَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَانِ، وَهِيَ مَا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لِعُمْرَتِهِ ثُمَّ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتِ الْحَجِّ إنَّ ذَلِكَ الْهَدْيَ يُجْزِئُهُ لِقِرَانِهِ وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي: وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا فِيمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَحِلِّهِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمَا قَبْلَ وُجُوبِهِمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ لِلْحُكْمِ بِوُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ فَائِدَةٌ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا قَلَّدَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وُجُوبًا غَيْرَ مُتَحَتِّمٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِالْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ، فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، كَمَا نَقُولُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: إنَّهَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا، فَإِنْ وَطِئَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ، وَلَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ طَلَّقَهَا أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ فَاَلَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ نَحْرُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ فَسَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْكَبِيرِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ الْمَذْكُورِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَقَالَ فِي الْوَسَطِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَاقْتَصَرَ فِي الصَّغِيرِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ، فَذِكْرُهُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِإِخْرَاجِ الْهَدْيِ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ لَا سِيَّمَا كَلَامُهُ فِي الْوَسَطِ، أَمَّا الْبِسَاطِيُّ فَلَمْ يُفَسِّرْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، نِنُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْفُرَاتِ

بَلْ زَادَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى جَوَازِ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَّا بَعْضَ الْمُعَاصِرِينَ لَنَا وَلِمَشَايِخِنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى خِلَافِ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُ: وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ اللَّخْمِيَّ خَرَّجَ إجْزَاءَ الْهَدْيِ الْمُقَلَّدِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ عَنْ التَّمَتُّعِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي تَعْبِيرِهِ بِلَفْظِ الْجَوَازِ أَنَّ التَّخْرِيجَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي نَحْرِ الْهَدْيِ حِينَئِذٍ لِتَشْبِيهِهِ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخَرَّجَةٌ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي الْكُتُبِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِالنَّقْلِ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَصَاحِبِ النَّوَادِرِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ، أَمَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فَلَمْ يَتَعَرَّض لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، هَلْ هُوَ التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ أَوْ نَحْوُهُ؟ لَكِنَّ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ بِكَمَالِهَا يَعْنِي أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةُ بِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ إذْ التَّمَتُّعُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَالِاخْتِيَارُ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ، وَلَمْ يُرَاعُوا احْتِمَالَ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ إذَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُجْزِئْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئْهُ فَلَمْ يُجْزِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِذَا قَلَّدَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ تَطَوُّعًا، وَالتَّطَوُّعُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَأَجْزَأَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْتِ وَالزَّكَاةِ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ السُّنَّةُ التَّوْسِعَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ بِظَاهِرٍ انْتَهَى. كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ لَا عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ نَحْرِ الْهَدْيِ وَأَوَّلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْمُتْعَةِ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الْقَارِنُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: لِأَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ فَرْحُونٍ لَكِنَّ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَهَذَا كَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَالِاخْتِيَارُ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْهَدْيِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا قَالَهُ فِي الصِّيَامِ، وَنَصُّهُ: وَالِاخْتِيَارُ لَهُ تَقْدِيمُ الصِّيَامِ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَلَامَهُ عَلَى تَقْدِيمِ نَحْرِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ بَلْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إنْ أَرَادَهُ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ هَدْيَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يُنْحَرُ بِمِنًى إنْ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ أَوْ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ نَحْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ شَاهِدَةٌ لِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ، وَلَا يَجُوزُ نَحْرُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَالْوَاجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ هَدْيٌ يَنْحَرُهُ بِمِنًى، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ

وَلَهُ مِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ عُيُونِ الْمَجَالِسِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ نَحْرِ الْهَدْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْقَارِنُ إذَا سَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ فَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى عَرَفَةَ فَلْيَنْحَرْهُ بِمَكَّةَ إنْ شَاءَ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ هَدْيٍ دَخَلَ مَكَّةَ فَعَطِبَ بِهَا فَيُجْزِئُ إلَّا هَدْيَ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْتَدِئُ الْحَجَّ بِمَكَّةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: فَكَأَنَّهُ عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ انْتَهَى. ، وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ كَلَامَ مَالِكٍ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ بَعْدَهُ أَبُو إِسْحَاقَ: هَذَا صَوَابٌ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ الْهَدْيِ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لِيَنْحَرَهُ فِي عُمْرَتِهِ نَحَرَهُ ثُمَّ إذَا تَمَتَّعَ بِالْحَجِّ أَهْدَى لِمُتْعَتِهِ سَوَاءٌ قَلَّدَ هَدْيَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَوْ بُنَيَّة أَنَّهُ لِلْمُتْعَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مَا نَحَرَهُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْ حَجِّهِ لَا يُجْزِئُهُ لَتَمَتُّعِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ أَوْ مَعَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ: إذَا نَحَرَهُ بَعْدَهُ تَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمُتْعَةِ، وَمَرَّةً قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْحَرَهُ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ، وَلَا يَشْتَرِطُ الشَّافِعِيُّ تَحَلُّلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ دَمٌ تَعَلَّقَ بِالْإِحْرَامِ، وَيَنُوبُ عَنْهُ الصِّيَامُ فَجَازَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَفِدْيَةِ الْأَذَى وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، فَإِنَّمَا يُشْرَعُ الْهَدْيُ لِذَلِكَ إذَا وَقَعَ التَّمَتُّعُ، وَلَا يَقَعُ التَّمَتُّعُ بِالنِّسْكَيْنِ حَتَّى يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِذَا أَهْدَى قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْدَى قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَهْدَى قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ كَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا وَلِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَبْحُ أُضْحِيَّةٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ كَقَبْلِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَبِخِلَافِ فِدْيَةِ الْأَذَى؛ لِأَنَّهَا عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِهَدْيٍ حَتَّى إذَا جَعَلَهَا هَدْيًا لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ الْفِدْيَةُ حُجَّتُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجْزِيءُ قَبْلَ كَمَالِ سَبَبِ وُجُوبِهَا، وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي التَّمَتُّعِ لَا يُجْزِئُ هَدْيُهُ قَبْلَ حُصُولِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ صَوْمِ الْهَدْيِ: لَمَّا ذَكَرَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ لَا يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ مَا نَصُّهُ: وَلِأَنَّ الْهَدْيَ لَوْ وَجَبَ بِهَا لَجَازَ نَحْرُهُ إذْ شَرْطُ الْوُجُوبِ التَّمَكُّنُ مِنْ فِعْلِ مَا وَجَبَ وَسَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَحْرِ الْهَدْيِ حَتَّى يَحِلَّ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ حَتَّى يَحِلَّ ثُمَّ قَالَ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْهَدْيُ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَحِلَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ: فِيمَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَدَلِيلُنَا: أَنَّ الْهَدْيَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّحَلُّلِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] إلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ فِيمَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ تَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ قَالَ سَنَدٌ: رَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الدَّمَ الْمُتَعَلِّقَ بِنَقْصِ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْإِحْرَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَبِدَلِيلِ دَمِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ: يَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الْهَدْيُ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إنَّ الْحَجَّ حِينَئِذٍ يَتِمُّ، وَيَصِحُّ مِنْهُ وَصْفُ التَّمَتُّعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ بِضَمِّ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَأَوَّلُ الْحَجِّ كَآخِرِهِ وَهَذِهِ دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، وَلَوْ ذَبَحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يَجُزْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهَذَا كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ نَحْرُهُ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ الْحَفِيدُ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ ذَبَحَ هَدْيَ التَّمَتُّعِ وَالتَّطَوُّعِ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي التَّطَوُّعِ وَالشَّافِعِيُّ فِيهِمَا، وَمُرَادُهُ بِالتَّطَوُّعِ الَّذِي سَاقَهُ لِيَذْبَحَهُ فِي حَجِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَسَاقَ مَعَهُ هَدْيًا فَطَافَ بِالْعُمْرَةِ وَسَعَى

فَلِيَنْحَرْهُ إذَا أَتَمَّ سَعْيَهُ قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ يُرِيدُ وَيُجْزِيهِ عَنْ تَمَتُّعِهِ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ أَخَّرَ هَدْيَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَنَحَرَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ تَمَتُّعِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: قَالَ الْفَقِيهُ: قِفْ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُجْزِيهِ الْأَدْنَى إذَا أَخَّرَهُ مَعَ أَنَّ الْهَدْيَ وَجَبَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُجْزِيهِ مَعَ التَّقْدِيمِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ؟ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَارِيًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْهَدْيِ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ مَحِلِّهِ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يَنْحَرَ فِيهِ، هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَقَوْلُهُ: إنَّهُ مُشْكِلٌ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا جَاءَ الْإِشْكَالُ مِنْ حَيْثُ قَالَ: يُرِيدُ وَيُجْزِئُهُ إذْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَا غَيْرِهِمْ، كَمَا عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَإِنْ قَالَ بِجَوَازِ ذَبَحَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّمَتُّعَ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذَا، وَلَا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِدَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَغْلَطُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَمَسَّكُونَ بِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ خُصُوصًا مَعَ الْوُقُوفِ عَلَى نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ الْمُخَالِفَةِ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَجْزَاهُ تَقْلِيدُهُ وَإِشْعَارُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَكَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ يُجْزِهِ عَنْ تَمَتُّعِهِ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَخَّرَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ هَدْيَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَنَحَرَهُ عَنْ مُتْعَتِهِ رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَلَا يُؤَخِّرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعًا) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِحْرَامِ فِي قَوْلِهِ: وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ وَيَعْنِي أَنَّ الرُّكْنَ الثَّانِي مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الطَّوَافُ، فَإِنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ وَالطَّوَافُ الرُّكْنِيُّ فِي الْحَجِّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَلِلطَّوَافِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ فِي عُمْرَةٍ شُرُوطُ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ شَوْطًا أَوْ بَعْضَ شَوْطٍ رَجَعَ لَهُ مِنْ بِلَادِهِ، قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يُجْزِي لِاسْتِيفَاءِ أَشْوَاطِهِ، فَمَنْ تَرَكَ شَوْطًا أَوْ بَعْضًا مِنْهُ أَوْ مِنْ السَّعْيِ عَادَ عَلَى إحْرَامِهِ مِنْ بِلَادِهِ لِإِتْمَامِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ الدَّمُ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ ذَكَرَ شَوْطًا مِنْ طَوَافِهِ فَلْيَرْجِعْ لَهُ مِنْ بِلَادِهِ، وَإِلَى هَذَا رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُخَفِّفُ الشَّوْطَ وَالشَّوْطَيْنِ، وَكَذَلِكَ إنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا كَانَ يُخَفِّفُ الشَّوْطَ وَالشَّوْطَيْنِ إذَا رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ، أَمَّا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي إعَادَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَمَّا كَانَ يَقُولُ بِتَخْفِيفِ ذَلِكَ كَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ دَمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُنَّةٌ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: لَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ ذَلِكَ شَرْطًا، وَجَعَلَهُ سُنَّةً يُجْبَرُ بِالدَّمِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) يُعَدُّ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا، هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَالتَّحْقِيقُ فِيهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِصِدْقِ حَدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الْمَنَاسِكِ الَّتِي جَمَعْتُهَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَعَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَدَأَ فِي طَوَافِهِ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَتَمَّ ذَلِكَ فَتَمَادَى مِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الْأَسْوَدِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى طَالَ، أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَتَبَاعَدَ أَجْزَأَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ، وَلَا يَرْجِعَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَإِنْ كَانَ بِتَعَمُّدٍ فَلِيَبْتَدِئْ إلَّا فِيمَا تَرَاخَى فِي مِثْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى بَعْضِ الْمَسْجِدِ

ثُمَّ يَسْتَفِيقَ فَلْيَبْنِ كَمَنْ يَخْرُجُ مِنْ مُصَلَّاهُ إلَى مِثْلِ جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ وَإِيوَانِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِنِسْيَانٍ أَوْ جَهْلٍ، وَلَمْ يَتَبَاعَدْ فَلْيَبْنِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ أَوْ يَطُلْ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مِنْ سُبْعِهِ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ يَعْنِي طَوَافَهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا إلَى آخِرِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي عَمْدًا، وَأَتَمَّ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحْصُلْ فِي ذَلِكَ طُولٌ، فَإِنَّهُ يَبْنِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ أَوْ يَطُلْ جِدًّا فَفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَبَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى السَّعْيِ وَسَعَى بَعْضَ السَّعْيِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَبْنِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَبْنِي، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّعْيِ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِيمَنْ نَسِيَ بَعْدَ طَوَافِهِ، وَجَعَلَ الْجَاهِلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالنَّاسِي فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمَنْ ابْتَدَأَ طَوَافَهُ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَيْنَ الْبَابِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ ثُمَّ ذَكَرَ قَالَ: يُجْزِئُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ أَلْغَى مَا مَشَى مِنْ بَابِ الْبَيْتِ إلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَيَانٍ فَأَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ ابْتَدَأَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي فِي الْبِنَاءِ وَالِابْتِدَاءِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَأَتَمَّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَوْلُهُ: يُجْزِئُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُلْغِي ذَلِكَ بَلْ يُتِمُّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ وَيُجْزِئُهُ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَلَمْ يُتِمَّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ بَلْ أَتَمَّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَهَذَا لَا يُجْزِئُهُ وَيَرْجِعُ فَيُكْمِلُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا، فَإِنْ طَالَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَيَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ هَكَذَا كَانَ وَالِدِي يُقَرِّرُهُ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَقَالَ قَوْلُهُمْ هَذَا يَسِيرٌ وَيُجْزِئُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ. (قُلْتُ:) وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّلْقِينِ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الشَّوْطِ يَرْجِعُ لَهُ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ الْبَاجِيُّ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ شَوْطٍ فَهَلْ يُتِمُّ ذَلِكَ الشَّوْطَ أَوْ يَبْتَدِئُهُ؟ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُقْبِلَ يَنْصِبُ قَامَتَهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ طَافَ، وَبَعْضُهُ فِي الْبَيْتِ، فَيَبْطُلُ طَوَافُهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ مَنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ ذِرَاعًا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا، فَإِذَا كَانَ السَّعْيُ لَا يُغْتَفَرُ مِنْهُ ذِرَاعٌ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الطَّوَافِ فَأَحْرَى أَنْ يَقْتَضِيَ إنْ نَقَصَ ذَلِكَ يَبْطُلُ الطَّوَافُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: وَكَيْفِيَّةُ الطَّوَافِ: أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى الْحَجَرِ، وَذَلِكَ: بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ، وَيَقِفَ إلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَسَارِهِ يَمِينَهُ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ، وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا فِي الْأَوَّلِ، وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ ذَكَرَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ حُذَّاقُ الشَّافِعِيَّةِ (قُلْتُ:) ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّوَوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا يَصِحُّ طَوَافُ مَنْ لَمْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ الْمُعَلَّى، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْهُ، وَأَصْلُهُ لِلنَّوَوِيِّ فِي الْإِيضَاحِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِيهِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ جَعَلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ عَنْ يَسَارِهِ

مِنْ الْأَوَّلِ وَمَرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَيْهِ جَازَ، وَلَكِنْ فَاتَهُ الْمُسْتَحَبُّ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَاجِبِ الرَّابِعِ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُعَلَّى كَلَامَ النَّوَوِيِّ جَمِيعَهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِهِ فِي كَيْفِيَّةِ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُعَلَّى بَلْ صَرِيحُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَطْلُوبَةً أَيْضًا فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّادَلِيِّ: مَا قَالَاهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَقَدْ نَازَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّة النَّوَوِيَّ فِي اسْتِحْبَابِ الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِحْبَابَ الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ الْكَيْفِيَّتَيْنِ فِي الطَّوْفَةِ الْأُولَى خَاصَّةً دُونَ مَا بَعْدَهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» فَمَنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ مُسْتَقْبِلًا لِلْحَجَرِ إلَى أَنْ جَاوَزَهُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَمَضَى جُزْءٌ مِنْ طَوَافِهِ، وَالْبَيْتُ لَيْسَ عَلَى يَسَارِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ عَنْ اللَّهِ، وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى النَّقْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا الرَّافِعِيُّ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ اسْتِحْبَابُ الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى، وَكَرَاهَتُهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ ارْتِكَابَهَا قَدْ يُوقِعُ فِي الْأَذَى، وَأَنَا مِمَّنْ تَأَذَّى بِهَا، فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَمِلَ بِهَا، وَأَنَا مَعَهُ فِي الطَّوَافِ، وَكُنْتُ وَرَاءَهُ حِينَ مَشَى مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَهُ، وَلَمْ أَدْرِ بِهِ فَانْفَتَلَ عِنْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْحَجَرَ، وَلَمْ يَرَنِي فَدَاسَ رِجْلِي فَآذَانِي بِرِجْلِهِ بِدَوْسَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى يَعْنِي الَّتِي اسْتَحَبَّهَا النَّوَوِيُّ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تَأْخِيرُهُ إلَى صَوْبِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَمَشْيُهُ مُسْتَقْبِلًا حَتَّى يَقْطَعَ الْحَجَرَ وَانْفِتَالُهُ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْحَجَرَ، وَإِذَا كَانَ أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَسْمَحْ بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَثْبُتْ فَكَيْفَ سَمَحَ بِهَذَا بَلْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ مُسْتَقْبِلًا الْحَجَرَ إلَى أَنْ جَاوَزَهُ ثُمَّ انْفَتَلَ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ طَوَافِهِ، وَالْبَيْتُ لَيْسَ عَلَى يَسَارِهِ فَالْوَجْهُ امْتِنَاعُهُ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: الْمُرَادُ بِالْبَدَنِ فِي الْمُحَاذَاةِ شَقُّ الطَّائِفِ الْيَسَارُ لَا غَيْرُ لَكِنَّ كَلَامَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرِهِمَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ جَعْلِ الْبَيْتِ عَلَى يَسَارِهِ هُوَ مِنْ حِينِ مُجَاوَزَةِ الْحَجَرِ لَا عِنْدَ مُحَاذَاتِهِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ انْتَهَى. فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْكَرُوا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ، وَأَنْكَرُوا اسْتِحْبَابَهَا، بَلْ جَعَلُوهَا مَكْرُوهَةً وَمَمْنُوعَةً، أَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ فَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا بِأَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُحَاذِيَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْحَجَرِ قَالَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ تَعَرُّضٌ لِلْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ ثُمَّ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ بَلْ فِي كَلَامِ الْقَاضِي سَنَدٍ فِي الطِّرَازِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَبْدَأُ فِي الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَقْبِلُ الْحَجَرَ بِجَمِيعِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ وَاسْتَلَمَهُ، وَالْأَحْسَنُ: أَنْ يَأْتِيَ عَنْ يَمِينِ الْحَجَرِ، وَيُحَاذِيَ بِيَسَارِهِ يَمِينَ الْحَجَرِ ثُمَّ يُقَبِّلَهُ وَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَيَطُوفَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، وَلَوْ حَاذَى بَعْضَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ بَدَأَ، فَإِذَا انْتَهَى. إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَ شَوْطًا وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الشَّوْطُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ جَمِيعَ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَزِمَهُ اسْتِقْبَالُهُ لَزِمَهُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ كَالْقِبْلَةِ، وَمَا قُلْنَاهُ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ

وَمَوْضِعُ الْبُدَاءَةِ الْحَجَرُ، وَقَدْ بَدَأَ مِنْهُ، وَيُخَالِفُ الْقِبْلَةَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ غَيْرَهَا، وَلِأَنَّهُ فِي الْبَيْتِ أَيْضًا لَا يَسْتَقْبِلُ جَمِيعَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ بَعْضَهُ وَكَذَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْحَجَرِ بَعْضُهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ مُعَلَّى، وَهَذَا مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ وَالْمَذْهَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ هَذَا التَّحْدِيدِ وَمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ وَالْمُرَاعَى أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَحْتَاطُ فِي ابْتِدَاءِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ بِحَيْثُ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ سَنَدٌ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ مِنْ الْحَجَرِ لَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا بَلْ هِيَ مِمَّا يُجْبَرُ بِالدَّمِ بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ وَالْبَابِ أَنَّهُ يَسِيرٌ وَيُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُقَالُ: قَوْلُهُ: فِي الطِّرَازِ يَسْتَقْبِلُ الْحَجَرَ بِجَمِيعِهِ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ: بَعْدُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ يَمِينِ الْحَجَرِ وَيُحَاذِي يَسَارَهُ بِيَمِينِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَتَكُونُ يَدُهُ الْيُسْرَى مُحَاذِيَةً لِيَمِينِ الْحَجَرِ ثُمَّ يُقَبِّلُهُ وَيَمْشِي عَلَى جِهَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ أَمْرًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بَلْ هُوَ مُشَوِّشٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَيُوجِبُ لَهُمْ الْوَسْوَاسَ، وَرُبَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إذَا فَعَلُوهُ تَشْوِيشٌ عَلَى الطَّائِفِينَ، وَنَصُّهُ: وَلْيُحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضَهُمْ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْحَجَرَ فَيُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ فِي الطَّوَافِ، وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَلْفَهُ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَكْمِلْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَلْ سِتَّةً، فَإِذَا كَانَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَطَلَ طَوَافُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ لَهُ مِمَّا يُخَالِفُ إحْرَامَهُ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَارُكُ، وَكَيْفِيَّةُ مَا يَفْعَلُهُ حَتَّى يَسْلَمَ مِمَّا ذُكِرَ وَهُوَ أَنْ يَمْشِيَ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي ثُمَّ يَرُدَّ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ يَأْخُذَ فِي الطَّوَافِ فَيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إكْمَالِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَفْعَلُ فِي الشَّوْطِ الْأَخِيرِ يَمْشِي فِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْحَجَرَ خَلْفَهُ بِخُطْوَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لِكَيْ يُوقِنَ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ مِنْ الْحَجَرِ أَجْزَأَهُ إذَا تَمَّ الشَّوْطُ السَّابِعُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ بَلْ لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا أَتَمَّ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ مِنْ وَسَطِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوْ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي يَلِي الْبَيْتَ ثُمَّ أَتَمَّ الطَّوَافَ إلَى طَرَفِهِ الَّذِي يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِي فَمَا قَالَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الطَّوَافِ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِثَلَاثِ خُطُوَاتِ أَوْ نَحْوِهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا آذَى الطَّائِفِينَ وَشَوَّشَ عَلَيْهِمْ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَا يَفْعَلُهُ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ الطَّوَافَ بِأَنْ يَقِفَ قَبْلَ الرُّكْنِ بِقَلِيلٍ بِأَنْ يَكُونَ الْحَجَرُ عَنْ يَمِينِ مَوْقِفِهِ لِيَسْتَوْعِبَ جُمْلَتَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَجَرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ فَلْيَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ الْجَاهِلُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) إنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى فَظَاهِرٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَجَرَ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ (الرَّابِعُ) قَالَ سَنَدٌ: إطْلَاقُ الْأَطْوَافِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَجَوَّزَ مَالِكٌ الْأَشْوَاطَ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ الْأَشْوَاطَ وَالْأَدْوَارَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الرَّمَلِ انْتَهَى. يَعْنِي إطْلَاقَ الْأَشْوَاطِ، وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ شَوْطٌ أَوْ دُورٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: طَوَافٌ انْتَهَى. ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْأَدْوَارَ لَا تُكْرَهُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ أَيْضًا: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكَ أَطَافَ بِهِ وَدَارَ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِالطُّهْرَيْنِ وَالسِّتْرِ) ش: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الطُّهْرَيْنِ وَالسِّتْرُ لِلْعَبْدِ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا اشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الطَّوَافِ فَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ

تنبيه من واجبات الطواف

الْمَذْهَبِ فَمَنْ طَافَ مُحْدِثًا مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَرَجَعَ إلَى ذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ، أَمَّا طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَعَدَّهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ شُرُوطِهِ قَالُوا: كَالصَّلَاةِ وَيَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ سَاقِطَةٌ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ وَجَعَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطَ كَمَالٍ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي صِحَّةِ طَوَافِ مَنْ طَافَ بِهَا عَامِدًا، وَإِعَادَتِهِ أَبَدًا قَوْلَيْنِ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ: هُوَ الْقَوْلُ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ قَالَ سَنَدٌ: إنْ قُلْنَا: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَذَلِكَ فِي الطَّوَافِ، وَإِنْ قُلْنَا: شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ فَكَذَلِكَ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِحَالٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا انْتَهَى. أَمَّا مَنْ طَافَ بِهَا نَاسِيًا، فَإِنْ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَطْرَحُهَا وَيَبْنِي، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ الطَّوَافَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَالَ: وَيَقْلَعُ الثَّوْبَ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ابْتَدَأَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ فِيمَا قَرُبَ إنْ كَانَ وَاجِبًا، وَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُهْدِي، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُعِيدُهُمَا بِالْقُرْبِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ فَرَّعَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْكَلَامَ عَلَى الطُّهْرَيْنِ، أَمَّا السَّتْرُ فَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ فُرُوعِهِ إلَّا الْقَلِيلَ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: الثَّالِثُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَحُكْمُهُ أَيْضًا فِي الطَّوَافِ حُكْمُ الطَّهَارَةِ، وَحُكْمُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ طَافَ بِهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَكْشُوفَةَ إذَا طَافَتْ، وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرِّجْلِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ شَعْرِ رَأْسِهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهَا، وَإِنْ طَافَتْ كَذَلِكَ، وَرَجَعَتْ فَقَدْ رَجَعَتْ بِلَا حَجٍّ، وَلَا عُمْرَةٍ، قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: وَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ حَجِّهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا صَلَّتْ الْحُرَّةُ بَادِيَةَ الشَّعْرِ أَوْ الْوَجْهِ أَوْ الصَّدْرِ أَوْ ظُهُورِ قَدَمَيْنِ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَالْإِعَادَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْبَابِ إنْ كَانَتْ بِمَكَّةَ أَوْ حَيْثُ يُمْكِنُهَا الْإِعَادَةُ فَلْتُعِدْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِعَادَةُ، وَلَوْ كَانَتْ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ بِالْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ خَرَجَ وَقْتُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ طَافَ بِنَجَاسَةٍ نَاسِيًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ] (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ إلَّا الْكَلَامَ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَبَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إلَّا الْكَلَامُ، وَقَدْ أَجَازُوهُ إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا يَتَحَدَّثُ مَعَ أَحَدٍ فِي طَوَافِهِ، وَلَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ فِي أَضْعَافِهِ، قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِهِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّهُ الْعَطَشُ فَحَمَلَ قَوْلَهُ لَا يَشْرَبُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَكْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَدَوَامِهِ فَمَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ فَقَدْ بَطَلَ طَوَافُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ إذَا تَطَهَّرَ، وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ غَلَبَةً أَوْ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا تَوَضَّأَ وَاسْتَأْنَفَهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْحَدَثَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى مَا طَافَهُ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ

ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: إذَا أَحْدَثَ فِي الطَّوَافِ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَيَبْنِي قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَرِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَنَّ خِلَافَ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَهُوَ يَطُوفُ أَنَّهُ يَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ إنْ كَانَ وَاجِبًا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي التَّطَوُّعِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَالْبَاجِيُّ أَنَّهُمَا نَقَلَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ رَكْعَتَيْنِ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ إنْ كَانَ وَاجِبًا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي التَّطَوُّعِ انْتَهَى. فَإِذَا كَانَ يَبْتَدِئُهُ إذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَأَحْرَى أَنْ يَبْتَدِئَهُ إذَا انْتَقَضَ فِي أَثْنَائِهِ، وَلَمْ أَقِفْ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا لَمْ يَقْطَعْ وَيَبْنِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ وَسَعَى، فَإِنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَالسَّعْيَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَإِنْ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَرْكَعْهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَبْعَثْ بِهَدْيٍ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا تُجْزِئُهُ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ (الثَّانِي:) إذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ الْبِنَاءُ فَجَاءَ وَبَنَى عَلَى مَا طَافَ أَوَّلًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا قَبْلَ الْحَدَثِ فَالظَّاهِرُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا طَافَهُ الْآنَ، وَيُكْمِلَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَيُجْزِئُهُ، وَكَذَا أَيْضًا مَنْ شَرَعَ فِي سَبْعٍ فَطَافَ بَعْضَهُ فَلَمَّا وَصَلَ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي بَعْضِ الْأَشْوَاطِ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَهُ فَنَوَى سَبْعًا أُخَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا طَافَهُ أَوَّلًا إنْ كَانَ الطَّوَافُ نَافِلَةً، وَمِثْلُهُ أَيْضًا غَفَلَ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ لَا كَمَالُهُ، وَلَا عَدَمُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ظَنَّ أَنَّهُ كَمَا جَاءَ لِيَبْتَدِئَ الطَّوَافَ فَنَوَى حِينَئِذٍ طَوَافَ سَبْعٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَبْنِي هُنَا أَيْضًا عَلَى مَا طَافَهُ أَوَّلًا، وَيُكْمِلُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَيُجْزِئُهُ إنْ كَانَ الطَّوَافُ نَافِلَةً، أَمَّا إنْ كَانَ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ فَرِيضَةً، وَاَلَّذِي نَوَاهُ نَافِلَةً فَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَحْوَطُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ، وَقَدْ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ فِي بَابِ حُكْمِ مِنًى وَالرَّمْيِ: لَوْ اعْتَقَدَ شَخْصٌ أَنَّهُ فِي الشَّوْطِ السَّابِعِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الْخَامِسُ أَنَّهُ يُتِمُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ أَنَّهُ يُعِيدُ انْتَهَى.، وَاَللَّهُ أَعْلَم. (الثَّالِث) : وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَشْهُورَ، وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ، وَيَبْنِي مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ فِي السَّعْيِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ يَقْطَعُ وَيَبْنِي وَيَبْتَدِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُرَادُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الطَّوَافِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ هُوَ الْمَذْهَبُ فِي السَّعْيِ إذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ السَّعْيَ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَرْقًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ هَذَا فِي الطَّوَافِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ وَتُسْتَحَبُّ فِي السَّعْيِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، فَلَوْ أَتَمَّ سَعْيَهُ، وَهُوَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ فَتَقَوَّى الْإِشْكَالُ فِي كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) مَنْ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ رَفَضَهُ فِي أَثْنَائِهِ، هَلْ يَرْتَفِضُ وَيَبْطُلُ كَالصَّلَاةِ أَوْ لَا يَبْطُلُ بِالرَّفْضِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْوُضُوءِ لَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ وَاجِبَاتٍ الطَّوَافِ وَشُرُوطِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ، فَلَوْ طَافَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ طَافَ، وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ أَوْ ظَهْرُهُ لَمْ يُجْزِهِ طَوَافُهُ، وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ فَيَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ كَذَلِكَ، وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ مَنْ تَرَكَهُ صَحَّ طَوَافُهُ وَيُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ لَزِمَهُ دَمٌ هَكَذَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الطِّرَازِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ جَعَلْتُمْ التَّرْتِيبَ هُنَا وَاجِبًا وَجَعَلْتُمُوهُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةً فَالْجَوَابُ أَنَّهُ هُنَا مَطْلُوبٌ إجْمَاعًا، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ طَافَ مَنْكُوسًا، أَمَّا الْوُضُوءُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ إذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي هَكَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ (تَنْبِيهٌ) : فَلَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَلَكِنَّهُ طَافَ مَنْكُوسًا فَرَجَعَ الْقَهْقَرَى مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْيَمَانِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (فَائِدَةٌ) : حِكْمَةُ جَعْلِ الطَّائِفِ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ لِيَكُونَ قَلْبُهُ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ جَنْبَيْ بَابِ الْبَيْتِ نِسْبَتُهُمَا إلَيْهِ كَنِسْبَةِ يَمِينِ الْإِنْسَانِ وَيَسَارِهِ إلَيْهِ فَالْحَجَرُ مَوْضِعُ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُ يَسَارَ الْإِنْسَانِ، وَبَابُ الْبَيْتِ وَجْهُهُ، فَلَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ لَأَعْرَضَ عَنْ بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهُ، وَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَسَارِهِ أَقْبَلَ عَلَى الْبَابِ، وَلَا يَلِيقُ بِالْآدَابِ الْإِعْرَاضُ عَنْ وُجُوهِ الْأَمَاثِلِ، وَتَعْظِيمُ بَيْتِ اللَّهِ تَعْظِيمٌ لَهُ انْتَهَى. ص (وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) ش: الشَّاذَرْوَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَهُوَ بِنَاءٌ لَطِيفٌ جِدًّا مُلْصَقٌ بِحَائِطِ الْكَعْبَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ: الشَّاذَرْوَانُ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ هِيَ فِي لِسَانِ الْفُرْسِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى فِي كُتُبِهِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ مِنْ الْبَيْتِ مُعْتَمِدًا فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ شَاسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَسُئِلَ عَنْ مَمَرِّ الطَّائِفِ فِي الْحِجْرِ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِطَوَافٍ وَيُلْغِيهِ وَيَبْنِي عَلَى مَا طَافَ، وَهَذَا أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا شُرِعَ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ إجْمَاعًا، فَإِذَا سَلَكَ فِي طَوَافِهِ الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْبَيْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِجَمِيعِ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ حَيَّزَ ذَلِكَ بِالْحَوَاجِزِ لِاسْتِكْمَالِ الطَّوَافِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ انْتَهَى. وَعِنْدَ ابْنِ شَاسٍ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى شَاذٍّ رُوَاتِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ وَابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ وَابْن الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَظُنُّ أَنَّهُمَا وَافَقَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَوْ خَالَفَا لَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ وَقَبِلَهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ كَثْرَةِ تَعَقُّبِهِ لَهُ فِيمَا لَا يَكُونُ مُوَافِقًا لِنُقُولِ الْمَذْهَبِ بَلْ جَزَمَ فِي فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَبِيُّ وَمِمَّنْ تَبِعَ ابْنَ شَاسٍ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَوْنَ الشَّاذَرْوَانِ مِنْ الْبَيْتِ فَمِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْعَلَامَةُ الْخَطِيبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا يَاءُ تَصْغِيرٍ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي رِحْلَتِهِ وَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ، وَقَالَ: لَا تُوجَدُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ، وَلَا ذُكِرَ مُسَمَّاهَا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَلَا سَقِيمٍ، وَلَا عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَا لَهَا ذِكْرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا مَا وَقَعَ فِي جَوَاهِرِ ابْنِ شَاسٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَقْدَمُ مَنْ ذَكَرَهُ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ، وَوَقَعَ لَهَا ذِكْرٌ مُقْتَطَفٌ فِي كِتَابِ الصَّرِيحِ مِنْ شَرْحِ الصَّحِيحِ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبَيَانِ حُكْمٍ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ ابْنِ شَاسٍ قَالَ: شَاهَدْتُ الْكَعْبَةَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مَكْشُوفَةً فَلَمْ تُسْتَرْ ذَلِكَ الْعَامَ لِأَمْرٍ بَيِّنَاهُ فِي كِتَابِ تَرْتِيبِ الرِّحْلَةِ فَتَأَمَّلْتُهَا مِرَارًا وَقِسْتُ خَارِجَهَا وَالْحِجْرُ الشَّاذَرْوَانُ ثُمَّ قَالَ وَلْنَرْجِعْ إلَى

الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ: انْعَقَدَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ طُرُوُّ هَذَا الِاسْمِ الْفَارِسِيِّ عَلَى أَنَّ الْبَيْتِ مُتَمَّمٌ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَلِذَلِكَ اسْتَلَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ الْآخَرَيْنِ، وَعَلَى أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا نَقَضَ الْبَيْتَ وَبَنَاهُ إنَّمَا زَادَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ، وَأَنَّهُ أَقَامَهُ عَلَى الْأُسُسِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي عَايَنَهَا الْعُدُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكُبَرَاءِ التَّابِعِينَ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَنْقُضْ إلَّا جِهَةَ الْحِجْرِ خَاصَّةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالنَّوَوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْمَسَالِكِ وَالْمَمَالِكِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا هَدَمَ الْكَعْبَةَ أَلْصَقَهَا بِالْأَرْضِ مِنْ جَوَانِبِهَا وَظَهَرَتْ أُسُسُهَا وَأَشْهَدَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَرَفَعَ الْبِنَاءَ عَلَى ذَلِكَ الْأَسَاسِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ فِي كِتَابِهِ الْعَقْدِ وَعَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ إنَّمَا جُعِلَ عِمَادًا لِلْبَيْتِ قَالَ: وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحْتَاجُ عِنْدِي إلَى نَقْلٍ، وَالْمُتَشَكِّكُ فِيهِ كَمَنْ شَكَّ فِي قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ وَتَبِعَ ابْنَ رُشَيْدٍ وَالْقِبَابَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَشَرَحَهُ، قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ هُوَ الْمَتْبُوعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رَشِيدٍ وَزَادَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِمَا وَكَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيِّ. (قُلْتُ:) وَقَوْلُ ابْنُ رَشِيدٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ هُوَ الْمَتْبُوعُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَقْدَمُ مَنْ ذَكَرَهَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ ابْنِ شَاسٍ وَقَوْلُ ابْنِ رَشِيدٍ: إنَّ أَقْدَمَ مَنْ ذَكَرَهَا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْمُزَنِيّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ طَافَ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَعَادَ مَعَ أَنَّ ابْنَ جَمَاعَةَ مِمَّنْ رَجَّحَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، كَمَا نَقَلَهُ السُّرُوجِيُّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ مُسْدِيٍّ فِي مَنْسَكِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطَّوَافُ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ جَائِزٌ، وَالْبَيْتُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْبِنَاءِ الْقَائِمِ وَيُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَرْجَحُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَ الِاضْطِرَابُ فِي الشَّاذَرْوَانِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي طَوَافِهِ ابْتِدَاءً، وَأَنَّهُ إنْ طَافَ وَبَعْضُ بَدَنِهِ فِي هَوَائِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلْزَمَ بِالرُّجُوعِ لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْأَزْرَقِيِّ أَنَّ عَرْضَ الشَّاذَرْوَانِ ذِرَاعٌ قَالَ: وَقَدْ نَقَصَ عَمَّا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي الْجِهَاتِ قَالَ: فَتَجِبُ إعَادَتُهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدِ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ اسْتِقْصَاءَ الْبَيَانِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاذَرْوَانِ نَحْوُ نِصْفِ الْكُرَّاسِ هَذَا مُلَخَّصُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الطَّوَافِ أَنْ يَخْرُجَ الطَّائِفُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْ مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْتِ، كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَحَكَى بَعْضُهُمْ فَتْحَ الْحَاءِ وَسُمِّيَ حِجْرًا لَاسْتَدَارَتْهُ، وَهُوَ مَحُوطٌ مُدَوَّرٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ خَارِجٌ عَنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ فِي جِهَةِ الشَّامِ وَيُقَالُ: لَهُ الْجُدْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مِنْ وَضْعِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: وَجَعَلَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

الْحِجْرَ إلَى جَانِبِ الْبَيْتِ عَرِيشًا مِنْ أَرَاكٍ تَقْتَحِمُهُ الْعَنْزُ، وَكَانَ زَرْبًا لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا أَدْخَلَتْ فِيهِ أَذْرُعًا مِنْ الْكَعْبَةِ، كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: ذِرَاعُ الْيَدِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّقْيِيدِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ اللَّخْمِيُّ لَمْ يُصَرِّحْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ إلَّا أَنَّهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ فِي الْحِجْرِ هُوَ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، وَكَلَامُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ الْخُرُوجُ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ وَنَصُّهُ: لَا يُطَافُ فِي الْحِجْرِ، وَإِنْ طَافَ فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْهُ يَلِي الْبَيْتَ، وَهُوَ مِنْ الْبَيْتِ فَكَأَنَّمَا طَافَ بِبَعْضِ الْبَيْتِ، وَلَوْ تَسَوَّرَ مِنْ الطَّرَفِ لَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَيْسَ بِحَسَنٍ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا، وَفِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ قَوْلَهُ: وَلَيْسَ بِحَسَنٍ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَأْسٌ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ، وَغَيْرُ الْحَسَنِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. (قُلْتُ:) وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ إلَّا مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ جَمِيعِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا طَافَ فِي دَاخِلِ الْحِجْرِ وَيَبْنِي عَلَى مَا طَافَ خَارِجًا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلْيَرْجِعْ، وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا شُرِعَ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ إجْمَاعًا، فَإِذَا سَلَكَ فِي طَوَافِهِ الْحِجْرَ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْبَيْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى. فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الشَّاذَرْوَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ، وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ دَاخِلَ الْحِجْرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ» ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَطُوفَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَذَلِكَ: يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ جَمِيعِهِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَاعْتِبَارًا بِالطَّوَافِ دَاخِلَ الْبَيْتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: ثُمَّ يَطُوفُ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي عُمْدَتِهِ لَمَّا ذَكَرَ شُرُوطَ الطَّوَافِ وَأَنْ يَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ فِي الْحِجْرِ فَمَنْ طَافَ فِيهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَافَ بِبَعْضِ الْبَيْتِ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْوَاجِبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى شَاذَرْوَانِهِ، وَلَا فِي دَاخِلِ الْحِجْرِ، فَإِنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ: الثَّالِثُ: أَنْ يَطُوفَ خَارِجَهُ لَا فِي مِحْوَطِ الْحِجْرِ، وَلَا شَاذَرْوَانِهِ، وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى الشَّاذَرْوَانِ، وَلَا عَلَى الْحِجْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ بِتَمَامِهِ، وَعَزَاهُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ تَقْيِيدًا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي شُرُوطِ الطَّوَافِ: وَكَوْنُهُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يُجْزِئُ دَاخِلَ الْحِجْرِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ بِتَمَامِهِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَا خِلَافَ، وَقَالَ ابْنُ مُسْدِيٍّ فِي مَنْسَكِهِ، أَمَّا قَوْلُنَا: وَيَطُوفُ مِنْ وَرَاءِ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ فَهُوَ الْإِجْمَاعُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَطُوفُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ اسْتِحْبَابًا، وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْوُجُوبِ اسْتِبْرَاءً؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ مُقَدَّرٌ غَيْرُ مَعْلُومِ الْعَيْنِ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ طَافَ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ تَبِعَهُ: يُعِيدُ اسْتِحْبَابًا، وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يُعِيدُ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى انْصَرَفَ إلَى بِلَادِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ

وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالُوا: عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ كَانَ يَطُوفُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحِجْرِ، وَلَا عَلَى جِدَارِهِ، وَذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّ الرِّوَايَاتِ اضْطَرَبَتْ فِي الْحِجْرِ فَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ، وَفِي رِوَايَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ، وَفِي أُخْرَى سِتٌّ أَوْ نَحْوُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةٌ وَيُرْوَى قَرِيبٌ مِنْ تِسْعٍ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحِ، فَإِذَا طَافَ فِي شَيْءِ مِنْ الْحِجْرِ يَكُونُ فِي شَكٍّ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ (الثَّانِي:) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِالْحِجْرِ، وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَهَكَذَا فَعَلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الطَّوَافِ مِنْ خَارِجِ الْحِجْرِ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مِنْ الْبَيْتِ فَالْمُعْتَمَدُ فِي بَابِ الْحَجِّ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَبَ الطَّوَافُ بِجَمِيعِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا طَافَ دَاخِلَ الْحِجْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِسِتَّةِ أَذْرُعٍ، وَلِمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَلَّذِي قَالَهُ اللَّخْمِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا هُوَ تَفَقُّهٌ مِنْهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي اخْتِيَارِهِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ وَالْقِيَاسُ، وَإِنْ خَالَفَ الْمَنْصُوصَ عَنْ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِحَسَنٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُوهُ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَبِالْقَوْلِ الْآخَرِ قَالَ جَمَاهِيرُ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاحْتَجَّ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ لِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ بِأَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَطَوَافُهُ خَارِجَ الْحِجْرِ مَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ إلَّا مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّ «الْحِجْرَ مِنْ الْبَيْتِ» ، وَهِيَ رِوَايَةٌ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةِ، وَيُحْمَلُ طَوَافُهُ خَارِجَ الْحِجْرِ لِيُزِيلَ عَنْ غَيْرِهِ مَشَقَّةَ الِاحْتِرَازِ عَنْ تَحْرِيرِ السِّتَّةِ أَذْرُعٍ وَنَحْوِهَا وَمَشَقَّةَ تَسَوُّرِ جِدَارِ الْحِجْرِ خُصُوصًا لِلنِّسَاءِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ: فِي طَوَافِ الْخُلَفَاءِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَيَكُونُ الطَّوَافُ هَكَذَا مَطْلُوبًا مِنْهُ مُتَأَكَّدًا لَا وُجُوبًا لِعَدَمِ نُهُوضِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ طَوَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ خَالَفَ إنْسَانٌ وَتَسَوَّرَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ فَطَافَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْكَعْبَةِ خُصُوصًا عَلَى رِوَايَةِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ فَفِي الْجَزْمِ بِفَسَادِ طَوَافِهِ نَظَرٌ كَبِيرٌ مِمَّا لَا يَنْهَضُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا وَآخِرُهُ بِاللَّفْظِ (قُلْتُ:) فِيمَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى النَّدْبِ لَا سِيَّمَا فِي بَابِ الْحَجِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِر أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي آخِرِ حَجَّتِهِ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْحَدِيثِ دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ طَوَافَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ لِلطَّوَافِ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ الثَّانِي: قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِتَأْخُذُوا عَنِّي» يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ مَا فَعَلَهُ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَلَا سِيَّمَا فِي الطَّوَافِ الَّذِي ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْقُرْآنِ مُجْمَلًا، وَلَمْ يُعْلَمْ بَيَانُهُ إلَّا مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُحْمَلُ أَفْعَالُهُ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ كَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَالِاضْطِبَاعِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَئِمَّةُ مَذْهَبِنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى وُجُوبِ كَثِيرٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وُجُوبُ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ مِحْوَطِ الْحِجْرِ، وَإِنْ طَافَ دَاخِلَهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ، وَلَوْ تَسَوَّرَ

الْجِدَارَ وَطَافَ وَرَاءَ السِّتَّةِ الْأَذْرُعِ أَوْ السَّبْعَةِ، وَهَذَا مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ عَادَ إلَى بِلَادِهِ، وَكَانَ طَوَافُهُ مِنْ وَرَاءِ السِّتَّةِ الْأَذْرُعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِالْعَوْدِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِالْإِجْزَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاذَرْوَانِ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالسِّتَّةِ الْأَذْرُعِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ تَبِعْتُهُمْ فِي الْمَنَاسِكِ الَّتِي كُنْتُ جَمَعْتهَا ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْآنَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَبْنِي عَلَى مَا طَافَ خَارِجًا مِنْهُ قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجُ فِي طُرَرِهِ عَلَى التَّهْذِيبِ يَعْنِي يَبْنِي عَلَى الْأَشْوَاطِ الْكَامِلَةِ، أَمَّا بَعْضُ الشَّوْطُ فَلَا نَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنْسَكَيْهِمَا، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ، وَلَا صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا عَلِمْتُ وَالظَّاهِرُ بِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا طَافَ خَارِجًا عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ بَعْضَ شَوْطٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَبُو إبْرَاهِيمَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الشَّوْطِ بَلْ طَافَ بَعْدَهُ شَوْطًا أَوْ أَشْوَاطًا ثُمَّ تَذَكَّرَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْنِي عَلَى الْأَشْوَاطِ الْكَامِلَةِ، وَهُوَ مُرَادُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي السِّتَّةِ الْأَذْرُعِ قَوْلَيْنِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالرَّاجِحَ مِنْهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِقْبَالُهَا، فَإِنْ قِيلَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ، وَإِذَا صَحَّحْتُمْ عَدَمَ الِاسْتِقْبَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُصَحِّحُوا الطَّوَافَ فِيهَا قُلْنَا: أَمَّا عَلَى مَا رَجَّحْنَاهُ هُنَا مِنْ مَنْعِ الطَّوَافِ بِهِ كُلِّهِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَاهُ لِفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ اُحْتِيطَ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَابَيْنِ فَمَنَعُوا الصَّلَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَمَنَعُوا الطَّوَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ (الثَّالِثُ:) قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ: سِعَةُ فَتْحَةِ الْحِجْرِ الشَّرْقِيَّةِ يَعْنِي الَّتِي تَلِي الْمَقَامَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَكَذَلِكَ سِعَةُ الْغَرْبِيَّةِ بِزِيَادَةِ الْقِيرَاطِ، وَذَلِكَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ، وَذَكَرَ ابْنُ جُبَيْرٍ فِي رِحْلَتِهِ أَنَّ سِعَةَ فَتْحَةِ الْحِجْرِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَقَدْ ذَرَعْتُ ذَلِكَ فَرَأَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ) ش: هَذِهِ الدَّقِيقَةُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَبَنَوْهُ عَلَى أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي إيضَاحِهِ: وَيَن أَنْ يُنْتَبَهَ هُنَا لِدَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ فِي حَالِ التَّقْبِيلِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُثَبِّتَ قَدَمَهُ فِي مَوْضِعِهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَتْ قَدَمَاهُ عَنْ مَوْضِعِهِمَا إلَى جِهَةِ الْبَابِ قَلِيلًا ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّقْبِيلِ اعْتَدَلَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي زَالَتَا إلَيْهِ وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ لَكَانَ قَدْ قَطَعَ جُزْءًا مِنْ طَوَافِهِ، وَيَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ فَتَبْطُلُ طَوْفَتُهُ تِلْكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ مُعَلَّى ثُمَّ نُقِلَ عَنْ غَيْرِ النَّوَوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلطَّائِفِ أَنْ يَحْتَرِزَ فِي حَالِ اسْتِلَامِهِ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ مِنْ هَذَا الشَّاذَرْوَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ طَافَ وَيَدُهُ وَرَأْسُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ أَوْ وَطِئَهُ بِرِجْلِهِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ فَالْوَاجِبُ عَلَى الطَّائِفِ أَنْ يُثَبِّتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ تَقْبِيلِهِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ يَمْشِيَ، قَالَ: وَهَذِهِ مِنْ الدَّقَائِقِ النَّفِيسَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَرْجِعُونَ بِلَا حَجٍّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِمَا قُلْنَاهُ، قَالَ ابْنُ مُعَلَّى بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ: قُلْتُ: وَقَدْ نَبَّهَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْ الشَّاذَرْوَانِ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، أَمَّا هَذِهِ الدَّقِيقَةُ الَّتِي حَذَّرَتْ الشَّافِعِيَّةُ مِنْهَا وَبَالَغَتْ فِي الْإِيضَاحِ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا فَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ نَبَّهَ عَلَيْهَا غَيْرَ شَيْخِنَا الْفَقِيهِ الْمُحَقِّقِ أَبِي يَحْيَى بْنِ جَمَاعَةَ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَذْكِرَةِ الْمُبْتَدِي مَا نَصُّهُ: وَإِذَا قَبَّلَ الطَّائِفُ الْحَجَرَ وَقَفَ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ فِي السَّيْرِ، قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: فَيَجِبُ التَّحَفُّظُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ التَّقْبِيلِ انْتَهَى. كَلَامُهُ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ أَيْضًا وَقَبَّلَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَشَرْحِهِ كَلَامَ التَّادَلِيِّ وَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ مُعَلَّى، وَقَدْ نَبَّهَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا شَيْخَنَا الْفَقِيهَ الْمُحَقِّقَ مِنْ كَلَامِ التَّادَلِيِّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى

كَلَامِ ابْنِ مُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ التَّادَلِيِّ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَتَوْضِيحِهِ قَالَ فِي مَنْسَكِهِ وَلِكَوْنِ الشَّاذَرْوَانِ مِنْ الْبَيْتِ قَالُوا يَنْتَبِهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ إلَى نُكْتَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَطُوفُ، وَهُوَ مُطَأْطِئُ الرَّأْسِ بَلْ يُثَبِّتُ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَطُوفُ؛ لِأَنَّهُ إنْ طَافَ مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ يَكُونُ قَدْ طَافَ بَعْضَ الطَّوَافِ، وَبَعْضُهُ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَنَاسِكِ: ثُمَّ يَرْجِعُ أَيْ: يَرْجِعُ قَائِمًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ يَرْجِعُ إلَى جِهَةِ خَلْفِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فَيُؤْذِي الطَّائِفِينَ بِذَلِكَ، كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيِّ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا قَبَّلَ الْحَجَرَ فَلْيُثَبِّتْ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعْ قَائِمًا، كَمَا كَانَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَمْشِيَ، وَهُوَ مُطَأْطِئُ الرَّأْسِ لِئَلَّا يَحْصُلَ بَعْضُ الطَّوَافِ، وَلَيْسَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْتَبِهْ لَهَا وَطَافَ، وَرَأْسُهُ أَوْ يَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ أَنَّ طَوَافَهُ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، فَإِنْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ بِالْقُرْبِ عَادَ، وَمَشَى ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَإِنْ أَكْمَلَ الْأُسْبُوعَ فَيَبْطُلُ ذَلِكَ الشَّوْطُ، وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ تَرَكَ جُزْءًا مِنْ طَوَافِهِ. (قُلْتُ:) ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَاحَظَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ، وَأَنَّ مِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ لِذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِالرُّجُوعِ لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي الشَّاذَرْوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ - لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ -: فَهَذِهِ الدَّقِيقَةُ تَغِيبُ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَا يَتَنَبَّهْ أَحَدٌ لَهَا، وَلَا نَبَّهَ حَتَّى نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ هَذَا لَمِنْ الْبَعِيدِ الْقَصِيِّ فِي الْغَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: إنَّ هَذَا لَمِنْ الْأَمْرِ الْبَعِيدِ الَّذِي لَا تَسْكُنُ إلَيْهِ نَفْسُ عَاقِلٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَبَّابُ: وَقَدْ حَذَّرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّاذَرْوَانِ، وَذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِهِمْ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ، كَمَا قَالُوا لَحَذَّرَ مِنْهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ، فَتَرْكُهُمْ ذِكْرَهُ دَلِيلٌ أَنَّ مِثْلَهُ مُغْتَفَرٌ وَالتَّوَقِّي مِنْهُ أَوْلَى، أَمَّا أَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ فَبَعِيدٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ مُعْتَبَرًا لَنَبَّهَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلٍ، وَلَا فِعْلٍ، وَلَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى النَّقْلِ وَلَيْتَ مَنْ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ يَقِفُ عِنْدَ مَا قَالُوهُ بَلْ يَزِيدُ بَعْضُ الْمُتَنَطِّعِينَ مِنْهُمْ فَيَتَأَخَّرُ خُطْوَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى جِهَةِ وَرَائِهِ بَعْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ فَرُبَّمَا آذَى مَنْ خَلْفَهُ بِتَأَخُّرِهِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) ش: مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الطَّوَافِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ طَافَ خَارِجَهُ لَمْ يُجْزِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ:) وَمِثْلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَنْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الطَّوَافُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَلَاءٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ الْمُوَالَاةُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الطَّوَافِ، فَإِنْ فَعَلَ ابْتَدَأَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ لِضَرُورَةٍ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ تُقَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ انْتَهَى. وَهَذَا فِي التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ، أَمَّا فِي التَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّهُ مُغْتَفَرٌ قَالَ: وَيُوَالِي بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَالسَّعْيِ، فَإِنْ فَرَّقَ الطَّوَافَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا أَوْ يَكُونَ لِعُذْرٍ، وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ، فَإِنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ تَوَضَّأَ وَاسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ سَوَاءٌ اُنْتُقِضَتْ طَهَارَتُهُ تَعَمُّدًا أَوْ غَلَبَةً انْتَهَى. وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَيْضًا بِأَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يُفْسِدُ الطَّوَافَ، وَنَصُّهُ: الطَّائِفُ يَخْرُجُ لِلْمَكْتُوبَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَفْسُدُ بِالتَّفْرِيقِ الْيَسِيرِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ أَشْهَبَ: إنَّهُ يَبْنِي إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، وَجْهُهُ أَنَّهُ عِبَادَةٌ

لَا يُفْسِدُهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مَعَ الذِّكْرِ فِي حَالٍ فَلَا يُنَافِيهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ لِفِعْلٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وُجُوبُهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ بِنَاؤُهُ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ الْبِنَاءُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ طَوِيلٌ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا خَرَجَ لِنَفَقَةٍ نَسِيَهَا: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَبْتَدِئُ، وَلَمْ يُفَصِّلْ، هَلْ طَالَ أَوْ قَصَرَ؟ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ: إنْ لَمْ يَطُلْ بَنَى، وَهُوَ أَعْذَرُ مِنْ الَّذِي خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ، وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ يَبْنِي فِي يَسِيرِ التَّفْرِيقِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَكِنْ يُكْرَهُ مِنْهُ مَا لَا يَكُونُ لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ وَيُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبْتَدِئَ أَيْ: وَلَمْ يَجْرِ فِيهِ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مَعَ الذِّكْرِ لِمَا جَاوَزَهُ لِلْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَيَجْزِي فِي يَسِيرِ التَّفْرِيقِ فِي الْعَمْدِ عَلَى حُكْمِ الطَّهَارَةِ لَا عَلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ فِي الطَّوَافِ لِمَنْ يُصِيبُهُ ظَمَأٌ انْتَهَى. (قُلْتُ:) الظَّاهِرُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَبْتَدِئُ إذَا خَرَجَ لِنَفَقَةٍ نَسِيَهَا إنَّمَا يُرِيدُونَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، أَمَّا مَنْ نَسِيَ نَفَقَةً أَوْ شَيْئًا فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ مِنْ الطَّوَافِ وَأَخَذَهُ فَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ طَوَافُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَبْعًا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّوَافِ لَحْظَةً لَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ طَوَافُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْوُقُوفُ لِلْحَدِيثِ فِي السَّعْيِ وَالطَّوَافِ أَشَدُّ مِنْهُ بِغَيْرِ وُقُوفٍ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ أَشَدُّ انْتَهَى. مِنْ التَّادَلِيِّ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يَبْطُلُ بِهِ الطَّوَافُ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ص (وَابْتَدَأَ إنْ قَطْعَ الْجِنَازَةَ وَنَفَقَةً) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَطَعَ طَوَافَهُ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ قَطَعَهُ لِطَلَبِ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْحُكْمِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ قَطْعِ الطَّوَافِ لِذَلِكَ أَمَّا الْجِنَازَةُ فَلَا شَكَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْقَطْعِ لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَا يَقْطَعُ لِجِنَازَةٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: الْخِلَافُ فِي الْبِنَاءِ لَا فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْجِنَازَةِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ تَعَيَّنَتْ الْجِنَازَةُ وَخَشِيَ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرَ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ الْقَطْعُ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَلَاءٌ، وَفِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَإِذَا قُلْنَا: يَقْطَعُ إذَا تَعَيَّنَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَبْنِي أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، أَمَّا الْقَطْعُ لِنَفَقَةٍ إذَا نَسِيَهَا، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْخُرُوجِ لِلنَّفَقَةِ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَخْرُجُ إلَّا لِصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا بِالْبِنَاءِ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْجِنَازَةِ: وَلَوْ قَالُوا بِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلنَّفَقَةِ لَكَانَ أَظْهَرَ، كَمَا أَجَازُوا قَطْعَ الصَّلَاةِ لِمَنْ أُخِذَ لَهُ مَالٌ لَهُ بَالٌ، وَهَذَا أَشَدُّ حُرْمَةً وَجَعَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخِلَافَ فِي الْقَطْعِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ اهـ وَجَزَمَ فِي مَنَاسِكِهِ بِمَا بَحَثَهُ فِي تَوْضِيحِهِ فَقَالَ: وَيَقْطَعُ إذَا نَسِيَ نَفَقَتَهُ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ لَا يَبْنِي عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ الْقَطْعُ فِيمَنْ خَرَجَ لِلنَّفَقَةِ إنَّمَا هُوَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، كَمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَلَاءٌ. ص (أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ) ش: يُرِيدُ وَطَالَ الْأَمْرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، أَمَّا إنْ تَذَكَّرَ بِأَثَرِ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا طَافَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَاعْتِرَاضُهَا فِي التَّوْضِيحِ بِمَا ذَكَرْنَا وَنَصُّهُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَمَّلَ سَعْيَهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ عَلَى الْمَشْهُورِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ إذَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ سَعْيِهِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْتَدِئُ إذَا طَالَ أَمْرُهُ بَعْدَ إكْمَالِ سَعْيِهِ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَنَدٌ: إنْ قِيلَ: كَيْفَ يَبْنِي بَعْدَ فَرَاغِ السَّعْيِ، وَهَذَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ يَمْنَعُ مِثْلُهُ الْبِنَاءَ فِي

الصَّلَاةِ؟ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ السَّعْيُ مُرْتَبِطًا بِالطَّوَافِ حَتَّى لَا يَصِحَّ دُونَهُ جَرَى مَعَهُ مِثْلَ مَجْرَى الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَمَنْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْبَقَرَةَ عَادَ إلَى سُجُودِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْقُرْبُ مِنْ الْبُعْدِ لِلْحَالَةِ الَّتِي فَرَغَ فِيهَا مِنْ السَّعْيِ، فَإِنْ قَرُبَ مِنْهَا بَنَى، وَإِنْ بَعُدَ ابْتَدَأَ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ (قُلْتُ:) فَإِذَا كَانَ الطَّوَافُ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالتَّطَوُّعِ فَيُرَاعَى الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ) ش: ظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْقَطْعِ لِلْفَرِيضَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَطْعِ لِقَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ فِي تَعْلِيلِ الْبِنَاءِ إذَا قَطَعَ لِلْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ إذَا كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُتْبِيَّةِ وَهَكَذَا أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى أَنَّ ظَاهِرَ نُصُوصِهِمْ وُجُوبُ الْقَطْعِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ يَقْطَعُهُ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا أَمْرُهُ بِالْقَطْعِ لَا تَخْيِيرُهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ: لَا بَأْسَ بِقَطْعِهِ يَقْتَضِي تَخْيِيرَهُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْجَلَّابِ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ تَوَهُّمِ قَطْعِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ لِعِبَادَةٍ أُخْرَى فَتَتَّفِقُ النُّقُولُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَوْلُهُ: قَطَعَهُ الضَّمِيرُ لِلطَّوَافِ سَوَاءٌ كَانَ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً فَيَقْطَعُهُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ، وَلَا يَقْطَعُ الطَّوَافَ الْفَرْضَ لِغَيْرِ الْفَرِيضَةِ، فَلَوْ كَانَ فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ وَخَشِيَ أَنْ تُقَامَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَتَفُوتَهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لَمْ يَقْطَعْ الطَّوَافَ لِذَلِكَ نَعَمْ اسْتَخَفَّ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنْ يَقْطَعَ الطَّوَافَ التَّطَوُّعَ إذَا خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَى طَوَافِهِ وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ (الثَّانِي:) : هَذَا الْفِعْلُ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَ الْوُقُوعِ، أَمَّا ابْتِدَاءً فَالْأَوْلَى بِالشَّخْصِ أَنْ لَا يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ إذَا خَافَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ فِيهِ الْكَلَامُ وَالشُّغْلُ الْيَسِيرُ فَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ طَوَافَهُ الْوَاجِبَ لِشَيْءٍ إلَّا لِلصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَاسْتُخِفَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ طَوَافَهُ النَّافِلَةَ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الطَّوَافِ إذَا خَشِيَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ طَوَافِهِ، وَلَا أَنْ يَدْخُلَ فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ إذَا خَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ إنْ أَكْمَلَ طَوَافَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ:) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّائِفُ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَمَّا لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ الطَّوَافَ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ وَيَعْتَدَّ بِصَلَاتِهِ الَّتِي فِي بَيْتِهِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْهُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) لَيْسَ كَلَامُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ، قَالَ: يَقْطَعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّقْيِيدَ، ثُمَّ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ غَائِبِ الطَّوَافِ وَاسْتِلَامِ الرُّكْنِ مَا نَصُّهُ: وَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي بَيْتِهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ جَاءَ الْمَسْجِدَ فَطَافَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ تِلْكَ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا يَرْكَعُ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ قُلْتُ: لِمَ، وَهُوَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ تَرَكَ الْإِمَامَ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ هِيَ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ؟ انْتَهَى. (قُلْتُ:) فَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ تَرَكَ الْإِمَامَ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ، أَمَّا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: إذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَقْطَعُ إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ فَهَلْ يَقْطَعُ إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ الْمُعْتَبَرُ إمَامُ الْمَقَامِ؟ فَالْجَوَابُ

أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ: هَلْ هَذِهِ الْمَقَامَاتُ كَمَسَاجِدَ مُسْتَقِلَّةٍ بِأَئِمَّةٍ رَاتِبِينَ أَوْ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ هُوَ إمَامُ الْمَقَامِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَمَا عَدَاهُ كَجَمَاعَةٍ بَعْدَ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ إمَامٍ رَاتِبٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقْطَعُ الطَّوَافَ إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ أَحَدِهِمْ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَقْطَعُ لِغَيْرِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثُ: وَالرَّابِعُ: كَرَجُلٍ وَاحِدٍ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَجِبُ قَطْعُ الطَّوَافِ لِأَجْلِهِ ثُمَّ ذَكَرَ فَتْوَى جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ صَلَاتَهُمْ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا إذْ مَقَامَاتُهُمْ كَمَسَاجِدَ مُتَعَدِّدَةٍ لِأَمْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ هُوَ إمَامُ الْمَقَامِ، وَلَا أَثَرَ لِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ فِي رَفْعِ الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ كَلَامَهُمْ وَكَلَامَ الْمُخَالِفِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْحُبَابِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ، فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَا يَقْطَعُ لِإِقَامَةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الرَّاتِبُ عَلَى أَنَّ فِي تَصْوِيرِ الْقَطْعِ لِغَيْرِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ بُعْدًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مُتَّصِلَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ أَنَّهُ حَصَلَ فَصَلَّى بَيْنَ صَلَاتِهِمْ حَتَّى شَرَعَ شَخْصٌ فِي طَوَافٍ وَطَافَ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ الْفَضْلِ، أَمَّا مَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَنْتَظِرُ صَلَاةَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ حَتَّى يَفْرُغُوا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ فِي مَسَاجِدَ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَا يُقَالُ: لِمَنْ صَلَّى مَعَ إمَامٍ لَا تَتَنَفَّلْ، وَلَا تَطُفْ حَتَّى يَفْرُغَ بَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) إذَا دَخَلَ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حِينَئِذٍ أَنْ يَشْرَعَ فِي طَوَافٍ لَا وَاجِبٍ، وَلَا تَطَوُّعٍ قَالَ سَنَدٌ فِي الْقَادِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ: بَدَأَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ يَجِدَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَهُ ثُمَّ يَطُوفُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَافَ فَوَاتَ وَقْتِ الْمَكْتُوبَةِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَطُوفُ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الصَّلَاةَ وَالْخُطْبَةَ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حِينِ دُخُولِ الْإِمَامِ الْمَسْجِدَ، وَمَنْ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ دَخَلَ الْخَطِيبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُتِمُّ طَوَافَهُ إلَى أَنْ يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ، فَإِنْ أَكْمَلَ طَوَافَهُ لَمْ يَرْكَعْ وَيُؤَخِّرْ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ طَوَافَهُ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) : مَنْ ذَكَرَ فِي الطَّوَافِ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ وَخَافَ فَوَاتَ وَقْتِهَا، فَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ نَافِلَةً فَلَا إشْكَالَ فِي قَطْعِهِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَبْنِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْفَرِيضَةِ، وَإِنْ كَانَ طَوَافُهُ فَرِيضَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَوْفَ فَوَاتِ الْوَقْتِ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَقْطَعُهُ لِإِقَامَةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ كَمَالُ الشَّوْطِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفِ إذَا خَرَجَ لِلْفَرِيضَةِ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى تَمَامِ شَوْطٍ، وَهُوَ إذَا بَلَغَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إتْمَامُ الشَّوْطِ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ فِي الْجَلَّابِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ يُرِيدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْوَاطِ الْكَامِلَةِ فَلَا يَبْتَدِئُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فِي شَوْطٍ إذَا أَكْمَلَ الشَّوْطَ الَّذِي هُوَ فِيهِ (فَرْعٌ) : فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ، كَمَالِ الشَّوْطِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَبْنِي مِنْ حَيْثُ قَطَعَ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَبْتَدِئَ ذَلِكَ الشَّوْطَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى الْوِفَاقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الطِّرَازِ (فَرْعٌ) : إذَا خَرَجَ لِلْفَرِيضَةِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي قَبْلَ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: فَإِنْ تَنَفَّلَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ ابْتَدَأَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ (قُلْتُ:) وَكَذَا لَوْ جَلَسَ بَعْدَ الصَّلَاةِ

جُلُوسًا طَوِيلًا لِذِكْرٍ أَوْ حَدِيثٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَنَى إنْ رَعَفَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَعَفَ فِي الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ، فَإِذَا غَسَلَ الدَّمَ رَجَعَ، وَبَنَى عَلَى طَوَافِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ فِي الرُّعَافِ فِي الصَّلَاةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَا أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْمَكَانَ الْقَرِيبَ إلَى مَكَان أَبْعَدَ مِنْهُ بِكَثِيرٍ وَأَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ جِدًّا (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: إنْ رَعَفَ الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ: كَأَنْ رَعَفَ بِالْكَافِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ، كَمَا إذَا رَعَفَ، فَإِنَّهُ يَبْنِي بِخِلَافِ النُّسْخَةِ الَّتِي بِإِسْقَاطِ الْكَافِ، فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يَبْنِي إنْ رَعَفَ، وَلَا يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُ إذَا قَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ، هَلْ يَبْنِي أَمْ يَبْتَدِئُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ يُزِيلُهَا وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ طَوَافِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ خِفَّةُ أَمْرِ الطَّوَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ فِي الصَّلَاةِ الْقَطْعُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) لَا خَفَاءَ فِي خِفَّةِ أَمْرِ الطَّوَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبِنَاءِ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُعَلَّى فِي مَنَاسِكِهِ، وَلَمْ يَحْكِيَا غَيْرَهُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَحَكَى الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ فِي الطَّوَافِ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي عَلَيْهِ نَجَسٌ فَعَلَى مَذْهَبِ أَصْبَغَ يَخْلَعُهُ وَيَبْتَدِئُ وَيُشْبِهُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ انْتَهَى. فَلَعَلَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ مُعَلَّى اعْتَمَدَا عَلَى مَا قَالَهُ التُّونُسِيُّ أَوْ رَأَيَا مَا يُقَوِّيهِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَيَن وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ أَجَازَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لِمَنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَطْرَحَهَا، وَيَبْنِيَ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ: أَنَّهُمَا نَقَلَا عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّهُ أَجَازَ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ خَرَجَ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ أَنْ يَغْسِلَهَا وَيَبْنِيَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَرِيبًا، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالنَّجَاسَةِ فَطَرَحَهَا مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ وَاحْتَاجَتْ إلَى غَسْلٍ، وَكَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، أَمَّا مَنْ طَالَ فَيَبْطُلُ الطَّوَافُ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَنَصُّهُ: وَشَرْطُ، كَمَالِهِ يَعْنِي الطَّوَافَ طَهَارَةُ الْخَبَثِ لِسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ يُكْرَهُ بِثَوْبٍ نَجِسٍ، وَفِيهَا إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ طَافَ وَاجِبًا بِنَجَاسَةٍ لَمْ يُعِدْهُ كَذِكْرِهِ بَعْدَ وَقْتِ الصَّلَاةِ ابْنُ رُشْدٍ الْقِيَاسُ: أَنَّ ذِكْرَهَا فِيهِ ابْتَدَأَ ابْنُ عَرَفَةَ حَكَاهُ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ عَنْهُ وَبَعْدَهُ أَعَادَهُ وَالسَّعْيُ إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ هَدْيُهُ وَذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ دُونَ اسْتِحْبَابِ الْهَدْيِ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِالْقِيَاسِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّ ذِكْرَهَا فِيهِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ السَّابِقِ، وَالْجَارِي عَلَى عَادَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْرِفُهُ إلَّا قَوْلَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ طَافَ بِهَا عَامِدًا فَفِي صِحَّتِهِ وَإِعَادَتِهِ أَبَدًا قَوْلَانِ أَخَذَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ يُكْرَهُ بِثَوْبٍ نَجِسٍ وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الصَّلَاةِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) تَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ هُوَ الْقَوْلُ بِالْإِعَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَعَادَ رَكْعَتَيْهِ بِالْقُرْبِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ بِنَجَاسَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ إنْ كَانَ قَرِيبًا هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ وُضُوءُهُ، وَقَالَ: فَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ طَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ، هَلْ إعَادَتُهُمَا بِالْقُرْبِ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: يُعِيدُهُمَا

اسْتِحْبَابًا وَأَصْبَغُ يَقُولُ بِنَفْيِ الْإِعَادَةِ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ نَقِفْ عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنْ يَحُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْبِنَاءُ إذَا نَسِيَ بَعْضَ الطَّوَافِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إنْ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ ص (وَعَلَى الْأَقَلِّ إنْ شَكَّ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي الْمُوَطَّإِ وَشَكُّ النَّقْصِ كَتَحَقُّقِهِ الْبَاجِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ تَمَامِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْفِيفَ مَالِكٍ لِلشَّكِّ قَبُولُ خَبَرِ رَجُلَيْنِ طَافَا مَعَهُ الشَّيْخُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَبُولُ خَبَرِ رَجُلٍ مَعَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ الْقِيَاسُ: إلْغَاءُ قَوْلِ غَيْرِهِ وَبِنَاؤُهُ عَلَى يَقِينِهِ كَالصَّلَاةِ، وَقَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَفَرَّقَ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَالطَّوَافُ عِبَادَةٌ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْجَمَاعَةُ فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِيهَا كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) اخْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ الْمُوَطَّإِ جِدًّا حَتَّى إنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ فِي الشَّكِّ فِي حَالِ الطَّوَافِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ شَكَّ فِي طَوَافِهِ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَلِيُعِدْ فَلْيُتِمَّ طَوَافَهُ عَلَى الْيَقِينِ ثُمَّ يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِطَوَافٍ إلَّا بَعْدَ إكْمَالِ السَّبْعِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا لَمْ يَسْتَنْكِحْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَنْكَحَهُ قَلِيلُهُ عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ: الْإِلْهَاءُ يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَالْعِصْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالِاسْتِنْكَاحُ بَلَاءٌ وَدَوَاؤُهُ الْإِلْهَاءُ فَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ الدَّوَاءَ فَمُبْتَدِعٌ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ سَوَاءٌ شَكَّ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ بَلْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَبْعًا عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي إكْمَالِ طَوَافِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ فَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ تَمَامِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بَحْثٌ مِنْهُ مُقَابِلٌ لِلْمَنْصُوصِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ الْقِيَاسُ إلْغَاءُ قَوْلِ غَيْرِهِ بَحْثٌ مِنْهُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَقْبَلُ خَبَرَ مَنْ مَعَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَ بِسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ، وَإِلَّا عَادَ، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ، وَلَا دَمَ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ لِزِحَامٍ، فَإِنَّ طَوَافَهُ جَائِزٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:، وَمَنْ طَافَ وَرَاءَ زَمْزَمَ أَوْ سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ زِحَامِ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ طَافَ فِي سَقَائِفِهِ بِغَيْرِ زِحَامٍ وَنَحْوِهِ أَعَادَ الطَّوَافَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ فِي السَّقَائِفِ، وَلَوْ لِزِحَامٍ، وَهُوَ كَالطَّوَافِ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِي الزِّحَامُ إلَى السَّقَائِفِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) ، وَلَمْ نَسْمَعْ قَطُّ أَنَّ الزِّحَامَ انْتَهَى إلَيْهَا بَلْ لَا يُجَاوِزُ النَّاسُ مَحِلَّ الطَّوَافِ الْمُعْتَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَعَادَهُ، وَإِنْ طَافَ فِي السَّقَائِفِ لَا لِزِحَامٍ بَلْ لِحَرٍّ أَوْ مَطَرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيُعِيدُ طَوَافَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ لِأَجْلِ الطَّوَافِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْبَاجِيِّ وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وُجُوبُ الدَّمِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَلَا يَطُوفُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ السَّقَائِفِ، فَإِنْ فَعَلَ مُخْتَارًا أَعَادَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ أَوْ يَرْجِعُ لِلْأَشْيَاخِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ بِالْبَيْتِ، الثَّانِي: يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي شُرِعَ فِيهِ الطَّوَافُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يَطُوفُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ السَّقَائِفِ، فَإِنْ فَعَلَ مُخْتَارًا أَعَادَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ أَوْ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ؟ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. وَنَقَلَ كَلَامَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ لِزِحَامٍ، وَفِي صِحَّتِهِ فِي سَقَائِفَ لَهُ أَيْ: لِلزِّحَامِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلَا لِزِحَامٍ فِي عَدَمِ رُجُوعِهِ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ قَوْلَا الشَّيْخِ وَابْنِ شَبْلُونٍ وَخَرَّجَهُمَا الصَّقَلِّيُّ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مُتَمِّمًا قَوْلَ الشَّيْخِ بِالدَّمِ، وَنَقْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَفْسِيرَ الْبَاجِيِّ بِعَدَمِ الدَّمِ لَمْ أَجِدْهُ انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا فِيمَنْ

طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ زِحَامٍ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَيُجْزِئُهُ، وَلَا دَمَ فِي هَذَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النُّكَتِ اخْتِلَافَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَابْنِ شَبْلُونٍ، هَلْ يَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ لَا عَلَى مَا ذَكَرْتُ عَنْهُمَا انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِ النُّكَتِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ سُقُوطَ الدَّمِ، وَلَا وُجُوبَهُ، أَمَّا ابْنُ يُونُسَ، فَإِنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَعَ الدَّمِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَافَ رَاكِبًا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ، وَنَقَلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِنَفْيٍ، وَلَا إثْبَاتٍ، وَنَصُّهُ: وَلَا يَطُوفُ فِي الْحِجْرِ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَلَا فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ زِحَامٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ فَعَلَ اخْتِيَارًا أَوْ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ أَعَادَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يُجْزِئُهُ إنْ كَانَ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ قَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ كَالطَّائِفِ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا: لَا يُجْزِئُ الطَّائِفُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، كَمَا حَالَتْ أُسْطُوَانَاتُ السَّقَائِفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ انْتَهَى. فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ فَضْلًا عَنْ لُزُومِ الدَّمِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ وُجُوبُ الدَّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ حُكْمَهُ حُكْمَ الطَّوَافِ فِي السَّقَائِفِ، وَخَرَّجَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الطَّوَافِ فِيهَا وَنَصُّهُ: وَلَا يُطَافُ فِي الْحِجْرِ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، وَلَا فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ طَافَ فِي سَقَائِفِ الْمَسْجِدِ مِنْ زِحَامٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ فَعَلَ اخْتِيَارًا أَوْ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ أَعَادَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يُجْزِئُهُ إنْ كَانَ فِرَارًا مِنْ الشَّمْسِ قَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ كَالطَّائِفِ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا: لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، كَمَا حَالَتْ أُسْطُوَانَاتُ السَّقَائِفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ انْتَهَى. وَرَدَّهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّ زَمْزَمَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُؤَثِّرُ كَالْمَقَامِ وَحَفْرٍ فِي الْمَطَافِ، وَنَصُّهُ: وَخَرَّجَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الطَّوَافَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ عَلَى مَنْعِ أَشْهَبَ فِي السَّقَائِفِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ زَمْزَمَ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ عَارِضٌ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِينَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَقَامِ، وَحَفْرٍ فِي الْمَطَافِ؛ لِأَنَّ زَمْزَمَ فِي حِيَالَتِهِ كَأُسْطُوَانَاتِ السَّقَائِفِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ زَمْزَمَ فِي جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَأَنَّهُ عَارِضٌ عَرَضَ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الطَّائِفِينَ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالْمَقَامِ وَكَخَشَبِ الْوَقِيدِ وَكَحَفْرٍ فِي الْمَطَافِ وَشِبْهِ ذَلِكَ بِخِلَافٍ الْأُسْطُوَانَاتِ الدَّائِرَةِ بِالسَّقَائِفِ، فَإِنَّهَا كَالْحَاجِزِ الدَّائِرِ الْخَارِجِ عَنْ سِلْكِ الطَّائِفِينَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ بِاخْتِصَارٍ وَنَصُّهُ، قَالَ سَنَدٌ: وَخَرَّجَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ عَلَى مَنْعِ أَشْهَبَ فِي السَّقَائِفِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ زَمْزَمَ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ عَارِضٌ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِينَ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالْمَقَامِ أَوْ حَفْرٍ فِي الْمَطَافِ انْتَهَى. وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ لِلْقَرَافِيِّ وَتَبِعَ اللَّخْمِيَّ فِي إلْحَاقِ زَمْزَمَ بِالسَّقَائِفِ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَاقْتَصَرَا عَلَى مَا قَالَهُ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا، وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ حَكَى فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَجَعَلَ الْأَشْهَرَ مِنْهُمَا اللُّحُوقَ، فَقَالَ: دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لَا مِنْ وَرَائِهِ، وَلَا مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَشِبْهِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا مِنْ زِحَامٍ انْتَهَى. ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ انْتَهَى. فَقَالَ: وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِهَا أَيْ: بِالسَّقَائِفِ مَا وَرَاءَ زَمْزَمَ وَرَدَّهُ سَنَدٌ بِأَنَّ زَمْزَمَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَشِبْهِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا مِنْ زِحَامٍ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى الْإِنْكَارِ الْمَذْكُورِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ هَارُونَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ نَفَى الْإِجْزَاءَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ عَائِدٌ عَلَى زَمْزَمَ وَشِبْهُهُ وَشِبْهُ زَمْزَمَ قُبَّةُ الشَّرَابِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ عَلَى مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ كَلَامِهِ، وَانْظُرْ كَيْفَ شَهَّرَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي زَمْزَمَ وَشِبْهِهِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ عَلَى

مَا نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ وَغَيْرُهُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَلِكَوْنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى زَمْزَمَ خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي السَّقَائِفِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْتُ:) مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَخَرَّجَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَتَبِعَهُمْ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ زَمْزَمَ حُكْمُ السَّقَائِفِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ عَلَى مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحِلِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي جَوَازِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئُ مَعَ الْعُذْرِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُجْزِئُ انْتَهَى. (الثَّانِي:) فُهِمَ مِنْ احْتِجَاجِ سَنَدٍ بِجَوَازِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ لِكَوْنِهَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْمَقَامِ أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ خَلْفِ الْمَقَامِ لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الطَّوَافُ مِنْ خَلْفِ الْأَسَاطِينِ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ الطَّوَافِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي شِبْهِ زَمْزَمَ أَنَّهُ كَقُبَّةِ الشَّرَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَجَبَ كَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ) ش لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَكَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الطَّوَافَ الرُّكْنِيَّ فِي الْحَجِّ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ يَجِبُ فِي الْحَجِّ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَيُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَحِلَّهُ قَبْلَ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ مَعَهُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ فَأَفَادَ كَلَامُهُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّوَافَ وَاجِبٌ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ إيقَاعُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَاجِبًا فَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَقَبَلُوهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْوُجُوبَ وَزَعَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّ إطْلَاقَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ لَفْظَهُ مَعَ تَكْرَارِهِ لِذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ الَّتِي اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيهَا فَمِنْهُمْ مِنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْوُجُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالسُّنَّةِ وَالتَّحْقِيقُ فِيهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ فِي إطْلَاقِ السُّنَّةِ عَلَيْهَا مُسَامَحَةً، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَفِي الْكِتَابِ الَّذِي جَمَعْتُهُ فِي الْمَنَاسِكَ الْمُسَمَّى هِدَايَةُ السَّالِكِ الْمُحْتَاجِ إلَى بَيَانِ أَفْعَالِ الْمُعْتَمَرِ وَالْحَاجِّ، وَفِي قَوْلِهِ: وَجَبَ إشَارَةٌ إلَى الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ هَذَا الطَّوَافِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ، وَهَذَا وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، أَمَّا كَوْنُهُ يَجِبُ إيقَاعُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَكَذَا إيقَاعُ السَّعْيِ بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ مَحِلُّهُمَا اتِّفَاقًا فَمَنْ تَرَكَهُ أَوْ تَرَكَ تَقْدِيمَ السَّعْيِ بَعْدَهُ، وَكَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ، وَلَيْسَ بِمُرَاهِقٍ، وَلَا حَائِضٍ، وَلَا نَاسٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي سُقُوطِ الدَّمِ قَوْلَيْنِ، وَعَزَا السُّقُوطَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِاللُّزُومِ لِابْنِ الْجَلَّابِ وَالْأَبْهَرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيِّ وَالتُّونُسِيِّ نَاسِيهِ كَعَامِدِهِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ لُزُومُ الدَّمِ وَصَرَّحَ ابْنُ الْجَلَّابِ بِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ، وَإِنْ تَرَكَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ نَاسِيًا، وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ يَعْنِي أَنَّهُ غَيْرُ مُرَاهِقٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ. ص (إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَتَعْجِيلُ السَّعْيِ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ إذَا خَرَجُوا

لِلْحِلِّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَهُمَا أَيْ: الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَاجِبَانِ قَبْلَ عَرَفَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ غَيْرَ مُرَاهِقٍ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَاضِرًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُؤْمَرُ بِهِمَا كُلُّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَاهِقٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: حَاضِرًا أَوْ غَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ قَادِمٌ عَلَى مَكَّةَ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَ يَعْنِي أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ وَالسَّعْيَ يَجِبَانِ عَلَى الْقَادِمِ الْآفَاقِيِّ، وَعَلَى الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ إذَا خَرَجُوا إلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمُوا مِنْهُ ثُمَّ دَخَلُوا إلَى مَكَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: كُلُّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَنْزِلِهِ مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ كَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فِي تَأْخِيرِ الطَّوَافِ، وَإِنْ أَحْرَمَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْحِلِّ فَلْيُعَجِّلُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مُرَاهِقِينَ انْتَهَى. إذَا عَلِمْتَ هَذَا، فَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَيْ: أَنَّهُمَا يَجِبَانِ عَلَى الْقَادِمِ، وَلَوْ كَانَ مَكِّيًّا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ لَا مَفْهُومَ لَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ خَرَجَ لِلْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ لِلْحِلِّ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَتَعْجِيلُ السَّعْيِ بَعْدَهُ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ) ش: أَيْ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَلَكِنَّهُ مُرَاهِقٌ أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ ثُمَّ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِذَا لَمْ يُطْلَبْ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ عَقِبَ أَحَدِ طَوَافِي الْحَجِّ فَلَمَّا سَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَقِبَهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَتَى يَكُونُ الْحَاجُّ مُرَاهِقًا إنْ قَدِمَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَحْبَبْتُ تَأْخِيرَ طَوَافِهِ، وَإِنْ قَدِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَحْبَبْتُ تَعْجِيلَهُ، وَلَهُ فِي التَّأْخِيرِ سِعَةُ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ إنْ قَدِمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلْيُؤَخِّرْهُ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ طَافَ وَسَعَى، وَإِنْ قَدِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمَعَهُ أَهْلٌ فَلْيُؤَخِّرْ إنْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلٌ فَلْيَطُفْ، وَلْيَسْعَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الِاشْتِغَالَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَةَ أَوْلَى، أَمَّا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَمَنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلٌ كَانَ فِي شُغْلٍ مِمَّا لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ بِالْأَهْلِ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: لِأَنَّهُ بِأَهْلِهِ فِي شُغْلٍ، وَحَالُ الْمُنْفَرِدِ أَخَفُّ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَالْمُرَاهِقُ هُوَ الَّذِي يَضِيقُ وَقْتُهُ عَنْ إيقَاعِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَالسَّعْيَ، مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَيَخْشَى فَوَاتَ الْحَجِّ إنْ تَشَاغَلَ بِذَلِكَ فَلَهُ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ، وَنَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ انْتَهَى مِنْ مَنَاسِكِهِ. (الثَّانِي:) حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ الْحِلِّ حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ فِي وُجُوبِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَتَعْجِيلِ السَّعْيِ بَعْدَهُ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَاهِقٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (الثَّالِثُ:) إذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي الْحِلِّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ الْحِلِّ فِي وُجُوبِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرَاهِقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) إذَا أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ أَرْدَفَ عَلَيْهَا حَجَّةً وَصَارَ قَارِنًا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِذَا دَخَلَ مِنْ الْحِلِّ لَا يَطُوفُ، وَلَا يَسْعَى؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَهَا، وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْقِرَانِ مِنْ الْحِلِّ وَمَضَى إلَى عَرَفَاتٍ، وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ، وَلَيْسَ بِمُرَاهِقٍ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَرَكَ طَوَافَ الْقُدُومِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ يُوهِمُ سُقُوطَ الدَّمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَدَمٌ إنْ قَدِمَ، وَلَمْ يَعُدْ) ش: أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ سَعْيَهُ إلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ قَدَّمَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ إثْرَ طَوَافٍ طَافَهُ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُعِيدَ السَّعْيَ إثْرَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ شَامِلٌ لِلْمُرَاهِقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ أَجْزَأَهُ، وَلَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ السَّعْيِ

لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي حَقِّهِ رُخْصَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الشِّبْهُ بَيْنَ الْمُرَاهِقِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي مُطْلَقِ السُّقُوطِ، وَإِلَّا فَالطَّوَافُ سَاقِطٌ فِي حَقِّ الْمُرَاهِقِ لِلْمَشَقَّةِ وَخَوْفِ فَوَاتِ عَرَفَةَ حَتَّى لَوْ تَجَشَّمَ الْمَشَقَّةَ وَغَرَّرَ فَأَدْرَكَ فَطَافَ وَسَعَى لَكَانَ آتِيًا بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِ بِالْأَصْلِ، أَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ انْتَهَى. ، وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا، وَقَالَ لَعَلَّ قَوْلَهُ إنْ قَدِمَ فِيهِ إيمَاءٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ: قَدِمَ بَلْ أَوْقَعَهُ فِي مَحِلِّهِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ فِي الْأَصْلِ انْتَهَى. ، مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ انْتَهَى. ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ سَعَى وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ مُقْتَصِرًا أَجْزَاءَهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا يُؤَخِّرُ الْمُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ سَعْيَهُ لِآخِرِ إفَاضَتِهِ، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى قَبْلَ وُقُوفِهِ أَعَادَ سَعْيَهُ إثْرَهَا، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ كَفَاهُ، وَأَيْسَرُ شَأْنِهِ هَدْيٌ، وَشَاذٌّ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ هَدْيٌ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا تَخْرِيجَ التُّونُسِيِّ مِنْ عَدَمِهِ فِيهَا عَلَى مُفِيضٍ مُحْدِثٍ طَافَ تَطَوُّعًا بِطَهَارَةٍ وَيُفَرَّقُ بِتَقْدِيمِ نِيَّةِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَيُحْكَمُ بِانْسِحَابِهَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ، وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى عَرَفَةَ، هَلْ يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَسَعَى، فَإِنْ هُوَ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَأَيْتُ السَّعْيَ الْأَوَّلَ يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَذَلِكَ أَيْسَرُ شَأْنِهِ عِنْدِي، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ طَافَ وَسَعَى ثُمَّ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ وَأَجَازَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِانْفِرَادِهِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْحِلِّ، وَكَذَلِكَ السَّعْيُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الصَّوَابُ أَنَّهُ جَائِزٌ حَسْبَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. ص (ثُمَّ السَّعْيُ سَبْعًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً، وَالْعَوْدُ أُخْرَى) ش هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِحْرَامِ فِي قَوْلِهِ: وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ يَعْنِي أَنَّ الرُّكْنَ الثَّالِثَ مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي يَشْتَرِكَ فِيهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ السَّعْيُ، وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتَنْقَضِي الْعُمْرَةُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحِلَاقِ أَوْ التَّقْصِيرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ: كَمَالُ الْعُمْرَةِ، وَنَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ إحْرَامٌ وَسَعْيٌ وَطَوَافٌ وَحَلْقٌ وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أَرْكَانٌ، وَالرَّابِعُ: يُجْبَرُ بِالدَّمِ فَقَوْلُهُ: يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ تَنْقَضِي الْعُمْرَةُ أَيْ: كَمَالُ الْعُمْرَةِ، وَإِلَّا فَالْعُمْرَةُ تَصِحُّ بِدُونِ الْحِلَاقِ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ أَوْ شَوْطًا مِنْهُ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ صَحِيحَتَيْنِ أَوْ فَاسِدَتَيْنِ رَجَعَ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ إذَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ مَالِكٍ هِيَ: مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ حَتَّى تَبَاعَدَ، وَأَطَالَ وَأَصَابَ النِّسَاءَ أَنَّهُ يُهْدِي وَيُجْزِيهِ فَفَهِمَهَا صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ عِنْدَهُ وَفَهِمَهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهُ قَالَ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالرُّجُوعِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَلِلسَّعْيِ شُرُوطٌ مِنْهَا: كَوْنُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّوَافِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ شَيْئًا، وَلَوْ ذِرَاعًا يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَمِنْهَا كَوْنُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، فَلَوْ سَعَى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ بِأَنْ دَارَ مِنْ سُوقِ اللَّيْلِ أَوْ نَزَلَ مِنْ الصَّفَا وَدَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَلَا يَجِبُ الصُّعُودُ عَلَيْهِمَا بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، كَمَا سَيَأْتِي قَالَ سَنَدٌ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلْصَاقُ الْعَقِبَيْنِ بِالصَّفَا بَلْ أَنْ يَبْلُغَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَمَنْ شُرُوطِهِ الْبَدْءُ مِنْ الصَّفَا ، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ اعْتَدَّ بِهِ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ شَوْطًا مِنْ سَعْيِهِ، وَقَوْلُهُ: مِنْهُ الْبَدْءُ أَفَادَ أَنَّ الْبَدْءَ

مِنْ الصَّفَا، وَأَنَّهُ يَحْسِبُ ذَلِكَ شَوْطًا، وَيَحْسِبُ الْعَوْدَ شَوْطًا آخَرَ. ص (وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ وَنَوَى فَرِيضَتَهُ، وَإِلَّا فَدَمٌ) ش يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ السَّعْيِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ شَرْطُ كَوْنِهِ بَعْدَ طَوَافٍ انْتَهَى. ، فَلَوْ سَعَى مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ السَّعْيُ بِلَا خِلَافٍ وَقَوْلُهُ: وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ، وَإِلَّا فَدَمٌ يَعْنِي، وَيَجِبُ فِي الطَّوَافِ الَّذِي سَعَى بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا، فَإِنْ أَوْقَعَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافٍ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: ثُمَّ اُخْتُلِفَ، هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ إمَّا طَوَافَ الْقُدُومِ، وَإِمَّا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَيَكْفِي فِيهِ أَيُّ طَوَافٍ كَانَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي شَرْطِ وُجُوبِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّعْيِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ وَاخْتُلِفَ، هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ يَكْفِيَ أَيُّ طَوَافٍ كَانَ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا طَافَ حَاجٌّ أَوَّلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ لَا يَنْوِي بِهِ تَطَوُّعًا، وَلَا فَرِيضَةً لَمْ يُجْزِهِ سَعْيُهُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَاعَدْ رَجَعَ فَطَافَ وَسَعَى، وَإِنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَتَبَاعَدَ وَجَامَعَ النِّسَاءَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالدَّمُ فِي هَذَا خَفِيفٌ انْتَهَى. فَتَخْفِيفُهُ لِلدَّمِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إلَى الِاشْتِرَاطِ يَرْجِعُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الِاشْتِرَاطَ لَلَزِمَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ عَلَى أَنَّ سَنَدًا اعْتَرَضَ عَلَى الْبَرَاذِعِيُّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا، وَلَا تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ: إنَّمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَلَمْ يَنْوِ حَجًّا ثُمَّ سَعَى فَلَا أُحِبُّ لَهُ سَعْيَهُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ الْفَرْضَ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ جَامَعَ رَأَيْتُهُ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّ سَنَدًا اعْتَرَضَ عَلَى الْبَرَاذِعِيُّ فِي قَوْلِهِ: لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِيًا لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ، كَمَا لَوْ طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَسَعَى، وَلَمْ يُعِدْ سَعْيُهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَأَجَابَ الْعَوْفِيُّ عَنْ الْبَرَاذِعِيّ بِأَنَّ الْإِجْزَاءَ مَعْنَاهُ الِاكْتِفَاءُ، وَهُوَ لَا يَكْتَفِي بِمَا فَعَلَهُ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا فَفِي الْقُرْبِ يُعِيدُهُ، وَفِي الْبُعْدِ يَجْبُرُهُ بِالدَّمِ قَالَ: وَإِنَّمَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْبَرَاذِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ لَمْ يَنْوِ بِطَوَافِهِ لِحَجِّهِ، وَبَدَّلَهَا هُوَ بِقَوْلِهِ: فَرِيضَةً، وَلَا تَطَوُّعًا، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الْعَابِثِ أَوْ الذَّاهِلِ ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْتَصِرَ لَهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ نِيَّتَهُ حِينَ الطَّوَافِ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَلَا قُدُومَ فَلَا يَكْتَفِي بِهِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ أَجْزَأَهُ إذْ لَمْ يَخْلُ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ بِهِ، وَقَرِينَتُهُ حَالَ الْحَاجِّ لَا سِيَّمَا مِنْ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَطُوفُ تَقَرُّبًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ هَذِهِ النِّيَّةِ التَّطَوُّعُ فَلِهَذَا سَاغَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ انْتَهَى. يَعْنِي مَعَ الْبُعْدِ (قُلْتُ:) ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ، كَمَا قَالَ الْبَرَاذِعِيُّ وَنَصُّهَا: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ لَا يَنْوِي بِطَوَافِهِ هَذَا فَرِيضَةً، وَلَا تَطَوُّعًا ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُجْزِيَهُ سَعْيُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِيَ بِهِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ الَّذِي دَخَلَ بِهِ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ، وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَتَبَاعَدَ، وَجَامَعَ النِّسَاءَ رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ الدَّمَ، وَالدَّمُ فِي هَذَا خَفِيفٌ عِنْدِي، قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَبَاعَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ انْتَهَى. وَهَكَذَا نَقَلَهُ يُونُسُ، وَنَقَلَ الْعَوْفِيُّ عَنْ الْأُمِّ مِثْلَ مَا قَالَ سَنَدٌ وَاخْتِصَارُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ نُسَخَ الْأُمِّ مُخْتَلِفَةٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَوَى فَرِيضَتَهُ، وَإِلَّا فَدَمٌ الطَّوَافُ الَّذِي يَقَعَ بَعْدَهُ السَّعْيُ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فَرْضِيَّتَهُ بِأَنْ يَكُونَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ أَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ بِالْحَجِّ أَوْ طَوَافَ الْعُمْرَةِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ بَعْدَ طَوَافٍ لَا يَنْوِي فَرْضِيَّتَهُ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ أَوْ طَوَافِ تَطَوُّعٍ، كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ بَعْدَ

تنبيهات نوى طواف القدوم واعتقد أنه سنة

طَوَافٍ وَاجِبٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَبَاعَدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَدَمٌ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ فَلَا شَكَّ فِي فَرْضِيَّتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ، أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الرَّاجِحِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فِي بَابِ الْحَجِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَغَيْرُهُ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرْضٌ تَبَعًا لِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَا أُحِبُّ لَهُ سَعْيَهُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَا غَيْرُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِهِ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ: وَسَمَّاهُ فِيهَا وَاجِبًا وَفَرْضًا وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ مُتَرَادِفَانِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَجِّ [تَنْبِيهَاتٌ نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا نَوَى الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْقِرَانِ بِطَوَافِهِ الَّذِي يَسْعَى بَعْدَهُ طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ، وَيَعْلَمُ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مِنْ الْأَفْعَالِ اللَّازِمَةِ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْقِرَانِ، وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَأَنَّ تَسْمِيَتَهُ سُنَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَهُوَ عِنْدِي كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانَ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَيُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَهَذَا لَا يَضُرُّ كَمَنْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ طَوَافَ الْقُدُومِ وَنَوَى أَنَّهُ يَطُوفُ لِحَجِّهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَنَوَى بِطَوَافِهِ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَيُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى الطَّوَافَ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ شَيْئًا فَهَذَا يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يُجْزِهِ سَعْيُهُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ الْفَرِيضَةَ وَكَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعَوْفِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ شُرُوطِ السَّعْيِ إيصَالَهُ بِالطَّوَافِ وَاتِّصَالُهُ فِي نَفْسِهِ وَذَلِكَ شَرْطٌ إلَّا أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ مُغْتَفَرٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيُوَالِي بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَالسَّعْيِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ، وَكَذَلِكَ إذَا فَرَّقَ بَيْنَ السَّعْيِ نَفْسِهِ وَخَرَجَ لِجِنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُطِلْ، فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ، قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ طَافَ، وَلَمْ يَخْرُجْ لِلسَّعْيِ حَتَّى طَافَ تَنَفُّلًا سَبْعًا أَوْ سَبْعِينَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ ثُمَّ يَسْعَى، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ فِي سِعَةٍ، وَقَالَ فِيمَنْ طَافَ وَرَكَعَ ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ السَّعْيَ حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ: إنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَبْتَدِئُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَافَ لَيْلًا أَوْ أَخَّرَ السَّعْيَ حَتَّى أَصْبَحَ: فَإِنْ كَانَ بِطُهْرٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَامَ وَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلِيُعِدْ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ ثَانِيَةً إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَهْدَى وَأَجْزَأَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إعَادَةَ الْمَرِيضِ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ هَذَا فَرْقٌ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَسْعَى قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَرَآهُ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا إذَا انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَرَجَعَ، وَلَوْ بَلَغَ بَلَدَهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ يَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ إذَا سَعَى بِالْقُرْبِ، وَيَصِحُّ مِنْ الْحَائِضِ فَلَمْ يَكُنْ لِمُرَاعَاةِ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إذَا بَعُدَ وَجْهٌ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلتَّفْرِيقِ الْفَاحِشِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ جَلَسَ بَيْنَ طُهْرَانَيْ سَعْيِهِ شَيْئًا خَفِيفًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ فَصَارَ كَتَارِكِ مَا كَانَ فِيهِ فَلْيَبْتَدِئْ، وَلَا يَبْنِي، وَإِنْ صَلَّى عَلَى ابْنَ بَزِيزَةَ فَقَالَ وَرَخَّصَ لِلْمَدَنِيِّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مَرِيضًا فِي تَأْخِيرِهِ لِلْجُحْفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ: لَا لِمَكَّةَ انْتَهَى. وَكَذَا التِّلِمْسَانِيُّ وَسَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَنَصُّهُ: وَالْمَرِيضُ يُحْرِمُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ افْتَدَى، وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْجُحْفَةِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، أَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِحْرَامَ لِمَرَضِهِ حَتَّى يَقْرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِغَيْرِ مِيقَاتٍ لَهُ فَلَا يَفْعَلُ وَلْيُحْرِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْن بَزِيزَةَ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ رَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ التَّأْخِيرُ حَرَامٌ وَيَجِبُ بِسَبَبِ الْهَدْيِ أَمْ لَا وَلَفْظُ النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمُ: لَا يَنْبَغِي، وَهَكَذَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَصُّهُ: وَهَلْ لِلْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُؤَخِّرَ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِعُذْرِهِ وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلْيُحْرِمْ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ افْتَدَى انْتَهَى. فَلَعَلَّهُ فَهِمَ قَوْلَ لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَفِي كَلَامِهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمَرِيضِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ: ظَاهِرٌ وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَيَعْنِي بِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْمِصْرِيِّ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحُلَيْفَةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ كَانَ الْمَدَنِيُّ غَيْرَ مَرِيضٍ وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَسُقُوطِهِ قَوْلَانِ، وَالْوُجُوبُ لِمَالِكٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالسُّقُوطِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ اُخْتُلِفَ فِي مُرِيدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُجَاوِزُ مِيقَاتَهُ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَدَنِيُّ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهُ انْتَهَى. وَهَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَرَضٍ، وَلَا بِغَيْرِ مَرَضٍ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّحِيحُ وَلِذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُؤَخِّرُهُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَالدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ بِغَيْرِ قَيْدِ الْمَرَضِ إلَّا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الطَّاعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قِيلَ: لِمَالِكٍ فِي مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ أَ

فرع نسي ركعتي الطواف وسها عن ذكرهما

جِنَازَةٍ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ السَّعْيِ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ جَلَسَ مَعَ أَحَدٍ أَوْ وَقَفَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَنَى فِيمَا خَفَّ، وَلَمْ يَتَطَاوَلْ وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ حَقْنٌ فِي سَعْيِهِ مَضَى وَتَوَضَّأَ، وَبَنَى انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: وَلَوْ جَلَسَ لِيَسْتَرِيحَ فَنَعَسَ، وَاحْتَلَمَ فَلْيَذْهَبْ فَيَغْتَسِلْ وَيَبْنِي، وَإِنْ أَتَمَّهُ جُنُبًا أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَسْعَى، وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنْ طَافَ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى بَيْتِهِ حَتَّى يَسْعَى إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ يُخَافُ فَوَاتُهَا أَوْ يَتَعَذَّرُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا وَيَرْجُو بِالْخُرُوجِ ذَهَابَهَا كَالْحَقْنِ وَالْخَوْفِ عَلَى الْمَنْزِلِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَصَارَ كَتَارِكِ مَا كَانَ فِيهِ فَلْيَبْتَدِئْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ السَّعْيَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ سَعْيُهُ كَانَ كَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْعَ بَعْدَ الطَّوَافِ فَسَدَ الطَّوَافُ (الثَّالِثُ:) تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ التَّهْذِيبِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَتَبَاعَدَ وَجَامَعَ النِّسَاءَ، فَعَطْفُ قَوْلِهِ: وَجَامَعَ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ عَطْفُهُ بِأَوْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ ص (وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَتِهِ حَرَامًا) ش يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ إذَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَتِهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ بَلَدِهِ مُحْرِمًا مُتَجَرِّدًا مِنْ الْمَخِيطِ، كَمَا كَانَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ، وَلَمْ يَسْعَ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْعُمْرَةَ، وَيُهْدِي قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. (قُلْتُ:) وَيَقْضِيهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ أَوَّلًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ تَطَيَّبَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ وَتَعَدَّدَتْ مِنْهُ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَاتَّحَدَتْ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا التَّفْرِيعَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شُرُوطَ الطَّوَافِ، وَقَالَ فِيهِ: إنْ لَمْ يَصِحَّ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِمَنْ طَافَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا هَذَا التَّفْرِيعَ فِيمَنْ طَافَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، وَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَسَنٌ. ص (وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ فَقَارَنَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. [فَرْعٌ نَسِيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَهَا عَنْ ذَكَرِهِمَا] (فَرْعٌ) : فَإِنْ نَسِيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَهَا عَنْ ذَكَرِهِمَا بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بِالْقُرْبِ بِحَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَهَلْ يَكُونُ قَارِنًا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَارِنٌ؛ لِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ الرَّكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنْ كَانَ قَدْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ، فَإِنَّهُ يَفْتَدِي، وَإِنْ وَطِئَ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ، أَمَّا إنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَرْكَعُهُمَا وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِنًا، وَأَنَّ إحْرَامَهُ يَقُومُ مَقَامَ الطَّوَافِ وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي حَسَنٌ وَذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا عَقَدَ الْحَجَّ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالطُّولِ الَّذِي لَا يَطُوفُ مَعَهُ، وَلَا يَسْعَى فَلَا يَكُونُ قَارِنًا، فَعَقْدُهُ الْحَجَّ إذَا تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ طَوَافِ عُمْرَتِهِ ضَرُورَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَكَانَ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِعُمْرَةٍ] (فَرْعٌ) : فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِعُمْرَةٍ كَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ تَحَلُّلًا مِنْ الْأُولَى قَالَهُ سَنَدٌ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ كَانَ اعْتَمَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعُمْرَةِ الَّتِي فِيهَا الْخَلَلُ لَكَانَ قَدْ تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الثَّانِيَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ طَافَ تَطَوُّعًا وَسَعَى بَعْدَهُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى بِلَادِهِ أَنَّ طَوَافَهُ لَمْ يَصِحَّ، هَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ، كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي سَنَدٍ أَمَّا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَلَدِهِ فَلَا

كَلَامَ فِي الْإِعَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ، وَلَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِذَلِكَ إنْ كَانَ أَوْقَعَ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ السَّعْيِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِلسَّعْيِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَاقْتَصَرَ مِمَّا لَوْ ذَكَرَ أَنَّ طَوَافَ قُدُومِهِ لَمْ يَصِحَّ فَأَعَادَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ إفَاضَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا لَوْ أَعَادَ السَّعْيَ بَعْدَ إفَاضَتِهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ طَوَافِ الْقُدُومِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ، فَإِنَّ ابْنَ يُونُسَ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَقَدْ أَتَى بِهِ، وَإِنَّمَا عَدِمَ النِّيَّةَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا أَعَادَ، وَإِنْ تَطَاوَلَ أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَاهُ كَمَنْ طَافَ أَوَّلَ دُخُولِهِ لَا يَنْوِي فَرِيضَةً، وَلَا تَطَوُّعًا وَسَعَى، وَلَمْ يَذَّكَّرْ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ خَفِيفٌ فَكَذَلِكَ هَذَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ هَذَا الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ بِسَعْيِهِ السَّعْيَ الْفَرْضَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ لِمَا تَقَدَّمَ وَانْظُرْ إذَا أَحْرَمَ هَذَا الَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى مَا فِي ظَنِّهِ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ لَهَا وَسَعَى وَكَمَّلَ عُمْرَتَهُ فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَا كَلَامَ فِي عَدَمِ انْعِقَادِهَا لِبَقَاءِ رُكْنٍ مِنْ الْحَجِّ، وَهُوَ السَّعْيُ، وَهَلْ يُجْزِيهِ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ لِلْعُمْرَةِ عَنْ سَعْيِ حَجِّهِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لِحَجِّهِ لِيَأْتِيَ بِذَلِكَ بِنِيَّةٍ تَخُصُّهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ تَعْلِيلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يُتَطَوَّعُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُفْعَلُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ أَتَى بِهِ فِي الْعُمْرَةِ الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى لَهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْإِفَاضَةَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ، وَلَا دَمَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ طَوَافَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَافَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ طَوَافًا صَحِيحًا تَطَوُّعًا أَوْ لِوَدَاعٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ حِينَئِذٍ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَيُجْزِئُهُ مَا طَافَهُ تَطَوُّعًا عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ رَجَعَ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ فَيَطُوفُ لِلْإِفَاضَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَافَ بَعْدَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَيُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ إعَادَةً إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا إذَا فَاتَ انْتَهَى. (قُلْتُ:) لَا إشْكَالَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالْإِعَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَصَاحِبِ النُّكَتِ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، وَلَمْ يُفَصِّلُوا فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَافَ بَعْدَهُ تَطَوُّعًا أَمْ لَا؟ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ، وَمِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ مَعَ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ (الثَّانِي:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمَشْهُورَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِسْيَانًا بِخِلَافِ الْعَمْدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْعَمْدِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) الظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى النِّسْيَانِ، وَقَدْ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ: لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ الْإِفَاضَةَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ انْتَهَى. (الثَّالِثُ:) حُكْمُ مَنْ نَسِيَ الطَّوَافَ بِالْكُلِّيَّةِ حُكْمُ مَنْ طَافَ، وَلَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ وَنَسِيَ ذَلِكَ حَتَّى طَافَ لِلْوَدَاعِ أَوْ غَيْرِهِ وَخَرَجَ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يُجْزِئُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْبَيْتِ فَافْتَقَرَتْ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، وَوَجْهُ

مَا قُلْنَاهُ: أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينٍ بِدَلِيلِ الْوُقُوفِ وَالْإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ، وَهَذَا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينٍ نَعَمْ نِيَّةُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ الْحَجِّ فِي زَمَانِ الْحَجِّ فَلَمَّا صَحَّ الطَّوَافُ فِي نَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمُ أَنَّهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَيَسْتَحِبُّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ الدَّمَ، كَمَنْ طَافَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَسَعَى، وَلَمْ يُعِدْ سَعْيَهُ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ (الرَّابِعُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَلْ يُجْزِئُ طَوَافُ الْقُدُومِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ص (حَلَالًا إلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَكُرِهَ الطِّيبُ وَاعْتَمَرَ، وَإِلَّا كَثُرَ إنْ وَطِئَ) ش هَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ أَوْ طَوَافُ إفَاضَتِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَكَانَ طَوَافُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَمْ يُعِدْ بَعْدَ طَوَافِ السَّعْيِ الْإِفَاضَةَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ، وَكَانَ طَوَافُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجِعُ مِنْ بَلَدِهِ حَلَالًا مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ كُلِّهَا إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، أَمَّا الطِّيبُ فَيُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَا يَحْرُمُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ: بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَإِذَا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ فَلَا يُجَدِّدُ إحْرَامًا مِنْ الْمِيقَاتِ إذَا مَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى بَقِيَّةِ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلَا يُلَبِّي فِي طَرِيقِهِ؛ لِأَنَّ تَلْبِيَتَهُ قَدْ انْقَطَعَتْ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، فَإِذَا وَصَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَكَّةَ كَمَّلَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ بَقِيَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لَكِنَّ السَّعْيَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ فَيَطُوفُ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْعَى فَيُتِمُّ تَحَلُّلَهُ مِنْ الْحَجِّ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. (قُلْتُ:) وَيَنْوِي بِطَوَافِهِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ قَبْلَ السَّعْيِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ فَاتَ مَحِلُّهُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَطَلَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَصَارَ كَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ إفَاضَتِهِ يَطُوفُ الْإِفَاضَةَ فَقَطْ، وَلَا يَحْلِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَقَ بِمِنًى، فَإِذَا كَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إحْرَامَهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ، وَأَنَّ جُلَّ النَّاسِ يَقُولُونَ: لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) هَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْرَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِيمَنْ أَصَابَ النِّسَاءَ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ: وَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ الْمَوَاقِفَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَمْ يَسْعَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَأَصَابَ النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ وَالطِّيبَ وَلَبِسَ الثِّيَابَ فَلْيَرْجِعْ لَابِسًا لِلثِّيَابِ حَلَالًا إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى ثُمَّ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ إذَا رَجَعَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَقَ بِمِنًى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ حَلَّ لَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَهُوَ خَفِيفٌ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ الَّذِي طَافَهُ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ، وَهُوَ كَالْمُرَاهِقِ

وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْهَدْيِ تُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَجُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ الْعُمْرَةَ إلَّا مَعَ إصَابَةِ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ وَتَهْذِيبِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا لَمْ يَطَأْ فَلْيَرْجِعْ فَيَفْعَلْ مَا وَصَفْنَا وَيُهْدِي هَدْيًا وَاحِدًا، وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ فَلِيُعِدْ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الَّذِي طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَطَأْ فَعَلَ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ فَلْيُعِدْ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي تَهْذِيبِهِ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: فَإِنْ لَمْ يَقْرَبْ النِّسَاءَ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ مَعَ عَدَمِ إصَابَةِ النِّسَاءِ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ فَرْحُونٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ: قَوْلُ جُلِّ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ إنَّمَا كَانَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الطَّوَافِ بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ عَلَيْهِ فَأُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافٍ صَحِيحٍ لَا وَطْءَ قَبْلَهُ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ، وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَلَا وَجْهَ لِلْعُمْرَةِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ جُلَّ النَّاسِ يَقُولُونَ: تَجِبُ الْعُمْرَةُ إذَا وَطِئَ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ جُلِّ النَّاسِ أَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَ النِّسَاءَ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، فَإِنَّهُ قَالَ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي، وَقِيلَ: لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَ وَجُلُّ النَّاسِ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُخْتَلَفُ فِي طَلَبِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ، هَلْ يُؤْمَرُ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَدَمِ اعْتِرَاضِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ كَثْرَةِ تَنْبِيهِهِ عَلَى مَا خَالَفَ فِيهِ نَقْلَ الْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي تَقَدَّمَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَسَعَى بَعْدَهُ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَهُ، وَقَدْ سَوَّى ابْنُ الْحَاجِبِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ سِيَاقَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّهُ خَلَطَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ قَوْلَهُ: وَيَرْجِعُ حَلَالًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ لِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ انْتَهَى. (قُلْت:) وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ الثَّانِي فِي الصُّورَتَيْنِ (الثَّالِثُ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَجُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ هُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٌ، وَقِيلَ: يَطُوفُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَيَقْضِي قَابِلًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ شِهَابٍ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَ جُلُّ النَّاسِ أَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَوَى مَالِكٌ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ وَحَكَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ أَنَّهُ يَنْحَرُ بَدَنَةً، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِم وَعَطَاءٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نَحْرُ بَدَنَةٍ انْتَهَى. (قُلْت:) وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ: وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَبِيعَةَ قَالَ، وَرَوَى ابْنُ الْجَهْمِ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ أَقِيسُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَعَطَاءٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا انْتَهَى. (قُلْت:) وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِلُزُومِ الْعُمْرَةِ مَعَ عَدَمِ الْوَطْءِ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ

جُلُّ النَّاسِ، وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: الْأَكْثَرُ جُلُّ الْعُلَمَاءِ خَارِجُ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْهَدْيِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ النِّسَاءُ وَجَبَ الْهَدْيُ مَعَ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ إلَى الْمُحَرَّمِ فَهَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاحِدٌ أَوْ هَدْيَانِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: يُخْتَلَفُ فِيهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ يُهْدِي هَدْيَيْنِ فِي عُمْرَتِهِ هَدْيًا لِلْوَطْءِ، وَهَدْيًا لِلتَّفْرِقَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى فِي ذَلِكَ هَدْيًا، وَالْأَوَّلُ: أَقِيسُ؛ لِأَنَّهُمَا هَدْيَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْوَقْتُ فَيَجِبُ إيقَاعُ أَرْكَانِ الْحَجِّ فِي أَشْهَرِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ شَيْئًا عَنْ زَمَانِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَبْرُ لِخَلَلِ مَا تَرَكَ، وَالْجَبْرُ فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ الدَّمُ، وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ، فَكَانَ خَفِيفًا كَتَرْكِ الْهَرْوَلَةِ وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالْعُمْرَةِ، وَالدَّمُ يَفِي بِذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى. أَمَّا إذَا لَمْ يُصِبْ النِّسَاءَ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَجِّهِ يُرِيدُ قَبْلَ دُخُولِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَسَادٌ يَعْنِي لِلْوَطْءِ، هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهَدْيُ، وَيُخْتَلَفُ فِيهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِمَالِكٍ: مَنْ جَهِلَ فَلَمْ يَسْعَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلْيَرْجِعْ مَتَى مَا ذَكَرَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُهْدِيَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَحْسَنُ فِيهِ أَنْ يُرَاعِيَ الْوَقْتَ، فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ خُرُوجِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ خَفِيفٌ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ انْتَهَى. (قُلْت:) وَاَلَّذِي قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْمُحَرَّمُ، وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ (الْخَامِسُ:) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ قَوْلُهُ: وَاعْتَمَرَ يَعْنِي إذَا رَجَعَ حَلَالًا فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ أَيْ: إذَا رَجَعَ مَكَّةَ فَلَا يَدْخُلُهَا إلَّا بِعُمْرَةٍ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. (قُلْت:) لَيْسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَاقِضٌ فَتَأَمَّلْهُ (السَّادِسُ:) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إلَخْ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَحُكْمُ الْقَارِنِ كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَلَوْ مَرَّ إنْ نَوَاهُ) ش: هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الْحَجُّ، وَهُوَ الْوُقُوفُ وَإِضَافَةُ الْحُضُورِ لِجُزْءِ عَرَفَةَ عَلَى مَعْنَى فِي وَسَاعَةَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَهِيَ مُضَافَةٌ لِلَيْلَةِ النَّحْرِ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: جُزْءِ عَرَفَةَ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ يَقِفُ النَّاسُ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى الْهِضَابِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى الْهِضَابِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ، وَحَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، ثُمَّ قَالَ: فَفِيهَا عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ، وَلَكِنْ مَعَ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ إذَا وَقَفَ مَعَ النَّاسِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ فَوَقَفَ دُونَهُمْ أَجْزَأَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا ارْتَفَعَ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا: قَالَ أَشْهَبُ: وَأَحَبُّ مَوْقِفِ عَرَفَةَ إلَيَّ مَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ، وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ مَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا قَرُبَ مِنْهَا إلَى مَوْضِعِ وُقُوفِ النَّاسِ فَمِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ عَرَفَةَ عَلَى أَصْلِهَا، وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ بِمَعْنَى الَّذِي فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَقُولُ: إنَّ الِاسْتِنَادَ إلَى الْهِضَبِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ، وَحَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ وَقَوْلُهُ: حَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ، كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ بِالْوَاوِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ، وَهُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَلَفْظُهُ: إذَا انْقَضَتْ الصَّلَاةُ فَخُذْ

فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَامْضِ إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَاسْتَنِدْ إلَى الْهِضَابِ مِنْ سَفْحِ الْجَبَلِ حَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أُفَضِّلُ ذَلِكَ، وَحَيْثُ مَا وَقَفْتَ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَك انْتَهَى. وَكَانَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَقِفُ هُنَاكَ، وَأَمَّا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيَقِفُ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ آخِرِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَتَحَصَّلَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ النَّوَادِرِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ إذَا وَقَفَ حَيْثُ يَقِفُ النَّاسُ، وَأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى جَبَلِ عَرَفَةَ، وَلَا يَبْعُدُ عَنْ مَحَلِّ وُقُوفِ النَّاسِ، وَنَحْوُهُ مَا حَكَاهُ أَشْهَبُ هَذَا الَّذِي تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ، وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَالِاخْتِيَارُ الْوُقُوفُ مَعَ النَّاسِ وَيُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ مُتَدَافِعٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: لَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ أَيْ: مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُوَافِقًا لِمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَيَزُولُ عَنْهُ التَّدَافُعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ: لَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَحَبُّوا الْوُقُوفَ حَيْثُ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهَذَا الْمَوْقِفُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي تَوَسَّطَ أَرْضَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ هُنَاكَ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ نَصَّ حُذَّاقُ الْمَذْهَبِ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوُقُوفِ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ وَالِاهْتِمَامُ بِالْقَصْدِ إلَيْهِ تَبَرُّكًا بِآثَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ الْوُقُوفَ بِمَوْضِعِ وُقُوفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحٍ قَوْلُهُ: حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقُصْوَى إلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ، فِيهِ إنَّ السُّنَّةَ الْوُقُوفُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَاسْتَحَبُّوا هَذَا الْمَوْضِعَ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: وَقَفْتُ هَاهُنَا وَعَرَفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ تَعْرِيفٌ بِتَوْسِعَةِ الْأَمْرِ عَلَى أُمَّتِهِ وَبَيَانٌ لَهُمْ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ الْوُقُوفَ بِمَوْضِعِ وُقُوفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ انْتَهَى مَا قَالَهُ فِي الْإِكْمَالِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مُعَلَّى هُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ خِلَافُهُ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَأَفْضَلُ الْمَوَاقِفِ فِي قَوْلِ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَةِ فِي طُرُقِ الرَّوَابِي الصِّغَارِ الَّتِي عِنْدَ ذَيْلِ الْجَبَلِ الَّذِي بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ، وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُسَمَّى بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ ثُمَّ قَالَ: وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ لَيْسَ لِمَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ وَيَقِفُ مَعَ عَامَّةِ النَّاسِ انْتَهَى. (قُلْت:) وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ أَيْ: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ يَقْتَضِي فَضْلَ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ الْقُرْبِ مِنْ مَحِلِّ وُقُوفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَرُّكًا بِهِ فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ مَكْرُوهٌ، وَمِثْلُهُ الْبَعْدُ عَنْ مَحِلِّ وُقُوفِ النَّاسِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي مَحَلِّ وُقُوفِ النَّاسِ، وَالْقُرْبُ مِنْ الْهِضَابِ حَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ، وَالْهِضَابُ بِكَسْرِ الْهَاءِ جَمْعُ هَضْبَةٍ عَلَى وَزْنٍ تَمْرَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْهَضْبَةُ الْجَبَلُ الْمُنْبَسِطُ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ جَبَلٌ خُلِقَ مِنْ صَخْرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ الْجَبَلُ الطَّوِيلُ الْمُمْتَنِعُ الْمُنْفَرِدُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي حِجْرِ الْجَبَلِ انْتَهَى. (قُلْت:) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ عِنْدَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَيُقَالُ: لِجَبَلِ الرَّحْمَةِ إلَالٌ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ اجْتَهَدَ وَالِدِي - تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ - فِي تَعْيِينِ مَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَجَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، فَقَالَ: إنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْمَوْقِفِ صَاعِدَةٌ فِي الرَّابِيَةِ، وَهِيَ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَاءَهَا صَخْرٌ نَاتِئٌ مُتَّصِلٌ بِصَخْرِ الْجَبَلِ الْمُسَمَّى بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ الْمَذْكُورِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ، وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجَبَلُ قُبَالَةَ الْوَاقِفِ بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَيَكُونُ طَرَفُ الْجَبَلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ، وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِهِ بِقَلِيلٍ وَرَاءَ، وَقَالَ: إنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ أَيْ: يَسَارِ الْجَبَلِ، وَقَوْلُهُ: بِيَمِينٍ أَيْ: فِي جِهَةِ يَمِينِ الْوَاقِفِ، وَقَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ بِقَلِيلٍ وَرَاءَ أَيْ: عَنْ يَسَارِهِ إلَى جِهَةِ وَرَاءَ، وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: بَيْتُ آدَمَ قَالَ الْفَاسِيُّ، وَكَانَ سِقَايَةً لِلْحَاجِّ أَمَرَتْ بِعَمَلِهَا وَالِدَةُ الْمُقْتَدِرِ انْتَهَى. (قُلْت:) وَالْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَقِفُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا يَقِفُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْجَبَلِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَرَاهُمْ النَّاسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) نَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَدَّ عَرَفَةَ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ بِالنُّونِ إلَى جِبَالِ عَرَفَةَ إلَى وَصِيقٍ إلَى مُلْتَقَى وَصِيقٍ وَوَادِي عَرَفَةَ بِالْفَاءِ وَوَصِيقٍ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَقَافٍ قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ: وَعَرَفَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ إلَى أَنْ تَقْضِيَ إلَى طَرِيقِ نَعْمَانَ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ مِنْ عَرَفَةَ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ شَعْبَانَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الزَّاهِي، وَيَقِفُونَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَشِمَالِهِ وَأَمَامِهِ وَخَلْفِهِ وَعَرَفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَعُرَنَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ نَعْمَانَ، وَاَلَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ حِضْنٍ، مَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ مِنْ عَرَفَاتٍ انْتَهَى. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ كَلَامًا طَوِيلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَبَلَ الرَّحْمَةِ فِي وَسَطِ عَرَفَةَ، وَالنَّاسُ يَنْزِلُونَ حَوْلَهُ فِي قِطْعَةٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ، وَهِيَ مُتَّسِعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَات، وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حُدُودِهَا مَا يَلِي الْحَرَمَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَلِئَلَّا يُجَاوِزَهُ الْحَاجُّ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا بِالْأَعْلَامِ الَّتِي بُنِيَتْ، وَكَانَتْ ثَلَاثَةً فَسَقَطَ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَبَقِيَ اثْنَانِ مَكْتُوبٌ فِي أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ أَنْ يُجَاوِزَ هَذِهِ الْأَعْلَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ اُشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ تَرْجِيحُ الْوُقُوفِ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُونَ بِذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَيُوقِدُونَ الشَّمْعَ عَلَيْهِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ، وَيَهْتَمُّونَ بِاسْتِصْحَابِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ، وَيَخْتَلِطُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ فِي الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ وَجَهَالَةٌ، وَابْتِدَاعٌ قَبِيحٌ حَدَثَ بَعْدَ انْقِرَاضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ نَسْأَلُ اللَّهَ إزَالَتَهُ وَسَائِرَ الْبِدَعِ، وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ فَاسْتَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ، وَسَمَّاهُ جَبَلَ الدُّعَاءِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ انْتَهَى. (قُلْت:) ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى اسْتِحْبَابَ طُلُوعِهِ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُضُورِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُقُوفِ الْكَوْنُ بِعَرَفَةَ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ ذَلِكَ بِقِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ مَا عَدَا الْمُرُورَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ سَنَدٌ، وَلَا يَشْتَرِطُ أَحَدٌ فِي الْوُقُوفِ قِيَامًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْكَوْنُ بِعَرَفَةَ فَكَيْفَ مَا كَانَ أَجْزَأَهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ جَالِسًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، وَكَيْفَ مَا تَصَوَّرَ، وَقَالَ بَعْدَهُ: الْوَاجِبُ مِنْ الْوُقُوفِ الْكَوْنُ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ قَائِمًا إنْ كَانَ مَاشِيًا أَوْ يَرْكَبَ نَاقَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْوَقُورِ حَقِيقَتَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ الطُّمَأْنِينَةُ بِعَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا وَاقِفًا أَوْ جَالِسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مَا عَدَا الْمُرُورَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ الْوُقُوفَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ

الْأَحْوَالِ فِي حَقِّ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَالرُّكُوبُ لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الْأَكْثَرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُرَادُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الطُّمَأْنِينَةُ، وَلَوْ جَالِسًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُقُوفِ الْقِيَامَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فَالرَّاكِبُ بِغَيْرِهِ يُسَمَّى وَاقِفًا بَلْ الْمُرَادُ الطُّمَأْنِينَةُ بِعَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا وَاقِفًا أَوْ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا مَا عَدَا الْمُرُورَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ مَرَّ إنْ نَوَاهُ أَشَارَ بِهِ إلَى الْخِلَافِ فِي إجْزَاءِ الْمُرُورِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ يُجْزِئُ إذَا نَوَى بِهِ الْوُقُوفَ، وَيُرِيدُ إذَا عَرَّفَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدَ هَذَا إلَّا لِجَاهِلٍ، مَا ذَكَرَهُ مِنْ إجْزَاءِ الْمُرُورِ إذَا نَوَى بِهِ الْوُقُوفَ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلِابْنِ مُحْرِزٍ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ أَنَّهُ شَهَرَ إجْزَاءَ الْمُرُورِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَلَمْ يَنْوِ الْوُقُوفَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مُرُورُهُ إذَا عَرَفَهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْوُقُوفَ، وَإِنَّمَا يُجْزِئُ الْمُرُورَ إذَا عَرَفَهَا وَنَوَى الْوُقُوفَ، وَذَكَرَ اللَّهَ، وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ ابْنُ عَرَفَةَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِذَا قِيلَ: إنَّ الْمُرُورَ يُجْزِئُ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ (الثَّانِي:) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، وَلَمْ يَقِفْ لَيْلًا لَمْ يُجْزِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ: وَهِيَ قَوْلُهُ: عِنْدَنَا فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ لَيْلًا يُجْزِيهِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ زَمَنَ الْوُجُوبِ مُوَسَّعٌ، وَآخِرُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْدَئِهِ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَمَالِكٌ يَقُولُ: مِنْ الْغُرُوبِ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِنَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَاسْتَقْرَأَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ مَسَائِلَ، وَلَيْسَ اسْتِقْرَاؤُهُ بِالْبَيِّنِ فَلِذَلِكَ لَمْ نَنْقُلْهُ هُنَا نِعْمَ الْحَقُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، وَبِمَا وَرَدَ مِنْهَا، وَبِمَا هُوَ مِنْهَا مَعْمُولٌ بِهِ، وَجَرَى بِهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَفَتَاوِيهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ بِالنَّاسِ الْإِمَامُ الْمَالِكِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ الْمَالِكِيِّ يُفْسِدُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ حَجَّهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَإِنْ كَانَ مَالِكِيًّا لَمْ يَنْفِرْ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ (قُلْت:) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى طَلَبِ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ (الثَّالِثُ:) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمَ الْوُقُوفِ نَهَارًا، وَهُوَ وَاجِبٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَمَنْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَمَحِلُّهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ، وَلَوْ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ ذَكَرَ فَرَجَعَ وَوَقَفَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ: وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَدْفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مَغْلُوبًا فَهَلْ يُجْزِيهِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: نَفْيُ الْإِجْزَاءِ أَصْلُ الْمَذْهَبِ، وَثُبُوتُهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيّ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَالْقَوْلُ بِالْإِجْزَاءِ لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ فِي أَهْلِ الْمَوْسِمِ يَنْزِلُ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ سَنَةَ الْغُلُوِّ مِنْ هُرُوبِهِمْ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يُتِمُّوا الْوُقُوفَ أَنَّهُ يُجْزِيهِمْ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ سَنَدٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِنِيَّتِهِ الِانْصِرَافُ قَبْلَ الْغُرُوبِ (قُلْت:) فَعَلَى هَذَا مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ لِأَجْلِ الزَّحْمَةِ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِلسِّعَةِ وَيَقِفَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) إذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا قَالَ فِي الزَّاهِي: فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ

فرع قدم عرفات وهو نائم في محمله وأقام في نومه حتى دفع الناس وهو معهم

دَفَعَ الْإِمَامُ، وَدَفَعَ النَّاسُ فَلْيَتَّقِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا فَلْيَمْشِ الْعَنَقَ، فَإِنْ وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَالنَّصُّ فَوْقُ الْعَنَقِ انْتَهَى. ص (أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَكَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحَجِّ فَوَقَفَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَنَدٌ: لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يُبْطِلُ الْإِحْرَامَ، وَقَدْ دَخَلَ فِي نِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَوْ كَانَ بَعْد الزَّوَال أَجْزَأَهُ مِنْ بَاب الْأَوْلَى، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقِف بِهِ أَصْحَابُهُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْل، وَلَوْ دَفَعُوا بِهِ قَبْلَ الْغُرُوب لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ:، وَهُوَ ظَاهِر، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَجُزْأَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ، وَلَوْ اتَّصَلَ حَتَّى دَفَعَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ ثَانِيَةً إنْ أَفَاقَ فِي بَقِيَّةِ لَيْلَتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ فِي الْوُقُوفِ يَعْنِي بَعْدَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ، أَمَّا إنْ وَقَفَ بِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْد الزَّوَالِ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلِأَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهُ فِي الطِّرَازِ لِمَنْ ذُكِرَ وَلِابْنِ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي إجْزَاءِ مَنْ وَقَفَ بِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ ثَالِثهَا: إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَهُمَا لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ عَنْ رِوَايَةِ الْأَخَوَيْنِ وَابْنِ شَعْبَانَ مَعَ أَشْهَبَ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَقَلَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ (فَرْعٌ) : إذَا قُلْنَا: يُجْزِئُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْوُقُوفُ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا دَم عَلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم [فَرْعٌ قَدِمَ عَرَفَاتٍ وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَحْمَلِهِ وَأَقَامَ فِي نَوْمِهِ حَتَّى دَفَعَ النَّاسُ وَهُوَ مَعَهُمْ] (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ، وَلَوْ قَدِمَ عَرَفَاتٍ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَحْمَلِهِ وَأَقَامَ فِي نَوْمِهِ حَتَّى دَفَعَ النَّاسُ، وَهُوَ مَعَهُمْ أَجْزَأَهُ وُقُوفُهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ. [فَرْعٌ شَرِبَ مُسْكِرًا حَتَّى غَابَ عَقْلُهُ اخْتِيَارًا وَفَاته الْوُقُوف بعرفة] (فَرْعٌ) : مَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا حَتَّى غَابَ عَقْلُهُ اخْتِيَارًا أَوْ بِشَيْءٍ أَكَلَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَوْ أَطْعَمَهُ أَحَدٌ مَا أَسْكَرَهُ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارٌ فَهُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ كَالْجَاهِلِ بَلْ هُوَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ أَخْطَأَ الْحَجَّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَخْطَأَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْمَوْسِمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَجِّ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، فَإِنَّ وُقُوفَهُمْ يُجْزِئُهُمْ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فَقَطْ مِمَّا إذَا أَخْطَئُوا وَوَقَفُوا فِي الثَّامِنِ، فَإِنَّ وُقُوفَهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُجْزِيهِمْ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ فِي الصُّورَتَيْنِ حَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى التَّفْرِقَةِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الَّذِينَ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلُوا مَا تَعَبَّدَهُمْ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ دُونَ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الَّذِينَ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِمْ وَقَبُولِهِمْ شَهَادَةَ مِنْ لَا يُوثَقُ بِهِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ وَذَهَبَ ابْنُ الْكَاتِبِ إلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ مُتَّفِقٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِي الْعَاشِرِ (الثَّانِي:) عَزَا ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ نَقَلَ عَنْهُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ إذَا وَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ، فَإِذَا لَمْ يُجْزِهِمْ إذَا أَخَّرُوهُ فَأَحْرَى إذَا قَدَّمُوهُ، وَلَمْ يَعْزُ الْقَوْلَ بِالْإِجْزَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ إلَّا لِأَحَدِ قَوْلِي الشَّافِعِيِّ وَعَزَا الْقَوْلَ الثَّالِثَ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَزَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْإِجْزَاءَ فِي الثَّامِنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَاخْتَارَهُ (قُلْت:) وَعَلَيْهِ فَيُجْزِي فِي الْعَاشِرِ مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَيَكُونُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْعَاشِرِ دُونَ الثَّامِنِ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ أَصْبَغَ

وَإِنَّمَا هِيَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى بَلْ لَيْسَ لَأَصْبَغَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ سَمَاعٌ (الثَّالِثُ:) إذَا قُلْنَا: بِالْإِجْزَاءِ فِي الْعَاشِرِ، فَقَالَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ وَيَنْحَرُونَ مِنْ الْغَدِ، وَيَتَأَخَّرُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ يَوْمًا، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الْوُقُوفَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَا أَرَى أَنْ يُنْقِصُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَكُونُ حَالُهُمْ فِي شَأْنِهِمْ كُلِّهِ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُخْطِئْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ وُقُوفُهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ مَضَوْا عَلَى عَمَلِهِمْ وَيَتَأَخَّرُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ يَوْمًا انْتَهَى. (قُلْت:) مَا ذَكَرَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ أَنَّهُمْ يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ سَوَاءٌ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ قَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ قَبْلَ أَنْ يَقِفُوا لَمْ يَقِفُوا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِحَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَةَ وَالْوُقُوفُ بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ فَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ قَالَ فِي الْبَيَانِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ وُقُوفَهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ إذَا عَلِمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَهُمْ الْوُقُوفُ انْتَهَى. (الْخَامِسُ:) احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أَخْطَأَ الْجَمُّ مِمَّا إذَا أَخْطَأَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ فَلَمْ يَأْتُوهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَقَفَ النَّاسُ، فَإِنَّ الْحَجَّ فَاتَهُمْ وَيَتَحَلَّلُونَ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ (السَّادِسُ:) قَالَ سَنَدٌ: إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ وَرَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمْ لَزِمَهُمْ الْوُقُوفُ لِرُؤْيَتِهِمْ، كَمَا قُلْنَا فِي الصَّوْمِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لَا يُجْزِئُهُ، وَيَقِفُ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ الْعَاشِرِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظٍ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقِفَ مَعَ النَّاسِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى رُؤْيَتِهِ وَمَعَ النَّاسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحَجَّةِ وَحْدَهُ وَقَفَ وَحْدَهُ كَأَنْ لَمْ يَقْبَلْ فِيهِ، وَفِي الصَّوْمِ سَوَاءٌ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يَقِفُ لِرُؤْيَتِهِ وَيُعِيدُ الْوُقُوفَ مِنْ الْغَدِ مَعَ النَّاسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ: وَكَذَلِكَ إنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحَجَّةِ وَحْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ وَحْدَهُ دُونَ النَّاسِ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ حَجِّهِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَعَلَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُشَارَ إلَيْهِ هُوَ أَبُو عِمْرَانَ لَكِنَّهُ زَادَ ثُمَّ يُعِيدُ الْوُقُوفَ مَعَ النَّاسِ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ خَافَ مِنْ الِانْفِرَادِ؟ قَالَ: هَذَا لَا يَكَادُ يَنْزِلُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَبْدُ الْحَقِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَكُونُ كَالْمُحْصَرِ بَعْدُ وَيَحِلُّ ثُمَّ يُنْشِئُ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَعَ النَّاسِ وَيَحُجُّ مَعَهُمْ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ احْتِيَاطًا وَاسْتِحْسَانًا انْتَهَى. (قُلْت:) مَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا عَلَى رُؤْيَتِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا الْجَاهِلَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ جَاهِلًا بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا لِعَدَمِ اسْتِشْعَارِ الْقُرْبَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ عَزَاهُ لَهُ غَيْرُهُ وَعَزَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْهَرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِالنِّيَّةِ لَيْسَ شَرْطًا (قُلْت:) لَمْ يُصَرِّحْ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ مَالِكٍ الْإِجْزَاءَ: وَهُوَ أَبْيَنُ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْمُغْمَى

عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَنَّ الْجَاهِلَ مَعَهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّفْرِيطِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعْذُورٌ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ النَّائِمَ يُجْزِئُهُ وَجَعَلَ النَّوْمَ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَبَطْنِ عُرَنَةَ) ش: عُرَنَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَ الرَّاءِ نُونٌ، وَقَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهَا ضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِهِ: وَعُرَنَةُ الَّتِي يَجْتَنِبُ الْحَاجُّ الْوُقُوفَ فِيهِ هِيَ وَادٍ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا عَلَى حَدِّ عَرَفَةَ وَالْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا عَلَى حَدِّ الْحَرَمِ فَلَيْسَتْ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا مِنْ الْحَرَمِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَيْ وَذَكَرَ أَنَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ عَرَفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْهُ نَظَرٌ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ مَعَ كَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، هَلْ هُوَ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ مِنْ عُرَنَةَ، وَلَعَلَّ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ غَيْرُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. كَلَامُهُ، مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّنْظِيرِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِظْهَارِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَنَصُّهُ: وَاَلَّذِي حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ هُوَ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْمَغَارِبَةِ فِيمَنْ وَقَفَ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ ثُمَّ ذَكَرَ تَوَقُّفَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَقَفَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْجِدِ عَرَفَةَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا مِنْ الْحَرَمِ، وَلِلْخِلَافِ فِيهَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِهَا وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ لَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ بِهَا وَلَا يُجْزِئُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَمُقَابِلُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وَقَفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ حَجُّهُ تَامٌّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ وَنَحْوُهُ فِي الْجَلَّابِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَيُكْرَهُ الْوُقُوفُ بِهِ، وَمَنْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ قَالَ وَبَطْنُ عُرَنَةَ هُوَ الْمَسْجِدُ انْتَهَى. (قُلْت:) فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مُوَافِقًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْجَلَّابِ فَسَّرَ بَطْنَ عُرَنَةَ بِالْمَسْجِدِ، وَقَدْ حَكَى سَنَدٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ وَلَا يُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِهِ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْجِدِ عَرَفَةَ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْوُقُوفِ بِبَطْنِ عُرَنَةَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَعَزَاهُ لِنَقْلِ ابْنِ شَاسٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ: وَالْإِجْزَاءُ مَعَ الدَّمِ، وَعَزَاهُ لِأَبِي عُمَرَ عَنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَبِي مُصْعَبٍ مَعَ لَفْظِ الْجَلَّابِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَالثَّالِثُ: الْكَرَاهَةُ وَعَزَاهُ لِظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ الْجَلَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ (قُلْت:) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ فَسَّرَ بَطْنَ عُرَنَةَ بِالْمَسْجِدِ فَلَا يُعَدُّ ثَالِثًا، وَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهِ ص (وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وُقُوفُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَخَذَهَا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَلَّابِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَالِكًا وَقَفَ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ بِهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ مُزَيْنٍ بِالْإِجْزَاءِ، وَقَالَ أَصْبَغُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَيَكُونُ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ رَابِعًا، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ الْمَذْهَبِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيمَنْ وَقَفَ بِالْمَسْجِدِ: إنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيُرِيقُ دَمًا انْتَهَى. (قُلْت:) ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَلَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةُ وُجُوبَ الدَّمِ فِي الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ فِي مَسْجِدِ عَرَفَةَ فَيَكُونُ مَا حَكَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ قَوْلًا خَامِسًا فَيَتَحَصَّلُ فِي الْوُقُوفِ بِمَسْجِدِ عَرَفَةَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْإِجْزَاءُ وَعَدَمُهُ وَالْإِجْزَاءُ مَعَ الدَّمِ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالْوَقْفُ وَالْإِجْزَاءُ مَعَ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ. ص (وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَاءَ إلَى عَرَفَةَ فَذَكَرَ صَلَاةً مَنْسِيَّةً إنْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَإِنْ ذَهَبَ لِلْوُقُوفِ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ لِعِظَمِ أَمْرِهَا فِي الشَّرْعِ وَاسْتِحْقَاقِهَا لِلْوَقْتِ بِالذِّكْرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَرَفَةَ مَضَى إلَيْهَا وَوَقَفَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَيُصَلِّي، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِي إدْرَاكِ عَرَفَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا فَيُصَلِّي، وَإِنْ كَانَ آفَاقِيًّا فَيَمْضِي لِعَرَفَةَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ تُقَدَّمُ عَرَفَةَ مُطْلَقًا لِمَا فِي فَوَاتِ الْحَجِّ مِنْ الْمَشَاقِّ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: يُصَلِّي إيمَاءً كَالْمُسَايِفِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَنْسِيَّةٍ فَاتَتْهُ بَلْ، وَلَا مَنْ ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَاضِرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي إلَّا مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ نَقْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ يُونُسَ إلَّا قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْسِيَّةِ وَالْحَاضِرَةِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِمَا أَنَّهَا مَنْسِيَّةٌ، وَلَفْظُهُمَا سَوَاءٌ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَتَى قُرْبَ الْفَجْرِ، وَقَدْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلَوْ صَلَّاهَا لَطَلَعَ الْفَجْرُ وَفَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ جِبَالِ عَرَفَةَ وَقَفَ وَصَلَّى، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مَشَى إلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ وَصَلَّى انْتَهَى. ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَ تَقْدِيمَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُمَا انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت:) قَدْ نَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ (قُلْت:) إذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ تَجِدْ فِيهِ تَعْرِيضًا لِلْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ أَتَى قَبْلَ الْفَجْرِ، وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ إنْ اشْتَغَلَ بِهَا طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنَ عَبْدِ الْحُكْمِ وَاخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ قَالَ: قَاعِدَةٌ الْمُضَيَّقُ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا وُسِّعَ فِي تَأْخِيرِهِ، وَمَا وُسِّعَ فِيهِ فِي زَمَانٍ مَحْصُورٍ كَالصَّلَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا غَيَّاهُ بِالْعُمَرِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا رُتِّبَ عَلَى تَارِكِهِ الْقَتْلُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَتُقَدَّمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَجِّ إجْمَاعًا غَيْرَ أَنَّ فَضْلَ الصَّلَاةِ قَدْ عَرَضَ هَاهُنَا بِالدُّخُولِ فِي الْحَجِّ، وَمَا فِي فَوَاتِهِ مِنْ الْمَشَاقِّ فَأَمْكَنَ أَنْ يُلَاحِظَ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت:) فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لِلْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَجِّ إجْمَاعًا لِلْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَتَأَمَّلْهُ نَعَمْ ذَكَرَ فِي قَوَاعِدِهِ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحُكْمِ، وَقَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ إنَّهُ يُصَلِّي إيمَاءً كَالْمَسَايِفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَائِتَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ: فَذَكَرَ صَلَاةً، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَاخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَنْسِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَفَرَضَهَا ابْنُ بَشِيرٍ فِي ذَاكِرِ الْعِشَاءِ (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهَا صَلَاةٌ مَنْسِيَّةٌ خَرَجَ وَقْتُهَا الِاخْتِيَارِيُّ وَالضَّرُورِيُّ وَفَرَضَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا آخَرَ لَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ لِعِظَمِ قَدْرِهَا فِي الشَّرْعِ وَلِاسْتِحْقَاقِهَا الْوَقْتَ يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَجِّ مَعْلُومٌ قَطْعًا، فَإِذَا رَجَحَ الْجِنْسُ عَلَى الْجِنْسِ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي الشَّخْصِ عَلَى الشَّخْصِ، أَمَّا قَوْلُهُ: وَلِاسْتِحْقَاقِهَا الْوَقْتَ فَهُوَ جَيِّدٌ لَكِنْ عَلَى فَرْضِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ

ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي حَقِّ مَنْ تَذَّكَّر فَائِتَةً قَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا هَذَا الْوَقْتَ نَظَرٌ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ إنَّمَا يَظْهَرَانِ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ؛ إذْ يَبْعُدُ فِي حَقِّ الْمُسَايِفِ الْمُتَذَكِّرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَنْسِيَّةً أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَقْتِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ انْتَهَى. (قُلْت:) ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ إلَّا فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَرَافِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ فِي ضِيقٍ مِنْ الْوَقْتِ قَالَ: فَإِنَّهُ يَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ قَالَ: وَإِنْ ذَهَبَتْ دَابَّتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مَفَازَةٍ، وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى مَا قَالُوا فِي الْحَاجِّ يَصِلُ إلَى عَرَفَةَ قُرْبَ الْفَجْرِ، وَلَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَهُوَ إنْ مَضَى إلَى عَرَفَاتٍ وَتَرَكَ الصَّلَاةَ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ، وَإِنْ صَلَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَالْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ فَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي الْحَجِّ عَامًا قَابِلًا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ أَضْعَافًا، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَهُمَا فَرْضَانِ، وَقَدْ تَزَاحَمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَالْبُدَاءَةُ بِالْوُقُوفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ الَّتِي يَقْضِيهَا بِالْقُرْبِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْحَجِّ الَّذِي لَا يَقْضِيهِ إلَّا إلَى عَامٍ آخَرَ، وَلَعَلَّ الْمَنِيَّةَ تَخْتَرِمُهُ دُونَ ذَلِكَ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ بَعْدَ الْمِائَةِ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجّ مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ يُقَدِّمُ رَكْعَةً مِنْ الْعِشَاءِ عَلَى الْحَجِّ إذَا لَمْ يَبْقَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ لِلْعِشَاءِ أَوْ الْوُقُوفِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَفُوتُ الْحَجُّ وَيُصَلِّي وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ: يُقَدِّمُ الْحَجَّ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي، وَهُوَ يَمْشِي كَصَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ، وَالْحَقُّ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ، وَهِيَ فَوْرِيَّةٌ إجْمَاعًا انْتَهَى. وَقَبِلَهُ ابْن الشَّاطِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْحَاجِّ يَأْتِي مُرَاهَقًا لَيْلَةَ النَّحْرِ يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَذَّكَّرُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فَإِنْ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ فَاتَ الْوُقُوفُ، وَإِنْ وَقَفَ خَرَجَ وَقْتُ الْعِشَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ يُصَلِّي وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ وَالثَّانِي: عَكْسُهُ وَالثَّالِثُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حِجَازِيًّا فَيُقَدِّمُ الصَّلَاةَ أَوْ آفَاقِيًّا فَيُقَدِّمُ الْوُقُوفَ وَالرَّابِعُ: يُصَلِّي كَصَلَاةِ الْمُسَايِفِ وَالْمَشْهُورُ: الْأَوَّلُ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا، وَلَمْ يُشْهِرْ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَفَرَضَ ابْنُ مُعَلَّى الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً، وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ، وَفِي هَذَا تَخْلِيطٌ؛ لِأَنَّ الْقَرَافِيَّ إنَّمَا قَالَهُ فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَكَذَلِكَ التَّادَلِيُّ ذَكَرَ كَلَامَ الذَّخِيرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَالتَّحْرِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ (الثَّالِثُ:) إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ مَنْسِيَّةً خَرَجَ وَقْتُهَا عَلَى الْحَجِّ، كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ الْكَلَامُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فَقَدْ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ تَقْدِيمَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: الْوَجْهُ عِنْدِي: أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ بِالْإِحْرَامِ، وَهُوَ يُفَوِّتُ فِعْلَهُ، وَالصَّلَاةُ وَقْتُ قَضَائِهَا مُتَّسِعٌ، وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَقُولَ: الْحَجُّ الْمُتَعَيَّنُ أَوْلَى بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ

الْمَغْرِبَ وَيُعَجِّلَ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمْكَانِ إظْهَارًا لِمَزِيَّتِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى رُتْبَتِهِ دُونَ رُتْبَةِ الصَّلَاةِ وَلِمَا فِي قَضَائِهِ مِنْ كَبِيرِ الْمَضَرَّةِ حَتَّى رَاعَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ فَوَقَفَ النَّاسُ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَالُوا يَجْزِيهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ عَرَفَةَ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إنَّمَا تُقَدَّمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَهُمَا فَرْضَانِ تَزَاحَمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ (قُلْت:) وَقَوْلُهُ: إنَّهُمَا فَرْضَانِ تَزَاحَمَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ وَالتَّرَاخِيَ إنَّمَا يَنْظُرُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ أَمَّا بَعْد الدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ فَقَدْ صَارَ إتْمَامُهُ فَرْضًا عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا بَلْ لَوْ كَانَ تَطَوُّعًا وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَالْوَقْتُ مُسْتَحَقٌّ لِلْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ مَعًا، وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ فِي تَوْجِيهِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَلِاسْتِحْقَاقِهَا الْوَقْتَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ جَيِّدٌ عَلَى فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَاضِرَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ الْمُضَيَّقُ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا وُسِّعَ فِيهِ، وَالْمُوَسَّعُ فِيهِ فِي زَمَانٍ مَحْصُورٍ كَالصَّلَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا غَيَّاهُ بِالْعُمَرِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا رُتِّبَ عَلَى تَارِكِهِ الْقَتْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فِي الصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهَا عَلَى الْحَجِّ إلَّا كَوْنُهَا تَرَتَّبَ عَلَى تَارِكِهَا الْقَتْلُ، وَأَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَجَّ يُشَارِكُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَصَارَ مُضَيَّقًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ، وَالصَّلَاةُ الْحَاضِرَةُ تُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ لَكِنْ يَتَرَجَّحُ تَقْدِيمُ الْحَجِّ بِأَنَّ الشَّرْعَ يُرَاعِي ارْتِكَابَ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَبِأَنَّ مَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهُ إلَّا بِعُذْرٍ مِنْ بَعِيدٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى مَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ بِسُرْعَةٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَيُرَجِّحُ أَيْضًا تَقْدِيمَ الْحَجِّ أَنَّ الْقَرَافِيَّ قَرَّرَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنْ صَوْنَ الْأَمْوَالِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُقَدَّمُ صَوْنُ الْمَالِ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا رُفِعَ فِي ثَمَنِهِ عَلَى الْعَادَةِ عَلَى فِعْلِهِمَا، وَيُقَدَّمُ إسْقَاطُ وُجُوبِ الْحَجِّ إذَا خِيفَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ عَلَى إيجَابِ فِعْلِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي تَفْوِيتِهِ إتْلَافًا لِلْمَالِ الْمَصْرُوفِ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا. وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنِ يُونُسَ شَامِلٌ لِلْفَائِتَةِ وَالْحَاضِرَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدَّمَ الْحَجَّ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْمُزَاحَمَةِ وَوُجُودِ الضَّرُورَةِ أَعْنِي الْمَشَقَّةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَرَأَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ مَعَ الْبُعْدِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُزَاحَمَةُ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِي الْإِدْرَاكِ، وَرَأَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْمُرَجِّحَ إنَّمَا هِيَ الضَّرُورَةُ، وَهِيَ إنَّمَا تَحَقَّقُ فِي الْآفَاقِيِّ، وَغَيْرُهُ يُرَجِّحُ التَّقْدِيمَ بِغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَبِوُجُودِ مُطْلَقِ الضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) اعْتَرَضَ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي قَوْلِهِ: تُصَلِّي كَصَلَاةِ الْمُسَايِفِ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْأَصْلِ خَوْفُ إتْلَافِ النَّفْسِ، وَفِي الْفَرْعِ خَوْفُ إتْلَافِ الْمَالِ وَبِأَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى الرُّخَصِ، وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَسْفَارَ الشَّاقَّةَ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ يُخْشَى مَعَهَا عَلَى النَّفْسِ مَعَ ضَمِيمَةِ إتْلَافِ الْمَالِ فَفِي الْفَرْعِ مَا فِي الْأَصْلِ وَزِيَادَةٌ فَيَعُودُ إلَى قِيَاسِ الْأَحْرَى، وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الرُّخَصِ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ اجْتِهَادِيًّا فَلَا نُسَلِّمُ انْتَهَى. (قُلْت:) . وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ اعْتِرَاضَ ابْنِ بَشِيرٍ، وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ، وَلَا ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهَذَا تَسْلِيمٌ مِنْهُمْ أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَايَفَةِ إنَّمَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ، وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ اللُّصُوصِ، وَاللِّصُّ إنَّمَا يَطْلُبُ

الْمَالَ غَالِبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّخْمِيَّ قَالَ: يُقَدِّمُ الْحَجَّ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ كَلَامِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَأَرَى إنْ ذَكَرَ، وَقَدْ دَخَلَ أَوَائِلَ عَرَفَةَ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ الْمُرُورِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُخْتَلَفُ بِأَيِّ ذَلِكَ يَبْدَأُ. وَأَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَاحَمَ الْفَرْضَانِ فَيَبْدَأُ بِمَا يُدْرِكُهُ بِتَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ الْحَجُّ وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بِفَوْرِ الْوُقُوفِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهِ قُرْبَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَ بِهَا إلَّا لِعَامٍ، وَمِثْلُهُ لَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، وَكَانَ مَتَى اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ، فَإِنَّهُ يَتَمَادَى، وَيَقِفُ ثُمَّ يَقْضِي الصَّلَاةَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِإِجْزَاءِ الْمُرُورِ يَتَمَادَى، فَإِذَا دَخَلَ أَوَّلَ عَرَفَةَ صَلَّى وَأَجْزَأَهُ عَنْ الْوُقُوفِ انْتَهَى. أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ (قُلْت:) وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْوُقُوفُ بِمُكْثِهِ بِعَرَفَةَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ الْمُرُورِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُقُوفِ السُّكُونُ بِعَرَفَةَ وَالِاسْتِقْرَارُ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ مَا عَدَا الْمُرُورَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي حَقِّ هَذَا أَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْوِيَ مَعَ الصَّلَاةِ هُنَاكَ الْوُقُوفَ، فَيَسْقُطُ الْفَرْضَانِ مَعًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ انْتَهَى. (قُلْت:) وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِيهِ أَعْنِي كَوْنَ الْوُقُوفِ يَحْصُلُ بِمُكْثِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوفِ عَدَمُ تَحْرِيكِ الْأَعْضَاءِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْرَارُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَعَدَمُ الْمَشْيِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمُرُورِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (السَّادِسُ:) يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاسْتَقَرَّ بِهَا ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ بِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا أَجْزَأَهُ الْوُقُوفُ وَصَحَّ حَجُّهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ خُرُوجُهُ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ إذَا اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَالَ: إنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى عَرَفَةَ يُصَلِّيهَا، وَيَحْصُلُ لَهُ الْوُقُوفُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى خِلَافِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ، وَنَصُّهُ: الثَّالِثُ: مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَفُوتُ بِهَا الْحَجُّ مَنْ أَقَامَ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ وَقَفَ بِهَا أَوْ لَمْ يَقِفْ انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَلَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، وَهُوَ بِهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَنَصُّهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي: وَمَنْ أَدْرَكَ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ أَنْ يَقِفَ بِأَدْنَى مَوْضِعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْكَافَّةِ، وَقَدْ مَرَّ الْحَدِيثُ فِيهِ قَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ أَدْرَكَ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَوَّلِ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ عَرَفَةَ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ انْتَهَى. ص (وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ، وَلَا دَمَ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ شَرَعَ يَذْكُرُ السُّنَنَ وَالْمُسْتَحَبَّات الْمُتَعَلِّقَةَ بِكُلِّ رُكْنٍ فَبَدَأَ بِسُنَنِ الْإِحْرَامِ فَقَالَ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ فَالسُّنَّةُ فِي الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِقِرَانٍ أَوْ بِإِطْلَاقٍ أَوْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ غُسْلٍ مُتَّصِلٍ بِهِ قَالَ سَنَدٌ، وَيُؤْمَرُ بِهِ كُلُّ مَرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَاءُ سَقَطَ الْغُسْلُ، وَلَا يَتَيَمَّمُ مَكَانَهُ نَعَمْ إذَا كَانَ مُحْدِثًا، وَأَرَادَ الرُّكُوعَ لِلْإِحْرَامِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَحِقَتْهُ ضَرُورَةٌ مِنْ الْغُسْلِ مِثْلُ قِلَّةِ مَاءٍ أَوْ ضِيقِ وَقْتٍ أَوْ لِسَيْرِ رُفْقَةٍ أَوْ خَوْفِ كَشْفٍ لِلْمَرْأَةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْن فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: أَوْ خَوْفُ كَشْفٍ، وَلَمْ يَقُلْ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ سَقَطَ بِخَوْفِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مُطْلَقًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا، وَلَا نِسْيَانًا دَمٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا دَمَ قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَكِنْ أَسَاءَ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ فِي كِتَابِ الْأَنْوَارِ لَهُ

قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: قَالَ ابْنُ الْمُعَدَّلِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ لَازِمٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَرْكِهِ نِسْيَانًا أَوْ عَامِدًا دَمٌ، وَلَا فِدْيَةَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِمُسَاوَاةِ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ وَتَوَضَّأَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ، فَإِنْ بَعُدَ تَمَادَى، وَإِنْ قَرُبَ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ قَوْلَانِ: ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي كِتَابِهِ: وَمَنْ رَكَعَ لِلْإِحْرَامِ، وَسَارَ مِيلًا قَبْلَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَنَسِيَ الْغُسْلَ فَلْيَغْتَسِلْ ثُمَّ يَرْكَعْ ثُمَّ يُهِلَّ، وَإِذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ أَهَلَّ تَمَادَى، وَلَا غُسْلَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مُتَّصِلٌ أَيْ: بِالْإِحْرَامِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَحْرَمَ عَشِيَّتَهُ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَ غَدْوَةً وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الظُّهْرِ لَمْ يُجْزِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ عَنْ سَنَدٍ وَغَيْرِهِ حُكْمُ مَا إذَا أَرَادَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ تَأْخِيرَ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَطْهُرَ (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ جُنُبًا فَقَالَ سَنَدٌ: يَغْتَسِلُ لِجَنَابَتِهِ وَإِحْرَامِهِ، وَهَلْ يَكُونُ غُسْلًا وَاحِدًا يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ عَلَى مَا مَرَّ انْتَهَى. قَالَ التَّادَلِيُّ وَاغْتِسَالُهُ لِجَنَابَتِهِ وَإِحْرَامِهِ غُسْلًا وَاحِدًا يُجْزِئُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَا تَكَلَّمَ عَلَى سُنَنِ الْإِحْرَامِ إثْرَ الْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقَلِّمَ أَظَافِرَهُ، وَيُزِيلَ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ الشَّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ لَا شَعْرَ رَأْسِهِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ بَقَاؤُهُ طَلَبًا لِلشُّعْثِ فِي الْحَجِّ وَأَنْ يُلَبِّدَهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ فَهُوَ أَفْضَلُ لِيَقْتُلَ دَوَابَّهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَلَامِ غَيْرِهِ: إبَاحَةُ التَّلْبِيدِ لَا اسْتِحْبَابُهُ بِقَوْلِهِمْ: لَا بَأْسَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لِيَقْتُلَ دَوَابَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ فِي مَنَاسِكِهِ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ لِهَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ: وَتَمُوتُ دَوَابُّهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ وَسَيَأْتِي وَجْهُ إشْكَالِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ مُخَالِفٌ لِابْنِ بَشِيرٍ، وَاَلَّذِي فِيهِ لِتَقِلَّ دَوَابُّهُ مُضَارِعُ قَلَّ الشَّيْءُ يَقِلُّ مِنْ الْقِلَّةِ ضِدِّ الْكَثْرَةِ، وَكَذَا هُوَ فِي النَّوَادِرِ وَالطِّرَازِ، وَلَوْلَا مَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَنَاسِكِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَمُوتُ دَوَابُّهُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: صَحَّفَ الْكَاتِبُ قَوْلَهُ: لِتَقِلَّ بِلَفْظِ لِيَقْتُلَ، وَإِشْكَالُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ أَوْ شَاكًّا فِي حَمْلِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ التَّلْبِيدَ لَا يَقْتُلُ الْقَمْلَ فِي سَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا يَقْتُلُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَمَنْ قَتَلَ الْقَمْلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ. ص (وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ مِمَّنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونًا فَسَّرَا الْمَذْهَبَ فَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَدِينَةِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي بَلْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إجْزَاءُ غُسْلِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْغُسْلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) الْغُسْلُ بِالْمَدِينَةِ إنَّمَا يُنْدَبُ أَوْ يُرَخَّصُ فِيهِ لِمَنْ يَغْتَسِلُ بِهَا ثُمَّ يَذْهَبُ بِهَا إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُحْرِمُ بِهَا فَوْرَهُ أَوْ يُقِيمُ بِهَا قَلِيلًا لَا يَحْصُلُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْإِحْرَامِ تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ فَأَمَّا مَنْ يُقِيمُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَهَذَا لَا يُطْلَبُ بِالْغُسْلِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ، وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ (الثَّانِي:) مِنْ اغْتَسَلَ بِالْمَدِينَةِ فَيُرَاعَى فِي حَقِّهِ اتِّصَالُ غُسْلِهِ بِخُرُوجِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ فَوْرِهِ وَطَالَ تَأَخُّرُهُ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لِشُغْلٍ خَفَّ كَشَدِّ رَحْلِهِ وَإِصْلَاحِ بَعْضِ جِهَازِهِ أَجْزَأَهُ

قَالَ فِي الْأُمِّ: وَمَنْ اغْتَسَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ ثُمَّ مَضَى مِنْ فَوْرِهِ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَحْرَمَ أَجْزَأَهُ غُسْلُهُ، وَإِنْ اغْتَسَلَ بِهَا غَدْوَةً ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ ثُمَّ رَاحَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَحْرَمَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِالْمَدِينَةِ لِرَجُلٍ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَرْكَبُ مِنْ فَوْرِهِ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: نَعَمْ لَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ غُسْلِهِ فِي شَدِّ رَحْلِهِ وَإِصْلَاحِ بَعْضِ جِهَازِهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ كَانَ خَفِيفًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ اغْتَسَلَ غَدْوَةً وَتَأَخَّرَ خُرُوجُهُ لِلظُّهْرِ كَرِهْتُهُ، وَهَذَا طَوِيلٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجْتَرِئُ بِهِ، قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَأَنَّهُمْ رَاعَوْا هُنَا الِاتِّصَالَ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَرِهْتُهُ، وَهَذَا طَوِيلٌ فَقَوْلُهُ: وَهَذَا طَوِيلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَبُو الْحَسَنِ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) زَادَ الْبَرَاذِعِيُّ وَابْنُ يُونُسَ فِي اخْتِصَارَيْهِمَا بَعْدَ قَوْلِهِ: فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ، وَأَعَادَهُ فَأَعْطَى كَلَامُهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُ الْغُسْلَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي لَفْظَةَ: وَأَعَادَهُ فِي الْأُمِّ، كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ زَادَهَا الْبَرَاذِعِيُّ وَابْنُ يُونُسَ فِي اخْتِصَارَيْهِمَا بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَنَقَلَ الْبَرَاذِعِيّ وَالصَّقَلِّيُّ عَنْهَا إعَادَتَهُ لَيْسَ فِيهَا انْتَهَى. (قُلْت:) وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَالشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ فِي اخْتِصَارِهِمْ لِلْمُدَوَّنَةِ اللَّفْظَةَ الْمَذْكُورَةَ، بَلْ قَالَ سَنَدٌ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِذَا قُلْنَا: لَا يُجْزِئُهُ الْغُسْلُ، فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ اغْتَسَلَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَهَلَّ وَسَارَ فَهَلْ يَغْتَسِلُ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغُسْلِ بِالْمَدِينَةِ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : وَهَلْ يَتَجَرَّدُ بِالْمَدِينَةِ إذَا اغْتَسَلَ بِهَا قَالَ سَنَدٌ: مَنْ رَأَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ الْغُسْلَ بِالْمَدِينَةِ فَضِيلَةٌ جَعَلَ التَّجَرُّدَ مِنْ الثِّيَابِ بِهَا فَضِيلَةً، وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً جَعَلَ التَّجَرُّدَ أَيْضًا مِنْهَا رُخْصَةً (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا يُخْتَصُّ تَقْدِمَةُ الْغُسْلِ بِالْمَدِينَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمِيقَاتِ أَيِّ مِيقَاتٍ كَانَ، وَالْمِيقَاتُ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوِهَا، وَمِثْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَاغْتَسَلَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ فِي بَيْتِهِ أَسْتَرُ لَهُ، وَأَحْسَنُ وَأَمْكَنُ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ التَّنْعِيمِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ مَكَّةَ وَرُبَّمَا كَانَ غُسْلُهُ بِهَا أَوْلَى لِمَا ذُكِرَ فِي الطِّرَازِ مِنْ كَوْنِهِ أَسْتَرَ وَأَمْكَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِذِي طُوًى، وَلِلْوُقُوفِ) ش: وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِلْحُلَيْفِيِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لِلْوُقُوفِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ غُسْلَ دُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ، وَكَذَلِكَ الْوُقُوفُ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالْغُسْلُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْحَجِّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ لِإِحْرَامِهِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِرَوَاحِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ وَرُتْبَةُ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ مَالِكٌ: عِنْدَ مُحَمَّدٍ غُسْلُ الْإِحْرَامِ أَوْجَبُهَا، وَهُوَ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ فَالْغُسْلُ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْغُسْلِ لِبَعْضِهَا لِتَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِهَا فَالْغُسْلُ لَهُ سُنَّةٌ، وَلِغَيْرِهِ فَضِيلَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَغُسْلُ دُخُولِ مَكَّةَ وَوُقُوفِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَتَدَلَّكُ فِيهِ، وَلَكِنْ يَصُبُّ عَلَى نَفْسِهِ الْمَاءَ صَبًّا انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَالْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ يَتَدَلَّكُ فِيهِ، وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّهُ قَالَ فِي غُسْلِ عَرَفَةَ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: الِاغْتِسَالَاتُ كُلُّهَا سُنَّةٌ، وَقِيلَ: كُلُّهَا مُسْتَحَبَّةٌ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (غَيْرِ حَائِضٍ) يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ يُرِيدُ، وَلَا لِلنُّفَسَاءِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا هُوَ لِلطَّوَافِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِذَلِكَ لَوْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ أُمِرَ بِالْغُسْلِ بَعْدَ دُخُولِهِ، وَإِذَا اغْتَسَلَ لِدُخُولِهِ اكْتَفَى بِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ، وَقِيلَ: إنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَغُسْلُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقِيلَ: هُوَ لِلطَّوَافِ، وَقِيلَ: هُوَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَعَلَى أَنَّهُ لِلطَّوَافِ لَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَيُجْزِي الرَّجُلَ لِلدُّخُولِ وَلِلطَّوَافِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَاجِيُّ، وَعَلَى أَنَّهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بِذِي طُوًى، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَلَا يُجْتَزَأُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَنْ الْغُسْلِ لِلطَّوَافِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِلطَّوَافِ، وَهُوَ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ يَغْتَسِلَانِ لِدُخُولِ مَكَّةَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : وَيُطْلَبُ فِي الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالدُّخُولِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ بَاتَ خَارِجَ مَكَّةَ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، قَالَ سَنَدٌ: وَالِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ يُسْتَحَبُّ قَبْلَ دُخُولِهَا لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِقُدُومِهِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَاغْتَسَلَ بَعْدَ دُخُولِهِ فَوَاسِعٌ قَالَ مَالِكٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: وَلَا يَكُونُ غُسْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ إلَّا بِقُرْبِ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ لَا يَغْتَسِلُ الْيَوْمَ وَيَبِيتُ بِظَاهِرِهَا ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ غَدِهِ انْتَهَى. وَيُؤْمَرُ بِهِ كُلُّ مَنْ يُرِيدُ الطَّوَافَ، قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَغْتَسِلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: بِطُوًى يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لِغُسْلِ مَكَّةَ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِهَا لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِدُخُولِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ ذِي طُوًى بِالْقُرْبِ أَجْزَأَهُ وَذُو طُوًى تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَعَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ مَنْ أَتَى مَكَّةَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى اغْتَسَلَ بِقُرْبِهَا، قَالَ: وَوَاسِعٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي تَرْكِ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي مَكَّةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ (فَرْعٌ) : وَلَا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ، وَلَا فِي غُسْلِ عَرَفَةَ بَلْ يَكْتَفِي بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى مَا قَالَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَعَ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ تَبَعًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ مُعَلَّى وَيُطْلَبُ أَيْضًا فِي غُسْلِ عَرَفَةَ الِاتِّصَالُ، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يُجْزِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى حُكْمِ الِاغْتِسَالِ بِالْمَدِينَةِ: فَمَنْ اغْتَسَلَ غُدْوَةً، وَرَاحَ عِشَاءً لَمْ يَتَّصِلْ رَوَاحُهُ بِغُسْلِهِ فَلَمْ يُجْزِهِ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِوُقُوفِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلْيَنْظُرْ قَبْلَ رَوَاحِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَوَقْتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْوُقُوفُ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ الصَّلَاةَ بِالْوُقُوفِ انْتَهَى. وَيُطْلَبُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ حَتَّى الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ قَالَهُ سَنَدٌ وَالتَّادَلِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ خُصُوصِيَّةَ لُبْسِ مَا ذُكِرَ سُنَّةٌ، وَلَوْ لَبِسَ غَيْرَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ الْتَحَفَ فِي كِسَاءٍ أَوْ رِدَاءٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدُّ التَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ فِي سُنَنِ الْإِحْرَامِ، كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّجَرُّدَ وَاجِبٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُقَالُ: التَّجَرُّدُ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالتَّجَرُّدُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِأَنَّ التَّجَرُّدَ يَجِبُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَتَجَرَّدُ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ إذَا

تنبيه سوق الهدي

أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَتَجَرَّدَ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا وَاجِبَاتُهُ يَعْنِي الْإِحْرَامَ فَأَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَأَنْ يَتَجَرَّدَ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَقْتَ إرَادَتِهِ الْإِحْرَامَ، وَمِنْ كُلِّ مَا يَمْنَعُهُ فِي الْإِحْرَامِ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ انْتَهَى. ص (وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ ثُمَّ إشْعَارُهُ) ش يَعْنِي أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ، وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يُقَلِّدَهُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَتَجْرِيدِهِ ثُمَّ يُشْعِرُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي حَيْثُ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ مُقَدَّمَانِ عَلَى الرُّكُوعِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الرُّكُوعَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ لِخَلِيلٍ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ إنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ وَإِشْعَارَهُ لَيْسَ سُنَّةً إلَّا فِيمَا سَاقَهُ مِنْ الْهَدَايَا لَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ وَنَصُّهُ: لَمَّا كَانَ التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ مِنْ سُنَّةِ الْهَدْيِ ذَكَرَهُ مَعَهُ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ إلَّا فِيمَا سَاقَهُ الْمُحْرِمُ لَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَ مَنَاسِكِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى الْإِحْرَامِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْهَدْيُ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَيُقَالُ: بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَأَصْلُهُ التَّشْدِيدُ وَالْوَاحِدَةُ هَدِيَّةٌ وَهَدْيَةٌ انْتَهَى. [تَنْبِيه سَوْقَ الْهَدْيِ] (تَنْبِيهٌ:) قَدْ يُسْتَرْوَحُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ سُنَّةٌ وَصَرَّحَ بِهِ فِي مَنَاسِكِهِ فَقَالَ: وَسِيَاقَةُ الْهَدْيِ سُنَّةٌ لِمَنْ حَجَّ، وَقَدْ غَفَلَ النَّاسُ عَنْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ الْهَدْيِ: الْهَدْيُ مَشْرُوعٌ فِي الْحَجِّ وَمَشْرُوعٌ فِي الْعُمْرَةِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْهَدْيِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ: إنَّ الْهَدْيَ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ ضَعِيفٌ، قَالَ: وَقَدْ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فِي تَشْبِيهِهِ الْهَدْيَ بِالْغُسْلِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ أَلَيْسَ سُنَّتُهُمْ الضَّحِيَّةَ؟ وَإِنَّمَا سُنَّتُهُمْ الْهَدْيُ، وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي مُنْتَقَاهُ إنَّ الْهَدْيَ تَبَعٌ لِلنُّسُكِ، وَمِنْ سُنَنِهِ انْتَهَى. ، وَنَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي كَلَامِ سَنَدٍ وَكَلَامِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ، وَنَصُّهُ: قَالَ سَنَدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّ الْهَدْيَ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَبَرُّعًا، وَقَالَ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ دُونَ السُّنَّةِ وَيُسَمُّونَهُ فَضِيلَةً، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ، مَا قَالَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّ الْهَدْيَ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ ضَعِيفٌ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ بِلَفْظِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ رَكْعَتَانِ) ش ظَاهِرُهُ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ بِخُصُوصِهِمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ الرُّكُوعُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، كَمَا قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: الثَّالِثَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمُسْتَحَبُّ إحْرَامُهُ بِإِثْرِ النَّافِلَةِ، وَلَا حَدَّ لِتَنَفُّلِهِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ تَحْرِيرُ أَبِي مُحَمَّدٍ لَمَّا ذَكَرَ رُكُوعَ الْحَجِّ، فَقَالَ: رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُشْتَهَرْ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، كَمَا اُشْتُهِرَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا عَقِبَ الطَّوَافِ فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ: رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، كَمَا قَالَ: رَكْعَتَا الطَّوَافِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ حَسَنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْفَرْضُ مُجْزِئٌ) ش يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ عَقِبَ الْفَرْضِ مُجْزِئٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ فِي التَّوْضِيحِ: السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُحْرِمَ إثْرَ صَلَاةٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ نَافِلَةً لِيَكُونَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَيَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ: يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ: فَإِنْ اتَّفَقَ فَرْضٌ أَجْزَأَ، وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ: أَنَّهُ لَا رُجْحَانَ لِلنَّافِلَةِ انْتَهَى. فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ الْفَرِيضَةِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (يَحْرُمُ إذَا اسْتَوَى وَالْمَاشِي إذَا مَشَى) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ قَائِمَةً أَحْرَمَ، وَإِنْ

رَكِبَهَا قَائِمَةً فَحِينَ يَسْتَوِي عَلَيْهَا انْتَهَى. ص (وَتَلْبِيَةٌ) ش يَعْنِي أَنَّ إيصَالَ التَّلْبِيَةِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ سُنَّةٌ، وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ فِي نَفْسِهَا فَوَاجِبَةٌ، وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ زَمَنٌ طَوِيلٌ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّلْقِينِ لَمَّا عَدَّ سُنَنَ الْإِحْرَامِ: وَيُهِلُّ بِالتَّلْبِيَةِ حِينَ اعْتِقَادِ الْإِحْرَامِ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِهَا بِشَيْءٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى التَّلْبِيَةِ، وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ تَكُونَ نَسَقًا لَا يَتَخَلَّلُهَا كَلَامٌ غَيْرُهَا كَالْأَذَانِ، فَإِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرُدُّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ فَيَرُدُّ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا عَدُّهُ التَّلْبِيَةَ فِي سُنَنِ الْإِحْرَامِ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا عَدَّ فِي الْجَوَاهِرِ سُنَنَ الْإِحْرَامِ عَدَّهُ فِيهَا تَجْدِيدَ التَّلْبِيَةِ لَا التَّلْبِيَةَ نَفْسَهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الْمَنَاسِكِ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: التَّلْبِيَةُ هِيَ الْإِجَابَةُ وَالْقَصْدُ وَالْإِخْلَاصُ قَالَ: وَتَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْكُلِّ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيُلَبِّي الْأَعْجَمِيُّ بِلِسَانِهِ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِفْظِ التَّلْبِيَةِ فَهَلْ يَكْفِي التَّكْبِيرُ وَنَحْوُهُ أَوْ كَالْعَدَمِ وَتُلَبِّي الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ كَغَيْرِهِمَا انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِسَنَدٍ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَأَصْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَالْأَعْجَمِيُّ يُلَبِّي بِلِسَانِهِ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: وَيَفْعَلُهُ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا لَبَّى بِهِ نَفْسَهُ فِي الشَّرْعِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْأَعْجَمِيُّ التَّلْبِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ يُعَلِّمُهُ لَبَّى بِلِسَانِهِ انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ التَّلْبِيَةِ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَوْلُهُ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُلَبِّيَ مَنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ وَرَآهُ خُرْقًا لِمَنْ فَعَلَهُ قِيلَ: الَّذِي كَرِهَهُ مَالِكٌ إنَّمَا هُوَ تَلْبِيَةُ الْحَجِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دَعَاهُ لَبَّيْكَ فَلَا كَرَاهَةَ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَزَالُوا يُلَبُّونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ» ، وَأَمَّا تَلْبِيَةُ الْحَجِّ فَتُكْرَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا إلَّا لِرَاوِيَةٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ مُتَعَلِّمٍ وَالْخُرْقُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْحُمْقُ، وَسَخَافَةُ الْعَقْلِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ، وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جَوَابَ الرَّجُلِ لِمَنْ نَادَاهُ بِلَبَّيْكَ أَنَّهُ مِنْ السَّفَهِ، وَأَنَّهُ جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِكَوْنِ الصَّحَابَةِ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَهُمْ انْتَهَى. فَانْظُرْ مَا قَالَهُ مَعَ كَلَامِ ابْنِ هَارُونَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ هَارُونَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فَيَتَّفِقُ كَلَامُهُمَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الشِّفَاءِ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ نَادَى رَجُلًا بِاسْمِهِ فَأَجَابَهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ قَالَ: إنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ سَفَهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ: وَالْجَاهِلُ يُزْجَرُ وَيُعَلَّمُ، وَالسَّفِيهُ يُؤَدَّبُ، وَلَوْ قَالَهَا عَلَى اعْتِقَادِ إنْزَالِهِ مَنْزِلَةَ رَبِّهِ كَفَرَ هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ:) قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ قَبْلَ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: قَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يُحْرِمُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَإِنْ انْتَهَى إلَيْهَا أَحْرَمَ، وَكَانَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا إلَّا بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ انْتَهَى. ص (وَخَلْفَ صَلَاةٍ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُرِيدُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمَا. ص (وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ خِلَافٌ) ش فَلَا يُلَبِّي إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ (فَرْعٌ) : اُنْظُرْ لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَقَطَعَ الطَّوَافَ لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى، هَلْ يُلَبِّي بَعْدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ؟ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ فِيهِ نَصًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ

تُرِكَتْ أَوَّلَهُ فَدَمٌ إنْ طَالَ) ش وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ تُرِكَتْ أَوَّلَهُ أَنَّهُ إذَا بَنَى فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ نَاسِيًا لِلتَّلْبِيَةِ مِنْ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَانَ بِنِيَّتِهِ مُحْرِمًا، وَإِنْ ذَكَرَ مِنْ قَرِيبٍ لَبَّى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ بِهِ أَوْ نَسِيَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ فَلْيُهْرِقْ دَمًا، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى التَّلْبِيَةِ بَعْدَ الطُّولِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ لَبَّى أَوَّلَ إحْرَامِهِ ثُمَّ تَرَكَ التَّلْبِيَةَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فَهَذَا لَا دَمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: لَوْ ابْتَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ تَرَكَ أَوْ كَبَّرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ، وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ فَقَالَ: وَإِنْ قَالَ مِنْهَا، وَلَوْ مَرَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَيُجْزِئُ مِنْهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تُرِكَتْ فِي جَمِيعِهِ فَدَمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَأَقَلُّهَا مَرَّةٌ، فَإِنْ تَرَكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَالْهَدْيُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا فِي مَنَاسِكِهِ وَشَهَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَ الدَّمِ، وَنَصُّهُ فَإِنْ لَبَّى حِينَ أَحْرَمَ وَتَرَكَ فَفِي الدَّمِ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يُعَوِّضْهَا بِتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ لِلْمَشْهُورِ وَكِتَابُ مُحَمَّدٍ وَاللَّخْمِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ ابْتَدَأَهَا، وَلَمْ يُعِدْهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ فِي أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ) ش يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهَا، فَإِنَّهُ يُلَبِّي حِينَئِذٍ ثُمَّ يَقْطَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: إنَّهُ يُلَبِّي إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ص (وَلِلطَّوَافِ الْمَشْيُ) ش قَالَ سَنَدٌ: لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاشِرَهَا الْمَرْءُ بِنَفْسِهِ وَيَفْعَلَهَا، وَفِعْلُ الْمَحْمُولِ إنَّمَا هُوَ لِلْحَامِلِ فَلَا يُطَافُ بِأَحَدٍ مَحْمُولًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَهُوَ أَثْقَلُ مِنْ الرَّاكِبِ عَلَى بَعِيرٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ مَنْسُوبٌ إلَى رَاكِبِهَا وَبِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي فِعْلِ الْحَامِلِ، فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ لِلْحَامِلِ لَا إلَى الْمَحْمُولِ انْتَهَى. أَوَّلُهُ بِالْمَعْنَى وَآخِرُهُ بِاللَّفْظِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي عَدِّ الْمَشْيِ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ، وَقَدْ نَاقَشَهُ فِي ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ: لَعَلَّ مَنْ يَرَى وُجُوبَ الدَّمِ فِيهِ يَقُولُ: إنَّهُ وَاجِبٌ انْتَهَى. (قُلْت:) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُوبِ فَهُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُجْبَرَةِ بِالدَّمِ وَأَدْخَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي السُّنَنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَشْيِ فِي السَّعْيِ، وَحُكْمُ الرُّكُوبِ فِيهِ حُكْمُ الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ وَفِيهَا: لَا يَسْعَى رَاكِبٌ لِغَيْرِ عُذْرٍ انْتَهَى، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ ص (وَالْإِقْدَامُ لِقَادِرٍ لَمْ يَعُدَّهُ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: احْتَرَزَ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: قَادِرًا مِمَّا لَوْ رَكِبَ

لِعَجْزٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَاجِيُّ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَكْفِي الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ الْمَشْيُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَيَجُوزُ الرُّكُوبُ لِمَنْ لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ وَلِمَالِكٍ فِي الْكَعْبَةِ وَحْدَهَا قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْكِبَرُ عُذْرٌ فِي الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّعْيِ وَنَصُّهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: الْكِبَرُ عُذْرٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَاحِدٌ انْتَهَى. (فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ: اُنْظُرْ لَوْ رَكِبَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ جَمِيعًا، هَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ هَدْيَانِ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الرَّمْيَ وَمَبِيتَ مِنًى؟ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) لَا فَرْقَ فِي الرُّكُوبِ أَنْ يَكُونَ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ عَلَى آدَمِيٍّ قَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ طَافَ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا قَالَ سَحْنُونٌ: يُرِيدُ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ إنْ نَزَلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ رُكُوبِهِ عَلَى دَابَّتِهِ، وَعَلَى رَجُلٍ انْتَهَى. (الثَّالِثُ:) قَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ الْبَاجِيُّ، وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا بَعِيرًا مِنْ غَيْرِ الْجَلَّالَةِ لِطَهَارَةِ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ وَنَصُّهُ: وَالْعَاجِزُ قَالَ سَحْنُونٌ: يُحْمَلُ، وَلَا يَرْكَبُ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْبَاجِيُّ لَهُ رُكُوبُ طَاهِرِ الْفَضْلَةِ انْتَهَى. ص (وَفِي الصَّوْتِ قَوْلَانِ) ش قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَفِي كَرَاهَتِهِ التَّصْوِيتَ بِالتَّقْبِيلِ قَوْلَانِ وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْجَوَازَ وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ، وَتَمْرِيغَ الْوَجْهِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَكَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُهُ إذَا خَلَا بِهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ أَنَّ الشَّيْخَ مُحِبَّ الدِّينِ الطَّبَرِيَّ جَاءَهُ مُسْتَفْتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ، وَقَالَ لَهُ: عَلِّمْنِي السُّنَّةَ فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ يَعْنِي أَبِصَوْتٍ أَوْ دُونَهُ فَذَكَرَ لَهُ التَّقْبِيلَ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ فَأَطْرَقَ الشَّيْخُ ثُمَّ ارْتَجَلَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَقَالُوا إذَا قَبَّلْتَ وَجْنَةَ مَنْ تَهْوَى ... فَلَا تُسْمِعَنَّ صَوْتًا وَلَا تُعْلِنِ النَّجْوَى فَقُلْتُ وَمَنْ يَمْلِكْ شِفَاهًا مُشَوِّقَةً ... إذَا ظَفِرَتْ يَوْمًا بِغَايَاتِهَا الْقُصْوَى وَهَلْ يَشْفِيَ التَّقْبِيلُ إلَّا مُصَوِّتًا ... وَهَلْ يُبْرِدُ الْأَحْشَا سِوَى الْجَهْرِ بِالشَّكْوَى قَالَ هَكَذَا قَالَ: وَهَلْ يَشْفِي؟ مُحَرَّكُ الْيَاءِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بَلْ نَقُولُ: وَهَلْ يُبْرِئُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ ثُمَّ عَوْدٌ وَوَضَعَهَا عَلَى فِيهِ ثُمَّ كَبَّرَ) ش: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: ثُمَّ كَبَّرَ: أَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِلَامِ بِالْفَمِ وَالْيَدِ وَالْعَوْدِ، وَأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِلَامِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِ ظَاهِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِلَامِ اعْتِمَادًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ التَّهْذِيبِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا لَمَسَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ ثُمَّ يَمْضِي، وَلَا يَقِفُ وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ أَوْ تَرَكَ، وَلَا يُقَبِّلُ الْيَمَانِيَ بِفِيهِ، وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ لِزِحَامٍ كَبَّرَ، وَمَضَى انْتَهَى. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَفِي التَّهْذِيبِ نَفْسِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَوَاسِعٌ إنْ شَاءَ اسْتَلَمَ أَوْ تَرَكَ، وَلَا يَدَعْ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا حَاذَاهُمَا فِي طَوَافٍ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ انْتَهَى. وَفِي الرِّسَالَةِ: وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كُلَّ مَا مَرَّ بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا وَيُكَبِّرُ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَلَا يَدَعُ التَّكْبِيرَ فِيهِمَا اسْتَلَمَ أَمْ لَا انْتَهَى. ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُقَبِّلُ الْيَمَانِيَ بِفِيهِ فِي الْأُمَّهَاتِ قِيلَ لَهُ: هَلْ يُكَبِّرُ إذَا اسْتَلَمَ

الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ بِيَدِهِ، أَوْ إنَّمَا هُوَ إذَا اسْتَلَمَهُ بِفِيهِ؟ قَالَ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) فَإِذَا قُلْنَا: يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِلَامِ فَهَلْ التَّكْبِيرُ قَبْلَ الِاسْتِلَامِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ إلَّا قَوْلَ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ إذَا تَقَدَّمَتْ لِلطَّوَافِ فَاسْتَقْبِلْ الْحَجَرَ وَكَبِّرْ ثُمَّ قَبِّلْهُ بِفِيكَ انْتَهَى. فَظَاهِرُ عَطْفِهِ التَّقْبِيلَ بِثُمَّ عَلَى التَّكْبِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّقْبِيلَ عَقِبَ التَّكْبِيرِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ صَرِيحَهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّقْبِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَصِلْ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ ثُمَّ مَضَى يَطُوفُ، وَلَا يَقِفُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهَا أَنَّ التَّقْبِيلَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّكْبِيرِ مَا فَهِمَهُ سَيِّدِي خَلِيلٌ مِنْهَا مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّقْبِيلِ بِالْيَدِ أَوْ بِالْفَمِ، وَلَوْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهَا أَنَّ التَّكْبِيرَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى التَّقْبِيلِ لَمَا وَقَعَ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) قَالَ فِي الطِّرَازِ مَسْأَلَةٌ مَنْ قَالَ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَلْمِسَ الرُّكْنَ: قَالَ مَالِكٌ يُكَبِّرُ وَيَمْضِي، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشِيرُ بِيَدِهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مَنَاسِكِ ابْنِ فَرْحُونٍ أَوَّلَ الْكَلَامَ عَلَى الطَّوَافِ، وَلَا تُشِيرُ إلَيْهِ بِيَدِكَ انْتَهَى. قَالَ أَيْضًا فِي سُنَنِ الطَّوَافِ: وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنَاسِكِهِ: فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْحَجَرِ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَيْ: لَا يُشِيرُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّكْبِيرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ هُوَ فِي قَوَاعِدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالدُّعَاءُ بِلَا حَدٍّ) ش قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَهِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَلَا يَقْرَأُ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ أَفْضَلَ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الطَّوَافِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلِيُسِرَّ الْقِرَاءَةَ لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ عَنْ الذِّكْرِ انْتَهَى. ص (وَلَوْ مَرِيضًا وَصَبِيًّا حُمِلَا) ش قَالَ التَّادَلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَرْكَبُ فِي السَّعْيِ، وَأَنَّهُ رَمَلَ فِيهِ؟ قُلْنَا: رَمَلَ بِزِيَادَةِ تَحْرِيكِ دَابَّتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَكِبَ فِي حَجِّهِ وَمَشَى فِي عُمْرَتِهِ وَبِالْعَكْسِ انْتَهَى. قَالَ التَّادَلِيُّ: وَقَفَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَلَى أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا سَعَى رَاكِبًا يَرْمُلُ بِتَحْرِيكِ دَابَّتِهِ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا نَصَّ عَلَيْهِ إلَّا مَا يُسْتَقْرَأُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ وَيُؤَيِّدُهُ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لَكِنْ لِلرَّاكِبِ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَلِلْمَاشِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. ، وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ نَصَّ سَنَدٌ عَلَى أَنَّ الرَّاكِبَ فِي الطَّوَافِ يَخُبُّ بِدَابَّتِهِ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا لَمْ يَخُبَّ دَابَّتَهُ فِي الْأَشْوَاطِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَحْمُولَ لَا يُخَبُّ بِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَخُبُّ الْحَامِلُ بِالْمَحْمُولِ يَخُبُّ الرَّاكِبُ بِدَابَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الدَّابَّةَ يَخُبُّ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَخُبَّ بِالْمَحْمُولِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ زُوحِمَ فِي الرَّمَلِ فَلَمْ يَجِدْ مَسْلَكًا رَمَلَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ قَالَ سَنَدٌ: يُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفٍ الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ هُوَ الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ الْبَيْتِ زِحَامٌ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْمُلَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ قَلِيلًا وَجَدَ فُرْجَةً تَرَبَّصَ، فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً رَمَلَ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِفُرْجَةٍ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ إلَى حَاشِيَةِ النَّاسِ أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ فَلْيَتَأَخَّرْ، وَرَمَلُهُ مَعَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قُرْبِهِ بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ رَمَلٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّأْخِيرُ أَوْ كَانَ لَيْسَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ فُرْجَةٌ، فَإِنَّهُ يَمْشِي وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الرَّمَلِ انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ إذَا زُوحِمَ فِي الرَّمَلِ فَلَمْ يَجِدْ مَسْلَكًا إنَّمَا يَرْمُلُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي مَوْضِعِهِ فَلَيْسَ يُؤْمَرُ أَنْ يَتَحَرَّكَ إذَا لَمْ يُطِقْ الْمَشْيَ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ لَا يُحَرِّكُ مَنْكِبَيْهِ فِي الرَّمَلِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : نَقَلَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الطَّوَافُ مَعَ الِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءٍ. ص (وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ) ش قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يَسْتَلِمُهُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِلَامَ آكَدُ مِنْ الِاسْتِلَامِ فِي الشَّوْطِ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلسَّعْيِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ثُمَّ يَخْرُجُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. (قُلْت:) نَصَّ عَلَى تَقْبِيلِهِ بَعْدَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَدُعَاءٍ بِالْمُلْتَزَمِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ سَعْيَهُ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَنْزِلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: وَذَلِكَ: أَنَّ الطَّوَافَ إذَا اتَّصَلَ بِالسَّعْيِ وَقَعَ الِاسْتِلَامُ فِي أَضْعَافِ الْعِبَادَةِ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهَا، وَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالطَّوَافِ سَعْيٌ وَفَرَغَ حُكْمُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ رُكُوعِهِ فَيَكُونُ الِاسْتِلَامُ بَعْدَهُ عَلَى حُكْمِهِ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ مَنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ طَافَ وَرَكَعَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ فَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ ثُمَّ يَمُرَّ بِزَمْزَمَ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَدْعُوَ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ وَيَنْوِيَ بِشُرْبِهِ مَا أَرَادَ، فَإِنَّ مَاءَ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَقَدْ جُرِّبَتْ بَرَكَتَهُ وَيَخْرُجَ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْهَا، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْيَوْمَ بِبَابِ الصَّفَا؛ لِأَنَّهَا تُقَابِلُهُ انْتَهَى. فَأَوَّلُ كَلَامِهِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي: أَنَّ تَقْبِيلَهُ بَعْدَ رُكُوعِ كُلِّ طَوَافٍ مَطْلُوبٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَيَخْرُجَ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ عِنْدَ مَالِكٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ إنَّمَا مَقْصُودُهُ الْكَلَامُ عَلَى الطَّوَافِ الَّذِي بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الْأَخْضَرَيْنِ) ش هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُمْ يَعْنُونَ الْمِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى الْمَرْوَةِ أَوَّلُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ مَنَارَةِ بَابِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي: بَعْدَهُ قُبَالَةَ رِبَاطِ الْعَبَّاسِ وَالْأَمْيَالُ أَرْبَعَةٌ الْمِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ وَمِيلَانِ آخَرَانِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ فِي مُقَابَلَةِ الْمِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (تَنْبِيهٌ:) مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَبَبِ فِي السَّعْيِ مِنْ عِنْدِ الْمِيلِ الَّذِي فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا نَزَلَ السَّاعِي مِنْ الصَّفَا مَشَى حَتَّى يَأْتِيَ الْوَادِيَ، فَإِذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا جَيِّدًا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ فَيَتْرُكَ الرَّمَلَ وَيَمْشِيَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَرْوَةَ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيَّة، وَقَالَ: لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِانْصِبَابِ فِي بَطْنِ الْوَادِي قَالَ: وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ الْمِيلَ كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى بِنَاءٍ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي شُرِعَ مِنْهُ ابْتِدَاءُ السَّعْيِ فَكَانَ السَّيْلُ يَهْدِمُهُ وَيُحَطِّمُهُ فَرَفَعُوهُ إلَى أَعْلَى رُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَجِدُوا عَلَى السُّنَنِ أَقْرَبَ مِنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ فَوَقَعَ مُتَأَخِّرًا عَنْ مَحَلِّ مُبْتَدَأِ السَّعْيِ انْتَهَى. ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَوْ وُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ) ش أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ

فِي النَّقْلِ فَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وُجُوبَهُمَا مُطْلَقًا وَعَبْدُ الْوَهَّابِ سُنِّيَّتَهُمَا مُطْلَقًا وَالْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الطَّوَافِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَهَذَا الثَّالِثُ: هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَقَالَ سَنَدٌ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا رُكْنًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ تُجْبَرَانِ بِالدَّمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الطَّوَافِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِمَا ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ حُكْمُ الطَّوَافِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُمَا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَيَجِبَانِ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ وَالْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ رَكْعَتِي الطَّوَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَا كَالْإِحْرَامِ بِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْهُ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَزَادَ فَقَدْ رَوَى جَابِرٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طَافَ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] انْتَهَى. وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقِرَاءَةُ عَلَى خِلَافِ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَالثَّانِي: تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِالْمَقَامِ) ش الْمُرَادُ بِهِ: مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَى نَبِيّنَا، وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَأَخَّرَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا حَيْثُ كَانَ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِمَكَّةَ، كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَرْكَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْأَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ الشَّيْخ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا بِالْإِخْلَاصِ وَالْكَافِرُونَ وَخَلْفَ الْمَقَامِ فِي كُلِّ طَوَافٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَبْدُوسٍ: يَرْكَعُهُمَا لِطَوَافِهِ أَوَّلَ دُخُولِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: فِي كُلِّ طَوَافٍ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَحَيْثُ يَتَيَسَّرُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَا خَلَا الْحَجَرَ زَادَ غَيْرُهُ، وَالْبَيْتَ وَظُهْرَهُ انْتَهَى. وَقَالَ التَّادَلِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ للشَّارْمَساحِيِّ: يَجُوزُ أَنْ يَرْكَعَهُمَا حَيْثُ شَاءَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَعَلَى ظَهْرِهِ وَبَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ قَالَ أَبُو طَاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: فَإِنْ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِمَا فِي الْمَذْهَبِ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى. كَلَامُ التَّادَلِيِّ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ لَا يَرْكَعُهُمَا فِي الْحِجْرِ، فَإِنْ رَكَعَهُمَا فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَكَعَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَيُخْتَلَفُ فِي إعَادَتِهِمَا مَا دَامَ بِمَكَّةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ فِي الْبَيْتِ قِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ: أَبَدًا، وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ، وَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ رَكَعَهُمَا هُنَاكَ وَيُخْتَلَفُ، هَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؟ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي بَابِ اسْتِلَامِ الْأَرْكَانِ: وَلَا يَرْكَعُ فِي الْحِجْرِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، فَإِنْ فَعَلَ، وَكَانَ بِالْقُرْبِ أَعَادَهُمَا، وَإِنْ بَعُدَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالرُّكُوعَ وَالسَّعْيَ مَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَإِنْ بَعُدَ أَجْزَأَتَاهُ، وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ كَمَنْ لَمْ يَرْكَعْهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ كَفَرِيضَةٍ صُلِّيَتْ بِثَوْبٍ نَجِسٍ إنَّ الْوَقْتَ إذَا ذَهَبَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ: فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، هَلْ يَرْكَعُهُمَا فِي الْحِجْرِ انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَمَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ فِي الْحِجْرِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ رَكَعَ فِيهِ الرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ أَعَادَ وَاسْتَأْنَفَ مَا كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَكَعَهُمَا وَبَعَثَ بِهَدْيٍ ابْنُ يُونُسَ جَعَلَهُ فِي الْفَرِيضَةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا لَا يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ إذَا بَلَغَ لِبَلَدِهِ لِذَهَابِ الْوَقْتِ، وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ: فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَنْ يُعِيدَ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَنَاقُضًا انْتَهَى. ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ كَلَامَهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا حُكْمُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، أَمَّا النَّافِلَةُ فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، هَلْ يَرْكَعُهُمَا فِي الْحِجْرِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ: وَلَا يُصَلِّي فِي الْحِجْرِ، وَلَا فِي الْكَعْبَةِ فَرِيضَةً، وَلَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَلَا الْوِتْرَ، وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ رُكُوعِ الطَّوَافِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَنْقُلْ مَا بَعْدَهُ بَلْ نَقَلَهُ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ نَسِيَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ) ش الظَّاهِرُ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِالْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْوَاضِحَةِ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ قَالَ: وَإِذَا أَرَدْتَ الْخُرُوجَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلِّ خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأْتِي زَمْزَمَ فَتَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ثُمَّ تَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَتَدْعُوَا كَثِيرًا رَافِعًا بِذَلِكَ رَاغِبًا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَقْبَلَ حَجُّكَ وَأَنْ يَقْبَلَكَ عَتِيقًا مِنْ النَّارِ وَأَلْصِقْ وَجْهَكَ وَصَدْرَكَ بِالْمُلْتَزَمِ ثُمَّ اسْتَلِمْ الْحَجَرَ وَقَبِّلْهُ إنْ قَدَرْتَ عَلَى تَقْبِيلِهِ ثُمَّ انْفِرْ إلَى بَلَدَكَ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّكَ انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامُ الْوَاضِحَةِ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَا فِي طَوَافِهِ بِمَا تَيَسَّرَ وَكَذَا فِي الْمَقَامِ وَالْحَطِيمِ وَالْمُلْتَزَمِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَعِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَفِي الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَفِي الْمُسْتَجَارِ، وَهُوَ الْمُسْتَعَاذُ أَعْنِي مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْبَابِ الْمُغْلَقِ الَّذِي كَانَ فَتَحَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَفِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى. ص (وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَالْيَمَانِيِّ بَعْدَ الْأَوَّلِ) ش فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ اسْتِلَامَهُمَا فِي الْأَوَّلِ سُنَّةٌ أَمَّا الْحَجَرُ فَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَمِنْ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نُفِيَ عَنْهُ الِاسْتِحْبَابُ تَعَيَّنَتْ السُّنِّيَّةُ؛ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْهُ سُنَّةٌ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) فُهِمَ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ أَنَّ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ لَا يُسْتَلَمَانِ، وَلَا يُكَبَّرُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمَا، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمَا لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى. (قُلْت:) نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ وَلَفْظُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ نَقَلَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي وَنَصُّهُ: وَيُكَبِّرُ لِمُحَاذَاةِ كُلِّ رُكْنٍ انْتَهَى. فَيَكُونُ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ إذَا حَاذَى الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ فِي وَسَطِ الْحِجْرِ كَبَّرَ، وَمَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يُحْمَلُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ الْقَائِمَيْنِ الْيَوْمَ فَيَكُونُ وِفَاقًا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ. (الثَّانِي:) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْأَوَّلِ يَعْنِي فِي آخِرِ كُلِّ شَوْطٍ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي مَنْسَكِهِ وَابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ الشَّوْطَ الْأَخِيرَ فَيَكُونُ جُمْلَةُ التَّقْبِيلِ ثَمَانِ تَقْبِيلَاتٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَانْظُرْ حَاشِيَتِي فِي الْمَنَاسِكِ (الثَّالِثُ:) الِاسْتِلَامُ فِي الْوَاجِبِ آكَدُ مِنْهُ فِي التَّطَوُّعِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَمَا رَأَيْنَا مَنْ قَالَ إذَا لَمْ يَقُلْ الصِّفَةَ الَّتِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى. ص (وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا) ش

فرع التنفل في البيت الحرام

قَالَ سَنَدٌ فِي أَوَّلِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ لَيْلًا أَوْ ضِيقَ نَهَارُهُ أَنْ يَبِيتَ بِذِي طُوًى، فَإِذَا أَصْبَحَ وَأَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ اغْتَسَلَ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ عَلَى طُهْرٍ لِيَكُونَ طَوَافُهُ مُتَّصِلًا بِدُخُولِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: يُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ إتْيَانِ مَكَّةَ أَرْبَعٌ: نُزُولُهُ بِذِي طُوًى، وَهُوَ الْوَادِي الَّذِي تَحْتَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيُسَمَّى الزَّاهِرَ، وَاغْتِسَالُهُ فِيهِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلَا تَفْعَلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَهُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَتَدَلَّكُ فِيهِ بِغَيْرِ إمْرَارِ الْيَدِ بِرِفْقٍ لِئَلَّا يُزِيلَ الشَّعَثَ كَسَائِرِ غُسُولَاتِ الْحَجِّ الَّتِي دَاخِلَ إحْرَامِهِ، وَنُزُولُهُ لِمَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ وَأَنْ يَبِيتَ بِالْوَادِي الْمَذْكُورِ فَيَدْخُلَ مَكَّةَ ضُحًى. ص (وَالْبَيْتِ) ش أَيْ: يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَهَارٍ فَقَدْ أُخِذَ بِجَوَازِ دُخُولِهَا لَيْلًا مِنْ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ شَيْبَةَ بِالسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ لِيَفْتَحَهَا لَهَا لَيْلًا فَاعْتَذَرَ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْتَحْهَا لَيْلًا لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا فِي الْإِسْلَامِ فَوَافَقَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ بِهَا إلَى الْحِجْرِ، وَقَالَ لَهَا صَلِّي فِيهِ، وَلَا يُقَالُ: يُؤْخَذُ مِنْ مُوَافَقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا وَافَقَهُ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ وَتَأْلِيفًا لَهُ بِدَلِيلِ إتْيَانِهِ بِهَا إلَى الْحِجْرِ. [فَرْعٌ التَّنَفُّلُ فِي الْبَيْتِ الحرام] (فَرْعٌ) : وَيُسْتَحَبُّ التَّنَفُّلُ فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَعَنْ دُخُولِهِ عَلَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ فَقَالَ ذَلِكَ وَاسِعٌ حَسَنٌ. انْتَهَى. (فَرْعٌ) : وَيُسْتَحَبُّ النَّظَرُ إلَى الْبَيْتِ وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ فِي شَرْحِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اخْتَصَرَهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. ص (وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ) ش هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عَمْرٍو الْجُزُولِيُّ يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهُ لِكُلِّ دَاخِلٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ اسْتِحْبَابُ الدُّخُولِ مِنْ كَدَاءٍ، كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِ الدَّاخِلِ إلَى مَكَّةَ فَيَعْرُجُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إنَّمَا دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي طَرِيقِهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِهِ، وَلَا أَعْلَمُ هَذَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، وَلَا مَسْنُونًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي رِحْلَتِهِ، وَكَانَ دُخُولُنَا مِنْ كَدَاءٍ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ إذْ الدُّخُولُ مِنْهَا مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ كَانَتْ عَلَى طَرِيقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوِّجَ إلَيْهَا وَيَعْرُجَ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّمَا اسْتَحَبَّ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ بِأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ تَصْعَدُ إلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] الْآيَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ يَأْتُوكَ، وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ: الثَّنِيَّةُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ هَذِهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحِكْمَةُ دُخُولِهَا مِنْ أَعْلَاهَا قِيلَ: لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ إذْ قَالَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) ضَبَطَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ كَدَاءَ الْأَوَّلَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَدَاءَ الثَّانِيَةَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ غَلَطٌ إنَّمَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ كُدًى وَكَدَاءَ فِي بَابِ الْكَافِ مَعَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَعَلَّهُ تَوَهُّمٌ مِمَّا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ مَوْعِدُكِ كَذَا، فَإِنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لَكِنْ قَدْ قَالُوا فِيهِ: إنَّ كَذَا فِيهِ لَيْسَ هُوَ الثَّنِيَّةَ إنَّمَا هُوَ اسْمٌ تَنَفَّلْهُ بِهِ عَنْ مَوْضِعٍ، وَنَقَلَ هَذَا الْكَلَامَ التَّادَلِيُّ فِي مَنْسَكِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمَسْجِدُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) ش

ظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ الدُّخُولِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِ الدَّاخِلِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقَاتِهِمْ؛ إذْ لَا كَبِيرَ كُلْفَةٍ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي مَنْسَكِهِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ أَنَّ مَنْ أَتَى مِنْ مِنًى لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ. ص (وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) ش: قَالَ أَبُو غَازِيٍّ صِيغَةُ الْعُمُومِ فِي الطَّوَافِ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ: وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْنِ لِلطَّوَافِ يَقْتَضِي شُمُولَ طَوَافِ التَّطَوُّعِ، وَقَدْ بَنَى الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ عَلَى هَذَا نُكْتَةً بَدِيعَةً، فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: يَرْكَعُ الطَّائِفُ لِطَوَافِ التَّطَوُّعِ كَالْفَرْضِ، فَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى طَالَ وَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ اسْتَأْنَفَهُ، فَإِنْ شَرَعَ فِي أُسْبُوعٍ آخَرَ قَطَعَهُ وَرَكَعَ، فَإِنْ أَتَمَّهُ أَتَى لِكُلِّ أُسْبُوعٍ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَرْبَعَةَ أَسَابِيعَ طُولٌ تَمَنُّعُ الْإِصْلَاحَ، وَتُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ اللَّخْمِيِّ وَإِطْلَاقُهُ الْإِجْزَاءَ وَوُجُوبُهُ الِاسْتِئْنَافَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ يُوجِبُ الْإِتْمَامَ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَكَلَامُ شُيُوخِهِ ثُمَّ ذَكَرَ النَّظَائِرَ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ مَا نَسَبَهُ الْقَرَافِيُّ لِلْخُمَّيَّ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَسَابِيعَ طُولٌ فِيهِ نَظَرٌ حَسْبَمَا بَسَطْنَاهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ انْتَهَى. (قُلْت) اُنْظُرْ مَا النُّكْتَةُ الْبَدِيعَةُ، هَلْ هِيَ لُزُومُ طَوَافِ التَّطَوُّعِ بِالشُّرُوعِ أَوْ كَوْنُ الْأَرْبَعَةِ طُولًا؟ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ: إنَّ فِيمَا نَسَبَهُ الْقَرَافِيُّ لِلَّخْمِيِّ نَظَرًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ اللَّخْمِيِّ مَوْجُودٌ فِي تَبْصِرَتِهِ وَنَصُّهُ: السُّنَّةُ فِيمَنْ طَافَ أُسْبُوعًا تَطَوُّعًا أَنْ يُعْقِبَهُ بِرَكْعَتَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَالَ أَوْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ اسْتَأْنَفَهُ، وَإِنْ أَعْقَبَ الْأُسْبُوعَ الْأَوَّلَ بِثَانٍ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَطَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَتَمَّ الثَّانِيَ أَتَى لِكُلِّ أُسْبُوعٍ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِأُسْبُوعٍ ثَالِثٍ أَوْ رَابِعٍ، فَإِنَّهُ يَأْتِي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ بِرَكْعَتَيْنِ وَيُجْزِئُهُ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذَلِكَ طُولٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إصْلَاحِ الْأَوَّلِ وَيُوجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافَ فِيمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَكَانَ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ فَاعْتَرَضَ عَلَى الْقَرَافِيِّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ: وَمُفَادُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الثَّانِيَ طُولٌ يُوجِبُ اسْتِئْنَافَ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَوْلُ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ أَعْقَبَ الْأُسْبُوعَ الْأَوَّلَ بِثَانٍ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَطَعَ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَقْطَعُ، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الشَّوْطِ السَّابِعِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا فَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْهِ حَتَّى دَخَلَ فِي أُسْبُوعٍ ثَانٍ قَطَعَ وَرَكَعَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى أَتَمَّهُ رَكَعَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ الْبَاجِيُّ: وَمَنْ سَعَى فِي طَوَافِهِ فَبَلَغَ ثَمَانِيَةَ أَطْوَافٍ أَوْ تِسْعَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ قَصَدَ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ سَبْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ لِلسَّبْعِ الْكَامِلِ، وَيُلْغِي مَا زَادَ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعًا آخَرَ، وَلْيَبْتَدِئْ مِنْ أَوَّلِهِ، وَهَذَا حُكْمُ الْعَائِدِ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا أَكْمَلَ أُسْبُوعَيْنِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا صَلَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ الثَّانِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَمَرْنَاهُ بِالرُّكُوعِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ، وَاخْتَارَ عِيسَى الْأَوَّلَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُ كُلِّ أُسْبُوعٍ أَنْ يَعْقُبَهُ رَكْعَتَانِ، وَحَالَ بَيْنَ الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ وَرَكْعَتَيْهِ الْأُسْبُوعُ الثَّانِي بَطَلَ حُكْمُهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلْأُسْبُوعِ الثَّانِي انْتَهَى. وَقَالَ التَّادَلِيُّ: وَمِنْ هَذَا التَّوْجِيهِ عُلِمَ أَنَّ الرُّكُوعَ إنَّمَا هُوَ لِلثَّانِي وَيُلْغَى الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ إذَا طَافَ ثَمَانِيَةً أَوْ أَكْثَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ لِلسَّبْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَيُلْغِي الزَّائِدَ مِنْ أَوَّلِهَا لَا مِنْ آخِرِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَلْغَى آخِرَهَا كَانَ قَدْ

فَرَّقَ بَيْنَ الْأُسْبُوعِ وَرَكْعَتَيْهِ بِمَا زَادَ انْتَهَى. (قُلْت:) صَرِيحُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْإِلْغَاءَ إنَّمَا هُوَ لِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَصَلَ فِي الشَّوْطِ الثَّامِنِ أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ مَا يُبْطِلُ الطَّوَافَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ السَّبْعَةُ الْأُوَلُ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ بِأَنْ حَصَلَ فِي السَّبْعَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا مَا يُبْطِلُهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى السَّبْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَامِسَةِ فَكَمَا لَا تُجْزِئُ الْخَامِسَةُ عَنْ الْأُولَى إذَا بَانَ بُطْلَانُهَا فَكَذَلِكَ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ؛ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكْمَلَ السَّبْعَةَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَرْكَعُ لِلثَّانِي فَقَطْ دُونَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا أَكْمَلَ السَّبْعَةَ حَصَلَتْ عِبَادَةٌ كَامِلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُحْتَاجَةٌ لِلرُّكُوعِ فَيُكَمِّلُهَا بِهِ، وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ لِلْفَصْلِ بِالْعِبَادَةِ الْكَامِلَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ: فَإِنْ شَرَعَ فِي ثَانٍ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ لِلْأَوَّلِ قَطَعَ مَا لَمْ يُكْمِلْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَنَحْوِهَا: فَلَوْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَكْمَلَ أُسْبُوعًا ثَانِيًا لَرَكَعَ لَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْمَلَ ثَالِثًا وَرَابِعًا انْتَهَى. (قُلْت) التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ: سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ، وَأَمَّا اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَلَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ رُكُوعِهِ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بَعْدَ تَمَامِ الطَّوَافِ وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ تَوَضَّأَ وَاسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ إنْ كَانَ وَاجِبًا إلَّا أَنْ يَبْعُدَ فَلَا يَرْجِعُ وَيَرْكَعُ وَيُهْدِي، وَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ تَطَوُّعًا لَمْ يَبْتَدِئْهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحَدَثَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ (الثَّالِثُ:) لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِبَيَانِ حُكْمِ جَمِيعِ الْأَسَابِيعِ، وَحُكْمُهُ الْكَرَاهَةُ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَطُوفَ الْمَرْءُ أَسَابِيعَ، وَيَجْمَعَ رُكُوعَهَا حَتَّى يَرْكَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَرَكَعَ عَقِبَ كُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ مُعَلَّى وَغَيْرُهُ (الرَّابِعُ:) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَجَازَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَسَابِيعِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْأَسَابِيعِ وِتْرًا (الْخَامِسُ:) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ رِوَايَةَ عِيسَى قَالَ: يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُمَا يَكُونَانِ لِلْأُسْبُوعِ الْأَخِيرِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي كَلَامِ الْبَاجِيّ وَانْظُرْ عَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ صَلَّى لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، هَلْ يُقَدِّمُ رَكْعَتَيْ الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ ص (وَرَمَلَ مُحْرِمٌ مَنْ كَالتَّنْعِيمِ) ش يَعْنِي أَنَّ الرَّمَلَ فِي حَقِّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ مُسْتَحَبٌّ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِقِرَانٍ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (أَوْ بِالْإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ) ش لَوْ قَالَ لِكَمُرَاهِقٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَالنَّاسِي لِطَوَافِ الْقُدُومِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لِلْمُرَاهِقِ وَنَحْوِهِ وَالْمُحْرِمِ مِنْ التَّنْعِيمِ وَشِبْهِهِ فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ مَشْرُوعٌ دُونَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ أَيْ: النَّاسِي أَيْ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ آفَاقِيًّا أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ التَّنْعِيمِ وَشِبْهِهِ أَيْ: الْجِعْرَانَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، وَنَقَلَهُ) ش أَمَّا اسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنْ شُرْبِهِ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاضِحَةِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْإِكْثَارُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ نَقْلِهِ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاضِحَةِ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهَا، وَاسْتُحِبَّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ إلَى بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنْ اسْتَشْفَى، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ إلَى بَلَدِهِ

وَنَقَلَهُ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ: أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ نَكَّتَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ فَقَالَ: أَمَّا شُرْبُهُ فَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا نَقْلُهُ فَفِي مَسْلَكِ السَّالِكِ لِقَاسِمِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَضْرَمِيِّ الطَّرَابُلُسِيِّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَالْوُضُوءِ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاغْتِسَالَ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ فَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ تَبَرُّكًا بِبَرَكَتِهِ، وَيَكُونُ مِنْهُ شُرْبُهُ وَوُضُوءُهُ وَاغْتِسَالُهُ مَا أَقَامَ بِمَكَّةَ وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ شُرْبِهِ قَالَ: وَاسْتُحِبَّ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ إلَى بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنْ يُسْتَشْفَى بِهِ انْتَهَى. (الثَّانِي:) قَالَ ابْن غَازِيٍّ: وَمِنْ الْغَرَائِبِ مَا حَدَّثَنَا بِهِ شَيْخُنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَاجُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَزُّوزٍ الْمِكْنَاسِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ الْإِمَامَ الْأَوْحَدَ الرَّبَّانِيَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَلَّالِيَّ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يُرَجِّحُ حَدِيثَ «الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» عَلَى حَدِيثِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» قَالَ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ انْتَهَى. (قُلْت:) لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَغْرَبِ الْغَرَائِبِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَّا مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى بُطْلَانِهَا قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ لَمَّا ذُكِرَ حَدِيثُ «الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إنَّهُ مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ لَهِجَ بِهِ الْعَوَامُّ حَتَّى سَمِعْتُ قَائِلًا مِنْهُمْ يَقُولُ هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، وَهُوَ خَطَأٌ وَكُلُّ مَا يُرْوَى فِيهِ بَاطِلٌ انْتَهَى. كَلَامُ السَّخَاوِيِّ، وَأَمَّا حَدِيثُ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» فَقَالَ فِيهِ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ انْتَهَى. وَرَأَيْتُ لِابْنِ حَجَرٍ كَلَامًا جَوَابًا بِالسُّؤَالِ سُئِلَ فِيهِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ فِي آخِرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ: إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَرُتْبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ بِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَدِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْحَافِظِ الدِّمْيَاطِيِّ أَنَّهُ صَحَّحَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ شَرِبَهُ لِلرَّمْيِ فَكَانَ يُصِيبُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ تِسْعَةً وَشَرِبَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ لِحُسْنِ التَّصْنِيفِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ أَحْسَنَ عَصْرِهِ تَصْنِيفًا، وَلَا يُحْصَى كَمْ شَرِبَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأُمُورٍ نَالُوهَا، وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّهُ شَرِبَهُ لِشَيْءٍ فَحَصَلَ لَهُ، وَأَنَا شَرِبْتُهُ مَرَّةً، وَأَنَا فِي بُدَاءَةِ طَلَبِ الْحَدِيثِ، وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقنِي حَالَةَ الذَّهَبِيِّ فِي حِفْظِ الْحَدِيثِ ثُمَّ حَجَجْتُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَأَنَا أَجِدُ مِنْ نَفْسِي طَلَبَ الْمَزِيدِ عَلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ فَسَأَلْتُ مَرْتَبَةً أَعْلَى مِنْهَا فَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ أَنَالَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَطُوفُ بِاللَّيْلِ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْإِرَاقَةُ، وَخَشِيَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَنْ تَتَلَوَّثَ أَقْدَامُهُ بِأَذَى النَّاسِ، وَكَانَ فِي الْمَوْسِمِ فَتَوَجَّهَ إلَى زَمْزَمَ وَشَرِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَرَجَعَ إلَى الطَّوَافِ قَالَ: فَلَمْ أَحُسَّ بِالْبَوْلِ حَتَّى أَصْبَحْت انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ (قُلْت:) وَهَذَا مِنْ الْغَرَائِبِ، فَإِنَّ مَاءَ زَمْزَمَ يَرُدُّ الْإِرَاقَةَ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَنَحْوُ هَذَا مَا أَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَصَابَهُ إسْهَالٌ فَشَرِبَ لَهُ مَاءَ زَمْزَمَ فَذَهَبَ مَعَ أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ يُطْلِقُ الْبَطْنَ غَالِبًا، وَقَدْ شَرِبْتُهُ لِأُمُورٍ فَحَصَلَ بَعْضُهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَنَرْجُو مِنْ اللَّهِ حُصُولَ بَاقِيهَا، وَقَدْ شَرِبَهُ بَعْضُهُمْ لِعَطَشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ أَرَدْنَا اسْتِقْصَاءَ مَا رُجِّحَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ لَطَالَ الْكَلَامُ ، وَإِنَّمَا أَرَدْنَا التَّنْبِيهَ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الْكَلَامِ الْمَوْضُوعِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ «الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» (الثَّالِثُ:) يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ أَيْضًا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْعَمَلِ فِي الطَّوَافِ: فَإِذَا فَرَغْت مِنْ

السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَارْجِعْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَأَكْثِرْ مِنْ الطَّوَافِ مَاكِثًا مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَمِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَتُكْثِرُ مِنْ الطَّوَافِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِلَا رَمَلٍ، وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَتُصَلِّي كُلَّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَثْرَةُ الطَّوَافِ مَعَ كَثْرَةِ الذِّكْرِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ وَبَسَطَهُ الدَّمَامِينِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابُ مَنْ لَمْ يَقْرَبْ الْكَعْبَةَ، وَلَمْ يَطُفْ أَيْ: طَوَافًا آخَرَ تَطَوُّعًا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَمَشَى عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِطَوَافٍ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ انْتَهَى مِنْ الدَّمَامِينِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَتَنَفَّلُ بِطَوَافٍ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ، وَعَنْهُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ) ش: أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ حَقْنٌ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي انْتَهَى. فَصَرِيحُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِغَيْرِ الْحَقْنِ بَلْ بِرِيحٍ أَوْ مَسِّ ذَكَرٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ أَحْدَثَ فِي السَّعْيِ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ، فَإِنْ أَتَمَّ سَعْيَهُ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَبْنِيَ، وَقَالَهُ مَالِكٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَحْدَثَ فِي سَعْيِهِ فَتَمَادَى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُتِمَّ سَعْيَهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْوَاضِحَةِ، وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ (فَإِنْ قُلْت:) السَّعْيُ يَصِحُّ مِنْ الْحَدَثِ وَالْمُوَالَاةُ وَاجِبَةٌ فِي السَّعْيِ فَكَيْفَ يَشْتَغِلُ بِالْوُضُوءِ الْمَنْدُوبِ، وَفِيهِ إخْلَالٌ بِالْمُوَالَاةِ الْوَاجِبَةِ؟ (قُلْت:) لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْوُضُوءِ أَنَّهُ يُزِيلُ الْحَقْنَ وَيَسْتَنْجِي لِقَوْلِ الزَّوَاوِيِّ: تَوَضَّأَ وُضُوءَ الْمَاءِ تَحْتَ إزَارِهِ وَاسْتَخَفَّ الْوُضُوءَ لِيَسَارَتِهِ (فَإِنْ قُلْت:) لِمَ بَنَى فِي السَّعْيِ بَعْدَ الْحَدَثِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ؟ (فَالْجَوَابُ:) أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الطَّوَافِ أَوْجَبُ مِنْهَا فِي السَّعْيِ، وَأَيْضًا الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ، وَالسَّعْيُ لَيْسَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِيهِ، وَإِنَّمَا أُجِيزَ لِلْحَاقِنِ الْخُرُوجُ لِضَرُورَةِ زَوَالِ مَا بِهِ، فَإِذَا خَرَجَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِحَقْنِهِ لَا أَنَّهُ يُخْرِجُ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ بِرِيحٍ فِي سَعْيِهِ مَضَى عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ) ش جَعَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلَّمَا يَذْكُرُهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَدْبًا كَالْإِحْرَامِ بِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ مُسْتَحَبَّاتٍ، وَفِيهَا سُنَنٌ مِنْهَا هَذِهِ، وَمَا بَعْدَهَا إلَى قَوْلِهِ: وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٍ لِلْغُرُوبِ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ ظُهْرِ السَّابِعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ ضُحًى، وَقَالَ أَيْضًا فِي الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ: يَخْطُبُ الْإِمَامُ مِنْ غَدٍ يَوْمِ النَّحْرِ ارْتِفَاعَ الضُّحَى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِمَكَّةَ مَفْهُومُهُ أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْحَجِيجَ إذَا تَوَجَّهُوا لِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُسْتَحَبُّ لِإِمَامِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ، كَمَا فَعَلَ بِمَكَّةَ فَانْظُرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَاحِدَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَتَوْضِيحُهُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَا شَهَرَهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَزَاهُ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقَاضِي سَنَدٌ وَعَزَيَا الْقَوْلَ بِالْجُلُوسِ فِي وَسَطِهِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ سَنَدٌ عَقِبَهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَفِي صَلَاتِهَا يَجْلِسُ فِي أَوَّلِ كُلِّ خُطْبَةٍ وَوَسَطِهَا انْتَهَى. ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي بَابِ الْخُطْبَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْجُلُوسِ فِي وَسَطِهَا قَوِيٌّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ خِلَافًا هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ: أَنَّهُ يَفْتَتِحُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ بِالتَّلْبِيَةِ بِخِلَافِ

الْأَخِيرَتَيْنِ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ أَنَّهُ يَفْتَتِحُ الْجَمِيعَ بِالتَّكْبِيرِ قَالَ التَّادَلِيُّ عَقِبَ نَقْلِهِ الْكَلَامَيْنِ: فَيَتَحَصَّلُ فِي تَعْيِينِ مَا يَفْتَتِحُ بِهِ الْخُطْبَةَ الْأُولَى قَوْلَانِ: هَلْ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ بِالتَّلْبِيَةِ؟ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلِّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُحْرِمًا، وَأَنَّ الْأَوْلَى لَهُ التَّلْبِيَةُ؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ الْآن، وَهُوَ شِعَارُ الْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَيَتَعَيَّنُ التَّكْبِيرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرِهِ: يَوْمُ السَّابِعِ وَيُسَمَّى يَوْمَ الزِّينَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الْخَامِسَ عَشْرَ: كَانُوا يَبْرُزُونَ فِيهِ تَبْرُزُ زِينَةُ الْمَحَامِلِ، وَجَلَّالَاتِ الْهَدَايَا انْتَهَى. ، وَقَالَ وَالِدِي: الظَّاهِرُ: أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الزِّينَةِ أَخْذًا مِنْ يَوْمِ الزِّينَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْكَوَاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ يَوْمٌ كَانُوا يَتَزَيَّنُونَ فِيهِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ السَّابِعُ يَوْمًا يَجْتَمِعُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ غَيْرَ الْمُرَاهِقِ سُمِّيَ يَوْمَ الزِّينَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِّ وَابْنُ فَرْحُونٍ فَصْلًا لِتَسْمِيَةِ أَيَّامِ الْحَجِّ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَحَبَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخُرُوجُهُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهِ الظُّهْرَ) ش يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ هُوَ، وَمَا بَعْدَهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَيَعْنِي أَنَّ الْخُرُوجَ لِمِنًى يَكُونُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِقْدَارِ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ وَيُسَمَّى يَوْمَ النُّقْلَةِ لِانْتِقَالِ النَّاسِ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَاقِعَةٌ فِي عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ أَنْ يُدْرِكَ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ يَرُوحُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عِنْدَ الزَّوَالِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ رَاحَ عِنْدَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إنَّمَا يُدْرِكُ بِهَا آخِرَ الْوَقْتِ، وَمَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ ثِقَلٌ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ بِمِنًى إذَا خَرَجَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ بِهَا آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ خَرَجَ إلَى مِنًى ضُحًى فَيُقِيمُ بِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ يَغْدُو إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَأْسَ لِلضَّعِيفِ، وَمَنْ بِهِ عِلَّةٌ أَنْ يَغْدُوَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ مَا يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُرُوجَ لِمِنًى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ ثُمَّ قَالَ: وَكَرِهَ التَّقَدُّمَ إلَى مِنًى قَبْلَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى، وَلَوْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّقَدُّمُ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَخْرُجُ إلَى مِنًى قُدُمًا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَكُرِهَ التَّقَدُّمُ إلَى مِنًى قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ التَّقَدُّمَ إلَى مِنًى قَبْلَ يَوْمِهَا، وَإِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرًا فِي كَرَاهَةِ التَّقَدُّمِ إلَى مِنًى فِي أَوَّلِ يَوْمِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ الْخُرُوجُ إلَى مِنًى بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ خَرَجَ أَوَّلَ النَّهَارِ مُتَقَدِّمٌ قَبْلَ هَذَا، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ قَصْرِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْيَوْمِ هُوَ نَصُّ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَيَاتُهُ بِهَا) ش، فَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَالْمَشْهُورُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: عَلَيْهِ الدَّمُ انْتَهَى مِنْ الْجُزُولِيِّ مِنْ بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ ص (وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ قَالَ الْجُزُولِيُّ: ثُمَّ يَمْضِي إلَى عَرَفَاتٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، وَقَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ والتِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَعِنْدَ الْجُزُولِيِّ أَيْضًا مِنْ السُّنَنِ الَّتِي لَا تُوجِبُ الدَّمَ الْمُرُورُ بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ قَالَ، وَهُمَا جَبَلَانِ يَقُولُ لَهُمَا الْحُجَّاجُ الْعَلَمَيْنِ. ص (وَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ) ش

قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، وَلَا يَتَنَفَّلُ فِيهِمَا، وَإِنْ صَلَّى فِي رَحْلِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَنَفَّلُ ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يَبِيتُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَالصَّلَاةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَلَيْلَةَ الْمَطَرِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ (تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ) : قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ لَا يَجْمَعُ وَحْدَهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرُكُوبُهُ) ش قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِمَرْكُوبِهِ، وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَقِفُ عَلَى الدَّوَابِّ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا انْتَهَى. ص (ثُمَّ قِيَامٌ إلَّا لِتَعَبٍ) ش هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَالرَّاكِبُ بِعَرَفَةَ وَالْجَالِسُ أَفْضَلُ مِنْ الْقَائِمِ انْتَهَى. ص (وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ وَبَيَاتُهُ بِهَا) ش جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ، وَكَذَا الْمَبِيتُ بِهَا إلَى الصُّبْحِ، وَأَمَّا النُّزُولُ فَوَاجِبٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ. ص (وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ) ش قَالَ سَنَدٌ: النُّزُولُ الْوَاجِبُ يَحْصُلُ بِحَطِّ الرَّحْلِ وَالِاسْتِمْكَانِ مِنْ اللُّبْثِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي النُّزُولِ إنَاخَةُ الْبَعِيرِ فَقَطْ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَطِّ الرِّحَالِ انْتَهَى. (قُلْت:) وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لُبْثٌ، أَمَّا لَوْ حَصَلَ اللُّبْثُ، وَلَمْ تُحَطُّ الرِّحَالُ فَالظَّاهِرُ: أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ، كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَنْزِلُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَعَشَّوْنَ وَيَلْقُطُونَ الْجِمَارَ وَيَنَامُونَ سَاعَةً وَشَقَادِفُهُمْ عَلَى ظُهُورِ الْجِمَالِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُسْقِطُ النُّزُولُ فِيهِ الدَّمَ، فَقَالَ أَشْهَبُ: قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِنْ أَتَى بَعْدَ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَعْفَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَتَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَنَزَلَ بِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيَقِفْ بِالْمَشْعَرِ مَا لَمْ يُسْفِرْ جِدًّا، وَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ لَا دَمَ فِي تَرْكِ النُّزُولِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ، وَفِي وُجُوب الدَّمِ بِتَرْكِهِ النُّزُولَ بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثَالِثُهَا: لَا دَمَ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ لِلشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ قَائِلًا: وَلَوْ فِي ضَعْفَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالثَّانِي: لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَهَا وَالثَّالِثُ: لِلَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ (قُلْت:) قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ النُّزُولَ لَيْلًا بِالْمُزْدَلِفَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ بِعُذْرٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: مَنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْإِمَامُ بِمُزْدَلِفَةَ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ الصُّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمَشْعَرِ وَقَفَ مَعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ النُّسُكَ مَعَهُ، وَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ فِي فَوْتِهِ الْمَبِيتَ يُخْتَلَفُ فِيهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ لَمْ يَنْزِلْ بِمُزْدَلِفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَعْفَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ لَمْ يَصِلْهَا مِنْ الضَّعَفَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ حَتَّى أَصْبَحَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَنْ جَازَ عَنْهَا إلَى مِنًى ثُمَّ عَلِمَ فَرَجَعَ فَلَمْ يُدْرِكْهَا أَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ نَزَلَ بِهَا بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَهُوَ مُدْرِكٌ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَرَأَى أَشْهَبُ أَنَّ الْمَبِيتَ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ إلَّا إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الْهَدْيُ وَاعْتِبَارًا بِمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ مَعَ الْإِمَامِ فَنَزَلَ بِغَيْرِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرَ وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَبِيتَ سَقَطَ فِي حَقِّ هَذَا لِمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ هَدْيٌ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي فَقْدِ الْوُقُوفِ مَعَ الْإِمَامِ

بِعَرَفَةَ وَالدَّفْعِ مَعَهُ، فَإِنْ أَتَى هَذَا الْمُزْدَلِفَةَ، وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَالَ مَالِكٌ: يَمُرُّ إلَى مِنًى، وَلَا وُقُوفَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمِيعِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، كَمَا فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُهْدِي، فَإِنْ أَتَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ: يَقِفُ إنْ لَمْ يُسْفِرْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَقِفُ مَا لَمْ يُسْفِرْ جِدًّا، فَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ بَاتَ مَعَ الْإِمَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقَفَ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَقِفْ، فَإِنَّهُ لَا يَلْبَثُ بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ، وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ، فَإِنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ كَوَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَالْإِمَامُ يَنْفِرُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَلَا يَنْتَظِرُ طُلُوعَ الشَّمْسِ، فَإِذَا دَفَعَ مِنْ ائْتَمَّ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَبِتْ مَعَهُ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ، وَنَظِيرُهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَدْفَعُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ انْتَهَى. (قُلْت:) فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ النُّزُولَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَمَنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الشَّمْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَمْعٌ وَقَصْرٌ إلَّا لِأَهْلِهَا كَمِنًى وَعَرَفَةَ) ش ظَاهِرُهُ: أَنَّ أَهْلَ مُزْدَلِفَةَ لَا يُجْمِعُونَ، وَلَا يَقْصُرُونَ، وَأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا، وَكَذَا أَهْلُ عَرَفَةَ لَا يُجْمِعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَلَا يَقْصُرُونَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَصْرِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ، فَإِنَّهُمْ يُجْمِعُونَ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْوَسَطِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَهْلُهَا أَيْ: أَهْلُ مُزْدَلِفَةَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْصُرُونَ شَيْئًا، وَهَذَا حُكْمُ مَنْ فِي مِنًى وَعَرَفَةَ مِنْ الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ وَعَدَمِهِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَوْضِعٍ يُتِمُّونَ بِهِ وَيَقْصُرُونَ فِيمَا عَدَاهُ هُنَا انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ضَابِطُهُ: أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَكَان يُتِمُّونَ بِهِ وَيَقْصُرُونَ فِيمَا عَدَاهُ فَيُتِمُّ أَهْلُ عَرَفَةَ بِهَا وَيَقْصُرُونَ بِمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَيُتِمُّ أَهْلُ مُزْدَلِفَةَ بِهَا وَيَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى وَيُتِمُّ أَهْلُ مِنًى بِهَا وَيَقْصُرُونَ فِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي: وَقَالَ بَعْدَهُ: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ يُرِيدُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْجَلَّابِ، وَفِي الْإِكْمَالِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَاجَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ حُكْمُ الْحَاجِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى لِتَقْصِيرِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ أَهْلُ عَرَفَةَ وَمِنًى بِمَكَّةَ لِخُطْبَةِ عُمَرَ أَهْلُ مَكَّةَ بِالتَّمَامِ دُونَهُمْ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَأَهْلَ عَرَفَةَ وَمِنًى بِمَكَّةَ يُتِمُّونَ كَغَيْرِ الْحَاجِّ مِنْهُمْ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْمَسَافَةِ مُدَّةُ قَصْرِ الصَّلَاةِ، وَحُجَّتُنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَّةِ وَالْإِتْبَاعِ، وَلِأَنَّ فِي تَكْرَارِ مَشَاعِرِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ مِقْدَارَ الْمَسَافَةِ الَّتِي فِيهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلَاةِ بِمِنًى: وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ حُكْمَ الْحَاجِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ بِمِنًى وَبِعَرَفَاتٍ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ عَرَفَةَ بِمِنًى وَمَكَّةَ يَقْصُرُونَ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا أَهْلُ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَلَا خِلَافَ أَحْسَبُهُ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُتِمُّ بِمَوْضِعِهِ، وَإِنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُتِمُّ أَهْلُ مِنًى بِمِنًى وَأَهْلُ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا فَلِيَقْصُرْ الصَّلَاةَ بِهَا قَالَ ابْنُ هَارُونَ: يُرِيدُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ عَرَفَةَ، وَلَا مِنًى، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا، وَأَتَمَّ، وَأَتَمَّ النَّاسُ مَعَهُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهَا مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ سُنَّةَ الْقَصْرِ، وَفِي الْإِكْمَالِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ الْحَاجَّ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا إلَّا أَهْلَ مَكَّةَ بِمَكَّةَ وَأَهْلَ مِنًى بِمِنًى وَأَهْلَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ إلَّا الْإِمَامَ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سَكَّانِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ثُمَّ قَالَ: وَفِيمَا حَكَاهُ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ نَظَرٌ انْتَهَى. وَوَجْهُ النَّظَرِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ: وَلَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ عَرَفَةَ، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِهَا قَالَ ابْنُ هَارُونَ: يُرِيدُ وَيُتِمُّ النَّاسُ انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِكْمَالِ هُوَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْهُ، وَنَصُّهُ: ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْحَاجَّ الْمَكِّيَّ يَقْصُرُ، وَلَا يَقْصُرُ الْعَرَفِيُّ بِعَرَفَةَ، وَلَا الْمَنْوِيَّ بِمِنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إلَى أَنَّ

الْجَمِيعَ يُتِمُّونَ؛ إذْ لَيْسُوا عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إلَى أَنَّ الْجَمِيعَ يَقْصُرُونَ مَعَ قَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ الْمُتَقَدِّم، وَلَا خِلَافَ أَحْسَبُهُ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُتِمُّ بِمَوْضِعِهِ، وَإِنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْعَرَفِيَّ لَا يُقَصِّرُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ عَرَفَةَ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَيَقْصُرُ كُلُّ حَاجٍّ حَتَّى الْمَكِّيُّ إلَّا الْمَنْوِيَّ وَالْعَرَفِيَّ بِمَحِلِّهِمَا الْبَاجِيُّ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْحَجِّ إنَّمَا يَتِمُّ فِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعَ لُزُومِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لِعَرَفَةَ وَالرُّجُوعَ لَهَا وَاجِبٌ لَازِمٌ فَلَفَّقَ وَلِذَا لَا يَقْصُرُ عَرَفِيٌّ بَعْدَ وُقُوفِهِ وَتَوَجُّهِهِ لِمَكَّةَ وَمِنًى؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِعَرَفَةَ لِوَطَنِهِ فَلَا يَضُمُّ انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ عَلَّلَ قَصْرَ الْحَاجِّ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ عَمَلَ الْحَاجِّ لَا يَنْقَضِي إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي: أَنَّ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ، وَمِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ قَدْرَ مَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَيَلْزَمُ الذَّهَابُ وَالْإِيَابُ بِالشُّرُوعِ وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَاجَّ مِنْ مَكَّةَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ فَصَارَ سَفَرُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ يَجْمَعَ عَلَى مَسِيرِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَعَلَى هَذَيْنِ التَّوْجِيهَيْنِ لَا يَقْصُرُ الْعَرَفِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْوِي مَسَافَةَ قَصْرٍ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَكْثَرُهُ بِالْمَعْنَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى التَّوْجِيهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَالتَّوْجِيهَانِ غَيْرُ مُسَلَّمَيْنِ، فَإِنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَالْحِسُّ يُخَالِفُهُ وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْقَصْرَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالسُّنَّةِ وَأَيْضًا، فَإِنَّمَا يُتِمُّ مَا ذَكَرَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْعَرَفِيُّ مُقِيمًا بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى مَكَّةَ لِيَخْرُجَ مَعَ النَّاسِ، كَمَا هُوَ الْأَوْلَى، وَقَدْ نَقَلَ الْبَاجِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ سَمَاعِ عِيسَى خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَهْلِ مِنًى، هَلْ يَقْصُرُونَ إذَا أَرَادُوا الْإِفَاضَةَ وَأَهْلَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَهْلُ عَرَفَةَ فَيَقْصُرُونَ، وَلَا يَقْصُرُ أَهْلُ مِنًى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِمِنًى يَقْصُرُ، فَإِذَا أَفَاضَ قَصَرَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِمِنًى يُتِمُّ، فَإِذَا أَفَاضَ أَتَمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي الْمَنْوِيِّ صَحِيحٌ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَقَوْلُهُ فِي الْعَرَفِيِّ صَحِيحٌ أَيْضًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ: إنَّهُمْ يَقْصُرُونَ بِمِنًى؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا يَقْصُرُونَ بِمِنًى فَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى وَطَنِهِمْ بِعَرَفَةَ، وَفِي قَوْلِهِ: إنَّهُمْ يَقْصُرُونَ بِمِنًى نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ: إنَّهُمْ يَقْصُرُونَ بِمِنًى قِيَاسًا عَلَى الْمَكِّيِّ، وَذَلِكَ إنَّمَا فِيهِ الِاتِّبَاعُ لِلرَّسُولِ لِتَقْصِيرِهِ فِيهِمَا، وَلَا يَتَعَدَّى بِالسُّنَّةِ مَوْضِعَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُوَافَقَةً لِلْأُصُولِ، وَلَا سِيَّمَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَلَمْ يُجِيزُوا لِلْمَكِّيِّ التَّقْصِيرَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِمِنًى يَقْصُرُ، فَإِذَا أَفَاضَ قَصَرَ مِثْلَ قَوْلِهِ أَوَّلًا أَمَّا أَهْلُ عَرَفَةَ فَيَقْصُرُونَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ عَرَفَةَ عِنْدَهُ يَقْصُرُونَ بِمِنًى عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ يَقْصُرُ، فَإِذَا أَفَاضَ قَصَرَ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَتَنَاقَضُ بِذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَهْلَ مِنًى يَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ قَدْ قَالَ: إنَّهُمْ يُتِمُّونَ إذَا أَفَاضُوا انْتَهَى. فَنَقَلَ الْبَاجِيُّ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا يَقْصُرُ أَهْلُ مِنًى، وَقَالَ فِي تَوْجِيهِهِمَا مَا نَصُّهُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْوِيَّ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ، وَيَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ فِي مَسَافَةِ إتْمَامٍ، وَالْعَرَفِيُّ يُفِيضُ مِنْ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِإِتْمَامِ حَجِّهِ، فَإِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى بَعْدَ انْقِضَاءِ حَجِّهِ لَمْ يَقْصُرْ إلَى عَرَفَةَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا السَّمَاعَ وَبَعْضَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ، وَكَلَامَ الْبَاجِيِّ أَيْضًا، وَلَمْ يَبْحَثْ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِمِنًى يَقْصُرُ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا أَفَاضَ الْمَكِّيُّ، وَالْمُقِيمُ بِمَكَّةَ إذَا وَصَلَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لِرُجُوعِهِمَا إلَى وَطَنِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يَقْصُرُ فِي وَطَنِهِ، وَوَقَعَ فِي رَسْمٍ شَكٌّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَنْصَرِفُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَتُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مَكَّةَ أَتَرَى أَنْ

يُتِمَّ الصَّلَاةَ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَهْلُ الْمُحَصَّبِ يُتِمُّونَ وَرَاءَهُمْ مِثْلَهُمْ وَأَرَى أَنْ يُحَصِّبَ النَّاسُ بِالْمُحَصَّبِ حَتَّى يُصَلُّوا الْعِشَاءَ. وَقَدْ حَصَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ: أَرَى أَنْ يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ حِينَ يَنْزِلُونَ بِالْمُحَصَّبِ إذَا أَدْرَكَهُمْ الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَإِنْ تَأَخَّرُوا بِمِنًى فَلْيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ: الْأَوَّلُ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُتِمُّوا حَتَّى يَأْتُوا الْمُحَصَّبَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ، وَلَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ بِهَا أَرْبَعًا حَتَّى خَرَجَ إلَى الْحَجِّ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ بِمِنًى. وَفِي جَمِيعِ مَوَاطِنِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ بَعُدَ عَلَى حَالِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا فَخَرَجَ إلَى الْحَجِّ فَقِيلَ: إنَّهُ يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهَا مَنَازِلُ السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ، وَدَلِيلُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَذَلِكَ أَرْبَعُ لَيَالٍ ثُمَّ خَرَجَ فَقَصَرَ بِمِنًى فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ، وَفِي جَمِيعِ مَوَاطِنِ الْحَجِّ إلَّا فِي رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ حَجِّهِ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: إنَّهُ يُتِمُّ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُتِمُّ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَقْصُرُ حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ دُونَ مُرَاعَاةٍ لِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ، وَفِي رَسْم الْمُحْرِمِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مِنًى إذَا انْصَرَفُوا فَأَدْرَكَهُمْ الْوَقْتُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا الْأَبْطَحَ، وَلَا مَكَّةَ فِيمَا بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ إقَامَةٌ وَعَنْ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا أَدْرَكَهُمْ - فِي ذَلِكَ - الْوَقْتُ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ انْصَرَفَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَأَدْرَكَهُ الْوَقْتُ وَخَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ فَأَنَا أَرَى أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ مِنًى قَدْ انْقَطَعَتْ، وَلَا يَكُونُ فِي مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ بِمِنًى لِيَخِفَّ النَّاسُ وَيَذْهَبَ زِحَامُهُمْ قَالَ: أَرَى أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ. وَأَرَى أَهْلَ الْآفَاقِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ يَقْتَدِي بِأَهْلِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ أَقَامَ لِزِحَامٍ، وَمَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ قَالَ لِي مَالِكٌ: رَكْعَتَيْنِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ: أَعْجَبُ إلَيَّ قَالَ أَصْبَغَ: رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ قَوْلُهُ: الْآخَرُ أَعْجَبُ إلَيَّ قَالَ أَصْبَغُ، وَبِهِ أَقُولُ: إنَّهُ يَقْصُرُ حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ بِشَيْءٍ بَلْ قَالَ: تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَسْمِ شَكٍّ يُشِيرُ إلَى كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَصَرَةً فَقَالَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ رُجُوعَ مَالِكٍ عَنْ إتْمَامِ الْمَكِّيِّ وَنَاوِي الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَالْمُحَصَّبِيِّ فِي رُجُوعِهِمْ إلَى مَكَّةَ وَمُقَامِهِمْ بِمِنًى لِيَخِفَّ النَّاسُ إلَى قَصْرِهِمْ حَتَّى يَصِلُوا الْمُحَصَّبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَى الْعُتْبِيِّ عَنْ أَصْبَغَ رَجَعَ فَقَالَ الْآخَرُ أَعْجَبُ إلَيَّ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَنْوِيِّ فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُحَصَّبِيَّ وَصَرَّحَ بِتَقْصِيرِهِمَا بِالْمُحَصَّبِ قَالَ: وَالْقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْصِيبَ مَشْرُوعٌ أَوَّلًا قَالَ: وَيَلْزَمُ قَصْرَ الْمَنْوِيِّ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ لِمِنًى؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ عَمَلٌ مِنْ الْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ بَحْثًا مَعَ الْبَاجِيِّ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلَيْنِ وَرَدَّهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْبَاجِيِّ قَوْلَهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَصْرُ الْمَنْوِيِّ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ لِمِنًى؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ، فَإِنَّ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ هُوَ فِي وَطَنِهِ، وَالتَّحْصِيبُ خَارِجٌ عَنْ وَطَنِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: يَقْصُرَانِ بِالْمُحَصَّبِ، فَإِنَّهُ جَمَعَ فِي الرِّوَايَةِ مَعَهُمَا الْمُحَصَّبِيُّ، وَذَلِكَ: يَمْنَعُ دُخُولَ مَا بَعُدَ حَتَّى فِيمَا قَبْلَهَا انْتَهَى. يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: فِي الرِّوَايَةِ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الْمُحَصَّبِ، وَلَمْ أَقِفْ فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَيَقْصُرَانِ بِالْمُحَصَّبِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ السَّمَاعِ، وَأَنَّ فِيهِ حَتَّى يَصِلُوا الْمُحَصَّبَ لَعَلَّهُ فِي نُسْخَتِهِ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ حِينَ يَنْزِلُونَ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ

النَّوَادِرِ بَلْ صَرِيحُهَا وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: الرَّابِعُ: فِي تَرْجَمَةِ صَلَاةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَنْوِيِّ فِي مَسِيرِهِمْ إلَى عَرَفَةَ، وَمِنْ كِتَابِ الْعُتْبِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْمَكِّيِّينَ، وَأَهْلِ مِنًى مِنْ مِنًى فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مَكَّةَ فَلْيُتِمَّ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَلْيُقِيمُوا حَتَّى يُصَلُّوا الْعِشَاءَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فِي نُزُولِهِمْ بِالْمُحَصَّبِ أَوْ إنْ تَأَخَّرُوا بِمِنًى يُرِيدُ مِنْ الْمَكِّيِّينَ لِزِحَامٍ وَنَحْوِهِ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَى آخِرِ قَوْلَيْهِ رَجَعَ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ تَخَلَّفَ بِمِنًى يُرِيدُ مِنْ الْمَكِّيِّينَ لِزِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ تَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ بِهَا أَوْ فِي طَرِيقِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُتِمُّ ثُمَّ قَالَ: يَقْصُرُ، ثُمَّ قَالَ: يُتِمُّ وَبِالْإِقْصَارِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُهُ: وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَمِنْ كِتَابِ الْعُتْبِيِّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَكِّيِّ يُقِيمُ بِمِنًى لِيَخِفَّ النَّاسُ فَلْيُتِمَّ بِمِنًى، وَكَذَلِكَ مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَافَ مِنْهُمْ فَوَاتَ الْوَقْتِ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى صَلَّى أَرْبَعًا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَرَاهُ يُرِيدُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ لَهُ مَقَامُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَكَّةَ بِنِيَّةٍ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي آخِرِ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَهُوَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: وَمَنْ أَقَامَ بِمِنًى آخِرَ أَيَّامِ الرَّمْيِ بَعْدَ أَنْ رَمَى لِزِحَامٍ أَوْ لِبَرْدٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فَحَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ بِمِنًى فَلْيَقْصُرْ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَ إلَيْهَا بَعْدَ الرَّمْيِ فَأَقَامَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ فَلْيَقْصُرْ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ، وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّهُ يُتِمُّ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يَقْصُرُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: وَأَهْلُ مِنًى يُتِمُّونَ بِمِنًى وَيَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ وَأَهْلُ عَرَفَةَ يُتِمُّونَ بِهَا وَيَقْصُرُونَ بِمِنًى، وَلَيْسَ الْحَاجُّ كَغَيْرِهِ، وَهُوَ فِي الْحَجِّ سَفَرٌ يَقْصُرُ فِيهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ سَنَدٌ الْخِلَافَ كَذَلِكَ، وَنَصُّهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي (فَرْعٌ) : فِيمَنْ قَضَى نُسُكَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَكَّةَ فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ مَكَّةَ أَوْ نَزَلَ الْمُحَصَّبَ فَأَقَامَ بِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِنًى فَفَعَلَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُتِمُّ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فِي نُزُولِهِمْ بِالْمُحَصِّبِ، وَإِنْ تَأَخَّرُوا بِمِنًى لِزِحَامٍ وَنَحْوِهِ يُرِيدُ الْمَكِّيِّينَ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَإِلَى آخِرِ قَوْلِهِ: رَجَعَ، وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ انْتَهَى. ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ نَحْوَ كَلَامِ النَّوَادِرِ، وَأَمَّا مَنْ وَرَدَ عَلَى مَكَّةَ، وَلَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ بِهَا أَرْبَعًا حَتَّى خَرَجَ إلَى الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بِمِنًى، وَفِي جَمِيعِ مَوَاطِنِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ فِي انْصِرَافِهِ إلَى مَكَّةَ إذْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ أَرْبَعًا، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ أَيْضًا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَوْلُ سَنَدٍ: أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِنًى فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ: مِنْ انْصِرَافٍ مِنْ الْمَكِّيِّينَ وَأَهْلِ مِنًى مِنْ مِنًى مُرَادُهُمْ بِأَهْلِ مِنًى الْحَاجُّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُحَصِّبُونَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقَاتِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي تَرْجَمَةِ قَصْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى قِيلَ لَهُ يَعْنِي مَالِكًا: فَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مِمَّنْ قَدْ أَتَمَّ بِهَا الصَّلَاةَ إلَى مِنًى أَيَقْصُرُ حِينَ يَخْرُجُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِلسَّائِلِ: بَلْ يَقْصُرُ بِمِنًى، وَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ إذَا خَرَجَ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى فَقَالَ: يَقْصُرُ بِمِنًى قِيلَ: فَفِي طَرِيقِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مِنًى؟ قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ سَنَدٌ: وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ بِمِنًى أَوَّلُ الْمَنَاسِكِ، فَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ حُكْمُ النُّسُكِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقْصُرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْطَى سَفَرَهُ حُكْمَ الْقَصْرِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ انْتَهَى. وَحَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ يَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مِنًى عَلَى الْأَحْسَنِ، كَمَا قَالَهُ سَنَدٌ وَبَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ وَكَذَا فِي ذَهَابِهِ إلَى عَرَفَةَ، وَفِي عَرَفَةَ، وَفِي رُجُوعِهِ لِلْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي رُجُوعِهِ

إلَى مِنًى، وَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ بِمِنًى إلَّا أَهْلَ كُلِّ مَكَان فِي مَحَلِّهِمْ فَلَا يَقْصُرُونَ فِيهِ، وَمَنْ تَوَجَّهَ مِنْ الْحَاجِّ إلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَهَلْ يَقْصُرُ فِي حَالِ إفَاضَتِهِ؟ تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ يَقْصُرُ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَكِّيِّ وَالْمُقِيمِ بِمَكَّةَ أَيْضًا بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِوُضُوحِهِ، وَإِذَا رَمَوْا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ ثُمَّ تَوَجَّهُوا إلَى الْمُحَصَّبِ فَنَزَلُوا فِيهِ أَوْ أَقَامُوا بِمِنًى لِيَخِفَّ النَّاسُ أَوْ أَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ فَفِي قَصْرِهِمْ وَإِتْمَامِهِمْ قَوْلَانِ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى الْقَصْرِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ أَمَّا مَنْ قَدِمَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَعَزْمُهُ أَنْ لَا يُقِيمَ بَعْدَهُ فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَلَّ بِهِ، فَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ الْحَجِّ أَرْبَعًا أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَعَزَمَ عَلَى الْحَجِّ وَالسَّفَرِ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ إقَامَةً بِمَكَّةَ أَصْلًا فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمُقِيمِ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْحَجِّ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ، وَلَكِنَّ نِيَّتَهُ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ الْحَجِّ أَرْبَعًا فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّ لَهُ حُكْمَ السَّفَرِ حَتَّى يَرْجِعَ لِلْإِقَامَةِ إلَى مَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي تَبْصِرَتِهِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِيمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ يُرِيدُ الْمُقَامَ بِهَا، وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى إلَّا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إنَّهُ يَقْصُرُ حِينَئِذٍ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ حَجِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ مُجْتَازًا يُرِيدُ الْمُقَامَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَبْيَنُ، وَلَا تُضَمُّ إقَامَتُهُ الْأُولَى إلَى مَا بَعْدَهَا، كَمَا لَا يُضَمُّ السَّفَرُ الْأَوَّلُ إلَى مَا بَعْدَهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا إقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَسَنَدٌ وَغَيْرُهُمْ، وَنَصُّ كَلَامِ سَنَدٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي فِي بَابِ الْقَصْرِ فَرْعٌ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي حَاجٍّ أَقَامَ بِمَكَّةَ - حَرَسَهَا اللَّهُ - يُتِمُّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ فَقَصَرَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا يُرِيدُ بِهَا إقَامَةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَسِيرُ إلَى بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ بِهَا قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَمَّا وَصَلَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلْيَقْصُرْ الصَّلَاةَ إنْ مَرَّ بِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا عَلَى نِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهَا ثُمَّ يُسَافِرُ فَيَكُونُ سَفَرُهُ الثَّانِي غَيْرَ سَفَرِهِ الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونُ عَوْدُهُ إلَيْهَا قَاطِعًا بَيْنَ السَّفَرَيْنِ أَوْ يَخْرُجَ عَنْهَا عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا تَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ فَيَكُونُ سَفَرًا وَاحِدًا فِي سَيْرِهِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ بِهَا مَسْكَنٌ، وَلَا أَهْلٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ، هَلْ تَتَخَرَّجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ بِضْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ لِيَعْتَمِرَ مِنْ الْجُحْفَةِ وَيُقِيمَ يَوْمَيْنِ؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ: إنَّهُ يُتِمُّ فِي الْيَوْمَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ هُنَاكَ سَفَرٌ طَوِيلٌ يَقْطَعُ حُكْمَ الْإِقَامَةِ، وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ سَفَرٌ طَوِيلٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الْقَصْرُ بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: وَلَوْ خَرَجَ لِيَعْتَمِرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ بِلَا خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) مَنْ تَعَجَّلَ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ، هَلْ يُتِمُّ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ، هَلْ يَتَخَرَّجُ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ أَوْ لَا؟ أَمَّا عَلَى تَوْجِيهِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُمَا فَيَتَخَرَّجَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَأَمَّا عَلَى تَوْجِيهِ الْبَاجِيِّ لَهُمَا فَلَا يَتَخَرَّجَانِ، وَالْإِتْمَامُ أَحْوَطُ (الثَّانِي:) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي النَّازِلِ فِي الْمُحَصَّبِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي شُرِعَ لَهُ إيقَاعُهَا فِي الْمُحَصَّبِ، وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ: هَلْ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي الثَّالِثِ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ بِمِنًى، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي النَّوَادِرِ بِالظُّهْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الشُّمُولُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ الْحُجَّاجِ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ النُّسُكِ كَالرُّعَاةِ إذَا رَمَوْا الْجَمْرَةَ، وَتَوَجَّهُوا لِلرَّعْيِ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ: أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْحُجَّاجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا يُقِيمُ بَعْدَ رَمْيِهِ وَلْيَنْفِرْ وَيُصَلِّي فِي طَرِيقِهِ

وَإِذَا كَانَ لَهُ ثِقْلٌ وَعِيَالٌ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَلَا يُصَلِّي ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَسْجِدِ مِنًى غَيْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ، وَلَا يَرْمِي وَيَرْجِعُ إلَى ثِقْلِهِ فَيُقِيمُ فِيهِ حَتَّى يَتَحَمَّلَ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ أَصْبَغُ: وَالسُّنَّةُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ الْآخِرَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ، وَيَتَوَجَّهُ قَاصِدًا، وَقَدْ أَعَدَّ رَوَاحِلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يَلِي ذَلِكَ لَهُ، وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَإِذَا رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَعْنِي بِهِ ثَالِثَ أَيَّامِ مِنًى، وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ) ش أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَبِهَذَا صَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: مَا لَمْ يَرْمِ قَبْلَ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْأَوَّلَ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَالثَّانِيَ: لِابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ كَيْفَ صَدَّرَ بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ (قُلْت:) عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ: وَفِيهَا مَنْ وَقَفَ بَعْدَ الْإِمَامِ لَمْ يَجْمَعْ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ رَجَا وُصُولَهَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَخَّرَ الْجَمْعَ إلَيْهَا ابْنُ بَشِيرٍ وَإِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَار انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ رُخْصَةٌ فِي حُكْمِ السُّنَّةِ لِمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ قَالَ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَغَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَلَا يُؤَخِّرُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَةَ وَيَرْجِعَ لِلْمُزْدَلِفَةِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا جَاءَتْ فِيمَنْ وَقَفَ، وَقَدْ يَحُول هَذَا دُونَ عَرَفَةَ أَوْ يَعُوقُهُ عَائِقٌ فَيُفَوِّتُهُ الْحَجَّ، وَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ زَوَالَ الشَّمْسِ، وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ وَيَخْرُجَ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَذَلِكَ هُنَا. ص (وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا) ش أَيْ: وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَى مَحِلِّ الْجَمْعِ أَعَادَهُمَا، وَمَحِلُّهُ الْمُزْدَلِفَةُ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ جَمَعَ الصَّلَاتَيْنِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاتُّفِقَ عَلَى إعَادَةِ الْعِشَاءِ إذَا صَلَّاهَا قَبْلَ الشَّفَقِ لِكَوْنِهِ صَلَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَاخْتُلِفَ فِي إعَادَةِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَبَدًا انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِشَاءَ إذَا صُلِّيَتْ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ تُعَادُ أَبَدًا، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ) ش الْمَشْعَرُ اسْمُ الْبِنَاءِ الَّذِي بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِهَا، وَقَالَ فِي الزَّاهِي، فَإِذَا أَصْبَحَ وَصَلَّى وَقَفَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ الَّذِي بَنَاهُ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِيَهْتَدِيَ بِهِ الْحَاجُّ الْمُقْبِلُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ انْتَهَى. وَالْوُقُوفُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ يُجْزِي، وَعِنْدَ الْبِنَاءِ أَفْضَلُ وَيَجْعَلُ الْبِنَاءَ عَلَى يَسَارِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَرٍ: وَلْيَقِفْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الَّذِي بِالْمُزْدَلِفَةِ انْتَهَى. ص (يُكَبِّرُ وَيَدْعُو لِلْإِسْفَارِ) ش نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ التَّمَادِي بِالْوُقُوفِ إلَى الْأَسْفَارِ وَنَحْوُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُخْتَصَرِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَقِفُ أَحَدٌ بِالْمَشْعَرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ الْإِسْفَارِ، وَلَكِنْ يَرْكَعُونَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَسْفَرَ، وَلَمْ يَدْفَعْ الْإِمَامُ دَفَعَ النَّاسُ وَتَرَكُوهُ قَالَ سَنَدٌ: إذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الدَّفْعَ، فَإِنْ لَمْ يُسْفِرْ لَمْ يَدْفَعْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِهِ وَالْوَقْتُ يَحْتَمِلُ الِاجْتِهَادَ، وَإِنْ أَسْفَرَ، وَلَمْ يَدْفَعْ دَفَعُوا وَتَرَكُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْأَسْفَارِ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ فَيَتْبَعُوهُ فِيهِ وَالْخَطَأُ لَا يُتْبَعُ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ فِي كَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَمَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. ص (وَلَا وُقُوفَ بَعْدَهُ، وَلَا قَبْلَ الصُّبْحِ) ش أَيْ: وَلَا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: وَمَنْ وَقَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَقِفْ انْتَهَى. ص (وَإِسْرَاعٌ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ) ش قَالَ ابْنُ نَاجِي: بَطْنُ مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ بِمِنًى قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَانْظُرْ سِرَّ التَّحْرِيكِ، فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَلَيْسَ بَطْنُ مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى بَلْ هُوَ عَلَى حَدِّ مِنًى، وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ مَا يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْإِسْرَاعِ فِيهِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص

وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ، وَإِنْ رَاكِبًا) ش قَالَ سَنَدٌ: وَالرُّكُوبُ فِي الْعَقَبَةِ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الرَّمْيِ حَتَّى يُقَالَ: مَنْ قَدِمَ مِنًى مَاشِيًا فَلْيَرْكَبْ وَقْتَ الرَّمْيِ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ الِاسْتِعْجَالُ فَمَنْ كَانَ رَاكِبًا رَمَى رَاكِبًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ، وَمَنْ كَانَ مَاشِيًا رَمَى مَاشِيًا، وَلَوْ مَشَى الرَّاكِبُ وَرَكِبَ الْمَاشِي لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هَيْئَةٌ، وَلَيْسَ بِنُسُكٍ مُسْتَقِلٍّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلْيَمْشِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ مِنًى، وَفِي الْيَوْمِ الْآخَرِ فَقِيلَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ تَحَمَّلُوا مَرْحَلَتَيْنِ قَالَ فِي ذَلِكَ سِعَةٌ رَكِبَ أَوْ مَشَى انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلْيَرْمِهَا رَاكِبًا، كَمَا هُوَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ قَبْلَ الْفَجْرِ يُرِيدُ أَنَّ الرُّكُوبَ لَيْسَ هُوَ لِأَجْلِ الْجَمْرَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاسْتِعْجَالُ بِهَا، فَإِذَا قَدِمَ رَاكِبًا مَرَّ، كَمَا هُوَ إلَيْهَا وَرَمَى، وَإِنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ رَمْيٍ أَخَّرَ الرَّمْيَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَبَ إلَيْهَا بَلْ يَمْشِي لَهَا كَمَا يَمْشِي لِسَائِرِ الْجِمَارِ، فَإِنَّ الْمَشْيَ إلَى الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِمَا رَوَاهُ نَافِعٌ «عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا إذَا رَمَوْا الْجِمَارَ مَشَوْا ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَلَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى رَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَرْمِيهَا مِنْ أَسْفَلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِزِحَامٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَهَا مِنْ فَوْقِهَا، وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ لِزِحَامٍ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا يَرْمِيهَا إلَّا مِنْ أَسْفَلِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِذَا رَمَاهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَلِيَسْتَقْبِلهَا وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَهُوَ بِبَطْنِ الْوَادِي، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَفْعَلُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا بَعْدَ الرَّمْيِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَجَعَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَقِفُ لِلدُّعَاءِ ظَاهِرُ الْبَاجِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَوْضِعَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِيهِ سَعَةٌ لِلْقِيَامِ لِمَنْ يَرْمِي، وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَمَوْضِعُهَا ضَيِّقٌ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَنْصَرِفُ الَّذِي يَرْمِيهَا عَلَى طَرِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الَّذِي يَأْتِي لِلرَّمْيِ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ مِنْ أَعْلَى الْجَمْرَةِ انْتَهَى. ص (وَحَلَّ بِهَا غَيْرُ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ) ش شَمِلَ قَوْلُهُ: نِسَاءٍ الْجِمَاعَ وَمُقَدِّمَاتِهِ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنَّ عَقَدَ النِّكَاحَ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنْ قَبِلَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَأَمَّا الْجِمَاعُ فَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهُ، وَالتَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ يَحْصُلُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بِخُرُوجِ وَقْتِ أَدَائِهَا قَالَهُ فِي الطِّرَازِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ بَابِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ: وَفَوْتُ رَمْيِ الْعَقَبَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ كَفِعْلِهَا فِي الْإِحْلَالِ الْأَصْغَرِ لِسَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ مَضَى إثْرَ وُقُوفِهِ لِبَلَدِهِ رَجَعَ لَابِسًا ثِيَابَهُ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْأَدَاءِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) ش ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى مُحَمَّدٌ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، وَفِيهَا قِيلَ: إنْ سَبَّحَ أَيُجْزِئُهُ؟ قَالَ: السُّنَّةُ التَّكْبِيرُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَبُو عُمَرَ إجْمَاعًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَمَنْ لَمْ يُكَبِّرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْجِمَارِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرَّمْيُ حِفْظًا لِعَدَدِهِ كَالتَّسْبِيحِ بِالْحَصَى فَالدَّمُ يَتَعَلَّقُ عِنْدَهُمْ بِتَرْكِ التَّكْبِيرِ لَا بِتَرْكِ الرَّمْيِ، وَحَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى. وَحَكَى فِي الطِّرَازِ أَيْضًا الْإِجْزَاءَ عَنْ الْجُمْهُورِ (تَنْبِيهٌ:) ذَكَرَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي مَنْسَكِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقُولُ مَعَ التَّكْبِيرِ هَذِهِ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ، وَهَذِهِ فِي غَضَبِ الشَّيْطَانِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الزَّاهِي وَيَقُولُ: إذَا رَمَى الْجِمَارَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا انْتَهَى. وَيَعْنِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكُلَّمَا رَمَى أَوْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا انْتَهَى. ص

وَتَتَابُعُهَا) ش أَيْ: نُدِبَ تَتَابُعُ الْحَصَيَاتِ السَّبْعِ أَيْ: مُوَالَاتُهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: بَعْدُ وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ أَيْ: تَتَابُعُ الرَّمْيِ فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، وَفِي غَيْرِهَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالثَّانِي: عَامٌّ فِي الْجِمَارِ كُلِّهَا انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى التَّتَابُعِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ. ص (وَلَقْطُهَا) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَقْطُهَا أَوْلَى مِنْ كَسْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: وَلَقْطُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَسْرِهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى كَسْرِهَا فَلَا بَأْسَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ بِمَنْزِلِهِ مِنْ مِنًى أَوْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ ص (وَطَلَبُ بَدَنَةٍ لَهُ لِيَحْلِقَ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَلْقِ إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ بِلَا عُذْرٍ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. (قُلْت:) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فَتَأْخِيرُ الذَّبْحِ أَيْضًا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَلْقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ حَلْقُهُ) ش الِاسْتِحْبَابُ يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ أَوْ إلَى إيقَاعِ الْحَلْقِ عَقِبَ الذَّبْحِ أَمَّا الْحَلْقُ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ هُوَ أَوْ التَّقْصِيرُ ثُمَّ اسْتِحْبَابُ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ لَيْسَ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَمَا إذَا كَانَ الشَّعْرُ قَصِيرًا جِدًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّأْسِ شَعْرٌ كَالْأَقْرَعِ، فَإِنَّهُ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَنَدٌ: وَلَوْ أَمَّرَ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ انْتَهَى. وَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ أَيْضًا فِي الرَّجُلِ إذَا لَبَّدَ رَأْسَهُ أَوْ عَقَصَ أَوْ ضَفَرَ لِلسُّنَّةِ وَيَتَعَيَّنُ التَّقْصِيرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ، وَلَوْ لَبَّدَتْ وَيُخَيَّرُ فِي الصَّغِيرَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّقْصِيرُ إمَّا لِتَصْمِيغٍ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الصَّمْغَ فِي الْغَاسُولِ ثُمَّ يُلَطِّخَ بِهِ رَأْسَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ يُقَصِّرَ الشَّعْرَ جِدًّا أَوْ لِقِصَرِ الشَّعْرِ جِدًّا أَوْ عَدَمِ الشَّعْرِ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ بِأَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ضَفَرَ أَوْ عَقَصَ أَوْ لَبَّدَ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ التُّونُسِيّ الْحِلَاقُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَاجِبٌ، وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِتَصْمِيغٍ نُظِرَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَغْسِلَهُ ثُمَّ يُقَصِّرَ، وَإِنَّمَا عَيَّنَ عُلَمَاؤُنَا تُعْيِينَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ بِالسُّنَّةِ وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ لَبَّدَتْ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمِنْ الشَّأْنِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْغَاسُولِ وَالْخِطْمِيِّ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِقَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا الشَّأْنُ غَسْلُ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَالْغَاسُولِ حِينَ إرَادَةِ حَلْقِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْحِلَاقُ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ إلَّا لِلْمُتَمَتِّعِ، فَإِنَّ التَّقْصِيرَ فِي الْعُمْرَةِ أَفْضَلُ لَهُ لِيَبْقَى عَلَيْهِ الشَّعَثُ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ (قُلْت:) وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّقْصِيرُ مُطْلَقًا، وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَنْ تَقْرُبَ أَيَّامُ الْحَجِّ وَنَصُّهُ، وَسُئِلَ عَنْ الْمُعْتَمِرِ أَيَحْلِقُ رَأْسَهُ أَحَبُّ إلَيْكَ أَمْ يُقَصِّرُ؟ قَالَ: بَلْ يَحْلِقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ، وَيَتَقَارَبُ الْحَجُّ مِثْلَ الْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ، قَالَ: أَرَى أَنْ يَحْلِقَ وَيُقَصِّرَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْحَلْقُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - بَدَأَ بِهِ فِي كِتَابِهِ وَدَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُحَلِّقَيْنِ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ تَقْرُبَ أَيَّامُ الْحَجِّ فَالتَّقْصِيرُ فِي الْعُمْرَةِ أَفْضَلُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَلْقُ الْمُعْتَمِرِ أَفْضَلُ مِنْ تَقْصِيرِهِ إلَّا أَنْ يُعْقِبَهُ بِيَسِيرِ أَيَّامٍ فَتَقْصِيرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. فَفِي الرِّوَايَة تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَيَّامِ الْمَوْسِمِ، وَهِيَ فِي الْعُرْفِ مِنْ أَوَائِلِ شَهْرِ ذِي الْحَجَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إيقَاعُ الْحَلْقِ عَقِبَ الذَّبْحِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَهْمِ: إنَّ الْمَكِّيَّ الْقَارِنَ لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَلْزَمُهُ فِي حَقِّ كُلِّ

مَنْ أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ:) حُكْمُ الصَّبِيِّ حُكْمُ الرَّجُلِ فِي الْحِلَاقِ قَالَهُ سَنَدٌ (الثَّانِي:) قَالَ سَنَدٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِلَاقِ رَأْسِهِ، وَلَا التَّقْصِيرِ مِنْ وَجَعٍ بِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ، وَقَالَهُ أَيْضًا فِي - مَنَاسِكِهِ - فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ، وَالتَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي الْهَدْيِ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى وَانْظُرْ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ إذَا صَحَّ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنِ حَبِيبٍ: وَيَبْلُغُ بِالْحِلَاقِ يُرِيدُ أَوْ بِالتَّقْصِيرِ إلَى عَظْمِ الصُّدْغَيْنِ مُنْتَهَى طَرَفِ اللِّحْيَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ، وَلَا يَتِمُّ نُسُكُ الْحَلْقِ إلَّا بِحَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَالشَّعْرِ الَّذِي عَلَى الْأُذُنَيْنِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَحْلِقُ مَا عَلَى الْأُذُنَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِي كَوْنِهَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا بَدَأَ بِالْحَلْقِ بَدَأَ بِالْيَمِينِ انْتَهَى. وَلَفْظُ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ وَيَبْدَأُ فِي حِلَاقِهِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ بَعْدَهُ عِيَاضٌ فِي بُدَاءَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَلْقِهِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مَشْهُورٌ سُنَّةً فِي التَّيَامُنِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي وَيَبْدَأُ الْحَالِقُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ، وَلْيَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُمْ أَرَادُوا الشِّقَّ الْأَيْمَنَ لِلْمَحْلُوقِ، وَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ: يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ أَيْ: الْمُحْلَقُ رَأْسُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ مَنْسَكَ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ عَنْ وَكِيعٍ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: أَخْطَأْتُ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَعَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ وَذَلِكَ: أَنِّي حِينَ أَرَدْتُ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي وَقَفْتُ عَلَى حَجَّامٍ فَقُلْتُ بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي، فَقَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عَلَيْهِ اجْلِسْ فَجَلَسْتُ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لِي: حَوِّلْ وَجْهَكَ إلَى الْقِبْلَةِ، فَحَوَّلْتُ، وَأَرَدْتُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسِي مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَقَالَ لِي: أَدِرْ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ مِنْ رَأْسِكَ فَأَدَرْتُهُ، فَجَعَلَ يَحْلِقُ، وَأَنَا سَاكِتٌ فَقَالَ لِي: كَبِّرْ فَجَعَلْتُ أُكَبِّرُ حَتَّى قُمْتُ؛ لِأَذْهَبَ قَالَ لِي أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ رَحْلِي، فَقَالَ لِي: ادْفِنْ شَعْرَكَ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ امْضِ، فَقُلْتُ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَكَ مَا أَمَرْتَنِي، فَقَالَ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ رَبَاحٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْفُتُوحَاتِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا عَصَيْتَ اللَّهَ فِي مَوْضِعٍ فَلَا تَبْرَحْ مِنْهُ حَتَّى تَعْمَلَ فِيهِ طَاعَةً لِمَا يَشْهَدُ عَلَيْكَ يَشْهَدُ لَكَ، وَكَذَلِكَ ثَوْبُكَ إذَا عَصَيْتَ اللَّهَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُفَارِقُكَ مِنْكَ مِنْ قَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِ عَانَةٍ وَقَصِّ أَظَافِرَ وَتَسْرِيحِ لِحْيَةٍ وَتَنْقِيَةِ وَسَخٍ لَا يُفَارِقُكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا وَأَنْتَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَذِكْرٍ لِلَّهِ، فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْكَ كَيْفَ تَرَكَكَ، وَأَقَلُّ عِبَادَةٍ تَقْدِرُ عَلَيْهَا عِنْدَ هَذَا كُلِّهِ أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكَ حَتَّى تَكُونَ مُؤَدِّيًا وَاجِبًا فِي امْتِثَالِ قَوْلِهِ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] ثُمَّ قَالَ {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60] يَعْنِي بِالْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ، وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْحَلْقِ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تَغْشَى الْحَاجَّ عِنْدَ حِلَاقِهِ انْتَهَى. (الْخَامِسُ:) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَحَالَةِ الْإِحْلَالِ، وَكَذَلِكَ الْحَادَّةُ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تُزِيلَ الشُّعْثَ عَنْ نَفْسِهَا لِتُخَالِفَ بَيْنَ زَمَانِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَبَدَأَ بِقَلْمِ أَظَافِرِهِ، وَأَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَاسْتَحَدَّ وَاطَّلَى بِالنُّورَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظَافِرِهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: وَخُذْ مِنْ شَارِبِكَ وَلِحْيَتِكَ عِنْدَ الْحَلْقِ وَبَالِغْ فِي الْأَخْذِ مِنْ اللِّحْيَةِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ

الْوَقْتِ مَا لَا يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَقَضَاءُ التَّفَثِ حِلَاقُ الرَّأْسِ، وَقَصُّ الْأَظَافِرِ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الْجَسَدِ وَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالنَّذْرُ رَمْيُ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ لِمَا جَاوَزَ الْقَبْضَةَ وَيَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ عَارِضَيْهِ، وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ لِلْمُعْتَمِرِ بَعْدَ السَّعْيِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَوَّرَ وَيَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَيَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ وَلِحْيَتِهِ قَبْلَ حَلْقِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَكْرَهُ غَسْلَ الْمُعْتَمِرِ رَأْسَهُ أَوْ لُبْسَهُ قَمِيصًا قَبْلَ حَلْقِهِ الْبَاجِيُّ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ وُجِدَ مِنْهُ تَحَلُّلٌ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْمُعْتَمِرُ لَا تَحَلُّلَ لَهُ قَبْلَ حَلْقِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُكْرَهُ لَهَا الْحِلَاقُ هَكَذَا حَكَى الْبَلَنْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ أَنَّ الْحَلْقَ لِلْمَرْأَةِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ بِهَا أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ اللَّخْمِيّ، وَكَذَلِكَ الْكَبِيرَةُ إذَا كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى، وَالْحَلْقُ صَلَاحٌ لَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ إلَّا التَّقْصِيرُ رَوَى مُحَمَّدٌ، وَلَوْ لَبَّدَتْ الْبَاجِيُّ بَعْدَ زَوَالِ تَلْبِيدِهَا بِامْتِشَاطِهَا ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَلْتَأْخُذْ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ كُلِّ قُرُونِهَا الشَّيْءَ الْقَلِيلَ، مَا أَخَذَتْ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهَا الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ: حَلْقُ الصَّغِيرَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَقْصِيرِهَا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّخْيِيرَ اللَّخْمِيُّ بِنْتُ تِسْعٍ كَالْكَبِيرَةِ، وَيَجُوزُ فِي الصَّغِيرَةِ الْأَمْرَانِ وَحَلْقُ بَعْضِهِ أَوْ تَقْصِيرُهُ لَغْوٌ، وَلَا نَصَّ فِي تَعْمِيمِهِ مِنْهُمَا، وَالْأَقْرَبُ الْكَرَاهَةُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَعْنِي التَّعْمِيمَ مِنْهَا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطِّرَازِ. ص (تَأْخُذُ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ وَالرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ) ش قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَعُمَّ الْمَرْأَةُ الشَّعْرَ كُلَّهُ طَوِيلَهُ وَقَصِيرَهُ بِالتَّقْصِيرِ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ انْتَهَى. ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ تَقْصِيرُ الرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ، وَلَكِنْ يَجُزُّهُ جَزًّا، وَلَيْسَ مِثْلَ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ وَأَخَذَ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَيُجْزِئُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِيهَا مَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ شَعْرِهِ أَجْزَأَ انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَمَا أَخَذَ مِنْهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أَجْزَأَ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَقَلُّ مَا يَكْفِي مِنْ التَّقْصِيرِ الْأَخْذُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَعَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِأُنْمُلَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ يُفِيضُ) ش قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ فِي مَنْسَكِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤَخِّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الْحَلْقِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَقْضِي حَوَائِجَهُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَاف الْإِفَاضَةِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى، وَلَا يَتَنَفَّلُ بِطَوَافٍ، وَلَا بِطَوَافَيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَطُوفُوا يَوْمَ النَّحْرِ ثَلَاثَ أَسَابِيعَ قَالَ: وَقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى لِمَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ سَمِعَ الْأَذَانَ، هَلْ تَرَى لَهُ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى فَيُصَلِّيَ بِهَا الظُّهْرَ إنْ كَانَ أَفَاضَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ أَوْ الْمَغْرِبِ إنْ كَانَ أَفَاضَ فِي آخِرِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَزَادَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ فَوَاسِعٌ أَنْ يَثْبُتَ لِيُصَلِّيَ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيمَنْ أَفَاضَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الزَّاهِي: وَلَا يَمْضِي مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فِي أَيَّامِ مِنًى لِلطَّوَافِ تَطَوُّعًا وَيَلْزَمُ مَسْجِدَ الْخَيْفِ لِلصَّلَوَاتِ أَفْضَلُ انْتَهَى. ص

وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ إنْ حَلَقَ) ش أَيْ: وَحَلَّ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالصَّيْدُ وَكَرَاهَةُ الطِّيبِ، وَهَذَا يُسَمَّى التَّحَلُّلَ الثَّانِيَ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ قَدَّمَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَالتَّحَلُّلُ الثَّانِي فِي حَقِّهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى قَالَهُ سَنَدٌ فِي آخِرِ بَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَشَرَحَ مَسْأَلَةَ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ مِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، وَقَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمَقْصِدِ الثَّامِنِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ فِي بَيَانِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَيَرْجِعُ لِلسَّعْيِ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ إنْ أَصَابَ النِّسَاءَ انْتَهَى. ، وَكَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَتَأْخِيرِهِ الْحَلْقَ لِبَلَدِهِ) ش نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُرِيدُ أَوْ طَالَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْت، هَلْ يُقَيِّدُ وُجُوبَ الدَّمِ بِمَا إذَا أَخَّرَهُ إلَى الْمُحَرَّمِ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ قِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْبَاجِيَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَنْفِي هَذَا التَّقْيِيدَ وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا تَبَاعَدَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَهْدَى، وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ، وَإِنْ ذَكَرَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَلْيَرْجِعْ حَتَّى يَحْلِقَ ثُمَّ يُفِيضَ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا أَخَّرَ الْمُحْصَرُ الْحَلْقَ إلَى بَلَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا نَصُّهُ: رَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الدَّمَ فِي الْحِلَاقِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ، وَوَقْتُهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَلَا يَجِبُ فِي مَكَانِ تَحَلُّلِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ رَحَلَ رَجُلٌ مِنْ مِنًى، وَلَمْ يَحْلِقْ بِهَا وَحَلَقَ فِي غَيْرِهَا فِي وَقْتِ الْحِلَاقِ، وَأَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْتَهَى. ص (أَوْ الْإِفَاضَةُ لِلْمُحَرَّمِ) ش وَكَذَا لَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَأَخَّرَ السَّعْيَ حَتَّى دَخَلَ الْمُحَرَّمُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَسْعَى، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، كَمَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ الْمُحْصَرِ، وَإِنْ أَخَّرَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ مَعًا فَهَدْيٌ وَاحِدٌ يُجْزِيهِ قَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ الطَّوَافِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَمْيِ كُلِّ حَصَاةٍ) ش بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْحَلْقِ فِي قَوْلِهِ: كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ. ص (وَإِنْ لِصَغِيرٍ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ أَوْ عَاجِزٍ وَلْيَسْتَنِبْ) ش يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ يَتَرَتَّبُ بِتَأْخِيرِ حَصَاةٍ أَوْ جَمْرَةٍ أَوْ الْجِمَارِ كُلِّهَا لِلَيْلٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّأْخِيرُ لِصَغِيرٍ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ، فَإِنْ لَمْ يَرْمِ عَنْهُ وَلِيُّهُ حَتَّى غَرَبَتْ

الشَّمْسُ أَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِمَرِيضٍ عَاجِزٍ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْحَالُ: أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الرَّمْيِ يَسْتَنِيبُ لَكِنَّ اسْتِنَابَتَهُ لَا تُسْقِطُ عَنْهُ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْهَدْيُ إذَا صَحَّ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَرَمَى عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا رَمَى عَنْهُ وَلِيُّهُ فَلَا هَدْيَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْعَاجِزِ أَنَّ الرَّمْيَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ جُزْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ الَّتِي تُفْعَلُ بِالصَّبِيِّ، وَالْفَاعِلُ فِي الْحَقِيقَةِ لَهَا غَيْرُ الصَّبِيِّ فَلَا يَلْزَمُ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ هَدْيٌ، كَمَا لَا يَلْزَمُ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ مِنْ وُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَرِيضُ هُوَ الْفَاعِلُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ، فَإِذَا فُعِلَ عَنْهُ الرَّمْيُ خَاصَّةً مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِسَائِرِ الْأَفْعَالِ صَارَ كَأَنَّ الرَّمْيَ لَمْ يَقَعْ أَلْبَتَّةَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَعَادَ إنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ) ش الظَّاهِرُ: أَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى الْوُجُوبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ كَالنَّاسِي قَالَ: وَإِذَا قَضَى، فَإِنَّهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْمِي عَنْ الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ ثُمَّ الثَّالِثِ كَذَلِكَ، وَلَا يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَقْدِيمُ الْحَلْقِ أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ) ش أَمَّا تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرُهَا لَا، كَمَا تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ هَدْيٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْهَدْيِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْإِجْزَاءَ مَعَ الْهَدْيِ، كَمَا قَالَ هُنَا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ، وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُفِضْ، وَأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ إفَاضَتِهِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَسَدَ حَجُّهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ أَصْبَغُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الْإِفَاضَةَ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ آكَدُ (تَنْبِيهٌ:) وَانْظُرْ لَوْ أَعَادَ الْإِفَاضَةَ بَعْدَ الرَّمْيِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْهَدْيُ أَمْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا، قُلْنَا: يُجْزِئُهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِمَا أَخَّرَ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ بَعْدَ مَا رَمَى قَالَ أَصْبَغُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يُجْزِهِ لَفَسَدَ حَجُّهُ، كَمَا قَالَ أَشْهَبُ وَأَنْ يُعِيدَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَصْوَنُ وَيَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: وَهَلْ يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ؟ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الْهَدْيِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْإِعَادَةِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (لَا إنْ خَالَفَ فِي غَيْرٍ) ش بِأَنْ قَدَّمَ النَّحْرَ عَلَى الرَّمْيِ أَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ أَوْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ عَلَى النَّحْرِ أَوْ عَلَى الْحَلْقِ أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا. ص (فَوْقَ الْعَقَبَةِ) ش أَيْ: فَوْقَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يَجُوزُ الْمَبِيتُ دُونَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُرَحَّلُ النَّاسَ مِنْ وَرَائِهَا، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ بَاتَ رَجُلٌ لَيْلَةً وَرَاءَ الْعَقَبَةِ فَلْيُهْدِ هَدْيًا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيتَ

اللَّيْلَةَ كُلَّهَا بِغَيْرِ مِنًى انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى وَالرَّمْيُ، وَلَيْسَ مَا بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ مِنًى فَمِنْ بَاتَ بَعْدَهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَبِتْ بِمِنًى، وَقَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ: وَيُشْتَرَطُ فِي التَّعْجِيلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِنًى بِأَنْ يَتَجَاوَزَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ حُكْمِ مِنًى وَرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ الْوُسْطَى، وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأُولَى ثُمَّ الثَّالِثَةَ، وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، وَهِيَ الْقُصْوَى، وَهِيَ أَبْعَدُ الْجِمَارِ إلَى مِنًى وَأَقْرَبُهَا إلَى مَكَّةَ، وَهِيَ الَّتِي تُرْمَى يَوْمَ النَّحْرِ، وَهِيَ عَلَى حَدِّ أَوَّلِ مِنًى مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ آخِرُ مِنًى مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْمَذْكُورِ الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ سُنَّةٌ وَتَارِكُهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَلَوْ بَاتَ تَحْتَ الْجَمْرَةِ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ وَسَوَاءٌ اللَّيْلُ كُلُّهُ أَوْ جُلُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ إطْلَاقَاتِهِمْ لَفْظَ الْعَقَبَةِ، فَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ قَبْلَ هَذَا: وَرَمْيَةُ الْعَقَبَةِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَرُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ، وَقَالَ وَرَمْيُ الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي) ش يَعْنِي أَنَّ التَّعْجِيلَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَمَنْ جَاوَزَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَهَا لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمَى الْيَوْمَ الرَّابِعَ (فَرْعٌ) : وَمَنْ أَفَاضَ لَيْسَ شَأْنُهُ التَّعْجِيلَ فَبَدَا لَهُ بِمَكَّةَ أَنْ يَبِيتَ فَلَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَغِبْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بِمَكَّةَ، فَإِذَا غَابَتْ فَلْيُقِمْ حَتَّى يَرْمِيَ مِنْ الْغَدِ (فَرْعٌ) : وَلَوْ رَجَعَ إلَى مِنًى ثُمَّ بَدَا لَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَنْ يَتَعَجَّلَ فَلَهُ ذَلِكَ. ص (فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ) ش أَيْ: الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: مَنْ تَعَجَّلَ سَقَطَ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ حَصًى أَعَدَّهُ لِرَمْيِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ طَرَحَهُ أَوْ دَفَنَهُ لِمَنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهِ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ أَثَرٌ انْتَهَى. (قُلْت:) قَالَ التَّادَلِيُّ، وَفِي مَنْسَكٍ مَكِّيٍّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ دَفَنَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَصَا، وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ حَصَاةً، وَهُوَ غَرِيبٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَدْفِنُ الْحَصَى إذَا تَعَجَّلَ، وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ انْتَهَى. ص (وَرُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَيَأْتِيَ الثَّالِثَ: فَيَرْمِيَ لِلْيَوْمَيْنِ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا لَيْلًا فَيَرْمُوا مَا فَاتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إذْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ، وَلِلْيَوْمِ الثَّانِي فَرَمْيُهُمْ لَيْلًا أَوْلَى بِالْجَوَازِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا لَيْلًا إلَى مِنًى فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ الْمَبِيتِ بِهَا قَالَ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الرَّعْيِ إنَّمَا تَكُونُ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الرَّعْيِ وَبِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَرَّقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ السِّقَايَةِ إذَا غَرَبَتْ لَهُمْ الشَّمْسُ بِمِنًى قَالُوا؛ لِأَنَّ سِقَايَتَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَكَانَ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى بِخِلَافِ الرُّعَاةِ (تَنْبِيهٌ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ السِّقَايَةِ مَعَ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي مَنَاسِكِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: يَجُوزُ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ تَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَيَبِيتُونَ بِمَكَّةَ وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ بِمِنًى نَهَارًا وَيَعُودُونَ إلَى مَكَّةَ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ أَهْلَ السِّقَايَةِ لَيْسُوا كَالرُّعَاةِ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ سَوَاءٌ (فَائِدَةٌ:) تَتَضَمَّنُ الْكَلَامَ عَلَى حِكْمَةِ أَصْلِ خُرُوجِ سَابِقِ الْحَاجِّ الْمُبَشِّرِ عَنْهُمْ بِسَلَامَتِهِمْ وَوَقْتِ خُرُوجِهِ، هَلْ هُوَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّإِ فِي جَامِعِ الْقَضَاءِ: إنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ مَا نَصُّهُ أَخْرَجَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ ثَانِي التَّلْخِيصِ مِنْ طَرِيق حُسَيْنٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ جَبَلِ أَجْيَادٍ فِي

فرع الرمي بالحجر المتنجس

أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالنَّاسُ بِمِنًى قَالَ فَلِذَلِكَ جَاءَ سَابِقُ الْحَاجِّ يُخْبِرُ بِسَلَامَةِ النَّاسِ (قُلْت:) هَذَا أَصْلُ قُدُومِ الْمُبَشِّرِ عَنْ الْحَاجِّ، وَفِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَّا أَنَّ الْمُبَشِّرَ الْآنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْعِيدِ وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ مَرْدُوَيْهِ أَخْرَجَ فِي السِّيرَةِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ أَرَاهُ رَفَعَهُ، قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً فَبَيْنَمَا هُمْ قُعُودٌ تَرْبُوا الْأَرْضُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ تَصَعَّدَتْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ تَخْرُجُ حِينَ يَسْرِي الْإِمَامُ مِنْ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا جُعِلَ سَابِقُ الْحَاجِّ لِيُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ تَخْرُجْ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي أَنَّ خُرُوجَ الْمُبَشِّرِ يَوْمَ الْعِيدِ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ انْتَهَى. ص (وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ) ش أَيْ: تَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ إلَى مِنًى فِي الرَّدِّ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ اللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ كَقَوْلِهِمْ: سَمِعْتُ لَهُ صُرَاخًا أَيْ: مِنْهُ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي فِي الْأَشْعَارِ مِنْ الرَّأْسِ لِلرَّقَبَةِ أَيْ: مِنْ الرَّقَبَةِ أَيْ: مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: أَمَّا دَفْعُهُ مِنْ الْمَشْعَرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَسُنَّةٌ، وَلَا بَأْسَ بِتَقْدِيمِ الضَّعَفَةِ لَيْلًا كَنَفْرِهِمْ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْإِمَامِ انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّلْقِينِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى بِشَرْطِ الدَّمِ، وَقِيلَ: إنَّهَا رُخْصَةٌ لَهُ خُصُوصًا انْتَهَى. ، وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ) ش هَذَا وَقْتُ الْأَدَاءِ، وَالْوَقْتُ الْمُخْتَارُ مِنْهُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الِاصْفِرَارِ. ص (وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ) ش قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا حَجَرًا، وَلَا يُجْزِي غَيْرُ الْحَجَرِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الْحَصَى وَالْجِمَارِ إلَّا أَنَّ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ غَيْرِهِ نَظَرًا انْتَهَى. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَكُونَ حَصَى الْجِمَارِ أَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ قَلِيلًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ سَنَدٌ: وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَرْمِي بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ وَاسْتَشْكَلَ الشَّافِعِيُّ اسْتِحْبَابَ مَالِكٍ كَوْنَهَا أَكْبَرَ مَعَ مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، وَأُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِلْبَاجِيِّ: أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ، وَالثَّانِي لِعَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ لَكِنْ اسْتَحَبَّ الزِّيَادَة عَلَى حَصَى الْخَذْفِ لِئَلَّا يُنْقِصَ الرَّامِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَوْقَ الْفُسْتُقِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: سَمِعْتُ خَطِيبَ الْحَاجِّ بِمَكَّةَ يَقُولُهُ ثُمَّ رَأَيْتُهُ لِأَصْحَابِنَا انْتَهَى. [فَرْعٌ الرَّمْي بالحجر الْمُتَنَجِّس] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الزَّاهِي وَيَحْمِلُ حَصَى نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَعِينُ عَلَى حَمْلِهِ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَغْسِلُ الْحَصَى. ص (وَإِنْ بِمُتَنَجِّسٍ) ش يَعْنِي: الرَّمْيُ يَصِحُّ بِالْحَجَرِ الْمُتَنَجِّسِ يُرِيدُ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ سَنَدٌ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ رَمَى بِحَجَرٍ نَجِسٍ أَجْزَأَهُ قَالَ: وَلَيْسَ يَبْعُدُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ انْتَهَى. وَلَفْظُ الطِّرَازِ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَوْ رَمَى بِحَجَرٍ نَجِسٍ لَأَجْزَأَهُ، وَهَذَا لَا يَبْعُدُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْحَصَى يَلْتَقِطُهَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا، وَلَوْ كَانَ تَحَقُّقُ النَّجَاسَةِ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ لَكَانَ تَوَقُّعُهَا يُؤْذِنُ بِاسْتِحْبَابِ غَسْلِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ بِحَجَرٍ نَجَسٍ، وَإِنْ رَمَى بِهِ أَعَادَ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَفَاتَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّمْيُ بِالْحَصَى، وَقَدْ حَصَلَ فَوَقَعَ الْإِجْزَاءُ انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُفْهِمُ الْكَرَاهَةَ، وَلَا اسْتِحْبَابَ الْإِعَادَةِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ لِمَالِكٍ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ مَالِكٍ الْإِجْزَاءَ فِي الْحَجَرِ النَّجِسِ. ص (عَلَى الْجَمْرَةِ) ش قَالَ الْبَاجِيُّ الْجَمْرَةُ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الرَّمْي

قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَمْرَةِ الْبِنَاءَ الْقَائِمَ، وَذَلِكَ: الْبِنَاءُ قَائِمٌ وَسَطَ الْجَمْرَةِ عَلَامَةً عَلَى مَوْضِعِهَا وَالْجَمْرَةُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ رَمَى الْجَمْرَةَ فِي مَرْمَاهَا صَحَّ الرَّمْيُ انْتَهَى مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْإِرْشَادِ. ص (وَفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ) ش الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ، وَمَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا فَقَطْ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَلَوْ رَمَى مِنْ الْغَدِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَنَّهُ نَسِيَ حَصَاةً مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى بِالْأَمْسِ فَيَرْمِي الْأُولَى بِحَصَاةٍ وَالثِّنْتَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ ثُمَّ يُعِيدُ رَمْيَ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلُهُ: يَرْمِي الْأُولَى بِحَصَاةٍ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُهَا بِسَبْعٍ حَكَى الْبَاجِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ، هَلْ الْفَوْرُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الذِّكْرِ انْتَهَى. وَانْظُرْ الطِّرَازَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَ مِنْ بَابِ حُكْمِ مِنًى مَعَ الرَّمْيِ وَإِعَادَتِهِ لِرَمْيِ مَا حَضَرَ وَقْتُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا صَلَّاهَا قَبْلَ مَنْسِيَّةٍ قَالَهُ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَقَوْلُهُ: يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ يُعِيدُ رَمْيَ يَوْمِهِ يَعْنِي اسْتِحْبَابًا فِي الْوَقْتِ، كَمَا يُعِيدُ صَلَاةَ وَقْتِهِ إذَا صَلَّاهَا قَبْلَ مَنْسِيَّتِهِ وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ مَا رَمَاهُ فِي يَوْمِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : سُئِلْتُ عَمَّنْ نَسِيَ رَمْيِ جِمَارِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ رَمْيَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، هَلْ يَبْدَأُ بِرَمْيِ الْأَدَاءِ أَوْ بِرَمْيِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ إنْ رَمَى لِلْقَضَاءِ فَاتَ الْأَدَاءُ وَفَاتَ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ رَمَى الْأَدَاءَ فَاتَ الْقَضَاءُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، هَلْ يَقُومُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ أَدَّى إلَى فَوَاتِ الْأَدَاءِ فَأَجَبْتُ بِأَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْقَضَاءَ، وَإِنْ أَدَّى لِفَوَاتِ الْأَدَاءِ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ وَالْمَنْسِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ رَابِعُ يَوْمِ النَّحْرِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَدَاءَ، وَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلْغُرُوبِ إلَّا مَا يَسَعُ رَمْيَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ) ش أَيْ: وَنُدِبَ تَتَابُعُ

الرَّمْي فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّتَابُعَ أَيْ: الْفَوْرَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا أَيْ: مَعَ الذِّكْرِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَجَزَمَ بِهِ هُنَا فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَبِلَ ذَلِكَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ وَالْأَقْفَهْسِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُوَالِي بَيْنَ الرَّمْيِ، وَلَا يَنْتَظِرُ بَيْنَ كُلِّ حَصَاتَيْنِ شَيْئًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الرَّمْيِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي مَسَائِلِ النِّسْيَانِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِمَسَائِل النِّسْيَانِ إلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بَعْضَهَا يَوْمَ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ فَلْيَرْمِهَا لَيْلًا، وَفِي نِسْيَانِ بَعْضِهَا يَرْمِي عَدَدَ مَا تَرَكَ، وَلَا يَسْتَأْنِفُ جَمِيعَ الرَّمْيِ، وَمَنْ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بِخَمْسٍ خَمْسٍ يَوْمَ ثَانِي النَّحْرِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ يَوْمِهِ رَمَى الْأُولَى بِحَصَاتَيْنِ ثُمَّ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَكَرَ مِنْ الْغَدِ رَمَى هَكَذَا وَلِيُهْدِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَلَوْ رَمَى مِنْ الْغَدِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَنَّهُ نَسِيَ حَصَاةً مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى بِالْأَمْسِ فَلْيَرْمِ الْأُولَى بِحَصَاةٍ وَالِاثْنَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ ثُمَّ يُعِيدُ رَمْيَ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْأَمْسِ، وَإِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى عَنْ أَمْسِ، كَمَا ذَكَرْتُ، وَعَلَيْهِ فِيهِ دَمٌ، وَلَمْ يُعِدْ رَمْيَ يَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ رَمْيِ يَوْمَيْنِ فَذَكَرَهُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رَمَى الْأُولَى بِحَصَاةٍ وَالِاثْنَتَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَأَعَادَ الرَّمْيَ عَنْ يَوْمِهِ هَذَا فَقَطْ؛ إذْ عَلَيْهِ رَمْيُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، وَلَا يُعِيدُ رَمْيَ الْيَوْمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ قَدْ مَضَى، وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ حَصَاةً مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً يَرْمِي الْأُولَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَبِهِ أَقُولُ ثُمَّ قَالَ: يَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعٍ سَبْعٍ انْتَهَى. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِي كِتَابِ الْأَبْهَرِيِّ قَالَ: وَمَنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ حَصَاةٌ فَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ هِيَ فَلْيَرْمِ بِهَا الْأُولَى ثُمَّ يَرْمِي الْبَاقِيَتَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَسْتَأْنِفُهُنَّ، وَالْأُولَى أَحَبُّ إلَيْنَا وَجْهُ قَوْلِهِ: يَأْتِي بِحَصَاةٍ لِلْأُولَى: جَوَازُ أَنْ تَكُونَ الْحَصَاةُ مِنْهَا، وَلَا يَصِحُّ رَمْيُ مَا بَعْدَهَا إلَّا بِتَمَامِهَا فَوَجَبَ فِي الِاحْتِيَاطِ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ الْأُولَى لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ، وَوَجْهُ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُهُنَّ: أَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ بِنَاءُ رَمْيِ الْأُولَى لِلْحَصَاةِ الَّتِي بَقِيَتْ فَوَجَبَ أَنْ يَبْتَدِئَ لِرَمْيِهِنَّ كُلِّهِنَّ حَتَّى يُوَالِيَ الرَّمْيَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ يُونُسَ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ: فَهَذَا يُكْرَهُ النَّقْصُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّ الْمُوَالَاةَ مَطْلُوبَةٌ فَيَكُونُ فِي الْكِتَابِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِنْ تَرَكَ حَصَاةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَ مَوْضِعَهَا أَوْ يَشُكَّ، فَإِنْ ذَكَرَ مَوْضِعَهَا فَهَلْ يُعِيدُ الْجَمْرَةَ مِنْ أَصْلِهَا أَوْ يَكْفِيهِ رَمْيُ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ بَلْ يَرْمِي حَصَاةً وَاحِدَةً، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعِيدُ الْجَمْرَةَ مِنْ أَصْلِهَا، وَالثَّالِثُ: إذَا ذَكَرَهَا يَوْمَ الْأَدَاءِ أَعَادَهَا خَاصَّةً، وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي يَوْمِ الْقَضَاءِ أَعَادَ الْجَمْرَةَ مِنْ أَصْلِهَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ: هَلْ الْمُوَالَاةُ فِي الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ فَمَنْ أَوْجَبَهَا أَوْجَبَ الْإِعَادَةَ لِلْكُلِّ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا اجْتَزَأَ بِرَمْيِ مَا نَسِيَ خَاصَّةً، وَمَنْ فَرَّقَ فَلِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَهَا فَقَوْلَانِ فِي الْكِتَابِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرْمِي عَنْ الْأُولَى الْحَصَاةَ ثُمَّ يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَرْمِي عَنْ الْجَمِيعِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِشَيْءٍ، وَقَدْ تَرَدَّدَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ، هَلْ هَذَا الْخِلَافُ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ إذَا عَلِمَ مَوْضِعَهَا أَوْ يَكُونُ هَذَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ: أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمَوْضِعَ قَصَدَ بِتِلْكَ الْحَصَاةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْضِعَ فَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ صُورَةٌ يُعَوِّلُ فِيهَا عَلَى التَّرْتِيبِ، فَأَعَادَ الْجَمِيعَ فِي قَوْلٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ كَانَتْ حَصَاةً لَمْ يَكْتَفِ بِرَمْيِ حَصَاةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَثَالِثُهَا: إنْ كَانَتْ

فِي يَوْمِ الْقَضَاءِ اكْتَفَى، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ كَانَ الْمَنْسِيُّ حَصَاةً مِنْ إحْدَى الثَّلَاثِ وَيَذْكُرُ مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ الْغَدِ لَمْ يَكْتَفِ بِرَمْيِ حَصَاةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْجَمْرَةِ كُلِّهَا، وَقِيلَ: يَكْتَفِي بِرَمْيِ حَصَاةٍ وَيُعِيدُ بِسِتٍّ فِي الْجَمْرَةِ الْأُولَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَوْرَ فِي الْجَمْرَةِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْبَاجِيّ وَابْنُ الْبَشِيرِ بِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ صَدَّرَ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَوْلُهُ: فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ إنْ كَانَ يَوْمَ الْقَضَاءِ اكْتَفَى عَكْسُ الْمَنْقُولِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْعَكْسَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ كَانَ يَوْمَ الْقَضَاءِ لَمْ يَكْتَفِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: بِالِاكْتِفَاءِ فِي الْقَضَاءِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْجَمْرَةِ أَدَاءً، وَبَعْضُهَا قَضَاءً بِخِلَافِ يَوْمِ الْأَدَاءِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ التَّرْتِيبَ وَالْفَوْرَ هُنَا عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ هُنَا وَاجِبٌ وَالْفَوْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي مَنَاسِكِهِ فَقَالَ وَالْفَوْرُ فِي رَمْيِ حَصَاةِ الْجَمْرَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَتَحَصَّلُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ هَارُونَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْآتِي فِي الْفَوْرِ فِي رَمْيِ حَصَى الْجَمْرَةِ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى: طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ أَنَّ الْفَوْرَ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ مَسَائِلِ النِّسْيَانِ الَّتِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ رَمَى الْجِمَارَ بِحَصَاةٍ حَصَاةٍ كُلَّ جَمْرَةٍ حَتَّى أَتَمَّهَا بِسَبْعٍ سَبْعٍ فَلْيَرْمِ الثَّانِيَةَ بِسِتٍّ وَالثَّالِثَةَ بِسَبْعٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَصِحُّ لَهُ بِهَذَا فَلَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ رُشْدٍ فِي تَصْحِيحِ رَمْيِهِ إلَّا حُصُولَ التَّرْتِيبِ لَا الْفَوْرَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ هَارُونَ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْفَوْرِ، هَلْ هُوَ شَرْطٌ مُطْلَقًا أَوْ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَلَوْ فَرَّقَهُ عَامِدًا لَمْ يَجُزْ بِاتِّفَاقٍ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: لَوْ فَرَّقَهُ عَامِدًا لَمْ يَجْزِهِ لِاشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ فِي رَمْيِ الْحَصَى مَعَ الِاخْتِيَارِ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَنَصُّهُ: اُخْتُلِفَ فِي الْفَوْرِ، هَلْ شَرْطٌ مُطْلَقًا أَوْ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ هَارُونَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ حَيْثُ قَالَ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ، هَلْ الْفَوْرُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا مَعَ الذِّكْرِ؟ فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ) ش هَذَا أَوَّلُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ مِنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَآخِرُهُ إلَى الزَّوَالِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْأَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ إلَى الْغُرُوبِ، وَيُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ ابْنِ هَارُونَ: وَأَمَّا رَمْيُ الْعَقَبَةِ فَيُسْتَحَبُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ وَيُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ مِنْ غَيْرِ دَمٍ وَاخْتُلِفَ فِي الدَّمِ إذَا ذُكِرَ فِي اللَّيْلِ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: وَيُكْرَهُ مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ، وَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا إثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ) ش قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَلَوْ رَمَى بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَجْزَأَهُ زَادَ فِي الْوَاضِحَةِ، وَقَدْ أَسَاءَ انْتَهَى. ص (وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ لِيُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ) ش ظَاهِرُهُ كَانَ

يُقِيمُ بِمَكَّةَ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ ابْنِ الْحَاجِّ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا وَصَلَ الْحَاجُّ مِنْ الْأَبْطَحِ إلَى مَكَّةَ تَنَفَّلَ بِالْبَيْتِ مُدَّةً، وَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ تَنَفُّلِهِ بِالصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَجَمْعٌ وَقَصْرٌ فِي كَلَامِ سَنَدٍ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُحَصِّبُونَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقَاتِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَطَوَافُ الْوَدَاعِ إنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ لَا كَالتَّنْعِيمِ) ش قَالَ ابْنُ مُعَلَّى قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: أَفْعَالُ الْحَجِّ كُلُّهَا الْمَكِّيُّ وَالْآفَاقِيُّ فِيهَا سَوَاءٌ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ: طَوَافِ الْقُدُومِ، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ، وَقَدْ كُنْتَ طُفْت طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَأَنْتَ تُرِيدُ الرَّحِيلَ فَطُفْ لِلْوَدَاعِ، وَإِنْ كُنْتُ تُرِيدُ الْإِقَامَةَ فَأَنْتَ فِي الطَّوَافِ بِالْخِيَارِ اهـ. وَقَوْلُهُ: إنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ لَا كَالتَّنْعِيمِ يَعْنِي أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ مَشْرُوعٌ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مَكِّيٌّ أَوْ غَيْرُهُ قَدِمَ لِنُسُكٍ أَوْ لِتِجَارَةٍ إنْ خَرَجَ لِمَكَانٍ بَعِيدٍ سَوَاءٌ كَانَ بِنِيَّةِ الْعَوْدَةِ أَمْ لَا، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: إنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ، أَمَّا إنْ خَرَجَ لِمَكَانٍ قَرِيبٍ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْعَوْدَةَ فَلَا طَوَافَ عَلَيْهِ كَمَنْ خَرَجَ لِيَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ قَالَ سَنَدٌ: وَمَنْ خَرَجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَنَازِلِ الْقَرِيبَةِ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ زِيَارَةِ أَهْلٍ وَشِبْهِ ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ خَرَجَ لِلْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ التُّونُسِيُّ: وَلَوْ خَرَجَ لِيُقِيمَ يَعْنِي بِهِمَا وَدَّعَ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِذِي طُوًى وَنَحْوِهِ، هَلْ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ عَلَيْهِ الطَّوَافَ (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ لَيْسَ عَلَى مَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُمْ الدُّخُولُ مِثْلُ الْحَطَّابِينَ، وَأَهْلِ الْبُقُولِ وَالْفَوَاكِهِ وَدَاعٌ، كَمَا لَا يَعْتَمِرُونَ إذَا قَدِمُوا وَتَرْكُ الْعُمْرَةِ أَشَدُّ مِنْ تَرْكِ الْوَدَاعِ وَإِسْقَاطُ الْوَدَاعِ عَمَّنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ قَرِيبَةٍ ثُمَّ يَعُودُ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِدَادِ الْمُفَارِقِ وَالتَّارِكِ لِلْبَيْتِ بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ لِيُقِيمَ بِأَهْلِهِ فِي مَنْزِلِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَطَوَافُ الْوَدَاعِ هُوَ طَوَافُ الصَّدْرِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ خَارِجٍ مِنْ مَكَّةَ لِبُعْدٍ مِنْهَا أَوْ مَسْكَنِهِ، وَلَوْ قَرُبَ مُطْلَقًا انْتَهَى. فَكَلَامُ سَنَدٍ الْأَخِيرُ مَعَ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ يَشْهَدُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ عَلَى أَهْلِ ذِي طُوًى إذَا خَرَجُوا لِيُقِيمُوا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَطَوَافُ الْوَدَاعِ يُسَمَّى طَوَافَ الصَّدْرِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنْ يُقَالَ: طَوَافُ الْوَدَاعِ قَالَ: وَلْيَقُلْ: الطَّوَافُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَسُمِّيَ صَدْرًا إمَّا لِكَوْنِهِ يُصْدَرُ بَعْدَهُ لِلسَّفَرِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يَعْقُبُ الصَّدَرَ مِنْ مِنًى قَالَ عِيَاضٌ: وَالصَّدَرُ بِفَتْحِ الصَّادِ الرُّجُوعُ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ، وَيُطْلَقُ الصَّدْرُ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ وَيُقَالُ: وَدَاعٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا، وَكَأَنَّ الْوَدَاعَ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ وَادَعْت وَبِالْفَتْحِ الِاسْمُ انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ: طَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ الْمُفَارِقِ فَكُرِهَ لَهُ اسْمُ الْمُفَارَقَةِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحِلِّ الشَّرِيفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: يُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ وَدَاعِهِ أَنْ يَقِفَ بِالْمُلْتَزَمِ لِلدُّعَاءِ. ص (وَإِنْ صَغِيرًا) ش يَعْنِي أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يُؤْمَرُ بِهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَأَدَّى بِالْإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ) ش: يَعْنِي أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ لِلْحَدِيثِ فَأَيُّ طَوَافٍ كَانَ أَجْزَأَهُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى) ش قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَا يَرْجِعُ فِي خُرُوجِهِ الْقَهْقَرَى؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَفْعَلُ ذَلِكَ هُنَا، وَفِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ فِي الشَّرْعِ

الشَّرِيفِ وَأَدَّتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ إلَى أَنْ صَارُوا يَفْعَلُونَهَا مَعَ مَشَايِخِهِمْ، وَعِنْدَ الْمَقَابِرِ الَّتِي يَحْتَرِمُونَهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَدَبِ انْتَهَى. ص (وَبَطَلَ بِإِقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ لَا بِشُغْلٍ خَفَّ) ش ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِيهَا يَسِيرُ شُغْلِهِ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَا يُبْطِلُهُ، وَإِنْ أَقَامَ بَعْضَ يَوْمٍ أَعَادَ اللَّخْمِيّ: هَذَا أَصْوَبُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شَعْبَانَ: مَنْ وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ الْغَدَ بِمَكَّةَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ أَنْ يَخْرُجَ، وَفِيهَا مَنْ وَدَّعَ وَأَقَامَ بِهِ كَرِيُّهُ بِذِي طُوًى يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ لَمْ يَعُدْ زَادَ الشَّيْخُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَكَذَا مَنْ أَقَامَ بِالْأَبْطَحِ نَهَارَهُ انْتَهَى.، وَنَقَلَهُ سَنَدٌ وَلَفْظُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَجَعَ لَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَرْجِعُ لَهُ وَفَوَاتُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِتَرْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَصْلًا، وَإِمَّا بِتَرْكِهِ حُكْمًا كَمَنْ طَافَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ لَمْ يُصَلِّ لَهُ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِالْأَوَّلِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: يَرْجِعُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَرْجِعُ لَهُ مَنْ لَمْ يَبْعُدْ، وَفِيهَا رَدَّ لَهُ عُمَرُ مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ، وَلَمْ يَحُدَّ لَهُ مَالِكٌ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْبِ وَرَأَى أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ أَوْ يَمْنَعُهُ كَرِيُّهُ، وَرَوَى الشَّيْخُ مَنْ بَلَغَ مَرَّ الظَّهْرَانِ لَمْ يَرْجِعْ لَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالثَّانِي، وَهُوَ فَوَاتُهُ حُكْمًا لِتَرْكِهِ أَصْلًا قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَخَرَجَ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى فَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ، فَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ يُرِيدُ وَيَرْكَعُهُمَا، وَقَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا فِي الْوَدَاعِ رَجَعَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ فَرْعٌ: وَلِطَوَافِ الْوَدَاعِ رَكْعَتَانِ، وَمَنْ نَسِيَهُمَا حَتَّى تَبَاعَدَ وَبَلَغَ بَلَدَهُ رَكَعَهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ، وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ رَجَعَ فَرَكَعَهُمَا، وَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ، وَإِنْ كَانَ تَوْدِيعُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَهُ أَنْ يَرْكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ إذَا حَلَّتْ النَّافِلَةُ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ:) مَرُّ الظَّهْرَانِ هُوَ وَادِي مَرٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ سِتَّةَ عَشْرَ مِيلًا، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشْرَ، وَقِيلَ: أَحَدٌ وَعِشْرُونَ حَكَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ خِلَافًا فِي تَسْمِيَتِهِ بِمَرٍّ فَقَالَ سُمِّيَ مَرًّا؛ لِأَنَّ فِي عُرُوقِ الْوَادِي مِنْ غَيْرِ لَوْنِ الْأَرْضِ شِبْهَ الْمِيمِ الْمَمْدُودِ بَعْدَهَا رَاءٌ خُلِقَتْ كَذَلِكَ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ ذَرٍّ سُمِّيَتْ مَرًّا لِمَرَارَتِهَا، وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّةُ هَذَا، وَنَقَلَ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْكِنْدِيِّ أَنَّ مَرَّ اسْمٌ لِلْقَرْيَةِ وَالظَّهْرَانِ اسْمٌ لِلْوَادِي ص (وَحَبْسُ الْكَرِيِّ وَالْوَلِيِّ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ قَدْرَهُ وَقُيِّدَ إنْ أَمِنَ، وَالرُّفْقَةُ فِي كَيَوْمَيْنِ) ش رُبَّمَا يُوهِمُ إتْيَانُهُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْوَدَاعِ، وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْهُ إنَّمَا هِيَ مِنْ مَسَائِلِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ، فَإِنَّهَا تَخْرُجُ فَلَا تُقِيمُ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَلَوْ نَفَرَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ حَائِضٌ، فَإِنْ كَانَتْ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَأَمْكَنَهَا الرُّجُوعُ فَعَلَتْ قَالَهُ سَنَدٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ نِفَاسٍ يَعْنِي سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا حِينَ عَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَا هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَرُوِيَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُحْبَسُ عَلَى النُّفَسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، وَأَمَّا الْحَيْضُ فَلَا كَلَامَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: قَدْرَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مُدَّةَ مَا يُحْكَمُ لَهَا بِالْحَيْضِ مَعَ الِاسْتِظْهَارِ فَيُحْبَسُ عَلَى الْمُبْتَدَأَةِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا، وَعَلَى الْمُعْتَادَةِ عَادَتَهَا، وَالِاسْتِظْهَارُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٌ فِي الْحَائِضِ فَقَالَ مَرَّةً: يُحْبَسُ عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا، وَقَالَ مَرَّةً: خَمْسَةَ عَشْرَ وَتَسْتَظْهِرُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ مَرَّةً: شَهْرًا وَنَحْوَهُ اللَّخْمِيُّ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهَا إذَا جَاوَزَتْ الْخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا أَوْ السَّبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا كَانَتْ فِي

مَعْنَى الطَّاهِرِ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا انْتَهَى. ، وَقَالَ سَنَدٌ: وَهَذَا عِنْدَهُمْ فِي حَيْضِ الْحَامِلِ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَلَا يَدُومُ بِهَا الْحَيْضُ هَكَذَا، وَخَرَجَ قَوْلُهُ: فِي الْحَامِلِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلِ فِي مَبْلَغِ حَيْضِهَا انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَيُحْبَسُ فِيهَا فِي النِّفَاسِ سِتِّينَ يَوْمًا انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا أَيَّامَهَا الْمُعْتَادَةَ وَالِاسْتِظْهَارُ إنْ زَادَ دَمُهَا فَظَاهِرُهَا تَطُوفُ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَتَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ بِمَنْعِهِ وَفَسْخِ كِرَائِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَرْعٌ: إذَا قُلْنَا: بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَتَجَاوَزَ الدَّمُ مُدَّةَ الْحَبْسِ، فَهَلْ تَطُوفُ أَوْ يُفْسَخُ الْكِرَاءُ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَطُوفُ، وَلَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَبْسِ هُوَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: وَقُيِّدَ إنْ أَمِنَ هَذَا التَّقْيِيدَ نُسِبَ لِلتُّونُسِيِّ وَابْنِ اللَّبَّادِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَيَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْبَسُ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْأَمْنِ فَلَا يُحْبَسُ الْكَرِيُّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ يُخْتَلَفُ، هَلْ يَفْسَخُ أَوْ يُكْرِي عَلَيْهَا؟ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَإِذَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ عُمْرَةً فِي الْمُحَرَّمِ، فَحَاضَتْ قَبْلَهَا لَا يُحْبَسُ عَلَى هَذَا كَرِيُّهَا، وَلَا يُوضَعُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَجُّ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ سَنَدٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ عُمْرَةً فِي الْمُحَرَّمِ بَعْدَ حَجِّهَا لَمْ يُحْبَسْ لِحَيْضِهَا قَبْلَهَا قِيلَ: أَيُوضَعُ لَهَا مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ؟ قَالَ لَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا حُبِسَ فِي الْحَجِّ لِامْتِنَاعِ خُرُوجِهَا قَبْلَ إفَاضَتِهَا وَإِمْكَانِهِ فِي الْعُمْرَةِ لِعَدَمِ إحْرَامِهَا بِهَا (قُلْت:) مَفْهُومُهُ إنْ أَحْرَمَتْ حُبِسَ قَالَ الصَّوَابُ فِيمَا وَقَفَ فِيهِ مَالِكٌ إنْ أَبَتْ الرُّجُوعَ وَأَبَى الصَّبْرَ عَلَيْهَا فُسِخَ كِرَاءُ مَا بَقِيَ لِحَقِّهَا فِي الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ نَذَرَتْهَا فَأَوْضَحُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : اُسْتُحْسِنَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ إذَا حُبِسَ الْكَرِيُّ لِلنُّفَسَاءِ أَنْ تُعِينَهُ بِالْعَلَفِ وَأَمَّا الْحَائِضُ فَلَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَكُرِهَ رَمْيٌ بِمَرْمِيٍّ بِهِ) ش يَعْنِي أَنَّ الرَّمْيَ بِالْحَصَى الْمَرْمِيِّ بِهِ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ رَمَى بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (فَرْعٌ:) قَالَ اللَّخْمِيّ لَوْ كَرَّرَ الرَّمْيَ بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعًا لَمْ يُجْزِهِ وَنَاقَشَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَأَنْ يُقَالَ: لِلْإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ) ش ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ أَيْضًا أَنْ تُسَمَّى أَيَّامُ مِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَاسْتَحَبَّ أَنْ تُسَمَّى بِالْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ أَنْ يُقَالَ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] انْتَهَى. ص (أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش الْكَرَاهَةُ بَاقِيَةٌ، وَلَوْ سَقَطَ لَفْظُ الْقَبْرِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ إنَّهُ يَجُوزُ وَأَحْسَنُ الْعِلَلِ فِي ذَلِكَ، وَفِي كَرَاهَةِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مَا قَالَهُ سَنَدٌ اسْتَعْظَمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي حَقِّ بَيْتِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ حَيْثُ إنَّهَا إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ بَيْنَ الْأَكْفَاءِ، وَفِي السَّعْيِ الْغَيْرِ الْوَاجِبِ، وَيُعَدُّ الزَّائِرُ مُتَفَضِّلًا عَلَى مَنْ زَارَهُ، وَلَا يَقُولُ مَنْ ذَهَبَ إلَى السُّلْطَانِ لِإِقَامَةِ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ: أَتَيْت السُّلْطَانَ لِأَزُورَهُ، وَلَا زُرْت السُّلْطَانَ، وَلِأَنَّ مَنْ سَعَى يَطْلُبُ حَاجَةً مِنْ عِنْدِ أَحَدِ يُعَدُّ زَائِرًا، وَكَذَا لَا يَسْعَوْنَ فِي الْحَجِّ لِحَوَائِجِهِمْ وَقَضَاءِ فَرَائِضِهِمْ وَعِبَادَةِ مَوْلَاهُمْ، وَكَذَلِكَ فِي مُشَاهَدَةِ الرَّسُولِ وَالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ إنَّمَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْفَضْلَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالرَّحْمَةَ فَلَيْسُوا زَائِرِينَ عَلَى الْحَقِيقَةِ انْتَهَى. ص (وَرُقِيُّ الْبَيْتِ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنَعْلٍ) ش مُرَادُهُ بِرُقِيِّ الْبَيْتِ دُخُولُهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي رُقِيِّ دَرَجِ الْبَيْتِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَجْعَلَ نَعْلَهُ فِي الْبَيْتِ إذَا جَلَسَ يَدْعُو وَلْيَجْعَلْهَا فِي

فصل تخالف المرأة الرجل في عشرة أشياء في الحج

حُجْرَتِهِ قَالَهُ سَنَدٌ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَتَوْضِيحِهِ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلَيْنِ: الْمُتَحَقَّقُ طَهَارَتُهُمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ الْخُفَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ قَصَدَ بِطَوَافِهِ نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ لَمْ يُجْزِ وَاحِدًا) ش حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ فِيمَنْ حَمَلَ صَبِيًّا وَنَوَى أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ عَنْهُ وَعَنْ الصَّبِيِّ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: بِالْإِجْزَاءِ عَنْهُمَا وَعَدَمِهِ وَبِالْإِجْزَاءِ عَنْ الْحَامِلِ دُونَ الْمَحْمُولِ أَوْ عَكْسِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ عَنْهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَهُ وَنَسَبَ ابْنُ رَاشِدٍ لِلْمُدَوَّنَةِ الْإِجْزَاءَ عَنْ الصَّبِيِّ قَالَ: وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيمَنْ حَجَّ مِنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْفَرِيضَةَ خَلِيلٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْمَنْعُ ابْتِدَاءً انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ: تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ عَنْهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحْمُولِ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً صَغِيرًا نَوَى الْحَامِلُ عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَبِيرًا يَنْوِي هُوَ لِنَفْسِهِ وَيَنْوِي الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ تُخَالِفُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ فِي الْحَجِّ] ص (فَصْلٌ حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ) ش: بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالرَّجُلِ أَوْلَى كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ، وَوَرَدَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَرْأَةِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: تُخَالِفُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ فِي الْحَجِّ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَفِي حَلْقِهِ وَفِي لُبْسِ الْمَخِيطِ وَفِي لُبْسِ الْخُفَّيْنِ، وَفِي عَدَمِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَفِي الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَفِي الْخَبَبِ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالرُّكُوبُ وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ لِلرَّجُلِ، وَالْقُعُودُ أَفْضَلُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ، وَالْقُرْبُ مِنْهُ أَفْضَلُ لِلرِّجَالِ وَالْبُعْدُ مِنْهُ أَفْضَلُ لِلنِّسَاءِ، وَفِي الِارْتِقَاءِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَفِي رُكُوبِ الْبَحْرِ وَالْمَشْيِ مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، فَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ، وَلَوْ قَدَرْنَ، وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا قَدَرَ، وَفِي أَنَّهَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ أَوْ رُفْقَةٌ مَأْمُونَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لُبْسُ قُفَّازٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقُفَّازُ مَا يُفْعَلُ عَلَى صِفَةِ الْكَفَّيْنِ مِنْ قُطْنٍ، وَنَحْوِهِ لِيَقِيَ الْكَفَّ مِنْ الشَّعَثِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الْبَاجِيُّ وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَعْرِيَةُ يَدَيْهَا مِنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ أَدْخَلَتْهُمَا فِي قَمِيصِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ لَبِسَتْ الْقُفَّازَيْنِ، فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيب وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَشْهُورُ لِرِوَايَةِ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيُسْتَفَادُ حُكْمُ الْفِدْيَةِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا حُكِمَ لَهُ فِي الْفَصْلِ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ كَتَقْلِيدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. ص (وَسَتْرُ وَجْهٍ) ش: قَالَ فِي الْمَنَاسِكِ وَإِنْ سَتَرَتْ وَجْهَهَا أَوْ بَعْضَهُ، فَالْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ تَبَرْقَعَتْ أَوْ تَعَصَّبَتْ انْتَهَى، وَنَصَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى أَنَّهُ إنْ غَطَّتْ الْمُحْرِمَةُ شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ، وَلَوْ غَطَّتْ مَا فِي الصُّدْغِ مِنْ الْبَيَاضِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ، وَذَكَره عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ فَأَمَّا حَدُّ الْوَجْهِ، فَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ قِصَاصِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى آخِرِ الذَّقَنِ طُولًا، وَمِنْ الصُّدْغِ إلَى الصُّدْغِ عَرْضًا، وَالْبَيَاضُ الَّذِي وَرَاءَ الصُّدْغِ إلَى الْأُذُنِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ غَسْلِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَحْرَمَتْ لَزِمَهَا كَشْفُ جَمِيعِ وَجْهِهَا، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِي تَغْطِيَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَوْ غَطَّتْ شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا لَزِمَهَا الْفِدْيَةُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا غَطَّتْ شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا، فَيَعْنِي بِهِ مَا عَدَا مَا يَسْتُرُهُ الْخِمَارُ مِنْ وَجْهِهَا، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ سَتْرِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهَا سَتْرُ رَأْسِهَا، وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ سَتَرَتْ مِنْ الْوَجْهِ مَا يَسْتُرُهُ الْخِمَارُ فِي

فرع المرأة المحرمة تجافي ردائها عن وجهها

تَخْمِيرِ الرَّأْسِ وَقَدَّمَ سَتْرَ ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى كَشْفِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ عَوْرَةٌ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَوْقَ حَقِّ الْإِحْرَامِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا لِسَتْرٍ بِلَا غَرْزٍ وَرَبْطٍ) ش: أَيْ لِقَصْدِ السَّتْرِ عَنْ الرِّجَالِ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ يَسْتَلْزِمُهُ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَوْنَهُ لِلسَّتْرِ قَسِيمَ كَوْنِهِ لِحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ وَكَذَا فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ، وَبِهَذَا اعْتَذَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنْ فَعَلَتْهُ لِحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ فَسِيَّانِ، فِيهِ الْفِدْيَةُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَمَّا لِأَجْلِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ لَهَا ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا عَنْ الرِّجَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَهَا بِشَيْءٍ فِي يَدَيْهَا كَالْمِرْوَحَةِ، وَشَبَهِهَا، فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا، وَكَانَ لَهَا جِلْبَابٌ سَدَلَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ، فَلَهَا أَنْ تَنْصِبَ بَعْضَ ثَوْبِهَا تِجَاهَهَا بِيَدَيْهَا، وَلَهَا أَنْ تُلْقِيَ كُمَّهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَتَسْدِلُ بَعْضَهُ عَلَى وَجْهِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا خِمَارَهَا الَّذِي عَلَى رَأْسِهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ تَرْفَعْهُ عَلَى رَأْسِهَا فَتَسْدُلْهُ عَلَى وَجْهِهَا فَعَلَتْهُ، وَإِنْ رَفَعَتْ حِجْرَ خِمَارِهَا فَأَلْقَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْوَجْهِ وَلُبْسَ الْمَخِيطِ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مَعَ الطُّولِ وَالِانْتِفَاعِ بِاللُّبْسِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ وَشِبْهِهِ مِمَّا وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللِّبَاسُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، فَإِنْ عَقَدَتْ الْخِمَارَ عَلَى رَأْسِهَا نُظِرَ، فَإِنْ حَلَّتْهُ بِالْقُرْبِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَرَكَتْهُ حَتَّى طَالَ افْتَدَتْ، وَإِنْ أَرْسَلَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا، وَلَمْ تَعْقِدْهُ وَطَالَ كَانَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي سَتْرِ وَجْهِ الْمُحْرِمِ، وَيُخَالِفُ الْعَقْدُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَخِيطِ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْمَرْأَة الْمُحْرِمَة تَجَافِي رِدَائِهَا عَنْ وَجْهِهَا] (فَرْعٌ) : وَلَا يَضُرُّهَا تَرْكُ مُجَافَاةِ رِدَائِهَا عَنْ وَجْهِهَا إذَا سَدَلَتْهُ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ الْيَوْمَ مِنْ الْقُفَّةِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ السَّعَفِ وَيَرْبِطْنَهَا عَلَى وُجُوهِهِنَّ، ثُمَّ يَسْدُلْنَ عَلَيْهَا الثَّوْبَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهَا الْفِدْيَةَ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَطَالَ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْمَرْأَةِ تَتَبَرْقَعُ، وَتُجَافِي الْبُرْقُعَ عَنْ وَجْهِهَا: إنَّ عَلَيْهَا الْفِدْيَةَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّ الْبُرْقُعَ مَخِيطٌ وُضِعَ لِلْوَجْهِ قَدْ عَقَدَتْهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ تَمَّ لُبْسُهُ. ص (وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ) ش: وَإِنْ سَتَرَتْ وَجْهَهَا لِلسَّتْرِ لَكِنْ بِغَرْزٍ، أَوْ رَبْطٍ، فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ رَفَعَتْهُ مِنْ أَسْفَلِ وَجْهِهَا افْتَدَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَتَّى تَعْقِدَهُ بِخِلَافِ السَّدْلِ انْتَهَى، وَأَمَّا سَتْرُ وَجْهِهَا لِغَيْرِ السَّتْرِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةَ مِنْ حُكْمِهِ لَهُ بِالْمَنْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْفِدْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَرْزِ وَالرَّبْطِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَفَدْ الْمَنْعُ فِيهَا إلَّا مِنْ الْمَفْهُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى الرَّجُلِ مُحِيطٌ بِعُضْوٍ وَإِنْ بِنَسْجٍ، أَوْ زَرٍّ، أَوْ عَقْدٍ) ش: مُحِيطٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ بِعُضْوٍ، ثُمَّ بَالَغَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بِنَسْجٍ فَدَخَلَ الْمَخِيطُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالتَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُعْجَمَةِ وَاجِبٌ، وَكَذَلِكَ الْمُحِيطُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ شَرْطُ إحْرَامِ الرِّجَالِ لَا النِّسَاءِ، فَلَا يَدَعْ عَلَيْهِ مَا يُمْسِكُ بِنَفْسِهِ بِخِيَاطَةٍ، أَوْ إحَاطَةٍ لَا إزْرَارٍ دُونَ عَقْدٍ، وَلَا زَرٍّ بَلْ يُخَالِفُ طَرَفَيْهِ، وَيَأْتِي بِكُلِّ نَاحِيَةٍ لِمُقَابِلِهَا فَيَلُفُّهُ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَمْنُوعُ الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُفْسِدِهِ التَّطَيُّبُ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ وَلُبْسُ الرَّجُلِ الْمَخِيطَ الْكَثِيفَ كَالْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَالْبُرْنُسِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَالْبَاجِيُّ إلَّا الْمَخِيطَ عَلَى صُورَةِ النَّسْجِ كَمِئْزَرٍ وَرِدَاءٍ مُرْفَقَيْنِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إجَازَةُ التَّخَلُّلِ بِعُودٍ وَمَنَعَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا التَّخَلُّلُ وَالْعَقْدُ وَالْمُزَرَّرُ كَالْخِيَاطَةِ (قُلْت) : وَلِهَذَا قَالَ الْمُلَبَّدُ وَالْمَنْسُوجُ عَلَى صُورَةِ الْمَخِيطِ الْمَمْنُوعِ مِثْلُهُ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ الْمَمْنُوعِ مَمْنُوعٌ، وَلُبْسُ الْجَائِزِ جَائِزٌ، وَنَقْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إجَازَةَ التَّخَلُّلِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَمْ أَجِدْهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي نُسْخَتِي مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَخَاتَمٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي الْخَاتَمِ قَوْلَانِ فَحَمَلَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ عَلَى الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْإِحَاطَةِ بِالْأُصْبُعِ الْمُحِيطِ وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا بَأْسَ بِهِ وَحَكَى

فرع كان الميقات لا يوجد فيه النعل للشراء فهل يلزمه أن يعدها قبل ذلك

ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلَيْنِ فِي الْفِدْيَةِ إذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمَا فِي الْفِدْيَةِ، وَعَدَمِهَا قَالَ وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْفِدْيَةِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَصُّهُ: وَفِي الْفِدْيَةِ فِي الْخَاتَمِ قَوْلَانِ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ مَعْرُوفٌ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْمَنْعِ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ دَلِيلُ تَخْفِيفِهِمَا أَنْ يُحْرِمَ بِالصَّبِيِّ وَفِي رِجْلِهِ الْخَلَاخِلُ وَعَلَيْهِ الْأَسْوِرَةُ أَنَّ الرِّجَالَ بِخِلَافِهِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ شَعْبَانَ انْتَهَى. وَإِذَا عُلِمَ هَذَا، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ يَقُولُ بِالْفِدْيَةِ، وَالْقَائِلُ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْخَاتَمِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَالْخَاتِمُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْخَيْتَامُ وَالْخَاتَامُ كُلُّهُ بِمَعْنَى، الْجَمْعِ خَوَاتِيمُ. ص (وَقَبَاءٌ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ كُمًّا) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِيهِ إجْمَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَا لَوْ لَمْ يُدْخِلْ مَنْكِبَيْهِ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لَا بُدَّ فِي الْفِدْيَةِ مِنْ دُخُولِهِمَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَأَكْرَهُ أَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ فَعَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْفِدْيَةِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اعْتِرَاضَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْقَبَاءُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمَدِّ مَا كَانَ مُفَرَّجًا. ص (وَسَتْرُ وَجْهٍ، أَوْ رَأْسٍ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ سَوَاءٌ غَطَّى رَأْسَهُ، أَوْ بَعْضَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ بَقِيَّةٍ مِنْ أَحْكَامِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الشَّعْرِ الْمُسْدَلِ: لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ شَيْءٌ بِتَغْطِيَةِ مَا انْسَدَلَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ خُمِّرَ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ انْتَهَى. ص (كَطِينٍ) ش: قَالَ سَنَدٌ: أَوْ حِنَّاءٌ، أَوْ طِيبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاحْتِزَامٌ) ش: قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْزِمَ ثَوْبًا عَلَى وَسْطِهِ مِنْ فَوْقِ إزَارِهِ إذَا أَرَادَ الْعَمَلَ مَا لَمْ يَعْقِدْهُ انْتَهَى. ص (وَجَازَ خُفٌّ قُطِعَ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبٍ لِفَقْدِ نَعْلٍ، أَوْ غُلُوُّهُ فَاحِشًا) ش: قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ: قَالَ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَلْبَسُ نَعْلَيْنِ مَقْطُوعَيْ الْعَقِبَيْنِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ أَسْفَلَ الْكَعْبِ انْتَهَى. وَلَا يَلْبَسُ أَيْضًا الْقَبْقَابَ؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ مُحِيطٌ بِأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ، وَهَذَا إذَا كَانَ سَيْرُ الْقَبْقَابِ غَلِيظًا، فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ: وَلَا يَلْبَسُ الصَّرَّارَةَ بَلْ يَلْبَسُ الْحُذْوَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَلْبَسُهُمَا أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَشِبْهَ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ سَيْرٌ يَفْتَحُهُ وَيُغْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ خِيَاطَةٍ، وَلَا تَسْمِيرٍ وَلَكِنْ يَعُوقُهُ تَعْوِيقًا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا سَحَبَ ذَلِكَ السَّيْرَ انْحَلَّ انْتَهَى. وَالصَّرَّارَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَنَا بِالْحِجَازِ بِالتَّاسُومَةِ، وَمِنْهُ أَيْضًا وَقَدْ نَصَّ فِي التَّلْقِينِ عَلَى امْتِنَاعِ لُبْسِ الْخَمْشَكَيْنِ لِلْمُحْرِمِ انْتَهَى، وَفَسَّرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْخَمْشَكَيْنِ بِالسَّرْمُوجَةِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فِي قَوَاعِدِهِ وَالتَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ وَالْخِفَافِ لِلرِّجَالِ وَمَا لَهُ حَارِكٌ مِنْ النِّعَالِ يَسْتُرُ بَعْضَ الْقَدَمِ إلَّا أَحَدًا لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَمَا لَهُ حَارِكٌ مِنْ النِّعَالِ كَنَعْلِ التَّكْرُورِ الَّتِي لَهَا عَقِبٌ يَسْتُرُ بَعْضَ الْقَدَمِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ كَانَ الْمِيقَاتُ لَا يُوجَدُ فِيهِ النَّعْلُ لِلشِّرَاءِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِدَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ الْمِيقَاتُ لَا يُوجَدُ فِيهِ النَّعْلُ

لِلشِّرَاءِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِدَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي سَنَدٍ فِي الطِّرَازِ أَنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يُعِدَّ النَّعْلَيْنِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمَا لَا تُوجَدَانِ فِي الْمِيقَاتِ وَكَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِهِمَا انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. ص (وَاتِّقَاءُ شَمْسٍ، أَوْ رِيحٍ بِيَدٍ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَارِيَ الْمُحْرِمُ بَعْضَ وَجْهِهِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ يَدَيْهِ فَوْقَ حَاجِبَيْهِ لِيَسْتُرَ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ كَشْفُ ظَهْرِهِ لِلشَّمْسِ إرَادَةَ الْفَضْلِ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسُدَّ أَنْفَهُ مِنْ الْجِيفَةِ وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا مَرَّ بِطِيبٍ انْتَهَى. ص (أَوْ مَطَرٍ بِمُرْتَفِعٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ بِمُرْتَفِعٍ مِنْ الْبَرْدِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدِينَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: فِي مَنَاسِكِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ فَوْقَ رَأْسِهِ شَيْئًا يَقِيهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَرْفَعُ شَيْئًا يَقِيهِ مِنْ الْبَرْدِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدِينَةِ فَوَسَّعَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْن أَبِي أُوَيْسٍ فِي الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَدِينَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ انْتَهَى. وَالْأَقْرَبُ جَوَازُ ذَلِكَ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أُمِّ حُصَيْنٍ قَالَتْ «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» انْتَهَى. وَمَثَّلَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ لِلْمُرْتَفِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْخَيْمَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْخَيْمَةَ لَا يُسْتَظَلُّ بِهَا إلَّا مِنْ مَطَرٍ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ دُخُولِهِ فِيهَا وَلَوْ لِغَيْرِ مَطَرٍ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ سَنَدٌ: وَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ، أَوْ فِي خَيْمَةٍ، أَوْ قُبَّةٍ عَلَى الْأَرْضِ انْتَهَى. . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ بِذَلِكَ حَالَةَ كَوْنِ الْمُسْتَظِلِّ رَاكِبًا وَلَكِنْ فِيهِ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِالرَّاكِبِ، وَهُوَ أَعَمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَقْلِيمُ ظُفْرٍ انْكَسَرَ) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ التُّونُسِيُّ: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا لَوْ انْكَسَرَ لَهُ ظُفْرَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ فَقَلَّمَهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَجْعَلْهُ أَنَّهُ أَمَاطَ أَذًى عَنْ نَفْسِهِ بِإِزَالَةِ الْمَكْسُورِ كَمَا قَالَ: إذَا نَتَفَ شَعْرَةً مِنْ عَيْنَيْهِ إنَّ ذَلِكَ إمَاطَةُ أَذًى وَيَفْتَدِي انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِإِسْقَاطِ يَنْبَغِي مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَمَا قَالَهُ التُّونُسِيُّ ظَاهِرٌ وَعَارَضَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ بَيْنَ هَذَا، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ فِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ إذَا أَمَاطَ بِهِ أَذًى (قُلْت) وَيُجَابُ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَعَنْ مُعَارَضَةِ التُّونُسِيِّ بِمَسْأَلَةِ الشَّعْرِ مِنْ الْعَيْنِ فَأَيْنَمَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ فِيهِ عَامَّةً وَالْغَالِبُ وُقُوعَهُ فَيُغْتَفَرُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَتَسْقُطُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَمَا كَانَ وُقُوعُهُ نَادِرًا، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْأَصْلِ وَتُؤَثِّرُ الضَّرُورَةُ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ فَقَطْ لَا فِي سُقُوطِ الْفِدْيَةِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ جَارِيَةً عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَقْلِيمَ الظُّفْرِ الْمُنْكَسِرِ إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا كُسِرَ مِنْهُ عَمَلًا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَإِنْ أَزَالَ جَمِيعَ ظُفْرِهِ كَانَ ضَامِنًا كَمَنْ أَزَالَ بَعْضَ ظُفْرِهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِنَّهُ بَعْضٌ مِنْ جُمْلَةٍ مَضْمُونَةٍ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْطَعُ الْمُنْكَسِرَ وَيُوَاسِي الْبَاقِيَ حَتَّى لَا تَبْقَى عَلَيْهِ ضَرُورَةٌ فِيمَا يَبْقَى فِي كَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَمُرُّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَظَلُّلٌ بِبِنَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ الْخِبَاءِ وَأَنْ يَنْزِلَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ قَالَ وَحَكَى غَيْرُهُ أَيْضًا جَوَازَ الِاسْتِظْلَالِ بِالْفُسْطَاطِ وَالْقُبَّةِ، وَهُوَ نَازِلٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الثَّامِنِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْخُلَ الْخِبَاءَ وَالْفُسْطَاطَ وَإِنْ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ أَنْ يَرْمِيَ عَلَيْهَا ثَوْبًا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَحَارَةٍ لَا فِيهَا) ش: يُرِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِجَانِبِ الْمَحَارَةِ يُرِيدُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْأَرْضِ، أَوْ سَائِرَةً وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فِي

فرع في ترك الاستظلال يوم عرفة

التَّوْضِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْمَحَارَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَحْمِلِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الِاسْتِظْلَالِ وَشَيْءٌ عَلَى الْمَحْمِلِ وَهُوَ فِيهِ بِأَعْوَادٍ وَالِاسْتِظْلَالُ بِثَوْبٍ فِي عَصًا قَوْلَانِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِأَعْوَادٍ مِمَّا لَوْ كَانَ الْمَحْمِلُ مُقَبَّبًا كَالْمَحَارَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْبِنَاءِ وَالْأَخْبِيَةِ، فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ لَهُ وَجْهٌ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِي) : قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِظْلَالُ بِالْمَحَارَةِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ إذَا لَمْ يَكْشِفْهَا انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَكْشِفُهَا هَلْ هُوَ كَشْفُ مَا عَلَى الْمَحْمِلِ جَمِيعِهِ مَا كَانَ فَوْقَهُ، وَمَا عَلَى أَجْنَابِهِ، أَوْ الْمُرَادُ مَا كَانَ فَوْقَهُ دُونَ جَوَانِبِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمِلِ، وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَلَا يَسْتَظِلُّ بِالْمَحْمِلِ وَلَوْ كَانَ عَدِيلًا لِامْرَأَةٍ وَتَسْتَظِلُّ هِيَ دُونَهُ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَقَوْلِهِ فِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ يُسْتَحَبُّ فَدِيَتُهُ إنْ فَعَلَهُ اخْتِيَارًا، وَيَجُوزُ بِمُعَادَلَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ مَرِيضٍ انْتَهَى بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَانْظُرْ إذَا عَادَلَ الْمَرْأَةَ وَسَتَرَتْ شِقَّتَهَا وَلَمْ يَسْتُرْ الرَّجُلُ شِقَّتَهُ لَكِنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ شِقَّتَهَا مِنْ جِهَةِ الشَّمْسِ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِظْلَالِ بِجَانِبِ الْمَحَارَةِ. (الرَّابِعُ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا يَسْتَظِلُّ فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيَفْعَلُ، وَيَفْتَدِي انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا عَدَا الْبَلَالِيحَ فَإِنَّهَا كَالْبُيُوتِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّ الشِّرَاعِ لَا شَيْءَ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا جَازَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَعَمَّمَ، أَوْ يَتَقَلْنَسَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَظَلَّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ: وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ فِي الِاسْتِظْلَالِ بِالْبَعِيرِ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. (قُلْت) هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمِلِ، فَإِنَّهُ قَالَ، وَأَمَّا مَا لَا يَثْبُتُ كَالْبَعِيرِ وَالْمَحْمِلِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. فَيَكُونُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا الْجَوَازَ سَوَاءٌ كَانَ بَارِكًا، أَوْ سَائِرًا كَالِاسْتِظْلَالِ بِجَانِبِ الْمَحْمِلِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: وَالصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْجَوَازُ انْتَهَى. يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمَحْمِلِ وَمَسْأَلَةَ الْبَعِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَثَوْبٍ بِعِصِيٍّ) ش: سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ سَائِرٌ، أَوْ نَازِلٌ بِالْأَرْضِ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ: أَمَّا فِي حَقِّ الرَّاكِبِ، فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا فِي حَقِّ النَّازِلِ فَمَنَعَهُ أَيْضًا مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ جَعَلَ ثَوْبًا عَلَى أَعْوَادٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِظْلَالِهِ إذَا نَزَلَ فَخَفَّفَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَظِلَّ إذَا نَزَلَ بِالْأَرْضِ، وَأَنْ يُلْقِيَ ثَوْبًا عَلَى شَجَرَةٍ، فَيَقِيلَ تَحْتَهُ وَلَيْسَ كَالرَّاكِبِ وَالْمَاشِي، وَهُوَ لِلنَّازِلِ كَخِبَاءٍ مَضْرُوبٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَسْتَظِلُّ إذَا نَزَلَ بِالْأَرْضِ بِأَعْوَادٍ يَجْعَلُ عَلَيْهَا كِسَاءً، أَوْ شَجَرَةً، وَلَا بِمَحْمِلٍ وَإِنَّمَا وَسَّعَ لَهُ فِي الْخِبَاءِ وَالْفُسْطَاطِ وَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ انْتَهَى وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَبَطَ الثَّوْبَ بِأَوْتَادٍ وَحِبَالٍ حَتَّى صَارَ كَالْخِبَاءِ الثَّابِتِ أَنَّ الِاسْتِظْلَالَ بِهِ جَائِزٌ. ص (فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ خِلَافٌ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَسُقُوطِهَا إذَا اسْتَظَلَّ بِالْمَحَارَةِ، أَوْ بِثَوْبٍ عَلَى عِصِيٍّ أَوْ أَعْوَادٍ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِهَا وَاسْتِحْبَابِهَا وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمِلِ وَبِثَوْبٍ فِي عِصِيٍّ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِالْمَحَارَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يَكْشِفْهَا، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الْحَاجِّ الْأَصَحُّ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ بِاسْتِظْلَالِهِ فِي حَالِ سَيْرِهِ رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا اسْتِحْبَابًا غَيْرُ وَاجِبَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَسُقُوطِهَا فِي الْمَحْمِلِ وَالثَّوْبِ بِالْعِصِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا عِنْدَهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالسُّقُوطِ، فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ فِي تَرْكَ الِاسْتِظْلَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمَنَاسِكِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ تَرْكَ

الِاسْتِظْلَالِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَكَرِهَ مَالِكٌ تَظْلِيلَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ انْتَهَى. كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُقَابِلَ الْمُسْتَحَبِّ مَكْرُوهٌ، وَصَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ مَالِكٌ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ مُعَلَّى فِي مَنَاسِكِهِ إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا ذَلِكَ بِزَمَنِ الْوُقُوفِ فَقَطْ لَا بِيَوْمِ عَرَفَةَ جَمِيعِهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْوُقُوفِ بِمَوْقِفِ عَرَفَةَ وَالدَّفْعِ مِنْهَا: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَنْزِلَ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَوْقِفِ عَنْ بَعِيرِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ وَقَفَ قَائِمًا، فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِيحَ إذَا عَيِيَ قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ وَقَفَ بِنَفْسِهِ، وَلَا عِلَّةَ بِدَابَّتِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَسْتَظِلَّ يَوْمئِذٍ مِنْ الشَّمْسِ بِعَصًا، أَوْ نَحْوِهَا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْمُفْهِمِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ اسْتِظْلَالُ الْمُحْرِمِ فِي الْقِبَابِ وَالْأَخْبِيَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِظْلَالِهِ حَالَ الْوُقُوفِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَجَازَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَمْلٌ لِحَاجَةٍ وَفَقْرٍ بِلَا تَجْرٍ) ش يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ زَادِهِ، وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَنَحْوَهُ، وَأَمَّا إنْ حَمَلَ زَادَهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بُخْلًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُهُ بِلَا تَجْرٍ زِيَادَةُ بَيَانٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَحْمِلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ إذَا كَانَ رَاجِلًا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِثْلَ خُرْجِهِ فِيهِ زَادُهُ، أَوْ جِرَابِهِ، وَلَا يَحْمِلُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ تَطَوُّعًا، وَلَا بِإِجَارَةٍ فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ تِجَارَةً لِنَفْسِهِ مِنْ بَزٍّ أَوْ سَفَطٍ وَلَا يَتَّجِرُ فِيمَا يُغَطِّي بِهِ رَأْسَهُ وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِهَا: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ حَمْلَ الْمُحْرِمِ عَلَى رَأْسِهِ الْمِكْتَلَ وَغَيْرَهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ جَوَازَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَحْظُورُ مِنْ ذَلِكَ مَا خَرَجَ عَنْ حَاجَةِ سَفَرِ الْإِحْرَامِ، وَيُعْفَى عَمَّا بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ فِي سَفَرِهِ غِنًى مِثْلُ حَمْلِ زَادِهِ، وَمَا لَا غِنَى عَنْهُ فِي سَفَرِهِ إذَا الْتَجَأَ إلَيْهِ، فَأَمَّا أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَحْمِلَ التِّجَارَةَ، أَوْ يَحْمِلَ زَادَهُ وَاجِدًا لِمَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ، فَالْفِدْيَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَوْضِعِ الرُّخْصَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ وَقَفَتْ دَابَّتُهُ بِتِجَارَةٍ، أَوْ الْتَجَأَ إلَى ذَلِكَ حَمَلَ، وَافْتَدَى، وَتَأْثِيرُ الضَّرُورَةِ عِنْدَ وُقُوعِهَا فِي رَفْعِ الْمَأْثَمِ وَجَوَازِ الْفِعْلِ لَا فِي سُقُوطِ الْفِدْيَةِ كَمَا فِي الْحِلَاقِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: فَإِنْ حَمَلَ لِغَيْرِهِ، أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَالْفِدْيَةُ قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَحْمِلُ شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ، فَقَالَ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ خِلَافٌ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ حَمَلَ نَفَقَةَ غَيْرِهِ وَزَادَهُ عَلَى رَأْسِهِ لِلتِّجَارَةِ، فَهِيَ ضَرُورَةٌ تُسْقِطُ عَنْهُ الْفِدْيَةَ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحَمْلٌ لِحَاجَةٍ شَامِلٌ لِمَا يَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ غَيْرِ رَأْسِهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَلَا بَأْسَ فِيمَا يَحْمِلُ مِنْ وِقْرِهِ أَنْ يَعْقِدَهُ عَلَى صَدْرِهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مَتَاعَهُ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ يَجْعَلَ فِيهِ الْحَبْلَ وَيُلْقِيَهُ خَلْفَهُ وَيَجْعَلَ الْحَبْلَ فِي صَدْرِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ لَا بَأْسَ فِيمَا يَحْمِلُ مِنْ وِقْرِهِ أَنْ يَعْقِدَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ مَتَاعَهُ فِي حَبْلٍ، وَيُلْقِيَهُ خَلْفَهُ وَالْحَبْلُ فِي صَدْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْوِقْرُ بِالْكَسْرِ الْحِمْلُ يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ يَحْمِلُ وِقْرَهُ انْتَهَى. ص (وَإِبْدَالُهُ ثَوْبَهُ، أَوْ بَيْعُهُ) ش: يُرِيدُ وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ طَرْحَ الْهَوَامِّ الَّتِي فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْقُلَ الْهَوَامَّ مِنْ جَسَدِهِ وَثَوْبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ إلَى الثَّوْبِ الَّذِي يُرِيدُ طَرْحَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَطَرْحِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ ص (بِخِلَافِ غَسْلِهِ إلَّا النَّجِسَ فَبِالْمَاءِ فَقَطْ) ش: هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ غَسْلِهِ خِيفَةَ دَوَابِّهِ إلَّا فِي جَنَابَةٍ فَيَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ، وَحْدَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَسْلِهِ أَيْ فَيُكْرَهُ كَذَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، وَفِي مَعْنَى الْجَنَابَةِ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ انْتَهَى. ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قُلْت) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ الْكَرَاهَةِ

فرع أجمع أهل العلم أن للمحرم أن يتسوك

هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا غَسْلَهُ لِلْوَسَخِ جَائِزًا كَغَسْلِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَا نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُحْرِمِ غَسْلَ ثَوْبِهِ إلَّا لِنَجَاسَةٍ، أَوْ وَسَخٍ فَلْيَغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَإِنْ مَاتَ فِيهِ دَوَابُّ وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَ غَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ، فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ فَلْيَغْسِلْهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. ، وَهَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهَا بِالْكَرَاهَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ غَسْلِهِ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَنَصُّهَا، وَأَكْرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ، أَوْ ثَوْبَ غَيْرِهِ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يُصِيبَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ، فَلْيَغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ لَا بِالْحُرْضِ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ غَسْلَ ثَوْبِ الْمُحْرِمِ لَا يُمْنَعُ لِلْإِنْقَاءِ وَالتَّنْظِيفِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ لِأَجْلِ قَتْلِ الْهَوَامِّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَحْسَنُ أَنَّ مَنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ، أَوْ جَنَابَةٌ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَافْتَقَدَهُ، وَمَا حَوْلَهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَإِنْ قَطَعَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ غَسَلَهُ بِمَا شَاءَ، وَأَنْقَاهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يَدْرِ مَوْضِعَهَا افْتَقَدَهُ مَوْضِعًا مَوْضِعًا، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا قَمْلَ فِيهِ غَسَلَهُ، وَمَا رَأَى فِيهِ قَمْلًا نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ سَلَامَتَهُ فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَا تَفْتَقِرُ إلَى حَكٍّ، وَعَرْكٍ كَالْبَوْلِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ، وَشَبَهِهِ، فَإِنَّهُ يُوَاصِلُ صَبَّ الْمَاءِ، وَيَتَلَطَّفُ فِي غَسْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ شَكَّ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ شَيْئًا أَطْعَمَ اسْتِحْبَابًا، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاجَ إلَى حَكٍّ وَعَرْكٍ، وَكَانَ فِيهِ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ، فَإِنَّهُ يُطْعِمُ اسْتِحْبَابًا وَلَوْ عَرَكَ جَمِيعَ ثَوْبِهِ فِي قَصْرِيَّةٍ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى دُونِ ذَلِكَ أَطْعَمَ، وَكَذَلِكَ إنْ غَسَلَهُ بِالْحُرْضِ وَهُوَ الْغَاسُولُ، أَوْ بِالصَّابُونِ أَطْعَمَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَافْتَدَى عِنْدَ مَالِكٍ إنْ كَانَ بِثَوْبِهِ كَثِيرُ الْقَمْلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ بِالْحُرْضِ خَشْيَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ ابْنُ يُونُسَ زَادَ فِي رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ لِمَوْضِعِ الدَّوَابِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُهُ لِلْوَسَخِ وَنَحْوِهِ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ الْحَاجِّ، وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ جَوَازُهُ انْتَهَى، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا قَمْلَ فِي ثَوْبِهِ جَازَ لَهُ غَسْلُهُ بِمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ لَهُ غَسْلُهُ لِلنَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ فَقَطْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ بَعْضَ قَمْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ يُطْعِمُ اسْتِحْبَابًا، وَأَمَّا غَسْلُهُ لِلْوَسَخِ، فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: أَيْضًا إنَّهُ جَائِزٌ وَحَكَى فِي الشَّامِلِ فِي غَسْلِهِ مِنْ الْوَسَخِ قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا غَسْلُهُ لِغَيْرِ النَّجَاسَةِ وَالْوَسَخِ، فَاتَّفَقَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهَا عَلَى بَابِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الطِّرَازِ أَنَّ غَسْلَهُ لِغَيْرِ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ] ص (وَرَبْطُ جُرْحِهِ) ش: (فَرْعٌ) : قَالَ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ الْحَاجِّ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ وَإِنْ دَمِيَ فَمُهُ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ وَالْعُتْبِيُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ وَلَوْ أَدْمَى فَاهُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الْقَاضِي الزِّينَةَ مَنْعُ السِّوَاكِ بِالْجَوَازِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمِنْطَقَةُ الْهِمْيَانُ، وَهُوَ مِثْلُ الْكِيسِ يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ انْتَهَى. ص (عَلَى جِلْدِهِ) ش: فَلَوْ شَدَّهَا عَلَى إزَارِهِ فَفِيهَا الْفِدْيَةُ. ص (وَإِضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ) ش: فَلَوْ شَدَّهَا لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ وَجَعَلَ مَعَهَا نَفَقَةَ نَفْسِهِ لِيَسْتَبِيحَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ شَدَّهَا لِنَفَقَتِهِ، وَنَفَقَةِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ غَيْرِهِ تَبَعٌ انْتَهَى. . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ) ش: أَيْ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لِغَيْرِ نَفَقَتِهِ مِثْلَ أَنْ يَشُدَّهَا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ حَبِيبٍ وَابْنِ يُونُسَ، وَكَذَلِكَ إنْ شَدَّهَا لِنَفَقَةِ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. ص

كَعَصْبِ جُرْحِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ عَصَبَ جُرْحَهُ، أَوْ رَأْسَهُ افْتَدَى قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَبِيرِ الْعِصَابَةِ وَصَغِيرِهَا، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ إشَارَةٌ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَغِيرِ الْعِصَابَةِ وَكَبِيرِهَا. ص (أَوْ لَصْقِ خِرْقَةٍ كَدِرْهَمٍ) ش: اُنْظُرْ إذَا كَانَ بِهِ جُرُوحٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَأَلْصَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا خِرْقَةً دُونَ الدِّرْهَمِ وَالْمَجْمُوعُ كَدِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرَ وَظَاهِرُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ، أَوْ قِرْطَاسٍ بِصُدْغَيْهِ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالْفِدْيَةُ فِي ذَلِكَ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ سَدَّ أُذُنَهُ الْوَاحِدَةَ، أَوْ كِلْتَيْهِمَا بِمَا فِيهِ طِيبٌ، أَوْ لَا طِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَابُ تَرَفُّهٍ، فَهُوَ بَابٌ وَاحِدٌ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ لَا فَرْقَ فِي الْفِدْيَةِ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَهَا لِعِلَّةٍ، أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَهُوَ بَيِّنٌ، فَإِنَّ عَلَيْهِ كَشْفَ أُذُنَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ، أَوْ لِأَنَّهُمَا فِي عَظْمِ الرَّأْسِ كَالْجَبْهَةِ وَالصُّدْغِ، فَإِذَا سَدَّهُمَا، فَقَدْ سَتَرَ مَا عَلَيْهِ كَشْفُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَعَلَ فِي صُدْغَيْهِ قِرْطَاسًا، أَوْ عَصَبَ جَبْهَتَهُ بِعِصَابَةٍ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: أَوْ قُطْنَةٌ بِأُذُنٍ، أَوْ قِرْطَاسٌ بِصُدْغٍ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعُورِضَ إيجَابُهُمْ الْفِدْيَةَ فِي الْأُذُنِ مُطْلَقًا بِمَسْأَلَةِ الْخِرَقِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ انْتِفَاعِهِ بِسَدِّ الْأُذُنِ أَشْبَهَ الْكَثِيرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ، أَوْ فَخْذِهِ) ش يُرِيدُ، أَوْ سَاقِهِ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِنْطَقَةَ مِنْ اللِّبَاسِ الْمَمْنُوعِ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ فَلَا يَعْدِلُ بِهَا عَنْ الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِهَا عَادَةً ص (وَكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادَةٍ) ش: أَيْ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكُبَّ وَجْهَهُ عَلَى الْوِسَادَةِ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا فَوْقَ الْعُنُقِ، فَيَكُونُ الْوَجْهُ مِنْ جُمْلَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ كَظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةٌ بِالْمُحْرِمِ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ النَّوْمَ عَلَى الْوَجْهِ نَوْمُ الْكُفَّارِ، وَأَهْلِ النَّارِ وَالشَّيَاطِينِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُهُ إذَا كَانَ الْمُحْرِمُ مِمَّنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ هَذَا جُلُّ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيهِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ يُرِيدُ بِهِ الْمَصْبُوغَ بِغَيْرِ طِيبٍ إذَا كَانَ لَوْنُ الصِّبَاغِ يُشَابِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ، فَأَمَّا مَا صُبِغَ بِطِيبٍ كَالْمَصْبُوغِ بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِهِ، فَإِنْ غُسِلَ الثَّوْبُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، وَبَقِيَ لَوْنُهُ، فَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ إلَّا أَنْ يَذْهَبَ لَوْنُهُ كُلُّهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ صَبَغَهُ بِالْمِشْقِ، وَأَحْرَمَ بِهِ انْتَهَى وَالْمِشْقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِ

الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ، وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صِبْغَهَا إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا خُلِطَ بِزَيْتٍ وَيُقَالُ لِلثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِهَا مُمَشَّقٌ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَأَمَّا الْمُغْرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ إنَّهُ لَوْنٌ لَيْسَ بِنَاصِعِ الْحُمْرَةِ، أَوْ شُقْرَةٌ بِكُدْرَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ ثَوْبٍ صُبِغَ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ وَالْوَرْسُ نَبْتٌ بِالْيَمَنِ وَصِبْغُهُ بَيْنَ الصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ فَإِنْ غُسِلَ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الزَّعْفَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ مَا بَقِيَ مِنْ لَوْنِهِ شَيْءٌ انْتَهَى، وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُفْدَمٍ وَمُوَرَّدٍ فَالْمُفْدَمُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْقَوِيُّ الصِّبْغِ الْمُشَبَّعِ الَّذِي رُدَّ فِي الْعُصْفُرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ سُقُوطَهَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْمَشْهُورُ أَيْضًا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي حَقِّهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْمُحْرِمَةُ الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ مَا لَمْ يَنْتَفِضْ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهُ انْتَهَى وَاسْتَظْهَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْقَوْلَ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ فِي الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طِيبًا وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ. (قُلْت) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَبِسَتْ الْمُفْدَمَ لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يُحْرِمُوا فِي الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ لِانْتِفَاضِهِ انْتَهَى فَسَوَّى بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ: النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فِيمَا يُنْهَى عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ فِي الْمُوَرَّسِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُفْدَمِ وَالْمُزَعْفَرِ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُوَرَّدُ فَفَسَّرَهُ التُّونُسِيُّ بِالْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ إذَا غُسِلَ وَفَسَّرَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْبَاجِيُّ بِالْمُعَصْفَرِ غَيْرِ الْمُفْدَمِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ غُسِلَ الْمُفْدَمُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُوَرَّدًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ صَبْغًا غَيْرَ قَوِيٍّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ يَعْنِي فِي تَفْسِيرِ الْمُوَرَّدِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: قَالَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: هُوَ الَّذِي صُبِغَ بِالْوَرْدِ انْتَهَى. . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالتُّونُسِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَفِي تَفْسِيرِ الْبَلُّوطِيِّ بِمَا صُبِغَ بِوَرْدٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ كَالْوَرْسِ انْتَهَى. وَالْبَلُّوطِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُوَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ (قُلْت) : وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّ الْمَصْبُوغَ بِالْوَرْدِ كَالْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْوَرْسَ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ، وَالْوَرْدُ مِنْ الطِّيبِ الْمُذَكَّرِ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ كَمَا فَصَلَ فِي الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ بَيْنَ الْمُفْدَمِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : وَقَوْلُنَا إذَا كَانَ لَوْنُ صِبْغِهِ يُشْبِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ احْتَرَزْنَا بِهِ عَمَّا يَكُونُ صِبَاغُهُ لَا يُشْبِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ فَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبِيضُ أَلْبِسُوهَا أَحْيَاءَكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ لِبَاسُ الْبَيَاضِ، وَهُوَ فِي الْمَصْبُوغِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزٌ: إذَا كَانَ أَزْرَقَ، أَوْ أَخْضَرَ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَمْنُوعٌ: إذَا كَانَ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ طِيبٌ، فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَيَجُوزُ إذَا كَانَ مُعَصْفَرًا غَيْرَ مُفْدَمٍ، وَكُرِهَ الْمُفْدَمُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِضُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَلَمْ يَرَهُ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ انْتَهَى. وَكَانَ الْقِسْمُ الثَّالِثِ مِنْ الْمَصْبُوغِ فِي كَلَامِهِ هُوَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ الْمُفْدَمِ، فَجَعَلَهُ مَكْرُوهًا. وَلَمْ يَرَ فِيهِ فِدْيَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا مَشَى صَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْبَيَاضُ أَفْضَلُ فِي صِفَةِ الثِّيَابِ لِلْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَصْبُوغُ

فائدة لا بأس أن يحرم الرجل في البركانات والطيالسة الكحلية

مِنْهُ مُبَاحٌ، وَمِنْهُ غَيْرُ مُبَاحٍ، فَالْمُبَاحُ مَا لَا يَكُونُ صِبْغُهُ مِنْ نَاحِيَةِ الطِّيبِ، فَهَذَا يَجُوزُ لِلْعَامَّةِ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنْ يَلْبَسَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ دُلْسَةٌ،. وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ مَدَرٌ فَقَالَ عُمَرُ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ: إنَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُبَاحِ فَهُوَ مَا صُبِغَ بِطِيبٍ، أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَى الطِّيبِ فَمَا صُبِغَ بِطِيبٍ كَانَ لُبْسُهُ حَرَامًا. وَمَا صُبِغَ بِغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مُشَابِهٌ لِلطِّيبِ كَانَ مَكْرُوهًا، وَذَلِكَ يَرْجِعُ فِي الْعَادَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَصْبَاغٍ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ أَمَّا الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ فَاتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ، فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ نَافِضًا وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. وَلَمْ يَرَوْهُ مِنْ الطِّيبِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَنْعِهِ هَلْ هُوَ مَنْعُ تَحْرِيمٍ؟ أَوْ كَرَاهَةٍ؟ أَعْنِي الْمُفْدَمَ الْمُشَبَّعَ إذَا كَانَ يَنْتَفِضُ عَلَى الْجَسَدِ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُوجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طِيبًا كَسَائِرِ أَلْوَانِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، وَاعْتِبَارًا بِمَا لَا يَنْتَفِضُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَاهُ طِيبًا، وَلَا يُوجِبُ فِيهِ فِدْيَةً إذَا لَمْ يَنْتَفِضْ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ عِنْدَهُ فِي الطِّيبِ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْبَدَنِ خَاصَّةً فَسُقُوطُ الْفِدْيَةِ فِيهِ كَأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَهُمْ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي البركانات وَالطَّيَالِسَةِ الْكُحْلِيَّةِ] (فَائِدَةٌ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمَّا ذَكَرَ كَرَاهَةَ الْمَصْبُوغِ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ إنَّ الْعَالِمَ الْمُقْتَدَى بِهِ يَتْرُكُ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يُشْبِهُ الْمَمْنُوعَ مِمَّا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا الْعُلَمَاءُ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ غَيْرَهُ الْكَفُّ عَنْهُ انْتَهَى. (قُلْت) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَمْرَ الْعَالِمِ بِالْكَفِّ عَنْ ذَلِكَ أَمْرُ نَدْبٍ لَا إيجَابٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي الْبَرْكَانَاتِ وَالطَّيَالِسَةِ الْكُحْلِيَّةِ وَفِي أَلْوَانِ جَمِيعِ الثِّيَابِ إلَّا الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ الَّذِي يَنْتَفِضُ، وَمَا صُبِغَ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، فَإِنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ، وَلَمْ يَكْرَهْ شَيْئًا مِنْ الصِّبْغِ غَيْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُوَرَّدِ وَالْمُمَشَّقِ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِحْرَامِ فِي الثِّيَابِ الْهَرَوِيَّةِ إنْ كَانَ صَبْغُهَا بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ، وَإِنْ كَانَ بِالزَّعْفَرَانِ، فَلَا يَصْلُحُ انْتَهَى وَالْبُرْكَانَاتُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ مِثْلُ الْأَكْسِيَةِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ ثَوْبٌ بَرَّكَانِيٌّ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ الْبُرْكَانُ كِسَاءٌ أَسْوَدُ مُرَبَّعٌ مِنْ نَاعِمِ الصُّوفِ يَجُوزُ لُبْسُهُ، وَالْإِحْرَامُ فِيهِ إجْمَاعًا انْتَهَى. وَالطَّيَالِسَةُ جَمَعَ طَيْلَسَانَ بِفَتْحِ اللَّامِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ طَيْلَسَانُ بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ: وَالطَّاءُ فِي الطَّيَالِسَةِ لِلْعُجْمَةِ أَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ إنَّهُ مُثَلَّثُ اللَّامِ وَعَنْ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ مُعْرَبٌ أَصْلُهُ تَالِسَانُ وَيُقَالُ فِيهِ: طَالَسَانُ وَطَيْلَسٌ قَالَهُ كُرَاعٌ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ فِي الصِّحَاحِ وَكَأَنَّهُ مُعَرَّبٌ وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: فِي الْمُغْرِبِ هُوَ مِنْ لِبَاسِ الْعَجَمِ مُدَوَّرٌ أَسْوَدُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الشَّتْمِ يَا ابْنَ الطَّيْلَسَانِ يُرِيدُ أَنَّك أَعْجَمِيٌّ انْتَهَى وَالثِّيَابُ الْهَرَوِيَّةُ ثِيَابٌ مِنْ رَقِيقِ الْقُطْنِ يُصَفَّرُ سِدَادُهَا بِالزَّعْفَرَانِ، أَوْ الْكَمُّونِ وَنَحْوِهِ، فَتَأْتِي إلَى الصُّفْرَةِ، فَكَرِهَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ» ، وَهَذَا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ وَقَعَ نَظَرْت إلَى الثَّوْبِ، فَإِنْ كَانَ رِيحُ الزَّعْفَرَانِ فِيهِ تَعَلَّقَتْ بِلُبْسِهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِيحُهُ فِيهِ بِوَجْهٍ كَانَ مَكْرُوهًا أَمَّا غَيْرُ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ مِنْ الْمِشْقِ وَالْبَقَّمِ وَالْفُوَّهِ وَسَائِرِ الْمُصَبِّغَاتِ، فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ انْتَهَى، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِحْرَامِ فِي عَصْبِ الْيَمَنِ وَسَائِرِ الْأَلْوَانِ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَكْرَهُ شَيْئًا مَا خَلَا الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ وَالْمُعَصْفَرَ وَالْمُفْدَمَ الَّذِي يَنْتَفِضُ قَالَ

سَنَدٌ: الْعَصْبُ ثِيَابُ قُطْنٍ مُرْتَفِعَةٍ فِيهَا خُطُوطٌ مَصْبُوغَةٌ، وَهِيَ الْحِبَرَةُ تُصْبَغُ بِالْيَمَنِ لَيْسَ فِيهَا وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْبَاجِيّ: وَأَمَّا الْمُوَرَّدُ بِالْعُصْفُرِ وَالْمَصْبُوغُ بِالْمَغْرَةِ، أَوْ الْمِشْقِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْأَصْفَرُ بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ، وَلَا وَرْسٍ، فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لُبْسُهُ لِلْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، وَلَا يُفْعَلُ غَالِبًا إلَّا إبْقَاءً لِلثَّوْبِ، فَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ، وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ لِئَلَّا يُلْبِسَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ فَيَقْتَدِيَ بِهِ فِي لُبْسِ الْمَصْبُوغِ الْمَمْنُوعِ لُبْسُهُ رَوَاهُ أَشْهَبُ وَمُحَمَّدٌ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَذْهَبَ كَرَاهَةُ مَا صُبِغَ مِنْ الْأَصْفَرِ بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ خَلِيلٌ: يُرِيدُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ، ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ رَاشِدٍ فِي حَمْلِهِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ الْمُوَرَّدِ وَالْمُمَشَّقِ لَا غَيْرَ عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ أَنَّ الْمُوَرَّدَ وَالْمُمَشَّقَ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ فِيهِمَا، وَلَا يُلْحَقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَلْوَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ الْإِحْرَامُ فِيمَا عَدَاهُمَا مَكْرُوهٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْبَيَاضِ فَقَالَ: لَيْسَتْ تَمْشِيَتُهُ بِجَيِّدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ فِي غَيْرِهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَاللَّخْمِيّ، وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى. . وَلَفْظُ ابْنِ الْجَلَّابِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الثِّيَابَ السُّودَ وَالْكُحْلِيَّاتِ وَالدُّكْنَ وَالْخُضْرَ وَتَقَدَّمَ لَفْظُ اللَّخْمِيِّ، وَقَوْلُهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ يُرِيدُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَذْهَبُ جَوَازُ الْمُوَرَّدِ وَالْمُمَشَّقِ مَعَ كَرَاهَتِهِ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ فِي غَيْرِهِمَا يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ الْبَيَاضُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِهَذَا يُقَيَّدُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُوَرَّدِ وَالْمُمَشَّقِ فَيُقَالُ يُرِيدُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَيُقَيَّدُ قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالْإِحْرَامِ فِي جَمِيعِ الْأَلْوَانِ إلَخْ فَيُقَالُ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ التِّلِمْسَانِيِّ أَنَّ الْمَصْبُوغَ يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلْمُقْتَدَى بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَشْبَهَ لَوْنُهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ، أَوْ لَمْ يُشْبِهْ، فَإِنَّهُ قَالَ الْجَائِزُ: مِنْ الْمَصْبُوغِ مَا لَا يَكُونُ صِبَاغُهُ مِنْ نَاحِيَةِ الطِّيبِ كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ لِلْعَامَّةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ انْتَهَى وَنَحْوُهُ لِلْقَرَافِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَيَاضَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ الْمَصْبُوغَ بِغَيْرِ طِيبٍ، وَلَا يُشْبِهُ لَوْنُ صِبْغِهِ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ جَائِزٌ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَلِمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى إلَّا عَلَى ظَاهِرِ التِّلِمْسَانِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَالْقَرَافِيِّ وَأَنَّ الْمَصْبُوغَ بِغَيْرِ طِيبٍ وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُ لَوْنُ صِبْغِهِ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ، وَالْمَصْبُوغُ بِالطِّيبِ إذَا غُسِلَ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، وَبَقِيَ لَوْنُهُ يُكْرَهُ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَأَنَّ الْمَصْبُوغَ بِالطِّيبِ حَرَامٌ، فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَيَّدْنَاهُ بِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَصْبُوغٍ الْمَصْبُوغُ بِغَيْرِ طِيبٍ إذَا كَانَ لَوْنُ صِبَاغِهِ يُشْبِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِ طِيبٍ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الطِّيبِ بِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ حَرَامٌ، وَاسْتِعْمَالَ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ كَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ لَوْنِ صِبَاغِهِ يُشْبِهُ لَوْنَ الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ، فَإِنْ قِيلَ لَمْ لَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ كَرَاهَةِ الْمَصْبُوغِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ الْبَيَاضُ، وَخِلَافُ الْأَوْلَى لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ كَرَاهَةٍ (قُلْت) : يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَقْيِيدُهُ الْكَرَاهَةَ بِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ إلَّا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ التِّلِمْسَانِيِّ وَالْقَرَافِيِّ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ فِي غَيْرِ الْبَيَاضِ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَجَمِيعُ الْأَلْوَانِ وَاسِعٌ

فرع نوم المحرم على شيء مصبوغ

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي بِالتَّوْسِعَةِ الْإِبَاحَةَ، وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْبَيَاضِ انْتَهَى. هَكَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا مِنْ التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَتْ مِنْهُ لَفْظَةُ لَا مِنْ أَوَّلِهِ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ: وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْبَيَاضِ وَيُوَافِقَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُرِيدُ بِالتَّوْسِعَةِ الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ اسْتِحْبَابُ الْبَيَاضِ، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ جَائِزٌ بَدَلَ وَاسِعٍ، وَلَفْظَةُ وَاسِعٍ هُنَا أَنْسَبُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: تَعَقَّبَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ رَاشِدٍ بِقَوْلِهِ فِي الِاسْتِذْكَارِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْبُوغَ بِالْمَدَرِ هُوَ الْمُمَشَّقُ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ نَعَمْ كَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ الْإِحْرَامُ فِيمَا عَدَاهُمَا مَكْرُوهٌ، وَفِي الْجَلَّابِ لَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الثِّيَابَ السُّودَ وَالْكُحْلِيَّاتِ وَالدُّكْنَ وَالْخُضْرَ، فَقَدْ نَفَى الْكَرَاهَةَ عَنْ هَذِهِ الْأَلْوَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ فِي الْمُوَرَّدِ وَالْمُمَشَّقِ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمُمَشَّقَ مَكْرُوهٌ لِلْإِمَامِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ انْتَهَى. (قُلْت) : كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ إنَّمَا تَعَقَّبَ كَلَامَ ابْنِ رَاشِدٍ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَعَقَّبَهُ بِوَجْهَيْنِ: مُخَالَفَتُهُ لِكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فَتَأَمَّلْهُ وَإِنَّمَا تَعَقَّبَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ رَاشِدٍ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ يَعُودُ إلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ فِي الْمُمَشَّقِ وَالْمُوَرَّدِ، وَإِلَى كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِهِمَا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ فِي الْإِحْرَامِ فِي الْمُمَشَّقِ خِلَافًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِهِ، فَظَهَرَ حِينَئِذٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) : كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْأَوْسَطِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَاجِيَّ أَطْلَقَ فِي كَرَاهَةِ الْمَصْبُوغِ لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَصْبُوغُ مِمَّا فِيهِ دُلْسَةٌ بِالْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا فِيهِ دُلْسَةٌ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ انْتَهَى، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِي الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِ طِيبٍ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ فَإِنَّ الشَّارِحَ قَيَّدَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَصْبُوغِ بِغَيْرِ طِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّمَا قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بِالطِّيبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ شَيْءٌ وَأَنَّ أَصْلَهُ، وَأَمَّا مَا صُبِغَ بِطِيبٍ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَخْ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: أَيْ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ، وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ لُبْسُ ثَوْبٍ صُبِغَ بِمَا عَدَا الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ، وَأَمَّا مَا صُبِغَ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا الْمَحَلُّ مِنْ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ، فَكَتَبَ فِيهِ كَلَامَهُ فِي الْأَوْسَطِ [فَرْعٌ نَوْمُ الْمُحْرِمُ عَلَى شَيْءٍ مَصْبُوغٍ] (فَرْعٌ) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَنَامُ الْمُحْرِمُ عَلَى شَيْءٍ مَصْبُوغٍ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ مِنْ فَرْشٍ، أَوْ وِسَادَةٍ إلَّا أَنْ يُغَشِّيَهُ بِثَوْبٍ كَثِيفٍ، فَإِنْ فَعَلَ، وَلَمْ يُغَشِّهِ افْتَدَى إنْ كَانَ صِبْغًا كَثِيرًا وَالْمُعَصْفَرُ أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَنَامَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَعْرَقَ، فَيُصِيبَهُ إلَّا الْخَفِيفَ لَا يَخْرُجُ عَلَى الْجَسَدِ، وَلَا يَتَوَسَّدُ مِرْفَقَةً فِيهَا زَعْفَرَانٌ، وَكَرِهَ أَنْ يَنَامَ عَلَى خَشَبَةٍ مُزَعْفَرَةٍ قَدْ ذَهَبَتْ الشَّمْسُ بِصِبَاغِهَا حَتَّى يُغَشِّيَهَا بِثَوْبٍ أَبْيَضَ انْتَهَى مِنْ النَّوَادِرِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَغَيْرُهُمْ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَقَالَ بَعْدَهُ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ قَالَ: وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا كَثِيفًا، وَظَهَرَ رِيحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلِقَ بِجِسْمِهِ رِيحُهُ لَافْتَدَى انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ، وَلَمْ يُغْسَلْ، وَلَكِنَّهُ لُبِسَ، وَتَقَادَمَ، وَانْقَطَعَتْ رَائِحَةُ الزَّعْفَرَانِ مِنْهُ حَتَّى لَا تَظْهَرَ بِوَجْهٍ كُرِهَ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ، وَلَمْ يَحْرُمْ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. [فَرْعٌ فِي مَنْ أَحْرَمَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ لُمْعَةٌ مِنْ الزَّعْفَرَانِ] (فَرْعٌ) :

فرع الثوب إذا كان غير جديد هل يحرم فيه ولا يغسله

قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَحْرَمَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ لُمْعَةٌ مِنْ الزَّعْفَرَانِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيَغْسِلْهُ إذَا ذَكَرَ انْتَهَى، وَذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ، وَقَالَ بَعْدَهُ، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا، وَالزَّعْفَرَانُ مَا مُنِعَ لِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ التَّطَيُّبُ بِهِ، وَلِهَذَا إذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا طُبِخَ بِهِ، فَاسْتُهْلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ انْتَهَى. ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُمَا وَقَبِلُوهُ كُلُّهُمْ، وَقَيَّدَ ابْنُ رَاشِدٍ ذَلِكَ بِمَا إذَا غَسَلَ اللُّمْعَةَ، وَقَالَهُ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَعَزَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِيهِ وَنَصُّهَا وَسُئِلَ عَنْ الَّذِي يُحْرِمُ فِي الثَّوْبِ فِيهِ اللُّمْعَةُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اللُّمْعَةَ تَبْقَى فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهِ فَاسْتَخَفَّ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَخِفُّ اللُّمْعَةَ مَنّهُ دُونَ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَلَا بِجَمِيعِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ إلَّا أَنْ يُغَيَّرَ بِالْمِشْقِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ أَحْرَمَ بِثَوْبٍ فِيهِ لُمْعَةُ زَعْفَرَانٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلْيَغْسِلْهُ إذَا ذَكَرَهُ، فَقَبِلَهُ الشَّيْخُ وَسَمِعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ بَعْدَ غَسْلِهَا وَلَا يُسْتَخَفُّ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ انْتَهَى. (قُلْت) : مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلْيَغْسِلْهُ إذَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ أَحْرَمَ فِيهِ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اسْتَخَفَّ ذَلِكَ لِيَسَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّمْعَةِ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ أَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا، فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الثَّوْبِ إذَا كَانَ غَيْرَ جَدِيدٍ هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ وَلَا يَغْسِلُهُ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الثَّوْبِ إذَا كَانَ غَيْرَ جَدِيدٍ هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ وَلَا يَغْسِلُهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ عِنْدِي ثَوْبٌ قَدْ أَحْرَمْت فِيهِ حِجَجًا مَا غَسَلْتُهُ، وَلَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَذَا بَيِّنٌ فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يُشْرَعُ غَسْلُهُ لِلْعِبَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يُوجِبُ غَسْلَهُ بِدَلِيلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، نَعَمْ إنْ كَانَ نَجِسًا غُسِلَ مِنْ النَّجَسِ، أَوْ دَنِسًا غُسِلَ مِنْ الدَّنَسِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ مُسْتَحَبٌّ، وَغَسْلُهُ مِنْ الدَّنَسِ عَمَلٌ فِي تَبْيِيضِهِ، وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْجَدِيدَ أَفْضَلُ، فَيُقَالُ رُبَّ غَسِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ جَدِيدٍ، فَلَا وَجْهَ لِمُرَاعَاةِ الْجِدَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: لَيْسَ بِالثَّوْبِ الدَّنِسِ بَأْسٌ، فَيُحْرِمُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ هَذَا اللَّفْظَ، وَلَفْظُ التَّهْذِيبِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ جَدِيدٍ، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ كَانَ ثَوْبُهُ نَجِسًا غَسَلَهُ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَأَحْرَمَ بِهِ صَحَّ إحْرَامُهُ وِفَاقًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، فَلَا تُنَافِيهِ النَّجَاسَةُ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ كَانَ فِي بَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ طِيبٌ وَأَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ الطِّيبَ، فَأَزَالَهُ بِبَوْلِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ صَحَّ إحْرَامُهُ، وَتَخَلَّصَ مِنْ فِدْيَةِ الطِّيبِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ شَكَّ أَنَّ عَلَى ثَوْبَيْهِ نَجَاسَةً، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْوَسْوَاسِ قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ غَسْلُهُمَا كَانَا جَدِيدَيْنِ، أَوْ غَسِيلَيْنِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ بِلَفْظِ: وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِمَا نَجَاسَةٌ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْوَسْوَاسِ، فَأَحَبُّ إلَيَّ غَسْلُهُمَا كَانَا جَدِيدَيْنِ، أَوْ غَسِيلَيْنِ انْتَهَى. (قُلْت) : فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْوَسْوَسَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِغَسْلِهِمَا وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ لِشَكِّهِ وَجْهٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْغَسْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ التَّحَرِّي فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ حِلَّ مِلْكِهِمْ وخلوصية أَصْلِهِمَا] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَرَّى فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ حِلَّ مِلْكِهِمَا وَخُلُوصِيَّةَ أَصْلِهِمَا، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ حِجَجًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُ لِلْإِحْرَامِ، وَيُعِدُّهُ لَهُ إذْ لَوْ امْتَهَنَهُ لَمَا أَقَامَ حِجَجًا لَا يَغْسِلُهُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبَيْنِ مِنْ أَسْوَدَ فَخَافَ أَنْ يَكُونَا مَسْرُوقَيْنِ فَلَا يُحْرِمُ فِيهِمَا إنْ شَكَّ قِيلَ فَإِنْ بَاعَهُمَا، وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِمَا قَالَ: قَدْ أَصَابَ وَاَلَّذِي قَالَهُ مِنْ بَابِ الْوَرَعِ وَالْفَضِيلَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوُجُوبِ انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي النَّوَادِرِ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ (قُلْت) : وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَيَتْرُكَهُمَا إذَا حَصَلَتْ لَهُ رِيبَةٌ، وَإِنْ ضَعُفَتْ

فرع الإحرام في ثوب فيه علم حرير

بِخِلَافِ بَابِ الطَّهَارَةِ، فَلَا يَعْمَلُ بِهِ بِالِاحْتِمَالَاتِ الْبَعِيدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْإِحْرَامُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ عَلَمُ حَرِيرٍ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُحْرِمَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ عَلَمُ حَرِيرٍ مَا لَمْ يَكْثُرْ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا هَلْ يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ عَلَمُ حَرِيرٍ قَدْرَ الْأُصْبُعِ؟ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ انْتَهَى. [فَرْعٌ الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ رِيحُ الْمِسْكِ وَالطِّيبِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ يَجِدُ فِيهِ رِيحُ الْمِسْكِ وَالطِّيبِ قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي تَابُوتِهِ الْمِسْكُ، فَيَكُونُ فِيهِ مِلْحَفَةٌ فَيُخْرِجُهَا لِيُحْرِمَ فِيهَا، وَقَدْ عَلِقَ فِيهَا رِيحُ الْمِسْكِ قَالَ: يَغْسِلُهَا. أَوْ يَنْشُرُهَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ قَالَ سَنَدٌ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّطَيُّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَأَنَّ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ أَبَاحَهُ فِي الْبَدَنِ، وَفِي الثَّوْبِ، وَمَنْ مَنَعَهُ مَنَعَهُ مِنْ الْبَدَنِ وَمِنْ الثَّوْبِ مَا نَصُّهُ أَمَّا ثَوْبُ الْمُحْرِمِ إذَا عَلِقَ بِهِ رِيحُ طِيبٍ، أَوْ تَبَخَّرَ بِعَنْبَرٍ وَنَدٍّ وَشَبَهِهِمَا، فَلَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ رِيحُ مِسْكٍ، أَوْ طِيبٍ، فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ: فِي الْمَجْمُوعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَالتَّطَيُّبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ الْفِدْيَةَ إذَا فَعَلَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ تَطَيَّبَ حِينَئِذٍ. أَمَّا مَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَيَفْتَدِي، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ، وَتَعَلَّقَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ مُحَرَّمَ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ، فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِمُجَرَّدِ الرَّائِحَةِ كَمَا لَوْ جَلَسَ فِي الْعَطَّارِينَ فَشَمَّ الطِّيبَ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا عَامِدًا، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ، وَيُخَالِفُ الْجُلُوسُ فِي الْعَطَّارِينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَطَيُّبٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى. (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَعَنْ الْمَجْمُوعَةِ نَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ نَحْوَ مَا ذُكِرَ عَنْ أَشْهَبَ. وَهُوَ غَرِيبٌ، وَنَصُّهُ: وَلَا يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ رَائِحَةُ الطِّيبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْنُ الطِّيبِ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَثُرَتْ الرَّائِحَةُ افْتَدَى انْتَهَى، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ كَأَنَّهُ تَتْمِيمٌ لِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ أَشْهَبَ كَأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لَهُ، فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ عَلِقَ فِيهِ رِيحُ الْمِسْكِ حَتَّى تَذْهَبَ رِيحُهُ بِغَسْلٍ، أَوْ نَشْرٍ. وَإِنْ أَحْرَمَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ رِيحُهُ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ، فَيَصِيرَ كَالطِّيبِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بَعْدَهُ الشَّيْخُ: الْمِسْكُ لَمْ يُجْعَلْ فِي الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا عَلِقَ بِهِ رِيحُهُ مِنْ غَيْرِهِ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ عَلِقَ بِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَلَوْ مَسَّهُ طِيبٌ، ثُمَّ ذَهَبَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ؟ سُئِلَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فَقَالَ نَعَمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغُ زَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ، أَوْ الَّذِي يَتَحَصَّلُ عِنْدِي مِنْ هَذَا أَنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَتْ فِيهِ رَائِحَةُ الطِّيبِ، فَلَا يُحْرِمُ فِيهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ رَائِحَةَ طِيبٍ مُؤَنَّثٍ كَانَ الْإِحْرَامُ فِيهِ حَرَامًا، وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَةَ طِيبٍ مُذَكَّرٍ كَانَ الْإِحْرَامُ فِيهِ مَكْرُوهًا، فَإِنْ أَحْرَمَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ مُذَكَّرًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُؤَنَّثًا، فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ تَطَيَّبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِمَا تَبْقَى رَائِحَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالْمَشْهُورُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إنْ كَانَ كَثِيرًا، وَاخْتُلِفَ هَلْ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ، أَوْ خِلَافٌ؟ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ [فَرْعٌ الْإِحْرَامَ فِي ثَوْبٍ مُصَبَّغٍ بِدُهْنٍ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ فِي ثَوْبٍ مُصَبَّغٍ بِدُهْنٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ مِسْكًا، أَوْ عَنْبَرًا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي رَسْمِ لِيَرْفَعْنَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ سُئِلَ عَنْ الثَّوْبِ يُصِيبُهُ الدُّهْنُ، هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِسْكًا، أَوْ عَنْبَرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَدْهَانَ الَّتِي لَا طِيبَ فِيهَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَهَا وَيَدْهُنَ بِهَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مِنْ شُقَاقٍ بِهَا لَا لِتَحْسِينِهَا، وَهِيَ لَا تُحَسِّنُ الثَّوْبَ بِحَالٍ إذَا أَصَابَتْهُ بَلْ تُوَسِّخُهُ، فَلَا بَأْسَ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ كَمَا قَالَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ: كَرِهَهُ مَالِكٌ لِلرِّجَالِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ وَكُرِهَ لِلرِّجَالِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ الْمُعَصْفَرُ الْمُفْدَمُ، وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ غَيْرُ الْمُفْدَمِ وَالْمُزَعْفَرُ، فَيَجُوزُ لُبْسُهُمَا فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ نَصَّ عَلَى الْمُوَرَّدِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى الْمُزَعْفَرِ فِي غَيْرِهَا قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْمُزَعْفَرِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ، وَكُنْتُ أَلْبَسُهُ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ هُوَ أَنْ يُلَطِّخَ جَسَدَهُ بِزَعْفَرَانٍ اللَّخْمِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ كُلَّهَا، أَوْ الْعِمَامَةَ بِالزَّعْفَرَانِ» وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَلْبِسُ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ» دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ وَزَادَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْنُوعًا فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يَخُصَّ بِهِ الْمُحْرِمَ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ مَا يَفْتَرِقُ فِيهِ حُكْمُ الْمُحْرِمِ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْمُعَصْفَرِ فَلِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ فَقَالَ: إنَّ هَذَيْنِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهُمَا» وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَلَا كَسَوْتَهُمَا بَعْضَ أَهْلِك انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَقَالَ فِيهِ وَحُمِلَ النَّهْيُ أَنْ يُزَعْفِرَ الرَّجُلُ عَلَى تَلْطِيخِ الْجَسَدِ عَلَى رَأْيِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُعَضِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُزَعْفِرَ الرَّجُلُ جِلْدَهُ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ كُلَّهَا وَالْعِمَامَةَ بِالزَّعْفَرَانِ» ، وَهَذَا بَيِّنٌ فَإِنَّ ذَلِكَ عَادَةُ الْعَرَبِ وَهُوَ زِيُّ مَكَّةَ إلَى الْيَوْمِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَحْضِ مُعْتَادِ النِّسَاءِ حَتَّى يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ انْتَهَى. (قُلْت) وَالْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ عَامٌّ فِي الْمُفْدَمِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَلَقَدْ «لَعَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ» فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إنَّهُ أَجَازَ لُبْسَ الْمَلَاحِفِ الْمُعَصْفَرَةِ لِلرِّجَالِ فِي الْبُيُوتِ، وَفِي أَفْنِيَةِ الدُّورِ وَكَرِهَ لِبَاسَهَا فِي الْمَحَافِلِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى السُّوقِ، فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ التَّصَرُّفَ بِهَا بَيْنَ الْمَلَإِ مِنْ لِبَاسِ الِاشْتِهَارِ، فَلِهَذَا نَهَى عَنْهُ وَفِي الدِّيَارِ لَيْسَ فِيهَا اشْتِهَارٌ فَأَجَازَهُ انْتَهَى. ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْأَحْمَرُ، وَمِنْهُ الْمُعَصْفَرُ وَالْمُزَعْفَرُ، فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَكَرِهَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ الْمُزَعْفَرَ لِلرِّجَالِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ، وَلَوْ لِلْمَرْأَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَلِلرِّجَالِ فِي غَيْرِهِ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الْقَاضِي يَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، وَيَتَحَلَّى بِالزِّينَةِ مِنْ كُحْلٍ وَخِضَابٍ وَسِوَاكٍ سَأَلَ رَجُلٌ غَرِيبٌ عَنْهُ فَدُلَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ أَتَسْخَرُونَ بِي أَسْأَلُكُمْ عَنْ قَاضِيكُمْ فَتَدُلُّونِي عَلَى زَامِرٍ فَزَجَرُوهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ بَشِيرٍ: تَقَدَّمْ وَاذْكُرْ حَجَّتَكَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِمَّا ظَنَّهُ، عَاتَبَهُ زُونَانُ فِي لِبَاسِ الْخَزِّ وَالْمُعَصْفَرِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ فَقِيهَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، وَأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَلْبَسُ الْخَزَّ، ثُمَّ تَرَكَ لُبْسَ الْخَزِّ قَالَ يَحْيَى بْن يَحْيَى: لَا يَلْزَمُ مَنْ يَعْقِلُ مَا يُعَابُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَزُونَانُ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَمَّى أَبَا مَرْوَانَ وَيُعْرَفُ بِزُونَانَ وَهُوَ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِمَّنْ لَمْ يَرَ مَالِكًا مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ مِنْ قُرْطُبَةَ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنَ وَهْبٍ وَغَيْرَهُمْ، وَكَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ الْفِقْهَ وَكَانَ فَقِيهًا فَاضِلًا وَرِعًا زَاهِدًا وَلِيَ قَضَاءَ طُلَيْطِلَة وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى يَعْجَبُ مِنْ كَلَامِهِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَمٌّ كَرَيْحَانٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ شَمُّ الرِّيحَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ الْمُذَكَّرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ رِيحُهُ وَيَخْفَى أَثَرُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَالْيَاسَمِينِ وَالْوَرْدِ وَالْخَيْلِيِّ وَالْبَنَفْسَجِ وَشَبَهِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ شَمَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا سَيَأْتِي، وَحُكْمُ مَا يُغْتَفَرُ مِنْ هَذِهِ

فرع حكم الحشائش وشبهه مما يشم ولا يتطيب به للمحرم

الرَّيَاحِينِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْحَجِّ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالرَّيْحَانِ، أَوْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ بِالْأُشْنَانِ الْمُطَيَّبِ بِالرَّيَاحِينِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ طَيَّبَ الْأُشْنَانَ بِالطِّيبِ افْتَدَى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ قَوْلِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ يُرِيدُ غَسْلَ يَدَيْهِ بِالرَّيْحَانِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَمَّا الْوُضُوءُ بِهِ فَمَعْنَاهُ غَسْلُ الْيَدِ لَا الْوُضُوءُ مِنْ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا لِإِضَافَتِهِ إنْ كَانَ أُشْبِعَ فِي الْمَاءِ حَتَّى غَيَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ اعْتَصَرَهُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ، فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ، فَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ يَدَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ، وَأَمَّا مَاءُ الْوَرْدِ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى فِي الْبَدَنِ، وَلَهُ نَحْوُ هَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَتَأَمَّلْهُ، وَمَا قَالَهُ فِي الطِّرَازِ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلْيَحْذَرْ مِنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَالنَّاسُ يَصُبُّونَ عَلَيْهِ مَاءَ الْوَرْدِ وَفِيهِ الْمِسْكُ، فَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ فِيهِ الْمِسْكُ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حُكْم الْحَشَائِشُ وَشَبَهُهُ مِمَّا يُشَمُّ وَلَا يُتَطَيَّبُ بِهِ لِلْمُحْرِمِ] (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: أَمَّا الْحَشَائِشُ وَالزَّنْجَبِيلُ وَالشِّيحُ وَالْإِذْخِرُ وَالْقَيْصُومُ وَشَبَهُهُ مِمَّا يُقْصَدُ شَمُّهُ وَلَا يُتَطَيَّبُ بِهِ وَلَا مِنْهُ، فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عِنْدَ الْكَافَّةِ، وَهُوَ كَالْقَاحِ وَالتُّفَّاحِ وَاللَّيْمُونِ وَالْأُتْرُجِّ، وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ انْتَهَى. ص (وَحِجَامَةٌ بِلَا عُذْرٍ) ش: سَوَاءٌ أَزَالَ بِسَبَبِهَا شَعْرًا، أَوْ لَمْ يُزِلْ وَسَوَاءٌ خَشِيَ قَتْلَ الدَّوَابِّ، أَوْ لَمْ يَخْشَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: هِيَ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يُزِلْ بِسَبَبِهَا شَعْرًا فِي الرَّأْسِ خِيفَةَ قَتْلِ دَوَابِّهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَوَجَّهَ سَنَدٌ الْمَشْهُورَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْعَادَةِ بِشَدِّ الزُّجَاجِ وَنَحْوِهِ وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْعَقْدِ وَالشَّدِّ عَلَى جَسَدِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا مَعَ الْعُذْرِ، فَتَجُوزُ فَإِنْ لَمْ يُزِلْ بِسَبَبِهَا شَعْرًا وَلَمْ يَقْتُلْ قَمْلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَزَالَ بِسَبَبِهَا شَعْرًا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا بِسُقُوطِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ غَرِيبٌ وَإِنْ قَتَلَ قَمْلًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، فَالْفِدْيَةُ وَإِلَّا أَطْعَمَ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ص (وَغَمْسُ رَأْسٍ) ش: قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ وَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَإِنْ انْغَمَسَ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ قَمْلًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ، وَهَذَا فِيمَنْ لَهُ شَعْرٌ يَكُونُ فِيهِ الْقَمْلُ أَمَّا مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ الْقَمْلُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ أَمَّا صَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ، فَجَائِزٌ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ، وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَلَوْ لِحَرٍّ يَجِدُهُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ تَبَرُّدًا وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْغَسْلِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَجْفِيفُهَا بِشِدَّةٍ) ش: الضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ رَاجِعٌ لِلرَّأْسِ، وَهُوَ مَهْمُوزٌ، وَقَدْ تُبْدَلُ هَمْزَتُهُ أَلِفًا، وَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ عَلَى تَأْنِيثِ الرَّأْسِ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَإِنْ حَلْقًا وَفِي قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ فِي دَفْعِ رَأْسٍ، أَوْ قِيمَتِهَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّجْرَاجِيُّ فِي جُمَلِهِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرَّأْسَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تُذَكَّرُ، وَلَا يَجُوزُ تَأْنِيثُهَا وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَالرَّأْسُ مُذَكَّرٌ لَيْسَ إلَّا، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ يُؤَنِّثُونَ، وَلَا يَعْرِفُونَ فِيهِ غَيْرَ التَّأْنِيثِ، وَهُوَ مِنْ الْخَطَأِ الْقَبِيحِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَالرَّأْسُ مُذَكَّرٌ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَمَا أَكْثَرُ تَأْنِيثِ الْعَامَّةِ لَهُ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ وَقَالَ وَوَهِمَ مَنْ أَنَّثَهُ وَهُوَ مَهْمُوزٌ، وَقَدْ يُخَفَّفُ بِتَرْكِهِ انْتَهَى، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَنَّثَهَا بِاعْتِبَارِ الْجُمْجُمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلُبْسُ امْرَأَةٍ قَبَاءً مُطْلَقًا) ش: أَيْ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ لَهُنَّ لُبْسُ الْقَبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ لِحُرَّةٍ، أَوْ أَمَةٍ

فرع في لبس السراويل للمحرمة وغير المحرمة

لِأَنَّهُ يَصِفُهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ الشَّهِيدُ بْنُ الْحَاجِّ: وَكَرَاهِيَةُ لُبْسِهِ لِلْحَرَائِرِ أَشَدُّ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَهُ قَمِيصٌ، أَوْ إزَارٌ، فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَالسَّرَاوِيلِ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ فِي بَيْتِهَا، وَبَيْنَ يَدَيْ زَوْجِهَا وَبَيْنَ مَنْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ بَدَنَهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ ذَلِكَ زِيُّ نِسَائِهَا، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ فِي زِيِّهِمْ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ، وَيُكْرَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ هَيَجَانِ الشَّهْوَةِ وَإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَفِي مَعْنَاهُ احْتِزَامُ الْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّهُ أَخَفُّ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ، وَمَنْ لَا تُمَدُّ لَهَا الْعَيْنُ وَالْقَبَاءُ أَشَدُّ مِنْهُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ الْبَدَنِ حَتَّى كَأَنَّهُ مِنْ جِلْدَةِ الْمَرْأَةِ حَتَّى يُتَخَيَّلُ فِيهِ كَأَنَّهَا عُرْيَانَةُ بِخِلَافِ احْتِزَامِهَا مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهَا انْتَهَى. [فَرْعٌ فِي لُبْسُ السَّرَاوِيلِ لِلْمُحْرِمَةِ وَغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ] (فَرْعٌ) : وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ وَغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَنَدٌ: وَذَلِكَ إذَا لَبِسَتْهُ وَفَوْقَهُ قَمِيصٌ سَائِلٌ، وَلَيْسَ بِأَنْ تَلْبَسَهُ مِنْ دُونِ قَمِيصٍ، ثُمَّ تَسْتُرَ عَالِيَ جَسَدِهَا، وَهُوَ مَكْشُوفٌ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْقَبَاءِ فِي حَقِّهِنَّ. ص (وَإِبَانَةُ ظُفْرٍ، أَوْ شَعْرٍ، أَوْ وَسَخٍ) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ لُبْسُ قُفَّازٍ، أَوْ عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَعَلَيْهِمَا دَهْنُ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ فَإِنْ أَبَانَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَالْإِبَانَةُ بِحَلْقٍ، أَوْ نُورَةٍ، أَوْ نَتْفٍ، أَوْ قَصٍّ سَوَاءٌ انْتَهَى. ص (إلَّا غَسْلَ يَدَيْهِ بِمُزِيلِهِ) ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ شَمِّ الطِّيبِ: فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَغَيْرِهِ بِالْحُرْضِ وَهُوَ الْغَاسُولُ وَالْأُشْنَانُ وَالصَّابُونُ، وَكُلُّ مَا يُنَقِّي الزَّفَرَ، وَيَقْطَعُ رِيحَهُ وَيَتَجَنَّبُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الرَّيَاحِينِ وَالْفَوَاكِهِ الْمُطَيِّبَةِ الَّتِي تَبْقَى فِي الْيَدِ رَائِحَتُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالتَّطَيُّبِ، فَإِنْ خَلَطَ مَعَ الْأُشْنَانِ وَشَبَهِهِ شَيْئًا مِمَّا لَهُ رِيحٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَوْ اُسْتُعْمِلَ مُفْرَدًا لَمْ يُفْتَدَ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا خَلَطَهُ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى أَنَّ الطِّيبَ إذَا خُلِطَ بِطَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ، وَذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِدْيَةٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُنَقِّيَ مَا تَحْتَ أَظَافِرِهِ مِنْ الْوَسَخِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ الْحَاجِّ وَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُنَقِّيَ مَا تَحْتَ أَظَافِرِهِ مِنْ الْوَسَخِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. ص (وَتَسَاقُطُ شَعْرٍ لِوُضُوءٍ، أَوْ رُكُوبٍ) ش قَالَ سَنَدٌ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْمُحْرِمِ يَتَوَضَّأُ، فَيُمِرُّ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ، أَوْ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فِي الْوُضُوءِ، أَوْ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي أَنْفِهِ لِمُخَاطٍ يَنْزِعُهُ مِنْهُ، أَوْ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، أَوْ يَرْكَبُ دَابَّتَهُ فَيَحْلِقُ سَاقَهُ الْإِكَافُ، أَوْ السَّرْجُ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْءٌ، وَهَذَا خَفِيفٌ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ انْتَهَى. قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَلَوْ سَقَطَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ شَيْءٌ لِحَمْلِ مَتَاعِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَتَسْقُطُ مِنْهَا الشَّعْرَةُ وَالشَّعْرَتَانِ انْتَهَى. ص (وَدَهْنُ الْجَسَدِ كَكَفٍّ وَرِجْلٍ بِمُطَيِّبٍ) ش: يُرِيدُ سَوَاءً فَعَلَهُ لِعِلَّةٍ، أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَلَا إشْكَالَ فِي الْمَنْعِ وَلُزُومِ الْفِدْيَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ، فَالْفِدْيَةُ لَازِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْنُوعٍ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ مَا حَكَمَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْعِ تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مَا لَمْ يَسْتَثْنِ ذَلِكَ. ص (وَلَهَا قَوْلَانِ اخْتَصَرَتْ عَلَيْهِمَا) ش أَيْ وَإِنْ دَهَنَ رِجْلَهُ، أَوْ كَفَّهُ بِغَيْرِ مُطَيَّبٍ لِعِلَّةٍ فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ اخْتَصَرَتْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِمَا هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَلَهُ نَحْوُهُ فِي الْمَنَاسِكِ قَالَ فَإِنْ دَهَنَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ لِلشُّقُوقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَهُمَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ، أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، أَوْ مَا هُوَ دَاخِلُ الْجَسَدِ، فَالْفِدْيَةُ هَكَذَا قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَاخْتَصَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَإِنْ دَهَنَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ لِعِلَّةٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ دَهَنَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ لِعِلَّةٍ

بِغَيْرِ مُطَيَّبٍ، فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَالْفِدْيَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ لِعِلَّةٍ مِنْ شُقُوقٍ وَنَحْوِهَا، فَلَا فِدْيَةَ لِعُمُومِ الْحَرَجِ وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ بَاطِنُ الْكَفَّيْنِ، وَأَمَّا ظَاهِرُهُمَا، فَلْيَفْتَدِ نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ، وَإِلَّا يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: أَنْ يَدْهُنَهُمَا لَا لِعِلَّةٍ، أَوْ لِعِلَّةٍ وَفِيهِ طِيبٌ، أَوْ يَدْهُنَ غَيْرَهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ قَرِيبٌ مِمَّا فِي التَّهْذِيبِ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ دَهَنَ قَدَمَيْهِ وَعَقِبَيْهِ مِنْ شُقُوقٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَهُمَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ، أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ يُحَسِّنُهُمَا لَا لِعِلَّةٍ افْتَدَى، وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَلَى الْوُجُوبِ مُطْلَقًا، فَقَالَ لِيُحَسِّنَهُمَا، أَوْ مِنْ عِلَّةٍ افْتَدَى انْتَهَى. فَجَعَلَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ اخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيّ وَابْن أَبِي زَمَنِينَ فِي دَهْنِ الْقَدَمَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِعِلَّةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ اخْتِلَافُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ دَهْنِ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ لَا فِي مَسْأَلَةِ دَهْنِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذْ لَفْظُ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ كَمَا سَتَرَاهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْأُمِّ بَلْ لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةِ دَهْنِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَنَاهِيكَ بِابْنِ عَرَفَةَ فِي نَقْلِهِ لِلْخِلَافِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّوَابِ لَوْلَا مَا قَالَهُ هُنَا، وَفِي الْمَنَاسِكِ، وَنَصُّ الْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَهَنَ كَفَّيْهِ وَقَدَمَيْهِ مِنْ شُقُوقٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَهُمَا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ، أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ لِيُحَسِّنَهُمَا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَهَنَ شُقُوقًا فِي يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ بِزَيْتٍ، أَوْ شَحْمٍ، أَوْ وَدَكٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَ ذَلِكَ بِطِيبٍ كَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ انْتَهَى. فَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ صَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا دَهَنَ كَفَّيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِلشُّقُوقِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَالْبَرَاذِعِيُّ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ يُونُسُ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَلَمْ أَرَ مَنْ اخْتَصَرَهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ الْبَرَاذِعِيِّ وَلَفْظُ ابْنِ يُونُسَ نَحْوُهُ وَكَذَا لَفْظُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا بَعْدَ قَوْلِهِ لِيُحَسِّنَهُمَا: أَوْ مِنْ عِلَّةٍ كَمَا قَالَ الْبَرَاذِعِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَلَفْظُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي اخْتِصَارِهِ وَإِنْ دَهَنَ كَفَّيْهِ، أَوْ قَدَمَيْهِ بِزَيْتٍ، أَوْ شَحْمٍ، أَوْ وَدَكٍ لِشُقُوقٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، أَوْ دَهَنَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ بِذَلِكَ لِزِينَةٍ، أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ لِيُحَسِّنَهُمَا افْتَدَى، وَلَوْ دَهَنَ شُقُوقًا بِقَدَمَيْهِ، أَوْ بِعَقِبَيْهِ بِمَا فِيهِ طِيبٌ افْتَدَى، وَأَمَّا بِزَيْتٍ، أَوْ شَحْمٍ خَالِصٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ دَهَنَ شُقَاقًا بِقَدَمَيْهِ، أَوْ بِعَقِبَيْهِ بِزَيْتٍ، أَوْ شَحْمٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ افْتَدَى انْتَهَى. وَلَفْظُ اخْتِصَارِ صَاحِبِ الطِّرَازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ دَهَنَ كَفَّيْهِ وَقَدَمَيْهِ مِنْ شُقُوقٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَهُمَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ، أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ لِيُحَسِّنَهُمَا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَهَنَ شُقُوقًا فِي يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ بِزَيْتٍ، أَوْ شَحْمٍ، أَوْ وَدَكٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَ ذَلِكَ بِطِيبٍ افْتَدَى، وَنَصُّ مَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَمَنْ دَهَنَ شُقُوقًا فِي يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ بِزَيْتٍ، أَوْ شَحْمٍ، أَوْ وَدَكٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَهَنَ ذَلِكَ بِطِيبٍ افْتَدَى، وَمَنْ دَهَنَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ بِالزَّيْتِ لِزِينَةٍ افْتَدَى انْتَهَى. مِنْ تَرْجَمَةِ الْمُحْرِمِ يَشُمُّ الطِّيبَ، أَوْ يَتَدَهَّنُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي، وَقَالَ قَبْلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَهَنَ عَقِبَيْهِ وَقَدَمَيْهِ مِنْ شُقُوقٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَهَنَهُمَا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ افْتَدَى انْتَهَى. فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي دَهْنِ الْكَفَّيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِلشُّقُوقِ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ اخْتَصَرُوا الْمُدَوَّنَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بَلْ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِهِ: إذَا دَهَنَ شُقُوقًا فِي يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمُخْتَصِرُونَ فِي مَسْأَلَةِ دَهْنِ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ: أَوْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ لِحُسْنِهِمَا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِيُحَسِّنَهُمَا أَنَّهُ لَوْ دَهَنَهُمَا لَا لِيُحَسِّنَهُمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَهِمَهَا الْبَرَاذِعِيُّ وَابْنُ يُونُسَ، فَقَالَا لِيُحَسِّنَهُمَا لَا لِعِلَّةٍ قَالَ: التَّادَلِيُّ وَفِي الْكِتَابِ إنْ دَهَنَ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ لِيُحَسِّنَهُمَا لَا مِنْ عِلَّةٍ افْتَدَى قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ فِي طُرُرِهِ: ظَاهِرُهُ

فرع إذا قطر المحرم في أذنيه بانا غير مطيب لوجع أو جعله في فيه

أَنَّهُ إنْ كَانَ لِعِلَّةٍ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ لِعِلَّةٍ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ، وَفِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْقَدَمَيْنِ، أَوْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا نَادِرٌ بِخِلَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى النَّادِرِ هَلْ يُرَاعَى أَوْ لَا؟ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ رَأَيْت فِي الْمُخْتَلِطَةِ، أَوْ لِعِلَّةٍ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ السَّاقَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنْ يَنْكَشِفَا، فَأَشْبَهَ مَنْ دَهَنَ سَائِرَ جَسَدِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ كَلَامَ أَبِي إبْرَاهِيمَ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَدَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ وَإِنْ دَهَنَ قَدَمَيْهِ، أَوْ عَقِبَيْهِ مِنْ شُقُوقٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ ظَاهِرَةٌ لَوْ كَانَ لِعِلَّةٍ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ مِنْ عِلَّةٍ وَعَلَيْهَا اخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّادَلِيِّ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ فِي قَوْلِهِ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْقَدَمَيْنِ وَالْيَدَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِآخِرِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُ كَذَلِكَ يَذْكُرُ أَوَّلًا كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ يَقُولُ الْمَسْأَلَةَ، أَوْ إلَخْ، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ أَنَّ الْكَلَامَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ: مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ بِالدَّهْنِ عَلَى مَوْضِعِ الشُّقُوقِ، وَلَا يَتَجَاوَزُهُ إلَّا مَا لَا يُحْتَرَزُ مِنْ مِثْلِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ إذَا قَطَّرَ الْمُحْرِم فِي أُذُنَيْهِ بَانًا غَيْرَ مُطَيَّبٍ لِوَجَعٍ أَوْ جَعَلَهُ فِي فِيهِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الْمُوَطَّإِ فَإِنْ قَطَّرَ فِي أُذُنَيْهِ بَانًا غَيْرَ مُطَيَّبٍ لِوَجَعٍ، أَوْ جَعَلَهُ فِي فِيهِ فَلَا فِدْيَةَ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ فِي تَقْطِيرِهِ فِي الْأُذُنِ الْفِدْيَةُ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ انْتَهَى وَنَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ. [فَرْعٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْتَدِمَ بِالزَّيْتِ والشيرج وَيَسْتَعِطَ بِهِمَا] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ: وَلَهُ أَنْ يَأْتَدِمَ بِالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَيَسْتَعِطَ بِهِمَا، وَأَمَّا الْبَنَفْسَجُ وَالزِّئْبَقُ، فَلَا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيَحْرُمُ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ بِالدُّهْنِ بِخِلَافِ أَكْلِهِ، وَلِكَوْنِ الدُّهْنِ غَيْرَ مُطَيَّبٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ أَكْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الطِّيبِ فِي الطَّعَامِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَكْلِهِ يَعْنِي فَإِنَّهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا، فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ أَكْلِ الدُّهْنِ الْمُطَيَّبِ حُكْمُ أَكْلِ الطِّيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَطَيُّبٌ بِكَوَرْسٍ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ لَبِسَ قُفَّازًا، أَوْ عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَدَهْنُ الْجَسَدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ التَّطَيُّبُ بِالطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ رِيحُهُ، وَأَثَرُهُ كَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ وَالْعُودِ يُرِيدُ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِكَوَرْسٍ عَنْ الطِّيبِ الْمُذَكَّرِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَمٌّ كَرَيْحَانٍ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَعْنَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ إلْصَاقُ الطِّيبِ بِالْيَدِ، أَوْ بِالثَّوْبِ، فَإِنْ عَلِقَ الرِّيحُ دُونَ الْعَيْنِ بِجُلُوسِهِ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ، أَوْ بَيْتٍ تَجَمَّرَ سَاكِنُوهُ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مَعَ كَرَاهَةِ تَمَادِيهِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَقَبِلَهُ، وَتَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بَيْنَ أَنْ يُطَيِّبَ جَمِيعَ جَسَدِهِ، أَوْ عُضْوًا مِنْهُ، أَوْ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّمَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إذَا طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا مِثْلَ الرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالشَّارِبِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ يُطَيِّبَ بَعْضَ الْعُضْوِ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَطَيُّبٍ مُعْتَادٍ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَكَيْفَمَا مَسَّ الطِّيبَ، فَقَدْ تَطَيَّبَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الطِّيبَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ، وَإِنْ ذَهَبَتْ رِيحُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَوْ ذَهَبَتْ رَائِحَةُ الْمِسْكِ لَمْ يَصِحَّ إنْ أَرَادَ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ مَعَ تَحَقُّقِ ذَهَابِ كُلِّهَا، فَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْت) : وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَصْبُوغِ

بِالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ وَلَوْ جَعَلَ فِي ثَوْبِهِ طِيبًا قَدْ قَدُمَ، وَذَهَبَ رِيحُهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِدْيَةٌ انْتَهَى، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ صَرِيحٌ، أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ إذَا غُسِلَ، أَوْ نُشِرَ وَتَقَادَمَ حَتَّى انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَلَا يَظْهَرُ بِوَجْهٍ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لُبْسُهُ، وَلَا يَحْرُمُ، ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الطِّيبِ الرَّائِحَةُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً افْتَدَى، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَرَأَيْتَ فِي حَاشِيَةٍ مَعْزُوَّةٍ لِكِتَابِ اللُّبَابِ شَرْحِ الْجَلَّابِ لِلْغَسَّانِيِّ فِيهَا مَا نَصُّهُ لَوْ انْقَطَعَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ. ص (أَوْ لِضَرُورَةِ كُحْلٍ) ش: ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ لِضَرُورَةِ الْكُحْلِ وَشَبَهِهَا مَمْنُوعٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ الْفِدْيَةِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ كَكَفٍّ وَرِجْلٍ بِمُطَيِّبٍ. وَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ اكْتِحَالِ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ الْمُطَيَّبِ، وَالْمَذْهَبُ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَالْكُحْلُ فِيهِ الْفِدْيَةُ إنْ كَانَ مُطَيَّبًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَيَّبٍ، وَكَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَثَالِثُهَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَاكْتِحَالُ الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا لِدَوَاءٍ جَائِزٌ، وَفِيهِ بِمُطَيَّبٍ الْفِدْيَةُ وَلِزِينَةٍ مَمْنُوعٌ، وَفِي الْفِدْيَةِ بِغَيْرِ مُطَيَّبٍ ثَالِثُهَا عَلَى الْمَرْأَةِ لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ عَلَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْجَلَّابِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْكُحْلِ، فَاكْتَحَلَ لِقَصْدِ الدَّوَاءِ. وَلِقَصْدِ الزِّينَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَغَلَّبَ جَانِبَ الْفِدْيَةِ (الثَّانِي) : قَالَ أَيْضًا أَمَّا تَنْشِيفُ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِبَعْضِ الْمِيَاهِ، أَوْ بِشَيْءٍ لَا يَتَحَجَّرُ عَلَى الْجَسَدِ، فَهُوَ خَفِيفٌ، وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ يَتَحَجَّرُ، وَيَسْتُرُ الْبَشَرَةَ سَتْرًا كَثِيفًا حَتَّى يَكُونَ كَالْقِرْطَاسِ، فَفِيهِ الْفِدْيَةُ (الثَّالِثُ) : قَالَ أَيْضًا عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَا تَكْتَحِلُ الْمَرْأَةُ بِالْإِثْمِدِ، وَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْكُحْلِ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ نَفْسِهِ، فَتَكْتَحِلُ بِهِ وَلَا فِدْيَةَ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) : قَالَ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ وَالْحُلِيِّ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْكُحْلِ لِلزِّينَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ إنْ اكْتَحَلَتْ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَاذَا أَجَازَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ، وَذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْكُحْلِ بِغَيْرِ مَا فِيهِ طِيبٌ مِنْ الِاكْتِحَالِ لِلزِّينَةِ قِيلَ؛ لِأَنَّ الْكُحْلَ إذَا كَانَ لِلزِّينَةِ، فَلَهَا فِيهِ انْتِفَاعٌ فِي عَيْنِهَا وَجَمَالٌ وَالْحُلِيُّ وَالْحَرِيرُ لَا انْتِفَاعَ لَهَا فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ الْمَنْفَعَةُ تُوجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زِينَةٌ كَدَوَائِهَا لِجُرْحٍ، وَشِبْهِ ذَلِكَ قِيلَ قَدْ يَكُونُ الْكُحْلُ أَمْرًا لَا يَكَادُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِمَكَانٍ مَا فِي الْعَيْنِ بِمَا يُصْلِحُهُ الْكُحْلُ كَالْإِدْهَانِ بِالزَّيْتِ لِيَتَمَرَّنَ عَلَى الْعَمَلِ. وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَاعِلٌ لِيُحَسِّنَ يَدَيْهِ لَكَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَصَارَ مَا فَعَلَ لِلضَّرُورَةِ مِنْ هَذَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَلَوْ فِي طَعَامٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ شَرَابًا فِيهِ كَافُورٌ، أَوْ يَأْكُلَ دُقَّةً مُزَعْفَرَةً فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَكَرِهَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ لِلسَّرَفِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ، وَقَالَ سَنَدٌ أَمَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ حَالُهُ بِقَدْرِ ثَمَنِ الْكَافُورِ، وَعُلُوِّ قِيمَتِهِ وَنُزُولِهَا. فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَتَطَيُّبُ الْمَاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَرَفٍ، وَهُوَ كَتَجْمِيرِ آلَتِهِ، وَإِنْبَاذِ الْعَسَلِ فِيهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

فرع شرب المحرم ما فيه طيب

مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا» قَالَ قُتَيْبَةُ: عَيْنٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَكُنْ هَذَا بِإِسْرَافٍ فِي الرَّفَاهِيَةِ وَطَلَبِ اللَّذَّاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرَةُ مُؤْنَةٍ، وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ كَبِيرُ قِيمَةٍ وَلَمْ يَطْلُبْ بِذَلِكَ التَّدَاوِي إلَّا مَحْضَ تَطَيُّبِ الرَّائِحَةِ، فَهُوَ سَرَفٌ مَمْنُوعٌ. [فَرْعٌ شُرْبُ الْمُحْرِمُ مَا فِيهِ طِيبٌ] (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: وَسُئِلَ إنْ شَرِبَ الْمُحْرِمُ مَا فِيهِ طِيبٌ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا قَالَ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ رَأْيٌ انْتَهَى. ص (إلَّا قَارُورَةً سُدَّتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَمَلَ قَارُورَةً مَسْدُودَةَ الْفَمِ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ يُرِيدُ وَقَدْ أَسَاءَ فِي حَمْلِهِ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ عَلِقَتْ بِهِ رَائِحَةُ الطِّيبِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِيمَنْ فَرَشَ عَلَى ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِالزَّعْفَرَانِ ثَوْبًا كَثِيفًا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْلَقَ بِجِسْمِهِ رِيحُهُ، فَإِنَّهُ يَفْتَدِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَيْضًا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا عَلِقَ فِيهِ رِيحُ الطِّيبِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ لَا فِدْيَةَ فِي حَمْلِ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ إنْ أَرَادَ، وَلَوْ عَلِقَتْ رَائِحَتُهُ، فَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَطْفَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْقَارُورَةِ وَنَحْوِهَا بِفَأْرَةِ الْمِسْكِ غَيْرِ مَمْشُوقَةٍ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ تَطَيُّبٌ انْتَهَى. (قُلْت) : لَمْ يَجْزِمْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا فِدْيَةَ فِي حَمْلِ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهَا يُرِيدُ لَا كَبِيرَ رَائِحَةٍ يُوجَدُ مِنْ الْقَارُورَةِ حِينَئِذٍ، أَوْ لَا يُوجَدُ أَلْبَتَّةَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِنَحْوِ الْقَارُورَةِ الْمُصَمَّمَةِ فَأْرَةُ الْمِسْكِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْشُوقَةٍ، وَفِيهَا عِنْدَهُمْ وَجْهَانِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِ وَفِيهَا لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِنَحْوِهَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ، وَأَمَّا إذَا حَمَلَ بِزِينَةٍ فِيهَا طِيبٌ، أَوْ خَرِيطَةً أَوْ خُرْجًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَشَمَّهُ، فَهَذَا أَسَاءَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بِبَشَرَتِهِ، وَلَا بِثِيَابِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَاشَرَهُ فَإِنَّ رَائِحَتَهُ تَعْلَقُ بِيَدِهِ، فَافْتَرَقَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ زُجَاجَةً فِيهَا طِيبٌ، أَوْ أَخْرَجَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ بِرَائِحَتِهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ رَائِحَةٌ مُجَاوِرَةٌ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهَا انْتَهَى. فَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي النَّوَافِجِ فَبَعِيدٌ جِدًّا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ مِنْهَا مِنْ الرَّائِحَةِ قَبْلَ شَقِّهَا مَا يَعْبَقُ رِيحُهُ بِالثِّيَابِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّوَافِجَ طِيبٌ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِحَمْلِهَا، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِمَسِّ الطِّيبِ الْيَابِسِ، أَوْ حَمْلِهِ بِالثَّوْبِ قَالَ: وَقَدْ تُعَلَّقُ النَّوَافِجُ فِي الثِّيَابِ، وَيَحْمِلُهَا النَّاسُ لِقَصْدِ التَّطَيُّبِ بِهَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِهَا مَشْقُوقَةً أَمْ لَا. ص (وَمَطْبُوخًا) ش: وَإِنْ طُبِخَ، وَلَمْ يَصْبُغْ الطِّيبُ الْفَمَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ صَبَغَهُ فَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ نَفْيُ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِمَا الْجَوَازَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ فِي طَعَامٍ، فَإِمَّا أَنْ يُطْبَخَ مَعَهُ، أَوْ يُجْعَلَ فِيهِ بَعْدَ طَبْخِهِ، وَفِي الْأَوَّلِ إمَّا أَنْ يُمِيتَهُ الطَّبْخُ أَوْ لَا، فَإِنْ أَمَاتَهُ الطَّبْخُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا، فَالْفِدْيَةُ فِيهِ، فَإِنْ مَسَّهُ، فَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ مَسَّ الطِّيبَ افْتَدَى لَصِقَ بِهِ، أَوْ لَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ بِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ: وَمَطْبُوخًا قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَطْبُوخِ مَعَ الطَّعَامِ وَإِطْلَاقُهُ هُنَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّفْصِيلَ انْتَهَى. ص (وَبَاقِيًا مِمَّا قَبْلَ إحْرَامِهِ) ش: يُرِيدُ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ مَنَعَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطِّيبَ الْمُؤَنَّثَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا فَعَلَهُ فَالْمَشْهُورُ

فرع في الدهن قبل الإحرام

أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: إنْ تَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَطَيَّبَ بِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْفِدْيَةُ. وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْكَافَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اسْتِحْبَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ اسْتِدْلَالَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا اُحْتُجَّ بِهِ لِمَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَزَعْمُ ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا فِدْيَةَ فِيهِ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: إذَا قُلْنَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ مَعَ كَرَاهَتِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ بِمُجَرَّدِ صَبِّ الْمَاءِ، فَجَلَسَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ فَعَلَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَضَمِّخَ بِالْخَلُوقِ أَنْ يَغْسِلَهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِدْيَةً، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطِّيبُ فِي بَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَزَعَ ثَوْبَهُ لَا يَعُودُ إلَى لُبْسِهِ، فَإِنْ عَادَ فَهَلْ عَلَيْهِ فِي الْعَوْدِ فِدْيَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ لَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْعَفْوِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لُبْسُ جَدِيدٍ وَقَعَ بِثَوْبٍ مُطَيَّبٍ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ مِنْ قَبْلِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ مَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، أَمَّا ثَوْبُ الْمُحْرِمِ إذَا عَلِقَ بِهِ رِيحُ طِيبٍ، أَوْ بُخِّرَ بِعُودٍ، أَوْ نَدٍّ، وَشَبَهِهِ فَلَا يَلْبَسُهُ، فَإِنْ فَعَلَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُحْرِمُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ رِيحُ مِسْكٍ، أَوْ طِيبٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، أَوْ يَكُونَ كَالتَّطَيُّبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ الْفِدْيَةَ إذَا فَعَلَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ تَطَيَّبَ حِينَئِذٍ أَمَّا مَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَيَفْتَدِي انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا بِرُمَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَصْبُوغٌ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ. (تَنْبِيهٌ) : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الطِّيبِ الْبَاقِي مِمَّا قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَقَيَّدَهُ الْبَاجِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ تَبْقَى مِنْهُ مَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِتْلَافِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ إثْرَ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا فِدْيَةَ فِيهِ إذَا وَقَعَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِإِتْلَافِ الطِّيبِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ بِإِتْلَافِهِ، أَوْ لَمْسِهِ فَتَجِبُ بِذَلِكَ الْفِدْيَةُ، وَهُوَ أَبْيَنُ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبَاجِيُّ أَيْضًا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّارِحُ وَقَبِلُوهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ [فَرْعٌ فِي الدَّهْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ] (فَرْعٌ) : وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّهْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لِمَالِكٍ جَائِزٌ أَنْ يَدْهُنَ عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَبَعْدَ حِلَاقِهِ بِالْبَانِ غَيْرَ مُطَيَّبٍ وَالزَّيْتِ وَشَبَهِهِ وَلَا يُعْجِبُنِي مَا يَبْقَى رِيحُهُ اللَّخْمِيُّ، وَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ مُطْلَقًا قَبْلَ إحْرَامِهِ كَمَنْعِهِ بَعْدَهُ كَمَنْعِ لُبْسِهِ، وَتَطَيُّبِهِ عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَبَعْدَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: فَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الشَّعَثِ وَإِزَالَتِهِ وَالْمُنَافِي لِلْإِحْرَامِ إزَالَتُهُ لَا عَدَمُهُ، وَلِذَا جَازَ إحْرَامُهُ إثْرَ احْتِمَامِهِ وَحَلْقِهِ وَمُنِعَ بَعْدَهُ انْتَهَى. (قُلْت) : وَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ الشَّعَثِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَكِنَّ فِي التَّطَيُّبِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ بَقَاءُ الرَّائِحَةِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا الدَّهْنُ، فَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إزَالَةُ الشَّعَثِ. وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَمْ تَحْصُلْ الْإِزَالَةُ حَالَ الْإِحْرَامِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ سَنَدٌ: أَمَّا الدَّهْنُ بِغَيْرِ الطِّيبِ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْإِحْرَامِ، وَيُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا يُخْتَلَفُ فِي التَّطَيُّبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ وَإِلَّا افْتَدَى إنْ تَرَاخَى) ش: هَذَا رَاجِعٌ إلَى خَلُوقِ الْكَعْبَةِ فَقَطْ وَفُهِمَ مِنْهُ

أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِي نَزْعِ الْيَسِيرِ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ أَنَّ الْخَلُوقَ فِيهِ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ لِإِيجَابِهِ الْفِدْيَةَ فِي كَثِيرِهِ إذَا لَمْ يَنْزِعْهُ، وَتَرَاخَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا افْتَدَى إنْ تَرَاخَى وَقَالَ سَنَدٌ: هَذَا فِي مُجَرَّدِ الْخَلُوقِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مِسْكًا، أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الطِّيبِ، فَإِنَّهُ يَغْسِلُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلْيَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ مِنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ بِيَدِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ تَرَكَهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قَالَ: وَإِنْ أَصَابَ كَفُّهُ مِنْ خَلُوقِ الرُّكْنِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ، وَأَنْ كَانَ يَسِيرًا، فَهُوَ مِنْهُ فِي سَعَةٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: لِأَنَّ الْخَلُوقَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْعُصْفُرِ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ مِنْ الطِّيبِ الْمُؤَنَّثِ أَمَّا إذَا خَرَجَ الْخَلُوقُ بِمِسْكٍ، أَوْ كَافُورٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الطِّيبِ، فَهَذَا يَتَوَقَّاهُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُبَاشِرُهُ فَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ عُفِيَ عَنْهُ إنْ أَزَالَهُ بِقُرْبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَإِنْ قَصَدَ مَسَّهُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْحَرَجِ انْتَهَى. . وَفَسَّرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْخَلُوقَ بِأَنَّهُ طِيبٌ مُرَكَّبٌ يُتَّخَذُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ، وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ (قُلْت) : وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ لَا شَيْءَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) : قَوْلُهُ وَإِلَّا افْتَدَى إنْ تَرَاخَى مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَسْأَلَةِ إلْقَاءِ الرِّيحِ، أَوْ الْقِيرِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْزِعْ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَرَاخَى أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ سَوَاءٌ كَانَ يَسِيرًا، أَوْ كَثِيرًا (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِيَغْسِلَ بِهِ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ، أَوْ مِنْ ثَوْبِهِ الَّذِي لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، وَطَالَ ذَلِكَ جَرَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيمَنْ ذَكَرَ لُمْعَةً كَانَ نَسِيَهَا فِي وُضُوئِهِ، وَبَعُدَ مِنْهُ الْمَاءُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ هُنَا يَفْتَدِي؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَةِ الطِّيبِ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ إذْ لَوْ أَزَالَهُ بِبَوْلِهِ لَأَجْزَأَهُ فِي بَابِ الْإِزَالَةِ، وَيَكُونُ حَامِلُ نَجَاسَةٍ يَغْسِلُهَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَحَمْلُهُ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ فِي حَمْلِ الطِّيبِ انْتَهَى. ص (كَأَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ الْحَلَالُ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَلَزِمَتْ الْحَلَالَ الْفِدْيَةُ، فَإِنَّهُ يَفْتَدِي بِغَيْرِ الصَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْتَدِ الْمُحْرِمُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْحَلَالِ بِالْأَقَلِّ إنْ لَمْ يَفْتَدِ بِالصَّوْمِ، فَلَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ، وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِمًا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ هُنَا أَنَّ حُكْمَ افْتِدَاءِ الْمُحِلِّ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ حُكْمُ افْتِدَائِهِ إذَا أَلْقَى الطِّيبَ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَبَيَّنَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ الْمَوْضِعَ الَّذِي تَلْزَمُ الْفِدْيَةُ فِيهِ الْمُحْرِمَ، أَوْ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَلَالَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ إنْ لَمْ يَفْتَدِ بِالصَّوْمِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا افْتَدَى عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْحَلَالِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الطَّعَامِ، أَوْ النُّسُكِ. ص (وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْمُلْقِي فَدِيَتَانِ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش الْأَرْجَحُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَابِسِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ سَنَدٌ: وَالْأَوَّلُ يَعْنِي قَوْلَ ابْنِ الْقَابِسِيِّ أَظْهَرُ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا مَسَّ الطِّيبَ بِيَدِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَمَسَّهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِمًا بِإِذْنٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ) ش: مَا ذَكَرَهُ هُنَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا طَيَّبَ الْحَلَالُ الْمُحْرِمَ، أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ مَثَلًا بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَعَلَى الْحَلَالِ الْفِدْيَةُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُحْرِمُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ الْحَلَالُ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُوَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي آخِرِ بَابِ حَلْقِ الْمُحْرِمِ كَغَيْرِهِ، وَنَصُّهُ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ قَصِّ أَظْفَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ مُنِعَ غَيْرُهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ حِلٍّ، أَوْ مُحْرِمٍ وَمَنْ قَصَّهُ

لَهُ بِإِذْنِهِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ كَمَا قُلْنَا فِي حِلَاقِ رَأْسِهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، فَإِنْ كَانَ نَائِمًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَالْفِدْيَةُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَائِمٍ، وَلَا مُكْرَهٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ سَاكِتٌ حَتَّى قُصَّتْ أَظْفَارُهُ، أَوْ حُلِقَ شَعْرُهُ وَلَوْ شَاءَ لَامْتَنَعَ، فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حِلٍّ أَطْعَمَ) ش يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْيُ الْقَمْلِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ قَتَلَ قَمْلًا كَثِيرًا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. ص (وَفِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ لَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى حَفْنَةٌ) ش: يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ لَا لِإِمَاطَةِ أَذًى وَلَا لِكَسْرِهِ فَعَلَيْهِ حَفْنَةٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَإِنْ قَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَبَثِ لَا لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَطْعَمَ حَفْنَةً انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ إذَا وَجَبَ الْإِطْعَامُ فِي الظُّفْرِ فَأَطْعَمَ، ثُمَّ قَلَّمَ آخَرَ أَطْعَمَ أَيْضًا وَلَا يُكْمِلُ الْكَفَّارَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُمَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى قَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا مُنْفَصِلَةً عَنْ الثَّانِيَةِ، فَكَانَ لِلثَّانِيَةِ بَعْدَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ كَمَنْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ، فَافْتَدَى، ثُمَّ حَلَقَ بَعْضَهُ، أَوْ قَلَّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَافْتَدَى، ثُمَّ قَلَّمَ الْيُسْرَى أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَدِيَ فَرَاعَى فِيهِ الْفَوْرَ، أَوْ النِّيَّةَ انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ، وَأَخْرَجَ الْفِدْيَةَ، ثُمَّ فَعَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَوْ نَوَى التَّكْرَارَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : أَمَّا لَوْ قَلَّمَ ظُفْرَيْنِ فَلَمْ أَرَ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّادَلِيِّ وَالطِّرَازِ وَغَيْرِهِمْ خِلَافًا فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ، وَلَمْ يُفَصِّلُوا كَمَا فَصَّلُوا فِي الظُّفْرِ الْوَاحِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) : قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْحَفْنَةُ مِلْءُ يَدٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْغُرْفَةُ مِلْءُ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا بِخِلَافِ عُرْفِنَا الْآنَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَمَّا لَوْ نَتَفَ شَعْرَةً، أَوْ شَعَرَاتٍ، أَوْ قَتَلَ قَمْلَةً، أَوْ قَمَلَاتٍ أَطْعَمَ حَفْنَةً بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قُبَضَةٌ، وَهِيَ دُونَ الْحَفْنَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَمَّا قَوْلُ حَفْنَةٍ فِي الْقَمْلَةِ وَالْقَمَلَاتِ؛ فَلِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِمَّا قَتَلَ، فَهُوَ فَوْقَ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَلِهَذَا يُجْزِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُطْعِمُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُطْعِمُ تَمَرَاتٍ، أَوْ قَبَضَاتٍ مِنْ سَوِيقٍ، أَوْ كِسْرَاتٍ انْتَهَى. وَفِي مَنَاسِكِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ مَالِكٌ: وَالْحَفْنَةُ كَفٌّ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْقَبْضَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَبْضَةُ أَقَلُّ مِنْ الْكَفِّ انْتَهَى ص (كَحَلْقِ مُحْرِمٍ لِمِثْلِهِ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْيَ الْقَمْلِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ لِمُحْرِمٍ آخَرَ مِثْلِهِ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ، فَإِنَّهُ يُطْعِمُ حَفْنَةً إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا قَمْلَ فِيهِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَتَلَ قَمْلًا كَثِيرًا، فَالْفِدْيَةُ هَذَا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى الْفَاعِلِ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَ حَلَالٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ، وَلَا قَمْلَ فِيهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ يَسِيرًا أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا كَانَ كَثِيرًا، فَقَالَ مَالِكٌ يَفْتَدِي وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِطَوْعِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قَمْلٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ يَسِيرًا أَطْعَمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا افْتَدَى عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَيَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْحِلَاقِ كَانَ عَلَى الَّذِي حَلَقَ رَأْسَهُ الْفِدْيَةُ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ وَكَانَ قَلِيلًا أَطْعَمَ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ كَثِيرًا انْتَهَى. ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ، وَهُوَ نَائِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ فَدِيَتَيْنِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِدْيَةٌ لِقَتْلِ الْقَمْلِ، وَفِدْيَةٌ لِلْمَفْعُولِ بِهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَمْلٌ، أَوْ كَانَ، وَكَانَ يَسِيرًا لَمْ تَجِبْ إلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَفِدْيَةٌ وَحَفْنَةٌ فِي الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَقْرِيدُ بَعِيرِهِ) ش: أَيْ إذَا أَزَالَ عَنْهُ الْقُرَادَ فَيُطْعِمُ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَقَالَ فِي

التَّوْضِيحِ: تَقْرِيدُ الْبَعِيرِ هُوَ إزَالَةُ الْقُرَادِ عَنْهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مُجَرَّدِ التَّقْرِيدِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي حَكَاهُ غَيْرُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِيمَا إذَا قَتَلَ الْقُرَادَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَقَبِلُوهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَلَهُ طَرْحُ بُرْغُوثٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ، وَقِيلَ يُطْعِمُ كَقَتْلِ النَّمْلِ وَالْعَلَقِ وَالْوَزَغَةِ وَإِنْ لَدَغَتْهُ وَقُرَادُ بَعِيرٍ وَنَحْوُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا طَرْحَ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) : وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ فِي طَرْحِ الْقُرَادِ وَالْحَمْنَانِ عَنْ بَعِيرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ طَرَحَ الْمُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ الْحَلَمَةَ، أَوْ الْقُرَادَ، أَوْ الْحَمْنَانَ، أَوْ الْبُرْغُوثَ، أَوْ طَرَحَ الْعَلَقَةَ عَنْ بَعِيرِهِ، أَوْ دَابَّتِهِ، أَوْ دَابَّةِ غَيْرِهِ، أَوْ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ طَرَحَ الْحَمْنَانَ وَالْقُرَادَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَلْيُطْعِمْ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: الْهَوَامُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَخْتَصُّ بِالْأَجْسَامِ وَمِنْهَا يَعِيشُ، فَلَا يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُمِيطُهُ عَنْ الْجَسَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ أَطْعَمَ وَكَذَا إذَا طَرَحَهُ. وَضَرْبٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَجْسَامِ كَالنَّمْلِ وَالذَّرِّ وَالدُّودِ وَشَبَهِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ افْتَدَى، وَإِنْ طَرَحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ طَرْحُهُ كَتَرْكِهِ، وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ، فَالْحَلَمَةُ وَالْقُرَادُ وَالْحَمْنَانُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَيْسَ هُوَ مِنْ هَوَامِّ الْآدَمِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ هَوَامِّ الدَّوَابِّ يُسَمَّى صَغِيرًا قُمْنَانًا فَإِذَا كَبِرَ قَلِيلًا قِيلَ حَمْنَانُ، فَإِذَا زَادَ قِيلَ قُرَادٌ، فَإِذَا تَنَاهَى قِيلَ حَلَمَةٌ فَهَذَا يَطْرَحُهُ الْمُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَهَلْ يَطْرَحُهُ عَنْ بَعِيرِهِ؟ يُخْتَلَفُ فِيهِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ ظُفْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الظُّفْرَ الْوَاحِدَ إنْ أَمَاطَ عَنْهُ أَذًى لَزِمَتْهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَنَدٌ: وَلَمْ يُبَيِّنْ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا هُوَ إمَاطَةُ الْأَذَى وَجَعَلَهُ الْبَاجِيُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْلَقَ مِنْ طُولِ ظُفْرِهِ فَيُقَلِّمَهُ، فَهَذَا أَمَاطَ عَنْهُ أَذًى مُعْتَادًا، وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ مُدَاوَاةَ قُرْحٍ بِأُصْبُعِهِ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِذَلِكَ، فَهَذَا أَمَاطَ بِهِ أَذًى إذْ لَا يَخْتَصُّ بِأَظْفَارِهِ فَرَاعَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كَمَالِ الْفِدْيَةِ إمَاطَةَ الْأَذَى فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا فِي نَصِّ الْقُرْآنِ مَنُوطَةٌ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ أَيْضًا، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالثَّانِي هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَهَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَقِبَ نَقْلِهِ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ انْتَهَى. وَقَالَ التَّادَلِيُّ الْبَاجِيُّ إمَاطَةُ الْأَذَى عَلَى ثَلَاثَةِ، أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ خُشُونَةَ طُولِ أَظْفَارِهِ وَجَفَاءَهَا، وَهَذَا فِي الْأَغْلَبِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَقْلِيمِ جَمِيعِ أَظْفَارِهِ، أَوْ أَكْثَرِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَانْظُرْ هَذَا الْوَجْهَ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ نَقَلَهُمَا سَنَدٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إزَالَتَهُ لَيْسَتْ لِأَجْلِ قَلَقٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِإِزَالَتِهِ التَّرَفُّهَ فَقَطْ، فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَارَضَ أَبُو الْحَسَنِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ تَقْلِيمِ الظُّفْرِ الْمُنْكَسِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَتَقْلِيمُ ظُفْرٍ إنْ كُسِرَ وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الظُّفْرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إنْ انْكَسَرَ، فَقَلَّمَهُ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ أَمَاطَ بِهِ أَذًى، فَفِيهِ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ قَلَّمَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَحَفْنَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُجَرَّدُ حَمَّامٍ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش: الْمُرَادُ بِمُجَرَّدِ الْحَمَّامِ صَبُّ الْمَاءِ الْحَارِّ دُونَ تَرْكٍ، وَلَا إزَالَةِ وَسَخٍ لَا مُجَرَّدُ دُخُولِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ بَلْ لِلتَّدَفِّي، فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَاتَّحَدَتْ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ) ش: ظَنُّ الْإِبَاحَةَ يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ قَالَ سَنَدٌ: كَاَلَّذِي يَطُوفُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فِي عُمْرَتِهِ، ثُمَّ يَسْعَى وَيُحِلُّ، وَكَذَا مَنْ يَعْتَقِدُ رَفْضَ إحْرَامِهِ وَاسْتِبَاحَةَ مَوَانِعِهِ قَالَ: فِي بَابِ تَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ وَمِنْهُ مَنْ أَفْسَدَ

إحْرَامَهُ بِالْوَطْءِ، ثُمَّ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ مُتَأَوِّلًا أَنَّ الْإِحْرَامَ تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِالْفَسَادِ، أَوْ جَاهِلًا، فَإِنَّهَا تَتَّحِدُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قُلْت) : وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِهِ، أَوْ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ بَعْضِهَا، وَقَدْ حَمَلَ الشَّارِحُ وَالْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : مِمَّا تَتَّحِدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ يَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْفِدْيَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنَاسِكِ. ص (أَوْ نَوَى التَّكْرَارَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ، وَنَوَى أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُكَرِّرُهُ، فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَتَّحِدُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ تَرَاخَى الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ كَأَنْ يَلْبَسَ لِعُذْرٍ، وَيَنْوِيَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْعُذْرُ تَجَرَّدَ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ الْعُذْرُ عَادَ إلَى اللُّبْسِ، أَوْ يَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ، وَيَنْوِيَ أَنَّهُ كُلَّمَا احْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ بِهِ فَعَلَهُ، وَمَحَلُّ النِّيَّةِ مِنْ حِينِ لُبْسِهِ الْأَوَّلِ قَالَهُ سَنَدٌ، وَهُوَ يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا، ثُمَّ نَزَعَهُ لِيَلْبَسَ غَيْرَهُ، أَوْ نَزَعَهُ عِنْدَ النَّوْمِ لِيَلْبَسَهُ إذَا اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ هَذَا فِعْلٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ فِي الْعُرْفِ، وَلَا يَضُرُّ تَفْرِقَتُهُ فِي الْحِسِّ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً وَاحِدَةً. ص (أَوْ قَدَّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ السَّرَاوِيلُ لَا يَفْضُلُ عَنْ الثَّوْبِ، وَأَمَّا إذَا نَزَلَ، فَتَعَدُّدُ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ ثَانِيًا بِغَيْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ أَوَّلًا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: أَيْضًا مَنْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِمَامَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ تَسْتُرُ مَا سَتَرَتْ الْقَلَنْسُوَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَمِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: فِيهَا تَتَّحِدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَتَقَدُّمِ قَمِيصٍ عَلَى سَرَاوِيلَ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، وَإِنْ عَكَسَ فَفِدْيَتَانِ، وَأَنْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً، ثُمَّ عِمَامَةً، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ تَفْضُلْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى (قُلْت) : وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ السَّرَاوِيلُ أَطْوَلَ مِنْ الْقَمِيصِ طُولًا يَحْصُلُ بِهِ انْتِفَاعٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ بِيَسِيرٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ انْتِفَاعٌ، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَرْطُهَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) ش: اعْلَمْ أَنَّ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُحْرِمِ بِهَا انْتِفَاعٌ لَكِنْ مِنْهَا مَا لَا يَقَعُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ وَالطِّيبِ، فَهَذَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَمِنْهَا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ طُولٍ كَاللِّبَاسِ، فَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ إلَّا بِانْتِفَاعِ الْمُحْرِمِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَوْ طُولٍ كَالْيَوْمِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ رِوَايَةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمُوجِبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الْجَمِيعِ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ (قُلْت) : وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ، أَوْ طُولٍ كَالْيَوْمِ؛ لِأَنَّ الطُّولَ الْمَذْكُورَ مَظِنَّةُ حُصُولِ الِانْتِفَاعِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ بَلْ لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِ (تَنْبِيهٌ) : فَلَوْ لَبِسَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، وَلَمْ يَطُلْ ذَلِكَ يَوْمًا وَلَا قَرِيبًا مِنْ الْيَوْمِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ نَزَعَ مَكَانَهُ، فَلَا فِدْيَةَ هَذَا تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ دَامَ كَالْيَوْمِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا دُونَ الْيَوْمِ يَسِيرٌ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا نَزَعَهُ مَكَانَهُ انْتَهَى. (قُلْت) : وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا قَارَبَ الْيَوْمَ كَالْيَوْمِ لِقَوْلِهِمْ كَالْيَوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي صَلَاةٍ قَوْلَانِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُعَدُّ طُولًا أَمْ لَا، وَقَالَ فِي الْمَنَاسِكِ، وَاخْتَلَفُوا إذَا لَبِسَهُ وَصَلَّى بِهِ صَلَاةً هَلْ يَفْتَدِي؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الطُّولِ، وَبِذَلِكَ وَجَّهَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَرَاعَى مَرَّةً حُصُولَ الْمَنْفَعَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَظَرَ مَرَّةً إلَى التَّرَفُّهِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالطُّولِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ التَّوْجِيهُ الظَّاهِرُ لَا مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِطُولٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ فِي الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: بَعْدَ قَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ: يَفْتَدِي وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ، فَفِيهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ

فرع افتدى المحرم من شيء قبل فعله

لَهُ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ. ص (وَلَمْ يَأْثَمْ إنْ فَعَلَ لِعُذْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مُوجِبَ الْفِدْيَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ الْأَثِمِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لَكِنَّ الْمَنْفَعَةَ رُبَّمَا تَقَعُ مَأْذُونًا فِيهَا كَمَا فِي ذِي الْعُذْرِ، وَرُبَّمَا تَحْرُمُ كَمَا فِي حَقِّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهِيَ نُسُكٍ بِشَاةٍ فَأَعْلَى) ش: وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مِنْ السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّة قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ ذَوَاتُ الْعَوَارُ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدِيَّةِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ هَلْ الشَّاةُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الضَّحَايَا، أَوْ الْأَعْلَى كَمَا فِي الْهَدَايَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّاةُ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْهَدْيَ انْتَهَى مِنْ مَنَاسِكِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ. [فَرْعٌ افْتَدَى الْمُحْرِم مِنْ شَيْءٍ قَبْلَ فِعْلِهِ] ص (كَالْكَفَّارَةِ) ش: (فَرْعٌ) : قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَوْ افْتَدَى مِنْ شَيْءٍ قَبْلَ فِعْلِهِ لَمْ يُجْزِهِ. ص (وَلَوْ أَيَّامَ مِنًى) ش: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي بَابِ الصِّيَامِ لَا سَابِقِيهِ إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا عَزَاهُ الشَّارِحُ وَابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالذِّبْحِ الْهَدْيَ فَكَحُكْمِهِ) ش: كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى مَذْبُوحٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَفِي بَعْضِهَا الْمُذْبَحُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ ذَبَحَ كَمُكْرَمٍ مِنْ أَكْرَمَ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ إذْ لَا يُقَالُ أَذْبَحَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فَكَحُكْمِهِ أَيْ فَيُخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ كَالْهَدْيِ لَا فِي الْأَكْلِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، وَلَوْ جُعِلَتْ هَدْيًا، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِيمَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مِنْ الْهَدَايَا، وَمَا لَا يُؤْكَلُ حَيْثُ قَالَ: إلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ، وَالْفِدْيَةُ وَالْجَزَاءُ بَعْدَ الْمَحَلِّ، فَعُلِمَ مِنْ هُنَاكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا جُعِلَ هَدْيًا لِقَوْلِهِ بَعْدَ الْمَحَلِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ الْفِدْيَةِ، وَلَوْ جُعِلَتْ هَدْيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) : نَصَّ فِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا ارْتَدَّ انْفَسَخَ إحْرَامُهُ، وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ، وَانْظُرْ إذَا أَفْسَدَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ هَلْ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ أَمْ لَا؟ ص (وَأُفْسِدَ مُطْلَقًا) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَسْتَوِي فِي الْإِفْسَادِ الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ، أَوْ الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَانَ مَعَهُ إنْزَالٌ أَمْ لَا انْتَهَى. وَيُرِيدُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا عَمْدًا، أَوْ نِسْيَانًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، أَوْ جَهْلًا كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بِنَظَرٍ) ش: لَوْ قَالَ، وَلَوْ نَظَرَ لَكَانَ، أَوْلَى لِيُشِيرَ إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْإِنْزَالُ بِقَصْدٍ كَالْوَطْءِ وَالِاحْتِلَامِ لَغْوٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَدَامَ الْمُحْرِمُ التَّذَكُّرَ لِلَّذَّةِ حَتَّى أَنْزَلَ، أَوْ عَبِثَ بِذَكَرِهِ حَتَّى أَنْزَلَ، أَوْ كَانَ رَاكِبًا، فَهَزَّتْهُ الدَّابَّةُ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ، أَوْ لَمَسَ، أَوْ قَبَّلَ، أَوْ بَاشَرَ فَأَنْزَلَ، أَوْ أَدَامَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ فَسَدَ حَجُّهُ، وَكَذَلِكَ الْمُحْرِمَةُ إذَا فَعَلْت مَا يَفْعَلُهُ شِرَارُ النِّسَاءِ مِنْ الْعَبَثِ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَقَدْ أَخَذَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ بِالْيَدِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ شِرَارُ النِّسَاءِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] الْآيَةَ انْتَهَى وَانْظُرْ

هَذَا الْأَخْذَ مَعَ قَوْلِهِ، أَوْ عَبِثَ بِذَكَرِهِ وَلَمْ يَقُلْ شِرَارُ الرِّجَالِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (قَبْلَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا) ش: أَيْ سَوَاءٌ وَقَعَ قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ، أَوْ بَعْدَهُمَا، أَوْ بَيْنَهُمَا وَلَا يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُفْصَلُ فِيمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَوْ بَعْدَهُمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَمَّا كَانَ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالسَّعْيُ بَعْدَهُ شَبِيهَيْنِ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ رُكْنًا وَوَاجِبًا، وَيُفْصَلُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ حَسُنَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ قَبْلَهُ) ش: لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ الْفَسَادِ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَإِنْزَالٍ ابْتِدَاءً) ش: هُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ نَظَرَ الْمُحْرِمُ، فَأَنْزَلَ، وَلَمْ يُتَابِعْ النَّظَرَ وَلَا أَدَامَهُ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ الدَّمُ، وَحَجُّهُ تَامٌّ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَاقَضَهُ اللَّخْمِيُّ بِقَوْلِهِ: ' فِي الصَّوْمِ مَنْ نَظَرَ، أَوْ تَذَكَّرَ، وَلَمْ يُدِمْ، فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِنْ أَدَامَ فَهُوَ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقَضَاءِ (قُلْت) : يُفَرَّقُ بِيَسِيرِ الصَّوْمِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَنَصُّهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِيَسَارَةِ قَضَاءِ الصَّوْمِ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا اللَّخْمِيُّ اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى عَدَمِ فَسَادِ إنْزَالِ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ غَيْرِ مُتَكَرِّرَيْنِ (قُلْت) عَزَاهُ ابْنُ حَارِثٍ لِاتِّفَاقِ كُلِّ الْمَذْهَبِ الْبَاجِيُّ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ - ابْنُ مُيَسَّرٍ عَلَيْهِ الْهَدْيُ - الْبَاجِيُّ مَعْنَاهُ جَرْيُهُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ انْتَهَى. . وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ مِنْ عَدَمِ إفْسَادِ إنْزَالِ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ غَيْرِ الْمُتَكَرِّرَيْنِ لَغْوَ إنْزَالِ قُبْلَةٍ وَغَمْزٍ مِنْ عَادَتِهِ عَدَمُ الْإِنْزَالِ عَنْهُمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْفِعْلَ أَقْوَى انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى رَدِّ تَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ الْقَاضِي سَنَدٌ فَقَالَ: وَهَذَا تَخْرِيجٌ فَاسِدٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّظَرَ قَدْ يَقَعُ فَجْأَةً، وَكَذَلِكَ الْفِكْرُ وَتَغْلِبُ الْقُوَّةُ فِي الْإِنْزَالِ، فَعُفِيَ عَنْهُ أَمَّا الْقُبْلَةُ، فَلَا تَقَعُ إلَّا عَنْ اخْتِيَارٍ، وَلَيْسَ فِي تَجَنُّبِهَا كَبِيرُ مَشَقَّةٍ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ قَبَّلَ، وَلَمْ يَقْصِدْ أَنْ يُنْزِلَ، وَمَا يُفْسِدُ الْحَجَّ لَا يَقِفُ عَلَى قَصْدِ إفْسَادِهِ انْتَهَى. ص (وَإِمْذَائِهِ وَقُبْلَتِهِ) ش: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ أَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ مُحَرَّمَةٌ كُلَّهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَفْيُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمَذْيَ يُوجِبُ الْهَدْيَ وَأَنَّ الْقُبْلَةَ تُوجِبُ الْهَدْيَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ عَنْهَا مَذْيٌ لِعَطْفِهِ الْقُبْلَةَ عَلَى الْمَذْيِ، وَسَكَتَ عَمَّا عَدَا الْقُبْلَةَ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهَا مَذْيٌ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَثِمُ، وَهُوَ كَذَلِكَ يُرِيدُ إلَّا الْمُلَاعَبَةَ الطَّوِيلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ الْكَثِيرَةَ، فَفِي ذَلِكَ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ الْقُبْلَةِ، فَإِنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْقَابِسِيِّ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ يُعَرَّى وُجُوبُ الْهَدْيِ فِي الْقُبْلَةِ مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْعَلُ إلَّا لِلَّذَّةِ، فَهِيَ مَظِنَّتُهَا، وَالتَّعْلِيلُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يُخْتَلَفُ

وَأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا عَدَاهَا مِنْ مُلَامَسَةٍ خَفِيفَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ خَفِيفَةٍ وَغَمْزٍ وَنَظَرٍ وَكَلَامٍ وَفِكْرٍ إذَا حَصَلَ عَنْ ذَلِكَ مَذْيٌ، وَأَنَّ أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ وَأَرْجَحَهُمَا وُجُوبُ الْهَدْيِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مَذْيٌ، فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَقَدْ غَرَّ، وَسَلِمَ، وَأَمَّا الْمُلَاعَبَةُ الطَّوِيلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ الْكَثِيرَةُ، فَفِيهَا الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِلَّذَّةِ كَالْقُبْلَةِ بَلْ ذَلِكَ أَشَدُّ، وَلَا يَكَادُ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَذْيُ غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلْنَذْكُرْ نُصُوصَهُمْ لِيَتَّضِحَ ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتُكْرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلَّذَّةِ وَالْغَمْزَةِ وَشِبْهِهَا الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا التَّحْرِيمُ الْبَاجِيُّ، وَكُلُّ مَا فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنِّسَاءِ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْمُحْرِمُ، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْهُ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّذَّةِ كَالْقُبْلَةِ، فَفِيهِ الْهَدْيُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَا كَانَ يُفْعَلُ لِلَّذَّةِ وَغَيْرِهَا مِثْلُ لَمْسِ كَفَّيْهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا فَمَا أَتَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ فَمَمْنُوعٌ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ، فَمُبَاحٌ انْتَهَى. بِمَعْنَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا نَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْقُبْلَةِ هُنَا كَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الصِّيَامِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُجِيزُ الْقُبْلَةَ فِي الْإِحْرَامِ لِشَيْخٍ وَلَا لِمُتَطَوِّعٍ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَقْرَبُ تَحْرِيمُهَا يَعْنِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197] ، وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمُقَدِّمَاتِ حَتَّى الْكَلَامَ وَلَا يَبْعُدُ تَأْوِيلُ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ الْكَرَاهَةَ هُنَا، وَإِرَادَةُ التَّحْرِيمِ، وَلَا تَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا كَمَا اخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُجِيزُ الْقُبْلَةَ فِي الْإِحْرَامِ لِشَيْخٍ وَلَا لِمُتَطَوِّعٍ انْتَهَى. فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا تَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي الْقُبْلَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ حُكْمُ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي وُجُوبِ الْهَدْيِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَاجِيَّ قَالَ: يَجِبُ فِي الْقُبْلَةِ الْهَدْيُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَافِي: وَمَنْ قَبَّلَ، أَوْ بَاشَرَ فَلَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَتُجْزِئُهُ شَاةٌ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَمَذَى، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِلَّا فَلَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُعَرَّى الْقُبْلَةُ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَكُونُ الْخِلَافُ فِيمَا عَدَاهَا وَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَمَذَى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مَذْيٌ، فَقَدْ غَرَّ وَسَلِمَ، فَانْظُرْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَرُوِيَ مَنْ قَبَّلَ فَلْيُهْدِ فَإِنْ الْتَذَّ بِغَيْرِهِ، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ رُوِيَ أَيْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّصَوُّرِ، وَلَا شَكَّ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُلَاعَبَةَ وَنَحْوَهَا أَشَدُّ مِنْ الْقُبْلَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " فَإِنْ الْتَذَّ بِغَيْرِهِ ": يُرِيدُ مِمَّا هُوَ دُونَ الْقُبْلَةِ فِي تَهْيِيجِ الشَّهْوَةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُبَاشَرَةُ وَطُولُ الْمُلَاعَبَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا بَلْ يَدْخُلُ حُكْمُهُمَا فِي حُكْمِ الْقُبْلَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً انْتَهَى. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِ الْهَدْيِ مُطْلَقًا أَمَّا الْقُبْلَةُ، فَنَصَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاجِيُّ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ الْهَدْيِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، فَإِنْ أَمَذَى مَعَهُ وَجَبَ الْهَدْيُ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ وَفِي الْجَلَّابِ إنْ أَمَذَى، فَلْيُهْدِ وَإِنْ لَمْ يُمْذِ، فَيُسْتَحَبُّ الْهَدْيُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ الْبَاجِيِّ كُلُّ مَا لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّذَّةِ كَالْقُبْلَةِ، فَفِيهِ الْهَدْيُ قَوْلَانِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَعْنِي سَوَاءً الْتَذَّ، أَوْ لَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : الْمُرَادُ بِالْقُبْلَةِ الْقُبْلَةُ عَلَى الْفَمِ، وَأَمَّا عَلَى الْجَسَدِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُلَامَسَةِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَالْمُرَادُ أَيْضًا مَا لَمْ يَحْصُلْ صَارِفٌ كَوَدَاعٍ، أَوْ رَحْمَةٍ كَمَا قَالُوا هُنَاكَ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي ثَالِثَةٍ) ش: هَذَا إنْ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ فِي الْعَامِ الثَّانِي، وَأَمَّا إنْ أَطْلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ الْفَاسِدِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَيَقْضِيهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَوْرِيَّةُ الْقَضَاءِ وَإِنْ تَطَوُّعًا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ قَبْلَ

فَرْضِهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنَّهُ يَقْضِي الْفَاسِدَ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. ص (وَعُمْرَةً إنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) ش مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَا تَجِبُ الْعُمْرَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْ قَدَّمَ السَّعْيَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ السَّعْيَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّعْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ فِي الْحُكْمِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ طَلُقَتْ، فَبَانَتْ وَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَنِكَاحُهَا فَاسِدٌ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا هُوَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَالَهُ سَنَدٌ، وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهَا لَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ إتْمَامِ الْفَاسِدِ، وَقَبْلَ الْقَضَاءِ صَحَّ نِكَاحُهَا، وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا وَوَجْهُ إشْكَالِهَا ظَاهِرٌ، وَانْظُرْ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ هَلْ يَصِحُّ إحْرَامُهُ أَمْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِحْجَاجُ مُكْرَهَتِهِ وَإِنْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَ أَجْنَبِيَّةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَةِ، وَلَا شَكَّ إنْ طَاوَعَتْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ " مُكْرَهَتِهِ " تَخْرُجُ الطَّائِعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً، وَقَدْ نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ أَنَّ طَوْعَهَا كَالْإِكْرَاهِ. ص (وَفَارَقَ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهُ مِنْ إحْرَامِهِ لِتَحَلُّلِهِ) ش: جَرَى رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى غَالِبِ عَادَتِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالَاتٌ يَأْتِي بِلَفْظٍ يَقْبَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَعِبَارَتُهُ نَحْوُ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي الْحَجِّ، فَلْيَفْتَرِقَا إذَا أَحْرَمَا بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يَحِلَّا اهـ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّفْرِيقِ هَلْ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؟ فَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَابْنُ الْقَصَّارِ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَفِي آخِرِ كَلَامِ الطِّرَازِ مَيْلٌ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِذَا قَضَى فَارَقَ إلَخْ يُرِيدُ إذَا قَضَى الْفَاسِدَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ زَوْجَتَهُ، أَوْ أَمَتَهُ الَّتِي كَانَ إفْسَادُهُ لِلْحَجَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَعَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ أَسْعَدُ بِالْأَثَرِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مُسْتَحَبٌّ، وَفَرَّقَ اللَّخْمِيُّ بَيْنَ الْجَاهِلِ فَيُسْتَحَبُّ، وَالْعَالِمِ فَيَجِبُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ الْوُجُوبُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَهَلْ غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ كَهِيَ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِتَحَلُّلِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ انْتَهَى. وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ قَدَّمَ السَّعْيَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ، فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِإِتْمَامِ السَّعْيِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ إحْرَامِهِ لِتَحَلُّلِهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: التَّحَلُّلُ فِي الْعُمْرَةِ الْحِلَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يُؤْمَرَانِ بِالِافْتِرَاقِ فِي بَقِيَّةِ حَجِّهِمَا الْمُفْسِدِ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي سَنَدٍ مَا يَدُلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّلَ كَوْنَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ قَالَ: وَلَوْ أَثَرَ تَحْرِيمًا لَكَانَ أَوْلَى فِي الْحَجَّةِ الْأُولَى انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَى عَامٍ قَابِلٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (بِخِلَافِ مِيقَاتٍ إنْ شُرِعَ، وَإِنْ تَعَدَّاهُ فَدَمٌ) ش: اخْتِصَارٌ عَجِيبٌ جَمَعَ فِيهِ عِدَّةً مِنْ مَسَائِلَ وَيَعْنِي أَنَّ مَكَانَ الْإِحْرَامِ الْمُفْسِدِ يُرَاعَى فِي الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ إنْ كَانَ مَشْرُوعًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْمِيقَاتِ الْمِيقَاتَ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنْ شُرِعَ، وَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْفَاسِدِ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ، وَأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِالْمُفْسِدِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْمُفْسِدِ بَعْدَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَجَاوُزُهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، أَوْ لَا فَإِنْ تَجَاوَزَهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا إنْ تَجَاوَزَهُ بِوَجْهٍ غَيْرِ جَائِزٍ، فَلَا يُجَاوِزُهُ ثَانِيًا وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَعَدَّاهُ، فَدَمٌ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْمُفْسِدِ مِنْ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ دُونِهِ، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَلَوْ تَعَدَّاهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَعْدَ كَمَالِ الْمُفْسِدِ بِمَكَّةَ إلَى قَابِلٍ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِالْقَضَاءِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَرَّ عَلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ أَوَّلًا، فَتَعَدَّاهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى. ص (وَأَجْزَأَ تَمَتُّعٌ عَنْ إفْرَادٍ) ش: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَجْزَأَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَوَّلًا خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُرَاعِي صِفَتَهُ مِنْ إفْرَادٍ وَتَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُ الْقَضَاءِ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ حَتَّى يَكُونَا مَعًا إفْرَادًا، أَوْ تَمَتُّعًا، أَوْ قِرَانًا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ صِفَةِ الْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءِ، وَعَلَى هَذِهِ إطْلَاقَاتُ الْمُتَقَدِّمِينَ. ص (وَحَرُمَ بِهِ) ش: أَيْ بِالْحَرَمِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الرَّمْيِ، فَلَوْ رَمَى عَلَى صَيْدٍ، وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ وُصُولِ الرَّمْيَةِ إلَيْهِ، فَأَصَابَتْهُ الرَّمْيَةُ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ. ص (مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، أَوْ خَمْسَةً لِلتَّنْعِيمِ) ش: زَادَ فِي مَنَاسِكِهِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ انْتَهَى. وَقَوْلُ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ هَذَا التَّحْدِيدُ فِي النَّوَادِرِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ وَهْمٌ، أَوْ تَصْحِيفٌ كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِالشَّيْخِ فِي تَوْضِيحِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا أَرَادَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ هُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَدَّدَ مَعَالِمَ الْحَرَمِ بَعْدَ الْكَشْفِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّيْخِ وَقَوْلُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَحَدُّ الْحَرَمِ هُوَ كَذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمِنْ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةً لِلْمَقْطَعِ) ش: قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِالْمَقْطَعِ انْتَهَى. ص (وَمِنْ جُدَّةَ عَشَرَةٌ لِآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ) ش: سَمَّاهُ التَّادَلِيُّ مُنْقَطِعَ الْأَعْشَاشِ جَمْعُ

مسألة الإحرام مانع من الاصطياد وعقد النكاح

عُشٍّ وَالْحُدَيْبِيَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِهَا بِالتَّخْفِيفِ ضَبَطَهَا الشَّافِعِيُّ وَبِالتَّشْدِيدِ ضَبَطَهَا أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ حَدِيثَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدَهُمَا مِمَّا يَلِي الْيَمَنَ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ إلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أَضَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ قَنَاةٍ وَقَالَ التَّادَلِيُّ: أَضَاةُ لِبْنٍ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ فِي تَثْنِيَةِ لِبْنٍ وَالْحَدُّ الثَّانِي قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ وَسَمَّاهُ التَّادَلِيُّ شِعْبَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ) ش: كَذَا نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِهِ مَكَّةَ قَالَ الْأَبِيُّ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ عِنْدَ التَّنْعِيمِ عِنْدَ بُيُوتٍ بِدَارٍ قَالَ الْفَاسِيُّ: وَكَلَامُ الْفَاكِهِيِّ: فِي تَارِيخِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مِنْ عِدَّةِ مَوَاضِعَ وَرَأَيْتَ فِي تَارِيخِ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ فِهْرٍ مِنْ أَهْلِ الْمِائَةِ التَّاسِعَةِ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَزْمٍ وَمِمَّا أَنَشَدَنِيهِ مِنْ نَظْمِهِ إنْ رُمْت لِلْحَرَمِ الْمَكِّيِّ مَعْرِفَةً ... فَاسْمَعْ وَكُنْ وَاعِيًا قَوْلِي وَمَا أَصِفُ وَاعْلَمْ بِأَنَّ سُيُولَ الْحِلِّ قَاطِبَةً ... إذَا جَرَتْ نَحْوَهُ فَدُونَهُ تَقِفُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ طَيْرُ مَاءٍ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الطَّيْرَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَحْرِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْبَرِّ، وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ جَازَ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَيْرِ الْبَحْرِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجُزْؤُهُ) ش: كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِالزَّايِ وَالْهَمْزَةِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمَنَاسِكِ وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِأَبْعَاضِ الصَّيْدِ وَبِيضِهِ انْتَهَى، فَحُمِلَ قَوْلُهُ تَعَرُّضٍ لِبَرِّيٍّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّعَرُّضُ لِنَفْسِهِ. (فَرْعٌ) : وَأَمَّا لَبَنُ الصَّيْدِ فَقَالَ سَنَدٌ: إنْ وَجَدَهُ مَحْلُوبًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا يَجِدُ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ قَدْ ذُكِّيَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْلُبَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يُمْسِكُ الصَّيْدَ، وَلَا يُؤْذِيهِ، فَإِنْ حَلَبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يُشْبِهُ الْبِيضَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ نَقَصَ الصَّيْدُ لِذَلِكَ يَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْقِصْهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا يَجْرِي عَلَى قَوْلٍ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَرْحِ الصَّيْدِ إذَا نَقَصَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ اللَّبَنَ بِقِيمَتِهِ، وَاعْتَبَرَهُ بِالْبَيْضِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ، وَلَا يَكُونُ مِنْهُ صَيْدٌ، فَلَا وَجْهَ لِتَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِحُكْمِ الصَّيْدِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلْيُرْسِلْهُ بِيَدِهِ، أَوْ رُفْقَتِهِ) ش: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الْهَاءِ فِي يُرْسِلُهُ أَيْ لِيُرْسِلْهُ كَائِنًا بِيَدِهِ، أَوْ رُفْقَتِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ وَالْمَعْنَى وَلْيُرْسِلْهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي قَفَصٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ فِي رُفْقَتِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَتَلِفَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ [مَسْأَلَةٌ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الِاصْطِيَادِ وَعَقْدِ النِّكَاحِ] (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَوْجَبُوا عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ مَعَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الِاصْطِيَادِ، وَعَقْدِ النِّكَاحِ فَالْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الِاصْطِيَادِ لِذَاتِهِ، وَأَمَّا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَإِنَّمَا مُنِعَ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الْوَطْءِ، فَبَقَاءُ يَدِ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ فِعْلٌ فِي الصَّيْدِ، فَأَشْبَهَ الِاصْطِيَادَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّيْدُ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ الْمَصِيدِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، فَقَدْ مُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ، وَأَمَّا إمْسَاكُ الزَّوْجَةِ، فَلَيْسَ فِي مَعْنَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَفَرَّعَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَالَ: لَوْ أَفْلَتَهُ أَحَدٌ مِنْهُ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَلَوْ أَفْلَتَهُ صَاحِبُهُ، وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْوَحْشِ وَبَقِيَ بِيَدِهِ أَخَذَهُ حَتَّى حَلَّ صَاحِبُهُ مِنْ إحْرَامِهِ كَانَ لِآخِذِهِ، وَلَوْ أَبْقَاهُ صَاحِبُهُ بِيَدِهِ حَتَّى حَلَّ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، وَلَوْ ذَبَحَهُ بَعْدَ إحْلَالِهِ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِبَيْتِهِ وَهَلْ

فرع إذا أودع حلال حلالا صيدا بالحل ثم أحرم ربه

إنْ أَحْرَمَ مِنْهُ تَأْوِيلَانِ) ش: التَّأْوِيلَانِ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِبَيْتِهِ، أَوْ كَانَ يَمُرُّ بِبَيْتِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (فَلَا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَبُولُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا اصْطِيَادُهُ، وَلَا اسْتِحْدَاثُ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ انْتَهَى. فَإِنْ قَبِلَهُ فَلَا يَرُدُّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ذَكَرَ ابْنُ رَاشِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَبُولُ الصَّيْدِ الْبَاجِيُّ وَمَنْ أُهْدِيَ لَهُ صَيْدٌ فِي حَالِ إحْرَامِهِ، فَقَبِلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْقَبُولِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ، وَقَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى وَاهِبِهِ إنْ كَانَ حَلَالًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَإِنَّمَا رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّيْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهُ وَلَمْ يَقَعْ لَهُ عَلَيْهِ بُدٌّ أَمَّا مَنْ قَبِلَهُ، فَلْيُرْسِلْهُ وَلَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِ رَبَّهُ انْتَهَى (تَنْبِيهٌ) : مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ هَذَا إذَا كَانَ الصَّيْدُ حَاضِرًا مَعَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الصَّيْدُ غَائِبًا عَنْهُ، فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِجْدَادُ مِلْكِهِ قَالَ سَنَدٌ: وَيَحْرُمُ ابْتِيَاعُ الصَّيْدِ بِحَضْرَتِهِ وَقَبُولُ هِبَتِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ بِالِاصْطِيَادِ، وَأَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيهِ مِلْكًا، وَهُوَ مَعَهُ لِئَلَّا يَكُونَ خَائِفًا مِنْهُ وَمَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، فَخَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِمَكَّةَ صَيْدًا بِمَدِينَةٍ أُخْرَى، وَيَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ. ص (وَلَا يَسْتَوْدِعْهُ) ش: الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُطَاوِعًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مَبْدُوءًا بِيَاءِ الْغَائِبِ مَجْزُومًا بِلَا النَّاهِيَةِ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ كَانَ لِمُخَاطَبٍ، أَوْ غَائِبٍ، أَوْ مُتَكَلِّمٍ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي الْفِعْلِ يَعُودُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ أَعْنِي الْهَاءَ يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا يَسْتَوْدِعْ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ التَّصْرِيفِ نَهْيَ الْغَائِبِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 28] الْآيَةَ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قَبِلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ وَغَرِمَ لِرَبِّهِ قِيمَتَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ غَازِيٍّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا قَبِلَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى رَبِّهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ، وَلَوْ كَانَ رَبُّهُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا، وَوَجَدَ مَنْ يَحْفَظُهُ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْخُذَ صَيْدًا وَدِيعَةً فَإِنْ فَعَلَ رَدَّهُ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ غَابَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: عَلَيْهِ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَيَضْمَنَ قِيمَتَهُ لِرَبِّهِ وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْفَظُهُ عِنْدَهُ، وَلَوْ وَجَدَ لَمْ يُرْسِلْهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ نَحْوَهُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَلَوْ وَجَدَ رَبَّهُ، وَكَانَ مُحْرِمًا، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَلْيُرْسِلْهُ بِحَضْرَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ بِغَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ مَا غَابَ مِنْ الصَّيْدِ انْتَهَى. [فَرْعٌ إذَا أَوْدَعَ حَلَالٌ حَلَالًا صَيْدًا بِالْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَ رَبُّهُ] (فَرْعٌ) : وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ، أَوْدَعَ حَلَالٌ حَلَالًا صَيْدًا بِالْحِلِّ، ثُمَّ أَحْرَمَ رَبُّهُ فَإِنْ كَانَا رَفِيقَيْنِ أَرْسَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي رَحْلٍ وَاحِدٍ فَكَمَا خَلَفَهُ فِي بَيْتِهِ. ص (وَرَدَّ إنْ وَجَدَ مُودِعَهُ وَإِلَّا بَقَّى) ش: لَيْسَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ هُوَ فَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ، وَهُوَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ صَيْدٌ مُودَعٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ، فَأَحْرَى وَهُوَ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى رَبِّهِ إنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا أَبْقَاهُ حَتَّى يَقْدَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ وَمَعْنَاهُ وَرَدَّ الصَّيْدَ الْمُودَعَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ وَجَدَهُ مُودِعُهُ يَعْنِي الَّذِي أَوْدَعَهُ، وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَقَّى أَيْ أَبْقَاهُ حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبُهُ قَالَ التَّادَلِيُّ: عَنْ الْقَرَافِيِّ وَمَنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ لِغَيْرِهِ رَدَّهُ إلَى رَبِّهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ رَبُّهُ مُحْرِمًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُرْسِلُهُ رَبُّهُ، فَإِنْ كَانَ رَبُّهُ غَائِبًا قَالَ مَالِكٌ إنْ أَرْسَلَهُ يَضْمَنُهُ بَلْ يُودِعُهُ حَلَالًا إنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا بَقَّى صُحْبَتَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَضْمَنُ الصَّيْدَ بِالْيَدِ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِسَنَدٍ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ رَبُّهُ مُحْرِمًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُرْسِلُهُ رَبُّهُ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا جَازَ لَهُ حَبْسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي صِحَّةِ شِرَائِهِ قَوْلَانِ) ش: فَعَلَى الصِّحَّةِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ قَالَهُ فِي

فرع ابتاع حلالان بالخيار ثم أحرما بعد عقد البيع

التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيَضْمَنُ لِبَائِعِهِ قِيمَتَهُ دُونَ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ بَائِعَهُ كَانَ سَبَبًا فِي يَدِ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ، وَإِرْسَالُهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِي عَيْنِهِ وَأَنَّمَا حَقُّهُ فِي مَالِيَّتِهِ، وَالرُّجُوعِ بِقِيمَتِهِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى الصِّحَّةِ لُزُومُ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : وَعَلَى الصِّحَّةِ أَيْضًا لَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ وَرَدَّهُ إلَى رَبِّهِ فَقَالَ سَنَدٌ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ انْتَهَى. [فَرْعٌ ابْتَاعَ حَلَالَانِ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَحْرَمَا بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ] (فَرْعٌ) : وَلَوْ ابْتَاعَهُ بِالْخِيَارِ، وَهُمَا حَلَالَانِ، ثُمَّ أَحْرَمَا بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَقَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ فَقَالَ سَنَدٌ: الْبَيْعُ وَقَعَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَيُنْظَرُ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُبْتَاعُ الْبَيْعَ غَرِمَ الثَّمَنَ، وَأَطْلَقَ الصَّيْدَ، وَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ فَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فِي الْمَحَلَّيْنِ يَتَبَايَعَانِ صَيْدًا، وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ الْخِيَارَ، ثُمَّ يُحْرِمَانِ مَكَانَهُمَا، وَيُوقَفُ الْبَائِعُ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فَهُوَ مِنْهُ وَيُسَرِّحُهُ، وَإِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ، فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَيُسَرِّحُهُ قَالَ: وَلَوْ سَرَّحَهُ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ اتِّفَاقِ الْآخَرِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ، وَهُوَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْبَيْعَ بَعْدُ انْتَهَى. ص (إلَّا الْفَأْرَةَ إلَخْ) ش: الْفَأْرَةُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَقَدْ يُتْرَكُ هَمْزُهَا وَالْحِدَأَةُ عَلَى وَزْنِ عِنَبَةٍ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ (تَنْبِيهٌ) : أَمَّا قَتْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنِيَّةٍ الذَّكَاةِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، وَنَصُّهُ وَاعْتَبَرَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ الْإِيذَاءَ، فَكُلُّ مُؤْذٍ يَجُوزُ عِنْدَنَا لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ بِغَيْرِ مَعْنَى الصَّيْدِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْعَبْدِيُّ: وَجُمْلَةُ مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ وَفِي الْحَرَمِ أَيْضًا ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا سِتَّةٌ تُذْبَحُ لِلْأَكْلِ وَسَبْعَةٌ تُقْتَلُ لِلضَّرُورَةِ، وَدَفْعِ أَذَاهَا، فَأَمَّا مَا يُذْبَحُ لِلْأَكْلِ، فَبَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ الثَّلَاثَةُ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَثَلَاثَةٌ مِنْ الطَّيْرِ: الْبَطُّ وَالْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ وَأَمَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَثَلَاثٌ: هَوَائِيَّةٌ وَهِيَ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالزُّنْبُورُ عَلَى خِلَافٍ فِي الزُّنْبُورِ، وَثَلَاثَةٌ تُرَابِيَّةٌ: الْعَقْرَبُ وَالْحَيَّةُ وَالْفَأْرَةُ وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ انْتَهَى. وَصَرَّحَ سَنَدٌ بِعَدَمِ جَوَازِ قَتْلِهَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ لِلْمُحْرِمِ، وَنَصُّهُ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَهُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ بِغَيْرِ مَعْنَى الصَّيْدِ فَرَاعَى قَصْدَهُ فِي الْقَتْلِ، فَإِنْ قَتَلَهُ عَلَى وَجْهِ اسْتِبَاحَةِ صَيْدِهِ كَانَ مَمْنُوعًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ فِيهِ الْفِدْيَةَ، وَإِنْ قَتَلَهُ لِدَفْعِ إذَايَتِهِ، فَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَكَلَهُ، فَهُوَ صَيْدٌ تُؤَثِّرُ فِيهِ الذَّكَاةُ، وَيُطَهَّرُ جِلْدُهُ وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَكَاةِ الصَّيْدِ وَمِنْ قَتْلِهِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) : وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ وَالْبَقَعُ فِي الطَّيْرِ وَالْكِلَابِ بِمَنْزِلَةِ الْبَلَقِ فِي الدَّوَابِّ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. ص (إنْ كَبُرَ) ش: قَيَّدَ فِي عَادِي السَّبُعِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَمَفْهُومُهُ

تنبيهات أرسله على بعيد من الحرم فقتله قرب الحرم

أَنَّ صِغَارَ السِّبَاعِ لَا تُقْتَلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ قَتَلَهَا فَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَلَا تُقْتَلُ صِغَارُ السِّبَاعِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنَّهُ إنْ فَعَلَ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الطِّرَازِ فَقَالَ: رَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ وَيُبَاحُ قَتْلُهُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ لِعَدَمِ إذَايَتِهِ فِي حَقِّهِ، وَنَظِيرُهُ الْمُحَارِبُ يَجُوزُ قَتْلُهُ إذَا كَانَ كَبِيرًا، وَلَا يُقْتَلُ الصَّغِيرُ، ثُمَّ لَا ضَمَانَ فِي قَتْلِ كَبِيرٍ مِنْهُمْ وَلَا صَغِيرٍ اعْتِبَارًا بِالْمَرِيضِ مِنْ كِبَارِ السِّبَاعِ وَنَقَلَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ قَتْلَ صِغَارِ السِّبَاعِ مَكْرُوهٌ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ وَإِنْ بِمَخْمَصَةٍ) ش: لَمَّا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّعَرُّضَ لِلْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّعَرُّضِ يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ، وَالْحَرَمُ شَرْعٌ يُبَيِّنُ مَا يَكُونُ مِنْ وُجُوهِ التَّعَرُّضِ مُوجِبًا لِلْجَزَاءِ، وَمَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لَهُ، فَقَالَ: وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ أَيْ إنَّ الْجَزَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِسَبَبِ قَتْلِهِ لِلصَّيْدِ، وَهَذَا لَا أَشْكَالَ فِيهِ، وَذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ بِمَخْمَصَةٍ، وَمَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ وَطَرْدُهُ مِنْ حَرَمٍ وَرَمْيٌ مِنْهُ، أَوْ لَهُ وَتَعْرِيضُهُ لِلتَّلَفِ. ص (أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهِ) ش: سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (أَوْ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ، فَقُتِلَ خَارِجَهُ) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ قُرْبَ الْحَرَمِ أَمْ لَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَ أَشْهَبُ: لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: وَالِاصْطِيَادُ فِيهِ مُبَاحٌ إذَا سَلِمَ مِنْ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ إنَّ مَا قُتِلَ مِنْ الصَّيْدِ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ يُسَكَّنُ بِسُكُونِهِ وَيَتَحَرَّكُ بِتَحْرِيكِهِ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِيمَا صِيدَ قُرْبَ الْحَرَمِ قَالَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ: فَهُوَ مَمْنُوعٌ ابْتِدَاءً إمَّا مَنْعًا، أَوْ كَرَاهَةً بِحَسَبِ فَهْمِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَالرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» انْتَهَى. . وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَمَنْ أَرْسَلَ عَلَى صَيْدٍ قُرْبَ الْحَرَمِ فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، وَقَتَلَهُ فِيهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْهُ، وَقَتَلَهُ خَارِجَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ بِقُرْبِ الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَيُؤْكَلُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ الْحَرَمِ، فَقَتَلَهُ بِهِ، أَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْهُ وَدَاهُ، وَبِقُرْبِهِ قَوْلَانِ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي فِيهَا قَوْلَانِ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ ضَعِيفٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْهُ، وَقَتَلَهُ خَارِجَهُ، وَأَحْرَى إذَا قَتَلَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ عَلَى بُعْدٍ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَرْسَلَ بَازَهُ، أَوْ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي بُعْدٍ مِنْ الْحَرَمِ، فَقَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْهُ، فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ، فَلَا يُؤْكَلُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرَّرْ بِالْإِرْسَالِ انْتَهَى. [تَنْبِيهَاتٌ أَرْسَلَهُ عَلَى بَعِيدٍ مِنْ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى بَعِيدٍ مِنْ الْحَرَمِ، فَقَتَلَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُ، فَلَا جَزَاءَ وَفِي أَكْلِهِ قَوْلَانِ لِظَاهِرِهَا وَنَقْلِ اللَّخْمِيِّ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى. (الثَّانِي) : قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ: لَوْ جَرَى الصَّيْدُ مِنْ الْحِلِّ، فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ حَتَّى خَرَجَ الصَّيْدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ كَمِثْلِ الْعَصِيرِ يَصِيرُ خَمْرًا، ثُمَّ يَتَخَلَّلُ. (الثَّالِثُ) : قَالَ سَنَدٌ: لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ قُرْبَ الْحَرَمِ، فَعَدَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فِي الْحَرَمِ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ كَمَا فِي السَّهْمِ، وَكَمَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَى ذِئْبٍ فِي الْحَرَمِ، فَعَدَلَ إلَى ظَبْيٍ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْبُعْدُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَلْبَ يُدْرِكُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ يَرْجِعُ عَنْهُ

فرع طرد المحرم الصيد عن طعامه أو رحله

قَالَ فِي الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: الْبُعْدُ مَا لَا يَتَحَرَّكُ الصَّيْدُ فِيهِ بِحَرَكَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا لَا يَظُنُّ أَنَّ الْكَلْبَ يُلْجِئُ الصَّيْدَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُدْرِكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ يَرْجِعَ عَنْهُ. ص (وَطَرْدُهُ مِنْ حَرَمٍ) ش: لَا إشْكَالَ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ، ثُمَّ عَادَ الصَّيْدُ إلَى الْحَرَمِ، فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَادَهُ صَائِدٌ فِي الْحِلِّ، فَعَلَى مَنْ نَفَّرَهُ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي إتْلَافِهِ وَهُوَ كَمُحْرِمٍ صَادَ صَيْدًا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَسْبَعَةٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ فَأَخَذَتْهُ السِّبَاعُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ تَلَفَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُمْتَنِعٍ لِيَتَحَقَّقَ مَنَعَتَهُ فِيهِ، فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُتَيَقِّنًا، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ انْتَهَى. [فَرْعٌ طَرْدُ الْمُحْرِم الصَّيْدِ عَنْ طَعَامِهِ أَوْ رَحْلِهِ] (فَرْعٌ) : وَأَمَّا طَرْدُ الصَّيْدِ عَنْ طَعَامِهِ، أَوْ رَحْلِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ هَلَكَ بِسَبَبِ طَرْدِهِ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطْرُدَ طَيْرَ مَكَّةَ عَنْ طَعَامِهِ وَرَحْلِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَحَكَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَفِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ يَشْتَرِي الدُّورَ وَالْمَزَارِعَ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْحَجِّ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ ذَكَرَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى جِهَةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى أَنَّ تَعْرِيضَ الصَّيْدِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ أَنَّهُ دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى شَيْءٍ وَاقِفٍ يُجْعَلُ عَلَيْهِ الثِّيَابُ قَالَ: فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ حَمَامَةٌ فَخِفْت أَنْ تُؤْذِيَ ثِيَابِي فَأَطَرْتُهَا فَوَقَعَتْ عَلَى هَذَا الْوَاقِفِ الْآخَرِ، فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ فَأَكَلَتْهَا فَخَشِيتُ أَنَّ إطَارَتِي إيَّاهَا سَبَبًا لِحَتْفِهَا فَقَالَ لِعُثْمَانَ وَنَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ اُحْكُمَا عَلَيَّ فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا تَقُولُ فِي عَنْزٍ ثَنِيَّةٍ عَفَرٍ أَتَحْكُمُ بِهَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: نَعَمْ فَحَكَمَا عَلَيْهِ انْتَهَى ص (وَرَمْيٌ مِنْهُ) ش: أَيْ مِنْ الْحَرَمِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ فَعَدَا إلَيْهِ مِنْ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ يَكُونُ بَدَلَ الذَّكَاةِ وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ أَكَلَهُ، فَكَانَ بَدْءُ الِاصْطِيَادِ مُسْتَنِدًا إلَى خُرُوجِ السَّهْمِ وَالْكَلْبِ، وَقَدْ ابْتَدَأَهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا الَّذِي عَدَا خَلْفَ الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الِاصْطِيَادَ مِنْ حِينِ يَأْخُذُهُ، وَيَضْرِبُهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ، وَذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْحِلِّ، فَلَا اعْتِبَارَ بِمَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ أَنْ يَرَى الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، فَيَقْصِدَ إلَيْهِ بِكَلْبِهِ وَلَا يُرْسِلَهُ بِيَدِهِ حَتَّى يُفَارِقَ الْحَرَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَعْرِيضُهُ لِلتَّلَفِ) ش: يُرِيدُ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ قَيَّدَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَيَلْزَمُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ وَبِتَعْرِيضِهِ لِلْقَتْلِ إنْ لَمْ تَتَيَقَّنْ سَلَامَتُهُ مِمَّا عَرَضَ لَهُ انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ سَلَامَتَهُ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِإِرْسَالٍ لِلسَّبُعِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى سَبُعٍ فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَ الْحَلَالُ كَلْبَهُ فِي الْحَرَمِ عَلَى سَبُعٍ فَأَصَابَ صَيْدًا فَإِنَّ الْمَشْهُورَ وُجُوبُ الْجَزَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ أَمَّا الْأُولَى، فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى ذِئْبٍ فِي الْحَرَمِ فَأَخَذَ صَيْدًا، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَنَصَّ عَلَيْهَا فِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى عَدَمِ الْجَزَاءِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى سُقُوطِهِ فِي الْأُولَى، وَنَصُّهُ: وَلَوْ لَزِمَ مَنْ أَرْسَلَ عَلَى ذِئْبٍ فِي الْحَرَمِ الْجَزَاءُ لَلَزِمَ إذَا أَرْسَلَ الْمُحْرِمُ عَلَى ذِئْبٍ فِي

الْحِلِّ، فَأَخَذَ صَيْدًا إلَّا أَنَّهُ تُعُيِّنَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَصَبَ شَرَكًا لِلسِّبَاعِ، فَعَطَفَ فِيهِ الصَّيْدُ، فَفِيهِ الْجَزَاءُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِقَتْلِ غُلَامٍ أُمِرَ بِإِفْلَاتِهِ فَظَنَّ الْقَتْلَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُحْرِمًا، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ أَيْضًا، وَلَا يَنْفَعُهُ خَطَؤُهُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ، فَأَطَاعَهُ، فَذَبَحَهُ كَانَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الْجَزَاءُ أَبُو الْحَسَنِ إنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ وَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ، فَالْجَزَاءُ عَلَى سَيِّدِهِ فِي الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ عَنْهُ، أَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بِصَوْمِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ الْمُحْرِمُ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ، فَيُطِيعُهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْجَزَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْ إذَا أَكْرَهَ عَبْدَهُ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ السَّيِّدَ يُؤَدِّي عَنْ عَبْدِهِ الْجَزَاءَ، وَعَلَيْهِ هُوَ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ الْجَزَاءُ الشَّيْخُ اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الطَّوْعِ وَالْإِكْرَاهِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ طَوْعَ الْأَمَةِ كَالْإِكْرَاهِ انْتَهَى. وَمَفْهُومُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَيْنَ الطَّوْعِ وَالْإِكْرَاهِ فَرْقًا، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي صِفَةِ الْإِحْرَامِ فِيمَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَطَاعَ سَيِّدَهُ يَجْرِي أَيْضًا فِي الْإِكْرَاهِ إمَّا أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ يَأْمُرَ الْعَبْدَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ يَأْمُرَهُ بِالصَّوْمِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ أَنَّ فِي الْإِكْرَاهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصُومَ الْعَبْدُ، وَيَلْزَمُ سَيِّدَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْجَزَاءَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ، وَهَذَا عِنْدِي بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَفَزَعِهِ فَمَاتَ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ) ش: الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَافَقَ عَلَى سُقُوطِهِ إذَا حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ قِيلَ وَهِيَ مُنَاقَضَةٌ لَا يُشَكُّ فِيهَا، وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ: تَبَعًا لَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَالْأَظْهَرُ هَلْ الْمُسْتَظْهَرُ لَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنَّ عَادَتَهُ إنَّمَا يُشِيرُ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ لَهُ، وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ، فَإِنَّهُ أَقَامَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسَائِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَدَلَالَةُ مُحْرِمٍ أَوْ حِلٍّ) ش: وَكَذَا إنْ أَعَانَهُ بِمُنَاوَلَةِ سَوْطٍ، أَوْ رُمْحٍ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ، وَفِيمَنْ أَعْطَى سَوْطَهُ، أَوْ رُمْحَهُ لِمَنْ يَقْتُلُ بِهِ صَيْدًا وَفِيمَا إذَا فَزِعَ مِنْهُ الصَّيْدُ فَمَاتَ وَفِيمَا إذَا تَعَلَّقَ بِفُسْطَاطِهِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْجَمِيعِ نَفْيُ الْجَزَاءِ مَا عَدَا مَوْتِهِ مِنْ الْفَزَعِ فَاَلَّذِي صَدَرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ دَلَّ صَائِدًا عَلَيْهِ، أَوْ أَعَانَهُ بِمُنَاوَلَةٍ، أَوْ إشَارَةٍ، أَوْ أَمَرَ غَيْرَ عَبْدِهِ بِقَتْلِهِ أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَالْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا، وَعَلَيْهِ جَزَاءٌ انْتَهَى. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) : قَالَ سَنَدٌ أَمَّا إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ، أَوْ وَلَدَهُ وَمَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ، وَمَنْ يَدُهُ كَيَدِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ ضَمَانٌ آخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فِيمَنْ أَحْرَمَ، وَبِيَدِهِ صَيْدٌ، فَأَمَرَ عَبْدَهُ بِذَبْحِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا سَبَبُ الْيَدِ، وَبِسَبَبِ الْقَتْلِ انْتَهَى بَعْضُهُ بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) : قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ وَإِذَا قُلْنَا لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ انْتَهَى. يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ هُوَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَا صِيدَ لِلْحَلَالِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا صَادَهُ

فرع الصيد إذا ذبح ليباع للمحرم أو ليهدى له

الْمُحْرِمُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ بِأَمْرِهِ، أَوْ كَانَ مِنْ الْمُحْرِمِ فِيهِ مَعُونَةٌ، أَوْ إشَارَةٌ، وَهَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ عَلَى الصَّيْدِ لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ وَأَنَّهُ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى أَنَّ مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ، أَوْ ذَبَحَهُ مَيْتَةٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ أَحَدٌ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ لَمْ يُؤْكَلْ انْتَهَى. وَفِي الْأَبِيِّ إنَّ ضَحِكَ الصَّحَابَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ إنَّمَا كَانَ لِتَأَنِّي الصَّيْدِ وَغَفْلَةِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ ضَحِكُهُمْ إلَيْهِ لَكَانَ إشَارَةً إلَيْهِ، وَقَدْ اعْتَذَرَ الدَّاوُدِيُّ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ فَضَحِكَ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ ضَحِكَ الْمُحْرِمِ لِيُنَبِّهَ الْحَلَالَ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَكْلِهِ وَرِوَايَةُ الْعُذْرِيِّ غَلَطٌ وَتَصْحِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا رَمَى الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، وَلَمْ تَنْفُذْ الرَّمْيَةُ مَقَاتِلَهُ، وَتَحَامَلَ حَتَّى مَاتَ فِي الْحَرَمِ فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَأَنَّهُ يُؤْكَلُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِيهِ، وَلَا يُؤْكَلُ وَالثَّانِي: أَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ، وَلَا يُؤْكَلُ وَبِالثَّانِي صَدَرَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّالِثِ: وَرَجَّحَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ إنْكَارُهُ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَا صَادَهُ مُحْرِمٌ) ش: أَيْ مَاتَ بِصَيْدِهِ، أَوْ ذَبْحِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصِدْهُ، أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ، أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ بِإِشَارَةٍ، أَوْ مُنَاوَلَةِ سَوْطٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَيْتَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ، وَلَا حَرَامٍ. ص (أَوْ صِيدَ لَهُ) ش: يَعْنِي مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ يُرِيدُ وَذُبِحَ لَهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ، وَأَمَّا لَوْ صِيدَ لَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يُذْبَحْ لَهُ حَتَّى حَلَّ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. [فَرْعٌ الصَّيْد إذَا ذُبِحَ لِيُبَاعَ لِلْمُحْرِمِ أَوْ لِيُهْدَى لَهُ] (فَرْعٌ) : وَسَوَاءٌ ذُبِحَ لِيُبَاعَ لِلْمُحْرِمِ، أَوْ لِيُهْدَى لَهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا. ص (كَبَيْضِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ غَيْرِ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ إذَا كَسَرَهُ الْمُحْرِمُ، فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ، وَلَا حَرَامٌ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَنَدٌ: أَمَّا مَنْعُ الْمُحْرِمِ مِنْهُ فَبَيِّنٌ، وَأَمَّا مَنْعُ غَيْرِ الْمُحْرِمِ، فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ حَتَّى يَكُونَ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ مَيْتَةً، وَلَا يَزِيدُ فِعْلُ الْمُحْرِمِ فِيهِ حُكْمَ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمَجُوسِيُّ إذَا شَوَى الْبَيْضَ، أَوْ كَسَرَهُ لَا يَحْرُمُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ مَشْرُوعَةٍ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَهُوَ بَيِّنٌ، فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَانْظُرْ هَلْ يُحْكَمُ لِقِشْرِ الْبَيْضِ بِالنَّجَاسَةِ انْتَهَى. (قُلْت) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [حُكْم صِيد حَلَّ لِحِلٍّ وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ] ص (وَجَازَ مَصِيدٌ حَلَّ لِحِلٍّ، وَإِنْ سَيُحْرِمُ) ش: يُرِيدُ إذَا ذَكَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ الَّذِي صِيدَ لَهُ، وَأَمَّا مَا صِيدَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَذُبِحَ بَعْدَ أَنْ حَرُمَ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا ذُبِحَ لِلْمُحْرِمِ، وَهُوَ مَيْتَةٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ) ش الضَّمِيرُ فِي ذَبْحِهِ عَائِدٌ إلَى الْحِلِّ فِي قَوْلِهِ وَجَازَ مَصِيدٌ حَلَّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَلَالِ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْحَرَمِ مَا صَادَهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْمُحِلِّينَ فِي

تنبيهان صاد الحمام في الحل ثم أدخله الحرم

الْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلُوهُ إلَى الْحَرَمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ مُقِيمًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ كَانَ عَابِرَ سَبِيلٍ، وَقَالَ سَنَدٌ إذَا صَادَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ الْحَرَمُ مَوْضِعَ قَرَارِهِ، أَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِيهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ ذَبْحُهُ وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَدْخُلَ بِهِ الْحَرَمَ عَابِرُ سَبِيلٍ، فَلَا يَذْبَحُهُ فِيهِ، وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ، وَالِاسْتِفْصَالُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا كَانَتْ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، فَتُخْتَصَرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَيُرْسِلُهُ وَإِنْ أَكَلَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يُرْسِلَهُ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَقَالَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِيهِ إذَا أَكَلَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَرَمِ انْتَهَى. ، وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ سَنَدٍ وَقَبِلَهُ، وَجَعَلَهُ تَقْيِيدًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ الْحَمَامَ وَالصَّيْدَ يَدْخُلُهُ مِنْ الْحِلِّ، وَلَمْ يُكْرَهُ الْإِعْطَاءُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّهُمْ لَوْ مَنَعُوا ذَلِكَ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ لِطُولِ أَمْرِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ سَنَدٌ: وَأَمَّا الْعَابِرُ بِالصَّيْدِ الْحَرَمَ، وَهُوَ عَابِرُ سَبِيلٍ، فَلَا يَذْبَحُهُ فِيهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَكِنَّهُ رَجَّحَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ، ثُمَّ زَادَ، فَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَالْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَأْنَ أَهْلِ مَكَّةَ يَطُولُ أَنْ يُمْنَعَ الطَّارِئُ الَّذِي مُقَامُهُ أَيَّامُ الْحَجِّ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَيُبَاحُ لِلْمَكِّيِّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ أُخِذَ مِنْ مَفْهُومِ طُولِ أَمْرِهِمْ مَنْعُهُ لِمَنْ دَخَلَ غَيْرَ مَكِّيٍّ، وَلَمْ يَعْزُهُ لِلَّخْمِيِّ وَلَا لِغَيْرِهِ [تَنْبِيهَانِ صَادَ الْحَمَامَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ] (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : نَقَلَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إذَا صَادَ الْحَمَامَ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا عَلِمْتَهُ، وَفِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ إثْرَهُ: وَمَا قَالَهُ هَذَا الشَّيْخُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ أَهْلِ مَكَّةَ يَطُولُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْحَجِّ الثَّالِثِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : قَالَ الشَّارِحُ: فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْحَرَمِ مَا صِيدَ فِي الْحِلِّ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ هَكَذَا قَالَ فِي الْوَسَطِ وَنَحْوُهُ فِي الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْحَرَمِ مَا صِيدَ فِي الْحِلِّ انْتَهَى. (قُلْت) : وَلَا شَكَّ أَنَّ ذِكْرَ الْمُحْرِمِ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُ الصَّيْدِ مُطْلَقًا لَا فِي الْحِلِّ، وَلَا فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ صَادَهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ، وَسَوَاءٌ صِيدَ فِي الْحِلِّ، أَوْ فِي الْحَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَيْسَ الْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ بِصَيْدٍ) ش: قَالَ سَنَدٌ: يُخْتَلَفُ فِي دَجَاجِ الْحَبَشِ وَتُسَمَّى الدَّجَاجَةَ السَّنْدِيَّةَ وَهِيَ تُشْبِهُ الدَّجَاجَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي دَجَاجِ الْحَبَشَةِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهَا وَحْشِيَّةٌ وَعَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ لَا جَزَاءَ فِيهِ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَطِيرُ كَانَتْ عَلَى حُكْمِ الْحَمَامِ الَّذِي فِي الدُّورِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الْأَنْعَامَ كُلَّهَا] (فَرْعٌ) : لَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الْأَنْعَامَ كُلَّهَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ. ص (وَحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ) ش: أَيْ وَحَرُمَ بِالْحَرَمِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ أَيْ النَّبَاتُ الَّذِي جِنْسُهُ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَنْبَتَهُ النَّاسُ كَمَا لَوْ اسْتَنْبَتَ الْبُقُولُ الْبَرِّيَّةِ، وَشَجَرَةُ أُمِّ غَيْلَانِ وَشِبْهُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الِاحْتِشَاشَ فِي الْحَرَمِ حَرَامٌ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَ فِيهَا: وَجَائِزٌ الرَّعْيُ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَحَرَمِ الْمَدِينَةِ فِي الْحَشِيشِ

وَالشَّجَرِ وَأَكْرَهُ أَنْ يَحْتَشَّ فِي الْحَرَمِ حَلَالٌ، أَوْ حَرَامٌ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ وَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ، فَإِنْ سَلِمُوا مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَأَكْرَهُ لَهُمْ ذَلِكَ «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَبْطِ وَقَالَ هُشُّوا وَارْعَوْا» وَقَالَ مَالِكٌ: الْهَشُّ تَحْرِيكُ الشَّجَرِ بِالْمِحْجَنِ لِيَقَعَ الْوَرَقُ، وَلَا يَخْبِطُ، وَلَا يَعْضُدُ وَالْعَضْدُ الْكَسْرُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ: أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ خِيفَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ: أَمَّا لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَقْتُلُهَا لَمُنِعَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ سَنَدٌ فَقَالَ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْتَشَّ لِمَاشِيَتِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَكَانِ قَطْعِ الْحَشِيشِ، وَإِنَّمَا يُخْشَى عَلَيْهِ قَتْلُ الدَّوَابِّ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِشَاشَ، فَنَقُولُ مَا جَازَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ مَاشِيَتَهُ لِلرَّعْيِ جَازَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ لَهَا كَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ قَلْعُهُ لِمَاشِيَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَلِّطَهَا عَلَيْهِ، وَلَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يُسَلِّطَ مَاشِيَتَهُ عَلَى أَوْرَاقِ الشَّجَرِ جَازَ لَهُ أَنْ يَهُشَّهَا، وَيَجْمَعَ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَمَنْ قَدَرَ أَنْ لَا يَحْتَشَّ، فَلَا يَحْتَشَّ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَمِنْ عُمُومِ النَّهْيِ، وَهُوَ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى. وَحَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَقَالَ، وَأَمَّا الِاخْتِلَاءُ، وَهُوَ حَصَادُ الْكَلَإِ الرَّطْبِ، فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا يَعْنِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى التَّحْرِيمِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ لِمَكَانِ دَوَابِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاخْتِلَاءِ مُعَلَّلٌ بِخِيفَةِ قَتْلِ الدَّوَابِّ إذْ لَوْ كَانَ أَخْذُهُ مَمْنُوعًا مُطْلَقًا لِمَا جَازَ الرَّعْيُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ لِحَلَالٍ، وَلَا لِحَرَامٍ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ الْمُبَاحِ، وَلَا كَسْرُهُ، وَلَا أَنْ يَحْتَشَّ فِي الْحَرَمِ وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ كُلِّ مَا غَرَسَهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ، وَقَدْ رُخِّصَ فِي الرَّعْيِ فِي الْحَرَمِ، وَفِي الْهَشِّ مِنْ شَجَرَةٍ لِلْغَنَمِ انْتَهَى. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ الْمَنْعُ، وَفِي رَسْمِ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْبِطَ الْمُحْرِمُ لِبَعِيرِهِ مِنْ غَيْرِ الْحَرَمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْخَبْطُ أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الشَّجَرَ فَيُسْقِطَ وَرَقَهُ لِبَعِيرِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْحِلِّ لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ إذْ يَأْمَنُ فِي ذَلِكَ الْمُحْرِمُ قَتْلَ الدَّوَابِّ بِخِلَافِ الِاحْتِشَاشِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ لِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَجُوزُ لَهُمَا فِيهِ الْهَشُّ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الْمِحْجَنَ فِي الْغُصْنِ، فَيُحَرِّكَهُ حَتَّى يُسْقِطَ وَرَقَهُ انْتَهَى، فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْخَبْطَ لَا يَجُوزُ فِي الْحَرَمِ أَنَّ الِاحْتِشَاشَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ الْكَافِي (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : اعْلَمْ أَنَّ هَذَا أَنَّمَا هُوَ فِي قَطْعِهِ لِلْبَهَائِمِ، ثُمَّ قَالَ سَنَدٌ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى جَوَازِ الرَّعْيِ: أَمَّا قَطْعُ الْحَشِيشِ، فَنَحْنُ لَا نَمْنَعُهُ لِلْمَاشِيَةِ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ يَدَّخِرَهُ، أَوْ يُفْرِغَ الْأَرْضَ مِنْهُ انْتَهَى. (الثَّانِي) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ يُفْرِغَ الْأَرْضَ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِي مَوْضِعٍ، أَوْ يَغْرِسَ فِيهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ التَّادَلِيُّ: لَمَّا ذَكَرَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَجُمْلَةُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِهَا الْإِذْخِرُ وَالسَّنَا وَالسِّوَاكُ وَالْعَصَا وَالْهَشُّ وَالْقَطْعُ لِلْبِنَاءِ وَالْقَطْعُ لِإِصْلَاحِ الْحَوَائِطِ، وَذَكَرَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ (الثَّالِثُ) : عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ اجْتِنَاءَ ثَمَرِ الْأَشْجَارِ الَّتِي تَنْبُتُ بِنَفْسِهَا جَائِزٌ (الرَّابِعُ) : يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَلَوْ اسْتُنِبْتَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَاجِيُّ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَبِذَلِكَ حَلَّلْنَا كَلَامَهُ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: كَمَا يُسْتَنْبَتُ، وَإِنْ لَمْ يُعَالَجْ ص (وَالْجَزَاءُ بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِكَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْجَزَاءِ حُكْمُ حَكَمَيْنِ وَتُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْعَدَالَةُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْفِقْهُ بِأَحْكَامِ الصَّيْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إذْنُ الْإِمَامِ لَهُمَا، وَلَا يُجْزِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا الْقَاتِلَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ حُكْمَ الْحُكْمَيْنِ شَرْطٌ فِي إجْزَاءِ الصَّيْدِ مُطْلَقًا مِثْلًا كَانَ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ

صِيَامًا وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي اشْتِرَاطِ الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهِ، فَقَالَ: وَلَا يُخْرِجُ مِثْلًا وَلَا طَعَامًا وَلَا صِيَامًا إلَّا بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَعْدَ أَنْ قَالَ أَمَّا اسْتِحْبَابُهُ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ إذْ لَا يَحِلُّ بِشَيْءٍ إذْ فِيهِ مَزِيدُ احْتِيَاطٍ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي اسْتِئْنَافُ الْحُكْمِ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَيَّامِ بِالْأَمْدَادِ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ، فَقَدْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ، وَبِالْحُكْمِ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْخِلَافِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُكْمُ، وَنَصُّهُ: وَشَرْطُ الْجَزَاءِ فِي الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ كَوْنُهُ بِحَكَمَيْنِ وَلَمْ يُحْكَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، فَتَأَمَّلْهُ (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الْحُكْمِ، وَالْأَمْرِ بِالْجَزَاءِ. ص (أَوْ إطْعَامٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ) ش أَيْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصَّيْدِ مِنْ الطَّعَامِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ بِدَرَاهِمَ مَثَلًا، ثُمَّ يَشْتَرِي بِتِلْكَ الْقِيمَةِ بَلْ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ أَوَّلَ الْأَمْرِ بِالطَّعَامِ، وَلَوْ قَوَّمَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا أَجْزَأَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَا عَلَيْهِ بِالطَّعَامِ، فَلْيُقَوِّمَا الصَّيْدَ نَفْسَهُ حَيًّا بِطَعَامٍ، وَلَا يُقَوِّمَانِ جَزَاءَهُ مِنْ النِّعَمِ، وَلَوْ قَوَّمَ الصَّيْدَ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا وَلَكِنَّ تَقْوِيمَهُ بِالطَّعَامِ أَصْوَبُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ قَوَّمَ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ قُوِّمَتْ بِطَعَامٍ أَجْزَأَ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالتَّقْوِيمُ لِلْحَكَمَيْنِ (قُلْت) : مِثْلُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهَا لَوْ قَوَّمَ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا رَجَوْتُ سِعَتَهُ خِلَافُهُ وَنَقَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِلَفْظِ أَبِي عُمَرَ دُونَ قَوْلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ انْتَهَى. . كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَتَى الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى خِلَافِ مَا أَتَى بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَهَا الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا لَا أَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ الْقِيمَةِ طَعَامًا مِنْ تَحْتِ يَدِهِ، وَهُوَ أَشَدُّ بُعْدًا عَنْ الْأَصْلِ مِمَّا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَلْ حَكَمَ الْحَكَمَانِ عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرَى هُوَ بِهَا طَعَامًا، أَوْ قَوَّمَ الْحَكَمَانِ الصَّيْدَ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ قَوَّمَا تِلْكَ الدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ، وَحَكَمَا عَلَيْهِ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِمَحِلِّهِ وَإِلَّا فَبِقُرْبِهِ وَلَا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ) ش: قَوْلُهُ بِمَحِلِّهِ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِإِطْعَامٍ قَالَ سَنَدٌ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ إنْ أَخْرَجَ هَدْيًا، فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْحَرَمِ، وَإِنْ شَاءَ الصِّيَامَ صَامَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُطْعِمَ، فَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي مَوْضِعِ التَّقْوِيمِ، وَفِي مَوْضِعِ إخْرَاجِ الطَّعَامِ أَمَّا مَوْضِعُ التَّقْوِيمِ، فَأَصْحَابُنَا مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْوِيمِهِ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَيْسَ لَهُ هُنَاكَ قِيمَةٌ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانٍ، أَوْ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْرِفُونَ لِلصَّيْدِ فِيهِ قِيمَةً قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَ أَيْضًا ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَأَمَّا مَوْضِعُ إخْرَاجِهِ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَجِبُ الْحَرَمُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُرَاعِي الْحَرَمَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَوْضِعِ تَقْوِيمِهِ؟ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ، وَلَا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ وَحَمَلَ ابْنُ الْمَوَّازِ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ السِّعْرِ، فَقَالَ إنْ أَصَابَ بِالْمَدِينَةِ وَأَطْعَمَ بِمِصْرَ لَمْ يُجْزِهِ أَلَا أَنْ يَتَّفِقَ سِعْرَاهُمَا وَإِنْ أَصَابَهُ بِمِصْرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَطْعَمَ بِالْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ السِّعْرَ أَغْلَى، وَقَالَ أَصْبَغُ إذَا أَخْرَجَ عَلَى سِعْرِهِ بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ حَيْثُمَا كَانَ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا يُخْرِجُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَبِقَدْرِ مَكِيلَةِ مَا حُكِمَ عَلَيْهِ، أَوْ بِعَدْلِ قِيمَةِ تِلْكَ

الْمَكِيلَةِ يُخْتَلَفُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمَبْلَغٍ مِنْ الطَّعَامِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ فَلْيُحَكِّمْ اثْنَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُمَا، وَيَصِفْ لَهُمَا الصَّيْدَ وَيَذْكُرْ لَهُمَا سِعْرَ الطَّعَامِ بِمَوْضِعِ الصَّيْدِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ تَقْوِيمُهُ بِالطَّعَامِ قَوَّمَهُ بِالدَّرَاهِمِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يَبْعَثُ بِالطَّعَامِ إلَى مَوْضِعِ الصَّيْدِ كَمَا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى مَكَّةَ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ يَبْتَاعُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ طَعَامًا فِي بَلَدِهِ مَا بَلَغَتْ قَلَّ الطَّعَامُ، أَوْ كَثُرَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَحْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُطْلَبُ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُخْرِجَ بِمَحِلِّ التَّقْوِيمِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِغَيْرِهِ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَمَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ الْإِجْزَاءُ وَعَلَيْهِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَوْلُ أَصْبَغَ يُخْرِجُ حَيْثُ شَاءَ بِشَرْطِ أَنْ يُخْرِجَ عَلَى سِعْرِ بَلَدِ الْحُكْمِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ كَانَ الطَّعَامُ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَرْخَصَ اشْتَرَى مِنْ الطَّعَامِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِبَلَدِ الصَّيْدِ فَأَخْرَجَهُ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَغْلَى أَخْرَجَ الْمَكِيلَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ تَفْسِيرًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ خِلَافًا وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ انْتَهَى فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّقْوِيمِ مَوْضِعُ الْإِصَابَةِ بِقَوْلِهِ بِمَحِلِّهِ، وَإِلَّا فَبِقُرْبِهِ، وَأَشَارَ إلَى مَوْضِعِ الْإِخْرَاجِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ أَيْ وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ بِغَيْرِ مَحِلِّ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ، فَتَأْوِيلَانِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الطَّعَامَ بِغَيْرِ مَحِلِّ الْإِصَابَةِ، فَهَلْ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا؟ أَيْ سَوَاءً سَاوَى سِعْرُ مَحِلِّ الْإِخْرَاجِ سِعْرَ مَحِلِّ الْإِصَابَةِ أَمْ لَا وَلَا يُجْزِئُ إلَّا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرُ مَحِلِّ الْإِخْرَاجِ سِعْرَ مَحِلِّ الْإِصَابَةِ أَوْ يَكُونَ سِعْرُ مَحِلِّ الْإِخْرَاجِ أَغْلَى فَيُجْزِئُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : مِنْ الْغَرِيبِ مَا وَقَعَ فِي الْكَافِي الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ الْجَزَاءَ، أَوْ لَا يُطْعِمُ عَنْهُ إلَّا حَيْثُ وَجَبَ الْجَزَاءُ، فَإِنَّ الذَّبْحَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ مَا وَقَعَ فِي التَّلْقِينِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ الْحَرَمِ إلَّا الصِّيَامَ انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ فِي الْإِطْعَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي طُرَرِهِ قَالَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْهَدْيَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى غَيْرِ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي يَنْقُلُهُ الْأَصْحَابُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ هَذَا فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْهَدْيَ إذَا نُحِرَ بِمَكَّةَ، أَوْ بِمِنًى جَازَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ مَسَاكِينَ الْحِلِّ بِأَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ. فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ يَكُونُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْفِيلُ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ مُيَسَّرٍ زَادَ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْبَدَنَةُ الْخُرَاسَانِيَّةُ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ طَعَامًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَحِمَارُ الْوَحْشِ وَبَقَرُهُ بَقَرَةٌ) ش: لَا يُقَالُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ بَقَرَةٌ انْتَهَى. لِأَنَّ الْبَقَرَةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْبَقَرُ اسْمُ جَمْعٍ وَالْبَقَرَةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْهَاءُ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جِنْسٍ وَالْجَمْعُ بَقَرَاتٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَقَرَةُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْجَمْعُ بَقَرٌ وَبَقَرَاتٌ وَبُقُرٌ بِضَمَّتَيْنِ انْتَهَى. ص (كَحَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ فِيهِ شَاةً وَالْمُرَادُ بِحَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِ مَا صِيدَ فِي مَكَّةَ، أَوْ الْحَرَمِ قَالَ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِصَيْدِ حَمَامِ مَكَّةَ لِلْحِلِّ فِي الْحَلَالِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ طَعَامًا، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ شَاةٌ إذَا صَادَهُ فِي الْحَرَمِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَيْدُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْفِرَاخِ (قُلْت) : إذَا كَانَ لِلْفِرَاخِ، فَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ صَيْدِهِ لِتَعْذِيبِ فِرَاخِهِ حَتَّى يَمُوتُوا وَكَانَ

شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي بِجَامِعِ الْقَرَوِيِّينَ بِالنَّهْيِ عَنْ صِيَادَتِهِ حِينَئِذٍ، وَلَا أَدْرِي أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيمَ، أَوْ الْكَرَاهَةَ انْتَهَى. مِنْ آخِرِ كِتَابِ الضَّحَايَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالصَّغِيرُ وَالْمَرِيضُ وَالْجَمِيلُ كَغَيْرِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ جَزَاءَ الصَّغِيرِ كَجَزَاءِ الْكَبِيرِ وَجَزَاءَ الْمَرِيضِ كَجَزَاءِ الصَّحِيحِ وَجَزَاءَ الْجَمِيلِ كَجَزَاءِ الْقَبِيحِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَمَّا الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ وَالْعَيْبُ وَالسَّلَامَةُ، فَكَانَ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا كَمَا رَاعَاهَا الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْسَنُ عِنْدَهُ مِثْلَ مَذْهَبِنَا، وَلَكِنْ مَنَعَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي الْجَزَاءِ إذَا كَانَ هَدْيًا، فَلَمَّا لَمْ يَعْتَبِرُوهَا فِي أَحَدِ أَنْوَاعِ الْجَزَاءِ إذَا كَانَ مِنْ النَّعَمِ أَلْحَقُوا بِهَا بَقِيَّةَ الْأَنْوَاعِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَوَّمَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ مَعَهَا) ش: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: يُقَوِّمُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ، وَعَلَيْهِ لِرَبِّهِ قِيمَتُهُ مَعَهَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ عِجْلًا، أَوْ خَرُوفًا يُمْتَنَحُ بِهِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ الْمِنْحَةِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي الْمِنَحِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمِنَحِ وَمَا نَقَصَ مِنْ الشَّجَرَةِ إنْ نَقَصَهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي آخِرِ كِتَابِ الضَّحَايَا. ص (إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ فَتَأْوِيلَانِ) ش: كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ مُطْلَقًا، وَنَصُّهَا فَإِنْ أَمَّرَهُمَا بِالْحُكْمِ بِالْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ، فَحَكَمَا بِهِ، وَأَصَابَا، فَأَرَادَ بَعْدَ حُكْمِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الطَّعَامِ، أَوْ الصِّيَامِ يَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِهِ هُمَا، أَوْ غَيْرُهُمَا، فَذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. فَتَأْوِيلُ ابْنِ الْكَاتِبِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْرِفَا مَا هُوَ أَمَّا لَوْ عُرِفَ مَبْلَغُ ذَلِكَ، فَالْتَزَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى غَيْرِهِ بَعِيدٍ، وَلِذَا أَبْقَاهَا سَنَدٌ وَغَيْرُهُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اخْتَلَفَا ابْتَدَأَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَرْفَعِهِمَا وَلَا بِقَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِقَوْلِ حَكَمٍ وَاحِدٍ وَالشَّرْطُ حَكَمَانِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ حَكَمَا فَاخْتَلَفَا ابْتَدَأَ الْحُكْمَ غَيْرُهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَيَجُوزُ إذَا ابْتَدَأَ غَيْرُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَحَدَ الْأَوَّلَيْنِ اهـ. وَقَالَ سَنَدٌ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي اخْتِلَافِ الْحَكَمَيْنِ يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ غَيْرُهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِقَوْلِ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ يُوَافِقُ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بَلْ يَكُونُ الْحَكَمَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يَتَقَرَّرُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ جَوَازُ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَالْأَوْلَى كَوْنُهُمَا بِمَجْلِسٍ) ش: قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَكُونَ الْحَكَمَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْ يَكُونَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا بِمَجْلِسٍ هُوَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَلَوْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَمَا أَبْعَدَ قَائِلُهُ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ مُنْفَرِدٌ لَا يَنْعَقِدُ لَهُ حُكْمٌ وَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ وَتَبِعَهُ فِيهِ ابْنُ فَرْحُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَفِي الْجَنِينِ وَالْبَيْضِ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ ضَرَبَ الْأُنْثَى مِنْ الصَّيْدِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَسَلِمَتْ

فرع إذا وجب على المحرم هديان

هِيَ أَوْ كَسَرَ بَيْضَةَ طَائِرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْجَنِينِ وَالْبَيْضَةِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ أَيْ عُشْرُ قِيمَتِهَا مِنْ الطَّعَامِ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ مِنْ الصِّيَامِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ فِي بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، وَهِيَ الشَّاةُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَصَابَ مُحْرِمٌ بَيْضَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ، أَوْ حَلَالٍ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، وَفِي أُمِّهِ شَاةٌ قَالَ سَنَدٌ: قَوْلُهُ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ لَمْ يُرِدْ عُشْرَ شَاةٍ عَلَى الْإِشَاعَةِ؛ لِأَنَّ عُشْرَ الْهَدْيِ لَا يَجِبُ وَأَنَّمَا يَجِبُ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ عَلَى الْوَسَطِ مِنْ أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ يُقَوِّمُ ذَلِكَ بِطَعَامٍ، وَإِنْ قَوَّمَهُ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا جَازَ، فَيُطْعِمُ ذَلِكَ، أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَذَلِكَ بِحُكُومَةِ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الصَّيْدِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَابِسِيُّ: فِي بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ عُشْرُ قِيمَةِ شَاةٍ طَعَامًا يُقَوِّمُ الشَّاةَ بِدَرَاهِمَ، وَيَشْتَرِي بِعُشْرِهَا طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَوْ كَسَرَ عَشْرَ بَيْضَاتٍ، فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ وَاجِبُهَا لَا شَاةٌ عَنْ جُمْلَتِهَا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَنْ قَتَلَ مِنْ الْيَرَابِيعِ مَا يَبْلُغُ قَدْرَ شَاةٍ وَلَا تَجْمَعُ فِيهَا انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) : أَنَّمَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ الْعُشْرُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا أَمَّا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ وَضْعِهَا، فَفِيهَا فَقَطْ الْجَزَاءُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (وَنُدِبَ إبِلٌ فَبَقَرٌ) ش: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَضَأْنٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِنَقْصٍ بِحَجٍّ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ يَطْلُبُهُ صِيَامٌ وَصَامَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَوَّلًا فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِم هَدَيَانِ] (فَرْعٌ) : وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيَانِ صَامَ لِكُلِّ هَدْيٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ نَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْقَارِنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ هَدْيًا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ، أَوْ بَعْدَهُ انْتَهَى. ص (وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى) ش: فَإِنْ صَامَ مِنْهَا بِمِنًى شَيْئًا، فَقَالَ سَنَدٌ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ شَرْطٌ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ حَتَّى يَرْجِعَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ: إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ حَجِّهِ صَامَ السَّبْعَةَ وَجَنَحَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ يَصُومُ السَّبْعَ لَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، أَوْ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْحَاجِّ رَجَعَ إلَّا إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَصُومُهَا إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ سَائِرًا وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ، أَوْ إلَى وَطَنِهِ فَقَدْ رَجَعَ مِنْ مِنًى وَالشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ رُجُوعٌ فَقَطْ، وَهَذَا رُجُوعٌ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مُطْلَقِ الِاسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَمَا أُطْلِقَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ لَا يُقَيَّدُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ وَإِذَا قُلْنَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَفْعَلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ أَحْسَنُ، فَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّعْجِيلُ فَإِنْ اسْتَوْطَنَ مَكَّةَ صَامَ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَيَصِلُهَا بِالثَّلَاثَةِ إنْ شَاءَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حِينَئِذٍ تَفْرِيقٌ [فَرْعٌ صَامَ الْمُحْرِم ثَلَاثَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ صَوْمِ السَّبْعَةِ] (فَرْعٌ) : فَلَوْ صَامَ ثَلَاثَةً، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ صَوْمِ السَّبْعَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: أَرَى أَنْ يُهْدَى عَنْهُ سَوَاءٌ مَاتَ بِبَلَدِهِ، أَوْ بِمَكَّةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُهْدَى عَنْهُ اسْتِحْبَابًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ انْتَهَى. ص (وَلَمْ تَجُزْ إنْ قُدِّمَتْ عَلَى وُقُوفِهِ) ش: فَلَوْ صَامَ الْعَشَرَةَ

فرع إذا سيق الهدي في إحرام

قَبْلَ الْوُقُوفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْتَزِئُ مِنْهَا بِثَلَاثَةٍ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (وَوُقُوفُهُ بِهِ الْمَوَاقِفَ) ش: الِاسْتِحْبَابُ رَاجِعٌ لِإِيقَافِهِ جَمِيعَ الْمَوَاقِفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ إيقَافَهُ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ إيقَافَهُ بِعَرَفَةَ شَرْطٌ فِي ذَبْحِهِ بِمِنًى كَمَا سَيَأْتِي. ص (وَالنَّحْرُ بِمِنًى إنْ كَانَ فِي حَجٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّ النَّحْرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي مِنًى بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْهَدْيُ سَاقَهُ فِي حَجٍّ سَوَاءٌ كَانَ وَجَبَ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاءُ صَيْدٍ فِي عُمْرَةٍ، أَوْ شَيْءٍ نَقَصَهُ مِنْ عُمْرَتِهِ فَأَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ نَحَرَهُ بِمِنًى أَجْزَأَهُ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا سَاقَهُ فِي الْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمَكَّةَ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ كَوْنِ النَّحْرِ بِمِنًى مَعَ الشُّرُوطِ مُسْتَحَبًّا هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ أَوْقَفَ هَدْيَ جَزَاءِ صَيْدٍ، أَوْ مُتْعَةٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ بِهِ مَكَّةَ فَنَحَرَهُ بِهَا جَاهِلًا، أَوْ تَرَكَ مِنًى مُتَعَمِّدًا أَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُجْزِئُهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ مِنًى، أَوْ بَعْدَهَا خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِيمَا ذَبَحَ بِمَكَّةَ فِي أَيَّامِ مِنًى، وَأَمَّا مَا ذَبَحَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى فَيُجْزِئُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فَنَحْرُ مَا وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ بِمِنًى شَرْطُ كَمَالٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشَرْطُ صِحَّةٍ عِنْدَ أَشْهَبَ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ الْإِجْزَاءُ، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ يُفَرِّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ فِي أَيَّامِ مِنًى، أَوْ بَعْدَهَا، وَجَعَل صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمَذْهَبَ عَدَمَ الْأَجْزَاءِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ. [فَرْعٌ إذَا سِيقَ الْهَدْيُ فِي إحْرَامٍ] (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ إذَا سِيقَ الْهَدْيُ فِي إحْرَامٍ لَمْ يُنْحَرْ وَإِنْ بَلَغَ مَكَّةَ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْإِحْرَامِ كَانَ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، وَإِنْ سَاقَهُ فِي غَيْرِ إحْرَامٍ نَحَرَهُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ، وَإِنْ سَاقَهُ لِيَذْبَحَهُ فِي الْحَجِّ وَدَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا أَخَّرَهُ حَتَّى يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَيَنْحَرَهُ بِمِنًى فَإِنْ عَطِبَ بِمَكَّةَ نَحَرَهُ وَأَجْزَاهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَكُلُّ هَدْيٍ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ الْحِلِّ، فَعَطِبَ فَنَحَرَهُ بِهَا يُجْزِي إلَّا هَدْيَ التَّمَتُّعِ يُرِيدُ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ وَقَصَدَ بِهِ التَّمَتُّعَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ تَمَتُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَوْ اعْتَمَرَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ الْحِلِّ، ثُمَّ سَاقَ هَدْيًا، وَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ لِيَتَمَتَّعَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَةَ وَمَا ذَبَحَ مِمَّا وَجَبَ فِي الْحَجِّ مِنْ الْهَدْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لَمْ يَجُزْ كَمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدُ: وَمَا وَجَبَ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ هَدْيٍ، فَإِنَّمَا يَجِبُ بِخَلَلٍ دَخَلَ عَلَى إحْرَامِهِ كَمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، أَوْ تَرْكِ تَلْبِيَةٍ، أَوْ إصَابَةِ صَيْدٍ، أَوْ شَبَهِهِ فَمَحِلُّهُ مَكَّةُ وَوَقْتُهُ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ كَمَا وُقِّتَ سُجُودُ السَّهْوِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَقَفَ بِهِ هُوَ، أَوْ نَائِبُهُ كَهُوَ) ش أَيْ الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَقَفَ بِهِ صَاحِبُهُ بِعَرَفَةَ، أَوْ وَقَفَ بِهِ نَائِبُهُ وَقَوْلُهُ كَهُوَ أَيْ كَوُقُوفِهِ هُوَ بِأَنْ يَقِفَ بِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْوُقُوفِ بِالْهَدْيِ لَيْلًا، فَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اشْتَرَطَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ جَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ رَبِّهِ فِيمَا يُجْزِي مِنْ الْوُقُوفِ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِالنَّائِبِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ مَنْ نَابَ عَنْ الْمُهْدِي إمَّا بِإِذْنِهِ كَرَسُولِهِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَنْ وَجَدَ هَدْيًا مُقَلَّدًا فَوَقَفَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِأَيَّامِهَا) ش: هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي أَيَّامِ مِنًى وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ مَحِلٌّ لِلنَّحْرِ بِمِنًى؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ مِنًى بَلْ إذَا أُطْلِقَتْ أَيَّامُ مِنًى، فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْيَوْمُ الرَّابِعُ وَالْيَوْمَانِ قَبْلَهُ، وَبِذَلِكَ عَبَّرَ فِي تَوْضِيحِهِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى ذَلِكَ أَعْنِي التَّعْبِيرَ بِأَيَّامِ مِنًى، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَيَّامَ النَّحْرِ أَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ وَالْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مَحِلًّا لِلذَّبْحِ بِمِنًى بَلْ إذَا فَاتَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَتْ مَكَّةُ فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ لَمْ يُجْزِهِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ وَنَقَلَ التَّادَلِيُّ عَنْ عِيَاضٍ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: الثَّانِي أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي أَيَّامِ مِنًى وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ الْأَيَّامُ

فائدة أيام التشريق هي يوم النحر وثلاثة بعده

الْمَعْدُودَاتُ انْتَهَى. فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي خُرُوجَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْ كَوْنِهِ مَحِلًّا لِلنَّحْرِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا مِنْ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الضَّحَايَا وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَلَيْسَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ بِمِنًى انْتَهَى. . وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: وَالنَّحْرُ وَالذَّبْحُ بِمِنًى وَمَكَّةَ يَخْتَلِفُ فَأَمَّا مِنًى فَيَخْتَصُّ ذَلِكَ فِيهَا بِأَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، فَإِنْ ذَهَبَتْ لَمْ يَكُنْ مَنْحَرًا وَلَا مَذْبَحًا إلَّا لِمِثْلِهِ مِنْ قَابِلٍ، وَأَمَّا مَكَّةُ، فَكُلُّ أَيَّامِ السَّنَةِ مَنْحَرٌ بِهَا وَمَذْبَحٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ فَسَاقَهُ إلَى مِنًى وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ اللَّخْمِيّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَكَانِيُّ بِمِنًى بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ تَالِيَيْهِ فِي حَجٍّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ وَجَدَ بَدَنَةً بِمِنًى يُعَرِّفُهَا إلَى ثَالِثِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ مِنًى، ثُمَّ يَنْحَرُهَا فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهَا بِمِنًى فِي ثَالِثِ النَّحْرِ فَلَا يَنْحَرُهَا بِمِنًى ثَالِثَ أَيَّامِ مِنًى وَلَكِنْ بِمَكَّةَ فَإِنْ نَحَرَهَا بِمِنًى، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي النَّوَادِرِ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ فَقَالَ: وَمَنْ ضَلَّ هَدْيُهُ الَّذِي، أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ، فَوَجَدَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَلَا يَنْحَرُهُ إلَّا بِمَكَّةَ لِزَوَالِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ] (فَائِدَةٌ) : قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: الثَّانِي وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصَلَاةِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْعِيدِ لِكَوْنِهَا عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَسُمِّيَتْ سَائِرُ الْأَيَّامِ بِاسْمِ أَوَّلِهَا كَمَا قِيلَ أَيَّامُ الْعِيدِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ أَعَادَ» ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَذْبَحُونَ فِيهَا إلَّا بَعْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الضَّحِيَّةَ لَا تُذْبَحُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَا فِي الثَّانِي حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ ضَحَايَاهُمْ أَيْ يَنْشُرُونَهَا لِئَلَّا تَتَغَيَّرَ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَبْرُزُونَ فِيهَا إلَى الْمَشْرِقِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ النَّاسُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَكَذَا يَأْتِي لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا الْأَرْبَعَةُ أَيَّامُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَغَيْرِهِ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ النَّحْرِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ كَانَ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَانَ يُقَالُ لِلْإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ أَنْ يُقَالَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ص (وَإِلَّا فَمَكَّةُ) ش: أَيْ وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ فَسَاقَهُ إلَى مِنًى فَلَا يَنْحَرُهُ بِهَا وَلَكِنْ بِمَكَّةَ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً إنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنْ هَلَكَ هَذَا الْهَدْيُ فِي سَيْرِهِ بِهِ إلَى مَكَّةَ، لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ حُكْمِ الْهَدْيِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ هَدْيٍ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهِ بِعَرَفَةَ فَمَحِلُّهُ مَكَّةُ لَيْسَ لَهُ مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنًى مَحِلًّا لَهُ وَقَالَ: إذَا سَاقَهُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَعَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَهَا لَا يُجْزِئُهُ، وَهَذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْهَدْيَ مَا وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ نُحِرَ بِمِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ، فَإِنْ فَاتَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، أَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَمَنْحَرُهُ مَكَّةُ هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ أَمَّا مَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ فَمَحِلُّهُ عِنْدَ مَالِكٍ مَكَّةُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: كُلُّ مَا نَحَرَهُ بِمِنًى مِمَّا لَمْ يُوقِفْهُ بِعَرَفَةَ لَا يُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَجْزَأَ إنْ خَرَجَ لِحِلٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى هَدْيًا مِنْ الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: رَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْهَدْيِ إنْ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ، وَذَبَحَهُ فِيهِ أَجْزَاهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. [فَرْعٌ إذَا كَانَ الْهَدْيُ مِمَّا يُقَلَّدُ وَيُشْعَرُ] (فَرْعٌ) : إذَا كَانَ الْهَدْيُ مِمَّا يُقَلَّدُ وَيُشْعَرُ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُقَلِّدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ فَإِنْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ فِي الْحَرَمِ

فرع الأحسن أن يباشر الهدي ذلك بنفسه وأن يحرم إذا دخل به

أَجْزَأَهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. [فَرْعٌ الْأَحْسَنُ أَنْ يُبَاشِرَ الْهَدْي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُحْرِمَ إذَا دَخَلَ بِهِ] (فَرْعٌ) : وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُحْرِمَ إذَا دَخَلَ بِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ فَإِنْ دَخَلَ بِهِ حَلَالٌ، أَوْ أَرْسَلَهُ مَعَ حَلَالٍ أَجْزَأَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتِ، أَوْ لِحَيْضٍ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقِرَانِهِ) ش: قَوْلُهُ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَيْ بِغَيْرِ حَيْضٍ، وَقَوْلُهُ أَيْ لِحَيْضٍ إنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَسَاقَ فِيهَا هَدْيًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا أَنَّ الْهَدْيَ يُجْزِئُهُ لِقِرَانِهِ. [تَنْبِيهٌ فِي الرَّجُلِ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَيَسُوقُ فِيهَا الْهَدْيَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُرْدِفُ الْحَجَّ] (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَوْ أَهْدَتْ الْحَائِضُ غَيْرَهُ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَكَذَلِكَ يَسْتَحِبُّ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: أَيْضًا فِي الرَّجُلِ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، وَيَسُوقُ فِيهَا الْهَدْيَ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ، فَيُرْدِفُ الْحَجَّ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُهْدِيَ غَيْرَهُ لِقِرَانِهِ، وَأَرْجُو إنْ فَعَلَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ قَدْ تَعَيَّنَ لِجِهَةِ النَّفْلِ وَالدَّمُ فِي الْقِرَانِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ الْقِرَانِ بَعْدَ تَعَيُّنِ الْهَدْيِ وَوُجُوبِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ إعَادَةَ الْهَدْيِ وَالِاسْتِحْسَانُ الْإِجْزَاءَ بِالْأَوَّلِ لِانْقِلَابِ إحْرَامِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَلَّابِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ قِرَانِهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ. [فَرْعٌ وَيُسْتَحَبُّ لِهَذِهِ الْمُرْدِفَةِ أَنْ تَعْتَمِرَ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ الْقِرَانِ] (فَرْعٌ) : وَيُسْتَحَبُّ لِهَذِهِ الْمُرْدِفَةِ أَنْ تَعْتَمِرَ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ الْقِرَانِ كَمَا فَعَلَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْعُمْدَةِ مُخْتَصَرِ الْمَعُونَةِ، وَنَصُّهُ إذَا حَاضَتْ الْمُعْتَمِرَةُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ انْتَظَرَتْ الطُّهْرَ، وَفِي ضِيقِهِ وَخَوْفِ الْفَوَاتِ تُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَتَصِيرُ قَارِنَةً وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَعْتَمِرَ بَعْدَ فَرَاغِهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَفِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ ص (كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ) ش: ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ وَتَأَوَّلَ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا سَاقَهُ لِلْمُتْعَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ: الْخِلَافُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ: وَهَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْقِرَانِ السَّابِقَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَالِاسْتِحْسَانُ الْإِجْزَاءُ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَجْتَزِئَ بِهِ، وَنَقَلَ فِي الطِّرَازِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الِاجْتِزَاءُ. ص (وَالْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [فَرْعٌ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ] (فَرْعٌ) : وَأَمَّا بِمِنًى فَقَالَ مَالِكٌ: مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ إلَّا مَا خَلْفَ الْعَقَبَةِ قَالَ: وَأَفْضَلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى نَقَلَهُ سَنَدٌ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ غَيْرُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَكَانَ يَقُولُ لَا يَنْحَرُ هَدْيَهُ إلَّا هُوَ بِنَفْسِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَنَابَ مُسْلِمًا، فَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَ مُسْلِمٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ، أَوْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ وَإِنْ نَحَرَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ ذَبَحَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْلِمٍ، فَلَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُجْزِئُهُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ لَا تَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ، فَلَا يُسْتَنَابُ فِيهَا قَالَ: وَمَوْضِعُ الْمَنْعِ أَنْ يَلِيَ الذِّمِّيُّ الذَّبْحَ، فَأَمَّا السَّلْخُ وَتَقْطِيعُ اللَّحْمِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ. [فَرْعٌ إذَا لَمْ يَهْتَدِ الْمُحْرِم لِلذَّبْحِ بِنَفْسِهِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا لَمْ تَهْتَدِ لِلذَّبْحِ بِنَفْسِك، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْسِكَ الْجَزَّارُ رَأْسَ الْحَرْبَةِ وَيَضَعَهَا عَلَى الْمَنْحَرِ، أَوْ بِالْعَكْسِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَتَلِي الْمَرْأَةُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهَا بِيَدِهَا أَحَبُّ إلَيَّ. ص (وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ، فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ) ش هَذَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يُقَلِّدْ الْهَدْيَ، وَأَمَّا إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ

يَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ، وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً، أَوْ أَهْدَى هَدْيًا تَطَوُّعًا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ مَحِلَّهَا، فَلَا تَرْجِعُ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: زَادَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ فَلِسَ لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْهَدْيُ بَعْدَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا تَقَدَّمَ رَدُّ مَا لَمْ يَنْحَرْهُ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، أَوْ كَانَ وَاجِبًا لَتَعَيَّنَ نَحْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فِي بَابِ الْهَدْيِ إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ تَعَيَّنَ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، أَوْ بِسَوْقِهِ، أَوْ بِنَذْرِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبَحَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُحْرِمُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ تَعْيِينُ الْهَدْيِ وَإِبْدَالُهُ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ أَيْ بِسَوْقِهِ، أَوْ بِنَذْرِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبَحَهُ كَمَا تَعَيَّنَ مَحِلُّ الْعِتْقِ فِي الْأَمَةِ بِاسْتِيلَادِهَا أَوْ كِتَابَتِهَا، فَلَمَّا تَعَيَّنَ الْهَدْيُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ إلَى جِهَةِ الْقُرْبَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ، وَلَا ذَبْحَهُ وَلَا صَرْفَهُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بَطَلَ إرْثُهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، وَوَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ، وَدَلِيلُ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْدَثَ دَيْنًا لَمْ يَمْلِكْ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهُ، فَإِذَا لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ، وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ، فَقَدْ زَالَ عَنْ حُكْمِ مِلْكِهِ لَا مَحَالَةَ، وَمَا زَالَ عَنْ مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يُمْلَكَ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمُعْتَبَرُ حِينُ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ) ش لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْهَدْيِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ وَعِبَارَتُهُ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ: وَقْتُ الْوُجُوبِ لَيْسَ هُوَ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ بَلْ تَعْيِينُهُ وَتَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْعَامِ لِيَكُونَ هَدْيًا، وَالْمُرَادُ بِالتَّقْلِيدِ هُنَا أَعَمُّ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا إنَّمَا هُوَ تَهْيِئَةُ الْهَدْيِ، وَإِخْرَاجُهُ سَائِرًا إلَى مَكَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَنَمَ يَعُمُّهَا هَذَا الْحُكْمُ، وَهِيَ لَا تُقَلَّدُ وَعَلَى هَذَا، فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ وَالتَّقْلِيدِ مُتَقَارِبٌ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُعْتَبَرُ حِينُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ حِينُ التَّقْلِيدِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَوَقَعَ لِأَشْهَبَ أَنَّ مَنْ سَاقَ شَيْئًا مِنْ الْغَنَمِ إلَى مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ بِسَوْقِهِ هَدْيًا وَإِنْ نَوَاهُ حَتَّى يُوجِبَ فِي نَفْسِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا قَالَهُ إسْمَاعِيلُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَجِبُ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوْقَ هَذَا الْهَدْيِ: يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ، أَوْ الْإِشْعَارِ، أَوْ بِسَوْقِهِ، أَوْ بِنَذْرِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهُ وَإِذَا تَعَيَّنَ الْهَدْيُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ وَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَ إرْثُهُ عَنْهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَا يُجْزِي مُقَلَّدٌ بِعَيْبٍ وَلَوْ سَلِمَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ فِي سَلَامَةِ الْهَدْيِ هُوَ حِينُ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِفَاءِ السَّبَبِ، فَقَالَ: فَلَا يُجْزِئُ إلَخْ أَيْ فَبِسَبَبِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِينُ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ لَا يُجْزِئُ الْمُقَلَّدُ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ سَلِمَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، وَقَبْلَ نَحْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا مَعِيبَةً نَاقِصَةً عَنْ الْإِجْزَاءِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ إنْ كَانَ مَضْمُونًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَلَّدَهُ سَالِمًا، ثُمَّ طَرَأَ الْعَيْبُ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا سَالِمَةً مُجْزِئَةً، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا فِي الْحَجِّ الثَّانِي فِي تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَمَنْ قَلَّدَ هَدْيًا، وَأَشْعَرَهُ وَهُوَ لَا يُجْزِئُهُ لِعَيْبٍ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ حَتَّى زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ إنْ كَانَ مَضْمُونًا، وَلَوْ قَلَّدَهُ سَالِمًا، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّهِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. ص (إنْ تَطَوَّعَ بِهِ) ش: مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ إذَا قُلِّدَ سَلِيمًا، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَخِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ، أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ دَخَلَهُ عَيْبٌ بَعْدَ أَنْ قَلَّدَهُ، وَأَشْعَرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِمَّا يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ فَحَمَلَهُ صَاحِبُهُ، أَوْ سَاقَهُ حَتَّى، أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ فَنَحَرَهُ بِمِنًى أَجْزَأَهُ وَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ

بِهِ بِعَرَفَةَ فَسَاقَهُ إلَى مِنًى، فَلَا يَنْحَرُهُ بِهَا، وَلَكِنْ بِمَكَّةَ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً إنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمَنْ قَلَّدَ هَدْيًا، أَوْ أَشْعَرَهُ وَهُوَ لَا يُجْزِئُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: الْهَدْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ وَمَنْذُورٌ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَنْذُورٌ مُعَيَّنٌ وَمَنْذُورٌ فِي الذِّمَّةِ فَمَا قُلِّدَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أُشْعِرَ، أَوْ عُيِّنَ، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ وَيُشْعِرْ، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ، أَوْ كَسْرٌ، أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يُجْزِئُ مَعَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَعَدٍّ، أَوْ تَفْرِيطٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْمَنْذُورُ عَيْنُهُ، فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنْ يُبْدِلَهُ انْتَهَى. . وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُعْتَبَرُ حِينُ الْوُجُوبِ وَالتَّقْلِيدِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا وَقْتُ الذَّبْحِ، فَلَوْ قَلَّدَ هَدْيًا سَالِمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ، وَبِالْعَكْسِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَالْمَشْهُورُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّاذُّ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْأَبْهَرِيُّ الَّذِي هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بَلْ قَالَ: إنَّهُ الْقِيَاسُ لَكِنْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافٌ فَقَالَ: وَإِذَا سِيقَ الْهَدْيُ عَنْ الْوَاجِبِ لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ إلَّا بِبُلُوغِهِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ فَإِنْ ضَلَّ، أَوْ سُرِقَ، أَوْ هَلَكَ، أَوْ عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَ بِهِ عَيْبٌ، ثُمَّ بَلَغَ مَحِلَّهُ فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْحَرُهُ، وَيُجْزِئُهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ كَمَوْتِهِ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، أَوْ بِقَبُولٍ وَإِنْ وَجَبَ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ هَدْيًا إلَّا أَنْ يَدُومَ كَمَالُهُ إلَى وَقْتِ نَحْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُعْتَبَرُ سَلَامَتُهُ حِينَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ وَعَيْنُهُ بَعْدَهُمَا لَغْوٌ الصَّقَلِّيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ الْقِيَاسُ حُدُوثُهُ كَمَوْتِهِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ قَلَّدَهُ سَمِينًا فَنَحَرَهُ فَوَجَدَهُ أَعْجَفَ أَجْزَأَ إنْ كَانَتْ مَسَافَةٌ يَحْدُثُ فِيهَا عَجَفُهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ فِي الْوَاجِبِ، وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِئُهُ إنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ قَدْ يَسْمَنُ فِيهَا، وَإِلَّا فَأُحِبُّ بَدَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهَا إنْ جَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ أَجْزَأَهُ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ كَأَرْشِ عَيْبِهِ اللَّخْمِيُّ عَلَى قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ لَا يُجْزِئُهُ، وَيَغْرَمُ الْجَانِي قِيمَةَ هَدْيٍ سَلِيمٍ؛ لِأَنَّ تَعَدِّيَهُ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْهَدْيَ إذَا عُيِّنَ سَالِمًا، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عَيْبٌ مِنْ اللَّهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا، أَوْ وَاجِبًا أَمَّا إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِتَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِهِ، أَوْ تَفْرِيطٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ إلَخْ. فَفَصَلَ الْكَاتِبُ الْفَاءَ مِنْ قَوْلِهِ، فَأَرْشُهُ، وَنَقَصَ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَرَأَوْا وَيُقَالُ: وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَتُهُ بِالْفَرْضِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَمَشَى الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ قَيْدٌ لِلْمَشْهُورِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، فَقَالَ إثْرَهُ: أَيْ إذَا قَلَّدَهُ سَلِيمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ يُرِيدُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فِي الْوَاجِبِ إذَا كَانَ مَضْمُونًا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي شَامِلِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ. فَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي إجْزَاءِ الْعَكْسِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَلَّدَهُ سَالِمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يُجْزِهِ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُفْعَلُ بِهِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَنْحَرُهُ أَيْضًا بَدَلَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ هَذَا خِلَافُ مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا فَرَاجِعْهُ إنْ أَحَبَبْتَهُ وَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ إذَا قُلِّدَ مَعِيبًا وَقُلْنَا لَا يُجْزِئُهُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ هَدْيًا، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَلَا بَيْعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ

ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، أَوْ مَنْذُورًا مُعَيَّنًا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ، ثُمَّ إنْ بَلَغَ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ اشْتَرَى بِهِ هَدْيًا، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُحِقَّ، وَلَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ هَدْيٍ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ، وَاقْتَصَرَ اللَّخْمِيُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا، أَوْ نَذْرًا مَضْمُونًا، فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَيَسْتَعِينُ بِالْأَرْشِ وَبِثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْبَدَنِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا يَأْخُذُهُ عَنْ الْعَيْبِ فِي هَدْيٍ (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحُكْمُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَحُكْمِ أَرْشِ الْعَيْبِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا جَنَى عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ، فَأَخَذَ لَهُ أَرْشًا فَلْيَصْنَعْ بِهِ مَا صَنَعَ مَنْ رَجَعَ بِعَيْبٍ أَصَابَهُ فِي الْهَدْيِ الْمُقَلَّدِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي الْجِنَايَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فِي التَّطَوُّعِ وَالْوَاجِبِ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ مُحَمَّدُ إنْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَنُ هَدْيٍ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَا يَلْزَمُ بَدَلُهُ فِي الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا يُجْزِئُ بِهَا الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِشْعَارِ، وَهِيَ كَالْعَيْبِ يَطْرَأُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ أَيْضًا قَالَ التُّونُسِيُّ: وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَمْ تُتْلِفْ نَفْسَهُ غَيْرَ أَنَّهَا تُنْقِصُهُ نَقْصًا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ وُصُولُهُ حَتَّى يُنْحَرَ فِي مَحِلِّهِ فَمَا أُغَرِّمُهُ إلَّا مَا نَقَصَ؛ لِأَنَّهُ جَازَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُصُولِهِ إلَى مَحِلِّهِ لَكَانَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ، وَانْظُرْ إذَا أَدَّى الْجَانِي قِيمَتَهُ هَلْ لِلْجَانِي بَيْعُ لَحْمِهِ إذَا نَحَرَهُ؛ لِأَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ، وَهُوَ يَقُولُ لَسْتُ أَنَا الَّذِي تَقَرَّبْتُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَنَيْتُ عَلَيْهِ، فَلَزِمَتْنِي قِيمَتُهُ، وَانْظُرْ إذَا أَدَّى الْجَانِي قِيمَتَهُ، وَالْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ يُشْتَرَى بِمَا أُخِذَ مِنْهُ عِوَضًا انْتَهَى. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ. (الثَّالِثُ) : فَلَوْ عَيَّنَ هَدْيًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ أَطْلَعَ عَلَى أَنَّ فِيهِ قَبْلَ التَّقْلِيدِ عَيْبًا، وَقُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، فَهَلْ يُجْزِيهِ أَنْ يُبْدِلَهُ بِأَدْنَى مِنْهُ، أَوْ بِمِثْلِ مَا عَيَّنَ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُبْدِلَهُ بِمِثْلِ مَا عَيَّنَ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يُجْزِئَهُ مَا كَانَ يُجْزِئُ أَوَّلًا قَالَهُ سَنَدٌ فِيمَا إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَالْبَابُ وَاحِدٌ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَدَلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) : إذَا قَلَّدَ هَدْيًا، ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا، فَتَعَدَّى، وَذَبَحَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِهَدْيٍ تَامٍّ لَا عَيْبَ فِيهِ قَالَهُ سَنَدٌ فِي مَسْأَلَةِ شُرْبِ لَبَنِ الْهَدْيِ. ص (وَسُنَّ إشْعَارُ سَنَمِهَا) ش: الضَّمِيرُ لِلْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَهَا أَسْنِمَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا تُشْعَرُ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا تُشْعَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إشْعَارِ مَا لَا سَنَمَ لَهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا مَا لَهُ أَسْنِمَةٌ مِنْ الْبَقَرِ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُشْعَرُ. ص (مِنْ الْأَيْسَرِ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [فاطر: 40] وَقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ إنَّهَا لِلْبَيَانِ بَعِيدٌ. ص (لِلرَّقَبَةِ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى مِنْ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ سَمِعْتُ لِزَيْدٍ صُرَاخًا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّ الْإِشْعَارَ أَنْ يَقْطَعَ فِي أَعْلَى السَّنَمِ قَطْعًا يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيُدْمِي مِنْ نَاحِيَةِ الرَّقَبَةِ إلَى نَاحِيَةِ الذَّنْبِ قَدْرَ أُنْمُلَتَيْنِ فِي الطُّولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مُسَمِّيًا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَتُشْعَرُ قِيَامًا مُسْتَقْبِلَةَ الْقِبْلَةِ فِي جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ فِي أَعْلَى الْأَسْنِمَةِ قَطْعًا يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيُدْمِي مِنْ نَاحِيَةِ الرَّقَبَةِ إلَى نَاحِيَةِ الذَّنَبِ فِي الْأَسْنِمَةِ خَاصَّةً انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا تُشْعَرُ قِيَامًا غَرِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَقْلِيدٌ) ش: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ التَّقْلِيدَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَقْدِيمُهُ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْإِشْعَارَ نَفَرَتْ مِنْهُ عِنْدَ التَّقْلِيدِ خَوْفَ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا ثَانِيًا مَا فَعَلَ بِهَا أَوَّلًا، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ، ثُمَّ تَقْلِيدٌ، ثُمَّ إشْعَارٌ. ص (وَتَجْلِيلُهَا) ش: الضَّمِيرُ لِلْإِبِلِ، فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي يُسْتَحَبُّ تَجْلِيلُهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:

وَإِنَّمَا تُجَلَّلُ الْبُدْنُ دُونَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَدْ يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقُلِّدَتْ الْبَقَرُ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالتَّجْلِيلُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ. ص (وَشَقُّهَا إنْ لَمْ تَرْتَفِعْ) ش: أَيْ وَيُسْتَحَبُّ شَقُّ الْجِلَالِ عَنْ الْأَسْنِمَةِ لِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ إلَّا أَنْ تَرْتَفِعَ فِي الثَّمَنِ أَيْ تَكُونَ كَثِيرَةً فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُشَقَّ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَأَنْ يُؤَخِّرَ تَجْلِيلَهَا إلَى عِنْدِ الْغَدِ، وَمِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَالِكٍ شَقُّ الْجِلَالِ عَنْ الْأَسْنِمَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَفِعَةً عَنْ الْأَسْنِمَةِ تَبِعَ فِيهِ التَّوْضِيحَ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا الْغَنَمُ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ وَلَا تُشْعَرُ وَلَا تُسَاقُ فِي الْهَدْيِ إلَّا مِنْ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ انْتَهَى. ص (وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ إلَخْ) ش قَوْلُهُ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَسَاكِينَ مِنْ النَّذْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَسَاكِينِ بَلْ نَذَرَ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَدْيٍ، وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ عَكْسُ الْجَمِيعِ، فَيُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْتَثْنِهِ فِيمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحِلِّ، وَلَا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ، فَيُؤْكَلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحِلِّ لَا قَبْلَهُ كَالتَّطَوُّعِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْمَنْذُورُ الْمَضْمُونُ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَإِنْ سَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا مُعَيَّنًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ قَبْلُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا صَاحِبُ الطِّرَازِ وَلَوْ قَالَ وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ وَنَذْرُ أَعْيُنٍ إنْ عَطِبَا قَبْلَهُ لَوَفَّى بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ أَيْ نَذْرًا لِلْمَسَاكِينِ، وَالْمُعَيَّنُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ، أَوْ أُهْدِيَهَا لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ هَذِهِ نَذْرٌ لِلْمَسَاكِينِ وَالْمَضْمُونُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً، أَوْ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً لِلْمَسَاكِينِ (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ سَنَدٌ إذَا نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينٍ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بِلَفْظٍ، أَوْ بِنِيَّةٍ أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ (الثَّانِي) : مَا أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، فَلَهُ أَكْلُ جَمِيعِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهُوَ أَحْسَنُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدَعُ الْأَكْلَ وَالصَّدَقَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ إطْعَامِهِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَقَالَ أَيْضًا اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْقَانِعِ؛ لِأَنَّ الْقَانِعَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى مَنْ يَقْنَعُ بِالْيَسِيرِ فَيَكُونُ مِنْ الصِّفَاتِ، وَالْقَانِعُ السَّائِلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَنَاعَةِ وَالثَّانِي مِنْ الْقُنُوعِ قَالَ الشَّمَّاخُ لَمَالُ الْحُرِّ يُصْلِحُهُ فَيَفْنَى ... مُفَارِقُهُ أَخَفُّ مِنْ الْقُنُوعِ يُرِيدُ السُّؤَالَ، وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الْمُعْتَرَّ، وَهُوَ الَّذِي يُعَرِّضُ بِالسُّؤَالِ

وَلَا يَسْأَلُ يُقَالُ مُعْتَرٌّ وَمُعْتَرِي انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : إذَا كَانَ مَعَ الْمُحْصَرِ هَدْيٌ وَنَحَرَهُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ قَالَهُ سَنَدٌ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. ص (فَتُلْقَى قَلَائِدُهُ بِدَمِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مُهْدِيَهُ يَنْحَرُهُ وَيُلْقِي قَلَائِدَهُ بِدَمِهِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ بِتَفْرِيطِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَبْحِهِ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (كَرَسُولِهِ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا إلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا أُرْسِلَ مَعَ شَخْصٍ، وَعَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ حُكْمُ رَبِّهِ، فَيَنْحَرُهُ، وَيُلْقِي قَلَائِدَهُ بِدَمِهِ، وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمَبْعُوثُ مَعَهُ الْهَدْيُ يَأْكُلُ مِنْهُ لَا مِنْ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ وَنَذْرِ الْمَسَاكِينِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا، فَجَائِزٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فَإِنْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ كَانَ حُكْمُ الرَّسُولِ حُكْمَ الْمُرْسِلِ، فَكُلُّ هَدْيٍ يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، فَنَائِبُهُ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَكُلُّ هَدْيٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ نَائِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَكَلَ السَّائِقُ مِنْ الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يُجْزِ رَبَّهُ، وَنَظَرْت فِي تَضْمِينِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ لِمَا أَكَلَ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ لَقُبِلَ، وَذَلِكَ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ نَظَرْت، فَإِنْ أَكَلَ مِنْ الْهَدْيِ لَمْ تُجْزِ شَهَادَتُهُ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ مَا أَكَلَ إلَّا مُبَاحًا إذْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ إذَا نَحَرَ لِغَيْرِ خَوْفٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَزْعُمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَكَلَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، فَيَضْمَنُ السَّائِقُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ أَطْعَمَهُ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْهَدْيِ وَقْتَ نَحْرِهِ لَا هَدْيًا مَكَانَهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْهَدْيَ بِهَدْيٍ رَبُّهُ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَلَيْسَ عَلَى رَبِّهِ إلَّا هَدْيٌ بِقِيمَةِ مَا يَرْجِعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا، فَعَلَيْهِ هَدْيٌ بِأَصْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ السَّائِقُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُطْعِمَ أَحَدًا أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُطْعِمْ أَحَدًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَأَطْعَمَ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى رَبِّهِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى رَبِّهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَإِنْ أَطْعَمَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ ضَمِنَ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَإِنْ أَطْعَمَ مُسْتَحِقًّا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُنْظَرُ فِي رَبِّهِ فَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَأَطْعَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُعَيَّنٍ وَلَكِنْ قَالَ أَطْعِمْهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَهُوَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ كَقَوْلِهِ أَطْعِمْهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعْيِينٌ انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ فِي الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ رَبِّهِ إلَّا فِيمَا إذَا عَطِبَ الْوَاجِبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ لِلتُّهْمَةِ أَنْ يَكُونَ عَطْبُهُ بِسَبَبِهِ فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عُلِمَ أَنَّ رَبَّهُ لَا يَتَّهِمُهُ، أَوْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْغُرْمِ إنْ اتَّهَمَهُ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْلَهُ مِنْهُ لَا يُمْنَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّهُ إنْ أَطْعَمَ أَحَدًا مِنْ الْوَاجِبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ بِأَخْذِ شَيْءٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَأْمُرَ أَحَدًا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنْ أَمَرَ أَحَدًا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَدَلَ الْهَدْيِ كَمَا يَضْمَنُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ هَدْيٍ مُنِعَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا أَمَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ وَالْجَزَاءَ وَنَذْرَ الْمَسَاكِينِ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِلَّ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَلَهُ تَفْرِقَتُهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْأَخْذِ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الرَّسُولَ وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِصَاحِبِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فِي كَوْنِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَلَا يَأْمُرُ أَحَدًا لَكِنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُ نَظَرٌ، يُرِيدُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْهَدْيِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ

أَمَرَ لِرَسُولٍ بِذَلِكَ، وَفِي فَهْمِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي زَائِدَةٌ انْتَهَى. (قُلْت) وَعَلَى جَعْلِهَا زَائِدَةً فَفِي الْكَلَامِ إجْمَالٌ، وَلَوْ قَالَ: وَضَمِنَ رَبُّهَا فَقَطْ بِأَمْرِ شَيْءٍ إلَخْ لَكَانَ أَبْيَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ عَطِبَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحِلِّهِ أَلْقَى قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا إذَا نَحَرَهَا، وَرَمَى عِنْدَهَا جِلَالَهَا وَخِطَامَهَا، وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا، وَلَا يَأْمُرُ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا فَقِيرًا وَلَا غَنِيًّا، فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ وَسَبِيلُ الْجِلَالِ وَالْخِطَامِ سَبِيلُ لَحْمِهَا، وَإِنْ بُعِثَتْ مَعَ رَجُلٍ، فَعَطِبَتْ فَسَبِيلُ الرَّسُولِ سَبِيلُ صَاحِبِهَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ، فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا يَأْمُرُ رَبُّهَا الرَّسُولَ إنْ عَطِبَتْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَإِنْ أَمَرَهُ رَبُّهَا إذَا عَطِبَتْ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا، فَعَطِبَتْ وَتَصَدَّقَ بِهَا الرَّسُولُ لَمْ يَضْمَنْ وَأَجْزَأَتْ صَاحِبَهَا كَمَنْ عَطِبَ هَدْيُهُ التَّطَوُّعِ، فَخَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ فَأَتَى أَجْنَبِيٌّ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى رَبِّهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ تَنَاوُلُ ذَلِكَ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ وَأَمَرَهُ رَبُّهُ إذَا عَطِبَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، فَلَمَّا عَطِبَ تَصَدَّقَ بِهِ الرَّسُولُ أَنَّهُ إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ وَنَحَرَهُ سَائِقُهُ اسْتَحَقَّهُ الْمَسَاكِينُ، وَأَنَّهُ إنْ فَرَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ ضَمِنَ ذَلِكَ اللَّحْمَ الَّذِي فَرَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَسَاكِينِ، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ إبَاحَتَهُ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَقِيرِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ يَوْمَ يَبْلُغُ مَحِلَّهُ إلَّا سَائِقَهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : إذَا أَرْسَلَ الْهَدْيَ رَبُّهُ وَقَالَ لِلرَّسُولِ: أَطْعِمْهُ لِلْمَسَاكِينِ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبِيحَهُ لِلنَّاسِ بِلَفْظِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ سَنَدٌ (الرَّابِعُ) : اُنْظُرْ إذَا قَالَ لِلنَّاسِ صَاحِبُ الْهَدْيِ: كُلُوا، أَوْ قَالَ أَبَحْتُهَا لِلنَّاسِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهَا، أَوْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ كُلُوا، أَوْ خُذُوهَا، أَوْ اقْتَسِمُوهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ أَبَحْتُهَا لِلنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِأَخْذِ شَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَأْخُذْ، فَالظَّاهِرُ لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُ يُرِيدُ لَا يَضْمَنُ الْبَدَلَ، وَأَمَّا مَا أَكَلَ مِنْهُ، فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ انْتَهَى وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَطْعَمَهُ لِغَيْرِ الْمَسَاكِينِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا يَضْمَنُ مَا أَكَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) : لَوْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاجِبٌ فَضَلَ فَأَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ، فَعَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَدَلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَطَوُّعًا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ. ص (كَأَكْلِهِ مِنْ مَمْنُوعٍ) ش: وَكَذَا إذَا أَطْعَمَ غَنِيًّا، أَوْ ذِمِّيًّا مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَا إذَا أَطْعَمَ مِنْهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا إذَا أَطْعَمَ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَدْرُ ذَلِكَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ حَتَّى تَعَذَّرَ سُقُوطُ الْإِرَاقَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ، وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْهَدْيِ، وَإِنَّمَا وَصَلَتْ إلَيْهِ مَنْفَعَةُ ذَلِكَ بِمَا تُؤُمِّرَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَالِدُ، وَلَا الْوَلَدُ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَزِمَ ذَلِكَ الْأَبَ إنْ كَانَ مَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمَسَاكِينُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الْبَالِغُ فَقِيرًا، فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِ أَحَدٍ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَاكِينِ بِخِلَافِ الْأَبِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْوَلَدِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا أَكَلَ مِنْهَا الْغَنِيُّ، أَوْ الذِّمِّيُّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَى الْآكِلِ قَدْرُ مَا أَكَلَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا رَبُّهَا لِمَنْ يُفَرِّقُهَا فَأَعْطَى الْمُفَرِّقُ

فرع حكم بيع شيء من لحم الهدي والاستئجار به

مِنْهَا غَنِيًّا، أَوْ ذِمِّيًّا، فَعَلَى الْمُفَرِّقِ بَدَلُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَلَوْ أَعْطَى الْفِدْيَةَ، أَوْ الْجَزَاءَ، أَوْ نَذْرَ الْمَسَاكِينِ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ بَابِ أَكْلِ الرَّجُلِ مِنْ صَدَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بَدَلُهُ) ش: اُنْظُرْ إذَا نَسَكَ فِي الْفِدْيَةِ، أَوْ جَعَلَهَا هَدْيًا، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَقُلْنَا يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَلُ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ، أَوْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْدِلَهُ بِدُونِهِ كَمَا لَوْ جَعَلَ الْفِدْيَةَ بَدَنَةً، وَأَهْدَاهَا، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُبْدِلَ ذَلِكَ بِبَقَرَةٍ، أَوْ شَاةٍ، وَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ، أَوْ يَصُومَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَلُ ذَلِكَ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمِنْ الْهَدْيِ الْمَضْمُونِ مَا إنْ عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ، وَإِنْ بَلَغَ مَحِلَّهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَهُوَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَكَانَ عَيَّنَهُ مِنْ الْأَفْضَلِ فَالْأَحْسَنِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُبْدِلَهُ مِثْلَ مَا كَانَ عَيَّنَ وَالْوَاجِبُ مِثْلُ مَا كَانَ يُجْزِي أَوَّلًا كَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ مُبْهِمًا، فَمَشَى فِي حَجٍّ، ثُمَّ رَكِبَ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ سَنَةً أُخْرَى مَا رَكِبَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَشْيٍ إنْ شَاءَ فِي حَجٍّ وَإِنْ شَاءَ فِي عُمْرَةٍ بِحُكْمِ النَّذْرِ كَمَا كَانَ لَهُ ابْتِدَاءً أَنْ يَمْشِيَ فِي عُمْرَةٍ لَا فِي حَجٍّ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَمَا قُلْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِثْلُ مَا عَيَّنَ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْفَضْلَ بِتَعْيِينِهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالتَّعْيِينِ سَقَطَ بِالْعَطْفِ، فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا عَيَّنَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ انْتَهَى. [فَرْعٌ حُكْمَ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الْهَدْيِ وَالِاسْتِئْجَارِ بِهِ] (فَرْعٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الْهَدْيِ وَلَا الِاسْتِئْجَارِ بِهِ لِوُضُوحِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْجَزَّارَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا وَلَا جِلْدِهَا وَلَا خِطَامِهَا وَلَا جِلَالِهَا وَهُوَ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْهَدْيِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّى بِكَرَامَةِ الْجُزُولِيِّ وَنَصُّهُ فَإِنْ وَقَعَ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالنُّسُكِ فُسِخَ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ فَقِيلَ يَصْرِفُ الثَّمَنَ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَمَاعُونِهِ كَالرَّحَى وَالْغِرْبَالِ، وَقِيلَ يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَقِيلَ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْهَدْيِ، فَإِنْ بَلَغَ اشْتَرَى بِهِ هَدْيًا. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِيمَنْ بَاعَ جِلَالَ هَدْيِهِ: يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ، وَلَا يَشْتَرِي بِهِ هَدْيًا، وَإِنْ بَلَغَ؛ لِأَنَّ الْجِلَالَ لَيْسَ بِنَفْسِ الْهَدْيِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَأَيْضًا فَإِنَّمَا الْجِلَالُ لِلْمَسَاكِينِ، فَجُعِلَ الثَّمَنُ بِمَثَابَتِهَا يَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا: يَشْتَرِي بِذَلِكَ هَدْيًا إنْ بَلَغَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصْوَبُ عِنْدِي انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ (قُلْت) : وَفِي قَوْلِهِ إنَّمَا الْجِلَالُ لِلْمَسَاكِينِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي. ص (وَالْخِطَامُ وَالْجِلَالُ كَاللَّحْمِ) ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَخِطَامُ الْهَدَايَا وَجِلَالُهَا كَلَحْمِهَا وَفِي هَدْيِ الْفَسَادِ قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُرِيدُ بِحَيْثُ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى الْمَسَاكِينِ يَكُونُ الْخِطَامُ وَالْجِلَالُ كَذَلِكَ، وَحَيْثُ يَكُونُ اللَّحْمُ مُبَاحًا لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ يَكُونُ الْخِطَامُ وَالْجِلَالُ كَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ أَعْطَى جِلَالَ بَدَنَتِهِ الْوَاجِبَةِ لِبَعْضِ وَلَدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي هَدْيِ الْفَسَادِ قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْخِلَافَ فِي جِلَالِ هَدْيِ الْفَسَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي اللَّحْمِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْ لَحْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ سُرِقَ هَدْيُهُ الْوَاجِبُ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَهُ قَالَ سَنَدٌ: هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ هَدْيٌ بَالِغُ الْكَعْبَةِ وَقَدْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَإِنْ كَانَ جَزَاءَ صَيْدٍ، أَوْ فِدْيَةَ أَذًى، أَوْ نَذْرَ الْمَسَاكِينِ، فَقَدْ أَجْزَأَهُ، وَوَقَعَ

التَّعَدِّي فِي خَالِصِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهِ، وَصَرْفُ ذَلِكَ لِلْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ وَكَانَتْ لَهُ قِسْمَتُهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ، وَيَفْعَلُ بِالْقِيمَةِ مَا شَاءَ كَمَا يَفْعَلُ فِي قِيمَةِ أُضْحِيَّتِهِ إذَا سُرِقَتْ، وَيَسْتَحِبُّ لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَدَعَ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُضَارَعَةِ الْبَيْعِ انْتَهَى. ص (لَا قَبْلَهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٍ ضَلَّ مِنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمِنًى، أَوْ فِي الْحَرَمِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَكُلُّ هَدْيِ تَطَوُّعٍ هَلَكَ، أَوْ سُرِقَ، أَوْ ضَلَّ فَلَا بَدَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَحَمْلُ الْوَلَدِ عَلَى غَيْرِهِ إلَخْ) ش: قَالَ سَنَدٌ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْهَدْيِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَحَقِّ الْعِتْقِ فِي الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ فَإِذَا وَلَدَتْ سَاقَهُ مَعَ أُمِّهِ إنْ أَمْكَنَ إلَى مَحِلِّ الْهَدْيِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَوْقُهُ حَمَلَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَحِلٌّ غَيْرُ أُمِّهِ حَمَلَهُ عَلَيْهِ كَمَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا زَادَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَحْمِلُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَكَلَّفُ حَمْلَهُ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ بُلُوغَهُ بِكُلِّ حِيلَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا قَالَ أَشْهَبُ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِدَ لَهُ مَحِلًّا، وَلَا مَحِلَّ لَهُ دُونَ الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا كَانَ حُكْمُ هَذَا الْوَلَدِ حُكْمَ الْهَدْيِ إذَا وَقَفَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْغَبَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ كَانَتْ أُمُّهُ تَطَوُّعًا، أَوْ عَنْ وَاجِبٍ فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْوَلَدِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَيْهِ بَدَلُهُ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ نَحَرَهُ فِي الطَّرِيقِ أَبْدَلَهُ بِهَدْيٍ كَبِيرٍ، وَلَا يُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ يُرِيدُ فِي نِتَاجِ الْبَدَنَةِ. (قُلْت) : وَهَذَا مِمَّا وُلِدَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، وَأَمَّا مَا وُلِدَ قَبْلَهُ، فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ مَعَهَا إنْ نَوَى ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي نَوَى بِأُمِّهِ الْهَدْيَ (فَرْعٌ) : وَلَوْ وَجَدَ الْأُمَّ مَعِيبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي وَلَدِهَا وَكَانَ تَبَعًا لَهَا فِي حُكْمِ الْهَدْيِ. ص (وَلَا يَشْرَبُ مِنْ اللَّبَنِ وَإِنْ فَضَلَ) ش: صَرَّحَ سَنَدٌ بِأَنَّهُ إذَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَةِ وَلَدِهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْضُلْ يُمْنَعُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ مَا يَرْوِي فَصِيلَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ فَضَلَ عَنْهُ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْرَبُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ وَيَسْقِيهِ مَنْ شَاءَ وَلَوْ غَنِيًّا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِلَّا فَيَحْلُبُ مَا تَزُولُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ شُرْبَ لَبَنِهَا مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ: وَحَكَى بَعْضُ الشُّيُوخِ قَوْلًا بِالْإِبَاحَةِ. ص (وَغَرِمَ إنْ أَضَرَّ بِشُرْبِهِ الْأُمَّ، أَوْ الْوَلَدَ مُوجَبُ فِعْلِهِ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ أَضَرَّ شُرْبُهُ بِهَا، أَوْ بِوَلَدِهَا غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَضَرَّ بِهَا فِي بَدَنِهَا وَنَقْصِهَا، أَوْ أَضَرَّ بِوَلَدِهَا فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا بِإِضْرَارِهِ، فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ مِمَّا يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ مُوجَبُ فِعْلِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ الَّذِي، أَوْجَبَهُ فِعْلُهُ انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ عَدَمُ رُكُوبِهَا بِلَا عُذْرٍ) ش: قَالَ سَنَدٌ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ سَلَامَتِهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ بِرُكُوبِهِ ضَمِنَهَا قَالَ: وَلَا يَرْكَبُهَا بِمَحْمِلٍ وَلَا يُحَمِّلُ عَلَيْهَا مَتَاعًا، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: رُكُوبُ الْهَدْيِ لِضَرُورَةٍ جَائِزٌ وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ الْمَشْهُورُ كَرَاهَتُهُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي جَوَازُهُ مَا لَمْ يَكُنْ رُكُوبًا فَادِحًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَا يَلْزَمُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ) ش: قَالَ سَنَدٌ: عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا مِنْ

فرع إذا نحر الهدي غير صاحبه عن صاحبه

ضَرُورَةٍ يَنْبَغِي إذَا اسْتَغْنَى عَنْ رُكُوبِهَا أَنْ يُرِيحَهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَلَا يَرْكَبُ عَلَيْهَا، وَلَا يُحَمِّلُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، فَإِذَا زَالَتْ بَادَرَ لِلنُّزُولِ وَالْحَطِّ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: لِأَنَّ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ قُيِّدَ بِقَدْرِهَا وَالْمَشْهُورُ لَيْسَ عَلَيْهِ النُّزُولُ بَعْدَ رَاحَتِهِ، وَلَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا لِعُذْرٍ انْتَهَى. ص (وَأَجْزَأَ إنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ عَنْهُ مُقَلِّدًا وَلَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ إنْ غَلِطَ) ش: قَوْلُهُ عَنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَبْحٍ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ بَعْدَهُ، وَلَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى إذَا قَصَدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ كَانَ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ أَجْزَأَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَقَوْلُهُ إنْ غَلِطَ يَعْنِي بِهِ: أَنَّ الْغَيْرَ إذَا نَوَى الْهَدْيَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ غَلَطًا، وَأَمَّا إنْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ تَعَدِّيًا، فَلَا يُجْزِئُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَسَوَاءٌ وَكَّلَهُ صَاحِبُهُ عَلَى ذَبْحِهِ، أَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ فِي الرُّفَقَاءِ يَغْلَطُونَ فَيَذْبَحُ هَذَا هَدْيَ هَذَا، وَيَذْبَحُ الْآخَرُ هَدْيَ الْآخَرِ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِذَا لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الذَّابِحَ وَرَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِي الذَّابِحَ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَإِذَا قُلْنَا لَا يُجْزِئُ الْأَوَّلُ فَلَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّانِي [فَرْعٌ إذَا نَحَرَ الْهَدْيَ غَيْرُ صَاحِبِهِ عَنْ صَاحِبِهِ] (فَرْعٌ) : إذَا نَحَرَ الْهَدْيَ غَيْرُ صَاحِبِهِ عَنْ صَاحِبِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي مِنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ فِتْنَةٌ عَنْ الْحَجّ] ص (فَصْلٌ وَإِنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ فِتْنَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَحَصْرُ الْعَدُوِّ مَعْلُومٌ وَالْفِتَنُ مَا قَدْ يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجِ (فَرْعٌ) : قَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ: وَالرِّيحُ إذَا تَعَذَّرَ عَلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ لَيْسَ يَكُونُ تَعَذُّرُهُ كَحَصْرِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ مِثْلُ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ فَيَمْضُوا لَحَجِّهِمْ انْتَهَى. ص (أَوْ حَبْسٌ لَا بِحَقٍّ) ش: حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي حَبْسِ السُّلْطَانِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ كَالْمَرَضِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْعَدُوِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَثَالِثُهَا: إنْ كَانَ الْحَبْسُ بِحَقٍّ فَكَالْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ بِبَاطِلٍ فَكَالْعَدُوِّ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الْبَيَانُ عَنْ مَالِكٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ خِلَافًا لِلْأَوَّلِ بَلْ سَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ وِفَاقٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ يُونُسَ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَجَعَلَ الْحَبْسَ لَا بِحَقٍّ كَحَبْسِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَبْسَ بِحَقٍّ، وَجَعَلَهُ كَالْمَرَضِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُوجِبَ لِتَحَلُّلِ الْمَحْبُوسِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْعَدُوِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا وَعَدَاءً فِي ظَاهِرِ الْحَالِ، وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى أَنَّهُ إنْ حُبِسَ بِتُهْمَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَهُوَ كَالْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ بَرِيءٌ قَالَ: وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَالَ الْمَرْءُ عَلَى مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ وَالْإِحْرَامَ

مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلْوُلَاةِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْبَرَاءَةَ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلَ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ ظَاهِرًا انْتَهَى. وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَجَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ فِيمَنْ حُبِسَ بِتُهْمَةٍ وَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ حُبِسَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تُهْمَةٍ، وَلَا سَبَبٍ، فَهُوَ كَالْعَدُوِّ خَارِجًا عَنْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ حُبِسَ فِي حَقٍّ مِنْ دَيْنٍ، أَوْ قِصَاصٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ إذْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي حَبْسِهِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ، أَوْ حُبِسَ عُدْوَانًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَجِّ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، فَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ اُتُّهِمُوا بِدَمٍ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَحُبِسُوا فِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا يُحِلُّهُمْ إلَّا الْبَيْتُ، وَلَا يَزَالُونَ مُحْرِمِينَ حَتَّى يُقْتَلُوا، أَوْ يُخَلَّوْا فَيَحِلُّوا بِالْبَيْتِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَنَصُّهَا: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ مُحْرِمَيْنِ خَرَجَا إلَى الْحَجِّ حَتَّى إذَا كَانَا بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِالْجُحْفَةِ اُتُّهِمَا بِقَتْلِ رَجُلٍ وُجِدَ قَتِيلًا، فَأُخِذَا فَرُدَّا إلَى الْمَدِينَةِ فَحَبَسَهُمَا عَامِلُ الْمَدِينَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَزَالَانِ مُحْرِمَيْنِ حَتَّى يَطُوفَا بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَيَا وَأَرَاهُمَا مِثْلَ الْمَرِيضِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: زَادَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ يَثْبُتُ عَلَيْهِمَا مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا، فَيُقْتَلَانِ، وَهُوَ تَمَامُ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. (قُلْت) : قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا رَآهُمَا كَمَنْ حُصِرَ بِمَرَضٍ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا حُبِسَا بِالْحُكْمِ الَّذِي، أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَكَانَ كَالْمَرَضِ الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَوْ حُبِسَا ظُلْمًا وَعَدَاءً لَكَانَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ، وَيَحِلَّانِ مَوْضِعَهُمَا الَّذِي حُبِسَا فِيهِ، وَيَحْلِقَانِ، وَيَنْحَرَانِ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُمَا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْبَيَانِ فِيمَنْ زَنَى، وَكَانَ بِكْرًا وَأُخِذَ بِمَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْحَجِّ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، فَتَعْجِيلُهُ وَاجِبٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَخَّرَ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَحْرَمَ فِرَارًا مِنْ السِّجْنِ، وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ إذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ أَسْرَعَ الْجَوَابَ وَأَظْهَرَ السُّرُورَ، وَقَالَ بَلَغَنِي أَنْ يُقَالَ لَحَدٌّ يُقَامُ بِأَرْضٍ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِذَا سُجِنَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ انْتَهَى. ص (إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) ش: أَيْ بِالْمَنْعِ، وَيَعْنِي أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْعَدُوِّ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَأَحْرَى إذَا طَرَأَ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ حَالَاتٍ الَّتِي ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِحْلَالُ فِيهَا، وَهِيَ مَا إذَا طَرَأَ الْعَدُوُّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، أَوْ طَرَأَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ عَلِمَ بِهِ وَكَانَ يَرَى أَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ هَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِالْمَنْعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِحْلَالُ، وَهُوَ كَذَلِكَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ، أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ، أَوْ شَكَّ فِيهِ، أَوْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَنَعُوهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ، فَلَا كَلَامَ، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعِلْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَنَصُّهُ: مَوَانِعُ الْحَجِّ سِتَّةً (الْأَوَّلُ) : الْعَدُوُّ وَالْفِتَنُ وَهُوَ مُبِيحٌ لِلتَّحَلُّلِ وَنَحْرِ الْهَدْيِ حَيْثُ كَانَ إذَا طَرَأَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، أَوْ كَانَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَا يَصُدُّونَهُ انْتَهَى. . فَأَحْرَى إذَا كَانَ أَوَّلًا عَالِمًا بِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إنْ عَلِمَ مَنْعَهُمْ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِحْلَالُ نَقَلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي مَنْعِهِمْ إيَّاهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ فَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِحْلَالُ، وَنَصُّهُ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ شَكَّ فِي مَنْعِهِمْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِحْلَالُ، ثُمَّ قَالَ خَلِيلٌ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ شَرْطَ الْإِحْلَالِ لَا يُفِيدُ انْتَهَى

وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي فَقَالَ: وَلَا يُعِيدُ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ نِيَّةَ التَّحَلُّلِ بِحُصُولِهِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَعِيَاضٍ وَإِذَا كَانَ لَا يَتَحَلَّلُ إذَا أَحْرَمَ مَعَ الشَّكِّ فَأَحْرَى مَعَ الْوَهْمِ (الثَّانِي) : إذَا أَحْرَمَ هَذَا فِي وَقْتٍ يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ، وَكَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُصِرَ لَمْ يَتَحَلَّلْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يُدْرِكُ، فَلْيَثْبُتْ هَذَا حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِنْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَيْسَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الْحَجِّ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَزَادَ إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى وَقْتٍ إنْ خُلِّيَ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ عَامًا قَابِلًا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : قَالَ سَنَدٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ أَحْرَمَ، وَفَاتَهُ الْحَجُّ لِطُولِ سَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: أَحْسَبُ هَذَا لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْمَنْعُ انْتَهَى. ص (قَبْلَ فَوْتِهِ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ وَيَكُونُ قَدْ أَشَارَ بِهِ إلَى مُخَالَفَةِ قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ وَالْأَوَّلُ، أَوْلَى لِإِفَادَتِهِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا الثَّانِي، فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيِسَ مِنْ زَوَالِ الْعُذْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا أَيِسَ مِنْ زَوَالِ الْعَدُوِّ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَوْ زَالَ الْعُذْرُ لَأَدْرَكَ فِيهِ الْحَجَّ، وَهَذَا ظَاهِرُ أَوَّلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَوْضِعَانِ الْأَوَّلُ إذَا أَيِسَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ، فَيَحِلُّ بِمَوْضِعِهِ حَيْثُ كَانَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَكُونُ مُحْصِرًا حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ وَيَصِيرَ إنْ خُلِّيَ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَيَّامِ، فَذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ رَاجِعٌ لِلثَّانِي قَالَ: وَقَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى إيَاسٍ مِنْ انْكِشَافِهِ حَلَّ مَكَانَهُ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَاَلَّذِي قَالَهُ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَهُ حَتَّى يَكُونَ فِي زَمَانٍ يَخْشَى فِيهِ فَوَاتَ الْحَجِّ، وَقَالَ: إنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ يُفَسِّرُ الْأَوَّلَ إذَا عُلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ قَبْلَ فَوْتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَيْلَةِ النَّحْرِ زَمَانٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ السَّيْرُ وَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِيمَنْ أُحْصِرَ فَلَمَّا بَلَغَ أَنْ يَحِلَّ انْكَشَفَ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَنْحَرَ: فَلَهُ أَنْ يَحِلَّ وَيَحْلِقَ مِثْلُ مَا لَوْ كَانَ الْعَدُوُّ قَائِمًا، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا فَاتَهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ فِي عَامِهِ، وَهُوَ أَيْضًا عَلَى بُعْدٍ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ لَمْ يَفُتْهُ، فَلَا يَحِلُّ، وَلَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ إذَا وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ إحْرَامِهِ بِكَمَالِ فِعْلِهِ أَمَّا فِعْلُ الْحَجِّ، أَوْ فِعْلُ الْعُمْرَةِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ بِقُرْبِ مَكَّةَ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ مَضَرَّةٍ، فَإِنْ كَانَ الْحَصْرُ فِي الْعُمْرَةِ، فَهَاهُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ الْعُمْرَةِ كَمَا لَوْ انْكَشَفَ الْعَدُوُّ فِي الْحَجِّ، وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَنَدٌ: وَأَمَّا حَدُّ مَا يُؤَخَّرُ إلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْشَى فِيهَا فَوْتًا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُقِيمُ إنْ رَجَا إدْرَاكَهَا لِفَوْرِهِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْجُهُ إلَّا فِي طُولٍ فَلْيُحْلِلْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ لِحَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ فِي تَرَبُّصِهِ، وَلَا يَفُوتُهُ الْعَوْدُ إلَى أَهْلِهِ تَرَبَّصَ، فَإِنْ خَافَ تَعَذُّرَ رُجُوعِهِ إنْ تَرَبَّصَ تَحَلَّلَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّقَرُّبِ إلَى مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، وَيَحِلُّ بِمَوْضِعِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْبَاجِيِّ (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: فَإِذَا أُحْصِرَ، فَلَمْ يَتَحَلَّلْ

حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْفَوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُهْدِي هَدْيَيْنِ لِلْفَوَاتِ وَلِلْحَصْرِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُهْدِي لِلْفَوَاتِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْصَرُ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ لِلْحَصْرِ، وَيَكُونُ الْحَصْرُ بَعْدَ الْفَوَاتِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ فَمُنِعَ مِنْ مَكَّةَ كَانَ كَالْحَصْرِ فِي الْعُمْرَةِ، فَيَتَحَلَّلُ هَذَا فِي غَيْرِ طَوَافٍ، وَيَقْضِي الْحَجَّ لَا الْعُمْرَةَ، فَتَأَمَّلْهُ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِنَحْرِ الْهَدْيِ وَالْحِلَاقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْحَلْقُ مِنْ سُنَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَفْسُدْ بِوَطْءٍ بَلْ قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَلُّلَ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ نَحْرُ الْهَدْيِ، وَصَرَّحَ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا أَنَّ نَحْرَ الْهَدْيِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّحَلُّلِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُحْصَرِ، فَأَحْرَى عَلَى الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَفِي الشَّامِلِ وَكَفَتْ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (تَنْبِيهٌ) : وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِلٍّ، أَوْ حَرَمٍ لَكِنْ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إنْ قَدَرَ عَلَى إرْسَالِهِ إلَى مَكَّةَ فَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَحُكْمُهُ فِي الْأَكْلِ حُكْمُ مَا بَلَغَ مَحِلَّهُ؛ لِأَنَّ مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ الْمَضْمُونُ، فَإِنَّهُ عَلَى حُكْمِ الْحَجِّ الْمَضْمُونِ، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ عَنْهُ أَجْزَأَ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الْهَدْيُ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى. ص (وَلَا دَمَ إنْ أَخَّرَهُ) ش: سَوَاءٌ أَخَّرَ التَّحَلُّلَ، أَوْ تَحَلَّلَ، وَأَخَّرَ الْحِلَاقَ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. ص (وَلَا يَلْزَمُهُ طَرِيقٌ مَخُوفَةٌ) ش: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَخُوفَةً لَزِمَهُ سُلُوكُهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ مَسَاقِهِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا كَانَتْ طَرِيقٌ غَيْرُ مَخُوفَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ أَبْعَدَ فَلَيْسَ بِمَحْصُورٍ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ انْتَهَى. فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ أَنَّهُ مَحْصُورٌ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إنْ كَانَتْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهَا لَا يُخَافُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمَحْصُورٍ، وَلْيَسْلُكْ تِلْكَ الطَّرِيقَ طَوِيلَةً كَانَتْ أَوْ قَصِيرَةً يُخَافُ فِيهَا الْفَوَاتُ أَوْ لَمْ يُخَفْ، وَهُوَ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ مِصْرَ أَوْ بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْبَيْتِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ فَإِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ مُخَالِفٌ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ إبْقَاءُ إحْرَامِهِ إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا) ش: لَيْسَ هَذَا مِنْ فُرُوعِ الْمُحْصَرِ، وَإِنَّمَا هَذَا فِي حَقِّ مَنْ فَاتَهُ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ أَجْزَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ كَتَأْخِيرِ أَفْعَالِ الْحَجِّ عَنْ وَقْتِهِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ إذْ الْغَالِبُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْإِحْرَامِ مَعَ طُولِ الْمَقَامِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْهَدْيَ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَمَاطَ أَذًى. ص (وَلَا

يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ) ش: قَالَ سَنَدٌ: مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ، وَهُوَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا، وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فِي ذَلِكَ كَالتَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي وَاجِبٍ مَضْمُونٍ كَالنَّذْرِ، وَفِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَوْ فَرِيضَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: يَبْقَى الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِبُّ لَهُ مَالِكٌ الْقَضَاءَ انْتَهَى. أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنْ لَمْ يَنْذُرْهَا أَوْ نَذَرَهَا نَذْرًا مُعَيَّنًا، فَهِيَ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا مَضْمُونًا، فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَتَأَمَّلْ كَلَامَ سَنَدٍ تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ تَقْيِيدَ فَرِيضَةِ الْإِسْلَامِ بِالْحَجِّ وَإِطْلَاقَهُ فِي الْبَاقِي وَأَمَّا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ لِمُقَاضَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: لِأَنَّهَا قَضَاءٌ انْتَهَى. وَلَوْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهَا قَضَاءٌ لَمْ يَلْزَمْنَا مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُهُ، وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ فِي وُجُوبِهِ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ صُدُّوا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَاَلَّذِينَ اعْتَمَرُوا مَعَهُ كَانُوا نَفَرًا يَسِيرًا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الْبَاقِينَ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ قَالَهُ سَنَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَفْسُدْ بِوَطْءٍ إنْ لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَصَابَ النِّسَاءُ أَنَّهُ إنْ نَوَى أَنْ يَحِلَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ: وَهَذَا يَجْرِي عَلَى مَا سَلَفَ؟ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ حِلَاقٍ وَأَنَّ الْحِلَاقَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَإِنْ نَوَى هَذَا أَنَّهُ تَحَلَّلَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِقُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ جَامَعَ بَعْدَ رَمْيِهِ وَإِفَاضَتِهِ، وَقَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ بِالْجِمَاعِ تَوَالِيَ نُسُكِهِ وَهَاهُنَا سَقَطَتْ الْمَنَاسِكُ رَأْسًا، فَسَقَطَ حُكْمُ تَوَالِيهَا. (فَإِنْ قِيلَ) بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ وَلَا التَّحَلُّلَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حِينَئِذٍ، وَلَا يُفْهَمُ حُكْمُهُ مِنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ (فَالْجَوَابُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ، فَقَدْ نَوَى الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ مِنْهُ، فَتَأَمَّلْهُ. ص (كَنِسْيَانِ الْجَمِيعِ) ش: هَكَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْجَمِيعِ تَعَدَّدَتْ عَلَيْهِ الْهَدَايَا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ خَلِيلٌ: وَلَوْ قِيلَ إذَا نَسِيَ الرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِالتَّعَدُّدِ مَا بَعُدَ لِتَعَدُّدِ الْمُوجِبَاتِ كَمَا فِي الْعَمْدِ، وَكَأَنَّهُمْ لَاحَظُوا أَنَّ الْمُوجِبَ وَاحِدٌ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ مَعْذُورٌ انْتَهَى. هَكَذَا رَأَيْتُ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْكَلَامَ مَنْسُوبًا لِلْمُصَنَّفِ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ مَا فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْعَمْدَ مِثْلُ النِّسْيَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يَقِفُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَمْضِي عَلَى وَجْهِهِ إلَى بِلَادِهِ كَمْ عَلَيْهِ مِنْ دَمٍ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا دَمًا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً ابْنُ رُشْدٍ أَجْزَأَهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى قِيَاسًا عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَيُهْدِي هَدْيًا وَاحِدًا إذَا حَلَّ بِعُمْرَةٍ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ، وَقَدْ فَاتَهُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ هَدَايَا هَدْيٌ لِتَرْكِ الْجِمَارِ، وَهَدْيٌ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى، وَهَدْيٌ لِتَرْكِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ أَقْيَسُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ: أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَرِيضٍ أَفَاضَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَأْتِ مِنًى، وَلَمْ يَرْمِ الْجِمَارَ كُلَّهَا حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى قَالَ: أَرَى أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ هَذَا ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ مَنْ تَرَكَ الْجِمَارَ لِعُذْرٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ عَمْدٍ حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى أَنَّهُ يُهْدِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ

فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفَ إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ، فَرَمَاهُ فِي اللَّيْلِ، وَفِيمَا بَقِيَ مِنْهَا انْتَهَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا لِتَعَدُّدِ الْهَدْيِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ حُكْمِ مِنًى وَالرَّمْيِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى التَّعْجِيلِ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ بِمِنًى ثُمَّ أَرَادَ التَّعْجِيلَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ جَهِلَ فَتَعَجَّلَ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ لِيَبِيتَ بِمِنًى، وَكَذَلِكَ إذَا أَصْبَحَ عَادَ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لِخَطَإِ التَّعْجِيلِ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ تَرْكِ الرَّمْيِ بَعْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ الْأُولَى، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَرْعِ الْمُتَعَجِّلِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الدَّمَ يَتَعَدَّدُ، وَذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ أَيْضًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ (وَالْحَاصِلُ) أَنَّ فِي التَّعَدُّدِ مَعَ الْعَمْدِ قَوْلَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ يَتَعَدَّدُ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي مَنَاسِكِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ إلَخْ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُورِ عَنْ الْإِفَاضَةِ تَبِعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُحْصَرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بَلْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ أَوَّلًا وَإِنْ وَقَفَ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ، فَحَجُّهُ تَمَّ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَإِنْ تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ النُّسَخُ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا وَصَوَابُهُ وَإِنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ، وَبِهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ إنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ خَاصَّةً دَخَلَ مَكَّةَ، وَحَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ أَنَّ حَصْرَ الْعَدُوِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: عَنْ الْبَيْتِ، وَعَرَفَةَ مَعًا، وَعَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ، وَعَنْ عَرَفَةَ فَقَطْ، وَبِمَا صَوَّرْنَاهُ يَكُونُ قَدْ اسْتَوَى هُنَا الثَّلَاثَةُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. (قُلْت) : مَا ذَكَرَهُ حَسَنٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَصْرِ عَنْ الْوُقُوفِ بِالْحَصْرِ عَنْ الْإِفَاضَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] لَكِنْ فِي إطْلَاقِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الْوُقُوفِ بُعْدٌ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِفَاضَةَ عَلَى الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ لَا عَلَى الْوُقُوفِ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَحُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مِنْهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ: وَفَوَاتُهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ آخِرُهَا: فَوَاتُ أَعْمَالِهِ كُلِّهَا، وَالثَّانِي: فَوَاتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ أَدْرَكَ غَيْرَهَا مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالثَّالِثُ: مَنْ أَقَامَ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ وَقَفَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَقِفْ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْوُقُوفِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ جُزَيٍّ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَلَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ بِهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً عِنْدَ الْفَجْرِ، وَكَانَ إنْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ، وَأَيْضًا فَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ تَرَكَ الْخُرُوجَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَنْ تَرَكَهُ لِأَجْلِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : هَذَا الْقِسْمُ أَعْنِي الْمُحْصَرَ عَنْ الْوُقُوفِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي كَوْنِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي حُكْمٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرُوا أَقْسَامَ الْمُحْصَرِ الثَّلَاثَةَ قَالُوا: وَلَا قَضَاءَ عَلَى مَحْصُورٍ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا فَاتَهُ وَلَوْ كَانَ تَطَوُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا. (الثَّانِي) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَةَ لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ أُحْصِرَ

عَنْ عَرَفَةَ فَقَطْ وَبَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ حَلَّ مَكَانَهُ صَوَابٌ، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهَا، فَفِي كَوْنِ تَحَلُّلِهِ بِعُمْرَةٍ أَوْ دُونَهَا قَوْلَانِ لِنَصِّ اللَّخْمِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ بِمَكَّةَ إنَّمَا يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُعْتَمِرُ، وَهَذَا عِنْدِي اسْتِحْسَانٌ، وَإِنَّمَا الْعُمْرَةُ فِي حَقِّ مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِفِعْلِ إحْرَامٍ تَامٍّ، وَالْحَصْرُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ بِدَلِيلِ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ، فَفِي الْمَوْضِعَيْنِ مِمَّنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ قَادِمًا عَلَى مَكَّةَ دَخَلَهَا، وَطَافَ، وَسَعَى وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَقَدْ دَخَلَ مِنْ الْحِلِّ مُحْرِمًا، فَإِنَّهُ يَطُوفُ، وَيَسْعَى، وَلَا يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ فَإِنْ طَرَأَ الْحَصْرُ وَسَعْيُهُ، اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِعَادَةُ لِيَتَحَلَّلَ بِالسَّعْيِ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُعْتَمِرُ، فَإِنْ أَخَّرَ تَحَلُّلَهُ حَتَّى خَرَجَ زَمَنَ الْوُقُوفِ بَعْدَ طَوَافِهِ وَفَاتَهُ الْحَجُّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَمَلُ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِعُمْرَةٍ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَفُتْهُ، وَإِنَّمَا يَتَحَلَّلُ لِلْحَصْرِ، فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمْ يَطُفْ، وَلَمْ يَسْعَ حَتَّى أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَةَ أَخَّرَ مَا رَجَا كَشْفَ ذَلِكَ حَتَّى إذَا خَافَ الْفَوَاتَ حَلَّ، فَيَطُوفُ وَيَسْعَى؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى السَّعْيِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ لِيَكُونَ سَعْيُهُ عَقِبَ طَوَافٍ مِنْ الْحِلِّ قَدِمَ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى، وَلَمْ يَخْرُجْ أَجْزَأَهُ كَمَا يُجْزِي ذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، فَطَافَ، وَسَعَى، ثُمَّ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَرَجَعَ إلَى بِلَادِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَمِرِ وَلَا دَمَ فِيهِ بِخِلَافِ الرَّاجِعِ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاجِعَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ فِي إحْرَامِهِ، ثُمَّ يَعُودَ إلَيْهَا، فَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَسْعَى عَقِبَ إفَاضَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَتَّى رَجَعَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهَذَا سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ إذْ لَا إفَاضَةَ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا الْإِفَاضَةُ بِالرُّجُوعِ مِنْ مِنًى، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَدْخُلَ فَيَطُوفَ وَيَسْعَى انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ لَا يَخْلُو الْمُحْصَرُ عَنْ الْحَجِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ مَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا أَوْ فِيهَا أَوْ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا، وَلَمْ يَقِفْ أَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ كَانَ الْمُحْصَرُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ مَكَّةَ حَلَّ مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَصُدَّ عَنْ الْبَيْتِ، وَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ خَاصَّةً دَخَلَ مَكَّةَ، وَحَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهَا، وَكَانَ إحْرَامُهُ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِعُمْرَةٍ، وَلَا يَخْرُجُ لِلْحِلِّ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ مَكَّةَ، وَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْحِلِّ فَعَلَ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَطَافَ، وَسَعَى، وَحَلَقَ، ثُمَّ أَصَابَ النِّسَاءَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ، وَطَافَ، وَسَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ، ثُمَّ طَافَ الْإِفَاضَةَ ثُمَّ حَلَّ، وَأَصَابَ النِّسَاءَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ صُدَّ عَنْ الْوُقُوفِ خَاصَّةً حَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَإِنْ صُدَّ عَنْ الْوُقُوفِ وَعَنْ مَكَّةَ حَلَّ مَكَانَهُ، وَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : إذَا أَفْسَدَ الْمُحْرِمُ حَجَّهُ، ثُمَّ حُصِرَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ إنَّ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَدَمٌ لِلْفَسَادِ، وَدَمٌ لِلْحَصْرِ كَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا هَدْيَ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ بَاقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقَلِبْ عُمْرَةً، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ: مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَأَرَادَ التَّحَلُّلَ هَلْ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً وَيَحِلُّ بِهَا أَوْ لَا؟ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ فِي حَجِّهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ تَحَلُّلِهِ إذْ لَا يَكْمُلُ تَحَلُّلٌ حَتَّى يَطُوفَ، وَيَسْعَى فَيَكُونَ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ لِتَحَلُّلِهِ مِنْ حَجِّهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِ حَجِّهِ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً، وَيَنْوِيهَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أَتَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَلْيَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ، وَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَنْوِي بِهَا عُمْرَةً وَهَلْ تَنْقَلِبُ عُمْرَةً مِنْ أَصْلِ الْإِحْرَامِ أَوْ مِنْ وَقْتِ يَنْوِي فِعْلَ عُمْرَةٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ: وَيُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً، وَيَنْوِي أَنَّهُ فِي عُمْرَةٍ؟ أَوْ يَطُوفُ وَيَسْعَى عَلَى اعْتِقَادِ الْحَجِّ

وَيَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ؟ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْمُحْصَرِ، وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِمَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَقَالَ ابْن عَرَفَةَ التُّونُسِيُّ: مَعْنَى تَحَلُّلِهِ بِعُمْرَةٍ أَيْ بِفِعْلِهَا لَا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ، وَإِلَّا لَزِمَ قَضَاؤُهُ عُمْرَةً لَوْ وَطِئَ فِي أَثْنَائِهَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا خِلَافُ نَصِّهَا، وَنَصُّ سَمَاعِ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ طَافَ وَسَعَى، وَنَوَى بِهِ الْعُمْرَةَ، وَخِلَافُ قَوْلِ الْأَشْيَاخِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى، ثُمَّ بَحَثَ مَعَهُ فِي الْإِلْزَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيُجَابُ بِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ يَسْتَلْزِمُ قَضَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْعَلُ بِإِحْرَامِهِ. ص (وَحَبْسُ هَدْيِهِ مَعَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ) ش قَالَ سَنَدٌ: لِأَنَّ مَنْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَكُونَ صُحْبَتَهُ فَإِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْعَطَبَ كَانَ بُلُوغُهُ مَعَ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْ عَطَبِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ أَوْ حَبَسَهُ مَعَ الْخَوْفِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا هُوَ الْأَحْسَنُ انْتَهَى. ص (وَخَرَجَ لِلْحِلِّ إنْ أَحْرَمَ بِحَرَمٍ أَوْ أَرْدَفَ) ش: اُنْظُرْ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ فَوَقَفَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَخَرَجَ مِنْهَا نَهَارًا، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ، ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى مَكَّةَ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ. : وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الَّذِي يَأْتِي عَرَفَةَ، وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى مَكَّةَ وَيَنْوِي بِهِ عُمْرَةً فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَحِلُّ وَيَرْجِعُ إلَى بِلَادِهِ وَيَحُجُّ قَابِلًا وَيُهْدِي؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى. وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ لِلْحِلِّ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَهُوَ بِمَكَّةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُ ذَلِكَ لَا يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ لِأَجْلِ الْحَجِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَخَّرَ دَمَ الْفَوَاتِ لِلْقَضَاءِ) ش: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالْقَضَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْحَجُّ الْفَائِتُ تَطَوُّعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَّلِ تَرْجَمَةِ الْفَوَاتِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِخَطَإِ الْعَدَدِ أَوْ بِمَرَضٍ أَوْ بِخَفَاءِ الْهِلَالِ أَوْ بِشُغْلٍ بِأَيِّ وَجْهٍ غَيْرِ الْعَدُوِّ فَلَا، يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ، وَيَحُجُّ قَابِلًا، وَيُهْدِي قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: كَانَ إحْرَامُهُ بِحَجٍّ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَقَامَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَتَحَلَّلْ دُونَ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مُتَطَوِّعًا كَانَ أَوْ مُفْتَرِضًا انْتَهَى. وَقَالَ التُّونُسِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْصَارِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَمَنْ دَخَلَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا سَوَاءٌ غُلِبَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُغْلَبْ؛ لِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مَغْلُوبٌ وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مَغْلُوبٌ، وَمَنْ مَرِضَ مَغْلُوبٌ فَجُعِلَ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِغَلَبَةٍ الْقَضَاءُ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا خِلَافًا لِنَوَافِلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الَّتِي إذَا غُلِبَ عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءٌ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي النَّوَافِلِ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ حَصْرُ الْعَدُوِّ عَمَّا سِوَاهُ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى حَصْرِ الْعَدُوِّ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَوَقَّفَ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ حَيْثُ لَمْ يَرَهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ الْمُتَدَاوَلَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَجْزَأَ إنْ قَدَّمَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُقَدِّمُ هَدْيَ الْفَوَاتِ، وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أُهْدِيَ

عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا أُهْدِيَ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ص (تَحَلَّلَ وَقَضَاهُ) ش: أَيْ وُجُوبًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا اجْتَمَعَ فِي الْحَجِّ فَوَاتٌ وَإِفْسَادٌ سَوَاءٌ كَانَ الْإِفْسَادُ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ هُنَا عَلَى إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمَادِيًا عَلَى الْفَسَادِ، وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ أَرْدَفَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ الْحِلِّ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَحَلَّلَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ. (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ أَخَّرَ إحْرَامَهُ حَتَّى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَوْ وَطِئَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَهَلْ يُؤْمَرُ هُنَا بِالتَّحَلُّلِ وُجُوبًا؟ أَوْ يَأْتِي الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ لِيَخْلُصَ مِنْ الْفَاسِدِ وَيَقْضِيَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ مَالٍ لِحَاصِرٍ إنْ كَفَرَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَصَرَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَبْذُلْ لَهُمْ الطَّرِيقَ إلَّا بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لِأَنَّهُ وَهْنٌ وَقَالَ سَنَدٌ: إنْ بَذَلَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ الطَّرِيقَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُونَهُ لَهُمْ كُرِهَ لَهُمْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الذِّلَّةِ، وَكَانَ التَّحَلُّلُ أَوْلَى، وَيَجُوزُ دَفْعُهُ لَهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُكْرَهُ إعْطَاءُ الْحَاصِرِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا مَالًا؛ لِأَنَّهُ ذِلَّةٌ ابْنُ شَاسٍ لَا يُعْطِيهِ إنْ كَانَ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ وَهْنٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت الْأَظْهَرُ جَوَازُهُ، وَوَهْنُ الرُّجُوعِ لِصَدِّهِ أَشَدُّ مِنْ إعْطَائِهِ انْتَهَى. (قُلْت) : فَكَأَنَّهُ يَسْتَظْهِرُ جَوَازَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِلَّا، فَقَدْ صَرَّحَ سَنَدٌ بِجَوَازِهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ وَهْنَ الرُّجُوعِ أَشَدُّ قَوْلٌ يُسَلَّمُ لَهُ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ سَنَدٍ مِنْ كَرَاهَةِ دَفْعِ الْمَالِ لِلْحَاصِرِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ سَنَدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاصِرُ مُسْلِمًا، وَلَعَلَّهُ قَالَ: لَا مُسْلِمًا فَتَصَحَّفَتْ لَا بِأَوْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَتَحَصَّلَ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِلْحَاصِرِ الْكَافِرِ عَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ عَرَفَةَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ: لِابْنِ شَاسٍ وَتَابِعَيْهِ وَالْكَرَاهَةُ: لِسَنَدٍ وَالْجَوَازُ: لِابْنِ عَرَفَةَ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ كَفَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَاصِرُ مُسْلِمًا لَجَازَ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ لِلْكَافِرِ زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ: وَأَمَّا إعْطَاءُ الْمَالِ فَقَدْ مَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَلَا يُوجَدُ عَنْهَا مَحِيصٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَوَّزَ ذَلِكَ هُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي تَخْلِيصِ مَكَّةَ أَوْ تَحْصِيلِ الْمَنَاسِكِ آكِدٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ سَنَدٌ: إنْ كَانَ الصَّادُّونَ مُسْلِمِينَ، فَهُمْ فِي الْقِتَالِ كَالْكُفَّارِ، فَإِنْ بَذَلُوا التَّخْلِيَةَ بِجُعْلٍ فَإِنْ كَانَ بِيَسِيرٍ لَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهِ لَمْ يَتَحَلَّلُوا، وَهَذَا نَحْوُ مَا يُبْذَلُ لِلسَّلَّابَةِ، وَلَا يُقَاتَلُوا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا كَانَ الَّذِي طَلَبُوهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَلَوْ وَجَبَ دَفْعُ الْيَسِيرِ لَوَجَبَ دَفْعُ الْكَثِيرِ إنْ كَانَ سَبَبُهُمَا وَاحِدًا وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ دَفْعِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إذْ لَا صَغَارَ فِيهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَظْلِمَةٌ يَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ بَذْلُهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلظَّالِمِ أَخْذُهَا انْتَهَى. . فَصَرَّحَ بِجَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بَلْ إذَا كَانَ قَلِيلًا لَزِمَ دَفْعُهُ، وَلَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلَ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ مَا لَا يُجْحِفُ لِلظَّالِمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ مُخَالَفَةُ كَلَامِ سَنَدٍ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ ص (وَفِي جَوَازِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ قِتَالِ الْحَاصِرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ

كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَسَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْحَرَمِ، وَذَكَرَ سَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قِتَالَ الْحَاصِرِ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ قِتَالِ الْحَاصِرِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْدَءُوا الْحَاصِرَ بِالْقِتَالِ، فَإِذَا بَدَأَ بِهِ جَازَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قِتَالُ الْحَاصِرِ الْبَادِئِ بِهِ جِهَادٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَفِي قِتَالِهِ غَيْرَ بَادِئِهِ نَقْلَا سَنَدٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ ابْنِ شَاسٍ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إنْ كَانَ الْحَاصِرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ بِهَا، فَالْأَظْهَرُ نَقْلُ ابْنِ شَاسٍ لِحَدِيثِ إنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ وَقَوْلِ ابْنِ هَارُونَ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ قِتَالِ الْحَاصِرِ، وَأَظُنُّ أَنِّي رَأَيْتُهُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا نَصًّا، وَقَدْ قَاتَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عُقْبَةَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ وَعُقْبَةَ بَدَآ بِهِ وَكَانُوا يَطْلُبُونَ النَّفْسَ وَنَقْلُهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا أَعْرِفُهُ إلَّا قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إنْ ثَارَ بِهَا أَحَدٌ، وَاعْتَدَى عَلَى اللَّهِ قُوتِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إنْ كَانَ الْحَاصِرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ يُرِيدُ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْحَرَمِ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ قِتَالِهِ، وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى ابْنِ هَارُونَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَ عَنْ سَنَدٍ جَوَازَهُ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ جَوَازَهُ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي وَكَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ كَافٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا حَدِيثُ إنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَيُجَابُ عَنْهُ وَعَمَّا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ الْقِتَالِ بِهَا بِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ يَحْرُمُ نَصْبُ الْقِتَالِ وَقِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ صَلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ هَكَذَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) : قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْقِتَالِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ وَالْكَثْرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَثْرَةُ لِلْكُفَّارِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِينَ فَتْحُ قِتَالِهِمْ إذْ رُبَمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى وَهْنٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الصَّادُّونَ مُسْلِمِينَ فَهُمْ فِي الْقِتَالِ كَالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ ظَلَمَةٌ بَاغُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَلَّلُوا، وَلَا يُقَاتِلُوهُمْ، وَلَا يَقْتُلُوا الْحُجَّاجَ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْحُجَّاجُ أَقْوَى انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : قَالَ سَنَدٌ: إذَا بَذَلَ الْحَاصِرُ الْكَافِرُ الطَّرِيقَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، فَإِنْ وَثِقُوا بِعُهُودِهِمْ لَمْ يَتَحَلَّلُوا، وَإِنْ خَافُوا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ، وَقَالَ: فِي الْحَاصِرِ الْمُسْلِمِ إذَا بَذَلُوا التَّخْلِيَةَ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، فَإِنْ وُثِقَ بِقَوْلِهِمْ لَزِمَ الْمُضِيُّ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَثِقُوا تَثَبَّتُوا حَتَّى يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ. (الرَّابِعُ) : قَالَ سَنَدٌ: إنْ رَأَوْا أَنْ يُقَاتِلُوا الصَّادِّينَ جَازَ لَهُمْ لُبْسُ الدُّرُوعِ وَالْجَوَاشِنِ وَالْجَآذِرِ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ كَمَا فِي لِبَاسِ الْمُحْرِمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ انْتَهَى (الْخَامِسُ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: أَمَّا حُكْمُ قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى تَحْرِيمِ قِتَالِهِمْ مَعَ بَغْيِهِمْ، وَأَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ الْبَغْيِ، وَرَأَوْا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ إلَّا بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحِفْظُ حَقِّهِ فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُضَاعًا فِيهِ نَقَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْ الْإِكْمَالِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ السِّلَاحَ بِمَكَّةَ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَمْلِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ وَحَاجَةٌ إلَيْهِ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَشَذَّ مِنْ الْجَمَاعَةِ عِكْرِمَةُ فَرَأَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهُ إذَا احْتَاجَ الْفِدْيَةَ وَلَعَلَّ هَذَا فِي الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ وَشَبَهِهِمَا، فَلَا يَكُونُ خِلَافًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْكَافَّةِ إنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، إنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» فَخُصَّ بِمَا لَمْ يُخَصَّ بِهِ غَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَابِ الْجِهَادِ: وَلَمْ

يُخْتَلَفْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ حَلَالًا لِدُخُولِهِ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُحَارِبًا حَامِلًا لِلسِّلَاحِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْصِيصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مَنْ دَخَلَهَا لِحَرْبِ بُغَاةٍ أَوْ بَغْيٍ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُهَا حَلَالًا انْتَهَى. فَانْظُرْهُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا حُلِّلَ لَهُ تِلْكَ السَّاعَةَ إرَاقَةُ الدَّمِ دُونَ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَرْجَحَ قِتَالُ الْبُغَاةِ إذَا كَانُوا بِمَكَّةَ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَمْلُ السِّلَاحِ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَنَّ حَمْلَهُ لِضَرُورَةٍ جَائِزٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا لِحَرْبِ إلَخْ لَعَلَّهُ يُرِيدُ لِحَرْبٍ غَيْرِ جَائِزٍ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّاخِلَ لِقِتَالٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ يَجُوزُ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْوَلِيِّ مَنْعُ سَفِيهٍ وَزَوْجٍ فِي تَطَوُّعٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَلَهُ التَّحْلِيلُ، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ) ش وَقِيلَ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَصَحَّحَهُ شَارِحُ الْعُمْدَةِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، فَمُنِعَتْ مِنْ إتْمَامِهِ إجْبَارًا كَالْمُحْصَرِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّفِيهَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ مَوَانِعِ الْحَجِّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ سَنَدٍ، وَكَذَلِكَ التَّادَلِيُّ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بَهْرَامُ، وَنَصُّ مَا فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) : مِنْ الْمَوَانِعِ السَّفَهُ قَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحُجُّ السَّفِيهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ رَأَى وَلِيُّهُ ذَلِكَ نَظَرًا أَذِنَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا حَلَّلَهُ وَلِيُّهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَنَصُّهُ: فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ، وَهُوَ مُولًى عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِيهَا أَوْ عِنْدَ زَوْجِهَا إنْ ذَلِكَ مِنْ السَّفَهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يَمْضِي لِمَنْ فَعَلَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَقْضِيَهُ إذَا هَلَكَ زَوْجُهَا أَوْ أَبُوهَا ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَقَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ أَنْ لَا يُمْضُوا فِعْلَهُمْ وَأَنْ يُحِلُّوهُمْ مِنْ إحْرَامِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ مِنْهُمْ وَتَعَدٍّ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَقْضِيَ إذَا هَلَكَ أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِحَجَّةِ الْفَرِيضَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إذَا قَضَوْا حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ لِلْإِحْرَامِ الَّذِي حَلَّلَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانُوا إنَّمَا أَحْرَمُوا بِحَجِّ تَطَوُّعٍ، وَتَرَكُوا الْفَرِيضَةَ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْحَجَّةِ الَّتِي حُلِّلُوا مِنْهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَحَلَّلَهُ مِنْ إحْرَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَّلَهُ فِي حَجَّةٍ بِعَيْنِهَا كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، فَمَنَعَهُ مِنْ صِيَامِهِ عُذْرٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ الْمُولَى عَلَيْهِ وَالْمَرْأَةَ عِنْدَ أَبِيهَا لَا يَلْزَمُهُمْ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ الَّذِي حُلِّلُوا مِنْهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ الْعِتْقُ إذَا وُلُّوا أَنْفُسَهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نَقَلَ كَلَامَهُ بِالْمَعْنَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ: اتَّفَقَ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ بَلْ يَصْحَبُهُ الْوَلِيُّ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُنْفِقَ فِيمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. (الثَّانِي) : إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي تَطَوُّعٍ وَلَمْ يَقُلْ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ لِيَشْمَلَ الْإِحْرَامَ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالْعُمْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: إنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ، وَإِنَّهُ إذَا أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا، فَالْمَهْرُ لَازِمٌ لَهُ، وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ أَنَّهَا إذَا أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يُحِجَّهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مَا يُعَارِضُهُ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَعْنَى مَا فِي الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ إذَا أَعْطَتْهُ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا، فَكَانَ مَا بَذَلَتْ لَهُ عَلَى دَفْعِ

فرع إذا أذن له سيده في الإحرام فأحرم وكان لا يستطيع المسير

الْحَرَجِ لِخُرُوجِهِ مَعَهَا لِئَلَّا تَمْضِيَ مُفْرَدَةً دُونَهُ لَا عَلَى أَنْ يُحْمِلَهَا مِنْ مَالِهِ وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ سِوَى النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَرَاجِعْ ذَلِكَ إنْ أَرَدْتَهُ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَالْعَبْدِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ يَعْنِي إذَا عَتَقَ أَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إذَا حَجَّ حَجَّةَ الْقَضَاءِ، فَإِنْ قَضَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ بِأَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ عَنْ الْهَدْيِ، وَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّوْمِ أَيْضًا إذَا أَضَرَّ بِهِ فِي خِدْمَتِهِ، وَيَبْقَى ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ قَالَهُ سَنَدٌ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا مُعَيَّنًا أَوْ مَضْمُونًا أَوْ نَوَى بِذَلِكَ حَجَّةَ الْفَرْضِ يَظُنُّ أَنَّهَا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا، فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ مَضْمُونٍ أَوْ بِحَجَّةِ الْفَرْضِ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِلُزُومِ الْقَضَاءِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ، وَذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَاخْتُلِفَ هَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرُدَّ عَقْدَهُ لِلنَّذْرِ؟ فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَضُرُّ السَّيِّدَ مَا دَامَ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا بَاعَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي بَابِ النَّذْرِ، وَقَدْ نَقَلْتُ كَلَامَهُ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ وَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَسِيرَ] (فَرْعٌ) : وَإِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ، وَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَسِيرَ، فَهَلْ يَلْزَمُ سَيِّدَهُ أَنْ يُكْرِيَ لَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَرَّطَهُ بِإِذْنِهِ كَمَا قَالُوا إذَا وَطِئَ الزَّوْجَةَ أَوْ الْأَمَةَ مُكْرَهَةً إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْجَاجُهَا قَابِلًا؛ لِأَنَّهُ وَرَّطَهَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَنَدٌ: وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ حُكْمُ الْقِنِّ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ فِيمَا لَا يَضُرُّ بِسَيِّدِهِ، وَإِنْ اعْتَكَفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ لُحُوقِ الضَّرُورَةِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ: وَلَا يَكُونُ التَّحْلِيلُ بِإِلْبَاسِهِ الْمَخِيطَ، وَلَكِنْ بِالْإِشْهَادِ عَلَى أَنَّهُ حَلَّلَهُ مِنْ هَذَا الْإِحْرَامِ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّحْلِيلِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَيَتَحَلَّلُ بِنِيَّةٍ وَبِحِلَاقِ رَأْسِهِ انْتَهَى. ص (كَفَرِيضَةٍ قَبْلَ الْمِيقَاتِ) ش: يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمِيقَاتُ زَمَانِيًّا أَوْ مَكَانِيًّا؛ لِأَنَّهَا مُسْقِطَةٌ حَقَّهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ص (وَإِلَّا فَلَا إنْ دَخَلَ) ش: يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِحْرَامِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إنْ دَخَلَ فِي الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا إذَا بَدَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ: وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَجَبَ لِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ يَقْضِي لَهُ بِهِ انْتَهَى. وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ. (فَرْعٌ) : إذَا قُلْنَا يَمْنَعُهُ فَرَجَعَ السَّيِّدُ، ثُمَّ أَحْرَمَ الْعَبْدُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِرُجُوعِهِ هَلْ يَمْلِكُ إحْلَالَهُ قَالَ سَنَدٌ: يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ، فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ رَدَّهُ لَا تَحْلِيلَهُ) ش: يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُحْرِمِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ إنْ عَلِمَ بِإِحْرَامِهِ لِجَعْلِهِمْ ذَلِكَ عَيْبًا يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَلَهُ بَيْعُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ انْتَهَى. فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ، وَبَيَّنَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ أَوْ أَثْبَتَ أَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَا رَدُّهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِذَا رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ

باب الذكاة

بَاعَهُ عَالِمًا بِإِحْرَامِهِ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِحْرَامِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ تَحْلِيلُهُ كَمَا قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي سَنَدٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي رَدَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقْرُبْ الْإِحْلَالُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَذِنَ فَأَفْسَدَ لَمْ يَلْزَمْهُ إذْنٌ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ) ش: الْأَصَحُّ قَالَ فِيهِ سَنَدٌ: هُوَ الْأَظْهَرُ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَمْضَاهُ سَيِّدُهُ، فَأَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إذْنٌ لِلْقَضَاءِ قَالَهُ سَنَدٌ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ: فَلَوْ أَذِنَ لَهُ، فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أُعْتِقَ وَعَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ قَبْلَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ انْتَهَى. وَنَقَلَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَنَاسِكِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ إثْرَ مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ. فَفَاتَ فَإِنْ أَرَادَ لِمَا فَاتَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ لِيَحِلَّ، وَأَرَادَ سَيِّدُهُ مَنْعَهُ وَإِحْلَالَهُ مَكَانَهُ، فَقَالَ أَشْهَبُ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ كَانَ قَرِيبًا، فَلَا يَمْنَعُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُبْقِيَهُ إلَى قَابِلٍ عَلَى إحْرَامِهِ وَإِمَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي فَسْخِهِ فِي عُمْرَةٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعَ الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ فَسَاقَ هَذَا الْفَرْعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَصَارَ مُشْكِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الذَّكَاةِ] ِ ص (قَطْعُ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّمِ بِلَا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ) ش: هَذَا هُوَ

الرُّبُعُ الثَّانِي مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَافْتَتَحَهُ بِكِتَابِ الذَّكَاةِ، ثُمَّ بِكِتَابِ الضَّحَايَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالتَّتِمَّةِ لِكِتَابِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يُطْلَبُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ أَوْ نَحْرِهِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ سُنَّةً، فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الذَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَحَالَ عُيُوبَ الْهَدْيِ وَسِنَّهُ عَلَى الضَّحَايَا، وَهَذَا الْكِتَابُ يُسَمَّى كِتَابَ الذَّكَاةِ، وَيُسَمَّى كِتَابَ الذَّبَائِحِ وَالذَّكَاةُ وَالتَّذْكِيَةُ لُغَةً الذَّبْحُ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: التَّذْكِيَةُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا التَّمَامُ فَمَعْنَى ذَكَّيْتَ الذَّبِيحَةَ أَتْمَمْتَ ذَبْحَهَا وَذَكَّيْتَ النَّارَ أَتْمَمْتَ إيقَادَهَا وَرَجُلٌ ذَكِيٌّ تَامُّ الْفَهْمِ، وَفِي الشَّرْعِ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَالذَّكَاةُ فِي قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ مَا نَصُّهُ: الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي فُصُولٍ الْأَوَّلُ فِي الذَّكَاةِ فِي اللُّغَةِ الثَّانِي فِي الشَّرْعِ فَذَكَرَ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الشَّرْعِ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: هُوَ السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبَاحَةِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحُ الْمَذْبُوحُ وَالْأُنْثَى ذَبِيحَةٌ، وَثَبَتَتْ التَّاءُ لِغَلَبَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَجُمِعَتْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَالذِّبْحُ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُذْبَحُ وَبِالْفَتْحِ الشَّقُّ وَمَصْدَرُ ذُبِحَتْ الشَّاةُ، وَفِي الشَّرْعِ شَقٌّ خَاصٌّ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّوَاطُؤِ أَوْ مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاكِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الذَّبَائِحُ لَقَبٌ لِمَا يَحْرُمُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ، وَمَا يُبَاحُ بِهَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُ الصَّيْدُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَحُكْمُ الذَّبْحِ الْجَوَازُ، وَهُوَ سَبَبٌ فِي طَهَارَةِ الْمَذْبُوحِ، وَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (قُلْت) : وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْهَدْيِ وَالْفِدَاءِ، وَكَمَا إذَا خِيفَ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمَوْتُ وَالِاسْتِحْبَابُ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ وَالْحُرْمَةُ كَالذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَذَبْحِ مَالِ الْغَيْرِ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَةِ الْمُذَكَّى الْمَأْكُولِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُرَادُ بِالْمَأْكُولِ الْمُبَاحُ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ، وَإِبَاحَةِ الْمُذَكَّى الْمُبَاحِ، وَذَلِكَ غَيْرُ سَدِيدٍ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ ذُو النَّفْسِ السَّائِلَةِ إنْ ذُكِّيَ أَوْ كَانَ بَحْرِيًّا غَيْرَ خِنْزِيرٍ وَطَافِيهِ حَلَالٌ وَغَيْرُهُ مَيْتَةٌ حَرَامٌ لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ إجْمَاعًا فِيهِمَا غَيْرَ الْأَخِيرَيْنِ وَذِي نَفْسٍ غَيْرِ سَائِلَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مُرَادُهُمْ بِالْمَأْكُولِ مَا أُبِيحَ أَكْلُهُ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ الْمُذَكَّى الْمَأْكُولِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْمُذَكَّى الْمُبَاحِ الْأَكْلُ يَرُدُّ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ مَا أُبِيحَ أَكْلُهُ بِتَقْدِيرِ ذَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ حَيًّا وَجَوَابُ ابْنِ هَارُونَ بِأَنَّ مُرَادَهُ ذِكْرُ الْإِجْمَاعِ عَلَى إعْمَالِ الذَّكَاةِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ، وَإِنْ سَلِمَ عَلَى بُعْدِهِ لَا يَرْفَعُ مَا اُدُّعِيَ مِنْ قُبْحِ تَرْكِيبِ كَلَامِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ حَيًّا أَيْ يُطْلِقُونَ الْمُبَاحَ عَلَى الْحَيَوَانِ حَالَةَ كَوْنِهِ حَيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ إزْهَاقُ الرُّوحِ بِسُرْعَةٍ وَاسْتِخْرَاجُ الْفَضَلَاتِ، وَلَمَّا قَضَى اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ بِالْفَنَاءِ، وَشَرَّفَ بَنِي آدَمَ بِالْعَقْلِ أَبَاحَ لَهُمْ أَكْلَ الْحَيَوَانِ قُوَّةً لِأَجْسَامِهِمْ وَتَصْفِيَةً لِمِرْآةِ عُقُولِهِمْ، وَلِيَسْتَدِلُّوا بِطِيبِ لَحْمِهَا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَلِيَتَنَبَّهُوا عَلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى بِهِمْ عِنَايَةً إذْ آثَرَهُمْ بِالْحَيَاةِ عَلَى غَيْرِهِمْ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَرْكَانُ الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ: الذَّابِحُ وَالْمَذْبُوحُ وَالْمَذْبُوحُ بِهِ وَالصِّفَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الذَّكَاةَ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: ذَبْحٌ وَنَحْرٌ وَعَقْرٌ، فَالذَّبْحُ، وَالنَّحْرُ لِلْحَيَوَانِ الْمُتَأَنَّسِ وَالْعَقْرُ لِلْمُتَوَحِّشِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هِيَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْعَقْرُ فِي الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ ذِي الدَّمِ وَتَأْثِيرُ الْإِنْسَانِ فِي الْجُمْلَةِ بِالرَّمْيِ فِي الْمَاءِ أَوْ قَطْعِ الرُّءُوسِ وَالْأَرْجُلِ أَوْ الْأَجْنِحَةِ فِي الْجَرَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ ذِي الدَّمِ وَذَبْحٌ فِي الْغَنَمِ وَنَحْرٌ فِي ذِي النَّحْرِ وَتَخْيِيرٌ فِي الْبَقَرِ مَعَ أَفْضَلِيَّةِ الذَّبْحِ. وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الذَّبْحَ مُشِيرًا إلَى

فرع ذبيحة العبد

شُرُوطِ الذَّابِحِ فَقَالَ: الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا، فَلَا تَصِحُّ ذَكَاةُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِافْتِقَارِ الذَّكَاةِ إلَى نِيَّةٍ بِإِجْمَاعٍ وَالنِّيَّةُ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ، فَلَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ شَرْطَ التَّذْكِيَةِ النِّيَّةُ، وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الذَّكَاةِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ: وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ، وَإِنْ أَصَابَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الذَّكَاةِ مِنْ النِّيَّةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ ذَكَاةُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا، وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ، وَأَمَّا لَوْ ذَكَّى الْمَجْنُونُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُفِيقُ، فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ السَّكْرَانُ يُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، فَأَشَارَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي تَذْكِيَتِهِ انْتَهَى. وَجَعَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ السَّكْرَانَ الَّذِي يُخْطِئُ وَيُصِيبُ مِمَّنْ يُكْرَهُ ذَبْحُهُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ يُنَاكَحُ بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ فَيَشْمَلُ كَلَامُهُ الْكِتَابِيَّ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا، وَنَصُّهَا: وَذَبِيحَةُ الْحَرْبِيِّينَ، وَمَنْ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالصَّابِئِ، وَالصَّابِئَةُ طَائِفَةٌ بَيْنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ، وَأَنَّهَا فَعَّالَةٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بَيْنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ لِلشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمُرْتَدِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ارْتَدَّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ فِي قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ ذَكَاتُهُ إذَا ارْتَدَّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ ذَبْحِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا مَعَ مَنْ يُكْرَهُ ذَبْحُهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهِيَةُ ذَبْحِهِمَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَقَالَ قَبْلَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ ذَبْحُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَصِحُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى الذَّكَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي صِحَّةِ ذَكَاتِهِمَا قَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَعَنْ مَالِكٍ تَذْبَحُ الْمَرْأَةُ أُضْحِيَّتَهَا، وَلَا يَذْبَحُ الصَّبِيُّ أُضْحِيَّتَهُ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الصَّبِيِّ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ، فَتَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَحَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَةٍ [فَرْعٌ ذَبِيحَةُ الْعَبْدِ] (فَرْعٌ) : تَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْعَبْدِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ ذَبْحِ الْعَبْدِ الْآبِقِ [فَرْعٌ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ] (فَرْعٌ) : وَتَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ كَرَاهَةَ ذَكَاتِهِ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ. [فَرْعٌ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: تَصِحُّ مِنْ الْأَخْرَسِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ انْتَهَى. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَذْبَحُ الْجُنُبُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: وَتَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْأَغْلَفِ وَالْمَسْخُوطِ فِي دِينِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ الْكَمَالَ وَالدِّينَ وَالطَّهَارَةَ فَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَبْتَغُونَ لِذَبَائِحِهِمْ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالْإِصَابَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الذَّكَاةَ الْكَامِلَةَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ تَحْصُلُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ، وَجَمِيعِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَصَبَةُ الَّتِي هِيَ مَجْرَى النَّفَسِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: هُوَ عِرْقٌ وَاصِلٌ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالرِّئَةِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ يُجْتَلَبُ بِهِ الْهَوَاءُ الرَّطْبُ وَيُدْفَعُ بِهِ الْهَوَاءُ

الْحَارِّ كَالْمِرْوَحَةِ لِلْقَلْبِ وَالْوَدَجَيْنِ تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْكَبِدِ، وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ، وَفَسَّرَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ الْوَدَجَيْنِ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ، وَقَدْ يُشَدَّدُ آخِرُهُ، وَلَا يُهْمَزُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: مَبْلَغُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهُوَ الْبُلْعُومُ، وَلَا خِلَافَ فِي حُصُولِ الذَّكَاةِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِيءِ، وَحَكَى عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ دُونَ الْمَرِيءِ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الذَّكَاةِ وَرَوَى أَبُو تَمَّامٍ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَطْعِهِ، وَعَزَا ابْنُ زَرْقُونٍ هَذَا الْقَوْلَ لِأَبِي تَمَّامٍ لَا لِرِوَايَتِهِ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِرِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ الْبَاجِيُّ لَا أَعْلَمُ مَنْ اعْتَبَرَهُ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَرِيءِ أَوْ لَمْ يَقْطَعْ مِنْ الْوَدَجَيْنِ شَيْئًا لَمْ تُؤْكَلْ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي نَقْلِ بَعْضِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِي هَذَا خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ، وَتَرَكَ الْحُلْقُومَ لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْحُلْقُومِ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ يَفْرِي أَوْدَاجَهُ، وَقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا قَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ وَقَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا ذَبَحَ ذَبِيحَةً فَقَطَعَ أَوْدَاجَهَا، ثُمَّ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَأَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَكْلِ الْمُغَلْصَمَةِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْحُلْقُومِ الْغَلْصَمَةُ وَرَدَّ عِيَاضٌ الْأَخْذَ مِنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَبْحَ الصَّيْدِ الْمَنْفُوذِ مَقْتَلُهُ إنَّمَا هُوَ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ وَخُرُوجِ دَمِهِ لَا لِذَكَاتِهِ، وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ لَا يُجْزِئُهُ، وَرَدَّهُ مَعَ الثَّانِي أَيْضًا بِأَنَّ قَطْعَ الْوَدَجَيْنِ مَعًا مُسْتَلْزِمٌ لِقَطْعِ الْحُلْقُومِ لِبُرُوزِهِ عَنْهُمَا وَرَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الثَّالِثَ بِأَنَّ قَطْعَ مَا فَوْقَ الْجَوْزَةِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحُلْقُومِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْمَنْصُوصِ، فَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ الْحُلْقُومِ أَوْ ثُلُثَيْهِ مَعَ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ بِكَمَالِهِمَا فَنَقَلَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَنِصْفَ الْحُلْقُومِ، فَأَكْثَرَ أُكِلَتْ، وَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّ لَمْ تُؤْكَلْ رَوَى يَحْيَى مِثْلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّجَاجَةِ وَالْعُصْفُورِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْطَعَ جَمِيعَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ النِّصْفِ مُغْتَفَرٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُغْتَفَرُ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي اغْتِفَارُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَمَسْأَلَةَ قَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ أَوْ قَطْعِ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمُقْتَضَى الرِّسَالَةِ عَدَمُ الْأَكْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ: وَالذَّكَاةُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. (قُلْت) : فَصَدَّرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِمَذْهَبِ الرِّسَالَةِ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَأَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَشُهِرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ جَعَلَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ الذَّكَاةَ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ فَقَطْ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُقَدَّمِ وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ حَقِيقَةَ الذَّكَاةِ قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ مِنْ الْمُقَدَّمِ فَعَلَى مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ يَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ مِنْ حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الذَّكَاةَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ صَرِيحُهُ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ ذَبَحَ مِنْ الْعُنُقِ أَوْ الْقَفَا لَمْ تُؤْكَلْ وَلَوْ نَوَى الذَّكَاةَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الذَّكَاةَ أَيْ لَا تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ إذَا ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا أَوْ مِنْ الْعُنُقِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ مَعَ نِيَّةِ الذَّكَاةِ، فَلَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ عِنْدَ انْفِرَادِهَا كَمَا لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَحْدَهُ إذَا عَرَا عَنْ النِّيَّةِ وَكَذَا إذَا ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا فِي ظَلَامٍ وَظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ وَجْهَ الذِّبْحِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ إلَى إبَاحَةِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا، فَأَمَّا لَوْ ذَهَبَ يَذْبَحُ فَأَخْطَأَ

فروع لو غلبته قبل تمام الذكاة فقامت ثم أضجعها وأتم الذكاة

فَانْحَرَفَ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: وَعَدَمُ الْأَكْلِ فِيهِمَا إذْ لَا يَصِلُ إلَى مَحِلِّ الذَّبْحِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْخَعَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا فِي ظَلَامٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ وَجْهَ الذَّبْحِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ مُحَمَّدٌ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْحُلْقُومِ، فَأَخْطَأَ فَانْحَرَفَ، فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ بِلَا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ رَفَعَ قَبْلَ التَّمَامِ لَا تُؤْكَلُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا تَعِيشُ الذَّبِيحَةُ لَوْ تُرِكَتْ أَوْ لَا تَعِيشُ عَمْدًا أَوْ تَفْرِيطًا أَوْ غَلَبَةً أَمَّا إنْ طَالَ، وَكَانَتْ لَوْ تُرِكَتْ لَمْ تَعِشْ، وَكَانَ بِتَعَمُّدٍ أَوْ تَفْرِيطٍ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطُلْ، وَكَانَتْ لَوْ تُرِكَتْ لَمْ تَعِشْ فَفِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا بِغَلَبَةٍ أَوْ تَفْرِيطٍ أَوْ تَعَمُّدٍ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَوْ تُرِكَتْ لَعَاشَتْ، فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَلَوْ طَالَ، وَهَذِهِ ذَكَاةٌ جَدِيدَةٌ هَكَذَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَصَّارِ وَلَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّقْيِيدَ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَالْقَابِسِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَعِيشُ لَوْ تُرِكَتْ، فَلَا حَرَجَ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَجْرِي عَلَى هَذَا مَسْأَلَةٌ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّهُمْ يَشُقُّونَ جِلْدَ الشَّاةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا مِنْ تَحْتِ جَنْبِهَا طُولًا وَيُدْخِلُونَ السِّكِّينَ تَحْتَ الْجِلْدِ وَيَذْبَحُونَهَا لِيَشُقُّوا جِلْدَهَا كُلَّهُ مَعَ جِلْدِ رَأْسِهَا طُولًا هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَذَكَرُوا أَنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ بَعْدَ الشَّقِّ لَعَاشَتْ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْمَوْجُودِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ، وَعَادَ بَعْدَ الْبُعْدِ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْأَكْلِ، وَإِنْ عَادَ بِالْقُرْبِ، فَفِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ [فُرُوعٌ لَوْ غَلَبَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَقَامَتْ ثُمَّ أَضْجَعَهَا وَأَتَمَّ الذَّكَاةَ] (وَهَا هُنَا فُرُوعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ التُّونُسِيُّ: اُنْظُرْ لَوْ غَلَبَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ، فَقَامَتْ، ثُمَّ أَضْجَعَهَا وَأَتَمَّ الذَّكَاةَ، وَكَانَ أَمْرًا قَرِيبًا هَلْ تُؤْكَلُ عَلَى مَا مَرَّ (قُلْت) : قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ: تُؤْكَلُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقُرْبٍ، وَنَزَلَتْ أَيَّامَ قَضَاءِ ابْنِ قَدَّاحٍ فِي ثَوْرٍ، وَحَكَمَ بِأَكْلِهِ، وَبَيَانُ بَائِعِهِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ مَسَافَةُ هُرُوبِهِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ بَاعٍ. الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَعَسُرَ مَرُّ السِّكِّينِ عَلَى الْوَدَجَيْنِ لِعَدَمِ حَدِّهَا، فَقَلَبَهَا، وَقَطَعَ بِهَا الْأَوْدَاجَ مِنْ دَاخِلٍ لَمْ تُؤْكَلْ (قُلْت) : اُنْظُرْ لَوْ كَانَتْ حَادَّةً، وَالْأَحْوَطُ لَا تُؤْكَلُ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٌ أَنَّهُ قَالَ: إنْ سَقَطَتْ السِّكِّينُ مِنْ يَدِ الذَّابِحِ أَوْ رَفَعَهَا قَهْرًا أَوْ خَائِفًا، ثُمَّ أَعَادَ، فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ، وَقَالَ: وَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ الْأَكْلِ إذَا عَادَ بَعْدَ الْبُعْدِ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ بِتَفْرِيطٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَنْ غَلَبَةٍ وَكَثِيرًا مَا يَجْرِي فِي الْبَقَرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ الْكَلَامُ فِيهَا عَلَى عَجْزِ مَاءِ الْمُتَطَهِّرِ انْتَهَى. ص (وَشُهِرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ) ش حَمَلَ الشَّارِحَانِ كَلَامَهُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ مَعَ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ، وَجَعَلَا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ، وَقَدَّرَا لَهُ الْوَدَجَيْنِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتْرُكَ الْوَدَجَيْنِ وَنِصْفَ الْحُلْقُومِ، وَتُؤْكَلُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ كُلَّهُ وَنِصْفَ الْوَدَجَيْنِ، وَجَعَلَا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْوَدَجَيْنِ، وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ مُحْتَمِلًا لِمَعْنَيَيْنِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَدَجَيْنِ النِّصْفَ فَقَطْ، وَالثَّانِي أَنْ يَقْطَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَيَتْرُكَ الْآخَرَ وَحَكَى فِي الْأَوَّلِ قَوْلَيْنِ: عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَعَزَاهُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالثَّانِي: لِتَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ إنْ بَقِيَ الْيَسِيرُ لَمْ يَحْرُمْ، وَحَكَى فِي الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ بِالْأَكْلِ وَعَدَمِهِ قَالَ: وَرِوَايَةُ عَدَمِ الْأَكْلِ قِيلَ هِيَ الْأَقْرَبُ لِعَدَمِ إنْهَارِ الدَّمِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ مِنْ احْتِمَالِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْوَدَجَيْنِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ أَيْضًا، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ نَرَ مَنْ شَهَرَ

فرع ذبيحة الغلام أبوه نصراني وأمه مجوسية

هَذَا، وَقَوْلُ الشَّيْخِ بَهْرَامُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا قَطَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَتَرَكَ الْآخَرَ أَنَّ الْأَقْرَبَ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَدَمُ الْأَكْلِ كَذَا هُوَ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَدَجَيْنِ النِّصْفَ إنَّ الْأَقْرَبَ الْأَكْلُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ. وَنَصُّ كَلَامِ التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِنْ تَرَكَ الْأَقَلَّ، فَقَوْلَانِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَقَلِّ أَحَدَ الْوَدَجَيْنِ أَيْ اُخْتُلِفَ إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَوَدَجًا وَتَرَكَ وَدَجًا، وَالْقَوْلَانِ رِوَايَتَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إذَا حَصَلَ الْقَطْعُ فِي كُلِّ وَدَجٍ، وَبَقِيَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا يَسِيرٌ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْإِبَاحَةُ نَقَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَاَلَّذِي فِي تَبْصِرَتِهِ إنْ بَقِيَ الْيَسِيرُ مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ مِنْ الْأَوْدَاجِ لَمْ يَحْرُمْ، وَالْأَقْرَبُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَدَمُ الْأَكْلِ لِعَدَمِ إنْهَارِ الدَّمِ، وَالْأَكْلُ فِي الثَّانِي، وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّ كَلَامِهِ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا: وَإِنْ تَرَكَ الْأَقَلَّ فَقَوْلَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَقَلِّ هُنَا أَحَدَ الْوَدَجَيْنِ، فَتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةً فِي قَطْعِ الْحُلْقُومِ مَعَ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَقَلِّ إذَا حَصَلَ الْقَطْعُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَدَجَيْنِ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُمَا بِذَلِكَ بَلْ بَقِيَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعُ نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْإِبَاحَةُ حَكَاهَا بَعْضُ الْمُؤَلِّفِينَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَاَلَّذِي فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ وَلَمْ تَحْرُمْ ذَبِيحَتُهُ، ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى مُرَادِ الْمُؤَلِّفِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ إنْهَارِ الدَّمِ الْمَقْصُودِ، إنَّمَا تُؤْكَلُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَسْتَوِي خُرُوجُهُ إذَا اسْتَوْعَبَهُمَا بِالْقَطْعِ، وَإِذَا قَطَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَسْتَوْعِبْهُمَا انْتَهَى. وَجَعَلَ ابْنُ غَازِيٍّ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ قَطْعِ نِصْفِ الْحُلْقُومِ مَعَ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ، وَجَعَلَ الْوَدَجَيْنِ مَعْطُوفَيْنِ عَلَى لَفْظِ نِصْفِ، هَذَا وَنَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِخُصُوصِهِ، إنَّمَا قَالَهُ فِي مُقْتَضَى كَلَامِ الرِّسَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ سَامِرِيًّا) ش: السَّامِرِيَّةُ صِنْفٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (أَوْ مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ) ش: [فَرْعٌ ذَبِيحَةُ الْغُلَامِ أَبُوهُ نَصْرَانِيٌّ وَأُمُّهُ مَجُوسِيَّةٌ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْغُلَامِ أَبُوهُ نَصْرَانِيٌّ وَأُمُّهُ مَجُوسِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِدِينِ أَبِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَجَّسَ، وَتَرَكَهُ أَبُوهُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرَّةِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ، فَتَلِدُ مِنْهُمْ أَنَّ أَوْلَادَهَا الصِّغَارَ تَبَعٌ لَهَا فِي الدِّينِ إذْ لَيْسَ هُنَا أَبٌ حَقِيقَةً انْتَهَى. ص (مُسْتَحَلُّهُ) ش: بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مَا يَسْتَحِلُّهُ. ص (وَإِنْ أَكَلَ مَيْتَةً) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا كَانَ يَسُلُّ عُنُقَ الدَّجَاجَةِ، فَالْمَشْهُورُ لَا تُؤْكَلُ، وَأَجَازَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَكْلَهَا، وَلَوْ رَأَيْنَاهُ يَسُلُّ عُنُقَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَبَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ

فرع الذبح لعوامر الجان

مَعَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا) ش: كَذِي ظُفُرٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ الْبَاجِيّ هِيَ الْإِبِلُ وَحُمُرُ الْوَحْشِ وَالنَّعَامُ وَالْإِوَزُّ، وَمَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْخُفِّ، وَلَا مُنْفَرِجِ الْقَائِمَةِ انْتَهَى. وَفِي تَفْسِيرِ سَيِّدِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] يُرِيدُ بِهِ الْإِبِلَ وَالنَّعَامَ وَالْإِوَزَّ وَنَحْوَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ، وَلَهُ ظُفُرٌ، وَقَالَ فِي الشُّحُومِ: هِيَ الثُّرُوبُ وَشَحْمُ الْكُلَى وَمَا كَانَ شَحْمُهَا خَالِصًا خَارِجًا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي فِي الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ: إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا قَالَ: يُرِيدُ مَا اخْتَلَطَ بِاللَّحْمِ فِي الظَّهْرِ وَالْأَجْنَابِ وَنَحْوِهِ قَالَ السُّدِّيُّ: الْأَلَيَاتُ مِمَّا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا وَالْحَوَايَا مَا تَحَوَّى فِي الْبَطْنِ وَاسْتَدَارَ، وَهِيَ الْمَصَارِينُ وَالْحُشْوَةُ وَنَحْوُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُ: هِيَ الْمَبَاعِرُ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ يُرِيدُ فِي سَائِرِ الشَّخْصِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. ص (وَإِلَّا كُرِهَ) ش: كَالطَّرِيقَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ فَاسِدُ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِ لِأَجْلِ الرِّئَةِ. انْتَهَى ص (كَجِزَارَتِهِ) ش: بِكَسْرِ الْجِيمِ كَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْقَامُوسِ أَيْضًا وَالْجُزَارَةُ بِالضَّمِّ أَطْرَافُ الْبَعِيرِ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَرَأْسُهُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْجَزَارَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَذَبْحٍ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى) ش: وَكَذَا مَا ذُبِحَ لِعِيدِهِ أَوْ كَنِيسَتِهِ أَوْ لِجِبْرِيلَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: كَرِهَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ {أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَلَمْ يُحَرِّمْهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . وَأَمَّا الذَّبْحُ لِلْأَصْنَامِ، فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ الذَّبْحُ لِعَوَامِرِ الْجَانِّ] (فَرْعٌ) : قَالَ

فرع صيد الجاهل لحدود الصيد

ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ لَا يَنْبَغِي الذَّبْحُ لِعَوَامِرِ الْجَانِّ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الذَّبْحِ لِلْجَانِّ (قُلْتُ) : إنْ قَصَدَ بِهِ اخْتِصَاصَهَا بِانْتِفَاعِهَا بِالْمَذْبُوحِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ بِهِ إلَيْهَا حَرُمَ انْتَهَى. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَمَا ذُبِحَ لِعِيسَى؛ لِأَنَّ مَا يَذْبَحُونَهُ لِلْأَصْنَامِ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَيْهَا، وَمَا ذُبِحَ لِعِيسَى أَوْ لِصَلِيبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِهِ انْتِفَاعَهَا بِذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَرْحُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) ش: قَوْلُهُ وَجَرْحُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَصْدَرٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَإِذَا كَانَ اسْمًا كَانَ بِضَمِّ الْجِيمِ (تَنْبِيهٌ) : كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ الصَّيْدِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صَيْدِ الْبَرِّ إذَا عَقَرَتْهُ الْجَوَارِحُ أَوْ السِّلَاحُ أَوْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ، فَأَمَّا إنْ أُدْرِكَ الْبَرِّيُّ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ ذُكِّيَ، إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ بَحْرِيًّا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ بَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ صَادَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ قَالَهُ فِي الْقَوَانِينَ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مُسْلِمٌ مِنْ الْكَافِرِ، فَلَا يَصِحُّ صَيْدُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيُؤْكَلُ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَلَا يُؤْكَلُ مَا صَادُوهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] وَيُؤْكَلُ مَا صَادَهُ الْمَجُوسِيُّ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ دُونَ مَا صَادَهُ مِنْ الْبَرِّ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفِذَ الْمَجُوسِيُّ مَقَاتِلَهُ انْتَهَى. وَفِيهَا أَيْضًا، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ، وَلَا صَيْدُهُ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ مَنْعُ صَيْدِ الْكِتَابِيِّ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ وَأَشْهَبُ: بِإِبَاحَتِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَالْبَاجِيُّ وَاللَّخْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهَتُهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجُوسِيِّ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الصَّابِئِ، وَلَا ذَبِيحَتُهُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَاحْتَرَزَ بِالْمُمَيِّزِ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْمُمَيِّزَ كَالْبَالِغِ وَكَرِهَهُ أَبُو مُصْعَبٍ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ صَيْدَ الْجَاهِلِ لِحُدُودِ الصَّيْدِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَكْرَهُ صَيْدَ الْجَاهِلِ لِحُدُودِ الصَّيْدِ غَيْرَ مُتَحَرٍّ صَوَابَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ صَيْدَ الْخُنْثَى وَالْخَصِيِّ وَالْفَاسِقِ، وَمَنْ تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ هَلْ يُكْرَهُ صَيْدُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحْشِيًّا، وَإِنْ تَأَنَّسَ) ش: يَعْنِي بِقَوْلِهِ، وَإِنْ تَأَنَّسَ أَنَّ الْوَحْشَ إذَا تَأَنَّسَ، ثُمَّ تَوَحَّشَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ، وَيُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا دَجَنَ مِنْ الْوَحْشِ، ثُمَّ نَدَّ وَاسْتَوْحَشَ أُكِلَ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْإِنْسِيَّةُ لَا تُؤْكَلُ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الْوَحْشُ مِنْ الْعَقْرِ وَالرَّمْيِ انْتَهَى. ص (عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِعُسْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ أَكْلِ الْمُتَوَحِّشِ بِالصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ مَعْجُوزًا عَنْهُ قَالَ

ابْنُ الْحَاجِبِ: الصَّيْدُ الْوَحْشُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ الْمَأْكُولُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ صَارَ الْمُتَوَحِّشُ مُتَأَنِّسًا، فَالذَّكَاةُ وَكَذَا لَوْ انْحَصَرَ وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ وَكَذَلِكَ إذَا انْحَصَرَ الصَّيْدُ الْمُتَوَحِّشُ وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةِ الْإِنْسِيِّ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِمَشَقَّةٍ جَازَ صَيْدُهُ، وَهُوَ كَقَوْلِ أَصْبَغَ فِيمَنْ أَرْسَلَ عَلَى وَكْرٍ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ أَوْ فِي شَجَرَةٍ، وَكَانَ لَا يَصِلُ إلَّا بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ الْعَطَبَ جَازَ أَكْلُهُ بِالصَّيْدِ، وَمِنْ النَّوَادِرِ، وَإِذَا طَرَدَتْ الْكِلَابُ الصَّيْدَ حَتَّى وَقَعَ فِي حُفْرَةٍ لَا مَخْرَجَ لَهُ مِنْهَا أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ مِنْهَا فَتَمَادَتْ الْكِلَابُ فَقَتَلَتْهُ فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ كَسِيرٌ مُحَمَّدٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَوْ تَرَكَتْهُ الْكِلَابُ قَدَرَ رَبُّهَا عَلَى أَخْذِهِ بِيَدِهِ وَلَوْ لَجَأَ إلَى غَارٍ لَا مَنْفَذَ لَهُ أَوْ غَيْضَةٍ فَدَخَلَتْ إلَيْهِ الْكِلَابُ، فَقَتَلَتْهُ لَأُكِلَ، وَلَوْ لَجَأَ إلَى جَزِيرَةٍ أَحَاطَ بِهَا الْبَحْرُ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ كِلَابَهُ أَوْ تَمَادَتْ فَقَتَلَتْهُ فَأَمَّا الْجَزِيرَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَوْ اجْتَهَدَ طَالِبُهُ لَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْمَاءِ نَجَاةٌ، فَلَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي الْمَاءِ نَجَاةٌ أَوْ كَانَتْ جَزِيرَةً كَبِيرَةً يَجِدُ الصَّيْدُ الرَّوَغَانَ فِيهَا حَتَّى يَعْجِزَ طَالِبُهُ عَلَى رِجْلِهِ أَوْ عَلَى فَرَسٍ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ بِيَدِهِ إلَّا بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ بِالصَّيْدِ انْتَهَى. ص (بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ) ش: قَوْلُهُ مُحَدَّدٍ خَرَجَ بِهِ نَحْوُ الْبُنْدُقِ، وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا أُصِيبَ بِحَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ، فَخَرَقَ أَوْ بَضَعَ أَوْ بَلَغَ الْمَقَاتِلَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَرْقٍ، إنَّمَا هُوَ رَضٌّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا يُؤْكَلُ مَا رُمِيَ بِالْبُنْدُقِ إلَّا أَنْ يُذَكَّى فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَكَاتِهِ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ قُلْت ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَحْرِيمُ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ، وَبِكُلِّ مَا شَأْنُهُ أَنْ لَا يَجْرَحَ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْحَذْفِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ الصَّيْدُ، وَلَا يُكَادُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَإِنَّمَا يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ إلَّا أَنْ يَرْمِيَ بِهِ مَا يُبَاحُ قَتْلُهُ كَالْعَدُوِّ وَالثُّعْبَانِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: مَنْ رَمَى صَيْدًا بِحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ فَجَرَحَهُ جَازَ أَكْلُهُ، وَلَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ، وَلَكِنْ رَضَّهُ أَوْ دَقَّهُ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يُذَكِّيَهُ انْتَهَى. ص (وَحَيَوَانٍ عُلِّمَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمُعَلَّمُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ هُوَ الَّذِي إذَا زُجِرَ انْزَجَرَ، وَإِذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْفَهْدُ وَجَمِيعُ السِّبَاعِ إذَا عُلِّمَتْ فَهِيَ كَالْكَلْبِ (قُلْت) : فَجَمِيعُ سِبَاعِ الطَّيْرِ إذَا عُلِّمَتْ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبُزَاةِ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا مَسْأَلَتُكَ وَلَكِنْ مَا عُلِّمَ مِنْ الْبُزَاةِ وَالْعِقْبَانِ وَالزَّمَامِجَةُ وَالشُّذَانِقَاتُ وَالسَّفَاةِ وَالصُّقُورِ وَشَبَهِهَا لَا بَأْسَ بِهَا عِنْدَ مَالِكٍ انْتَهَى. قَالَ عِيَاضٌ: الْبَازِي بِيَاءٍ بَعْدَ الزَّايِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ بَازًا بِغَيْرِ يَاءٍ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْعَارِضَةِ قَالَ: مَنْ لَا يَعْلَمُ إذَا صَادَ بِكَلْبٍ أَسْوَدَ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَعَلَّهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» وَصَيْدُ الشَّيْطَانِ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمِّي اللَّهَ وَهَذِهِ سَخَافَةٌ لَوْ سُخِّرَ لَكَ الشَّيْطَانُ وَصِدْتَ بِهِ وَسَمَّيْتَ اللَّهَ لَجَازَ أَكْلُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانًا وَسُخِّرَ لَكَ، وَانْطَاعَ، فَأَنْتَ إذَنْ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد إمَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ أَكْلُ صَيْدِهِ لِتَحْرِيمِ اقْتِنَائِهِ لِقَتْلِهِ، فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ ذَكَاةً، وَهُوَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. ص (بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ أَثَارَ صَيْدًا فَأَشْلَى عَلَيْهِ

كَلْبَهُ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فَانْشَلَى وَصَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ مِنْ يَدِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ قَالَهُ مَالِكٌ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُطْلِقَهُ مِنْ يَدِهِ مُرْسِلًا لَهُ مُشْلِيًا وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ، وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ الْكَلْبُ طَلَبَهُ أَوْ أَفْلَتَ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَشْلَاهُ رَبُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ إرْسَالِ صَاحِبِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مَرْبُوطًا مَعَهُ قَالَ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ الْأَكْلُبُ فِي غَيْرِ مِقَاطٍ، وَلَا حَبْلٍ إلَّا أَنَّهَا تَتْبَعُهُ فَيُرْسِلُهَا عَلَى الصَّيْدِ حِينَ يَرَاهُ: فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَأْكُلُهُ إذَا قَتَلَتْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ حِينَ أَرْسَلَهُ انْتَهَى. ص (بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ عَلَى صَيْدٍ فَطَلَبَهُ سَاعَةً، ثُمَّ رَجَعَ الْكَلْبُ، ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ كَالطَّالِبِ لَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ عَطَفَ، وَهُوَ عَلَى طَلَبِهِ، فَهُوَ عَلَى إرْسَالِهِ الْأَوَّلِ الْمَشَذَّالِيُّ أَخَذَ مِنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَقُورًا لِقَتْلِ إنْسَانٍ، فَانْبَعَثَ الْكَلْبُ، ثُمَّ رَجَعَ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ رُجُوعًا بَيِّنًا، ثُمَّ ذَهَبَ فَقَتَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ الْمُرْسِلُ، وَإِلَّا قُتِلَ انْتَهَى. ص (أَوْ لَمْ يُرَ بِغَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ أَرْسَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ وَحْشٍ أَوْ طَيْرٍ وَنَوَى مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ عَلَى جَمَاعَتَيْنِ، وَنَوَى مَا أَخَذَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَلْيَأْكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مِمَّا قَلَّ عَدَدُهُ أَوْ كَثُرَ، وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدًا مِنْ الْجَمَاعَةِ، فَأَخَذَ الْكَلْبُ غَيْرَهُ مِنْهَا لَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ، وَإِنْ أَرْسَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ يَنْوِيهَا، وَلَمْ يَنْوِ غَيْرَهَا لَمْ يُؤْكَلْ مَا أَخَذَ مِنْ غَيْرِهَا كَانَ قَدْ رَآهَا أَوْ لَمْ يَرَهَا، وَإِنْ أَرْسَلَهَا عَلَى جَمَاعَةٍ لَا يَرَى غَيْرَهَا، وَنَوَى إنْ كَانَ وَرَاءَ غَيْرِهَا فَهُوَ مُرْسِلٌ عَلَيْهَا، فَلْيَأْكُلْ مَا أَخَذَ مِنْ سِوَاهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ لَا يَرَى غَيْرَهُ، وَنَوَى مَا صَادَ سِوَاهُ فَلْيَأْكُلْ مَا صَادَهُ، وَإِنْ رَمَيْت صَيْدًا عَمَدْتَهُ فَأَصَبْتَ غَيْرَهُ أَوْ أَصَبْتَهُ فَأَنْفَذَتْهُ وَأَصَابَتْ آخَرَ وَرَاءَهُ لَمْ تَأْكُلْ إلَّا الَّذِي اعْتَمَدْت إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا أَصَابَ سِوَاهُ كَمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَوْ نَوَى وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَأَخَذَ الْكَلْبُ وَاحِدًا أَكَلَهُ، فَإِنْ أَخَذَ اثْنَيْنِ أَكَلَ الْأَوَّلَ، وَلَا يَأْكُلُ الثَّانِيَ فَإِنْ شَكَّ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا

لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُمَا شَيْئًا انْتَهَى. ص (لَا إنْ ظَنَّهُ حَرَامًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ رَمَى حَجَرًا، فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ، فَأَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنَّهُ سَبُعًا أَوْ خِنْزِيرًا أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ يُرِيد قَتْلَهُ، وَأَمَّا لَوْ رَمَاهُ يَنْوِي ذَكَاتَهُ لِجِلْدِهِ، فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ ذَكَاتَهُ وَمُحَالٌ أَنْ تُعْمَلُ الذَّكَاةُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَقَالَ فُقَهَاءُ الْقَرَوِيِّينَ: لَا يُؤْكَلُ إذْ لَيْسَ فِيهِ قَصْدُ ذَكَاةٍ تَامَّةٍ ابْنُ يُونُسَ، وَهُوَ أَبْيَنُ بِخِلَافِ أَنْ لَوْ كَانَ يُجِيزُ أَكْلَهُ، فَقَصَدَ ذَكَاتَهُ لِأَكْلِهِ، فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤْكَلُ انْتَهَى. ص (أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحَ فِي شَرِكَةِ غَيْرِهِ كَمَاءٍ) ش: نَحْوُ هَذَا فِي آخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ مِنْ الْبَيَانِ وَنَصُّهُ وَقَالَ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ مَقَاتِلَهُ فَأَدْرَكَهُ، وَقَدْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَسَهْمُهُ فِي مَقَاتِلِهِ أَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ قَالَ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ مَقَاتِلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَصَابَ مَقَاتِلَهُ، فَلَا يَقْرَبُهُ إلَّا أَنْ يُذَكِّيَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَهَا بَعْدَ إنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ، فَلَا يَضُرُّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ ذَكَاتِهَا، وَهُوَ مِثْلُ مَنْ ذَبَحَ ذَبِيحَتَهُ، فَسَقَطَتْ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّتْ مِنْ جَبَلٍ أَنَّهَا تُؤْكَلُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَسُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ ذَبِيحَةً فَجَرَتْ فِي الْمَاءِ فَمَاتَتْ، فَقَالَ لَا يَأْكُلُهَا إلَّا إنْ كَانَ قَدْ تَمَّ ذَبْحُهُ، فَقِيلَ إنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهَا الْغَمْرُ فِي الْمَاءِ قَالَ: إنْ كَانَ قَدْ تَمَّ ذَبْحُهُ، فَلَا بَأْسَ بِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَمَّلَ ذَبْحَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ فِي الْمَاءِ، فَأَكْلُهَا جَائِزٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بِخِلَافِ إذَا ذَبَحَهَا فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى هَذَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فِي الْجَوِّ، فَسَقَطَ أَوْ رَمَاهُ فِي الْجَبَلِ، فَتَرَدَّى مِنْهُ فَأَدْرَكَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ إذْ لَعَلَّهُ مِنْ السَّقْطَةِ مَاتَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ بِالرَّمْيَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَجْهُ قَوْلِهَا إنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إذَا لَمْ تَنْفُذُ مَقَاتِلَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الشَّكِّ فِي الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ إذَا أَنْفَذَتْ الْمَقَاتِلَ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ الْمُقْتَضِي، وَشَكَّ فِي الْمَانِعِ، فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِنْفَاذُ بِالسُّقُوطِ عَلَى السَّهْمِ أُجِيبَ بِسَبْقِيَّةِ الرَّمْيَةِ، وَالْآخَرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَوَجَبَ الِاسْتِنَادُ إلَى الْمُحَقَّقِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ) ش: مَفْهُومُهُ أَنَّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ وَنَحْوَهُ

إذَا شَارَكَهُ، فَأَكْلُهُ جَائِزٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ رَبُّهُ أَرْسَلَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَإِنْ وَجَدَ الصَّائِدُ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرْسَلٍ مِنْ صَائِدٍ آخَرَ، وَأَنَّهُ إنَّمَا انْبَعَثَ فِي طَلَبِ الصَّيْدِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، فَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَا تَأْكُلْ» وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فَأَمَّا لَوْ أَرْسَلَهُ صَائِدٌ آخَرُ، فَاشْتَرَكَ الْكَلْبَانِ فِيهِ، فَإِنَّهُ لِلصَّائِدَيْنِ يَكُونَانِ

فرع إذا مات الصيد في أفواه الكلاب من غير بضع

شَرِيكَيْنِ، فَلَوْ أَنْفَذَ أَحَدُ الْكَلْبَيْنِ مَقَاتِلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ، فَهُوَ لِلَّذِي أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ انْتَهَى. [فَرْعٌ إذَا مَاتَ الصَّيْدُ فِي أَفْوَاهِ الْكِلَابِ مِنْ غَيْرِ بَضْعٍ] (فَرْعٌ) : مِنْهُ لَوْ مَاتَ الصَّيْدُ فِي أَفْوَاهِ الْكِلَابِ مِنْ غَيْرِ بَضْعٍ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفًا، فَأَشْبَهَ أَنْ يُذْبَحَ بِسِكِّينٍ كَلَّةٍ، فَيَمُوتُ فِي الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَى أَوْدَاجُهُ انْتَهَى. ص (وَوَجَبَ نِيَّتُهَا) ش: الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ ص (وَتَسْمِيَةٌ إنْ ذَكَرَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُسَمِّي، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَبَّرَ مَعَهَا، فَحَسَنٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ أَجْزَأَهُ وَكُلٌّ تَسْمِيَةٌ، وَلَكِنْ مَا مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَحْسَنُ، وَهُوَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ أَوْ مُقَابِلُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ مُقَابِلًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ، وَلْيَقُلْ الذَّابِحِ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ إذَا قَالَ غَيْرَهُ: مِنْ الْأَذْكَارِ يُجْزِئُهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا وَقَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: إنْ قَصَدَ اسْتِبَاحَةَ الذَّبْحِ بِكَلِمَةِ اللَّهِ خِلَافًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ يُهِلُّونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ كَيْفَمَا ذَكَرَ حَتَّى لَوْ قَالَ: اللَّهُ أَجْزَاهُ أَمَّا ذِكْرُ الرَّحْمَنِ، فَلَا يَلِيقُ بِحَالِ الْقَتْلِ وَالْإِمَاتَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَمْ يُفْعَلْ وَلَوْ فَعَلَ أَجْزَاهُ، فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فَذَكَرَ اللَّهَ وَكَبَّرَ، وَدَعَا بِأَنْ يَتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ فَحَسَنٌ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّسْمِيَةِ حَصَلَتْ الذَّكَاةُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ: لِتَكْبِيرٍ مَخْصُوصٍ بِالْهَدَايَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] ، ثُمَّ قَالَ فِي صِفَةِ التَّسْمِيَةِ: أَنْ تَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) : قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِ الذَّابِحِ بِسْمِ اللَّهِ يَتَعَلَّقُ بِ أَذْبَحُ لِيُفِيدَ تَلَبُّسَ الْفِعْلِ جَمِيعِهِ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَعَلَّقُ بِ أَبْتَدِئُ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : التَّكْبِيرُ الَّذِي مَعَ التَّسْمِيَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق: هُوَ سُنَّةُ تَسْمِيَةِ الذَّبِيحَةِ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَابْنُ نَاجِي وَالشَّيْخُ زَرُّوق وَغَيْرُهُمْ: وَلَا تَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ تَعْذِيبٌ، وَذَلِكَ يُنَافِي الرَّحْمَةَ. (الثَّانِي) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِالذَّبْحِ، وَأَمَرَهُ بِالتَّسْمِيَةِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الْعَبْدُ قَدْ سَمَّيْتَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ السَّيِّدُ جَازَ أَنْ يُصَدِّقَهُ، وَيَأْكُلَ مَا ذَبَحَ إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ تَنَزُّهًا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَذْبَحُ لَهُ وَيُسْمِعُهُ التَّسْمِيَةَ، فَذَبَحَ، وَلَمْ يُسْمِعْهُ التَّسْمِيَةَ وَقَالَ: لَقَدْ سَمَّيْتُ فَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) : لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَلَا يَغْرَمُ الذَّبِيحَةَ (الثَّانِي) : لِبَعْضِ شُيُوخِهِ أَيْضًا لَهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ الذَّبِيحَةَ (الثَّالِثُ) : لِأَبِي عِمْرَانَ لَهُ الْأُجْرَةُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُسْلِمٌ تَرَكَهَا عَمْدًا، فَهُوَ صَادِقٌ أَوْ نَاسٍ انْتَهَى. قَالَ الْقَرَافِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ مُتَمِّمًا كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ لِلْبَيْعِ، فَيُنْقِصُهَا ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ تَوَرُّعِ النَّاسِ، فَلَهُ مَا نَقَصَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَامِلَةً انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ ذَاكِرٍ إنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَعْنِي بِهِ النَّاسِيَ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَتَرَكَهَا صَحَّتْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ النَّاسِي لَا يُعْفَى عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُتَهَاوِنًا أَوْ جَاهِلًا، فَالْمُتَهَاوِنُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَعَمِّدُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَمَّا الْجَاهِلُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ هُنَا، وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ أَشْهَبَ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْعَامِدِ غَيْرَ الْمَشْهُورِ بَلْ جَعَلَهُ ثَالِثًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : ذَكَر الزَّوَاوِيُّ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّهِ عَلَى الطُّرْطُوشِيِّ

فرع الخيل في الذكاة كالبقر

فِي الْجُبْنِ الرُّومِيِّ أَنَّ ذَكَاةَ الْكِتَابِيِّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّسْمِيَةُ بِإِجْمَاعٍ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ خِلَافًا، وَنَسَبَ الْكَرَاهَةَ لِمَالِكٍ، فَانْظُرْهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنَحْرُ إبِلٍ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَكَذَلِكَ الْفِيلُ إذَا قُصِدَ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَعَظْمِهِ قَالَ الْبَاجِيّ: وَإِنَّمَا خَصَّصَهُ بِهِ مَعَ قِصَرِ عُنُقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَبْحُهُ لِغِلَظِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ وَاتِّصَالِهِ بِجِسْمِهِ، وَلَهُ مَنْحَرٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ فِيهِ انْتَهَى. فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّحْرُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق عَنْ الْبَاجِيِّ، وَنَصَّهُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْأَبْهَرِيّ إنْ نُحِرَ الْفِيلُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ الْبَاجِيُّ هُوَ كَالْبَقَرِ يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ وَالْخَيْلُ كَذَلِكَ. انْتَهَى. (قُلْت) : كَلَامُ ابْنِ نَاجِي أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ فِي التَّوْضِيحِ مَا نَصَّهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَإِذَا نُحِرَ الْفِيلُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ وَعَلَّلَهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ انْتَهَى [فَرْعٌ الْخَيْلُ فِي الذَّكَاةِ كَالْبَقَرِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْخَيْلُ فِي الذَّكَاةِ كَالْبَقَرِ يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا الطُّرْطُوشِيُّ، وَكَذَلِكَ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهَا انْتَهَى. ص (وَذَبْحُ غَيْرِهِ إنْ قَدَرَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: حَتَّى الطَّيْرِ الطَّوِيلِ الْعُنُقِ كَالنَّعَامَةِ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ نُحِرَتْ لَمْ تُؤْكَلْ انْتَهَى. ص (وَجَازَ لِلضَّرُورَةِ) ش: صَوَابُهُ بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ [فَرْعٌ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ بِالْعَكْسِ نَاسِيًا] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ بِالْعَكْسِ نَاسِيًا لَا يُعْذَرُ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَقِيلَ: إنَّ عَدَمَ مَا يَنْحَرُ بِهِ ضَرُورَةٌ تُبِيحُ ذَبْحَهُ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْجَهْلَ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: قِيلَ عَدَمُ آلَةِ الذَّبْحِ ضَرُورَةٌ تُبِيحُ نَحْرَهُ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَقِيلَ الْجَهْلُ ضَرُورَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُعْذَرُ بِنِسْيَانٍ، وَفِي الْجَهْلِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: فَإِنْ عَكَسَ فِي الْأَمْرَيْنِ لِعُذْرٍ كَعَدَمِ مَا يَنْحَرُ بِهِ صَحَّ، فَجَزَمَ فِي الشَّامِلِ بِأَنَّ عَدَمَ مَا يَذْبَحُ بِهِ ضَرُورَةٌ، فَيَدْخُلُ فِي مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ قَدَرَ. ص (إلَّا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ الذَّبْحُ) ش: قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ: هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَذَبْحُ غَيْرِهِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ يُحْتَمَلُ هَذَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ قَدَرَ أَيْ إنْ قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ فِيمَا يُذْبَحُ، وَلَا ضَرُورَةَ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا الْبَقَرُ فَإِنَّ الذَّبْحَ فِيهَا مَنْدُوبٌ، وَتَرْكُ الْمَنْدُوبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْأَكْلِ انْتَهَى. وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنْ تَكُونَ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضَجْعُ ذِبْحٍ عَلَى أَيْسَرَ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لَوْ أَضْجَعَهَا عَلَى الْأَيْمَنِ اخْتِيَارًا أُكِلَتْ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَعْسَرَ يُضْجِعُهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُكْرَهُ لِلْأَعْسَرِ أَنْ يَذْبَحَ، فَإِنْ ذَبَحَ وَاسْتَمْكَنَ أُكِلَتْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُ. [فَرْعٌ فِي مِنْ يَذْبَحُ الْحَمَامَ وَالطَّيْرَ وَهُوَ قَائِمٌ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ يَذْبَحُ الْحَمَامَ وَالطَّيْرَ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، وَهُوَ قَائِمٌ يَذْبَحُهَا مَا أَرَاهُ بِمُسْتَقِيمٍ هَذَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ، فَقِيلَ لَهُ إنَّ الصَّائِدَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَلَا مُفْلِحٍ، فَقِيلَ لَهُ أَفَتُؤْكَلُ قَالَ: نَعَمْ إذَا أَحْسَنَ ذَبْحَهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ. [فَرْعٌ فِي خِفَّةِ ذَبْحِ شَاةٍ وَأُخْرَى تَنْظُرُ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي خِفَّةِ ذَبْحِ شَاةٍ، وَأُخْرَى تَنْظُرُ وَكَرَاهَتِهِ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مَالِكٍ

فرع في رجل قد أضجع شاة وهو يحد شفرة

مُحْتَجًّا بِنَحْرِ الْبُدْنِ مُصْطَفَّةً ابْنُ حَبِيبٍ بِأَنَّهُ فِي الْبُدْنِ سُنَّةٌ انْتَهَى. [فَرْعٌ فِي رَجُلٍ قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَةً] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَرُوِيَ «عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ، وَإِنْ يُتَوَارَى بِهَا عَنْ الْبَهَائِمِ، وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ» قَالَ مَالِكٌ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَضْجَعَ شَاةً، وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَةً، فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ لَهُ: عَلَامَ تُعَذِّبُ الرُّوحَ أَلَا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلُ انْتَهَى. [فَرْعٌ فِي كَرَاهَةِ أَكْلِ الْبَقَرِ تُعَرْقَبُ عِنْدَ الذَّبْحِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَرَاهَةِ أَكْلِ الْبَقَرِ تُعَرْقَبُ عِنْدَ الذَّبْحِ نَقَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ فَضْلٍ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلَهُ: لَا يُعْجِبُنِي قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِقَطْعِ الْحُوتِ وَإِلْقَائِهِ حَيًّا فِي النَّارِ ابْنُ رُشْدٍ كُرِهَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ وَسَمْعَا لَا يُعْجِبُنِي شَقُّ الْمَنْهُوشِ جَوْفَ الشَّاةِ لِيُدْخِلَهَا رِجْلَهُ تَدَاوِيًا قِيلَ، فَبَعْدَ ذَبْحِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا قَالَ: إنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي، وَكَأَنَّهُ يَكْرَهُهُ ابْنُ رُشْدٍ خَفَّفَهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا، وَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَا يُعْجِبُنِي حَمْلُهُ عَلَى الْحَظْرِ لَا الْكَرَاهَةِ أَبْيَنُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَوَجُّهُهُ) ش: إنَّمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لِعَدَمِ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ، وَلَمَّا كَانَتْ الذَّبِيحَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جِهَةٍ اُخْتِيرَتْ جِهَةُ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْجِهَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِقْبَالِ لِلْبَوْلِ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا وَجْهَانِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ أَخَفُّ تَنَجُّسًا لِأَكْلِ قَلِيلِهِ يَعْنِي دَمَ الْعُرُوقِ وَالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ وَأَنَّ الذَّبَائِحَ فِي نَفْسِهَا قُرُبَاتٌ بِخِلَافِ الْبَوْلِ، وَأَيْضًا الْبَوْلُ يَنْضَافُ إلَيْهِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. ص (وَفِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ أَوْ إنْ انْفَصَلَا أَوْ بِالْعَظْمِ أَوْ مَنْعِهِمَا خِلَافٌ) ش: كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي الظُّفْرِ وَالسِّنِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَيُوجَدُ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. ص (وَحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ إلَّا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: هُوَ لِعَيْشِهِ اخْتِيَارًا مُبَاحٌ وَلِسَدِّ خَلَّتِهِ أَوْ لِتَوْسِيعِ ضِيقِ عَيْشِ عِيَالِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلِإِحْيَاءِ نَفْسٍ وَاجِبٌ وَلِلَهْوِ مَكْرُوهٌ وَأَبَاحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَدُونَ نِيَّةٍ أَوْ مُضَيِّعٍ وَاجِبًا حَرَامٌ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَصَيْدُ الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ أَخَفُّ لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْحِيتَانِ، وَانْظُرْ مَا يُصَادُ لِيُبَاعَ لِلصِّغَارِ لِيَلْعَبُوا بِهِ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى قَتْلِهِ قَالَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ النَّوَادِرِ قَالَ

ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَرِهَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُعْطَى الصَّيْدُ يُلْعَبُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ إلَى صَيَّادٍ عَلَى صِنْفٍ مِنْ الطَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا وَكَذَا طَائِرًا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ: وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ جَعْلِ الطَّيْرِ فِي الْقَفَصِ، وَلَا عَلَى مَنْعِهِ وَفِي اللُّقَطَةِ مَا يُوهِمُ جَوَازَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا حَلَّ رَجُلٌ قَفَصَ طَائِرٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيلَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ فَقُلْتُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِيَسَارَةِ اللَّعِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ، وَهُنَا يَبْقَى السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةَ، فَهُوَ تَعْذِيبٌ لَهُ، فَهُوَ أَشَدُّ، فَاسْتَحْسَنَهُ وَذَكَرَ أَنَّ الشُّيُوخَ قَيَّدُوا الْحَدِيثَ بِعَدَمِ التَّعْذِيبِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَلَمْ يُمْنَعْ الْأَطْفَالُ مِنْ اللَّعِبِ بِالْحَيَوَانِ إذَا وَقَعَ لِبَسْطِ نُفُوسِهِمْ وَفَرْحَتِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ يَا أَبَا عُمَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مَا كَانَ عَبَثًا لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ، وَلَا وَجْهِ مَصْلَحَةٍ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ اللَّعِبَ الْيَسِيرَ مُبَاحٌ، فَيَكُونُ الصَّيْدُ لَهُ مُبَاحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَذَكَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إنْ أَيِسَ مِنْهُ) ش: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا تُعْقَرُ، وَلَا تُذْبَحُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَسْأَلَةُ مَا وَقَفَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَمِنْ الْخَيْلِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّهَا تُعَرْقَبُ، وَإِنْ خِيفَ أَكْلُهَا أُحْرِقَتْ انْتَهَى قَالَ الْقَرَافِيُّ: تَفْرِيعٌ لَوْ تَرَكَهَا فَعَلَفَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهَا مُضْطَرًّا كَالْمُكْرَهِ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا انْتَهَى وَمَسْأَلَةُ عَرْقَبَةِ الْحَيَوَانِ وَحَرْقِهِ سَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْجِهَادِ وَمَسْأَلَةُ الْقَرَافِيِّ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَلْخٍ أَوْ قَطْعٍ قَبْلَ الْمَوْتِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ لِلْمَنْهُوشِ أَنْ يَشُقَّ جَوْفَ الشَّاةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ نَفْسُهَا لِضَرُورَةِ التَّدَاوِي وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ قَبْلَ الذَّبْحِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الضَّحَايَا وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَضَجْعُ ذِبْحٍ عَلَى أَيْسَرَ. ص (وَمَلَكَ الصَّيْدَ الْمُبَادِرُ، وَإِنْ تَنَازَعَ قَادِرُونَ فَبَيْنَهُمْ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ رَأَى

السفينة إذا وثبت فيها سمكة فوقعت في حجر إنسان

وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ صَيْدًا وَاخْتَصَّ بِرُؤْيَتِهِ مِنْ بَيْنِهِمْ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ فَبَادَرَ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَأَخَذَهُ كَانَ لِآخِذِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَاتِ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِوَضْعِ الْيَدِ لَا بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ تَنَازَعَ الْجَمَاعَةُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ رَأَوْهُ وَقَبْلَ أَنْ يَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَكُلٌّ قَادِرٌ أَيْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ فَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ لِتَسَاوِيهِمْ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ لَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي حَقِّهِمْ، إنَّمَا حَسُنَ الْقَضَاءُ بِهِ لِانْتِفَاءِ الْمُنَازِعِ مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا قُلْنَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمْ خَوْفًا أَنْ يَقْتَتِلُوا عَلَيْهِ، وَتَعْلِيلُهُ بِخَوْفِ الِاقْتِتَالِ كَالْإِشَارَةِ إلَى مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ مِنْ فِقْدَانِ سَبَبِ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُمْلَكُ الصَّيْدُ بِأَخْذِهِ رَوَى سَحْنُونٌ لَوْ رَأَى وَاحِدٌ مِنْ قَوْمٍ صَيْدًا فَقَالَ: هُوَ لِي لَا تَأْخُذُوهُ أَوْ وَجَدُوهُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمْ فَلِآخِذِهِ، وَإِنْ تَدَافَعُوا عَنْهُ فَلِكُلِّهِمْ (قُلْتُ) : هَذَا إنْ كَانَ بِمَحِلٍّ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وَأَمَّا بِمَمْلُوكٍ فَلِرَبِّهِ انْتَهَى. [السَّفِينَةَ إذَا وَثَبَتَ فِيهَا سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ] (فَرْعٌ) : قَالَ الْقَرَافِيُّ: فِي الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ: نَصَّ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا وَثَبَتَ فِيهَا سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ، فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّ حَوْزَهُ أَخَصُّ بِالسَّمَكَةِ مِنْ حَوْزِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّ حَوْزَ السَّفِينَةِ شَمِلَ هَذَا الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ وَحَوْزَ هَذَا الرَّجُلِ لَا يَتَعَدَّاهُ، فَهِيَ أَخَصُّ وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ انْتَهَى. ص (وَإِنْ نَدَّ وَلَوْ مِنْ مُشْتَرٍ فَلِلثَّانِي) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ صَادَ طَائِرًا فِي رِجْلِهِ سَاقَانِ أَوْ ظَبْيًا فِي أُذُنَيْهِ قُرْطَانِ أَوْ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ عُرِفَ بِذَلِكَ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ هُرُوبُهُ لَيْسَ هُرُوبَ انْقِطَاعٍ، وَلَا تَوَحُّشٍ رَدَّهُ وَمَا وُجِدَ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ، وَإِنْ كَانَ هُرُوبُهُ هُرُوبَ انْقِطَاعٍ وَتَوَحُّشٍ، فَالصَّيْدُ خَاصَّةً لِصَائِدِهِ دُونَ مَا عَلَيْهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَالَ رَبُّ الصَّيْد نَدَّ مِنِّي مُنْذُ يَوْمَيْنِ وَقَالَ الصَّائِدُ لَا أَدْرِي مَتَى نَدَّ مِنْكَ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِيهَا: فَإِنْ قَالَ رَبُّهُ: نَدَّ مِنِّي مُنْذُ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ الصَّائِدُ: لَا أَدْرِي مَتَى نَدَّ مِنْك فَعَلَى رَبِّهِ الْبَيِّنَةُ وَالصَّائِدُ مُصَدَّقٌ انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ لَا يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا) ش قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي

كِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: (قُلْت) لِشَيْخِنَا أَرَأَيْتَ مَنْ أَكْتَرَى أَرْضًا فَجَرَّ السَّيْلُ أَوْ النِّيلُ لَهَا سَمَكًا أَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ لِلْمُكْتَرِي؟ قَالَ: لِرَبِّ الْأَرْضِ لِقَوْلِهَا: وَإِنْ لَمْ يَضْطَرُّوهُ، وَكَانُوا قَدْ بَعُدُوا عَنْهُ، فَهُوَ لِرَبِّ الدَّارِ انْتَهَى. ص (وَضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَ) ش، وَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ، وَمُقَابِلُهُ يُؤْكَلُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَارِّ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيَضْمَنُهُ مَجْرُوحًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا رَمَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ، فَمَرَّ بِهِ إنْسَانٌ، وَهُوَ يَتَخَبَّطُ وَأَمْكَنَتْهُ الذَّكَاةُ، فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى جَاءَ صَاحِبُهُ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْهُ؛ لِأَنَّ الْمَارَّ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ رَبِّهِ فِي كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِذَكَاتِهِ فَلَمَّا لَمْ يُذَكِّهِ صَارَ مَيِّتًا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ، فَالْمَنْصُوصُ لَا يُؤْكَلُ، وَيَضْمَنُهُ الْمَارُّ أَيْ أَنَّ الْمَنْصُوصَ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَأَجْرَى ابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَيْنِ فِي التَّرْكِ هَلْ هُوَ كَالْفِعْلِ؟ قِيلَ، وَعَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ فَيَأْكُلُهُ رَبُّهُ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ نَفْيَ الضَّمَانِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ كَانَ أَبْيَنَ فِي نَفْيِ الْغُرْمِ ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَرَزَ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ، وَأَمْكَنَتْهُ الذَّكَاةُ مِمَّا إذَا لَمْ يَرَهُ أَوْ رَآهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَرْعٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ مَرَّ بِهِ غَيْرُ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يُخَلِّصْهُ مِنْ الْجَارِحِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا قَالَ اللَّخْمِيّ: يُرِيدُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أُكِلَ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ مَرَّ بِهِ غَيْرُ صَاحِبِهِ، وَتَرَكَهُ حَتَّى فَاتَ بِنَفْسِهِ، فَلَا يُؤْكَلُ وَغَيْرُ صَاحِبِهِ فِي هَذَا مِثْلُ صَاحِبِهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ الْمَارَّ ذَكَاتُهُ، فَكَانَ كَرَبِّهِ، وَفِي هَذَا بُعْدٌ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ قَدْ عَدِمَ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَكَاتِهِ حَتَّى فَاتَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ رَآهُ فِي يَدِ الْكَلْبِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ بَلْ قَدْ يُقَالُ لَهُ قَتَلْتَهُ، فَعَلَيْك قِيمَتُهُ. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: (فُرُوعٌ) : يُتَذَاكَرُ بِهَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَلَمْ يُنْفِذْ الْكَلْبُ مَقْتَلَهُ حَتَّى مَرَّ بِهِ مَارٌّ غَيْرُ رَبِّهِ، فَتَرَكَهُ، وَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ. (قُلْت) : وَمِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ هَلْ يَضْمَنُهُ هَذَا أَمْ لَا؟ لِأَنَّ تَرْكَهُ لَهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ كَمَنْ رَأَى مَالَ رَجُلٍ فِي الْهَلَاكِ أَوْ يَتَنَاوَلُهُ رَجُلٌ أَوْ بَهِيمَةً تُتْلَفُ وَلَمْ يَسْتَنْقِذْهَا حَتَّى هَلَكَتْ أَوْ تَلِفَتْ أَنْ يَضْمَنَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى سَبُعًا يَتَنَاوَلُ نَفْسَ إنْسَانٍ، وَلَمْ يُخَلِّصْهُ مِنْهُ حَتَّى هَلَكَ أَنْ يَضْمَنَ دِيَتَهُ. وَيَجِبُ أَيْضًا فِيمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِإِحْيَاءِ حَقٍّ لِرَجُلٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ حَتَّى تَلِفَ حَقُّهُ أَنْ يَضْمَنَ لِرَبِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَثِيقَةٌ لِرَجُلٍ فِي إثْبَاتٍ، فَلَمْ يَرُدَّهَا مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ فَحَبَسَهَا حَتَّى افْتَقَرَ الرَّجُلُ أَوْ مَاتَ، وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا التَّعَدِّي وَالْإِتْلَافِ لَوْ تَعَدَّى عَلَى وَثِيقَةِ رَجُلٍ فَقَطَّعَهَا وَأَفْسَدَهَا فَتَلِفَ الْحَقُّ بِقَطْعِهَا أَنْ يَضْمَنَ أَيْضًا، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَتْلُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَا قَتْلُ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الْمُتْلِفَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ هُوَ الْإِنْسَانُ الْمَضْمُونُ بِدِيَتِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ مَرَّ عَلَى لُقَطَةٍ لَهَا قَدْرٌ. فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَخْذِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى ضَاعَتْ ضَمِنَهَا بِتَرْكِهِ إيَّاهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْآبِقِ يَجِدُهُ: إنَّهُ إنْ كَانَ لِمَنْ يَخُصُّهُ مِنْ جَارٍ أَوْ قَرِيبٍ أَخَذَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّقَطَةِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْأُولَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ بِثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ الْآخَرُ جُوعًا وَعَطَشًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِدِيَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سَقْيُ زَرْعٍ بِفَضْلِ مَائِهِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ زَرْعُ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ أُجِيفَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ عَلَى خَيْطٍ وَإِبْرَةٍ لِخِيَاطَةِ جُرْحِهِ إلَّا مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَالَ حَائِطٌ وَلِرَجُلٍ مِنْ جِيرَانِهِ حَجَرٌ أَوْ عَامُودٌ إنْ عُمِدَ بِهِ اسْتَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَلَكَ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهُ حَتَّى

هَلَكَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ وَأَمْثِلَةُ هَذَا مَعَ التَّتَبُّعِ تَكْثُرُ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ. وَإِلَى هَذَا جَمِيعِهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ص (كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ إلَى قَوْلِهِ وَعُمُدٍ وَخَشَبٍ فَيَقَعُ الْجِدَارُ) ش: وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ رَجُلٍ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِفَلَاةٍ يَمْنَعُهُ ابْنَ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلتَّلَفِ قَالَ عِيَاضٌ، وَهُوَ فِي تَعْرِيضِهِ يُشْبِهُ قَاتِلَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ بِهِ إنْ هَلَكَ قَالَ الْأَبِيُّ: مَا زَالَ الشُّيُوخُ يُنْكِرُونَ حِكَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ (فَرْعٌ) : قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ: مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ أَخَذَ ابْنُ هِشَامٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَنْ مَسْأَلَةِ الْقَفَصِ أَنَّ مَنْ أَخْفَى مَطْلُوبًا عَنْ غَرِيمِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَذَهَبَ وَلَمْ يَجِدْهُ طَالِبُهُ لَزِمَهُ غُرْمُ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ السَّجَّانُ وَالْعَوِينُ إذَا أَطْلَقَا الْغَرِيمَ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: أَخَذَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ أَنَّ مَنْ وَجَدَ دَابَّةً لِرَجُلٍ عَلَى بِئْرٍ فَسَقَاهَا فَذَهَبَتْ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا (قُلْت) : هَذَا بَيِّنٌ إنْ كَانَ إنْ تَرَكَهَا وَقَفَتْ

مسألة في من رهن أصلا وحوز للمرتهن رسمه المكتوب فتلف عند المرتهن

عَلَى الْبِئْرِ تَنْتَظِرُ مَنْ يَسْقِيهَا، وَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا ضَرَرُ الْعَطَشِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ إذَا تَرَكَهَا مَاتَتْ، فَفِي ضَمَانِهِ نَظَرٌ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ فِي مِنْ رَهَنَ أَصْلًا وَحَوَّزَ لِلْمُرْتَهِنِ رَسْمَهُ الْمَكْتُوبَ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ] (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَقَعَتْ نَازِلَةٌ وَهِيَ: أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ أَصْلًا وَحَوَّزَ لِلْمُرْتَهِنِ رَسْمَهُ الْمَكْتُوبَ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَأَفْتَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ بِرَسْمِهِ وَقِيمَتِهِ بِغَيْرِ رَسْمٍ فَأَبْيَنُهُمَا يَضْمَنُهُ أَوْ يَثْبُتُ مِلْكُ الْأَصْلِ كَمَا كَانَ انْتَهَى. مِنْ أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَقَبْلَ مَسَائِلِ الْوَدِيعَةِ بِنَحْوِ تِسْعَةِ أَوْرَاقٍ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِقَطْعِ نُخَاعٍ) ش: قَالَ فِي الصِّحَاحِ قَالَ الْكِسَائِيُّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ قَطَعْت نُخَاعَهُ وَنِخَاعَهُ وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَقُولُونَ هُوَ مَقْطُوعُ النُّخَاعِ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي جَوْفِ الْفَقَارِ وَالْمَنْخَعُ مَوْصِلُ الْفَهْقَةِ بَيْنَ الْعُنُقِ وَالرَّأْسِ مِنْ بَاطِنٍ. انْتَهَى. وَفِي الْقَامُوسِ: النُّخَاعُ مُثَلَّثَةً الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ فِي جَوْفِ الْفَقَارِ انْتَهَى وَالْفَقَارُ بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فِقْرَةٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهَا فَقَارَةٌ أَيْضًا بِالْفَتْحِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ قَالَ: وَهِيَ مَا انْتُضِدَ مِنْ عِظَامِ الصُّلْبِ مِنْ لَدُنْ الْكَاهِلِ إلَى الْعَجْبِ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا أَيْضًا فِقَرَاتٌ وَفِقَرَاتٌ وَأَقَلُّ فَقَارِ الْبَعِيرِ ثَمَانَ عَشْرَةَ فِقْرَةً قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي نَوَادِرِهِ: فَقَارُ الْإِنْسَانِ سَبْعَ عَشْرَةَ انْتَهَى وَمَعْنَى انْتُضِدَ أَيْ صَارَ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: نَضَدَ مَتَاعَهُ يَنْضِدُهُ نَضْدًا أَيْ وَضَعَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَالتَّنْضِيدُ مِثْلُهُ يُشَدَّدُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَضْعِهِ مُتَرَاصِفًا وَالنَّضَدُ بِالتَّحْرِيكِ مَتَاعُ الْبَيْتِ الْمَنْضُودِ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ انْتَهَى. وَالْكَاهِلُ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَيُقَالُ لَهُ الْحَارِكُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ الْعَجْبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَصْلُ الذَّنَبِ وَالْفَهْقَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ عَظْمٌ عِنْدَ مَرْكَبِ الْعُنُقِ، وَهُوَ أَوَّلُ الْفَقَارِ وَفَهَقْتُ الرَّجُلَ إذَا أَصَبْتُ فَهْقَتَهُ اهـ. ص (أَوْ حَشْوِهِ) ش: قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَحُشْوَةُ الْبَطْنِ وَحِشْوَتُهُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ أَمْعَاؤُهُ انْتَهَى. ص (وَثَقْبِ مُصْرَانٍ) ش: بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مَصِيرٍ مِثْلُ رَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ وَجَمْعُ مُصْرَانٍ مَصَارِينُ صَرَّحَ بِضَمِّ الْمِيمِ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ فِي بَابِ مَا يُعْرَفُ جَمْعُهُ وَيُشْكِلُ وَاحِدُهُ

وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصِّحَاحِ مِثْلُ رَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ. ص (وَذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إنْ تَمَّ بِشَعْرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْجَنِينَ إذَا ذُكِّيَتْ أُمُّهُ فَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لَهُ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَتِمَّ خَلْقُهُ، وَأَنْ يَنْبُتَ شَعْرُهُ فَيُؤْكَل حِينَئِذٍ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا وَيُسْتَحَبُّ نَحْرُهُ إنْ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ وَذَبْحُهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا لِيَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ، فَإِنْ فُقِدَ الشَّرْطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يُؤْكَلْ خَرَجَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ أَكْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ وَنَقَلَ عَنْهُ فِي الْعَارِضَةِ كَنَقْلِ الْجَمَاعَةِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ هُوَ لِنَفْسِهِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ، وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ وَخَرَجَ حَيًّا، فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ص (وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُكِّيَ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ فَيَفُوتَ) ش: يَعْنِي، وَإِنْ خَرَجَ الْجَنِينُ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ حَيًّا وَوُجِدَ فِيهِ الشَّرْطَانِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُذَكَّى إلَّا أَنْ يُبَادِرَ إلَى ذَبْحِهِ فَيَسْبِقَ بِنَفْسِهِ فَيُؤْكَلَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ حَيًّا، فَتَارَةً يَكُونُ بِهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يُرْتَجَى أَنَّهُ يَعِيشُ بِهَا أَوْ يُشَكُّ فِي ذَلِكَ، فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَتَارَةً يَكُونُ بِهِ رَمَقٌ مِنْ الْحَيَاةِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِهَا، فَيُذَكَّى إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِأَنْ يَسْبِقَهُمْ بِنَفْسِهِ فَيُؤْكَلَ وَهَلْ ذَكَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا لَمْ يَسْبِقْ بِنَفْسِهِ شَرْطٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَوْ ذَكَاتُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الَّذِي عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِمَالِكٍ وَجَمِيعِ

فرع أكل المشيمة

أَصْحَابِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْبَيَانِ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَاتَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِمَوْتِهَا أَوْ أَبْطَأَ مَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ تُرِكَ فِي بَطْنِهَا حَتَّى مَاتَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ أَيْضًا، وَالْمُرَادُ بِتَمَامِ خَلْقِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَّ هُوَ بِنَفْسِهِ لِإِتْمَامِ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ فَلَوْ خُلِقَ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَتَمَّ خَلْقُهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ نَقْصُهُ مِنْ تَمَامِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالِ الْأَشْيَاخِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ شَعْرُ جَسَدِهِ لَا شَعْرُ عَيْنِهِ فَقَطْ خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْوَقْتِ، وَفَتْوَى بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا انْتَهَى. [فَرْعٌ أَكْلِ الْمَشِيمَةِ] (فَرْعٌ) : نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ جَوَازَ أَكْلِ الْمَشِيمَةِ وَهِيَ بِمِيمَيْنِ وِعَاءُ الْوَلَدِ، وَأَفْتَى الصَّائِغُ بِمَنْعِ أَكْلِهِ. وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ إنْ أَكَلَ الْجَنِينَ أُكِلَتْ اُنْظُرْ ابْنُ عَرَفَةَ. [فَرْعٌ أَكُلّ مَا فِي بَطْن الدَّجَاجَةُ] (فَرْعٌ) : وَأَمَّا الدَّجَاجَةُ، فَيُؤْكَلُ مَا فِي بَطْنِهَا إذَا ذُكِّيَتْ تَمَّ خَلْقُهُ أَمْ لَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. ص (وَذُكِّيَ الْمَزْلَقُ) ش: مَزْلَقٌ كَمُكْرَمٍ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَزْلَقَ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: أَزْلَقَتْ النَّاقَةُ أَسْقَطَتْ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ الْمُزْلَقَ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الرُّوحِ مَا يُرَى أَنَّ مِثْلَهُ يَعِيشُ، فَإِنَّهُ يُذَكَّى وَيُؤْكَلُ، فَإِنْ لَمْ يُذَكَّ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ شُكَّ هَلْ يَعِيشُ أَمْ لَا لَمْ يُؤْكَلْ لَا بِذَكَاةٍ، وَلَا بِغَيْرِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُعَجَّلْ كَقَطْعِ جَنَاحٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تُؤْكَلُ مَيْتَةُ الْجَرَادِ، وَلَا مَا مَاتَ مِنْهُ فِي الْغَدَائِرِ، وَلَا يُؤْكَلُ إلَّا مَا قُلِعَتْ رَأْسُهُ أَوْ سُلِقَ أَوْ قُلِيَ أَوْ شُوِيَ حَيًّا، وَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ رَأْسُهُ وَلَوْ قُطِعَتْ أَرْجُلُهُ أَوْ أَجْنِحَتُهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَأُكِلَ انْتَهَى. يُرِيدُ، وَلَا تُؤْكَلُ الرِّجْلُ الْمَقْطُوعَةُ، وَلَا الْيَدُ وَنَحْوُهَا، فَإِنْ سُلِقَ مِنْهَا مَعَ مَيِّتٍ أَوْ قُطِعَتْ أَرْجُلُهَا أَوْ أَجْنِحَتُهَا، ثُمَّ سُلِقَتْ مَعَهَا فَقَالَ أَشْهَبُ: يُطْرَحُ جَمِيعُهُ وَأَكْلُهُ حَرَامٌ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: تُؤْكَلُ الْأَحْيَاءُ بِمَنْزِلَةِ خَشَاشِ الْأَرْضِ تَمُوتُ فِي قِدْرٍ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْخَشَاشَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ] (فَرْعٌ) صَرَّحَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْخَشَاشِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخَشَاشَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ انْتَهَى.

باب المباح طعام طاهر

[بَابٌ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ] ٌ ص (وَالْبَحْرِيُّ، وَإِنْ مَيِّتًا) ش: أَيْ، وَإِنْ وُجِدَ طَافِيًا مَيِّتًا بِنَفْسِهِ (فَرْعٌ) : قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَإِذَا وُجِدَ حُوتٌ فِي بَطْنِ حُوتٍ أُكِلَ، وَإِنْ وُجِدَ فِي بَطْنِ طَيْرٍ مَيِّتٍ فَقِيلَ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ جَوَازُ أَكْلِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ حُوتٌ فِي نَجَاسَةٍ، فَإِنَّهُ يُغْسَلُ، وَيُؤْكَلُ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَفَرَّقَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ بِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي نَجَاسَةٍ أَخَفُّ بِخِلَافِ حُصُولِهِ فِي بَطْنِ الطَّيْرِ إذَا مَرَّ عَلَيْهِ زَمَانٌ تَسْرِي فِيهِ النَّجَاسَةُ بِالْحَرَارَةِ، فَأَشْبَهَ طَبْخَ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ النَّارُ فِي الْحَرَارَةِ أَشَدُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَصَلَتْ فِي بَطْنِ خِنْزِيرٍ، وَمَاتَ، فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُطَهَّرُ زَيْتٌ خُولِطَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ مَلَّحَ حِيتَانًا، فَوَجَدَ فِيهَا ضَفَادِعَ مَيِّتَةً أُكِلَتْ قِيلَ الضَّمِيرُ لِلضَّفَادِعِ، وَقِيلَ لِلْحِيتَانِ وَالْجَمِيعُ يُؤْكَلُ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحُ ذِكْرُ غَمْسِهِ فِي النَّارِ حَيًّا أَوْ فِي الطِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ، وَنَصُّ مَا فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحُوتِ يُوجَدُ حَيًّا أَيُقْطَعُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مَيِّتًا أُكِلَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَأَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ، وَهُوَ حَيٌّ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ كَرِهَهُ فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي مَوْضِعَيْنِ: كَرَاهِيَةً غَيْرَ شَدِيدَةٍ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْإِبَاحَةُ، وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحُوتَ لَمَّا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَذْكِيَةٍ، وَكَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ فِي الْمَاءِ، وَأَنْ يَقْطَعَهُ فِيهِ إنْ شَاءَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَاءِ، وَالْوَجْهُ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنَّ الْحُوتَ مُذَكًّى، فَالْحَيَاةُ الَّتِي تَبْقَى فِيهِ بَعْدَ صَيْدِهِ تُشَابِهُ الْحَيَاةَ الَّتِي تَبْقَى فِي الذَّبِيحَةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا، فَيُكْرَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُكْرَهُ فِي الْآخَرِ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ. وَسُئِلَ عَنْ الْحِيتَانِ تُصَادُ فَتُغْمَسُ رُءُوسُهَا فِي الطِّينِ لِتَمُوتَ فَكَرِهَهُ، وَلَمْ يَرَهُ شَدِيدًا، وَنَصُّ مَا فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي. وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْحُوتِ أَيُطْرَحُ فِي النَّارِ حَيًّا، قَالَ مَا أَكْرَهُهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَهُوَ إنْ تَرَكَهُ قَلِيلًا مَاتَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إثْرَ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا فِي طَرْحِ الْحُوتِ فِي النَّارِ حَيًّا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَضَى فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ مَضَى هُنَاكَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَطَيْرٌ وَلَوْ جَلَّالَةً) ش: الْجَلَّالَةُ فِي اللُّغَةِ الْبَقَرَةُ الَّتِي تَتْبَعُ النَّجَاسَاتِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْجَلَّالَةُ الْبَقَرَةُ الَّتِي تَتْبَعُ النَّجَاسَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ «نَهْيٌ عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ» انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْفُقَهَاءُ اسْتَعْمَلُوهَا فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: الْجَلَّالَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالْجِلَّةَ الْبَعْرَ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الْعَذِرَةِ انْتَهَى. وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِلَوْ الْمُشْعِرَةِ بِالْخِلَافِ تَبَعًا لِلَّخْمِيِّ قَالَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ وَفِي اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: اُخْتُلِفَ فِي الْحَيَوَانِ يُصِيبُ النَّجَاسَةَ هَلْ تَنْقُلُهُ عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، فَقِيلَ هُوَ عَلَى حُكْمِهِ فِي الْأَصْلِ فِي أَسْآرِهَا وَأَعْرَاقِهَا وَلُحُومِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، وَقِيلَ تَنْقُلُهُ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ نَجِسٌ انْتَهَى. وَلَمْ يَتْبَعْ فِي حِكَايَتِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى إبَاحَةِ الْجَلَّالَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْهُ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَكْلِ ذَوَاتِ الْحَوَاصِلِ مِنْ الْجَلَّالَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَوَاتِ الْكِرْشِ فَكَرِهَ جَمَاعَةٌ أَكْلَ الْجَلَّالَةِ مِنْهَا وَشُرْبَ أَلْبَانِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ أَكْلَ لَحْمِ الْمَاشِيَةِ وَالطَّيْرِ الَّذِي يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ حَلَالٌ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَلْبَانِ وَالْأَبْوَالِ

وَالْأَعْرَاقِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ. انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ . ص (وَنَعَمٌ) ش تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الذَّكَاةِ أَنَّ النَّعَمَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَالْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةُ الْغَوَّاصِ وَقَالُوا إنَّهُ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ، وَقِيلَ إنَّهُ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْغَنَمِ وَكَلَامُ الْمُحْكَمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ دُونَ الْبَقَرِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ: اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَنْعَامَ فِي الثَّمَانِيَةِ الْأَزْوَاجِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: 142] وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ غَالِبَ مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَاءَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ انْتَهَى. (قُلْت) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ غَرِيبٌ إنَّمَا رَأَيْتُهُ فِي لَفْظِ النَّعَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْأَلْغَازِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُمْنَعُ مِنْ ذَبْحِ الْفَتِيِّ مِنْ الْإِبِلِ مِمَّا فِيهِ الْحَمُولَةُ وَذَبْحِ الْفَتِيِّ مِنْ الْبَقَرِ مِمَّا هُوَ لِلْحَرْثِ وَذَبْحِ ذَوَاتِ الدَّرِّ مِنْ الْغَنَمِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لِلنَّاسِ فَتُمْنَعُ الْمَصْلَحَةُ الْخَاصَّةُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْغَصْبِ انْتَهَى. مِنْ الذَّبَائِحِ، وَانْظُرْ أَوَّلَ كِتَابِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ مِنْ الْبَيَانِ وَالْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكِّبْ عَنْ ذَوَاتِ الدَّرِّ ص (وَقُنْفُذٌ) ش: بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ، وَقَدْ تُفْتَحُ وَآخِرَهُ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ وَالْأُنْثَى قُنْفُذَةٌ، وَجَمْعُهُ قَنَافِذُ، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ: شَيْهَمٌ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ اُنْظُرْ الْقَامُوسَ وَالصِّحَاحَ فِي فَصْلِ الْقَافِ مِنْ بَابِ الذَّالِ وَفَصْلَ الشِّينِ مِنْ بَابِ الْمِيمِ وَضِيَاءُ الْحُلْقُومِ. ص (وَحَيَّةٌ أُمِنَ سُمُّهَا وَخَشَاشُ أَرْضٍ) ش: قَالَ: فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ، وَإِذَا ذُكِّيَتْ الْحَيَّاتُ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَهَوَامِّهَا وَذَكَاةُ ذَلِكَ كَذَكَاةِ الْجَرَادِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَوْضِعُ ذَكَاتِهَا يُرِيدُ حَلْقَهَا، وَهُوَ مَوْضِعُ الذَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صِفَةُ ذَكَاتِهَا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ جِهَةِ ذَنَبِهَا مِقْدَارٌ خَاصٌّ فَإِنْ كَانَ اثْنَانِ وَضَعَ أَحَدُهُمَا الْمُوسَى عَلَى حَلْقِهَا وَالْآخَرُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ ذَنَبِهَا فَيَقْطَعَانِ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُذَكِّي وَاحِدًا جَمَعَ طَرَفَيْهَا، وَوَضَعَ الْمُوسَى عَلَى ذَلِكَ، وَقَطَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ وَقَالَ أَشْهَبُ: وَتُؤْخَذُ بِرِفْقٍ وَمَهَلٍ، وَلَا يَغِيظُهَا لِئَلَّا يَسْرِيَ السُّمُّ فِيهَا، وَقَوْلُهُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا الشَّيْخُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ أَكْلُهَا لِمَنْ يَحْتَاجُ لَهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ أَكْلُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَائِدَةٌ ذَكَاةُ الْحَيَّةِ لَا يُحْكِمُهَا إلَّا طَبِيبٌ مَاهِرٌ وَصِفَتُهَا أَنْ يُمْسِكَ بِرَأْسِهَا وَذَنَبِهَا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَتُثْنَى عَلَى مِسْمَارٍ مَضْرُوبٍ فِي لَوْحٍ، ثُمَّ تُضْرَبُ بِآلَةٍ حَادَّةٍ رَزِينَةٍ عَلَيْهَا، وَهِيَ مَمْدُودَةٌ عَلَى الْخَشَبَةِ فِي حَدِّ الرَّقِيقِ مِنْ رَقَبَتِهَا وَذَنَبِهَا مِنْ الْغَلِيظِ الَّذِي هُوَ وَسَطُهَا، وَيُقْطَعُ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَمَتَى بَقِيَتْ جِلْدَةٌ يَسِيرَةٌ فَسَدَتْ، وَقَتَلَتْ بِوَاسِطَةِ جَرَيَانِ السُّمِّ مِنْ رَأْسِهَا فِي جِسْمِهَا بِسَبَبِ غَضَبِهَا أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ السُّمِّ مِنْ ذَنَبِهَا فِي جِسْمِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ: تَنْبِيهٌ: الْحَيَّةُ مَتَى أُكِلَتْ بِالْعَقْرِ قُتِلَ آكِلُهَا بَلْ لَا يُمْكِنُ أَكْلُهَا إلَّا بِذَكَاةٍ مَخْصُوصَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْأَطْعِمَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ بَشِيرٍ ذُو السُّمِّ إنْ خِيفَ مِنْهُ حَرَامٌ، وَإِلَّا حَلَّ الْبَاجِيُّ لَا تُؤْكَلُ حَيَّةٌ، وَلَا عَقْرَبٌ الْأَبْهَرِيُّ إنَّمَا كُرِهَتْ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِنْ السِّبَاعِ وَالْخَوْفِ مِنْ سُمِّهَا، وَلَمْ يَقُمْ عَلَى حُرْمَتِهَا دَلِيلٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ تَدَاوِيًا، وَلِذَا أُبِيحَ التِّرْيَاقُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ كَرَاهَةَ الْعَقْرَبِ، وَذَكَاتُهَا قَطْعُ رَأْسِهَا، وَفِي ثَانِي حَجِّهَا لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْحَيَّةَ إذَا ذُكِّيَتْ، وَلَا أَحْفَظُ عَنْهُ فِي الْعَقْرَبِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِمَشْهُورِيَّةِ إبَاحَةِ الْعَقْرَبِ، وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَقْرَبِ وَالْمَشْهُورُ إبَاحَتُهَا، وَقِيلَ تُكْرَهُ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ وَخُشَاشُ أَرْضٍ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ خَشَاشِ الْأَرْضِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً وَضَبَطَهُ عِيَاضٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ ضَمَّهَا انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْأَفْصَحُ فِي الْخَشَاشِ فَتْحُ الْخَاءِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُؤْكَلُ خَشَاشُ الْأَرْضِ وَذَكَاتُهَا كَالْجَرَادِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَهَوَامِّهَا، وَذَكَاةُ ذَلِكَ كَذَكَاةِ الْجَرَادِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَكْلُ الْخَشَاشِ مَكْرُوهٌ. وَفِي ابْنِ بَشِيرٍ الْمُخَالِفُونَ يَحْكُونَ عَنْ الْمَذْهَبِ جَوَازَ أَكْلِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَ الْمُخَالِفُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ قَالَ مَالِكٌ: حَشَرَاتُ الْأَرْضِ مَكْرُوهَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: مُحَرَّمَةٌ، وَلَيْسَ لِعُلَمَائِنَا فِيهَا مُتَعَلَّقٌ، وَلَا لِلتَّوَقُّفِ عَنْ تَحْرِيمِهَا مَعْنًى، وَلَا فِي ذَلِكَ شَكٌّ، وَلَا لِأَحَدٍ عَنْ الْقَطْعِ بِتَحْرِيمِهَا عُذْرٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ حَكَى الْمُخَالِفُ عَنْ الْمَذْهَبِ جَوَازَ أَكْلِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَكُلُّ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِهِ خِلَافُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ احْتَاجَ إلَى أَكْلِ شَيْءٍ مِنْ الْخَشَاشِ ذَكَّاهُ كَالْجَرَادِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالْجُنْدُبِ وَالزُّنْبُورِ وَالْيَعْسُوبِ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ وَالسُّوسِ وَالْحَلَمِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الْجَوَاهِرِ نَحْوَ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْمُسْتَقْذَرَاتِ مَا نَصُّهُ، وَالْعَجَبُ مِنْ نَقْلِ الْجَوَاهِرِ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ خَشَاشِ الْأَرْضِ وَهَوَامِّهَا، ثُمَّ قَالَ وَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ مِنْ الْخَبَائِثِ بَعْدَ الْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ وَالْحَيَّاتِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا، وَلَا تُؤْكَلُ الْفَأْرَةُ وَالْمُسْتَقْذِرَات مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ كَالْوَزَغِ وَالْعَقَارِبِ، وَلَا مَا يُخَافُ ضَرَرُهُ كَالْحَيَّاتِ. وَالنَّبَاتَاتُ كُلُّهَا مُبَاحَةٌ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ يُغَطِّي عَلَى الْعَقْلِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْوَزَغِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ الْخَشَاشِ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَخِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَالْخُشَاشُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا دَمَ لَهُ قَالَ قُطْرُبٌ الْخُشَاشُ بِالضَّمِّ خُشَاشُ الْأَرْضِ وَبِالْكَسْرِ الْعَظْمُ الَّذِي فِي أَنْفِ النَّاقَةِ وَبِالْفَتْحِ الرَّجُلُ الْخَفِيفُ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَخُشَاشُ الْأَرْضِ الزُّنْبُورُ وَالْعَقْرَبُ وَالصَّرَّارُ وَالْخُنْفُسَاءُ وَبَنَاتُ وَرْدَانَ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ النَّمْلُ وَالْجَرَادُ وَالْعَنْكَبُوتُ، وَلَيْسَ مِنْهُ الْوَزَغُ، وَلَا السَّحَالِي، وَلَا شَحْمَةُ الْأَرْضِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: الْوَزَغُ مِنْ الْخُشَاشِ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ لَحْمٍ وَدَمٍ مِنْ جِنْسِ الْحَنَشِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا الْكَافِي لَا يُؤْكَلُ الْوَزَغُ انْتَهَى. وَصَرَّحَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّهُ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، فَقَالَ: فَمَيْتَةُ بَرِّيٍّ ذِي نَفْسٍ سَائِلَةٍ غَيْرِ إنْسَانٍ كَالْوَزَغِ نَجِسٌ وَنَقِيضُهَا طَاهِرٌ، وَفِي الْآدَمِيِّ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْفَأْرَةِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيهَا وَالثَّانِي الْكَرَاهَةُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَرَأَيْت فِي مَجْهُولِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْمَشْهُورَ التَّحْرِيمُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْ أَكْلِهَا وَنَجَاسَةِ بَوْلِهَا أَظْهَرُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: بَوْلُهَا أَيْ الْفَأْرَةِ وَبَوْلُ الْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُمَا نَجِسٌ وَفِي الْوَجِيزِ لِابْنِ غَلَّابٍ إلْحَاقُ الْوَطْوَاطِ بِالْفَأْرَةِ فِي الْبَوْلِ وَاللَّحْمِ وَلَعَلَّهُ مِنْ هُنَا أَخَذَهُ انْتَهَى. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَدُودُ الطَّعَامِ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ كَغَيْرِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَحْرُمُ أَكْلُ دُودِ الطَّعَامِ مَعَهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنُ هَارُونَ لَمْ أَجِدْهُ إلَّا قَوْلَ أَبِي عُمَرَ رَخَّصَ قَوْمٌ فِي أَكْلِ دُودِ التِّينِ وَسُوسِ الْفُولِ وَالطَّعَامِ وَفِرَاخِ النَّحْلِ لِعَدَمِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ وَمَنَعُوا أَكْلَهُ

وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ التَّلْقِينِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً كَالْعَقْرَبِ هُوَ كَدَوَابِّ الْبَحْرِ لَا يَنْجُسُ، وَلَا يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ، وَكَذَا ذُبَابُ الْعَسَلِ وَالْبَاقِلَاء وَدُودُ النَّخْلِ يَدُلُّ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِسَائِرِ الْخَشَاشِ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ قُلْت: هَذَا جَرَى عَلَى حَمْلِهِ مَذْهَبَ الْبَغْدَادِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْخَشَاشَ يَفْتَقِرُ لِذَكَاةٍ، وَاَلَّذِي تَلَقَّيْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ شُيُوخِنَا عَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُمْ يُبِيحُونَ أَكْلَ الْخَشَاشِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي فِي دُودِ الطَّعَامِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِلْمَشَقَّةِ فِي الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا أَفْتَانَا فِي رَوْثِ الْفَأْرِ إذَا كَثُرَ فِي الطَّعَامِ، فَإِنَّهُ مُغْتَفَرٌ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَلِلْمَشَقَّةِ وَقَالَ قَبْلَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ. : وَسُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَمَّنْ أَكَلَ تَمْرَةً فَوَجَدَ فِيهَا دُودَةً حَيَّةً، فَهَلْ يَبْلَعُهَا أَوْ يُلْقِيهَا وَكَيْفَ لَوْ ابْتَلَعَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ هَلْ ابْتَلَعَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا فَيَأْثَمُ وَمِثْلُهُ دُودُ الْخَلِّ وَشَبَهُهُ؟ فَأَجَابَ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَلَى دُودِ التَّمْرِ وَالْعَسَلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ انْتَهَى ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَكَلَامُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَقُبِلَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ: (فَإِنْ قُلْت) رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُوتِيَ بِتَمْرٍ عَتِيقٍ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ» ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ (فَالْجَوَابُ) : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِإِعَافَةِ نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَعَلَ فِي الضَّبِّ، فَإِنْ انْفَرَدَ عَنْ الطَّعَامِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْخُشَاشِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَصِيرٌ وَفُقَّاعٌ وَسُوبْيَا وَعَقِيدٌ أُمِنَ سَكَرُهُ) ش: الْعَصِيرُ هُوَ مَاءُ الْعِنَبِ أَوَّلَ عَصْرِهِ وَالْفُقَّاعُ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْقَمْحِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِ وَالسُّوبْيَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْفُقَّاعِ وَالْعَقِيدُ هُوَ الْعَصِيرُ إذَا عُقِدَ عَلَى النَّارِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: الْعَصِيرُ مَاءُ الْعِنَبِ أَوَّلَ عَصْرِهِ بِلَا زَائِدٍ وَالْفُقَّاعُ مَاءٌ جُعِلَ فِيهِ الزَّبِيبُ وَنَحْوُهُ حَتَّى انْحَلَّ إلَيْهِ دُونَ إسْكَارٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ حَلَالٌ مَا لَمْ تَدْخُلْهَا الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ وَالسُّوبْيَا فُقَّاعٌ يَمِيلُ إلَى الْحُمُوضَةِ وَالْعَقِيدُ هُوَ الْعَصِيرُ الْمَغْلِيُّ عَلَى النَّارِ حَتَّى يَنْعَقِدَ وَيَذْهَبَ مِنْهُ الْإِسْكَارُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالرُّبِّ الصَّامِتِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ، وَكُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ الْمَطْبُوخَ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يُكْرَهْ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَلَكِنْ إذَا طُبِخَ حَتَّى لَا يُسْكِرَ كَثِيرُهُ حَلَّ، فَإِنْ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ انْتَهَى. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ الْعِنَبَ إذَا كَثُرَتْ مَائِيَّتُهُ احْتَاجَ إلَى طَبْخٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلَّتْ فَطَبْخٌ قَلِيلٌ، وَذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَصِيرُ الْعِنَبِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ تُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ بِزَمَانٍ، وَلَا هَيْئَةٍ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أُمِنَ سَكَرُهُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا: وَأَمَّا مَا يُغَطِّي الْعَقْلَ فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الْقَدْرِ الْمُغَطِّي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَا لَا يُغَطِّي مِنْ الْمُسْكِرِ كَمَا يُغَطِّي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعٌ الْخَمْرُ، وَهُوَ مَا فِيهِ طَرَبٌ وَشِدَّةٌ وَنَشْوَةٌ، وَيُغَيِّبُ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ، وَالْبَنْجُ وَهِيَ الْحَشِيشَةُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ هِيَ مُسْكِرَةٌ أَوْ مُفْسِدَةٌ وَالْمُفْسِدُ مَا صَوَّرَ خَيَّالَاتٍ دُونَ تَغْيِيبِ حَوَاسَّ، وَلَا طَرَبٍ، وَلَا نَشْوَةٍ، وَلَا شِدَّةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي

فائدة أسماء الأنبذة أربعة عشر

تَحْرِيمِ الْقَدْرِ الْمُفْسِدِ وَالْأَفْيُونُ، وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ يُغَيِّبُ الْحَوَاسَّ، وَلَا يَذْهَبُ بِالْعَقْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَنْقِيطَ وَالدَّرِيقَةَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ، وَلَمْ أَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ، فَانْظُرْهُ وَالْجَوْزَاءُ مِنْ الْمُخَدِّرَاتِ، وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا الْفَاسِيِّينَ بِطَرْحِهَا فِي الْوَادِي، فَقَالَ غَيْرُهُ: لَوْ اُسْتُفْتِيتُ عَلَيْهِ لَغَرَّمْتُهُ إيَّاهَا فَانْظُرْ ذَلِكَ وَأَمَّا الطِّينُ فَكَرِهَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَفْعَلُهُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الْحِمَّصِ مِنْ الطَّفْلِ، وَهَلْ مَا يَصْنَعُ بِهِ أَهْلُ الْمَغْرِبِ مِنْ الْمَغْرَةِ الْهَرِيسِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ هِيَ كَالْمِلْحِ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ، وَلَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، فَانْظُرْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الشَّرْحِ: وَحَكَى خَلِيلٌ عَنْ شُيُوخِهِ خِلَافًا فِي الْحَشِيشَةِ هَلْ هِيَ مُسْكِرَةٌ أَمْ لَا؟ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ يَنُبْنِي عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الْقَلِيلِ وَتَنْجِيسُ الْعَيْنِ وَلُزُومُ الْحَدِّ وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: إنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ قَلْيِهَا وَتَكْيِيفِهَا لَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمُخْتَصَرِ فِي فَصْلِ الطَّاهِرِ مَيِّتُ مَا لَا دَمَ لَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا الْمُسْكِرَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ الْأَنْبِذَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ] (فَائِدَةٌ) : أَسْمَاءُ الْأَنْبِذَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (الْأَوَّلُ) : الْفَضِيخُ: وَهُوَ بُسْرٌ يُرَضُّ، ثُمَّ يُلْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُقَالُ لَهُ الْفَضُوخُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ بِالْفَضِيخِ وَلَكِنَّهُ الْفَضُوخُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَفْضَخُ الرَّأْسَ وَالْبَدَنَ. (الثَّانِي) : الْبِتْعُ، وَهُوَ شَرَابُ الْعَسَلِ. (الثَّالِثُ) : النَّزْرُ وَيُتَّخَذُ مِنْ الْبَزِّ وَالشَّعِيرِ عَادَةً. (الرَّابِعُ) : الْغُبَيْرَاءُ وَفِي الْحَدِيثِ «إيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ، فَإِنَّهَا خَمْرُ الْعَالِمِ» ، وَهُوَ شَرَابُ الذُّرَةِ يَصْنَعُهُ الْحَبَشُ، وَهُوَ السُّكْرَكَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ، وَقَدْ تُضَمُّ وَالْكَافُ الثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ، وَهُوَ الِاسْمُ الْخَامِسُ. (السَّادِسُ) : الْمُغَيَّرُ، وَهُوَ مَا يُغَيَّرُ بِالنَّارِ أَوْ بِمَا يُلْقَى فِيهِ حَتَّى يَسْكُنَ غَلَيَانُهُ، وَيَنْحَرِفُ عَنْ حَالِهِ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ بِالْبَدَنِ. (السَّابِعُ) : الْجِعَةُ، وَهُوَ شَرَابُ الشَّعِيرِ. (الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ) : الْبَاذَقُ وَالطِّلَاءُ وَالنَّخْتَجُ وَالْجُمْهُورِيُّ هُوَ الْمَطْبُوخُ كُلُّهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ (الثَّانِيَ عَشَرَ) : الْمُزَّاءُ هُوَ نَبِيذُ الْبُسْرِ وَقِيلَ هُوَ النَّبِيذُ فِي الْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ (الثَّالِثَ عَشَرَ) الْمُقْدَى بِفَتْحِ الدَّالِ شَرَابٌ يُنْسَبُ إلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى دِمَشْقَ يُقَالُ لَهَا مَقْدِيَةُ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَهُوَ عِنْدِي بِتَشْدِيدِهَا قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْكِتَابِ يَجُوزُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِهَا فَمَنْ شَدَّدَ الدَّالَ جَعَلَهُ مَنْسُوبًا إلَى مَقَدَّ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالشَّامِ وَمَنْ خَفَّفَ الدَّالَ نَسَبَهُ إلَى مَقْدِيَةَ مُخَفَّفَةِ الدَّالِ وَهِيَ حِصْنٌ بِدِمَشْقَ مَعْرُوفٌ انْتَهَى. وَضَبَطَهُ فِي الصِّحَاحِ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَنَسَبَهُ إلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِ، وَوَهَّمَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ (الرَّابِعَ عَشَرَ) : الْعَصْفُ، وَهُوَ أَنْ يُشْدَخَ الْعِنَبُ، ثُمَّ يُعْمَل فِي وِعَاءٍ حَتَّى يَغْلِيَ، وَقَدْ يُتَّخَذُ مِنْ الدِّبْسِ، وَهُوَ عَسَلُ التَّمْرِ وَكُلُّ مَطْعُومٍ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهُ نَبِيذٌ، وَقَدْ أَرَاحَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . ص (وَلِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَعَلَّهُ مَا يُشْبِعُ فَتَصَحَّفَ بِ يَسُدُّ. [تَنْبِيهٌ حُكْم أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْعَاصِيَّ بِسَفَرِهِ] (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْقَوَانِينَ لِابْنِ جَزِّي: وَيَتَرَخَّصُ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ ذَلِكَ إلَّا مِمَّنْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَلَهَا أَنْ تُمَكِّنَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إكْرَاهٌ وَلَيْسَتْ كَالرَّجُلِ يُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ كَالْمَرْأَةِ لَا تَجِدُ مَنْ يَسُدُّ رَمَقَهَا إلَّا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا ابْنُ غَازِيٍّ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا أُكِلَ الْخِنْزِيرُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَذْكِيَتُهُ] ص (وَقُدِّمَ الْمَيِّتُ عَلَى خِنْزِيرٍ) ش: (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْقَوَانِينَ: إذَا أُكِلَ

فرع ولو وجد حمارا أهليا لأكله ولم يأكل الصيد

الْخِنْزِيرُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَذْكِيَتُهُ. ص (وَصَيْدٍ لِمُحْرِمٍ لَا لَحْمِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَيْتَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَيْتَةُ مُتَغَيِّرَةً يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَكْلِهَا انْتَهَى. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجِّ لَمَّا أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ قَالَ: وَقُيِّدَ الْأَوَّلُ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَغَيِّرَةً يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا. [فَرْعٌ وَلَوْ وَجَدَ حِمَارًا أَهْلِيًّا لَأَكَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ الصَّيْدَ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ: وَلَوْ وَجَدَ حِمَارًا أَهْلِيًّا لَأَكَلَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ الصَّيْدَ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ انْتَهَى. مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ. ص (وَطَعَامِ غَيْرٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: طَعَامٌ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا لَحْمِهِ قَالَ فِي الْقَوَانِينَ: وَإِذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامَ الْغَيْرِ أَكَلَ الطَّعَامَ إنْ أَمِنَ أَنْ يُعَدَّ سَارِقًا، وَضَمِنَهُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ، وَلْيَقْتَصِرْ مِنْهُ عَلَى شِبَعِهِ، وَلَا يَتَزَوَّدُ مِنْهُ انْتَهَى. ص (وَالْمُحَرَّمُ النَّجِسُ) ش: شَمِلَ قَوْلُهُ: وَالْمُحَرَّمُ النَّجِسُ الدَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي فَصْلِ الطَّاهِرِ مَيِّتُ مَا لَا دَمَ لَهُ أَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ، وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ نَجِسٌ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَدَمُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ. وَلَيْسَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ لَحْمِهِ وَدَمُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَبْلَ الذَّكَاةِ كَذَلِكَ وَبَعْدَهَا يَحْرُمُ الْمَسْفُوحُ، وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عِنْدَ الذَّبْحِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ الشَّاةُ قَبْلَ تَقْطِيعِهَا وَظُهُورِ دَمِهَا كَالْمَشْوِيَّةِ جَازَ أَكْلُهَا اتِّفَاقًا، وَإِنْ قُطِّعَتْ فَظَهَرَ الدَّمُ، فَقَالَ مَرَّةً حَرَامٌ وَحَمَلَ الْإِبَاحَةَ عَلَى مَا لَمْ يَظْهَرْ نَفْيًا لِحَرَجِ التَّتَبُّعِ وَمَرَّةً قَالَ: حَلَالٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَلَوْ خَرَجَ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا وَدَمُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ، وَهُوَ الْحُوتُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ حَلَالٌ وَالْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهِ وَعَدَمِ حِلِّهِ أَوْلَى، وَمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِذَكَاتِهِ تَحْرُمُ رُطُوبَتُهُ قَبْلَ الذَّكَاةِ، وَيُخْتَلَفُ فِيمَا ظَهَرَ بَعْدَهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهَا، فَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ يُخْتَلَفُ فِيهِ إذَا فَارَقَ. [فَرْعٌ يُوجَدُ فِي وَسَطِ صُفَارِ الْبَيْضِ أَحْيَانًا نُقْطَةُ دَمٍ هَلْ هِيَ طَاهِرَة] (فَرْعٌ) : يُوجَدُ فِي وَسَطِ صُفَارِ الْبَيْضِ أَحْيَانًا نُقْطَةُ دَمٍ فَمُقْتَضَى مُرَاعَاةِ السَّفْحِ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ لَا تَكُونُ نَجِسَةً، وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهَا مَعَ جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ غَيْرُهُ انْتَهَى. كَلَامُهُ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَيْضًا الْخَمْرَ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لَا يَحْرُمُ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ وَالْمُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا أَسْكَرَ إلَّا الْقَلِيلَ قَالَهُ فِي الْقَوَانِينَ وَمَذْهَبُ صَاحِبَيْهِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ إنَّ مَا أَسْكَرَ حَرَامٌ

فرع إذا وجدت الخمر عند أحد من المسلمين

كَانَ مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا وُجِدَتْ الْخَمْر عِنْد أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ خَمْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُرِيقَتْ عَلَيْهِ وَكُسِرَتْ ظُرُوفُهَا أَوْ شُقَّتْ تَأْدِيبًا لَهُ انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقَوْلَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي ظُرُوفِ الْخَمْرِ، فَقِيلَ تُكْسَرُ جَمِيعُهَا وَتُشَقُّ، وَقِيلَ يُكْسَرُ مِنْهَا وَيُشَقُّ مَا أَفْسَدَتْهُ الْخَمْرُ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ دُونَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا زَالَتْ مِنْهُ الرَّائِحَةُ وَقِيلَ أَمَّا الزِّقَاقُ، فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَأَمَّا الْقِلَالُ، فَيُطْبَخُ فِيهَا الْمَاءُ مَرَّتَيْنِ، وَيُنْتَفَعُ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ إهْدَاءِ الرَّاوِيَةِ مِنْ الْخَمْرِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوَانِي الْخَمْرِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُضَرَّاةً بِالْخَمْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ إذَا غُسِلَتْ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. ص (وَبَغْلٌ وَفَرَسٌ وَحِمَارٌ) ش: أَمَّا الْخَيْلُ فَذَكَرُوا فِيهَا هُنَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْمَنْعَ، وَالْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ، وَلَمْ يَحْكُوا هُنَا فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إلَّا الْمَنْعَ وَالْكَرَاهَةَ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ الْإِبَاحَةَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْبَقَرُ تُذْبَحُ فَإِنْ نُحِرَتْ أُكِلَتْ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْخَيْلُ فِي الذَّكَاةِ كَالْبَقَرِ، وَكَذَلِكَ الْبِغَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَالْحَمِيرُ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ أَوْ الْإِبَاحَةُ، وَالْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ فِيهَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ مَالِكٍ، فَذَكَرَ عَنْهُ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ، وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى. (قُلْت) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْأَوَانِي مِنْ جِلْدِ الْمُذَكَّى الْمَأْكُولِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ: وَيُطَهَّرُ بِالذَّكَاةِ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ وَعَظْمِهِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يُؤْكَلُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ كَالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ إذَا ذُكِّيَتْ طَهُرَتْ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهَا وَمَنْعِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُطَهَّرُ بِالذَّبْحِ بَلْ تَصِيرُ مَيْتَةً انْتَهَى كَلَامُ الْجَوَاهِرِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. فَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهَا الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْإِبَاحَةُ إلَّا إنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ يَقْتَضِي تَرْكَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَعْرُوفَتَيْنِ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ فَتَأَمَّلْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الْكَرَاهَةِ فِيهَا فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَحْرُ إبِلٍ. ص (وَالْمَكْرُوهُ سَبُعٌ وَضَبُعٌ وَثَعْلَبٌ وَذِئْبٌ) ش: مَنَاطُ الْكَرَاهَةِ فِي هَذِهِ كُلِّهَا الِافْتِرَاسُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَصْلُ الِافْتِرَاسِ فِي اللُّغَةِ دَقُّ الْعُنُقِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلّ قَتْلٍ انْتَهَى قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَكُرِهَ مُفْتَرِسٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَثَالِثُهَا إنْ لَمْ يَعْدُ كَثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ وَهِرٍّ مُطْلَقًا وَإِلَّا حَرُمَ كَسَبُعٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَكَلْبٍ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَةِ مَا لَا يَعْدُو انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ. أَوَّلًا

الِافْتِرَاسُ وَالْعَدْوُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الِافْتِرَاسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْآدَمِيِّ، فَالْهِرُّ مُفْتَرِسٌ بِاعْتِبَارِ الْفَأْرِ وَالْعَدَاءُ خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّ، فَالْعَدَاءُ أَخَصُّ مِنْ الِافْتِرَاسِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الشَّامِلِ طَرِيقَتَيْنِ فِي الْمُفْتَرِسِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَزَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ لِلْبَاجِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَصَحُّ: الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا، وَمُقَابِلُهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: فِي كَرَاهَةِ أَكْلِ السِّبَاعِ وَمَنْعِ أَكْلِهَا. ثَالِثُهَا: حُرْمَةُ عَادِيهَا الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ وَكَرَاهَةُ غَيْرِهِ كَالدُّبِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ مُطْلَقًا لِرِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَعَهَا وَابْنِ كِنَانَةَ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ انْتَهَى. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَا يَعْدُو وَتَحْكِي الْخِلَافَ بِالْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ فِيمَا يَعْدُو، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَةِ مَا لَا يَعْدُو، فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَلْبَ فِيهِ قَوْلَانِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّحْرِيمَ قَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ، وَلَا تُؤْكَلُ الْكِلَابُ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ نَقَلَ إبَاحَةَ أَكْلِ الْكَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ حُكْمُ قَتْلِهَا. ص (وَهِرٌّ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ قِطًّا عَمِيَ وَفَرَغَتْ مَنْفَعَتُهُ فَاسْتُفْتِيَ فِيهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ بِوُجُوبِ إطْعَامِهِ، وَإِلَّا يُقْتَلُ وَكَذَا مَا يُئِسَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ لِكِبَرٍ أَوْ عَيْبٍ، وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا ذَبْحُ الْقِطَطِ الصِّغَارِ وَالْحَيَوَانِ الصَّغِيرِ لِقِلَّةِ غِذَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ أَوْ إرَاحَتِهَا مِنْ ضَعْفِهَا وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدِي الْجَوَازُ لِارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا الْتَقَى ضَرَرَانِ نُفِيَ الْأَكْبَرُ لِلْأَصْغَرِ» وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَنْ قَتْلِ الْهِرِّ الْمُؤْذِي هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إذَا خَرَجَتْ إذَايَتُهُ عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَتْ إذَايَتُهُ جَازَ قَتْلُهُ وَاحْتَرَزْنَا بِالْأَوَّلِ عَمَّا فِي طَبْعِهِ مِثْلُ أَكْلِ اللَّحْمِ إذَا كَانَ خَالِيًا أَوْ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُمْكِنُ رَفْعُهُ لِلْهِرِّ، فَإِذَا رَفَعَهُ، وَأَكَلَ فَلَا يُقْتَلُ هَذَا، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ طَبْعُهُ، وَاحْتَرَزَ بِالثَّانِي مِمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةً، فَلَا يُوجِبُ قَتْلَهُ فَلَا يَكُونُ كَالْمَيْئُوسِ مِنْ اسْتِصْلَاحِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا آذَتْ الْهِرَّةُ وَقُصِدَ قَتْلُهَا فَلَا تُعَذَّبُ، وَلَا تُخْنَقُ بَلْ تُذْبَحُ بِمُوسَى حَادٍّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا ذَبَحْتُمْ فَاحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» انْتَهَى الْحَدِيثُ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا يُئِسَ مِنْ حَيَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَيُذْبَحُ لِإِرَاحَتِهِ مِنْ أَلَمِ الْوَجَعِ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُ: الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُذَكَّى لِأَخْذِ جِلْدِهِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَإِنْ اشْتَدَّتْ آلَامُهُمْ لِشَرَفِ الْآدَمِيِّ عَنْ الذَّبْحِ (قُلْت) : الَّذِي رَأَيْتُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي بِلَادِ بُونَةَ فَأُفْتِيَ فِيهَا بِالْإِجْهَازِ عَلَيْهَا لِإِرَاحَتِهَا وَنَقَلَهَا فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَمِنْ هَذَا إذَا رُمِيَتْ السَّفِينَةُ بِالنَّارِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُمْ فَرُّوا مِنْ مَوْتٍ إلَى مَوْتٍ، وَلَمْ يَرَهُ رَبِيعَةُ إلَّا لِمَنْ طَمِعَ بِنَجَاةٍ أَوْ أَمْنٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ هَلَكَ فِيهِ، وَعَنْ رَبِيعَةَ إنْ صَبَرَ فَهُوَ أَكْرَمُ، وَإِنْ اقْتَحَمُوا فَقَدْ غَرِقُوا، وَلَا بَأْسَ بِهِ (قُلْت) : فَظَاهِرُ هَذَا الْجَوَازُ لِاسْتِعْجَالِهِ الْمَوْتَ لِلْإِرَاحَةِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْآدَمِيِّ فَأَحْرَى فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ إذَا كَانَ لِإِرَاحَتِهِ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَوْتٍ لِآخَرَ وَأَمَّا قَتْلُ الْكِلَابِ إذَا آذَتْ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: قُلْت الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ قَتْلَ الْكِلَابِ غَيْرِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مَأْمُورٌ بِهِ إذَا أَضَرَّتْ بِالْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَثُرَ ضَرَرُهَا، وَغَلَبَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ قَلَّ وَنَدَرَ، فَأَيُّ كَلْبٍ أَضَرَّ وَجَبَ قَتْلُهُ وَمَا عَدَاهُ جَائِزٌ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَأَقَلُّ

فروع في شراب خليطين

دَرَجَاتِهِ تَوَقُّعُ التَّرْوِيعِ، وَأَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ مُقْتَنِيهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ، فَأَمَّا الْمُرَوِّعُ مِنْهُنَّ غَيْرُ الْمُؤْذِي، فَقَتْلُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ أَمَّا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ ذُو النُّقْطَتَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَلَّمَا يُنْتَفَعُ بِمِثْلِ تِلْكَ الصِّفَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَتْلِ الْكِلَابِ أَتَرَى أَنْ تُقْتَلَ قَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ يُؤْمَرَ بِقَتْلِ مَا يُؤْذِي مِنْهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِيهَا قُلْت لَهُ فِي مِثْلِ قَيْرَوَانَ وَالْفُسْطَاطِ قَالَ: نَعَمْ وَأَمَّا كِلَابُ الْمَاشِيَةِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَتْلِ الْكِلَابِ إلَى مَا رَوَاهُ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ» وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مَنْ سِوَاهُ مِمَّنْ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ فِي الْكِلَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهَا، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي الْأَحَادِيثِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ كِلَابِ الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مِنْ الْكِلَابِ إلَّا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْت بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ» وَقَالَ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ مِنْ الْكِلَابِ أَكْثَرُ أَذًى وَأَبْعَدُهَا مِنْ تَعَلُّمِ مَا يَنْفَعُ وَرَوَى أَيْضًا أَنَّهُ شَيْطَانٌ أَيْ بَعِيدٌ مِنْ الْخَيْرِ وَالْمَنَافِعِ قَرِيبُ الْأَذَى، وَهَذَا شَأْنُ الشَّيْطَانِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَقَدْ كَرِهَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ قَصْدَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مِنْ الْكِلَابِ أَسْوَدُ، وَلَا غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا مُؤْذِيًا، وَقَالُوا: الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» فَعَمَّ، وَلَمْ يَخُصَّ كَلْبًا مِنْ غَيْرِهِ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي «الْكَلْبِ الَّذِي كَانَ يَلْهَثُ عَطَشًا، فَسَقَاهُ الرَّجُلُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ وَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» قَالُوا فَإِذَا كَانَ الْأَجْرُ فِي الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَالْوِزْرُ فِي الْإِسَاءَةِ إلَيْهِ وَلَا إسَاءَةَ إلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ شَيْطَانٌ» مَا يَدُلُّ عَلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَثِيرٌ، وَلَا يَجِبُ قَتْلُهُمْ، وَقَدْ «رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً، فَقَالَ: شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً» وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهَا قَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ فِي شَرَابُ خَلِيطَيْنِ] ص (وَشَرَابُ خَلِيطَيْنِ) ش: (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : خَلْطُ اللَّبَنِ بِالْعَسَلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي

باب في الأضحية

الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ، فَلَمْ يَرَهُ انْتِبَاذًا بَلْ خَلْطَ مَشْرُوبَيْنِ كَشَرَابِ الْوَرْدِ وَالنَّيْلُوفَرِ. (الثَّانِي) : خَلْطُ الشَّرَابَيْنِ لِلْمَرِيضِ حَكَى اللَّخْمِيّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ مَنْعَهُ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ إجَازَتَهُ (الثَّالِثُ) : فِي جَوَازِ خَلْطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ وَرِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. (الرَّابِعُ) : فِي كَرَاهَةِ النُّضُوخِ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ لِرَأْسِ الْمَرْأَةِ رِوَايَتَانِ ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ طَعَامًا انْتَهَى جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْقَلَشَانِيِّ عِنْدَ قَوْلِهَا وَنُهِيَ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ. ص (وَفِي كُرْهِ الطِّينِ وَالْقِرْدِ وَمَنْعِهِمَا قَوْلَانِ) ش: الْقَوْلُ بِمَنْعِ الطِّينِ نَقَلَ تَشْهِيرَهُ فِي الْمَدْخَلِ فِي بَابِ أَكْلِ النِّسَاءِ لِلتَّسْمِينِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ تَشْهِيرَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ التُّرَابِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ فِي رَسْمِ الْجَامِعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الْبُيُوعِ: إنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَحْمَ الْقُرُودِ لَا يُؤْكَلُ، وَنَقَلَ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ ثَمَنُ الْقِرْدِ حَرَامٌ كَاقْتِنَائِهِ وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ: مَا لَا يَصِحُّ مِلْكُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِإِجْمَاعٍ كَالْحُرِّ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْقِرْدِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْأُضْحِيَّةُ] بَابٌ ص (سُنَّ لِحُرٍّ غَيْرِ حَاجٍّ بِمِنًى ضَحِيَّةٌ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ عِيَاضٌ: الْأُضْحِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَأُضْحِيَّةٌ أَيْضًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ الضَّحِيَّةُ أَيْضًا بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُشَدَّدَةِ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ أَيْضًا وَجَمْعُهَا أَضَاحٍ وَأَضَاحِيُّ انْتَهَى. ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَة فِي بَابِ الْخَصَائِصِ الْأُضْحِيَّةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ عِيَاضٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَوَقْتَ الضُّحَى وَسُمِّيَ يَوْمَ الْأَضْحَى مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَمَا سُمِّيَ يَوْمَ التَّشْرِيقِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ أَوْ لِبُرُوزِ النَّاسِ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ لِلصَّلَاةِ يُقَالُ ضَحِيَ الرَّجُلُ إذَا بَرَزَ لِلشَّمْسِ وَالشَّمْسُ تُسَمَّى الضَّحَّاءُ مَمْدُودًا وَمِنْ الْأَكْلِ مِنْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ يُقَالُ ضَحَّى الْقَوْمُ إذَا تَغَدَّوْا، وَقَدْ تُشْتَقُّ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَيُسَمَّى يَوْمَ الْأَضْحَى لِذَبْحِ الْأَضَاحِيِّ فِيهِ انْتَهَى. (قُلْتُ) : فِي تَسْمِيَةِ يَوْمِ الْأَضْحَى بِيَوْمِ التَّشْرِيقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ هِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي بَعْدَهُ. ص (سُنَّ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ يَعْنِي أَنَّهَا سُنَّةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قُوتِلُوا لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْهَا وَمَا ذَكَرَ هُوَ كَذَلِكَ فِي التَّلْقِينِ وَالْكَافِي وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُقَدِّمَاتِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي الْمُوَطَّإِ سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ

فرع حكم الأضحية إذا أسلم بعد الفجر من يوم الفطر

الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ يُخَاطَبُ بِهَا الْكَافِرُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَلَكِنْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِسْلَامُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَشَرْطَهَا الْإِسْلَامُ انْتَهَى. [فَرْعٌ حُكْم الْأُضْحِيَّة إذَا أسلم بَعْد الْفَجْر مِنْ يَوْم الْفِطْر] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةُ عَلَيْهِ أَبْيَنُ فِي الْوُجُوبِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِحُرٍّ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الرَّقِيقِ سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا أَمْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ التَّضْحِيَةَ لَهُمْ إذَا أَذِنَ لَهُمْ السَّيِّدُ، وَقَوْلُهُ غَيْرِ حَاجٍّ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْحَاجِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِنًى أَوْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ عَرَفَةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ بِمِنًى هَلْ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْحَاجِّ الَّذِي فِي غَيْرِ مِنًى، فَإِنَّهَا تُسَنُّ لَهُ وَقَالَهُ الْبِسَاطِيُّ، وَلَمْ يَعْزُهُ، وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ قَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ الْمُسَافِرُ مُخَاطَبٌ بِالْأُضْحِيَّةِ وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ الْحَاجَّ بِمِنًى انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَأْمُورُ بِهَا الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ لَا يَنْبَغِي لِحُرٍّ قَدَرَ عَلَيْهَا تَرْكُهَا إلَّا لِحَاجٍّ بِمِنًى (قُلْت) : لَفْظُهَا لَيْسَ عَلَى حَاجٍّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سَاكِنِي مِنًى أَبْيَنُ لِإِيهَامِ مَفْهُومِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ يَتِيمًا) ش: ابْنُ حَبِيبٍ يَلْزَمُ مَنْ فِي يَدِهِ مَالُ الصَّغِيرِ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُقْبَلُ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءً. انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ ص (لِجَذَعِ ضَأْنٍ وَثَنِيِّ مَعْزٍ وَبَقَرٍ وَإِبِلٍ ذِي سَنَةٍ وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ ذِي سَنَةٍ رَاجِعٌ إلَى الضَّأْنِ وَالْمَعَزِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ ابْنُ سَنَةٍ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ وَنَصُّهُ، وَلَعَلَّ قَوْلَ الشَّيْخِ ذِي سَنَةٍ رَاجِعٌ إلَيْهِمَا مَعًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ وَالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَعَلَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ الثَّنِيُّ مَا دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ الدُّخُولُ الْبَيِّنُ، وَيُرَجِّحُ هَذَا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ نَصَّ فِي الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ ابْنُ سَنَةٍ مَعَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الثَّنِيَّ مِنْ الْمَعَزِ مَا أَوْفَى سَنَةً، وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ. [فَرْعٌ فِي التَّضْحِيَةَ بِالْخُنْثَى] (فَرْعٌ) : اُنْظُرْ التَّضْحِيَةَ بِالْخُنْثَى لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْخُنْثَى، وَأَنَّهُ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ: مَنْ لَهُ ذَكَرُ الرَّجُلِ وَفَرْجُ النِّسَاءِ وَالثَّانِي مَنْ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَهُ خَرْقٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، وَغَيْرُهُ قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْخُنْثَى فِي الْبَقَرِ، فَجَاءَنِي جَمَاعَةٌ أَثِقُ بِهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ قَالُوا: إنَّ عِنْدَهُمْ بَقَرَةٌ هِيَ خُنْثَى لَيْسَ لَهَا فَرْجُ الْأُنْثَى، وَلَا ذَكَرُ الثَّوْرِ، وَإِنَّمَا لَهَا خَرْقٌ عِنْدَ ضَرْعِهَا يَجْرِي مِنْهُ الْبَوْلُ وَسَأَلُوا عَنْ جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِهِ فَقُلْتُ: لَهُمْ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكِلَاهُمَا مُجْزِئٌ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ، وَأَفْتَيْتُهُمْ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ خُنْثَى إلَّا الْآدَمِيُّ وَالْإِبِلُ قَالَ النَّوَوِيُّ: قُلْت، وَيَكُونُ فِي الْبَقَرِ كَمَا حَكَيْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. (قُلْت) : وَمَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَابِلٌ لِلْبَحْثِ، فَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْنَعَ الْإِجْزَاءَ، وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَفَائِتُ جُزْءٍ غَيْرِ خُصْيَةٍ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْإِجْزَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (بِلَا شِرْكٍ إلَّا فِي الْأَجْرِ، وَإِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ

فرع اشترى أضحيته عن نفسه ثم نوى أن يشرك فيها أهل بيته

إنْ سَكَنَ مَعَهُ، وَقَرُبَ لَهُ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَبَرُّعًا) ش يَعْنِي أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَكُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي كَمَا تَقَدَّمَ اخْتِيَارُنَا لَهُ فِي الْهَدْيِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إلَّا فِي الْأَجْرِ إلَخْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ ضَحَّى بِشَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْزَاهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَنْفُسٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ إنْ قَدَرَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ شَاةً وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ لِمَنْ قَدَرَ دُونَ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَحِّي عَمَّنْ فِي الْبَطْنِ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي غَيْرِ الْبَطْنِ، فَيُضَحِّي عَنْ كُلِّ نَفْسٍ شَاةً وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً انْتَهَى. [فَرْعٌ اشْتَرَى أُضْحِيَّتَهُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ نَوَى أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا أَهْلَ بَيْتِهِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ اشْتَرَى أُضْحِيَّتَهُ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ نَوَى أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا أَهْلَ بَيْتِهِ جَازَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْهَدْيِ انْتَهَى. . وَقَوْلُهُ إنْ سَكَنَ مَعَهُ إلَخْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَا يُشْتَرَكُ فِيهَا لَكِنْ لِلْمُضَحِّي أَنْ يُشْرِكَ فِي الْأَجْرِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ قَوْلُهُ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ يُرِيدُ السَّاكِنِينَ مَعَهُ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْبَاجِيُّ، فَأَبَاحَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ: الْقَرَابَةُ، وَالْمُسَاكَنَةُ، وَالِاتِّفَاقُ، انْتَهَى. [فَرْعٌ يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ أَنْ يُضَحِّيَ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ أَنْ يُضَحِّيَ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ وَلَدٍ وَوَالِدٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ الزَّوْجَةِ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ، وَلَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَذَلِكَ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ عَنْ زَوْجَتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ عَنْ زَوْجَتِهِ، إنَّمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُدْخِلْهَا فِي أُضْحِيَّتِهِ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهَا، وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُهَا فَإِنْ أَدْخَلَ زَوْجَتَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ أَجْزَأَهَا وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الشَّرْطِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْقَرَابَةُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَرُبَ لَهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ، وَلَا أُمُّ الْوَلَدِ، وَلَا مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى عِيَاضٌ لِلزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْقَرِيبِ ابْنُ حَبِيبٍ وَالرِّقُّ كَأُمِّ الْوَلَدِ فِي صِحَّةِ إدْخَالِهَا اللَّخْمِيُّ وَالْبَاجِيُّ، وَتَسْقُطُ عَنْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: وَإِذَا أَشْرَكَ زَوْجَتَهُ فِي الدَّمِ الْمُرَاقِ جَازَ، وَلَا يُخْرِجُ هَذَا مَا اشْتَرَطْنَاهُ فِي الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْقَرَابَةِ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْقَرَابَةِ، فَإِنَّ هُنَاكَ مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَرَابَةِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُسْتَأْجَرِ بِطَعَامِهِ، فَإِنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ بِالْقَرَابَةِ، فَلَمْ يَجُزْ إدْخَالُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى. [فَرْعٌ وَلَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ] (فَرْعٌ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِي أُضْحِيَّتَهُ مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَأَخَاهُ وَابْنَ أَخِيهِ وَابْنَ أُخْتِهِ وَقَرِيبَهُ إذَا كَانُوا فِي نَفَقَتِهِ وَبَيْتِهِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ إذَا كَانَا فِي نَفَقَتِهِ وَبَيْتِهِ انْتَهَى. وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ تَبَرُّعًا. [فَرْعٌ هَلْ يُدْخِلَ يَتِيمَهُ مَعَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَا يُدْخِلُ يَتِيمَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ، وَلَا يُشْرِكُ بَيْنَ يَتِيمَيْنِ، وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : وَمَنْ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهُمْ مَعَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ الْبَاجِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ لَهُ التَّشْرِيكُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُمْ بِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهَا صِغَارُ وَلَدِهِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ: وَلَحْمُهَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا دُونَ مَنْ أَدْخَلَهُ مِنْهُمْ مَعَهُ فِيهَا يُعْطِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَا يَزِيدُ وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ صَدَقَةِ جَمِيعِهَا

فرع الأضحية بذات الدبرة الكبيرة

انْتَهَى. (فَرْعٌ) : وَإِذَا أَدْخَلَ مَنْ لَمْ يَجُزْ إدْخَالُهُ لَمْ تُجْزِ وَاحِدًا مِنْهُمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّيْخُ زَرُّوق عَنْ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَكْسُورَةُ قَرْنٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ التُّونُسِيُّ: وَإِذَا اُسْتُؤْصِلَ قَرْنَاهَا، وَقَدْ بَرَأَتْ أَجْزَأَتْ انْتَهَى. ص (كَبَيِّنِ مَرَضٍ) ش: الْمَرَضُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الَّذِي لَا تَتَصَرَّفُ مَعَهُ تَصَرُّفَ الْغَنَمِ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ [فَرْعٌ الْأُضْحِيَّةِ بِذَاتِ الدِّبْرَةِ الْكَبِيرَةِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ثَالِثِ حَجِّهَا: لَا تُجْزِئُ ذَاتُ الدِّبْرَةِ الْكَبِيرَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْجُرْحُ الْكَبِيرُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَجُنُونٍ) ش: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَدَائِمِ جُنُونٍ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ غَيْرَ الدَّائِمِ لَا يَضُرُّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الصِّحَاحِ الثَّوَلُ بِالتَّحْرِيكِ جُنُونٌ يُصِيبُ الشَّاةَ فَلَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ، وَتَسْتَدْبِرُ فِي مَرْتَعِهَا انْتَهَى. ص (وَعَرَجٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: الْعَرَجُ الْمَانِعُ هُوَ الَّذِي لَا تَلْحَقُ مَعَهُ الْغَنَمَ. ص (وَعَوَرٍ) ش: الْمُعْتَبَرُ فِي الْعَمَى ذَهَابُ ضَوْءِ الْعَيْنِ، وَإِنْ بَقِيَتْ صُورَتُهَا وَكَذَا الْعَوَرُ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. ص (وَصَمْعَاءَ جِدًّا) ش: أَيْ صَغِيرَةِ الْأُذُنَيْنِ جِدًّا (فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي النِّهَايَةِ: عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ لِيَتَخَلَّلُنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَأَوْلَادِ الْحَذَفِ وَالْحَذَفُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ هِيَ أَوْلَادُ الْغَنَمِ الصِّغَارُ الْحِجَازِيَّةِ وَاحِدُهَا حَذَفَةٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ هِيَ جُرْدٌ لَيْسَ لَهَا آذَانٌ، وَلَا أَذْنَابٌ يُجَاءُ بِهَا مِنْ حَرْشِ الْيَمَنِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَذَفَ اسْمٌ لِلْغَنَمِ الْمَذْكُورَةِ، وَظَاهِرُ مَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَنَّ الْحَذَفَ اسْمٌ لِأَوْلَادِ الضَّأْنِ الصِّغَارِ. ص (وَذِي أُمِّ وَحْشِيَّةٍ) ش: يَعْنِي وَالْفَحْلِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَهَذِهِ لَا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا قَالَهُ

فرع للغزاة أن يضحوا من غنم الروم

فِي الشَّامِلِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: فَإِنْ كَانَتْ الْآبَاءُ غَنَمًا وَالْأُمَّهَاتُ ظِبَاءً فَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْغَنَمِ فَلَا تُزَكَّى، وَلَا تُضَحَّى وَيُؤَدِّي جَزَاءَهَا الْمُحْرِمُ إنْ قَتَلَهَا وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ الْأَنْعَامِ وَأَبُوهُ مِنْ الْوَحْشِ يُجْزِي، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ قَالَ فِي الشَّامِلِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ النَّعَمِ لَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ ذَكَرِهَا اتِّفَاقًا وَإِنَاثِهَا عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ بَيْعُهَا بِغَيْرِ الْغَنَمِ، وَمَا أُمُّهُ مِنْهَا كَغَيْرِهَا ابْنُ شَعْبَانَ مِثْلُهَا انْتَهَى، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْوَحْشِ وَالْأَنْعَامِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ لِلْغُزَاةِ أَنْ يُضَحُّوا مِنْ غَنَمِ الرُّومِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ لِلْغُزَاةِ أَنْ يُضَحُّوا مِنْ غَنَمِ الرُّومِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَكْلَهَا، وَلَا يَرُدُّونَهَا لِلْمَقَاسِمِ انْتَهَى. ص (وَمَكْسُورَةِ سِنٍّ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ كَسْرَ الْوَاحِدَةِ عَيْبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الشَّامِلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي الْعُيُوبِ وَسُقُوطِ الْأَسْنَانِ: لَا لِإِثْغَارٍ اتِّفَاقًا وَكَذَا لِكِبَرٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي السِّنِّ الْوَاحِدَةِ قَوْلَانِ، وَصَحَّ الْإِجْزَاءُ، وَقِيلَ إلَّا فِي الثَّنِيَّةِ وَالرَّبَاعِيَّةِ وَفِي التَّوْضِيحِ قَالَ اللَّخْمِيُّ لَا تُجْزِئُ إذَا كَانَتْ ذَاهِبَةَ الْأَسْنَانِ لِكَسْرٍ أَوْ شَبَهِهِ وَتُجْزِئُ إذَا كَانَتْ مِنْ إثْغَارٍ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ لِكِبَرٍ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تُجْزِئُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُجْزِئُ، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي السِّنِّ الْوَاحِدَة، فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يُضَحِّي بِهَا، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُيُوبِ الْخَفِيَّةِ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ ص (وَذَاهِبَةِ ثُلُثِ ذَنَبٍ لَا أُذُنٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثِ ذَنَبِ الْأُضْحِيَّةِ يَضُرُّ وَذَهَابُ ثُلُثِ الْأُذُنِ لَا يَضُرُّ وَذَكَرَ الْبَاجِيّ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِذَا كَانَ ذَهَابُ الثُّلُثِ مِنْ الْأُذُنِ يَسِيرًا فَالثُّلُثُ فِي الشَّقِّ أَحْرَى وَأَمَّا النِّصْفُ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي نَوَازِلِ ابْنُ الْحَاجِّ الثُّلُثُ فِي الشَّقِّ أَوْ الْقَطْعِ مِنْ أُذُنِ الْأُضْحِيَّةِ يَسِيرٌ وَالنِّصْفُ كَثِيرٌ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الثُّلُثَ مِنْ الْأُذُنِ يَسِيرٌ يَعْنِي الْقَطْعَ وَمَنْ الذَّنَبِ كَثِيرٌ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ شَقُّ النِّصْفِ يَسِيرٌ انْتَهَى. ص (مِنْ ذَبْحِ الْإِمَامِ) ش: هَذَا وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ فَغَالِبُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يُعَبِّرُونَ بِقَوْلِهِمْ وَقْتُهُ لَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَذْبَحُ الْإِمَامُ أَوْ يَنْحَرُ أُضْحِيَّتَهُ بِالْمُصَلَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَذْبَحُ النَّاسُ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَيَّامُ الذَّبْحِ يَوْمُ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا وَوَقْتُهُ فِي الْأَوَّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْإِمَامِ وَلِغَيْرِهِ ذَبْحُهُ انْتَهَى وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْخُطْبَةِ وَتَعَرَّضَ لَهَا ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ احْتِرَازًا مِنْ ذَبْحِهِ أَوْ ذَبْحِ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ خُطْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَوَقَعَتْ بِالْقَيْرَوَانِ فِي ذَبْحِ وَالِدِهِ أَيْ الْإِمَامِ عَنْهُ وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا وَغَيْرُهُ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ وَقْتِ الضَّحِيَّةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَالصَّوَابُ ذَبْحُ الْإِمَامِ كَبْشَهُ بِالْمُصَلَّى بَعْدَ نُزُولِهِ عَنْ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ يَذْبَحُ النَّاسُ بَعْدَهُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلِغَيْرِ الْإِمَامِ ذَبْحُ أُضْحِيَّتِهِ بِالْمُصَلَّى بَعْدَ الْإِمَامِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَوَقْتُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، وَبَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُهُ فِي الْمَعُونَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَالْحَدِيثُ نَصٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الصَّلَاةِ، وَوَقْتِ الْخُطْبَتَيْنِ، فَإِذَا مَضَى

ذَلِكَ دَخَلَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّة، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاعْتِبَارِ الْخُطْبَتَيْنِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَتَانِ مَقْصُودَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ اعْتَبَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ اعْتَبَرَ وَقْتَ الصَّلَاةِ، وَوَقْتَ الْخُطْبَتَيْنِ، فَإِذَا مَضَى ذَلِكَ دَخَلَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّة، وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ اعْتِبَارُ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَذْبَحْ الْإِمَامُ، فَالْمُعْتَبَرُ صَلَاتُهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا ذَبَحَ أَهْلُ الْمُسَافِرِ عَنْهُ رَاعَوْا إمَامَهُمْ دُونَ إمَامِ بَلَدِ الْمُسَافِرِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا: وَلَا يُرَاعَى الْإِمَامُ فِي الْهَدْيِ (وَهَلْ هُوَ الْعَبَّاسِيُّ أَوْ إمَامُ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ إمَامَ الصَّلَاةِ أَوْ إمَامَ الطَّاعَةِ طَرِيقَا ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ قَائِلًا الْمُعْتَبَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعَبَّاسِيِّ الْيَوْمَ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ بِبَلَدِهِ أَوْ عَمَّلَهُ عَلَى بَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِهِ، وَمَنْ كَانَ سُلْطَانًا دُونَ أَنْ يُقِيمَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُمْ غَيْرُهُ يَتَحَرَّوْنَ كَأَهْلِ الْبَوَادِي يَتَحَرَّوْنَ أَقْرَبَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيِّ لَا يُعْتَبَرُ الْمُتَغَلِّبُونَ اُنْظُرْ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ بِنُفُوذِ أَحْكَامِهِمْ وَأَحْكَامِ قُضَاتِهِمْ يُرَدُّ بِعَدَمِ إمْكَانِ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِمْكَانِ الثَّانِي لِتَحَرِّي وَقْتِ الْإِمَامِ غَيْرِ الْمُتَغَلِّبِ كَمَا لَوْ كَانَ أَخَّرَ ذَبْحَهُ اخْتِيَارًا وَاسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِ عُثْمَانَ، وَهُوَ مَحْصُورٌ لِلْقَائِلِ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ إمَامُ فِتْنَةٍ وَأَنْتَ إمَامُ الْعَامَّةِ إنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْسَنِ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ فَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ يُنْتِجُ عَكْسَ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْبَغْيَ إسَاءَةٌ إجْمَاعًا، وَلَا سِيَّمَا الْبَغْيُ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَجَبَ اجْتِنَابُ الِاقْتِدَاءِ بِالْبُغَاةِ لِإِسَاءَتِهِمْ (قُلْت) : وَصَرِيحُ نَصِّهَا مَعَ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ بِأَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ وَكَوْنُ الْمُعْتَبَرِ إمَامَ مَنْ ذَبَحَ عَنْ مُسَافِرٍ لَا إمَامَ بَلَدِ الْمُسَافِرِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ إمَامَ الصَّلَاةِ لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِ إمَامِ الطَّاعَةِ، وَعَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ ذَبْحُ إمَامِ صَلَاتِهَا؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ السُّلْطَانِ أُضْحِيَّتَهُ لِلذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ نِيَابَتِهِ إيَّاهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِذَبْحِهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ قُلْت: إلَخْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَنْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ عَلَى بَلَدٍ لَا سِيَّمَا إمَامًا فَقَوْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَقْرَبُ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا يُرِيدُونَ إمَامَ الصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ امْتِنَاعِ تَعَدُّدِ إمَامِ الطَّاعَةِ سَبَقَهُ إلَيْهِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ رَاشِدٍ وَانْفَصَلَ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ أَبُو الْحَسَنِ بِتَعَدُّدِ عُمَّالِهِ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَقْرَبُ الْأَئِمَّةِ وَنَحْوُهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْعُمَّالِ إذَا لَمْ يَكُونُوا أَئِمَّةً لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ أَئِمَّةً كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ ذَبْحُ إمَامِ صَلَاتِهَا أَيْ وَعَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إمَامُ الطَّاعَةِ لَا يُعْتَبَرُ ذَبْحُ إمَامِ صَلَاتِهَا إلَخْ وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَلَامِ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ غَيْرُ وَاضِحٍ لِالْتِزَامِهِ الرَّدَّ عَلَى سَيِّدِنَا عُثْمَانَ فِي أَمْرِهِ بِالِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِإِمَامِ الْفِتْنَةِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَجَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إمَامُ الصَّلَاةِ الَّذِي صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ فَمَنْ ذَبَحَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ إمَامُهُ لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُرَاعَى قَدْرُهُ فِي غَيْرِ الْأَوَّلِ) ش: الضَّمِيرُ لِذَبْحِ الْإِمَامِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لَا يُرَاعَى قَدْرُ ذَبْحِ الْإِمَامِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَوْ قَالَ قَدْرُهَا لِيَعُودَ عَلَى الصَّلَاةِ كَانَ أَحْسَنُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ ذَبْحُ الْإِمَامِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى قَدْرُ الذَّبْحِ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ وَيَذْبَحُ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. ثُمَّ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ لَا يُرَاعِي قَدْرَ الصَّلَاةِ لَا يُرَاعِي قَدْرَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا اسْتِحْبَابًا انْتَهَى. ص (وَأَعَادَ سَابِقُهُ) ش: قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَذْبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ مُتَعَمِّدًا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ

أَعَادَ ضَحِيَتَّهُ سَوَاءٌ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا انْتَهَى. ص (وَالنَّهَارُ شَرْطٌ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْخِلَافُ فِي الذَّبْحِ لَيْلًا إنَّمَا هُوَ فِيمَا عَدَا لَيْلَةَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ إبْرَازُهَا) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ السُّنَّةُ ذَبْحُهُ بِالْمُصَلَّى كَرَاهَةُ ذَبْحِهِ بِمَنْزِلِهِ انْتَهَى. ص (وَغَيْرُ خَرْقَاءَ وَشَرْقَاءَ وَمُقَابِلَةٍ وَمُدَابِرَةٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ أَيْ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ انْتَهَى وَلَوْ قَالَ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْعُيُوبِ لَكَانَ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضَأْنٌ مُطْلَقًا، ثُمَّ مَعَزٌ، ثُمَّ هَلْ بَقَرٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ إبِلٌ؟ خِلَافٌ) ش: اُنْظُرْ هَلْ يُقَدَّمُ الضَّأْنُ ذُو الْأُمِّ الْوَحْشِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَائِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْمَعَزِ ذِي الْأُمِّ الْإِنْسِيَّةِ أَوْ الْمَعَزُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي الْمَعَزِ مَعَ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَرْكُ حَلْقٍ وَقَلْمٍ لِمُضِيِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) ش: وَدَلِيلُنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا نَهْيٌ وَالنَّهْيُ إذَا لَمْ يَقْتَضِ التَّحْرِيمَ حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَذَبَحَهَا بِيَدِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَلِيَ ذَبْحَ

أُضْحِيَّتِهِ بِيَدِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً قَالَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ ذَبَحَ غَيْرِي هَدْيِي أَوْ أُضْحِيَّتِي أَيُجْزِئُنِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهُ قَالَ سَنَدٌ، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ بِنَفْسِهِ فَالْوَجْهُ أَنْ يَذْبَحَ قُرْبَتَهُ بِيَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَهْتَدِ لِذَلِكَ إلَّا بِمُوَقِّفٍ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُوَقِّفَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْسِكَ بِطَرَفِ الْحَرْبَةِ وَيُهْدِيه الْجَزَّارُ إلَى النَّحْرِ بِأَنْ يُمْسِكَ الْجَزَّارُ رَأْسَ الْحَرْبَةِ وَيَضَعَهُ عَلَى الْمَنْحَرِ أَوْ بِعَكْسِ ذَلِكَ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيِّ «شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَتَى بِالْبُدْنِ فَقَالَ: اُدْعُوا إلَيَّ أَبَا الْحَسَنِ فَدُعِيَ لَهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ لَهُ خُذْ أَسْفَلَ الْحَرْبَةِ وَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْلَاهَا، ثُمَّ طَعَنَ بِهَا الْبُدْنَ» الْحَدِيثَ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا اسْتَنَابَ مَنْ يَذْبَحُ لَهُ وَيُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ يُحْسِنُ وَاسْتَنَابَ، ثُمَّ قَالَ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ هَدْيَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلْيَلِ الرَّجُلُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ بِيَدِهِ قَوْلُهُ: الرَّجُلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ كَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا، فَلَا تَذْبَحُ الْمَرْأَةُ، وَلَا الصَّبِيُّ. ص (وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَعْنِي أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقِيلَ أَوَّلُ الْيَوْمِ الثَّانِي أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ بَلْ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الثَّانِي يَذْبَحُ فِيهِ مَنْ ضَحَّى إلَى الزَّوَالِ، فَإِنْ فَاتَهُ صَبَرَ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ ابْنُ يُونُسَ وَسَمِعْتُ بَعْضَ فُقَهَائِنَا قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ يُنْكِرُ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ بَلْ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ كُلُّهُ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي وَالثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتِيَارُهُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَاَلَّذِي عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ هُوَ الْمَعْرُوفُ انْتَهَى فَآخِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَجَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ، فَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ، وَوَجَدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهَلْ جَمِيعُهُ أَوْ إلَى الزَّوَالِ؟ قَوْلَانِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى لِرُجْحَانِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلِمَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَيَجْزِمْ بِتَرْجِيحِ الْيَوْمِ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ بَلْ قَالَ: وَفِي أَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الثَّالِثِ عَلَى آخِرِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَارَضَ التَّرْجِيحَ الْمَذْكُورَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ: وَلَا يُخْتَلَفُ فِي رُجْحَانِ أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَلَى آخِرِ الْيَوْمِ الثَّانِي، فَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ التَّرَدُّدِ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَذَبْحُ وَلَدٍ خَرَجَ قَبْلَ الذَّبْحِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَحَسَنٌ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا، وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ

وَاجِبًا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَ أُمِّهِ إنْ هَلَكَتْ ابْنُ الْقَاسِمِ، ثُمَّ عَرَضْتُهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: اُمْحُ وَاتْرُكْ إنْ ذَبَحَهُ مَعَهَا فَحَسَنٌ، وَهَذِهِ إحْدَى مَمْحُوَّاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِيَةُ إذَا حَلَفَ لَا يَكْسُو امْرَأَتَهُ فَافْتَكَّ لَهَا ثِيَابَهَا مِنْ رَهْنٍ فَقَالَ مَالِكٌ أَوَّلًا يَحْنَثُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِمَحْوِهِ وَقَالَ لَا يَحْنَثُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَرَى إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَحْنَثُ، وَالثَّالِثَةُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ إذَا صَحَّ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: أَوَّلًا يُفْسَخُ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَحْوِ الْفَسْخِ وَالرَّابِعَةُ مَنْ سَرَقَ، وَلَا يَمِينَ لَهُ أَوْ لَهُ يَمِينٌ شَلَّاءُ فَقَالَ مَالِكٌ: تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَمَرَ بِمَحْوِهِ، وَأَمَرَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُسْرَى قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْمَحْوُ فِي الْأَيْمَانِ وَالْأَضَاحِيّ ... وَفِي كِتَابِ الْقَطْعِ وَالنِّكَاحِ ص (وَكُرِهَ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ لَا يُبَاحُ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، إنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ اللَّبَنِ. ص (إنْ لَمْ يَنْبُتْ لِلذَّبْحِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَجُزُّ صُوفَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ إذَا كَانَ قُرْبَ الْأَضْحَى، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْبُعْدِ عَنْهُ بِقَدْرٍ لَا يُذْبَحُ حَتَّى يَنْبُتَ صُوفُهَا، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكُرِهَ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ إنْ لَمْ يَنْبُتْ لَهُ لَكَانَ أَفْصَحَ انْتَهَى. ص (وَلَمْ يَنْوِهِ حِينَ أَخْذِهَا) ش: هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَوَاهُ قُرْبَهُ وَنَصُّ فَتْوَى عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: إنْ اشْتَرَى شَاةً، وَنِيَّتُهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ جَازَ ذَلِكَ سَوَاءٌ جَزَّ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ انْتَهَى. فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَزِّهِ قَبْلَ الذَّبْحِ، فَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَعْدَ الذَّبْحِ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِحُكْمِهَا، فَيَبْطُلُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَيْعُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ بَيْعُ الصُّوفِ الَّذِي يُكْرَهُ لَهُ جَزُّهُ قَبْلَ الذَّبْحِ قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: فَلْيَنْتَفِعْ بِهِ، وَلَا يَبِيعُهُ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ اسْتِحْبَابًا كَمَا يُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَضْلِ ثَمَنِهَا إنْ بَاعَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَحَمَلَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ أَيْضًا عَلَى الْكَرَاهَةِ فَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشُرْبُ لَبَنٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ شُرْبُ لَبَنِ الْأُضْحِيَّةِ يُرِيدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي لَبَنِهَا شَيْئًا إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ كَرِهَ لَبَنَ الْهَدْيِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْهُ بَعْدَ رَيِّ فَصِيلِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلضَّحِيَّةِ وَلَدٌ، فَأَرَى لَا يَشْرَبُهُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهَا بَقَاؤُهُ فَلْيَحْلُبْهُ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَلَوْ أَكَلَهُ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَنْهَاهُ عَنْهُ كَمَا أَنْهَاهُ عَنْ جَزِّ صُوفِهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا انْتَهَى. ص (وَإِطْعَامُ كَافِرٍ وَهَلْ إنْ بَعَثَ لَهُ أَوْ وَلَوْ فِي عِيَالِهِ تَرَدُّدٌ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ

فرع في تسمين الأضحية

ابْنِ الْحَاجِبِ وَتُكْرَهُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْأَشْهَرِ الْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ ظِئْرًا وَالْأَشْهَرُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا قُرْبَةٌ فَلَا يُعَانُ بِهَا الْكَافِرُ، وَعَنْ مَالِكٍ التَّخْفِيفُ فِي الذِّمِّيِّ دُونَ غَيْرِهِ كَالْمَجُوسِيِّ وَأَشَارَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي يَكُونُ فِي عِيَالِ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْبَعْثُ إلَيْهِمْ، فَلَا يَجُوزُ قَالَ: وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَكَسَ ابْنُ رُشْدٍ فَجَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ إنَّمَا هُوَ الْبَعْثُ، وَأَمَّا مَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ وَصَيْفِهِ. فَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ إطْعَامِهِمْ، فَيَتَحَصَّلُ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِكَلَامِ مَالِكٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ رُشْدٍ لِمَا فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأُضْحِيَّة مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَنَصُّهُ: سُئِلَ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ ظِئْرًا لِلرَّجُلِ، فَتَأْتِي فَتُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ فَرْوَةَ أُضْحِيَّةِ ابْنِهَا. قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَنْ تُوهَبَ لَهَا الْفَرْوَةُ وَتُطْعَمُ مِنْ اللَّحْمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ قَوْلَيْهِ إلَيَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا إنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي عِيَالِهِ، فَأُعْطِيَتْ مِنْ اللَّحْمِ مَا تَذْهَبُ بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ، فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي عِيَالِهِ أَوْ غَشِيَتْهُمْ وَهُمْ يَأْكُلُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَأْسٌ أَنْ تُطْعَمَ مِنْهُ دُونَ خِلَافٍ، وَهَذَا يَرُدُّ تَأْوِيلَ ابْنِ حَبِيبٍ إذْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَعْثَ إلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ، وَأَجَازَ أَنْ يُطْعَمُوا مِنْهُ إذَا كَانُوا فِي عِيَالِهِ، وَيُشِيرُ بِمَا فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ لِقَوْلِهِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَيُهْدُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ جِيرَانِهِمْ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا مَضَى فِي رَسْمِ سُنَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَإِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ إنْ بَعَثَ لَهُ أَوْ وُلِدَ فِي عِيَالِهِ تَرَدُّدٌ. ص (وَالتَّغَالِي فِيهَا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ [فَرْعٌ فِي تَسْمِينِ الْأُضْحِيَّة] (فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِينِ الْأُضْحِيَّةِ فَقَالَ عِيَاضٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ شَعْبَانَ لِمُشَابِهَةِ الْيَهُودِ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ: وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا عَنْ تَسْمِينِ الْمَرْأَةِ، فَأَجَابَ أَمَّا مَا يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ بِالْجِسْمِ وَالتَّرْغِيمِ عَلَيْهِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الطَّعَامِ وَنَتْنِهِ، فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ مِمَّا لَا يُؤَدِّي إلَى هَذَا، فَالصَّوَابُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ الْمُتْعَةِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ وَسَمِعْتُهُ مَرَّةً يَقُولُ: كَثْرَةُ شَحْمِ الْمَرْأَةِ لَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ثِقَلٌ فِي الْحَيَاةِ ونَتْن بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُطْلَقِ الشِّبَعِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَمِثْلُهُ تَسْمِينُ الْحَيَوَانِ لِلْأَعْيَادِ الَّذِي لَا يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ الْحَيَوَانِ جَائِزٌ، وَحَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ شَعْبَانَ، وَكَرِهَهُ انْتَهَى. وَيَشْهَدُ لِجَوَازِ تَسْمِينِ الْحَيَوَانِ مَا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ قَالَ سَحْنُونٌ: سَمِعْتُ أَشْهَبَ وَابْنَ نَافِعٍ يَقُولَانِ: سَمِعْنَا الْحَسَنَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْزُومِيَّ يُحَدِّثُ مَا كَانَ أَبُو الْحُوَيْرِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَمَرَ بِثَلَاثِ دِيَكَةٍ لَهُ أَنْ تُسَمَّنَ حَتَّى إذَا امْتَلَأَتْ شَحْمًا أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا، فَذَبَحَهَا مِنْ أَقْفِيَتِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا أَبُو مُطْعِمٍ قَالَ: إنِّي لَأَظُنُّهُ حِرْمَانَهَا فَقُلْتُ لَهُ كَلًّا فَخَرَجْت مَعَهُ إلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ حَتَّى سَأَلَهُ فَقَالَ: لَا تَأْكُلْ فَقِيلَ لِمَالِكٍ أَتَرَى مَا قَالَ سَعِيدٌ لَا أَكْلَ قَالَ: نَعَمْ انْتَهَى، فَانْظُرْ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ كُلَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِتَسْمِينِ الدِّيَكَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّلَاثَةِ قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْنَةَ قَلَّمَا تَكُونُ مَعَ كَثْرَةِ الشَّحْمِ وَالِاتِّصَافِ بِالسِّمَنِ، وَكَثْرَةِ اللَّحْمِ انْتَهَى. ص (وَفِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَبَوَيْهِ الْمَيِّتَيْنِ انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: إنَّمَا كَرِهَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ غَالِبًا الْمُبَاهَاةُ وَالْمُفَاخَرَةُ، وَهُوَ

وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَهَذَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِبُّهُ مَالِكٌ، فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ (تَنْبِيهٌ) : يُقَيَّدُ قَوْلُهُ: وَفِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ بِمَا إذَا لَمْ يُعِدَّهَا الْمَيِّتُ وَإِلَّا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَارِثِ تَنْفِيذُهَا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُنَفِّذَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَعَتِيرَةٍ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ قَالَ مَالِكٌ: الْعَتِيرَةُ: شَاةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ يَتَبَرَّرُونَ بِهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ لَيْسَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْعَتِيرَةَ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ الشَّاةُ الَّتِي كَانَتْ تُذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي رَجَبٍ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّرِ، وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ يُرِيدُ مَعْمُولًا بِهَا كَالضَّحَايَا فَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ قَالَ بِعَرَفَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةً هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ قَالَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ مُحَبَّبُ بْنُ سُلَيْمٍ: فَلَا أَدْرِي مَا كَانَ مِنْ رَدِّهِمْ عَلَيْهِ قَالَ: هِيَ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ الرَّجَبِيَّةُ» وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ لَيْسَ النَّاسُ عَلَيْهَا يُرِيدُ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «لَا فَرَعَ، وَلَا عَتِيرَةَ» وَالْفَرَعُ هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوَّلَ وَلَدٍ تَلِدُهُ النَّاقَةُ أَوْ الشَّاةُ يَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ إنْ تَدَعَهُ حَتَّى يَكُونَ شَعَرِيًّا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَنْحَرَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتُكْفِئَ إنَاءَكَ وَتُولِهَ نَاقَتَكَ يَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ لَك أَنْ تَتْرُكَهُ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَلَا تَذْبَحَهُ صَغِيرًا فَيَخْتَلِطَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ فَتُحْزِنَ نَاقَتَكَ وَيَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بِذَبْحِ وَلَدِهَا فَيُكْفِئَ إنَاءَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَبَنٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا فَرَعَ، وَلَا عَتِيرَةَ» فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ عَنْهُمَا، فَلَا بِرَّ فِي فِعْلِهِمَا، وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ لِلْوُجُوبِ وَفِعْلُ ذَلِكَ أَيْ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِمَا رَوَى الْحَارِثُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ «لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْفَرَائِعُ وَالْعَتَائِرُ قَالَ مَنْ شَاءَ أَفْرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفْرِعْ وَمَنْ شَاءَ أَعْتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُعْتِرْ» وَمَا رُوِيَ عَنْ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ حَدِيثِ «وَكِيعٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّا كُنَّا نَذْبَحُ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بَأْسَ» قَالَ وَكِيعٌ لَا أَتْرُكُهَا أَبَدًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: الْعَتِيرَةُ هِيَ الْفَرَعُ لَا الرَّجَبِيَّةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَقَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْعَتِيرَةَ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَالْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِأَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِهِ، وَلَا يَعْرُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدُ، وَيَرُدُّ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا فَرَعَ، وَلَا عَتِيرَةَ» انْتَهَى، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ كُلَّ غُسْلٍ وَالزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ» وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَوْلُهُ كَعَتِيرَةٍ ابْنُ يُونُسَ الْعَتِيرَةُ الطَّعَامُ الَّذِي يُبْعَثُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُرْسَلَ لِلْمَنَاحَةِ طَعَامٌ انْتَهَى. وَالْكَرَاهَةُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْجَنَائِزِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ مَنَاحَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا» وَكَذَا جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ مَنْدُوبًا وَفِي مُخْتَصَرِهِ الْعَتِيرَةُ شَاةٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يَذْبَحُونَهَا لِأَصْنَامِهِمْ زَادَ الْجَوْهَرِيُّ فِي رَجَبٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ هُنَا انْتَهَى. وَكَانَ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَزَبَ عَنْهُ كَوْنُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيَانِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا فِيهِ بِدَلِيلِ نَقْلِهِ فِي تَعْرِيفِهَا كَلَامَ اللُّغَوِيِّينَ دُونَ تَفْسِيرِ مَالِكٍ وَحَمْلِهِ الْعَتِيرَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الطَّعَامِ الَّذِي يُبْعَثُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِقَوْلِ مَالِكٍ أَكْرَهُ أَنْ يُرْسَلَ لِلْمَنَاحَةِ طَعَامٌ لَيْسَ هُوَ بِمُرَادٍ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، بَلْ مُرَادُهُ بِالْعَتِيرَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُهُ كَوْنُهُ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَوْنُهُ ذَكَرَ الْمُسْتَحَبَّ مِنْ إطْعَامِ أَهْلِ الْمَيِّتِ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ

فرع اشترى أضحية ثم تركها واشترى أفضل منها فأتى يوم النحر والأولى أفضل

فَلَوْ أَرَادَ الْمَكْرُوهَ لَذَكَرَهُ هُنَاكَ فِي بَابِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِبْدَالُهَا بِدُونٍ) ش: هَذَا إذَا لَمْ يُوجِبْهَا وَأَمَّا إذَا أَوْجَبَهَا بِالنَّذْرِ، فَحُكْمُهَا فِي جَوَازِ الْبَدَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حُكْمُ الْهَدْيِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ بِدُونٍ مَفْهُومُهُ أَنَّ إبْدَالَهَا بِغَيْرِ الدُّونِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ سَوَاءٌ أَبْدَلَهَا بِالْمُسَاوِي أَوْ الْأَفْضَلِ وَقَالَ عَبْدُ السَّلَامِ: وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا مُسْتَحَبًّا انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَبًّا رَعْيًا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالشِّرَاءِ، وَأَمَّا الِاسْتِفْضَالُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ بِشِرَائِهَا أَوْ مَنْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَفَضَلَتْ لَهُ فَضْلَةٌ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: كَالْمُتَمِّمِ لِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ بَاعَ الْأُضْحِيَّةَ، وَاشْتَرَى أَقَلَّ مِنْهَا بِدُونِ الثَّمَنِ تَصَدَّقَ بِمَا اسْتَفْضَلَ مِنْ الثَّمَنِ، وَبِمَا زَادَتْ قِيمَةُ الَّتِي أَبْدَلَ عَلَى قِيمَةِ الَّتِي ضَحَّى بِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى أَفْضَلَ مِنْهَا أَوْ مِثْلَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ تَصَدَّقَ بِمَا اسْتَفْضَلَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اشْتَرَى دُونَهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ تَصَدَّقَ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ لَا أَكْثَرَ يُرِيدُ وَالصَّدَقَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ اشْتَرَى أُضْحِيَّة ثُمَّ تَرَكَهَا وَاشْتَرَى أَفْضَلَ مِنْهَا فَأَتَى يَوْمُ النَّحْرِ وَالْأُولَى أَفْضَلُ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا اشْتَرَى أُضْحِيَّةً، ثُمَّ تَرَكَهَا، وَاشْتَرَى أَفْضَلَ مِنْهَا فَأَتَى يَوْمُ النَّحْرِ وَالْأُولَى أَفْضَلُ، فَإِنَّهُ يَذْبَحُ الْأَفْضَلَ مِنْهُمَا كَانَتْ الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةَ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَإِنْ لِاخْتِلَاطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ) ش: الْأُضْحِيَّتَانِ إذَا اخْتَلَطَتَا قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا أَمْ لَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فَمَنْ أَخَذَ الْأَفْضَلَ ذَبَحَهُ وَمَنْ أَخَذَ الْمَفْضُولَ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ لِصَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ عُدَّ كَأَنَّهُ أَبْدَلَ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِحُكْمِ الْقُرْعَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَدْنَى، وَالْحَاصِلِ لَهُ بِالْقُرْعَةِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُبْدِلَهُ بِمِثْلِ الْأَعْلَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ تَرَكَ الْأَفْضَلَ بِالْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ أَوْ اخْتِيَارًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ أُمَّهُ أُضْحِيَّتَهُ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ أُمَّهُ أُضْحِيَّتَهُ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ وَيَشْتَرِي مِثْلَهَا أَوْ الْأَفْضَلَ، وَسَمِعَ مَنْ اشْتَرَى ضَحَايَا يُسَمِّيهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَ لِنَفْسِهِ مَا سَمَّى لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ أَفْضَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَكُرِهَ ذَبْحُهُ لِغَيْرِهِ مَا سَمَّى لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِثْلَ مَا سَمَّى أَوْ أَفْضَلَ. ص (وَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ إنْ اخْتَلَطَتْ بَعْدَهُ عَلَى الْأَحْسَنِ) ش: ظَاهِرُهُ

سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْتَلِطُ الْجُزْءَ أَوْ الْكُلَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَتُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا سُرِقَتْ رُءُوسُ الْأَضَاحِيِّ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ شَيْئًا، وَأَجَازَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَيَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزِّقَاقِ جِلْدًا مِثْلَ جِلْدِ نَاقَتِهِ، فَيَنْتَفِعَ بِهِ مَكَانَ جِلْدِهِ الَّذِي اُسْتُهْلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَ مَا احْتَاجَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ اللَّحْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مَا أَحَبَّ مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْحَيَوَانُ بِاللَّحْمِ، وَلَا بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ. عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى: مِنْ كِتَابِ الْأُضْحِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي رُءُوسِ الضَّحَايَا فِي اخْتِلَاطِهَا فِي الْفُرْنِ يَذْهَبُ بِرَأْسِ أُضْحِيَّةِ هَذَا إلَى هَذَا، وَبِرَأْسِ أُضْحِيَّةِ هَذَا إلَى هَذَا، فَيَأْكُلَانِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَالَ: يَتَحَلَّلَانِ. وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّهُ إنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ الَّذِي لَهُ أَوْ فَضْلَ الَّذِي لَهُ عَلَى الَّذِي لِصَاحِبِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَأَنَّهُ إنْ سَرَقَ رَجُلٌ أُضْحِيَّةَ رَجُلٍ أَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَضْمَنَ فِي السَّرِقَةِ وَمَا هُوَ بِالْقَوِيِّ عِنْدِي، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتْرُكَهَا، وَلَا يَأْخُذَهَا قَالَ عِيسَى: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ السَّارِقِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رُءُوسِ الضَّحَايَا بَيْنَ الِاخْتِلَاطِ وَالسَّرِقَةِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَكَلَ أَفْضَلَ مِنْ مَتَاعِهِ لِلَّذِي أَكَلَ مَتَاعَهُ فِي الْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ أَخْطَأَ، فَأَكَلَ رَأْسَ أُضْحِيَّة غَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْكُلْ لَهُ أَحَدٌ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الَّذِي أَكَلَ عَلَى سَبِيلِ الْخَطَإِ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ، وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ: إنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الَّذِي سَرَقَ. وَإِنْ كَانَ الْأَحَبُّ إلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ إذْ لَا فَرْقَ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ لِوُجُوبِ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ بِهِمَا جَمِيعًا وُجُوبًا وَاحِدًا، فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِيمَا اُسْتُهْلِكَ بَيْعٌ، وَإِذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَبِيعِ، فَلَهُ أَنْ يَتَمَوَّلَهَا وَيَفْعَلَ بِهَا مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا كَانَتْ فِي غَيْرِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّة لَا فِي الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَيَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً، فَاسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلَا يَحْنَثَ قَالَ: وَإِذَا اخْتَلَطَتْ الرُّءُوسُ فِي الْفُرْنِ كَرِهْتُ لَك أَنْ تَأْكُلَ مَتَاعَ غَيْرَكَ وَلَعَلَّ غَيْرَكَ لَا يَأْكُلُ مَتَاعَكَ، أَوْ مَتَاعَهُ خَيْرٌ مِنْ مَتَاعِك وَلَوْ اخْتَلَطَتْ بِرُءُوسِ الْفَرَّانِ كَانَ خَفِيفًا؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ كَمَا يَضْمَنُ لَحْمَ الْأَضَاحِيِّ بِالتَّعَدِّي وَالزَّرْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَقَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ السَّارِقِ. وَيَتَصَدَّقَ بِهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ السَّارِقِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا، فَلَا بَأْسَ بِاسْتِحْبَابِ التَّصَدُّقِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْعًا، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ بَيْعُ جِلْدِ أُضْحِيَّتِهِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ وَأَصْلُ مَا يُقَاسُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَتَبَيَّنُ بِهِ صِحَّةُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهَا مَسْأَلَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ. وَذَلِكَ أَنْ بَيْعَهَا لَا يُجَوِّزُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَاخْتُلِفَ

فِيهَا إنْ قُتِلَتْ، فَقِيلَ لَا قِيمَةَ عَلَى قَاتِلِهَا إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَتْلَفَ عَلَى سَيِّدِهَا مَنْفَعَةً، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَقِيلَ إنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ مَسْأَلَةُ الضَّحَايَا إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لِلرَّجُلِ إذَا اخْتَلَطَتْ رُءُوسُ الضَّحَايَا فِي الْأَفْرَانَ يَأْكُلُ مَتَاعَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ لُقَطَةِ مَا لَا يَبْقَى مِنْ الطَّعَامِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ لَهُ ثَمَنٌ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَأَكْلُهُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُعْلَمْ صَاحِبُهُ وَخُشِيَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّاةِ هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ وَالتَّصَدُّقُ بِذَلِكَ أَفْضَلُ بِخِلَافِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ مِنْ غَيْرِ الْأَضَاحِيِّ تَخْتَلِطُ فِي الْفُرْنِ، فَلَا يَعْلَمُ الرَّجُلُ لِمَنْ هَذَا الَّذِي سِيقَ إلَيْهِ، وَلَا عِنْدَ مَنْ صَارَ مَتَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَاعَهُ. وَيُوقِفَ ثَمَنَهُ عَلَى حُكْمِ اللُّقَطَةِ إذَا لَمْ تَبْقَ وَوُجِدَ لَهَا ثَمَنٌ انْتَهَى. فَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ يَجُوزُ عَلَى الْبَعْضِ، وَعَلَى الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا فِي الْجِنْسِ فَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّهَا كَلُقَطَةِ مَا يَفْسُدُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ، وَالْقَوْلُ بِجَوَازِ أَخْذِ قِيمَةَ الْأُضْحِيَّةِ مِمَّنْ سَرَقَهَا هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ سَنَدٌ فِي بَابِ الْهَدْيِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي فِيمَا إذَا سُرِقَ الْهَدْيُ بَعْدَ ذَبْحِهِ فَقَالَ: فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَ لَا قَبْلَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُبْزِ إذَا اخْتَلَطَ وَاللَّحْمِ أَنَّهُ كَاللُّقَطَةِ هَذَا حُكْمُ الْخُبْزِ الْمَأْخُوذِ وَأَمَّا الْفَرَّانُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّ الْخُبْزَ لَيْسَ هُوَ، فَلَهُ تَغْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ فِي ضَمَانِ الصُّنَّاعِ عَلَى أَنَّهُ إذَا ضَيَّعَ الْخُبْزَ ضَامِنٌ فَرَّطَ أَمْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَوْجُودَ هُوَ خُبْزُ هَذَا الرَّجُلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: إذَا احْتَرَقَ الْخُبْزُ فِي الْفُرْنِ، فَقَالَ الْفَرَّانُ: هُوَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ صَاحِبُهُ: لَيْسَ هُوَ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْفَرَّانِ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا عَنْ اللَّخْمِيّ مُضْمَنُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَعْمَلُ إلَّا لِلنَّاسِ صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُصَدَّقْ، فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ يَتَبَدَّلُ مَعَ الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ إذَا تَبَدَّلَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ تَبَدَّلَ لَهُ خُفٌّ أَوْ نَعْلٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ وَقْتَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَحِلُّ لَهُ الْخُفَّانِ أَصْبَغُ وَابْنُ وَهْبٍ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِمَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَجْوَدَ مِنْ الَّذِي لَهُ، فَلَا يَلْبَسُهُ ابْنُ الْمَوَّازِ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَرَبُّهُ أَخَذَ خُفَّهُ أَمْ لَا انْتَهَى كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَحَّ إنَابَةٌ بِلَفْظٍ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ مَكْرُوهَةٌ لَا كَمَا يُعْطِيهِ لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ الْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ حَيْثُ قَالَ وَالْأَوْلَى ذَبْحُهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ اسْتَنَابَ مَنْ تَصِحُّ مِنْهُ الْقُرْبَةُ جَازَ انْتَهَى. وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْطِفْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى الْجَائِزَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ كَمَا هِيَ عَادَتُهُ بَلْ قَالَ: وَصَحَّ، وَصَرَّحَ فِي بَابِ الْحَجِّ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ قَالَ: وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَقَدَّمَ هُنَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَبْحُهَا بِيَدِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَهُ كَلَامُ سَنَدٍ وَتَصْرِيحُهُ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ لِمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ بِيَدِهِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ إنْ وَجَدَ سَعَةً وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَوْلٌ إنَّهُ لَا يُجْزِئُ إذَا اسْتَنَابَ مُسْلِمًا وَقَوْلُهُ: بِلَفْظٍ، يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ أَوْ بِالْعَادَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ بِعَادَةٍ. ص (إنْ أَسْلَمَ) ش: احْتِرَازًا مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَالْكِتَابِيِّ، فَإِنْ أَمَرَ رَجُلًا يَظُنُّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعِيدُ، فَإِنْ عَزَّ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ بِأَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَذْبَحُونَ ضَمِنَ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ السُّلْطَانُ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) وَمَوْضِعُ الْمَنْعِ أَنْ يَلِيَ الذِّمِّيُّ الذَّبْحَ، فَأَمَّا السَّلْخُ وَتَقْطِيعُ اللَّحْمِ، فَلَا قَالَهُ سَنَدٌ فِي الْحَجِّ. ص (وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ) ش: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ

ذَكَاةَ مَنْ لَمْ يَصِلْ الْمَشْهُورُ فِيهَا أَنَّهَا تُؤْكَلُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: إنْ اسْتَنَابَ مَنْ يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ ذَكَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ) ش: فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ صَوَّبَ ابْنُ رُشْدٍ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ رَبِّهَا كَالْمُوَضَّأِ بِفَتْحِ الضَّادِ لَا نِيَّةُ الذَّابِحِ كَالْمُوَضِّئِ بِالْكَسْرِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ شَرْطَ النَّائِبِ فِي الذَّكَاةِ صِحَّةُ ذَكَاتِهِ بِدَلِيلِ مَنْعِ كَوْنِهِ مَجُوسِيًّا، فَنِيَّتُهُ إذَنْ مَطْلُوبَةٌ، فَإِذَا نَوَاهَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ تُجْزِ رَبَّهَا وَالْمُوَضِّئُ لَا تُطْلَبُ مِنْهُ نِيَّةٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ كَوْنِهِ جُنُبًا، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نِيَّةِ التَّقَرُّبِ لَا فِي نِيَّةِ الذَّكَاةِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَانْظُرْ لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي أُضْحِيَّة عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِهِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّخْرِيجِ بِجَوَازِهِ، فَنَوَى عِنْدَ الذَّبْحِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ وَحْدَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ. ص (أَوْ بِعَادَةٍ كَقَرِيبٍ وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ بِالْعَادَةِ تَصِحُّ بِمَعْنَى أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ أَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُ أَخْذًا لِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ قَوْلِهِ بِعَادَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ كَقَرِيبٍ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَك بِغَيْرِ إذْنِكَ، فَأَمَّا وَلَدُكَ أَوْ بَعْضُ عِيَالِكَ فَمَنْ فَعَلَهُ لِيَكْفِيَكَ مُؤْنَتَهَا، فَذَلِكَ مُجْزِئٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ أَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُ، وَلَيْسَ قَرِيبًا، وَلَا بَعْضَ عِيَالِهِ أَوْ كَانَ مُتَوَلِّيَ الْأُمُورِ وَلَيْسَ بَعْضَ عِيَالِهِ، وَلَا قَرِيبًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ بَعْضَ عِيَالِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَوَلَّ الْأُمُورَ فَالْأَوْلَى مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تُجْزِئُ بِلَا كَلَامٍ لِفِقْدَانِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَالْأَخِيرَتَانِ فِيهِمَا التَّرَدُّدُ، وَحَيْثُ قُلْنَا لَا تُجْزِئُ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِذَا ذَبَحَ رَجُلٌ أُضْحِيَّةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ تَعَدِّيًا، وَلَيْسَ بِوَلَدٍ، وَلَا صِدِّيقٍ، وَلَا مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ لَمْ تُجْزِهِ، وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا أَوْ يَأْخُذَهَا وَمَا نَقَصَ الذَّبْحُ. ص (لَا إنْ غَلِطَ فَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدِهِمَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَضْمَنُ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَهُ أَخْذُهَا مَذْبُوحَةً

فروع الأول اشترى الأضحية وذبحها ثم استحقت فأجاز ربها البيع

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَحَيْثُ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً تَصَرَّفَ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قِيمَتُهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِجْزَاءِ فِي الْهَدْيِ إذَا ذَبَحَ غَلَطًا وَعَدَمِهِ هُنَا بِأَنَّ الْهَدْيَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَهَذِهِ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالذَّبْحِ، وَانْظُرْ لَوْ عَيَّنَهَا بِالنَّذْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا ذَبَحَهَا غَيْرُهُ غَلَطًا تُجْزِئُهُ سَوَاءٌ كَانَ نَذْرًا مَضْمُونًا أَوْ مُعَيَّنًا، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَبْحَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا سَقَطَ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بَقِيَ فِي الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إنْ تَعَمَّدَ ذَبْحَ ضَحِيَّةِ الْغَيْرِ فَإِنْ ذَبَحَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَهِيَ الَّتِي فَوْقَهَا، وَإِنْ ذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ مُحْرِزٍ: كَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّة رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ تَعَدِّيًا أَجْزَأَتْهُ، وَضَمِنَ قِيمَتَهَا انْتَهَى. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّة وَذَبَحَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَأَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : لَوْ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ وَذَبَحَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، فَأَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ لَأَجْزَأَتْهُ لِفِعْلِهِ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ ضَمِنَهُ بِالْعِوَضِ الَّذِي وَدَاهُ. [الثَّانِي غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا أُضْحِيَّة وَأَخَذَ رَبُّهَا مِنْهُ الْقِيمَةَ هَلْ تُجْزِيهِ] (الثَّانِي) : اُخْتُلِفَ لَوْ غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وَأَخَذَ رَبُّهَا مِنْهُ الْقِيمَةَ هَلْ تُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا بِالْغَصْبِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ عُدْوَانٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. [الثَّالِثُ فِي تَعَدَّى رَجُلٌ عَلَى لَحْمِ أُضْحِيَّة] (الثَّالِثُ) : قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ إذَا تَعَدَّى رَجُلٌ عَلَى لَحْمِ أُضْحِيَّةٍ فَقَالَ ابْنُ نَاجِي: تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ، فَانْظُرْهُ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَتْلِ الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ تَعَيَّبَتْ حَالَةَ الذَّبْحِ) ش: أَيْ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا إذَا تَعَيَّبَتْ حَالَةَ الذَّبْحِ يُرِيدُ، وَلَا تُجْزِئُ كَمَا فِي الصُّوَرِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَبَعْدَهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ شَاةٍ أُضْجِعَتْ لِلذَّبْحِ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا أَوْ أَصَابَتْهَا السِّكِّينُ فِي عَيْنِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ، فَاضْطَرَبَتْ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا أَوْ أَصَابَتْهَا السِّكِّينُ فِي عَيْنِهَا، فَفَقَأَتْهَا لَمْ تُجْزِهِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا ذَبَحَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ مَا ذُبِحَ مِنْ الْأَضَاحِيِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ قَبْلَهُ) ش: يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَ التُّونُسِيُّ فِي حَقِّ مَنْ ضَحَّى بِشَاةٍ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بَعْدَ أَنْ ضَحَّى إنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْإِجَارَةُ وَالْبَدَلُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ الظِّئْرِ النَّصْرَانِيَّةِ تَطْلُبُ فَرْوَةَ أُضْحِيَّةِ ابْنِهَا فَرْوَتَهَا يَدُلُّ عَلَى إعْطَاءِ الْقَابِلَةِ وَالْفَرَّانِ وَالْكَوَّاشِ وَنَحْوِهِمْ وَمَنَعَهُ بَعْضُ شُيُوخِ بَلَدِنَا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَوَّاشَ بِالْوَاوِ، وَلَا بِالرَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِتُونُسَ شَخْصٌ يُسَمَّى الْكَرَّاشَ بِالرَّاءِ، وَكَانَ الْفَرَّانُ هُوَ الْخَبَّازُ وَالْكَوَّاشُ الصَّبِيُّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا لِمُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ) ش:

فرع دهن الخراز شراك النعال بدهن أضحيته

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّة: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ لَحْمٌ فَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَتَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْوَارِثِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ كَالصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرِ وَالزَّكَاةِ ابْنُ غَلَّابٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. قَالَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سَرِقَةِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّة مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ فِي الشَّامِلِ مُتَعَارِضٌ، فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: وَجَازَ لِمَوْهُوبٍ لَهُ وَمُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ الْبَيْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا لِمُضَحٍّ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ إطْعَامُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُهَا، وَلَوْ جِلْدًا، وَلَا لِصَانِعِ دُهْنٍ مَصْنُوعٍ بِشَحْمِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ دَهْنِ الْخَرَّازِ شِرَاكَ النِّعَالِ بِدُهْنِ أُضْحِيَّتِهِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ كَرَاهِيَةَ دَهْنِ الْخَرَّازِ شِرَاكَ النِّعَالِ بِدُهْنِ أُضْحِيَّتِهِ انْتَهَى. ص (إنْ لَمْ يَتَوَلَّ غَيْرٌ بِلَا إذْنٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي إذَا سَقَطَ عَنْ الْمُضَحِّي الثَّمَنُ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ تَوَلَّوْا الْبَيْعَ انْتَهَى. ص (كَأَرْشِ عَيْبٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) ش: الَّذِي فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَشَرَحَ عَلَيْهِ بَهْرَامُ وَالْبِسَاطِيُّ بِإِسْقَاطِ لَا، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ بِإِثْبَاتِ لَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا وَهِيَ أَحْسَنُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، فَيَتَصَدَّقُ بِالْأَرْشِ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ، فَعَلَى مَا شَرَحَ عَلَيْهِ الشَّارِحَانِ يَكُونُ تَشْبِيهًا فِي الْمَنْفِيِّ أَعْنِي قَوْلَهُ وَتَصَدَّقَ إلَخْ، وَيَكُونُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ لَا يُعْلَمُ حُكْمُهُ مِنْ الْمُخْتَصَرِ، وَعَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ يَكُونُ تَشْبِيهًا فِي الْمُثْبَتِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَتَصَدَّقَ إلَخْ، وَيَكُونُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاء لَا يُطْلَبُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ سَوَاءٌ أَوْجَبَهَا بِالنَّذْرِ أَوْ لَمْ يُوجِبْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا أَوْجَبَهَا فَحُكْمُهُ كَلَحْمِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْأَرْشُ إمَّا أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهَا أَحَدٌ أَوْ يَظْهَرَ فِيهَا عَلَى عَيْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَا يُجْزِي إنْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَهُ) ش: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ عَائِدٌ عَلَى أَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ مِنْ النَّذْرِ أَوْ الذَّبْحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ بَهْرَامَ فَلَوْ نَذَرَهَا، ثُمَّ تَعَيَّبَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ، فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَحَبْسِهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ضَاعَتْ أُضْحِيَّتُهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلْيَذْبَحْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ضَحَّى بِبَدَلِهَا، فَلْيَصْنَعْ بِهَا مَا شَاءَ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُضَحِّ بِبَدَلِهَا، ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَلْيَصْنَعْ بِهَا مَا شَاءَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ انْتَهَى. ص (إلَّا أَنَّ هَذَا آثِمٌ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أُضْحِيَّةٌ، فَأَخَّرَهَا إلَى أَنْ انْقَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ أَثِمَ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَوْجَبَهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُهُ أَثِمَ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ إذْ الْإِثْمُ مِنْ خَصَائِصِهِ وَأُجِيبُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ آخِرُهَا أَنَّ التَّأْثِيمَ أَوْ الِاسْتِغْفَارَ فِي كَلَامِهِمْ لَيْسَ خَاصًّا بِالْوُجُوبِ بَلْ يُطْلِقُونَ التَّأْثِيمَ كَثِيرًا عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ، وَرُبَّمَا أَبْطَلُوا الصَّلَاةَ بِبَعْضِ السُّنَنِ، وَيَقُولُونَ فِي تَارِكِ بَعْضِهَا: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ

فرع إذا ذبحت الأضحية وقام عليه الغرماء فهل لصاحبها أن يأخذها

كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي تَارِكِ الْإِقَامَةِ (ثَانِيهَا) : وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَوْجَبَهَا، وَسَيَأْتِي بِمَاذَا تَجِبُ (ثَالِثُهَا) : أَنَّ التَّأْثِيمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَتَجِبُ بِالْتِزَامِ اللِّسَانِ أَوْ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِيهِمَا كَالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ فِي الْهَدْيِ وَبِالذَّبْحِ ذَكَرَ أَنَّهَا تَجِبُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ اثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ الْتِزَامُ اللِّسَانِ مَعَ النِّيَّةِ وَالثَّانِي النِّيَّةُ مَعَ الشِّرَاءِ، وَلَا يُرِيدُ خُصُوصِيَّةَ الشِّرَاءِ بَلْ فِعْلٌ مَعَ نِيَّةٍ أَيَّ فِعْلٍ كَانَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا قَالَ: جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً تَعَيَّنَتْ، وَالثَّالِثُ الذَّبْحُ، وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ أَوْجَبَهَا بِالنَّذْرِ وَضَلَّتْ حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ أَوْ حَبَسَهَا مَا يَفْعَلُ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْوَارِثِ الْقَسْمُ وَلَوْ ذُبِحَتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ لِلْوَرَثَةِ الْقَسْمُ سَوَاءٌ مَاتَ بَعْدَ أَنْ ذُبِحَتْ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُذْبَحَ يَعْنِي أَمَّا بَعْدَ أَنْ أَوْجَبَهَا أَوْ لَمْ يُوجِبْهَا، وَفَعَلَ الْوَرَثَةُ مَا اسْتَحَبَّ لَهُمْ مِنْ الذَّبْحِ، فَلَهُمْ الْقَسْمُ بِالْقُرْعَةِ لَا بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ تَمْيِيزُ حَقٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى الرُّءُوسِ لَا عَلَى الْمَوَارِيثِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ التُّونُسِيُّ: إنَّهُ أَشْبَهَ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَقَبْلَ أَنْ يُوجِبَهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ الْوَرَثَةُ الْمُسْتَحَبَّ، فَهِيَ كَمَالٍ مِنْ أَمْوَالِهِ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بَيْعٌ بَعْدَهُ فِي دَيْنٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَ الْمِدْيَانُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ، فَلَهُمْ أَخْذُهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ بَيْعُهَا فِي دَيْنِهِمْ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ الذَّبْحِ انْتَهَى. [فَرْعٌ إذَا ذُبِحَتْ الْأُضْحِيَّة وَقَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ فَهَلْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا] (فَرْعٌ) : قَالَ الْبِسَاطِيُّ: إذَا ذُبِحَتْ، وَقَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ، فَهَلْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ؟ قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ لَا لِلْفَوَاتِ انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ نَهَارًا) ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَقِيقَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَأْثِيمِ تَارِكِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إنَّ مَنْ تَرَكَهَا وَنَابَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ كَسَائِرِ السُّنَنِ، فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَالْعَقِيقَةُ ذَبْحُ شَاةٍ عَنْ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَالْأَفْضَلُ عَنْ الذَّكَرِ شَاتَانِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ: عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْ يُعَقَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ وَعَنْ الصَّبِيَّةِ بِشَاةٍ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَمِلَ بِهِ فَمَا أَخْطَأَ، وَلَقَدْ أَصَابَ، وَقَوْلُهُ ذَبْحُ شَاةٍ يَعْنِي أَنَّ بَعْضَهَا لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ زَرُّوق. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْجَلَّابُ: لَا يُمْنَعُ اثْنَانِ بِشَاةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَتَعَدَّدَتْ لِلتَّوْأَمَيْنِ، فَأَكْثَرَ بِحَسَبِهِمْ انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا مِنْ مَالِ الْأَبِ لَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَعُقُّ عَنْ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ لَا تَلْزَمُ قَرِيبًا غَيْرَ الْأَبِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي

العقيقة

ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِي مَالِ الْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَفِي مَالِ الْأَبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا فِي مَالِ الْأَبِ (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى مُحَمَّدٌ لَا يَعُقُّ عَبْدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلَا يُضَحِّي إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ، وَفِي مَا دُونَهَا وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَا يَعُقُّ إلَّا بِإِذْنِهِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : قَالَ الشَّيْخُ كَرَّامٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا تَلْزَمُ السَّيِّدَ عَنْ رَقِيقِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى. ص (فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ لَفْظِ الْإِرْشَادِ الْمُتَقَدِّمِ: عِنْدَ قَوْلِهِ عَنْ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَالْمَوْلُودُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِحَيَاتِهِ لِسَابِعِهِ سَمِعَ الْقَرِينَانِ: لَا يُعَقُّ عَمَّنْ مَاتَ قَبْلَ سَابِعِهِ انْتَهَى. وَوَقْتُهَا فِي السَّابِعِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ فَاتَ فِعْلُهَا فِيهِ سَقَطَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ تُفْعَلُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ السَّابِعِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ تُفْعَلُ فِي السَّابِعِ الثَّانِي فَقَطْ، فَإِنْ فَاتَ فَفِي الثَّالِثِ، فَإِنْ فَاتَ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَى الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى قَوْلٍ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعَقُّ فِيمَا بَعْدَ السَّابِعِ الثَّالِثِ بَلْ قَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ: وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَعُقُّونَ عَنْ الْكَبِيرِ وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ بِالْمَدِينَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْجُزُولِيِّ وَقِيلَ يَعُقُّ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ الْأَقْوَالَ الْخَارِجَةَ، وَلَا يَعْزُوهَا [الْعَقِيقَة] [فُرُوعٌ إذَا ذَبَحَ الْعَقِيقَةَ أَوْقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمَ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ ذِكْرِ النِّفَاسِ، وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ الْمَوْلُودُ مِمَّنْ يَعُقُّ عَنْهُ، فَلَا يُوقِعُ عَلَيْهِ الِاسْمَ الْآنَ حَتَّى يَذْبَحُ الْعَقِيقَةَ، وَيَتَخَيَّرُ لَهُ فِي الِاسْمِ مُدَّةَ السَّابِعِ، وَإِذَا ذَبَحَ الْعَقِيقَةَ أَوْقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمَ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلُودُ لَا يُعَقُّ لِفَقْرِ وَلِيِّهِ، فَيُسَمُّونَهُ مَتَى شَاءُوا انْتَهَى، وَنَقَلَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ عَنْ التَّادَلِيِّ وَأَصْلُهُ لِلنَّوَادِرِ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسَمَّى يَوْمَ سَابِعِهِ ابْنُ رُشْدٍ لِحَدِيثِ «يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى» وَفِيهِ سَعَةٌ لِحَدِيثِ «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ» «وَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ صَبِيحَةَ وُلِدَ فَحَنَّكَهُ وَدَعَا لَهُ وَسَمَّاهُ» ، وَيُحْتَمَلُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْعِ تَأْخِيرِ التَّسْمِيَةِ عَنْ سَابِعِهِ فَتَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ تُتَخَيَّرَ لَهُ الْأَسْمَاءُ قَبْلَ سَابِعِهِ، وَلَا يُسَمَّى إلَّا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ الْبَاجِيُّ: مِنْ أَفْضَلِهَا ذُو الْعُبُودِيَّةِ لِحَدِيثِ «إنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» ، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، وَرَوَى الْعُتْبِيُّ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَتَحَدَّثُونَ مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا رَأَوْا خَيْرًا وَرُزِقُوا الْبَاجِيُّ وَيُمْنَعُ بِمَا قُبِّحَ كَحَرْبٍ وَحَزْنٍ وَضِرَارٍ وَمَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ يَسِيرَةٌ وَمَنَعَهَا مَالِكٌ بِمَهْدِيٍّ وَقِيلَ فَالْهَادِي قَالَ: هُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْهَادِيَ هَادِي الطَّرِيقِ الْبَاجِيُّ وَيَحْرُمُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ لِحَدِيثِ هُوَ أَقْبَحُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ عِيَاضٌ غَيْرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمِ حَكِيمٍ وَعَزِيزٍ لِتَشْبِيهِهِ بِأَسْمَاءِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْنِيَةِ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ مَنْسُوخٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ أَعْنِي التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْمُ مُحَمَّدًا أَوْ أَحْمَدَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى: قَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَزْكِيَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مَا قَدْ كَثُرَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ وَالْعِرَاقِ مِنْ نَعْتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالنُّعُوتِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّزْكِيَةَ وَالثَّنَاءَ كَزَكِيِّ الدِّينِ وَمُحْيِي الدِّينِ وَعَلَمِ الدِّينِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ تَجُوزُ لَمَا كَانَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. مِنْ فَصْلِ النُّعُوتِ وَذَكَرَ الْكُنَى الشَّرْعِيَّةِ فِي فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرْضَى وَنَصُّهُ: وَالْكُنَى الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يُكْنَى الرَّجُلُ بِوَلَدِهِ أَوْ بِوَلَدِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُكْنَى بِوَلَدِهَا أَوْ بِوَلَدِ غَيْرِهَا كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ وَجَدَتْ عَلَى كَوْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ تَتَكَنَّى بِهِ، فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَنِّي بِابْنِ أُخْتِكِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -»

الأذان في أذن الصبي المولود

وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْكُنَى بِالْحَالَةِ الَّتِي الشَّخْصُ مُتَّصِفٌ بِهَا كَأَبِي تُرَابٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَا أَشْبَهَهُمَا انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: قِيلَ لِأَبِي الرَّقِيسِ الْأَعْرَابِيِّ لِمَ تُسَمُّونَ أَبْنَاءَكُمْ شَرَّ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ كَلْبٍ وَذِئْبٍ وَعَبِيدَكُمْ بِأَحْسَنِهَا نَحْوَ مَرْزُوقٍ وَرَابِحٍ، فَقَالَ: إنَّمَا نُسَمِّي أَبْنَاءَنَا لِأَعْدَائِنَا وَعَبِيدَنَا لِأَنْفُسِنَا يُرِيدُ أَنَّ الْأَبْنَاءَ عُدَّةٌ لِلْأَعْدَاءِ أَوْ سِهَامٌ فِي نُحُورِهِمْ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ صَبِيحَةَ وُلِدَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ» قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْبَقَ إلَى جَوْفِ الْمَوْلُودِ الْحَلَاوَةُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ؛ لِأَنَّهُ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَرْضَعْ ثَدْيَ أُمِّهِ حِينَ وُلِدَ، فَأَتَى شَيْخٌ، فَقَالَ: اذْبَحُوا جَدْيًا وَأَطْعِمُوهُ مِنْ دَمِهِ، وَيَرْجِعُ إلَى الرَّضَاعِ فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، وَرَضَعَ فَخَرَجَ سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: قِيلَ إنَّ الشَّيْخَ الَّذِي كَلَّمَهُمْ فِي قَضِيَّةِ الْحَجَّاجِ هُوَ إبْلِيسُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْأَذَان فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ] (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي بَابِ الْجَامِعِ، وَكَرِهَ يَعْنِي مَالِكًا أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ انْتَهَى. وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِ الصَّبِيِّ، وَيُقِيمَ حِينَ يُولَدُ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَابِ الْأَذَانِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ص (نَهَارًا) ش: يَعْنِي مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهَا ضَحْوَةً قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَسُنَّتُهَا أَنْ تُذْبَحَ ضَحْوَةً إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَيُكْرَهُ أَنْ تُذْبَحَ بِالْعَشِيِّ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ بِالسَّحَرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا إنْ ذَبَحَهَا بِاللَّيْلِ، فَلَا تُجْزِئُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَقَالَ بَعْدَهُ: فَجَعَلَ الْوَقْتَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُسْتَحَبٌّ: وَهُوَ مِنْ ضَحْوَةٍ إلَى الزَّوَالِ، وَمَكْرُوهٌ: بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَمْنُوعٌ: وَهُوَ أَنْ تُذْبَحَ بِاللَّيْلِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَصَّ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ إذَا ذَبَحَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَذَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُهُ إذَا ذَبَحَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ لَيْسَتْ مُنْضَمَّةً إلَى صَلَاةٍ، فَكَانَ قِيَاسُهَا عَلَى الْهَدَايَا أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الضَّحَايَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَ كَسْرُ عِظَامِهَا) ش: قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ: وَلَيْسَ كَسْرُ عِظَامِهَا سُنَّةً، وَلَا مُسْتَحَبًّا وَقَالَهُ فِي التَّلْقِينِ وَلَكِنْ تَكْذِيبًا لِلْجَاهِلِيَّةِ وَمُخَالَفَةً لَهُمْ فِي تَحَرُّجِهِمْ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ انْتَهَى. مِنْ الشَّبِيبِيِّ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَزَادَ بَعْدَهُ وَفِي الْمُفِيدِ إنَّ الْكَسْرَ مُسْتَحَبٌّ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى. ص (وَكُرِهَ عَمَلُهَا وَلِيمَةً) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ وَلَا يَجْعَلَ الْعَقِيقَة صَنِيعًا يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الشَّبِيبِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَجْعَلَهَا

الثاني وافق يوم عقيقة ولده يوم الأضحى ولا يملك إلا شاة

صَنِيعًا يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهِ، وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يُوَسِّعَ بِغَيْرِ شَاةِ الْعَقِيقَةِ لِإِكْثَارِ الطَّعَامِ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: عَقَقْتُ عَنْ وَلَدِي فَذَبَحْت بِاللَّيْلِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ إلَيْهِ إخْوَانِي وَغَيْرَهُمْ، ثُمَّ ذَبَحْتُ لَهُ ضُحًى شَاةَ الْعَقِيقَةِ فَأَهْدَيْتُ مِنْهَا لِجِيرَانِي وَأَكَلَ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَكَسَّرُوا مَا بَقِيَ مِنْ عِظَامِهَا وَطَبَخُوهُ وَدَعَوْنَا إلَيْهِ الْجِيرَانَ فَأَكَلُوا وَأَكَلْنَا قَالَ مَالِكٌ: فَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلْيَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. [الثَّانِي وَافَقَ يَوْمُ عَقِيقَةِ وَلَدِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَا يَمْلِكُ إلَّا شَاةً] (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مَنْ وَافَقَ يَوْمُ عَقِيقَةِ وَلَدِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَلَا يَمْلِكُ إلَّا شَاةً عَقَّ بِهَا ابْنُ رُشْدٍ إنْ رَجَا الْأُضْحِيَّة فِي تَالِيَيْهِ، وَإِلَّا فَالْأُضْحِيَّة؛ لِأَنَّهَا آكِدٌ قِيلَ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ وَلَمْ يَقُلْ فِي الْعَقِيقَةِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ فَإِنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ أَوْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً، فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ إذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ لَا يُجْزِيهِ، وَإِنْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً أَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْأَوَّلَيْنِ إرَاقَةُ الدَّمِ وَإِرَاقَتُهُ لَا تُجْزِئُ عَنْ إرَاقَتَيْنِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَلِيمَةِ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْإِرَاقَةِ، فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ انْتَهَى [الثَّالِثُ الضَّحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ هَلْ يطعم مِنْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ] (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الضَّحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ أَيُطْعَمُ مِنْهَا أَحَدٌ مِنْ النَّصَارَى أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: مَا سَمِعْت ذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُطْعِمَ أَحَدًا مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْأُضْحِيَّة عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِطْعَامُ كَافِرٍ فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الرَّابِعُ ادِّخَارِ لَحْمِ الْعَقِيقَةِ] (الرَّابِعُ) : قَالَ الشَّبِيبِيُّ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ادِّخَارِ لَحْمِ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: شَأْنُ النَّاسِ أَكْلُهُ وَمَا بِذَلِكَ بَأْسٌ انْتَهَى. [الْخَامِسُ حُكْمُ لَحْمِ وَجِلْد الْعَقِيقَة] (الْخَامِسُ) : قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ: وَحُكْمُ لَحْمِهَا وَجِلْدِهَا كَالْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى. ص (وَخِتَانُهُ يَوْمَهَا) ش: أَيْ وَيُكْرَهُ خِتَانُ الْمَوْلُودِ يَوْمَ الْعَقِيقَةِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَرَاهَتَهُ فِيهِمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْخِتَانُ وَلِحُكْمِهِ وَحُكْمِ الْخِفَاضِ، فَأَمَّا وَقْتُ اسْتِحْبَابِ الْخِتَانِ، فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَنَصُّهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: كَرَاهَتَهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ أَوْ سَابِعَهُ لِفِعْلِ الْيَهُودِ إلَّا لِعِلَّةٍ يُخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ، فَلَا بَأْسَ وَاسْتِحْبَابُهُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرٍ وَرَوَى اللَّخْمِيُّ يُخْتَتَنُ يَوْمَ يُطِيقُهُ الْبَاجِيُّ اخْتَارَ مَالِكٌ: وَقْتَ الْإِثْغَارِ وَقِيلَ عَنْهُ مِنْ سَبْعٍ إلَى عَشْرٍ، وَكُلُّ مَا عُجِّلَ بَعْدَ الْإِثْغَارِ، فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْكَافِي: وَلَا حَدَّ فِي وَقْتِهِ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الِاحْتِلَامِ، وَإِذَا أَثْغَرَ فَحَسَنٌ أَنْ يُنْظَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِزَ عَشْرَ سِنِينَ إلَّا، وَهُوَ مَخْتُونٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيُسْتَحَبُّ خِتَانُ الصَّبِيِّ إذَا أُمِرَ بِالصَّلَاةِ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى الْعَشْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُخْتَتَنَ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ انْتَهَى. وَأَمَّا حُكْمُهُمَا فَأَمَّا الْخِتَانُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْخِتَانُ لِلذُّكُورِ سُنَّةٌ التَّلْقِينِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ غَيْرُ فَرْضٍ وَلَمْ يَحْكِ الْمَازِرِيُّ غَيْرَهُ الرِّسَالَةِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ الصَّقَلِّيُّ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ مِنْ الْفِطْرَةِ لَا تَجُوزُ إمَامَةُ تَارِكِهِ اخْتِيَارًا، وَلَا شَهَادَتُهُ الْبَاجِيُّ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ شَيْخٌ كَبِيرٌ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ فَفِي تَرْكِهِ وَلُزُومِهِ نَقْلَا أَبِي عُمَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٍ قَائِلًا أَرَأَيْتَ إنْ وَجَبَ قَطْعُ سَرِقَةٍ أَيُتْرَكُ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَحْكِ الْبَاجِيُّ غَيْرَ قَوْلِ سَحْنُونٍ دُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قَائِلًا مُقْتَضَاهُ تَأَكُّدُ وُجُوبِهِ (قُلْت) : فِي قَطْعِهِ لِلسَّرِقَةِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ نَظَرٌ، وَإِذَا سَقَطَ قِصَاصُ الْمَأْمُومَةِ لِلْخَوْفِ، فَأَحْرَى لِلْقَطْعِ لِحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَيَكُونُ كَمَنْ سَرَقَ، وَلَا يَدَ لَهُ يُؤَدَّبُ بِمَا يَلِيقُ وَيُطَاقُ أَبُو عُمَرَ لَوْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقَالَتْ فِرْقَةٌ تُجْرَى عَلَيْهِ الْمُوسَى فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقْطَعُ قُطِعَ وَأَبَاهُ آخَرُونَ (قُلْت) : يَجْرِي عَلَى الْأَقْرَعِ فِي الْحَجِّ انْتَهَى. وَأَمَّا الْخِفَاضُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْخِفَاضُ فِي النِّسَاءِ الرِّسَالَةِ مَكْرَمَةٌ وَرَوَى

الختان

الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْخِتَانِ وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَلْيُخَفِّضْهَا إنْ أَرَادَ حَبْسَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِلْبَيْعِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ قَالَ مَالِكٌ: النِّسَاءُ يُخَفِّضْنَ الْجَوَارِيَ قَالَ غَيْرُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَالَغَ فِي قَطْعِ الْمَرْأَةِ انْتَهَى. [الْخِتَان] [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ خِتَانُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الْبِسَاطِيّ: هَلْ يُخْتَتَنُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ أَوْ فِي كِلَيْهِمَا أَوْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا انْتَهَى وَأَصْلُ هَذَا التَّنْظِيرِ لِلْفَاكِهَانِيِّ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: هَلْ يُخْتَتَنُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْنَا يُخْتَتَنُ، فَفِي أَيِّ الْفَرْجَيْنِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا نَقْلًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقِيلَ يَجِبُ اخْتِتَانُهُ فِي فَرْجِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُمْ (قُلْت) : الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُخْتَتَنُ لِمَا عَلِمْت مِنْ قَاعِدَةِ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَمَسَائِلُهُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُنْكَحُ، وَلَا يَنْكِحُ، وَفِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ، وَلَا يَحُجُّ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَا مَعَ جَمَاعَةٍ رِجَالٍ فَقَطْ، وَلَا مَعَ جَمَاعَةٍ نِسَاءٍ فَقَطْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ [الثَّانِي حُكْم الْغُرْلَةُ وَهِيَ مَا يُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ] (الثَّانِي) : قَالَ فِي الْقَوَانِينَ: الْغُرْلَةُ وَهِيَ مَا يُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنْ حَيٍّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَهَا الْمُصَلِّي، وَلَا أَنْ تُدْخَلَ الْمَسْجِدَ، وَلَا أَنْ تُدْفَنَ فِيهِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ جَهْلًا انْتَهَى. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ حُكْمُ مَا يُنْثَرُ عَلَى رُءُوسِ الصِّبْيَانِ عِنْدَ خُرُوجِ أَسْنَانِهِمْ وَفِي الْخِتَانِ وَالْأَعْرَاسِ وَحُكْمُ الطَّعَامِ الَّذِي يُعْمَلُ لِأَجْلِ الْخِتَانِ وَغَيْرِهِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي الْيَمِينُ] بَابٌ (الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ الْعُضْوُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا حَلَفُوا وَضَعَ أَحَدُهُمْ يَمِينَهُ فِي يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا. وَقِيلَ: الْيَمِينُ الْقُوَّةُ وَيُسَمَّى الْعُضْوُ يَمِينًا لِوُفُورِ قُوَّتِهِ عَلَى الْيَسَارِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] أَيْ بِالْقُوَّةِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ يُقَوِّي الْخَبَرَ مِنْ الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ سُمِّيَ يَمِينًا، فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ الْتِزَامُ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالَفَةِ يَمِينًا، بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَسَمُ بِتَحْرِيكِ السِّينِ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، وَأَقْسَمْت أَيْ حَلَفْت، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ مِنْ الْقَسَامَةِ، وَهِيَ الْأَيْمَانُ تُقْسَمُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَالْحَلِفُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا بِمَعْنَاهُ، انْتَهَى. وَفِي الصِّحَاحِ وقَوْله تَعَالَى: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْ مِنْ قِبَلِ الدِّينِ فَتُزَيِّنُونَ لَنَا ضَلَالَتِنَا، كَأَنَّهُ أَرَادَ عَنْ الْمَأْتِيِّ السَّهْلِ الْأَصْمَعِيُّ فُلَانٌ عِنْدَنَا بِالْيَمِينِ أَيْ بِمَنْزِلَةٍ حَسَنَةٍ، وَيُقَالُ: قَدِمَ فُلَانٌ عَلَى أَيْمَنِ الْيَمِينِ أَيْ عَلَى الْيَمِينِ. وَالْيَمِينُ الْقَسَمُ وَالْجَمْعُ أَيْمُنٌ وَأَيْمَانٌ، انْتَهَى. هَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ لُغَةً، وَأَمَّا فِي الْعُرْفِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ بِرَسْمٍ وَلَا حَدٍّ لِاشْتِرَاكِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فِي مَعْرِفَتِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قِيلَ: وَمَعْنَاهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُعَرَّفُ، وَالْحَقُّ نَظَرِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، الْأَكْثَرُ التَّعْلِيقُ مِنْهُ لِتَرْجَمَتِهَا كِتَابَ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَإِطْلَاقَاتِهَا وَغَيْرِهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً مَا لَزِمَ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ دُونَ نِيَّةٍ، إذْ لَا يَلْزَمُ مَجَازٌ دُونَهَا، وَرَدُّهُ بِلُزُومِهِ دُونَهَا إذَا كَانَ رَاجِحًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ الْمَعْنَى مِنْ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ مَجَازٌ، وَكُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ، فَالْيَمِينُ قَسَمٌ أَوْ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ، أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ لَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ مُعَلَّقٍ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ، فَيَخْرُجُ نَحْوُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ طَلَاقُ فُلَانَةَ، أَوْ عَتَقَ عَبْدِي فُلَانٌ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ (قُلْت) عَزَاهُ الشَّيْخُ لِكِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيِّ لِسَمَاعِ عِيسَى ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنُ رُشْدٍ وَيُلْزَمُ الْعِتْقُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَلَا وَفَاءَ بِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَنْوِيٍّ لَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ.

تنبيه اليمين تحقيق ما لم يجب

الْيَمِينُ: رَبْطُ الْعَقْدِ بِالِامْتِنَاعِ وَالتَّرْكِ أَوْ بِالْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلٍ بِمَعْنًى مُعَظَّمٍ حَقِيقَةً أَوْ اعْتِقَادًا، وَيَرِدُ بِتَكْرَارِ التَّرْكِ وَخُرُوجِ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ وَالتَّعْلِيقِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِتَكْرَارِ التَّرْكِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَالتَّرْكُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: الِامْتِنَاعُ، وَاعْتَرَضَهُ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا بِالْغَمُوسِ وَمَا أَشْبَهَهَا بِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ يُتَصَوَّرُ بِغَيْرِ لَفْظٍ، وَالْعَرَبُ لَا تُسَمِّي السَّاكِتَ حَالِفًا، وَبِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ إقْدَامٌ وَلَا إحْجَامٌ، قَالَ: وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: هُوَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ وَضْعًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنًى مُعَظَّمٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مُؤَكَّدَةٌ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، فَقَوْلُنَا: خَبَرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صِيغَتُهَا وَقَوْلُنَا: إنْشَائِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَقَوْلُنَا: مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا احْتِرَازٌ مِنْ تَكْرَارِ الْقَسَمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى حَلِفًا إلَّا إذَا ذُكِرَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَبَقِيَّةُ الْقُيُودِ ظَاهِرَةٌ، وَقَدْ خَصَّصَ الشَّرْعُ هَذَا الْمَعْنَى بِبَعْضِ مَوَارِدِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَظَّمُ ذَاتَ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ الْعُلَى كَمَا صَنَعَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: الْيَمِينُ هُوَ الْحَلِفُ بِمُعَظَّمٍ تَأْكِيدًا لِدَعْوَاهُ أَوْ لِمَا عَزَمَ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا: وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ إنْ كَانَتْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي بَابِ أَحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ أَدُومُهُ: فِيهِ جِوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْخِيمُ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَوْ حَثٌّ عَلَيْهِ أَوْ تَنْفِيرٌ مِنْ مَحْذُورٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الصِّيَامِ وَتَكْثِيرِ الْحَلِفِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مِنْ الْبِدَعِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ السَّلَفِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَوَقَّى أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الذِّكْرِ حَتَّى إذَا اُضْطُرُّوا فِي الدُّعَاءِ إلَى مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِمْ بِالْمُكَافَآتِ لَهُ يَقُولُونَ: جُزِيتَ خَيْرًا خُوَّفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، انْتَهَى. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْحَثُّ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْظِيمِ، انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ] (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ هُوَ أَنْ يُحَقِّقَ الْحَالِفُ شَيْئًا لَمْ يَجِبْ أَيْ لَمْ يَثْبُتْ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ نَصُّ الْحَاوِي لِلشَّافِعِيَّةِ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ فِي شَرْحِهَا: أَيْ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الْمُخَالَفَةَ وَالْمُوَافَقَةَ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا مُمْكِنًا كَانَ أَوْ مُمْتَنِعًا، وَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَجِبْ الْمُمْكِنُ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ وَالْمُمْتَنِعُ نَحْوُ: وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ وَخَرَجَ مِنْهُ الْوَاجِبُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمُوتَنَّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَمِينًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُتَحَقِّقٌ فِي نَفْسِهِ، فَلَا مَعْنَى لِتَحَقُّقِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ، بِخِلَافِ الْمُمْكِنِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَلِذَلِكَ رُجِّحَ عَدَمُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ وَانْعِقَادُهُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ فَيُرَجَّحُ فِيهِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَبَيْنَ مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ فَيُرَجَّحُ فِيهِ الِانْعِقَادُ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِنَاعُ الْبِرِّ يُخِلُّ وَيَهْتِكُ الْحُرْمَةَ فَيَخْرُجُ إلَى التَّكْفِيرِ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي تَحْقِيقِ مَا لَمْ يَجِبْ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ وَالنَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا: الْيَمِينُ تَحْقِيقٌ غَيْرُ ثَابِتٍ قَالَ مُصَنِّفُهُ فِي التَّتِمَّةِ: إنَّ الْيَمِينَ الْمُوجِبَةَ لِلْكَفَّارَةِ هِيَ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا تَحْقِيقُ شَيْءٍ غَيْرِ مَعْلُومِ الثُّبُوتِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا مَنْفِيًّا كَانَ أَوْ مُثْبَتًا مُمْكِنًا كَانَ أَوْ مُمْتَنِعًا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْحَاوِي أَشَارَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَنَصُّهُ: قَوْلُهُ: الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ أَيْ الْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِمَا ذُكِرَ، وَالْمُرَادُ بِتَحْقِيقِ مَا لَمْ يَجِبْ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَيْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ أَعْنِي الْبِرَّ وَالْحِنْثَ، فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَحْمِلَنَّ الْجَبَلَ وَوَاللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْبَحْرَ كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْجَبَلِ وَشُرْبَ الْبَحْرِ لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَحْمِلُ الْجَبَلَ وَوَاللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْبَحْرَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ حَمْلِهِ الْجَبَلَ وَشُرْبِهِ الْبَحْرَ مُتَحَقِّقُ الثُّبُوتِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهَا

مسألة اليمين هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ

مَا لَمْ يَجِبْ الْمُمْكِنُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ وَالْمُمْتَنِعُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ زَيْدًا الْمَيِّتَ أَوْ لَأَشْرَبَنَّ الْبَحْرَ أَوْ لَأَحْمِلَنَّ الْجَبَلَ، وَخَرَجَ بِهِ الْوَاجِبُ كَوَاللَّهِ لَأَمُوتَنَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُتَحَقِّقٌ فِي نَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَيْضًا بِتَحَقُّقِ مَا لَمْ يَجِبْ الْمُسْتَقْبَلُ خَاصَّةً سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَلِّقُ يَمِينِهِ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ كَانَتْ عَلَى نَفْيٍ، وَهِيَ صِيغَةُ الْبِرِّ، أَوْ إثْبَاتٍ، وَهِيَ صِيغَةُ الْحِنْثِ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ الْيَمِينِ هَلْ تَنْعَقِدُ بِإِنْشَاءِ كَلَامِ النَّفْسِ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ] ص (بِذَكَرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي مِنْ قَوَاعِدِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ فِي الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ: وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْيَمِينِ هَلْ تَنْعَقِدُ بِإِنْشَاءِ كَلَامٍ النَّفْسِ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ، انْتَهَى. قَالَ الْقُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْقَوَاعِدِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قَوَاعِدِ الْخَبَرِ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ مَا نَصُّهُ (قُلْت) أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَمَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ فَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ لَا إنْشَاءَ فِي النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِنْشَاءُ اللِّسَانِيُّ، إذْ لَوْ كَانَ لَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَكَلَامُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقِدَمِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ النَّفْسِ فَلَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَلْزَمُ أَيْ الْحَلِفَ بِاللَّفْظِ النِّيَّةُ، وَفِي مُجَرِّدِهَا رِوَايَتَا الطَّلَاقِ بِهَا، وَفِي لُزُومِ عَكْسِهِ وَكَوْنِهِ لَغْوًا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ قَوْلَانِ لَهَا مَعَ الْمَشْهُورِ وَإِسْمَاعِيلَ مَعَ الْأَبْهَرِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَالشَّيْخِ رَدَّ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ قَوْلَ عَائِشَةَ: اللَّغْوُ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ؛ لِقَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّهَا لَا تَعْنِي تَعَمُّدَ الْكَذِبِ، بَلْ الظَّنَّ، وَإِلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَشْهُورِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: لَا بِسَبْقِ لِسَانِهِ أَيْ: فَلَا يَدِينُ. [فَرْعٌ لُزُومِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي لُزُومِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مُرَادَةٌ بِلَفْظٍ مُبَايِنٍ لِلَفْظِهَا كَالصَّلَاةِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، وَأَخَذَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ نَقْلِهِ عَنْهَا: مَنْ قَالَ لَا مَرْحَبًا يُرِيدُ بِهِ الْإِيلَاءَ مُولٍ قَالَ: وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهِ لَا مَرْحَبًا بِكَ، إذْ لَا يُعَبَّرُ عَنْ اسْمِ اللَّهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَإِلَّا ظَهَرَ كَالْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ سُئِلْت عَمَّنْ حَلَفَ وَقَالَ: وَاللَّا وَلَمْ يَذْكُرْ الْهَاءَ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا. [فَرْعٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ بِشَيْءٍ مِنْ اللُّغَاتِ وَحَنِثَ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ بِشَيْءٍ مِنْ اللُّغَاتِ وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَمَنْ حَلَفَ بِوَجْهِ اللَّهِ وَحَنِثَ كَفَّرَ وَمَنْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللَّهِ وَحَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. ص (كَ بِاَللَّهِ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا تَجْرِيدُ الِاسْمِ الْمَحْلُوفِ بِهِ كَقَوْلِكَ: اللَّهُ لَا فَعَلْت وَالْآخِرُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ مُتَّصِلَةٌ وَهِيَ الْحُرُوفُ نَحْوُ وَاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ، وَمُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ الْكَلِمَاتُ نَحْوُ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأُقْسِمُ، فَهَذِهِ إنْ قَرَنَهَا بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَاتِهِ نُطْقًا أَوْ نِيَّةً كَانَتْ أَيْمَانًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ أَعْرَاهَا مِنْ نِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ أَيْمَانًا يَلْزَمُ بِهَا حُكْمٌ، وَحُكْمُ مَاضِيهَا كَمُسْتَقْبَلِهَا، انْتَهَى. ص (وَهَاللَّهِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِنْ قَالَ لَا هَا اللَّهِ هِيَ يَمِينٌ كَقَوْلِهِ: تَاللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا هَاللَّهِ يَمِينٌ نَحْوُ بِاَللَّهِ، انْتَهَى. وَفِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَاللَّهِ يَمِينٌ تُوجِبُ كَفَّارَةً، مِثْلُ قَوْلِهِ: تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةُ هَاءِ التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ، وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. ص (وَأَيْمُ اللَّهِ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُقَالُ: أَيْمُنُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَمِنْ اللَّهِ وَمِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَأَيْمُنُ اللَّهِ اسْمٌ وُضِعَ لِلْقَسَمِ هَكَذَا بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ، وَأَلِفُهُ أَلِفُ وَصْلٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ وَلَمْ يَجِئْ فِي الْأَسْمَاءِ أَلِفُ وَصْلٍ مَفْتُوحَةٌ غَيْرُهَا، وَقِيلَ: أَلِفُ أَيْمُنٍ أَلِفُ قَطْعٍ، وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ وَإِنَّمَا خُفِّفَتْ

مسألة إذا قيل له تزوج فلانة فقال لها الذمام لا أتزوجها

هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لَهَا، وَرُبَّمَا حَذَفُوا مِنْهُ النُّونَ فَقَالُوا أَيْمُ اللَّهِ وَإِيمُ اللَّهِ أَيْضًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَرُبَّمَا حَذَفُوا مِنْهُ الْيَاءَ قَالُوا ام اللَّهِ، وَرُبَّمَا أَبْقَوْا الْمِيمَ وَحْدَهَا مَضْمُومَةً قَالُوا مُ اللَّهِ، ثُمَّ يَكْسِرُونَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ حَرْفًا وَاحِدًا فَيُشَبِّهُونَهَا بِالْيَاءِ فَيَقُولُونَ مِ اللَّهِ، وَرُبَّمَا قَالُوا مُنُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَمَنْ اللَّهِ بِفَتْحِهِمَا وَمِنْ اللَّهِ بِكَسْرِهِمَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ يَقُولُونَ: يَمِينُ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ، انْتَهَى كَلَامُ الصِّحَاحِ. ص (وَالْعَزِيزِ إلَى آخِرِهِ) ش قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا وَتُوجَبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي، ثُمَّ قَالَ: وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ، وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوُ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا، وَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ وَهُوَ يُوهِمُ فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا، وَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ السَّمْعُ، وَهُوَ يُوهِمُ فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا نَحْوُ مُتَوَاضِعٍ، وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ مُوهِمٌ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّهِ نَحْوُ مَالِكٍ، وَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْقَاضِي نَحْوُ السَّيِّدِ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ قَالَ أَبُو طَاهِرٍ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ صَارَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَإِلَّا فَلَا، فَتَنْزِلُ الْأَقْسَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ قَالَ بِالشَّيْءِ أَوْ الْمَوْجُودِ وَأَرَادَ بِهِ الْإِلَهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ يَمِينًا، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْبَيَانِ: إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اُسْتُحِبَّ لَهُ الْكَفَّارَةُ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الْقَسَمِ قَدْ تُحْذَفُ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَيَانِ هُوَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ بِلَفْظِ يَعْلُمُ اللَّهُ بِالْمُضَارِعِ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ عَلِمَ اللَّهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ هَذَا فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ مِنْهَا يَعْلَمُ اللَّهُ وَانْظُرْ كَلَامَ التُّونُسِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَعَلَى عَهْدِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يُرِدْ الْمَخْلُوقَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ عَلَى عَهْدُ اللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا فَهِيَ يَمِينٌ وَتَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةُ. ص (إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَخْلُوقَ) ش: رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَكَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ وَعَهْدِهِ أَيْ الْعِزَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا فِي عِبَادِهِ وَالْأَمَانَةِ الَّتِي خَلَقَهَا فِيهِمْ وَالْعَهْدِ الَّذِي جَعَلَهُ بَيْنَهُمْ. [مَسْأَلَةٌ إذَا قِيلَ لَهُ تَزَوَّجْ فُلَانَةَ فَقَالَ لَهَا الذِّمَامُ لَا أَتَزَوَّجُهَا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ

مسألة إبرار المقسم والمقسم به فيه معنيان

فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِلرَّمَّاحِ إذَا قِيلَ لَهُ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ فَقَالَ لَهَا الذِّمَامُ لَا أَتَزَوَّجُهَا، فَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ بِالذِّمَامِ ذِمَّةَ اللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفَّرُ عَنْهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ ذِمَامَةَ النَّاسِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَمِينٍ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي آخِرِ رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ الْأَوَّلِ: إنَّ الْعَهْدَ إذًا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُعَاقَدَةِ وَالْمُعَاهَدَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَنْ أَنْصَحَكَ وَأَنْ لَا أَخُونَكَ وَأَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَيَلْزَمُ فِيهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَيَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ الْخَيْرِ قَالَ: وَقَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْوَاضِحَةِ، انْتَهَى. (قُلْت) وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَا بَلْ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ أَوْ أُعْطِيكَ عَهْدًا لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَشَرَحَهُ الشَّارِحُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا إذَا قَالَ: لَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحُكْمَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ لِعِظَمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ إبْرَارُ الْمُقْسِمِ وَالْمُقْسَمِ بِهِ فِيهِ مَعْنَيَانِ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ: عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَا الْيَمِينَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ صَدَقَ، انْتَهَى مِنْ الْبُرْزُلِيِّ. ص (وَعَزَمْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ) ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِبْرَارُ الْمُقْسِمِ وَالْمُقْسَمِ بِهِ فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَالِفَ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مَأْمُورٌ أَنْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ تَبَرَّ يَمِينَ مَنْ حَلَفَ عَلَيْكَ، وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ: تَارَةً يَشُوبُهُ مَعْنَى السُّؤَالِ كَقَوْلِهِ: بِاَللَّهِ إلَّا مَا فَعَلْت كَذَا، وَتَارَةً لَا يَشُوبُهُ كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَبَرَّ قَسَمَهُ لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي الثَّانِي لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ، هَذَا كُلُّهُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ وُجِدَ مُعَارِضٌ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا عَبَّرَ عَنْ الرُّؤْيَا بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَصَبْت بَعْضًا وَأَخْطَأْت بَعْضًا، فَقَالَ: أَقْسَمْت عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُخْبِرنِي، فَقَالَ: لَا تُقْسِمُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّانِي مَا نَصُّهُ: [فَرْعٌ إذَا حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ ليفعلن فَامْتَنَعَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ لَيَفْعَلَنَّ فَامْتَنَعَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا أَقْسَمَ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ فَيَحْنَثُ إذَا لَمْ تُجِبْهُ، انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْزِمُ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ إلَّا فَعَلْت كَذَا فَيَأْبَى فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَسْأَلُكَ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَامْتَنَعَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً، وَهُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] وَكَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَقْسَمْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَهَذَا يُحْنِثُ الَّذِي أَقْسَمَ إنْ لَمْ يُجِبْهُ الْآخَرُ كَقَوْلِهِ: حَلَفْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا بِاَللَّهِ وَلَا نَوَاهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: إذَا قَالَ أَقْسَمْت عَلَيْكَ بِاَللَّهِ، فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ فَتَجِبُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَلُّقِهَا بِاللَّفْظِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْيَمِينِ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَلَوْ قَالَ عَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ وَلَمْ يَقْصِدْ يَمِينًا فَالْأَصَحُّ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَكَذَا أَعْزِمُ عَلَيْكَ بِهِ وَأَسْأَلُكَ بِهِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: يُكْرَهُ مَنْعُ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ، رُوِّينَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِأَسَانِيدِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

«مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ بِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا يُكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ الْجَنَّةِ رُوِّينَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الذَّكَاةِ مِنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ قَالَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ مَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا شَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُجْرًا بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ أَيْ مَا لَمْ يَسْأَلْ أَمْرًا قَبِيحًا لَا يَلِيقُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يَسْأَلْ سُؤَالًا قَبِيحًا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، انْتَهَى . ص (وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ: حَرَامٌ أَيْ بِغَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ كَالْحَلِفِ بِالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّحْرِيمُ لِحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» وَفِي الْمُوَطَّإِ وَمُسْلِمٍ: «فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَأَيْضًا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى تَأْدِيبِ الْحَالِفِ بِهِمَا، وَلَا يَكُونُ الْأَدَبُ فِي الْمَكْرُوهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إطْلَاقُ الْأَيْمَانِ عَلَيْهِمَا مَجَازٌ أَلَا تَرَى إلَى حُرُوفِ الْقَسَمِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا يُعَظَّمُ بِهِ اللَّهُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مَحْلُوفٍ بِهِ غَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآبَاءَ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الَّذِي أَثَارَ الْحَدِيثَ حِينَ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، فَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ فَيَتَحَقَّقُ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَعْبُودَاتِ دُونَ اللَّهِ أَوْ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَحْلِفُ بِهِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَنْصَابِ فَهَذَا لَا يُشَكُّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالْآبَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَرُءُوسِ السَّلَاطِينِ وَحَيَاتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ تَنَاوُلُهُمْ بِحُكْمِ عُمُومِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مُعَظَّمًا فِي الشَّرْعِ مِثْلَ النَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَحُرْمَةِ الصَّالِحِينَ فَأَصْحَابُنَا يُطْلِقُونَ عَلَى الْحَلِفِ بِهَا الْكَرَاهَةَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ فِي الْمَعْنَى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّحْرِيمُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَاخْتُلِفَ فِي الْيَمِينِ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ فَقِيلَ: مَمْنُوعٌ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَرَّحَ الْفَاكِهَانِيُّ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ الْكَرَاهَةُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُعَظَّمَةِ صَادِقًا، وَأَمَّا إنْ حَلَفَ بِهَا كَاذِبًا، فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ وَالْكَذِبُ مُحَرَّمٌ وَاسْتِهْزَاءٌ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ الْمُعَظَّمِ فِي الشَّرْعِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ إنْ كَانَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَاعِدَةُ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ إجْمَاعًا كَتَوْحِيدِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْخَلْقِ وَالْأَرْزَاقِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يُشْرِكَ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ إجْمَاعًا كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا فَيَجُوزُ أَنْ يَتَّصِفَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ إجْمَاعًا وَيُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْحَلِفِ بِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهِ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ فَإِنَّ الْقَسَمَ بِهَا تَعْظِيمٌ لَهَا نَحْوُ قَوْلِكَ: بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا وَنَحْوِهِ، وَقَدْ حَصَلَ فِيهِ تَوَقُّفٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَرُجِّحَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ إنَّمَا هُوَ التَّعْظِيمُ بِالْحَلِفِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا التَّعْظِيمُ بِغَيْرِ الْحَلِفِ فَلَيْسَ بِمَحْذُورٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نُعَظِّمَ بَعْضَ عِبَادِهِ بَلْ أَمَرَنَا

بِذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْنَا فِي حَقِّ رُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَأَصْحَابِ نَبِيِّهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي فَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ، انْتَهَى. وَفِعْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ لِذَلِكَ إنَّمَا كَانَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ قَسَمُهُ تَعَالَى بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَالسَّمَاءِ، وَالشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ تَقْدِيرُهُ: أُقْسِمُ بِرَبِّ الزَّيْتُونِ، وَقِيلَ: أَقْسَمَ بِهَا لِيُنَبِّهَ عِبَادَهُ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْنَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ الْمَلِكُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ سُؤَالٌ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ لِلسَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ، فَقَدْ حَلَفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَخْلُوقٍ جَوَابُهُ أَنَّهُ مَنْعُ الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ، وَأَمَّا بِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ لَا الْحَلِفِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَكْرَمَهُ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرِبَتْ يَدَاكِ خَرَجَ عَنْ الدُّعَاءِ إلَى تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ، وَفِي أَسْئِلَةِ عِزِّ الدِّينِ: هَلْ يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ فِي دُعَائِهِ بِمُعَظَّمٍ مِنْ خَلْقِهِ كَالنَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالْمَلِكِ أَوْ يُكْرَهُ.؟ فَأَجَابَ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّمَ النَّاسَ الدُّعَاءَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ، وَيَكُونُ مِنْ خَصَائِصِهِ تَنْبِيهًا عَلَى دَرَجَتِهِ وَارْتِفَاعِ رُتْبَتِهِ (قُلْت) وَكَانَ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ يَخْتَارُ الْجَوَازَ وَيَحْتَجُّ بِسُؤَالِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ الْعَبَّاسِ حِينَ أَخْرَجَهُ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَكَانَ يَتَقَدَّمُ لَنَا لَعَلَّهُ مِنْ بَرَكَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبَبِهِ وَبِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِتَضَرُّعِ الشَّيْخِ الصَّالِحِ الْمُؤَدِّبِ مُحْرِزِ بْنِ خَلَفٍ وَسُؤَالِهِ لِبُرْءِ ابْنَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَرَغْبَتِهِ إلَى اللَّهِ بِبَرَكَةِ أَبِيهَا، وَبِقَوْلِ الْعَبْدِ الَّذِي اسْتَسْقَى بِالْبَصْرَةِ بِحُبِّكَ لِي إلَّا مَا أَسْقَيْتَنَا السَّاعَةَ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَايَاتِ الْعَدِيدَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَظِنَّةَ إجَابَةِ الدُّعَاءِ كَمَا شُرِعَ الدُّعَاءُ فِي بِقَاعِ الصَّالِحِينَ وَعِنْدَ قُبُورِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَنْ عَقَدَ نِيَّتَهُ فِي شَيْءٍ انْتَفَعَ بِهِ كَمَا وَرَدَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. (قُلْت) وَهَذَا كُلُّهُ تَوَسُّلٌ وَهُوَ غَيْرُ الْقَسَمِ، وَالْقَسَمُ أَنْ يَقُولَ: أَقْسَمْت عَلَيْك بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَمَّا التَّوَسُّلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (وَكَالْخَلْقِ وَالْأَمَانَةِ) ش: وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْحَلِفِ بِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ: لَا يُفْهَمُ مِنْهُ قَصْرُ الْيَمِينِ الْجَائِزَةِ عَلَى هَذَا الِاسْمِ، بَلْ حُكْمُ جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ حُكْمُ هَذَا الِاسْمِ كَالْعَزِيزِ وَالْعَلِيمِ وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ مِمَّا تَتَمَحَّضُ فِيهِ لِلصِّفَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا الْقَسَمِ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ، وَأَمَّا مَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ كَقَوْلِهِ: وَخَلْقِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ وَرِزْقِهِ وَبَيْتِهِ فَهَذِهِ لَيْسَتْ بِأَيْمَانٍ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّهَا حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَبَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ قِسْمٌ آخَرُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا فَاخْتُلِفَ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ كَقَوْلِهِ: وَعَهْدِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ فَعِنْدَنَا أَنَّهَا أَيْمَانٌ مُلْحَقَةٌ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ بِأَيْمَانٍ، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجُوزُ الْيَمِينُ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ، وَلَا تَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَقَوْلِهِ:

تنبيهات الأول لا لغو ولا غموس في مستقبل

وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ، انْتَهَى. . ص (وَهُوَ يَهُودِيٌّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَافِرٌ بِاَللَّهِ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ أَيْمَانًا وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ مِمَّا قَالَ، وَقَوْلُهُ: لَعَمْرِي أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ قَالَ: وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ أَوْ قَالَ هُوَ يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَيَشْرَبُ الدَّمَ أَوْ الْخَمْرَ أَوْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَوْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ غَضَبُهُ أَوْ أَحْرَمَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَدَخَلَهُ النَّارَ، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا يَمِينًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَبِي وَأَبَاكَ وَحَيَاتِي وَحَيَاتَكَ وَعَيْشِي وَعَيْشِكَ، وَهَذَا مِنْ كَلَامِ النِّسَاءِ وَضُعَفَاءِ الرِّجَالِ وَأَكْرَهُ الْيَمِينَ بِهَذَا أَوْ بِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ رَغِمَ أَنْفِي لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ هَتْكَ حُرْمَةِ اللَّهِ عَلَى تَقْدِيرٍ مُمْكِنٍ، وَاللَّائِقُ بِالْعَبْدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَوَافَقْنَا ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْإِثْمِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَيْسَ بِآثِمٍ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ. ص (وَغَمُوسٌ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ لَا لَغْوَ وَلَا غَمُوسَ فِي مُسْتَقْبَلٍ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا لَغْوَ وَلَا غَمُوسَ فِي مُسْتَقْبَلٍ، وَتَعْلِيقُ ابْنِ الْحَاجِبِ اللَّغْوَ بِهِ لَا أَعْرِفُهُ وَقَبُولُهُ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي وَالْحَالِ، وَأَكْثَرُ كَلَامِ الشُّيُوخِ حَصَرَهَا فِيهِمَا يَرِدْ بِأَنَّ شَأْنَ الْعِلْمِ الْحَادِثِ تَعَلُّقُهُ بِمَا وَقَعَ لَا بِمُسْتَقْبَلٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْبٌ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ تَرَكَ الْكَفَّارَةَ فِي حَلِفِهِ عَلَى مَا وَقَعَ تَرْكُهَا فِي حَلِفِهِ جَزْمًا عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ لِعُذْرِ الْأَوَّلِ وَجَرَاءَةِ الثَّانِي التُّونُسِيُّ الْأَشْبَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمْتَنِعٌ كَوَاللَّهِ لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدًا أَنَّهُ غُمُوسٌ (قُلْت) هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ الصَّقَلِّيُّ مَنْ حَلَفَ مُهَدِّدًا بَعْضَ أَهْلِهِ مُجْمِعًا عَلَى الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ الْوَفَاءِ بِيَمِينِهِ لَمْ يَأْثَمْ (قُلْت) ظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُهَدِّدٍ أَثِمَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا كَفَّارَةَ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ، وَهِيَ الْيَمِينُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِثَالُ الْمَاضِي وَاَللَّهِ مَا جَاءَ زَيْدٌ وَهُوَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ، وَمِثَالُ الْمُسْتَقْبَلِ وَاَللَّهِ مَا يَأْتِي غَدًا وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْغَمُوسِ: وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِالْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، فَالْمَاضِي وَاضِحٌ وَالْمُسْتَقْبَلُ كَمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ أَوْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مَيِّتٌ أَوْ لَأَطْلَعَنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ أَوْ لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدًا، وَلَمْ يَجْزِمْ التُّونُسِيُّ بِحُصُولِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بَلْ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا غَمُوسٌ وَمَثَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَكْثَرُ كَلَامِ الشُّيُوخِ يَقْتَضِي انْحِصَارَ اللَّاغِيَةِ فِي الْمَاضِي وَأَطَالَ وَأَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ، وَذَكَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ حَصْرَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ فِي الْمَاضِي خَاصَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَمَّا كَانَ الْيَمِينُ اللَّاغِيَةُ فِي الْمَشْهُورِ عَلَى نَحْوِ مَا فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ، وَكَانَ ذَلِكَ مُتَأَتِّيًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ مَا يَتَأَتَّى فِي الْمَاضِي صَحَّ وُجُودُ اللَّاغِيَةِ بِالزَّمَنِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ وَأَكْثَرُ كَلَامِ الشُّيُوخِ إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْغَمُوسِ: اعْلَمْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الِاعْتِقَادِ قَدْ يَكُونُ مَاضِيًا، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَقْبَلًا كَمَنْ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي غَدٍّ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ حَصَرَ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ فِي الْمَاضِي خَاصَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ الْمَاضِي، وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ [الثَّانِي الْإِلْغَاءُ فِي الْيَمِينِ لِمَكْرٍ أَوْ قَطْعٍ حَقٍّ] (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ الْإِلْغَاءَ فِي الْيَمِينِ لِمَكْرٍ أَوْ قَطْعٍ حَقٍّ يُصَيِّرُهَا غَمُوسًا وَمَا كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ خَوْفِ سَخَطِ أَخِيكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. [الثَّالِثُ الْحَلِفِ عَلَى الشَّكِّ وَالظَّنِّ] (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْد ذِكْرِهِ

الرابع الغموس تكون في الطلاق

الْكَلَامَ فِي الْحَلِفِ عَلَى الشَّكِّ وَالظَّنِّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَطْلَقَ الْيَمِينَ، وَأَمَّا إنْ قَيْدَهَا، فَقَالَ فِي ظَنِّي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْبِسَاطِيَّ [الرَّابِعُ الْغَمُوسُ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ] (الرَّابِعُ) الْغَمُوسُ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ فِي الْحَلِفِ بِهَا وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَيَأْثَمُ إذَا حَلَفَ عَلَى الْغَيْبِ أَوْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ عَلَى الشَّكِّ كَمَا يَأْثَمُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. [الْخَامِسُ لِمَاذَا سُمِّيَتْ الْيَمِين غَمُوسًا] (الْخَامِسُ) سُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ وَقِيلَ: فِي الْإِثْمِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ حَاصِلٌ مَالِكٌ. وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ يَلْزَمُ التَّعْزِيرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَإِنْ قَصَدَ بِ كَالْعُزَّى التَّعْظِيمَ فَكُفْرٌ) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَحَرَامٌ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ بَشِيرٍ، وَأَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ إلَى نَفْيِ عَدَمِ قَصْدِ التَّعْظِيمِ قَالَ: لِأَنَّ الْحَالِفَ بِشَيْءٍ مُعَظَّمٍ لَهُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَنْ قَالَ وَاَللَّاتِي فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمَا نَشَأَ الْقَوْمُ عَلَى تَعْظِيمِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ وَعَلَى الْحَلِفِ بِهَا وَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِسْلَامِ بَقِيَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْحَلِفِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ نَطَقَ بِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَكْفِيرًا لِتِلْكَ اللَّفْظَةِ وَتَذْكِيرًا مِنْ الْغَفْلَةِ وَإِتْمَامًا لِلنِّعْمَةِ، وَخَصَّ اللَّاتِي لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا كَانَتْ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، وَحُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ آلِهَتِهِمْ حُكْمُهَا، وَالْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ كَالْقَوْلِ فِي اللَّاتِي لَمَا ذَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقَامِرَ بَالَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا وَعَنْ ذِكْرِهَا حَتَّى إذَا ذَكَرَهَا الْإِنْسَانُ طَالِبًا لِلْمُقَامَرَةِ أَمَرَهُ بِصَدَقَةٍ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَلَى مَنْ قَالَ: وَاَللَّاتِي ثُمَّ هَذِهِ الصَّدْقَةُ غَيْرُ مَحْدُودَةٌ، وَلَا مَقْدِرَةَ فَيَتَصَدَّقُ بِمَا تَيَسَّرَ انْتَهَى. . ص (وَلَا لَغْوَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَظَهَرَ نَفْيُهُ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عِبَارَةُ الْمُؤَلَّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ هِيَ الْيَمِينُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَيْرٌ مِنْ عِبَارَةِ مَنْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِالْيَقِينِ أَوْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّنِّ، فَقَالَ يَظُنُّهُ فِي يَقِينِهِ، فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ قَدْ يَتَبَدَّلُ وَيَظْهَرُ خِلَافُهُ فَيَكُونُ جَهْلًا، وَأَمَّا الْيَقِينُ، فَلَا يَتَبَدَّلُ . ص (وَلَمْ يُفِدْ فِي غَيْرِ اللَّهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ) ش: وَفِي حُكْمِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ النَّذْرُ الْمُبْهَمُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا ثُنْيَا وَلَا لَغْوَ فِي طَلَاقٍ وَلَا مَشْيٍ

وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ نَذْرٍ لَا مَخْرَجَ لَهُ، انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ مِنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ قُرْبَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ بَاغٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ

النُّذُورِ، انْتَهَى. وَنَصُّهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فِي النَّذْرِ الْأَوَّلِ: لَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ اللَّغْوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ أَسْمَائِهِ أَوْ فِي نَذْرٍ لَا يُسَمَّى لَهُ مَخْرَجٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي الْيَمِينِ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الْكَفَّارَةَ، فَقَالَ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَيَجِيءُ عَلَى مَنْ أَوْجَبَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي الْحَلِفِ بِالْمَشْيِ وَالصَّدْقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ أَنْ يَكُونَ اللَّغْوُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ اللَّازِمَةُ لَا يَدْخُلُهَا اللَّغْوُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ تَخْرِيجًا فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ وَيَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مَشِيئَةُ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إلَّا إنْ بَدَا لِي وَشِبْهُ ذَلِكَ، انْتَهَى . ص (وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَالْيَمِينِ لِلْكَفَّارَةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُوجِبُهَا يَعْنِي الْكَفَّارَةَ لِحِنْثٍ وَيَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ لِثُبُوتِهِ بِنَقِيضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْلُو عَنْهَا، وَقَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَصَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ لِوُضُوحِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةَ: إنَّ الْحَلِفَ مُبَاحٌ وَالْحِنْثَ مُبَاحٌ، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ وَلَا يُحَرَّمُ الْحِنْثُ بِالْيَمِينِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ فِي الْحِنْثِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ هَلْ تُجْزِي أَمْ لَا بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحِنْثَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ مُبَاحٌ حَسَنٌ، وَهُوَ عَنْدَهُمْ أَوْلَى، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِمَنْعِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ: وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ وَمَا لَمْ يَحْنَثْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُرْفَعُ، وَلَا مَعْنَى لِفِعْلِهَا، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَذْرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» انْتَهَى. وَلِمَا فِي مُسْلِمٍ كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَذْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَذْرَ طَاعَةٍ لَزِمَ أَنْ يَأْتِيَ بِالطَّاعَةِ الَّتِي نَذَرَ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَا مَخْرَجَ لَهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ لَا كَفَّارَةَ لَهُ إلَّا الْوَفَاءُ بِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَفِي النَّوَادِرِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا مَخْرَجَ لَهُ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ فَلْيُطْعِمْ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَلْيُكَفِّرْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ

وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَقَوْلُهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ فَعَلَيَّ النَّذْرُ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ سَوَاءٌ وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، وَأَمَّا إنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلْيَفِ بِالطَّاعَةِ وَيَكُفَّ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَمَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ لَا يُكَفِّرُهُ صَدَقَةٌ، وَلَا صِيَامٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: نَذْرٌ لَا كَفَّارَةَ لَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ كَعَلَيَّ نَذْرٌ، وَلَوْ قُيِّدَ بِلَا كَفَّارَةٍ لَهُ إلَّا الْوَفَاءُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، انْتَهَى . ص (وَالْيَمِينِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ: عَلِيَّ نَذْرٌ أَوْ عَهْدٌ، انْتَهَى. ص (وَالْمُنْعَقِدَةُ عَلَى بِرٍّ بِإِنْ فَعَلْت أَوْ لَا فَعَلْت أَوْ حَنِثَ بِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَمِينُ الْبِرِّ مَا مُتَعَلِّقُهَا نَفْيٌ أَوْ وُجُودُ مُؤَجَّلٍ، وَيَمِينُ الْحِنْثِ خِلَافُهَا اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ يَمِينُهُ لَيُكَلِّمَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ كَمُؤَجَّلَةٍ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُمَا كَأَجَلٍ، وَعَكَسَ ابْنُ كِنَانَةَ لِقَوْلِهِ: مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ جَارِيَتِهِ لَيُسَافِرَنَّ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَيَذْبَحَنَّ بَعِيرَهُ لَا يَطَؤُهَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْبِرُّ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْحِنْثُ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِحَلِفِهِ مُخَالِفًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: مُوَافِقًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ فِي بِرِّ يَمِينِهِ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ، بِخِلَافِ صِيغَةِ الْحِنْثِ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ فِي بِرِّ يَمِينِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، بِخِلَافِ حَالِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ إنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ حَنِثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: بِإِنْ فَعَلْت قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا إشْكَالَ أَنَّ إنْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ شَرْطِيَّةٌ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ لَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَأَمَّا إنْ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ فَنَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ نَفْيٍ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا وَمَعْنَاهُ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا؛ لِأَنَّ كَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، إذْ الْكَفَّارَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا صَرَفَ الْمَاضِي إلَى الِاسْتِقْبَالِ قِيلَ الْإِنْشَاءُ، إذْ الْحَلِفُ إنْشَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ النَّحْوِيُّونَ مِنْ صَوَارِفِ الْمَاضِي إلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ إنْ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ لِلنَّفْيِ إنْ أَرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جَزَاءٌ فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَهِيَ مَعَ الْجَزَاءِ شَرْطٌ كَقَوْلِكَ: وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا لَأُعْطِيَنَّكَ مِائَةً أَوْ وَاَللَّهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلَا كَلَّمْتُكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، انْتَهَى. . ص (إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلٍّ مُدٍّ) ش: بَدَأَ بِالْإِطْعَامِ لِمُوَافَقَةِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا الْأَفْضَلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَمَا فَعَلَ فِي الصِّيَامِ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ

فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ مَا نَصُّهُ: ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْخِصَالَ الثَّلَاثَةَ فَخَيَّرَ فِيهَا وَعَقَّبَ عِنْدَ عَدَمِهَا بِالصَّوْمِ، وَبَدَأَ بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَفْضَلَ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ لِغَلَبَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ

شِبَعِهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ عَلَى التَّخْيِيرِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا تَكُونُ بِحَسَبِ الْحَالِ، فَإِنْ عَلِمْت مُحْتَاجًا فَالطَّعَامُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّكَ إذَا أَعْتَقْتَ لَمْ تَرْفَعْ حَاجَتَهُمْ وَزِدْت مُحْتَاجًا حَادِيَ عَشَرَ إلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ تَلِيهِ وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ الْحَاجَةَ بَدَأَ بِالْمُقَدَّمِ وَالْمُهِمِّ، انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ اللَّخْمِيّ زَوْجُ الْمَرْأَةِ وَوَلَدُهَا الْفَقِيرَانِ كَأَجْنَبِيٍّ وَالطَّعَامُ مِنْ الْحَبِّ الْمُقْتَاتِ غَالِبًا، انْتَهَى. (الثَّانِي) لَا تَجْزِي الْقِيمَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ: وَسُئِلَ التُّونُسِيُّ عَمَّنْ قُوتُهُمْ التَّمْرُ وَرُبَّمَا كَانَ قُوتُهُمْ الرُّطَبَ فَهَلْ يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ عَنْ الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ.؟ فَأَجَابَ الَّذِي عِنْدِي إنَّمَا يُجْزِئُ مِنْ التَّمْرِ الَّذِي قَدْ اسْتَحْكَمَ نِشَافُهُ وَأَمْكَنَ ادِّخَارُهُ لَا مِنْ الرُّطَبِ، وَإِنْ اُقْتِيتَ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ اقْتِيَاتُ التَّمْرِ، وَلِأَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ نَقَصَتْ إذَا جَفَّتْ عَنْ أَرْبَعَةِ التَّمْرِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ مُتَمَاثِلًا لِلْمُزَابَنَةِ، وَلَوْ أَخْرَجَ أَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ مِنْ الرُّطَبِ لَخَالَفَ الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ، وَلَوْ أَخْرَجَ عِدْلَ الشِّبَعِ مِنْ الرُّطَبِ فِي الْأَيْمَانِ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَوْقِيتٌ، وَإِذَا كَانَ يَأْكُلُ أَنْوَاعَ التَّمْرِ فِي السَّنَةِ فَلْيَنْظُرْ مُعْظَمَ أَكْلِهِ وَأَكْثَرَهُ وَأَقْرَبَهُ مِنْ وَقْتِ الْإِخْرَاجِ، وَلَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ الْعَامِ نَوْعًا، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ أَكَلَ نَوْعًا آخَرَ وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ انْتِقَالِهِ فَلْيُخْرِجْ مِنْهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ اعْتَبَرَ قُوتَ الْمُكَفِّرِ، وَمَنْ اعْتَبَرَ قُوتَ النَّاسِ نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ مِنْ قُوتِهِمْ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيُخْرِجُ مِنْهُ (قُلْت:) مَا أَفْتَوْا بِهِ مِنْ الْوَسَطِ هُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ حَيْثُمَا أَخْرَجَ مُدًّا بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ أَيْضًا: وَسُئِلَ التُّونُسِيُّ عَمَّا إذَا أَخْرَجَ عَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ التَّمْرِ فِي بَلَدٍ عَيْشُهُمْ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ إنَّمَا يُخْرِجُ وَسَطَ الشِّبَعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْقَمْحِ وَغَيْرُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ، وَلَا يَخْفَى الْوَسَطُ، وَكَذَا أَجَابَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَزَادَ: وَلَا يُجْزِئُ إلَّا غَدَاءُ وَعَشَاءُ الْوَسَطِ (الرَّابِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ

عَنْ الْمَحْجُورِ إذَا حَنِثَ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى هَلْ يُكَفِّرُ بِأَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لِحَاجِرِهِ مَنْعُهُ مِنْ الصَّوْمِ؟ فَأَجَابَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ السُّفَهَاءِ فَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ صَامَ إلَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ تَتَخَرَّجُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدِي عَلَى مَسْأَلَةِ الظِّهَارِ، انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مَنْ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ عَنْ غَيْرِهِ إذَا حَنِثَ فَحَنِثَ لَزِمَ الْمُلْتَزِمَ الْوَفَاءُ بِهَا وَعُهْدَتُهَا عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ، انْتَهَى. (السَّادِسُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَنْ أَخْرَجَ مَالًا لِيُعْتِقَ رَقَبَةً فِي كَفَّارَةٍ فَتَلِفَ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ بَاقِيَةً عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُخْرِجِ الْمَالَ فِي الزَّكَاةِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ لِيَشْتَرِيَ بِهِ رَقَبَةً فَتَلِفَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ، انْتَهَى. ص (كَشِبَعِهِمْ) ش: يُرِيدُ أَنْ يُجْزِئَهُ أَنْ يُشْبِعَهُمْ فِي الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ غَدَّى وَعَشَّى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ غَدَاءٌ دُونَ عَشَاءٍ، وَلَا عَشَاءٌ دُونَ غَدَاءٍ وَيُطْعِمُ الْخُبْزَ مَأْدُومًا بِزَيْتٍ وَنَحْوِهِ، انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ: وَيُجْزِئُ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ إنْ أَشْبَعَهُمْ، وَلَوْ دُونَ الْأَمْدَادِ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ شِبَعَهُمْ يَكْفِي، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَهُمْ عَلَى طَعَامٍ عِنْدَهُ يُغَدِّي الْعَشَرَةَ حَتَّى يُشْبِعَهُمْ وَيُعَشِّيهِمْ خُبْزًا وَأَدَمًا عَدَسًا أَوْ زَيْتًا، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فِي يَمِينٍ بِاَللَّهِ أَوْ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْ بِمِيثَاقِهِ أَوْ بِكَفَالَتِهِ أَوْ فِي نَذْرٍ لَمْ يُسَمَّ لَهُ مَخْرَجًا فَغَدَّى لِذَلِكَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ وَعَشَّى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ غَيْرَهُمْ، فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُعَشِّيَ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ غَدَّى أَوْ يُغَدِّيَ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ عَشَّى، انْتَهَى. . ص (وَالْمَرْأَةُ دِرْعٌ وَخِمَارٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُجْزِئُ لِلْقَصِيرَةِ مَا لَا يُجْزِئُ لِلطَّوِيلَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَسَا فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا مَا تَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ ثَوْبٌ لِلرَّجُلِ وَلَا تُجْزِئُ عِمَامَةٌ وَحْدُهَا وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِمَارَ أَكْبَرُ مِنْ الْكَنْبُوشِ وَأَبْيَنُ مِنْهُ فِي الرِّسَالَةِ وَخِمَارٌ تَتَقَنَّعُ بِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الرِّسَالَةِ هُوَ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ قَالَ فِيهِ: فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ الدِّرْعُ الْخَصِيفُ السَّابِغُ الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَخِمَارٌ تَتَقَنَّعُ بِهِ، قَالَ الْجُزُولِيُّ الْخِمَارُ يَسْتُرُ رَأْسَهَا وَعُنُقَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ لَهُ: الْخِمَارُ مَا يَسْتُرُ الرَّأْسَ وَالصُّدْغَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ يُعْطَى لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ سَاتِرٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَجْزِيءُ الْعِمَامَةُ وَحْدُهَا، وَفِي مَعْنَى الثَّوْبِ الْإِزَارُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاشْتِمَالُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَتُعْطَى الْمَرْأَةُ دِرْعًا وَخِمَارًا وَهُمَا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْخِمَارُ بِكَسْرِ الْخَاءِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُخَمِّرُ الرَّأْسَ أَيْ يُغَطِّيهِ، انْتَهَى. . ص (وَالرَّضِيعُ كَالْكَبِيرِ فِيهِمَا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُعْطَى لِلصَّغِيرِ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَأَمَّا إنْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَإِنْ اسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ أُعْطِيَ بِلَا كَلَامٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْإِعْطَاءُ كَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا فِي الْكِسْوَةِ فَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ خِلَافًا وَنَصُّهُ: وَفِي كَرَاهَةِ كِسْوَةِ الصَّغِيرِ ثَالِثُهَا الرَّضِيعُ وَرَابِعُهَا مِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالصَّلَاةِ لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَمَاعُهُ عِيسَى وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، انْتَهَى. . ص (ثُمَّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ) ش: يَعْنِي إذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِ

تنبيه الجمع بين الخصال الأربعة في الكفارة الواحدة

الثَّلَاثَةِ صَامَ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعَجْزِ يَوْمُ إخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ الْمُعْتَبَرُ حَالُهُ حِينَ تَكْفِيرِهِ لَا يَوْمَ يَمِينِهِ وَلَا حِنْثِهِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ مُعْسِرٌ قَبْلَ حِنْثِهِ، ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ يُسْرِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) لَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلرَّقَبَةِ فِي بَلَدِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ عَنْ الْهَدْيِ. . ص (وَلَا تُجْزِئُ مُلَفَّقَةٌ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تَصِحُّ مُلَفَّقَةٌ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا كَإِطْعَامٍ وَكِسْوَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ فَعَلَ الثَّلَاثَ عَنْ ثَلَاثٍ نَاوِيًا كُلَّ نَوْعٍ مِنْ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَ إلَّا مِنْ عِتْقٍ إنْ تَرَكَ كَغَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبُنِيَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِطْعَامِ كَالْكِسْوَةِ، ثُمَّ يُطْعِمُ سَبْعَةً وَيَكْسُو مِثْلَهَا وَيُكَفِّرُ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَصَحَّ بِنَاؤُهُ عَلَى تِسْعَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا كَفَّرَ عَنْ ثَلَاثِ كَفَّارَاتٍ بِعِتْقٍ وَكِسْوَةٍ وَإِطْعَامٍ، فَلَا خِلَافَ فِي الْإِجْزَاءِ، سَوَاءٌ عَيَّنَ كُلَّ كَفَّارَةٍ لِيَمِينٍ أَوْ لَا، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ وَصَحَّ بِنَاؤُهُ عَلَى تِسْعَةٍ هَذَا اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُبْنَى عَلَى تِسْعَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الشُّيُوخِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فَضْلُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَالتُّونُسِيُّ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: وَمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ الشُّيُوخِ لَا أَعْلَمُ مِنْهُمْ فِيهِ خِلَافًا وَنَصَّ عَلَى مِثْلِهِ فَضْلٌ وَالتُّونُسِيُّ، انْتَهَى. وَمَا صَدَرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ وَالصَّقَلِّيُّ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ الصَّوَابُ عَلَى تِسْعَةٍ وَتَبِعَهُ اللَّخْمِيُّ قَائِلًا: قَوْلُ مُحَمَّدٍ غَلَطٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَلْ وَجْهُهُ انْصِرَافُ كُلِّ نَوْعٍ لِيَمِينٍ حُكْمًا، فَيَبْطُلُ مَا أُضِيفَ مِنْهُ لِغَيْرِهَا بِالتَّشْرِيكِ، وَيَصِحُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْ قَابِلِي التَّفْرِيقِ لَا الْعِتْقِ لِامْتِنَاعِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَانَ شَيْخُنَا يُوَجِّهُ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ بِمَا مَعْنَاهُ: إنَّ مِنْ قَاعِدَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِي كَفَّارَةً مِنْ نَوْعِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْأُولَى، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَعَلَى الشَّاذِّ يُبْنَى عَلَى تِسْعَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَبْطُلُ الثُّلُثُ مِنْ كُلٍّ كَأَنْ شُرِكَ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَزِيدَ لِمَنْ وَجَدَهُ ثُلُثَيْ مُدٍّ فَيُعْتَدُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَوْ قَصَدَ التَّشْرِيكَ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ لَمْ يَصِحَّ لَهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يُعْلِمَ أَعْيَانَ الْمَسَاكِينَ فَيُزِيدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَيْ مُدٍّ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ هُوَ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ [تَنْبِيهٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْكَفَّارَةِ الْوَاحِدَةِ] (تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْكَفَّارَةِ الْوَاحِدَةِ فَيُسْتَحَبُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّنْقِيحِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الرَّابِعِ: الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ الْأَشْيَاءُ الْمَأْمُورُ بِهَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى الْبَدَلِ قَدْ يُحَرَّمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ أَمْثِلَةَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُسْتَحَبُّ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ مِنْ الْمَرْتَبَاتِ وَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْحِنْثِ مِمَّا شُرِعَ عَلَى الْبَدَلِ، انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ: وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ مَرْتَبَةٌ وَكَفَّارَةُ حِنْثِ الْيَمِينِ مُخَيَّرٌ فِيهَا عَلَى الْبَدَلِ، وَالْكُلُّ يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ خِصَالِهَا مِنْ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ؛ لِأَنَّهَا مَصَالِحُ وَقِرْبَاتٌ تَكْثُرُ وَتَجْتَمِعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا إذَا انْفَرَدَ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَرْتَبَاتِ، انْتَهَى. ص (وَهَلْ إنْ بَقِيَ تَأْوِيلَانِ) ش: هُمَا قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

وَفِي شَرْطِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِقِيَامِهِ قَوْلَانِ لِأَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ زَاعِمًا أَنَّهُ ظَاهِرُهَا وَعِيَاضٍ مَعَ الْأَكْثَرِ وَأَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ بِظَاهِرِهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت بِنَصِّهَا إجْزَاءُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، انْتَهَى. (قُلْت) فِي كَلَامِ عِيَاضٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ خِلَافُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّهُ اسْتَحَبَّ كَوْنَهَا بَعْدَهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ) ش:

فرع إذا حلف على غيره ليفعلن فأكرهه على الفعل

مَفْهُومُ قَوْلِهِ يُكْرَهُ أَنَّ عَدَمَ الْإِكْرَاهِ يَحْنَثُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَعَ الْإِكْرَاهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْبِرِّ وَيَحْنَثُ إنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ قَوَاعِدِ الْقَرَافِيِّ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَيْمَانِ: تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مُوجَبِ الْيَمِينِ فَأُكْرِهَ عَلَى أَوَّلِ مَرَّةٍ مِنْ الْفِعْلِ، ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا يَحْنَثُ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ فَالْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ هُوَ أَوَّلُ مَرَّةٍ صَدَرَتْ مِنْ مُخَالِفَةِ الْيَمِينِ وَالْأُولَى لَا عِبْرَةَ بِهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَخَالَعَ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَ زَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ طَلَاقٌ، فَلَوْ رَدَّ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ حَنِثَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انْتَهَى. [فَرْعٌ إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ ليفعلن فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْفِعْلِ] (فَرْعٌ) إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّ فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْفِعْلِ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَبَرُّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَيَمِينُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ، وَإِنَّمَا يَصْدُقُ فِي نِيَّتِهِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْفِعْلِ؟ إنْ كَانَ مِلِكًا لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُ وَلَوْ زَوْجَةً، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ عَصَى وَبَرَأَ نَظَرُهُ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَفْعَلُ فَأَكْرَهَ الْغَيْرَ عَلَى الْفِعْلِ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ قَوْلَيْنِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَعِتْقِهِ) ش:، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ الْبَاجِيُّ يَلْزَمُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَقَبِلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ زَرْقُونٍ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ إنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: بَتَّ مَنْ يَمْلِكُهُ حِينَ حَلِفِهِ مِنْ زَوْجَةٍ وَمَمْلُوكٍ وَصَدَقَةٍ بِثُلُثِهِ وَمَشَى فِي نُسُكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ أَوْ مَمْلُوكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا مَنْ يَشْتَرِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ لَا أَكْثَرُ، انْتَهَى ص (وَزِيدَ فِي الْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي صَوْمُ سَنَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت أَمَّا إلْزَامُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِّ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَلْزَمُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ، فَقَدْ رَأَيْت لِابْنِ عَلْوَانَ أَحَدَ الْمُفْتِينَ بِتُونُسَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا إلَّا ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ الْجَارِيَةَ الْجَائِزَةَ هِيَ الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. ص (إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ [مَسْأَلَةٌ قَالَ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لَا فَعَلْت وَلَا يُرِيدُ بِهَا الْيَمِينَ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ يَقُولُ: الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لَا فَعَلْت، وَلَا يُرِيدُ بِهَا الْيَمِينَ فَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إذَا قَصَدَ مَا وَصَفْت وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمَشْيِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قُلْت) إنْ لَمْ تَتَقَرَّرْ عَادَةً أَوْ نَوَى عَدَمَ الْيَمِينِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا إنْ تَقَرَّرَتْ عَادَةً بِاللُّزُومِ، وَهُوَ قَصْدُ الْحَالِفِينَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا

يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: الصَّوْمُ يَلْزَمُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَنَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْحَالِفِينَ جَرَّتْ بِذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُنِي أَوْ صَوْمُ الْعَامِ يَلْزَمُنِي وَنَوَى فَرِيضَةَ الْحَجِّ وَصَوْمَ رَمَضَانَ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ تَوْرِيكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَحْلَفَهُ أَحَدٌ وَقُلْنَا الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ فَيَلْزَمُهُ، وَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ. ص (وَالْأَمَةِ) ش: يُرِيدُ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْعِتْقَ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُحَرَّمُ غَيْرُهَا يَعْنِي الزَّوْجَةَ، وَلَوْ أَمَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عِتْقَهَا. ص (وَتَكَرَّرَتْ إنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فَفَعَلَهُ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ كُلَّمَا فَعَلَهُ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَحِنْثُ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا، وَلِذَا لَا يَتَعَدَّدُ مَا يُوجِبُهُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ مُوجِبِهِ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ، انْتَهَى. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ تَكَرُّرِ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي. (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ حِنْثُ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْنَثُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَقُلْنَا لَا يَحْنَثُ ثُمَّ فَعَلَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَجَبَتْ بِهِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ. ص (أَوْ كَانَ الْعُرْفُ كَعَدَمِ تَرْكِ الْوَتْرِ) ش: ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ كَرَّرَ الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ يُكَرِّرَ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا تُكَرَّرُ عَلَيْهِ. ص (أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ بِجَمْعٍ) ش: لَعَلَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ أَوْ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ عُهُودٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَوَاللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ وَإِنْ قَصَدَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَاتِهِ إذَا كَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَكْرِيرِ الْيَمِينِ عَلَى وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ بِنِيَّةِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ وَتَتَّحِدُ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ، وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ ابْنُ رُشْدٍ لَا تَتَعَدَّدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ بِاَللَّهِ فِي وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ اللَّخْمِيُّ، وَلَوْ فِي مَجَالِسَ، وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ وَأَرَى تَعَدُّدَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَتَعَدَّدُ فِي وَاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَتَّحِدُ فِي وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ وَتَكْرِيرُ الْمُقْسَمِ بِهِ دُونَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَتَكْرِيرُهُمَا مَعًا سَوَاءٌ وَتَتَعَدَّدُ فِي تَكْرِيرِ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ عَطْفًا وَغَيْرَهُ، وَلَوْ مُعَلَّقًا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَلَوْ قَبْلَ ذِكْرِهِ كَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا مَا لَمْ يَنْوِ الِاتِّحَادَ، ثُمَّ قَالَ وَفِي تَعَدُّدِهَا بِتَكْرِيرِ الصِّفَةِ الْمُخْتَلِفَةِ اللَّفْظِ ثَالِثُهَا إنْ تَغَايَرَتْ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّكَرُّرِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي تَكْرِيرِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ مَوْصُوفًا بِصِفَاتٍ مُتَغَايِرَةٍ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَتَتَعَدَّدُ فِي ذِكْرِ الصِّفَةِ مَعَ الذَّاتِ كَ وَاَللَّهِ وَعِزَّتِهِ، وَفِي الْيَمِينِ مَعَ النَّذْرِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ: وَاَللَّهِ لَا فُعِلْت كَذَا أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ كَفَّارَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَمَّا إذَا كَانَ اللَّفْظُ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَاللَّفْظُ الثَّانِي مِنْ الصِّفَاتِ فَالْحُكْمُ تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ وَكَفَّارَتَانِ فِي وَالْعَزِيزِ وَعِزَّةِ اللَّهِ، انْتَهَى. ص (وَلَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ غَدًا) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَتَعَدَّدُ مُوجِبُ الْحِنْثَ كَفَّارَةٌ أَوْ غَيْرُهَا بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ مَعَ تَغَايُرِ مُتَعَلِّقِهَا، وَلَوْ بِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَلَازِمًا مُسَاوِيًا عَلَى رَأْيٍ انْتَهَى. . . ص (وَخَصَّصَتْ

نِيَّةُ الْحَالِفِ وَقَيَّدَتْ إنْ نَافَتْ وَسَاوَتْ) ش: لَمَا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حَدِّ الْيَمِينِ وَصِيغَتِهَا وَالْيَمِينِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ وَأَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَتَكْرِيرِهَا وَاتِّحَادِهَا أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى مُقْتَضَيَاتِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ النِّيَّةُ الثَّانِي الْبِسَاطُ الثَّالِثُ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ الرَّابِعُ الْمَقْصِدُ اللُّغَوِيُّ الْخَامِسُ الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ فَقَالَ: وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ النِّيَّةَ تُخَصِّصُ الْعَامَّ وَتُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ إذَا صَلُحَ اللَّفْظُ لَهَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: النِّيَّةُ تُقَيِّدُ الْمُطْلَقَاتِ وَتُخَصِّصُ الْعُمُومَاتِ إذَا صَلُحَ لَهَا اللَّفْظُ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَمَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ صَالِحًا لَهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظُ صَرِيحًا فِيمَا نَوَاهُ الْحَالِفُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا افْتَرَقَ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ مَا يَكُونُ الْحَالِفُ فِيهِ عَلَى نِيَّةٍ وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِمَا نَوَاهُ وَلِغَيْرِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ فَالنُّصُوصُ لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ، وَالظَّوَاهِرُ هِيَ الَّتِي تَقْبَلُهَا، وَالنُّصُوصُ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ كَالْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةَ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ، وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: رَأَيْتَ عَشَرَةً، ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرَادَكَ بِهَا وَتَقُولُ: أَرَدْت خَمْسَةً فَإِنَّ التَّخْصِيصَ مَجَازٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَقَاءِ بَعْضِ الْمُسَمَّى، وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْتَ إخْوَتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت بِإِخْوَتِكَ نِصْفَهُمْ فَهَذَا تَخْصِيصٌ، وَالْمَجَازُ الَّذِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ أَنْ تَقُولَ أَرَدْت بِإِخْوَتِكَ مَسَاكِنَهُمْ فَلَيْسَ الْمَسَاكِنُ بَعْضَ الْإِخْوَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ، فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ. الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النُّصُوصِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي غَيْرِ اللَّهِ أَلْبَتَّةَ إجْمَاعًا، فَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا، وَقَالَ أَرَدْت: بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ وَالرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ، وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا يَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي غَيْرِ اللَّهِ وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَهَذَا الِامْتِنَاعُ شَرْعِيٌّ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْأَعْدَادِ لَغَوِيٌّ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إنْ نَافَتْ أَصْلَهُ نَافَيَت فَتَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا، ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا فِي سَاوَتْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً أَيْ مُخَالِفَةً لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَالِفِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِصُوَرٍ، وَالنِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ تَنْفِي ذَلِكَ الْحُكْمَ عَنْ تِلْكَ الصُّوَرِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ: مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَمْ تَكُنْ مُخَصِّصَةً، وَكَذَلِكَ الْمُخَصِّصَاتُ اللَّفْظِيَّةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارِضَةً لَا تَكُونُ مُنَافِيَةً، انْتَهَى. وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُخَصِّصَةِ لَا فِي الْمُقَيِّدَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: تَنْبِيهٌ سُئِلَ الْحَالِفُ بِاللَّفْظِ الْعَامِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بَعْضَ أَنْوَاعِهِ لَا يُلْتَفَتُ لِنِيَّتِهِ وَيُعْتَبَرُ عُمُومُ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ مُؤَكِّدَةٌ لِلَّفْظِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ غَيْرُ صَارِفَةٍ لَهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ صَارِفَةً، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إخْرَاجَ مَا عَدَا هَذَا النَّوْعَ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، وَمِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ، بِخِلَافِ الْمُقَيِّدَةِ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَهَذَا مَقَامٌ لَا يُحَقِّقُهُ أَكْثَرُ مُفْتِي الْعَصْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ إثْرَ نَقْلِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ قُلْت شَرْطُ التَّخْصِيصِ مُنَافَاةُ حُكْمِ الْخَاصِّ لِلْعَامِّ وَإِلَّا فَهُوَ تَقْيِيدٌ، فَإِذَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] فَإِنْ قُلْنَا بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمَسْفُوحَ وَغَيْرَهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِقَوْلِهِ: دَمًا مَسْفُوحًا لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِإِطْلَاقِهِ: تَقَيَّدَ فَمِنْ ثَمَّ جَاءَ الْقَوْلَانِ فِي تَحْرِيمِ الدَّمِ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي لُبَابِ اللُّبَابِ الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ: الْفَرْقُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَالْمُخَصِّصَةِ فَالْمُؤَكِّدَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ

وَالْمُخَصِّصَةُ مُنَافِيَةٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَنَوَى كَتَّانًا قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْفُقَهَاءُ يُفْتُونَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَتَّانِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ يَحْنَثُ فِي الْكَتَّانِ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ، وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَإِنْ اسْتَحْضَرَ غَيْرَ الْكَتَّانِ فِي نِيَّتِهِ وَنَوَى إخْرَاجَهُ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ حِينَئِذٍ مُخَصِّصَةٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَالِكِيُّ: تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ يَسْتَلْزِمُ الْمُطْلَقَ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ اللَّفْظِيَّ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِصُورَةٍ أَوْ صُوَرٍ، وَالنِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ تَنْفِي ذَلِكَ الْحُكْمَ عَنْ تِلْكَ الصُّوَرِ، انْتَهَى. فَتَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُنَافَاةَ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي الْمُخَصِّصَةِ لَا فِي الْمُقَيِّدَةِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ نَافَتْ أَنَّهَا إنْ لَمْ تُنَافِ تُخَصِّصُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ النِّيَّةُ الْمُؤَكِّدَةُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ النِّيَّةَ إنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا انْتَهَى. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالنِّيَّةُ إنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَسَاوَتْ يَعْنِي إذَا قُلْنَا مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً فَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُنَافَاتُهَا وَعَدَمُ مُنَافَاتِهَا عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تُخَالِفَ النِّيَّةُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بِأَشَدَّ مِنْ مَدْلُولِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زَيْتًا فَيَقُولُ: أَرَدْت سَائِرَ الْأَدْهَانِ. الثَّانِي أَنْ تُخَالِفَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَيَكُونَ قَصْدُ مُخَالَفَتِهَا لِلَّفْظِ وَقَصْدُ عَدَمِ مُخَالَفَتِهَا لَهُ سَوَاءٌ، أَيْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْصِدَ بِاللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَقْصِدَ عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ. الثَّالِثُ أَنْ تُخَالِفَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَتُوَافِقَ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ الْقَرِيبَ مِنْ التَّسَاوِي. الرَّابِعُ أَنْ تُخَالِفَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَتُوَافِقَ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ الْبَعِيدَ جِدًّا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مُنَافَاتُهَا وَعَدَمُ مُنَافَاتِهَا عَلَى السَّوَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَتَكُونُ مُخَصِّصَةً وَتُقْبَلُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَتَقْيِيدِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَعْنِي الثَّانِيَ فِي كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ: إلَّا لِمُوَافَقَةٍ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَكِنْ يَسْتَظْهِرُ عَلَيْهِ بِيَمِينٍ أَنَّهُ أَرَادَ مَا ادَّعَاهُ إنْ نَوَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ مِمَّا تَرَدَّدَ فِيهِ الْأَشْيَاخُ، وَهُوَ مِنْ أَيْمَانِ التُّهَمِ وَالْأَقْرَبُ هُنَا تَوَجُّهُهَا احْتِيَاطًا لِحَقِّ اللَّهِ، انْتَهَى. وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَذُكِرَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ النِّيَّةَ إنْ كَانَتْ مُحْتَمَلَةً وَلَمْ يَشْهَدْ لَهَا ظَاهِرُ الْحَالِ، وَلَا دَلِيلُ عُرْفٍ، وَلَا مَقْصِدٌ، وَلَمْ تَكُنْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَكَانَتْ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ وَلَمْ يَأْتِ مُسْتَفْتِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ قَالَ: وَأَمَّا إنْ شَهِدَ لِلنِّيَّةِ ظَاهِرُ الْحَالِ أَوْ دَلِيلٌ مِنْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهَا بِيَمِينٍ، وَلَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَأْتِ مُسْتَفْتِيًا، وَأَمَّا إذَا أَتَى مُسْتَفْتِيًا أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا فَيَنْوِي فِيمَا نَوَاهُ دُونَ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الَّتِي نَوَى خِلَافَ ظَاهِرِ لَفْظِهَا، انْتَهَى. وَدَخَلَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلَّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ أَعْنِي قَوْلَهُ يُقْبَلُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا (الثَّانِي) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّنْقِيحِ: الْعَامُّ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ بِقَيْدٍ يَتْبَعُهُ فِي مُحَالِهِ نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: أَيْ يَتْبَعُهُ بِحُكْمِهِ فِي مُحَالِهِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ تَحْرِيمًا أَوْ إبَاحَةً، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتْبَعُ بَلْ يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى فَرْدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْعَامُّ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فَقَوْلُهُ: يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ يَعْنِي أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يَصْلُحُ لَهُ دَفْعَةً، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْمُطْلَقُ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ لِيُخْرِجَ بِهِ اسْمَ الْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ الْآحَادُ فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُهَا بِحَصْرٍ كَعَشَرَةٍ، ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ نَحْوُ رَجُلٍ، وَالْمُقَيَّدُ هُوَ الَّذِي أُضِيفَ إلَى مُسَمَّاهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَيْهِ نَحْوُ رَجُلٌ صَالِحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْمُطْلَقُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ، انْتَهَى. فَعِنْدَ الْقَرَافِيِّ أَنَّ النَّكِرَةَ وَالْمُطْلَقَ سَوَاءٌ، وَهَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَعِنْدَ السُّبْكِيّ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمُطْلَقِ

وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ، فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ فِي اللَّفْظِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ سُمِّيَ مُطْلَقًا وَاسْمَ جِنْسٍ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً قَالَ السُّبْكِيُّ وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أُسْلُوبُ الْمَنْطِقِيِّينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَ ذَكَرَيْنِ فَقِيلَ لَا تَطْلُقُ نَظَرًا لِلتَّنْكِيرِ الْمُشْعِرِ بِالتَّوْحِيدِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرْتُ عَنْ الْقَرَافِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْحَالِفَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَنَوَى كَتَّانًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْكَتَّانِ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَلَمْ يَجْعَلُوا هَذِهِ النِّيَّةَ مُقَيِّدَةً وَالْمُصَنِّفُ قَدْ قَالَ: إنَّ النِّيَّةَ تُقَيِّدُ فَالْجَوَابُ أَنَّ لَفْظَ الثَّوْبِ هُنَا لَيْسَ مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ عَامٌّ لَكِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ الْعُمُومَ فَالنِّيَّةُ هُنَا إنَّمَا هِيَ مُخَصِّصَةٌ لَا مُقَيِّدَةٌ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (فِي اللَّهِ وَغَيْرِهَا كَطَلَاقٍ) ش: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْيَمِينِ الَّتِي خُصِّصَتْ بِمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالصِّيَامِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ وَلِأَجْلِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هَلْ يُسَمَّيَانِ يَمِينًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا أَتَى بِقَوْلِهِ: كَطَلَاقٍ فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَغَيْرِهَا، وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الْعِتْقُ، ثُمَّ مَثَّلَ لِلنِّيَةِ الْمُنَافِيَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الِاحْتِمَالِ بِفَرْعٍ مِنْ فُرُوعِهَا، وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ كَافَ التَّشْبِيهِ لِيَعُمَّ بَقِيَّةَ الْفُرُوعِ فَقَالَ: ص (كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا) ش: وَيُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَمَّا مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي نِكَاحِهَا فَتَبِينَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُ، وَيَقُولُ: نَوَيْت مَا كَانَتْ تَحْتِي فَيُصَدَّقُ وَمِثْلُ الَّذِي يُعَاتِبُهَا زَوْجُهَا فِي دُخُولِ بَعْضِ قَرَابَتِهَا إلَيْهَا فَتَحْلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا دَخَلَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْ أَعْلَى فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ نَوَيْت مَا كَانَ حَيًّا فَذَلِكَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ ابْنُ يُونُسَ. وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعَاشِرِ وَاَلَّذِي يَعْجَبُ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ فَيَقُولُ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، انْتَهَى. قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ يَعْجَبُ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ فَقَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ أَوْ قَالَ لَهُ: تَعَالَ يَا حُرُّ وَلَمْ يُرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعْصِينِي فَأَنْتَ فِي مَعْصِيَتِكَ إيَّايَ كَالْحُرِّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفُتْيَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي عَبْدٍ طَبَخَ لِسَيِّدِهِ طَبِيخًا فَأَعْجَبَهُ صُنْعُهُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ وَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ الْفِعْلُ، وَلَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ، فَقَالَ: هُوَ حُرٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا إذَا عُلِمَ أَنَّ السَّيِّدَ دَفَعَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَالِفَةِ لَا دَخَلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنَّ طَلَاقَهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةٍ مَوْتِهِ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ لِمَالِكٍ أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ تَحْضُرْهَا نِيَّةٌ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَأْخُذَ فِي ذَلِكَ بِالِاحْتِيَاطِ وَأَنْ لَا يُدْخِلَهُمْ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا جَرَّ يَمِينُهَا مِنْ عِتَابِ زَوْجِهَا إيَّاهَا، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَاتَبَهَا لِعِصْيَانِهَا إيَّاهُ فِي أَنْ تُدْخِلَهُمْ بَيْتَهَا، وَهُوَ يَكْرَهَهُمْ وَيُشَاوِرَهُمْ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهَا فِي إدْخَالِهَا إيَّاهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَاتَبَهَا لِمَا كَرِهَ لَهَا مِنْ مُخَالَطَتِهَا إيَّاهُمْ فَهِيَ حَانِثَةٌ إنْ أَدْخَلَتْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ كَانَ الِاسْتِحْبَابُ أَنْ تَأْخُذَ بِالِاحْتِيَاطِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لِزَوْجَتِهِ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ فِي حَيَاتِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ بِهَا زَوْجَةً لَهُ فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجْت مَا عَاشَتْ فُلَانَةُ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَقَالَ: أَرَدْت مَا عَاشَتْ وَكَانَتْ زَوْجَةً لِفُلَانٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَنْوِ فِي ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا عَاشَتْ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ انْتَهَى. . ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَإِنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْكَافَ فَقَالَ: ص (كَإِنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ

فروع قال والله لأعتقن عبيدي وقال أردت بعضهم على سبيل التخصيص

لَفْظِهِ) ش: لِيُفِيدَ أَنَّهُ كَالثَّانِي فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ فِي كَوْنِهِ يُقْبَلُ فِي الْفُتْيَا وَغَيْرِهَا فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَفِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُرَافَعَةٌ وَلَا إقْرَارٌ، هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الَّذِي تُخَالِفُ النِّيَّةُ فِيهِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَتُوَافِقُ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ الْقَرِيبَ مِنْ التَّسَاوِي، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ أَمْثِلَةً أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: ص (كَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي لَا آكُلُ سَمْنًا) ش: وَيُرِيدُ بِذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَلَوْ حَلِفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، وَقَالَ: نَوَيْت سَمْنَ ضَأْنٍ، أَوْ حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ فِي جَارِيَةٍ لَهُ إنْ كَانَ وَطِئَهَا، وَهُوَ يُرِيدُ بِقَدَمِهِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي هَذَا فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ، انْتَهَى. وَأَشَارَ إلَى الْمِثَالِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: ص (أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلِفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا ثُمَّ كَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: نَوَيْت شَهْرًا فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ، وَيُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَمَّا مَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ فَهُوَ كُلُّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْبِيدًا، ثُمَّ قَالَ نَوَيْت شَهْرًا أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَظْهَرَ يَمِينًا تَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَادَّعَى مَا يَقْطَعُ التَّأْبِيدَ فَيُصَدَّقُ فِي الْفُتْيَا وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، انْتَهَى. وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلِفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ ثَوْبًا فَاشْتَرَاهُ وَشَيْئًا أَوْ صِنْفًا سِوَاهُ وَقَالَ: نَوَيْت ذَلِكَ الصِّنْفَ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ، ثُمَّ دَخَلَهَا بَعْدَ شَهْرٍ، وَقَالَ أَرَدْت شَهْرًا فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا لَا فِي الْقَضَاءِ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، انْتَهَى. وَأَشَارَ إلَى الْمِثَالِ الثَّالِثِ. بِقَوْلِهِ: ص (وَكَتَوْكِيلِهِ فِي لَا يَبِيعُهُ، وَلَا يَضْرِبُهُ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ، وَقَالَ: نَوَيْت بِنَفْسِي أَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ وَقَالَ: نَوَيْت بِنَفْسِي فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ الْآتِيَيْنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي كِتَابِ النُّذُورِ مِنْهَا: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ لَهُ حَنِثَ وَلَا يَدِينُ، وَقَالَ قَبْلَهُ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَاهُ لَهُ حَنِثَ، انْتَهَى. نَصُّهَا: قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ أَنْ لَا يَلِيَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَبَنَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَأَمَّا إنْ كَرِهَ شِرَاءَهُ أَصْلًا فَقَدْ حَنِثَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَلَمْ يَنْوِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَفِي التَّبْصِرَةِ قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ مَنْ ضَرَبَهُ بَرَّ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهُ فَأَمَرَ مَنْ ضَرَبَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَأَمَرَ مَنْ بَاعَهُ حَنِثَ وَلَمْ يَنْوِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَنْوِي فَنَوَاهُ فِي الضَّرْبِ إذَا أَمَرَ مَنْ ضَرَبَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ السَّادَاتِ مَنْ يُطَمْئِنُ عَبْدَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَهْرَبَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ وَأَرَى أَنْ يَنْوِيَ فِي الْبَيْعِ إنْ قَالَ: خِفْت ذَهَابَهُ فَأَمِنْتُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَوْ حَلَفَ فِي سِلْعَةٍ لَا بَاعَهَا لَمْ يَنْوِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِمَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لِذَلِكَ وَجْهًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِلَى هَذَا أَشَارَ التُّونُسِيُّ وَتَأَوَّلَ مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ عَلَى أَنَّ يَمِينَهُ كَانَتْ بِمَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهِ بِالْحِنْثِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِهَذَا إيلَامَ الْعَبْدِ لَا أَنَّهُ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا ضَرَبْتُهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِيلَامُ وَقَدْ وُجِدَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا بَاعَ وَلَا اشْتَرَى فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ، فَقَالَ: يَحْنَثُ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَهُ، انْتَهَى. وَحُكِيَ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَعَلَ مَا قَالَهُ فِي الْبَيْعِ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ فِي الضَّرْبِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ الْمُشَارُ إلَيْهِمَا أَوَّلًا. [فُرُوعٌ قَالَ وَاَللَّه لَأَعْتِقَن عَبِيدِي وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَعْتِقَنَّ عَبِيدِي، وَقَالَ: أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ، أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي، أَوْ أَرَدْت بِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعَبِيدَ مَجَازًا فِي الدَّوَابِّ وَالْعَلَاقَةُ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ، وَاسْتَعْمَلَ الْعِتْقَ مَجَازًا فِي الْبَيْعِ وَالْعَلَاقَةُ بُطْلَانُ الْمِلْكِ، فَهَذَا تُفِيدُهُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْمَجَازُ. (الثَّانِي) إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَةَ

قال لزوجته أنت طالق ثلاثا وقال أردت من الولادة

دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ لَصَحَّ [قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ أَرَدْت مِنْ الْوِلَادَةِ] (الثَّالِثُ) إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَالَ: أَرَدْت أَنَّكِ طَلُقْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوِلَادَةِ أَفَادَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا، وَلَا فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَكِنْ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَقَالَ: أَرَدْت فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَلَمْ أُرِدْ الرَّابِعَةَ فَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ مِنْ نَوَازِلِهِ عَلَى أَنْ يُصَدَّقَ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: جَمِيعُ نِسَائِي، فَلَا يَنْوِي إلَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ اسْتَثْنَيْت فَقُلْتُ: إلَّا فُلَانَةَ أَوْ نَوَيْت إلَّا فُلَانَةَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْت كَلَامَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُفِيدُ إلَّا بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ إلَّا أَنْ يَعْزِلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمُحَاشَاةِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا قَالَ: لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ رَاجَعْتُكِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ، وَقَالَ: إنَّمَا نَوَيْت مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ أُدِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ دَيَّنْتُهُ، وَقَالَ: وَقِيلَ: إنَّمَا مَعْنَى هَذَا إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا بِلَا مُخَاصَمَةٍ، وَلَا مُرَافَعَةٍ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْمُرَافَعَةُ فَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى أَصْلِ يَمِينِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَالْإِقْرَارُ كَالْبَيِّنَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ حَلِيمَةُ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَجَارِيَةٌ يُسَمِّيَانِ بِذَلِكَ، وَقَالَ نَوَيْت جَارِيَتِي فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ، فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ حَلِفَ بِهِ عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ، فَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ وَأَكْثَرُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. ص (إلَّا لِمُرَافَعَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَقَطْ) ش: هَذَا مُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: إنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ الْقَرِيبَةِ مِنْ التَّسَاوِي لَا تُفِيدُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بِهِمَا وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ مُرَافَعَةٌ مَعَ بَيِّنَةٍ أَوْ مَعَ إقْرَارٍ، فَلَا تُفِيدُ قَالُوا: وَفِي قَوْلِهِ: وَبَيِّنَةٌ بِمَعْنَى مَعَ. ص (وَاسْتُحْلِفَ مُطْلَقًا فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا اسْتَثْنَاهُ يَعْنِي: وَكَذَلِكَ لَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ إذَا كَانَ مُسْتَحْلَفًا فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِثَالُ الْيَمِينِ الَّذِي عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ كَمَا لَوْ اُسْتُحْلِفَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ مَا لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَنَوَى حَاضِرَةً مَعَهُ، وَكَمَا لَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَسَرَّى عَلَى زَوْجَتِهِ فَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ تَسَرَّى عَلَيْهَا حَبَشِيَّةً، وَقَالَ نَوَيْت مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَبَشِ، فَلَا تُفِيدُهُ تِلْكَ النِّيَّةُ، وَنَحْوُهُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ، وَكَذَا مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَرِيمٍ فَطَالَبَهُ فَطَلَبَ الْغَرِيمُ التَّأْخِيرَ وَحَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَى أَجَلٍ فَالْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الطَّالِبِ لَا عَلَى نِيَّةِ الْغَرِيمِ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنُ زَرْقُونٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَنْفَعُ إذَا اُقْتُطِعَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا: وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» انْتَهَى بِاخْتِصَارِ بَعْضِهِ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى، وَمَا حَكَاهُ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ مِنْ الْإِجْمَاعِ خِلَافَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْوَسَطِ عَنْهُ فَإِنَّهُ حَكَى عَنْهُ قَوْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَثِيقَةُ حَقٍّ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَثِيقَةَ حَقٍّ تَنْفَعُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ اللَّهِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ نَقَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَعِيسَى. (وَالثَّانِي) أَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَالثَّالِثُ) التَّفْصِيلُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ إنْ كَانَ مُسْتَحْلَفًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا، فَعَلَى

نِيَّةِ الْحَالِفِ، انْتَهَى. (قُلْت) ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الرُّهُونِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهَا لِمَالِكٍ، وَقَالَ إنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرَ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مُيَسَّرٍ أَنَّهُ رَجَّحَهُ، وَقَالَ أَنَّهُ الْأَجْوَدُ وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَفِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِ اللَّهِ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا الْفَرْعَ عَلَى قَوْلِهِ: وَخَصَّصَتْ؛ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُخَصِّصُ وَتُقَيِّدُ وَتُقْبَلُ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا، وَلَا تُقْبَلُ الْيَمِينُ إذَا كَانَتْ عَلَى نِيَّتِهِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (لَا إرَادَةِ مَيِّتَةٍ وَكَذَبَ فِي طَالِقٍ وَحُرَّةٍ أَوْ حَرَامٍ، وَإِنْ بِفَتْوَى) ش هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ، وَهُوَ أَنْ تُخَالِفَ النِّيَّةُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَتُوَافِقَ

الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ الْبَعِيدَ مِنْ التَّسَاوِي، فَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ لَا فِي الْقَضَاءِ، وَلَا فِي الْفُتْيَا مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ جَارِيَتِي حُرَّةٌ، وَقَالَ: أَرَدْت زَوْجَتِي الَّتِي مَاتَتْ أَوْ أَمَتِي الَّتِي مَاتَتْ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ أَوْ الْخَبَرَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ فِي الْمَيِّتَةِ، أَمَّا الْإِنْشَاءُ فَلِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي وُجُودَ مَحِلٍّ يَلْزَمُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَالْحُرِّيَّةُ وَاَلَّتِي مَاتَتْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، وَلَا لِلْحُرِّيَّةِ، وَأَمَّا الْإِخْبَارُ فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِمَا لَا يُفِيدُ فَوَجَبَ صَرْفُهُ لِمَنْ هِيَ تَحْتَهُ الْآنَ أَوْ لِمَنْ هِيَ فِي مِلْكِهِ الْآنَ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَكَذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ الْكَذِبِ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ، وَقَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِنْشَاءِ بَيْنَ الظُّهُورِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْخَبَرَ إلَّا عَلَى بُعْدٍ، وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ فِي هَذَا سَوَاءً؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ فِي الزَّوْجَةِ إنَّمَا هُوَ الْإِنْشَاءُ لَمَّا كَانَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ مِنْ عَوَارِضِ الْخَبَرِ وَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الْكَذِبَ وَيُحْمَلَ عَلَى الْإِنْشَاءِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي طَالِقٍ وَحُرَّةٍ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْمَيِّتَةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ حَرَامٌ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْكَذِبِ، وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَلَوْ حَلَفَ لِلسُّلْطَانِ طَائِعًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي أَمْرٍ كَذِبٍ، فَقَالَ: نَوَيْت امْرَأَتِي الْمَيِّتَةَ، فَلَا يَنْوِي فِي قَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: امْرَأَتِي وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَفِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ وَإِنَّمَا أَرَدْت الْكَذِبَ فَالتَّحْرِيمُ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَنْوِي، وَفِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْهَا، وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ امْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت بِذَلِكَ الْكَذِبَ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَلَا يَنْوِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُشْبِهُ هَذَا فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ نِيَّةً فَانْظُرْ أَوَّلَ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ فَإِنَّ فِيهِ مَا يُشْبِهُهَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَنْوِي فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحَمْلِ قَوْلِهِ: نَافَتْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ إلَّا اسْتِعْمَالُ الْمُنَافَاةِ الَّتِي هِيَ الْمُضَادَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ كَافِيًا فِي قُبْحِهِ وَحَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ. (قُلْت) أَمَّا اسْتِعْمَالُ الْمُنَافَاةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَلَا قُبْحَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي عِبَارَةِ الْقَرَافِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ وَغَيْرِهِمَا فِي هَذَا الْمَحِلِّ، نَعَمْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ يَأْتِي فِي الْمُقَيِّدَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِيهَا، بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَيِّدَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا هَذَا التَّفْصِيلُ، بَلْ يُقَالُ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُخَصِّصَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُوَ أَوْضَحُ مِمَّا حَمَلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ وَبَقِيَ هُنَا احْتِمَالٌ آخَرَ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَهُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إنْ نَافَتْ عَائِدًا إلَى قَوْلِهِ: خَصَّصَتْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: سَاوَتْ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَقَيَّدَتْ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَتُتَصَوَّرُ الْمُسَاوَاةُ فِي تَقْيِيدِ

مسألة فيمن سئل عن شيء فقال علي فيه يمين وهو كاذب

الْمُطْلَقِ وَتَعْيِينِ أَحَدِ مَحَامِلِ الْمُشْتَرَكِ ابْنُ رَاشِدٍ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ: أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ وَيَقُولَ: أَرَدْت فُلَانًا. وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ: عَائِشَةُ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَائِشَةُ، انْتَهَى. وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمُسَاوَاةِ مَا إذَا قَالَ: حِكْمَةُ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَمَةٌ اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا حِكْمَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ اللَّفْظُ ظَاهِرَ النِّيَّةِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ، كَذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي شَامِلِهِ مِنْ فُرُوعِ الْمُسَاوَاةِ بِهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي، وَقَالَ: إنَّهَا مَقْبُولَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا لَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلْنَرْجِعْ إلَى بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَظَهَرَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ وَقَيَّدَتْ إنْ نَافَتْ وَسَاوَتْ أَيْ، فَإِذَا كَانَتْ مُخَصِّصَةً وَمُقَيِّدَةً قُبِلَتْ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ إطْلَاقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَتَى بِقَوْلِهِ: كَكَوْنِهَا مَعَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا هُوَ إذَا تَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ كَمَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: لَا إرَادَةِ مَيِّتَةٍ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ الْبَعِيدِ جِدًّا، وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يُقْبَلُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَا خَالَفَتْ النِّيَّةُ فِيهَا ظَاهِرَ اللَّفْظِ، وَمِنْهَا مَا يُقْبَلُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وَهُوَ مَا إذَا تَسَاوَيَا، وَمِنْهَا مَا لَا يُقْبَلُ فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَأَمَتِي حُرَّةٌ وَيُرِيدُ الْمَيِّتَةَ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ عَلِيَّ فِيهِ يَمِينٌ وَهُوَ كَاذِبٌ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ النَّوَادِرِ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: عَلَيَّ فِيهِ يَمِينٌ، وَهُوَ كَاذِبٌ وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِذَارٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَإِذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ دِينَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفُتْيَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ أَيْ إنَّمَا أَقُولُ ذَلِكَ مُعْتَذِرًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ خَرَجَتْ، فَقَالَ لَهَا لَمْ خَرَجْت، وَقَدْ كُنْتُ حَلَفْت بِطَلَاقِكِ إنْ خَرَجْت، ثُمَّ قَالَ مَا حَلَفْت وَمَا قُلْت مَا قُلْت إلَّا تَغْلِيظًا عَلَيْهَا قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفُتْيَا، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُسْأَلُ عَنْ الْأَمْرِ فَيَقُولُ: فَفِيهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ أَوْ مَشْيٌ، وَهُوَ كَاذِبٌ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ يَعْنِي إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ كَمَا قَالَ إنَّ مَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى أَمَانَتِهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً لِمَنْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ] ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْمُقْتَضَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ النِّيَّةُ تَكَلَّمَ عَلَى الْمُقْتَضَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْبِسَاطُ فَقَالَ: ص (ثُمَّ بِسَاطُ يَمِينِهِ) ش: يَعْنِي: فَإِنْ فُقِدَتْ النِّيَّةُ وَلَمْ يَضْبِطْهَا الْحَالِفُ وَكَانَتْ الْيَمِينُ مِمَّا يَنْوِي فِيهَا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْبِسَاطِ، وَهُوَ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ وَلَيْسَ بِانْتِقَالٍ عَنْ النِّيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ النِّيَّةِ عَدَلَ إلَيْهِ تَحْوِيمًا عَلَى النِّيَّةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ الْبِسَاطِ عَلَى غَيْرِهِ. (فَرْعٌ) وَلِأَجْلِ تَقْدِيمِ الْبِسَاطِ قُلْنَا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً لِمَنْ امْتَنَّ عَلَيْهِ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْ بِخَيْطٍ يَخِيطُ بِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَوْ مَنَّ عَلَيْهِ بِهِبَةِ شَاةٍ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنَهَا وَلَا لَحْمَهَا حَنِثَ بِمَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا أَكْلًا أَوْ لِبَاسًا بِخِلَافِ غَيْرِ ثَمَنِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الثَّانِي تَكَلَّمَ عَلَى الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ فَقَالَ: ص

(ثُمَّ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ) ش: وَعَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِثُمَّ لِيُفِيدَ أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا فُقِدَتْ النِّيَّةُ وَالْبِسَاطُ تَوَصَّلَ إلَى مُرَادِ الْحَالِفِ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ أَوَّلًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ غَالِبُ قَصْدِ الْحَالِفِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ بِلُغَةٍ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَعْمِلُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ فِيهِ ذَلِكَ اللَّفْظَ وَقَوْلُهُ قَوْلِيٌّ احْتِرَازًا مِنْ الْفِعْلِيِّ تَبَعًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْفِعْلِيَّ. قَالَ الْقَرَافِيُّ الْعُرْفُ قِسْمَانِ فِعْلِيٌّ وَقَوْلِيٌّ، وَالْقَوْلِيُّ قِسْمَانِ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ، وَعُرْفُ الْمُفْرَدَاتِ قِسْمَانِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ وَأَجْنَبِيٌّ مِنْهَا، فَالْفِعْلِيُّ هُوَ غَلَبَةُ مُلَابَسَةِ بَعْضِ أَنْوَاعِ مُسَمَّى اللَّفْظِ، وَهُوَ غَيْرُ مُقَدَّمٍ عَلَى اللُّغَةِ، وَلَا مُعَارِضٍ لِلْوَضْعِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِثَالُ الْفِعْلِيِّ أَنْ يَحْلِفَ لَا آكُلُ خُبْزًا وَعَادَتُهُ أَكْلُ خُبْزِ الْبُرِّ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِخُبْزٍ لِشَعِيرٍ وَالذُّرَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَبَدًا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَالْقَوْلِيُّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحِمَارِ، انْتَهَى. هَذَا بِمِصْرَ وَبِالْعِرَاقِ فِي الْفُرْسِ، وَفِي قَفِصَةِ الْأُنْثَى مِنْ الْحَمِيرِ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ. قَالَ الْقَرَافِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ لَفْظِ الْغَائِطِ فَإِنَّهُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْفَضْلَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بَعْضَ الْمَوَاضِعِ الْمُطَمْئِنَةِ، وَعُرْفُ الْمُرَكَّبَاتِ كَغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ مُرَكَّبٍ مَخْصُوصٍ وَمَعْنَى مَخْصُوصٍ فِي سِيَاقٍ مَخْصُوصٍ حَتَّى يَصِيرَ أَشْهُرُ فِيهِ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ لُغَةً، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِغَرِيمِهِ: لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ فِي قَصْدِ عَدَمِ التَّأْخِيرِ عَنْ هَذِهِ الْغَايَةِ دُونَ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْقَسَمُ غَيْرُ بِسَاطِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْبِسَاطَ حَالَةٌ تَتَقَدَّمُ الْحَلِفَ، وَهَذَا الْعُرْفُ يُفْهَمُ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ مَعَ الْجَهْلِ بِالْحَالَةِ كَيْفَ كَانَتْ فَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ كُلُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ غَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ فَهُوَ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ وَالنَّاسِخُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ، بِخِلَافِ الْفِعْلِيِّ لَيْسَ مُعَارِضًا لِلُّغَةِ، انْتَهَى. وَسَتَأْتِي فُرُوعٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ أَمْثِلَةً. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ أَشَارَ إلَى الرَّابِعِ. ص (ثُمَّ مَقْصِدٌ لُغَوِيٌّ) ش: يَعْنِي إنْ فُقِدَتْ النِّيَّةُ وَالْبِسَاطُ وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ لُغَةً. قَالَ الْقَرَافِيُّ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا فِي الْمَظْنُونِ، وَأَمَّا الْمَعْلُومُ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأُرِيَنَّهُ النُّجُومَ فِي النَّهَارِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحَمَّلُ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الرَّابِعِ أَشَارَ إلَى الْخَامِسِ بِقَوْلِهِ: ص (ثُمَّ شَرْعِيٌّ) ش: يَعْنِي إذَا فُقِدَتْ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي الشَّرْعِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ صَاحِبَ الشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ أَوْ لَا أُصَلِّي فَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ الْعُرْفِيَّ يَتَنَاوَلُهَا أَيْضًا، وَلَوْ حَلَفَ لَيَتَوَضَّأَنَّ فَالْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ وَالْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ قَدْ يُطَلَّقُ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ فَقَطْ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلَ بَنِي فُلَانٍ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ صِبْيَانَهُمْ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ

وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ سَرِقَةٍ لَا بِ كَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ) ش: لَمَّا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُقْتَضَيَاتِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ مِنْ النِّيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا أَخَذَ يَذْكُرُ فُرُوعًا تَنْبَنِي عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ، وَهِيَ فِي نَفْسِهَا أَيْضًا أُصُولٌ، فَمِنْ ذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَقَاعِدَةُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَبِكَذَا فَيُشِيرُ إلَى مَا يَقَعُ فِيهِ الْحِنْثُ، وَإِذَا قَالَ لَا كَذَا فَيُشِيرُ إلَى مَا لَا يَحْنَثُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجْمَلَ فِي كَلَامِهِ بَعْضَ الْإِجْمَالِ لِأَجْلِ الِاخْتِصَارِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا فَتَعَذَّرَ فِعْلُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُؤَقَّتًا أَمْ لَا ابْنُ بَشِيرٍ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِأَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ فَرَّطَ حَتَّى تَعَذَّرَ الْفِعْلُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حَانِثٌ، فَإِنْ بَادَرَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ فَكَمَا لَوْ كَانَ مُؤَقَّتًا، انْتَهَى. وَالْمُؤَقَّتُ يَنْقَسِمُ تَعَذُّرُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عَادَةً، فَالْعَقْلِيُّ كَتَعَذُّرِ ذَبْحِ الْحَمَامِ الْمَحْلُوفِ بِذَبْحِهَا لِمَوْتِهَا، إذْ الذَّبْحُ فِي الْمَيِّتِ مُتَعَذِّرٌ، فَلَا خِلَافَ مَنْصُوصٌ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالْحِنْثِ مِنْ التَّعَذُّرِ شَرْعًا، وَأَمَّا الْعَادِيُّ فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ الْحَمَامَاتِ غَدًا فَعَطِبَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْحِنْثُ، وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَوْ لَيَبِيعَنَّ الْأَمَةَ فَوَجَدَهَا حَامِلًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْحِنْثُ، وَنَصَّ سَحْنُونٌ فِي مَسْأَلَةِ الْبُيُوعِ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ، وَوَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ دِينَارٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ امْرَأَتَهُ اللَّيْلَةَ فَقَامَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا إنْ فَرَّطَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ يُونُسَ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ

مسألة الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعله

الْمَوْتِ وَالسَّرِقَةِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْمَيِّتِ لَا يُمْكِنُهُ أَلْبَتَّةَ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يُمْكِنُهُ إذَا أُمْكِنَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْعُ الشَّرْعِ مِنْهُ أَوْ الْعَادَةِ لَا يَمْنَعُ بَعْضَ الْحَالِفِينَ مِنْ قَصْدِهِ، فَلَا يُعْذَرُ بِفِعْلِ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ لَا يُعْذَرُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْغَلَبَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَطْلَقَ الْيَمِينَ، وَأَمَّا لَوْ خَصَّ وَقَالَ: قَدَرْت عَلَى الْفِعْلِ أَمْ لَا، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي حِنْثِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَمْكَنَنِي فَلَمْ أَفْعَلْ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي نَفْيِ حِنْثِهِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ يَعْنِي، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ بِسَاطٌ فَلَا حِنْثَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَلَا بِسَاطٌ حَنِثَ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ أَمْرًا شَرْعِيًّا كَالْحَيْضِ الْمَانِعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَ الْمَانِعُ أَمْرًا عَادِيًّا كَسَرِقَةِ الشَّيْءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ مُؤَقَّتًا أَوْ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْخِلَافِ، وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ أَنَّ الْفَوْتَ يَكُونُ بِفَوْتِ الزَّمَانِ وَنَصُّهُ: وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِفَوْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: لَأَدْخُلَنَّ الْيَوْمَ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَدْخُلْ، انْتَهَى. ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَمْرًا عَقْلِيًّا بِقَوْلِهِ: لَا بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ هَذَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُؤَقَّتًا أَوْ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَبَادَرَ وَلَمْ يُفَرِّطْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَفَرَّطَ فَإِنَّهُ حَانِثٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى تَقْيِيدِهِ بِإِخْرَاجِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْ رَسْمَ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ عَلَى ابْنَتِهِ لَا تَضَعُ صَدَاقَهَا، وَانْظُرْ رَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُقَتِّرُ عَلَى امْرَأَتِهِ اللَّيْلَةَ، وَرَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَانْظُرْ رَسْمَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِيمَنْ حَلَفَ لِرَبِيبَتِهِ وَرَسْمَ الْجَنَائِزِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ النُّذُورِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْحَالِفَةِ لِزَوْجِ ابْنَتِهَا، وَانْظُرْ رَسْمَ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي الْحَالِفِ لَيَطَأَنَّ امْرَأَتَهُ اللَّيْلَةَ، وَرَسْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ مِنْهُ فِي الْحَالِفِ لِرَجُلٍ لَأُخَاصِمَنَّكَ عِنْدَ فُلَانٍ فَيَمُوتُ. (فَرْعٌ) إذَا حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي دَيْنٍ، فَمَتَى عَادَ إلَيْهِ عَادَتْ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ الْقَاعِدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَيْمَانِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْقَوَاعِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ الْحَالِفُ ليفعلن فِعْلًا هُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَهُ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَالِفُ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا هُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ وَأَنْ يَعْتِقَ الْغُلَامُ فِي الثُّلُثِ عَلَى حُكْمِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ، انْتَهَى مِنْ رَسْمِ الْعُرْيَةِ مِنْ سَمَاع عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا حَلَفَ ليشترين دَارَ زَيْدٍ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إذَا حَلَفَ لَيَشْتَرِيَنَّ دَارَ زَيْدٍ فَلْيَشْتَرِهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ طَلَبُوا مِنْهُ ثَمَنًا فَاحِشًا، فَلَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ، وَإِنْ حَلَفَ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي دَارِهِ لَيَبِيعَهَا فَأَعْطَى فِيهَا رَجُلٌ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا إنْ لَمْ تُبَعْ بِمَا أَعْطَى وَإِلَّا حَنِثَ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ تَقَدَّمَ لِلتُّونُسِيِّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تَبْلُغَ الْقِيمَةَ، وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَصِلُ لِقِيمَتِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا، انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لِزَوْجَتِهِ خُبْزًا فَأَكَلَ مَا خَبَزَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَنِثَ، وَمِثْلُهُ مَا يَقَعُ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مَا غَزَلَتْهُ زَوْجَتُهُ وَأَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ مَا كَانَتْ غَزَلَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ نَسَجَتْهُ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فِي الْمَوْسِمِ] (مَسْأَلَةٌ) مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فِي الْمَوْسِمِ حَنِثَ إنْ كَلَّمَهُ فِي الْحَجِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى سُوقًا مِنْ الْأَسْوَاقِ وَأَتَى مُسْتَفْتِيًا؛ لِأَنَّ الْمَوْسِمَ قَدْ تُعَرَّفَ فِي الْحَجِّ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ لَا أَدَخَلَ الدَّارَ وَلَا أَكَلَ الطَّعَامَ فِي هَذَا الْعِيدِ] (مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ الدَّارَ، وَلَا أَكَلَ الطَّعَامَ فِي هَذَا الْعِيدِ فَمَا قَدْرُ الْعِيدِ.؟ فَأَجَابَ الْعِيدُ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ (قُلْت) أَفْتَى أَشْيَاخُنَا بِتُونُسَ أَنَّ آخِرَهُ فَتْحُ الرُّبْعِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ الْفَتْحُ الْمُعْتَادُ، وَلَا يُنْظَرُ لِتَقَدُّمِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَخُرُوجِ الْجَيْشِ، وَلَا تَأَخُّرِهِ كَحَصَادِ الزَّرْعِ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَفَ لَا يُعَيِّدُ مَعَ أَهْلِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ قَرُبَتْ مَسَافَتُهُ، وَلَا يَرْجِعُ إلَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ عِيدُ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ عِيدُ الْأَضْحَى فَلَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ الْبُرْزُلِيُّ هَذِهِ سِيرَةُ الْبِلَادِ غَيْرِ تُونُسَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدَّ عِيدِ تُونُسَ فَتْحُ الرُّبْعِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَيُرْجَعُ إلَى سِيرَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي حَقِّ الْعِيدِ عِنْدَهُمْ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَهِيَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَنَصُّهَا: وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إلَى الْعِيدِ فَوَطِئَهَا لَيْلَةَ الْعِيدِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ قَالَ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى الْعِيدِ وَبَعْدَ مَا يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ حَنِثَ، وَالْعِيدُ عِنْدِي انْصِرَافُ الْإِمَامِ قِيلَ لَهُ فَرَجُلٌ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ كَلَامٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَهُ يَوْمَ الْعِيدِ.؟ قَالَ لَا يَدْخُلُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَلَا يَوْمَيْنِ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ جَوَابُهُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْمَقْصِدِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الْحَالِفُ أَرَادَ وَتَرَكَ الِاعْتِبَارَ بِمَا يَقْتَضِيهِ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، فَقَالَ فِي الَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إلَى الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَتَرَفَّهُ النَّاسُ فِيهِ بِعِيدِهِمْ وَيَسْتَرِيحُونَ فِيهِ مِنْ نَصَبِهِمْ، فَمَنْ حَمَلَ يَمِينَ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ يَمِينِهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَهُ يَوْمَ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَلَا يَوْمَيْنِ بَعْدَهُ فِي الْفِطْرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِالسُّكُونِ إلَى أَهْلِهِمْ فِيهَا مِنْ أَجْلِ عِيدِهِمْ وَتَرْكِ التَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ مَعَاشِهِمْ فَحَمَلَ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مُعَاقَبَةَ أَهْلِهِ فِي أَنْ يَحْرِمَهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ مِنْ النَّاسِ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ وَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ يَمِينِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ إلَّا يَوْمَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ، وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، انْتَهَى. . ص (وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَلْقَةً، ثُمَّ يَرْتَجِعْهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي كِفَايَةِ اللَّبِيبِ فِي كَشْفِ غَوَامِضِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَرَادَ إلَى آخِرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِعَدَمِ التَّزْوِيجِ، فَالطَّلَاقُ الْمُعَجَّلُ لَا يُحِلُّ الْيَمِينَ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الزَّوَاجِ فَعَزْمُهُ هَذَا هُوَ حِنْثُهُ فَتَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ لِحِنْثِهِ لَا أَنَّهُ يُنْشِئُهَا وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ كَتَرْكِ الْفِعْلِ، فَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ التَّزْوِيجِ، فَجُعِلَ لِعَزْمٍ يَقُومُ مَقَامَ تَعَذُّرِ الْفِعْلِ، فَقَوْلُ الْكِتَابِ طَلَّقَهَا أَيْ تَسَبَّبَ فِي طَلَاقِهَا بِعَزْمِهِ وَقَبْلَ الْأَجَلِ إذَا

ضَرَبَ أَجَلًا هُوَ عَلَى بِرٍّ، فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْبِرِّ، وَإِذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ وَعَزَمَ عَلَى الْحِنْثِ قَوِيَ الْعَزْمُ بِمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَهُ وَهُوَ الْحِنْثُ وَتَظَاهَرَ عَلَيْهِ فَوَقَعَ الْحُكْمُ وَهَا هُنَا تَعَارَضَا فَالْبِرُّ عَكْسُ الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي مَدَارِكِ الْحِنْثِ وَالْبِرِّ: السَّادِسُ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ، وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ يُقَيَّدُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى ضِدِّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَزْمِ فِي الْبِرِّ مَا سَيَأْتِي فِيمَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ فُلَانًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْكِتَابُ، وَكَمَا إذَا كَلَّمَ شَخْصًا يَظُنُّهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ عَلَى ضِدِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ لَمَّا تَصَوَّرَ إخْرَاجَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ إذَا كَانَتْ عَلَى بِرٍّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُمِّ فِيمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ أَجَلًا أَوْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا قَالَ: إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَلِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا يَضْرِبُ فُلَانًا، وَإِنْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ؛ لِأَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ إلَى آخِرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا مُرَادُ ابْنِ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَبِالنِّسْيَانِ أَنْ أُطَلِّقَ) ش: وَكَذَا الْجَهْلُ وَالْخَطَأُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ: وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْلَ وَالْخَطَأَ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ كَالْعِلْمِ وَالْعَمْدِ، سَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ الْحَقَّ رَبَّهُ يَوْمَ الْفِطْرِ فَكَانَ بِمَوْضِعِهِ يَوْمَ السَّبْتِ فَقَضَاهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبْتُ مِنْ الْحَاضِرَةِ أَنَّهُ الْجُمُعَةُ حَنِثَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ. مَنْ حَلَفَ لَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ حَنِثَ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا نَائِمًا لَا يَشْعُرُ كَالنَّاسِي ابْنُ عَرَفَةَ النَّاسِي مُفَرِّطٌ عَاقِلٌ وَالنَّائِمُ غَيْرُ عَاقِلٍ الْعُتْبِيُّ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَحْنَثُ فِي لَا آخُذُ مِنْ فُلَانٍ دِرْهَمًا فَأَخَذَ مِنْهُ ثَوْبًا فِيهِ دِرْهَمٌ فَرَدَّهُ حِينَ عِلْمِهِ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَقَوْلِهِ فِيمَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَالٌ وَرِثَهُ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلِابْنِ كِنَانَةَ كَأَصْبَغَ فِيمَا لَا يَسْتَرْفِعُ فِيهِ الدَّرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ سَرِقَتِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَسْتَرْفِعُ فِيهِ وَمَا لَا، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ: عَدَمُ الْحِنْثِ لِرَعْيِ الْقَصْدِ، وَالْحِنْثُ لِرَعْيِ اللَّفْظِ دُونَهُ، وَالثَّالِثُ اسْتِحْسَانٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْيَمِينُ إنْ قُيِّدَتْ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الدَّارَ عَمْدًا، أَوْ لَا أَدْخُلُهَا إلَّا أَنْ أَنْسَى، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي النِّسْيَانِ، وَإِنْ أُطْلِقَتْ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْحِنْثُ بِالنِّسْيَانِ، وَذَهَبَ السُّيُورِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي جَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى عَدَمِ الْحِنْثِ، وَخُرِّجَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْحَالِفِ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ يَوْمًا مُعَيَّنًا، فَأَصْبَحَ فِيهِ صَائِمًا، ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَهِمَ جَمَاعَةٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَخُرِّجَ الْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَرُدَّ لَعَلَّهُ يُرِيدُ لَا قَضَاءَ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، انْتَهَى. وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ وَجَعَلَهَا جَارِيَةً عَلَى الْأُصُولِ وَنَصُّهُ فِي رَسْمِ سَلَفَ دِينَارًا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: إنَّمَا قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ نَاسِيًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ دَحُونٍ إنَّهَا مَسْأَلَةٌ حَائِلَةٌ وَالْحِنْثُ يَلْزَمُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُوجِبُونَ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ السَّمَاعِ نَفْسِهِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ إنَّمَا قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا أَيْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى

فرع حلف بالطلاق ألا يقوم حتى ينتهي من وضوئه فلما انتهى تذكر نسيانه التمضمض

مَنْ أَفْطَرَ فِي التَّطَوُّعِ مُتَعَمِّدًا وَفِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرَّسْمِ نَفْسِهِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ: وَتَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَرَأَيْتَ لِابْنِ دَحُونٍ فِيهَا أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ حَائِلَةٌ وَالْحِنْثُ يَلْزَمُهُ فِيهَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا أَوْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا فَنَسِيَ فِعْلَهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ، بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ نَاسِيًا لَا يُخْرِجُ الْحَالِفَ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا، وَلَا يَبْطُلُ بِهِ أَجْرُ صِيَامِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَلَا يَقُوم حَتَّى يَنْتَهِي مِنْ وُضُوئِهِ فلما انْتَهَى تَذْكُر نِسْيَانه التَّمَضْمُض] (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي رَجُلٍ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ مَعِي فَقَالَ لَهُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ قُمْت مَعَكَ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ وُضُوئِي، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ذَهَبَ مَعَهُ فَذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ التَّمَضْمُضَ أَوْ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ الرَّأْسِ هَلْ تَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ هُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْوُضُوءَ الَّذِي يَتَوَضَّأُ النَّاسُ وَلَمْ يُرِدْ الْمَفْرُوضَ مِنْ الْمَسْنُونِ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْوُضُوءَ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى جُمْلَةِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَى جَمِيعِهِ إلَّا أَنْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِنِيَّةٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ كَمَا يُحْمَلُ أَيْضًا عَلَى الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ عُمُومِ لَفْظِهِ، إلَّا أَنْ يَخُصَّ النِّسْيَانَ مِنْ ذَلِكَ بِنِيَّةٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ فَتَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ أَكَلَ شَيْئًا مِمَّا يَشْتَرِيهِ أَبُوهُ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَنْ مَنَّ عَلَيْهِ أَبُوهُ بِمَا يَشْتَرِيهِ فَحَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ أَكَلَ شَيْئًا مِمَّا يَشْتَرِيهِ أَبُوهُ، ثُمَّ تَبَدَّلَ خُبْزُهُ فِي الْفُرْنِ بِخُبْزِ أَبِيهِ فَأَكَلَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت لِأَنَّهُ أَكَلَهُ عَلَى مَعْنَى الْعِوَضِ، فَلَا مِنَّةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ قَصَدَ عَيْنَ الطَّعَامِ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا كَمَا يَشْتَرِي مِنْ النَّاسِ، وَلَهَا نَظَائِرُ كَخَلْطِ الرُّءُوسِ عِنْدَ الشِّوَاءِ وَخَلْطِ الْمُقَارِضِ طَعَامَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَخَلْطِ الْأَزْوَادِ، انْتَهَى مِنْ أَوَائِلِ الْأَيْمَانِ. [فَرْعٌ إذَا أَتَى بِلَفْظِ كُلٍّ فِي الْيَمِين هَلْ يحنث] . ص " وَبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ " ش: (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ يُرْفَعُ الْخِلَافُ إذَا أَتَى بِلَفْظِ كُلٍّ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَوْ هُوَ بَاقٍ وَإِلَيْهَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنَّ مَالِكًا نَصَّ عَلَى الْحِنْثِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ هَذَا الْقُرْصَ كُلَّهُ وَلِلْحِنْثِ بِالْبَعْضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحِنْثُ فِيمَنْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَنَّهُ إنْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ أَحْرَمَ، ثُمَّ قَطَعَ، وَكَذَلِكَ يَمِينُهُ لَا صَامَ، ثُمَّ بَيَّتَ الصِّيَامَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ حَنِثَ وَإِنْ أَفْطَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْحَالِفِ لَا لَبِسَ لِامْرَأَتِهِ ثَوْبًا فَلَمَّا أَدْخَلَ طَوْقَهُ فِي عُنُقِهِ عَرَفَهُ فَنَزَعَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا رَكِبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَأَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ وَاسْتَقَلَّ عَنْ الْأَرْضِ وَهَمَّ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى السَّرْجِ ثُمَّ ذُكِّرَ فَنَزَلَ. فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ حَانِثٌ، وَلَوْ ذُكِّرَ حِينَ اسْتَقَلَّ مِنْ الْأَرْضِ وَلَمْ يَسْتَوِ عَلَيْهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْحَالِفِ لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ أَوْ سُورَةً فَقَرَأَ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَسْقَطَ حَرْفًا، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُسْقِطُ مِثْلَ ذَلِكَ حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَهُ مَا نَوَى، وَإِنْ جَاءَ بِمَا لَا يَعْرِفُ مِنْ الْخَطَأِ الْكَثِيرِ أَوْ تَرَكَ سُورَةً فَهُوَ حَانِثٌ، وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ امْرَأَةً يَمْسِكُهَا سَنَةً فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَمْسَكَهَا أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَتْ. قَالَ: يَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا وَيَبْتَدِئُ السَّنَةَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يَمْسِكَهَا بَقِيَّةَ السَّنَةِ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ الْحَالِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَوَضَعَتْ وَلَدًا وَبَقِيَ آخَرُ يَحْنَثُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى الْوَطْءِ حَنِثَ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَقِيلَ: بِالْإِنْزَالِ، وَإِنْ أَلْحَقَ بِالْيَمِينِ غَيْرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَصْدًا لِلْإِلْحَاقِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: الْحَالِفُ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ يَحْنَثُ بِالْعَقْدِ دُونَ الدُّخُولِ، انْتَهَى . ص (وَبِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي لَا آكُلُ لَا مَاءَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَكَذَا قَالَ

فرع حلف الحالف أن يشرب ماء صرفا فشرب ماء من آبار الصحاري المتغير

ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ فَعَلَّلَاهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ الْعُرْفِيَّ التَّضْيِيقُ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ بَطْنَهُ طَعَامٌ، وَاللَّبَنُ وَالسَّوِيقُ مِنْ الطَّعَامِ قَالَا: وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ لَمْ يَحْنَثْ عَلَيْهِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْحَالِفِ لَا يَتَعَشَّى لَا يَحْنَثُ فِي التَّسَحُّرِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِمَا عَلَى اعْتِبَارِ الْبِسَاطِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ عَدَمُهُمَا، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَعَشَّى فَشَرِبَ مَاءً أَوْ نَبِيذًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَحْنَثُ بِالسَّوِيقِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالسَّحُورِ، انْتَهَى ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ النَّبِيذَ شَرَابٌ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ وَالسَّوِيقُ طَعَامٌ لَيْسَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّرَابِ وَإِنْ شَرِبَ، وَالْعَشَاءُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الطَّعَامِ لَا عَلَى الشَّرَابِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّحُورِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَشَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْغِذَاءِ، وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غِذَاءً فَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْمِقْدَادِ: عَلَيْكَ بِهَذَا السَّحُورِ فَإِنَّمَا هُوَ الْغِذَاءُ الْمُبَارَكُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَعَشَّى إذَا تَسَحَّرَ كَمَا لَا يَحْنَثُ إذَا تَغَذَّى، انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. [فَرْعٌ حَلَفَ الْحَالِفُ أَنْ يَشْرَبَ مَاءً صِرْفًا فَشَرِبَ مَاءً مِنْ آبَارِ الصَّحَارِي الْمُتَغَيِّرِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ لَوْ حَلَفَ الْحَالِفُ أَنْ يَشْرَبَ مَاءً صِرْفًا فَشَرِبَ مَاءً مِنْ آبَارِ الصَّحَارِي الْمُتَغَيِّرِ مِنْ الْخَشَبِ الَّذِي يُطْوَى بِهِ لَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، كَمَا لَوْ شَرِبَ مَاءً مُتَغَيِّرًا مِنْ الْحَمْأَةِ أَوْ الطُّحْلُبِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً صِرْفًا أَوْ لَيَشْرَبَنَّهُ فَشَرِبَ مَاءَ الْوَرْدِ أَوْ مَاءً مَشُوبًا بِعَسَلٍ أَوْ بِرُبٍّ أَوْ بِشَرَابٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى، وَلَا يَبَرُّ فِي الثَّانِيَةِ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. [فَرْعٌ عَاتَبَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ تَأْكُلُ مِنْ غَزْلِي فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِهَا ثُمَّ أَكُلّ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ عَاتَبَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: تَأْكُلُ مِنْ غَزْلِي فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِهَا شَيْئًا، ثُمَّ دَخَلَ يَوْمًا فَدَعَا بِشَرْبَةِ جَذِيذَةٍ مِنْ مَالِهِ وَدَعَا بِعَسَلٍ كَانَ لَهُ فِي التَّابُوتِ فَأَخْطَأَتْ الْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ بِزَيْتٍ كَانَ لَهَا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهَا أَوْ دُهْنٍ اشْتَرَتْهُ لَرَأْسِهَا فَصَبَّتْهُ فِيهِ فَشَرِبَهُ قَالَ إنْ كَانَ زَيْتًا فَهُوَ حَانِثٌ، وَإِنْ كَانَ دُهْنًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا لَمْ يُحَنِّثْهُ فِي الدُّهْنِ؛ لِأَنَّ الدُّهْنَ لَمَّا كَانَ مِمَّا لَمْ يُتَّخَذْ لِلْأَكْلِ حُمِلَ يَمِينُهُ عَلَى مَا يُتَّخَذُ لِلْأَكْلِ إذَا رَأَى مَقْصِدَهُ فِيهِ، وَيَحْنَثُ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يُرَاعِي الْمَقْصِدَ الْمَظْنُونَ وَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَفِي مَوَاضِعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، انْتَهَى. وَالْجَذِيذَةُ بِجِيمٍ وَذَالَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ كُلَّ جَذِيذَةٍ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ فِي حَاجَتِهِ أَرَادَ شَرْبَةً مِنْ سَوِيقٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تُجَذُّ أَيْ تُدَقُّ وَتُطْحَنُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْكَبِيرِ فِي فَصْلِ الْقِيَامِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقُومُ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَقُومَنَّ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا بَرَّ، انْتَهَى. . ص (وَبِوُجُودِ أَكْثَرَ فِي لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ لِمُتَسَلِّفٍ لَا أَقَلَّ) ش: يَعْنِي إذَا حَلَفَ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ دَرَاهِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا، ثُمَّ وَجَدَ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَ مَعَهُ أَقَلَّ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَدْخُلُهُ اللَّغْوُ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ: مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَيْمَانِ فَقَدْ حَنِثَ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ أَوْ لُبْسِهِ فِي لَا أَرْكَبُ وَأَلْبَسُ) ش: قَالَ فِي الْقَوَانِينَ: مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا وَهُوَ سَاكِنٌ، أَوْ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا وَهُوَ

مسألة حلف بطلاق زوجته إن قضى الله حاجته

عَلَيْهِ، أَوْ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةً وَهُوَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ النُّزُوعُ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ تَرَاخَى مَعَ الْإِمْكَانِ حَنِثَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ لَا يَحْنَثُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ رَسْمَ يُوصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمِثَالُهُ فِي الْبِرِّ لَوْ قَالَ: لَأَلْبِسَنَّ الثَّوْبَ أَوْ لَأَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالدَّوَامِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الدَّوَامُ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، بَلْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ فِي النُّزُولِ لَيْلًا، وَلَا فِي أَوْقَاتِ الضَّرُورَاتِ، وَلَا بِنَزْعِ الثَّوْبِ لَيْلًا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا قَالَ: إنْ حَمَلَتْ امْرَأَتُهُ فَهِيَ طَالِقٌ، وَهِيَ حَامِلٌ فَهَلْ التَّمَادِي فِي الْحَمْلِ كَابْتِدَائِهِ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِحَمْلٍ آخَرَ فِيهِ خِلَافٌ قَالَهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ النُّذُورِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَدَوَامُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَابْتِدَائِهِ إنْ أَمْكَنَ تَرْكُهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ لَا الْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَالنَّوْمِ، أَوْ قَالَ لِحَامِلٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ نَائِمَةٍ إذَا حَمَلْت أَوْ حِضْت أَوْ نِمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِتِلْكَ الْحَالَةِ، بَلْ لِمُسْتَقْبَلٍ فَيُجْعَلُ فِي الْحَيْضِ لِإِتْيَانِهِ، وَجَعَلَهُ أَشْهَبُ كَالْحَمْلِ التُّونُسِيُّ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ تَمَادِي الْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَالنَّوْمِ كَالرُّكُوبِ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ إنْ قَضَى اللَّهُ حَاجَتَهُ] (مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ ابْنُ الْحَاجِّ عَمَّنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ إنْ قَضَى اللَّهُ حَاجَتَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ نَوَاهُ لَيَتَصَدَّقَنَّ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِشَيْءٍ سَمَّاهُ، فَوَصَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي نَوَاهُ وَبَقِيَ مَعَ زَوْجَتِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً بَعْدَ وُصُولِهِ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ، ثُمَّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَتَصَدَّقَ بَعْدَ طَلَاقِهِ فَهَلْ كَانَ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ.؟ (جَوَابُهَا) إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ حِينَ وُصُولِهِ عَاجِلًا فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ قَصَدَ التَّأْخِيرَ فَلَا يَحْنَثُ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ رَاجَعَهَا فَهُوَ مَعَهَا عَلَى حِنْثٍ، فَإِنْ تَصَدَّقَ سَقَطَتْ الْيَمِينُ وَإِلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ مِنْ يَوْمٍ تَرْفَعُهُ لِلْقَاضِي، وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ، وَلَا تَأْخِيرِهَا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِزَوْجَاتِهِ إنْ بَقِينَ لَهُ بِزَوْجَاتٍ.؟ قَالَ: الْأَمْرُ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ لِشَيْخِنَا الْفَقِيهِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ وَاحِدَةً عَلَى فِدَاءٍ وَيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ بَعْدَ أَنْ أَفْتَى أَوَّلًا بِلُزُومِ الثَّلَاثِ. ص (وَبِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ كَذَا) ش: وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ لَهُ رَأْسَانِ لَمْ يَبَرَّ لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ جَمْعِ الْأَسْوَاطِ يَسْتَأْنِفُ الْمِائَةَ جَمِيعَهَا، وَفِي مَسْأَلَةِ السَّوْطِ بِرَأْسَيْنِ يَجْتَزِئُ بِخَمْسِينَ قَالَهُ التُّونُسِيُّ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَسْتَأْنِفُ الْمِائَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ وَيَجْتَزِئُ بِخَمْسِينَ فِي مَسْأَلَةِ ذِي الرَّأْسَيْنِ قَالَهُ التُّونُسِيُّ، وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالْقُرْبِ مِنْ قَوْلِهِ: هَذِهِ الْأُصُولُ وَذَكَرُوا فُرُوعًا، وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَالِفِ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ، وَانْظُرْ سَمَاعَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. . ص " وَهَرِيسَةٌ وَإِطْرِيَةٌ فِي خُبْزٍ " ش: أَصْلُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ: قُلْت: الْحِنْثُ بِالْهَرِيسَةِ بَعِيدٌ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص

فروع الأول حلف لا آكل كباشا بالنعاج والصغار مطلقا

لَا عَكْسُهُ) ش: هُوَ شَامِلٌ لِمَا قَبْلَهُ إلَى قَوْلِهِ: وَبِكَعْكٍ. ص (وَبِضَأْنٍ وَمَعْزٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ حَلَفَ لَا آكُلُ كِبَاشًا بِالنِّعَاجِ وَالصِّغَارِ مُطْلَقًا] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي " لَا آكُلُ كِبَاشًا " بِالنِّعَاجِ وَالصِّغَارِ مُطْلَقًا لَا بِالصِّغَارِ فِي " لَا آكُلُ كَبْشًا " الصَّقَلِّيُّ وَكَذَا عِنْدَنَا فِي " لَا آكُلُ كِبَاشًا " لَا يَحْنَثُ بِالصِّغَارِ وَلَا إنَاثِ الْكِبَارِ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَحْنَثُ فِي " لَا آكُلُ نَعْجَةً أَوْ نِعَاجًا " بِصَغِيرٍ مُطْلَقًا وَلَا بِكِبَارِ الذُّكُورِ مُحَمَّدٌ. لَا يَحْنَثُ فِي " لَا آكُلُ خَرُوفًا " بِكَبِيرٍ الشَّيْخُ عَنْهُ. وَيَحْنَثُ بِالْعَتُودِ، وَوَقَفَ عَنْهَا مُحَمَّدٌ أَصْبَغُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَتُودِ وَالْخَرُوفِ وَيَحْنَثُ بِالْعَكْسِ فِي تَيْسٍ أَوْ تُيُوسٍ بِالْعَتُودِ وَصَغِيرِ ذُكُورِ الْمَعْزِ، وَلَا حِنْثَ فِي عَتُودٍ أَوْ عَتِدَانِ ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ جِدْيَانٍ بِالتُّيُوسِ وَلَا بِكِبَارِ الْإِنَاثِ، وَيَحْنَثُ بِصِغَارِهَا ابْنُ حَبِيبٍ يَحْنَثُ فِي التُّيُوسِ بِالْجَدْيِ، انْتَهَى. [الثَّانِي الْحَالِفُ عَلَى اللَّحْمِ ثُمَّ أَكُلّ الرَّأْسِ] (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَالْحَالِفُ عَلَى اللَّحْمِ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الرَّأْسِ، وَالْحَالِفُ عَلَى الرَّأْسِ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّاةِ مِنْ كِرْشٍ وَأَمْعَاءٍ وَدِمَاغٍ وَغَيْرِهِ [الثَّالِثُ حَلَفَ لَا آكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ قَدِيدًا] (الثَّالِثُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا: وَمَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ قَدِيدًا فَهُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْقَدِيدِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللَّحْمِ، وَلَا أَسْأَلُهُ عَنْ نِيَّتِهِ. . ص (وَدِيَكَةٌ وَدَجَاجَةٌ فِي غَنَمٍ وَدَجَاجٍ) ش قَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ: مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَجَاجَةً فَأَكَلَ دِيَكَةً لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَجَاجًا فَأَكَلَ دِيَكَةً حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّجَاجِ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا حَنِثَ بِالْبِرْذَوْنِ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ بِرْذَوْنًا فَرَكِبَ فَرَسًا لَمْ يَحْنَثْ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: لِأَنَّ يَمِينَ الْحَالِفِ إذَا عَرِيَتْ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ مَقْصِدٍ يُخَالِفُ لَفْظَهُ حُمِلَتْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ فِي اللِّسَانِ، وَالدَّجَاجَةُ لَا تُسَمَّى دِيكًا وَلَا دِيَكَةً، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دِيكًا وَلَا دِيَكَةً فَلَا يَحْنَثُ بِالدَّجَاجَةِ، وَالدَّجَاجُ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ دَجَاجًا فَأَكَلَ دِيكًا حَنِثَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ اقْتَضَاهُ، وَكَذَا الْبِرْذَوْنُ يُسَمَّى فَرَسًا وَالْفَرَسُ لَا يُسَمَّى بِرْذَوْنًا فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا، وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ بِرْذَوْنًا فَرَكِبَ فَرَسًا، انْتَهَى. . ص (وَبِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِي لَا قَبَّلْتُكِ أَوْ قَبَّلَتْنِي) ش: أَمَّا فِي لَا قَبَّلَتْنِي فَيَحْنَثُ مُطْلَقًا اسْتَرْخَى أَمْ لَمْ يَسْتَرْخِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ وَنَحْوُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِرْخَاءِ لَهَا فِي لَا قَبَّلْتُكِ إذَا قَبَّلَتْهُ عَلَى فَمِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهَا تُقَبِّلُهُ عَلَى غَيْرِ الْفَمِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضٍ

فرع حلف أن لا يأكل فاكهة هل يحنث بالعنب

بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا قَبَّلَتْنِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَبَّلْتُكِ أَوْ ضَاجَعْتُكِ فَقَبَّلَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ أَوْ ضَاجَعَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ اسْتِرْخَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ إنْ قَبَّلَتْنِي أَوْ ضَاجَعَتْنِي حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عِيَاضٌ: قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقُبْلَةِ اسْتِرْخَاءٌ هَذَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْفَمِ لِأَنَّهُ مُقَبِّلٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ تَرَكَهَا اللَّخْمِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ قَبَّلَتْنِي فَيَحْنَثُ سَوَاءٌ قَبَّلَتْهُ عَلَى الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْفَمَ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّقْيِيدَيْنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ زَادَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ حِنْثِهِ بِتَقْبِيلِهَا إيَّاهُ فِي لَا قَبَّلْتُكِ غَيْرَ طَائِعٍ وَيَحْلِفُ، انْتَهَى. فَإِطْلَاقُ الشَّيْخِ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا قَبَّلَتْنِي لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَسْتَرْخِيَ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَسَمَاعِ عِيسَى وَاللَّخْمِيّ وَغَيْرِهِمْ. ص (وَإِنْ أُحَالَهُ) ش قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَسَوَاءٌ تَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ فَارَقَهُ حُكْمًا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يَرْتَفِعُ الْحِنْثُ إنْ نَقَضَ الْحَوَالَةَ وَقَضَاهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ إلَّا بِحَقِّهِ فَأَحَالَهُ عَلَى غَرِيمٍ لَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ حَقَّهُ، ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ نَاقِصًا نَقْصًا بَيِّنًا أَوْ زَائِفًا لَا يَجُوزُ أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بَعْدَ أَنْ فَارَقَهُ فَهُوَ حَانِثٌ، انْتَهَى. ص (وَبِفَرْعٍ فِي لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [فَرْعٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَاكِهَةً هَلْ يحنث بِالْعِنَبِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْقَوَانِينَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَاكِهَةً يَحْنَثُ بِالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى بِالْفُولِ الْأَخْضَرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا حَنِثَ بِالرُّطَبِ، انْتَهَى. وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ لِلْقُرْطُبِيِّ: مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَفِي الرِّوَايَةِ عِنْدَنَا يَحْنَثُ بِالْبَاقِلَاءِ الْأَخْضَرِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ حَلَفَ عَلَى اللَّبَنِ الْحَلِيبِ] (فَرْعٌ) وَإِنْ حَلَفَ عَلَى اللَّبَنِ الْحَلِيبِ فَلَهُ أَكْلُ الْمَضْرُوبِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْمَضْرُوبِ فَلَهُ أَكْلُ الْحَلِيبِ، وَالْحَالِفُ عَلَى الْجُبْنِ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْحَالُومِ

فرع وهبه رجل شاة ثم من بها عليه فحلف أن لا يشرب من لبنها

وَالْحَالِفُ عَلَى الْحَالُومِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْجُبْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَرِهَ مَا يَخْرُجُ مِنْ اللَّبَنِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. ص (وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ) ش. [فَرْعٌ وَهَبَهُ رَجُلٌ شَاةً ثُمَّ مَنَّ بِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ وَهَبَهُ رَجُلٌ شَاةً، ثُمَّ مَنَّ بِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا، وَلَا يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا، فَإِنْ أَكَلَ مِمَّا اشْتَرَى بِثَمَنِهَا أَوْ اكْتَسَى مِنْهُ حَنِثَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ ثَمَنِهَا مَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَبَدًا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَصْلُ يَمِينِهِ قَدْ خَرَجَتْ عَنْ كَرَاهَتِهِ مِنْهُ لِمَنْ وَهَبَ الشَّاةَ فَعَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الشَّاةِ وَحْدَهَا، وَأَرَى أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ الْمَانُّ شَيْئًا آخَرَ لَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ كَرِهَ مَنَّهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِّهِ فِي هَذِهِ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا فَحَصَلَ فِي كَلَامِهِ خَلَلٌ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْهُ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْإِدَامِ بِأَسْطُرٍ، ثُمَّ كَرَّرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِوَرَقَتَيْنِ بِتَمَامِهِمَا. (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَفْعَلُ بِالشَّاةِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْ الْوَاهِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهَا بِغَلَّةٍ وَلَا ثَمَنٍ فَهَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَأَثَّلُ مِنْهَا مَالًا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي الِانْتِفَاعِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ رَبِّهَا، إذْ هُوَ أَكْثَرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ص (وَبِالْحَمَّامِ فِي الْبَيْتِ) ش قَالَ فِي الْكَبِيرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا حَلَفَ لَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا فَاجْتَمَعَا تَحْتَ ظِلِّ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بُغْضًا فِيهِ أَوْ لِسُوءِ عِشْرَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِوُقُوفِهِ مَعَهُ فِي الصَّحْرَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الشَّامِلِ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي ظِلِّ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ حَنِثَ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِقَضَاءٍ فِيهِ أَوْ سُوءِ عِشْرَتِهِ، وَقِيلَ: وَبِوُقُوفِهِ مَعَهُ فِي الصَّحْرَاءِ، انْتَهَى. وَلَا يَنْبَغِي عَدُّ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافًا إذَا كَانَتْ تِلْكَ نِيَّتُهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ حَلَفَ لَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا حَنِثَ بِالْحَمَّامِ لَا بِالْمَسْجِدِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْحَبْسَ كُرْهًا أَوْ طَائِعًا، ثُمَّ قَالَ وَأَلْحَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِهَذَا إذَا اجْتَمَعَا تَحْتَ ظِلِّ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بُغْضًا فِيهِ أَوْ سُوءَ عِشْرَتِهِ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِوُقُوفِهِ مَعَهُ فِي الصَّحْرَاءِ، انْتَهَى. ص (وَدَارُ جَارِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ

عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا حَلَفَ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَى جَارِهِ فَوَجَدَهُ عِنْدَهُ حَنِثَ، انْتَهَى. ص (وَبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا يَمْلِكُهُ كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ مَا دَامَ فِي مِلْكِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ، ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ دَخَلَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي بَيْتٍ كَانَ يَمْلِكُهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَصْلُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَرَاعَى فِي الرِّوَايَةِ كَوْنَهُ لَهُ حَقٌّ يَجْرِي مَجْرَى الْمِلْكِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يُجَهَّزَ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فِي حَيَاتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَيِّتًا حَنِثَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ مِثْلُ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي نَوَازِلِهِ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فُلَانٍ مَا عَاشَ أَوْ حَتَّى يَمُوتَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ مَاتَ قَبْلَ دَفْنِهِ حَنِثَ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَحْنَثُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ مَا عَاشَ وَحَيَاتَهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَقْتًا لِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إرَادَتِهِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَبَدًا فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِحَيَاتِهِ أَوْ مَا عَاشٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي يَقْصِدُ النَّاسُ بِهَا التَّأْبِيدَ فِي عُرْفِ كَلَامِهِمْ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، وَلَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ، وَلَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حَيَاتِي أَوْ مَا عِشْت إذَا أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إتْبَاعُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، فَقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ: لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا أَبَدًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَيِّتًا حَنِثَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ حَيَاتَهُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى مَا قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَمَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْهُ، انْتَهَى أَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ، وَمِنْهُ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ الْبَرَاءِ وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ ابْنُ الْبَرَاءِ عَمَّنْ خَطَبَ ابْنَةَ أَخِيهِ لِابْنِهِ مِنْ أَخِيهِ فَلَمْ يُسْعِفْهُ فَحَلَفَ لَا أَحْضُرُهُ فِي فَرَحٍ وَلَا حُزْنٍ فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِلْحَالِفِ حُضُورُ دَفْنِهِ وَتَكْفِينِهِ وَتَعْزِيَتِهِ أَمْ لَا.؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا قَصَدَ الْحَالِفُ إيلَامَ نَفْسِ أَخِيهِ فِي عَدَمِ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِائْتِلَافِ الْقَرَابَةِ فِيهِ، وَإِذَا مَاتَ فَلَا إيلَامَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: لَا حَاضِرَهُ لَا حَضَرَ كُلَّ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ قَصْدَ الْمُبَاعَدَةِ وَالْقَطِيعَةِ فَحُضُورُ جِنَازَتِهِ هُوَ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ حَلَفَتْ لَا تَحْضُرُ لِأُخْتِهَا مَحْيًا وَلَا مَمَاتًا فَمَاتَتْ بِنْتُ أُخْتِهَا فَأَرَادَتْ انْتِظَارَهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ لِتُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيَمِينُهَا بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ فَكَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَهَا، وَهِيَ لَمْ تُعَزِّ وَلَمْ تُعَزَّ وَلَمْ تَحْضُرْ مَشْهَدَهَا، وَالْحِنْثُ يَكُونُ بِأَقَلِّ سَبَبٍ فَتَرْكُ ذَلِكَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا حَاضِرَهُ قَوِيٌّ فِي إرَادَةِ الْحَيَاةِ، وَلِمَا عُرِفَ عَادَةً بِإِيلَامِهِ بِعَدَمِ حُضُورِهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت: عِنْدِي أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا حَيَاتَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَنَصُّ الرِّوَايَةِ يَحْنَثُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا تَسْمِيَةَ بِاسْمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَجَازَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِيلَامُ لِقَلْبِهِ، وَقَدْ مَاتَ، فَلَا إيلَامَ. ص (لَا بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُجَامَعَةَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَدَارُ جَارِهِ فِي مَسْأَلَةِ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، وَإِنْ دَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَالِفِ فَخَافَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْحِنْثَ، وَقَالَ

فرع حلف أن لا ينفع فلانا شيئا وهو وصى لرجل مات

ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُجَامِعَهُ فِي بَيْتٍ فَيَحْنَثُ، انْتَهَى. . وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ مَعَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَكَذَا يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَجْلِسَ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ وَيَصِيرُ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ هُوَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِاسْتِمْرَارِهِ فِي الدَّارِ إذَا حَلَفَ لَأَدْخُلُهَا، وَكَذَلِكَ هُنَا إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ فَخَافَ عَلَيْهِ مَالِكٌ الْحِنْثَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَعُمَّ مِنْ لَفْظِهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ فُلَانًا شَيْئًا وَهُوَ وصى لِرَجُلٍ مَاتَ] ص (وَبِتَكْفِينِهِ فِي لَا أَنْفَعُهُ حَيَاتَهُ) ش تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ فُلَانًا شَيْئًا، وَهُوَ وَصِيٌّ لِرَجُلٍ مَاتَ وَأَوْصَى أَنْ يُقَسَّمَ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ سَمَّى لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ لَا يَنْفَعُهُ بِمِثْلِهِ فَيَصْدُقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، فَلَا يَنْوِي إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ كَانَتْ إلَيْهِ مِنْهُ صَنَائِعُ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَنْوِي فِيمَا ادَّعَاهُ مَعَ يَمِينِهِ، قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ. [فَرْعٌ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ أَخَاهُ فَاحْتَاجَ أَوْلَادُ أَخِيهِ فَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا] (فَرْعٌ) فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ أَخَاهُ فَاحْتَاجَ أَوْلَادُ أَخِيهِ فَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا فَهَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ.؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، لَكِنْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَخِيهِ هَدِيَّةٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيُصِيبُ الْيَسِيرَ مِنْ الطَّعَامِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، هَلْ تَرَى ذَلِكَ لَهُ مَنْفَعَةً فَيَكُونُ حَانِثًا أَمْ مَا تَرَى فِي ذَلِكَ.؟ قَالَ أَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ مِنْ وَلَدِهِ الْكِبَارِ وَاسْتَغْنَوْا عَنْهُ فَأَصَابُوا مِنْهُ شَيْئًا فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَةِ وَلَدِهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا وَلَدُهُ الصِّغَارُ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يُصِيبُوا مِنْ عِنْدِهِ إلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْأَبُ فِي عَوْنِ وَلَدِهِ، مِثْلُ الثَّوْبِ يَكْسُوهُ إيَّاهُ فَيَكُونُ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ حِينَ كَفَاهُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا أَوْ يُطْعِمَهُ طَعَامًا يُغْنِيهِ ذَلِكَ عَنْ مُؤْنَتِهِ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَأَيْتَ أَنْ قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ فَأَرَاهُ حَانِثًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ فِيهَا. ص (وَبِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا فِي لَا أَكَلْتُ طَعَامَهُ إنْ أَوْصَى أَوْ كَانَ مَدِينًا) ش: قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْخُذَ لِفُلَانٍ مَالًا فَمَاتَ فَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا، وَلَا يَأْكُلَ لَهُ طَعَامًا فَأَكَلَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ كَانَ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَوْ عَلَيْهِ دِينٌ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطًا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا حِنْثَ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِتَرِكَتِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ فَقَدْ ارْتَفَعَ مِلْكُهُ عَنْ مَالِهِ وَوَجَبَ لِمَنْ يَجِبُ أَخْذُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ وَأَهْلِ وَصَايَاهُ وَغُرَمَائِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ، وَلَا كَانَ لِيَمِينِهِ بِسَاطٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إرَادَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُ الْحَالِفِ كَرَاهِيَةً لِلْمَالِ لِخُبْثِ أَصْلِهِ فَهُوَ حَانِثٌ بِكُلِّ حَالٍ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ كَرَاهِيَةً لِمَنِّهِ عَلَيْهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَكَانَتْ لَهُ وَصِيَّةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ قَوْلُهُمْ: يَحْنَثُ إذَا أَوْصَى مَعْنَاهُ عِنْدِي أَوْصَى بِمَالٍ مَعْلُومٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيْعِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَهَاهُنَا يَكُونُ الْمُوصِي شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ وَكَأَحَدِهِمْ سَاعَةَ يَمُوتُ، فَلَا حِنْثَ عَلَى الْحَالِفِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَتُقْبَلُ مِنْهُ، أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا أَوْصَى بِوَصَايَا فَلَا يَحْنَثُ بِاتِّفَاقٍ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِلرَّمَّاحِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لِغَيْرِهِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ إذَا أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ قَرُبَ الْأَمْرُ أَوْ بَعُدَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ أَوْ رَسُولٍ فِي لَا كَلَّمَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا كَلَّمَهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا وَوَصَلَهُ الْكِتَابُ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ يَحْنَثُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا حَنِثَ إلَّا أَنْ

يَنْوِيَ مُشَافَهَةً، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَنْوِي فِي الْكُتُبِ وَيَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى فُلَانٍ فَلَا يَحْنَثُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي حِنْثِهِ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ أَوْ حَتَّى يَقْرَأَ وَلَوْ عُنْوَانَهُ، نَقَلَا اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَابْنُ رُشْدٍ عَنْهُ مَعَ نَصِّ ابْنِ حَبِيبٍ وَعَلَيْهِ فِي حِنْثِهِ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ أَوْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا لَفْظًا قَوْلَانِ لِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَصَّ أَشْهَبُ قَائِلًا: لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ جَهْرًا فَقَرَأَ بِقَلْبِهِ لَا يَحْنَثُ (قُلْت:) إنْ رَدَّ بِأَنَّ قَوْلَهُ: جَهْرًا فِي الْأَصْلِ يَمْنَعُ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْفَرْعِ بِمَنْعٍ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ إلَّا جَهْرًا، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حِنْثَهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ الْكِتَابِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ الْمَذْهَبَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ لَمْ يَحْنَثْ، فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ التُّونُسِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ رُدَّ الْكِتَابُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَمْ يَحْنَثْ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، وَلَوْ كَتَبَهُ عَازِمًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا لَا قِرَاءَتُهُ بِقَلْبِهِ يُعَارِضُ هَذَا إلَّا أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَهُ لَا قِرَاءَتُهُ بِقَلْبِهِ يَعْنِي لَا بِقِرَاءَةِ الْحَالِفِ الْكِتَابَ الْمَحْلُوفَ عَلَى عَدَمِ قِرَاءَتِهِ جَهْرًا إذَا قَرَأَهُ بِقَلْبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ وَصَلَ وَقُرِئَ، وَهَذِهِ تُوَافِقُ لَا قَرَأَهُ بِقَلْبِهِ، وَيَكُونُ مَشَى أَوَّلًا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ الْمَذْهَبُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ ص (وَلَمْ يَنْوِ فِي الْكِتَابِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) ش: تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُشَافَهَةً، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَنْوِي فِي الْكِتَابِ وَيَحْنَثُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحِنْثِ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ فَهَلْ يَنْوِي فِي إرَادَةِ الْمُشَافَهَةِ إنْ كَانَتْ بِطَلَاقٍ وَعِتَاقٍ قَالَ فِيهَا حِنْثٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُشَافَهَةً، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَنْوِي فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَنْوِي فِي الْكِتَابِ وَالرَّسُولِ، وَعَلَى أَنَّهُ يَنْوِي فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، انْتَهَى. ص (وَبِالْإِشَارَةِ لَهُ) ش: كُرِّرَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْفَرْعُ، فَقَالَ أَوَّلًا عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَمِنْهُ لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمَهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. الْفَرْعُ الثَّالِثُ لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمَهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَحْنَثُ انْتَهَى. وَقَالَ ثَانِيًا عِنْد قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمَهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ. الْفَرْعُ الثَّالِثُ لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمْ: يَحْنَثُ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَصَمَّ أَوْ سَمِيعًا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْنَثُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ: قَالَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا فَأَشَارَ

إلَيْهِ بِالسَّلَامِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ: مَا أَرَى الْإِشَارَةَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ حِنْثًا إنْ فَعَلَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّهُ حَانِثٌ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] فَجَعَلَ الرَّمْزَ كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ قَاطِعَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْفَصِلًا غَيْرُ مُتَّصِلٍ مُقَدَّرٌ بِلَكِنْ، وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لِأَصْبَغَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ النَّاسِ فِيمَا يَعْرِفُونَ إنَّمَا هُوَ الْإِفْهَامُ بِالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ، فَعَمَلُ يَمِينِ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ إنْ عَرِيَتْ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ يَدُلُّ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حَقِيقَةَ الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا} [المجادلة: 8] الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ} [الملك: 13] الْآيَةَ، فَإِذَا أَفْهَمَ الرَّجُلُ مَا فِي نَفْسِهِ بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ فَقَدْ كَلَّمَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ أَفْهَمَهُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ كَلَامِهِ بِذَاتِهِ دُونَ وَاسِطَةٍ مِنْ رَسُولٍ أَوْ كِتَابٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيمَ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى مَا سِوَى الْإِفْهَامِ بِاللِّسَانِ فَقَدْ تُعُرِّفَ بِالنُّطْقِ بِالْإِفْهَامِ بِاللِّسَانِ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَحْنَثَ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ تَكْلِيمِ الرَّجُلِ بِمَا سِوَاهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ، انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي تَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ مَعَ قُوَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فَقَرَأَ بِقَلْبِهِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا فَنَفَخَ فِي وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِكَلَامٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ عَنْهُ فِي الْكَبِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالنَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلَا بِسَلَامٍ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زَيْدًا فَأَمَّ قَوْمًا فِيهِمْ زَيْدٌ فَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَوْ صَلَّى خَلْفَ زَيْدٍ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ حِينَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا كَلَامًا، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إنْ كَانَ إنَّمَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، فَلَا يَحْنَثُ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَلَّمَ اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَحْنَثُ، وَقَالَ أَيْضًا: إنْ كَانَ الْإِمَامُ الْحَالِفُ فَسَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ حَنِثَ، وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ لَا يَحْنَثُ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ عَلَى يَسَارِ الْإِمَامِ وَأَسْمَعَهُ؛ لِأَنَّ ثَانِيَةَ الْإِمَامِ يُشِيرُ بِهَا إلَى الْيَسَارِ فَلَمْ يُحَنِّثْهُ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْخُرُوجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَحَنَّثَهُ بِالثَّانِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ وَلَمْ يُحَنِّثْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ الْمَقَاصِدِ، انْتَهَى. ص (وَبِسَلَامِهِ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ) ش قَالَ فِي الشَّامِلِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ كَلَّمَ رَجُلًا غَيْرَهُ يَظُنُّهُ هُوَ يَعْنِي الْحَالِفَ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَصَدَهُ كَأَنْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَهُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَلَّمَ مَنْ عَرَفَ. ص (أَوْ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ أَيْ بِقَلْبِهِ

أَوْ بِلِسَانِهِ إذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَإِذَا حَدَثَتْ لَهُ الْمُحَاشَاةُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ لَمْ تَنْفَعْهُ إلَّا أَنْ يَلْفِظَ بِهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَلَوْ أَدْخَلَهُ أَوَّلًا بِقَلْبِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ إخْرَاجُهُ بِلَفْظِهِ، وَيَقُومُ مِنْهَا جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ نَصْرَانِيٌّ إذَا حَاشَاهُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِعَدَمِ عِلْمِهِ فِي لَأَعْلَمَنَّهُ إلَخْ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلَفَ لِرَجُلٍ إنْ عَلِمَ بِكَذَا لَيُعْلِمَنَّهُ أَوْ لَيُخْبِرَنَّهُ فَعَلِمَاهُ جَمِيعًا لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يُعْلِمَهُ أَوْ يُخْبِرَهُ، وَإِنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ أَوَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا بَرَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِعِلْمِهِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِعِلْمِهِ، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُرَاعَاتِ الْأَلْفَاظِ، انْتَهَى. وَأَبْقَاهَا أَبُو عُمْرَانِ عَلَى إطْلَاقِهَا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّهُ فَلَا يَبَرُّ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ، بِخِلَافِ لَيُعْلِمَنَّهُ وَلَيُخْبِرَنَّهُ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ص (وَبِمَرْهُونٍ فِي لَا ثَوْبَ لِي) ش: اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَتْ الْأَجْوِبَةُ فِيهَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَتَحْصِيلُهَا أَنْ نَقُولَ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ لَا تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّوْبَيْنِ فَضْلٌ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الثَّوْبَيْنِ فَضْلٌ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْوِي وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى نِيَّةٍ أَمْ لَا؟ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ فِيمَا يَنْوِي فِيهِ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ عَلَى أَصْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَحْلِفُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعَارِيَّةِ وَذَلِكَ نِيَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى افْتِكَاكِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ قَادِرًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْفِكَاكِ لِعُسْرِهِ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْجِيلِهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ كَالطَّعَامِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ مِنْ بِيَعٍ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَنْوِي وَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْفِكَاكِ بِتَعْجِيلِ الدَّيْنِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ فَهَلْ يَنْوِي أَوْ يَحْنَثُ؟ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَنْوِي، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الثَّانِي يَحْنَثُ وَلَا يَنْوِي، وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَرَّجٌ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ كَانَ فِي الثَّوْبَيْنِ فَضْلٌ، وَمَا رَأَيْتَ فِيهَا نَصًّا إلَّا أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: يَحْنَثُ، وَأَظُنُّ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، هَذَا نَصُّ قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَاَلَّذِي يَتَخَرَّجُ مِنْ الْكِتَابِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَحْنَثُ كَانَ فِي الثَّوْبَيْنِ فَضْلٌ أَمْ لَا، وَهَذَا نَقْلُ أَبِي سَعِيدٍ فِي التَّهْذِيبِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ كَانَ فِي الثَّوْبَيْنِ فَضْلٌ أَمْ لَا، وَهِيَ رِوَايَةُ الدَّبَّاغِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي قَالَ: لَا أَرَاهُ حَانِثًا. وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا فَضْلٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، انْتَهَى. وَلَفْظُ تَهْذِيبِ أَبِي سَعِيدٍ: وَإِنْ اُسْتُعِيرَ ثَوْبٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا يَمْلِكُ إلَّا ثَوْبًا وَلَهُ ثَوْبَانِ مَرْهُونَانِ، فَإِنْ كَانَا كَفَافَ دَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَتْ

تِلْكَ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَمْ لَا، انْتَهَى ص (وَبِبَقَائِهِ وَلَوْ لَيْلًا فِي لَا سَكَنْتُ) ش أَيْ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَزِيدَ عَلَيْهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ لِنَقْلِ حَوَائِجِهِ لِكَثْرَتِهَا يَحْنَثُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ التُّونُسِيُّ، وَانْظُرْ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فَابْتَدَأَ بِالنَّقْلَةِ فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يَنْقُلُ قُمَاشَهُ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى نَقْلُهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْيَمِينِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا تَقَدَّمَ قُلْت مِثْلُهُ قَوْلُهَا ذَلِكَ فِي أَخْذِ طَعَامٍ مِنْ مَدِينٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ أَخَذَ فِي النَّقْلَةِ فَأَقَامَ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لِكَثْرَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ التُّونُسِيِّ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ مَطَامِيرُ، وَقَدْ أَكْرَى الدَّارَ فَهَلْ يَنْقُلُ مَا فِي الْمَطَامِيرِ، وَيَنْبَغِي إذَا كَانَتْ الْمَطَامِيرُ لَا تَدْخُلُ فِي الْكِرَاءِ إلَّا بِاشْتِرَاطٍ فَإِنَّ النَّاسَ يُكْرُونَ الْمَطَامِيرَ وَحْدَهَا لِخَزْنِ الطَّعَامِ، إلَّا أَنْ لَا تَدْخُلَ فِي الْيَمِينِ، وَإِنَّ لَهُ تَرْكَهَا إذَا كَانَ قَدْ أَكْرَى الْمَطَامِيرَ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ سَكَنَ، أَوْ سَكَنَ ثُمَّ أَكْرَى الْمَطَامِيرَ، إلَّا أَنْ لَا يَثِقَ بِالْمَطَامِيرِ أَنْ تَبْقَى إلَّا بِمَكَانِ سُكْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْقُلَهَا مَعَ قَشِّهِ اهـ. (قُلْت) وَشِبْهُ الْمَطَامِيرِ الصَّهَارِيجُ عِنْدَنَا بِالْحِجَازِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَكْرَى فِي عِبَارَةِ التُّونُسِيّ بِمَعْنَى اكْتَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا خَرَجَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى سُكْنَى مَا حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَأَنْتَقِلَنَّ قَالَهُ التُّونُسِيُّ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيّ لَوْ حَلَفَ لَيَسْكُنَنَّهَا بَرَّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ بِأَكْثَرَ، وَعَلَى رَعْيِ الْقَصْدِ لَا يَبَرُّ إلَّا بِطُولِ مُقَامٍ يَرَى أَنَّهُ قَصَدَهُ (قُلْت) يَلْزَمُهُ عَلَى إجْرَائِهِ الْبِرَّ عَلَى مَا بِهِ الْحِنْثُ بِرُّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِسَاعَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ مَا يُوجِبُ الْحِنْثَ قَدْ لَا يُوجِبُ الْبِرَّ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَسْكُنَنَّهَا قِيلَ لَمْ يَبَرَّ إلَّا أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَعِيَالِهِ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يَبَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ بِمَتَاعِهِ انْتَهَى. ص (وَلَا بِخَزْنٍ) ش: لِأَنَّ الْخَزْنَ لَا يُعَدُّ سُكْنَى إذَا انْفَرَدَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَانْتَقَلَ فِي لَا أُسَاكِنُهُ عَمَّا كَانَا) ش قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

فروع حلف لا ساكنه وهما في دار

لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: لَا سَاكَنْتُكَ، أَوْ لَا سَكَنْت مَعَكَ، أَوْ لَا جَاوَرْتُكَ، وَظَاهِرُ الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ لَفْظَ الْمُجَاوَرَةِ أَشَدُّ فِي طَالِبِ التَّبَاعُدِ عَلَى مَا فَهِمْت، وَهُوَ أَبْيَنُ، انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: انْتَقَلَ الِانْتِقَالُ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا حِينَ الْيَمِينِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَا حِينَ الْيَمِينِ فِي حَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رَبَضٍ وَاحِدٍ انْتَقَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ تِلْكَ الْحَارَةِ إلَى حَارَةٍ أُخْرَى وَإِلَى رَبَضٍ آخَرَ حَيْثُ لَا يَجْتَمِعَانِ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا حِينَ الْيَمِينِ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ انْتَقَلَ عَنْهَا إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي قَرْيَةٍ بَعُدَ عَنْهُ إلَى حَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي مَسْقًى وَلَا مَحْطَبٍ وَلَا مَسْرَحٍ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُجَاوِرَهُ أَوْ لَيَنْتَقِلَنَّ عَنْهُ فَلْيَنْتَقِلْ حَيْثُ يَنْقَطِعُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ خُلْطَةِ الْعِيَالِ وَالصِّبْيَانِ حَتَّى لَا يَنَالَ بَعْضُهُمْ بَعْضَهُمْ فِي الْعَارِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ إلَّا بِالْكُلْفَةِ وَالتَّعَبِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا: فَإِنْ انْتَقَلَ أَحَدُهُمَا إلَى الْعُلُوِّ وَبَقِيَ الْآخَرُ فِي السُّفْلِ أَجْزَأَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكْفِي إذَا كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَجْلِ الْمَاعُونِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ عَدَاوَةٍ حَصَلَتْ بَيْنَهُمَا فَلَا يَكْفِي، وَمِثْلُ انْتِقَالِ أَحَدِهِمَا إلَى الْعُلُوِّ انْتِقَالُهُمَا إلَى دَارٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ وَحُجَرٌ سَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُورَةً، وَإِنْ كَانَا حِينَ الْيَمِينِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي عُلُوٍّ وَالْآخَرُ فِي سُفْلٍ، أَوْ كَانَا فِي دَارٍ ذَاتِ مَقَاصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَةٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَا فَيَسْكُنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ مُخْتَصٍّ بِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ حَلَفَ لَا سَاكَنَهُ وَهُمَا فِي دَارٍ] (فُرُوعٌ) (الْأَوَّلُ) إذَا حَلَفَ لَا سَاكَنَهُ وَهُمَا فِي دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ إذَا سَاكَنَهُ فِي بَلَدٍ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى ذَلِكَ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) فَقَالَ الْبِسَاطِيُّ الِانْتِقَالُ هُنَا يَصْدُقُ بِانْتِقَالِهِمَا مَعًا أَوْ بِانْتِقَالِ أَحَدِهِمَا، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا كَانَا لَكِنَّهُ يَصْدُقُ بِانْتِقَالِ أَحَدِهِمَا إلَى مَوْضِعِ الْآخَرِ مَعَ بَقَاءِ الْحِنْثِ اهـ. بِالْمَعْنَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ لِمَنْ اعْتَنَى بِكَلَامِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ أَنَّهُ يَصْدُقُ بِانْتِقَالِهِمَا مَعًا أَوْ بِانْتِقَالِ أَحَدِهِمَا هُوَ عَامٌّ حَتَّى فِي الْقَرْيَتَيْنِ وَالْحَارَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْنَثُ فِي لَا سَاكَنَهُ بِسَفَرِهِ مَعَهُ وَيَنْوِي ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ لِمُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّنَحِّيَ عَنْهُ. [آذَاهُ جَارُهُ فَحَلَفَ لَا سَاكَنْتُكَ أَوْ قَالَ جَاوَرْتُكَ فِي هَذِهِ الدَّارِ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ آذَاهُ جَارُهُ فَحَلَفَ لَا سَاكَنْتُكَ أَوْ قَالَ جَاوَرْتُكَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَأَمَّا إنْ كَرِهَ مُجَاوَرَتَهُ أَبَدًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: لَا سَاكَنْتُكَ بِمِصْرَ فَسَاكَنَهُ بِغَيْرِهَا مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ، انْتَهَى. ص (لَا لِدُخُولِ عِيَالٍ) ش: يُشِيرُ لِقَوْلِهِ: فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَتْ لِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ وَالصِّبْيَانِ فَهُوَ أَخَفُّ ابْنُ يُونُسَ أَيْ لَا يَحْنَثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَارًا أَوْ بَيَّتَ بِلَا مَرَضٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ إنْ أَطَالَ التَّزَاوُرَ، فَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْنَثُ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الطُّولِ فَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُكْثِرَ الزِّيَارَةَ نَهَارًا وَيَبِيتَ بِغَيْرِ مَرَضٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ عَلَى غَيْرِ مَرَضٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَمِثْلُهُ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. (فَرْعٌ) الْحَالِفُ لَا يَأْوِي إلَى فُلَانٍ فَأَلْجَأَهُ مَطَرٌ أَوْ خَوْفٌ وَجَنَّهُ اللَّيْلُ فَأَوَى إلَيْهِ لَيْلَةً أَوْ بَعْضَ لَيْلَةٍ فَقَدْ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى السُّكْنَى اهـ. مِنْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

فرع سكن منزلا لامرأته فمنت عليه فحلف بالطلاق لينتقلن

ص (كَأَنْتَقِلَنَّ) ش: الظَّاهِرُ يُرِيدُ كَأَنْتَقِلَنَّ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ: لَا فِي لَأَنْتَقِلَنَّ وَيُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ نِصْفُ شَهْرٍ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكْمِلَ الشَّهْرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَسْأَلَةِ لَأَنْتَقِلَنَّ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ رَجَعَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ لَمْ يَحْنَثْ، وَالشَّهْرُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ فُلَانًا مِنْ دَارِهِ فَأَخْرَجَهُ فَلَهُ رَدُّهُ بَعْدَ شَهْرٍ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَصَدَ بِالِانْتِقَالِ تَرْهِيبَ جَارِهِ، وَأَمَّا إنْ كَرِهَ جِوَارَهُ فَلَا يُسَاكِنُهُ أَبَدًا قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ لَأَنْتَقِلَنَّ مِنْ بَلَدٍ أَوْ مِنْ حَارَةٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَلَدِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَالْحَالِفُ لَأَنْتَقِلَنَّ إنْ لَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، وَلَا يَحْنَثُ إنْ أَخَّرَ الِانْتِقَالَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ، وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَهُوَ فِيهِ عَلَى بِرٍّ، انْتَهَى. [فَرْعٌ سَكَنَ مَنْزِلًا لِامْرَأَتِهِ فَمَنَّتْ عَلَيْهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَنْتَقِلَنَّ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ سَكَنَ مَنْزِلًا لِامْرَأَتِهِ فَمَنَّتْ عَلَيْهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَنْتَقِلَنَّ وَلَمْ يُؤَجِّلْ فَأَقَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَطْلُبُ مَنْزِلًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَرْجُو أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قِيلَ: إنْ أَقَامَ شَهْرًا. قَالَ: إنْ تَوَانَى فِي الطَّلَبِ خِفْت أَنْ يَحْنَثَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَيْسَ هَذَا خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْوَاضِحَةِ لِمَا فِي هَذَا مِنْ بِسَاطِ الْمِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَانَى شَهْرًا قَوِيَتْ مِنَّتُهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَطْلُبُ فِيهَا مَنْزِلًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ لَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَّةٌ أَلْبَتَّةَ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ بِبَقَاءِ رَحْلِهِ لَا بِكَمِسْمَارٍ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ، وَقَوْلُهُ: كَمِسْمَارٍ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ لَا يُحْنَثُ بِهِ كَالْمِسْمَارِ وَالْوَتَدِ لِلنَّزَارَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِمَتَاعِهِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَوْ غَيْرِهِ فَتَرَكَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَنَزَلَتْ فَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِذَلِكَ إذَا أُمِنَ مِنْ التَّوْلِيجِ وَلَمْ يَطْمَعْ بِمُكَافَأَةِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ طَمَعَ فِي ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَبْقَاهُ صَدَقَةً عَلَى رَبِّ الدَّارِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ. (قُلْت) إنْ قَبِلَهُ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إنْ تَأَخَّرَ عَنْ قَدْرِ مَا يُحْنَثُ بِهِ جَرَى حِنْثُهُ عَلَى الْمُتَرَقَّبِ هَلْ يُعَدُّ حَاصِلًا يَوْمَ حُصُولِهِ أَوْ يَوْمَ حُصُولِ سَبَبِهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَدْخَلَ رِجْلًا وَاحِدَةً فَقَالَ مَالِكٌ يَحْنَثُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَضَعَهَا مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْعَتَبَةِ يَمْنَعُ الْغَلْقَ حَنِثَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ أَقَلَّ الْخَارِجَةَ لِيَدْخُلَ فَتَذَكَّرَ فَأَخْرَجَهَا حَنِثَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ وَصَدْرَهُ قَائِمًا لَمْ يَحْنَثْ وَمُضْطَجِعًا حَنِثَ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي النَّوَادِرِ نَقَلَهَا عَنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ أَوْ عَيْبِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ فَقَضَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ صَاحِبُ الْحَقِّ دِرْهَمًا نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ نَاقِصًا بَيِّنًا أَوْ زَائِفًا لَا يَجُوزُ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ حَانِثٌ، انْتَهَى. . قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا إشْكَالَ فِي الْحِنْثِ إذَا كَانَ الدَّافِعُ عَالِمًا بِذَلِكَ حِينَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَحْنَثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُشْكِلٌ

فرع حلف ليقضين فلانا حقه في الأجل الفلاني فأعطاه رهنا

لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يُمَاطِلَ، وَقَدْ فَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْحِنْثُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلِدَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ هُوَ صَرِيحًا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ ظَاهِرُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ فِيهَا فِي عَبْدٍ مَمْلُوكٍ حَلَفَ لِغَرِيمٍ لَهُ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعَةٌ خَافَ الْحِنْثَ فَعَمَدَ إلَى غَرِيمٍ لِسَيِّدِهِ فَتَقَاضَى مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَقَضَى غَرِيمَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ سَيِّدُهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ مَا قَضَاهُ الْغُلَامُ قَالَ مَالِكٌ أَرَاهُ حَانِثًا. وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَهَا فَقَضَاهُ إيَّاهَا حَانِثًا قِيلَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَجَازَ السَّيِّدُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ. قَالَ: مَا أَرَى مِنْ أَمْرٍ بَيِّنٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَاهُ فِي هَذَا حَانِثًا حِينَ لَمْ يُجْزِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَعْطَاهُ عَبْدُهُ مِنْ مَالِهِ أَخَذَهُ، فَإِنَّمَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْأَجَلِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ عَلِمَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَأَجَازَ بَرَّ الْعَبْدُ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْ وَأَخَذَ حَقَّهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ غَرِيمَهُ ثَانِيَةً قَبْلَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْعَبْدَ حَانِثٌ أَجَازَ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يُجِزْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْتَحِقُّ مَا اسْتَحَقَّ أَوْ لَا يَأْخُذُهُ، وَظَاهِرُ مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ. وَالثَّانِي لِابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ إنْ أَجَازَ السَّيِّدُ وَإِلَّا حَنِثَ. وَالثَّالِثُ لَا حِنْثَ عَلَى الْعَبْدِ أَجَازَ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يُجِزْ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَا مَضَى إلَّا وَقَدْ اقْتَضَى الْغَرِيمُ حَقَّهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ تَلِفَ كَانَتْ مُصِيبَتُهُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَدْخُلُ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ، انْتَهَى. وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِنِسْبَةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلْمُدَوَّنَةِ قَالَ: إنْ كَانَ عَالِمًا حَنِثَ وَيُخْتَلَفُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَحْنَثُ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَأْخُذْهَا الْمُسْتَحِقُّ، فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَحْنَثُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْحِنْثِ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَيَانِ ثَالِثًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ كَلَامِ الْبَيَانِ الْمُشَارُ إلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قِيلَ: وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا اسْتَحَقَّ الْعَيْنَ بَعْدَ الْأَجَلِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ أَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ بِقِيلَ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الدِّينَارِ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْغَرِيمِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَرَقَهُ الْعَبْدُ أَوْ اقْتَضَاهُ مِنْ غَرِيمِ سَيِّدِهِ فَقَضَاهُ إيَّاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَلَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ سَبِيلٌ إلَى غَرِيمِ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ عَلَى عَبْدِهِ بِالدَّنَانِيرِ إنْ كَانَ وَكِيلًا لَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ أَوْ عَلَى غَرِيمٍ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُتَعَدِّيًا فِي الِاقْتِضَاءِ وَيَبَرُّ الْعَبْدُ فِي يَمِينِهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ حَلَفَ ليقضين فُلَانًا حَقَّهُ فِي الْأَجَلِ الْفُلَانِيِّ فَأَعْطَاهُ رَهْنًا] (فَرْعٌ) مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ فِي الْأَجَلِ الْفُلَانِيِّ فَأَعْطَاهُ رَهْنًا لَمْ يَبَرَّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَبَرُّ بِذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ لَا يَرَى الْبِرَّ إلَّا بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَعْزُ أَحَدُهُمَا لِلْمُدَوَّنَةِ، وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنَّهُ أَوْصَلَ لِغَرِيمِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَنَوَى أَنَّهُ أَعْطَى لِشَرِيكِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرِ وَأَعْطَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ رَهْنًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّيَّةَ تَنْفَعُهُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ إعْطَاءَ الرَّهْنِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ قَضَاءِ الْحَقِّ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَسْأَلَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّلْ عَدَمَ الْحِنْثِ بِأَنَّ إعْطَاءَ الرَّهْنِ

مُخَالِفٌ لِقَضَاءِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ لَا يَرَى الْبِرَّ إلَّا بِأَتَمِّ الْوُجُوهِ، بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ إعْطَاءَ الرَّهْنِ هُوَ مِنْ إعْطَاءِ الْحَقِّ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَتَمِّ الْوُجُوهِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَالَ: نَوَيْتُهُ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى أَنِّي لَا أَجْزِمُ بِقَبُولِ النِّيَّةِ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الْبَحْثِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَفْتَحُ فِيهَا بِنَصٍّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. ص (إنْ لَمْ تَفِ) ش: أَيْ إنْ لَمْ تَفِ قِيمَةُ السِّلْعَةِ بِالدَّيْنِ، فَإِنْ وَفَتْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ مَلَكَ السِّلْعَةَ بِالْفَوَاتِ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهَا، وَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لِدَيْنِهِ فَهِيَ قَضَاءٌ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسَاوِيَةً حَنِثَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْضِهِ. ص (كَأَنْ لَمْ تَفُتْ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش: يَعْنِي إذَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يَحْنَثُ. ص (وَبِهِبَتِهِ لَهُ) ش: يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ دَيْنَهُ فَوَهَبَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ لِلْحَالِفِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِعَدَمِ حُصُولِ الْقَضَاءِ اللَّخْمِيُّ هَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَأَمَّا عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَقَاصِدِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا تَكُونَ نِيَّتُهُ لَدَدًا وَعَلَى الْحِنْثِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِنَفْسِ قَبُولِ الْهِبَةِ. وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ أَوْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ الدَّيْنَ، وَلَوْ قَضَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ، انْتَهَى. ص (أَوْ دَفَعَ قَرِيبٌ عَنْهُ وَإِنْ مِنْ مَالِهِ) ش: اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَرَسْمَ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَاَلَّذِي بَعْدَهُ مِنْ النُّذُورِ، وَرَسْمَ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. ص (وَبِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ فِي لَأَقْضِيَنَّكَ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ هُوَ)

ش: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَأَقْضِيَنَّكَ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدًا، الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَهُ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَقْضِيَنَّ رَجُلًا حَقَّهُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَهُوَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمِيَاهِ فَأَفْطَرُوا يَوْمَ السَّبْتِ وَقَضَاهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ جَاءَ السَّبْتُ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ أَنَّ الْفِطْرَ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ هُوَ حَانِثٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ فِي أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فَفَعَلَهُ مُخْطِئًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تُحْمَلُ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخُصَّ بُنَيَّتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَتَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَنْتَفِعُ بِجَهْلِهِ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ يَوْمَ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ تُخْرِجُهُ مِنْ الْحِنْثِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ لَيَقْضِيَنَّ الرَّجُلَ حَقَّهُ يَوْمَ كَذَا فَيَمُرُّ ذَلِكَ الْيَوْمُ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ، انْتَهَى. ص (وَبَرَّ إنْ غَابَ بِقَضَاءِ وَكِيلٍ تَقَاضَ أَوْ مُفَوَّضٍ) ش: قَالَ فِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ لَهُ حَاضِرًا فَالسُّلْطَانُ يُحْضِرُهُ وَيُجْبِرُهُ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ كَعَارِيَّةٍ غَابَ عَلَيْهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَبْرَأُ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. ص (كَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُمْ) ش: يَعْنِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلٌ لَهُ وَلَا سُلْطَانٌ أَوْ لَهُ سُلْطَانٌ وَهُوَ جَائِرٌ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَقِّ وَيُشْهِدَ عَلَى وَزْنِهِ وَعَدَدِهِ، وَلَوْ رَجَعَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى دَارِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى إحْضَارِهِ الْحَقَّ فِي الْأَجَلِ، ثُمَّ جَاءَ الطَّالِبُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَمَطَلَهُ

فرع حلف ليدخلن هذه الدار فقام على ظهر بيت منها

لَمْ يَحْنَثْ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) لَوْ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْقَفَهُ عَلَى يَدَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ وَلَا سُلْطَانٌ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. ص (أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ شَعْبَانَ) ش كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتَ بِجَرِّ اسْتِهْلَالٍ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ لِاسْتِهْلَالِ رَمَضَانَ يَحْنَثُ بِخُرُوجِ شَعْبَانَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ فَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِهِ، فَإِذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ وَاسْتَهَلَّ الشَّهْرُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ إلَى فَهُوَ يَحْنَثُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرٍ هُوَ فِيهِ كَقَوْلِهِ: إلَى الْهِلَالِ أَوْ إلَى مَجِيئِهِ أَوْ إلَى رُؤْيَتِهِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَى وَذَكَرَ اللَّامَ أَوْ عِنْدَ أَوْ إذَا فَلَهُ لَيْلَةُ يُهِلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمُهَا كَقَوْلِهِ: لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِدُخُولِهِ لِاسْتِهْلَالِهِ أَوْ عِنْدَ اسْتِهْلَالِهِ أَوْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ إذَا دَخَلَ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ: إلَى انْسِلَاخِ الشَّهْرِ أَوْ لِانْسِلَاخِهِ أَوْ فِي انْسِلَاخِهِ فَيَحْنَثُ بِالْغُرُوبِ، وَإِذَا قَالَ: عِنْدَ انْسِلَاخِهِ أَوْ إذَا انْسَلَخَ فَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقَوْلُهُ: فِي انْقِضَائِهِ كَقَوْلِهِ: فِي انْسِلَاخِهِ سَوَاءٌ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّ الِانْسِلَاخَ وَالِاسْتِهْلَالَ وَإِلَى رُؤْيَتِهِ وَإِلَى رَمَضَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ وَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، انْتَهَى. ص (وَبِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَاءٍ أَوْ عِمَامَةٍ فِي لَا أَلْبِسُهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَعَهُ قَبَاءً أَوْ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ جُبَّةً أَوْ قُلَنْسِيَةً فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَرِهَ الْأَوَّلَ لِضِيقِهِ أَوْ لِسُوءِ عَمَلِهِ فَحَوَّلَهُ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ لَفَّ بِهِ رَأْسَهُ أَوْ جَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ حَنِثَ، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ عَلَى فَرْجِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَأْتَزِرَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ كَرِهَ إلَخْ قَالَ أَبُو عُمَرَ إنَّ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ حِينَ حَلَفَ يُلْبَسُ عَلَى وَجْهٍ مَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يُلْبَسُ عَلَى وَجْهٍ كَالشَّقَائِقِ فَيَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُلْبَسُ (الشَّيْخُ) مِثْلُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَأَكَلَ خُبْزَهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ ائْتَزَرَ بِهِ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا يَحْنَثُ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهٌ لَا يَحْنَثُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ إذَا جَعَلَهُ عَلَى نَاصِيَتِهِ. وَوَجْهٌ الِاخْتِلَافُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ عَلَى هَيْئَةِ لُبْسِهِ إذَا أَخَذَ عِمَامَةً فَأَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ أَوْ رِدَاءً فَالْتَحَفَ بِهِ. وَوَجْهٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ كَالْقَمِيصِ يَأْتَزِرُ بِهِ وَشِبْهِهِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَعْلَمْ إنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ وَالْمُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ اللُّبْسُ، انْتَهَى. وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ فَصَنِيعُهُ أَحْسَنُ مِنْ صَنِيعِ صَاحِبِ الشَّامِلِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يُوهِمُ اعْتِبَارَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَحَمَلَ فِيهِ زَرْعًا عَلَى أَكْتَافِهِ أَوْ حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِ وَلَدَهَا قَالَ: لَا يَحْنَثُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ زَانِيفٍ يَحْنَثُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْنَثُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِالْغَيْرِ نَفْسِهِ. [فَرْعٌ حَلَفَ ليدخلن هَذِهِ الدَّارَ فَقَامَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْهَا] ص (وَبِقِيَامٍ عَلَى ظَهْرِهِ وَبِمُكْتَرَى فِي لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ) ش: أَيْ فِي قَوْلِهِ: لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ بَيْتًا، وَلَا أَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ بَيْتًا سَكَنَهُ فُلَانٌ بِكِرَاءٍ أَوْ قَامَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْهَا حَنِثَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: نَحْنُ نَقُولُ لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدَّارَ فَقَامَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَبَرُّ، انْتَهَى. ص (وَبِأَكْلٍ مِنْ وَلَدٍ دَفَعَ لَهُ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِشَيْءٍ فَأَكَلَ وَلَدُهُ

فرع حلف لا أكلم فلانا أياما فهل يلغى اليوم الذي حلف فيه

مِنْهُ فَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِتَكْفِينِهِ فِي لَا أَنْفَعُهُ حَيَاتَهُ أَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: إنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ خَرَجَ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَى الْأَبِ الْحَالِفِ بِمَا أَخَذَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَأَمَّا الصِّغَارُ، فَإِنْ كَانَ مَا أَخَذُوهُ يَسِيرًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْأَبُ فِي عَوْنِ وَلَدِهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَيْئًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْأَبُ فِي عَوْنِ وَلَدِهِ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكْسُوهُ إيَّاهُ أَوْ يُطْعِمُهُ طَعَامًا يُغْنِيهِ ذَلِكَ عَنْ مُؤْنَتِهِ فَقَدْ حَنِثَ وَأَقَرَّهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَيَّامًا فَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمُ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ] ص (وَبِالْكَلَامِ أَبَدًا فِي لَا أُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) مَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَيَّامًا فَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمُ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ؟ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ فِيهِ خِلَافًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِلْغَاءِ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ صَلَاةِ السَّفَرِ أَنَّ الْإِلْغَاءَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ نَظَائِرِ الرِّسَالَةِ، وَانْظُرْ رَسْمَ الْبِرِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. [تَنْبِيهٌ حَلَفَ فِي دَرَاهِمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ أَخَذَتْهَا فَثَبَتَ أَنَّ أَخَذَهَا غَيْرُهَا] ص (وَبِاذْهَبِي الْآنَ

إثْرَ لَا كَلَّمْتُكَ) ش: اُنْظُرْ رَسْمَ الْعُرْيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. ص (وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا فَلَمْ يَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فِي أَخْذَتَيْهِ) اُنْظُرْ رَسْمَ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِلرَّمَّاحِ إذَا حَلَفَ فِي دَرَاهِمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ أَخَذَتْهَا فَثَبَتَ أَنَّ أَخَذَهَا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَهَا لَمْ يَأْخُذْهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ إنْ مَرَّتْ فَمَا أَخَذَهَا إلَّا هِيَ التُّونُسِيُّ هَذَا عَلَى الْمَعْنَى وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَأَمَّا الْأَوْلَى فَمِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ الَّذِي لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَلْغَازِ ابْنِ فَرْحُونٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِوُجُودِ أَكْثَرَ فِي لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ. ص (وَبِتَرْكِهَا عَالِمًا فِي لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ: تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا، وَإِذَا حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَيْثُ شَاءَتْ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا، وَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْتِ فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَيْثُ شَاءَتْ وَكُلَّمَا شَاءَتْ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَذَهَبَتْ إلَى غَيْرِهِ حَنِثَ، فَإِنْ ذَهَبَتْ إلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَتْ مِنْهُ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي نَوَازِلِهِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ فَإِنْ رَجَعَتْ تَارِكَةً لِلْخُرُوجِ ثُمَّ خَرَجَتْ ثَانِيَةً مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ حَنِثَ، وَإِنْ رَجَعَتْ مِنْ الطَّرِيقِ

لِشَيْءٍ نَسِيَتْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ ثَوْبٍ تَتَجَمَّلُ بِهِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ ثَانِيَةً عَلَى الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَقِيلَ: يَحْنَثُ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ نَافِعٍ وَلَهُ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ قَالَ: إلَى مَوَاضِعَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَأَذِنَ لَهَا إلَى مَوْضِعٍ فَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِهِ أَوْ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ حَنِثَ، وَإِنْ رَجَعَتْ مِنْ الطَّرِيقِ غَيْرَ تَارِكَةٍ لِلْإِذْنِ، ثُمَّ خَرَجَتْ عَلَيْهِ ثَانِيًا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْتِ فَقِيلَ لَا يُجْزِئُهَا الْإِذْنُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَسْتَأْذِنَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَتُعْلِمَهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَخْرُجُ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ هَاهُنَا وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَقِيلَ: يُجْزِئُهَا الْإِذْنُ وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَمَّ فِي الْإِذْنِ لَهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ بَعْدَ مَا أَذِنَ لَهَا، فَقَالَ لَا تَخْرُجِي فَخَرَجَتْ عَلَى الْإِذْنِ الْأَوَّلِ حَنِثَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَحْنَثُ، انْتَهَى. ص (لَا إنْ أَذِنَ لِأَمْرٍ فَزَادَتْ بِلَا عِلْمٍ) ش ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَا خَرَجَتْ إلَّا بِإِذْنِي وَأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ لِأَمْرٍ فَزَادَتْ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ قَوْلِيِّ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَحَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْذَنَ لَهَا إلَّا فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ فِي الْعِيَادَةِ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ مَضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ، وَحَمْلُهَا عَلَى الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِعَوْدِهِ لَهَا بَعْدُ بِمِلْكٍ آخَرَ فِي لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لَهُ لَا دَارَ فُلَانٍ، وَلَا إنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى دَارٍ لِشَخْصٍ أَنَّهُ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَخَرَجَتْ الدَّارُ عَنْ مِلْكِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لِشَخْصٍ آخَرَ فَسَكَنَهَا الْحَالِفُ بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْأَوَّلِ وَدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِعَوْدِهِ لَهَا هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ وَاعْتَرَضَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ جِدًّا، فَإِنَّهُ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهِيَ لَهُ، ثُمَّ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ عَادَتْ لِمِلْكِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ ظَاهِرٍ فِي عَدَمِ قَصْدِ تَخَيُّلِهِ وَسَكَنَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ إنْ أَرَدْتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا إنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ قَالَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَانْظُرْ مَا مَعْنَاهُ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْ إنْ لَمْ يَأْمُرْ الْحَالِفُ بِتَخْرِيبِهَا

حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ عَلَى أَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا بَعْدَ مَا بُنِيَتْ، فَقَالَ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُدِمَتْ أَوْ خُرِبَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُهَا، وَإِنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْهَدْمِ وَالتَّخْرِيبِ، وَفِيهِ بُعْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهِمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْإِدْخَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ قَالَ لَهُنَّ: احْمِلُونِي وَأَدْخَلُونِي فَفَعَلَ فَهَذَا يَحْنَثُ لَا شَكَّ فِيهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَالْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَمِينُهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِهَا أَمْ لَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَظَاهِرُهُ كَانَتْ يَمِينُهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِهَا أَمْ لَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَمَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِ الدَّارِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ، وَإِنْ كَانَتْ كَرَاهِيَةً فِي الدَّارِ خَاصَّةً، فَلَا يَمُرُّ فِيهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَفْسِيرًا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ هَذَا الْبَيْتَ فَحُوِّلَ مَسْجِدًا، فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُدِمَتْ إلَخْ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَنْ تَرَكَ رُبْعَهُ لِلنَّاسِ يَمْشُونَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَبْسًا وَلَوْ طَالَ، وَهَذَا الْأَخْذُ نَقَلَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ وَعَرَفْتُ أَنَّهَا وَقَعَتْ بِالْمَهْدِيَّةِ مُنْذُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، وَأَفْتَى فِيهَا شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ بِمَا قُلْنَا فَأُوقِفَ عَلَى مَا كَانَ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ إنْ طَالَ مَشْيُ النَّاسِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حَبْسًا فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ فَأَفْتَى بِهِ. وَالثَّانِيَةُ أَخَذَ مِنْهَا بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ وَصَارَ طَرِيقًا وَدَخَلَهُ رَجُلٌ فَإِنَّهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَفِي لَا بَاعَ مِنْهُ أَوْ لَهُ بِالْوَكِيلِ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ) ش: هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا مِنْ قُيُودِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْحَالِفُ عَالِمًا بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، فَإِنْ عَلِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَمْ لَا، وَأَجْرَى أَبُو الْحَسَنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي قَوْلِهِ: وَبِهِ لِوَكِيلٍ هُنَا فَانْظُرْهُ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَشَارَ بِهِ لِمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ:، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَدَفَعَ فُلَانٌ ثَوْبًا لِرَجُلٍ فَأَعْطَاهُ الرَّجُلُ لِلْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ مِثْلُ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ هُوَ مِنْ سَبَبِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ وَمَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ هُوَ فِي نَاحِيَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ أَمْرَهُ أَبٌ أَوْ أَخٌ مِمَّنْ يَلِي أَمْرَهُ، وَأَمَّا الصَّدِيقُ وَالْجَارُ وَالْجُلَسَاءُ فَلَا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَانْظُرْ لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، ثُمَّ وَلَّى الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْمَبِيعِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَهُ الْمُوَلَّى عَلَى الْبَائِعِ، هَلْ يَحْنَثُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ يَطْلُبُهُ بِعُهْدَةِ الِاسْتِحْقَاقِ أَمْ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَطْلُبْ بِثَمَنِهِ إلَّا الْمُوَلَّى اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ. وَشَبَهُهُ مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لِامْرَأَتِهِ شَيْئًا فَوَلَّاهَا مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَهِيَ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ النُّذُورِ وَرَسْمِ تَسَلَّفَ مِنْهُ . ص (وَإِنْ قَالَ حِينَ الْبَيْعِ: أَنَا حَلَفْتُ فَقَالَ: هُوَ لِي، ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ ابْتَاعَ لَهُ لَزِمَ الْبَيْعُ) ش: هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ لِفُلَانٍ بَعْدَ تَقَدُّمِ قَوْلِهِ: لِنَفْسِي اشْتَرَيْتُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِي بَعْدَ أَنْ قَالَ لِنَفْسِي اشْتَرَيْتُهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: يَقُومُ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ أَنَا أَبِيعُ مِنْكَ بِشَرْطِ أَنَّكَ إنْ اشْتَرَيْتَ لِفُلَانٍ، فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَثَبَتَ الشِّرَاءُ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَقَوْلُ التُّونُسِيِّ وَاللَّخْمِيِّ

يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ رُدَّ بِقَوْلِهَا: قَالَ ابْنُ نَاجِي قُلْتُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَكَانَ الْبَائِعُ صَدَقَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ، وَفِي مَسْأَلَتِهَا الْبَيْعُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالصَّوَابُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ، فَإِنَّ الْبَيْعَ مَاضٍ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، انْتَهَى. ص (وَأَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ فِي إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تُؤَخِّرْهُ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ حَانِثٌ، وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ لَوْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّكَ إلَى أَجَلِ كَذَا، فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلُ فَقَضَى وَرَثَتُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ، انْتَهَى. وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ. ص (لَا فِي دُخُولِ دَارٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يَقْضِيَهُ حَقَّهُ إلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ فَمَاتَ مُحَمَّدٌ لَمْ يَجْزِهِ إذْنُ وَرَثَتِهِ، إذْ لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَلَا يَدْخُلُ ثَانِيَةً إلَّا بِإِذْنٍ ثَانٍ، وَإِنْ مَاتَ فَقَدْ انْقَطَعَ الْإِذْنُ وَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ مُبْهَمًا إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ كُلَّمَا شِئْتَ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ حَتَّى نَهَاهُ قَالَ أَشْهَبُ فَقَدْ قِيلَ لَا يَدْخُلُ، فَإِنْ دَخَلَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ مَمْلُوكَتَهَا لِعَبْدِ امْرَأَةٍ فَعَلِمَتْ سَيِّدَتُهُ فَفَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا فَحَلَفَتْ سَيِّدَةُ الْجَارِيَةِ لَا زَوَّجَتْهَا إيَّاهُ ثَانِيَةً إلَّا بِرِضَا سَيِّدَتِهِ، وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهَا فَلَهَا أَنْ تُزَوِّجَهَا لِلْعَبْدِ بِإِذْنِ وَرَثَتِهَا الَّذِينَ مَلَكُوهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ وَرِثُوهُ فَهُمْ كَمَيِّتِهِمْ، انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَقَاصِدِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا تَحْنَثُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَأْخِيرُ وَصِيٍّ بِالنَّظَرِ وَلَا دَيْنَ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي الْمَشْهُورُ لَا يُجْزِئُ تَأْخِيرُ الْوَصِيِّ مَعَ الْغُرَمَاءِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ اللَّبِيدِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَصِيِّ الْغَرِيمَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ يَسِيرًا. الثَّانِي خَوْفَ الْجُحُودِ. الثَّالِثُ خَوْفَ الْمُخَاصَمَةِ. الرَّابِعُ أَنْ يَشُكَّ هَلْ هُوَ نَظَرَ أَمْ لَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إذَا أَخَّرَهُ التَّأْخِيرَ الْكَثِيرَ بَرِيءَ الْحَالِفُ مِنْ الْيَمِينِ وَالْوَصِيُّ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا تَأْخِيرَ الْوَصِيِّ وَقَيَّدَهُ فِي الْوَصَايَا بِالنَّظَرِ. ص (وَتَأْخِيرُ غَرِيمٍ إنْ أَحَاطَ وَأَبْرَأَ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَكَذَا فِي حَيَاتِهِ إذَا فَلَّسَ، وَقَيَّدَ أَبُو عِمْرَانَ قَوْلَهَا بِكَوْنِ الْحَقِّ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ، وَتَكُونُ حَوَالَةً وَيَقْضِي بِهَا يُرِيدُ وَإِلَّا جَاءَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَتَجَانَسْ الدَّيْنَانِ هَلْ يَكُونُ مِثْلَ تَأْخِيرِ الْوَصِيِّ لَا لِلنَّظَرِ أَوْ مِثْلَ الْقَضَاءِ الْفَاسِدِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا جَعَلَ الْوَرَثَةُ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْخِيَارِ بِأَيْدِي الْغُرَمَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّالِبَ إذَا أَحَالَ عَلَى غَرِيمٍ لَهُ فَأَخَّرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَبَرَّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الطَّالِبُ ذَلِكَ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إذَا أَحَالَ عَلَى غَرِيمٍ لَهُ يُرِيدُ وَكَانَ ذَلِكَ الْغَرِيمُ حَلَفَ لَهُ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ رَأْسَ الشَّهْرِ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَأَخَّرَهُ شَهْرًا، ثُمَّ قَالَ الْمَطْلُوبُ بَعْدَ حُلُولِ الشَّهْرِ الْآخِرِ مَا بَقِيَ عَلَيَّ يَمِينٌ، قَالَ مَالِكٌ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَنْظَرَهُ الطَّالِبُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ قَالَ مَالِكٌ عَسَى بِهِ أَنْ يُجْزِئَهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ هُوَ فِي سَعَةٍ اللَّخْمِيُّ هَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَنِي وَقَدْ أَخَّرَهُ، وَعَلَى مُرَاعَاةِ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ أَحْسَنُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ لَا يَلِدَّ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِتَأْخِيرِهِ فَقَدْ لَدَّ، انْتَهَى مِنْ اللَّخْمِيِّ. . ص (وَفِي بِرِّهِ فِي لَأَطَأَنَّهَا فَوَطِئَهَا حَائِضًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي لَيَطَأَنَّهَا لَا يَبَرُّ بِوَطْئِهَا حَائِضًا، وَلَا فِي رَمَضَانَ، وَيَحْنَثُ فِي لَا وَطِئَهَا بِأَحَدِهِمَا ابْنُ رُشْدٍ الصَّوَابُ نَقْلُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرَّهُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ لَمْ يُدْرَكْ مِنْ

سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فَانْظُرْهَا. ص (وَفِي لَتَأْكُلَنَّهَا فَخَطَفَتْهَا هِرَّةٌ فَشَقَّ جَوْفَهَا وَأَكَلَتْ أَوْ بَعْدَ فَسَادِهَا قَوْلَانِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَوَانَ فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ قَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: وَالْقَوْلُ بِالْبِرِّ حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْقَوْلُ بِالْحِنْثِ إنْ لَمْ يَتَوَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ قَالَ فِيهِ فِي رَجُلٍ تَغَذَّى مَعَ امْرَأَتِهِ لَحْمًا فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ لَحْمًا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَأْكُلَهُ فَأَخَذَ الزَّوْجُ بِضْعَةً، فَقَالَ لَهَا: كُلِي هَذِهِ فَرَدَّتْهَا، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَأْكُلِيهَا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَذَهَبَتْ بِهَا فَأَكَلَتْهَا فَأَخَذْتِ الْهِرَّةَ فَذَبَحَتْهَا فَأَخْرَجْتُ الْبِضْعَةَ فَأَكَلَتْهَا الْمَرْأَةُ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ لَيْسَ ذَبْحُ الْهِرَّةِ، وَلَا أَكْلُهَا، وَلَا إخْرَاجُ مَا فِي بَطْنِهَا، وَلَا أَكْلُهُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ يَمِينِهِ فِي شَيْءٍ يَحْنَثُ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ سَاعَةَ حَلَفَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَمِينِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْهِرَّةِ قَدْرُ مَا تَتَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ وَتَحُوزُهَا دُونَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَوَانَتْ قَدْرَ مَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَهَا وَتَحُوزَهَا دُونَهَا فَعَلَتْ فَهُوَ حَانِثٌ ابْنُ رُشْدٍ. مِثْلُ هَذَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمَقَاصِدِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ الْحَالِفِينَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي مُقْتَضَى أَلْفَاظِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُرِدْ إلَّا أَنْ تَأْكُلَهَا، وَهِيَ عَلَى حَالِهَا مُسْتَمِرَّةٌ مُسَاغَةٌ لَا عَلَى أَنَّهَا مَأْكُولَةٌ تُعَافَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إنْ اُسْتُخْرِجَتْ مِنْ بَطْنِ الْهِرَّةِ صَحِيحَةً كَمَا هِيَ بِحَدَثَانِ مَا بَلَعَتْهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَلَّلَ فِي جَوْفِهَا شَيْءٌ مِنْهَا فَأَكَلَتْهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مُرَاعَاةِ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، وَهُوَ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلًا بِالْحِنْثِ إذَا لَمْ تَتَوَانَ، بَلْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ مَعَ التَّوَانِي فَابْنُ الْقَاسِمِ يُحَنِّثُهُ بِذَلِكَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ

مسألة حلف بالبيت المقدس لا لعبت معك شطرنجا إلا هذا الدست

لَا يُحَنِّثُهُ. وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا مَنَعَ مِنْهُ مَانِعُ عَقْلٍ لَا يَحْنَثُ بِفَوَاتِهِ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَّامَاتِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَمَّامَاتِ قَالَ وَانْظُرْ لَوْ حَلَفَ لِرَجُلٍ عَلَى قِطْعَةِ لَحْمٍ فَانْتَهَبَتْهَا هِرَّةٌ، فَإِنْ أَكَلَتْهَا لِحِينِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَخَلَتْ بِهَا فِي غَارٍ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا كَانَتْ كَمَسْأَلَةِ السَّارِقِ فَيَحْنَثُ اهـ.، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ خَطْفَ الْهِرَّةِ وَشَقَّ جَوْفِهَا، وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلًا بِالْحِنْثِ إذَا لَمْ يَتَوَانَ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَتَوَانَ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَشُقَّ جَوْفَ الْهِرَّةِ وَيُخْرِجْهَا، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ كَيْفَ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ هُنَا وَذَكَر الْقَوْلَيْنِ فِي شَامِلِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ وَأَشْهَبَ فِي الْحَالِفِ لَيَشْتَرِيَنَّ لِزَوْجَتِهِ بِهَذَا الدِّينَارِ ثَوْبًا فَخَرَجَ بِهِ لِذَلِكَ فَسَقَطَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالدِّينَارِ بِعَيْنِهِ فَقَدْ حَنِثَ، وَإِنْ أَرَادَ الشِّرَاءَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ فَلْيَشْتَرِ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَحْنَثُ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ لَا لَعِبْتُ مَعَكَ شِطْرَنْجًا إلَّا هَذَا الدَّسْتَ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْهُ حَلَفَ شَخْصٌ بِالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ لَا لَعِبْتُ مَعَكَ شِطْرَنْجًا إلَّا هَذَا الدَّسْت فَجَاءَ رَجُلٌ فَخَبَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ الدَّسْت قَالَ: اخْتَلَفَتْ فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ فِيهِ حِينَئِذٍ فَأَفْتَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِ حِنْثِهِ، وَأَفْتَى غَيْرُهُمْ بِحِنْثِهِ وَاجْتَمَعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالطُّرْطُوشِيِّ فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ، انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي النَّذْرِ] . (فَصْلٌ النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) ش: قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: نَذِرَ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نِذَارَةً عَلِمَ بِالشَّيْءِ وَنَذَرْتُ لِلَّهِ تَعَالَى نَذْرًا بِفَتْحِهَا مَعْنَاهُ وَعَدْتُ ابْنُ عَرَفَةَ النَّذْرُ الْأَعَمُّ مِنْ الْجَائِزِ إيجَابُ امْرِئٍ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْرًا لِحَدِيثِ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، وَإِطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْمُحَرَّمِ نَذْرًا وَأَخَصَّهُ الْمَأْمُورُ بِأَدَائِهِ الْتِزَامَ طَاعَةٍ بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ لَا لِامْتِنَاعٍ مِنْ أَمْرٍ هَذَا يَمِينٌ حَسْبَمَا مَرَّ، وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ رُشْدٍ أَدَاءُ مُلْتَزِمِهِ كَافِرًا بَعْدَ إسْلَامِهِ عِنْدَنَا نَدْبٌ ابْنُ زَرْقُونٍ الْمُغِيرَةُ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَ بِالْكُفْرِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مُكَلَّفٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ: وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَا نَذَرَهُ

فرع في من سئل أمرا فقال علي فيه صدقة أو مشي كاذبا إنما يريد أن يمنعه

عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ إيجَابِ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ وَغَيْرُهُ فِي التَّعْلِيقِ فِي يَمِينٍ كَذَلِكَ مِنْ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ يَنْفُذُ مِنْهُ، انْتَهَى. وَشَمَلَ قَوْلُهُ: كُلِّفَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةَ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي النَّذْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَا لَكِنْ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُمَا مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ فِي حَالِ الرِّقِّ، فَإِذَا أُعْتِقَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَا، فَإِنْ رَدَّ سَيِّدُهُمَا النَّذْرَ وَأَبْطَلَهُ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ ابْتَاعَ رَقِيقًا قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبِيدِ مَا يَمْلِكُ. وَهُوَ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ، إذْ لَا يَجُوزُ عِتْقُ الْعَبْدِ لِعَبِيدِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ سَوَاءٌ تَطَوَّعَ بِعِتْقِهِمْ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ فَحَنِثَ إلَّا أَنْ يُعْتِقَ وَهُمْ فِي يَدِهِ فَيَعْتِقُونَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَرُدَّ السَّيِّدُ عِتْقَهُ حِينَ عَتَقَ، أَمَّا إنْ رَدَّهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَبَعْدَ حِنْثِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِمْ عِتْقٌ وَلَزِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ عِتْقُ مَا يَمْلِكُ بَقِيَّةَ الْأَجَلِ، وَكَذَلِكَ أَمَةٌ حَلَفَتْ بِصَدَقَةِ مَالِهَا أَنْ لَا تُكَلِّمَ أُخْتَهَا فَعَلَيْهَا إنْ كَلَّمَتْهَا صَدَقَةٌ ثُلُثُ مَالِهَا ذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهَا إذَا لَمْ يَرُدَّ السَّيِّدُ ذَلِكَ حَتَّى عَتَقَتْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُدْبَرٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ كَفَالَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَإِنْ عَتَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا حَتَّى عَتَقُوا لَزِمَهُمْ ذَلِكَ عَلِمَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَذْرُ ذِي رِقٍّ مَا يَلْزَمُ الْحُرَّ يَلْزَمُهُ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ فَعَلَهُ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِي الْأَمَةِ تَنْذُرُ مَشْيَهَا إلَى مَكَّةَ فَيَرُدُّهُ رَبُّهَا، ثُمَّ تَعْتِقُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا لَوْ رَدَّ صَدَقَةَ نَذْرِهَا فَفِي سُقُوطِهَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَرِوَايَةُ اعْتِكَافِهَا، وَفِي سُقُوطِ نَذْرِهِ بِرَدِّ رَبِّهِ عِتْقُهُ مُتَقَدِّمٌ، نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي نَذْرِهِ حِجًّا، انْتَهَى. [فَرْعٌ فِي مَنْ سُئِلَ أَمْرًا فَقَالَ عَلَيَّ فِيهِ صَدَقَةٌ أَوْ مَشْيٌ كَاذِبًا إنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سُئِلَ أَمْرًا فَقَالَ: عَلَيَّ فِيهِ صَدَقَةٌ أَوْ مَشْيٌ كَاذِبًا إنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْيَمِينِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي الْيَمِينِ هَلْ تَنْعَقِدُ بِإِنْشَاءِ كَلَامِ النَّفْسِ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ وَانْظُرْ أَيْضًا هَلْ يَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَحْدَهُ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ أَوْ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ كَمَا فِي الْيَمِينِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْحُكْمِ، السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فَإِذَا قُلْتُمْ: إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ إنْشَاءٌ فِي النَّفْسِ، وَالنَّذْرُ أَيْضًا إنْشَاءُ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ مُتَقَرِّرًا فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْإِنْشَاءِ، وَإِنَّ كِلَيْهِمَا مُتَعَلِّقٌ يَجْرِي دُونَ شَرْعٍ عَامٍّ، فَهَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ أَوْ هُمَا سَوَاءٌ، جَوَابُهُ أَنَّهُمَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِنْشَاءِ فَبَيْنَهُمَا فُرُوقٌ: أَحَدُهَا أَنَّ الْعُمْدَةَ الْكُبْرَى فِي النَّذْرِ اللَّفْظُ فَإِنَّهُ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ النَّاقِلُ لِذَلِكَ الْمَنْدُوبِ الْمَنْذُورِ إلَى الْوُجُوبِ، كَمَا أَنَّ سَبَبَ حُكْمِ الْحَاكِمِ إنَّمَا هُوَ الْحُجَّةُ، وَسَبَبُ حُكْمِ الْحَاكِمِ يَسْتَقِلُّ دُونَ نُطْقٍ، وَالْقَوْلُ الْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَأَمْرٌ بِالتَّحَمُّلِ عَنْهُ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْقُرْبِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّضَا لَا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ، وَصُرِّحَ فِيهِ بِلَفْظِ النَّذْرِ لَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ، وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ النَّذْرِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ هَلْ يَجِبُ النَّذْرُ بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ مَعًا أَوْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ.؟ فَمَنْ قَالَ بِهِمَا مَعًا قَالَ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ نَذْرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِوُجُوبِ شَيْءٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِجِهَةِ الْوُجُوبِ، وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اللَّفْظُ قَالَ يَنْعَقِدُ النَّذْرُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، أَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ النَّذْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ

لَكِنْ رَأَى أَنَّ حَذْفَ لَفْظِ النَّذْرِ مِنْ الْقَوْلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ الَّتِي مَخْرَجُهَا مَخْرَجُ النَّذْرِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ النَّذْرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَمَنْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا بِلَفْظٍ قَالَ الْحَفِيدُ اخْتَلَفُوا إذَا لَمْ يَلْفِظْ بِالنَّذْرِ هَلْ يُلْزَمُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ هَلْ يَلْزَمُهُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِلَفْظِ النَّذْرِ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا لَفَظَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ قَالَ ابْنُ فَرَسٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا لَفَظَ بِالنَّذْرِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ لَا النَّهَارِ فَقَطْ فَبِاللَّفْظِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ) ش: فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ قَالَ فِي بَعْضِهَا وَإِنْ وَهِيَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ فِي ظَنِّي أَنَّهُ عَارٍ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْقَوَانِينِ: يُنْظَرُ فِي النَّذْرِ إلَى النِّيَّةِ ثُمَّ إلَى الْعُرْفِ ثُمَّ إلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً، وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ، انْتَهَى. يُرِيدُ إلَّا الْمُبْهَمَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمَشْيِ، وَأَمَّا فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ فَيُفِيدُ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُفِدْ فِي غَيْرِ اللَّهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ) ش قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ أَوْ يَرُدَّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ، انْتَهَى. . ص (وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نَدَبَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَذْرُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، وَفِي كَوْنِ الْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ كَذَلِكَ أَوْ مِثْلَهُمَا قَوْلًا الْأَكْثَرُ مَعَ ظَاهِرِ الْمُوَطَّإِ وَالْمُقَدِّمَاتِ، انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ نَحْوُهُ لَهُ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَنَصُّهُ: النَّذْرُ يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ نَذْرٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَنَذْرٌ فِي مَعْصِيَةٍ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَنَذْرٌ فِي مَكْرُوهٍ يُكْرَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَنَذْرٌ فِي مُبَاحٍ يُبَاحُ الْوَفَاءُ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَسَّمَ اللَّخْمِيُّ نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ كَصَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إنْ كَانَ النَّاذِرُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِطَاعَةٍ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ فَظَنَّ أَنَّ فِي صَوْمِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ لِمَنْعِهِ نَفْسَهُ لَذَّتَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَهَذَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَضَاءُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ كَغَيْرِهِ كَانَ فِي الْقَضَاءِ قَوْلَانِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَانْظُرْ ابْنَ نَاجِي عَلَى الرِّسَالَةِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ النَّائِيَةِ عَنْ مَحِلِّهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا نَصَّهُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَالذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ النَّائِي لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْعِ (قُلْتُ) لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ كَمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْعِ فَكَذَلِكَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِذْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ غَالِبَ مَسَائِلِ النَّذْرِ أَوْ جَمِيعَهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ قِسْمَيْ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ نَذْرَ الطَّاعَةِ لَازِمٌ وَنَذْرَ مَا عَدَاهَا لَا يَلْزَمُ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ كَنَذْرِ الْمَشْيِ فِي السُّوقِ أَوْ لُبْسِ ثَوْبٍ وَشَبَهِهِ، انْتَهَى. . ص (كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ)

ش: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَذَاهِبِ إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا لِقُرْبَةٍ مِنْ الْقُرَبِ، وَلَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ النَّذْرِ هَلْ يَلْزَمُ أَمْ لَا.؟ فَعِنْدَنَا فِيهِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ لُزُومُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] انْتَهَى. . ص (وَنَذْرُ الْمُطْلَقِ) ش: يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ النَّذْرُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ الَّذِي يُوجِبُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا كَانَ وَمَضَى، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَيَلْزَمُ بِإِطْلَاقِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ يَعْنِي إذَا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيَنْدُبُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُقْبَلُ أَنْ يَنْذُرَ، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ هَذَا نَذْرٌ مُبْهَمٌ، وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ) ش: اُنْظُرْ قَوْلَهُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ: وَنَذْرُ يَوْمٍ مُكَرَّرٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِيهِ تَكْرَارًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (وَفِي كُرْهِ الْمُعَلَّقِ تَرَدُّدٌ) ش: الْكَرَاهَةُ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ مَعَ لُزُومِهَا قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَيَلْزَمُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ شَرْطُهُ مُبَاحًا أَوْ مَحْظُورًا أَوْ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً كَانَ فِعْلًا لِلنَّاذِرِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ أَوْ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْذُرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ شَيْئًا» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَحِلُّ النَّهْيِ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَدَقَةٌ وَنَحْوُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ فِعْلَ الْقُرْبَةِ عَلَى حُصُولِ غَرَضٍ عَاجِلٍ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِتَمَحُّضِ نِيَّتِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ سَلَكَ سَبِيلَ الْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا حَالُ الْبَخِيلِ الَّذِي لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِعِوَضٍ عَاجِلٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْضَافُ إلَى هَذَا اعْتِقَادُ جَاهِلٍ يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ حُصُولَ ذَلِكَ الْغَرَضِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ لَهُ ذَلِكَ الْغَرَضَ لِأَجْلِ النَّذْرِ وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ شَيْئًا، فَالْأُولَى تُقَارِبُ الْكُفْرَ وَالثَّانِيَةُ خَطَأٌ صُرَاحٌ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَهَلْ النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ الْكَرَاهَةُ. (قُلْتُ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي التَّحْرِيمُ فِي حَقِّ مَنْ

فرع أداء النذر المعلق على أمر بحضوره واضح وبحضور بعضه

يُخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ الْفَاسِدُ فَيَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا، وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ، وَإِذَا وَقَعَ النَّذْرُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَمِمَّا يَلْحَقُ هَذَا فِي الْكَرَاهَةِ النَّذْرُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّمِ وَالتَّحَرُّجِ فَالْأُولَى لِمَنْ يَسْتَثْقِلُ عَبْدَ الْقِلَّةِ مَنْفَعَتَهُ وَكَثْرَةَ مُؤْنَتِهِ فَيَنْذُرُ عِتْقَهُ تَخَلُّصًا مِنْهُ وَإِبْعَادًا لَهُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَمَحُّضِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا بِأَنْ يَنْذُرَ كَثِيرًا مِنْ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ مَا لَا يُطِيقُهُ لَكَانَ مُحَرَّمًا، وَأَمَّا النَّذْرُ الْخَارِجُ عَمَّا تَقَدَّمَ فَمَا كَانَ مِنْهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ عَلَى شَيْءٍ وَكَانَ طَاعَةً جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَمَنْ شُفِيَ مَرِيضُهُ فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ أَدَاءِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى أَمْرٍ بِحُضُورِهِ وَاضِحٌ وَبِحُضُورِ بَعْضِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَوُجُوبُ أَدَاءِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى أَمْرٍ بِحُضُورِهِ وَاضِحٌ وَبِحُضُورِ بَعْضِهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ عَدَمُهُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ، وَسَمِعَ أَبُو زَيْدِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ نَذَرَ إنْ رَزَقَهُ اللَّهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَامَهَا بَعْدَ أَنْ رُزِقَ دِينَارَيْنِ ثُمَّ رُزِقَ الثَّالِثُ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ، وَلَوْ نَذَرَ إنْ قَضَى اللَّهُ عَنْهُ دَيْنَهُ مِائَةَ دِينَارٍ صَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَصَامَهَا بَعْدَ قَضَاءِ الْمِائَةِ إلَّا دِينَارًا وَنِصْفًا أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ، وَأَفْتَى بِهِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْقِيَاسُ عَدَمُ إجْزَائِهِ، وَوَجْهُ رَجَائِهِ اعْتِبَارُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ عَلَى زَوَالِ ثِقَلِ الدَّيْنِ، وَيَقُومُ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ بِقَدْرِ مَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ، انْتَهَى. . ص (وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ بِنَذْرِهَا) ش: يَجُوزُ إثْبَاتُ التَّاءِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَحَذْفُهَا كَمَا فِي بَعْضِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَلَيْسَ بِمُؤَنَّثٍ حَقِيقِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ لَا غَيْرُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لَا أَعْرِفُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْغَنَمَ صَوْمًا إنْ أَحَبَّ صِيَامَ عَشَرَةِ الْأَيَّامِ، فَإِنْ أَيْسَرَ كَانَ عَلَيْهِ مَا نَذَرَ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي عَاجِزٍ عَنْ عِتْقِ مَا نَذَرَهُ: لَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ إنْ أَحَبَّ صِيَامَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَيْسَرَ أَعْتَقَ الصَّقَلِّيُّ إنْ شَاءَ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: شَهْرَيْنِ إنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً وَلَمْ أَرَهُ، انْتَهَى وَهُوَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَصِيَامٌ بِثَغْرٍ) ش: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الِاعْتِكَافِ: وَإِتْيَانُ سَاحِلٍ لِنَذْرِ صَوْمٍ بِهِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَوْ قَالَ صَدَقَةٌ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَوْ قَالَ: صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يَصُومُ مَا شَاءَ وَيَتَصَدَّقُ بِالدِّرْهَمِ وَبِنِصْفِ الدِّرْهَمِ وَالرُّبْعِ دِرْهَمِ قِيلَ: فَالْفِلْسُ وَالْفِلْسَيْنِ قَالَ: مَا زَادَ فَهُوَ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا: وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ وَلَا عُرْفٌ وَلَا مَقْصِدٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: النَّاذِرُ الصَّوْمَ يَلْزَمُهُ يَوْمٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَانِينِ: إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا كَفَاهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ إذَا نَذَرَ صَلَاةً وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا كَفَتْهُ رَكْعَتَانِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَأَتَى بِعِبَادَةٍ كَامِلَةٍ إنْ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةَ رَكْعَةٍ أَوْ طَوَافَ شَوْطٍ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. [فَرْعٌ نَذَرَ إطْعَامَ مَسَاكِينَ أَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ خَمْسَ تَمَرَاتٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قِيلَ: فَمَنْ نَذَرَ إطْعَامَ مَسَاكِينَ أَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ خَمْسَ تَمَرَاتٍ قَالَ مَا هَذَا وَجْهُ إطْعَامِهِمْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلْيُطْعِمْ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا بِمُدٍّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] فَكَانَ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَاخِرَ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا: وَلَيْسَ هَذَا بِمُوجَبٍ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى. . ص (وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ

فروع نذر شيئا معينا وكان ذلك جميع ماله

وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَجَابَ يُؤَدِّي دَيْنَهُ وَمَهْرَ امْرَأَتِهِ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ تَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْتُ: هَذَا فِي الْحُقُوقِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَفِيهِ خِلَافٌ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الثُّلُثِ فَتَارَةً لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَتَارَةً يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ هَدْيًا أَوْ صَدَقَةً أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ جَعَلَهُ لِمَسَاكِينَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، وَإِنْ جَعَلَهُ لِمُعَيَّنِينَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ جَعَلَهُ لِمَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قِيلَ: يُقْضَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْهِبَةِ: وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ، وَفِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ الْعِتْقِ وَوَجَبَ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُقْضَ إلَّا بِبَتٍّ مُعَيَّنٍ، انْتَهَى. . وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: وَمَنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ بَتْلًا فَلْيُقْضَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى صَدَقَةٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَآمُرْهُ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ ثُلُثٍ مِنْ عَيْنٍ وَعَرْضٍ وَدَيْنٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُونَ فَيُخْرِجُ ثُلُثَهُ قِيمَةَ كِتَابَتِهِمْ، فَإِنْ رَقُّوا يَوْمًا مَا نُظِرَ إلَى قِيمَةِ رِقَابِهِمْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ كِتَابَتِهِمْ يَوْمَ أَخْرَجَ ذَلِكَ فَلْيُخْرِجْ ثُلُثَ الْفَضْلِ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ ثُلُثَ مَالِهِ حَتَّى ضَاعَ مَالُهُ كُلُّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَلَمْ يُخْرِجْ ثُلُثَهُ حَتَّى تَلِفَ جُلُّ مَالِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا إخْرَاجُ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَحَيْثُ قَالُوا: يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ، لَيْسَ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ أَثِمَ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِخْرَاجِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ جَعْلِ مَالِهِ صَدَقَةً مِنْ إخْرَاجِ ثُلُثِهِ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي جَبْرِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ طَلَبَ مُعَيَّنٍ وَيَلْزَمُهُ فِي الزَّكَاةِ. (قُلْتُ) لَهَا طَالِبٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْإِمَامُ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الدَّارِ الْمَذْكُورَةَ عَنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي بَعْدَهَا مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَةِ الْبَاجِيِّ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْبَاجِيِّ حَيْثُ لَمْ يَعْزُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَبْرِ لِلْمُدَوِّنَةِ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ لِأَشْهَبَ، بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ مُوَافِقٌ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَقَدْ قَالَ سَنَدٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ: إنَّ عَادَتَهُ إذَا رَوَى مَا لَا يَرْتَضِيهِ أَنْ يُبَيِّنَ مُخَالَفَتَهُ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مَا يُخْرِجُ ثُلُثَهُ وَمَا لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ. [فُرُوعٌ نَذَرَ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَكَانَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَالِهِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَالِهِ، قَالَ: وَيُتْرَكُ لَهُ كَمَا يُتْرَكُ لِمَنْ فَلَّسَ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ ابْنُ الْمَوَّازِ كَالشَّهْرِ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ النَّوَادِرِ وَعَنْ صَاحِبِ النُّكَتِ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا نَذَرَ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَكَانَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَالِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَا يَفِيدُهُ أَوْ يَكْسِبُهُ أَبَدًا فَحَنِثَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ بِاتِّفَاقِ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا إنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَفِيدُهُ أَبَدًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَفِيدُهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَاخْتُلِفَ إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَا يَفِيدُهُ أَوْ يَكْتَسِبُهُ إلَى مُدَّةٍ مَا أَوْ فِي بَلْدَةٍ مَا فَحَنِثَ، عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَا يَفِيدُهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ، انْتَهَى. [قَالَ لِرَجُلٍ كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْتَ كَذَا فَحَنِثَ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ إلَى كَذَا مِنْ الْأَجَلِ صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْتَ كَذَا فَحَنِثَ، فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ السَّاعَةَ وَجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ) ش: سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ مِنْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ دُونَ تَفْرِيطٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَخَيَّرَهُ، وَظَاهِرُهُ كَانَ النُّقْصَانُ بَعْدَ الْحِنْثِ أَوْ قَبْلَهُ، فَأَمَّا قَبْلَ الْحِنْثِ فَالْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحِنْثِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَضْمَنُ إذَا أَنْفَقَهُ أَوْ ذَهَبَ مِنْهُ كَزَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى ذَهَبَ الْمَالُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ الْحِنْثِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا فَرَّطَ فِي إخْرَاجِ الثُّلُثِ حَتَّى ذَهَبَ الْمَالُ ضَمِنَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ، ثُمَّ ذَهَبَ مَالُهُ بِاسْتِنْفَاقٍ، فَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَهَبَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، فَلَا يَضْمَنُ، وَلَا يَضُرُّهُ تَفْرِيطٌ حَتَّى أَصَابَهُ ذَلِكَ. ص (وَهُوَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خِيفَ) ش قَالَ فِي كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا جَعَلَ مَالَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ مِنْ السَّوَاحِلِ وَالثُّغُورِ، وَلَيْسَ جُدَّةُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا كَانَ الْخَوْفُ فِيهَا مَرَّةً، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ: وَمَنْ حَبَسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَسًا أَوْ مَتَاعًا، فَذَلِكَ فِي الْغَزْوِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ فِي مَوَاحِيزِ الرِّبَاطِ كَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَرَ مَالِكٌ فِي مَالٍ جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يُفَرَّقَ فِي السَّوَاحِلِ مِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَلَمْ يَرَ جُدَّةَ مِنْ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ: قَدْ نَزَلَ بِهَا الْعَدُوُّ، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا خَفِيفًا وَسَأَلَهُ قَوْمٌ أَيَّامَ كَانَ مِنْ دَهْلِك مَا كَانَ، وَقَدْ تَجَهَّزُوا يُرِيدُونَ الْغَزْوَ إلَى عَسْقَلَانَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة وَبَعْضِ السَّوَاحِلِ، وَاسْتَشَارُوهُ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَى جُدَّةَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُمْ: الْحَقُوا بِالسَّوَاحِلِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ مَالِكٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ حَالُهَا الْيَوْمَ كَحَالِهَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّغْرَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَوْضُوعٌ لِلْمَكَانِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ فَكَمْ مِنْ رِبَاطٍ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي زَمَانِنَا وَبِالْعَكْسِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَادَ: فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْكُمَ عَلَى مَوْضِعٍ مَا أَبَدًا بِأَنَّهُ ثَغْرٌ كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ زَمَانِنَا، انْتَهَى. . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبَاجِيُّ إذَا ارْتَفَعَ الْخَوْفُ مِنْ الثَّغْرِ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعَدُوِّ زَالَ حُكْمُ الرِّبَاطِ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي السَّبِيلِ لَا يَجْعَلُهُ بِجُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ الَّذِي كَانَ بِهَا قَدْ ذَهَبَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ رَوَى إذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ بِمَوْضِعٍ مَرَّةً فَهُوَ رِبَاطٌ أَرْبَعِينَ سَنَةً، انْتَهَى. وَالْمَوَاحِيزُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ النَّوَاحِي جَمْعُ مَاحُوزٍ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ: وَلَا بَأْسَ بِالطَّوَى مِنْ مَاحُوزٍ إلَى مَاحُوزٍ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ خُذْ بَعْثِي وَآخُذُ بَعْثَكَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: مَاحُوزٍ إلَى مَاحُوزٍ أَيْ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَالطَّوِيُّ الْمُبَادَلَةُ، انْتَهَى. وَجُدَّةُ هِيَ الْآنَ سَاحِلُ مَكَّةَ الْأَعْظَمُ، وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلُ مَنْ جَعَلَهَا سَاحِلًا بَعْدَ أَنْ شَاوَرَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ لَمَّا سُئِلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ الشُّعْبِيَّةُ سَاحِلَ مَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ عَنْ الْفَاكِهِيِّ بِسَنَدِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَكَّةُ رِبَاطٌ وَجُدَّةُ جِهَادٌ» وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ يَكُونَ فَضْلُ رِبَاطِ جُدَّةَ عَلَى سَائِرِ الْمَرَابِطِ كَفَضْلِ مَكَّةَ عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ، وَعَنْ ضَوْءِ بْنِ فَخْرٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا فِي أَفْضَلِ الْمَجَالِسِ وَأَشْرَفِهَا، قَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ جُدَّةَ الصَّلَاةُ فِيهَا بِسَبْعَةَ عَشْرَ أَلْفَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَالدِّرْهَمُ فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَأَعْمَالُهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ، يُغْفَرُ لِلنَّاظِرِ مَدَّ بَصَرِهِ، قَالَ: قُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ مِمَّا يَلِي الْبَحْرَ، قَالَ: مِمَّا يَلِي الْبَحْرَ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَنَا فَرْقَدٌ السِّنْجِيُّ بِجُدَّةِ، فَقَالَ: إنِّي رَجُلٌ أَقْرَأُ هَذِهِ الْكُتُبَ، وَإِنِّي لَأَجِدُ

فِيهَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُتُبِهِ جُدَّةُ أَوْ جَدِيدَةُ يَكُونُ بِهَا قَتْلَى وَشُهَدَاءُ لَا شَهِيدَ يَوْمئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ: إنَّ الْحَبَشَةَ جَاءَتْ جُدَّةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ فِي مَصْدَرِهَا فَوَقَعُوا بِأَهْلِ جُدَّةَ فَخَرَجَ النَّاسُ مِنْ مَكَّةَ إلَى جُدَّةَ وَأَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ إبْرَاهِيمَ، فَخَرَجَ النَّاسُ غُزَاةً فِي الْبَحْرِ، وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا هُوَ أَخُو السَّفَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ وَلِيُّ مَكَّةَ لِلرَّشِيدِ بْنِ الْمَهْدِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَسَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي هَذَا الْخَبَرِ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى. فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ النُّزُولَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ صَارَتْ جُدَّةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ رِبَاطًا لِخَوْفِ نُزُولِ الْعَدُوِّ بِهَا خُصُوصًا فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ الشِّتَاءِ وَأَوَائِلِ فَصْلِ الرَّبِيعِ عِنْدَ وُصُولِ مَرَاكِبِ الْهِنْدِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ - خَذَلَهُمْ اللَّهُ - تَوَصَّلُوا إلَى بِلَادِ الْهِنْدِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْقَرْنِ وَأَوَاخِرِ الَّذِي قَبْلَهُ، ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَوْلُونَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَوْلَوْا عَلَى بِلَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُمْ خَذَلَهُمْ اللَّهُ قَصَدُوا إلَى جَدَّة فِي سَنَةِ تِسْعَةَ عَشْرَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَوَصَلُوا إلَى سَاحِلٍ يُسَمَّى كَمَرَان مِنْ سَوَاحِلِ الْيَمَنِ بِالْقُرْبِ مِنْ جُدَّةَ وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَ النَّاسُ إلَى جُدَّةَ، ثُمَّ إنَّهُمْ خَذَلَهُمْ اللَّهُ رَجَعُوا مِنْ كَمَرَان بَعْدَ أَنْ نَزَلُوا فِيهَا وَبَنَوْا بِهَا حِصْنًا لِوَخَمٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ جَاءُوا فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَنَزَلُوا بِسَاحِلِ جُدَّةَ فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ قِطْعَةً بَيْنَ غُرَابٍ وَبُرْشَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي عَشِيَّةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَادِسَ عَشْرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، أَوْ خَامِسَ عِشْرِينِهِ، وَحَصَلَ لِلنَّاسِ وَجَلٌ عَظِيمٌ وَأَيْقَنُوا بِالْأَخْذِ، وَنَزَلَ النَّاسُ إلَى جِدَّةَ وَأَتَوْا إلَيْهَا مِنْ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَمْ يُصَلُّوا إلَّا بَعْدَ أَنْ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ، وَكَانَ اجْتَمَعَ بِجُدَّةِ قَبْلَ وُصُولِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ سَمِعُوا بِهِمْ قَبْلَ وُصُولِهِمْ بِمُدَّةٍ وَحَصَّنَ النَّاسُ جُدَّةَ بِالْمَدَافِعِ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَحَبَسَهُمْ عَنْ النُّزُولِ إلَى الْبَرِّ بِمَا حَبَسَ بِهِ الْفِيلَ فَلَمْ يَنْزِلُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا وَأَقَامُوا نَحْوَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ رَجَعُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَتَلَا النَّاسُ هَذِهِ الْآيَةَ كَأَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] ثُمَّ إنَّهُمْ تَشَتَّتُوا وَتَفَرَّقُوا وَأَهْلَكَهُمْ اللَّهُ وَأَدْرَكَهُمْ الْأَمِيرُ سَلْمَانُ أَمِيرُ جُدَّةَ وَغَنِمَ مِنْهُمْ غُرَابًا وَأَخَذَهُ وَأَسَرَ مَنْ فِيهِ، وَاتَّفَقَ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ جُدَّةَ أَنْ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ غُرَابٌ فَأَرَادَ الْأَمِيرُ سَلْمَانُ إدْرَاكَهُ فَنَزَلَ إلَيْهِ فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ نَحْوُ عَشْرَةِ أَغْرِبَةٍ، فَقَصَدَهُمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ خَوْفَ أَنْ يَظْفَرُوا بِهِ، فَقَدَّرَ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا عَلَى الْكَفَرَةِ مِدْفَعًا فَرَجَعَ عَلَيْهِمْ وَأَحْرَقَ شِرَاعَهُمْ وَأَحْرَقَ بَعْضَهُمْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ نَحْوَ الثَّلَاثَةِ مُحْرَقِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْأَمِيرُ ذَلِكَ رَجَعَ بِسُرْعَةٍ إلَى جُدَّةَ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ، وَشَنَقَ الَّذِي أَطْلَقَ الْمِدْفَعَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَيُقَالُ إنَّ إسْلَامَهُ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَآهُمْ النَّاسُ مِنْ بَعْدُ قُرْبِ الْبَرِّ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَزَلُوا إلَى الْبَرِّ فَخَرَجُوا إلَيْهِمْ وَسَارُوا إلَى الْقُرْبِ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَخْذُلَهُمْ وَيَكُفَّ شَرَّهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ وَدَهْلَكُ الْمَذْكُورَةُ قَالَ عِيَاضٌ: بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ السُّودَانِ وَبِهِ سُمِّيَ الْبَلَدُ، وَهُوَ جَزِيرَةُ سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ، قَالَ وَتِلْكَ النَّاحِيَةُ أَقْصَى تِهَامَةِ الْيَمَنِ، قَالَ عِيَاضٌ: دَهْلَكٌ أَقْدَمُ مِنْ الزَّمَنِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكٌ، انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ مَا هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ أَتَوْا إلَى قُرْبِ جُدَّةَ وَرَجَعُوا مَخْذُولِينَ، ثُمَّ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أُشِيعَ أَنَّهُمْ وَاصِلُونَ إلَى جُدَّةَ، وَتَتَابَعَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ إلَى رَابِعِ جُمَادَى الْأَخِيرَةِ، فَجَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ مَرَّ بَعْضُ الْجُلَّابِ عَلَى مَوَاضِعَ قَرِيبَةٍ مِنْ جُدَّةَ وَسَمِعَ مَدَافِعَ كَثِيرَةً فِيهِ فَمَا شَكَّ النَّاسُ أَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْكَفَرَةُ وَأَنَّهُمْ وَاصِلُونَ فِي الْقُرْبِ، فَبَادَرَ النَّاسُ إلَى

مسألة إذا لم يكن للإنسان إلا قوت يوم الفطر وقد نذر إخراجه

النُّزُولِ إلَى جُدَّةَ وَإِلَى تَحْصِينِهَا بِالْمَدَافِعِ وَالْآلَاتِ وَأَقَامُوا بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ خَبَرٌ وَلَمْ يَأْتِ مِنْهُمْ أَحَدٌ بَعْدَ تِلْكَ السَّنَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ يُذْكَرُ أَنَّ بَعْضَ مَرَاكِبَ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ فِي طَرِيقِ عَدَنَ وَسَوَاحِلِ الْيَمَنِ إلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، فَجَاءَ مِنْهُمْ بَعْضُ أَغْرِبَةٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إلَى أَنْ وَصَلُوا إلَى سَاحِلِ جُدَّةَ، وَأَخَذُوا بَعْضَ الْجُلَّابِ الْوَاصِلَةِ إلَى جُدَّةَ مِنْ الشَّامِ وَمَنْ الْيَمَنِ، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُجَّاجِ فَكَّ اللَّهُ أَسْرَهُمْ وَنَصَرَ الْمُسْلِمِينَ وَأَلْهَمَهُمْ رُشْدَهُمْ وَخَذَلَ الْكَفَرَةَ وَرَدَّ كَيْدَهُمْ فِي نَحْرِهِمْ آمِينَ آمِينَ ص (إلَّا الْمُتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ) ش: ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي النَّوَادِرِ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْهَا، وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَالَ عَنْهُ وَيُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا يُتْرَكُ لِمَنْ فَلَّسَ وَأَخِذَ مَالُهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ أَوْ أَكْثَرُ، فَلْيُخْرِجْ جَمِيعَ مَا سَمَّى مَا لَمْ يَقُلْ مَالُهُ كُلُّهُ، انْتَهَى. وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا لَزِمَهُ مَا نَذَرَ وَحَيْثُ لَمْ يُبْقِ لَزِمَهُ الثُّلُثُ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ إذَا نَذَرَ جَمِيعَهُ لِشَخْصٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ مُعَيَّنٌ يُطَالِبُ بِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فِيمَا إذَا نَذَرَ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَكَانَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْقَى شَيْئًا، وَلَوْ ثِيَابَ بَدَنِهِ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِنْ الْمَالِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَكَرَّرَ إنْ أَخْرَجَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِمَالِهٍ وَأَخْرَجَ ثُلُثَهُ، ثُمَّ حَلَفَ بِمَالِهِ، فَإِنَّهُ يُكَرِّرُ إخْرَاجَ ثُلُثِهِ وَكَذَلِكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا، هَذَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ الثَّانِيَةُ وَحِنْثُهَا بَعْدَ الْحِنْثِ وَالْإِخْرَاجِ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ وَحِنْثُهُ بَعْدَ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى وَقَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَفِيهَا قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَالْإِخْرَاجِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الشُّيُوخِ هَلْ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ أَوْ لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ، وَإِذَا قُلْنَا يَكْفِي ثُلُثٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ: يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَيْمَانُهُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ أَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَحَنِثَ فِيهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ حَنِثَ فِيهَا حِنْثًا بَعْدَ حِنْثٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ كَرَّرَهُ قَبْلَ حِنْثِهِ فَفِي لُزُومِ ثُلُثٍ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ وَتَعَدَّدَتْ أَوْقَاتُهَا أَوْ أَوْقَاتُ حِنْثِهَا حَنِثَ فِي بَعْضِهَا فَأَخْرَجَ ثُلُثَهُ، ثُمَّ حَنِثَ فِي بَقِيَّتِهَا كَتَكَرُّرِهَا بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ لِأَوَّلِ حِنْثِهِ ثُلُثُهُ، وَلِثَانِيهِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ نَقْلًا ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ قَائِلًا: كَانَتْ أَيْمَانُهُ فِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ غَيْرِ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ كَانَ حِنْثُهُ كَذَلِكَ وَعَنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مُحْتَمَلًا كَوْنُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لِابْنِ كِنَانَةَ، انْتَهَى. ص (وَمَا سَمَّى، وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ) ش: وَفِي مَسَائِلِ الْقَابِسِيِّ فِيمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ رَبْعِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الرَّبْعِ مَا يَحُجُّ بِهِ نَفَقَةً بِلَا تَرَفُّهٍ، وَلَا إسْرَافٍ، وَلَا هَدِيَّةٍ، وَلَا تَفَضُّلٍ عَلَى أَحَدٍ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَاتُ أَيْمَانٍ تَسْتَغْرِقُ ثَمَنَ الرَّبْعِ الَّذِي حَلَفَ بِصَدَقَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِكَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ، وَلَا تُؤَخَّرُ فَمَا فَضَلَ عَنْهَا كَانَ فِي الْيَمِينِ بِالصَّدَقَةِ، وَإِنْ أَيْسَرَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ فَكَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ فِي يُسْرِهِ، وَالرَّبْعُ يُصْرَفُ فِي يَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِنْسَانِ إلَّا قُوتُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَقَدْ نَذَرَ إخْرَاجَهُ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا

لَمْ يَكُنْ لِلْإِنْسَانِ إلَّا قُوتُ يَوْمِ الْفِطْرِ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَلَوْ نَذَرَ إخْرَاجَهُ لَزِمَهُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي قَوْلِهِ: وَفِي رُكُوبِهَا الْبَحْرَ وَالْمَشْيِ الْبَعِيدِ. ص (كَهَدْيٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَدْيَ شَيْءٍ مِمَّا يُهْدَى كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكَانَ يُمْكِنُ وُصُولُهُ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ بِيعَ وَعَوَّضَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ، فَإِنْ ابْتَاعَهَا مِنْ مَكَّةَ فَلْيُخْرِجْهَا إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يُدْخِلْهَا إلَى الْحَرَمِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ يَشْتَرِي مِنْ حَيْثُ يَرَى أَنَّهُ يَبْلُغُهُ لَا يُؤَخِّرُ إلَى مَوْضِعٍ أَغْلَى إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَسُوقُهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى مَكَّةَ، وَلَوْ وَجَدَ مِثْلَ الْأَوَّلِ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ لَمْ يُؤَخِّرْ لِأَفْضَلَ مِنْهُ بِمَكَّةَ. (قُلْتُ) فِيهَا لِمَالِكٍ يَشْتَرِي بِثَمَنِ الشَّاةِ شَاةً بِمَكَّةَ، وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا لَا يَصِلُ مِنْ إبِلٍ يَشْتَرِي بِثَمَنِهَا مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ حَيْثُ أَحَبَّ، وَلَهُ أَيْضًا فِيمَا لَا يَبْلُغُ مِنْ بَقَرٍ يَشْتَرِي بِثَمَنِهَا هَدْيًا مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ حَيْثُ أَحَبَّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، انْتَهَى. ص (وَلَوْ مَعِيبًا عَلَى الْأَصَحِّ) ش: أَيْ يَلْزَمُ بَعْثُ الْهَدْيِ، وَلَوْ كَانَ مَعِيبًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَانْظُرْ مَنْ صَحَّحَهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ بِالسَّلِيمِ إذَا عَيَّنَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّلِيمُ، وَإِذَا قُلْنَا يَلْزَمُ بَعْثُ الْمَعِيبِ وَتَعَذَّرَ وُصُولُهُ وَبَاعَهُ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شِرَاءُ السَّلِيمِ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّلِيمُ. ص (وَلَهُ فِيهِ إذَا بِيعَ الْإِبْدَالُ بِالْأَفْضَلِ) ش الضَّمِيرُ فِي فِيهِ يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ إلَى قَوْلِهِ: كَهَدْيٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَهُ فِيهِ خَاصَّةً إبْدَالُهُ بِالْأَفْضَلِ، بِخِلَافِ الْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ إذَا لَمْ يَصِلْ غَيْرُ جِنْسِهِ مِنْ سِلَاحٍ وَكُرَاعٍ، وَلَوْ كَانَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْغَيْرِ أَكْثَرَ، انْتَهَى. . ص (، وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَأُهْدِيَ بِهِ) ش: أَيْ فَإِنْ كَانَ مَا نَذَرَهُ هَدْيًا مِمَّا لَا يُهْدَى، مِثْلُ الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ بَاعَهُ وَعَوَّضَ بِثَمَنِهِ هَدْيًا، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ وَبَعَثَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَبَاعَهُ وَأَهْدَى بِهِ، فَقَوْلُهُ: وَأَهْدَى بِهِ يَعْنِي، فَإِنْ فَعَلَ الْمَكْرُوهَ وَبَعَثَهُ بِيعَ هُنَاكَ وَاشْتُرِيَ بِهِ هَدْيٌ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ إلَخْ) ش: مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بَهْرَامُ هُوَ

الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَإِنْ عَجَزَ عَوَّضَ الْأَدْنَى) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَإِنْ قَصُرَ الثَّمَنُ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْيِ وَالْجِهَادِ عَنْ شِرَاءِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يُعَوِّضُ الْأَدْنَى ابْنُ هَارُونَ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا الْتَزَمَ إخْرَاجَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا يَصْلُحُ بِعَيْنِهِ لِلْجِهَادِ أَوْ حَلَفَ بِهِ كَالْهَدْيِ فِي إخْرَاجِ عَيْنِهِ أَوْ ثَمَنِهِ إنَّ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ لِمَحَلِّهِ، إلَّا إنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ إلَّا مِثْلَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ فِيهِ التُّونُسِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِثْلَهُ اشْتَرَى بِهِ أَقْرَبَ غَيْرِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ قَصُرَ عَنْهُ فَكَمَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا كَعَبْدِهِ يَبِيعُهُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مَنْ يَغْزُو بِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا بَعَثَ بِهِ إلَيْهِ، انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ عَجَزَ يَعْنِي، فَإِنْ عَجَزَ ثَمَنُ مَا نَذَرَ أَنَّهُ هَدْيٌ وَلَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ، وَلَا ثَمَنُ مَا نَذَرَ فِي السَّبِيلِ مِمَّا لَمْ يَصِلْ أَيْضًا أَوْ ثَمَنُ مَا لَا يُهْدَى عَنْ أَعْلَى الْهَدْيِ عَوَّضَ الْأَدْنَى، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مِنْ أَدْنَى الْهَدْيِ وَهُوَ شَاةٌ، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ ص (ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عَجَزَ ثَمَنُ مَا لَا يُهْدَى عَنْ قِيمَةِ أَدْنَى الْهَدْيِ، وَهُوَ الشَّاةُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ أَوْ فَضُلَ مِنْهُ مَا لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ يَبْعَثُهُ إلَى خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفَقُ عَلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ قَوْلَ مَالِكٍ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْقَضُ فَتُبْنَى، وَلَا يَكْسُوهَا إلَّا الْمُلُوكُ، وَيَأْتِيهَا مِنْ الطَّيِّبِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَمَكَانِسُهَا خُوصٌ لَا تُسَاوِي إلَّا مَا لَا بَالَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَأْكُلَهُ الْحَجَبَةُ، وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِ النَّاذِرِ فِي شَيْءٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا يُزِيلُ هَذَا الْإِشْكَالَ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ الْكَعْبَةُ إلَيْهِ تَصَدَّقَ بِهِ، وَسَاقَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ، وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إنْ احْتَاجَتْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ. ، ثُمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَأَعْظَمَ مَالِكٌ إلَخْ إلَى مَسْأَلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ النُّذُورِ، وَلَكِنْ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (وَلَمَّا تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ نَبْسُطَ الْقَوْلَ فِيهَا وَنَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَالْأَحْكَامِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ غَيْرُ هَذَا) فَأَقُولُ: الْخَزَنَةُ جَمْعُ خَازِنٍ، وَخَزَنَةُ الْكَعْبَةِ هُمْ بَنُو شَيْبَةَ يُقَالُ لَهُمْ: خَزَنَةٌ وَسَدَنَةٌ وَحَجَبَةٌ، مَنْصِبُهُمْ يُقَالُ لَهُ: حِجَابَةٌ وَسِدَانَةٌ وَخِزَانَةٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ الْقُرْبَى: الْحِجَابَةُ مَنْصِبُ بَنِي شَيْبَةَ وَلَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا كَمَا وَلَّى السِّقَايَةَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا إنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي إلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسِدَانَةَ الْبَيْتِ» وَالْمَأْثُرَةُ: الْمَكْرُمَةُ وَالْمَفْخَرَةُ الَّتِي تُؤْثَرُ عَنْهُمْ أَيْ تُرْوَى عَنْهُمْ وَتُذْكَرُ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إسْقَاطُهَا وَحَطُّهَا إلَّا هَاتَيْنِ الْمَأْثُرَتَيْنِ، وَسِدَانَةُ الْبَيْتِ خِدْمَتُهُ وَتَوَلِّي أَمْرِهِ وَفَتْحُ بَابِهِ وَإِغْلَاقُهُ، يُقَالُ: سَدَنَ يَسْدُنُ فَهُوَ سَادِنٌ وَالْجَمْعُ سَدَنَةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ: ائْتِ بِالْمِفْتَاحِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيَّ، وَقَالَ: خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ عُثْمَانُ يَلِي الْبَيْتَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ فَبَقِيَتْ الْحِجَابَةُ فِي بَنِي شَيْبَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ الْمِفْتَاحَ يَوْمَ الْفَتْحِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِلَى ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَقَالَ: خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ قَالَ، ثُمَّ نَزَلَ عُثْمَانُ الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِهَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَكَّةَ فَسَكَنَهَا حَتَّى مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْوَاحِدِيِّ أَنَّ أَخْذَ الْمِفْتَاحِ مِنْ عُثْمَانَ وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَنُزُولَ الْآيَةِ بِالْأَمْرِ بِرَدِّهِ

مسألة عادة الشيبيين تقديم الأكبر فالأكبر في كون مفتاح الكعبة عنده

كَانَ عُثْمَانُ كَافِرًا، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، وَأَجْنَادِينُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُهَا، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَسْلَمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَدَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «وَقَالَ: خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» وَنَزَلَ عُثْمَانُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ مَكَّةَ وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: قُتِلَ يَوْم أَجْنَادِينَ وَقُتِلَ أَبُو طَلْحَةَ وَعَمُّهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرَيْنِ، وَذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِ الْوَاحِدِيِّ أَنَّهُ جَاءَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: مَا دَامَ هَذَا الْبَيْتُ، فَإِنَّ الْمِفْتَاحَ وَالسِّدَانَةَ فِي أَوْلَادِ عُثْمَانَ، زَادَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: وَهُوَ الْيَوْمَ فِي أَيْدِيهمْ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَقَوْلُهُ: خَالِدَةً تَالِدَةً، لَعَلَّهُ مِنْ التَّالِدِ، وَهُوَ الْمَالُ الْقَدِيمُ، أَيْ أَنَّهَا لَكُمْ مِنْ أَوَّلُ وَمِنْ آخِرُ، أَوْ يَكُونُ أَتْبَاعًا لِخَالِدَةٍ بِمَعْنَاهَا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُمْ، قَالُوا: وَهِيَ وِلَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قُلْتُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا حَافَظُوا عَلَى حُرْمَتِهِ، وَلَازَمُوا فِي خِدْمَتِهِ الْأَدَبَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَحْفَظُوا حُرْمَتَهُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِمْ مُشْرِفٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ، وَرُبَّمَا تَعَلَّقَ الْعِنِّينُ الرَّأْيَ الْمَعْكُوسُ الْفَهْمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُوا بِالْمَعْرُوفِ فَاسْتَبَاحَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى دُخُولِ الْبَيْتِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْبِدَعِ وَأَقْبَحِ الْفَوَاحِشِ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ إنْ صَحَّتْ فَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى إقَامَةِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا الْإِشَارَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى مَا يَقْصِدُونَ بِهِ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ، فَلَهُمْ أَخْذُهُ، وَذَلِكَ أَكْلٌ بِالْمَعْرُوفِ لَا مَحَالَةَ، أَوْ إلَى مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا يَتَوَلَّوْنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ بِأَخْبَارِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْهُ كَلَامَ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ مُخْتَصَرًا. (قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ فِي الْبَيْتِ الشَّرِيفِ مَا شَاءُوا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ نَزْعُ الْمِفْتَاحِ مِنْهُمْ، وَأَمَّا إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ انْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ الْبَيْتِ أَوْ قِلَّةُ أَدَبٍ، فَهَذَا وَاجِبٌ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فَتْحِ الْبَيْتِ ظَاهِرٌ أَيْضًا لَا شَكَّ فِيهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ الْإِنْسَانُ بِمَنْفَعَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْبَيْتُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ دُونَ أَحَدٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى فَتْحِهِ، وَإِنَّمَا لَهُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى فَتْحِهِ وَإِغْلَاقِهِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِفَتْحِهِ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إغْلَاقُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ دَائِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ فَتْحِ الْمَقَامِ وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَلَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ عَلَى كَلَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ عَادَةُ الشَّيْبِيِّينَ تَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ فَالْأَكْبَرِ فِي كَوْنِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ عِنْدَهُ] (مَسْأَلَةٌ) جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْبِيِّينَ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِتَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ مِنْهُمْ فَالْأَكْبَرِ فِي السِّنِّ فِي كَوْنِ الْمِفْتَاحِ عِنْدَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ مَعَ وُجُودِ ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ وَلِيَ شَيْبَةُ الْمِفْتَاحَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَأْنَ وُلَاةِ الْبَيْتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: فَوُلِّيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ خَلِيلَ بْنَ حُبَشْيَةَ الْخُزَاعِيَّ وَالدَّحْبِيَّ زَوْجَةَ قُصَيٍّ الَّذِي وَرِثَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمَرْوِيَّةِ

وَخَلَّفَهُ عَلَيْهِ أَكْبَرُ بَنِيهِ عَبْدُ الدَّارِ، فَكَانَ فِيهِ، وَفِي وَلَدِهِ إلَى وَقْتِ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعِزِّي بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنُ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَبْدَرِيُّ وَرَدَّهُ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ جُبَيْرٍ فِي رِحْلَتِهِ، وَفِي كَلَامِ الْفَاسِيِّ فِي عَقْدِهِ مَا يَقْتَضِي اخْتِلَالَ هَذِهِ الْعَادَةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِتَعَدٍّ مِنْ بَعْضِ الْوُلَاةِ أَوْ لِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا، وَقَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ: فَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ إلَى هِجْرَتِهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَ ابْنُ عَمِّهِ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَلَمْ يَزَلْ يَحْجُبُ هُوَ وَوَلَدُهُ وَوَلَدُ أَخِيهِ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ حَتَّى قَدِمَ وَلَدُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَوَلَدُهُ مُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا بِهَا دَهْرًا طَوِيلًا فَلَمَّا قَدِمُوا حَجَبُوا مَعَ بَنِي عَمِّهِمْ فَوَلَدُ أَبِي طَلْحَةَ جَمِيعًا يَحْجُبُونَ، انْتَهَى. فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَحْجُبُونَ جَمِيعًا وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّهُمْ إذَا فَتَحُوا الْبَيْتَ جَلَسُوا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِلْفَتْحِ مِنْهُمْ هُوَ الْأَكْبَرُ، وَإِلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ، فَإِنَّ بَنِي شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ مَنَعُوا أَوْلَادَ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ الْحِجَابَةِ كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ الْفَاكِهِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَنَصُّهُ: قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْمَكِّيِّينَ يَقُولُ: إنَّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا وَدَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزَلْ وَلَدُ شَيْبَةَ يَحْجُبُونَ وَوَلَدُ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ انْتَقَلَ وَلَدُ عُثْمَانَ إلَى مَكَّةَ فَدَفَعَهُمْ وَلَدُ شَيْبَةَ عَنْ الْحِجَابَةِ فَرَكِبُوا إلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَأَعْلَمُوهُ، فَكَتَبَ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ يَسْأَلُهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ فَادْفَعْهُ إلَى وَلَدِهِ، فَدَفَعَهُ إلَى وَلَدِ عُثْمَانَ فَدَفَعُوا وَلَدَ شَيْبَةَ عَنْ الْحِجَابَةِ، فَرَكِبُوا إلَى أَبِي جَعْفَرٍ فَأَعْلَمُوهُ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ يَشْهَدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَظْلِمُكُمْ عَلَيْهَا إلَّا ظَالِمٌ، وَإِنَّ الْحِجَابَةَ إلَى وَلَدِ أَبِي طَلْحَةَ» فَكَتَبَ إلَى عَامِلِهِ إنْ شَهِدَ ابْنُ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ، فَأَدْخَلَ بَنِي شَيْبَةَ وَوَلَدَ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْحِجَابَةِ، فَشَهِدَ ابْنُ جُرَيْجٍ عِنْدَ الْعَامِلِ عَلَى ذَلِكَ فَجَعَلَ الْحِجَابَةُ لَهُمْ كُلِّهِمْ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُقْضَى لَهُمْ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ مِنْ تَقَدُّمِ الْأَكْبَرِ فَالْأَكْبَرِ أَمْ لَا، وَرُبَّمَا كَانَ الْأَكْبَرُ غَيْرَ مَرَضِيِّ الْحَالِ، لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْبَرُ غَيْرَ مَرَضِيِّ الْحَالِ فَيُجْعَلُ مَعَهُ مُشْرِفًا، أَمَّا الْقَضَاءُ لَهُمْ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فَتَشْهَدُ لَهُ مَسَائِلُ، مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ إنَّهُ إذَا جَرَتْ عَادَةُ وُلَاةِ الْوَقْفِ عَلَى أَمْرٍ فِي تَرْتِيبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ كِتَابُ وَقْفٍ أَنَّهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي صَحْرَاءَ: أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَرْوِي مَاشِيَتُهُ، قَالَ: وَلَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ الْوَرَثَةَ يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ مُوَرِّثِهِمْ فِي التَّبْدِئَةِ، قَالَ: فَإِنْ تَشَاحَّ أَهْلُ الْبِئْرِ فِي التَّبْدِئَةِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ لَهُمْ سُنَّةٌ مِنْ تَقْدِيمِ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ أَوْ قَوْمٍ عَلَى قَوْمٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ حُمِلُوا عَلَيْهَا وَإِلَّا اسْتَهَمُوا، انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَمَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ لِلنِّسَاءِ حُكِمَ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ حُكِمَ بِهِ لِلزَّوْجِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ سِكَكٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ عَلَى سِكَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا فَيَقْضِي بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّعَامُلِ بِهِ غَالِبًا، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرَى إلَّا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ السِّلْعَةِ لَا يَذْهَبُ بِهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ فَيُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِالْعَادَةِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ إلَّا إذَا غَلَبَ الْفَسَادُ فِي الْعَادَةِ فَيُحْكَمُ بِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ

تنبيه الحجبيون بطن من قريش منسوبون إلى حجبة الكعبة

فِي تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطٌ فَيُحْكَمُ بَيْنَهُمَا بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَفِي بَابِ الْأَيْمَانِ مَسَائِلُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ مِنْ تَبْصِرَتِهِ مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةً مِنْ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ مَسَائِلُ أُخَرُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ الْحَجَبِيُّونَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْسُوبُونَ إلَى حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ] (تَنْبِيهٌ عَلَى وَهْمٍ وَغَلَطٍ، رَأَيْتُ بِخَطِّ) بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَنْقُولًا مِنْ كِتَابِ الْجَوْهَرِ الْمَكْنُونِ فِي الْقَبَائِلِ وَالْبُطُونِ لِلشَّرِيفِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْعَدَ الْجَوَّانِيِّ النَّسَّابَةِ مَا نَصُّهُ: الْحَجَبِيُّونَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْسُوبُونَ إلَى حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ قَدَّسَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُمْ وَلَدُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ بْنِ كِلَابٍ، قَالَ الشَّيْخُ الشَّرِيفُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْحَسَنِيُّ النَّسَّابَةُ. وَقَالُوا: لَيْسَ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ بَقِيَّةُ دَرَجٍ عَقِبَهُمْ زَمَانَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ مَرْوَانَ فَوَرِثُوا كَلَالَةً، وَرِثَهُمْ تِسْعُ نَفَرٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ بِالْقَعَدِ مِنْ قُصَيٍّ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَعْفَرٌ وَقُثَمُ وَالْعَبَّاسُ بَنُو تَمَّامِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ وَمُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ ثُوَيْبِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ كُلُّ مَنْ يُدْعَى إلَى هَذَا الْبَطْنِ فَهُوَ فِي ضِحٍّ، انْتَهَى. قَالَ النَّاقِلُ: وَلِلشَّرِيفِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ ذِكْرِ أَوَائِلِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَالْيَمَنِ نَحْوُ ذَلِكَ، وَالضِّحُّ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ضَوْءُ الشَّمْسِ فَكَأَنَّهُ يَعْنِي فِي أَمْرٍ بَيِّنٍ بُطْلَانُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ. (قُلْتُ) وَقَوَّى بَعْضُ النَّاسِ مَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ النَّسَّابَةُ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ مُؤَرِّخُ مَكَّةَ قَدِيمًا وَنَقَلَهُ عَنْهُ مُؤَرِّخُهَا قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي عِدَّةٍ مِنْ تَوَارِيخِهِ مِنْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْرَى لِلْكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ وَظِيفَةَ الطِّيبِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكَانَ يَبْعَثُ بِالْمِجْمَرِ وَالْخَلُوقِ فِي الْمَوْسِمِ وَفِي رَجَبٍ، وَأَخْدَمَهَا عَبِيدًا، ثُمَّ اتَّبَعَتْ ذَلِكَ الْوُلَاةُ بَعْدُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَذَلِكَ كُلُّهُ وَهْمٌ وَغَلَطٌ، أَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الشَّرِيفِ النَّسَّابَةِ فَمَرْدُودٌ بِنُصُوصِ عُلَمَاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الَّذِينَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ إمَامِنَا إمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَصُّهُ: وَأَعْظَم مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَ الْحَجَبَةِ فِي الْخِزَانَةِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ دَفَعَ الْمِفْتَاحَ لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْخِزَانَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ أَمَانَةُ الْبَيْتِ، انْتَهَى. فَالشَّرِيفُ النَّسَّابَةُ يَقُولُ: إنَّهُ دَرَجُ عَقِبِهِمْ فِي زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ مَاتَ هِشَامٌ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَصَرِيحُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ مَوْجُودُونَ فِي زَمَنِهِ، وَقَدْ عَاشَ مَالِكٌ إلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُلِدَ بَعْدَ التِّسْعِينَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى، وَخِلَافَةُ هِشَامٍ نَحْوُ الْعِشْرِينَ سَنَةً، فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ هِشَامٍ لَمَا خَفِيَ عَلَى مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَتَنَازَعَتْ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَنَقَلَ ذَلِكَ الْمُؤَرِّخُونَ فِي كُتُبِهِمْ، وَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَلَقَّى أَصْحَابُ مَالِكٍ جَمِيعُهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ بِالْقَبُولِ وَنَقَلُوهُ فِي مُتُونِهِمْ وَشُرُوحِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، بَلْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَتَلَقَّوْهُ كُلُّهُمْ بِالْقَبُولِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيِّ الْمَكِّيِّينَ مُؤَرِّخَيْ مَكَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ تَارِيخَيْهِمَا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِمَا إنَّ وَلَدَ عُثْمَانَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ دَهْرًا، ثُمَّ قَدِمُوا وَحَجَبُوا مَعَ بَنِي عَمِّهِمْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ وَقَدْ بَيَّنَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَهُوَ بَعْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ

مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ وَهِشَامٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ الْعَهْدِ الَّذِي كُتِبَ بَيْنَ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُون ابْنَيْ هَارُونَ الرَّشِيدِ، وَفِيهِ شَهَادَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَجَبَةِ، وَلَفْظُ الْفَاكِهِيِّ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي الشَّطْرَيْنِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّاهُمْ، ثُمَّ قَالَ وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ وَسَمَّى الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ الْأَزْرَقِيُّ وَتَارِيخُ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي عَمَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي جَعْفَرٍ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ مَكَّةَ وَكَانَ عَلَى شُرْطَتِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسَافِعٍ الشَّيْبِيُّ جَدُّ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْمَقَامِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شُعَيْبِ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ يَقُولُ ذَهَبْنَا نَرْفَعُ الْمَقَامَ فِي زَمَنِ الْمَهْدِيِّ فَانْثَلَمَ إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُودِهِمْ فِي خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ وَهُوَ وَلَدُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وَمَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَزْرَقِيَّ وَالْفَاكِهِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَا رُبَاعَ مَكَّةَ ذَكَرَا جُمْلَةً مِنْ رُبَاعِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَلَمْ يَذْكُرَا أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى غَيْرِهِمْ كَمَا هِيَ عَادَتُهُمَا، وَفِي كَلَامِهِمَا مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَزْرَقِيُّ كَانَ مَوْجُودًا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَالْفَاكِهِيُّ كَانَ مَوْجُودًا بَعْدَ السَّبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمِنْ أَسْبَقِ النَّاسِ بِذَلِكَ وَلَهُمَا الْمَعْرِفَةُ التَّامَّةُ بِأَخْبَارِهَا، وَلَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ بَلْ كَلَامُهُمَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمَا وَلَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُنَبِّهَانِ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَبَّهَا عَلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ طَالَعَ كَلَامَهُمَا وَمِمَّا يَرُدُّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّرِيفِ النَّسَّابَةِ مَا ذَكَرَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَاضِي مَالِكٍ وَمُؤَلَّفُ كِتَابِ النَّسَبِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ دَفْعِ الْمِفْتَاحِ إلَى شَيْبَةَ، قَالَ: فَبَنُو أَبِي طَلْحَةَ هُمْ الَّذِينَ يَلُونَ سِدَانَةَ الْكَعْبَةِ دُونَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ عَاشَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ إلَى سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابِ جَمْهَرَةِ النَّسَبِ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ قَالَ: فَبَنُو أَبِي طَلْحَةَ هُمْ وُلَاةُ الْكَعْبَةِ إلَى الْيَوْمِ دُونَ سَائِرِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَعَاشَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ فِي تَرْجَمَةِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ وَنَصُّهُ: قَالَ أَبُو عُمَرَ شَيْبَةُ: هَذَا جَدُّ بَنِي شَيْبَةَ حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَعَاشَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمِمَّنْ قَدِمَ إلَيْهَا مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ الَّذِينَ لَوْ وَقَعَ هَذَا الْأَمْرُ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ كَالْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ وَابْنِ جُبَيْرٍ فِي رِحْلَتِهِ وَابْنِ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ لَهُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ وَالْقَاضِي تَقِيِّ الدِّينِ الْفَاسِيِّ، وَأَنَّهُ تَرْجَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي الْعِقْدِ الثَّمِينِ وَكَرَّرَ ذِكْرَهُمْ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَآلِيفِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَلْقَشَنْدِيُّ، فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي كِتَابِ نِهَايَةِ الْأَرِبِ فِي مَعْرِفَةِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِمْ إلَى زَمَنِهِ، وَقَدْ عَاشَ إلَى سَنَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّرِيفِ النَّسَّابَةِ حَقِيقَةً لَمَا خَفِيَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُحِبّ الطَّبَرِيِّ عَنْ الْوَاحِدِيِّ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ مَا دَامَ هَذَا الْبَيْتُ، فَإِنَّ الْمِفْتَاحَ وَالسِّدَانَةَ فِي أَوْلَادِ عُثْمَانَ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ اتِّصَالُ نَسَبِ ذُرِّيَّتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِنَا الْآنَ وَقَوْلُ الْوَاحِدِيِّ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْيَوْمَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَعَاشَ الْوَاحِدِيُّ إلَى سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: خَالِدَةً تَالِدَةً: أَشَارَ بِهِ إلَى بَقَاءِ عَقِبِهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ مِنْ إخْدَامِ سَيِّدِنَا

فوائد كانوا يقولون لا يفتح الكعبة إلا الحجبة

مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكَعْبَةَ عَبِيدًا، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى انْقِرَاضِ الْحَجَبَةِ؛ لِأَنَّ خُدَّامَ الْكَعْبَةِ غَيْرُ وُلَاةِ فَتْحِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ إلَى زَمَانِنَا، وَكَثِيرًا يَقَعُ فِي كَلَامِ الْأَزْرَقِيِّ وَالْفَاكِهِيِّ ذِكْرُ الْحَجَبَةِ، ثُمَّ ذِكْرُ خَدَمَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ عَبِيدِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ انْقِرَاضُهُمْ فِي زَمَانِ سَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالنُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ صَرِيحَةٌ فِي بَقَائِهِمْ بَعْدَهُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، بَلْ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَاشَ إلَى أَيَّامِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِمْ إلَى زَمَانِهِ، وَقَدْ عَاشَ إلَى سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَلَوْ انْقَرَضُوا لَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَالْمَقْطُوعِ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقِفَ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ عَلَى مَا نَقَلَ الشَّرِيفُ النَّسَّابَةُ خُصُوصًا مَعَ مَا قَوَّى بِهِ مِمَّا نُسِبَ لِسَيِّدِنَا مُعَاوِيَةَ فَيُتَوَهَّمُ خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ مَا أَشَارَ الْعُلَمَاءُ إلَى اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ مِنْ بَقَائِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [فَوَائِدُ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَفْتَحُ الْكَعْبَةَ إلَّا الْحَجَبَةُ] (فَوَائِدُ الْأُولَى) ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَخَذَ الْمِفْتَاحَ مِنْ عُثْمَانَ فَتَحَهَا بِيَدِهِ، وَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَفْتَحُ الْكَعْبَةَ إلَّا الْحَجَبَةُ. (الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَانَ كَانَ مُضْطَبِعًا عَلَيْهِ رِدَاءَهُ مُغَيِّبًا لَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ، وَقَالَ: غَيِّبُوهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلِذَلِكَ يُغَيَّبُ الْمِفْتَاحُ، انْتَهَى. (قُلْتُ:) فَلِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يُرْخُونَ سِتْرَ الْبَابِ حِينَ فَتْحِهِ وَحِينَ إغْلَاقِهِ [سُنَّة الْمَكِّيِّينَ إذَا ثَقَلَ لِسَانُ الصَّبِيِّ] (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْفَاكِهِيُّ أَيْضًا: كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْمَكِّيِّينَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ إذَا ثَقَلَ لِسَانُ الصَّبِيِّ وَأَبْطَأَ كَلَامُهُ عَنْ وَقْتِهِ جَاءُوا بِهِ إلَى حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ فِي فَمِهِ فَيَأْخُذُونَهُ الْحَجَبَةُ فَيَدْخُلُونَ خِزَانَةَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ يُغَطُّونَ وَجْهَهُ، ثُمَّ يُدْخَلُ مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي فَمِهِ فَيَتَكَلَّمُ سَرِيعًا وَيَنْطَلِقُ لِسَانُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مُجَرَّبٌ بِمَكَّةَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَإِلَى عَصْرِنَا هَذَا، وَهُوَ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِمِائَةٍ (قُلْتُ:) وَإِلَى وَقْتِنَا هَذَا، وَهُوَ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَلَا يَخُصُّونَ بِذَلِكَ مَنْ ثَقَلَ لِسَانُهُ بَلْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِالصِّغَارِ مُطْلَقًا تَبَرُّكًا بِذَلِكَ وَرَجَاءَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالْحِفْظِ وَالْفَهْمِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَا آبَاؤُنَا وَفَعَلْنَاهُ بِأَوْلَادِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ . ص (وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَلَوْ لِصَلَاةٍ) ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ وَفِي الْكِتَابِ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ، فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَالْمُدْرَكُ إمَّا لِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الْعَادَةُ تَلْزَمُ أَحَدَهُمَا، وَإِمَّا لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ بِأَحَدِهِمَا، فَكَانَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَيْهِمَا بِالِالْتِزَامِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ النَّاذِرُ الْمَشْيَ إنْ نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ طَوَافًا أَوْ صَلَاةً لَزِمَهُ، وَيَدْخُلُ مُحْرِمًا إذَا نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَإِنْ نَوَى طَوَافًا يَتَخَرَّجُ دُخُولُهُ مُحْرِمًا عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ حَلَالًا، وَنَاذِرُ السَّعْيِ يُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَسْقُطُ نَذْرُهُ أَوْ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِانْفِرَادِهِ، فَيُصَحِّحُ نَذْرَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَتَى مَكَّةَ وَوَفَّى بِنَذْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي لِلنَّفْلِ، فَإِنْ نَوَى الْوُصُولَ خَاصَّةً، وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَانَ نَذْرُهُ مَعْصِيَةً فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْمَشْيِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ مَشْيٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَنَوَى الْوُصُولَ وَيَعُودُ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَفَضِيلَةٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا مَشْيَ وَلَا غَيْرَهُ، أَوْ يَكُونُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي نَذْرِهِ وَوُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ فَيَكُونُ نَذْرُهُ مَعْصِيَةً، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وُجُوبًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْكِسَ نَذْرَهُ فِي

طَاعَةٍ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذَا وَجَدَ الِاسْتِطَاعَةَ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْمَشْيِ إذَا وَجَدَ التَّمَكُّنَ مِنْ ذَلِكَ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لَا مِنْ مَوْضِعِهِ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي مَشْيِ الْمَنَاسِكِ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ، فَقَالَ مَالِكٌ يَمْشِي الْمَنَاسِكَ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ يَرْكَبُهَا، وَرَجَعَ مَالِكٌ مَرَّةً لِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنْ جَهِلَ فَرَكِبَ الْمَنَاسِكَ وَمَشَى ذَلِكَ قَابِلًا، فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَمْ يَرَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَجَزَ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِيمَا ظَنَنْتُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ رَأَى أَنَّ مَشْيَهُ الْأَوَّلَ يُجْزِئُهُ وَأَرْخَصَ فِي الرُّكُوبِ إلَى عَرَفَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ إنَّمَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فَجَعَلَ غَايَةَ مَشْيِهِ إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْحَجَّ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مِصْرَ فِي حَجٍّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا إلَى مِصْرَ لَمْ يَرْكَبْ وَيَحُجُّ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فِي حَجٍّ يَمْشِي إلَى مَكَّةَ وَيَرْكَبُ فِيمَا سِوَاهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَشْيَ الْمَنَاسِكِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَفَاضَ فَلِعَادَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فِي حَجٍّ، وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْحَجُّ مَاشِيًا فَالظَّاهِرُ لُزُومُ مَشْيِهِ الْجَمِيعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، بَلْ اللَّازِمُ لَهُ الْمُضِيُّ إلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَسِيرُ إلَيْهَا جَمِيعِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسُ) الْقَائِلُ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ هُوَ الْكَعْبَةُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ لِاشْتِهَارِهِ، وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالرَّجْرَاجِيَّ وَأَبَا الْحَسَنِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (خَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ) ش شَمِلَ قَوْلُهُ بِهَا مَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِعُمْرَةٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا سَوَاءٌ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى مَكَّةَ، وَكَذَا مَنْ كَانَ خَارِجَهُ وَنَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ خَارِجَهُ وَنَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ فَذَكَرُوا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ بِهَا خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ أَنْ يَأْتِيَ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَوَائِلُ الْحِلِّ، وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، وَقَالَ مَرَّةً يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِعُمْرَةٍ، انْتَهَى. وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْحِلِّ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ خَرَجَ رَاكِبًا وَمَشَى مِنْ الْحِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مِنْ حَيْثُ نَوَى) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُجَوِّزُ نَذْرَ التَّحْلِيقِ فِي الْمَشْيِ كَنَذْرِ مَدَنِيٍّ مَشْيًا إلَى الْعِرَاقِ أَوْ الشَّامِ، انْتَهَى. ص (وَلِحَاجَةٍ) ش: أَيْ نَسِيَهَا

وَرَجَعَ إلَيْهَا. ص (وَرَجَعَ وَأَهْدَى إنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ أَوْ الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ نَحْوُ الْمِصْرِيِّ فَيَرْجِعُ قَابِلًا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) الْهَدْيُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إنَّمَا يُهْدِي إذَا حَجَّ ثَانِيَةً، وَلَا يُقَدِّمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ هُنَا أَجْزَأَهُ، قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَا يَجْعَلُ مَشْيَهُ الْأَوَّلَ، وَلَا الثَّانِيَ فِي فَرِيضَةٍ. (الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا رَكِبَ فِي الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَحُجُّ رَاكِبًا وَيَمْشِي فِي الْمَنَاسِكِ يَعْنُونَ بِهِ إذَا سَافَرَ مِنْ مَكَّةَ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ لَحَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا وَأَجْزَأَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْفَرْعِ الْخَامِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) لَوْ رَكِبَ فِي مَشْيِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ ثَانِيًا، فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ وَحَجَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَمَدٍ أَجْزَأَهُ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ. (الْخَامِسُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ اُنْظُرْ إذَا عَجَزَ فَرَكِبَ هَلْ يَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْتَدِئُ الرُّكُوبَ مِنْ هُنَاكَ، ثُمَّ يَمْشِي مَا رَكِبَ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى حَيْثُ ابْتَدَأَ مِنْهُ الرُّكُوبَ فَيَمْشِي مَا رَكِبَ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِهِ فَيَبْتَدِئُ الرُّكُوبَ مِنْ هُنَاكَ فَيَرْكَبُ مَا مَشَى، ثُمَّ يَمْشِي مَا رَكِبَ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَوْ مَشَى أَوَّلًا شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ هَذَا يَعْنِيَ الرُّكُوبَ قَالَ: يَمْشِي مِنْ حَيْثُ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَاعْتَدَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَشْيِ الْمُنْفَرِدِ، انْتَهَى. ص (فَيَمْشِي مَا رَكِبَ) ش: هَذَا إذَا عَلِمَ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مَشْيُ الْجَمِيعِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَابْنَ عَرَفَةَ

ص (إنْ ظَنَّ أَوَّلًا الْقُدْرَةَ وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورُهُ وَرَكِبَ وَأَهْدَى فَقَطْ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْهَدْيَ وَاجِبٌ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَبٌّ فَانْظُرْهُ. ص (وَلَوْ قَادِرًا) ش: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ خِلَافُ مَا نَسَبَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِلْمَذْهَبِ وَاللَّخْمِيُّ أَنَّ الْقَادِرَ إذَا رَكِبَ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ ثَانِيَةً، وَلَا يُجْزِئُهُ الْمَشْيُ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. ص (وَكَانَ فَرَّقَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) ش ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهُ عَدَّهُ فِي جُمْلَةِ النَّظَائِرِ الْوَاجِبِ فِيهَا الْهَدْيُ وَلَمْ أَرَ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِلُزُومِ الْهَدْيِ مَعَ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ وُجُوبُ الْهَدْيِ مِمَّا قَالُوا فِيمَا إذَا أَفْسَدَهُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِلْفَسَادِ وَهَدْيٌ لِتَبْعِيضِ الْمَشْيِ فَتَأَمَّلْهُ، وَكَذَلِكَ الْفَرْعُ الَّذِي قَبْلَهُ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَى لُزُومِ الْهَدْيِ غَيْرَ ابْنِ غَازِيٍّ وَلَمْ يَعْزُهُ، وَلَكِنَّ لُزُومَ الْهَدْيِ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ ثَالِثَةً، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَيَلْزَمُ الْهَدْيُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (يَمْشِي عَقَبَةً وَيَرْكَبُ أُخْرَى) ش: الْعَقَبَةُ سِتَّةُ أَمْيَالٍ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. ص (وَلَوْ أَفْسَدَ أَتَمَّهُ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) ش: هَذَا أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا اُنْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ، وَعِبَارَةُ

الْمُصَنِّفِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُصَرِّحْ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ هَلْ يَتَمَادَى بَعْدَ الْإِفْسَادِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ؛ لِأَنَّ إتْمَامَهُ لَيْسَ مِنْ النَّذْرِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِتْمَامِ الْحَجِّ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ صَرَّحَ بِهِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ: وَمُسَاوَاتُهُ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ حَيْثُ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ يَمْضِيَ مَاشِيًا إلَى تَمَامِ حَجِّهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ لَا يُجْزِئُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ لِفَسَادِ الْحَجِّ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ رَكِبَ أَوْ مَشَى، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْمَذْكُورِ وَنَقَلَهُ الصَّقَلِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ، فَقَالَ: وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يَمْشِي مِنْ مِيقَاتِهِ وَيُجْزِئُهُ الْمَشْيُ الَّذِي مَشَى مِنْ حَيْثُ حَلَفَ إلَى الْمِيقَاتِ خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ رَكِبَ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ عَنْ الْمَشْيِ أَعَادَ الْمَشْيَ كُلَّهُ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ مَشْيَهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَيُهْدِي لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ فَرَّقَ مَشْيَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَطِئَهُ نَاسِيًا يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا، انْتَهَى. . ص (وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ قَرَنَ يُرِيدُ بِالْعُمْرَةِ الْمَشْيَ عَلَيْهِ وَبِالْحَجِّ فَرِيضَتَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ، كَمَنْ نَذَرَ مَشْيًا فَحَجَّ مَاشِيًا وَهُوَ صَرُورَةٌ يَنْوِي بِذَلِكَ نَذْرَهُ وَفَرِيضَتَهُ أَجْزَأَهُ لِنَذْرِهِ لَا لِفَرْضِهِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَرِيضَةِ قَابِلًا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ: مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ عَنْ نَذْرِهِ وَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ عَنْ فَرْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ فَرْضِهِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْعُمْرَةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرْتَدَفُ، وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَا تَرْتَدِفُ بِحَيْثُ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ جَازَ عَنْهُمَا وَكَانَ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْحَلَّاقِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا مَشَى لِنَذْرِهِ حَتَّى بَلَغَ مِيقَاتَهُ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ نَوَى بِهَا فَرْضَهُ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ لِفَرْضِهِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مِيقَاتِهِ لِيَمْشِيَ مَا بَقِيَ مِنْ نَذْرِهِ، انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا وَلَا نَذْرًا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْحَجِّ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْفَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ. ص (ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ) ش: يَعْنِي إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الضَّرُورَةِ جَعْلُهُ فِي عُمْرَةٍ، ثُمَّ يَحُجُّ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أَحْرَمَ إنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا) ش يَعْنِي أَنَّ النَّاذِرَ لِلْإِحْرَامِ إذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا، فَإِنَّهُ يَوْمَ يَفْعَلُهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ نَذَرَ

الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَدَاءُ الْإِحْرَامِ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا إنْ قَيَّدَهُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان لَزِمَ مِنْهُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَزَاهُ الشَّيْخُ لِلْمَوَّازِيَّةِ. (قُلْتُ) هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِزِيَادَةٍ، وَلَوْ نَوَاهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، انْتَهَى. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ قَالَ إذَا كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ كَلَّمَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَى دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ مِنْ يَوْمَ حَنِثَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَقْتَ حِنْثِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ صَحَابَةً وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيُؤَخِّرْ حَتَّى يَجِدَ فَيُحْرِمُ حِينَئِذٍ، وَإِحْرَامُهُ بِذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ مَوْضِعِهِ لَا مِنْ مِيقَاتِهِ إنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَمَنْ قَالَ: أَنَا مُحْرِمٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، فَإِنَّهُ يَوْمَ يُكَلِّمُهُ مُحْرِمٌ، وَقَوْلُهُ: يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا فَأَنَا أُحْرِمُ بِحَجَّةٍ كَقَوْلِهِ: فَأَنَا مُحْرِمٌ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ إلَى دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا إنْ كَانَ يَصِلُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ مِنْ بَلَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ وَقْتِ حِنْثِهِ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ مِنْ وَقْتِ يَصِلُ فِيهِ إلَى مَكَّةَ وَيُدْرِكُ الْحَجَّ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ بَلْ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَحْرَمَ، وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ أَيْ إذَا جَاءَ وَقْتُ خُرُوجِ النَّاسِ خَرَجْتُ وَأَنَا وَحْدِي وَعَلَيْهِ يَدُلُّ لَفْظُهُ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَقَوْلُهُ فِي الْعُمْرَةِ يُحْرِمُ وَقْتَ حِنْثِهِ حُكِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا وَقْتَ لَهَا، فَلِذَا وَجَبَ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَقْتَ حِنْثِهِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ صَحَابَةً، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُحْرِمُ وَيَبْقَى حَتَّى يَجِدَ صَحَابَةً، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعِهِ لَا مِنْ مِيقَاتِهِ، وَقِيلَ: مِنْ مِيقَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَوْمَ يُكَلِّمُهُ مُحْرِمٌ ظَاهِرُهُ يَكُونُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ إحْرَامٍ وَبِهَذَا الظَّاهِرِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَسْتَأْنِفُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَقَوْلُهُ يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا فَأَنَا أُحْرِمُ بِحَجَّةٍ كَقَوْلِهِ فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ، اتَّفَقَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ، وَهُوَ مَنْصُوصٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: مُحْرِمٌ هَلْ يَكُونُ مُحْرِمًا حِينَئِذٍ أَوْ يَسْتَأْنِفُ؟ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ حَتَّى يُحْرِمَ صَحَّ مِنْهُ، فَفَرَّقَ سَحْنُونٌ بَيْنَ أَنَا مُحْرِمٌ وَأَنَا أُحْرِمُ، وَسَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَهُمَا، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّمَا قَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِالْحَصْرِ، قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِالشَّرْطِ، قَالَ: فَإِذَا وَجَبَ شَرْطٌ وَجَبَ حُصُولُهُ أَصْلُهُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُضَيَّقَةٌ فِي بَابِ النِّيَّةِ عَنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وُسِّعَ فِي نِيَّتِهِ مَا لَمْ يُوَسَّعْ فِي غَيْرِهِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَعِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُحْرِمُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَيَكُونُ إذَا أَفَاقَ مُحْرِمًا بِذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يَسْتَأْنِفَ إحْرَامًا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ صَحَّ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ سَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنَا مُحْرِمٌ، وَأَنَا أُحْرِمُ فَأَوْجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ حَتَّى يُحْرِمَ بَعْدَ الْحِنْثِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا: هُوَ خِلَافٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَدِيمًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ لَمَّا وُجِدَتْ لَفْظَةُ مُحْرِمٍ مُشْتَرِكًا فِيهَا الْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ، فَلَمْ يَكُنْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِالشَّكِّ حَتَّى يُحْدِثَ إحْرَامًا مُسْتَقْبَلًا، فَصَحَّ بِهَذَا أَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَأَنَا أُحْرِمُ فَبِاتِّفَاقٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا إلَّا بِتَجْدِيدِ إحْرَامٍ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ صَوَابُهُ بِنَفْسِ الْحِنْثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا أُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَكَلَّمَهُ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُحْرِمٌ، فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَكُونُ مُحْرِمًا، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي مَعْنَاهُ، وَاسْتُشْكِلَ كَوْنُهُ

مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ، وَهُوَ حَقِيقٌ بِالْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَمَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ . ص (كَالْعُمْرَةِ مُطْلِقًا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مُطْلِقًا بِكَسْرِ اللَّامِ يَعْنِي لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا، بَلْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا وَقْتَ حِنْثِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ صَحَابَةً وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤَخِّرُ حَتَّى يَجِدَ. ص (إلَّا الْحَجَّ) ش: يَعْنِي فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ فَكَلَّمَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَى دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَى مَكَّةَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ فِيهَا فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْ حِينِ يَصِلُ فِيهِ وَيُحْرِمُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ. ص (وَالْمَشْيُ) ش: يَعْنِي إذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ عَلَى الْفَوْرِ؟ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ وَخُرِّجَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فِي الْفَوْرِيَّةِ لَا فِي الْإِحْرَامِ، وَالْمَشْهُورُ التَّرَاخِي يَعْنِي وَخَرَجَ قَوْلُهُ: بِالْفَوْرِيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ التَّرَاخِي ثَبَتَ فِي نُسْخَتِي وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُورُ كَذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ وَالْمَشْيُ وَسِيلَةٌ وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا فِي الْإِحْرَامِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي قَوْلِهِ: عَلَى الْمَشْيِ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ يُرِيدُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَوْضِعِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: فَأَنَا مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ هُنَا صَرَّحَ بِالْإِحْرَامِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ الْمَشْيُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ وَإِحْرَامُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ، فَهَذَا يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِهِ، جَعَلَ مَشْيَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يَلْزَمُ الْفَوْرُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِيمَنْ نَذَرَ إحْرَامًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إنْ فَعَلَ كَذَا، فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَيِّدَ يَمِينَهُ بِوَقْتٍ أَوْ لَا يُقَيِّدُهَا، فَإِنْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَكَانَتْ يَمِينُهُ بِحَجٍّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ يَوْمَ يَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا يَوْمَ كَلَّمَهُ وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ، وَهَلْ يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إحْرَامٍ، وَيُحْرِمُ بِهِ فَيَصِيرُ بِإِحْرَامِهِ مُحْرِمًا، فَأَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ حَتَّى يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْفِعْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ، فَإِنْ تَمَكَّنَ لَهُ الْخُرُوجُ خَرَجَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُصِيبَ الطَّرِيقَ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ يَمِينَهُ بِوَقْتٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ أَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَأَمَّا الْحَجُّ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَحْنَثَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِهِ، فَإِنْ حَنِثَ قَبْلَهَا، فَإِمَّا فِي قَوْلِهِ: أَنَا أُحْرِمُ، فَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُحْرِمًا إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَهَا لَا يَجُوزُ، فَإِذَا حَنِثَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَخَّرَ حَتَّى تَدْخُلَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَيَكُونُ مُحْرِمًا يَوْمَ حَنِثَ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ إذَا أَخَّرَ الْخُرُوجَ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَصِلْ وَلَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، فَإِذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فِي طَرِيقِهِ أَحْرَمَ، فَإِنْ حَنِثَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَيُكَلَّفُ الْخُرُوجَ لِيُوفِيَ بِعُهْدَةِ يَمِينِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَأَنَا مُحْرِمٌ هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: فَأَنَا أُحْرِمُ وَالْمَذْهَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَهُ فَأَنَا مُحْرِمٌ كَقَوْلِهِ: فَأَنَا أُحْرِمُ، فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ فِي أَنَا مُحْرِمٌ، وَفِي أَنَا أُحْرِمُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِهَا، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ أَوْ لَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ

فرع كلمه فحنث بالحج ولا يمكن أن يدرك الحج

الْخُرُوجُ وَوَجَدَ الْأَصْحَابَ، فَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَّا مُتَأَوِّلًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مَعَ الِانْتِظَارِ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ إلَّا مَعَ الْمَشْيِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ، انْتَهَى. وَفِي كَلَامِهِ تَعَارُضٌ؛ لِأَنَّهُ حَكَى أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي أَنَا أُحْرِمُ بِنَفْسِ الْحِنْثِ بِلَا خِلَافٍ، ثُمَّ ذَكَرَ إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِي قَوْلِ سَحْنُونٍ وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ مُحْرِزٍ وَأَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَكَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَكُونُ مُحْرِمًا إذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ يَعْنِي يُؤْمَرُ بِالْإِحْرَامِ إذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ لَا أَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ دُخُولِهَا إذْ لَا قَائِلَ بِهِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَصِلُ إذَا خَرَجَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ يُحْرِمُ وَيُؤَخِّرُ الْإِحْرَامَ إلَى دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، هُوَ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْتَ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ نَوَى تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا نَوَى أَوْ صَرَّحَ بِهِ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِهِ هُنَا وَكَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ إنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ أَوْ حَلَفَ بِهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ، فَإِنْ قَيَّدَهُ بِيَوْمٍ يُرِيدُ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي سَمَّاهُ أَوْ نَوَاهُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ: وَعَجَّلَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ فِي قَوْلِهِ: أَنَا مُحْرِمٌ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْقِسْمِ الْمُقَيَّدِ ذَكَرَ الْمُطْلَقَ وَبَدَأَ بِالْعُمْرَةِ، فَقَالَ: كَالْعُمْرَةِ مُطْلِقًا وَيَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِعُمْرَةٍ مُطْلِقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ لَا بِلَفْظٍ، وَلَا بِنِيَّةٍ كَمَنْ قَيَّدَهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَ الْإِحْرَامَ بِهَا يَوْمَ حِنْثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَوْلُهُ: مُطْلِقًا بِكَسْرِ اللَّامِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَيْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ وُجُودُ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً أَخَّرَ الْإِحْرَامَ حَتَّى يَجِدَ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ، ثُمَّ قَالَ لَا الْحَجُّ يَعْنِي الْحَجَّ الْمُطْلَقَ، فَإِذَا نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مُطْلِقًا غَيْرَ مُقَيِّدٍ إحْرَامَهُ بِزَمَنٍ لَا بِلَفْظٍ، وَلَا بِنِيَّةٍ، ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ حَتَّى تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ إنْ كَانَ يَصِلُ فِيهَا إلَى مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ وَيَخْرُجَ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ كَمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ خِلَافًا لِلْقَابِسِيِّ فِي قَوْلِهِ: يَدْخُلُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَحْرَمَ، وَاسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَيْثُ لِلزَّمَانِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ لِلْمَكَانِ اتِّفَاقًا، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَقَدْ تَرِدُ لِلزَّمَانِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَظْهَرِ نُوقِشَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا هُوَ لِابْنِ يُونُسَ لَا لِابْنِ رُشْدٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَا الْمَشْيُ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ قَوْلَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا لَا بِلَفْظٍ، وَلَا بِنِيَّةٍ فَالْقَوْلُ بِالْفَوْرِ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ النُّذُورَ الْمُطْلَقَةَ مَحَلُّهَا عَلَى الْفَوْرِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ، وَتَأَوَّلَ الْبَاجِيُّ قَوْلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. [فَرْعٌ كَلَّمَهُ فَحَنِثَ بِالْحَجِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَ الْحَجَّ] (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَوْ كَلَّمَهُ فَحَنِثَ بِالْحَجِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَ الْحَجَّ لِضِيقِ الْوَقْتِ، قَالُوا: يُحْرِمُ وَيُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْيَوْمِ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ قَوْلِهِ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا حَنِثَ فِي الْمُطْلَقِ وَكَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَلَا يَلْزَمُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي رِتَاجِهَا أَوْ حَطِيمِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْقَضُ فَتُبْنَى، وَالرِّتَاجُ: الْبَابُ، وَالْحَطِيمُ: مَا بَيْنَ الْبَابِ إلَى

فروع الأول قال أنا أضرب بمالي أو بشيء منه بعينه حطيم الكعبة أو الركن

الْمَقَامِ، زَادَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلَا غَيْرَهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحَطِيمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ عَلَيْهِ يَتَحَطَّمُ النَّاسُ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَعَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ حَبِيبٍ ذَلِكَ كُلُّهُ حَطِيمُ الْجِدَارِ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَالْفَضَاءُ الَّذِي بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ الْآنَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضٍ فِي الْمَشَارِقِ: وَالْحَطْمُ الْهَلَاكُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَلَاكِ الْجَبَابِرَةِ هُنَاكَ بِالدُّعَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ تَحْطِيمِ الذُّنُوبِ، وَالْحَطْمُ هُوَ الِانْكِسَارُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي بِنَائِهَا، فَلِذَلِكَ قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ نَوَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَنُقِلَ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَرَى أَنْ يَسْأَلَ، فَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فِي الْكَعْبَةِ فَيَدْفَعُ ثُلُثَهُ لِلْخَزَنَةِ يَصْرِفُونَهُ فِي مَصَالِحِهَا، فَإِنْ اسْتَغْنَتْ عَنْهُ بِمَا أَقَامَهُ السُّلْطَانُ مِنْ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ شَيْئًا، وَلَا أَعْرِفُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَأْوِيلًا، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ أَحَبُّ إلَيَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَنَصَّهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ: مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ لَا كَفَّارَةِ يَمِينٍ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ: مَالِي فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ طِيبِهَا أَهْدَى ثُلُثَ مَالِهِ يَدْفَعُهُ إلَى الْحَجَبَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُلُوكَ تَكَفَّلَتْ بِالْكَعْبَةِ، وَلَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَكْسُوهَا، وَالْحَجَبَةُ لَا يُؤْمَنُونَ فِي الْغَالِبِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَهُوَ يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنْ قَصُرَ يَعْنِي ثَمَنَ الْهَدْيِ عَنْ التَّعْوِيضِ، فَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَفِيهَا أَيْضًا يَبْعَثُهُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفَقُ عَلَيْهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشْعَرَ قَوْلُهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا، وَفِي قَوْلِ مَالِكٍ إشْكَالٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوجِبُ لِنِسْبَةِ ذَلِكَ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْقَضُ وَتُبْنَى، وَلَا يَكْسُوهَا إلَّا الْمُلُوكُ، وَيَأْتِيهَا مِنْ الطِّيبِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَهِيَ إنْ كَانَتْ تُكْنَسُ فَمَكَانِسُهَا مِنْ خُوصٍ قَبْلَ الْكَنْسِ لَا تُسَاوِي الْفَلْسَ وَبَعْدَهُ تُسَاوِيَ الدِّرْهَمَ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهُ الْخَزَنَةُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَصْدِ النَّاذِرِ فِي شَيْءٍ لَكِنْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا يَدْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ الْكَعْبَةُ تَصَدَّقَ بِهِ، وَسَاقَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَلِقُوَّةِ ذَلِكَ عِنْدَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَهُ وَقَبِلَهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ هَارُونَ فَمَا أَدْرِي تَصَحَّفَ عَلَيْهِ أَمْ قَالَهُ ابْنُ هَارُونَ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ أَوْ الرُّكْنَ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ أَوْ الرُّكْنَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِكَذَا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَلْيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُرِدْ حُمْلَانَ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى عُنُقِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ أَرَادَ حُمْلَانَهُ وَكَانَ يَقْوَى عَلَى حَمْلِهِ فَكَذَلِكَ يَحُجُّ أَوْ يَعْتَمِرُ رَاكِبًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْوَى عَلَى حَمْلِهِ مَشَى وَأَهْدَى، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا قَالَ: أَنَا أَضْرِبُ بِكَذَا لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوْ الْكَعْبَةَ وَأَرَادَ حَمْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ مَشَى إلَى الْبَيْتِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَأَهْدَى، فَلَا يَحْمِلُهُ، ثُمَّ يَدْفَعُ مَا سَمَّى إنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ هَدْيٍ إلَى خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ اُنْظُرْ الْهَدْيُ هُنَا خَفِيفٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَضْرِبُ بِمَالِي حَطِيمَ الْكَعْبَةِ، أَيْ أَسِيرُ بِهِ وَأُسَافِرُ بِهِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى

الفرع الثاني النذر للكعبة

{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] أَيْ سَافَرْتُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ضَرَبَ الْمُقَارِضُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرُ بِهِ وَيَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ لِابْتِغَاءِ الرِّزْقِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الضَّرْبِ بِمَالِهِ الْكَعْبَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ مِنْ فَاعِلِهِ وَغَيْرُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ لَهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَحَمَلَ اللَّخْمِيُّ هَذَا عَلَى الضَّرْبِ حَقِيقَةً، قَالَ: ظَاهِرُهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الضَّرْبَ الَّذِي هُوَ السَّيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: قَوْلُهُ هُنَا يُنَاقِضُ مَا قَالَ فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ الِانْطِلَاقُ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ أَنَا أَضْرِبُ قَدْ عَبَّرَ بِلَفْظٍ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَبِغَيْرِ لَفْظِ الرُّكُوبِ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُهُ الشَّيْخُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَا ذَكَرَ الْبَيْتَ أَوْ بَعْضَهُ، وَهُنَاكَ إنَّمَا ذَكَرَ مَكَّةَ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ أَضَافَ السَّيْرَ وَالذَّهَابَ إلَى الْبَيْتِ لَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ هُنَا يَلْزَمُهُ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَضْرِبُ بِكَذَا فِي الْبَيْتِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الضَّرْبَ الْحَقِيقِيَّ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ السَّيْرَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَمْلَهُ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ رَاكِبًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ حَمْلَهُ فَعِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ يَفْصِلُ فِيهِ إنْ كَانَ يَقْوَى عَلَيْهِ فَمِثْلُ الْأَوَّلِ وَإِلَّا مَشَى وَأَهْدَى، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي وَيُهْدِي وَيَدْفَعُ مَا سَمَّى إنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ هَدْيٍ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكَ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَنْزُ الْكَعْبَةِ الْمَالُ الْمُجْتَمِعُ مِمَّا يُهْدَى إلَيْهَا بَعْدَ نَفَقَةِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ كَنْزِ الْكَعْبَةِ مَا تُحَلَّى بِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حِلْيَتَهَا حَبْسٌ عَلَيْهَا كَحُصْرِهَا وَقَنَادِيلِهَا لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي غَيْرِهَا، وَحُكْمُ حُلِيِّهَا حُكْمُ حِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحْبَسَيْنِ، انْتَهَى. [الفرع الثَّانِي النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ] (الثَّانِي) وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهَا خِدْمَتَهَا وَهُوَ الْغَالِبُ، أَوْ مُطْلَقَ أَهْلِ الْحَرَمِ فَيُصْرَفُ لِمَنْ قَصَدَ، أَوْ يَقْصِدَ أَنْ يُصْرَفَ فِي مَصَالِحِهَا، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا أَوْ طِيبِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُصْرَفَ فِي غَالِبِ مَا يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِنُذُورِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرع الثَّالِثُ وَنَذْرُ شَيْءٍ لِمَيِّتٍ صَالِحٍ مُعَظَّمٍ فِي نَفْسِ النَّاذِرِ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَذْرُ شَيْءٍ لِمَيِّتٍ صَالِحٍ مُعَظَّمٍ فِي نَفْسِ النَّاذِرِ لَا أَعْرِفُ نَصًّا فِيهِ، وَأَرَى إنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ كَوْنِ الثَّوَابِ لِلْمَيِّتِ تَصَدَّقَ بِهِ بِمَوْضِعِ النَّاذِرِ، وَإِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لِقَبْرِهِ أَوْ زَاوِيَتِهِ تَعَيَّنَ لَهُمْ إنْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ لَهُمْ، انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَقَالَ: الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ: وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا الْإِمَامَ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ عَمَّا يَأْتِي إلَى الْمَوْتَى مِنْ الْفُتُوحِ وَيُوعَدُونَ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ بَلَّغْتَ كَذَا لِسَيِّدِي فُلَانٍ كَذَا مَا يُصْنَعُ بِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قَصْدِ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنْ قَصَدَ نَفْعَ الْمَيِّتِ تَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ يَكُونُونَ عِنْدَهُ فَلْيُدْفَعْ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ فَلْيُنْظَرْ عَادَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي قَصْدِهِمْ الصَّدَقَةَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ ذُرِّيَّةُ الْوَلِيِّ فِيمَا يُؤْتَى بِهِ إلَيْهِ مِنْ الْفُتُوحِ فَلْيُنْظَرْ قَصْدَ الْآتِي بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ حُمِلَ عَلَى الْعَادَةِ فِي إعْطَاءِ ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لَهُمْ أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَسَمِعْتُهُ حِينَ سُئِلَ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى سَيِّدِي مُحْرِزٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَقَالَ: يُعْطِي ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ عَلَى بَابِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ: وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا إذَا عَلِمْنَا نَذْرَهُ وَجَهِلْنَا قَصْدَهُ وَتَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ فَعَلَى مَاذَا يُحْمَلُ؟ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ بِمَوْضِعِ النَّاذِرِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَنْذِرُ شَيْئًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (أَوْ أَهْدَى لِغَيْرِ مَكَّةَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا الْتَزَمَ هَدْيًا لِغَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يَفْعَلْهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَسَوْقُ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ

تنبيهات فرق بين قوله لحر أنا أهديك وقوله لعبد غيره هو هدي

انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا يَكُونُ قُرْبَةً إذَا كَانَ لِمَكَّةَ يُرِيدُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّذْرِ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّقًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا شَكَّ أَنَّ نَاذِرَ الْهَدْيِ وَفِي مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ بَدَنَةٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَذْرًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِبَلَدٍ، أَوْ مُقَيَّدًا بِبَلَدٍ، وَالْبَلَدُ إمَّا مَكَّةَ أَوْ غَيْرُهَا، وَالْحُكْمُ فِي الثَّانِي مِنْ الْأَقْسَامِ بَيِّنٌ وَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ وَمِنًى مَحَلُّ الْهَدَايَا، وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ تَكَلَّمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشَارَ فِيهَا إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: وَسَوْقُ الْبُدْنِ لِغَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ وَالْمُصَنِّفِ لَمَّا كَانَ مَذْهَبُهُ الِاخْتِصَارَ اعْتَمَدَ الْكَلَامَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الثَّالِثِ يَسْتَلْزِمُ الْكَلَامَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَنْعَكِسُ أَعْنِي إذَا كَانَ مَنْ سَمَّى غَيْرَ مَكَّةَ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا بِمَكَّةَ فَأَحْرَى مَنْ لَمْ يُسَمِّ أَوْ سَمَّاهَا، وَهُوَ بَيِّنٌ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُوهِمُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ هَدْيًا لِغَيْرِ مَكَّةَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمَكَّةَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَحْرُهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ، فَإِنْ أَرَادَ نَحْرَهُ، فَإِنَّمَا يَنْحَرُ بِمَكَّةَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ اللَّخْمِيِّ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: عَلَيَّ لِلَّهِ أَنْ أَنْحَرَ بَدَنَةً، أَوْ قَالَ: لِلَّهِ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ ابْنُ يُونُسَ أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا يَنْحَرُ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ بَدَنَةٍ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ بِمَكَّةَ. (قُلْتُ) يُرِيدُ أَوْ بِمِنًى بِشَرْطِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ نَحْرِهِ بِيَوْمِ النَّحْرِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِمِنًى بِشَرْطِهِ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَا بَعْدَ يَوْمَ النَّحْرِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ نَحْرُ الْهَدْيِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ أَشْهَبَ مَنْ حَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَعَهُ هَدْيُ تَطَوُّعٍ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَذَرَهُ بِمِنًى، فَإِنْ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ قَبْلَ عَرَفَةَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلَّهِ عَلَيَّ جَزُورٌ أَوْ أَنْ أَنْحَرَ جَزُورًا فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ، وَلَوْ نَوَى مَوْضِعًا أَوْ سَمَّاهُ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَيْهِ كَانَتْ الْجَزُورُ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ نَذَرَهَا لِمَسَاكِينِ بَلَدِهِ، وَهُوَ بِغَيْرِهَا فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ مَنْ عِنْدَهُ، وَسَوْقُ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَمُقَابِلُهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِمِصْرَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهَا إنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا بِمَوْضِعِهِ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً إنَّهُ يَنْحَرُهَا حَيْثُ نَوَى، وَقَالَهُ أَشْهَبُ، قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ نَحَرَهَا بِمَوْضِعِهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ أَشْهَبَ وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ، قَالَ: وَلَوْ نَوَى هَدْيَهُ لِذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفِيَ بِهِ بِمَكَّةَ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ الْجَزُورَ بِمَكَّةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَهَا بِهَا، وَلَيْسَ بِهَدْيٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ بِلَفْظِ نَحَرَهُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ لَهُ كَذَلِكَ فَيَصِيرُ هَدْيًا كَفِعْلِ ذَلِكَ فِي نُسُكٍ، انْتَهَى. يُعْنَى بِالنُّسُكِ الْفِدْيَةَ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَ شَيْئًا وَيُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ لَحْمًا يَكُونُ قَدْرُهُ قَدْرَ لَحْمِ الْجَزُورِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِي النَّحْرِ، انْتَهَى. وَالْبَعْضُ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْبَاجِيُّ وَعَنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا هُوَ فِي إطْعَامِ لَحْمِهَا لَا فِي إرَاقَةِ دَمِهَا، فَمَنْ نَذَرَ نَحْرَ جَزُورٍ بِغَيْرِ مَكَّةَ فَاشْتَرَاهُ مَنْحُورًا وَتَصَدَّقَ بِهِ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْبَدَنَةُ عِنْدَهُمْ مَا يُذْبَحُ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، وَالْجَزُورُ النَّاقَةُ الْمُعَدَّةُ لِلنَّحْرِ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، انْتَهَى. [تَنْبِيهَاتٌ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِحُرٍّ أَنَا أُهْدِيكَ وَقَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ هُوَ هَدْيٌ] ص (أَوْ مَالِ غَيْرُ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنَّ مِلْكَهُ) ش: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ

لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملكه العبد

مِمَّا يُهْدَى أَوْ مِمَّا لَا يُهْدَى، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مِلْكَهُ فَالْمَشْهُورُ يَلْزَمُهُ وَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيمَا يَصِحُّ هَدْيُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ هَدْيُهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: لِحُرٍّ: أَنَا أُهْدِيكَ، وَقَوْلِهِ: لِعَبْدِ غَيْرِهِ هُوَ هَدْيٌ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ مِلْكُهُ فَيُخْرِجُ عِوَضَهُ، وَهُوَ نِيَّتُهُ، وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَيْسَ مِمَّا يَصْلُحُ مِلْكُهُ، وَلَا يُخْرِجُ عِوَضَهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَدْيَ إذَا قَصَدَ الْقُرْبَةَ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَقَعَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ عَبْدَ فُلَانٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَنْ قَالَ: أَنَا أُهْدِي هَدْيًا كَمَا إذَا قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ فُلَانًا، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَشْهُورَ فِي قَوْلِهِ: أَنَا أَنْحَرُ فُلَانًا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ] (الثَّالِثُ) أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَرْأَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ الَّتِي أُسِرَتْ وَكَانَتْ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا الْعَرَبُ الَّذِينَ أَسَرُوا الْمَرْأَةَ فَهَرَبَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الْعَضْبَاءِ وَنَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِئْسَمَا جَزَتْهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي صَدَرَ مِنْ الْمَرْأَةِ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ أَنْ تُهْلِكَ مَالَ الْغَيْرِ فَتَكُونُ عَاصِيَةً بِهَذَا الْقَصْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَلَمْ تَقْصِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ، وَبَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ الْقَصْدِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمِلْكِ، كَقَوْلِهِ: إنْ مَلَكْتُ هَذَا الْبَعِيرَ فَهُوَ هَدْيٌ أَوْ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مُعَلَّقٌ عَلَى مِلْكِهِ لَا مِلْكِ غَيْرِهِ، انْتَهَى. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَلِفَ الْإِنْسَانِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ مُحَرَّمٌ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ أَوْ الْهَدْيَ أَوْ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِلْكِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ مَلَكْتُ عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الشَّافِعِيُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمَّ أَوْ خَصَّ تَمَسُّكًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَلْزَمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَمَّ أَوْ خَصَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعُقُودِ الْمَأْمُورِ بِالْوَفَاءِ بِهَا، وَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ مَالِكٌ فِيمَا إذَا خَصَّ تَمَسُّكًا بِمِثْلِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ إذَا عَمَّ رَفْعًا لِلْحَرَجِ الَّذِي أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلِلْحَجْرِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ احْتِرَازًا مِمَّا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْمَالِ كَالْتِزَامِهِ عَطِيَّةَ شَيْءٍ مَا إنْ مَلَكَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْآنَ، وَلَكِنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَقَدْ زَالَ عَنْهُ حُكْمُ الْفَلَسِ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ، وَإِلَّا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعُهُ، انْتَهَى. . ص (إنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْهَدْيِ أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) ش: يَعْنِي، فَإِنْ تَلَفَّظَ بِالْهَدْيِ كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ فُلَانًا، أَوْ نَوَاهُ كَمَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ فُلَانًا وَنَوَى بِذَلِكَ الْهَدْيَ، أَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْحَرُ فُلَانًا فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ يُرِيدُ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ مِنًى أَوْ مَكَّةَ أَوْ الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْن بَشِيرٍ: أَوْ يَذْكُرُ مَوْضِعًا مِنْ مَوَاضِعِ مَكَّةَ أَوْ مِنًى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ لَزِمَهُ الْهَدْيُ فِي الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لِلْبَاجِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ وَخَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ بِالْقَرِيبِ. (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرٍ أَوْ تَعْلِيقٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ يُونُسَ كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ، قَالَ: وَأَمَّا إنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ أَوْ وَلَدِي، فَلَا يَلْزَمُهُ. (الثَّالِثُ) قَيَّدَ ابْنُ بَشِيرٍ مَسْأَلَةَ مَا إذَا ذَكَرَ الْهَدْيَ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ الْمَعْصِيَةَ يَعْنِي ذَبْحَهُ، قَالَ: فَلَا يَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ شَيْءٌ وَيُقَيِّدُ بِهِ مَسْأَلَةَ نِيَّةِ الْهَدْيِ، وَذِكْرُ الْمَقَامِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَارْتَضَى الْقَيْدَ فِي الشَّامِلِ وَأَتَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ

ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٌ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ قَصَدَ الْهَدْيَ وَالْقُرْبَةَ لَزِمَهُ بِاتِّفَاقٍ، وَمَنْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِاتِّفَاقٍ، وَاخْتُلِفَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ إذَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَكَانِ النَّحْرِ كَأَنْ يَقُولَ: أَنَحْرُكَ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ فَانْظُرْ قَوْلَهُ، فَإِنْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَكَانِ الذَّبْحِ وَعِنْدَ الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ هَارُونَ إنَّ الْمُرَادَ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ قَضِيَّتُهُ فِي الْتِزَامِ ذَبْحِ وَلَدِهِ وَفِدَاؤُهُ بِالْهَدْيِ لَا مَقَامُ مُصَلَّاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عِنْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ هَارُونَ: وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ نَحْوُ مَا ذُكِرَ عَنْ الْبَاجِيِّ، قَالَ: وَإِنْ قَالَ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ قَالَ لِعِدَّةٍ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ: أَنَا أَنَحْرُكُمْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ هَدْيًا، وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَهُوَ الْحَقُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ نَفْسَهُ فَلْيَذْبَحْ كَبْشًا، أَرَاهُ يُرِيدُ إنْ سَمَّى مَوْضِعَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، انْتَهَى. (السَّابِعُ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ النُّذُورِ إذَا قَالَ لِوَلَدِهِ: أَنْتَ بَدَنَةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْهَدْيَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: فِي ابْنِهِ هُوَ بَدَنَةٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنَا أَنْحَرُهُ، وَقَوْلُهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْهَدْيَ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ إنَّهُ إنْ أَرَادَ الْهَدْيَ أَوْ سَمَّى الْمَنْحَرَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَلَا سَمَّى الْمَنْحَرَ، فَمَرَّةً رَأَى عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَمَرَّةً لَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. . ص (كَنَذْرِ الْهَدْيِ بَدَنَةً) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِنْ نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا فَالْبَدَنَةُ أَوْلَى وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ تُجْزِئُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ مُطْلَقًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّقًا أَمْ لَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبَدَنَةَ أَوْلَى وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ تُجْزِئُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَجِّ الثَّانِي، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا بَدَنَةً أَوْ غَيْرَهَا أَجْزَأَهُ شِرَاؤُهَا، وَلَوْ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ، وَهُوَ بِغَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُهْدِيَهَا مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ وُصُولُهَا إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ نَذْرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَحَيْثُ اشْتَرَاهُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَهُ وَيَفْعَلَ بِهِ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ مَا هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ وَنَصَّ عَلَى بَعْضِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. وَبَعْضُهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ وَمَشَى فِي نَذْرِ الْحَفَاءِ وَالْحَبْوِ وَالزَّحْفِ، انْتَهَى. ص (أَوْ حَمْلِ فُلَانٍ إنْ نَوَى التَّعَبَ) ش قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَسَائِلِ الْكُتُبِ فِي قَوْلِهِ: أَحْمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: تَارَةً يَحُجُّ الْحَالِفُ وَحْدَهُ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْمَشَقَّةَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى عُنُقِهِ، وَتَارَةً يَحُجُّ الْمَحْلُوفُ بِهِ وَحْدَهُ إذَا أَرَادَ حَمْلَهُ فِي مَالِهِ، وَتَارَةً يَحُجَّانِ جَمِيعًا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ. . ص (وَأَلْغَى عَلَى الْمَسِيرِ وَالذَّهَابِ وَالرُّكُوبِ لِمَكَّةَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَسِيرَ أَوْ أَذْهَبَ أَوْ أَنْطَلِقَ أَوْ آتِي أَوْ أَرْكَبَ إلَى مَكَّةَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَأْتِيَهَا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَيَأْتِيهَا رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الرُّكُوبِ فَأَوْجَبَهُ مَرَّةً وَأَشْهَبُ يَرَى إتْيَانَ مَكَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا. ص (وَمُطْلَقُ الْمَشْيِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ وَلَمْ يَقُلْ لِبَيْتِ اللَّهِ، فَإِنْ نَوَى مَكَّةَ مَشَى، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلْيَمْشِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَسْجِدًا فَلَهُ نِيَّتُهُ. ص (وَمَشَى لِمَسْجِدٍ

فرع في ناذر زيارته صلى الله عليه وسلم

وَإِنْ لِاعْتِكَافٍ إلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا فَقَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا) ش أَيْ هَلْ يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إلَيْهِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِذَا لَزِمَهُ فَيَذْهَبُ إلَيْهِ مَاشِيًا، وَلَا يَرْكَبُ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي رُكُوبِهِ قَوْلَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ لُزُومُهُ الذَّهَابُ لِتَنَاوُلِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ لَهُ، وَعَدَمُ تَنَاوُلِ حَدِيثِ إعْمَالِ الْمَطِيِّ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ لُزُومُ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْمَاشِي إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ الْفَضْلِ مَا لَمْ يَأْتِ مِثْلُهُ فِي الرَّاكِبِ، انْتَهَى. وَحَدُّ الْقُرْبِ قَالُوا مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إعْمَالِ الْمَطِيِّ وَشَدِّ الرِّحَالِ. [فَرْعٌ فِي نَاذِرِ زِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ص (وَمَشَى لِلْمَدِينَةِ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ عِيسَى الْغُبْرِينِيُّ فِي نَاذِرِ زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ النَّصِّ، وَاسْتَظْهَرَ غَيْرُهُ اللُّزُومَ لِتَحَقُّقِ الْقُرْبَةِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ زِيَارَةَ قَبْرِ غَيْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلتَّبَرُّكِ، وَعَدَّهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْدُوبَاتِ، وَأَجَازَ الرِّحْلَةَ لَهُ فِي آدَابِ السَّفَرِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ كَلَامَهُ بِنَصِّهِ وَحُرُوفِهِ فَانْظُرْهُ، انْتَهَى.، وَقَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيَّةِ فِي نَذْرِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْعَبْدِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ إلَى الْمَدِينَةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ وَمِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ حَجٌّ، وَلَا عُمْرَةٌ، فَإِذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ، فَالْكَعْبَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَيَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي الْمَسْجِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ، انْتَهَى. مِنْ خُلَاصَةِ الْوَفَا وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ. ص (إنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً بِمَسْجِدَيْهِمَا) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً أَمَّا إنْ نَوَى صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ، فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا إنْ نَوَى صَلَاةَ النَّافِلَةِ، فَلَا تَضْعِيفَ فِيهَا، بَلْ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ، وَانْظُرْ أَوَاخِرَ الشِّفَاءِ فَإِنَّهُ حَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ الشَّيْخُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُقِيمَ أَيَّامًا يَتَنَفَّلُ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ صَلَاةَ الْفَرْضِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ عِنْدَ كُلِّ سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ يَعُدُّ السَّوَارِيَ وَيُصَلِّي إلَى وَاحِدَةٍ لِكُلِّ سَارِيَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، انْتَهَى . ص (وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، ثُمَّ مَكَّةُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ إجْمَاعِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قُلْتُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ بَعْدَهُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَانْظُرْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ السَّمْهُودِيُّ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ: نَقَلَ عِيَاضٌ وَقَبْلَهُ أَبُو الْوَلِيدِ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى تَفْضِيلِ مَا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ عَلَى

مسألة حكم ما زيد في مسجده عليه السلام حكم المزيد فيه في الفضل

الْكَعْبَةِ بَلْ نَقَلَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعَرْشِ، وَصَرَّحَ التَّاجُ الْفَاكِهِيُّ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى السَّمَوَاتِ، قَالَ: بَلْ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيَّنُ جَمِيعُ الْأَرْضِ عَلَى السَّمَوَاتِ لِحُلُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَكْثَرِ بِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا وَدَفْنِهِمْ فِيهَا، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ مَا عَدَا مَا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ، وَأَجْمَعُوا بَعْدُ عَلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِمَا، وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا الْكَعْبَةَ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. مِنْ خُلَاصَةِ الْوَفَا، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مَكَّةُ أَفْضَلُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامِ حُكْمُ الْمَزِيدِ فِيهِ فِي الْفَضْلِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَحُكْمُ مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُكْمُ الْمَزِيدِ فِيهِ فِي الْفَضْلِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ تَسْهِيلِ الْمُهِمَّاتِ لِوَالِدِهِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ وَحُكْمُ مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمُ الْمَزِيدِ فِي الْفَضْلِ لِأَحَادِيثَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَآثَارٍ عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُصَرِّحَةٍ بِذَلِكَ، ذَكَرَهَا الْمُؤَرِّخُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ زِيَادَتِهِ لَوْ انْتَهَى بِنَاؤُهُ إلَى الْجَبَّانَةِ لَكَانَ الْكُلُّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَوْ زِيدَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ إلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي» ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَوْ مُدَّ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ لَكَانَ مِنْهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ: بَلَغَنِي عَنْ ثِقَاتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِي فَهُوَ مِنْهُ، وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ» وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حُكْمُ الزِّيَادَةِ حُكْمُ الْمَزِيدِ فِيهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ غَيْرُ النَّوَوِيِّ، فَذَكَرَ أَنَّ مُضَاعَفَةَ الصَّلَاةِ تَخْتَصُّ بِمَسْجِدِهِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَقِيهُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّوَوِيَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي مَنْسَكِ الْحَجِّ: حُكْمُ الزِّيَادَةِ حُكْمُ الْمَزِيدِ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَنَقَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُوَطَّإِ لَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ فِيهِ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ الصَّلَاةُ فِيمَا زِيدَ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالصَّلَاةِ فِي الْمَزِيدِ فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ، فَقَالَ: مَا أَرَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَشَارَ بِقَوْلِهِ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا لِمَا سَيَكُونُ مِنْ مَسْجِدِهِ بَعْدَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَعَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَشَارَ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا إلَى إخْرَاجِ مَا عَدَاهُ مِنْ مَسَاجِدِهِ الَّتِي تُنْسَبُ إلَيْهِ كَمَسْجِدِ قُبَاءَ وَمَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَسْجِدِ الْعِيدِ وَمَسْجِدِ الْفَتْحِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى مِنْ تَسْهِيلِ الْمُهِمَّاتِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ وَالِدُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا تُعَادُ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ مَعَ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ، وَقَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ الْمُسَمَّى خُلَاصَةُ الْوَفَا لَمَّا تَكَلَّمَ فِي تَخْصِيصِ الْمُضَاعَفَةِ بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الْأَصْلِيِّ وَعُمُومِهَا لِمَا زِيدَ فِيهِ، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ يَعْنِي الْمَسْجِدَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَزُوِّيَتْ لَهُ الْأَرْضُ فَرَأَى مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَتَحَدَّثَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ، وَلَوْلَا هَذَا مَا اسْتَجَازَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَنْ يَزِيدُوا فِيهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مُنْكِرٌ قَالَ السَّيِّدُ: انْتَهَى. يَعْنِي كَلَامَ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ نَقَلَ الْبُرْهَانَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا النَّوَوِيُّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: وَنِسْبَةُ الْمِحْرَابِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنِسْبَةِ جَمِيعِ

كتاب الجهاد

الْمَسْجِدِ إلَيْهِ فَيُقَالُ: مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ زِيدَ فِيهِ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الصَّلَاةَ تُضَاعَفُ فِيمَا زِيدَ فِيهِ كَمَا تُضَاعَفُ فِي الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ، وَلَمَّا زَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَسْجِدِ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ وَنَقَلَ مَحَلَّ الْإِمَامِ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَكَانَ فِيهَا مِحْرَابٌ وَاسْتَشْهَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ الْمِحْرَابِ، ثُمَّ زَادَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ أَيْضًا، وَأَيْضًا انْتَقَلَ مَحَلُّ الْإِمَامِ إلَى الْمِحْرَابِ الَّذِي فِي الْقِبْلَةِ الْآنَ، وَهُوَ مِحْرَابُ عُثْمَانَ، وَكَانَ فِي أَيَّامِ مَالِكٍ يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي مِحْرَابِ عُثْمَانَ، فَلَمَّا قَلَّ النَّاسُ رَجَعُوا إلَى مِحْرَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجِهَادِ] (كِتَابُ الْجِهَادِ) . ص (بَابٌ الْجِهَادُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ش:

مسألة حض الشرع على تمني الشهادة ورغب فيه

الْجِهَادُ فِي اللُّغَةِ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ، وَفِي الشَّرْعِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، أَوْ حُضُورُهُ لَهُ، أَوْ دُخُولُ أَرْضِهِ فَيَخْرُجُ قِتَالُ الذِّمِّيِّ الْمُحَارِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ غَيْرُ نَقْضٍ، وَقَوْلُ ابْنِ هَارُونَ هُوَ قِتَالُ الْعَدُوِّ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِالْأَخِيرَيْنِ، وَهُمَا جِهَادٌ اتِّفَاقًا وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ فِي مُقَاتَلَةِ الْعَدُوِّ كَذَلِكَ وَغَيْرُ مُطَّرِدٍ بِقِتَالِهِ لَا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي الْكَافِي: فُرِضَ عَلَى الْإِمَامِ إغْزَاءُ طَائِفَةٍ لِلْعَدُوِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَخْرُجُ هُوَ بِهَا أَوْ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَفُرِضَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ الْخُرُوجُ الْمَذْكُورُ لَا خُرُوجُهُمْ كَافَّةً، وَالنَّافِلَةُ مِنْهُ إخْرَاجُ طَائِفَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَبَعْثُ السَّرَايَا وَقْتَ الْغُرَّةِ وَالْفُرْصَةِ زَادَ ابْنُ شَاسٍ عَنْهُ وَعَلَى الْإِمَامِ رَعْيُ النَّصَفَةِ فِي الْمُنَاوَبَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَزَا الْقَرَافِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ الدَّاوُدِيِّ بَقِيَ فَرْضُهُ بَعْدَ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ يَلِيَ الْعَدُوَّ وَسَقَطَ عَمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ الْمَازِرِيُّ قَوْلُهُ بَيَانٌ لِتَعَلُّقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِمَنْ حَضَرَ مَحَلَّ مُتَعَلَّقِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ دُونَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ لِعُسْرِهِ، وَإِنْ عَصَى الْحَاضِرُ تَعَلَّقَ بِمَنْ يَلِيهِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) إنْ قِيلَ كَيْفَ غَضَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا مَعَ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَالْجَوَابُ مَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ فِي حَدِيثِ الثَّلَاثَةِ إنَّهُ كَانَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ بَايَعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ تَخَلُّفُهُمْ فِي هَذِهِ الْغُزَاةِ كَبِيرَةً. كَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ حَضَّ الشَّرْعُ عَلَى تَمَنِّي الشَّهَادَةِ وَرَغَّبَ فِيهِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ حَضَّ الشَّرْعُ عَلَى تَمَنِّي الشَّهَادَةِ وَرَغَّبَ فِيهِ، فَقَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» اهـ. ص (وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ) ش: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانُوا يَغْدِرُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ

عَنْ سَحْنُونٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، وَقَدْ مَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُقَاتَلُ مَعَ الْأَمِيرِ الْغَادِرِ بِخِلَافِ الْجَائِرِ وَالْفَاسِقِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْجِهَادِ مَعَهُ وَالْقَوْلَانِ فِي مَذْهَبِنَا انْتَهَى.

مسألة أيغزو بغير إذن الإمام

ص (وَبِتَعْيِينِ الْإِمَامِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [مَسْأَلَةٌ أَيَغْزُو بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: أَيُغْزَى بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ؟ قَالَ: أَمَّا الْجَيْشُ وَالْجَمْعُ فَلَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَتَوْلِيَةِ وَالٍ عَلَيْهِمْ، وَسَهَّلَ مَالِكٌ لِمَنْ قَرُبَ مِنْ الْعَدُوِّ يَجِدُ فُرْصَةً وَيَبْعُدُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ، كَمَنْ هُوَ مِنْهُ عَلَى يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، وَلِابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ طَمِعَ قَوْمٌ بِفُرْصَةٍ فِي عَدُوٍّ قَرِبَهُمْ وَخَشَوْا إنْ أَعْلَمُوا إمَامَهُمْ مَنَعَهُمْ فَوَاسِعٌ خُرُوجُهُمْ، وَأُحِبُّ اسْتِئْذَانَهُمْ إيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إنْ نَهَى الْإِمَامِ عَنْ الْقِتَالِ لِمَصْلَحَةٍ حَرُمَتْ مُخَالَفَتُهُ إلَّا أَنْ يَدْهَمَهُمْ الْعَدُوُّ اهـ. مِنْ أَوَائِلِ الْجِهَادِ مِنْهُ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَوْمِ يَخْرُجُونَ فِي أَرْضِ الرُّومِ مَعَ الْجَيْشِ فَيَحْتَاجُونِ إلَى الْعَلَفِ لِدَوَابِّهِمْ، فَتَخْرُجُ جَمَاعَةٌ إلَى هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَجَمَاعَةٌ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى يَتَعَلَّفُونَ لِدَوَابِّهِمْ وَلَا يَسْتَأْذِنُونَ الْإِمَامَ، فَرُبَّمَا غَشِيَهُمْ الْعَدُوُّ فِيمَا هُنَاكَ إذَا رَأَوْا غُرَّتَهُمْ وَقِتَالَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ أَوْ أَسَرُوهُمْ أَوْ نَجَوْا مِنْهُمْ، وَإِنْ تَرَكْنَا دَوَابَّنَا هَلَكَتْ؟ فَقَالَ: أَرَى إنْ اسْتَطَعْتُمْ اسْتِئْذَانَ الْإِمَامِ أَنْ تَسْتَأْذِنُوهُ، وَلَا أَرَى أَنْ تَغْزُوا بِأَنْفُسِكُمْ فَتُقْتَلُونَ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْعَدُوِّ يَنْزِلُ بِسَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ بِغَيْرِ اسْتِئْمَارِ الْوَالِي؟ فَقَالَ: أَرَى إنْ كَانَ الْوَالِي قَرِيبًا مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوهُ فِي قِتَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَمْ يَتْرُكُوهُمْ حَتَّى يَقَعُوا بِهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: بَلْ الْوَالِي بَعِيدٌ مِنْهُمْ. فَقَالَ: كَيْفَ يَصْنَعُونَ أَيَدْعُوهُمْ حَتَّى يَقَعُوا بِهِمْ أَرَى أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَغْزُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي تَعَلُّفِهِمْ وَأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ إنْ اسْتَطَاعُوا، وَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَالِي عَدْلًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ زُونَانَ، وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَنَّ قِتَالَ الْعَدُوِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَدْهَمَهُمْ فَلَا يُمْكِنُهُمْ اسْتِئْذَانُهُ انْتَهَى مِنْ سَمَاعِ زُونَانَ. سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ الْقَوْمِ يُوَاقِعُونَ الْعَدُوَّ هَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يُبَارِزَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ. فَقَالَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبَارِزَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلْيُبَارِزْ وَلْيُقَاتِلْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، قُلْت لَهُ وَالْمُبَارَزَةُ وَالْقِتَالُ عِنْدَكُمْ وَاحِدٌ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَلْزَمْهُمْ اسْتِئْذَانُهُ فِي مُبَارَزَةٍ وَلَا قِتَالٍ، إذْ قَدْ يَنْهَاهُمْ عَنْ غُرَّةٍ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ نَظَرٍ يَقْصِدُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ عَدْلٍ فِي أُمُورِهِ فَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ، فَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَدْلُ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي الِاسْتِئْذَانِ لَهُ لَا فِي طَاعَتِهِ إذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ لِلْإِمَامِ مِنْ فَرَائِضِ الْغَزْوِ فَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِمَعْصِيَةٍ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَسَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ، وَسُئِلَ عَنْ نَاسٍ يَكُونُونَ فِي ثَغْرٍ مِنْ وَرَاءِ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، هَلْ يُخْرِجُونَ سَرَايَاهُمْ لِغُرَّةٍ يَطْمَعُونَ بِهَا مِنْ عَدُوِّهِمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مِنْهُمْ عَلَى أَيَّامٍ؟ قَالَ: إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْغُرَّةُ بَيِّنَةً قَدْ ثَبَتَتْ لَهُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَخَافُوا أَنْ يُلْقُوا بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا أَرَى بَأْسًا، وَإِنْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَلْقُوا مَا لَا قُوَّةَ لَهُمْ بِهِ أَنْ يُطْلَبُوا فَيُدْرِكُوا فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا سَرَايَاهُمْ لِغُرَّةٍ تَبَيَّنَتْ لَهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ غَائِبًا عَنْهُمْ عَلَى مَسِيرَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهُمْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا، انْتَهَى. وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَسْمِعَةِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُ جَيْشٍ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ لِمَنْ يَجِدُ فُرْصَةً مِنْ عَدُوٍّ قَرِيبٍ أَنْ يَنْهَضُوا إلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ لِسَرِيَّةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْعَسْكَرِ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَتَرُدُّ السَّرِيَّةَ وَتَحْرِمُهُمْ مَا غَنِمُوا سَحْنُونٌ، إلَّا أَنْ تَكُونَ جَمَاعَةٌ لَا يَخَافُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْرِمْهُمْ يُرِيدُ وَقَدْ أَخْطَئُوا، انْتَهَى. ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَجِبُ مَعَ وُلَاةِ الْجَوْرِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ: وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُ جَيْشٍ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ وَتَوْلِيَتِهِ

عَلَيْهِمْ مَنْ يَحْفَظُهُمْ، إلَّا أَنْ يَجِدُوا فُرْصَةً مِنْ عَدُوٍّ وَخَافُوا فَوَاتَهُ لِبُعْدِ الْإِمَامِ، أَوْ خَوْفِ مَنْعِهِ، وَحَرُمَ عَلَى سَرِيَّةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَمْنَعُهُمْ الْغَنِيمَةَ أَدَبًا لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا جَمَاعَةً لَا يَخْشَوْنَ عَدُوًّا فَلَا يَمْنَعُهُمْ الْغَنِيمَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق فِي بَعْضِ وَصَايَاهُ لِإِخْوَانِهِ التَّوَجُّهُ لِلْجِهَادِ بِغَيْرِ إذْنِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَسُلْطَانِهِمْ فَإِنَّهُ سُلَّمُ الْفِتْنَةِ وَقَلَّمَا اشْتَغَلَ بِهِ أَحَدٌ فَأَنْجَحَ، انْتَهَى. ص (كَوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ) ش: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: فَرْضِ كِفَايَةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمْ يَحْتَجْ لِإِذْنِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا فِي كِفَايَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ: إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ وَكَانَ وَالِدُهُ فِي كِفَايَةٍ وَلَمْ يَمْنَعَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا بَدَأَ بِالْجِهَادِ، فَلَوْ لَمْ يَكُونَا فِي كِفَايَةٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِمَا فَيَبْدَأُ بِهِ فَلَوْ كَانَا فِي كِفَايَةٍ وَمَنَعَاهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِمَنْعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَاصِيَانِ بِذَلِكَ الْمَنْعِ، انْتَهَى. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْمُحَرَّمِ: يُتَّخَذُ حِرْفَةً مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ أَرَادَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمِصِّيصَةِ وَالسَّوَاحِلِ وَلَهُ وَلَدٌ وَأَهْلٌ بِالْأَنْدَلُسِ أَتَرَى لَهُ فِي ذَلِكَ سَعَةً؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: أَيُخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ حِينَ خَافَ الضَّيْعَةَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكَ إضَاعَتِهِمْ أَوْجَبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَزْوِ وَالرِّبَاطِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُضَيِّعَ فَرْضًا وَاجِبًا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ سُئِلَ عَمَّنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ وَلَهُ عِيَالٌ وَوَلَدٌ. قَالَ: إنْ خَافَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ فَلَا أَرَى لَهُ أَنْ يَخْرُجَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ وَيَخْلُفُهُ فَأَرَى أَنْ يَخْرُجَ وَلَا يَدَعْ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ قِيَامُهُ عَلَى أَهْلِهِ وَتَرْكُ إضَاعَتِهِمْ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ الْجِهَادِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا أُقِيمَ بِهِ سَقَطَ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَكَانَ لَهُ نَافِلَةً، وَلَا يَصِحُّ تَرْكُ فَرْضٍ لِنَافِلَةٍ. ص (لَا جَدٍّ) ش: كَذَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَحْنُونٍ مَا نَصُّهُ وَبِرُّ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَا كَالْأَبَوَيْنِ أُحِبُّ أَنْ يَسْتَرْضِيَهُمَا لِيَأْذَنَا لَهُ فَإِنْ أَبَيَا فَلَهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ أَنَّ بِرَّ الْأَجْدَادِ كَالْآبَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، انْتَهَى. ص (ثُمَّ جِزْيَةٌ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ) ش: أَيْ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ عَلَيْهِمْ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْكُفْرِ، وَكَذَا إذَا أَجَابُوا إلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ ص (وَاقْتُلُوا إلَّا الْمَرْأَةَ إلَّا فِي مُقَاتَلَتِهَا إلَى

قَوْلِهِ وَرَاهِبًا) ش: قَوْلُهُ إلَّا الْمَرْأَةَ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ أَوْ خَرَجَتْ مَعَ الْعَسْكَرِ إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ، صَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إذَا غُنِمَ مِنْ الْعَدُوِّ ذَوُو الْقُوَّةِ مِنْ الرِّجَالِ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْقَتْلِ أَوْ الْجِزْيَةِ أَوْ الْفِدَاءِ أَوْ الْمَنِّ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنْ كَفَفْنَ أَذَاهُنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَزِمْنَ قَعْرَ بُيُوتِهِنَّ فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِهِنَّ، وَإِنْ شَعَرْنَ فِي مَدْحِ الْقِتَالِ وَذَمِّ الْفِرَارِ، فَإِنْ قَاتَلْنَ وَبَاشَرْنَ السِّلَاحَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ قَتْلِهِنَّ فِي حِينِ الْقِتَالِ فِي الْمُسَايَفَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمُبِيحِ لِقَتْلِهِنَّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُبَاحُ قَتْلُهُنَّ بَعْدَ الْأَسْرِ إذَا قَتَلْنَ، فَإِنْ رَمَيْنَ بِالْحِجَارَةِ وَلَمْ يُظْهِرْنَ النِّكَايَةَ وَلَا قَتَلْنَ أَحَدًا فَلَا يُقْتَلْنَ بَعْدَ الْأَسْرِ اتِّفَاقًا، وَهَلْ يُعْرَضُ عَنْهُنَّ فِي حِينِ الْمُقَاتَلَةِ وَيُشْتَغَلُ بِغَيْرِهِنَّ أَوْ يُقَاتَلْنَ قِتَالًا يَكُفُّهُنَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِهِنَّ؟ يَتَخَرَّجُ عَلَى

قَوْلَيْنِ: فَإِنْ شَهَرْنَ السِّلَاحَ وَبَاشَرْنَ الْكِفَاحَ فَقَاتَلْنَ وَلَمْ يُقْتَلْنَ حَتَّى أُسِرْنَ فَهَلْ يُقْتَلْنَ بَعْدَ الْأَسْرِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلِ لِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالثَّانِي فِي قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ. وَالصَّبِيُّ وَالْمُرَاهِقُ كَالنِّسَاءِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا أَنْبَتَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُخْشَى مِنْهُ نِكَايَةٌ وَلَا يُتَّقَى مِنْ وَرَائِهِ غَائِلَةٌ ذَمِيمَةٌ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْأُجَرَاءِ وَالْحَرَّاثِينَ وَأَهْلِ الصِّنَاعَاتِ، إذَا لَمْ يُخْشَ مِنْ جِهَتِهِمْ وَأُمِنَتْ جِهَتُهُمْ فَهَلْ يُقْتَلُوا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الصُّنَّاعِ بِأَيْدِيهِمْ، وَالثَّانِي: إنَّهُمْ يُقْتَلُونَ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَأَمَّا ذَوُو الْأَعْذَارِ مِنْ الزَّمْنَى وَالْمَرْضَى وَالْعُمْيَانِ وَالْأَشَلِّ وَالْأَعْرَجِ فَلَا يَخْلُوَا أَنْ يُخْشَى مِنْهُمْ فِي الْحَالِ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنْ الْحِيَلِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ لَا يُخْشَى مِنْهُمْ إلَّا فِي الْمَآلِ، فَإِنْ خُشِيَ مِنْهُمْ فِي الْحَالِ لِمَا يَكُونُ مِنْ نَجَابَةِ غَيْرِهِمْ وَعِلْمِهِمْ بِمَصَالِحِ الْحَرْبِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ لِمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُمْ فِي ثَانِي حَالٍ، فَأَمَّا الْمَرِيضُ إنْ كَانَ شَابًّا فَالنَّظَرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ كَسَائِرِ الْأُسَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ شَيْخًا فَلَا يُقْتَلُ إذَا كَانَ صَحِيحًا، فَكَيْفَ إذَا كَانَ مَرِيضًا؟ ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ سَائِرِ الزَّمْنَى وَذَوِي الْأَعْذَارِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي جَوَازِ قَتْلِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ أَسْرِهِمْ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِي يُتْرَكُ لَهُ كَمَا يُتْرَكُ لِلرَّاهِبِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ إطْلَاقَهُمْ وَالْمَنَّ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحُرِّمَ نَبْلُ سُمٍّ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ الْمَسْمُومِ، وَفِي النَّوَادِرِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُسَمَّ النَّبْلُ وَالرِّمَاحُ وَيُرْمَى بِهَا الْعَدُوُّ، وَقَالَ مَا كَانَ هَذَا فِيمَا مَضَى، وَعَلَّلَ ذَلِكَ خَشْيَةً أَنْ يُعَادَ إلَيْنَا، وَحَمَلَ الْمُؤَلِّفُ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ، انْتَهَى. ص (وَاسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ) ش: اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمِ سَمَاعِ يَحْيَى. ص (وَإِرْسَالُ مُصْحَفٍ لَهُمْ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَجَازَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ وَأَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِمْ بِالْكِتَابِ فِيهِ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَسَيَقُولُ الْمُؤَلِّفُ: وَاحْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِقُرْآنٍ وَبَعْثُ كِتَابٍ فِيهِ كَالْآيَةِ. (الثَّانِي) لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ وَلَا الْفِقْهَ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّالِثُ)

كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنْ يُعْطَى الْكَافِرُ دِرْهَمًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ إذَا كَانَتْ آيَةً تَامَّةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تَكُنْ الدَّرَاهِمُ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا ضُرِبَتْ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (وَفِرَارًا إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ الْمُلَاقَاةِ قَدْرَ ثُلُثِ الْكُفَّارِ فَفَرَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ فَزَادَ الْكُفَّارُ عَلَى مِثْلَيْهِمْ جَازَ الْفِرَارُ لِلْبَاقِينَ، وَيَخْتَصُّ الْعِصْيَانُ بِالْأَوَّلِينَ دُونَ الْبَاقِينَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: قَدْرَ ثُلُثِ الْكُفَّارِ لَعَلَّهُ نِصْفُ الْكُفَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: فَبَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ - يَعْنِي يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ - هَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ إبَاحَةِ الْفِرَارِ عِنْدَ مِثْلَيْ الْعَدُوِّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَعَلَى مُقْتَضَى بَيْعَةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ لَا فِرَارَ أَصْلًا فَهُوَ خَاصٌّ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ لَا أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْتَهَى. وَفِي قَوْلِهِ: خَاصٌّ بِهِمْ نَظَرٌ. وَانْظُرْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّفِقَ طَائِفَةٌ وَتَتَعَاهَدَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا، ثُمَّ قَالَ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ فَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْجُبْنِ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْقُوَّةُ وَالتَّكَاثُرُ دُونَ تَعْيِينِ الْعَدَدِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَكْثَرُ فَلَا تَفِرُّ الْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَشَدُّ جَلَدًا وَأَكْثَرُ سِلَاحًا (قُلْت) وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: إنْ قِيلَ كَيْفَ فَرَّ الصَّحَابَةُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ (قُلْنَا) لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ إلَّا فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] إشَارَةً لِيَوْمِ بَدْرٍ، ثُمَّ نَزَلَ التَّخْفِيفُ فِي الْفَارِّينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25] الْآيَةَ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَلَّامٍ كَانَ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ الْكَبَائِرِ فِي مَلْحَمَةِ الرُّومِ الْكُبْرَى عِنْدَ الدَّجَّالِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ رَجَعُوا وَقَاتَلُوا حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ عِيَاضٌ وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ مَتَى جُهِلَ مَنْزِلَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فِي مُرَاعَاةِ الْعَدَدِ لَمْ يَجُزْ الْفِرَارُ، انْتَهَى. ص (إلَّا تَحَرُّفًا أَوْ تَحَيُّزًا إنْ خِيفَ) ش: يَعْنِي أَنَّ التَّحَرُّفَ وَالتَّحَيُّزَ يَجُوزُ إنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَقَلَّ مِنْ ضِعْفَيْهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ انْحِيَازُهُمْ إلَى فِئَةٍ خَرَجُوا مَعَهُمْ، أَمَّا لَوْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ بِلَادِ الْأَمِيرِ، وَالْأَمِيرُ مُقِيمٌ فِي بِلَادِهِ، فَلَا يَكُونُ فِئَةٌ لَهُمْ يَنْحَازُونَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَقَوْلُهُ: إنْ خِيفَ قَيْدٌ فِي التَّحَيُّزِ لَا فِي التَّحَرُّفِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ قَوْلُهُ إنْ خِيفَ قَيْدٌ فِي هَذَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) يَحْرُمُ الْغَدْرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْخِدَاعُ فِي الْحَرْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمُثْلَةُ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ أَيْ يَحْرُمُ أَنْ يُمَثِّلَ بِالْمَقْتُولِ، قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَالْمُثْلَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي السُّنَّةِ

فروع أقر الأسير أنه زنى ودام على إقراره ولم يرجع أو شهد عليه

الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَهَذَا بَعْدَ الظَّفَرِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَنَا قَتْلُهُ بِأَيِّ مُثْلَةٍ أَمْكَنَنَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ فِي النَّوَادِرِ. ص (وَخِيَانَةُ أَسِيرٍ ائْتَمَنَ طَائِعًا) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْأَسِيرُ إذَا تُرِكَ بِعُهْدَةِ أَنْ لَا يَهْرُبَ وَلَا يَخُونَ ظَاهِرُ أَقْوَالِهِمْ لُزُومُهُ اتِّفَاقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَارِثٍ، يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْوَفَاءُ بِعُهْدَةِ الْعَدُوِّ اتِّفَاقًا، وَفِي لُزُومِهِ الْعَقْدَ، وَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ إنْ كَانَ غَيْرَ مُكْرَهٍ نَقْلًا الْمَازِرِيُّ عَنْ الْأَشْيَاخِ، وَإِنْ تُرِكَ دُونَ ائْتِمَانٍ وَيَمِينٍ فَلَهُ الْهُرُوبُ بِنَفْسِهِ، وَمَا أَمْكَنَهُ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ وَأَخْذِ مَالٍ إنْ قَدَرَ عَلَى النَّجَاةِ، وَإِنْ تُرِكَ بِائْتِمَانٍ وَأَيْمَانِ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ أَوْ كَالْعَهْدِ، ثَالِثُهَا لَهُ الْهُرُوبُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْمَخْزُومِيِّ فِي الْمَبْسُوطِ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَعَ سَمَاعِ عِيسَى وَالْأَخَوَيْنِ مَعَ رِوَايَتِهِمَا، انْتَهَى. [فُرُوعٌ أَقَرَّ الْأَسِيرُ أَنَّهُ زَنَى وَدَامَ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) اُخْتُلِفَ إذَا أَقَرَّ الْأَسِيرُ أَنَّهُ زَنَى وَدَامَ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ عَلَيْهِ الْحَدُّ سَوَاءٌ زَنَا بِحُرَّةٍ أَوْ بِأَمَةٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ [قَتَلَ الْأَسِيرُ أَحَدًا مِنْهُمْ خَطَأً وَقَدْ كَانَ أَسْلَمَ وَالْأَسِيرُ لَا يَعْلَمُ] (الثَّانِي) إذَا قَتَلَ الْأَسِيرُ أَحَدًا مِنْهُمْ خَطَأً، وَقَدْ كَانَ أَسْلَمَ وَالْأَسِيرُ لَا يَعْلَمُ، فَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ وَعَمْدًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَعَمْدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهِ قُتِلَ بِهِ، قَالَهُ فِي الْكَافِي (الثَّالِثُ) إذَا جَنَى الْأَسِيرُ عَلَى أَسِيرٍ مِثْلِهِ فَكَغَيْرِهِمَا. [قَتَلَ الْمُسْلِمُ مُسْلِمًا فِي حَالِ الْقِتَالِ وَقَالَ ظَنَنْتُهُ مِنْ الْكُفَّارِ] (الرَّابِعُ) إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ مُسْلِمًا فِي حَالِ الْقِتَالِ، وَقَالَ: ظَنَنْتُهُ مِنْ الْكُفَّارِ حَلَفَ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ. ص (وَالْغُلُولُ وَأُدِّبَ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ) ش: قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَالِّ أَنْ يَرُدَّ مَا غَلَّ لِصَاحِبِ الْمَقَاسِمِ إنْ وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ تَوْبَةٌ لَهُ وَخُرُوجٌ عَنْ ذَنْبِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْعَلُ بِمَا غَلَّ إذَا افْتَرَقَ الْعَسْكَرُ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَدْفَعُ إلَى الْإِمَامِ خُمُسه وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي هَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، انْتَهَى. مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي لِثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَحْوُهُ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُهُ: وَأُدِّبَ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَوَابَ مَالِكٍ عَنْ عُقُوبَتِهِ إنْ تَابَ وَرَدَّ مَا غَلَّ مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَلَوْ عُوقِبَ لَكَانَ لَهَا أَهْلًا ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُؤَدَّبُ سَحْنُونٌ كَالْمُرْتَدِّ، وَمَنْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ إنْ تَابَ قَبْلَ الْقَسَمِ وَرَدَ مَا غَلَّ فِي الْمَغْنَمِ كَمَنْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ مِثْلُ مَا فِي سَرِقَتِهَا فِيمَنْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَادَّعَى وَهْمًا وَتَشْبِيهًا وَلَمْ يُتَبَيَّنْ صِدْقُهُ، وَمَنْ تَابَ بَعْدَ الْقَسْمِ وَافْتَرَقَ الْجَيْشُ أُدِّبَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الشَّاهِدِ يَرْجِعُ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ افْتِرَاقَ الْجَيْشِ كَنُفُوذِ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْغُرْمِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ وَعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ فِي الْجَيْشِ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ تَنَصَّلَ مِنْهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا وَلَمْ يَفْتَرِقْ الْجَيْشُ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ طَالَ فَمِنْ ثُلُثِهِ، انْتَهَى. ص (وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ إلَخْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ نَهَاهُمْ الْإِمَامُ عَنْهُ ثُمَّ اُضْطُرُّوا إلَيْهِ جَازَ لَهُمْ أَكْلُهُ

انْتَهَى. ص (وَإِنْ نَعَمًا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا أَخَذَ الْأَنْعَامَ لِلْحَاجَةِ فَلَهُ أَخْذُ

فرع غزا رجل عن رجل من أهل ديوانه بأجرة

جِلْدِهَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِلَّا رَدَّهُ لِلْمَغَانِمِ، انْتَهَى. ص (وَحَرَقَ إنْ أَكَلُوا الْمَيْتَةَ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مَا وَقَفَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ مِنْ الْخَيْلِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنَّهَا تُعَرْقَبُ، وَإِنْ خِيفَ أَكْلُهَا أُحْرِقَتْ، انْتَهَى. ص (وَجَعَلَ الدِّيوَانُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الدِّيوَانُ لَقَبٌ لِرَسْمِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُعَدِّينَ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ بِعَطَاءٍ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ: أَصْحَابُ الْعَطَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ لِمَا يُرَوِّعُونَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْعَطَاءِ كَالْعَبِيدِ، وَالْعَبْدُ يَأْمُرُهُ سَيِّدُهُ وَيَنْهَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَاصِلُهُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَإِذَا اتَّحَدَ كَانَ دُونَ عَطَاءٍ أَفْضَلُ، انْتَهَى. وَمِنْهُ أَسْنَدَ سَحْنُونٌ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ: لَا أَفْتَرِضُ: افْتَرِضْ فَإِنَّهُ الْيَوْمَ مَعُونَةٌ وَقُوَّةٌ فَإِذَا كَانَ ثَمَنُ دِينِ أَحَدِكُمْ فَلَا تَقْرَبُوهُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَجَعَلَ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ دِيوَانًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ وَجَازَ لِلشَّخْصِ الْمُجَاهِدِ أَنْ يَأْخُذَ جَعْلًا مِنْ الدِّيوَانِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ: وَيَجُوزُ جَعْلٌ مِنْ دِيوَانٍ. [فَرْعٌ غَزَا رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ بِأُجْرَةٍ] ص (وَجَعَلَ مِنْ قَاعِدٍ لِمَنْ يَخْرُجُ عَنْهُ إنْ كَانَا بِدِيوَانٍ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَإِذَا غَزَا رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ بِأُجْرَةٍ فَالسَّهْمَانِ لِلَّذِي اسْتَأْجَرَهُ، وَقَدْ نَزَلَتْ عِنْدَنَا فَأَفْتَى فِيهَا بَعْضُ شُيُوخِنَا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الْقَرَوِيِّينَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْجَعَالَةُ اُحْتُمِلَ وُجُوبُ خُرُوجِ الْجَاعِلِ بِالْقُرْعَةِ، فَيَكُونُ الْخَارِجُ أَجِيرًا فَيَسْتَحِقُّهُ الْخَارِجُ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْجَعَالَةُ بَعْدَ تَعْيِينِ الْجَاعِلِ بِقُرْعَةٍ أَوْ كَانَ الْجَاعِلُ مِنْ غَيْرِ دِيوَانِهِ فَكَمَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ تَقْتَضِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْإِسْهَامِ إنَّمَا هُوَ لِمُبَاشَرَةِ حُضُورِ الْقِتَالِ أَوْ الْخُرُوجِ لَهُ إنْ عَاقَهُ عَنْ حُضُورِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَتَرْكِهِ اخْتِيَارٌ إلَّا فِي مَصْلَحَةِ الْخَارِجِينَ يَمْنَعُهُ، انْتَهَى. ص (وَرَفْعُ صَوْتِ مُرَابِطٍ بِالتَّكْبِيرِ) ش عَدَّهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْجَائِزَاتِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ فُصُولِ الْعَالِمِ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُرَابِطِينَ إذَا صَلَّوْا الْخَمْسَ أَنْ يُكَبِّرُوا جَهْرًا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ لِيُرْهِبُوا الْعَدُوَّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيُسْتَحْسَنُ لِيُرْهِبُوا الْعَدُوَّ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَغَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ، انْتَهَى. ص (وَقَتْلُ عَيْنٍ

وَإِنْ أَمِنَ) ش: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. ص (وَالْمُسْلِمُ كَالزِّنْدِيقِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: اعْلَمْ أَنَّ الْجَاسُوسَ إنْ كَانَ كَافِرًا حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِإِجْمَاعٍ، وَأَمَّا الْمُعَاهِدُ وَالذِّمِّيُّ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَصِيرُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ فَإِنْ رَأَى اسْتِرْقَاقَهُ أَرَقَّهُ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُ. ص (وَقَبُولُ الْإِمَامِ هَدِيَّتَهُمْ، وَهِيَ لَهُ إنْ كَانَتْ مِنْ بَعْضِ الْقَرَابَةِ وَفَيْءٌ إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَهُ) ش: قَالَ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ فِي الْهَدِيَّةِ تَأْتِي الْإِمَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ مِنْ الْعَدُوِّ: أَتَكُونُ لَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْجَيْشِ؟ قَالَ: لَا أَرَى هَذَا يَأْتِيهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ فَأَرَاهُ لِجَمَاعَةِ الْجَيْشِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ قَرَابَةٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ كُوفِئَ بِهَا فَأَرَاهَا لَهُ خَاصَّةً خَالِصَةً إذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَمِثْلُ الرُّومِيِّ يُسْلِمُ فَيُولَى فَيَدْخُلُ فَيُهْدَى لَهُ لِقَرَابَتِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا قِيلَ لَهُ. فَالرَّجُلُ مِنْ الْجَيْشِ تَأْتِيهِ الْهَدِيَّةُ، قَالَ: هَذَا لَهُ خَاصَّةً لَا شَكَّ فِيهِ، وَمِثْلُ أَنْ يَحِلُّوا بِحِصْنٍ فَيُعْطِيهِ بَعْضُ أَقَارِبِهِ الْمَالَ. وَهُوَ مِنْ الْجَيْشِ فَهُوَ لَهُ خَالِصٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْهَدِيَّةِ تَأْتِي الْإِمَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ: إنَّهَا لِجَمَاعَةِ الْجَيْشِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ قَرَابَةٍ أَوْ مُكَافَأَةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَأْتِيَهُ مِنْ الطَّاغِيَةِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ وَذَلِكَ يَفْتَرِقُ، وَأَمَّا إذَا أَتَتْهُ مِنْ الطَّاغِيَةِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ غَنِيمَةً لِلْجَيْشِ، وَهُوَ قَوْلُهُ هُنَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّهَا تَكُونُ لِلْجَيْشِ يُرِيدُ غَنِيمَةً لَهُمْ وَتُخَمَّسُ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَا خُمُسَ فِيهَا كَالْجِزْيَةِ. وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا أَخَذَهُ وَالِي الْجَيْشِ يُرِيدُ صُلْحًا مِنْ بَعْضِ الْحُصُونِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهَا، وَاخْتُلِفَ إذَا أَتَتْهُ مِنْ الطَّاغِيَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَدُوِّ وَقَبْلَ أَنْ يُدَرَّبَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَحَكَى الدَّاوُدِيُّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لَهُ أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ أَنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْأَمِيرَ فِي

ذَلِكَ، بِخِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَبِلَ مِنْ هَدَايَا عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا مَا أَتَتْهُ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ إذَا كَانَ الْحَرْبِيُّ لَا يُخَافُ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّجُلُ مِنْ الْجَيْشِ تَأْتِيهِ الْهَدِيَّةُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ بَعْضِ قَرَابَتِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي أَنَّهَا لَهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. ص (وَانْتِقَالٌ مِنْ مَوْتٍ لِآخَرَ وَوَجَبَ إنْ رُجِيَ حَيَاةٌ أَوْ طُولُهَا) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْد أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ: إذَا أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ فَيُذْبَحُ لِإِرَاحَتِهِ مِنْ أَلَمِ الْوَجَعِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي بَابِ الْمُبَاحِ طَعَامٌ طَاهِرٌ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَذَكَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَقَعُ بِأَهْلِ الْبَلَايَا مِمَّنْ يَأْخُذُهُمْ الْوُلَاةُ وَيَجْزِمُونَ بِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ، فَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَعْجِلَ الْمَوْتَ بِشُرْبِ السُّمِّ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ إذَا رَجَا الْإِنْسَانُ حَيَاةً سَاعَةً فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْجَالُ مَوْتِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي الْأَسْئِلَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ قَتْلُ نَفْسِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَتَى مَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَوْ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَحْرُمُ فَإِذَا فَعَلَ هَلْ يُسَمَّى بِذَلِكَ فَاسِقًا أَوْ مُفْتَاتًا؟ جَوَابُهَا مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بِذَنْبٍ مِنْ الذُّنُوبِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ وَسَتْرُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ التَّوْبَةِ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَطْهِيرَ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ فَلْيُقِرَّ بِذَلِكَ عِنْدَ وَلِيِّ الْقَتْلِ لِيَقْتُلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، فَإِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ كَانَ ذَنْبُهُ صَغِيرًا لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَيَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى فَاسِقًا بِالْجَرِيمَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَتْلِ، وَإِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَإِنْ جَعَلْنَا تَوْبَتَهُ مُسْقِطَةً لِقَتْلِهِ فَقَدْ لَقِيَ اللَّهَ فَاسِقًا بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَسْقُطُ قَتْلُهُ بِتَوْبَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ عَاصِيًا لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ إثْمَ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رُوحًا يَسْتَحِقُّ تَفْوِيتَهَا وَأَزْهَقَ نَفْسًا يَسْتَحِقُّ إزْهَاقَهَا، وَكَانَ الْأَصْلُ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ لِكُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ الشَّرْعَ فَوَّضَهُ إلَى الْأَئِمَّةِ كَيْ لَا يُوقِعَ الِاسْتِبْدَادُ بِهِ فِي الْفِتَنِ، انْتَهَى. ص (كَالنَّظَرِ فِي الْأَسْرَى بِقَتْلٍ أَوْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوْ جِزْيَةٍ أَوْ اسْتِرْقَاقٍ) ش: قَالَ

اللَّخْمِيُّ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ: أَمْوَالٌ وَرِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وَأَرْضُونَ وَأَطْعِمَةٌ وَأَسْلَابٌ وَأَنْفَالٍ، فَالْأَمْوَالُ تُقَسَّمُ عَلَى السُّهْمَانِ أَخْمَاسًا، وَأَمَّا الرِّجَالُ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ بَيْنَ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالْقَتْلِ وَالْجِزْيَةِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، فَأَيُّ ذَلِكَ رَأَى أَحْسَنَ نَظَرٍ فَعَلَهُ، وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ وَمَنْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ مِنْ الْخُمُسِ عَلَى الْقَوْلِ، بِأَنَّ الْغَنِيمَةَ مَمْلُوكَةٌ بِنَفْسِ الْأَخْذِ، وَالْقَتْلُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالِاسْتِرْقَاقُ رَاجِعٌ إلَى جُمْلَةِ الْغَانِمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَقْسَامِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ فِي رَدِّ سَبَايَا هَوَازِنَ: وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَى الْأَسْرَى بَعْدَ الْقَسْمِ، وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُقَاسَمَةِ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ حُنَيْنٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِرَدِّهِمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ وَيَكُونُوا تَحْتَ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ بِالنُّفُوسِ لَا بِالْمَالِ كَذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ هَذَا فِي الرِّجَالِ، وَأَمَّا الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسَ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ وَالْمُفَادَاةُ بِالنُّفُوسِ دُونَ الْمَالِ، انْتَهَى. ص (كَالْمُبَارِزِ مَعَ قِرْنِهِ) ش قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ عَلَى جَوَازِ الْمُبَارِزَةِ وَالدَّعْوَةِ إلَيْهَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ فِيهَا إذْنَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ غَيْرُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ. ص (وَأُجْبِرُوا عَلَى حُكْمِ مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَعَرَفَ الْمَصْلَحَةَ وَإِلَّا نَظَرَ الْإِمَامُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ سَحْنُونٌ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ إنْزَالِ

فرع وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم

الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ جَهِلَ الْإِمَامُ فَأَنْزَلَهُمْ عَلَيْهِ رُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا، فَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِي مَالٍ وَلَا غَيْرِهِ مُحَمَّدٌ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ رَدِّهِمْ الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَوْا فَالْجِزْيَةُ وَلْيُنْزِلْهُمْ الْإِمَامُ عَلَى حُكْمِهِ لَا عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ، وَلَوْ طَلَبُوهُ (فَإِنْ قُلْت) الْأَظْهَرُ إنْ كَانَ غَيْرُهُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَهُ إنْزَالُهُمْ عَلَى حُكْمِهِ لِصِحَّةِ تَحْكِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. (قُلْت) إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنُفُوسِ الْأَوْسِ لَمَّا طَلَبُوا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخْلِيَتَهُمْ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِمْ وَمَا كَانَ إنْزَالُهُمْ إلَّا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَحْنُونٌ فَإِنْ أَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا عَدْلًا نَفَذَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَرُدَّهُمْ لِمَأْمَنِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ رُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ بَعْدَ رَدِّهِ سَبْيَهُمْ لَمْ يَنْفُذْ وَرُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا تَعَقَّبَ الْإِمَامُ حُكْمَهُ إنْ رَآهُ حَسَنًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا حَكَمَ بِمَا يَرَاهُ نَظَرًا وَلَا يَرُدُّهُمْ لِمَأْمَنِهِمْ، وَلَوْ حَكَّمُوا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا عَاقِلِينَ عَالَمِينَ بِهِمْ لَمْ يَجُزْ وَحَكَمَ الْإِمَامُ، وَلَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَحُكِّمَ فُلَانٌ فَحَكَمَ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ لَمْ يَنْفُذْ، وَهُوَ كَنْزٌ وَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَقَطْ، فَلَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَحَكَمَ الْآخَرُ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ لَمْ يَنْفُذْ وَرُدُّوا لِمَأْمَنِهِمْ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ رَدُّوا الْمَاءَ مِنْهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ عِيَاضٌ: وَالنُّزُولُ عَلَى حُكْمِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ جَائِزٌ. وَلَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ، فَإِذَا حَكَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ وَلَهُمْ أَنْ يَنْتَقِلُوا مِنْ حُكْمِ رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ مِمَّنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالدِّيَانَةِ، فَإِذَا حَكَمَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا الْإِمَامِ الْمُجِيزِ لِتَحْكِيمِهِمْ نَقْضُ حُكْمِهِ إذَا حَكَمَ بِمَا هُوَ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ إقْرَارٍ عَلَى الْجِزْيَةِ أَوْ إجْلَاءٍ، فَإِنْ حَكَمَ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا يُبِيحُهَا الشَّرْعُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ، انْتَهَى. . ص (كَتَأْمِينِ غَيْرِهِ إقْلِيمًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالِ الرُّوَاةِ وَالْأَشْيَاخِ: لَفْظُ الْأَمَانِ وَالْمُهَادَنَةِ وَالصُّلْحِ وَالِاسْتِئْمَانِ وَالْمُعَاهَدَةِ وَالْعَهْدِ مِنْهَا مُتَبَايِنٌ وَمُتَرَادِفٌ، فَالْأَمَانُ رَفْعُ اسْتِبَاحَةِ دَمِ الْحَرْبِيِّ وَرَقِّهِ وَمَالِهِ حِينَ قِتَالِهِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُدَّةً، مَا فَيَدْخُلُ الْأَمَانُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ اسْتِبَاحَتَهَا لَا الْمُهَادَنَةَ وَمَا بَعْدَهَا، وَهُوَ مِنْ حَيْثُ اسْتِلْزَامُهُ مَصْلَحَةٌ مُعَيَّنَةٌ أَوْ رَاجِحَةٌ أَوْ مَفْسَدَةٌ أَوْ احْتِمَالُهَا مَرْجُوحًا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَتَبْعُدُ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ أَحَدَهُمَا وَتُسَاوِيهِمَا، وَهُوَ عُسْرٌ اللَّخْمِيُّ هُوَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ بِاجْتِهَادِهِ بَعْدَ مَشُورَةِ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْهُمْ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَالْمُهَادَنَةُ، وَهِيَ الصُّلْحُ: عَقْدُ الْمُسْلِمِ مَعَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسَالَمَةِ مُدَّةً لَيْسَ هُوَ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، فَيَخْرُجُ الْأَمَانُ وَالِاسْتِئْمَانُ، ثُمَّ قَالَ: وَالِاسْتِئْمَانُ وَهُوَ الْمُعَاهَدَةُ: تَأْمِينُ حَرْبِيٍّ يَنْزِلُ بِنَا لِأَمْرٍ يَنْصَرِفُ بِانْقِضَائِهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ وَادَعَ الْإِمَامُ مَلِكَ الْقَرْيَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ إذَا وَادَعَ الْإِمَامُ مَلِكَ الْقَرْيَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ؟ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَالَحَ مَلِكَ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصُّلْحِ بَقِيَّتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْمَنَ لِطَائِفَة مُعَيَّنَةٍ هَلْ يَدْخُلُ هُوَ فِيهِمْ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِهِ لَفْظًا وَقَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْأَمَانَ لِغَيْرِهِ إلَّا، وَهُوَ يَقْصِدُ إدْخَالَ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَهَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ يَمْضِي إلَى قَوْلِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ (تَنْبِيهٌ) نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ

عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّأْمِينُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ قَوْلَهُ كَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً إذْ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلْإِمَامِ ابْتِدَاءً، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَفِيهَا، وَيَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إنْ عَقَلَ الْأَمَانَ وَيُحْتَمَلُ يَجُوزُ إنْ وَقَعَ، وَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ أَوْ مُخَالِفٌ، انْتَهَى. وَبِهَذَا فَسَّرَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَفَسَّرَهُمَا فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ: وَقَوْلُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ كَذَلِكَ، أَيْ يَجُوزُ تَأْمِينُهُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ رَدُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَوْ يَرُدَّهُ، وَإِلَى حَمْلِ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى الْخِلَافِ ذَهَبَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ أَصْحَابُنَا يَحْمِلُونَ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ، انْتَهَى. ص (وَسَقَطَ الْقَتْلُ، وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْأَمَانُ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَتْلُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ خِلَافًا حَتَّى مِمَّنْ أَعْطَى الْأَمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي أَمْنِهِمْ بَعْدَ الْفَتْحِ قَوْلَانِ، وَلِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ عَامٌّ فِي حَقِّ مَنْ أَمَّنَهُ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ عَامٌّ فِي الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَمَّنَهُ قَتْلَهُ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَتْلِ لَا فِي الِاسْتِرْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا، وَالْقَوْلُ بِسُقُوطِ الْقَتْلِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْن الْمَوَّازِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَمَّنَهُ قَتْلُهُ، وَأَمَّا الْإِمَامُ، فَإِنْ شَاءَ قَتْلَهُ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى أَمَانَهُ وَكَانَ قِنًّا، وَقَوْلُهُ: وَفِي أَمْنِهِمْ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ، أَيْ وَفِي أَمْنِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ وَفِي أَمْنِ الْكُفَّارِ وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: وَفِي إمْضَاءِ أَمْنِهِمْ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَغَيْرَهُ إنَّمَا تَكَلَّمُوا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَلَفْظُهُ: وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْفَتْحُ، فَإِنْ أَمَّنَهُ الْأَمِيرُ صَحَّ، وَإِنْ أَمَّنَهُ غَيْرُهُ فَهَلْ يَصِحُّ تَأْمِينُهُ فَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسَقَطَ الْقَتْلُ أَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ لَا يَسْقُطُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَا كَمَا تَقَدَّمَ. ص (إنْ لَمْ يَضُرَّ) ش: يَصِحُّ أَنْ يَعُودَ إلَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَهَلْ يَجُوزُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ يَمْضِي كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (أَوْ جَهِلَ إسْلَامَهُ) ش: هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَهُوَ أَنَّ أَمَانَ

الذِّمِّيِّ غَيْرُ مَلْزُومٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ يَعْنِي أَنَّا إذَا قُلْنَا: أَمَانُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَقَالَ الْحَرْبِيُّونَ: ظَنَنَّا أَنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَانَا الْأَمَانَ مُسْلِمٌ، فَإِنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ إمَّا أَمْضَاهُ أَوْ رَدَّهُمْ لِمَأْمَنِهِمْ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَرَّةً لَا يُعْذَرُونَ وَهُمْ فَيْءٌ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: إنْ أَمَّنَهُمْ الذِّمِّيُّ فَلَا أَمَانَ لَهُمْ وَهُمْ فَيْءٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ قَالُوا: ظَنَنَّاهُ مُسْلِمًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ إنْ أَبَى الْإِمَامُ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَقَالَ: هُمْ فَيْءٌ، وَقَالَ: وَيُرَدُّونَ لِمَأْمَنِهِمْ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُ ذِمِّيٌّ وَظَنَنَّا أَنَّ أَمَانَهُ يَجُوزُ لِذِمَّتِهِ مِنْكُمْ كَمَا يَجُوزُ أَمَانُ عَبْدِكُمْ وَصَغِيرِكُمْ، قَالَ: لَا أَمَانَ لَهُمْ وَهُمْ فَيْءٌ، انْتَهَى. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ عَكْسُ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِأَرْضِنَا، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَعْرِضُونَ لِتَاجِرٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا خِلَافَ فِيمَنْ أَتَى تَاجِرًا فَيَقُولُ ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَعْرِضُونَ لِتَاجِرٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُرَدُّ لِمَأْمَنِهِ، انْتَهَى. فَحِكَايَةُ الشَّارِحِ فِيهِ خِلَافٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُجِدَ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: جِئْت إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: جِئْت أَطْلُبُ الْفِدَاءَ. ص (وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا فَمَالُهُ فَيْءٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى التَّجْهِيزِ) ش قَوْلُهُ: مَعَهُ. يَعْنِي فِي بَلَدِنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي بَلَدِنَا فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ مُوَرَّثُهُ عَلَى التَّجْهِيزِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ أَوْ تَرَكَ مَالًا أَوْ قُتِلَ

فرع ويعتق قاتل الحربي رقبة

فَمَالُهُ وَدِيَتُهُ تُدْفَعُ إلَى مَنْ يَرِثُهُ بِبَلَدِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ عِنْدَنَا إذَا اُسْتُؤْمِنَ عَلَى الرُّجُوعِ أَوْ كَانَ شَأْنُهُمْ الرُّجُوعَ، وَأَمَّا لَوْ اُسْتُؤْمِنَ عَلَى الْمُقَامِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ شَأْنَهُمْ، فَإِنَّ مَا تَرَكَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُؤْمِنَ عَلَى الرُّجُوعِ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَنَا يَكُونُ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُمْ وَلَا ذَكَرُوا رُجُوعًا فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ. ص (وَلِقَاتِلِهِ إنْ أُسِرَ، ثُمَّ قُتِلَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ إذَا قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ، وَأَمَّا إنْ أُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ، فَإِنَّ وَدِيعَتَهُ لِمَنْ قَتَلَهُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ وَيَعْتِقُ قَاتِلُ الْحَرْبِيّ رَقَبَةً] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَعْتِقُ قَاتِلُهُ رَقَبَةً، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إنْ كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ عِتْقُ الرَّقَبَةِ مُسْتَحَبًّا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً كَانَ وَاجِبًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَدِيَةُ الْمُسْتَأْمَنِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، قَالَ: إنَّمَا ذَكَرْتُهُ؛ لِأَنَّ لِإِسْمَاعِيلَ فِي دِيَتِهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا أُرْسِلَ مَعَ دِيَتِهِ لِوَارِثِهِ) ش، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ بَلْ صَرِيحُهَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ تَعَيُّنِ وَارِثِهِ بِبَيِّنَةِ مُسْلِمِينَ أَوَّلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَمَّا إنْ قَدِمَ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى بِلَادِهِ، وَهَذَا مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّجْهِيزِ فَهَذَا لَا حَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِ إنْ مَاتَ، وَلَا فِيهِ وَلَا فِي دِيَتِهِ إنْ قُتِلَ بَلْ يُبْعَثُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَى بِلَادِهِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَفِي رَدِّهِ إلَى حُكَّامِهِمْ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِمْ قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (كَوَدِيعَتِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا تَرَكَ وَدِيعَةً وَسَافَرَ إلَى بِلَادِهِ، فَإِنَّهَا تُرْسَلُ إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ تَرَكَ الْمُسْتَأْمَنُ وَدِيعَةً فَهِيَ لَهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي ذَهَبَ إلَى بَلَدِهِ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] . ص (وَهَلْ وَإِنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ أَوْ فَيْءٌ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي: وَهَلْ تُرْسَلُ وَدِيعَةُ الْمُسْتَأْمَنِ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ قُتِلَ فِي مُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرْسِلُهَا إذَا مَاتَ، وَأَمَّا إذَا قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ فَهِيَ فَيْءٌ، وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ أَيْضًا. ص (وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ اشْتِرَاءُ سِلْعَةٍ وَفَاتَتْ بِهِ وَبِهِبَتِهِمْ لَهَا)

ش: يَعْنِي إذَا قَدِمَ الْكَافِرُ بِسِلَعٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَتَى بِهَا لِيَبِيعَهَا فَيُكْرَهُ لِغَيْرِ مَالِكِ تِلْكَ السِّلَعِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُمْ، فَإِنْ بَاعَهَا وَاشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ بِاشْتِرَائِهِ لَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا قَدِمُوا بِهَا وَوَهَبُوهَا لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ بِالْهِبَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يَبِيعُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ بِبَلَدِهِمْ أَوْ يَهَبُونَهُ، فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ، وَفِي الْهِبَةِ بِلَا شَيْءٍ كَمَا سَيَأْتِي وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِيهَا: وَإِذَا دَخَلْت دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَابْتَعْت مِنْ يَدِ حَرْبِيٍّ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ أَسَرَهُ أَوْ أَبَقَ إلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ الْحَرْبِيُّ لَكَ فَكَافَأْتَهُ عَلَيْهِ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْكَ مَا أَدَّيْت مِنْ ثَمَنٍ أَوْ عَرْضٍ، وَإِنْ لَمْ تُثِبْ وَاهِبَكَ أَخَذَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ بِعْتَهُ أَنْتَ، ثُمَّ جَاءَ رَبُّهُ مَضَى الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْكَ وَيَدْفَعَ إلَيْكَ مَا أَدَّيْت مِنْ ثَمَنٍ أَوْ عَرْضٍ، وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ عَرْضًا فَلَا شَيْءَ لَكَ، قَالَ غَيْرُهُ: يُنْقَضُ بَيْعُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُبْتَاعِ وَيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا إنْ نَزَلَ بِنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ عَبِيدٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ قَدْ كَانَ أَحَرَزَهُمْ فَبَاعَهُمْ عِنْدَنَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّهِمْ أَخْذُهُمْ بِالثَّمَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ مِنْ بَائِعِهِمْ فِي عَهْدِهِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْحَرْبِيِّ إيَّاهُمْ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ وَهَبَهُمْ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَقَدِمَ بِهِمْ كَانَ لِرَبِّهِمْ أَخْذُهُمْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَهَذَا الَّذِي خَرَجَ بِهِمْ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَوْ وَهَبَهُمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَأْخُذْهُمْ سَيِّدُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا أَحْرَزَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَوْا بِهِ لِيَبِيعُوهُ لَمْ أُحِبَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُمْ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَاسْتَحَبَّ غَيْرُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بِأَيْدِيهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَأْخُذَهُ رَبُّهُ بِالثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ أُحِبَّ عَلَى بَابِهِ أَيْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ فِيهِ تَسْلِيطًا لَهُمْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَشْلَائِهِمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ

وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا شِرَاءُ أَمْتِعَتِهِمْ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ بِأَمَانٍ وَبَاعَ: لَمْ يَكُنْ لِرَبِّهِمْ أَخْذُهُمْ الشَّيْخُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْ الْغَيْرِ، ثُمَّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُشْتَرَى بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ مَا اُشْتُرِيَ مِنْ الْحَرْبِيِّ إذَا قَدِمَ بِأَمَانٍ أَنَّ مَا اُشْتُرِيَ مِنْ الْحَرْبِيِّ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اُشْتُرِيَ مِمَّنْ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِالثَّمَنِ، وَاَلَّذِي اشْتَرَى مِنْ الْحَرْبِيِّ إذَا قَدِمَ بِأَمَانٍ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِمَّنْ لَهُ حُرْمَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِالثَّمَنِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَلِهَذَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْهُمْ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. ص (غَيْرُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) ش: وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْمُحْبَسُ وَالْأَرْضُ الْمُحْبَسَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَحْبَاسِ، وَانْظُرْ فِيمَا إذَا وُجِدَ فِي الْغَنِيمَةِ فَرَسُ حَبْسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِدْيَةُ أُمِّ الْوَلَدِ) ش: أَيْ بِقِيمَتِهَا، فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهَا مُعْسِرًا أُتْبِعَ بِالْقِيمَةِ. ص (وَعِتْقُ الْمُدَبَّرِ مِنْ ثُلُثِ سَيِّدِهِ وَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ بَعْدَهُ وَلَا يُتْبَعُونَ بِشَيْءٍ) ش: ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهِ يَسْتَوْفِيهَا الَّذِي أَسْلَمَ، فَإِنْ وَفَّى خَرَجَ حُرًّا وَكَانَ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا لِلَّذِي أَسْلَمَ، وَهُوَ فِي يَدِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ. ص (وَحُدَّ زَانٍ وَسَارِقٌ، وَإِنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَهُ فِيهَا نَصِيبٌ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَإِنْ وَطِئَ مِنْهَا أَمَةً حُدَّ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ تُحْرَزَ قُطِعَ، قَالَ غَيْرُهُ: لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَيُقْطَعُ إنْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فِيهَا وَاجِبٌ مَوْرُوثٌ، بِخِلَافِ حَقِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ حُدَّ لَمْ يُبَيِّنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ أَنْ يُحَدَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تُحْرَزْ فَهِيَ كَالْحَرْبِيَّةِ يَزْنِي بِهَا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ مَنْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ بَعْدُ وَلَا حِيزَتْ عَنْهُ، وَقَدْ تَتْلَفُ فَلَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ لِدَرْءِ الْحَدِّ وَجْهٌ بِالشُّبْهَةِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مُحْتَمَلَانِ وَالْغَيْرُ الْمُخَالِفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ فَصَلَ

فرع في القوم يغنمون الرقيق هل يشترى منهم وهم لم يؤدوا خمسا

بَيْنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ مَنْ زَنَا بِحَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَقُولُ فِي بَابِ الزِّنَا أَوْ ذَاتِ مَغْنَمٍ أَوْ حَرْبِيَّةٍ. . ص (وَخُمِّسَ غَيْرُهَا إنْ أُوجِفَ عَلَيْهِ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا مُلِكَ مِنْ مَالِ الْكَافِرِ غَنِيمَةٌ وَمُخْتَصٌّ بِآخِذِهِ وَفَيْءُ الْغَنِيمَةِ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَوْ بِحَيْثُ إنْ يُقَاتَلَ عَلَيْهِ وَلَازِمُهُ تَخْمِيسُهُ اللَّخْمِيِّ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ فِي كَوْنِهِ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْجَيْشِ أَوْ عَدَمِ مُمَانَعَةِ الْعَدُوِّ، وَقَالَ: وَقَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ فَيْءٌ (قُلْت) وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ نُزُولِهِ يَتَعَارَضُ فِيهِ مَفْهُومُ مَا نَقَلَهُ، قَالَ: وَيُخْتَلَفُ فِي خَرَاجِ أَرْضِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَصُّ بِآخِذِهِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ غَيْرِ مُؤَمَّنٍ دُونَ عِلْمِهِ أَوْ كَرْهًا دُونَ صُلْحٍ وَلَا قِتَالِ مُسْلِمٍ وَلَا قَصَدَهُ بِخُرُوجٍ إلَيْهِ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيٍ أَوْ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَحْرَارِ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ عَلَى رَأْيٍ، كَمَا لَوْ هَرَبَ بِهِ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَا غَنِمَهُ الذِّمِّيُّونَ، وَفِيمَا غَنِمَهُ النِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَدْخُلُ الرِّكَازُ وَالْفَيْءُ مَا سِوَاهُمَا مِنْهُ فِيهَا خَرَاجُ الْأَرْضِينَ وَالْجِزْيَةُ، وَمَا اُفْتُتِحَ مِنْ أَرْضٍ بِصُلْحٍ وَخُمُسِ غَنِيمَةٍ أَوْ رِكَازِ فَيْءٍ الشَّيْخُ. زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْ تَجْرِهِمْ وَتَجْرِ الذِّمِّيِّينَ (قُلْت) وَعَزَاهُ فِي بَابٍ آخَرَ لِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ فِي الْقَوْمِ يَغْنَمُونَ الرَّقِيقَ هَلْ يُشْتَرَى مِنْهُمْ وَهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا خُمُسًا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمٍ جَاعَ فَبَاعَ امْرَأَتَهُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْقَوْمِ يَغْنَمُونَ الرَّقِيقَ هَلْ يُشْتَرَى مِنْهُمْ وَهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا خُمُسًا؟ قَالَ: لَا يُشْتَرَى مِنْهُمْ إذَا لَمْ يُؤَدُّوا خُمُسًا. (قُلْت) وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ لَا يُظَنُّ بِهِمْ أَنْ يَحْبِسُوا خُمُسًا؟ قَالَ: لَا يُشْتَرَى مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ حَالُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ خُمُسًا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا إذَا كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ لَا يُظَنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ خُمُسًا، قَالَ: فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُمْ فَتَرْكُ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ هُوَ التَّوَرُّعُ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ وَلَا يُؤَدُّونَ الْخُمُسَ فَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ فَرَوَى يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ أَنَّهُ يُشْتَرَى مِنْهُمْ وَتُوطَأُ الْأَمَةُ. وَإِنَّمَا الْخُمُسُ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى هَذَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَالِي يَعْزِلُ الظَّلَمَةَ مِنْ الْعُمَّالِ فَيُرْهِقُهُمْ وَيُعَذِّبُهُمْ فِي غُرْمٍ يُغَرِّمُهُمْ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ فَيُلْجِئَهُمْ إلَى بَيْعِ أَمْتِعَتِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ: إنَّ الشِّرَاءَ مِنْهُمْ جَائِزٌ، وَقِيلَ: الشِّرَاءُ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ وَلَا يُؤَدُّونَ الْخُمُسَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَدَاءٍ. وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَعَلَى هَذَا يَأْتِي قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ أَنَّ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورَ لَا يَحِلُّ الِاشْتِرَاءُ مِنْهَا إذَا كَانُوا لَا يَضَعُونَ أَثْمَانَهَا فِي مَوَاضِعِهَا، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عِنْدِي إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا كَانَتْ الرِّقَابُ لَا تَنْقَسِمُ أَخْمَاسًا، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تُبَاعَ لِيَخْرُجَ الْخُمُسُ مِنْ أَثْمَانِهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَنْقَسِمُ أَخْمَاسًا فَلَمْ يُخْرِجُوا مِنْهَا الْخُمُسَ وَبَاعُوهَا لِيَسْتَأْثِرُوا بِهَا فَهُمْ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةٍ لِغَيْرِهِ فَبَاعَهَا فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ شِرَاؤُهَا، انْتَهَى. زَادَ فِي النَّوَادِرِ وَعَنْ أَبِي مُصْعَبِ قِيلَ: إنَّ الْخَلِيفَةَ مَنَعَهُمْ أَنْ يُخَمِّسُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. قَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا وَلَهُمْ الشِّرَاءُ وَالْوَطْءُ، وَالْخُمُسُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَقَالَ

فرع افترق الجيش قبل قسم الغنيمة

سَحْنُونٌ فِي قَوْمٍ أَسَرُوا فَقَسَّمُوا الرَّقِيقَ قَبْلَ أَنْ يُخَمِّسُوهَا أَيَشْتَرِي مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ إذَا أَدَّوْا الْخُمُسَ فِي مَوَاضِعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالشِّرَاءُ مِنْهُمْ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَنُقِلَ هَذَا الْفَرْعُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْغُلُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ افْتَرَقَ الْجَيْشُ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا افْتَرَقَ الْجَيْشُ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ خُمُسَهَا. ثُمَّ يُحْصِي مَنْ حَضَرَ الْغَنِيمَةَ مِنْ الْغُزَاةِ عَلَى التَّحَرِّي وَالتَّخْمِينِ بِأَنْ يَجْمَعَ أَعْيَانَ أَصْحَابِهِ وَشُيُوخَ عَسْكَرِهِ وَيَقُولَ لَهُمْ: كَمْ تُقَدِّرُونَ الْجَيْشَ الَّذِي كَانَ فِي غَزَاةِ كَذَا، فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيرِهِ بِعَدَدٍ مَا قَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ أَخَذَ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ الْقَدْرِ وَتَرَكَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ. وَنَزَلَتْ أَيَّامَ الْمَنْصُورِ فَاسْتَفْتَى ابْنَ زَرْبٍ، فَأَجَابَهُ بِأَنَّ أَمْرَهُ رَاجِعٌ إلَى اجْتِهَادِ الْأَمِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ الْجَيْشِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ يُوقِفُ أَنْصِبَاءَ الْغُيَّبِ بَعْدَ الْمَقَاسِمِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ، وَفِي جَوَابِ ابْنِ زَرْبٍ إجْمَالٌ وَتَفْسِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت الْمَوْقُوفُ حُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ، فَإِنْ مَضَتْ لَهُ سَنَةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ طَالِبٌ جَرَى عَلَى حُكْمِهَا، وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَقَالَ فِيمَنْ أَخَذَ كُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ حُلِيًّا زِنَتُهُ سَبْعُونَ مِثْقَالًا قَالَ: هُوَ كَاللُّقَطَةِ تَطِيبُ لَهُ إذَا جَهِلَ الْجَيْشَ بَعْدَ الْمُدَّةِ. وَنَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ مَنْ يَغْزُو مَعَ الْجَيْشِ أَوْ السَّرِيَّةِ فَيَغْنَمُونَ الْغَنِيمَةَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَصَّلُونَ إلَى حُقُوقِهِمْ مِنْهَا فَهَلْ يَطِيبُ لَهُ أَنْ يُخْفِيَ مِقْدَارَ مَا يَحْصُلُ لَهُ لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى وَجْهِهَا؟ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا أَنَّهُ يَتَحَرَّى عَدَدَ الْجَيْشِ وَيُخْرِجُ مِنْ الْغَنِيمَةِ الْخُمُسَ وَيُقَدِّرُ حَقَّهُ وَيَأْخُذُهُ وَكُلُّ مَا شَكَّ فِيهِ طَرَحَهُ، انْتَهَى. مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (وَنَفَّلَ مِنْهُ السَّلَبَ لِمَصْلَحَةٍ) ش لَيْسَ النَّفَلُ مَقْصُورًا عَلَى السَّلَبِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، السَّلَبُ: نَوْعٌ مِنْ النَّفَلِ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْقَاتِلَ أَوْ لَمْ يُعْطِهِ أَوْ أَعْطَاهُ بَعْضَهُ خَاصَّةً، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لِمَصْلَحَةٍ يَعْنِي أَنَّ السَّلَبَ إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ. وَكَذَلِكَ الْمِقْدَارُ الَّذِي يُعْطِيهِ لَكِنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَلَا بِالْهَوَى فَلَا يُعْطِي الْجَبَانَ وَيَحْرِمُ الشُّجَاعَ وَلَا يُعْطِي الشُّجَاعَ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: النَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ النَّفَلُ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ زِيَادَةُ السَّهْمِ أَوْ هِبَةٌ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لِحَارِسٍ أَوْ لِطَلِيعَةٍ أَوْ لِنَحْوِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ النَّفَلُ مَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ مُسْتَحِقَّهَا لِمَصْلَحَةٍ، انْتَهَى. . ص (وَلَمْ يَجُزْ إنْ لَمْ يَنْقَضِ الْقِتَالُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ السَّلَبُ) ش: يَعْنِي وَلَمْ يَجُزْ قَوْلُ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ

يَنْقَضِيَ الْقِتَالُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ لِلسُّرِّيَّةِ مَا غَنِمْتُمْ فَلَكُمْ بِلَا خُمُسٍ فَهَذَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ السَّلَفُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ شَاذٌّ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَلِمُسْلِمٍ فَقَطْ سَلَبٌ اُعْتِيدَ) ش: وَمِنْهُ الْخَاتِمُ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَفُهِمَ مِنْ لَفْظِ الْمُسْلِمِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا شَيْءَ لَهَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَلَوْ قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ بِقَتْلِهِ قَبْلَ كَمَالِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ سَحْنُونٌ مَنْ أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسِيرٍ لِلْإِمَامِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالشَّرِكَةُ فِي مُوجِبِ السَّلَبِ يُوجِبُهَا فِيهِ سَحْنُونٌ مَنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَ عِلْجٍ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَسَلَبُهُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ جَرَحَهُ فَلَمْ يُنْفِذْ مَقْتَلَهُ فَبَيْنَهُمَا. وَلَوْ تَدَاعَى قَتْلَهُ جَارِحُهُ وَمُحْتَزُّ رَأْسِهِ فَبَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ بُحِثَ فِي ذَلِكَ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَلَبُ الْقَتِيلِ الْمُسْتَحَقِّ سَلَبُهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ اسْتَعَارَهُ مِنْ مُبَاحٍ مَالُهُ فَلِقَاتِلِهِ وَإِلَّا فَلِرَبِّهِ، كَمُسْلِمٍ تَاجِرٍ أَوْ رَسُولٍ، فَإِنْ كَانَ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلِقَاتِلِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ص (وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ) ش: يَعْنِي، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ فَلَغْوٌ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ: وَشَرْطُ اسْتِحْقَاقِ التَّنْفِيلِ لِأَمْرٍ يُفْعَلُ سَمَاعُ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بَعْضُ قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ كَمَنْ سَمِعَهُ، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ فَلَغْوٌ، انْتَهَى. وَمِنْهُ لَوْ دَخَلَ عَسْكَرٌ ثَانٍ لَمْ يَسْمَعُوا مَا جُعِلَ لِلْأَوَّلِ فَلَهُمْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ أَمِيرُ الْعَسْكَرَيْنِ وَاحِدًا، وَانْظُرْ بَقِيَّةَ فُرُوعِهِ فِيهِ. ص (أَوْ تَعَدَّدَ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِعَشَرَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ زَادَ مِنَّا فَلَهُ إنْ قَتَلَ ثَلَاثَةً سَلَبُهُمْ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ (قُلْت) إذَا كَانَ مَنْ ضَمَّهُ إلَيْهِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ لَهُ أَوْ إقْرَارٍ لَهُ بِدَيْنٍ فِي مَرَضٍ أَوْ ذِي خُصُوصِيَّةٍ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ) ش: فَإِنْ جَهِلَ فَقِيلَ لَهُ نِصْفُهُمَا، وَقِيلَ: أَقَلُّهُمَا، قَالَ فِي

التَّوْضِيحِ. ص (أَوْ يَخُصُّ نَفْسَهُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ خَصَّ نَفْسَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، وَلَوْ عَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ انْدَرَجَ، فَلَوْ قَتَلَ قَتِيلًا قَبْلَ تَعْمِيمِهِ وَآخَرَ بَعْدَهُ اسْتَحَقَّ الثَّانِيَ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ:

إذَا قَتَلْت قَتِيلًا فَلِي سَلَبُهُ، وَمَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقَتَلَ الْأَمِيرُ قَتِيلَيْنِ وَقَتَلَ غَيْرُهُ قَتِيلَيْنِ فَلِلْأَمِيرِ سَلَبُ قَتِيلِهِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، وَلِغَيْرِهِ سَلَبَا قَتِيلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ إنَّمَا خَصَّ نَفْسَهُ بِقَتِيلٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا وَالْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ إنْ ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَثْبُتْ دُونَهَا الْبَاجِيُّ، وَلَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمُثْبَتَ الْقَتْلُ لَا الْمَالُ، وَلَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِيَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِبَيِّنَةٍ فَفِي لُزُومِهَا نَقْلُ الشَّيْخِ وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ» بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى أُصُولِ الْمَالِكِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِمَامِ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا الشَّهَادَةَ كَانَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ السَّلَبَ لَا يُعْطَى إلَّا لِمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُعْطَاهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، انْتَهَى. ص (وَمَرِيضٌ شَهِدَ كَفَرَسٍ رَهِيصٍ أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) ش الصَّوَابُ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ بِأَوْ أَعْنِي فِي قَوْلِهِ أَوْ مَرِضَ. وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى خَمْسِ حَالَاتٍ. الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَخْرُجَ فِي الْجَيْشِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى ابْتَدَأَ الْقِتَالَ فَمَرِضَ وَتَمَادَى بِهِ الْمَرَضُ إلَى أَنْ هُزِمَ الْعَدُوُّ، فَإِنَّ مَرَضَهُ لَا يَمْنَعُ سَهْمَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ: وَمَرِيضٌ شَهِدَ، فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ضَالٍّ فِي قَوْلِهِ، بِخِلَافِ بَلَدِهِمْ وَالْمَعْنَى، بِخِلَافِ الضَّالِّ بِبَلَدِهِمْ، فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: مِثْلُ الْأُولَى إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، وَهُوَ صَحِيحٌ حَتَّى قَاتَلَ أَكْثَرَ الْقِتَالِ ثُمَّ مَرِضَ، وَهَذَا لَهُ سَهْمُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَهَذِهِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَغْنَى عَنْهَا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ حُكْمُهَا مِنْهَا بِالْأَحْرَوِيَّةِ فَذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ، وَالظَّاهِرُ فِي هَذِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مَرَضِهِ يُقَاتِلُ أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَلَمْ يُقَاتِلْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِ الْمَانِعُ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَالِيًا عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِسْهَامِ أَنْ يُقَاتِلَ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَلَدِ الْإِسْلَامِ مَرِيضًا وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْقِتَالُ. الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَخْرُجَ صَحِيحًا، ثُمَّ يَمْرَضَ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ فِي حَوْزِ أَهْلِ الْحَرْبِ. الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَخْرُجَ صَحِيحًا وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَمْرَضَ عِنْدَمَا دَخَلَ بِلَادَ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْمُلَاقَاةِ، وَفِي الثَّلَاثِ قَوْلَانِ بِالْإِسْهَامِ وَعَدَمِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَالِثٌ اللَّخْمِيُّ يَفْصِلُ بَيْنَ مَنْ لَهُ رَأْيٌ وَتَدْبِيرٌ فَيُسْهِمُ لَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا

فَقَوْلَانِ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلَ بِالْإِسْهَامِ مُطْلَقًا إلَّا فِي الثَّالِثَةِ، فَاسْتَظْهَرَ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ غَازِيٍّ وَفَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهِيَ أَنْ يَخْرُجَ صَحِيحًا وَيَشْهَدَ الْقِتَالَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَمْرَضَ قَبْلَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ شَهَرَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ فِي هَذِهِ قَوْلَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَحْرَى؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْأُولَى حَصَلَ مِنْ أَوَّلِ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ هَذِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ غَيْرَ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الْمَانِعَ فِيهِنَّ أَقْوَى مِنْ الْمَانِعِ فِيهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَشْهُورُ فِي تِلْكَ الْإِسْهَامَ، وَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْقَوْلَانِ مُتَسَاوِيَانِ وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا خَرَجَ مَرِيضًا، ثُمَّ صَحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَ الْقِتَالِ وَقَبْلَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّ هَذَا يُسْهَمُ لَهُ بِلَا كَلَامٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَقَوْلَانِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي حُصُولِ الْمَانِعِ لَا فِي زَوَالِهِ، وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْهُ بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَفَرَسٍ رَهِيصٍ) ش: حِينَ حَصَلَ الرَّهْصُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقِتَالِ وَاسْتَمَرَّ إلَى انْهِزَامِ الْعَدُوِّ أَوْ كَانَ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ. ص (وَلِلْفَرَسِ مِثْلُ فَارِسِهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَزَا الْمُصَنِّفُ لِابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُودَهُ، وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، فَقَالَ: حَظُّ الْفَارِسِ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ لِلْخَبَرِ وَالْعَمَلِ، وَعَلَّلُوهُ بِكُلْفَةِ نَفْسِهِ وَفَرَسِهِ وَخَادِمِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمُؤَلَّفِينَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لِلْفَارِسِ ضِعْفُ مَا لِلرَّاجِلِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا أَعْرِفُهُ بَلْ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَذْهَبَ قَائِلًا اتِّفَاقًا، وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ إسْنَادَهُ حَدِيثَ حُجَّةِ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الرَّاجِلِ لِوُضُوحِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَالْفَارِسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لِلْفَرَسِ حِصَّةً فَسَاوَى الرَّاكِبَ الْفَارِسُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمٌ كَالرَّاجِلِ. ص (وَإِنْ بِسَفِينَةٍ) ش: وَكَذَلِكَ إنْ نَزَلُوا عَنْ الْخَيْلِ وَقَاتَلُوا رَجَّالَةً لِوَعْرٍ فِي مَوْضِعِ الْقِتَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ سَارُوا رَجَّالَةً وَلِبَعْضِهِمْ خَيْلٌ فَغَنِمُوا وَهُمْ رَجَّالَةً أُعْطِيَ لِمَنْ كَانَ لَهُ فَرَسٌ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا لَقُوا الْعَدُوَّ فِي الْبَحْرِ وَمَعَهُمْ الْخَيْلُ فِي السُّفُنِ أَوْ سَارُوا رَجَّالَةً وَلِبَعْضِهِمْ خَيْلٌ فَغَنِمُوا وَهُمْ رَجَّالَةً أُعْطِيَ لِمَنْ لَهُ فَرَسٌ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِرْذَوْنًا وَهَجِينًا) ش: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْبَرَاذِينُ هِيَ الْعِظَامُ

قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ الْجَافِيَةَ الْخِلْقَةَ الْعَظِيمَةَ الْأَعْضَاءِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْبِرْذَوْنُ مَا كَانَ أَبَوَاهُ قِبْطِيَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ قِبْطِيَّةً وَالْأَبُ عَرَبِيًّا كَانَ هَجِينًا، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ كَانَ مُقْرِفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ هَذَا، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ غَازِيٍّ: وَالْمُقْرِفُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَقْرَفَ قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْقَافِ مِنْ بَابِ الْفَاءِ: وَالْمُقْرِفُ الَّذِي دَانَى، الْهُجْنَةُ مِنْ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَافَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ، وَالْهُجْنَةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الصِّحَاحِ: وَالْإِقْرَافُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ قَالَتْ هِنْدُ: وَإِنْ يَكُ إقْرَافٌ فَمِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي بَابِ النُّونِ: وَالْهُجْنَةُ فِي النَّاسِ، وَفِي الْخَيْلِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَتِيقًا وَالْأُمُّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ هَجِينًا، وَالْإِقْرَافُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَصْلِ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ الْبَاءِ، الْمُعْرِبُ مِنْ الْإِبِلِ الْخَيْلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ عِرْقُ هُجْنَةٍ، وَالْأُنْثَى مُعْرِبَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَالْهَجِينُ ابْنُ الْأَمَةِ وَالْجَمْعُ هُجْنٍ، انْتَهَى. . ص (يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ) ش ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالصَّغِيرِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ إجَازَةُ الْإِمَامِ أَوْ نَحْوِهِ ابْنُ حَبِيبٍ، وَشُرِطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إجَازَةُ الْإِمَامِ، قَالَ: وَالْبَرَاذِينُ إذَا أَجَازَهَا الْإِمَامُ كَانَتْ كَالْخَيْلِ أَبُو الْحَسَنِ، مَعْنَى أَجَازَهَا أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ كَالْخَيْلِ فِي جَرْيِهَا وَسَبْقِهَا أَسْهَمَ لَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ أَجَازَهَا الْوَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُهَا خِلَافٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ظَاهِرُهَا فِيهِ مُسَامَحَةٌ بَلْ نَصُّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُحْبَسٌ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) فِي سَهْمِ الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارِ هَلْ هُوَ لِرَبِّهِ أَوْ لِلْمُسْتَعِيرِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي لِمَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (الثَّانِي) اُخْتُلِفَ هَلْ مَا لِلْفَرَسِ لِلْفَارِسِ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلَانِ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَاتَلَ عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ قُلْنَا أَنَّ السَّهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ كَانَ ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْفَارِسِ فَالْعَبْدُ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا وَفِيهَا نَظَرٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمِنْهُ لِرَبِّهِ) ش: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ رَبِّهِ سِوَاهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ فَغُصِبَ مِنْهُ وَاحِدَةٌ فَقَاتَلَ عَلَيْهَا فَلَهُ سَهْمُهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ غَصَبَ فَرَسًا لِذِي فَرَسَيْنِ فَسَهْمَاهُ لِغَاصِبِهِ وَعَلَيْهِ أَجْرُهُ، انْتَهَى. ص (لَا أَعْجَفَ أَوْ كَبِيرًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) ش: قَوْلُهُ: لَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَيْدٌ فِيهِمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَجَعَلَ الشَّارِحُ لَا نَافِيَةً لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ عَاطِفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَغْلٍ)

ش: وَمِثْلُهُ الْفِيلُ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص

فرع خرج عبد وحر أوذمي ومسلم للتلصص

وَلَوْ عَبْدًا عَلَى الْأَصَحِّ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ اللَّخْمِيّ وَاخْتُلِفَ فِيمَا غَنِمَهُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ إذَا انْفَرَدُوا بِالْغَنِيمَةِ هَلْ يُخَمَّسُ أَمْ لَا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى تَخْرِيجِهِ عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ الْعَبْدُ وَلَمْ يَذْكُرْ التُّونُسِيّ تَخْرِيجًا وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ تَرَدَّدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ نَصَّ خِلَافٍ أَنَّهُ يُخَمَّسُ مَا أَصَابُوهُ مِنْ رِكَازٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَهُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ. [فَرْعٌ خَرَجَ عَبْدٌ وَحُرٌّ أوذمي وَمُسْلِمٌ لِلتَّلَصُّصِ] (فَرْعٌ) فَلَوْ خَرَجَ عَبْدٌ وَحُرٌّ أَوْ

تنبيه إذا ثبت أن في الغنيمة مال مسلم أو ذمي

ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ لِلتَّلَصُّصِ، فَمَا أَخَذَهُ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ الْمُسْلِمَانِ يُخَمَّسُ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَمَا أَخَذَهُ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْلِمُ يُقَسَّمُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُخَمَّسُ مَا صَارَ لِلْمُسْلِمِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ وَالنَّصْرَانِيِّ فِي الْغَنِيمَةِ حَقٌّ مَعَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ إذَا غَزَوْا مَعَهُمْ فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ فِي حَيِّزِ التَّبَعِ لَهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَيِّزِ التُّبَّعِ لَهُمْ كَانَ لَهُمْ حَقُّهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ الْعَبْدُ أَوْ النَّصْرَانِيُّ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمُهُ، انْتَهَى. ص (وَالشَّأْنُ الْقَسْمُ بِبَلَدِهِمْ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ نَاقِلًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَتَرْكُهَا إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالشَّأْنِ السَّنَةُ الْمَاضِيَةُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّأْنُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَمَلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ الْوَجْهُ الصَّوَابُ. [تَنْبِيهٌ إذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ] ص (وَأَخْذُ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ ذِمِّيًّا مَا عُرِفَ لَهُ قَبْلَهُ مَجَّانًا)

ش: (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ ثَبَتَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ، ثُمَّ قَالَ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ ثَبَتَ، وَشَرْطُ الثُّبُوتِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَيْنِ الْمَالِكِ مُخَالِفٌ لِعِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: فَإِنْ عَرَفَ رَبُّهُ. وَلَفْظُ الثُّبُوتِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِيمَا هُوَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ كَالشَّاهِدَيْنِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، وَلَفْظُ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ وَشَبَهِهِمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، وَفِيمَا يَشْمَلُ الْبَيِّنَةَ أَوْ مَا دُونَهَا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عُبَيْدٍ وَالْبَرْقِيِّ الْمُتَقَدِّمِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُ اسْتِعْمَالُهُمْ لَفْظَ الْمَعْرِفَةِ فِي اللُّقَطَةِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ الْبَرْقِيِّ وَابْن عُبَيْدٍ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ مَا نَصُّهُ مِنْ التَّوْضِيحِ، وَنَصَّ الْبَرْقِيُّ وَابْن عُبَيْدٍ عَلَى عَدَمِ قَسْمِهِ إذَا عَرَفَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ قَالَا: وَإِنْ وَجَدَ أَحْمَالَ مَتَاعٍ وَعَلَيْهَا مَكْتُوبٌ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، وَعَرَفَ الْبَلَدَ الَّذِي اُشْتُرِيَ مِنْهُ كَالْكَتَّانِ بِمِصْرَ لَمْ يَجُزْ قَسْمُهُ، وَوَقَفَ حَتَّى يَبْعَثَ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَكْشِفَ عَمَّنْ اسْمُهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَعْرِفُهُ وَإِلَّا قُسِّمَ، انْتَهَى. وَنَحْوَهُ نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ وَنَصُّهُ: وَفِي أَخْذِهِ رَبُّهُ إنْ حَضَرَ بِمُوجِبِ الِاسْتِحْقَاقِ طُرُقٌ، مُقْتَضَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمُحَمَّدٍ بَعَثَهُ لِرَبِّهِ الْغَائِبِ عَدَمُ يَمِينِهِ الْمَازِرِيُّ كَالِاسْتِحْقَاقِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَيَمِينِهِ ابْنُ بَشِيرٍ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَأَخْذِهِ إيَّاهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلًا ابْنِ شَعْبَانَ. وَالتَّخْرِيجُ عَنْ مَالِكٍ الْغَنِيمَةُ بِالْقَسْمِ لَا قَبْلَهُ، وَفِيهَا مَا أَدْرَكَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ قَسْمِهِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك الْحَقَّ فِي نُقُولِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ مُخَالَفَةً لِعِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنْ عَرَفَ رَبَّهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الثُّبُوتِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ، وَلَفْظُ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَرَفَ يَعْنِي أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ طَرِيقَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَوْلُهُ: وَحَمَلَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَاشٍ عَلَى طَرِيقَةِ اللَّخْمِيِّ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: حَلَفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَشَى عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ بَشِيرٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ كَلَامِهِ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: وَحَلَفَ أَنَّهُ مَلَكَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ إلَّا دَعْوَاهُ كَمَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَلَهُ بَعْدَهُ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ الْقَسْمِ فَلِمَالِكِهِ - إنْ شَاءَ - أَخَذُهُ بِثَمَنِهِ إنْ عَلِمَ

وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَهُ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ فِي الْغَنِيمَةِ، قَالَ صَاحِبُ

الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرُهُ: وَسَوَاءٌ دَخَلَهُ عِنْدَ رَبِّهِ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِسَبَبٍ قَدِيمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ ابْنُ رَاشِدٍ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، انْتَهَى. ص (وَعَلَى الْآخِذِ إنْ عَلِمَ بِمِلْكِ مُعَيَّنٍ تَرْكُ تَصَرُّفٍ لِيُخَيِّرَهُ) ش: يَعْنِي إنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَعَلِمَ أَنَّهُ مِلْكٌ لِمُعَيَّنٍ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ لِيُخْبِرَ رَبَّهُ فِيهِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ أَخَذَ مِنْ الْمَغَانِمِ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ قَدِمَ بِأَمَانٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ فَمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ أَمَةٌ أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْ الْعَدُوِّ، وَاَلَّذِينَ أَحْرَزُوهَا هَلْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، قَالَ: إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لِمُسْلِمٍ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَعْرِضَهَا عَلَيْهِ فَيَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ أَوْ يَدَعَ، وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَبْدًا فَلْيَعْرِضْهُ عَلَى سَيِّدِهِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ: فَلَا يَحِلُّ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَلَا أُحِبُّ، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى بَابِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ فِيهِ خِيَارٌ لِلْغَيْرِ فَلَا يَحِلُّ، وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرُهُ اشْتَرَاهَا فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ حَرْبِيٍّ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَاهَا فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا مِنْ حَرْبِيٍّ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَلَا يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي، فَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ يُنَاقِضُ مَا يَأْتِي، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُخَالِفُ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَوْ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ أَيْضًا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ، ثُمَّ بَاعَهُ، فَإِنَّهُ يَفُوتُ بِبَيْعِهِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا يَصِيرُ لِرَبِّهِ إلَّا الثَّمَنُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ تَصَرَّفَ مَضَى كَالْمُشْتَرَى مِنْ حَرْبِيٍّ بِاسْتِيلَادٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِاسْتِيلَادٍ يَمْضِي فَالْعِتْقُ أَحْرَى، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَقِيبَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ غَازِيٍّ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا وَجَدَهُ السَّيِّدُ قَدْ فَاتَ بِعِتْقٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَلَا إلَى رِقِّهِ ابْنُ يُونُسَ، يُرِيدُ وَإِنْ فَاتُوا بِبَيْعٍ مَضَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُهُ، وَلَكِنْ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ مَا وَقَعَ بِهِ فِي الْمَقَاسِمِ وَيَتَفَاضَلَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِالْأَوَّلِ إنْ تَعَدَّدَ. ص (وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) ش: أَيْ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ فَهَلْ يَمْضِي عِتْقُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَابِسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَوْ لَا يَمْضِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَارِثِ. ص (وَفِي الْمُؤَجَّلِ تَرَدُّدٌ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ كَالْعِتْقِ

اللَّخْمِيُّ، الْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ كَنَاجِزٍ ابْنُ بَشِيرٍ جَرَّاؤُهُ عَلَيْهِ بَعِيدٌ لَتَأَخُّرِهِ (قُلْت) قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ كَالْعِتْقِ يَرُدُّهُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهَا وَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، اُنْظُرْ لَوْ كَاتَبَهُ عَدَمَ وُقُوفِهِمْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَقْوَى الرَّدُّ هُنَا، انْتَهَى. وَإِلَى كَلَامِهِ وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ هُنَا. ص (وَلِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ بِدَارِهِمْ مَجَّانًا وَبَعُوضٍ بِهِ إنْ لَمْ يُبَعْ) ش تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ اشْتِرَاءُ سِلْعَةٍ، وَفَاتَتْ بِهِ وَبِهِبَتِهِمْ لَهَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ كَانَ عَيْنًا دَفَعَ مِثْلَهُ حَيْثُ لَقِيَهُ أَوْ حَاكَمَهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ عَرَضَا دَفَعَ إلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الْوُصُولُ إلَيْهَا مُمْكِنًا، كَمَنْ أَسْلَفَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُهُ بِمَوْضِعِ السَّلَفِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى مَا يَجُوزُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَيْهَا فَعَلَيْهِ هُنَا قِيمَةُ ذَلِكَ الْكَيْلِ بِبَلَدِ الْحَرْبِ، انْتَهَى. ص (ثُمَّ هَلْ يَتْبَعُ إنْ عَتَقَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِمَا بَقِيَ قَوْلَانِ) ش: صَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَعَطَفَ الثَّانِيَ

فصل في عقد الجزية

بِقِيلٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ اتِّبَاعَهُ بِالْجَمِيعِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَهُ، انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا اُشْتُرِيَ مِنْ الْمَقَاسِمِ أَنَّهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ مَا دَخَلَ إلَّا عَلَى أَنَّ الرَّقَبَةَ لَهُ، بِخِلَافِ الَّذِي بِيعَ فِي الْمَقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي عَقْدُ الْجِزْيَةِ] ص (فَصْلٌ عَقْدُ الْجِزْيَةِ. إذْنُ الْإِمَامِ لِكَافِرٍ صَحَّ سِبَاؤُهُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْجِزْيَةُ حُكْمُهَا الْجَوَازُ الْمَعْرُوضُ لِلتَّرْجِيحِ وَقَدْ تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ انْتَهَى. وَهَذَا الْحُكْمُ يَنْتَهِي إلَى نُزُولِ السَّيِّدِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِيمَانُ قَالَ الْأَبِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ: أَيْ لَا يَقْبَلُهَا لِفَيْضِ الْمَالِ وَعَدَمِ النَّفْعِ بِهِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا يَقْبَلُ الْإِيمَانَ وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى وَضْعِهَا ضَرْبَهَا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْكُفْرِ لِأَنَّ الْحَرْبَ تَضَعُ حِينَئِذٍ أَوْزَارَهَا وَلَا يُقَاتِلُهُ أَحَدٌ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ أَنَّ الذُّلَّ الَّذِي يَلْحَقُهُمْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ مَا فِي مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَاخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقِيلَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَقِيلَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ انْتَهَى. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَخَالَطَ الْمُسْلِمُونَ الْكُفَّارَ آمِنِينَ؛ أَسْلَمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ كَمَا قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَنَصُّهُ: وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِلْكَ السَّنَتَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِثْلُ مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ يَعْنِي مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إذْنُ الْإِمَامِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ عَقَدَهُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَصِحَّ لَكِنْ يُمْنَعُ الِاغْتِيَالُ انْتَهَى، وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ الْبِسَاطِيُّ عَنْ الْجَوَاهِرِ فَإِنَّهُ عَكْسُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: لِكَافِرٍ صَحَّ سِبَاؤُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَنَّ

الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ يَصِحُّ سِبَاؤُهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْمُرْتَدُّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَى هَذَا الظَّاهِرِ مَشَّاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ: وَحَكَى الْمُصَنِّفُونَ فِي الْخِلَافِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ الْجَهْمِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ أَخْذِهَا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَعَلَّلَهُ ابْنُ الْجَهْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ إكْرَامًا لَهُمْ لِمَكَانِهِمْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَّلَهُ الْقَرَوِيُّونَ بِأَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ كَافِرٌ فَمُرْتَدٌّ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَازِرِيُّ وَإِنْ ثَبَتَتْ الرِّدَّةُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي عَدَمِ أَخْذِهَا مِنْهُمْ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ طُرُقًا فَذَكَرَ طَرِيقَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ، ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ نَقْلَيْهِمَا: قُرَيْشٌ كَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ لَمَّا حَصَّلَ الْأَقْوَالَ: وَخَامِسُهَا إلَّا مِنْ قُرَيْشٍ، وَاعْتَمَدَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ فَقَالَ: إلَّا مِنْ مُرْتَدٍّ وَكَافِرِ قُرَيْشٍ انْتَهَى. وَالسَّبَاءُ بِالْمَدِّ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ الْأَسْرُ. ص (مُخَالِطٌ) ش: احْتِرَازًا مِنْ رَاهِبِ الصَّوَامِعِ فَلَوْ تَرَهَّبَ بَعْدَ عَقْدِهَا فَفِي سُقُوطِهَا قَوْلَانِ لِنَقْلِ صَاحِبِ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِنَقْلِ اللَّخْمِيّ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ. ص (لَمْ يُعْتِقْهُ مُسْلِمٌ) ش: هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ: تُؤْخَذُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ أُعْتِقَ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا مَنْ أُعْتِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ بِكُلِّ حَالٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ. ص (بِسُكْنَى غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ) ش: وَهَذِهِ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْجَزِيرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْجَزَّارُ لِقَطْعِهِ أَعْضَاءَ الْحَيَوَانِ، وَالْجَزِيرَةُ لِانْقِطَاعِ الْمِيَاهِ عَنْ وَسَطِهَا إلَى أَجْنَابِهَا وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ قَدْ احْتَفَّ بِهَا بَحْرُ الْقُلْزُمِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَبَحْرُ فَارِسٍ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَبَحْرُ الْهِنْدِ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا: جَزِيرَةٌ لِانْقِطَاعِ مَا كَانَ فَائِضًا عَلَيْهَا مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: وَأَمَّا جَزِيرَةُ الْعَرَبِ وَهِيَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَمُخَالِفِيهَا فَقَالَ مَالِكٌ: يُخْرَجُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ التَّرَدُّدِ بِهَا مُسَافِرِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْيَمَنَ فَيُضْرَبُ لَهُمْ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا ضَرَبَ لَهُمْ عُمَرُ حِينَ أَجَلَاهُمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِيهَا وَيَلْجَئُونَ إلَى الْحِلِّ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُحَدِّثُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ تِمَامَةَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ مُسْلِمٍ: وَمَنَعَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُخُولَ الْكُفَّارِ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ وَالْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةَ وَالْمُزَنِيِّ انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ يُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ أَيْ الْإِقَامَةَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُمْ سُكْنَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْكُنَ حَيْثُ يَنَالُهُ حُكْمُنَا وَلَا يَسْكُنُ حَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يَنْكُثَ وَيُؤْمَرُ بِالِانْتِقَالِ فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلِلذِّمِّيِّ أَنْ يَنْقُلَ جِزْيَتَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ جِهَةٍ وَخِفْنَا عَلَيْهِمْ الِارْتِدَادَ إذَا فُقِدَ الْجَيْشُ فَإِنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِالِانْتِقَالِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ حُكْمَ الْعَبِيدِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فِي عَدَمِ السُّكْنَى فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَلَهُمْ الِاجْتِيَازُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَضَرَبَ لَهُمْ عُمَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَسْتَوْفُونَ وَيَنْظُرُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ. ص (بِمَالٍ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَلَوْ أَقَرَّهُمْ مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ؛ أَخْطَأَ وَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. ص (لِلْعَنَوِيِّ) ش: مَنْسُوبٌ

فرع بما تثبت الجزية لمدعيها

إلَى الْعَنْوَةِ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ: أَرْضُ الْعَنْوَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا قَهْرًا انْتَهَى. ص (وَالظَّاهِرُ آخِرُهَا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ هَذَا فِي الْعَنْوِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الصُّلْحِيَّةِ فَتُؤْخَذُ مُعَجَّلَةً؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَرَدَّ عَلَيْهِ وَرَأَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ عِنْدَ بُلُوغِهِ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ انْتَهَى ص (وَنُقِصَ الْفَقِيرُ لِوُسْعِهِ) ش: قَالَ ابْنُ شَاسٍ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: مَنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ إنْ كَانَ فَرَّ مِنْهَا أُخِذَتْ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ وَإِنْ كَانَ لِعُسْرٍ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. زَادَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا يُطْلَبُ بِهَا بَعْدَ غِنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَالْأَوَّلِ) ش: إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَلَا نَقْتُلُهُمْ وَنُلْحِقُهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. ص (وَسَقَطَتَا بِالْإِسْلَامِ) ش: وَلَوْ كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ سُنُونَ مُتَعَدِّدَةٌ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ش: (كَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا أَرَى أَنْ تُوضَعَ عَلَيْهِمْ الْيَوْمَ بِالْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا جَوْرَ عَلَيْهِمْ. (قُلْت) قَلَّ أَنْ يَكُونَ وَفَاءُ غَيْرِ عُمَرَ كَوَفَائِهِ [فَرْعٌ بِمَا تَثْبُتُ الْجِزْيَةُ لِمُدَّعِيهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا تَثْبُتُ الْجِزْيَةُ لِمُدَّعِيهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ دَلِيلٍ لِسَمَاعِ سَحْنُونٍ ابْنَ الْقَاسِمِ: إنْ أَخَذَ يَهُودٌ يَتَّجِرُونَ مُقْبِلِينَ مِنْ أَرْضِ الشِّرْكِ قَالُوا نَحْنُ مِنْ جَزِيرَةِ مَلِكِ الْأَنْدَلُسِ إنْ ثَبَتَ قَوْلُهُمْ تُرِكُوا وَإِلَّا فَهُمْ فَيْءٌ فَإِنْ ثَبَتَ وَادَّعَوْا عَلَى آخِذِيهِمْ أَخْذَ مَالٍ لَمْ يَحْلِفُوا إنْ كَانُوا صَالِحِينَ مَأْمُونِينَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَانُوا فَيْئًا إنْ عَجَزُوا عَنْ الْبَيِّنَةِ لِدَعْوَاهُمْ مَا لَا يُشْبِهُ لِإِقْبَالِهِمْ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ وَلَوْ ادَّعَوْا مَا يُشْبِهُ لَمْ يُسْتَبَاحُوا وَأُسْقِطَ الْيَمِينُ عَنْ

الْمَأْمُونِينَ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى عَدَاءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْعَنَوِيُّ حُرٌّ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ وَيَشْهَدُ لِتَشْهِيرِ الْمُصَنِّفِ مَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَابْنُ زَرْقُونٍ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْهِبَةِ لَا يُمْنَعُ أَهْلُ الْعَنْوَةِ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إذَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. (قُلْت) وَمَا عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ حَبِيبٍ أَعْنِي الْقَوْلَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ عِيسَى وَيَحْيَى وَعَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى شُعُورِ نِسَائِهِمْ، وَدِيَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَتَجُوزُ هِبَتُهُمْ وَصَدَقَتُهُمْ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ إذَا كَانَ لَهُمْ وَارِثٌ مِنْ أَهْلِيهِمْ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ فَالْأَرْضُ فَقَطْ لِلْمُسْلِمِينَ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَيْفَ نَعْلَمُ وَرَثَتَهُ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مُوَرِّثِيهِمْ؟ رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ فَمَنْ قَالُوا: يَرِثُهُ مِنْ ذَوِي رَحِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَوْ امْرَأَةٍ سُلِّمَ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا وَارِثَ لَهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ الْخَبَرُ كَمَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ، كَإِخْبَارِهِمْ عَمَّا يَعْلَمُونَهُ مِنْ الْأَدْوَاءِ وَتَرْجَمَتِهِمْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ الَّتِي لَا نَعْرِفُهَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْعَنْوِيُّ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَرِثَهُ، سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَسَاقِفَتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ؛ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِمَا؛ فَلَهُمْ بَيْعُهَا وَخَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ) ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ أَوْجُهِ الصُّلْحِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ لَهُمْ بَيْعَ

الْأَرْضِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي زَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَكُونُ لَهُمْ وَإِنْ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا وَأَنَّهُمْ يَرِثُونَهَا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، أَوْ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَرَابَةٌ انْتَهَى مِنْ الْكَبِيرِ ص (وَلِلْعَنَوِيِّ إحْدَاثُ الْكَنِيسَةِ إنْ شَرَطَ وَإِلَّا فَلَا) ش: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنْ يُتْرَكَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ كَنَائِسُهُمْ الْقَدِيمَةُ فِي بَلَدِ الْعَنْوَةِ الْمُقَرِّ بِهَا أَهْلُهَا وَفِيمَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ فَسَكَنُوهُ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا إلَّا أَنْ يُعْطُوا ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ بَعْدَ تَأَمُّلِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ شُرَّاحِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ مُطْلَقًا وَلَا يُتْرَكُ لَهُمْ كَنِيسَةٌ وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ الَّذِي رَآهُ الْبِسَاطِيُّ فَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْإِرْشَادِ. ص (وَلِلصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَلَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوهَا أَيْ الْكَنَائِسَ فِي بَلَدٍ صُولِحُوا عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجُوزُ أَيْ الْإِحْدَاثُ لَهُمْ بِأَرْضِ الصُّلْحِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَعَهُمْ مُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَسْلَمَ الصُّلْحِيُّ، أَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ دَارًا فِي مَدِينَتِهِمْ، أَوْ قَرْيَتِهِمْ وَقُلْنَا: يَجُوزُ لِأَهْلِ الصُّلْحِ الْإِحْدَاثُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ دَارِهِ، أَوْ يُكْرِيَهَا لَهُمْ لِيَعْمَلُوهَا كَنِيسَةً، أَوْ بَيْتَ نَارٍ؟ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. (فَرْعٌ) مُرَتَّبٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَاخْتَلَفَ شُيُوخُنَا: كَيْفَ الْحُكْمُ إنْ نَزَلَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ وَالْكِرَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلَةِ هَذَا الثَّمَنِ وَالْكِرَاءِ عَلَى ثَمَنِ الدَّارِ وَكِرَائِهَا عَلَى أَنْ لَا تُتَّخَذَ كَنِيسَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلَةِ كَمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا فِي الْكِرَاءِ فَيَتَصَدَّقُ بِالْجُمْلَةِ وَبِهِ أَقُولُ انْتَهَى، وَهَذَا يَأْتِي لِلْمُصَنَّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (حِكَايَةٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ

الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ هَدَمَ كَنِيسَةً لِلرُّومِ وَكَانَ أَبُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ فِيهَا بِوَجْهٍ اقْتَضَى ذَلِكَ فَكَتَبَ مَلِكُهُمْ إلَى الْوَلِيدِ وَهُوَ يَقُولُ إنَّ أَبَاك قَدْ أَذِنَ لَنَا فِي الْبِنَاءِ لِوَجْهٍ اقْتَضَى ذَلِكَ وَأَنْتَ هَدَمْتَهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوك قَدْ أَصَابَ وَأَخْطَأْتَ أَنْتَ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَصَبْت وَأَخْطَأَ أَبُوك، فَأَشْكَلَ عَلَى الْوَلِيدِ الْجَوَابُ وَطَلَبَهُ مِنْ أَهْلِ الْفِطْنَةِ حَتَّى تَكَلَّمَ فِيهِ مَعَ الْفَرَزْدَقِ فَقَالَ لَهُ: الْجَوَابُ مَا حَكَاهُ اللَّهُ فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ وَدَاوُد {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] الْآيَةَ فَاسْتَحْسَنَ الْوَلِيدُ هَذَا الْجَوَابَ وَعَلِمَ فِطْنَتَهُ وَأَتْحَفَهُ بِعَطِيَّةٍ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: حَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ إلَى انْحِصَارِ الْقِسْمَةِ فِي إصَابَةِ أَحَدِهِمَا وَخَطَأِ الْآخَرِ حَتَّى تَكُونَ مِنْ مَادَّةٍ مَانِعَةٍ الْجَمْعَ وَالْخُلُوَّ؛ لِجَوَازِ إصَابَتِهِمَا مَعًا لِنَظَرٍ وَرَأْيٍ رَآهُ كُلٌّ مِنْهُمَا انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَمُنِعَ رُكُوبَ الْخَيْلِ) ش: نَائِبُ فَاعِلِ " مُنِعَ " ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ إلَى الذِّمِّيِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: لِلْعَنَوِيِّ وَالصُّلْحِيِّ، وَرُكُوبَ الْخَيْلِ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَادَّةَ الطَّرِيقِ) ش:

قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَهُمْ الْمَشْيُ عَلَى الْجَادَّةِ عِنْدَ اخْتِلَائِهَا وَإِلَّا فَيُضْطَرُّونَ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ انْتَهَى، وَفِي الْإِرْشَادِ: وَلَا يُكَنُّونَ وَلَا تُتْبَعُ جَنَائِزُهُمْ قَالَ فِي الشَّرْحِ التَّكْنِيَةُ تَعْظِيمٌ وَإِكْرَامٌ فَلِذَلِكَ لَا يُكَنُّونَ وَهَلْ تَكْنِيَتُهُمْ بِفُلَانِ الدِّينِ كَذَلِكَ، أَوْ لَا؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ، وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ وَتَشْيِيعُ الْجَنَائِزِ إكْرَامٌ وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا، أَوْ أَبًا، أَوْ ابْنًا نَعَمْ، لِوَارِثِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِهِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ) ش: يَعْنِي وَفِعْلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ خَاصٌّ بِهِ لِمَا عُلِمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. ص (وَوَجَبَ الْوَفَاءُ وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ وَلَوْ

أَسْلَمُوا كَمَنْ أَسْلَمَ وَإِنْ رَسُولًا إنْ كَانَ ذَكَرًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ: لَوْ تَضَمَّنَتْ الْمُهَادَنَةُ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا وُفِّيَ لَهُمْ بِذَلِكَ فِي الرِّجَالِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] ابْنُ شَاسٍ: لَا يَحِلُّ شَرْطُ ذَلِكَ فِي رِجَالٍ وَلَا نِسَاءٍ فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَحِلَّ رَدُّهُمَا. (قُلْت)

مِثْلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصٌّ بِهِ لِمَا عُلِمَ فِيهِ مِنْ الْحِكْمَةِ وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ. ص (وَالْمَعْدُومِ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: وَأَمَّا مَنْ فَدَى أَسِيرًا لَا مَالَ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا فَدَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ

إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. ص (وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مُسْلِمٍ) ش: قَالَ فِي آخِرِ شَرْحِ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ: مَنْ فَدَى مُسْلِمًا بِخَمْرٍ

فرع غصب جارية ثم ماتت بعد أن باعها الغاصب

أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى ذِمِّيًّا فَلْيَرْجِعْ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يَمْلِكُونَهَا، قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: وَمَعْنَاهُ إذَا فَدَاهُ بِهِ مِنْ عِنْده، وَأَمَّا إنْ ابْتَاعَهُ لِيَفْدِيَهُ بِهِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ غَصَبَ جَارِيَةً ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ] (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ فِي بَابِ الْغَصْبِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ مَنْ غَصَبَ جَارِيَةً، ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ: إنَّ لِرَبِّهَا عَلَيْهِ إجَازَةَ الْبَيْعِ وَأَخْذَ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ مِنْ هُنَا جَوَازُ فِدَاءِ الْأَسِيرِ بِنَصْرَانِيٍّ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَظَرَ هُنَا إلَى يَوْمِ الْعَقْدِ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى يَوْمِ الْإِجَازَةِ وَأَجَازَ؛ لَصَحَّ الْأَخْذُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْجَوَازُ. (قُلْت) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ عِيَاضٌ الْمَنْعُ قَالَ مَا نَصُّهُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ جُثَّةِ الْكَافِرِ إذَا قَتَلْنَاهُ مِنْ الْكُفَّارِ وَافْتِدَائِهِمْ مَنَابَهُ وَقَدْ امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ اُنْظُرْ تَمَامَهُ ابْنَ الْعَرَبِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ الْكُفَّارُ فِي جَسَدِ كَافِرٍ اسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا بِجَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ» انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ: وَمِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ جَسَدُ الْكَافِرِ وَقَدْ «أُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي جَسَدِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيِّ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَأْخُذْهَا وَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا بِجَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ» انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ الْمُسَابَقَةُ بِجُعْلٍ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ] ص (بَابٌ) (الْمُسَابَقَةُ بِجُعْلٍ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَبَيْنَهُمَا وَالسَّهْمِ) ش: وَلَا تَجُوزُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ بِغَالٍ، أَوْ حَمِيرٍ وَكَذَلِكَ الْفِيل وَالْبَقَرُ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي التَّقْيِيدِ الصَّغِيرِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَعَنْ الزَّنَاتِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالسَّبَقِ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَبِالسِّهَامِ بِالرَّمْيِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ طَرِيقٌ إلَى إظْهَارِ دِينِ اللَّهِ وَنُصْرَتِهِ جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الدِّينِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى عِبَادَةٍ، أَوْ يُسْتَعَانُ بِهِ فِي عِبَادَةٍ فَهُوَ عِبَادَةٌ وَقَدْ أَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُتَّصِفِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ؛ إذْ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهِ فَقَالَ «مَنْ رَكِبَ وَعَامَ وَخَطَّ وَخَاطَ وَرَمَى بِالسِّهَامِ فَذَلِكَ نِعْمَ الْغُلَامُ» وَقَالَ «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُوهُ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا لَهْوُهُ بِفَرَسِهِ، أَوْ قَوْسِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ»

انْتَهَى. ص (وَعَيَّنَ الْمَبْدَأَ وَالْغَايَةَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْدُمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَسَافَةِ عَلَى أَنْ يَجْرِيَا مَعًا، أَوْ إذَا بَلَغَ الْمُؤَخَّرُ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ نَصَبُهُمَا أَمِينًا يَحْكُمُ بِالْإِصَابَةِ وَالْخَطَإِ انْتَهَى. ص (وَأَخْرَجَهُ مُتَبَرِّعٌ) ش: قَالَ الزَّنَاتِيُّ: وَهَذَا وَعْدٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ إنْ امْتَنَعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ أَخَذَهُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَلِمَنْ حَضَرَ) ش: الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ السَّبَقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَلَا يُفْهَمُ لَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ سَبَقَ غَيْرُهُ أَخَذَهُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ، وَسَوَاءٌ شَرَطُوا هَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَوْ لَمْ يَشْرُطُوا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ صَاحِبُ السَّبَقِ أَنَّهُ إنْ سَبَقَ أَخَذَهُ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: إنَّمَا فِيهِ قَوْلٌ بِالْكَرَاهَةِ، وَقَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ نَقَلَ الْمَنْعَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُ: فَلِمَنْ حَضَرَ يَعْنِي صَدَقَةً عَلَيْهِمْ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ وَهَلْ يَأْكُلُ الْمُخْرِجُ مَعَهُمْ مِنْهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُؤْخَذُ مِنْ الرِّسَالَةِ الْجَوَازُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ عَدَمُ جَوَازِ الْأَكْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْتَمِلُ وَيَحْتَمِلُ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ، وَقَالَ أَيْضًا: اُنْظُرْ قَوْلَهُ: لِمَنْ حَضَرَ هَلْ مَنْ حَضَرَ الْعَقْدَ، أَوْ الْمُسَابَقَةَ، أَوْ هُمَا مَعًا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَسْبِقْ أَحَدٌ أَحَدًا، بَلْ اسْتَوَى الْجَمِيعُ لِمَنْ يَكُونُ السَّبَقُ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ لِمَنْ حَضَرَ وَلَا يَعُودُ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ إذَا سَبَقَ فَأَحْرَى إذَا اسْتَوَى مَعَ غَيْرِهِ وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ عِنْدَهُمَا وَسَبَقَ جَاعِلُ السَّبَقِ مَا يَفْعَلُ فِيهِ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ بِمُحَلِّلٍ يُمْكِنُ سَبَقُهُ) ش:

أَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْ سَبَقُهُ؛ فَلَا قَائِلَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ قِمَارٌ وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ هَذَا الْفِعْلَ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الْقِمَارَ، وَإِنَّمَا قَصَدَا الْقُوَّةَ عَلَى الْجِهَادِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: إنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْمُحَلِّلِ لَوْ اسْتَوَى الثَّلَاثَةُ فِي الْوُصُولِ إلَى الْغَايَةِ؛ أَخْذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ جَعْلَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُ الْمُتَسَابِقِينَ أَخَذَ الْجَمِيعُ، وَكَذَلِكَ إنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْجَمِيعُ وَإِنْ سَبَقَ الْمُتَسَابِقَانِ دُونَ الْمُحَلِّلِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ جَعْلَهُ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُحَلِّلِ أَخَذَ السَّابِقُ مِنْهُمَا جُعْلَهُ وَقُسِمَ جُعْلُ الْمَسْبُوقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَلِّلِ نِصْفَيْنِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ الْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ (فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ بِمَاذَا يَكُونُ السَّابِقُ سَابِقًا فَقِيلَ: إنْ سَبَقَ بِأُذُنَيْهِ وَقِيلَ: إنْ سَبَقَ بِصَدْرِهِ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الصَّغِيرِ: وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الِاسْتِظْهَارِ، وَقِيلَ: حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّانِي عِنْدَ مُؤَخِّرِ الْأَوَّلِ وَنَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ وَلَمْ يَعْزِهِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ. ص (وَلَا مَعْرِفَةِ الْجَرْيِ) ش: بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَجْهَلَ كُلُّ وَاحِدٍ جَرْيَ فَرَسِ صَاحِبِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِهَا أَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ مُتَقَارِبَةً فِي النَّوْعِ وَالْحَالِ فَمَتَى عُلِمَ حَالُ أَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَ مَعَ غَيْرِ نَوْعِهِ كَانَ السَّبَقُ قِمَارًا بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى ص (وَإِنْ حَصَلَ لِلسَّهْمِ عَارِضٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَنْ عَاقَهُ الرَّمْيُ لِفَسَادِ بَعْضِ آلَتِهِ انْتَظَرَهُ مُنَاضِلُهُ لِتَلَافِيهِ عَلَى مَا عَرَفَ دُونَ طُولٍ فَإِنْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ وَمَعَهُ آخَرُ يَبْعُدُ مَنْ وَتَرِهِ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ لَمْ يَلْزَمْهُ الرَّمْيُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَارِبَهُ وَكَذَلِكَ السَّهْمُ انْتَهَى. وَقَالَ يَرْتَفِعُ لُزُومُ الرَّمْيِ بِالْغُرُوبِ وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ وَجْهٍ وَلَوْ رَمَيَا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَزِمَ تَمَامُ الرَّمْيِ وَالْمَطَرُ وَعَاصِفُ الرِّيحِ يَرْفَعُهُ انْتَهَى. ص (وَجَازَ فِيمَا عَدَاهُ مَجَّانًا) ش: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ

فرع فيمن تطوع بإخراج شيء للمتصارعين وللمتسابقين

مَنْفَعَةٌ لِلْجِهَادِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. [فَرْعٌ فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ للمتصارعين وللمتسابقين] (فَرْعٌ) قَالَ الزَّنَاتِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ لِلْمُتَصَارَعَيْنِ وَلِلْمُتَسَابَقَيْنِ عَلَى أَرْجُلِهِمَا، أَوْ عَلَى حِمَارَيْهِمَا، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تَرِدْ بِهِ سُنَّةٌ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ. ص (وَلَزِمَ الْعَقْدُ كَالْإِجَارَةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّهُ نَضَلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ رَمْيِ مَا يَتَبَيَّنُ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ مَنْضُولٌ فَلَيْسَ عَلَى مُنَاضِلِهِ قَبُولُ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُسَمَّى مَنْضُولًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَبَيُّنِ كَوْنِهِ مَنْضُولًا؛ جَازَ إنْ قَبِلَهُ الْآخَرُ وَيُمْنَعُ مِنْ شَرْطِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ اخْتِيَارًا فَهُوَ مَنْضُولٌ انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَوْفَى ابْنُ عَرَفَةَ غَالِبَ فُرُوعِ هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ النِّكَاحِ] [بَاب خصائص النَّبِيّ] . كِتَابُ النِّكَاحِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ النِّكَاحَ وَتَوَابِعَهُ فِي الرُّبْعِ الثَّانِي وَالْبَيْعَ وَتَوَابِعَهُ فِي الرُّبْعِ الثَّالِثِ وَابْتَدَأَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَ النِّكَاحِ بِالْخَصَائِصِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَتَبِعَ ابْنَ شَاسٍ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُصَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِخَصَائِصَ مُتَعَدِّدَةٍ لَمْ يُجْمَعْ مِثْلُهَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْخَصَائِصِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا قَدْ مَضَى حُكْمُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى خُصُوصِهَا لِئَلَّا يُعْتَقَدَ فِيمَا يُخَصُّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَنَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنْوِيهِ بِعَظِيمِ فَضْلِهِ وَشَرِيفِ قَدْرِهِ فَذِكْرُهَا مَطْلُوبٌ إمَّا نَدْبًا، أَوْ وُجُوبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ شَاسٍ فِيمَا عَدَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ كَلَامَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ بَعْضَ زِيَادَةٍ وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ أَلَّفَ النَّاسُ فِي الْخَصَائِصِ كُتُبًا مُتَعَدِّدَةً وَاَلَّذِي خُصَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: (الْأَوَّلُ) مَا وَجَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْثِيرًا لِثَوَابِهِ؛ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ثَوَابُ الْوَاجِبِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ النَّافِلَةِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً. (الثَّانِي) مَا وَجَبَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهِ. (الثَّالِثُ) مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ تَشْرِيفًا لَهُ أَيْضًا. (الرَّابِعُ) مَا حُرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَجْلِهِ. (الْخَامِسُ) مَا أُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْخَصَائِصُ مِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: التَّعْظِيمُ وَالتَّشْرِيفُ إنْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِزِيَادَةِ التَّشْدِيدِ وَإِيجَابِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ فَلِمَاذَا أُبِيحَ لَهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلتَّسْهِيلِ وَإِبَاحَةِ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِ فَلِمَاذَا وَجَبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ؟ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ التَّعْظِيمَ وَالتَّشْرِيفَ يُوجِبُ جَمِيعَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ فَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا سُومِحَ فِيهِ الْغَيْرُ وَلَمْ يُوجَبْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا وَلِقُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلِّفَ بِهَا وَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ حَرُمَتْ عَلَى الْغَيْرِ حِمَايَةً لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ كَصَفِيِّ الْمَغْنَمِ وَنَحْوِهِ، أَوْ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَقُومَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيهَا كَزِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُونٌ مِنْ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابٌ خُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوُجُوبِ الضُّحَى وَالْأَضْحَى وَالتَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ] ص (بَابٌ) (خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ الضُّحَى وَالْأَضْحَى وَالتَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ بِحَضَرٍ) ش: صَرَّحَ بِوُجُوبِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ شَاسٍ وَدَلِيلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَدِيثُ «ثَلَاثٌ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: النَّحْرُ، وَالْوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الضُّحَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الضُّحَى أَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّهَجُّدِ قَوْله تَعَالَى

فرع أبيح له عليه السلام أخذ الطعام والشراب من الجائع والعطشان

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَالْأَضْحَى جَمْعُ أَضْحَاةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِي أَيْضًا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقَوْلُهُ وَالْوِتْرُ بِحَضَرٍ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ لَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ الْوِتْرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قِسْمِ التَّهَجُّدِ انْتَهَى فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِحَضَرٍ رَاجِعًا لَهُمَا مَعًا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ بِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَهَجَّدُ عَلَى الرَّاحِلَةِ» أَيْضًا وَانْظُرْ قَوْلَ السُّيُوطِيّ بَعْدُ فِي الْمُبَاحَاتِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) اُخْتُلِفَ فِي التَّهَجُّدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: إنَّهُ النَّوْمُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ: إنَّهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ انْتَهَى مِنْ الْأَقْفَهْسِيِّ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] أَيْ: قُمْ بَعْدَ نَوْمِك وَصَلِّ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَا يَكُونُ التَّهَجُّدُ إلَّا بَعْدَ النَّوْمِ يُقَالُ: تَهَجَّدَ إذَا سَهِرَ وَهَجَدَ إذَا نَامَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ تَهَجَّدَ إذَا نَامَ وَتَهَجَّدَ إذَا سَهِرَ وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ رَوَى حُمَيْد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ «رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَقَالَ لَأَنْظُرَنَّ كَيْفَ يُصَلِّي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَتَلَا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانِ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190] الْآيَاتِ، ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ إلَى الْقِرْبَةِ وَأَخَذَ سِوَاكًا فَاسْتَاكَ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَصَنَعَ كَصُنْعِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ» وَيَرَوْنَ أَنَّهُ التَّهَجُّدُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. (الثَّانِي) قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ الِاسْتِذْكَارِ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةٌ لِأُمَّتِهِ وَهَذَا لَا أَعْرِفُ وَجْهَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] انْتَهَى وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ مِنْ النَّفْلِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيدَ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وُجُوبُ التَّهَجُّدِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ أَمْرُ نَدْبٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَقِيلَ: كَانَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً وَبَقِيَ كَذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالسِّوَاكِ) ش: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت مَا هُوَ الَّذِي كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ مِنْ السِّوَاكِ وَرَأَيْتُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَخْيِيرِ نِسَائِهٍ فِيهِ) ش: الَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ وَعِنْدَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ وَهُنَّ اللَّوَاتِي تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ، وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ نَزَلَتْ وَكَانَتْ عِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ فِي عِصْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا فَفَارَقَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَلْقُطُ الْبَعْرَ وَتَقُولُ: هِيَ الشَّقِيَّةُ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ يَرْوِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خُيِّرَ فِي نِسَائِهِ بَدَأَ بِهَا فَاخْتَارَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَتَابَعَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) الْأَقْفَهْسِيُّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ اخْتَارَتْ مِنْهُنَّ الدُّنْيَا مَثَلًا هَلْ كَانَتْ تَبِينُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ، أَوْ لَا؟ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا تَبِينُ انْتَهَى ص (وَطَلَاقِ مَرْغُوبَتِهِ) ش: هَذَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَزِمَ غَيْرَهُ لَهُ طَلَاقُ مَرْغُوبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَإِذْعَانِ مَخْطُوبَتِهِ انْتَهَى. وَعَدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَةَ خَلِيَّةٍ رَغِبَ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً؛ لَزِمَتْهَا الْإِجَابَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا انْتَهَى [فَرْعٌ أُبِيحَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَخْذُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أُبِيحَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْذُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ

مَعَهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: 120] . ص (وَإِجَابَةِ الْمُصَلِّي) ش: فَأَحْرَى غَيْرُهُ لِحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ وَمُسْلِمٍ «لَمَّا دَعَا أُبَيًّا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] » وَمِثْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَافِعِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْفَرْضَ، أَوْ الْقَوْلَ الْفَرْضَ إذَا أُتِيَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِجَابَةِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَبَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إجَابَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَهَلْ تَبْقَى الصَّلَاةُ مَعَهَا، أَوْ تَبْطُلُ؟ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، بَلْ قَالَ قُلْت وَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ: إنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ أَبْصَرَ غُلَامًا يُرِيدُ أَنْ يَسْقُطَ فِي بِئْرٍ فَصَاحَ بِهِ وَانْتَهَرَهُ وَانْصَرَفَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ وَالْأَقْفَهْسِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي إذَا دَعَاهُ أَنْ يُجِيبَهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُخَاطِبُهُ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَلَا يُخَاطِبُ سَائِرَ النَّاسِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي السَّهْوِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ: لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ وَسُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّحَابَةِ وَإِجَابَتِهِمْ لَهُ مَا نَصُّهُ: وَأَيْضًا لَوْ نَطَقُوا بِنَعَمْ كَمَا رُوِيَ لَمَا ضَرَّهُمْ لِمُخَالَفَتِهِمْ إيَّانَا فِي الْكَلَامِ؛ إذْ مُجَاوَبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ وَلَا تَمْنَعُ مِنْهَا الصَّلَاةُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى انْتَهَى. قَالَ الْأَبِيّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا لِتَعَيُّنِ إجَابَتِهِ لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الْكَلَامِ، ثُمَّ قَالَ قُلْت وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ إجَابَتَهُ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ حَدِيثُ أُبَيٍّ وَقَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَلَوْ خَاطَبَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ لَفَسَدَتْ كَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ شَعْبَانَ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الدَّمَامِينِيّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّيْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ اعْتِذَارَهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُذَّاقِ بِأَنَّ هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ أَنْ يُجِيبَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ هَكَذَا قَالَ السَّفَاقِسِيُّ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ: نَسَبَ الْغَزَالِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ وَتَبِعَهُمَا الْبَيْضَاوِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّيْ ص (وَالْمُشَاوَرَةِ) ش: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ إنَّمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشَاوِرُ فِي الْحُرُوبِ وَفِيمَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَ النَّاسِ وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ فِي الْأَحْكَامِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْجَوَاهِرِ وَمُشَاوَرَةُ ذَوِي الْأَحْلَامِ فِي غَيْرِ الشَّرَائِعِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ عَنْ قَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ وَابْنِ إِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ قَالَ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ وَرَفْعًا لِأَقْدَارِهِمْ وَتَأَلُّفًا عَلَى دِينِهِمْ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ أَغْنَاهُ عَنْ رَأْيِهِمْ وَلِيُقْتَدَى بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الثَّالِثَ لَكِنَّهُ قَالَ: وَقَالَ الْآخَرُونَ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَأْتِهِ فِيهِ وَحْيٌ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الضَّحَّاكُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَوَجْهُ خُصُوصِيَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ كَمَالِ عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَاجِبٌ عَلَى الْوُلَاةِ مُشَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ وَفِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَوُجُوهِ الْجَيْشِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرُوبِ، وَوُجُوهِ النَّاسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَصَالِحِ، وَوُجُوهِ الْكُتَّابِ وَالْعُمَّالِ وَالْوُزَرَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَعِمَارَتِهَا انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ الْبِلَادُ عِوَضَ الْعِبَادِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ قَبْلَهُ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ الشُّورَى مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَعَزَائِمِ الْأَحْكَامِ

وَمَنْ لَا يَسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَعَزْلُهُ وَاجِبٌ هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ) ش: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ تَطَوُّعًا وَهَلْ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ خَالِصِ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ مَصَالِحِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا نَاسِخٌ لِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَوْلُهُ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ أَيْ مِمَّا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْغَنَائِمِ وَالصَّدَقَاتِ، قَالَ وَهَذَا يَلْزَمُ الْمُتَوَلِّيَ لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَقُّ الْمَيِّتِ فِي بَيْتِ الْمَالِ يَفِي بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ وَإِلَّا فَيُسْقِطُهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ لِابْنِ بَطَّالٍ. وَذَكَرَ الْأَبِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا وَضِيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ» أَيْ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَإِلَيَّ كِفَايَةُ عِيَالِهِ وَهَذَا مِمَّا يَلْزَمُ الْأَئِمَّةَ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ وَيَقْضِي دُيُونَهُمْ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي أَحَادِيثِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِعَ عَشَرَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَبِلَهُ وَقَالَ: الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَبْسِ عَنْ الْجَنَّةِ بِالدَّيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ الْفُتُوحَاتُ انْتَهَى وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْضِي هَذَا الدَّيْنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَوَجْهُ الْخُصُوصِيَّةِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ حِينَئِذٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا كَمَا قَيَّدَهُ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْحَدِيثِ فِي كَوْنِهِ يُصَلِّي عَلَيْهِ ص (وَإِثْبَاتِ عَمَلِهِ) ش: يَعْنِي بِهِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْعَمَلِ يَعْنِي إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ أَيْ دَاوَمَ عَلَيْهِ. ص (وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فِئَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدِينَةِ فَيَجُوزُ لِلْجَيْشِ أَنْ يَنْحَازَ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِرَارًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا يَكُونُ فِئَةً إذَا بَرَزَ مَعَ الْجَيْشِ فَيَكُونُ فِئَةً لِمَنْ خَرَجَ مِنْ السَّرَايَا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ) ش: لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَلَا ابْنُ شَاسٍ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَى مُنْكَرًا أَنْكَرَهُ وَأَظْهَرَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِغَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّالِثِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ. وَفِي إرْشَادِ أَبِي الْمَعَالِي لَا يُكْتَرَثُ بِقَوْلِ الرَّوَافِضِ: إنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ مَوْقُوفَانِ عَلَى ظُهُورِ الْإِمَامِ انْتَهَى فَيَكُونُ وَجْهُ الْخُصُوصِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ أَمْنِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَظَنِّهِ تَأْثِيرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ قَيَّدَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ، أَوْ يَظُنَّ أَنَّ فَاعِلَهُ يَزِيدُ فِيهِ عِنَادًا، وَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ فِي أُنْمُوذَجِ اللَّبِيبِ فِي خَصَائِصِ الْحَبِيبِ لَمَّا عَدَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرِ؛ قَالَ: وَوَجْهُ الْخُصُوصِيَّةِ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ فِي حَقِّهِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ فَرَائِضِ الْكِفَايَاتِ ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إظْهَارُ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ الْإِظْهَارُ عَلَى أُمَّتِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ لِلْخَوْفِ فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا إذَا كَانَ الْمُرْتَكِبُ يَزِيدُهُ الْإِنْكَارُ إغْرَاءً؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ

إبَاحَتُهُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَّةِ ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْقَوَاطِعِ انْتَهَى وَهَذَا الْأَخِيرُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّغْيِيرِ إظْهَارَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُرْتَكِبِ لِلْمُنْكَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَحُرْمَةِ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) ش: لَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ الَّذِينَ هُمْ آلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى مَوَالِيهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ، وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ أَيْضًا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ يَتَنَزَّهُ عَنْهَا وَلَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً، وَأَمَّا آلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوَالِيهِمْ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِمْ وَمَذْهَبُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ نَافِعٍ التَّحْرِيمُ، وَشَهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ لِرَبِيعٍ مِنْ التَّمْهِيدِ، وَصَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُعْطَوْا مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَضَرَّ بِهِمْ الْفَقْرُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ إعْطَاءَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيِّ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَخَرَّجْنَا عَلَى حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنُّذُورَاتِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِمْ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، ثُمَّ قَالَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ صَدَقَاتِ الْأَعْيَانِ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ دُونَ الْعَامَّةِ كَالْمَسَاجِدِ وَمِيَاهِ الْآبَارِ انْتَهَى. ، ثُمَّ قَالَ وَتَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَى آلِهِ قِيلَ: وَالصَّدَقَةُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَعَلَى مَوَالِي آلِهِ فِي الْأَصَحِّ وَعَلَى زَوْجَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَحْرِيمُ كَوْنِ آلِهِ عُمَّالًا عَلَى الزَّكَاةِ فِي الْأَصَحِّ. (تَنْبِيهٌ) أُبِيحَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدِيَّةُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبُولُ الْهَدِيَّةِ انْتَهَى قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ: إذَا أُهْدِيَتْ لَهُ فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْغَزْوِ وَنَصُّهُ: أَمْوَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا الصَّفِيُّ وَالْهَدِيَّةُ تُهْدَى إلَيْهِ فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْغَزْوِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ وَمِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّ عَيْنَيْهِ إلَى مَا مُتِّعَ بِهِ النَّاسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131] الْآيَةَ انْتَهَى ص (وَأَكْلُهُ كَثُومٍ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الْكَرِيهَةِ الرَّائِحَةِ انْتَهَى كَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ وَالْفُجْلِ وَهَذَا فِي النِّيء، وَأَمَّا فِي الْمَطْبُوخِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ طَعَامًا طُبِخَ بِبَصَلٍ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخَادِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُتَّكِئًا) ش: لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ، «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا» قَالَ عِيَاضٌ: الِاتِّكَاءُ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَرْضِ وَالتَّقَعُّدَةُ فِي الْجُلُوسِ كَالتَّرَبُّعِ وَشِبْهِهِ مِنْ تَمَكُّنِ الْجَلَسَاتِ الَّتِي يَعْتَمِدُ فِيهَا عَلَى مَا تَحْتَهُ فَإِنَّ الْجَالِسَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ يَسْتَدْعِي الِاسْتِكْثَارَ مِنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ جُلُوسُهُ جُلُوسَ الْمُسْتَوْفِزِ، «وَقَالَ: إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» وَلَيْسَ مَعْنَى الِاتِّكَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْمَيْلَ عَلَى شِقٍّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَقَالَ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ الْمَيْلُ عَلَى الشِّقِّ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ لَفْظِ الِاتِّكَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ الْجُلُوسِ وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّاوِي فِي الْحَدِيثِ: «وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ» فَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ عِيَاضٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَكَانَ جَالِسًا فَجَلَسَ انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَقُلْ: إنَّ الِاتِّكَاءَ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْجُلُوسِ وَإِنَّمَا قَالَ: الْمُرَادُ مِنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَذَا وَبِمَا فَسَّرَهُ عِيَاضٌ فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ قَبْلَهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَفَسَّرَهُ بِمَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَبَدُّلِ أَزْوَاجِهِ) ش: هَذَا قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ

أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِك وَتَنْكِحَ غَيْرَهَا، وَالثَّانِي: لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تُبَدِّلَ الْمُسْلِمَةَ الَّتِي عِنْدَك بِمُشْرِكَةٍ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالثَّالِثُ: لَا تُعْطِي زَوْجَتَك فِي زَوْجَةٍ أُخْرَى كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. (تَنْبِيهٌ) أَوَّلُ الْآيَةِ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ مَنْ عِنْدَك مِنْهُنَّ قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَاخْتُلِفَ هَلْ نُسِخَ هَذَا التَّحْرِيمُ أَمْ لَا؟ وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَرُمَ تَبَدُّلُ أَزْوَاجِهِ وَالتَّزْوِيجُ عَلَيْهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ عَلَى حُسْنِ صُنْعِهِنَّ لَمَّا خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ إمْسَاكَهُنَّ بَعْدَ أَنْ اخْتَرْنَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ: وَتَرَكَ التَّزَوُّجَ عَلَيْهِنَّ وَالتَّبَدُّلَ بِهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ لِتَكُونَ الْمِنَّةُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص (وَنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ) ش: وَكَذَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّ التَّسَرِّيَ بِهَا حَلَالٌ عَلَى الْأَصَحِّ. ص (وَالْأَمَةِ) ش: يَعْنِي وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً، أَوْ كَافِرَةً وَإِلَّا فَلَا خُصُوصِيَّةَ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ فَأَحْرَى الْأَمَةُ، وَأَمَّا وَطْءُ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَحَلَالٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَدْخُولَتِهِ لِغَيْرِهِ) ش: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَأَصْلُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَفِي بَقَاءِ نِكَاحِ مَنْ مَاتَ عَنْهَا قَوْلَانِ وَعَلَى انْقِطَاعِهِ فَفِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَنَفْيِهَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَوَفًّى عَنْهَا؛ أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَظِرُ الْإِبَاحَةَ فِي مُطَلَّقَتِهِ خِلَافٌ انْتَهَى. يَعْنِي: هَلْ ثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ نِسَائِهِ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ، أَوْ لَا؟ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ جَوَازُ نِكَاحِهَا وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى مَنْ مَاتَ عَنْهُنَّ وَبَقَاءُ نِكَاحِهِنَّ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَبِبَقَائِهِ أَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ: مَدْخُولَتِهِ الْأَمَةُ الَّتِي وَطِئَهَا؟ قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (2) وَفِي الْمُيَمِّنِ تَبَعًا لِتَعْلِيقِهِ: إنَّ أَمَتَهُ الْمَوْطُوءَةَ إذَا فَارَقَهَا بِالْمَوْتِ، أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ الْبَيْعِ تَحْرُمُ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْحَاوِي " وَمَدْخُولَتِهِ " انْتَهَى. (قُلْت) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِذَا حَرُمَتْ مَوْطُوءَتُهُ فَأَحْرَى أُمُّ وَلَدِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْإِقْنَاعِ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُلِقَ حُرًّا وَأُمُّهُ مَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرِّجَالِ بَعْدَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطَؤُهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تُبَعْ بَعْدَهُ، وَلَا تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُرَّةً انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَقَعَ بَيْنَ بَعْضِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بَحْثٌ فِي أُمِّ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ هِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَكِتَابِ النِّكَاحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَنَى بِصَفِيَّةَ قَالَ أَصْحَابُهُ: هَلْ هِيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ ثُمَّ قَالُوا إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَمِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ» فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ شُرَّاحَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَكِنْ رُبَّمَا يُقَالُ: هَذَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِمَا لَهُ مِنْ الرِّقِّ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَهِيَ حُرَّةٌ فَقَدْ يُقَالُ: صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. (فَوَائِدُ الْأُولَى) قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْبِرَازِ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمَ رُؤْيَةِ أَشْخَاصِ أَزْوَاجِهِ وَلَوْ فِي الْأُزُرِ تَكْرِيمًا لَهُ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ إذَا مَاتَتْ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ إلَّا مَحَارِمُهَا؛ لِئَلَّا يُرَى شَخْصُهَا فِي الْكَفَنِ حَتَّى اُتُّخِذَتْ الْقُبَّةُ عَلَى التَّابُوتِ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي كَوْنِ نِسَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَالْأُمَّهَاتِ فِي الْحُرْمَةِ وَإِبَاحَةِ النَّظَرِ، أَوْ فِي الْحُرْمَةِ فَقَطْ قَوْلَيْنِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُمَا الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ فِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ فِي أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ فِي تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَجَبَتْ نَفَقَةُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَى أَنْ مُتْنَ لِقَوْلِهِ «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» وَلِقَوْلِهِ «مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عِيَالِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّهُنَّ كُنَّ مَحْبُوسَاتٍ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] انْتَهَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي فَضَائِلِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُرِيبُنِي مَا يُرِيبُهَا أَيْ يُؤْذِينِي» وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ فَعَلَ مِنَّا مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ تَأَذَّى بِذَلِكَ الْفِعْلِ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا كُلُّ فِعْلٍ يُؤْذِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِهِ مُبَاحًا لَكِنَّهُ إذَا أَدَّى إلَى أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتَفَعَتْ الْإِبَاحَةُ وَحَصَلَ التَّحْرِيمُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عَنْ الشَّامِلِ وَالنَّوَوِيِّ أَنَّ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ رَغِبَ فِيهَا ص (وَنَزْعِ لَأْمَتِهِ حَتَّى يُقَاتِلَ) ش: لَأْمَتُهُ مَهْمُوزٌ كَذَا قَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عِيَاضٍ فِي الْمَشَارِقِ وَهِيَ الدِّرْعُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يُقَاتِلَ مُسَامَحَةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: حَتَّى يَلْقَى الْعَدُوَّ، أَوْ يَقُولَ: حَتَّى يُقَاتِلَ، أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: إنَّهُ خَطَأٌ مِنْ مُخْرِجِ الْبَيْضَةِ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ: وَنَزَعَ لَأَمَتَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ، أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ، قَالَ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ وَلَفْظُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ شَاسٍ وَحَرُمَ عَلَيْهِ إذَا لَبِسَ لَأَمَته أَنْ يَخْلَعَهَا، أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ أَيْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ، فَأَوْ بِمَعْنَى حَتَّى وَكَذَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِ " أَوْ "، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ أَعَمُّ مِنْ الْقِتَالِ فَلَوْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ الْقِتَالِ؛ كَانَ أَوْلَى انْتَهَى، وَيَأْتِي لِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا وَالْحُكْمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ مَعْنًى يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ: وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ سُرَاقَةَ: وَكَانَ لَا يَرْجِعُ إذَا خَرَجَ لِلْحَرْبِ وَلَا يَنْهَزِمُ إذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ وَلَوْ كَثُرَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ انْتَهَى ص (وَالْمَنِّ لِيَسْتَكْثِرَ) ش: هُوَ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ وَفِي مَعْنَاهَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) لَا تُعْطِ عَطِيَّةً لِتَطْلُبَ أَكْثَرَ مِنْهَا. (الثَّانِي) لَا تُعْطِ الْأَغْنِيَاءَ فَتُصِيبَ مِنْهُمْ أَضْعَافَهَا. (الثَّالِثُ) لَا تُعْطِ عَطِيَّةً تَنْظُرُ ثَوَابَهَا. (الرَّابِعُ) لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِك عَلَى رَبِّك. (الْخَامِسُ) لَا تَمْنُنْ عَلَى النَّاسِ بِالنُّبُوَّةِ تَأْخُذُ أَجْرًا مِنْهُمْ عَلَيْهَا. (السَّادِسُ) لَا تَضْعُفُ عَنْ الْخَيْرِ أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ) ش: لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ، أَوْ يَنْخَدِعَ عَمَّا يَجِبُ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ الْإِيمَاءُ إلَى الْمُبَاحِ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ عَلَى خِلَافِ مَا يَظْهَرُ وَيُشْعِرُ بِهِ الْحَالُ انْتَهَى، وَأُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَنْ يُوَرِّيَ بِغَيْرِهِ وَسُمِّيَ مَا تَقَدَّمَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ لَشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ) ش قَالَ فِي الْمَقْصَدِ الْجَلِيلِ أَيْ حَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1] أَيْ اتَّقُوهُ فِي التَّقَدُّمِ السِّلْمِيِّ فِي إهْمَالِ حَقِّهِ وَتَضْيِيعِ حُرْمَتِهِ انْتَهَى. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُحَارِبِ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُصُومَةٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ انْتَهَى مِنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لَمَّا عَدَّ

فرع يكره لقارئ حديثه صلى الله عليه وسلم أن يقوم لأحد

الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ وَهَذَا لَيْسَ مُرَادًا قَاطِعًا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْكُمُ بَيْنَ مُحَارِبِهِ وَبَيْنَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ انْتَهَى. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ السِّيَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَعُدُّ الْمُحَرَّمَاتِ وَهَذَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ وَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ وَبِاسْمِهِ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيّ: يَعْنِي أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ بِاسْمِهِ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ، بَلْ يَقُولُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَحُرْمَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا وَكَلَامُهُ الْمَأْثُورُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الرِّفْعَةِ كَالْمَسْمُوعِ مِنْ لَفْظِهِ فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا يُعْرِضَ عَنْهُ وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ الْآيَةَ وَكَلَامُهُ مِنْ الْوَحْيِ وَلَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا لِلْقُرْآنِ إلَّا فِي مَعَانٍ مُسْتَثْنَاةٍ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الْقُرْطُبِيِّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَضْلِ الْعَالِمِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَيَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ رَفْعِهِ عَلَى حَدِيثِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ: فَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ فِي مَجْلِسِ الْحَدِيثِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَيُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَكْرُوهِ الْحَرَامَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي مَجْلِسِ الْعُلَمَاءِ تَشْرِيفًا لَهُمْ؛ إذْ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ [فَرْعٌ يُكْرَهُ لِقَارِئِ حَدِيثِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ لِأَحَدٍ] (فَرْعٌ) وَصَرَّحَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ فِي الْمَقْصِدِ الرَّابِعِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِقَارِئِ حَدِيثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُومَ لِأَحَدٍ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْقِيَامِ لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ: رُوِينَا، أَوْ بَلَغَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الْقَارِئُ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ لِأَحَدٍ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَنِدَائِهِ بِاسْمِهِ قَالَ الشَّيْخُ السَّمْهُودِيُّ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ الْمُسَمَّى بِخُلَاصَةِ الْوَفَا فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي تَوَسُّلِ الزَّائِرِينَ بِهِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي: وَاَلَّذِي يُنْهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فِي النِّدَاءِ أَنْ لَا يَقْرِنَ بِهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ وَنَصُّهُ: وَلْيُقَدِّمْ مَا تَضَمَّنَهُ خَبَرُ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ بَعْضِ مَا أَدْرَكَهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا مُحَمَّدُ يَقُولُهَا سَبْعِينَ مَرَّةً نَادَاهُ مَلَكٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا فُلَانُ لَمْ تَسْقُطْ لَك الْيَوْمَ حَاجَةٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إذْ مِنْ خَصَائِصِهِ أَنْ لَا يُنَادِيَهُ بِاسْمِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ فِي النِّدَاءِ الَّذِي لَا تَقْتَرِنُ بِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ انْتَهَى. وَالْحُجُرَاتُ جَمْعُ حُجْرَةٍ وَهِيَ الْمَوْضِعُ الْمَحْجُورُ مِنْ الْأَرْضِ بِحَائِطٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَحْتَجِبُ عَنْ النَّاسِ إلَّا فِي أَوْقَاتٍ يَشْتَغِلُ فِيهَا بِمُهِمَّاتِ نَفْسِهِ فَكَانَ إزْعَاجُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ الْقُرْطُبِيِّ ص (وَإِبَاحَةِ الْوِصَالِ) ش: قَالَ الْأَبِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوِصَالُ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ دُونَ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا بِفِطْرٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ قَالُوا: وَالنَّهْيُ رَحْمَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَمَنْ قَدَرَ فَلَا حَرَجَ وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى السَّحَرِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَحَرَامٌ عَلَى أُمَّتِهِ انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ الْأَبِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقِيلَ: عَلَى الْكَرَاهَةِ الْأَبِيُّ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَوْ إلَى السَّحَرِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَهُ إلَى السَّحَرِ لِحَدِيثِ «مَنْ وَاصَلَ

فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» وَقَوْلُ أَشْهَبَ: مَنْ وَاصَلَ أَسَاءَ؛ ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ الْوِصَالَ وَلَوْ إلَى السَّحَرِ اللَّخْمِيُّ هُوَ إلَيْهِ مُبَاحٌ وَلِحَدِيثِ «مَنْ أَرَادَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» اهـ. (قُلْت) اُنْظُرْ عَزْوَ ابْنِ عَرَفَةَ جَوَازَهُ إلَى السَّحَرِ لِلَّخْمِيِّ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا عَزَاهُ لِابْنِ وَهْبٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَبِيُّ وَذَكَرَ أَنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَهُ، وَلَفْظُ الْإِكْمَالِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَحَادِيثِ الْوِصَالِ فَقِيلَ: النَّهْيُ عَنْهُ رَحْمَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَمَنْ قَدَرَ فَلَا حَرَجَ وَقَدْ وَاصَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ الْأَيَّامَ وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَنْبَلٍ مِنْ سَحَرٍ إلَى سَحَرٍ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ كَرَاهَةَ الْوِصَالِ لِلْجَمِيعِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَلَمْ يُجِيزُوهُ لِأَحَدٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْوِصَالُ مِنْ خَصَائِصِ مَا أُبِيحَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَى أُمَّتِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَصَفِيِّ الْمَغْنَمِ وَالْخُمُسِ) ش: الْخُمُسُ مَعْطُوفٌ عَلَى صَفِيِّ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَالَ الْهَرَوِيُّ: إنْ أُعْطِيتُمْ الْخُمُسَ وَسَهْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّفِيَّ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ الشَّعْبِيُّ: الصَّفِيُّ عُلِّقَ بِتَخْيِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَغْنَمِ وَمِنْهُ صَفِيَّةُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ خَوَاصِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَفِيُّ الْمَغْنَمِ وَالِاسْتِبْدَادُ بِخُمُسِ الْخُمُسِ، أَوْ الْخُمُسِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَكَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلَيْنِ فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: إنَّمَا وَالِي الْجَيْشِ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ لَهُ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِمْ ابْنُ رُشْدٍ: لَا حَقَّ لِلْإِمَامِ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّفِيُّ مَخْصُوصٌ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَرَآهُ لِكُلِّ إمَامٍ وَكَذَا لَا حَقَّ لِلْإِمَامِ فِي الْخُمُسِ إلَّا الِاجْتِهَادَ فِي قَسْمِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذَا إلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْخُمُسَ مَقْسُومٌ عَلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ بِالسَّوَاءِ وَأَنَّ سَهْمَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ انْتَهَى. قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْمِرْبَاعُ أَيْ رُبْعُ الْغَنِيمَةِ وَالصَّفِيُّ أَيْ مَا يُصْطَفَى لِلرَّئِيسِ فَنُسِخَ الْمِرْبَاعُ بِالْخُمُسِ وَبَقِيَ الصَّفِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ أَمْرُ الصَّفِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا غَزَا فِي الْجَيْشِ اخْتَارَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ سَهْمًا وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَعَدَ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْجَيْشِ ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ وَلَمْ يَكُنْ صَفِيٌّ، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد، وَأَمْرُ الصَّفِيِّ بَعْدَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا: كَانَ خَاصًّا بِالرَّسُولِ انْتَهَى ص (وَيُزَوِّجُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَنْ شَاءَ) ش قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ مِنْ نَفْسِهِ وَمَنْ شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا إذْنِ وَلِيِّهَا وَمِنْ نَفْسِهِ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ انْتَهَى، وَقَالَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ: أَيْ وَمِمَّا يُبَاحُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ شَاءَ نِكَاحَهَا انْتَهَى وَقَوْلُهُ: وَيُزَوِّجُ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: بِلَا مَهْرٍ وَوَلِيٍّ وَشُهُودٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِلَا مَهْرٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَخُصَّ أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ بِجَوَازِ جَعْلِ عِتْقِ الْأَمَةِ صَدَاقَهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَيَحْمِي لَهُ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: هَذَا مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ شَاسٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَمَى النَّقِيعَ بِالنُّونِ وَقَالَ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» فَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِالِاخْتِصَاصِ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْبَاجِيُّ؛ إذْ قَالَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْفَعَةٍ تَخُصُّهُ وَإِنَّمَا الْحِمَى لِحَقِّ اللَّهِ وَلِرَسُولِهِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ خَلِيفَتِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالنَّظَرِ فِي دِينِ نَبِيِّهِ. ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْمُوَطَّأِ عِنْدَ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ فِي بِلَادِهِمْ شِبْرًا ص (وَلَا يُورَثُ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَإِنَّمَا

تنبيهان في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

ذَكَرْنَاهُ فِي قِسْمِ التَّحْلِيلِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَارَبَ الْمَوْتَ بِالْمَرَضِ لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ وَنُفِيَ مِلْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ انْتَهَى. (قُلْت) وَيُبَاحُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَيَنْفُذُ وَإِنْ بِهِبَةِ جَمِيعِهِ قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: اُخْتُلِفَ هَلْ مَا تَرَكَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ يُنْفَقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ كَحَيَاتِهِ، أَوْ سَبِيلُهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ؟ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ صَدَقَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» انْتَهَى وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَدْخُولَتِهِ لِغَيْرِهِ عَنْ الْمُشَاوِرِ مَا يُخَالِفُ مَا صَوَّبَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ الذَّخِيرَةِ: الْأَنْبِيَاءُ لَا يُورَثُونَ خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ وَرَأَيْتُ كَلَامًا لِلْعُلَمَاءِ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ أَيْضًا وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِمْ لَا يُورَثُونَ خَشْيَةَ أَنْ يَتَمَنَّى وَارِثُهُمْ مَوْتَهُمْ فَيَكْفُرَ فَإِنَّ مَنْ تَمَنَّى مَوْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرَ وَفِي كَوْنِهِمْ لَا يَرِثُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَوَهَّمَ الْمَوْرُوثُ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ مَوْتَهُ فَيَبْغُضَهُمْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهَانِ فِي خصائص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَيْسَ كُلُّ مَا ذُكِرَ هُنَا مَشْهُورًا، بَلْ فِيهِ أَشْيَاءُ مَا قَالَ بِهَا إلَّا مَنْ شَذَّ كَوُجُوبِ الضُّحَى وَاسْتِبْدَادِهِ بِجَمِيعِ الْخُمُسِ انْتَهَى. (قُلْت) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْضًا: لَيْسَ مَا قِيلَ بِاخْتِصَاصِهِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَحْصُورًا فِيمَا ذُكِرَ فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ «نَوْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوجِبُ وُضُوءًا» وَفِي رَسْمِ قَطْعِ الشَّجَرَةِ مِنْ الْجَامِعِ وَفِي الْقَبَسِ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَحْكُمُ وَهُوَ غَضْبَانُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَدَلِيلُهُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ حَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلزُّبَيْرِ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي أَحْفَظَهُ أَيْ أَغْضَبَهُ؛ إذْ قَالَ: إنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً انْتَهَى وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَوَازُ خَلْوَتِهِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ كَمَا نَقَلَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ فِي دُخُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ وَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ فِي الْمُبَاحَاتِ وَاخْتُصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ النَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْخَلْوَةِ بِهِنَّ وَإِرْدَافِهِنَّ وَإِبَاحَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا وَالْعُبُورِ فِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ وَلَا بِاللَّمْسِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِجَوَازِ صَلَاةِ الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَاعِدًا ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ وَبِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى الْقَبْرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى. (قُلْت) وَكَذَا الْغَائِبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْوَذِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اُخْتُصَّ بِإِبَاحَةِ الْكَلَامِ لِأُمَّتِهِ فِي الصَّوْمِ وَكَانَ مُحَرَّمًا عَلَى مَنْ قَبْلَنَا عَكْسُ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْأَسْيُوطِيُّ فِيمَا اُخْتُصَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ قَالَ: لِحَدِيثٍ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِهِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ وَأَرْبَعٌ عِنْدَ الزَّوَالِ وَرَدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَبِالْوُضُوءِ إذَا أَحْدَثَ قِيلَ: وَلَا يُكَلِّمُ أَحَدًا وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا حِينَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ نُسِخَ قِيلَ: وَبِالِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَأَنْ يَقُولَ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فِي وَجْهٍ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَإِتْمَامِ كُلِّ تَطَوُّعٍ شَرَعَ فِيهِ، وَأَنْ يَدْفَعَ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَكُلِّفَ مِنْ الْعَمَلِ مَا كُلِّفَ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ وَكَانَ مُطَالَبًا بِرُؤْيَةِ مُشَاهَدَةِ الْحَقِّ مَعَ مُعَاشَرَةِ النَّاسِ بِالنَّفْسِ انْتَهَى وَحَرُمَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَطُّ وَقَوْلُ الشَّعْرِ وَتَعَلُّمُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَاتَ حَتَّى كَتَبَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمَامِينِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الشِّفَاءِ فِي فَصْلِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ دَعْوَةٌ عَامَّةٌ إلَّا لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى

فصل ندب لمحتاج ذي أهبة نكاح بكر

[فَصْلٌ نُدِبَ لِمُحْتَاجٍ ذِي أُهْبَةٍ نِكَاحُ بِكْرٍ] ص (فَصْلٌ نُدِبَ لِمُحْتَاجٍ ذِي أُهْبَةٍ نِكَاحُ بِكْرٍ) ش: النِّكَاحُ حَقِيقَةً التَّدَاخُلُ، وَيُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْعَقْدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الصَّدَاقِ، وَقِيلَ: وَرَدَ بِمَعْنَى الصَّدَاقِ فِي قَوْلِهِ {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 33] ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا إطْلَاقُهُ عَلَى الْعَقْدِ فَقِيلَ: حَقِيقَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَجَازٌ وَعَلَيْهِ فَقِيلَ: مَجَازٌ مُسَاوٍ وَقِيلَ: رَاجِحٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ التَّوْضِيحِ. وَيُقَالُ: كُلُّ نِكَاحٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ إلَّا قَوْلَهُ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقِيلَ: فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: 3] الْمُرَادُ الْوَطْءُ وَكَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مُجَرَّدِ مُتْعَةِ التَّلَذُّذِ بِآدَمِيَّةٍ غَيْرُ مُوجِبٍ قِيمَتَهَا بِبَيِّنَةٍ قَبْلَهُ غَيْرُ عَالِمٍ عَاقِدُهُ حُرْمَتَهَا إنْ حَرَّمَهَا الْكِتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْآخَرِ، فَيَخْرُجُ عَقْدُ تَحْلِيلِ الْأَمَةِ وَإِنْ وَقَعَ بِبَيِّنَةٍ، وَيَدْخُلُ نِكَاحُ الْخَصِيِّ وَالطَّارِيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَةٍ صَدَقَا فِيهَا وَلَا يَبْطُلُ، عَكْسُهُ نِكَاحُ مَنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ثُبُوتِ وَطْئِهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، أَوْ فُشُوِّ بِنَائِهِ بِاسْمِ النِّكَاحِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: عَدَمُ حَدِّهِ لِلشُّبْهَةِ لَا لِثُبُوتِ نِكَاحِهِ انْتَهَى. وَالْمُحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ هُوَ الَّذِي تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَإِنْ عَدِمَ آلَتَهُ كَالْخَصِيِّ، وَالْأُهْبَةُ الْعِدَّةُ وَالْمُؤْنَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مُؤَنُ النِّكَاحِ مِنْ مَهْرٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَقَوْلُهُ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ يُرِيدُ الْمَالَ الْمُوَصِّلَ لِلْوَطْءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَطْءَ؛ وَإِلَّا لَفَسَدَ قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَالْبَاءَةُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزَةِ وَآخِرُهُ تَاءُ تَأْنِيثٍ هُوَ النِّكَاحُ، وَالْمُرَادُ بِهِ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَهِيَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ عَلَيْكُمْ بِالْبَاءَةِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ آخِرُهُ تَاءٌ وَيُقَالُ: لَهُ بِالْمَدِّ وَبِغَيْرِ مَدٍّ وَيُقَالُ: لَهُ أَيْضًا الْبَاهُ بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ وَالْبَاهَةُ بِتَاءٍ بَعْدَ الْهَاءِ هُوَ النِّكَاحُ وَيُسَمَّى بِهِ الْجِمَاعُ وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ تَبَوَّأَ لِنَفْسِهِ وَزَوْجِهِ بَيْتًا فَعَلَى هَذَا أَصْلُهُ مِنْ الْوَاوِ لَا مِنْ الْمَهْمُوزِ الْأَصْلِيِّ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: " وِجَاءٌ " بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْخِصَاءِ قِيلَ: هُوَ رَضُّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ غَمْزُ عُرُوقِهِمَا وَالْخِصَاءُ هُوَ شَقُّ الْخُصْيَتَيْنِ وَاسْتِئْصَالهمَا وَالْجَبُّ قَطْعُ ذَلِكَ بِشَفْرَةٍ مُحْمَاةٍ مِنْ أَصْلِهِ شَبَّهَ مَا يَقْطَعُ الصَّوْمَ مِنْ النِّكَاحِ وَيَكْسِرُ مِنْ غِلْمَتِهِ بِذَلِكَ إذَا صَنَعَ بِالْفَحْلِ انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ النِّكَاحَ لِإِضْعَافِهِ الْقُوَّةَ وَتَخْفِيفِهِ الرُّطُوبَةَ الَّتِي يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْمَنِيُّ وَقَدْ يَزِيدُ فِي النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْمَرْطُوبِينَ فَيَقْرَبُونَ بِهِ مِنْ الِاعْتِدَالِ فَيَقْوَى عِنْدَهُمْ بِالصَّوْمِ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ فِي النَّاسِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْقِسْمَ الْمَنْدُوبَ وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا لِلنِّكَاحِ ذَا أُهْبَةٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَخْشَى الْعَنَتَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ كَانَ لَهُ إرْبٌ فِي النِّسَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّعَفُّفِ، أَوْ كَانَ لَا إرْبَ لَهُ وَيَصِحُّ مِنْهُ النَّسْلُ كَانَ مَنْدُوبًا انْتَهَى. قَالَ فِي الشَّامِلِ: تَعَيَّنَ لِخَوْفِ عَنَتٍ وَعَدَمِ إمْكَانِ تَسَرِّ نِكَاحٍ لَمْ يَكْفِهِ صَوْمٌ وَخُيِّرَ فِيهِ، وَفِي تَسَرٍّ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَفَّهُ الصَّوْمُ خُيِّرَ فِيهِ وَفِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَالنِّكَاحُ أَوْلَى انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَقَدْ يَبْدَأُ بِالصَّوْمِ عَلَى النِّكَاحِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسَرِّي وَلَا يَجِدُ طَوْلًا لِنِكَاحِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ فِي تَزْوِيجِهِ الْأَمَةَ إرْقَاقُ وَلَدِهِ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ أَيْضًا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ يُمْنَعُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَأُبِيحَ لِمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَا يَرْغَبُ فِي النِّسَاءِ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا كَانَ لَا إرْبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَلَا يَرْجُو نَسْلًا؛ لِأَنَّهُ حَصُورٌ، أَوْ خَصِيٌّ وَمَجْبُوبٌ، أَوْ شَيْخٌ فَانٍ، أَوْ عَقِيمٌ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ كَانَ مُبَاحًا انْتَهَى. وَيُقَيَّدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَقْطَعْهُ عَنْ عِبَادَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَنْ تَعْلَمَ الْمَرْأَةُ مِنْهُ كَوْنَهُ حَصُورًا، أَوْ خَصِيًّا

أَوْ مَجْبُوبًا؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ، وَأَمَّا الْعُقْمُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إخْبَارُهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ يُوجِبُ الْخِيَارَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِهِ فَلَعَلَّهُ يُولَدُ لَهُ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَكُرِهَ لِمَنْ لَا يَشْتَهِيهِ وَيَقْطَعُهُ عَنْ عِبَادَتِهِ انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيَّ فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُ فَقَدْ يُقَالُ: يُنْدَبُ إلَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ: يُبَاحُ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفَصَّلُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ يُرْجَى النَّسْلُ كَانَ مَنْدُوبًا وَإِنْ لَمْ يَرْجُهُ كَانَ مُبَاحًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ فِي الشَّامِلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْأَقْسَامَ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَّا فِي التَّسَرِّي انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْت) وَيُوجِبُ النِّكَاحَ عَلَى الْمَرْأَةِ عَجْزُهَا عَنْ قُوتِهَا، أَوْ سُتْرَتِهَا إلَّا بِالنِّكَاحِ انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَمُنِعَ لِمُضِرٍّ بِالْمَرْأَةِ لِعَدَمِ نَفَقَةٍ، أَوْ وَطْءٍ، أَوْ كَسْبٍ مُحَرَّمٍ وَلَمْ يَخْشَ عَنَتًا انْتَهَى، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ خَشِيَ الْعَنَتَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ وَلَوْ كَانَ عَادِمًا لِلنَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " بِكْرٌ " لَيْسَ قَيْدًا فِي كَوْنِ النِّكَاحِ مُسْتَحَبًّا، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ فَلَوْ قَالَ: نُدِبَ نِكَاحٌ وَبِكْرٌ لَكَانَ أَوْضَحَ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: نِكَاحٌ وَبِكْرٌ تَصْرِيحًا بِأَنَّهُمَا مَنْدُوبَانِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبِكْرِ إلَّا أَنَّ كُلَّمَا فَعَلْتَهُ تَرَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْمُحَبَّبُ فَإِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا قَرَنَتْ فِعْلَك مَعَ مَا تَقَدَّمَ مَعَهَا مِنْ فِعْلِ غَيْرِك وَفَاضَلَتْ بَيْنَكُمَا فَرَفَضَتْك لَوْ عَلِمَتْك إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ انْتَهَى وَيُسْتَحَبُّ نِكَاحُ الْوَلُودِ؛ لِلْحَدِيثِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَرَغَّبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِكَاحِ الْوَلُودِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ الْخَمْسِينَ لَا تَلِدُ وَقَالَ عُمَرُ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ، وَبِنْتُ عِشْرِينَ لَذَّةٌ لِلْمُعَانِقِينَ وَبِنْتُ ثَلَاثِينَ ذَاتُ شَحْمٍ وَلِينٍ وَبِنْتُ أَرْبَعِينَ ذَاتُ بَنَاتٍ وَبَنِينَ وَبِنْتُ خَمْسِينَ عَجُوزٌ فِي الْغَابِرِينَ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْجَامِعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِجَمَالِهَا وَلَا لِمَالِهَا فَلَعَلَّ جَمَالَهَا لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَلَعَلَّ مَالَهَا لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَعَلَيْكُمْ بِذَوَاتِ الدِّينِ فَاتْبَعُوهُنَّ حَيْثُمَا كُنَّ» انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ حَدِيثُ «مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَبْكِيرُهَا بِالْبِنْتِ» ذَكَرَهُ خَالِدٌ ابْنُ سَعِيدٍ فِي نَوَادِرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ لُبَابَةَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمَعْرِفَةِ بِطُرُقِهِ وَبِالرِّجَالِ أَوْحَدَ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ لَا نَظِيرَ لَهُ. (قُلْت) تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ كَمَا فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى غِبْطَةِ الْمَرْأَةِ بِزَوْجِهَا وَمَحَبَّتِهَا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى ص (وَنَظَرُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ بِعِلْمٍ) ش: وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَهُ فِي رَسْمِ طَلْقٍ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُرِهَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَسْتَغْفِلَهَا وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابُهَا قَالَ فِي الْبَيَانِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَغَفِّلًا لَهَا، أَوْ بَعْدَ إعْلَامِهَا انْتَهَى وَانْظُرْ الْكَرَاهَةَ هَلْ هِيَ عَلَى بَابِهَا، أَوْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ إعْلَامِهَا بِهِ لَا غَفْلَةً انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي مُخْتَصَرِ أَحْكَامِ النَّظَرِ لِابْنِ الْقَطَّانِ: مَذْهَبُ مَالِكٍ الْجَوَازُ إذَا كَانَ بِإِذْنِهَا، ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةٌ: لَا يَحْتَاجُ فِي نَظَرِهِ إلَيْهَا بَعْدَ عَزْمِهِ إلَى نِكَاحِهَا وَخِطْبَتِهِ لَهَا إلَى اسْتِئْذَانِهَا وَأَبَاحَ مَالِكٌ ذَلِكَ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُغْفِلَهَا مِنْ كُوَّةٍ وَنَحْوِهَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ مَالِكٍ إذْنُهَا وَلَعَلَّهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَسَبَّبَ أَهْلُ الْفَسَادِ بِالنَّظَرِ فَإِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِمْ يَقُولُونَ: كُنَّا خُطَّابًا وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ وَهْبٍ النَّظَرَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا لِمُقَابَلَةِ الْكَرَاهَةِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الِاشْتِرَاطِ، وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ الْكَرَاهَةُ، أَوْ يَقُولُونَ لَا يَغْتَفِلُهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى الْمَنْعِ وَكَلَامُ

فرع هل يستحب للمرأة نظر الرجل

ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ طَلْقِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَكَذَلِكَ كَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَغَيْرِهِمَا وَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مِمَّا يَقْتَضِي الْمَنْعَ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا لِلْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهِ، وَقِيلَ: لِأَصْبَغَ بَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ إجَازَتَهُ، فَقَالَ لَمْ يَكُنْ ابْنُ وَهْبٍ يَرْوِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ بِرَأْيِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي أَحْكَامِ النَّظَرِ فَإِنْ عَلِمَ الْخَاطِبُ أَنَّهَا لَا تُجِيبُهُ هِيَ، أَوْ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ النَّظَرُ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَطَبَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَبْعَثَ امْرَأَةً تَنْظُرُ لَهُ وَرَوَى «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُمَّ سَلِيمٍ تَنْظُرُ إلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ لَهَا شُمِّي عَوَارِضَهَا وَانْظُرِي إلَى عُرْقُوبِهَا» انْتَهَى فَلَوْ بَعَثَ خَاطِبًا فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: اُنْظُرْ هَلْ يُفَوِّضُ إلَيْهِ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ لَهُ وَيُنْزَلُ مَنْزِلَتَهُ أَمْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا لِلنَّاكِحِ فَقَطْ؟ وَقَدْ نَزَلَتْ وَتَكَلَّمْنَا فِيهَا هَلْ يَتَنَزَّلُ الْوَكِيلُ مَنْزِلَةَ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةً مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْطُبْ إلَّا لِمَنْ بَعَثَهُ، وَإِنْ خَطَبَ لِنَفْسِهِ مَعَهُ فَجَائِزٌ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ لِلنَّاظِرِينَ، بَلْ لَوْ قِيلَ: بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ مَا كَانَ بَعِيدًا وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ لَهَا التَّعَرُّضُ لِمَنْ يَخْطُبُهَا إذَا سَلِمَتْ نِيَّتُهَا فِي قَصْدِ النِّكَاحِ لَمْ يَبْعُدْ انْتَهَى [فَرْعٌ هَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ نَظَرُ الرَّجُلِ] لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُهُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ قَالُوا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَنْظُرَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصِدَهَا مُتَعَرِّضًا لَهَا بِمَحَاسِنِهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إبْدَاؤُهَا إلَيْهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَخْطُوبَةً وَيَتَصَنَّعُ بِلُبْسِهِ وَسِوَاكِهِ وَمُكْحُلَتِهِ وَخِضَابِهِ وَمَشْيِهِ وَرُكْبَتِهِ أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا مَا كَانَ جَائِزًا لِكُلِّ امْرَأَةٍ وَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ؟ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْمَنْعِ إجْمَاعٌ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ خَطَبَ وَلَكِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ التَّعَرُّضَ لِلنِّسَاءِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِلْفِتَنِ وَتَعْرِيضٌ لَهَا وَلَوْلَا الظَّاهِرُ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تُخْطَبْ عَلَى أَنَّا لَمْ نَجْزِمْ فِيهِ بِالْجَوَازِ انْتَهَى مِنْ مُخْتَصَرِ أَحْكَامِ النَّظَرِ لِلْقَبَّابِ [فَرْعٌ النَّظَرُ لِلشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَجُوزُ النَّظَرُ لِلشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: لِلشَّاهِدِ، وَلِلطَّبِيبِ وَنَحْوِهِ، وَلِلْخَاطِبِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ جَوَازِهِ لِلْخَاطِبِ، وَلَا يَجُوزُ لِتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى. زَادَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ النَّظَرُ فِيهَا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ انْتَهَى، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَبَّابِ فِي مُخْتَصَرِ أَحْكَامِ النَّظَرِ لِابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ قَالَ: مَسْأَلَةٌ: لَيْسَ مِنْ الضَّرُورَاتِ احْتِيَاجُهَا إلَى أَنْ تَبِيعَ وَتَبْتَاعَ، أَوْ تَتَصَنَّعَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ إلَى الصُّنَّاعِ فِي قُعُودِ النِّسَاءِ إلَيْهِمْ وَلَا تُتْرَكُ الشَّابَّةُ تَجْلِسُ إلَى الصُّنَّاعِ، وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ وَالْخَادِمُ الدُّونُ وَمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى الْقُعُودِ عِنْدَهُ وَمَنْ لَا يُتَّهَمُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ كُلُّهُ صَوَابٌ فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ لَيْسَتْ بِضَرُورَةٍ تُبِيحُ التَّكَشُّفَ فَقَدْ تَصْنَعُ وَتَسْتَصْنِعُ وَتَبِيعُ وَتَشْتَرِي وَهِيَ مُسْتَتِرَةٌ وَلَا يُمْنَعْنَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْمَشْيِ فِي حَوَائِجِهِنَّ وَلَوْ كُنَّ مُعْتَدَّاتٍ وَإِلَى الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا يُمْنَعْنَ مِنْ التَّبَرُّجِ وَالتَّكَشُّفِ وَالتَّطَيُّبِ لِلْخُرُوجِ وَالتَّزَيُّنِ بَلْ يَخْرُجْنَ وَهُنَّ مُنْتَقِبَاتٌ، وَلَا يَخْفِقْنَ فِي الْمَشْيِ فِي الطُّرُقَاتِ، بَلْ يُلْصَقْنَ بِالْجُدْرَانِ انْتَهَى مِنْ مُخْتَصَرِ أَحْكَامِ النَّظَرِ. (تَنْبِيهٌ) مَنْ أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَصْدُ اللَّذَّةِ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ لَا يَجُوزُ فِيهِ قَصْدُ اللَّذَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلَّ لَهُمَا حَتَّى نَظَرُ الْفَرْجِ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ: فِي كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ الدُّبُرِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ الْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الْقُبُلُ لَا الدُّبُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّمَتُّعُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَالْفَرْجُ حَيْثُ أَطْلَقَتْهُ الْعَرَبُ فَلَا يُرِيدُونَ بِهِ إلَّا الْقُبُلَ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَأَمَّا

التَّمَتُّعُ بِظَاهِرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَقَدْ فَاوَضْت فِيهِ بَعْضَ أَصْحَابِنَا لَا شُيُوخِنَا لِعَدَمِ الْمُجَاسَرَةِ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَجَابَ بِإِبَاحَتِهِ وَلَمْ يُبْدِ لَهُ وَجْهًا، وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ كَسَائِرِ جَسَدِ الْمَرْأَةِ وَجَمِيعُهُ مُبَاحٌ إذَا لَمْ يَرِدْ مَا يَخُصُّ بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ بَاطِنِهِ وَالْأَمْرُ عِنْدِي فِيهِ اشْتِبَاهٌ فَإِنْ تَرَكَهُ فَهُوَ خَيْرٌ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَالْأَقْفَهْسِيِّ، وَمَا قَالَهُ أَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَالْأَقْفَهْسِيِّ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: النِّكَاحُ وَالْمِلْكُ الْمُبِيحُ لِلْوَطْءِ يُحِلُّ كُلَّ اسْتِمْتَاعٍ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا إلَّا الدُّبُرَ يَعْنِي الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ انْتَهَى وَهُوَ مِمَّا يُسَاعِدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ. (قُلْت) وَهَذَا كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا هُوَ فِي الدُّبُرِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْأَلْيَتَانِ فَلَا كَلَامَ فِي جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِمَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ إبَاحَةُ وَطْءِ الْمَرْأَةِ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً إذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَبَّابُ فِي بَابِ نَظَرِ النِّسَاءِ إلَى الرِّجَالِ مَسْأَلَةٌ: نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الزَّوْجِ، أَوْ إلَى السَّيِّدِ كَنَظَرِهِمَا إلَيْهَا فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ إلَّا فِي نَظَرِهَا إلَى فَرْجِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ مَا وَرَدَ فِي نَظَرِهِ هُوَ إلَى فَرْجِهَا انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ أَصْبَغُ مَنْ كَرِهَ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ إنَّمَا كَرِهَ بِالطِّبِّ لَا بِالْعِلْمِ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهِ، قَالَ الْقَبَّابُ فِي بَابِ نَظَرِ الرِّجَالِ إلَى النِّسَاءِ: مَسْأَلَةٌ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ وَطْؤُهَا فَلَا كَلَامَ إلَّا فِي نَظَرِهِ إلَى فَرْجِهَا فَإِنَّهُ مَوْضِعُ خِلَافٍ أَجَازَتْهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَقِيلَ: لِأَصْبَغَ إنَّ قَوْمًا يَذْكُرُونَ كَرَاهَتَهُ فَقَالَ مَنْ كَرِهَهُ إنَّمَا كَرِهَهُ بِالطِّبِّ لَا بِالْعِلْمِ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَيَلْحَسَهُ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: أَكْثَرُ الْعَوَامّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَاسْتَغْرَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا وَمِثْلُ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ: الْإِبَاحَةُ وَالْمَنْعُ، وَالنَّظَرُ عِنْدَهُمْ إلَى دَاخِلٍ أَشَدُّ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَعْرِفُ لِأَبِي إِسْحَاقَ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُخْفٌ وَدَنَاءَةٌ وَلَا يَحْرُمُ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ النَّهْيُ عَنْهُ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى فَإِنْ صَحَّ الْخَبَرُ؛ لَزِمَهُ الِانْتِهَاءُ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَنَصُّهَا قَالَ أَصْبَغُ وَسَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ: أَيُكَلِّمُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ يَطَؤُهَا؟ . قَالَ: نَعَمْ، وَيَفْدِيهَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إجَارَةً مِنْهُ، قَالَ أَصْبَغُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ النَّخِيرِ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا خَلَوْتُمْ فَاصْنَعُوا مَا شِئْتُمْ فَسُئِلَ أَصْبَغُ: أَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ عِنْدَ الْوَطْءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ قَوْمًا يَذْكُرُونَ كَرَاهَتَهُ، فَقَالَ: مَنْ كَرِهَهُ إنَّمَا كَرِهَهُ بِالطِّبِّ لَيْسَ بِالْعِلْمِ، لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَصْلِ السَّمَاعِ عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ عِنْدَ الْوَطْءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَلْحَسُهُ فَطَرَحَ الْعُتْبِيُّ لَفْظَةَ وَيَلْحَسُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْبَحَهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَيَلْحَسُهُ بِلِسَانِهِ وَهُوَ أَقْبَحُ إلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَسْتَجِيزُونَ مِثْلَ هَذَا إرَادَةَ الْبَيَانِ؛ وَلِئَلَّا يُحَرَّمَ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَوَامّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَاسْتَغْرَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَكَذَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْوَطْءِ لَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ وَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ، وَأَمَّا النَّخِيرُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَبِيحٌ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ، وَتَرْخِيصُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَمَتُّعٌ بِغَيْرِ دُبُرٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِهَا؟ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَمْ نَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي الْمَذْهَبِ

وَنَصَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْإِحْيَاءِ انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَإِطْلَاقَاتُ الْمَذْهَبِ وَالْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ الْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مَنْسُوبٌ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ السِّرِّ وَمَوْجُودٌ لَهُ فِي اخْتِصَارِ الْمَبْسُوطِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ أَحَلُّ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ، أَمَّا كِتَابُ السِّرِّ فَمُنْكَرٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَفْت عَلَيْهِ، فِيهِ مِنْ الْغَضِّ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْقَدْحِ فِي دِينِهِمْ خُصُوصًا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمِنْ الْحَطِّ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْقَدْحِ فِيهِمْ وَنِسْبَتِهِمْ إلَى قِلَّةِ الدِّينِ مَعَ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى فَضْلِهِمْ خُصُوصًا أَشْهَبُ مَا لَا أَسْتَبِيحُ ذِكْرَهُ وَوَرَعُ مَالِكٍ وَدِينُهُ يُنَافِي مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ كِتَابُ السِّرِّ وَهُوَ جُزْءٌ لَطِيفٌ نَحْوُ ثَلَاثِينَ وَرَقَةً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَا أَدْرَكْت مَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَشُكُّ فِيهِ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَبَاحَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَائِلًا لَا آمُرُ بِهِ وَلَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِلْءَ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَأَفْعَلُهُ، وَكُلُّ مَنْ اسْتَشَارَنِي فِيهِ آمُرُهُ بِتَرْكِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: لَقِيَ أَشْهَبُ رَجُلًا أُرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِمَّنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ يَعْنِي الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ فَتَكَلَّمَ فِيهِ فَقَالَ أَشْهَبُ بِتَحْلِيلِهِ وَقَالَ الرَّجُلُ بِتَحْرِيمِهِ فَتَحَاجَّا حَتَّى قَطَعَهُ أَشْهَبُ بِالْحُجَّةِ فَقَالَ لَهُ أَشْهَبُ: أَمَّا أَنَا فَعَلَيَّ مِنْ الْأَيْمَانِ كَذَا وَكَذَا إنْ فَعَلْته قَطُّ فَاحْلِفْ لِي أَنْتَ أَيْضًا أَنَّك لَمْ تَفْعَلْهُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيّ: وَالرِّوَايَةُ مَنْ فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ فَلَا يُؤَدَّبُ؛ إذْ لَيْسَ بِمُجْمَعٍ عَلَى كَرَاهَتِهِ انْتَهَى ص (وَخِطْبَةٌ بِخِطْبَةٍ وَعَقْدٍ) ش: الْخِطْبَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِدْعَاءِ النِّكَاحِ وَمَا يَجْرِي مِنْ الْمُحَاوَرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْخِطْبَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ فِعْلُ الْخَطْبِ مِنْ كَلَامٍ وَقَصْدٍ وَاسْتِلْطَافٍ بِفِعْلٍ، أَوْ قَوْلٍ انْتَهَى. وَالْخُطْبَةُ بِالضَّمِّ وَاحِدَةُ الْخُطَبِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْخِطْبَةِ وَفِي الْعَقْدِ قَالَ مَالِكٌ: مَا قَلَّ مِنْهَا أَفْضَلُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ: أَقَلُّهَا أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ زَوَّجْتُك عَلَى كَذَا وَيَقُولَ الزَّوْجُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: تُسْتَحَبُّ الْخُطْبَةُ - بِالضَّمِّ - عِنْدَ الْخِطْبَةِ - بِالْكَسْرِ - وَصِفَتُهَا أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ يَقُولُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] الْآيَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فُلَانًا رَغِبَ فِيكُمْ وَانْطَوَى إلَيْكُمْ وَفَرَضَ لَكُمْ مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا وَكَذَا فَانْكِحُوهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا عِنْدَ الْعَقْدِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَتُسْتَحَبُّ الْخُطْبَةُ بِالضَّمِّ الَّتِي هِيَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَقِرَاءَةُ آيَةٍ مُنَاسِبَةٍ عِنْدَ الْخِطْبَةِ بِالْكَسْرِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَا خَفَّ مِنْهَا أَحْسَنُ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخُطْبَةَ بِضَمِّ الْخَاءِ تُسْتَحَبُّ مِنْ الْخَاطِبِ وَمِنْ الْمُجِيبِ لَهُ قَبْلَ إجَابَتِهِ وَمِنْ الزَّوْجِ وَمِنْ الْمُتَزَوِّجِ. وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي اسْتِحْبَابِ خُطْبَةِ الْمُجِيبِ فِي الْخِطْبَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ اسْتِحْبَابِهَا، وَالثَّانِي: اسْتِحْبَابُهَا وَعَزَا الْأَوَّلَ لِظَاهِرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِيَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ إخْفَاءُ خِطْبَةِ النِّكَاحِ وَأَنْ يَبْدَأَ الْخَاطِبُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيُجِيبَهُ الْمَخْطُوبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجَابَةِ انْتَهَى وَصَرَّحَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ لِلْخَاطِبِ وَالْمُتَزَوِّجِ وَالْمُزَوِّجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ تُسْتَحَبُّ الْخِطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَسُكُونِ النَّاسِ فِيهِ وَالْهُدُوءِ فِيهِ وَيُكْرَهُ فِي صَدْرِ

النَّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَرُّقِ وَالِانْتِشَارِ. (الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ عَقْدُهُ فِي شَوَّالٍ وَالِابْتِنَاءُ بِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ بِهَا فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِهَا فِيهِ» وَقَدْ حُكِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِبُّ النِّكَاحَ فِي رَمَضَانَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى مِنْ الطِّرَازِ وَلَمْ يَحْكِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِبُّ النِّكَاحَ فِي رَمَضَانَ وَفِيهِ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُسْتَحَبُّ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِشْهَارُهُ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ عَلَيْهِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «فَضْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» انْتَهَى. قَوْلُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَشَاهِدَيْنِ، وَمِنْ فَضَائِلِهِ الْإِعْلَانُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِدَارٍ فَسَمِعَ لَعِبًا فَقَالَ مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: الْوَلِيمَةُ فَقَالَ: هَذَا نِكَاحٌ وَلَيْسَ بِسِفَاحٍ اعْقِدُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا فِيهِ بِالدُّفِّ» انْتَهَى. فَأَمَّا اسْتِحْبَابُ إعْلَانِهِ فَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْجُزُولِيِّ وَفَضَائِلُهُ وَنَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا الْعَقْدُ فِي الْمَسْجِدِ فَعَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْجَائِزَاتِ فَقَالَ فِي بَابِ مَوَاتِ الْأَرْضِ: وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى رَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ وَعَقْدُ نِكَاحٍ وَلَمْ أَرَ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِ الْعَقْدِ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيُسْتَحَبُّ كِتْمَانُ الْأَمْرِ إلَى الْعَقْدِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ نَحْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَهْنِئَتُهُ وَالدُّعَاءُ لَهُ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَاسْتَحَبُّوا تَهْنِئَةَ النَّاكِحِ وَالدُّعَاءَ لَهُ وَكَانَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ بَارَكَ اللَّهُ، وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى هَذَا مِنْ ذِكْرِ السَّعَادَةِ وَمَا أَحَبَّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ: وَالرِّفَاءُ الْمُلَاءَمَةُ يُقَالُ: رَفَأْت الثَّوْبَ لَاءَمْت بَيْنَ حَرْفَيْهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، وَلَمْ أَرَ كَرَاهَتَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالرِّفَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ الِالْتِئَامُ وَالِاتِّفَاقُ وَهَمْزَتُهُ أَصْلِيَّةٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: إنْ كَانَ مَعْنَاهُ السُّكُونَ فَأَصْلُهُ غَيْرُ الْهَمْزَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ رَفَوْت الرَّجُلَ إذَا سَكَّنْتَهُ انْتَهَى مِنْ الشُّمُنِّيِّ عَلَى حَاشِيَةِ الْمُغْنِي وَنَصَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وَقَدْ رَفَأْت الثَّوْبَ أَرْفَؤُهُ رَفْئًا وَقَوْلُهُمْ بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ بِالِالْتِئَامِ وَالِاجْتِمَاعِ وَأَصْلُهُ الْهَمْزَةُ وَإِنْ شِئْت كَانَ مَعْنَاهُ بِالسُّكُونِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فَيَكُونُ أَصْلُهُ غَيْرَ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ: رَفَوْت الرَّجُلَ إذَا سَكَّنْتُهُ قَالَ الْهُذَلِيُّ رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ ... فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمْ هُمْ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَتَهْنِئَةُ عَرُوسٍ عِنْدَ عَقْدٍ وَدُخُولٍ انْتَهَى وَالْعَرُوسُ نَعْتٌ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَكَذَا قَالَهُ فِي الْكَبِيرِ وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ: بَارَكَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْكُمَا فِي صَاحِبِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ ابْتَنَى بِزَوْجَتِهِ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تُصَلِّيَ خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهَا وَيَدْعُو بِالْبَرَكَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ وَيَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فِي صَاحِبِهِ وَيَقُولَ مَا رَوَيْنَاهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً، أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» انْتَهَى ص (وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْوَلِيِّ) ش: ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَشَهَادَةُ غَيْرِ الْعُدُولِ فِيهِ كَالْعَدَمِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ نَكَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ؛ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا أَشْهَدَا الْآنَ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ انْتَهَى. قَالَ

تنبيهات الأول توكيل المرأة الثيب من يعقد نكاحها

أَبُو الْحَسَنِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَلْقَةٍ وَيُحَدُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَمُقْتَضَى الْآيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ رِوَايَةً كَانَ، أَوْ شَهَادَةً وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمُتَأَوَّلِ مَا خَلَا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ حُكْمِهِ بِصِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ الْوَاقِعِ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ فَعَزَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْقَوَانِينِ وَيُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَا يَقْتَضِي الرَّدَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ وَفِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ فِيمَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا آخَرُ بِبَيِّنَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ وَدَخَلَ بِهَا وَأَقَامَ شُهُورًا قَلِيلَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ؟ فَأَجَابَ: لَا تَبْقَى مَعَ زَوْجِهَا وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِهَذَا النِّكَاحِ إذَا كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ وَلَوْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَقْدَ النِّكَاحِ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ فِي هَذَا قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَشَاهِدَيْنِ وَشَرْطُهُمَا أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا الْعُدُولَ وَإِلَّا اسْتَكْثَرُوا الشُّهُودَ مِثْلَ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ انْتَهَى [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ تَوْكِيلِ الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ السُّيُورِيِّ: لَا يَشْهَدُ فِي النِّكَاحِ إلَّا الْعُدُولُ فِي الْوِكَالَةِ يَعْنِي فِي تَوْكِيلِ الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا وَفِي الْعَقْدِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ مَا ذَكَرَ يَعْنِي مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ عَلَيْهَا فِي الْوِكَالَةِ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلِمَ مِنْهَا الرِّضَا وَالدُّخُولَ بَعْدَ عِلْمِهَا مَضَى النِّكَاحُ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَنَحْنُ نَشْتَرِطُ فِي جَوَازِ الدُّخُولِ تَقَدُّمَ الْإِشْهَادِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَوْ دَخَلَ قَبْلَ أَنْ يُشْهِدَ؛ حُدَّ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ وَفِيهِ أَنَّهُ نِكَاحُ السِّرِّ، ثُمَّ إنَّا نُجَوِّزُ شَهَادَةَ الْمُسْتَأْمَرِ عَلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ. [التَّنْبِيه الثَّانِي شَهَادَةُ الْخَاطِبَيْنِ فِي النِّكَاح] (الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي الطِّرَازِ شَهَادَةُ الْخَاطِبَيْنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ، وَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا أَخَذَا عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فَإِنْ لَمْ يَأْخُذَا أَجْرًا؛ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ لِأَنْفُسِهِمَا شَيْئًا وَكَانَتْ الْفُتْيَا تَجْرِي عَلَى هَذَا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: شَهَادَةُ الشَّاهِدِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ الَّذِي كَانَ خَاطِبًا فِيهِ جَائِزَةٌ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ أَوْجُهِ التُّهْمَةِ الْقَادِحَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَأَعْرِفُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُشْرِفِ لِمَنْ لَهُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ؛ إذْ لَيْسَ بِيَدِهِ قَبْضٌ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ مُطْلَقُ النَّظَرِ انْتَهَى. [التَّنْبِيه الثَّالِثُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ] (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَمَّنْ زَوَّجَ أُخْتَهُ الْبِكْرَ بِإِذْنِ وَصِيِّهَا هَلْ يَتِمُّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْوَصِيِّ لِعَدَالَتِهِ؟ فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ؛ إذْ هُوَ الْمُنْكِحُ انْتَهَى. [التَّنْبِيه الرَّابِعُ أَخَذَ الْأُجْرَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاح] (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ عَلَى مَنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ فَعَلَيْهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُمَا، وَلَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاتِّفَاقٍ وَلَكِنْ جَرَى الْعَمَلُ بِذَلِكَ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوا ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ لِكَاتِبِ الْوَثِيقَةِ مَعْلُومٌ وَالشَّاهِدِ مَعْلُومٌ وَلَا يَعْمَلُ إلَّا وَضْعَ شَهَادَتِهِ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أُجْرَةَ الْوَثِيقَةِ عَلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ فَيُقْضَى بِهِ، قَالَ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ: وَأَمَّا الْأُجْرَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَيَا عَجَبًا لِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ أَيْنَ لَهُ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ، أَوْ سُنَّةٌ؟ انْتَهَى ص (وَفُسِخَ إنْ دَخَلَ بِلَا هُوَ) ش: مَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ دَخَلَا بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَا يُفْسَخُ وَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدًا إلَى الِاسْتِسْرَارِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْإِشْهَادُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ وَيُشْهِدَانِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدًا إلَى الِاسْتِسْرَارِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَا عَلَيْهِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ وَيُؤْمَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ فَإِنْ دَخَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِطَلْقَةٍ لِإِقْرَارِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَحُدَّا إنْ أَقَرَّا بِالْوَطْءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ فَاشِيًا، أَوْ يَكُونَ عَلَى الْعَقْدِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَيُدْرَأُ الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى. وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْوَجْهَيْنِ: النِّكَاحُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ، وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لِإِقْرَارِهِمَا بِالنِّكَاحِ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ وَتَكُونُ بَائِنَةً كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ مِنْ الطَّلَاقِ الْحُكْمِيِّ وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ بَائِنٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَوْلَى وَالْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يُعْقَدُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَيُحَدَّانِ إنْ أَقَرَّا بِالْوَطْءِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُسْتَفْتِيَيْنِ، أَوْ فَشَا نِكَاحُهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى الْفُشُوِّ وَعَدَمِهِ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَهُمَا بِالنِّكَاحِ، أَوْ بِابْتِنَائِهِمَا بِاسْمِ النِّكَاحِ وَذِكْرُهُ وَاشْتِهَارُهُ كَالْأَمْرِ الْفَاشِي انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) شَهَادَةُ الْوَلِيِّ لَا تَدْرَأُ الْحَدَّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَاقِدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وُجِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي بَيْتٍ فَشَهِدَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا بِعَقْدِهَا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهُ وَيُعَاقَبَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ: وَإِنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ حُدَّا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَطْءُ لَا بِالْإِقْرَارِ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَكِنْ حَصَلَتْ الْخَلْوَةُ أَنَّهُمَا يُعَاقَبَانِ وَكَذَا لَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِالْوَطْءِ وَأَنْكَرَ الثَّانِي فَيُحَدُّ الْمُعْتَرِفُ، وَيُعَاقَبُ الْآخَرُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: يَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ الْهَارِبَيْنِ يُعَاقَبَانِ وَإِنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ حُدَّا وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْخَلْوَةِ مَنْ يَكُونُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَارٌ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَفْذَاذِ فِي النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ عِيَاضٌ: الْأَفْذَاذُ الْمُتَفَرِّقُونَ وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الشُّهُودُ عَلَى شَهَادَةِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ وَالْوَلِيِّ إذَا عَقَدُوا النِّكَاحَ وَتَفَرَّقُوا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَشْهِدْ مَنْ لَقِيتَ أَبُو الْحَسَنِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا شَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الْوَلِيِّ وَشَاهِدَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَفِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى الْمُنْكِحِ وَشَاهِدَانِ عَلَى النَّاكِحِ، وَأَمَّا إنْ أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَيْسَتْ بِأَفْذَاذٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِكْرَ بِلَا وَلِيٍّ مُجْبِرٍ مِثْلُ الثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي وَثَائِقِهِ: شَهَادَةُ الْأَفْذَاذِ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا إذَا أَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ نَصِّ مَا شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى شَهَادَتِهِمْ وَاحِدًا حَتَّى يَتَّفِقَ شَاهِدَانِ عَلَى نَصٍّ وَاحِدٍ انْتَهَى وَسَمَّاهَا ابْنُ فَرْحُونٍ شَهَادَةَ الْأَبْدَادِ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ فِي غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَبْدَادُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُمْ الْمُتَفَرِّقُونَ وَاحِدُهُمْ بُدٌّ مِنْ التَّبَدُّدِ لِتَفَرُّقِ الشُّهُودِ انْتَهَى كَلَامُهُ. ص (وَلَا حَدَّ إنْ فَشَا وَلَوْ عُلِمَ) ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ يَعْنِي لَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ انْتَهَى وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ صُورَتَانِ بِالْمَنْطُوقِ وَهُمَا الْفُشُوُّ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا صُورَتَانِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ وَهُمَا عَدَمُ الْفُشُوِّ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْحَدُّ فِي الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَائِلِينَ: الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ كَالْفُشُوِّ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَأَمَّا إنْ جَاءَا مُسْتَفْتِيَيْنِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَرُمَ خِطْبَةُ رَاكِنَةٍ لِغَيْرِ فَاسِقٍ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَاشْتِرَاطُ الرُّكُونِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ خِطْبَةَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لِأُسَامَةَ وَقَدْ كَانَتْ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَمِنْ الْعَادَةِ أَنَّهُمَا لَا يَخْطُبَانِ دَفْعَةً دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ وَالرُّكُونُ ظُهُورُ الرِّضَا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق الرُّكُونُ التَّفَاوُتُ بِوَجْهٍ يُفْهَمُ مِنْهُ إذْعَانُ كُلِّ وَاحِدٍ لِشَرْطِ صَاحِبِهِ وَإِرَادَةُ

عَقْدِهِ وَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ صَدَاقٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ لِابْنِ نَافِعٍ وَبِاشْتِرَاطِ تَقْدِيرِ الصَّدَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ " لِغَيْرِ فَاسِقٍ " يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاكِنَةَ لِلْفَاسِقِ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إذَا رَكَنَتْ لِلْفَاسِقِ جَازَ لِلصَّالِحِ أَنْ يَخْطُبَهَا وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الثَّانِي مَجْهُولَ الْحَالِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالصَّالِحِ مَنْ لَيْسَ بِفَاسِقٍ وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ الْفَاسِقِ الْمَسْخُوطِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ يَخْطُبُ الْمَرْأَةَ فَتَرْضَى بِتَزْوِيجِهِ وَيُسَمُّونَ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْفَرَاغُ فَيَأْتِي مَنْ هُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ وَأَرْضَى وَسَأَلَ الْخِطْبَةَ فَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْفَاسِقِ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَجْهُولَ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّنْ هُوَ مَعْلُومٌ بِالْفِسْقِ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلِلْمَرْأَةِ وَلِمَنْ قَامَ لَهَا فَسْخُ نِكَاحِ الْفَاسِقِ انْتَهَى. (الثَّانِي) لَا يَجُوزُ خِطْبَةُ الذِّمِّيَّةِ الرَّاكِنَةِ لِذِمِّيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْجُزُولِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْأَخُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الذِّمِّيِّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: ذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ: وَفِي قَوْلِهِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا وَلَا تَضْيِيقَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى. وَلَا يُقَالُ: هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِقِ مَنْ لَمْ يُقِرَّهُ الشَّارِعُ عَلَى فِسْقِهِ، وَالشَّارِعُ أَقَرَّ الذِّمِّيَّ عَلَى كُفْرِهِ وَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ كَانَتْ عَلَى كُفْرِهِ وَالْفَاسِقُ لَا يُقَرُّ عَلَى فِسْقِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ، وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ رُكُونُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ أُمِّهَا وَغَيْرِهَا كَرُكُونِهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا الرَّدُّ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ رُكُونُ الْمَرْأَةِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا لِخَاطِبٍ مَانِعٌ مِنْ خِطْبَةِ غَيْرِهِ إيَّاهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَخْطُبُ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَتَقْيِيدُ الْبِسَاطِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا الرَّدُّ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) مَنْ خَطَبَتْهُ امْرَأَةٌ وَرَكَنَتْ إلَيْهِ فَهَلْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا؟ لِلْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ وَاسْتَظْهَرُوا الْمَنْعَ وَفِي الْإِكْمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَالَ فِي حَدِيثِ «الْمَرْأَةِ الَّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا» وَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ مَا لَمْ يَتَرَاكَنَا لَا سِيَّمَا مَا رَأَى مِنْ زُهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا قَالَ الْبَاجِيُّ: فِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِاسْتِئْذَانِ النَّاكِحِ؛ إذْ هُوَ حَقُّهُ عِيَاضٌ وَعِنْدِي أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا كُلِّهِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خِطْبَةٌ إلَّا مِنْ الْمَرْأَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهَا، وَالرَّجُلُ إنَّمَا طَلَبَ الْمَرْأَةَ وَخَطَبَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَخْطُبْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ حَتَّى يُقَالَ هِيَ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةٍ انْتَهَى. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَطَبَتْ رَجُلًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْأَوَّلِ خِطْبَةٌ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسُ) هَلْ لِمَنْ رَكَنَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَانْقَطَعَ عَنْهَا الْخُطَّابُ لِرُكُونِهَا إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهَا، أَوْ يُكْرَهُ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَةَ إنَّمَا كُرِهَتْ فِي الْعِدَّةِ قَالُوا: خَوْفَ اخْتِلَافِ الْوَعْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَرْعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ: أَكْرَهُ إذَا بَعَثَ رَجُلٌ رَجُلًا يَخْطُبُ امْرَأَةً أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّسُولُ لِنَفْسِهِ وَأَرَاهَا خِيَانَةً وَلَمْ أَرَ أَحَدًا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَخِطْبَةُ رَجُلٍ عَلَى خِطْبَةِ آخَرَ قَبْلَ مُرَاكَنَةِ الْمَخْطُوبِ إلَيْهِ جَائِزَةٌ ابْنُ رُشْدٍ

وَلَوْ اتَّخَذَ الْخَاطِبُ بِخِطْبَتِهِ لِغَيْرِهِ أَوَّلًا وَلِنَفْسِهِ ثَانِيًا وَفَعَلَهُ عُمَرُ أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ طَلَبَ جَرِيرٌ الْبَجَلِيُّ عُمَرَ أَنْ يَخْطُبَ لَهُ امْرَأَةً مِنْ دَوْسٍ ثُمَّ طَلَبَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا عُمَرُ فَأَخْبَرَهَا بِهِمْ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، ثُمَّ خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ فَقَالَتْ: أَهَازِئٌ أَمْ جَادٌّ؟ فَقَالَ: بَلْ جَادٌّ فَنَكَحَتْهُ وَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ قَالَ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ: أَكْرَهُ لِمَنْ بُعِثَ خَاطِبًا أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ وَأَرَاهَا خِيَانَةً وَمَا سَمِعْت فِيهَا رُخْصَةً. (قُلْت) هَذَا إذَا خَصَّ نَفْسَهُ بِالْخِطْبَةِ لِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: يُبَاحُ النَّظَرُ لِإِرَادَةِ النِّكَاحِ وَخِطْبَةِ جَمَاعَةٍ امْرَأَةً، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ يَعْنِي يَجُوزُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَمُتَرَاسِلِينَ وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ؛ إذْ خَطَبَ لِجَمَاعَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ فَذَكَرَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ نَفْسَهُ فَزَوَّجُوهُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَإِذَا أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَخْطُبَ لَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ وَيُعْلِمَهُ بِالْبَاعِثِ لَهُ أَوَّلًا وَفَعَلَهُ عُمَرُ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لَذَكَرْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ جَمَاعَةٌ امْرَأَةً مُجْتَمِعِينَ، أَوْ مُفْتَرِقِينَ مَا لَمْ تُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْهُمْ، أَوْ تَسْكُنْ إلَيْهِ فَإِذَا وَافَقَتْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَسَكَنَتْ إلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حَتَّى يَعْدِلَ الْأَوَّلُ عَنْهَا وَيَتْرُكَهَا فَإِنْ خَطَبَهَا عَلَى خِطْبَتِهِ وَعَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ فُسِخَ نِكَاحُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا عِدَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ حُكْمُ الرَّسُولِ الْخَاطِبِ حُكْمُ الِاثْنَيْنِ فَإِذَا رَكَنَتْ لِمُرْسِلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا جَازَ انْتَهَى (السَّابِعُ) إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ فَهِيَ لَهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ فَيَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ؛ قَالَ اللَّخْمِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ فَهِيَ زَوْجَةٌ لِلْوَكِيلِ وَلَا مَقَالَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا غَرَضٌ فِيمَنْ تَتَزَوَّجُهُ فَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِمَنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ وَلَوْ وُكِّلَ رَجُلٌ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَفَعَلَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ الزَّوْجُ وَأَشْهَدَ فِي الْبَاطِنِ أَنَّ الْعَقْدَ لِلْآمِرِ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لِلْوَكِيلِ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلْآمِرِ، أَوْ تَفْسَخَ النِّكَاحَ انْتَهَى. ص (وَفُسِخَ إنْ لَمْ يَبْنِ) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي عَالِمًا بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَالْفَسْخُ بِطَلَاقٍ وَسَوَاءٌ قَامَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ بِحَقِّهِ، أَوْ تَرَكَهُ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ أَيْضًا: وَحَيْثُ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ وَإِنْ فَسَخَ انْتَهَى كَلَامُهُ. (تَنْبِيهٌ) صَحَّحَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَفْسَخُ وَنَصُّهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسَخُ لَكِنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى اسْتَغْفَرَ اللَّهَ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ فِي الْجَلَّابِ عَلَى أَنَّهُ يَفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ وَعَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ فَسْخُ نِكَاحِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا عِدَّةَ انْتَهَى. ص (وَصَرِيحُ خِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ وَمُوَاعَدَتُهَا) ش: أَيْ وَحَرُمَ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَمُوَاعَدَتُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّتُهَا مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَصَرِيحُ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ حَرَامٌ أَبُو عُمَرَ: إجْمَاعًا وَحَرُمَ مُوَاعَدَتُهَا، وَالتَّصْرِيحُ التَّنْصِيصُ. وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ جَوَازَ التَّعْرِيضِ وَمَا يُضْمَرُ فِي

النَّفْسِ وَالْمَنْعَ مِنْ الْمُوَاعَدَةِ وَالنِّكَاحِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ " سِرًّا " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَسُفْيَانُ لَا يَأْخُذُ مِيثَاقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: السِّرُّ الزِّنَا اللَّخْمِيُّ: وَلَيْسَ بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ فِي الْعِدَّةِ وَفِي غَيْرِهَا وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ التَّعْرِيضِ، وَالْمُوَاعَدَةُ أَنْ يَعِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَهِيَ مُفَاعَلَةٌ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ وَعَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَهَذِهِ الْعِدَةُ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُوَاعَدَةِ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْكَرَاهَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُوَاعَدَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: تُكْرَهُ فِي الْعِدَّةِ ابْتِدَاءً إجْمَاعًا ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تَجُوزُ وَظَاهِرُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ: النِّكَاحُ وَالْمُوَاعَدَةُ فِي الْعِدَّةِ مَمْنُوعَانِ حُرْمَتُهَا وَرِوَايَتُهَا الْكَرَاهَةُ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ جَعْلَ اللَّخْمِيُّ النِّكَاحَ وَالْمُوَاعَدَةَ مَمْنُوعَيْنِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمُوَاعَدَةِ فِي الْعِدَّةِ، وَرِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْمَنْعِ. ص (كَوَلِيِّهَا) ش: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمُجْبِرِ لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ: وَمُوَاعَدَتُهَا كَوَلِيِّهَا إنْ كَانَ مُجْبِرًا وَإِلَّا كُرِهَ وَبِذَلِكَ قَطَعَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: وَإِنْ وَاعَدَ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَهِيَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا فَهُوَ وَعْدٌ لَا مُوَاعَدَةٌ فَلَا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَا يَقَعُ بِهِ تَحْرِيمٌ إجْمَاعًا، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ مُوَاعَدَةَ الْمُجْبِرِ وَغَيْرِهِ مَمْنُوعَةٌ كَظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاعِدَ وَلِيُّهَا دُونَ عِلْمِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَمْلِكُ أَمْرَهَا وَفِي تَعْلِيقَةِ أَبِي حَفْصٍ مُوَاعَدَةَ الْوَلِيِّ الَّذِي يُكْرِهُهَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَرِهَتْ، لَيْسَ الَّذِي لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا وَلِابْنِ رُشْدٍ: إنْ وَاعَدَ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَهِيَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا؛ فَهُوَ وَعْدٌ لَا مُوَاعَدَةٌ فَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَلَا يَقَعُ بِهِ تَحْرِيمٌ إجْمَاعًا وَفِيهَا كَرِهَ مَالِكٌ مُوَاعَدَةَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي تَزْوِيجِ وَلِيَّتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ فَظَاهِرُهَا كَابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ: وَمُوَاعَدَةُ الْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ كَمُوَاعَدَةِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا وَلِيٌّ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهَا فَمَكْرُوهٌ وَلَمْ أَفْسَخْهُ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ مُوَاعَدَةَ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ كَمُوَاعَدَةِ الْمَرْأَةِ، وَفِي مُوَاعَدَةِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ ظَاهِرِهَا عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالْجَوَازُ لِأَبِي حَفْصٍ وَالْكَرَاهَةُ لِابْنِ الْمَوَّازِ مَعَ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ زِنًا) ش: لَوْ قَالَ: وَإِنْ مِنْ زِنًا لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ أَنْوَاعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ الزَّانِيَ بِهَا، أَوْ زَنَى بِهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ الزِّنَا وَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فُسِخَ النِّكَاحُ قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً كَانَ زَنَى بِهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَالنِّكَاحُ يُفْسَخُ أَبَدًا وَلَيْسَ فِيهِ طَلَاقٌ وَلَا مِيرَاثٌ وَلَا دِيَةُ وَفَاةٍ وَالْوَلَدُ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا حَقَّ فِيمَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ حَيْضَةٍ إنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ نَكَحَهَا وَمَا كَانَ قَبْلَ حَيْضَةٍ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا لَا يُلْحَقُ بِهِ انْتَهَى. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) هَلْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ زِنَا غَيْرِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِالتَّأْبِيدِ لِمَالِكٍ وَبِهِ أَخَذَ مُطَرِّفٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّأْبِيدِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ زِنًا فَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَنَصُّ مَا فِي الْأَجْوِبَةِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، ثُمَّ إنَّهُمَا تَنَاكَحَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ الْمَاءِ الْفَاسِدِ وَتَوَالَدَا أَوْلَادًا، ثُمَّ إنَّهُمَا تَفَرَّقَا بِطَلَاقٍ وَتَرَاجَعَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ تَفَارَقَا ثَانِيَةً بِطَلَاقٍ ثَانٍ، ثُمَّ اتَّهَمَا أَنْفُسَهُمَا

وَأَنْكَرَا فِعْلَهُمَا وَسَأَلَا عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الْفَتْوَى فَأَفْتَوْهُمَا بِفَسَادِ أَفْعَالِهِمَا وَأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَأَنَّ أَوْلَادَهُمَا لِغَيْرِ رِشْدَةٍ، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ زَوْجَ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ مَاتَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ؛ فَلَمْ يَرِثْ الْأَوْلَادُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَأُخِذَتْ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ وَفُرِّقَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَفْتِنَا وَفَّقَك اللَّهُ فِي فِعْلِهِمَا أَوَّلًا مِنْ زَوَاجِهِمَا بَعْدَ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَفِي طَلَاقِهِمَا وَارْتِجَاعِهِمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَى آخِرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِمَا وَفِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْوَالِدِ هَلْ يَجِبُ لَهُمْ مِيرَاثٌ أَمْ لَا يَجِبُ؟ بَيِّنْ لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ لَهُمْ الْمِيرَاثُ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُفْتَيَيْنِ ضَمَانُ مَا تَصَدَّقُوا بِهِ أَمْ لَا؟ وَهَذَانِ الزَّوْجَانِ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا كَالْحُكْمِ عَلَى الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ لَا يَتَرَاجَعَانِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ أَمْ يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا وَاحِدًا؟ بَيِّنْ لَنَا ذَلِكَ أَيْضًا. فَأَجَابَ: تَصَفَّحْت السُّؤَالَ وَوَقَفْت عَلَيْهِ وَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ الَّذِي وَقَعَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الزِّنَا فَاسِدٌ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ طَلَاقٌ فَتَكُونُ مُفَارَقَتُهُ إيَّاهَا فِيهِ بِطَلَاقٍ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَالنِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحٌ يَلْحَقُهُ فِيهِ الطَّلَاقُ فَإِنْ كَانَ وَقَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ وَالْمِيرَاثِ إنْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي طَلَّقَهَا بَائِنًا، وَأَمَّا الْأَوْلَادُ فَلَاحِقُونَ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَجِبُ لَهُمْ الْمِيرَاثُ مِنْهُ وَيَلْزَمُ مَنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ ضَمَانُهُ، وَأَمَّا الْمُفْتُونَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الْغُرُورِ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى مَنْ اسْتَفْتَاهُمْ وَتَسَوَّرَ عَلَى مِيرَاثِهِمْ بِفَتْوَاهُمْ فَتَصَدَّقَ بِهِ دُونَ ثَبْتٍ وَلَا أَمْرٍ وَاجِبٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ: يُرِيدُ الشَّيْخُ: النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحٌ إذَا كَانَ بَعْدَ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الزِّنَا وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لِعَقْدِهِ يَفْتَقِرُ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَالزِّنَا وَكَذَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَكَذَا رَأَيْتُ لِابْنِ الْحَاجِّ قَالَ: أَجَابَ مُحَمَّدٌ بْنُ أَصْبَغَ إنْ كَانَتْ مُرَاجَعَتُهُ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ؛ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلْيُفَارِقْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، ثُمَّ يَنْكِحْهَا بَعْدَ ذَلِكَ نِكَاحًا صَحِيحًا إنْ أَحَبَّا وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْحَاجِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِكُلِّ حَالٍ مَعْنَاهُ: إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَقْدِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَأَكْثَرَ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَلَا مِيرَاثَ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّنَا إلَّا عَلَى طَرِيقَةِ الدَّاوُدِيِّ إذَا صَانَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ انْتَهَى، ثُمَّ نَقَلَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ الْكُرَّاسِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَيَتَخَرَّجُ فِي تَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إذَا طَرَأَ النِّكَاحُ عَلَى الْمَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ انْتَهَى فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ زِنَاهُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَبْتُوتَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فِيمَنْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ الرَّجْعِيَّةَ فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَنْوِ الرَّجْعَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَلَا تَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ إلَّا فِي بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى فَلَا يَتَزَوَّجُهَا هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الِاسْتِبْرَاءُ فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ نِكَاحُهُ وَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا كَمَا أُحَرِّمُهَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّتُهُ وَلَيْسَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي مَائِهِ سَوَاءً، وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصِيبِ فِي الْعِدَّةِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ: هَلْ التَّحْرِيمُ لِتَعْجِيلِ النِّكَاحِ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَجَلَهُ، أَوْ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ؟ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى اخْتَلَفُوا فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ فِي عِدَّتِهَا انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ: وَعَلَى إلْغَاءِ وَطْئِهِ دُونَ نِيَّةٍ رَوَى مُحَمَّدٌ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ وَلَا يَطَؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ

تنبيهات خطب في العدة ثم تزوجها بعدها

بِثَلَاثِ حِيَضٍ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَبَنَى بِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَفِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْأَبَدِ قَوْلَانِ عَلَى كَوْنِ تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ لِمُجَرَّدِ تَعْجِيلِ النِّكَاحِ قَبْلَ بُلُوغِ أَجَلِهِ أَوْلَهُ مَعَ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ انْتَهَى وَهُوَ أَوْفَى مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَنْ زَنَتْ زَوْجَتُهُ فَوَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ الْمَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِي ذَلِكَ الْمَاءِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَنْعِ وَطْئِهَا وَكَرَاهَتِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ: وَلَا يَطَأُ الزَّوْجُ وَلَا يَعْقِدُ اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي إثْرَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً كَانَ زَنَى بِهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ. ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتُوبَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَالصَّوَابُ عِنْدِي حَمْلُ لَا بَأْسَ لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ انْتَهَى ص (وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا بِوَطْءٍ وَإِنْ بِشُبْهَةٍ وَلَوْ بَعْدَهَا) ش: يَعْنِي وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ إذَا وَطِئَهَا فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ بَعْدَهَا، أَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ أَيْضًا؛ فَلَا إشْكَالَ فِي الْحُرْمَةِ، وَأَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ وَوَطِئَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي تَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا قَوْلَيْنِ قَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ: وَمَنْ نَكَحَ فِي الْعِدَّةِ وَبَنَى بَعْدَهَا فُسِخَ نِكَاحُهُ وَكَانَ كَالْمُصِيبِ فِيهَا وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا إلَّا الْوَطْءُ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ هَذَا النِّكَاحُ وَمَا هُوَ بِالْحَرَامِ الْبَيِّنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْكَافِي وَقَوْلُ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ، وَإِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بَعْدَهَا وَالْفُرْقَةُ فِي النِّكَاحِ الْوَاقِعِ فِي الْعِدَّةِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْجَلَّابِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بِشُبْهَةٍ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا بَيْنَ أَنْ يَطَأَهَا بِعَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ بِشُبْهَةٍ بِأَنْ يَطَأَهَا فِي عِدَّتِهَا غَالِطًا فِيهَا يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ. [تَنْبِيهَاتٌ خَطَبَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهَا] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا خَطَبَ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ وَعَدَ فِيهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ وَوَطِئَهَا فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحَمَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَط كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا وَهُوَ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ. [كَانَ الزَّوْجُ النَّاكِحُ فِي الْعِدَّةِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ] (الثَّانِي) إنْ كَانَ الزَّوْجُ النَّاكِحُ فِي الْعِدَّةِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ وَالْحَدُّ سَاقِطٌ عَنْهُ وَقِيلَ: إنَّهُ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا. (الثَّالِثُ) هَذَا التَّحْرِيمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَمِنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: هُوَ نَاكِحٌ فِي عِدَّةٍ قَالَ مَالِكٌ وَلِلْأَوَّلِ الرَّجْعَةُ قَبْلَ فَسْخِ نِكَاحِ الثَّانِي وَبَعْدَهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا لَا تَحْرُمُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. [وَطْءَ الصَّبِيِّ لِلْمُعْتَدَّةِ] (الرَّابِعُ) اُنْظُرْ وَطْءَ الصَّبِيِّ هَلْ هُوَ كَوَطْءِ الْبَالِغِ أَمْ لَا يَتَأَبَّدُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِحْصَانِ وَالْإِحْلَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا آخَرُ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ] (الْخَامِسُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا آخَرُ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ قَبْلَ بِنَاءِ الْأَوَّلِ بِهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَزَوَّجَ شَخْصٌ امْرَأَةً ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ] (السَّادِسُ) إذَا تَزَوَّجَ شَخْصٌ امْرَأَةً، ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَاعْتَرَفَتْ قَبْلَ الزَّوَاجِ أَنَّهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ فَسْخَ النِّكَاحِ وَمَا سَبَقَ دَلِيلُ كَذِبِهَا فِي دَعْوَاهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ فِي دَعْوَاهَا فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَسْخَ النِّكَاحِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: لَوْ قَالَ نُزَوِّجُهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا وَقَالَتْ فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ انْتَهَى. [فَرْعٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَّقَهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ ثُمَّ اسْتَرَابَ فِي أَنَّهُ نَكَحَهَا قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ

وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَّقَهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ، ثُمَّ اسْتَرَابَ فِي أَنَّهُ نَكَحَهَا قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا فَمَا زَالَ يَسْأَلُهَا حَتَّى اعْتَرَفَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ حُذِّرَتْ وَخُوِّفَتْ فِي أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ خَطَبَهَا فِيهَا فَلَمَّا ثَبَتَ اعْتِرَافُهَا بِتَكَرُّرِ سُؤَالِهِ إيَّاهَا اعْتَزَلَهَا وَشَاوَرَ الْعُلَمَاءَ فَأَفْتَوْهُ بِطَلَاقِهَا وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَدْلَانِ وَعَلَى اعْتِرَافِهَا بِذَلِكَ وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ تَزْوِيجِهَا إيَّاهُ اعْتَرَفَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِامْرَأَةٍ سَأَلَتْهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَامَ الزَّوْجُ الْآنَ يَطْلُبُ الصَّدَاقَ وَقَدْ قَامَتْ لَهُ شَهَادَةُ نِسَاءٍ أَنَّهُنَّ عَرَّفْنَهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْعِدَّةِ وَأَنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجَهَالَةِ بِالْحُكْمِ؟ جَوَابُهَا إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا حُذِّرَتْ أُعْلِمَتْ أَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَاعْتَقَدَتْ أَنَّ الْعِدَّةَ أَقَلُّ فَأَرَى أَنْ تَحْلِفَ مَا عَلِمَتْ أَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَلَا تَزَوَّجَتْ إلَّا وَهِيَ تَظُنُّ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَضَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ نَكَلَتْ رَدَّتْهُ إلَّا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى وَانْظُرْ أَوَاخِرَ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَبِمُقَدِّمَتِهِ فِيهَا) ش: أَيْ وَيَحْرُمُ أَيْضًا إنْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، ثُمَّ فَعَلَ بِهَا شَيْئًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ أُرْخِيَتْ السُّتُورُ، ثُمَّ تَقَارَرَا أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَأَرْخَى عَلَيْهَا السِّتْرَ، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَتَنَاكَرَا الْمَسِيسَ جَمِيعًا فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَهِيَ تَحْرُمُ بِالْخَلْوَةِ لِلْأَبَدِ انْتَهَى. وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيهَا مِمَّا إذَا عَقَدَ فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، ثُمَّ قَبَّلَهَا، أَوْ بَاشَرَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ، بَلْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ حَكَى رِوَايَةً أَنَّهَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَكَيْفَ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالِاتِّفَاقِ مَا عَدَا هَذَا الْقَوْلَ. ص (كَعَكْسِهِ) ش: أَيْ عَكْسِ الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ فِي اسْتِبْرَائِهَا مِنْ السَّيِّدِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ، أَوْ بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فِي الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا، أَوْ يُعْتِقُهَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ غَصْبٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ مِنْ بَيْعٍ فِي الْإِمَاءِ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مَوْتٍ، أَوْ عِتْقِ الْحُرِّ وَقَدْ وَطِئَ الْبَائِعُ، أَوْ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمَيِّتُ، أَوْ الْمُعْتِقُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطَأْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مُتَزَوِّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لَيْسَ مُتَزَوِّجًا فِي الْعِدَّةِ انْتَهَى. ص (، أَوْ بِمِلْكٍ عَنْ مِلْكٍ) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ بِاتِّفَاقٍ فَالْوَطْءُ بِمِلْكٍ، أَوْ بِشُبْهَةِ مِلْكٍ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ خَاصَّةً، أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ كَعِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا، أَوْ يُعْتِقُهَا كَانَ اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ غَصْبٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ انْتَهَى ص (أَوْ مَبْتُوتَةٍ قَبْلَ زَوْجٍ) ش:

ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ زِنًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ: الْمَشْهُورَ عَدَمُ التَّأْبِيدِ وَمِثْلُ الْمَبْتُوتَةِ مَنْ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً تَزْوِيجًا حَرَامًا لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فَيَفْسَخُ نِكَاحَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيُرِيدُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُحَدُّ مَنْ يَتَزَوَّجُ امْرَأَتَهُ الْمَبْتُوتَةَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ قَالَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً، أَوْ امْرَأَةً طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَوْ النَّسَبِ، أَوْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدِ؛ إذْ لَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَثُبُوتُ النَّسَبِ قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ انْتَهَى. ص (وَجَازَ تَعْرِيضٌ كَفِيكِ رَاغِبٌ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّعْرِيضُ ضِدُّ التَّصْرِيحِ مَأْخُوذٌ مِنْ عَرْضِ الشَّيْءِ وَهُوَ جَانِبُهُ وَهُوَ أَنْ يُضَمِّنَ كَلَامَهُ مَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ إشْعَارَهُ بِالْمَقْصُودِ أَتَمُّ وَيُسَمَّى تَلْوِيحًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ أَنَّ التَّعْرِيضَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْكِنَايَةَ هِيَ التَّعْبِيرُ عَنْ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ كَقَوْلِنَا فِي كَرَمِ الشَّخْصِ: هُوَ طَوِيلُ النِّجَادِ كَثِيرُ الرَّمَادِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَالتَّعْرِيضُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِيَلُوحَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَبَدًا انْتَهَى. النِّجَادُ حَمَائِلُ السَّيْفِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ التَّعْرِيضِ فِي كُلِّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، أَوْ طَلَاقٍ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَمَنَعَ مِنْهُ فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَعِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ انْتَهَى، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (قُلْت) وَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَنَصُّهُ: لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا كَالزَّوْجَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ الْبَيْنُونَةِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ: إنَّمَا يُعَرِّضُ بِالْخِطْبَةِ لِيُفْهَمَ مُرَادُهُ لَا لِيُجَابَ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: يَجُوزُ التَّعْرِيضُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ مَعًا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا يُعَرِّضُ الْمُعَرِّضُ لِيُفْهَمَ مُرَادُهُ لَا لِيُجَابَ وَلَوْ جَاوَبَتْهُ بِتَعْرِيضٍ يَفْهَمْ مِنْهُ الْإِجَابَةَ؛ كُرِهَ ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي بَابِ الْمُوَاعَدَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْمُعْتَدَّةِ بِمَا هُوَ نَصٌّ فِي تَزْوِيجِهَا وَتَنْبِيهٌ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا بِمَا هُوَ رَفَثٌ، أَوْ ذِكْرُ جِمَاعٍ، أَوْ تَحْرِيضٌ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَجَوَّزْنَا مَا عَدَا ذَلِكَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَمْدَحَ نَفْسَهُ وَيَذْكُرَ مَآثِرَهُ، وَمِنْ أَعْظَمِ التَّعْرِيضِ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ كُونِي عِنْدَ أُمِّ شَرِيكٍ وَلَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ» انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ جَوَازِ التَّعْرِيضِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يُشِيرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِقَوْلِهِ فِيهَا: الَّذِي يَجُوزُ هُوَ التَّعْرِيضُ بِالْعِدَةِ، أَوْ الْمُوَاعَدَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا وَتَقُولَ لَهُ، أَوْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: إنْ يُقَدِّرْ اللَّهُ أَمْرًا يَكُنْ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَتَزَوَّجَكِ وَإِنِّي فِيكِ لَمُحِبٌّ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَفِيكِ رَاغِبٌ؛ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَكَذَا قَوْلُهُ إنَّ النِّسَاءَ مِنْ شَأْنِي وَإِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، وَإِنْ يُقَدِّرْ اللَّهُ خَيْرًا يَكُنْ انْتَهَى. ص (وَالْإِهْدَاءُ) ش: قَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَجَائِزٌ أَنْ يُهْدِيَ لَهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَالْهَدِيَّةُ هُنَا بِخِلَافِ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا كَالْمُوَاعَدَةِ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهَدِيَّةِ التَّعْرِيضُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنْ أَنْفَقَ، أَوْ أَهْدَى، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ. (تَنْبِيهٌ) عَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَاللَّخْمِيِّ مَعَ أَنَّهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا

فرع تزوج امرأة فأخرج دينارا فقال اشتروا به طعاما

تَقَدَّمَ وَعَزَاهَا الشَّارِحُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ إلَّا مَنْ تَحْجِزُهُ التَّقْوَى عَمَّا وَرَاءَهُ اهـ. [فَرْعٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْرَجَ دِينَارًا فَقَالَ اشْتَرُوا بِهِ طَعَامًا] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ أَحْكَامِ الشَّعْبِيِّ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْرَجَ دِينَارًا فَقَالَ: اشْتَرُوا بِهِ طَعَامًا وَاصْنَعُوهُ فَوَقَعَ الشِّرَاءُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِمْ ضَمِنُوا لَهُ الدِّينَارَ وَالطَّعَامُ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ؛ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الطَّعَامُ إنْ أَدْرَكَهُ. (قُلْت) فَهُوَ كَأَعْوَانِ الْقَاضِي إنْ ظَهَرَ لَدَدٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ الْأَجْرُ عَلَى الطَّالِبِ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ مِنْ الزَّوْجِ مُطْلَقًا إنْ فُقِدَ ذَلِكَ، أَوْ تَلِفَ اهـ. ص (وَتَفْوِيضُ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ لِفَاضِلٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَلِيَّ فَقَطْ هُوَ الَّذِي يُفَوِّضُ الْعَقْدَ لِلْفَاضِلِ وَعَلَى هَذَا شَرَحَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ وَالْبِسَاطِيُّ وَقَالَا: إنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ: إنَّ الْوَلِيَّ وَالنَّاكِحَ يُفَوَّضَانِ لِلْفَاضِلِ وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَحَمْلُ الْمُصَنِّفِ لَفْظَ الْوَاضِحَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْأَوْلَى لِقَوْلِهِ وَكَانَ يُفْعَلُ فِيمَا مَضَى، وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَوِّضَ النَّاكِحُ وَوَلِيُّ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ، أَوْ الشَّرِيفِ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ وَكَانَ يُفْعَلُ فِيمَا مَضَى وَقَدْ فُوِّضَ ذَلِكَ إلَى عُرْوَةَ فَخَطَبَ وَاخْتَصَرَ فَقَالَ: اللَّهُ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُهُ وَقَدْ خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةَ وَقَدْ زَوَّجْتُهُ إيَّاهَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَشَرْطِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَشَرْطُهُ إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَذِكْرُ الْمُسَاوِي) ش: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْغِيبَةِ: وَمَا يَجُوزُ فِيهِ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُ وَقَالَ: وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ صُوَرٌ فَتَجُوزُ الْغِيبَةُ فِي بَعْضِهَا وَتَجِبُ فِي بَعْضِهَا وَيَنْدُبُ إلَيْهَا فِي بَعْضِهَا فَالْأَوَّلُ يَعْنِي الْجَائِزَ كَغِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ الْمَعْرُوفِ بِهِ فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِفِسْقِهِ لَا بِغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ مَشْهُورًا بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» وَقَوْلِهِ «لَا غِيبَةَ فِي فَاسِقٍ» وَقَوْلِهِ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» الثَّانِي: يَعْنِي ذِكْرَ جَرْحِ الشَّاهِدِ عِنْدَ خَوْفِ إمْضَاءِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ وَجَرْحِ الْمُحَدِّثِ الَّذِي يُخَافُ أَنْ يُعْمَلَ بِحَدِيثِهِ، أَوْ يُرْوَى عَنْهُ وَهَذِهِ أُمُورٌ ضَرُورِيَّةٌ فِي الدِّينِ مَعْمُولٌ بِهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ذِكْرُ عَيْبِ مَنْ اسْتَنْصَحْت فِي مُصَاهَرَتِهِ، أَوْ مُعَامَلَتِهِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ هَيْئَاتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» الْحَدِيثُ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مَا لَا يَجِبُ بَلْ يُنْدَبُ إلَيْهِ كَفِعْلِ الْمُحَدِّثِينَ حِينَ يُعَرِّفُونَ بِالضُّعَفَاءِ مَخَافَةَ الِاغْتِرَارِ بِحَدِيثِهِمْ، وَكَتَحْذِيرِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ مَخَافَةَ مُعَامَلَةِ مَنْ حَالُهُ يُجْهَلُ، وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِوُجُوبِ النَّصِّ عَلَى الْعَيْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ التَّصْرِيحِ وَالتَّنْصِيصِ فَأَمَّا لَوْ أَغْنَى التَّعْرِيضُ، أَوْ التَّلْوِيحُ؛ لَحَرُمَ التَّفْسِيرُ وَالتَّصْرِيحُ فَإِنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ وَالضَّرُورِيُّ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ انْتَهَى، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ إذَا قَالَ

لَهُ: أُرِيدُ أَنْ أُنَاكِحَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ لَهُ مَا فِيهَا وَفِيهِ ابْتِغَاءَ النُّصْحِ لَا لِعَدَاوَةٍ فِي الْمُشَاوَرِ فِيهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إذَا اُسْتُشِيرَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْشِفَ عَمَّا يَعْلَمُ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْخُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ حَالَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَإِلَّا فَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا: وَعَلَيْهِ مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ وَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: اُنْظُرْ هَلْ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشَارَ أَمْ لَا الشَّيْخُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَذْكُرُ إذَا سُئِلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ غِيبَةٌ وَالْغِيبَةُ حَرَامٌ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَمَّا يَعْلَمُ فِيهِ إذَا سُئِلَ عَنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْشِفُ عَنْ حَالِهِ إلَّا إذَا سُئِلَ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ غِيبَةً مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ مِنْ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فَتَأَمَّلْهُ ص (وَرُكْنُهُ وَلِيٌّ وَصَدَاقٌ وَمَحَلٌّ وَصِيغَةٌ) ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ لِلنِّكَاحِ يَعْنِي أَنَّ أَرْكَانَ النِّكَاحِ أَرْبَعَةٌ وَكَذَا فَعَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَفِي الْحَقِيقَةِ هِيَ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَشْمَلُ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ وَقَدْ عَدَّهَا ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ خَمْسَةً وَقَالَ الشَّارِحُ جَعَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ الْوَلِيَّ وَالشُّهُودَ وَالصَّدَاقَ شُرُوطًا وَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّا هُنَا لَكِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ انْتَهَى. (قُلْت) ، أَمَّا الْوَلِيُّ وَالزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ وَالصِّيغَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ نِكَاحٌ شَرْعِيٌّ إلَّا بِهَا لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ رُكْنَانِ وَالْوَلِيَّ وَالصِّيغَةَ شَرْطَانِ، وَأَمَّا الشُّهُودُ وَالصَّدَاقُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّا فِي الْأَرْكَانِ وَلَا فِي الشُّرُوطِ لِوُجُودِ النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ بِدُونِهِمَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ شُرِطَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ سُقُوطُ الصَّدَاقِ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الدُّخُولِ الْإِشْهَادُ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْعَقْدِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَصَدَاقُ هَذَا شَرْطُ كَمَالٍ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَضُرَّ كَالتَّفْوِيضِ نَعَمْ لَوْ تَعَرَّضُوا لِإِسْقَاطِهِ فَسَدَ النِّكَاحُ وَفُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، فَعُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ الصَّدَاقِ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بِأَنْكَحْت وَزَوَّجْت) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الصِّيغَةُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ كَ أَنْكَحْت وَزَوَّجْت وَمَلَّكْت وَبِعْت وَكَذَلِكَ وَهَبْت بِتَسْمِيَةِ صَدَاقٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصِّيغَةِ نَحْوُهُ فِي ابْنِ شَاسٍ: وَمُقْتَضَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْأَشْرَافِ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالنِّكَاحُ يَفْتَقِرُ إلَى التَّصْرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ وَفِي اللُّبَابِ الصِّيغَةُ مِنْ الْوَلِيِّ لَفْظُ إلَخْ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَنْ يُمْكِنُهُ النُّطْقُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّالِّ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَفِي كِتَابِ الْحِمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا فُهِمَ عَنْ الْأَخْرَسِ أَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ، أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ انْتَهَى. (الثَّانِي) لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لَفْظِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِيغَتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ انْتَهَى فَأَتَى بِالْمَصْدَرِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: زَوِّجْنِي فَيَقُولُ: فَعَلْت، اُنْظُرْ جَعَلَ لَفْظَ الْمُسْتَقْبَلِ فِي النِّكَاحِ الْمَاضِي وَمِثْلُهُ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ وَإِذَا قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي وَلَك أَلْفٌ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت لَزِمَهَا ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ بَعْدَ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ شَيْئًا انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ بِكَمَالِهِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنْ قُلْت أَنْكَحْت وَنَكَحْت خَبَرٌ عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ فِي الْمَاضِي وَكَلَامُنَا فِي لَفْظٍ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الصِّيَغِ الْإِنْشَاءُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَاضِي، وَالْإِنْشَاءُ سَبَبٌ لِوُقُوعِ مَدْلُولِهِ كَقَوْلِ الْحَاكِمِ حَكَمْت

انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَصِيغَةُ الْعَقْدِ مَعَ الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَلَا يَقُولُ: زَوَّجْت مِنْك وَلْيَقُلْ الْوَكِيلُ: قَبِلْت لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ قَبِلْت؛ لَكَفَى إذَا نَوَى بِذَلِكَ مُوَكِّلَهُ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ أَعْنِي أَنْكَحْت وَزَوَّجْت لَفْظُ فَعَلْت، أَوْ قَبِلْت وَمَا أَشْبَهَهُ جَوَابًا لِقَوْلِ الزَّوْجِ زَوِّجْنِي، أَوْ أَنْكِحْنِي فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِذَلِكَ خِلَافًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَمِنْ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ يَعْنِي أَنَّ الصِّيَغَ الْمُتَقَدِّمَةَ هِيَ الْمُشْتَرَطَةُ مِنْ الْوَلِيِّ وَقَدْ يَتَّسِعُ الْكَلَامُ فِيهَا، وَأَمَّا جَانِبُ الزَّوْجِ فَيَكْفِي فِيهِ كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ دُونَ صِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَكَذَا الْإِشَارَةُ وَكُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ، وَلَوْ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ لِلْوَلِيِّ: قَدْ نَكَحْت فُلَانَةَ، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا، فَقَالَ الْوَلِيُّ فِي جَوَابِ الزَّوْجِ: قَدْ فَعَلْت، أَوْ قَبِلْت، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَكَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوَلِيُّ، أَوْ الزَّوْجُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَجَوَابُ قَوْلِهَا إنَّ الصِّيغَةَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِقَوْلِ الْآخَرِ قَبِلْت كَافٍ انْتَهَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا جَرَى لَفْظَةُ التَّزْوِيجِ، أَوْ الْإِنْكَاحِ مِنْ الْوَلِيِّ، أَوْ مِنْ الزَّوْجِ فَأَجَابَهُ الْآخَرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ صَحَّ النِّكَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِصَدَاقٍ وَهِبَةٍ) ش: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الصَّدَقَةِ كَالْهِبَةِ وَلَغْوِهَا قَوْلَا ابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى التَّنْصِيصِ عَلَى لَفْظِ الْهِبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَقَة، بَلْ أَدْخَلَهَا فِي التَّرَدُّدِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ لِقَوْلِهِ وَفِي وَهَبْت مَشْهُورُهَا إنْ ذَكَرَ مَهْرًا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: يَصِحُّ بِبِعْت وَتَصَدَّقْت بِقَصْدِ نِكَاحٍ انْتَهَى وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ الْمَهْرِ لَا فِي الصَّدَقَةِ وَلَا فِي الْهِبَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَسَوَاءٌ عِنْدِي ذَكَرَ الْمَهْرَ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا النِّكَاحَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ وَيَلْحَقُ بِالْهِبَةِ فِي اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ بَابِ أَوْلَى انْتَهَى. يَعْنِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ قَوْلَانِ لِبَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ الْقَصَّارِ وَلَهُ قُلْت: حَكَى أَبُو عُمَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الثَّانِي انْتَهَى، وَقَوْلُهُ عَلَى الثَّانِي أَيْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ انْتَهَى. وَصَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ هُوَ أَبُو عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ: الْإِطْلَاقُ كَالتَّحْلِيلِ وَالْإِبَاحَةِ. وَالرَّمْيُ وَالْإِجَارَةُ وَالْعَرِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ لَغْوٌ انْتَهَى. وَيَعْنِي أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ الْإِطْلَاقَ كَالتَّحْلِيلِ وَالْإِبَاحَةِ وَقَوْلُهُ وَالرَّمْيُ إلَخْ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ يَظْهَرُ لَكَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَصُّهُ: وَالنِّكَاحُ عِنْدَنَا جَائِزٌ بِكُلِّ لَفْظٍ اقْتَضَى لَفْظَ الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِعْطَاءِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْلِيلِ وَالْإِطْلَاقِ إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ النِّكَاحُ وَكَانَ مَيْلُهُ إلَى أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ مَعْنَى الْعَقْدِ عَنْ الْبُضْعِ بِعِوَضٍ انْتَهَى وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّهْنَ وَمَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ (لِاقْتِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالتَّوْقِيتِ وَالرَّهْنِ التَّوَثُّقَ دُونَ التَّمْلِيكِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ) انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى ص (وَهَلْ كُلُّ لَفْظٍ يَقْتَضِي الْبَقَاءَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ كَبِعْت تَرَدُّدٌ) ش: يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِاخْتِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتَلَفَتْ طُرُقُ الشُّيُوخِ

فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِيمَا عَدَا أَنْكَحْت وَزَوَّجْت فَذَهَبَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْأَشْرَافِ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ إلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ دُونَ التَّوْقِيتِ فَيَنْعَقِدُ بِ مَلَّكْت وَبِعْت، وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ فِي تَوْجِيهِهِ لِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَاسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ لِذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَلَّكْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَمْلَكْنَاكَهَا» وَذَهَبَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِمَا عَدَا أَنْكَحْت وَزَوَّجْت إلَّا لَفْظُ الْهِبَةِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ انْتَهَى، وَتَبِعَ الْأَوَّلِينَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَلَفْظُهُ: وَالنِّكَاحُ عِنْدَنَا جَائِزٌ بِكُلِّ لَفْظٍ اقْتَضَى لَفْظَ الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِعْطَاءِ انْتَهَى، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَتَبِعَ ابْنُ بَشِيرٍ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ وَابْنَ الْحَاجِبِ وَصَاحِبَ اللُّبَابِ وَأَكْثَرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَاَلَّذِي رَأَيْتُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرَ الِانْعِقَادُ بِذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ وَابْنِ دِينَارٍ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الشَّامِلِ تَرْجِيحُ طَرِيقَةِ ابْنِ بَشِيرٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَصِيغَةُ مَنْ وَلَّى بِأَنْكَحْت وَزَوَّجْت وَفِي وَهَبْت مَشْهُورُهَا إنْ ذَكَرَ مَهْرًا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: يَصِحُّ بِبِعْت وَتَصَدَّقْت بِقَصْدِ نِكَاحٍ وَقِيلَ: وَبِتَحْلِيلٍ وَإِبَاحَةٍ وَكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي تَمْلِيكًا مُؤَبَّدًا لَا إجَارَةً وَعَارِيَّةً وَرَهْنًا وَوَصِيَّةً اهـ. وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي آخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَلَهُ فِي شَرْحِ آخِرِ مَسْأَلَةٍ فِي رَسْمِ إنْ أَمْكَنَتْنِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ التَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّزْوِيجِ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: قَدْ بِعْتُك ابْنَتِي، أَوْ أُخْتِي بِكَذَا وَكَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ نِكَاحًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْبَيْعَ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا لَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ أَعْنِي مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ الصِّيغَةَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَلَالَةُ الصِّيغَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ، بَلْ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى التَّوْقِيتِ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَكَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى التَّأْبِيدِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ فِي الْأَشْرَافِ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يُصَدِّرُ الْكَلَامَ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، ثُمَّ يَذْكُرُونَ الْأَلْفَاظَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَهِيَ إنَّمَا تَدُلُّ بِصَرِيحِهَا عَلَى نَفْيِ التَّوْقِيتِ لَكِنْ يَلْزَمُ ذَلِكَ الدَّلَالَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ فَالسُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَى عِبَارَةِ غَيْرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمُرَادُ الْجَمِيعِ وَاضِحٌ. (الثَّانِي) عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ لَفْظُ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَا إلَّا بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ الْقَصَّارِ وَنَقَلَ أَبُو عُمَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا لَفْظُ التَّحْبِيسِ وَالْوَقْفِ وَالْإِعْمَارِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَقَدْ يُقَالُ: حَدُّ الْمُصَنِّفِ لِلصِّيغَةِ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ مِثْلَ وَقَفْت وَحَبَسْت عَلَى فُلَانٍ وَأَعْمَرْتُهُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى التَّأْبِيدِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ وَزَادَ وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي بَابِ النِّكَاحِ وَلَعَلَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَ بِعْت إشَارَةً إلَى إخْرَاجِ مَا تَقَدَّمَ. (الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَصِيغَتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ وَفِي قَصْرِهَا عَلَيْهِمَا نَقْلَا أَبِي عُمَرَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَمَالِكٍ وَعَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي: يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ أَبَدًا كَالْبَيْعِ. ابْنُ الْقَصَّارِ: وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا وَفِي الْهِبَةِ ثَالِثُهَا إنْ ذَكَرَ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَلِكَ وَهَبْت بِتَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّيَغِ الَّتِي ذَكَرَ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي نَفْيِ الْعِوَضِ وَيَلْحَقُ بِهَا لَفْظُ الصَّدَقَةِ وَهِيَ أَحْرَى مِنْ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ أَحَدُ نَوْعَيْ

تنبيه الخيار في عقد النكاح

الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةُ لَا عِوَضَ فِيهَا أَلْبَتَّةَ. (فَإِنْ قُلْت) لَفْظُ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالتَّحْلِيلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِوَضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْحَقَ بِهِ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ شَرْطِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (قُلْت) هِيَ وَإِنْ اشْتَرَكَتْ فِيمَا ذَكَرْتُهُ إلَّا أَنَّ الْإِبَاحَةَ وَالتَّحْلِيلَ وَالتَّمْلِيكَ كَمَا لَا تَدُلُّ عَلَى شَرْطِ الْعِوَضِ لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فَاحْتِيجَ فِي التَّعْرِيضِ إلَى التَّسْمِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى ص (وَكَقَبِلْت) ش: يَعْنِي أَنَّ الصِّيغَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ الزَّوْجِ هِيَ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى قَبُولِهِ كَقَبِلْت وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ وَرَضِيت وَاخْتَرْت انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمِنْ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: دُونَ صِيغَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَذَلِكَ الْإِشَارَةُ خَلِيلٌ: وَلَا أَعْلَمُ نَصًّا فِي الْإِشَارَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَكْفِي مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَلَا تُمْكِنُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَمِنْ الزَّوْجِ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ الصِّيغَةُ مِنْ جَانِبِ الْوَلِيِّ كَذَا وَمِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَذَا وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ كُلُّ لَفْظٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينٌ كَمَا فِي صِيغَةِ الْإِيجَابِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَبُو عُمَرَ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِهِ كَلَفْظِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَبُو عُمَرَ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَافِيَةٌ إجْمَاعًا انْتَهَى وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: قَبِلْت إذَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَلِيِّ الْإِيجَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت نِكَاحَهَا وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ فَلَوْ قَالَ لِأَبِي الْبِكْرِ، أَوْ لِأَبِي الثَّيِّبِ: وَقَدْ أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، أَوْ قَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ فَقَالَ الْخَاطِبُ: لَا أَرْضَى فَقَدْ لَزِمَ النِّكَاحُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَأْتِي وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَالِاسْتِيجَابُ طَلَبُ الْإِيجَابِ بِقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي، فَيَقُولُ: فَعَلْت، أَوْ يَقُولُ: قَدْ زَوَّجْتُكَ فَيَقُولُ: قَبِلْت، وَالْحَاصِلُ أَنَّ خُلُوَّ النِّكَاحِ عَنْ الصِّيغَةِ لَا يَصِحُّ مَعَهَا وَكَوْنُهَا مِنْ أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ كَافٍ انْتَهَى قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ: يَكْفِي كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَيَعْنِي الشَّيْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصِّيغَةَ الْمَخْصُوصَةَ الَّتِي فِيهَا الْإِنْكَاحُ وَالتَّزْوِيجُ لَا مُطْلَقَ الصِّيغَةِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِزَوِّجْنِي فَيَفْعَلُ) ش: أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا أَنَّهُ الْأَوْلَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَازِمُ اسْتِيجَابِ خِطْبَةِ الْخَاطِبِ تَقْدِيمُ إعْطَاءِ الْوَلِيِّ وَتَأْخِيرُ قَبُولِ الزَّوْجِ انْتَهَى. وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْمُلَازَمَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَلَا يُقَالُ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ لَمْ يَقَعْ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّوْجَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ عِنْدَ قَبُولِهِ، ثُمَّ إنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهٌ الْخِيَارُ فِي عَقْدٌ النِّكَاحُ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْقَوَانِينِ: وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْخِيَارُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ وَيَلْزَمُ فِيهِ الْفَوْرُ فِي الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ يَسِيرًا جَازَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُطْلَقًا انْتَهَى، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ جَارٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فِي الَّذِي يَقُولُ إنْ: مِتُّ فَقَدْ زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ فُلَانٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا أَجَازُوهُ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ أَصْبَغَ قَالَ: عَلَى أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى إجَازَتِهِ وَهُوَ مِنْ وَصَايَا الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ: لَوْلَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ أَصْبَغُ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ قَدْ يَطُولُ فَيَتَأَخَّرُ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ بِالسَّنَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَأَنَّهُمْ لَاحَظُوا أَنَّ الْمَرِيضَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ وَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ النِّكَاحِ اُخْتُلِفَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ: إنْ فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا فَقَدْ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي فَقَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ سِنٍّ بَعْدَ هَذَا فِي الَّذِي يَقُولُ إنْ جَاءَنِي فُلَانٌ بِخَمْسِينَ فَقَدْ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا النِّكَاحُ وَلَا تَزْوِيجَ لَهُ وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ

الشَّهَادَةِ وَكَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ص (وَلَزِمَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ الْمُجْبِرِ لَهَا وَالْمُفَوَّضِ إلَيْهِ نِكَاحُهَا: زَوِّجْنِي وَلِيَّتَكَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَقَالَ الزَّوْجُ: لَا أَرْضَى بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قُلْت هَازِلًا قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ، أَوْ لِوَصِيٍّ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِمِائَةٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت، ثُمَّ قَالَ الْخَاطِبُ لَا أَرْضَى لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَزِمَهُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الزَّوْجِ: لَا أَرْضَى وَأَنَّ الزَّوْجَ أَنْشَأَ مَا يَقْتَضِي الرِّضَا بَعْدَ قَوْلِ الْوَلِيِّ قَدْ فَعَلْت وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ زَوِّجْنِي يَقُومُ مَقَامَ الرِّضَا انْتَهَى، يَعْنِي أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الزَّوْجِ لَا أَرْضَى أَنَّ الزَّوْجَ أَنْشَأَ مَا يَقْتَضِي الرِّضَا بَعْدَ قَوْلِ الْوَلِيِّ: قَدْ فَعَلْت فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: لَا يَرْضَى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُمْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ ظَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ جِدٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِمُسَاوَمَةِ السِّلَعِ وَإِيقَافِهَا لِلْبَيْعِ فِي الْأَسْوَاقِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ إذَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ مَعْرِفَةَ الْأَثْمَانِ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ لَازِمٌ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْهَزْلَ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَعَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَلْعَبُ زَوِّجْ ابْنَتَكَ مِنْ ابْنِي وَأَنَا أُمْهِرُهَا كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ: عَلَى ضَحِكٍ وَلَعِبٍ أَتُرِيدُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ زَوَّجْتُكَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهُ، فَذَلِكَ نِكَاحٌ لَازِمٌ لِلْأَبَوَيْنِ أَنْ يَفْسَخَاهُ إذَا رَضِيَا يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَاةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ. وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُنَاكِحُ وَيَقُولُ: كُنْتُ لَاعِبًا وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231] انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي رَجُلٍ أَحْضَرَ رَجُلًا فَقِيلَ: نَرَاكَ تُبْصِرُ هَذَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ خَتْنُكَ، فَقَالَ: نَعَمْ أُبْصِرُهُ وَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي فَقِيلَ لَهُ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمَا شَاءَ، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ: امْرَأَتِي فَقَالَ: الْأَبُ وَاَللَّهِ مَا كُنْتُ إلَّا لَاعِبًا فَقَالَ: يَحْلِفُ الْأَبُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ: طَلَبَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِهِ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مِثْلُ مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ هَزْلٌ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْجِدِّ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ هَزْلَهُ جِدٌّ عَلَى مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الْهَزْلِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ ثَالِثُهَا إنْ قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا نَصُّهُ: يَلْحَقُ بِالثَّلَاثِ الرَّجْعَةُ وَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي السُّلَيْمَانِيَّة لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ اللَّخْمِيِّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَلَّذِي يَحْكِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ قَوْلَانِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ يَعُدُّونَهُ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَكِنْ ذَكَر بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: تُزَوِّجُنِي وَلِيَّتَكَ، أَوْ تَبِيعُنِي سِلْعَتَكَ فَقَالَ: قَدْ بِعْتُهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ زَوَّجْتُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: يَلْزَمُ وَلَا يَلْزَمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ، أَوْ لَا

تنبيه للوصي أن ينكح إماء اليتامى وعبيدهم

يَدَّعِيهِ إلَّا بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَالْفَرْقُ فَيَلْزَمُ فِي النِّكَاحِ لَا الْبَيْعِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يُشْبِهُ الثَّالِثَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ فَرْحُونٍ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى الْهَزْلَ بَعْدَ الرِّضَا، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ الْهَزْلَ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمِثْلُهُ لِلَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ، وَغَيْرُهُ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَاقْتِصَارُ الْمَشَذَّالِيُّ عَلَيْهِ يُوهِمُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَكَذَلِكَ اقْتِصَارُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ: تُزَوِّجُنِي وَلِيَّتُكَ؟ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْ فُلَانٍ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا خَطَبَ رَجُلٌ مِنْ شَخْصٍ ابْنَتَهُ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهَا فُلَانًا فَقَامَ فُلَانٌ بِذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ وَقَالَ: كُنْتُ مُعْتَذِرًا وَنَصُّهُ، وَأَمَّا إذَا خُطِبَتْ إلَى رَجُلٍ ابْنَتَهُ الْبِكْرُ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُهَا فُلَانًا وَطَلَبَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ لَهُ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ النِّكَاحَ وَاجِبٌ لِلطَّالِبِ سَوَاءٌ كَانَ طَلَبُهُ لَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ، أَوْ بِنِكَاحٍ كَانَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا لَعِبَ فِيهِ وَلَا اعْتِذَارَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَلْزَمُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ وَلَا بِدَعْوَى مُتَقَدِّمَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَطْلُبَهُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ، أَوْ بِقَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَقَوْلُ أَصْبَغَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَإِنْ طَلَبَهُ بِقَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ حَلَفَ الزَّوْجُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ زَوَّجَنِي وَثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ طَلَبَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ حَلَفَ الْأَبُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْهُ إلَّا اعْتِذَارًا إلَيْهِ وَمَا زَوَّجَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِنْ رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: إنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَشْبَهُ الْأَقْوَالِ انْتَهَى. وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَنْ أَقَرَّ اعْتِذَارًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي فَصْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي نِكَاحِ الْهَزْلِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: إذَا لَمْ يُقِمْ دَلِيلَهُ؛ لَزِمَ الزَّوْجَ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الزَّوْجَةِ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: يُمَكَّنُ مِنْهَا وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي يُوَافِقُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ إنْكَارُ الزَّوْجِ طَلَاقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَجَبْرُ الْمَالِكِ أَمَةً وَعَبْدًا بِلَا إضْرَارٍ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مُرَادُهُ بِالْمَالِكِ الْجِنْسُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَمَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ إذَا كَانَ لَهُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ انْتَهَى. وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ إذَا قَصَدَ ابْتِغَاءَ الْفَضْلِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَدَاقِهَا فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا كَانَ عَبْدًا، أَوْ كَانَتْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالْجَبْرُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلسَّيِّدِ لَا لَهُ، بَلْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى نِكَاحَ الْأَمَةِ وَإِنْ رَضِيَ سَيِّدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) يَلْحَقُ بِالْمَالِكِ الْوَصِيُّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْوَصِيُّ يُزَوِّجُ رَقِيقَ الْمُوصَى عَلَيْهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَهُ جَبْرُهُمْ انْتَهَى. (قُلْت) وَمِثْلُ الْأَبِ فِي رَقِيقِ وَلَدِهِ مُقَدَّمُ الْقَاضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُنْكِحَ إمَاءَ الْيَتَامَى وَعَبِيدَهُمْ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُنْكِحَ إمَاءَ الْيَتَامَى وَعَبِيدَهُمْ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّهُ

فرع نكاح الأمة المخدمة

قَدْ يَهْرُبُ فَإِذَا زَوَّجَهُ لَمْ يَهْرُبْ وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ قَالَ الْقَلْشَانِيُّ لِسُقُوطِ نَفَقَةِ الْإِمَاءِ عَنْ الْيَتَامَى: وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ تَزْوِيجُ ذُكُورِ الْمَمَالِيكِ؟ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْعَبْدُ مِدْيَانًا بِالصَّدَاقِ وَالْوَلَدُ لِغَيْرِهِ وَيَشْتَغِلُ بِالزَّوْجَةِ وَيَتْرُكُ الْأَيْتَامَ وَحَمَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الرِّسَالَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ يُشِيرُ بِهِ لِكَلَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ: زَادَ فِي الْأُمِّ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَمِنْ أَجْنَبِيَّيْنِ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ: عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ إذَا خَافَ أَنْ يَأْبَقُوا إذَا لَمْ يَقَعْ تَزْوِيجٌ انْتَهَى. [فَرْعٌ نِكَاح الْأَمَةُ الْمُخْدِمَةُ] (فَرْعٌ) ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُخْدِمَةُ فَإِنْ كَانَ مَرْجِعُهَا إلَى حُرِّيَّةٍ؛ فَلَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ: يُرِيدُ وَرِضَى الْمُخْدِمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُخْدَمِ قَالَهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ يُكْرَهُ عَلَى النِّكَاحِ مِمَّنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ وَانْظُرْهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَنَصُّ مَا فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَخَدَمَ أَمَتَهُ رَجُلًا وَمَرْجِعُهَا إلَى حُرِّيَّةٍ بَعْدَ الْأَجَلِ وَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا يُرِيدُ وَرِضَى الْمُخْدِمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُخْدَمِ أَيْضًا انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْهُ إذَا أَخَدَمَهَا مَرَّةً وَمَرْجِعُهَا إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا بِرِضَا الْمُخْدِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا عَكْسُهُ) ش: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى تَزْوِيجِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا إذَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيَكُونُ عَكَسَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمَعْنَى جَبْرِهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّزْوِيجِ، أَوْ الْبَيْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى زَوَاجِهِمَا إنْ احْتَاجَا وَإِنْ قَصَدَ إضْرَارَهُمَا وَنَصُّ كَلَامِ التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَالْمَالِكُ يُجْبِرُ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ وَلَا يُجْبَرُ هُوَ لَهُمَا قَوْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ هُوَ لَهُمَا أَيْ إذَا طَلَبَا الزَّوَاجَ وَأَبَى هُوَ ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالتَّزْوِيجِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ مُحْتَاجَانِ إلَى النِّكَاحِ وَأَنَّ السَّيِّدَ ضَارٌّ بِهِمَا فَلَا يُقْضَى عَلَى السَّيِّدِ بِنِكَاحِهِمَا عَبْدُ الْحَمِيدِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَبْدِ لِاشْتِدَادِ الضَّرَرِ بِهِ؛ إذْ ذَاكَ ضَرَرٌ فِي الدِّينِ وَضَرَرٌ فِي الدُّنْيَا وَكَانَ بَعْضُ الْمُذَاكِرِينَ يَقُولُ: اُنْظُرْ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ فِي الْحُرِّ إذَا كَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّسَرِّي وَلَهُ حَاجَةٌ إلَى النِّكَاحِ يَخَافُ مِنْهُ الْعَنَتَ أَنَّ النِّكَاحَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا فَالْعَبْدُ يُشَارِكُهُ فِيهَا وَلِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا أَوْجَبَهُ لِلْأَبِ عَلَى ابْنِهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّزْوِيجِ، أَوْ الْبَيْعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ شَكَّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْعَبْدِ يَشْكُو الْعُزْبَةَ فَيَسْأَلُ سَيِّدَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِذَلِكَ وَيَقُولُ: وَجَدْت مَوْضِعًا لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَقَالَ ذَلِكَ الْمُخْدَمُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ وَاجِبٌ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ مِمَّنْ يُزَوِّجُهُ إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَشَكَا الْعُزْبَةَ وَإِنَّمَا يُرْغَبُ فِي ذَلِكَ وَيُنْدَبُ وَلَيْسَ امْتِنَاعُهُ مِنْهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ بَيْعُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَاجِبًا إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْإِنْكَاحِ عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ وَالتَّرْغِيبِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرَ ضَرَرُهُ مِنْ تَجْوِيعِهِ وَتَعْرِيَتِهِ وَتَكْلِيفِهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ وَضَرْبِهِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ شَدِيدًا مُنْهِكًا وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي النَّوَادِرِ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي فِي تَرْجَمَةِ الرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ. وَالنَّهْكُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُقُوبَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَهَكَهُ السُّلْطَانُ عُقُوبَةً يَنْهَكُهُ نَهْكًا وَنَهْكَةً إذَا بَالَغَ فِي عُقُوبَتِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ جَبْرُ الرَّقِيقِ عَلَى النِّكَاحِ] (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ عَقْدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ لِطُولِ غَيْبَةِ

سَيِّدِهَا، أَوْ لِعَضْلِهَا انْتَهَى. ص (وَلَا مَالِكِ بَعْضٍ، وَلَهُ الْوِلَايَةُ وَالرَّدُّ) ش يَعْنِي أَنَّ مَالِكَ بَعْضِ الرَّقِيقِ لَيْسَ لَهُ جَبْرُهُ عَلَى النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ حُرًّا، أَوْ رَقِيقًا إلَّا إذَا اتَّفَقَ الْمَالِكَانِ عَلَى الْجَبْرِ فَلَهُمَا ذَلِكَ وَإِذَا انْتَفَى عَنْ مَالِكِ الْبَعْضِ الْجَبْرُ فَلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَهُ رَدُّ نِكَاحِهَا وَنِكَاحِ الْعَبْدِ إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي إذَا زَوَّجَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَحَدُ السَّيِّدَيْنِ أَنَّ لِلْآخَرِ الْإِجَازَةَ وَالرَّدَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُنْكَحُ أَمَةٌ، أَوْ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا فَإِنْ عَقَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْأَمَةِ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ الْآخَرُ وَيُفْسَخُ وَإِنْ دَخَلَ وَيَكُونُ بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أَتَمَّ لِلْغَائِبِ نِصْفَ صَدَاقِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَرْضَ بِنِصْفِ التَّسْمِيَةِ انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ بِأَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْوِلَايَةِ وَالرَّدِّ لِلْعَهْدِ يَعْنِي أَنَّ الْوِلَايَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ جَمِيعًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَالرَّدُّ الَّذِي لِلسَّيِّدِ فِي رَقِيقِ الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ كُلٌّ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَرَّرَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ هَذَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ جَمِيعًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وِلَايَةُ الْجَبْرِ وَقَدْ نَفَاهَا وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا نَكَحَ الْأَبْعَدُ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَجَازَهُ كَالْأَبِ، وَمِثْلُهُ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَلَوْ كَانَ شَرِيكًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الْأَمَةِ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهَا وَالْأَصَحُّ وَمُقَابِلُهُ رِوَايَتَانِ. (فَرْعٌ) وَعَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ سَقَطَ الصَّدَاقُ عَنْ الزَّوْجِ وَرَجَعَ بِهِ إنْ اسْتَهْلَكَتْهُ، أَوْ مَا نَقَصَ إنْ تَجَهَّزَتْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهِ الْجَهَازُ رَجَعَ عَلَى الَّذِي زَوَّجَهُ إنْ غَرَّهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ شَرِيكٌ يُرِيدُ وَيَأْخُذُ الْجَهَازَ وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ وَإِنْ أَجَازَهُ الشَّرِيكُ فَإِنَّمَا لَهُ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ، أَوْ أَجَازَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِالصَّدَاقِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ الْأَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالزَّائِدِ عَلَى الَّذِي زَوَّجَهُ إنْ غَرَّهُ وَيُرِيدُ الْجَهَازَ بِأَنْ قَالَ: هِيَ حُرَّةٌ، أَوْ هِيَ لِي وَحْدِي وَالشَّاذُّ لِأَشْهَبَ أَنَّ مَالَهُ نِصْفُ الْمُسَمَّى ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَاقِدِ مِنْ الصَّدَاقِ إنْ غَرَّهُ فَإِنْ قَالَ هِيَ حُرَّةٌ، أَوْ هِيَ لِي وَحْدِي قَالَ الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْحَسَنِ: وَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْغَارِّ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ تَرَكَ لَهُ رُبُعَ دِينَارٍ وَقِيلَ: لَا يَتْرُكُ لَهُ شَيْئًا وَهَذَا إذَا رَضِيَ الشَّرِيكَانِ فِي الْأَمَةِ بِقَسْمِ الْمَالِ وَإِنْ أَبَاهَا أَحَدُهُمَا فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُكْمِلَ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَكُونُ بِيَدِهَا فَإِذَا اقْتَسَمَاهُ رَجَعَ عَلَى الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ بِمَا اسْتَفْضَلَ فِي نِصْفِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّهُ وَبِجَمِيعِ الزَّيْدِ إنْ غَرَّهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِنَفْيِهِ عَنْهُ الْجَبْرَ وَهَذَا مُجْبَرٌ إذَا وَافَقَهُ شَرِيكُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَالِكُ وَلَوْ تَعَدَّدَ يُجْبِرُ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَالِكَ الْبَعْضِ وَلَوْ انْتَفَى عَنْهُ الْإِجْبَارُ فَلَا تَنْتَفِي عَنْهُ الْوِلَايَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مِلْكًا لِآخَرَ، أَوْ حُرًّا فَإِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مِلْكًا لِآخَرَ فَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ كَمَالِكِ الْجَمِيعِ فِي الْوِلَايَةِ وَالرَّدِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ الْبَعْضَ الْحُرَّ لَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ كَمَالِكِ الْجَمِيعِ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْأَمَةِ وَفِي رَدِّ نِكَاحِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ وَالْمُعْتَقَ بَعْضُهَا سَوَاءٌ كَانَ الْجُزْءُ الْعَتِيقُ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى التَّزْوِيجِ؛ إذْ لَا تَسَلُّطَ لِلْمَالِكِ إلَّا عَلَى الْجُزْءِ الرَّقِيقِ فَلَوْ أَجْبَرَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ، أَوْ الْعَبْدَ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ لَكَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَكِنَّهُ كَمَالِكِ الْجَمِيعِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الْإِجْبَارِ خَاصَّةً وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمَةِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا الْجَبْرُ خَاصَّةً فَإِذَا انْتَفَى الْجَبْرُ لَمْ

يَبْقَ هُنَاكَ مَانِعٌ فَقَالَ: وَلَكِنَّهُ كَمَالِكِ الْجَمِيعِ فِي الْوِلَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمَةِ وَفِي الرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ، أَوْ وَلِيِّهِمَا انْتَهَى. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ الْبَعْضُ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمُخْتَارُ وَلَا أُنْثَى بِشَائِبَةٍ وَمُكَاتَبٍ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ وَحَيْثُ انْتَفَى إجْبَارُ السَّيِّدِ عَنْهُمْ فَلَا تَنْتَفِي وِلَايَتُهُ عَنْهُمْ وَلَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ إنْ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَلَا يَجِبُ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يُنْكَحَ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ انْتَهَى. وَفِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَرْجَمَةِ نِكَاحِ الْخَصِيِّ وَالْعَبْدِ وَلَا يَتَزَوَّجُ مُكَاتَبٌ وَلَا مُكَاتَبَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ لِرَجَاءِ فَضْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعِيبُهُمَا إذَا عَجَزَ فَإِنْ فَعَلَا فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ انْتَهَى. ص (وَجَبْرُ الْمَجْنُونَةِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْأَبِ الْقَاضِي وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تُفِيقُ، وَأَمَّا إذَا أَفَاقَتْ أَحْيَانًا فَلْتُنْتَظَرْ إفَاقَتُهَا انْتَهَى. وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِمُصَنِّفِهَا مَا نَصُّهُ: وَلَا يُزَوِّجُ غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إلَّا بِإِذْنٍ وَمَنْ لَا إذْنَ لَهَا كَالْمَجْنُونَةِ وَالسَّفِيهَةِ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ وَالْحَاكِمُ وَالْبُلُوغُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِذْنِ بُلُوغُ الْمَحِيضِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، أَوْ بُلُوغُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْإِنْبَاتِ فَاعْتَبَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُحْتَاجَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ: إنْ زُوِّجَتْ فُسِخَ وَإِنْ بَنَى بِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْبُلُوغِ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَالْبَالِغُ. ص (وَالْبِكْرُ) ش: وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَبِ اسْتِئْذَانُهَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: بِوَاسِطَةٍ لَا مُشَافَهَةٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ اسْتَحْيَتْ مِنْ ذِكْرِ النِّكَاحِ مَرَّةً اسْتَحْيَتْ مِنْ ذِكْرِهِ مَعَ أَبِيهَا مِرَارًا وَقَالَ فِيهَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ» : هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَرُبَّمَا يَكُونُ عِنْدَ أُمِّهَا رَأْيٌ صَدَرَ عَنْ عِلْمٍ بِهَا، أَوْ بِالزَّوْجِ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِرِضَاهَا حَسُنَتْ صُحْبَةُ زَوْجِ ابْنَتِهَا ص (إلَّا لِ كَخَصِيٍّ) ش: اُنْظُرْ مَا قَالَهُ هُنَا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَلِلْأُمِّ التَّكَلُّمُ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ. ص (وَهَلْ إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الزِّنَا؟ تَأْوِيلَانِ) ش قَالَ فِي الْعَارِضَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةً

مَحْدُودَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَشْهُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَتَّبَ نِكَاحٌ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ، بَلْ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَهُوَ فِي الثَّيِّبِ وَلِيٌّ " ش: وَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ، أَوْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْوَلِيُّ؟ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الْوَصِيِّ قَالَ فَضْلٌ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَصِيُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَيُشَاوَرُ الْوَلِيُّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَوَصِيُّ الْأَبِ مُقَدَّمٌ فِي الْبِكْرِ، وَفِي الثَّيِّبِ أُسْوَتُهُمْ انْتَهَى ص " فَالْبَالِغُ " ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: السَّبَبُ الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ الْوِلَايَةِ الْعُصُوبَةُ كَالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ وَالْعُمُومَةِ وَلَا تُفِيدُ إلَّا تَزْوِيجَ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِرِضَاهَا، ثُمَّ قَالَ: الْبُلُوغُ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّزْوِيجِ هُوَ الْحَيْضُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَوْ بُلُوغُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْإِنْبَاتِ، ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ بِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُفْسَخُ إذَا أَنْبَتَتْ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي كِتَابِ الْحَجِّ: فَأَمَّا الِاحْتِلَامُ وَالْحَيْضُ وَالْحَمْلُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي كَوْنِهَا عَلَامَاتٍ وَيُصَدَّقُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهَا نَفْيًا طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا. اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ وَفِي الْبُرْزُلِيِّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ تُرِيدُ النِّكَاحَ وَتَدَّعِي أَنَّهَا حَائِضٌ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، أَوْ يُنْظَرُ إلَيْهَا هَلْ أَنْبَتَتْ أَمْ لَا؟ اهـ. وَسُئِلْت عَنْ بِكْرٍ غَابَ أَبُوهَا وَدَعَتْ إلَى التَّزْوِيجِ وَادَّعَتْ الْبُلُوغَ؟ فَأَجَبْت: إذَا غَابَ الْأَبُ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُرْتَجَى قُدُومُهُ، أَوْ غَابَ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَكَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً كَالشَّهْرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَدَعَتْ الْبِنْتُ الْبِكْرُ إلَى التَّزْوِيجِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغًا، وَلِلْبُلُوغِ خَمْسُ عَلَامَاتٍ: الِاحْتِلَامُ، وَالْإِنْبَاتُ، وَالْحَيْضُ، وَالْحَمْلُ، وَالسِّنُّ وَهُوَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ إذَا أَشْبَهَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا تُزَوَّجُ إلَّا إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ، أَوْ احْتَاجَتْ إلَى النَّفَقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص " وَالْأَصَحُّ إنْ دَخَلَ وَطَالَ " ش: هَذَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا زُوِّجَتْ الْيَتِيمَةُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْفَسَادُ، أَوْ لَمْ تَبْلُغْ عَشْرَ سِنِينَ، أَوْ لَمْ

يُشَاوَرْ الْقَاضِي فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَطُلْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ أَبَدًا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَعَزَاهُ إلَى مَالِكٍ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ: وَإِذَا فُسِخَ هَذَا النِّكَاحُ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَخَهُ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ وَمَا طَلَّقَ فِيهِ الزَّوْجُ قَبْلَ الْفَسْخِ؛ لَزِمَهُ وَيَكُونُ فِيهِ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَيَكُونُ فِيهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى فِي الْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَنِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْفَسْخِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَابْنِ سَلْمُونٍ ص (وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الِابْنَةُ فِي حِجْرِ أَبِيهَا، أَوْ فِي حِجْر وَصِيٍّ لَهَا، أَمَّا إنْ كَانَتْ فِي حِجْرِ أَبِيهَا، أَوْ وَصِيِّهَا فَالْأَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ قَالَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَطُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ رَجَزِ ابْنِ عَاصِمٍ. ص (فَحَاكِمٌ) ش: لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ فُصُولٍ عِنْدَ زَوَاجِهَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ التَّلْقِينِ وَصَاحِبُ الْمُفِيدِ وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ سَلْمُونٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَالْبَرْزَلِيُّ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فَصْلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّيِّبِ وَلِيٌّ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ وَهِيَ ثَيِّبٌ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا لَا وَلِيَّ لَهَا وَأَنَّهَا ثَيِّبٌ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا خِلْوٌ مِنْ زَوْجٍ وَفِي غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْهُ كَلَّفَهَا الْإِمَامُ إثْبَاتَ ذَلِكَ قَالَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ: وَتُثْبِتُ عِنْدَهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ أَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا حَتَّى تُثْبِتَ أَنَّهَا خِلْوٌ مِنْ زَوْجٍ وَفِي غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْهُ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ أَمَةَ قَوْمٍ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ: إنَّ النَّاسَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي يَقُولُ: إنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُثْبِتَ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا وَحَضَرَتْ مَعَ الْخَاطِبِ عِنْدَهُ وَاتَّفَقَا عَلَى النِّكَاحِ وَالصَّدَاقِ وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِالرِّضَا وَالتَّفْوِيضِ؛ عَقَدَ نِكَاحَهَا، أَوْ قَدَّمَ مَنْ يُبَاشِرُ عَقْدَهُ اهـ.، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُنَا فِي الْمَرْأَةِ: إنَّهَا خِلْوٌ مِنْ زَوْجٍ وَفِي غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْهُ وَأَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا وَأَنَّ ذَلِكَ فِي عِلْمِ مَنْ شَهِدَ بِهِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلِيٌّ، أَوْ زَوْجٌ وَلَا يَعْلَمُهُ الشُّهُودُ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ فَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ نَحْوُهُ لِلْبَرْزَلِيِّ وَنَصُّهُ: وَزَادَ

فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي وَثَائِقِهِ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَذَكَرَهُ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ؛ إذْ لَعَلَّهَا مَمْلُوكَةٌ الْبَاجِيّ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ: إنَّ النَّاسَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا يُحْتَاجُ اهـ. وَذَكَرَهَا أَيْضًا فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ الْجُزُولِيِّ وَذَكَرَ أَيْضًا تُثْبِتُ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّبْصِرَةِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ أَيْضًا فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي الرُّكْنِ السَّادِسِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ: يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يُمَكِّنَ الْمَرْأَةَ مِنْ النِّكَاحِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْبِكْرُ الْيَتِيمَةُ الْبَلَدِيَّةُ إذَا أَرَادَتْ الزَّوَاجَ كَلَّفَهَا إثْبَاتَ يُتْمِهَا وَبَكَارَتِهَا وَبُلُوغِهَا وَخُلُوِّهَا مِنْ زَوْجٍ، وَأَنَّهُمْ مَا عَلِمُوا أَنَّ أَبَاهَا أَوْصَى بِهَا إلَى أَحَدٍ وَأَنْ لَا أَحَدَ مِنْ الْقُضَاةِ قَدَّمَ عَلَيْهَا مُقَدَّمًا وَتُثْبِتُ أَيْضًا أَنَّ الْأَوْلَى بِنَسَبٍ لَهَا، أَوْ أَنَّ لَهَا وَلِيًّا فَهُوَ أَحَقُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَيُثْبِتُ كَفَاءَةَ الزَّوْجِ وَأَنَّ الصَّدَاقَ صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَى مِثْلِهِ قَالَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ وَيَسْمَعُ الشُّهُودُ مِنْهَا رِضَاهَا بِالزَّوْجِ وَبِالصَّدَاقِ وَأَنَّهَا فَوَّضَتْ لِلْقَاضِي فِي إنْكَاحِهَا بِذَلِكَ وَسَمَاعُهُمْ مِنْهَا صَمْتًا لَا نُطْقًا. الثَّانِي: الثَّيِّبُ الْبَلَدِيَّةُ. وَإِذَا طَلَبَتْ الثَّيِّبُ الْبَلَدِيَّةُ الزَّوَاجَ كَلَّفَهَا أَنْ تُثْبِتَ أَصْلَ الزَّوْجِيَّةِ وَطَلَاقَ الزَّوْجِ لَهَا، أَوْ وَفَاتَهُ عَنْهَا وَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَفْ زَوْجًا، أَوْ تَخَلَّلَ ذَلِكَ طُولٌ وَأَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْأَبُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ وَيَأْتِي إلَى الْحَاكِمِ لِيُزَوِّجَ ابْنَتَهُ فَقَدْ كَلَّفَهُ بَعْضُ قُضَاةِ الْعَصْرِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ لَهُ ابْنَةً اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَسْأَلَةً وَنَصُّهَا: وَإِذَا قَدِمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُكَلَّفَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَتْ: لَا زَوْجَ لِي فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ وَذَكَرَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ وَفِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَقَالَ الْبَاجِيّ فِي وَثَائِقِهِ: إذَا قَالَتْ كَانَ لِي زَوْجٌ فَفَارَقَنِي فِي الطَّرِيقِ وَلَا أَدْرِي أَحَيٌّ هُوَ، أَوْ مَيِّتٌ فَلَهَا أَنْ تَقِفَ إلَى الشُّهُودِ وَتُطَلِّقَ نَفْسَهَا لِعُسْرِ النَّفَقَةِ وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ. مِنْ التَّقْيِيدِ عَلَى التَّهْذِيبِ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجِ اهـ. كَلَامُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَفِي بَابِ الطَّلَاقِ عَلَى الْغَائِبِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) الْفُصُولُ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِلْعَقْدِ فَتُثْبَتُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَدَّمَ رَجُلًا لِلْمَنَاكِحِ فَإِنْ كَانَ فَوَّضَ إلَيْهِ إثْبَاتَ تِلْكَ الْفُصُولِ فَتُثْبَتُ عِنْدَهُ وَإِلَّا؛ لَمْ يَصِحَّ لَهُ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ حَتَّى تَثْبُتَ تِلْكَ الْفُصُولُ عِنْدَ الْقَاضِي وَيُعْلِمُهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ. (الثَّانِي) فَإِنْ زَوَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ مَا ذَكَرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ حَتَّى يُثْبِتَ مَا يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ فِي الْمَوَانِعِ فَإِنَّ هَذِهِ مَوَانِعُ يُطْلَبُ انْتِفَاؤُهَا قَبْلَ إيقَاعِ الْعَقْدِ، وَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ؛ لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُوجِبُ رَفْعَهُ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَصَحَّ بِهَا فِي دَنِيَّةٍ مَعَ خَاصٍّ لَمْ يُجْبَرْ كَشَرِيفَةٍ دَخَلَ وَطَالَ " ش: إنَّمَا تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَعْنِي وَلِيٍّ خَاصٍّ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُعْلِمَ وَلِيَّهَا فَيُجِيزَ، أَوْ يَفْسَخَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: حَمَلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَهُوَ عِنْدِي مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: يُعَاقَبُ، وَكَيْفَ يُعَاقَبُ عَلَى الْمَكْرُوهِ؟ ، وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: وَكُرِهَ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الْمَنْعِ اهـ. وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنْ يُوقَفَ حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ، أَوْ يَرُدُّهُ؟ قَالَهُ اللَّخْمِيّ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ وَفِيهَا قَبْلَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ قِيلَ لِمَالِكٍ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ بِشُهُودٍ أَيُضْرَبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: أَدَخَلَ بِهَا؟ قَالُوا: لَا، وَأَنْكَرَ الشُّهُودُ أَنْ يَكُونُوا حَضَرُوا

فَقَالَ: لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنِّي رَأَيْتُ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا لَعُوقِبَتْ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَاَلَّذِي أَنْكَحَ وَيُؤَدَّبُ الشُّهُودُ أَيْضًا إنْ عَلِمُوا اهـ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ الشُّهُودُ إلَخْ أَيْ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونُوا عَلِمُوا أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيُؤَدَّبُ الشُّهُودُ إنْ عَلِمُوا هَكَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ فَاعِلَ أَنْكَرَ ضَمِيرًا يَعُودُ إلَى مَالِكٍ أَيْ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ يَحْضُرُونَ مِثْلَ هَذَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنْتُمْ تَقْرَءُونَ الْعِلْمَ وَتَشْهَدُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا اهـ؟ ،. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَيَّدَ الْبَاجِيُّ عَدَمَ عُقُوبَتِهِمْ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ مَشْهُورًا اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ وَهُوَ يُعَاقَبُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: أَرَى أَنَّهُ لَا عُقُوبَةَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ مَذْهَبُهُمَا، أَوْ كَانَا مُقَلِّدَيْنِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ، أَوْ كَانَا يَجْهَلَانِ وَيَظُنَّانِ ذَلِكَ جَائِزًا وَإِنْ كَانَا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فَسَادَ ذَلِكَ فَتُسْتَحْسَنُ الْعُقُوبَةُ وَكَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِوِلَايَةِ الْإِسْلَامِ يُنْظَرُ إلَى مَذْهَبِهِمَا، أَوْ مَنْ يُقَلِّدَانِهِ اهـ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: يَعْنِي أَنَّ عَقْدَ صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْمَالِكُ وَالْوَصِيُّ الَّذِي جُعِلَ لَهُ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ يُفْسَخُ مُطْلَقًا عِيَاضٌ: اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الْخَاصُّ لِغَيْرِ الْمُجْبِرِ مَعَ الْمُجْبِرِ يَبْطُلُ عَقْدُهُ إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَافِلِ وَالْحَاكِمِ فِي الْفَضْلِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) الدَّنِيَّةُ كَالسَّوْدَاءِ والمسلمانية وَالْمُعْتَقَةِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّنْ لَا يُرْغَبُ فِيهِ بِحَسَبٍ وَلَا مَالٍ وَلَا جَمَالٍ. (الثَّانِي) يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فِي الدَّنِيَّةِ وَلَوْ تَوَلَّى الزَّوْجُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَابْنُ عَمٍّ وَنَحْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَإِنْ قَرُبَ فَلِلْأَقْرَبِ، أَوْ الْحَاكِمِ إذَا غَابَ الرَّدُّ " ش: يَعْنِي إذَا اطَّلَعَ عَلَى النِّكَاحِ الَّذِي عُقِدَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ فِي الشَّرِيفَةِ وَكَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ فَلِلْوَلِيِّ الْخَاصِّ أَنْ يَرُدَّهُ وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَجَازَهُ الْوَلِيُّ؛ جَازَ دَخَلَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ فَسْخَهُ بِحِدْثَانِ الدُّخُولِ فَذَلِكَ لَهُ فَأَمَّا إنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ مَعَهَا وَوَلَدَتْ الْأَوْلَادَ؛ أَمْضَيْتُهُ إنْ كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يُفْسَخْ وَقَالَهُ مَالِكٌ اهـ. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَطَالَ لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطُلْ؛ لَهُ الْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ دَخَلَ أَمْ لَا وَبَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ وَطَالَ فَفَهِمَ ابْنُ التَّبَّانِ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا طَالَ تَحَتَّمَ فَسْخُهُ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ وَنَصُّهُ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا أَنَّهُ إذَا طَالَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَتِهِ وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ فِي الْقُرْبِ كَذَا كَانَ يُدَرِّسُهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا اهـ. وَكَذَا قَالَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي فَهْمِ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ ابْنُ التَّبَّانِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِالْقُرْبِ؛ فَلِلْوَلِيِّ إجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَإِنْ طَالَ قَبْلَهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْفَسْخُ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ الْبِنَاءِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا فَسْخُهُ وَإِجَازَتُهُ وَإِنْ طَالَ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ التَّبَّانِ: إنَّهُ مُخَيَّرٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَإِنْ طَالَ، عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَإِلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَفِي تَحَتُّمِهِ إنْ طَالَ قَبْلَهُ تَأْوِيلَانِ وَقَوْلُهُ: " أَوْ الْحَاكِمِ إنْ غَابَ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ إذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ، أَوْ بَعُدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ، بَلْ يَكْتُبُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اسْتَخْلَفَتْ امْرَأَةٌ عَلَى نَفْسِهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا وَلَهَا وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا أَقْعَدُ بِهَا مِنْ الْآخَرِ فَلَمَّا عَلِمَا أَجَازَهُ الْأَبْعَدُ وَرَدَّهُ الْأَقْعَدُ فَلَا قَوْلَ هُنَا لِلْأَبْعَدِ بِخِلَافِ الَّتِي زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ وَكَرِهَ الْأَقْعَدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نِكَاحٌ عَقَدَهُ وَلِيٌّ وَهَذَا نِكَاحٌ

عَقَدَهُ غَيْرُ وَلِيٍّ فَلَا يَكُونُ فَسْخُهُ إلَّا بِيَدِ الْأَقْعَدِ فَإِنْ غَابَ الْأَقْعَدُ وَأَرَادَ الْأَبْعَدُ فَسْخَهُ نَظَرَ فِيهِ السُّلْطَانُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَقْعَدِ قَرِيبَةً؛ بَعَثَ إلَيْهِ وَانْتَظَرَهُ وَلَمْ يُعَجِّلْ وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً نَظَرَ السُّلْطَانُ كَنَظَرِ الْغَائِبِ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ الْحَاضِرِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَهُ بِنَحْوِ الْوَرَقَةِ وَإِنْ كَانَ وَلِيُّهَا غَائِبًا وَقَدْ اسْتَخْلَفَتْ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا فَرَجَعَ أَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ قَبْلَ قُدُومِ وَلِيِّهَا نَظَرَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَبَعَثَ إلَى وَلِيِّهَا إنْ قَرُبَ فَيُفَرِّقُ، أَوْ يَتْرُكُ وَإِنْ بَعُدَ؛ نَظَرَ الْإِمَامُ كَنَظَرِهِ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ الْوَلِيِّ لَمْ يُنْتَظَرْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا وَيَأْتَنِفَ نِكَاحَهَا مِنْهُ إنْ أَرَادَتْهُ وَلَا يَنْبَغِي إنْ ثَبَتَ نِكَاحٌ عَقَدَهُ غَيْرُ وَلِيٍّ فِي ذَاتِ الْحَالِ وَالْقَدْرِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: وَإِذَا أَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِالْفِرَاقِ دُونَهُ اهـ. ص " وَبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبِرْ " ش يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ إذَا عَقَدَهُ الْأَبْعَدُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْبِرًا وَلَوْ كَانَ الْأَبْعَدُ هُوَ الْحَاكِمَ قَالَ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ ابْنِهِ بِرِضَاهَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ ابْنِهِ بِرِضَاهَا وَأَصَابَ وَجْهَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَكُنْ جَوْرٌ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا فَسْخُ ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ مَفْهُومُهُ مَنْ لَهَا وَلِيٌّ فَلَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْقَاضِي وَلِيُّ كُلِّ وَاحِدٍ اهـ. وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُجْبِرْ أَيْ فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ الْقَرِيبُ مُجْبِرًا فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْبَعِيدِ وَالْمُجْبِرُ هُوَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ أَنْكَحَ بِكْرًا ذَاتَ وَصِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَفِي تَحَتُّمِ الْفَسْخِ وَإِجَازَتِهِ بِإِجَازَةِ الْوَصِيِّ. ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ نَظَرَ لَمْ يَفْسَخْ لِعِيَاضٍ عَنْ ظَاهِرِهَا وَابْنِ شَعْبَانَ وَبَعْضِ الشُّيُوخِ اهـ. وَالْمَالِكُ أَيْضًا مُجْبِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (تَنْبِيهٌ) فَإِذَا تَعَدَّدَ الْأَوْصِيَاءُ وَكَانَ وَصِيٌّ وَمُشْرِفٌ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ: لَيْسَ إنْكَاحُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ دُونَ إذْنِ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ إنْكَاحِ الْوَصِيِّ دُونَ إذْنِ الْمُشْرِفِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ وَلِيَّانِ جَمِيعًا كَالسَّيِّدَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا دُونَ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ؛ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا كَنِكَاحٍ عَقَدَهُ غَيْرُ وَلِيٍّ، وَأَمَّا الْمُشَاوَرُ فَلَيْسَ بِوَلِيٍّ وَلَا لَهُ مِنْ وِلَايَةِ الْعَقْدِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمُشَاوَرَةُ فَإِنْ أَنْكَحَ الْوَلِيُّ دُونَ إذْنِهِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُشْرِفُ وَقَفَ عَلَى نَظَرِ الْقَاضِي انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي أَوَائِلِهِ. وَفِي النَّوَادِرِ: إذَا عَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ عَلَى وَلِيَّتِهِ فَنِكَاحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْدُودٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فَيَكُونَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّيْنِ وَالسَّيِّدَيْنِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. (تَنْبِيهٌ) لَوْ فُرِضَ لِلْبِنْتِ أَبَوَانِ كَمَا فِي مَسَائِلِ الْقَافَةِ فَانْظُرْ هَلْ يَكُونَانِ كَالْوَصِيَّيْنِ؟ وَانْظُرْ فِي بَابِ الْوَصَايَا كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ. (تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُؤَلِّفِ عَضْلُ الْوَلِيِّ وَمَسْأَلَةُ الْكَافِلِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ. ص " وَرِضَا الْبِكْرِ

فرع أراد الأب أن يرجع عن ترشيدها ويردها في ولايته فهل له ذلك

صَمْتٌ كَتَفْوِيضِهَا " ش يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ غَيْرُ الْمُجْبِرِ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِرِضَاهَا وَيَكْفِي فِي رِضَا الْبِكْرِ الصُّمَاتُ وَكَذَلِكَ يَكْفِي الصُّمَاتُ فِي تَفْوِيضِهَا إلَيْهِ الْعَقْدَ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْمُوَثِّقِينَ قَالَ: وَانْظُرْ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَوْضِعِ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ وَأَرَادَتْ التَّفْوِيضَ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَعْقِدُ إلَّا بِتَفْوِيضٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَائِدَةٌ) فِي الْحَدِيثِ «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَالْأَيِّمُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا» أَيْ تُبِينُ، وَالْأَيِّمُ فِي اللُّغَةِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا وَلَكِنْ فُهِمَ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْبِكْرِ وَتَأْنِيثِ فِعْلِهِ تَخْصِيصُهُ بِالْأُنْثَى الثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " أَوْ بَكَتْ " ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي كَوْنِهِ إنْكَارًا قَوْلَا الْجَلَّابِ مَعَ الْمُتَيْطِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ مُغِيثٍ قَائِلًا: نَزَلَتْ فَاخْتُلِفَ فِيهَا وَحَكَمَ بِإِمْضَائِهِ قُلْت: الصَّوَابُ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ بُكَائِهَا هَلْ هُوَ إنْكَارٌ، أَوْ لَا؟ انْتَهَى وَعَزَا فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ رِضًا لِلْمَوَّازِيَّةِ أَيْضًا وَلَمْ يَعْزُهُ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَرْشِيدِهَا وَيَرُدَّهَا فِي وِلَايَتِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ] ص " كَبِكْرٍ رَشَدَتْ " ش: يَعْنِي بَعْدَ الْبُلُوغِ قَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ. (فَرْعٌ) فَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَرْشِيدِهَا

وَيَرُدَّهَا فِي وِلَايَتِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُعِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، أَوْ اُفْتِيتَ عَلَيْهَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ رِضَاهَا إلَّا بِالنُّطْقِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا بَلَغَتْ الْيَتِيمَةُ فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا، ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِالْقُرْبِ فَرَضِيَتْ جَازَ وَلَا يَكُونُ سُكُوتُهَا هُنَا رِضًا ابْنُ يُونُسَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ سُكُوتَهَا رِضًا لِتَعَدِّيهِ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ إعْلَامِهَا فَزَوَالُ الْحَيَاءِ عَنْهَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ صَمْتُهَا رِضًا وَالْأَوَّلُ إنَّمَا عَقَدَ بَعْدَ إعْلَامِهَا فَجَعَلَ سُكُوتَهَا رِضًا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا، ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِذَلِكَ فَسَكَتَتْ فَأَعْلَمَهَا أَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا وَتَرَكَ رَدَّهَا لَهُ نُطْقًا؛ يَكُونُ رِضًا بِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ وَهِيَ سَاكِنَةٌ؛ لَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهَا رِضًا وَلَا كَلَامَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا أَخُوهَا، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَالَ وَرَثَتُهُ: لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ قَالَ: تُسْأَلُ هِيَ الْآنَ فَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ رَضِيتُ؛ فَذَلِكَ لَهَا، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ الْبَلَدِ، أَوْ فِيهِ فَتَأَخَّرَ إعْلَامُهَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَضِيَتْ قَالَ سَحْنُونٌ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ وَمِنْهَا الْمَرْأَةُ تُزَوَّجُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَتَسْكُتُ وَلَا تُنْكِرُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ تُنْكِرُ النِّكَاحَ وَتَقُولُ: لَمْ أَرْضَ بِهِ وَتَدَّعِي الْجَهْلَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَجَازَهُ مُجْبِرٌ إلَخْ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ مُجْبِرٌ يَشْمَلُ الْبِنْتَ الْبِكْرَ وَالْأَمَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي تَرْجَمَةِ نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَسَخَ تَزْوِيجَ حَاكِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ ابْنَتَهُ فِي كَعَشْرٍ

وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَّةَ وَظَاهِرُهَا مِنْ مِصْرَ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِيطَانِ كَغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ الثَّلَاثِ وَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ فَالْأَبْعَدُ) ش: أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى اخْتِصَارِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: غَيْبَةُ الْأَبِ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً كَعَشَرَةِ أَيَّامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ فِي مَغِيبِهِ فَإِنْ زُوِّجَتْ فُسِخَ النِّكَاحُ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ، أَوْ السُّلْطَانُ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ انْتَهَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: زَادَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُفْسَخُ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَإِنْ أَجَازَهُ الْأَبُ انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " وَفَسَخَ نِكَاحَ حَاكِمٍ، أَوْ غَيْرِهِ ابْنَتَهُ فِي كَعَشْرٍ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ ابْنَتَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُجْبِرِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَجَازَهُ مُجْبِرٌ إلَخْ. (تَنْبِيهٌ) قَيَّدَ الرَّجْرَاجِيُّ عَدَمَ تَزْوِيجِهَا بِأَنْ لَا يَتَبَيَّنَ ضَرَرُ الْأَبِ فَإِنْ تَبَيَّنَ، زُوِّجَتْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً مُنْقَطِعَةً مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ، أَوْ طَنْجَةَ، أَوْ الْأَنْدَلُسِ مِنْ مِصْرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُهَا إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا وَلَا اسْتَوْطَنَ الْأَبُ الْبَلَدَ الَّذِي هُوَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَدْ تُؤَوَّلُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ تَاجِرًا لِغَيْرِ مُقَامٍ فَلَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَلَا سُلْطَانٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ وَلَيْسَ يُرِيدُ الْمُقَامَ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ فَلَا تَهَجُّمَ لِلسُّلْطَانِ عَلَى ابْنَتِهِ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ إلَّا أَنْ يَسْتَوْطِنَ ذَلِكَ الْبَلَدَ وَيَطُولَ مُقَامُهُ فِيهِ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَالثَّلَاثِينَ حَتَّى يُؤَيِّسْ مِنْ رَجْعَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ أَبَدًا وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَمَنْ غَابَ عَنْ ابْنَتِهِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ كَمَنْ خَرَجَ إلَى الْمَغَازِي إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ وَطَنْجَةَ فَأَقَامَ بِهَا فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا وَلْيُزَوِّجْهَا، وَأَمَّا إنْ خَرَجَ تَاجِرًا، أَوْ فِي سَفَرٍ لِغَيْرِ مُقَامٍ؛ فَلَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَلَا سُلْطَانٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ الِابْنَةُ انْتَهَى فَحُمِلَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَّةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مِصْرَ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: ذَلِكَ مِثْلُ إفْرِيقِيَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ انْتَهَى. وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا الرَّجْرَاجِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَّةِ وَظَهَرَ مِنْ مِصْرَ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِيطَانِ فَصَدَّرَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَأَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ: وَظَهَرَ مِنْ مِصْرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تُؤُوِّلَتْ عَلَيْهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تُؤُوِّلَتْ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لِقُوَّتِهِمَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تُؤُوِّلَتْ عَلَيْهِمَا وَصَدَّرَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ضَعَّفَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ قَالَ

فِي آخِرِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ بِالِاسْتِيطَانِ فَلَا وَجْهَ لَهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ طَالَتْ إقَامَتُهُ بِحَيْثُ لَا يُرْتَجَى قُدُومُهُ بِسُرْعَةٍ غَالِبًا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، أَوْ تِجَارَةٍ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ وَلَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ فَلَا تُزَوَّجُ ابْنَتُهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وَرُبَّمَا يُسْتَرْوَحُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِيطَانِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: غَيْبَةُ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ: غَيْبَةُ انْقِطَاعٍ، وَغَيْبَةُ ارْتِجَاعٍ، وَغَيْبَةُ انْقِطَاعٍ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ وَالِاضْطِرَارِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى التَّرَفُّهِ وَالِاخْتِيَارِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَعْنَى الْغَلَبَةِ وَالِاضْطِرَارِ كَالْأَسِيرِ فَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ فِي حِرْزٍ وَتَخْصِيصٍ وَنَفَقَةٍ جَارِيَةٍ وَلَمْ تَدْعُ إلَى النِّكَاحِ فَلَا تُزَوَّجُ فِي غَيْبَةٍ؛ إذْ لَا يُجْبِرُهَا سِوَاهُ وَإِنْ دَعَتْ إلَى النِّكَاحِ؛ زُوِّجَتْ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ حِرْزٍ وَتَحْصِينٍ، أَوْ كَانَتْ فِي حِرْزٍ وَلَا كِفَايَةَ وَلَا مُؤْنَةَ مَعَهَا فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ إذَا خُشِيَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ وَالضَّيْعَةُ دَعَتْ إلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الِانْقِطَاعِ عَلَى مَعْنَى التَّرَفُّهِ وَالِاخْتِيَارِ؛ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تُعْلَمَ حَيَاتُهُ، أَوْ تُجْهَلَ فَإِنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ وَكَانَ مَوْضِعُهُ قَرِيبًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي إنْكَاحِ بَنَاتِهِ دُعَوْنَ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِهِنَّ فَيَكُونُ كَالْعَاضِلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ الْمَدِينَةِ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تُزَوَّجُ بِلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ إلَّا أَنْ يُخْشَى عَلَيْهَا الْفَسَادُ وَالضَّيْعَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ جُهِلَتْ حَيَاتُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْإِمَامُ يَنْظُرُ لَهَا وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَخَ يُزَوِّجُهَا بِرِضَاهَا وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَفْقُودِ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيِّ، أَوْ الْمَيِّتِ؟ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَبِ غَيْبَةَ ارْتِجَاعٍ كَمَنْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ، أَوْ لِطَلَبِ حَاجَةٍ فَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ بَنَاتِهِ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ هُوَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُعْتَبَرُ فِي غَيْبَةِ أَبِي الْبِكْرِ إلَى مِثْلِ إفْرِيقِيَّةَ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: لِغَيْرِ تِجَارَةٍ مِمَّا لَوْ خَرَجَ إلَى تِجَارَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُزَوَّجُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ يَرْجِعَ عَاجِلًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ غَيْبَةُ انْقِطَاعٍ لَكِنْ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ التِّجَارَةِ أَعَمُّ مِنْ الِانْقِطَاعِ وَمِثْلُ مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ انْتَهَى فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَّةَ مَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ بِسُرْعَةٍ غَالِبًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الِاسْتِيطَانُ الَّذِي هُوَ السُّكْنَى بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ فِيمَنْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ لَا تُزَوَّجُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَرْجِعَ عَاجِلًا وَيُفْهَمُ أَيْضًا ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْآتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا تُزَوَّجُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الرَّاجِحِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ الْأَبِ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ وَنَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْفَسَادَ فَلَا تُزَوَّجُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْيَتِيمَةَ إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ فَلَا تُزَوَّجُ فَأَحْرَى الَّتِي أَبُوهَا حَيٌّ، نَعَمْ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ، أَوْ انْقَطَعَتْ عَنْهَا النَّفَقَةُ فَتُزَوَّجُ حِينَئِذٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ سَفَرُ الْأَبِ قَرِيبًا لَمْ تُزَوَّجْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَعِيدًا، أَوْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ وَهِيَ فِي حَالِ صِيَانَةٍ وَلَمْ تَدْعُ إلَى التَّزْوِيجِ فَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُ نَفَقَةٌ وَهِيَ تَحْتَ حَاجَةٍ؛ زُوِّجَتْ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَكَانَ أَسِيرًا، أَوْ فَقَيْدًا زُوِّجَتْ

وَاخْتُلِفَ إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَسِيرًا فَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهَا تُزَوَّجُ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا تُزَوَّجُ وَإِنْ خُشِيَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ؛ زُوِّجَتْ وَلَمْ تُتْرَكْ دَعَتْ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَالتَّزْوِيجُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَهِيَ بِحَالِ الصِّيَانَةِ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِذَا عَدِمَتْ النَّفَقَةَ وَكَانَتْ تَحْتَ الْحَاجَةِ، أَوْ خُشِيَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُلُوغٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا غَابَ الْأَبُ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ فَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ مَعْلُومَةً وَمَكَانُهُ مَعْرُوفًا إلَّا أَنَّ اسْتِئْذَانَهُ يَتَعَذَّرُ وَهِيَ بَالِغَةٌ فَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ نِكَاحِهَا فَقَالَ مَالِكٌ: يُزَوِّجُهَا الْإِمَامُ إنْ رَفَعَتْ إلَيْهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ بِوَجْهٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ قَطَعَ عَنْهَا النَّفَقَةَ جَازَ إنْكَاحُهَا بِرِضَاهَا وَإِنْ أَكْرَهَهَا لَمْ يَجُزْ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ طُولَ غَيْبَتِهِ ضَرَرٌ بِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ عَضَلَهَا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا قَطَعَ الْأَبُ عَنْهَا النَّفَقَةَ فِي غَيْبَتِهِ وَخُشِيَتْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ فِي أَنَّهَا تُزَوَّجُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُزَوِّجُهَا هُنَا السُّلْطَانُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، أَوْ الْوَلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ النَّفَقَةُ جَارِيَةً أَمْ لَا فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا تُزَوَّجُ مَعَ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ فَأَحْرَى إنْ انْقَطَعَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَسِيرًا، أَوْ فَقَيْدًا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُهَا إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي نَفَقَتِهِ وَأُمِنَتْ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْوَلِيَّ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ فُقِدَ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَأَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ انْتَقَلَ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ كَانَ مُجْبِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُتَيْطِيُّ: وَبِهِ الْقَضَاءُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ الْوَلِيُّ عِنْدَ الْحَاكِمِ طُولَ غَيْبَةِ الْأَبِ وَانْقِطَاعَ خَبَرِهِ وَالْجَهْلَ بِمَكَانِهِ، وَحِينَئِذٍ يُبِيحُ لِلْوَلِيِّ إنْكَاحَهَا اهـ. وَفِي الطِّرَازِ أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُهَا إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ فَجُعِلَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ دُونَ الْوَلِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا اهـ. وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ فَالْأَبْعَدُ) فَمَشَى عَلَى مَا شَهَرَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ الثَّلَاثَ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْآخَرِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَقْرَبِ فَإِذَا غَابَ هَذَا الْأَقْرَبُ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ وَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ يُرِيدُ فَأَكْثَرَ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ لَا لِلْأَبْعَدِ؛ لِأَنَّ غَيْبَةَ الْأَقْرَبِ لَا تُسْقِطُ حَقَّهُ وَالْحَاكِمُ وَكِيلُ الْغَائِبِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ الثَّلَاثَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَقْرَبِ عَلَى مَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَفْعَلُ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُرْسِلُ لِلْوَلِيِّ وَيُعْلِمُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقُرْبُ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ كَحُضُورِهِ، وَبَعِيدُهَا قَالَ الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ الْوَلِيِّ زَوَّجَ السُّلْطَانُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي كَوْنِ السُّلْطَانِ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ أَحَقَّ مِنْ الْأَبْعَدِ، أَوْ الْعَكْسَ قَوْلُهَا وَنَقَلَ اللَّخْمِيّ انْتَهَى، وَانْظُرْ إذَا أُسِرَ الْأَقْرَبُ غَيْرُ الْأَبِ، أَوْ فُقِدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ أُسِرَ، أَوْ فُقِدَ انْتَقَلَ لِلْأَبْعَدِ وَإِنْ كَانَ مُجْبِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْقَضَاءُ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَإِنْ أُسِرَ أَيْ الْأَبُ، أَوْ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ

لِلْأَبْعَدِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ إذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ذَكَرَتْ مَعْرِفَةَ الشُّهُودِ أَنَّ النِّكَاحَ نَظَرٌ لَهَا وَأَنَّ الصَّدَاقَ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا يُفْعَلُ فِي الْوَصِيِّ؛ إذْ الْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِي هَذَا النَّظَرِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ كَمَا يَفْعَلُ فِي إنْكَاحِهِ لَهَا غَيْرَهُ فَانْظُرْهُ. ص (كَذِي رِقٍّ وَصِغَرٍ وَعَتَهٍ وَأُنُوثَةٍ) ش: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَذْكُرَ شُرُوطَ الْوَلِيِّ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِضِدِّ الشُّرُوطِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ عَلَى ابْنَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا وَيَقْبَلُ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَعْتُوهٍ وَلَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا وَلَا غَيْرَهَا، بَلْ تَلِي عَلَى عَبْدِهَا وَعَلَى الذَّكَرِ الْمُوَلَّاةِ هِيَ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: شُرُوطُ الْوِلَايَةِ ثَمَانِيَةٌ: سِتَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا فَالسِّتَّةُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا حَلَالًا مُسْلِمًا وَالِاثْنَانِ: أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا عَدْلًا اهـ. فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَلَامِهِ هَذَا ذِكْرُ شُرُوطِ الْوِلَايَةِ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِضِدِّ الشُّرُوطِ فَهُوَ مُشَبَّهٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي سُقُوطِ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ اتَّصَفَ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لَا فِي الِانْتِقَالِ فَقَدْ لَا يَكُونُ هُنَاكَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُشْكِلُ ذِكْرُ الْأُنُوثَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا: التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِانْتِقَالِ الْوِلَايَةِ، أَوْ لِسُقُوطِهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً وَمَالِكَةً وَمُعْتِقَةً لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوصَفَ بِالْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ أُنُوثَتَهَا لَا تُفَارِقُهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ فَإِنَّ الْمَانِعَ لَهُمْ عَارِضٌ غَيْرُ ذَاتِيٍّ يُرْتَجَى زَوَالُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " كَعَبْدٍ أَوْصَى " ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ فِي بَنَاتِهِمَا فَلَا يَعْقِدَانِ النِّكَاحَ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَسْتَخْلِفَانِ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا فَالْعَبْدُ يُزَوِّجُ ابْنَهُ وَابْنَ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَا يُزَوِّجُ

ابْنَتَهُ، أَوْ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُزَوِّجُ ابْنَةَ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَا يُزَوِّجُهَا هُوَ وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ سَوَاءٌ مِثْلُ الْعَبْدِ فِي هَذَا وَالْمَرْأَةُ تَلِي الْعَقْدَ عَلَى مَنْ إلَى نَظَرِهَا مِنْ الذُّكُورِ وَلَا تَلِيهِ عَمَّنْ إلَى نَظَرِهَا مِنْ النِّسَاءِ لَكِنَّهَا تَسْتَخْلِفُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلًا يَصِحُّ لَهُ الْعَقْدُ اهـ. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي آخِرِ رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجِ الْجَمِيعِ " ش: يَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ الْمَحْرَمَ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " لَا الْعَكْسُ " ش: يَعْنِي إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا يُزَوِّجُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمَرْأَةَ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَلِيقُ بِهِ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ. ص " وَلِابْنِ عَمٍّ وَنَحْوِهِ إنْ عَيَّنَ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِ تَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا وَتَرْضَى وَتُوَلِّي الطَّرَفَيْنِ " ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ، أَوْ وَصِيًّا، أَوْ كَافِلًا أَوْ مَوْلَى أَعْلَى فَأَرَادَ تَزْوِيجَ وَلِيَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ لَهُ ذَلِكَ وَيَتَوَلَّى طَرَفِي الْعَقْدِ فَيَعْقِدُ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ وَلَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا وَلِلَّخْمِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ: لَا يَعْقِدُ وَلَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَيُزَوِّجَهَا مِنْهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي مِمَّنْ أَحْبَبْت فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ لَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ وَلَهَا أَنْ تُجِيزَ، أَوْ تَرُدَّ اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فَإِذَا رَضِيَتْ بِهِ أَشْهَدَ عَلَى رِضَاهَا خَوْفَ إنْكَارِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، بَلْ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا اهـ. وَنَحْوُ ابْنِ الْعَمِّ الْحَاكِمُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ فَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ صِحَّةُ ذَلِكَ فِي الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ خُصُوصًا عِبَارَةُ التَّلْقِينِ وَنَصُّهُ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَلِيَ نِكَاحَ نَفْسِهِ مِنْ وَلِيَّتِهِ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ وِلَايَتُهُ اهـ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: بَابٌ إذَا كَانَ الزَّوْجُ وَلِيًّا هَلْ تُوَكِّلُهُ فَيُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَكُونُ زَوْجًا وَوَلِيًّا وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَأَحْمَدَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا وَلِيَّ لَهَا وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى وِلَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَتْ دَنِيَّةً لَا قَدْرَ لَهَا يَجُوزُ أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يُزَوِّجُهَا عَلَى الْعَقْدِ فَيَعْقِدُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَوْلِيَائِهَا وَيُمْنَعُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ يَعْقِدُ لَهَا مِنْهُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَإِنْ وَكَّلَهُ مَضَى وَجَازَ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (وَإِنْ تَنَازَعَ الْأَوْلِيَاءُ الْمُتَسَاوُونَ فِي الزَّوْجِ، أَوْ الْعَقْدِ نَظَرَ

الْحَاكِمُ) ش هَكَذَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ سَعْدُونَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَوْلِيَاءُ وَهُمْ فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ نَظَرَ السُّلْطَانُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيمَنْ يَعْقِدُ، أَوْ فِي الزَّوْجِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ فِي الزَّوْجِ تَعَيَّنَ مَنْ عَيَّنَتْهُ الْمَرْأَةُ إنْ كَانَ كُفُؤًا وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتُحْمَلُ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ تُعَيِّنْ أَحَدًا وَفَوَّضَتْ إلَيْهِمْ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَلِي الْعَقْدَ فَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ سِتَّةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ يَنْظُرُ السُّلْطَانُ الثَّانِي لِعَبْدِ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: تُعَيِّنُ الْمَرْأَةُ أَحَدَهُمْ الثَّالِثُ لِلَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: أَفْضَلَهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَسَنَّهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَلِيَهُ كُلُّهُمْ إنْ تَشَاحُّوا وَزَادَ الْمُتَيْطِيُّ وَالْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُفَوِّضَ لِأَحَدِهِمْ دُونَ سَائِرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلِيِّ. (قُلْت) وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَلِيَهُ كُلُّهُمْ هَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولُوا لَهُ جَمِيعًا زَوَّجْنَاكَ فُلَانَةَ؟ وَلَفْظُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ وَالسِّنِّ فَذَلِكَ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عَقْدِ ذَلِكَ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَلَا إشْكَالَ إنْ فَوَّضُوا جَمِيعًا لِرَجُلٍ يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) لِلْكَافِي أَفْضَلُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا عَقَدَ السُّلْطَانُ، أَوْ مَنْ يُعَيِّنُهُ مِنْهُمْ. (الْخَامِسُ) أَيْضًا يُعَيِّنُ أَحَدَهُمْ وَلَا يَعْقِدُ هُوَ. (السَّادِسُ) اللَّخْمِيُّ لَوْ قِيلَ: يَعْقِدُونَ أَجْمَعُونَ دُونَ تَعْيِينِ الْأَفْضَلِ كَانَ حَسَنًا وَلَا إشْكَالَ إنْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَعَقَدَ فِي صِحَّةِ عَقْدِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ بِمَا عِنْدَ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا لِلْآخَرِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانُوا فِي دَرَجَةٍ أَنْ يُزَوِّجَ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إذْنِ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَإِنْ أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ فَعَقَدَا فَلِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ الثَّانِي بِلَا عِلْمٍ " ش: أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ يَعْنِي بِأَنْ تَكُونَ فَوَّضَتْ إلَيْهِمَا فِي رَجُلَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ، أَوْ لِمَا عَيَّنَ لَهَا الثَّانِي نَاسِيَةً الْأَوَّلَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ الثَّانِي فَإِنْ تَلَذَّذَ فَهِيَ لِلثَّانِي وَهُوَ كَذَلِكَ وَانْظُرْ لَوْ خَلَا بِهَا، ثُمَّ تَصَادَقَ هُوَ وَالزَّوْجَةُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَلَذُّذٌ وَلَا وَطْءٌ مَا الْحُكْمُ؟ هَلْ تَكُونُ هَذِهِ الْخَلْوَةُ فَوْتًا عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ لَا تَكُونُ فَوْتًا؟ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الدُّخُولَ فَوْتٌ وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا ثَبَتَ لِلثَّانِي هَلْ يُفْسَخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ بِطَلَاقٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ أَحَدُهُمَا وَجُهِلَ الْأَوَّلُ فَهَلْ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ، أَوْ الْوَلِيَّانِ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْأَوَّلُ فِيهِ قَوْلَانِ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْوَاضِحَةِ: التَّصْدِيقُ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ: وَانْظُرْ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّهُ زَوَّجَ وَقَدْ عَلِمَ بِتَزْوِيجِ الْآخَرِ قَبْلَهُ هَلْ يَصِحُّ لَهُ النِّكَاحُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، أَوْ لَا؟ انْتَهَى. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا عِلْمٍ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وَدَخَلَ لَمْ تَفُتْ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الدُّخُولُ وَكَانَتْ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهَا لِلثَّانِي أَنْ يَدْخُلَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْأَوَّلِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ ثَانٍ؛ فَلَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يُفِيدُهُ طَلَاقُ الْأَوَّلِ، أَوْ مَوْتُهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ هَلْ يُحَدُّ، أَوْ لَا يُحَدُّ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَدَخَلَا جَمِيعًا فُسِخَ النِّكَاحَانِ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ وَيَدْخُلُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ، أَوْ الْوَلِيَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَاقُهَا الْمُسَمَّى بِالْمَسِيسِ انْتَهَى، وَأَمَّا إذَا دَخَلَا جَمِيعًا وَعُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فِي الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَمْ يَعْلَمْ بِعَقْدِ الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ دُخُولُ الثَّانِي قَبْلَ دُخُولِ الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَهُ لِكَوْنِهِ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي دَخَلَ قَبْلَ الثَّانِي قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَا شَكَّ فِي مُضِيِّ نِكَاحِهِ وَإِبْطَالِ إنْكَاحِ الْآخَرِ انْتَهَى. ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِي انْتَهَى إلَّا أَنَّهُمَا قَالَاهُ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَدْخُلْ الثَّانِي

فسخ النكاح بلا طلاق

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْ دَخَلَ الْأَوَّلُ فَاتَتْ عَلَى الثَّانِي كَمَا قَالَا فَوَطْءُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَقَدَ عَلَى زَوْجَةِ شَخْصٍ وَدَخَلَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " إنْ لَمْ تَكُنْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَلَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَظْهَرِ " ش: هَذَا شَرْطٌ فِي تَفْوِيتِ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ أَنَّ طَلَاقَ الْأَوَّلِ لَا يَضُرُّ الثَّانِيَ سَوَاءٌ عَقَدَ الثَّانِي وَدَخَلَ قَبْلَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ، أَوْ عَقَدَ وَدَخَلَ بَعْدَ طَلَاقِهِ، أَوْ عَقَدَ قَبْلَ طَلَاقِهِ وَدَخَلَ بَعْدَ طَلَاقِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا عِدَّةَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي وَفَاةِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَقَدَ الثَّانِي وَدَخَلَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهِيَ لَهُ وَلَا تَرِثُ الْأَوَّلَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَقْدُ وَالدُّخُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَتَرِثُهُ وَتَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي عَلَى التَّأْبِيدِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالدُّخُولُ بَعْدَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَانْظُرْ التَّوْضِيحِ وَكَانَ الْأَلْيَقُ بِقَاعِدَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يُشِيرَ لِابْنِ رُشْدٍ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا مِنْ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا خَرَّجَهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَسْخ النِّكَاح بِلَا طَلَاق] ص " وَفَسَخَ بِلَا طَلَاقٍ إنْ عَقَدَا بِزَمَنٍ، أَوْ لِبَيِّنَةٍ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ ثَانٍ لَا إنْ أَقَرَّ، أَوْ جُهِلَ الزَّمَنُ " ش: اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ يُفْسَخُ فِيهَا النِّكَاحُ لَكِنْ ثِنْتَانِ بِطَلَاقٍ وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَبَعْضُهَا يُفْسَخُ فِيهَا النِّكَاحَانِ مَعًا وَبَعْضُهَا يُفْسَخُ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا وَبَعْضُهَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَبَعْضُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَطْ وَجَمَعَهَا الْمُصَنِّفُ لِلِاخْتِصَارِ فَقَوْلُهُ: وَفَسَخَ بِلَا طَلَاقٍ إنْ عَقَدَا بِزَمَنٍ أَشَارَ بِهِ إلَى إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ فِيهِمَا بِلَا طَلَاقٍ وَهِيَ مِمَّا يُفْسَخُ فِيهَا النِّكَاحَانِ مَعًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْفَسْخَ بِلَا طَلَاقٍ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّ الْمَشْهُورَ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ وَسَلَّمَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ الْفَسْخَ فِيهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ اعْتَمَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ مَعَ الِاتِّحَادِ لَمْ أَرَهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِاسْتِحَالَةِ الشَّرِكَةِ فِي الزَّوْجَةِ شَرْعًا فَلَمْ تَدْخُلْ فِي عِصْمَةِ أَحَدِهِمَا انْتَهَى، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ التَّوْضِيحِ: وَأَقُولُ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا انْتَهَى. فَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَنْ قَالَ فِيهَا إنَّ الْفَسْخَ بِطَلَاقٍ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَنْ نَصَّ عَلَى مَسْأَلَةِ اتِّحَادِ الْعَقْدَيْنِ بِزَمَنٍ وَاحِدٍ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ نَصَّ عَلَيْهَا اللَّخْمِيُّ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمْ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ اتَّحَدَ زَمَنُ الْعَقْدَيْنِ حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْأَوَّلَ، أَوْ تَعَدَّدَ الزَّمَنُ وَلَكِنْ جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْ الزَّمَانَيْنِ مَعَ الْجَهْلِ بِالْأَوَّلِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا شَكَّ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْلَى وَلِظُهُورِ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْوَجْهِ سَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ دُخُولٌ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَذَكَرَهَا فَقَوْلُهُ: فَلَا شَكَّ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْلَى قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَا إذَا جُهِلَ الزَّمَانُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَرُجُوعُهُ لِمَسْأَلَةِ اتِّحَادِ زَمَنِ الْعَقْدَيْنِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ، وَأَمَّا الْوَجْهُ

الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا فَوَّضَتْ أَمْرَهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ تُفَوِّضَ أَمْرَهَا إلَى رَجُلَيْنِ فَزَوَّجَهَا هَذَا مِنْ رَجُلٍ وَهَذَا مِنْ رَجُلٍ فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا عَقَدَا مَعًا، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا بِالْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ عَقَدَا عَلَيْهَا مَعًا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِالدُّخُولِ انْتَهَى. ، وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَلَوْ عَقَدَ الْوَلِيَّانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ مَعًا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا دَخَلَا بِهَا، أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ فَاسِدَانِ لِعِلْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِ الْآخَرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: وَلَوْ عَقَدَ الْوَكِيلَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَسَخَا وَلَوْ بَنَى بِأَحَدِهِمَا لِعِلْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِ الْآخَرِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ فَسَخَا جَمِيعًا: فِي الْكِتَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الْأُولَى إذَا عُلِمَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَدْخُلْ الثَّانِي فَهَذِهِ تُرَدُّ لِلْأَوَّلِ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِي بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ دَخَلَ بِهَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ قَالَ فِي الْكِتَابِ: الثَّانِي أَحَقُّ. الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَعْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَذِهِ أَيْضًا قَالَ فِيهَا فِي الْكِتَابِ: فَسَخَا جَمِيعًا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى مَذْهَبِ الْكِتَابِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُفْسَخُ حَكَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَمَعْنَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ اتِّفَاقُ الْعَقْدَيْنِ، وَأَمَّا إنْ أَمْكَنَ اتِّفَاقُهُمَا فَهَذِهِ صُورَةٌ رَابِعَةٌ لَا يُفِيتُهَا دُخُولَ أَحَدِهِمَا وَيُفْسَخُ النِّكَاحَانِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ عِنْدَهُمَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ. الْخَامِسَةُ: أَنْ يَتَّحِدَ زَمَنُ الْعَقْدَيْنِ يَقِينًا إمَّا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ مَجْلِسَيْنِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَ عَقْدُهُمَا فِي مَجْلِسٍ فَنِكَاحُهُمَا فَاسِدٌ لِعِلْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِ الْآخَرِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ: إذْ لَيْسَ هَذَا أَوْلَى مِنْ هَذَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ وَتَعْلِيلُ الْغَزَالِيِّ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَجْلِسَيْنِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مُتَّحِدٌ وَتَعْلِيلُ اللَّخْمِيِّ إنَّمَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْمَجْلِسُ وَاحِدًا وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اتِّحَادِ زَمَنِ الْعَقْدَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَجْلِسَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْعَقْدَيْنِ تَارَةً بِتَيَقُّنِ اتِّحَادِ زَمَانِهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ وَتَارَةً يُمْكِنُ اتِّفَاقُهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ بِبَيِّنَةٍ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ ثَانٍ فَأَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ فِيهِمَا بِلَا طَلَاقٍ وَقَوْلُهُ: لَا إنْ أَقَرَّ أَشَارَ بِهِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُفْسَخُ فِيهِمَا النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِعِلْمِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَالزَّوْجِ الثَّانِي وَرُجُوعُهُ إلَى الزَّوْجِ الثَّانِي أَقْرَبُ لِذِكْرِ مُقَابِلِهِ بِقَوْلِهِ لَا إنْ أَقَرَّ وَالْحُكْمُ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ ثَانٍ الْفَسْخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا فَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ الْفَسْخَ بِطَلَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَلِيُّ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَالْفَسْخُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَالْفَسْخُ فِيهِمَا لِنِكَاحِ الزَّوْجِ الثَّانِي فَقَطْ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ جُهِلَ الزَّمَنُ أَيْ جُهِلَ زَمَنُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَأَشَارَ بِهِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُفْسَخُ فِيهِمَا النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ فَسْخُ النِّكَاحَيْنِ مَعًا بِطَلَاقٍ إنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا؛ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَكٍّ فَقَدْ يَكُونُ الْأَخِيرَ؛ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا اهـ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فَأَمَّا إنْ جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَحَدُهُمَا، أَوْ لَا يَدْخُلَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَأَنَّ الدُّخُولَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُوَ الْأَخِيرَ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى هَذَا

فرع تزوجها أحدهما بعد زوج كانت عنده على طلقتين

النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ نِكَاحَهُمَا مَفْسُوخٌ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَسْخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فُسِخَ بِالْغَلَبَةِ وَقِيلَ: بِطَلَاقٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ [فَرْعٌ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا بَعْدَ زَوْجٍ كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا بَعْدَ زَوْجٍ كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ زَوْجٍ كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ فَإِنَّمَا تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا تَجْدِيدٌ لِنِكَاحِهِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ طَلَاقًا وَإِنْ كَانَ الْأَخِيرَ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ نِكَاحٌ وَيَقَعُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَتَزَوَّجْهَا بِتَزْوِيجِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا مِنْهُمَا طَلْقَةٌ فَمَتَى تَزَوَّجَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ اهـ وَتَعَقَّبَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْفَسْخِ هَلْ تَرْجِعُ عِنْدَهُ عَلَى جَمِيعِ الطَّلَاقِ، أَوْ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ إطْلَاقِ الْمِلْكِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ كَلَامًا مُتَنَاقِضًا فِي نَفْسِهِ وَقَالَ لَا يَخْلُو الَّذِي تَزَوَّجَهَا مِنْهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ، أَوْ بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِرُمَّتِهِ وَقَالَ إثْرَهُ: هَذَا الْكَلَامُ مَدْخُولٌ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ الَّذِي فُسِخَ بِهِ نِكَاحُهُمَا إنْ كَانَ بِطَلَاقٍ فَكَيْفَ تَرْجِعُ عِنْدَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ وَقَعَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ؟ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِتَزْوِيجِ غَيْرِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ عَلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ؟ وَهَذَا الْكَلَامُ كَمَا تَرَاهُ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا اهـ. ص " وَإِنْ مَاتَتْ وَجُهِلَ الْأَحَقُّ فَفِي الْإِرْثِ قَوْلَانِ " ش الْأَحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَدْخُلَا وَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَالثَّانِي هُوَ الْأَحَقُّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ فَفِي الْإِرْثِ قَوْلَانِ أَيْ فَهَلْ يُقَسَّمُ الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، أَوْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا؟ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَجَّحَهُ التُّونُسِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ لُغْزًا يُقَالُ: مَا امْرَأَةٌ يَرِثُهَا زَوْجَانِ مَعًا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَعَلَى الْإِرْثِ فَالصَّدَاقُ " ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْإِرْثِ إلَّا بَعْدَ دَفْعِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ اهـ. بِالْمَعْنَى وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْبَحْثَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللُّبَابِ: مَنْ كَانَ صَدَاقُهُ قَدْرَ مِيرَاثِهِ فَأَقَلَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَ مِيرَاثُهُ أَقَلَّ غَرِمَ مَا زَادَ عَلَى مِيرَاثِهِ لِإِقْرَارِهِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَالتُّونُسِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُذَاكِرِينَ، ثُمَّ قَالَ التُّونُسِيُّ: هَذَا إنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ شَكَّا فَلَا غُرْمَ اهـ. فَفُهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصَّدَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَإِلَّا فَزَائِدُهُ " ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالْإِرْثِ فَاللَّازِمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الزَّائِدُ عَلَى مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْإِرْثِ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ اللُّبَابِ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَعَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَالتُّونُسِيِّ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَإِنْ مَاتَ الرَّجُلَانِ فَلَا إرْثَ وَلَا صَدَاقَ " ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ مَاتَا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا إرْثَ لَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ وَلَهَا أَخْذُ مَنْ وَافَقَتْهُ عَلَى أَنَّهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا مُدَّعِيًا أَنَّهُ الْأَحَقُّ وَصَدَّقَتْهُ فِي دَعْوَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَهَا أَخْذُ الصَّدَاقِ وَيُخْتَلَفُ فِي الْمِيرَاثِ اهـ. ص " وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ " ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهَا فِي تَصْدِيقِ مَنْ صَدَّقَتْ وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَّقَتْهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ. وَعَدَّ فِي التَّوْضِيحِ مَا يُفِيتُهُ الدُّخُولُ وَمَا لَا يُفِيتُهُ وَقَالَ إنَّ مَا يُفِيتُهُ الدُّخُولُ تِسْعٌ وَمَا لَا يُفِيتُهُ خَمْسٌ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ وَالْبِسَاطِيُّ وَتَكَلَّمَ هُنَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى وَاحِدَةٍ فِي بَابِهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُفِيتُهُ الدُّخُولُ عَلَى الْمَشْهُورِ. مَسْأَلَةٌ مَنْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ بَعْدَ الرُّكُونِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْهِنْدُوَانِيّ

ص " وَفُسِخَ مُوصًى وَإِنْ بِكَتْمِ شُهُودٍ مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ بِمَنْزِلٍ، أَوْ أَيَّامٍ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَيُطِلْ وَعُوقِبَا وَالشُّهُودَ " ش: يَعْنِي أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ هُوَ الْمُوصَى بِكَتْمِهِ وَإِنْ بِكَتْمِ شُهُودٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الْبَاجِيُّ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَلَوْ كَانُوا مِلْءَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا الْبَاجِيُّ: إنْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ عَلَى كَتْمِهِ وَلَمْ يُعْلِمُوا الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ اهـ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَفُسِخَ " يَدُلُّ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ اسْتَكْتَمَ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجَةُ الشُّهُودَ دُونَ الزَّوْجِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا وَعَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ نِكَاحُ السِّرِّ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعِنْدَ يَحْيَى نِكَاحُ السِّرِّ مَا كَانَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، أَوْ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّمَا يَفْسُدُ إذَا أَوْصَى بِالْكِتْمَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا لَوْ أَمَرَ الشُّهُودَ بِالْكِتْمَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَيُؤْمَرُونَ بِإِشْهَارِهِ قَالَ أَشْهَبُ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَكَحَ عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِكْتَامِ فَلْيُفَارِقْ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَصْبَغُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَوَاطَأَ الزَّوْجَةُ وَالْوَلِيُّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ تَصْوِيبُ التُّونُسِيِّ تَعَقُّبَ أَصْبَغَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ لَمْ يَقُلْ بِفَسْخِ النِّكَاحِ كَمَا ظَنَّهُ أَصْبَغَ وَإِنَّمَا رَأَى فِرَاقَهُ اسْتِحْسَانًا لِإِقْرَارِهِ بِبَيِّنَةٍ وَفِعْلٍ وَالطَّلَاقُ بِيَدِهِ لَا أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الزَّوْجَةِ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ وَلَا أَقَرَّتْ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ وَلَهَا صَدَاقُهَا إنْ كَانَ أَصَابَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ: مَنْ قَامَ مِنْ عَقْدِ نِكَاحِهِ لِمَنْ قَالَ لَهُ: كَأَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَلَى إمْلَاكٍ فَقَالَ: لَا أَكْرَهُهُ وَأَكْتُمُهُ وَأُحِبُّ أَنْ يُشَاعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ هَذَا اهـ. ص " وَعُوقِبَا وَالشُّهُودَ " ش: الْأَرْجَحُ فِي الشُّهُودِ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَيَجُوزُ الْعَطْفُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ الْعُقُوبَةُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعَاقَبُ الشَّاهِدَانِ إنْ جَهِلَا ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: يُعَاقَبُ عَامِدُ فِعْلِهِ مِنْهُمْ اهـ. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الشَّاهِدَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ وَالْوَلِيَّ إلَّا أَنْ يُعْذَرُوا لِجَهْلٍ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص " وَقَبْلَ الدُّخُولِ وُجُوبًا عَلَى أَنْ لَا تَأْتِيَهُ إلَّا نَهَارًا " ش: إنَّمَا قَالَ وُجُوبًا خَشْيَةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ: لَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ دَخَلَ ثَبَتَ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ اهـ. وَمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَانْظُرْهُ وَكَوْنُهُ يُفْسَخُ يَسْتَلْزِمُ الْمَنْعَ مِنْهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " أَوْ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ غَيْرِ " ش: أَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ

بَعْضِهِمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَوَّزَهُ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَرُبَ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ شَرَطَ مَشُورَةَ مَنْ قَرُبَ بِالْبَلَدِ بِإِتْيَانِهِ مِنْ فَوْرِهِمَا جَازَ اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَحَيْثُ يَجُوزُ سَمِعَ أَصْبَغَ لَا إرْثَ فِيهِ وَلَهُ تَرْكُ الْمَشُورَةِ وَمُخَالَفَةُ رَأْيِ الْمُسْتَشَارِ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا إلَّا نَقْلَ التُّونُسِيِّ عَنْ ظَاهِرِ كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ سَبَقَ رَأْيُ الْمُسْتَشَارِ لَزِمَ كَالْبَيْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْإِرْثُ فِيهِ بَعْدَ الرِّضَا وَالْمَشُورَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَهَا الْمُسَمَّى دُونَ صَدَاقِ الْمِثْلِ. ص " وَجَاءَ بِهِ " ش: يُرِيدُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَتَى الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ إلَى الْأَجَلِ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. مِنْ التَّوْضِيحِ. ص "، أَوْ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا " ش: مِنْ الشُّرُوطِ الْمُنَاقِضَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَأَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ رَجُلًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي هَذَا قَالَ عِيسَى: وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْهُ قَالَ: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ دَخَلَ جَازَ وَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ مَالِكٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ الْأَبُ أَيُوقَفُ لَهَا مَالُهُ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ اسْتِنْكَارًا لِذَلِكَ؟ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ لِي: هَذَا وَشِبْهُهُ وَأَكْثَرُ الْكَلَامِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شَرْطِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ عَلَى وَالِدِ الِابْنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَوَلِيِّ السَّفِيهِ حَتَّى يَرْشُدَ أَجَازَهُ مَرَّةً وَكَرِهَهُ أُخْرَى. وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةَ ذَلِكَ وَزَادَ لُزُومَ ذَلِكَ مَا عَاشَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ مُوَلًّى عَلَيْهِ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَقَعْ بَيَانُ إنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ، أَوْ الْوَلِيُّ قَبْلَ رُشْدِ الْيَتِيمِ وَسَقَطَتْ النَّفَقَةُ بِمَوْتِهِمَا هَلْ تَعُودُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَمَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ لَا تَعُودُ عَلَيْهِمَا إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَرُشْدِ الْيَتِيمِ؟ فَإِنْ شَرَطَ عَوْدَهَا فِي مَالِهِمَا جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا. وَإِنْ شَرَطَ سُقُوطَهَا إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَرُشْدِ الْيَتِيمِ؛ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ مُبْهَمًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ دَخَلَ جَازَ وَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ بِالْمُسَمَّى، أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؟ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ شَرَطَ النَّفَقَةَ فِي نِكَاحِ الْكَبِيرِ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِهِ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلَّا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِكَوْنِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِظُهُورِ الْغَرَرِ وَالْفَسَادِ فِي هَذِهِ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى إعْطَاءِ الزَّوْجِ حَمِيلًا بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمَهْرِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ بَيَانُ رُجُوعِهَا عَلَى الزَّوْجِ إنْ مَاتَ مَنْ اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ مَا يُبْطِلُ النَّفَقَةَ عَنْهُ؛ جَازَ النِّكَاحُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ: يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ خِلَافُ السُّنَّةِ وَيُمْضَى بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ وَإِلَيْهِ نَحَا الْأَبْهَرِيُّ وَمَا قُلْنَاهُ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ انْتَهَى. بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالِاخْتِصَارِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ بَعْدَهُ فِي رَسْمِ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ وَسُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ يُزَوَّجُ وَيَشْتَرِطُ النَّفَقَةَ عَلَى سَيِّدِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لَوْ هَلَكَ ذَهَبَ الشَّرْطُ وَلَوْ جَازَ هَذَا لَأَخَذَ لَهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَالَ عِيسَى قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ: يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَبْدِ وَسَقَطَ الشَّرْطُ عَلَى السَّيِّدِ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ رَجُلًا يُشِيرُ إلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ النَّفَقَةِ عَلَى

السَّيِّدِ فَمَنَعَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَأَجَازَهُ أَبُو مُصْعَبٍ انْتَهَى فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ عَلَى أَبِيهِ، أَوْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ عَلَى وَلِيِّهِ فَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأُلْغِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى ذَلِكَ وَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِالْتِزَامِ النَّفَقَةِ، أَوْ الْأَبُ، أَوْ الْوَلِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَسُئِلَ عَمَّنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ، ثُمَّ مَاتَ هَلْ تُوقَفُ تَرِكَتُهُ لِذَلِكَ؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي تَرِكَةِ السَّيِّدِ إنْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَ الْمَوْتِ هِبَةً لَمْ تُقْبَضْ وَلَوْ شُرِطَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ لَكَانَ فَاسِدًا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ وَقِيلَ: لَا يُفْسَخُ إذَا أَسْقَطَتْ شَرْطَهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ الْغَرَرُ؛ إذْ قَدْ يَمُوتُ السَّيِّدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِصْمَةِ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِصْمَةِ لَرَجَعَتْ عَلَى الْعَبْدِ؛ جَازَ وَلَوْ اخْتَلَفَا هَلْ كَانَ شَرْطًا، أَوْ تَطَوُّعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الشَّرْطَ لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ هَذَا الَّذِي أَقُولُ بِهِ عَلَى مِنْهَاجِ مَذْهَبِ مَالِكٍ انْتَهَى وَمِثْلُهُ يُقَالُ: فِي الصَّبِيِّ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَأُلْغِيَ " ش: يَعْنِي وَأُلْغِيَ الشَّرْطُ الْمُنَاقِضُ فَلَا يُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فُسِخَ وُجُوبًا يُرِيدُ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِنْ بَادَرَ الزَّوْجُ وَدَخَلَ مَضَى النِّكَاحُ وَسَقَطَ الشَّرْطُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: اتَّفَقُوا إنْ بَنَى بِشَرْطِ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى ثُبُوتِ النِّكَاحِ وَسُقُوطِ الشَّرْطِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى أَقْسَامِ الشُّرُوطِ: السَّادِسُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا نَهَارًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَهَا عَلَى غَيْرِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُعْطِيَهَا الْوَلَدَ، أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا، أَوْ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَا يَصِحُّ الْوَفَاءُ بِهَا وَاخْتُلِفَ فِي النِّكَاحِ فَقِيلَ: يُفْسَخُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَقِيلَ: يُفْسَخُ قَبْلُ وَيَثْبُتُ بَعْدُ وَيَمْضِي عَلَى سُنَّةِ النِّكَاحِ وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُطْلَقًا كَالنِّكَاحِ لِأَجَلٍ) ش: هَذَا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْفَسْخُ فِيهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَقِيلَ: بِطَلَاقٍ وَيُعَاقَبُ الزَّوْجَانِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُهَا مَعَ غَيْرِهَا وَلَوْ بَعُدَ الْأَجَلُ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهُ عُمُرُ أَحَدِهِمَا وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِإِلْغَاءِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ إلْغَاءُ مَانِعِيَّتِهِ؛ فَلَا يَكُونُ النِّكَاحُ فِيهِ مُتْعَةً لَوْلَا أَنَّ الْمَانِعَ الْوَاقِعَ فِي الْعَقْدِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا مِنْهُ وَاقِعًا بَعْدَهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْأَجَلَ الْبَعِيدَ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ أَحَدُهُمَا لَا يَضُرُّ قَالَ: قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ قَرُبَ، أَوْ بَعُدَ. الشَّيْخُ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عُمْرُهُمَا، أَوْ عُمْرُ الزَّوْجِ انْتَهَى. وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ يَتَزَوَّجُ وَنِيَّتُهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَالرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ

تنبيهات حكم نكاح الشغار

لِهَوًى، اُنْظُرْهَا فِي آخِرِ رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ حَرَّرَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ وَكَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي الشَّامِلِ وَفِي اللَّخْمِيِّ وَلَكِنَّ كَلَامَ الْبَيَانِ أَتَمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي ضَابِطِ مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَا يُفْسَخُ قَبْلَهُ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَمَنْ اسْتَمْتَعَ بِالزَّوْجَةِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لَا يُحَدُّ وَيُعَاقَبُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ فِيهِ الرَّجْمَ عَلَى الْمُحْصَنِ وَالْجَلْدَ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ الْعِلْمِ انْتَهَى [تَنْبِيهَاتٌ حُكْم نِكَاح الشِّغَارُ] ص (وَهُوَ طَلَاقٌ إنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَمُحَرَّمٍ وَشِغَارٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: كَوِلَايَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَكَالشِّغَارِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُحَرَّمِ وَكَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: الشِّغَارُ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي فَسْخِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا قَالَ بِالْفَسْخِ بِطَلَاقٍ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي جَوَازِهِ ابْتِدَاءً لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعَبْدِ وَلِيًّا انْتَهَى. (الثَّانِي) إذَا قَلَّدَ الزَّوْجَانِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ هَذَا النِّكَاحِ وَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ يَرَى صِحَّتَهُ فَإِنَّهُمَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الْخُلْعِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُ النِّكَاحِ. [فَسْخُ النِّكَاحِ لِعَيْبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ] (الثَّالِثُ) فَسْخُ النِّكَاحِ لِعَيْبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَسْخٌ بِطَلَاقٍ قَالَ فِي بَابِ الْخُلْعِ مِنْ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَفِرَاقُهَا إيَّاهُ مِنْ أَجْلِ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ فَسْخٌ بِطَلَاقٍ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ إذَا فَارَقَهَا لِعَيْبِهَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ بِيَسِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [هَلْ يَفْتَقِرُ فَسْخُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ] (الرَّابِعُ) هَلْ يَفْتَقِرُ فَسْخُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ تَرَاضِي الزَّوْجَيْنِ، أَوْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ الَّذِي عَقَدَهُ الْأَجْنَبِيُّ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ فَسْخَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا أَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِالْفِرَاقِ دُونَهُ انْتَهَى، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: النِّكَاحُ خَمْسَةٌ: صَحِيحٌ لَا خِيَارَ فِيهِ، وَصَحِيحٌ فِيهِ خِيَارٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَصَحِيحٌ فِيهِ خِيَارٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَفَاسِدٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفَاسِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْفِرَاقُ فِي الْأَوَّلِ بِطَلَاقٍ. وَاَلَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ زُوِّجَ رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَوْ زُوِّجَتْ امْرَأَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَعَلِمَ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ، وَالرَّدُّ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ نِكَاحٌ، الثَّانِي: مَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ لِحَقٍّ تَقَدَّمَ الْعَقْدَ كَمَا إذَا اطَّلَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى عَيْبٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْعَقْدِ يُوجِبُ الرَّدَّ فَرَدَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ طَلَاقٌ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: إذَا وَجَدَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مَجْنُونَةً، أَوْ مَجْذُومَةً أَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِهِ وَأَرَادَتْ هِيَ الْفِرَاقَ كَانَ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَإِذَا قَالَ، أَوْ قَالَتْ: رَدَدْتُ بِالْعَيْبِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَلَوْ قَالَ: رَدَدْتُ بِالْعَيْبِ هِيَ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: رَدَدْتُ فِي غَيْرِ عِصْمَةٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا رَادٌّ بِالْعَيْبِ هِيَ طَالِقٌ؛ لَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ وَكَّلَ مَنْ يُزَوِّجُهُ بِأَلْفٍ فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْنِ فَلَمْ يَرْضَ وَرَدَّ النِّكَاحَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَكُونُ فُرْقَتُهُمَا طَلَاقًا وَذَكَرَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَرَدَّ نِكَاحَهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَكُونُ طَلَاقًا وَعَلَى قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ يَكُونُ فَسْخًا الثَّالِثُ مَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهِ لِحَقٍّ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا إذَا حَدَثَ بِالزَّوْجِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُوجِبُ الرَّدَّ فَذَلِكَ طَلَاقٌ وَكَذَا إذَا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِالْفِرَاقِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَضَرَّ بِهَا، أَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فَذَلِكَ كُلُّهُ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَصِحَّتِهِ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ طَارِئٍ فَسْخًا كَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالرَّضَاعِ، وَنِكَاحِ الْأُمِّ عَلَى الْبِنْتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي ارْتِدَادِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ هُوَ فَسْخٌ، أَوْ طَلَاقٌ وَأَرَى أَنَّ ارْتِدَادَهُ فَسْخٌ وَارْتِدَادَهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ كَانَ كَافِرًا وَالْكَافِرُ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ وَإِذَا ارْتَدَّتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ

وَاخْتُلِفَ فِي اللِّعَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ وَيُحْتَاجُ إلَى هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَتَرْجِعُ إلَيْهِ عَلَى نِكَاحٍ مُبْتَدَإٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ تَرْجِعُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُرْتَدِّ مِنْ أَنَّ ارْتِدَادَهُ هَلْ هُوَ فَسْخٌ، أَوْ طَلَاقٌ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ طَلَاقٌ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَصْلٌ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَالَّتِي تُزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَكَانَ الْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ فِي إجَازَتِهِ وَرَدِّهِ فَرَدَّهُ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ؛ كَانَتْ الْفُرْقَةُ فَسْخًا سَوَاءٌ طَلَّقَ بِنَفْسِهِ، أَوْ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ مَالِكٌ: مَرَّةً يَكُونُ فَسْخًا وَقَالَ: مَرَّةً طَلَاقًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِ الْعَقْدِ، أَوْ الصَّدَاقِ، أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا انْتَهَى مِنْ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي: بَابُ الْحُكْمِ فِي الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، وَلَا صَدَاقَ لَهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الصَّدَاقِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَفُسِخَ بِحُكْمٍ، أَوْ تَفَاسَخَاهُ وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ النَّظَرِ فِيهِ فَمَنْ لَمْ يُرَاعِ الْخِلَافَ وَلَا قَوْلَ مَنْ رَأَى جَوَازَهُ؛ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا وَلَا مِيرَاثًا إنْ مَاتَ وَيَلْزَمُ مَنْ رَاعَى الْخِلَافَ وَجَعَلَ فِيهِ الْمِيرَاثَ وَأَلْزَمَ الطَّلَاقَ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا نِصْفَ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ كَانَ فَسَادُهُ مِنْ قِبَلِ صَدَاقِهِ فَمَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ: لَهَا الصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهَا شَيْءٌ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ انْتَهَى. فَفِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ يَكُونُ فَسْخًا وَسَوَاءٌ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِي الزَّوْجِ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ فُرِّقَ عَلَيْهِ جَبْرًا وَفِي كَلَامِهِ الثَّانِي أَنَّ تَفَاسُخَهُمَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِمَامِ إلَّا أَنْ لَا يَرْضَى الزَّوْجُ بِالْفِرَاقِ فَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَتَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِهِ انْفَسَخَ وَسَوَاءٌ فَسَخَاهُ بِلَفْظِ الْفَسْخِ، أَوْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَهُوَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَمِنْ وَقْتِ الْمُفَاسَخَةِ تَكُونُ الْعِدَّةُ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا بُدَّ مِنْ إشْهَادِهِمَا عَلَى الْفَسْخِ لِتَشْهَدَ لَهُمَا الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ إنْ رَفَعَا إلَى الْحَاكِمِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ امْتَنَعَا، أَوْ الزَّوْجُ مِنْ الْفَسْخِ؛ رَفَعَاهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَفَسَخَهُ حِينَئِذٍ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَفَسَخَهُ الزَّوْجُ بِطَلَاقٍ؛ فَلَا شَكَّ فِي لُزُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَإِنْ طَلَّقَ فِيهِ ظَانًّا أَنَّهُ صَحِيحٌ كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا تَكُونُ فِيهِ رَجْعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ بِأَنْ قَالَ فَسَخْتُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، أَوْ تَرَكْنَا هَذَا النِّكَاحَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْفَسْخُ وَكَانَ طَلَاقًا عَلَى ظَاهِرِ مَا قَالَهُ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ مِنْ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يُقَلِّدَا مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُمَا إذَا قَلَّدَا مَنْ يَرَى صِحَّةَ هَذَا النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهُمَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ مَنْقُولًا مِنْ بَابِ الْخُلْعِ وَنَصُّ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ: وَإِنْ انْكَشَفَ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنَّ بِهَا جُنُونًا، أَوْ جُذَامًا، أَوْ بَرَصًا؛ كَانَ لَهُ مَا أَخَذَ وَتَمَّ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ وَلَوْ تَرَكَهَا أَيْضًا بِغَيْرِ الْخُلْعِ لَمَّا غَرَّتْهُ؛ كَانَ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ انْتَهَى بِلَفْظِهِ وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ فِي بَابِ الْعِدَّةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ حِينِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ نِكَاحٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ لَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ اللَّخْمِيُّ وَقِيلَ: يَكْفِي فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ ظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ شَيْءٌ؛ فَأَحْرَى الْفَاسِدُ، وَقَالَ: مِنْ حِينِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ لَمَّا كَانَتْ الْفُرْقَةُ فِيهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَانَتْ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَتَكُونُ الْعِدَّةُ مِنْ آخِرِ وَطْءٍ وَقَوْلُهُ: ثَلَاثُ حِيَضٍ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي

ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ مِنْ حِينِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا: إنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ لَمَّا كَانَ قَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فِيهِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ فَقَوْلُهُ قَدْ يُحْتَاجُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يُوَافِقْ الزَّوْجُ عَلَى الْفَسْخِ وَقَوْلُهُ هُوَ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ: الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لَازِمٌ فَإِذَا فَسَخَهُ بِطَلَاقٍ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَ وَلَا شَكَّ فِي لُزُومِهِ الطَّلَاقَ بِذَلِكَ وَتَصِيرُ بَائِنًا لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِرِضَاهَا وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْحَاكِمِ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَرَى فَسْخَ النِّكَاحِ وَامْتَنَعَ مِنْ فَسْخِهِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَقِيلَ: يَكْفِي تَرَاضِيهِمَا بِالْفَسْخِ وَقِيلَ: إنَّمَا يَكْفِي تَرَاضِيهِمَا مَعَ الْإِشْهَادِ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ. حَمَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الصَّرْفِ الْفَاسِدِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْخِلَافُ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لَوْ رَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ هَلْ يَكُونُ فِعْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ عِلَّةِ طَعَامِ الرِّبَا وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ وَفِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لَا يَتَأَتَّى لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْحُكْمِ بِالْتِزَامِ الزَّوْجِ الْفَسْخَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص " وَالتَّحْرِيمُ بِعَقْدِهِ وَوَطْئِهِ " ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مَوَانِعِ الزَّوْجِيَّةِ: وَكُلُّ نِكَاحٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ اُعْتُبِرَ عَقْدُهُ وَوَطْؤُهُ مَا لَمْ يَكُنْ بِنَصٍّ، أَوْ سُنَّةٍ فَفِي عَقْدِهِ قَوْلَانِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ وَالْمَذْهَبُ قَائِلٌ بِالْفَسَادِ؛ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ عَقْدُهُ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَقْدُ وَوَطْؤُهُ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَطْءُ فَيَحْرُمُ بِالْعَقْدِ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَتَحْرُمُ بِالْوَطْءِ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبِنْتُ بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ فِيهِ وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ بِنَصٍّ، أَوْ سُنَّةٍ يَعْنِي أَنَّهُ اُعْتُبِرَ الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ سُنَّتِهِ فَحَذَفَ مِنْ الْأَوَّلِ مَا أَثْبَتَ نَظِيرَهُ فِي الثَّانِي وَمِنْ الثَّانِي مَا أَثْبَتَ نَظِيرَهُ فِي الْأَوَّلِ فَفِي عَقْدِهِ قَوْلَانِ، وَيُعْتَبَرُ وَطْؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَقَعُ بِكُلِّ نِكَاحٍ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَنَفَى غَيْرُهُ الْخِلَافَ وَرَأَى أَنَّ الْمَذْهَبَ كُلَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَكُونُ فِيهِ نَصُّ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ سُنَّتِهِ وَيُخْتَلَفُ فِيهِ؟ قِيلَ: النَّصُّ عَلَى ثَلَاثِ اصْطِلَاحَاتٍ: الْأَوَّلُ مَا احْتَمَلَ مَعْنًى قَطْعِيًّا، وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ قَطْعًا، وَالثَّانِي: مَا احْتَمَلَ مَعْنًى قَطْعِيًّا، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ، وَالثَّالِثُ: مَا احْتَمَلَ مَعْنًى كَيْفَ كَانَ وَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْت: فَمَا مِثَالُ ذَلِكَ؟ قِيلَ: أَمَّا مَا فِيهِ نَصُّ سُنَّةٍ فَنِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَإِنْكَاحُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا، وَأَمَّا مَا فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ فَنِكَاحُ الْخَامِسَةِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] نَصٌّ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ الزِّيَادَةَ اهـ. وَفِي ابْنِ فَرْحُونٍ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَوْسَعُ مِنْهُ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَوْلُهُ: فَحَذَفَ مِنْ الْأَوَّلِ إلَخْ هُوَ مِنْ النَّوْعِ الْمُسَمَّى بِالِاحْتِبَاكِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ وَهُوَ أَنْ يَحْذِفَ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْ الْكَلَامِ نَظِيرَ مَا أَثْبَتَهُ فِي الثَّانِي وَمِنْ الثَّانِي نَظِيرَ مَا أَثْبَتَهُ فِي الْأَوَّلِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ} [البقرة: 171] أَيْ وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ وَيُنْعَقُ بِهِ وَجَعَلَ مِنْهُ السُّيُوطِيّ قَوْله تَعَالَى {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 13] عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّمْهَرِيرِ الْبَرْدُ أَيْ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَرًّا وَلَا زَمْهَرِيرًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل: 12] التَّقْدِيرُ تَدْخُلُ غَيْرَ بَيْضَاءَ وَأَخْرِجْهَا تَخْرُجُ بَيْضَاءَ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْبَدِيعِ إلَّا أَنَّهُ خَطَرَ لَهُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 13] وَهَذَا النَّوْعُ لَطِيفٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ بُرْهَانِ الدِّينِ الْبِقَاعِيِّ فَأَفَادَهُ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ أَفَادَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يُسَمَّى الِاحْتِبَاكَ، ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ ابْنِ جَابِرٍ لِصَاحِبِهِ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الْأَنْدَلُسِيِّ

قَالَ وَمِنْ أَلْطَفِهِ قَوْله تَعَالَى {خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102] أَيْ صَالِحًا بِسَيِّئٍ وَآخَرَ سَيِّئًا بِصَالِحٍ وَمَأْخَذُهُ مِنْ الْحَبْكِ الَّذِي مَعْنَاهُ الشَّدُّ وَالْإِحْكَامُ وَتَحْسِينُ آثَارِ الصَّنْعَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّ مَوَاضِعَ الْحَذْفِ أَشْبَهَتْ الْفُرَجَ بَيْنَ الْخُيُوطِ فَلَمَّا أَدْرَكَهَا النَّاقِدُ الْبَصِيرُ فَوَضَعَ الْمَحْذُوفَ مَوَاضِعَهُ كَانَ حَابِكًا لَهُ مَانِعًا مِنْ خَلَلٍ يَطْرُقُهُ فَسَدَّ بِتَقْدِيرِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْخَلَلُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْخَلَوِيُّ فِي بَدِيعِيَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص " وَفِيهِ الْإِرْثُ " ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَمْيِيزِ مَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ وَمَا فُسِخَ بِطَلَاقٍ يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَالطَّلَاقُ وَالْمُوَارَثَةُ مَا لَمْ يَكُنْ الْفَسْخُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ أَيْ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ كَوْنِهَا تَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَالطَّلَاقُ أَيْ إذَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ قَبْلَ الْفِرَاقِ وَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَ الْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ فَلَا إرْثَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْإِرْثِ فَسَخْنَاهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَكَذَلِكَ الْمُوَارَثَةُ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ كَنِكَاحِ الْمَرِيضِ فَلَا مُوَارَثَةَ فِيهِ اهـ. وَقَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إجَازَتِهِ وَرَدِّهِ فَالْفَسْخُ فِيهِ بِطَلَاقٍ وَيَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَالْمُوَارَثَةَ قَبْلَ الْفَسْخِ كَالْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، أَوْ تُنْكَحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَالْأَمَةُ تُزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ هَذَا قَالَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ إنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ وَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَمْ أَنْقُضْهُ وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَالشِّغَارِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا اهـ. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: وَكُلُّ نِكَاحٍ اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِنْ غُلِبَا عَلَى فَسْخِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ فَفِيهِ الطَّلَاقُ وَالْمِيرَاثُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفَرْضِيِّينَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مِيرَاثَ فِيهِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " لَا إنْ اُتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا طَلَاقَ كَخَامِسَةٍ " ش: صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ وَأَنَّ الْفَاسِدَ إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ يَحْرُمُ عَقْدُهُ أَنَّ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: فَإِنَّ بَعْضَ الظَّاهِرِيَّةِ أَجَازَ الزِّيَادَةَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي تَمْيِيزِ مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَا يُفْسَخُ أَبَدًا أَنَّ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَمَا فُسِخَ بَعْدَهُ فَالْمُسَمَّى " ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى صَحِيحًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ صَدَاقًا فَاسِدًا فَإِنَّمَا فِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ. (فَإِنْ قُلْت:) لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ (قُلْت) : بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يَكُونُ فَاسِدًا لِعَقْدِهِ وَصَدَاقِهِ مَعًا وَيَكُونُ مِمَّا يُفْسَخُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ فِيهِ إذَا فُسِخَ بَعْدَ الدُّخُولِ صَدَاقُ الْمِثْلِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ إذَا دَخَلَ كَانَ لَهُ صَدَاقُ الْمِثْلِ إنْ كَانَ فَسَادُهُ مِنْ قِبَلِ صَدَاقِهِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ عَقْدِهِ وَصَدَاقِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ وَحْدَهُ هَلْ يَكُونُ

لَهَا الْمُسَمَّى، أَوْ صَدَاقُ الْمِثْلِ؟ اهـ. . ص (وَسَقَطَ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ إلَّا نِكَاحُ الدِّرْهَمَيْنِ فَنِصْفُهُمَا) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْفَسْخِ فِي نِكَاحِ الدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ فَسْخُهُ، بَلْ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّهُ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ أَنْ يَفْسَخَ النِّكَاحَ فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ لَزِمَهُ نِصْفُهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُخْتَارِ لِلطَّلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا فِيهِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِمَّا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ بِرُبْعِ دِينَارٍ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، بَلْ الظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِقَوْلِهِ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى هُنَا أَيْضًا فَسْخُ نِكَاحِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ فَسْخٌ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ فِيهِ نِصْفَ الصَّدَاقِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ لَاعَنَهَا لِلْفَسْخِ فَسَقَطَ عَنْهُ النِّصْفُ فَعُومِلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص " كَطَلَاقِهِ " ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِيهِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ الضَّمِيرُ لِلنِّكَاحِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْفَسْخِ أَيْ فَإِذَا طَلَّقَ فِيهِ الزَّوْجُ بَعْدَ الْبِنَاءِ اخْتِيَارًا فَفِيهِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا نِكَاحُ الدِّرْهَمَيْنِ اهـ. وَمَا زَادَهُ عَلَى الشَّارِحِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ نِكَاحِ الدِّرْهَمَيْنِ فِي الطَّلَاقِ أَيْضًا صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إطْلَاقًا وَقَدْ أَبْقَوْهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِي النِّكَاحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ مَاتَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: الْفَاسِدُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ فَسَدَ لِصَدَاقِهِ، وَقِسْمٌ فَسَدَ لِعَقْدِهِ، فَأَمَّا الْفَاسِدُ لِصَدَاقِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ إلَّا بِالدُّخُولِ. وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِغَرَرٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا فَجَعَلَهُ كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ صَدَاقَ الْمِثْلِ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ لِعَقْدِهِ فَإِنْ اُتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ كَنِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، أَوْ مُعْتَدَّةٍ وَالْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَلَا صَدَاقَ فِيهِ بِالْمَوْتِ وَلَا نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يُوجِبُهُ الدُّخُولُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَهُوَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا تَأْثِيرَ لِعَقْدِهِ فِي الصَّدَاقِ كَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمَرْأَةِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَهَلْ يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَتَجِبُ فِيهِ الْمُوَارَثَةُ وَيُفْسَخُ بِطَلَاقٍ، أَوْ لَا؟ فِي الثَّلَاثَةِ قَوْلَانِ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْمِيرَاثِ وَالطَّلَاقِ يَجِبُ الْمُسَمَّى بِالْمَوْتِ وَنِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ؛ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالصَّدَاقِ فَيَجِبُ أَحَدُهُمَا وَيَسْقُطُ الْآخَرُ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْمِيرَاثِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُ الصَّدَاقُ بِالْمَوْتِ وَلَا نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ عُثِرَ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ وَفُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَلَوْ قُلْنَا إنَّ فَسْخَهُ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَا مَغْلُوبٌ عَلَيْهَا وَقِسْمٌ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الصَّدَاقِ كَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى أَنَّ وَلَدَهَا حُرٌّ وَعَلَى أَنْ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ: لِلْمَرْأَةِ بِالدُّخُولِ صَدَاقُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ لِلْفَسَادِ تَأْثِيرًا فِي فَسَادِ الصَّدَاقِ وَقِيلَ: الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ فِي عَقْدِهِ وَالصَّدَاقُ فِيهِ صَحِيحٌ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ بِالْمَوْتِ، أَوْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَهَذَا بَيِّنٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ بِالْبِنَاءِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُسَمَّى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا شَيْءَ لَهَا إلَّا بِالدُّخُولِ وَقَدْ يُقَالُ: لَهَا نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ؛ إذْ لَيْسَ الصَّدَاقُ عِوَضًا عَنْ الْبُضْعِ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ نِحْلَةً وَالنِّحْلَةُ الْهِبَةُ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ مِنْ أَوَاخِرِ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ

نِكَاحٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَالْفَسْخُ فِيهِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الْفَسْخِ لَازِمٌ وَالْمِيرَاثُ فِيهِ وَاجِبٌ وَالْخُلْعُ فِيهِ جَائِزٌ نَافِذٌ وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ دُونَ الصَّدَاقِ وَجَبَ فِيهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى بِالْمَوْتِ وَنِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا لَمْ يُفْسَخْ وَكُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي فَسَادِهِ فَلَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا مِيرَاثَ وَالْخُلْعُ فِيهِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخُلْعَ تَابِعٌ لِلطَّلَاقِ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَذْهَبِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِطَلَاقٍ وَبِغَيْرِ طَلَاقٍ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا عَقَدَ بَعْدَهُ عَقْدًا صَحِيحًا قَبْلَ زَوَالِ الْفَاسِدِ فَهَلْ يَفْسَخُ الصَّحِيحَ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ دَخَلَ بِهَا فِي الصَّحِيحِ وَطَالَ بِالْأَوْلَادِ مَا وَجْهُ الْحُكْمِ فِيهِ؟ فَأَجَابَ: إنَّ الْفَاسِدَ إذَا وَقَعَ فِي الْبِيَاعَاتِ وَوَقَعَ بَعْدَهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ اُسْتُغْنِيَ فِيهِ عَنْ الْفَسْخِ لَكِنْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ تَأَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَفَاسَخَانِ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ وَكَانَ شَيْخُنَا يُجْرِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ هَلْ هُوَ عَقْدٌ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَقْدَ مَهْمَا وَقَعَ فَاسِدًا، ثُمَّ عَقَدَا عَقْدًا صَحِيحًا لِعِلْمِهِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَقِيلَ لَهُ: إنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ إنْ كَانَ الْعَاقِدَانِ عَلَى الْفَسَادِ أَوَّلًا هُمَا الْعَاقِدَانِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَقْدُ الثَّانِي مِنْ زَوْجٍ ثَانٍ، وَالْفَاسِدُ مِنْ زَوْجٍ أَوَّلٍ وَلَا سِيَّمَا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ فَهَلْ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ الثَّانِي وَدُخُولُهُ يُزِيحُ الْفَاسِدَ وَيُحَصِّلُ لَهُ حُرْمَةً فَأَجَابَ إنَّمَا فَهِمْت مِنْ السُّؤَالِ أَنَّ الْعَاقِدَ الثَّانِيَ هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ الثَّانِيَ أَوَّلًا إذَا كَانَ ظَاهِرَ الْفَسَادِ بِحَيْثُ يَتَّضِحُ الْحُكْمُ فِيهِ لَا سِيَّمَا أَنَّكَ قُلْت إنَّمَا يَثْبُتُ الْأَوَّلُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ قُلْت إنْ كَانَ الْعَاقِدُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فَيَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا هَلْ بِتَوَافُقِهِمَا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ شَهَادَةٍ، أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَجْرِي هَذَا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَلَهُ شُبْهَةٌ. وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ لَا تَمْضِي فِيهِ الْبِيَاعَاتُ وَلَا يَنْشُرُ حُرْمَةً مُطْلَقًا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَسْئِلَةِ وَالشَّارِحُ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ فَلَا يَفْتَقِرُ لِفَسْخٍ أَلْبَتَّةَ وَأَحْفَظُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ يَمْضِي بِالْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا لَا يَفْتَقِرُ التَّحْدِيدُ إلَّا لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ خَاصَّةً، وَتَكَرُّرُ الْعَقْدِ فِيهِ تَأْكِيدٌ، أَوْ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ، وَأَمَّا إذَا عَقَدَهُ ثَانٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ صَحَّ الثَّانِي وَلَا يَفْتَقِرُ لِفَسْخِ الْأَوَّلِ وَلَا حُرْمَةَ لَهُ فَفِي ثَالِثِ نِكَاحِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةٍ فَلَمْ يَبْنِ بِهَا حَتَّى تَزَوَّجَ أُمَّهَا، أَوْ أُخْتَهَا أَقَامَ عَلَى نِكَاحِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَهِيَ تَحِلُّ لِآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي فَسْخِهِ هَلْ هُوَ بِطَلَاقٍ أَمْ لَا وَكَذَا فِي لُزُومِ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ إذَا وَقَعَتْ قَبْلَ الْفَسْخِ فَمَنْ يُلْغِي هَذَا الْعَقْدَ وَيَقُولُ: إنَّهُ لَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا يَقَعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ فَوُرُودُ الثَّانِي عَلَيْهِ صَحِيحٌ لِإِلْغَاءِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُرَاعَى الْخِلَافُ فَيُسْتَحَبُّ فَسْخُهُ، ثُمَّ يَعْقِدُ الثَّانِيَ وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ أَحْكَامًا فَلَا يَرُدُّ الثَّانِيَ حَتَّى يَحْكُمَ بِفَسْخِ الْأَوَّلِ هَذَا الْجَارِي عَلَى الْأُصُولِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْفَسْخِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ اهـ. ص " وَلِوَلِيِّ صَغِيرٍ فَسْخُ عَقْدِهِ " ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحَدِ رُكْنَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الزَّوْجُ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالْوَلِيُّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ وَشُرُوطُ الِاسْتِقْرَارِ، أَمَّا شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَأَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى فُرُوجِ الْمُسْلِمَاتِ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْعَقْلُ حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِنْشَاءُ لِلْعَقْدِ فَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونُ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَقَالَ

تنبيه طلاق الصبي لا يلزم ولا يخبر الولي فيه

صَاحِبُ الْبَيَانِ: أَمَّا الَّذِي لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ اتِّفَاقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ إلَّا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ عَقْلٍ وَهُوَ الْمُخْتَلِطَةُ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَذَكَرَهَا الشَّرْطُ الرَّابِعُ: تَحَقُّقُ الذُّكُورِيَّةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ وَذَكَرَ بَعْضَ أَحْكَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا شُرُوطُ الِاسْتِقْرَارِ فَخَمْسَةٌ: الْجِزْيَةُ وَالْبُلُوغُ وَالرُّشْدُ وَالصِّحَّةُ وَالْكَفَاءَةُ. وَتَكَلَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ وَزَادَ فِي التَّوْضِيحِ الطَّوْعَ وَنَصُّهُ: وَكَذَا أَيْضًا يَشْتَرِطُ الطَّوْعَ مُحَمَّدٌ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى إبْطَالِ نِكَاحِ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهَةِ وَلَا يَجُوزُ الْمُقَامُ عَلَيْهِ وَفِي قِيَاسِ بَعْضِ مَذَاهِبِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي فَصْلِ الزَّوْجِ: وَشَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِهِ إسْلَامٌ وَتَمْيِيزٌ وَخُلُوٌّ مِنْ كَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَفِي السَّكْرَانِ خِلَافٌ وَهَلْ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَيْزٌ وَإِلَّا بَطَلَ اتِّفَاقًا، أَوْ بِالْعَكْسِ؟ طَرِيقَانِ غَيْرُ خُنْثَى مُشْكِلٍ اهـ. وَسَيَتَكَلَّمُ الشَّيْخُ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ لَكِنْ عَلَى خِلَافِ تَرْتِيبِهِ فَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْبُلُوغِ فَقَالَ وَلِوَلِيٍّ صَغِيرٍ يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ الصَّغِيرُ يَعْنِي الْمُمَيِّزَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ فَلِوَلِيِّهِ فَسْخُ عَقْدِهِ أَيْ وَلَهُ إجَازَتُهُ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِوَلِيٍّ فَفُهِمَ مِنْ لَامِ الْإِبَاحَةِ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ لَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ فَقَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْهَا: وَإِنْ تَزَوَّجَ صَغِيرٌ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ، أَوْ وَصِيِّهِ وَمِثْلُهُ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ فَإِنْ أَجَازَهُ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ جَازَ وَإِنْ رَأَى فَسْخَهُ فَسَخَهُ فَإِنْ فَسَخَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا صَدَاقَ لَهَا اهـ. وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْقَيْدِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ فِي السُّؤَالِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهَا: يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْوَجْهُ الْمُشْكِلُ الَّذِي يُتَوَهَّمُ فِيهِ أَنَّ لَهَا الصَّدَاقَ فَغَيْرُهُ أَحْرَى قَالَهُ الْمَغْرِبِيُّ اهـ. وَيَعْنِي بِالْمَغْرِبِيِّ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ: إنَّمَا قَالَ: وَمِثْلُهُ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْوَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَزْوِيجُهُ وَلَا إجَازَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ بِلَا فَائِدَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ قَرِيبَةً لَهُ يَرْغَبُ فِيهَا، أَوْ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَمَالٍ فَيَنْظُرُ وَصِيُّهُ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْجَوَابِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ نَظَرٌ اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَسْخُ عَقْدِهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِطَلَاقٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ حَاصِلُهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النِّكَاحَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا كَانَ عَقْدُهُ صَحِيحًا إلَّا أَنَّ لِلْوَلِيِّ، أَوْ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِيهِ خِيَارًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْفَسْخَ بِطَلَاقٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ السَّفِيهِ وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ وَانْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةَ فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ الْبِكْرِ بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهَا وَكَلَامُ الْمُتَيْطِيِّ فِي ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَلَوْ لَمْ يَرُدَّ النِّكَاحَ حَتَّى مَاتَ الصَّغِيرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ السَّفِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) فَلَوْ لَمْ يَرُدَّ نِكَاحَ الصَّبِيِّ حَتَّى كَبُرَ وَخَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ جَازَ النِّكَاحُ ابْنُ رُشْدٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ فَيُمْضِي، أَوْ يَرُدُّ اهـ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ مَا ذَكَرَهُ يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ أَجَازَهُ جَازَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ إمْضَاؤُهُ نَظَرًا أَمْ لَا وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِهَا وَجَهِلَ حَتَّى مَلَكَ الصَّبِيُّ أَمْرَ نَفْسِهِ فَقِيلَ: لَا خِيَارَ لَهُ وَقِيلَ: لَهُ مِنْ الْخِيَارِ فِيهِ مَا كَانَ لِوَلِيِّهِ اهـ. [تَنْبِيهٌ طَلَاقَ الصَّبِيِّ لَا يَلْزَمُ وَلَا يُخْبَرُ الْوَلِيُّ فِيهِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ طَلَاقَ الصَّبِيِّ لَا يَلْزَمُ وَلَا يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ فِيهِ كَالنِّكَاحِ أَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ وَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِهَا وَالطَّلَاقُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يُخَاطَبْ بِهِ قُلْت الْأَوْلَى فِي الْفَرْقِ أَنْ يُقَالَ: الطَّلَاقُ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ

وَلَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَلِذَلِكَ تَشَطَّرَ طَلَاقُ الْعَبْدِ، وَالنِّكَاحُ جَرَى مَجْرَى الْمُعَاوَضَةِ فَلِذَلِكَ خُيِّرَ وَلِيُّهُ فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَاقَ حَدٌّ لِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ وَلَيْسَ حَدًّا مِنْ الْحُدُودِ قُلْت: قَالَ قَبْلَهُ فِي الْأُمِّ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إلَّا عَلَى مَنْ احْتَلَمَ وَالطَّلَاقُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَلِعِيَاضٍ وَغَيْرِهِ كَلَامٌ عَلَى اللَّفْظَيْنِ وَقَالَ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: 229] وَالطَّلَاقُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ اهـ. كَلَامُهُ. وَمَا نَسَبَهُ لِلْقَرَافِيِّ هُوَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْفِرَقِ الْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ. ص " بِلَا مَهْرٍ " ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ رَأَى فَسْخَهُ فَلَا صَدَاقَ لَهَا؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ كَلَا وَطْءٍ: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ افْتَضَّهَا وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَا شَانَهَا؛ لِأَنَّهَا سُلْطَتُهُ اهـ. فَجَزَمَ بِأَنَّ عَلَيْهِ مَا شَانَهَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لَهَا مَا شَانَهَا اهـ. فَلَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَلَا عِدَّةَ " ش: يُرِيدُ مَا لَمْ يَمُتْ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الرَّدِّ فَالْعِدَّةُ عَلَيْهَا دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَتَقْيِيدُ الشَّيْخِ بَهْرَامُ لِذَلِكَ بِالدُّخُولِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَإِنْ زُوِّجَ بِشُرُوطٍ، أَوْ أُجِيزَتْ وَبَلَغَ وَكَرِهَتْ فَلَهُ التَّطْلِيقُ وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ " ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِهِ فَبَلَغَ فَكَرِهَهَا فَفِي خِيَارِهِ فِي الْفَسْخِ وَلُزُومِهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ فَشَرَطَ عَلَيْهِ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ شُرُوطًا مِنْ طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا، أَوْ عِتْقِ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؛ فَأَجَازَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ، ثُمَّ بَلَغَ فَإِنْ أَقَرَّ الشُّرُوطَ فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَرِهَهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ، أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ. وَالْقَوْلَانِ أَيْضًا فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ أَبُوهُ، أَوْ وَصِيُّهُ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ اهـ. زَادَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ وَشَرَطَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الصَّبِيِّ الشُّرُوطَ وَلَمْ يُطْلِعْ وَصِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُنْظِرْ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ اهـ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِ الشَّرْطِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الْتِزَامِهَا وَثُبُوتِ النِّكَاحِ، أَوْ عَدَمِ الْتِزَامِهَا، أَوْ فَسْخِ النِّكَاحِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ فَلَهُ التَّطْلِيقُ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ يَتَبَادَرُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَهُ التَّطْلِيقُ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَهُ التَّطْلِيقُ وَإِنْ لَمْ يَكْرَهْ الشُّرُوطَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَرِهَ الشُّرُوطَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا فَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ وَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ فَهَلْ تَسْقُطُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ، أَوْ يُخَيَّرُ فِي الْتِزَامِهَا وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَعَدَمُ الْتِزَامِهَا، وَيَفْسَخُ النِّكَاحَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ بِطَلَاقٍ؟ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ بِغَيْرِهِ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْبَغَ فَأَفَادَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: فَلَهُ التَّطْلِيقُ أَنَّ الشُّرُوطَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَإِنَّمَا لَهُ التَّطْلِيقُ يَعْنِي إنَّمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْتِزَامِهَا، أَوْ فِي التَّطْلِيقِ وَأَفَادَ أَيْضًا بِذِكْرِ التَّطْلِيقِ أَنَّ الْفَسْخَ فِيهِ بِطَلَاقٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الصَّدَاقِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ هُوَ لَهُ فِي الْمَجَالِسِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُوَثَّقِينَ إنْ الْتَزَمَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لَزِمَهُ النِّكَاحُ اللَّخْمِيُّ: وَلَا خِيَارَ لَهُ الْمُتَيْطِيُّ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ إنَّمَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بَعْد بُلُوغِهِ فِي الشُّرُوطِ بِالطَّلَاقِ لَا بِعِتْقِ السُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا مِنْهُ لَغْوٌ عَاجِلًا وَآجِلًا إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ اهـ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) جَمِيعُ

مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ دُخُولٌ مِنْهُ بِهَا، وَأَمَّا إنْ دَخَلَ بِهَا فَمُحَصَّلُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إنْ كَانَ دُخُولُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَالشُّرُوطُ سَاقِطَةٌ عَنْهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الشُّرُوطُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَحَكَى فِي ذَلِكَ طَرِيقَتَيْنِ: الْأُولَى أَنَّ الشُّرُوطَ تَلْزَمُهُ فَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِهَا؛ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ وَالثَّانِي لِابْنِ الْعَطَّارِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَالثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالشُّرُوطِ؛ فَفِي اللُّزُومِ وَنَفْيِهِ قَوْلَانِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: اللُّزُومُ، وَنَفْيِهِ، وَالتَّخْيِيرُ الْآنَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ دُخُولٌ، فَإِذَا حَصَلَ دُخُولٌ فَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَزِمَتْهُ الشُّرُوطُ إنْ عَلِمَ بِهَا ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَلَزِمَهُ بِدُخُولِهِ، وَأَمَّا إنْ دَخَلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَذَكَرَ الْمُتَيْطِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ تَسْقُطُ عَنْهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الشُّرُوطُ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَوْ دَخَلَ الصَّبِيُّ وَقَدْ بَلَغَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالشُّرُوطِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ، أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَلْزَمُهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الشُّرُوطِ. الثَّانِي: تَلْزَمُهُ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَإِذَا دَخَلَ مَعَ الْعِلْمِ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْعِلْمِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا يَلْزَمُهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ الشَّرْطِ، وَالثَّالِثُ: يُخَيَّرُ الْآنَ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى التَّخْيِيرِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَجَزَمَ فِي الشَّامِلِ بِأَنَّهُ إنْ دَخَلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَالِمًا بِالشُّرُوطِ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ وَنَصُّهُ: فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الشُّرُوطُ وَبَعْدَهُ عَالِمًا بِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَثَالِثُهَا يُخَيَّرُ الْآنَ وَصُدِّقَ فِي نَفْيِ الْعِلْمِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، ثُمَّ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ إنَّمَا هُوَ إذَا تَمَسَّكَتْ الْمَرْأَةُ بِشُرُوطِهَا، وَأَمَّا لَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِإِسْقَاطِهَا فَلَا وَإِذَا أَسْقَطَتْهُ فَلَا كَلَامَ لِأَبِيهَا وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَبِ فِي الْمَحْجُورَةِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ ابْنُ الْفَخَّارِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْبِكْرِ يَشْتَرِطُ لَهَا زَوْجُهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا إلَّا بِرِضَاهَا فَرَضِيَتْ بِتَرْكِ شَرْطِهَا: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَرِهَ الْأَبُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ وَكَذَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ طَلَّقَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالشُّرُوطِ هَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؟ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ مَنْ طَلَّقَ، ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ هَلْ يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ أَمْ لَا؟ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الرَّابِعُ) مَنْ زَوَّجَ وَلَدَهُ بِشُرُوطٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْتَزَمَ الْقِيَامَ عَنْهُ بِالصَّدَاقِ فَلَمَّا بَلَغَ كَرِهَ الِابْنُ وَطَلَّقَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الشُّرُوطِ وَلَا يَلْزَمُ الصَّدَاقُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ أَبَاهُ مَا الْتَزَمَهُ. ص " وَالْقَوْلُ لَهَا أَنَّ الْعَقْدَ وَهُوَ كَبِيرٌ " ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ حِينَ شَرَطَ أَبِي صَغِيرًا وَقَالَ وَلِيُّهَا أَبًا، أَوْ وَصِيًّا: كُنْتَ كَبِيرًا وَعَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَفِي حَلِفِ وَلِيِّهَا دُونَهَا وَعَكْسِهِ سَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ وَالتَّخْرِيجُ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ادَّعَى فِي تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ تَسْمِيَةً بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَادَّعَى وَارِثُهُ تَفْوِيضًا تَحْلِفُ الْجَارِيَةُ عَاجِلًا إنْ بَلَغَتْ وَتُؤَخَّرُ إلَيْهِ الصَّغِيرَةُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَلِيُّهَا أَنَّهُ كَانَ كَبِيرًا حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ إذَا بَلَغَتْ انْتَهَى. . ص " وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ " ش: أَيْ وَلِلسَّيِّدِ يُرِيدُ: أَوْ وَرَثَتِهِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ يُرِيدُ: وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُعْتَقِهِ إلَى أَجَلٍ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ فَقَطْ لَا أَزْيَدُ، عَلَى الْمَشْهُورِ وَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ أَنْ تَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ إذَا عَتَقَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَهُ جَمِيعَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ سَيِّدَهُ لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَلَوْ طَلَّقَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ طَلْقَتَيْنِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ؟ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَأَنَّ اللَّخْمِيَّ اسْتَحْسَنَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ لُزُومِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ

وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَوَى لُزُومَ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَلَوْ اخْتَلَفَ وَارِثُوهُ فِي فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْفَسْخِ فَإِنْ قَالُوا: إنْ وَقَعَ لِذِي إجَازَتِهِ جَازَ؛ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهَا إجَازَةٌ لِنِكَاحِهِ. (قُلْت) وَعَدَمُ جَرَيَانِ اسْتِحْسَانِ مَسْأَلَةِ وَارِثِي خِيَارٌ وَاضِحٌ انْتَهَى. ص " إلَّا أَنْ يَرُدَّ بِهِ " ش: ظَاهِرُهُ كَانَ عَالِمًا حِينَ الْبَيْعِ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالزَّوَاجِ وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَنَصُّهُ: وَقَوْلُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ قَبْلَ عِلْمِهِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا؛ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ وَهَكَذَا قَالَ الْقَرَوِيُّونَ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ قَوْلًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ انْتَهَى. وَصَدَّرَ فِي الشَّامِلِ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ الثَّانِيَ بِقِيلَ وَقَوْلُهُ بِهِ مَفْهُومُهُ لَوْ رَدَّهُ بِغَيْرِ عَيْبِ التَّزْوِيجِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا يَخْلُو إذَا رَدَّهُ بِغَيْرِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى التَّزْوِيجِ وَرَضِيَ، أَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّيِّدُ عَالِمًا بِالتَّزْوِيجِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَهُ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِهِ، أَوْ لَا يَرْجِعُ؟ وَلَهُ الْفَسْخُ عَلَى قَوْلَيْنِ نَقَلَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى التَّزْوِيجِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا أَيْضًا فِيهِ. ص "، أَوْ بِعِتْقِهِ " ش (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ مُحْرِزٍ: الْمَوْهُوبُ لَهُ هَذَا الْعَبْدُ كَمُبْتَاعِهِ لَا كَوَارِثِهِ ابْنُ عَاتٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ كَالْمُبْتَاعِ. ص (وَلَهَا رُبْعُ دِينَارٍ إنْ دَخَلَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لِمَالِكٍ لِرَبِّهِ رَدُّ الْمَهْرِ مِنْ الزَّوْجَةِ بِرَدِّ نِكَاحِهَا إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ إنْ بَنَى انْتَهَى. زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ أُعْدِمَتْ اُتُّبِعَتْ بِهِ. ص " وَلَهُ الْإِجَازَةُ إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَرُدَّ الْفَسْخَ، أَوْ يَشُكَّ فِي قَصْدِهِ " ش (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ أَجَازَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ فَفِي لُزُومِ اسْتِبْرَائِهِ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَنَقْلُ اللَّبِيدِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ مَعَ ابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ انْتَهَى، وَانْظُرْ هَلْ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي السَّفِيهِ، أَوْ لَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ اسْتَمْتَعَ الْعَبْدُ بِزَوْجَتِهِ بَعْدَ عِلْمِ سَيِّدِهِ بِنِكَاحِهِ عَلَى وَجْهٍ كَانَ سَيِّدُهُ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِذْنِ لَهُ وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ السَّيِّدُ بِنِكَاحِهِ، ثُمَّ رَآهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَا يَمْنَعُهُ فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ انْتَهَى مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَقَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي عَقْدِ فَسْخِ نِكَاحٍ: وَإِنْ عَلِمَ الْأَبُ، أَوْ الْوَصِيُّ، أَوْ السَّيِّدُ بِنِكَاحِ مَنْ إلَى نَظَرِهِمْ وَسَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ مُدَّةً مَضَى النِّكَاحُ وَلَمْ يُرَدَّ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ إنْ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ

فرع لا يباع العبد في نفقة زوجته

سَيِّدِهَا فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ بَاعَهُ فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا لِلْمُبْتَاعِ رَدُّ النِّكَاحِ وَلَهُ رَدُّ الْعَبْدِ بِعَيْبِ النِّكَاحِ، فَإِنْ رَدَّهُ فَلِلْبَائِعِ الْإِجَازَةُ لِلنِّكَاحِ، أَوْ الْفَسْخُ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَبُ، أَوْ الْوَصِيُّ حَتَّى رَشَدَ الْمَحْجُورُ فَإِنَّ النِّكَاحَ مَاضٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ شُكَّ بِفِعْلٍ مَاضٍ مَبْنِيٍّ لِلْمَجْهُولِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَوْ يَشُكُّ بِفِعْلٍ مُضَارِعٍ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَرُدَّ الْفَسْخَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَلِوَلِيِّ سَفِيهٍ فَسْخُ عَقْدِهِ وَلَوْ مَاتَتْ " ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ: وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ الْوَصِيُّ الْعَقْدَ وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَهُ السَّفِيهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةٍ حَتَّى مَاتَ السَّفِيهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ بِهَا بِعِلْمِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ بِنِكَاحِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مَا كَانَ بِيَدِ الْوَصِيِّ مِنْ النَّظَرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الشَّامِلِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْفَسْخَ بِطَلَاقٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَا يَجِبُ لَهَا وَتَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْعَبْدِ قَبْلَهُ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَصُّ: وَسَقَطَ هَذَا الْفَرْعُ مِنْ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيَبْنِي انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ لَا بُدَّ مِنْ التَّرْكِ لَهَا قَالَ وَفِي قَدْرِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: يَتْرُكُ لَهَا رُبُعَ دِينَارٍ وَبِهِ الْحُكْمُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ وَقَالَ السَّيِّدُ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْقَوْلُ بِتَرْكِ رُبُعِ دِينَارٍ لِمَالِكٍ وَأَكْثَرَ أَصْحَابِهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ وَيَبْنِي بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَبَنَى بِالزَّوْجَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ بَنَى بِهَا تَرَكَ لَهَا رُبُعَ دِينَارٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نِكَاحُ السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَقْدُ فِيهِمَا قَرِيبٌ انْتَهَى . ص " وَلِمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ تَسَرٍّ وَإِنْ بِلَا إذْنٍ " ش: يَعْنِي مِنْ مَالِهِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِيَطَأَهَا بِمَالِهٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ إلَّا إذَا وَهَبَ لَهُ الْمَالَ، أَوْ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ وَانْظُرْ رَسْمَ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَرَسْمَ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْهُ وَأَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَا فِي السَّمَاعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِكَ تَطَوُّعًا لَا تَحِلُّ لَهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَهَبَهُ الْمَالَ قَبْلَ ذَلِكَ وَسَمِعَ أَشْهَبُ أَوْ يُسْلِفَهُ إيَّاهُ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِبَةُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ الْأَسْوَدَ لِلْخَارِجِ الْجَارِيَةَ يُعِفُّهُ بِهَا لَا يُعْجِبُنِي وَلَا يُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيلٌ إنَّمَا الْهِبَةُ لِلْعَبْدِ التَّاجِرِ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ هَذَا انْتَهَى. [فَرْعٌ لَا يُبَاعُ الْعَبْدُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ] . ص " وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ خَرَاجٍ وَكَسْبٍ " ش (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِالنَّفَقَةِ وَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَبْدِ الْخَرَاجِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَمِنْهُ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ كَالْعَبْدِ، وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ بَانَ عَنْ سَيِّدِهِ بِمَالِهِ فَإِنْ عَجَزَ طَلُقَ عَلَيْهِ

وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَخُصُّهُ كَالْحُرِّ وَفِي الْيَوْمِ الَّذِي يَخُصُّ سَيِّدَهُ كَالْعَبْدِ. ص (وَلَا يَضْمَنُهُ سَيِّدٌ بِإِذْنِ التَّزْوِيجِ) ش: هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ أَنْكَحَهُ فَهُوَ عَلَى مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ عَلَى الْعَبْدِ وَقِيلَ: عَلَى السَّيِّدِ، وَعَلَى الْمَعْرُوفِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ مَعْرُوفٍ انْتَهَى. ص " وَوَصِيٍّ " ش: يُرِيدُ الَّذِي لَهُ الْإِجْبَارُ وَقَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ قَالَ فِي الشَّامِلِ: لَا غَيْرُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي فَسْخِهِ وَثُبُوتِهِ إنْ دَخَلَ فَطَالَ قَوْلَانِ انْتَهَى. ص (مَجْنُونًا احْتَاجَ) ش: وَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَلَا تُزَوَّجُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُهُ " احْتَاجَ " يُشِيرُ إلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ: وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَإِنْ كَانَ لَا يُفِيقُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ طَلَاقٌ فَإِنْ كَانَ لَا يُخْشَى مِنْهُ فَسَادٌ؛ لَمْ يُزَوَّجْ وَإِنْ كَانَ يُخْشَى ذَلِكَ زُوِّجَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنْ احْتَاجَ، يَدْخُلُ فِيهِ هَذَا الْوَجْهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا لِمَنْ يَخْدُمُهُ وَيُعَانِيهِ انْتَهَى. وَهَذَا فِي الَّذِي لَا يُفِيقُ هَكَذَا فَرَضَهُ اللَّخْمِيّ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ يُفِيقُ كَسَفِيهٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي السَّفِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَصَغِيرًا " ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عِيَاضٌ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إنْكَاحِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ فَقَالَ: إذَا كَانَ فِيهِ الْغِبْطَةُ وَالرَّغْبَةُ كَنِكَاحِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ وَلِأَبٍ جَبْرُ صَغِيرٍ لِغِبْطَةٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ انْتَهَى. ص " وَفِي السَّفِيهِ خِلَافٌ " ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَالصَّوَابُ إنْ أُمِنَ طَلَاقُهُ وَخُشِيَ فَسَادُهُ إنْ لَمْ يُزَوَّجْ وَلَا وَجْهَ لِتَسَرِّيهِ؛ وَجَبَ تَزْوِيجُهُ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَمُقَابِلُهُ يُمْنَعُ، وَلَوْ طَلَبَ إلَّا أَنْ يَقِلَّ الْمَهْرُ وَإِنْ أُمِنَ طَلَاقُهُ وَلَمْ يُخْشَ فَسَادُهُ أُبِيحَ إلَّا أَنْ يَطْلُبَهُ فَيَلْزَمُ وَمُقَابِلُهُ إنْ قَدَرَ عَلَى صَوْنِهِ؛ مُنِعَ وَإِلَّا؛ زُوِّجَ بَعْدَ التَّرَبُّصِ انْتَهَى. ص " وَصَدَاقُهُمْ إنْ عَدِمُوا عَلَى الْأَبِ وَإِنْ مَاتَ، أَوْ أَيْسَرَ وَأُبْعِدَ وَلَوْ شَرَطَ ضِدَّهُ " ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: كَانَ زَوَّجَهُ تَفْوِيضًا وَلَمْ يُفْرَضْ

حَتَّى بَلَغَ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَلَوْ كَانَا عَدِيمَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ قِيلَ: وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَعَ الْإِبْهَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَلَوْ كَانَ الِابْنُ حِينَ الْعَقْدِ مَلِيًّا فَعَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْأَبِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَقِيلَ: لِلْمَرْأَةِ أَخْذُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَتْ فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا بِالْبَعْضِ فَعَلَيْهِ قَدْرُ ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيَكُونُ فِي الزَّائِدِ حُكْمُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ انْتَهَى. فَإِنْ شَرَطَ الْأَبُ فِي عَقْدِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ دَارًا فَكَالْمُوسِرِ عَلَى الْأَصَحِّ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا وَلَوْ أَذِنَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَعَقَدَ وَكَتَبَ الْمَهْرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَدَاقُ الِابْنِ الرَّشِيدِ بِإِنْكَاحِهِ أَبُوهُ عَلَى مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فَإِنْ سَكَتُوا وَالِابْنُ مَلِيءٌ فَعَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَفِيهَا لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إنْ كَانَ الِابْنُ عَدِيمًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَعَلَى الْأَبِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الصَّقَلِّيِّ يُرِيدُ السَّفِيهَ وَقَالَ الصَّقَلِّيُّ: وَالرَّشِيدُ كَوَكِيلِ شِرَاءٍ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ ثَمَنِهِ وَيُرِيدُ بِأَنَّهُ الْقَابِضُ فِي الْبَيْعِ وَمُوَكِّلُهُ فِي النِّكَاحِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ تَأْوِيلَ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الِابْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْوَاضِحَةِ قَالَ وَقَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ ابْنِ يُونُسَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ ص " إنْ لَمْ يُنْكِرُوا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِمْ " ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا مَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ سَاكِتًا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ مَا وَكَّلْتُهُ وَلَا أَرْضَى حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيِّ: فَإِنْ أَنْكَرَ حِينَ فَهِمَ الْعَقْدَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْلِفْ وَبَعْدَهُ حِينَ فَرَاغِهِ فَهِيَ عَلَى مَسْأَلَتِهَا وَعَلَى قَوْلِهَا، أَوْ نَكَلَ فَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الشَّيْخِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ لَا قَوْلُ غَيْرِهِ يَغْرَمُ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَتَهْنِئَتِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَغْرَمُ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَلَوْ رَضِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنِّكَاحِ فَإِنْ قَرُبَ رِضَاهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ إلَّا الْإِنْكَارُ فَلَهُ ذَلِكَ وَاسْتُحْسِنَ حَلِفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِإِنْكَارِهِ فَسْخًا فَإِنْ نَكَلَ لَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ رَضِيَ بَعْدَ طُولٍ، أَوْ قَالَ: رَدَدْت الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ انْتَهَى. . ص " وَرَجَعَ لِأَبٍ وَذِي قَدْرٍ زَوَّجَ غَيْرِهِ إلَخْ " ش: اُنْظُرْ إذَا خَالَعَتْهُ الزَّوْجَةُ قَبْل الْبِنَاءِ عَلَى رَدِّ جَمِيعِهِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُهُ؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَمِيعُهُ لِلْأَبِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأَبِ النِّصْفُ اللَّخْمِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْأَبِ أَنْ يَرَاهُ ذَا زَوْجَةٍ الْمُتَيْطِيُّ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحُكْمُ انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْحَمَالَةِ)

ش: فَإِذَا صَرَّحَ بِالْحَمَالَةِ فَتَكُونُ عَلَى حُكْمِهَا قَالَ الْمُتَيْطِيّ: وَالْحَمَالَةُ مَعْنَاهَا الضَّمَانُ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الزَّوْجِ، أَوْ مَغِيبِهِ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَإِذَا أُعْدِمَ، أَوْ غَابَ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَ لَهَا اتِّبَاعُ الْحَمِيلِ، ثُمَّ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا أَدَّى لَهُ انْتَهَى. . ص " حَتَّى يُقَرِّرَ " ش: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ حَتَّى يُقَرِّرَ بِرَاءَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ، ثُمَّ رَاءٍ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَيْرِ وَكَانَ نِكَاحَ تَفْوِيضٍ فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى يُقَرِّرَ وَيَتَصَوَّرَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا زُوِّجَ الصَّغِيرُ وَلَا مَالَ لَهُ نِكَاحَ تَفْوِيضٍ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا حَتَّى بَلَغَ؛ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْأَبِ حَيًّا وَمَيِّتًا قَالَهُ عِيسَى يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ كَانَ ثَابِتًا حِينَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ تَعْيِينُهُ انْتَهَى. فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ لَمْ يُفْرَضْ حَتَّى بَلَغَ الِابْنُ وَرَشَدَ وَتَعَذَّرَ أَخْذُ الصَّدَاقِ مِنْ الْأَبِ؛ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى يُقَرَّرَ لَهَا صَدَاقُهَا وَيُفْرَضَ لَهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص " وَالْكَفَاءَةُ الدِّينُ وَالْحَالُ " ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الدِّينُ الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْلَامُ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الْفِسْقِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ لَهَا فِي الصَّلَاحِ، وَالْحَالُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يُسَاوِيَهَا فِي الصِّحَّةِ أَيْ سَالِمًا مِنْ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ انْتَهَى. فَإِنْ فُقِدَ الدِّينُ وَكَانَ الزَّوْجُ فَاسِقًا؛ فَلَيْسَ بِكُفْءٍ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا فِي دِينِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَلَا خِلَافَ مَنْصُوصٌ أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَبِ مِنْ الْفَاسِقِ لَا يَصِحُّ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ وَقَعَ وَجَبَ لِلزَّوْجَةِ وَلِمَنْ قَامَ لَهَا فَسْخُهُ وَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا يَهْرُبُ مِنْ الْفَتْوَى فِي هَذَا وَيَرَى أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسْخِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَنْكِحَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ وَإِنْ وَقَعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي غَيْرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ وَتَأْسِيسَ مَسْأَلَةٍ مَعَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ الْخِلَافِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ فَاسِدٌ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ مَنْصُوصٌ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ وَلِمَنْ قَامَ لَهَا فَسْخَ نِكَاحِ الْفَاسِقِ وَسُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ عَنْ وَلِيَّةٍ لِقَوْمٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهَا عَلَيْهَا وَذَهَبُوا إلَى فَسْخِ النِّكَاحِ وَكَانَ قَدْ بَنَى بِهَا فَقَالَ لَا سَبِيلَ إلَى حَلِّ النِّكَاحِ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا قِيلَ: لَهُ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَوَقَفَ وَقَالَ: الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ لَمْ يُفْسَخْ وَالْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ فَإِذَا تَرَكُوهَا جَازَ وَوَقَعَ لِأَصْبَغَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ سِكِّيرٍ فَاسِقٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَلْيَرُدَّهُ الْإِمَامُ وَإِنْ رَضِيَتْ هِيَ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ الْكَفَاءَةُ فِي الثَّيِّبِ كَالْبِكْرِ

حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ فَتْحُونٍ وَحَكَى أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْوَلِيدِ كَانَ يَأْخُذُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَيُكَلِّفُ إثْبَاتَ الْكَفَاءَةِ عِنْدَهُ وَيَقُولُ: إنْ كَانَتْ تَمْلِكُ نَفْسَهَا فَإِنَّهَا إذَا دَعَتْ إلَى غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَلْزَمُنِي أَنْ أُعِينَهَا عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ ذَكَرَ فَتْوَى ابْنِ زَرْبٍ وَأَنَّهَا فِي صَفَرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَذَكَرَ كَلَامَ أَصْبَغَ فِي النَّوَادِرِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فِي الْوَصِيِّ وَنَحْوِهِ فِي آخِرِ نَوَازِلِهِ اهـ. وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النُّورِ قَالَ ابْن خويز مَنْدَادٍ: مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالزِّنَا، أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفُسُوقِ مُعْلِنًا بِهِ فَتَزَوَّجَ إلَى أَهْلِ بَيْتِ سِتْرٍ وَغَرَّهُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَلَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ وَفِرَاقِهِ وَذَلِكَ كَعَيْبٍ مِنْ الْعُيُوبِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إلَّا مِثْلَهُ» قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَجْلُودَ لِاشْتِهَارِهِ بِالْفِسْقِ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْفُسُوقِ فَلَا اهـ. وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ مَنْصُوصٌ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ وَلِمَنْ قَامَ لَهَا فَسْخُ نِكَاحِ الْفَاسِقِ مُرَادُهُ الْفَاسِقُ بِجَوَارِحِهِ فَزَوَاجُ الْوَالِدِ مِنْ الْفَاسِقِ لَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَفِي التَّبْصِرَةِ وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ حَرَامًا، أَوْ كَثِيرَ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحِنْثُ وَالتَّمَادِي مَعَهَا فَإِنْ فَعَلَ؛ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَيُمْنَعُ مِنْ تَزْوِيجِهَا مَنْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُوهَا إلَى ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ تَسْهِيلِ الْأُمَّهَاتِ وَمُرَادُهُ بِالتَّبْصِرَةِ تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ وَتَسْهِيلِ الْأُمَّهَاتِ شَرْحُ وَالِدِهِ عَلَى الْمُهِمَّاتِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يَخْطُبُ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا خَطَبَهَا الْفَاسِقُ رَكَنَتْ إلَيْهِ وَلِلصَّالِحِ أَنْ يَخْطُبَهَا وَهُوَ أَحَقُّ. (قُلْت) إنَّمَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ نِكَاحَ الْفَاسِقِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَإِلَّا فَمَتَى قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فَمَا بَيْنَهُمَا صِيغَةُ أَفْعَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا فِي الْفَاسِقِ بِالْجَوَارِحِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ بِالِاعْتِقَادِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَالِكٌ لَا يُزَوِّجُ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَلَا يُزَوَّجُونَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ يُفْسَخُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا تَوَقُّفُ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفَاسِقِ بِجَوَارِحِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسْخِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَنْكِحَةِ وَيُشَارِكُ الْقَدَرِيَّ مَنْ يُسَاوِيهِ فِي الْبِدْعَةِ اهـ. وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا نُزَوِّجُ إلَى الْقَدَرِيَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ الْوَاقِعُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبَيْنَهُمْ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ فَهُمْ كَالْفَاسِقِ بِجَوَارِحِهِ وَأَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّهَا إلَى اعْتِقَادِهِ وَمَذْهَبِهِ، وَلَا يُتَزَوَّجُ مِنْهُمْ، وَلَا يُزَوَّجُونَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقَدَرِيَّةِ جَارٍ فِيمَنْ يُسَاوِيهِمْ فِي الْبِدْعَةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَالِكًا تَلَا قَوْله تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ تَكْفِيرَهُمْ اهـ. مِنْ تَسْهِيلِ الْأُمَّهَاتِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي فِي بَيَانِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ: أَنَّ مِنْ الطَّلَاق الَّذِي يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَرِهَتْ إيقَاعَهُ نِكَاحَهَا الْفَاسِقَ اهـ. بِالْمَعْنَى، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فَاسِقًا بِالْجَوَارِحِ، أَوْ بِالِاعْتِقَادِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُفْسَخُ مُطْلَقًا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا الْحَالُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ إسْقَاطَهُ وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: وَلَهَا وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُهَا لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الدِّينِ ص (وَلِلْأُمِّ التَّكَلُّمُ إلَخْ) ش: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْحَالَ

فرع إذا وطئ الصغير بملك اليمين أو قبل أو باشر

اُخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِهِ، وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ وَفِي أَثْنَائِهِ وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَيْنِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْ فَتْوَى الشُّيُوخِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَجَبْرُ الْمَجْنُونَةِ وَالْبِكْرِ وَلَوْ عَانِسًا مَعَ قَوْلِهِ وَلِلْأُمِّ التَّكَلُّمُ إلَخْ هَلْ يُعَارِضُهُ مَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؟ ص " وَلَوْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ " ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّاهِبِينَ إلَى التَّحْرِيمِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهَا بِنْتًا، أَوْ كَالْبِنْتِ وَهَؤُلَاءِ يَرَوْنَهَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْوَاطِئِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ابْنَةُ الْوَاطِئِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهَا كَالرَّبِيبَةِ وَهَؤُلَاءِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُبِيحُوهَا لِأَبِ الْوَاطِئِ وَابْنِهِ وَالْمَسْأَلَةُ مَوْضُوعَةٌ فِي عِلْمِ الْخِلَافِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا أَوْسَعُ مِنْ هَذَا اهـ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نِكَاحِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ، أَوْ أُخْتَهُ، أَوْ ابْنَةَ ابْنِهِ مِنْ الزِّنَا فَحَرَّمَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَجَازَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَصَرَّحَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِأَنَّ الْقَوْلَ إنَّ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ مَائِهِ لَا تَحِلُّ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِحَدِيثِ جُرَيْجٍ وَقَوْلِهِ لِلْغُلَامِ مَنْ أَبُوكَ؟ فَقَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ مِنْ التَّوَارُثِ وَالْوِلَايَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ لَا تَوَارُثَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مُوجَبُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْأَحْكَامِ اسْتَثْنَيْنَاهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ إذَا وَطِئَ الصَّغِيرُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ] ص (كَالْمِلْكِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَلَذَّذَ بِأَمَةٍ يَمْلِكُهَا بِقُبْلَةٍ، أَوْ مُبَاشَرَةٍ، أَوْ مُلَاعَبَةٍ، أَوْ بِنَظَرٍ بَاطِنٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ إذَا وَطِئَ الصَّغِيرُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَوْ قَبَّلَ، أَوْ بَاشَرَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَبَّلَ، أَوْ بَاشَرَ لَمْ تَحْرُمْ إذَا كَانَ صَغِيرًا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَ أَنْ يَلْتَذَّ بِالْجَوَارِي يَحْرُمُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ فِي لَغْوِ وَطْءِ الصَّغِيرِ وَإِيجَابِ قُبْلَتِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ: الْحُرْمَةُ إنْ بَلَغَ أَنْ يَلْتَذَّ بِالْجَارِيَةِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَخَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ الْقَوْلَيْنِ بِالْمَسِّ وَنَحْوِهِ انْتَهَى، وَحَكَى فِي الشَّامِلِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْجُزُولِيّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُرَاهِقِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ وَطْأَهُ لَا يَحْرُمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَرُمَ الْعَقْدُ وَإِنْ فَسَدَ) ش: جَعَلَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ كَخَامِسَةٍ وَلِمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي تَمْيِيزِ مَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَمُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَقْدُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ص (فَالْتَذَّ بِابْنَتِهَا) ش احْتَرَزَ مِنْ ابْنِهَا فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ

فِي كَشْفِ الْغِطَاءِ: وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهُ تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ بِوَطْءِ الْغُلَامِ وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّائِطِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ: لَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِاللِّوَاطِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا لَعِبَ بِالصَّبِيِّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ إذَا لَاطَ بِابْنِ امْرَأَتِهِ، أَوْ أَبِيهَا، أَوْ أَخِيهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا لَاطَ بِغُلَامٍ وَوُلِدَ لِلْمَفْجُورِ بِهِ بِنْتٌ لَمْ يَجُزْ لِلْفَاجِرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ مَنْ قَدْ دَخَلَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ انْتَهَى كَلَامُهُ ص (وَلَوْ قَالَ أَبٌ: نَكَحْتُهَا، أَوْ وَطِئْت أَمَةً عِنْدَ قَصْدِ الِابْنِ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنْ صَارَتْ إلَيْهِ جَارِيَةُ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يُقِرَّ مَالِكُهَا بِوَطْءٍ وَلَا غَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَحِلُّ اللَّخْمِيُّ وَهَذَا يَحْسُنُ فِي الْعَلِيِّ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْوَخْشِ نُدِبَ أَنْ لَا يُصِيبَ وَلَا تَحْرُمُ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا، ثُمَّ غَابَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ مَلَكَ أَمَةَ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَطِئَهَا أَمْ لَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ اللَّخْمِيُّ وَهَذَا فِي الْعَلِيِّ وَيُنْدَبُ فِي الْوَخْشِ وَلَا تَحْرُمُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالتَّحْرِيمُ بِقَوْلِ أَبٍ، أَوْ ابْنٍ قَالَ اللَّخْمِيّ إنْ عَرَفَ مِلْكَهُ حَرُمَتْ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مِلْكِهِ أَصَبْتُهَا فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُصِبْ لَمْ تَحْرُمْ وَلَوْ غَابَ، أَوْ مَاتَ دُونَ قَوْلٍ فَفِي حُرْمَتِهَا مُطْلَقًا، أَوْ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ اللَّخْمِيِّ وَاخْتِيَارِهِ. ص (وَجَمْعُ خَمْسٍ) ش: أَيْ جُمِعْنَ فِي عِصْمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَحْرَى فِي عَقْدٍ وَتَقْيِيدُهُ فِي الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ: وَالْمَعْنَى وَحَرُمَ جَمْعُ خَمْسٍ مِنْ النِّسَاءِ فِي عُقْدَةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمَا فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ أَحْسَنُ. ص (أَيَّةَ ذَكَرًا حَرُمَ) ش: بِإِدْخَالِ تَاءِ التَّأْنِيثِ عَلَى أَيِّ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِأَيِّ الْمُؤَنَّثُ جَازَ إلْحَاقُ التَّاءِ بِهِ مَوْصُولًا كَانَ، أَوْ اسْتِفْهَامًا، أَوْ غَيْرَهُمَا انْتَهَى. وَجَعَلَ فِي الْكَبِيرِ بَدَلَ التَّاءِ هَاءَ وَبَدَلَ أَيِّ أَنْ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ذَكَرًا بِالنَّصْبِ فَإِنَّهُ فِي الْفَسْخِ بِأَلِفٍ بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ " حَرُمَ " وَالضَّمِيرُ لِلْوَطْءِ. ص " كَوَطْئِهَا بِالْمِلْكِ " ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَأَنْ يَطَأُ إحْدَاهُمَا وَأُخْتَهَا فِي مِلْكِهِ وَيُؤْمَنُ عَلَى أَنْ لَا يُصِيبَهَا أُخْرَى انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ وَكَمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ النَّظَرُ لِلَذَّةٍ لِلْمِعْصَمِ وَالصَّدْرِ قِيَاسًا عَلَى مَا تَسَوَّى الشَّرْعُ فِيهِ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ لِلَّذَّةِ انْتَهَى، ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا إذَا عَقَدَ عَلَى اثْنَيْنِ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمْعُهُمَا فَتَارَةً يَعْقِدُ عَلَيْهِمَا عَقْدًا وَاحِدًا وَتَارَةً وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانَ عَقَدَ عَلَى اثْنَيْنِ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمْعُهُمَا عَقْدًا وَاحِدًا فَيُفْسَخُ ذَلِكَ بِلَا طَلَاقٍ دَخَلَ بِهِمَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، أَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَمَنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا مَهْرَ لَهَا وَمَنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ص (وَفُسِخَ نِكَاحُ ثَانِيَةٍ) ش: أَيْ قَامَتْ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا ثَانِيَةً، أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ الزَّوْجُ وَصُدِّقَتْ هِيَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَأَمَّا الْأُولَى فَنِكَاحُهَا صَحِيحٌ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، أَمَّا مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ قَوْلُ

أَشْهَبَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ الْأَوَّلَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ عَدَمُ قَبُولِ قَوْلِهَا هُنَا انْتَهَى. ص " وَإِلَّا حَلَفَ لِلْمَهْرِ " ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْأُولَى بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ تُصَدَّقْ الْمَرْأَةُ الَّتِي زَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ لَا عِلْمَ عِنْدِي، أَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا الْأُولَى فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لَهَا وَيَبْرَأُ مِنْ الْمَهْرِ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا إنْ قَالَتْ: لَا عِلْمَ لِي وَادَّعَتْ الْعِلْمَ فَعَلَيْهَا الْيَمِينُ وَاَلَّتِي ادَّعَى أَنَّهَا الْأُولَى فَلَهَا الصَّدَاقُ بِالدُّخُولِ وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ وَهَلْ يُصَدَّقُ فِيهِ؟ يَأْتِي فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: لَا عِلْمَ عِنْدِي فَيُفْسَخُ النِّكَاحَانِ جَمِيعًا فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَتَانِ أَيْضًا لَا عِلْمَ عِنْدَنَا فُسِخَ النِّكَاحَانِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ نِصْفُ صَدَاقٍ وَاحِدٍ يَقْتَسِمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَدَاقٍ لِوَاحِدَةٍ مَجْهُولَةٍ وَإِنْ ادَّعَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ الْعِلْمَ فَإِنَّهَا تَحْلِفُ وَتَسْتَحِقُّ النِّصْفَ وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْرَى فَإِنْ نَكَلَتْ؛ اقْتَسَمَا النِّصْفَ وَإِنْ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ الْعِلْمَ حَلَفَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا الْأُولَى وَأَخَذَتْ نِصْفَ صَدَاقِهَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَهَذَا مَنْقُولٌ مِنْهُمَا بِالْمَعْنَى. وَالْفَسْخُ هَاهُنَا بِطَلَاقٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْبَاجِيِّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بِلَا طَلَاقٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فُسِخَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ نِكَاحُ ثَانِيَةٍ صُدِّقَتْ، ثُمَّ شَبَّهَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَوْنِ الْفَسْخِ بِلَا طَلَاقٍ مَا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأُمِّ وَابْنَتِهَا عَقْدًا وَاحِدًا فَقَالَ: ص " كَأُمٍّ وَابْنَتِهَا بِعَقْدٍ " ش: أَيْ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ ذَلِكَ بِلَا طَلَاقٍ مُطْلَقًا دَخَلَ بِهِمَا أَمْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، أَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي تَحْرِيمِهِمَا، أَوْ إحْدَاهُمَا لِسَبَبِ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ وَسَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: ص " وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهُمَا إنْ دَخَلَ وَلَا إرْثَ " ش يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَأُمَّهَا وَدَخَلَ بِهِمَا مَعًا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدَةٍ يُحَرِّمُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَطْئًا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ بِاتِّفَاقٍ إلَّا أَنَّهُ يَدْرَأُ الْحَدَّ وَلَا مِيرَاثَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَى فَسَادِهِ لَا مِيرَاثَ فِيهِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُهَا الْمُسَمَّى لِأَجْلِ الْمَسِيسِ انْتَهَى كَلَامُهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِذَا عَقَدَ عَلَى الْأُمِّ وَابْنَتِهَا عَقْدًا وَاحِدًا فُسِخَ أَبَدًا فَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا حَرُمَتَا أَبَدًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَدَرَأَ عَنْهُمَا الْحَدَّ فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَةٍ لَحِقَهُ الْحَدُّ فَيَجْرِي التَّحْرِيمُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّحْرِيمِ بِالزِّنَا، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ أَبَدًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يُدْرَأُ فِيهَا الْحَدُّ قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ انْتَهَى، ثُمَّ بَالَغَ الْمُصَنِّفُ ص " وَإِنْ تَرَتَّبَتَا " ش: يَعْنِي أَنَّ دُخُولَهُ بِهِمَا يُحَرِّمُهُمَا أَبَدًا. وَلَوْ كَانَ نِكَاحُهُمَا مُتَرَتِّبًا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَلَا مِيرَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَ: كَانَا تَرَتَّبَتَا لَكَانَ أَحْسَنَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ تَرَتَّبَتَا غَيْرَ عَالَمٍ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الْعَالِمُ فَفِيهَا يُحَدُّ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَةٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَأَمَّا الْعَالِمُ فَهُوَ قَسِيمُ قَوْلِهِ فَإِنْ تَرَتَّبَتَا غَيْرَ عَالِمٍ يَعْنِي تَزَوَّجَ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَوَطِئَهَا عَالِمًا؛ فَوَطْؤُهُ لَهَا تَحْرِيمٌ لِلْبِنْتِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَيُحَدُّ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ انْتَهَى، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي. ص " وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ " ش: مِنْ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمَا عَقْدًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ ذَلِكَ. ص " وَحَلَّتْ الْأُمُّ لَهُ " ش: أَيْ نِكَاحُهَا فَأَحْرَى الْبِنْتُ. وَلَوْ قَالَ: حَلَّتَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْقِسْمِ

فرع طلقها طلاقا رجعيا وأراد أن يتزوج خامسة

الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَتَحِلُّ لَهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِاتِّفَاقٍ إنْ كَانَتْ الْبِنْتَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَتْ الْأُمَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَتَيْنِ إلَّا الْمَدْخُولَ بِهِمَا وَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ أُخَرُ: الْأَوَّلُ إذَا عَثَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهِمَا وَالْحُكْمُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ بِلَا طَلَاقٍ وَيُمْسِكَ الْأُولَى سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُمَّ، أَوْ الْبِنْتَ عَلَى الْمَشْهُورِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الَّتِي فَسَخَ نِكَاحَهَا الْأُمَّ؛ فَهِيَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْأُولَى الَّتِي هِيَ الْأُمُّ وَيَتَزَوَّجَهَا. الثَّانِي: أَنْ يَدْخُلَ بِالْأُولَى فَنِكَاحُهَا ثَابِتٌ إنْ كَانَتْ الْبِنْتَ بِاتِّفَاقٍ. وَإِنْ كَانَتْ الْأُمَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَفْسَخُ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا. الثَّالِثُ: أَنْ يَدْخُلَ بِالثَّانِيَةِ فَالْحُكْمُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَحَرُمَتْ الْأُولَى بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُمَّ فَهِيَ حَرَامٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا يَعْنِي وَقَدْ مَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَالْإِرْثُ لَهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ صَدَاقِهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَ النِّكَاحَيْنِ صَحِيحٌ. وَأَمَّا إنْ دَخَلَ بِهِمَا فَلَا مِيرَاثَ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّرْتِيبِ لِفَسَادِ النِّكَاحَيْنِ حِينَئِذٍ فَأَحْرَى مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: نِصْفُ صَدَاقِهَا؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ بِالدُّخُولِ يَتَكَمَّلُ فَقَوْلُهُ كَأَنْ لَمْ تَعْلَمْ الْخَامِسَةُ أَيْ: فَإِنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهِنَّ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، فَأَمَّا الصَّدَاقُ فَإِنْ دَخَلَ بِهِنَّ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُهَا فَإِنْ دَخَلَ بِأَرْبَعٍ فَلَهُنَّ صَدَاقُهُنَّ وَلِلْخَامِسَةِ نِصْفُ صَدَاقِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِثَلَاثٍ فَلَهُنَّ صَدَاقُهُنَّ وَلِلْأَخِيرَتَيْنِ صَدَاقٌ وَنِصْفٌ يَقْتَسِمَانِهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ صَدَاقِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِاثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا صَدَاقُهُمَا وَلِلثَّلَاثِ الْأُخَرِ صَدَاقَانِ وَنِصْفٌ يَقْتَسِمْنَهُ بَيْنَهُنَّ وَإِنْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ فَلَهَا صَدَاقُهَا وَلِلْأَرْبَعِ ثَلَاثُ صَدُقَاتٍ وَنِصْفٌ يَقْتَسِمْنَهَا بَيْنَهُنَّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ فَأَرْبَعُ صَدُقَاتٍ يَقْتَسِمْنَهَا الْخَمْسَةُ هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص " وَحَلَّتْ الْأُخْتُ بِبَيْنُونَةِ السَّابِقَةِ " ش: فَقَوْلُهُ " الْأُخْتُ " يُرِيدُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هُوَ تَحْرِيمُ جَمْعٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا فِي الْمِلْكِ فَسَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَانْظُرْ كَلَامَ الْبِسَاطِيِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النُّكَتِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ الْقَرَوِيِّينَ إذَا تَزَوَّجَ أُخْتًا عَلَى أُخْتِهَا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَكُونَا أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لِتَحْرِيمِ السُّنَّةِ وَالْأُولَى لِتَحْرِيمِ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا فِي تَزْوِيجِهِ الْمَرْأَةَ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا فَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمُ السُّنَّةِ هَذَا أَصْلُ كُلِّ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيمِ السُّنَّةِ فَلَا حَدَّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا بِالْكِتَابِ؛ فَفِيهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ فَاعْلَمْهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِبَيْنُونَةِ السَّابِقَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَبَيْنُونَتُهَا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَانْقِضَاءُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَإِذَا قَالَ فِي الرَّجْعِيَّةِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَأَكْذَبَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ مَضَى لِطَلَاقِهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَهُ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا فِي عِدَّتِهَا وَكَذَلِكَ خَامِسَةٌ فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ مَبْتُوتَةٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَادَّعَى بِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَذَلِكَ فِي أَمَدٍ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِي مِثْلِهِ وَأَكْذَبَتْهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نِكَاحِ الْخَامِسَةِ، أَوْ الْأُخْتِ، أَوْ قَطْعِ النَّفَقَةِ، أَوْ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا وَإِنْ نَكَحَ الْأُخْتَ أَوْ الْخَامِسَةَ فُسِخَ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ هُوَ عَلَى قَوْلِهَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: قَالَ بَعْضُ الْمُذَاكِرِينَ وَعَلَيْهَا الْيَمِينُ فِي النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَأَمَّا الْعِدَّةُ فَلَا انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. [فَرْعٌ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَامِسَةً] (فَرْعٌ) فَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَامِسَةً، أَوْ أُخْتَهَا فَقَالَتْ: احْتَبَسَ عَنِّي الدَّمُ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ فَإِنْ ادَّعَتْ التَّحْرِيكَ بَعْدَ السَّنَةِ لَمْ تُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فَيَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ صَدَّقَتْهَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ أَنْ يَتَرَبَّصَ إلَى أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ أُسِرَتْ زَوْجَتُهُ فَغَابَ خَبَرُهَا فَأَرَادَ نِكَاحَ أُخْتِهَا، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا: فَإِنْ طَلَّقَ الْمَأْسُورَةَ بِالْبَتَّةِ؛ جَازَ ذَلِكَ الْآنَ وَإِنْ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ سُبِيَتْ إذَا كَانَ طَلَاقُهُ بِحِدْثَانِ السَّبْيِ لِاحْتِمَالِ تَمَادِي الرِّيبَةِ بِحَبْسِ الْبَطْنِ فَلَا يُبْرِئُهَا إلَّا خَمْسُ سِنِينَ فَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ السَّبْيِ بِسَنَتَيْنِ فَبَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ السَّبْيِ فَأَكْثَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُسْتَرَابَ فَتَأْتِيَهَا الْحَيْضَةُ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَيُصِيبَهَا فِي الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ تَكْمُل إمَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، أَوْ سَنَةٍ لَا حَيْضَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَرَابَةً بِالْحَيْضِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُدَّةِ يُحْسَبُ مِنْ الْخَمْسِ سِنِينَ الَّتِي هِيَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ وَلَوْ سُبِيَتْ وَهِيَ نُفَسَاءُ وَطَلَّقَهَا بِحِدْثَانِ ذَلِكَ انْتَظَرَ ذَلِكَ سَنَةً كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْحَيْضَةُ لِنِفَاسِهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ وَقَدْ تَطْهُرُ مِنْ نِفَاسِهَا، ثُمَّ تُسْتَرَابُ، ثُمَّ تَحِيضُ فِي آخِرِ السَّنَةِ، ثُمَّ تُسْتَرَابُ فَكَيْفَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِصَبْرِ ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَيْسَتْ تُؤْمَرُ بِخَمْسِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ مُوقِنٌ أَنْ لَا حَمْل بِهَا مِنْهُ إذَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ النِّفَاسِ وَهَذَا صَحِيحٌ اهـ.، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاخْتَصَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِعِتْقٍ وَإِنْ لِأَجَلٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَوْ عَتَقَ بَعْضَهَا الشَّيْخُ مِنْ الْوَاضِحَةِ لَوْ زَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ فَوَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا حَلَّتْ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الثَّانِيَةِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (، أَوْ بَيْعٍ دَلَّسَ فِيهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي التَّمَاسُكَ انْتَهَى. فَأَحْرَى إذَا لَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ فَانْظُرْ قَوْلَ الْبِسَاطِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَلَّتْ الْأُخْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا فَاسِدٍ لَمْ يَفُتْ) ش: أَمَّا لَوْ فَاتَ؛ حَلَّتْ الثَّانِيَةُ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، أَوْ الْفَاسِدِ بَعْدَ فَوْتِهِ اللَّخْمِيُّ وَالشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مَعَ الْخُرُوجِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ انْتَهَى. ص (وَعِدَّةِ شُبْهَةٍ) ش: تَقْيِيدُهُ الْعِدَّةَ بِالشُّبْهَةِ حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَكَانَ النِّكَاحُ وَحْدَهُ مُحَرَّمًا وَالْعِدَّةُ مِنْ تَوَابِعِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدٍ فَمَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مَسَّهَا؛ حَلَّتْ لَهُ أُخْتُهَا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَظِهَارٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يُجْزِئُهُ تَحْرِيمُ مَنْ وَطِئَ مِنْهُمَا بِيَمِينٍ بِحُرِّيَّتِهَا اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَوْلُهُ إنْ أَصَبْتُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ إصَابَتِهِ إيَّاهَا حَلَالٌ فَهُوَ الْمُوجِبُ حِنْثَهُ انْتَهَى. ص (وَعُهْدَةِ ثَلَاثٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِخِلَافِ عُهْدَةِ السَّنَةِ لِطُولِ زَمَانِهَا انْتَهَى، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ الْعُهْدَةُ مُطْلَقَةٌ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا: إنَّ مُحَمَّدًا قَالَ يُرِيدُ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ. ص (وَهِبَةٍ لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا قِيلَ: لَوْ وَهَبَهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ الْكَبِيرِ، أَوْ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ يَتِيمِهِ قَالَ: كُلُّ مَا لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا بِشِرَاءٍ هُوَ الْحَاكِمُ فِيهِ أَوْ بِاعْتِصَارٍ، أَوْ انْتِزَاعٍ وَمَا يُفْسَخُ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ نِكَاحٍ لَا يَثْبُتَانِ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا لَغْوٌ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ عَقِبَ نَقْلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْآنَ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكٍ انْتَهَى. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ

لَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُعْتَصَرُ مِنْهُ تَحِلُّ بِالْهِبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَإِنْ كَانَتْ لِثَوَابٍ فَلَا تَحِلُّ حَتَّى يُعَوَّضَ عَلَيْهَا، أَوْ تَفُوتَ عِنْدَهُ وَتَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَيْضًا لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُعْتَصَرُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا فَاتَتْ عِنْدَ الَّذِي يُعْتَصَرُ مِنْهُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ. ص (بِخِلَافِ صَدَقَةٍ عَلَيْهِ إنْ حِيزَتْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ وَحِيزَتْ لَهُ جَازَ وَطْءُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِصَارَ فِي الصَّدَقَةِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ فَلَا. انْتَهَى، وَهُوَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ إذْ لَهُ انْتِزَاعُهَا بِالْبَيْعِ كَمَا فِي حَقِّ الْيَتِيمِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَقَفَ إنْ وَطِئَهُمَا لِيُحَرِّمَ) ش: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَمْ يُوَكَّلْ ذَلِكَ إلَى أَمَانَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ انْتَهَى. ص (فَإِنْ أَبْقَى الثَّانِيَةَ اسْتَبْرَأَهَا) ش: قَوْلُهُ " الثَّانِيَةَ " مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَتْ الْأُولَى لَمْ يَسْتَبْرِئْ وَهُوَ كَذَلِكَ. (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَإِنْ عَاوَدَ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ الثَّانِيَةَ وَقَفَ عَنْهُمَا فَأَيَّتُهُمَا حَرَّمَ لَمْ يُصِبْ الْبَاقِيَةَ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَثَبَ عَلَى الْأُخْرَى فَوَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَيْهِ الَّتِي وَطِئَ وَقَفَ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، أَوْ جَاهِلًا وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أُخْتَانِ فَأَصَابَهُمَا، ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَ الْبَاقِيَةَ عِنْدَهُ: لَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا أَحَبَّ وَهَذَا يَحْسُنُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَكَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهُمَا جَاهِلًا، وَأَمَّا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصِيبَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُخْرِجَ الْأُخْرَى مِنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ أَنْ يَعُودَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ النِّكَاحِ الثَّالِثِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا وَطِئَ بِالْمِلْكِ أُخْتًا بَعْدَ أُخْتٍ فَلْيَكُفَّ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ فَرْجَ وَاحِدَةٍ فَإِنْ حَرَّمَ الْأُولَى؛ اسْتَبْرَأَ الثَّانِيَةَ، وَإِنْ حَرَّمَ الثَّانِيَةَ؛ لَمْ يَسْتَبْرِئْ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ فَلِيَسْتَبْرِئهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يَنْبَغِي، وَالْجَاهِلُ وَالْعَالِمُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَبَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَنْ اشْتَرَى أُخْتَيْنِ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا فَلَا يَطَأُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ فَرْجَ الَّتِي وَطِئَهَا فَإِنْ بَاعَ الَّتِي وَطِئَ، ثُمَّ وَطِئَ الْبَاقِيَةَ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمَبِيعَةَ؛ تَمَادَى عَلَى وَطْءِ الْبَاقِيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَطَأْ الْبَاقِيَةَ حَتَّى اشْتَرَى الْمَبِيعَةَ؛ وَطِئَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ انْتَهَى، وَفِي النَّوَادِرِ: مَنْ بَاعَ أَمَةً وَطِئَهَا، ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَحِيضَ الَّتِي بَاعَ وَلَوْ حَاضَتْ، ثُمَّ اسْتَقَالَهُ مِنْهَا، أَوْ ابْتَاعَهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ أُخْتَهَا فَلَا يَقْرَبُ هَذِهِ حَتَّى يُحَرِّمَ فَرْجَ أُخْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إحْدَاهُمَا انْتَهَى. . ص (وَإِنْ عَقَدَ) ش: سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. ص (فَالْأُولَى) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَطَأُ الَّتِي اشْتَرَى حَتَّى يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ انْتَهَى. ص (فَإِنْ وَطِئَ) ش: هَذَا الشَّرْطُ جَوَابُهُ قَوْلُهُ فَكَالْأُولَى يَعْنِي فَكَمَا إذَا وَطِئَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيُوقَفُ حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا وَتَحْرِيمُ الْأَمَةِ بِمَا تَقَدَّمَ وَتَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، أَوْ الرَّجْعِيِّ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَالَهُ اللَّخْمِيّ قَالَ: وَلَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ بِالظَّاهِرِ وَيَخْتَلِفُ إذَا قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ انْتَهَى. ص "، أَوْ عَقَدَ بَعْدَ تَلَذُّذِهِ بِأُخْتِهَا بِمِلْكٍ فَكَالْأُولَى " ش: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَوَّلًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُنْظُرْ إذَا اخْتَارَ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَهَذِهِ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمَجُوسِيِّ يُسْلِمُ وَتَحْتَهُ عَشْرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُسَمَّى

فرعان الأول باع أمة وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة

كَامِلًا وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا جَارٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَتَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ مِثْلُ تَحْرِيمِهَا فِي تِلْكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعَانِ الْأَوَّلُ بَاعَ أَمَةً وَطِئَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى اشْتَرَى الْمَبِيعَةَ] (فَرْعَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْأَوَّلُ) مَنْ بَاعَ أَمَةً وَطِئَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى اشْتَرَى الْمَبِيعَةَ لَمْ يَطَأْ إلَّا الزَّوْجَةَ وَالْعَقْدُ هَاهُنَا كَالْوَطْءِ فِي الْمِلْكِ. [الفرع الثَّانِي زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ] (الثَّانِي) مَنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا فَوَطِئَهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ أَقَامَ عَلَى وَطْءِ الْأَمَةِ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ الْأَمَةُ، ثُمَّ زَوَّجَهَا وَأُخْتَهَا، ثُمَّ رَجَعَتَا إلَيْهِ جَمِيعًا وَطِئَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَطَأَ أُولَاهُمَا رُجُوعًا اهـ. [فَرْعٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَمَلَتْ عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ] ص (وَالْمَبْتُوتَةِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَالْمَبْتُوتَةُ هِيَ الَّتِي انْقَطَعَتْ عِصْمَتُهَا. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَمَلَتْ عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَيُحَدُّ قِيلَ: فَمَا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: رُبَّمَا اجْتَمَعَا اهـ. ص (حَتَّى يُولِجَ بَالِغٌ قَدْرَ الْحَشَفَةِ) ش فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ عَقْدَ الْغَيْرِ عَلَيْهَا دُونَ وَطْءٍ لَغْوٌ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (بَالِغٌ) أَنَّ شَرْطَ الْإِيلَاجِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَالَ الْعَقْدِ بَالِغًا، أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا وَطْءُ الصَّبِيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَحْتَلِمْ لَغْوٌ اللَّخْمِيُّ: إنْ شَارَفَ الْبُلُوغَ حَلَّ وَطْؤُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يُحَدُّ إنْ زَنَى اهـ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ " قَدْرَ الْحَشَفَةِ " أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لَمْ تَحِلَّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَهَا فَوْقَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَدَخَلَ مَاؤُهُ فِي فَرْجِهَا فَأَنْزَلَتْ لَمْ تَحِلَّ وَلَا تَحْصُنُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَا تَحِلُّ إلَّا بِوَطْءٍ فِيهِ إنْزَالٌ لِقَوْلِهِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَرَأَى الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَغِيبَ الْحَشَفَةِ هِيَ الْعُسَيْلَةُ فَأَمَّا الْإِنْزَالُ فَهِيَ الذُّبَيْلَةُ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ فِي لَذَّةٍ مِنْ الْمُلَاعَبَةِ حَتَّى إذَا أَوْلَجَ فَقَدْ عَسَلَ، ثُمَّ يَتَعَاطَى بَعْدَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ مَا فِيهِ عُلُوُّ نَفَسِهِ وَإِتْعَابُ نَفْسِهِ وَنَزْفُ دَمِهِ وَإِضْعَافُ أَعْضَائِهِ فَهِيَ إلَى الْحَمِيضَةِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى الْعُسَيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِلَذَّةٍ وَيَخْتِمُ بِأَلَمٍ اهـ. [فَرْعٌ كَانَ الزَّوْجَانِ مُسْلِمَيْنِ فَارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ طَلَاقِ الثَّلَاثِ] (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ مُسْلِمَيْنِ فَارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ طَلَاقِ الثَّلَاثِ لَمْ تُسْقِطْ الرِّدَّةُ الْخِطَابَ بِأَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِذَا ارْتَدَّا مَعًا؛ سَقَطَ الْخِطَابُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ نَصْرَانِيَّةً وَارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَحِلُّ لَهُ إذَا رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَإِنْ أَحَلَّهَا زَوْجٌ فَارْتَدَّتْ هِيَ، أَوْ الْمُحَلِّلُ فَالْأَحْسَنُ عِنْدَ اللَّخْمِيّ أَنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ قَالَ جَمِيعَ ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ بَعْضُ هَذَا فِي بَابِ الرِّدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِلَا مَنْعٍ) ش: يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ وَطْءٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْهُ وَطْءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ هُوَ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَفُهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا مَنْعٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مَمْنُوعَةٌ، وَمُنِعَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِالْقُبُلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا نُكْرَةَ فِيهِ) ش: يَعْنِي إذَا عُلِمَتْ الْخَلْوَةُ وَتَنَاكَرَا فِي الْإِصَابَةِ وَالتَّنَاكُرِ يُصَدَّقُ بِإِنْكَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ إنْكَارُهَا ظَاهِرًا سَكَتَ عَنْهُ فَإِذَا أَنْكَرَ الْمَسِيسَ؛ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ طَالَ مُقَامُهُ مَعَهَا وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ صُدِّقَتْ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا عُلِمَتْ الْخَلْوَةُ وَغَابَ الْمُحَلِّلُ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ مِنْهُ إقْرَارٌ، أَوْ إنْكَارٌ صُدِّقَتْ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا الْبَاجِيُّ لَوْ بَنَى وَبَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً وَمَاتَ صُدِّقَتْ انْتَهَى. ص (بِانْتِشَارٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إدْخَالُهَا ذَكَرَ الشَّيْخِ فِي فَرْجِهَا دُونَ انْتِشَارٍ إنْ انْتَشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَلَّهَا وَإِلَّا فَلَا اللَّخْمِيُّ لِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُحَلِّلُ وَيُحْصِنُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَفِي تَعْلِيقَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ: لَوْ وَطِئَهَا غَيْرَ مُنْتَشِرٍ، ثُمَّ انْتَشَرَ فِي فَرْجِهَا أَحَلَّهَا اتِّفَاقًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَلَوْ كَانَ كَسِلَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُحَلِّلُ وَيُحْصِنُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ يَحِلُّ فَتَبْقَى الْمَسْأَلَةُ بِلَا

نية المطلق ونيتها لغو وإنما المعتبر نية المحلل

جَوَابٍ التُّونُسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُذَاكِرِينَ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يُحَلِّلُ وَلَا يُحَصِّنُ، بَعْضُ الْمُذَاكِرِينَ: إنْ عَرِيَ ذَلِكَ عَنْ اللَّذَّةِ الْمُعْتَادَةِ عِنْدَ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ أُلْغِيَ وَإِلَّا حَلَّلَ وَحَصَّنَ اهـ. ص (فِي نِكَاحٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ فَلَا تَحِلُّ بِوَطْءِ سَيِّدِهَا لِمَنْ بَتَّهَا وَلَا بِاشْتِرَائِهَا الَّذِي بَتَّهَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (لَازِمٍ) ش: احْتِرَازًا مِنْ نِكَاحِ الْعَبْدِ الْمُتَعَدِّي وَنِكَاحِ ذَاتِ الْعَيْبِ وَالْمَغْرُورَةِ، أَوْ ذِي الْعَيْبِ وَالْمَغْرُورِ فَإِنْ أَجَازَ السَّيِّدُ نِكَاحَ الْعَبْدِ الْمُتَعَدِّي، أَوْ رَضِيَ الزَّوْجُ فِي عَيْبِ الْمَرْأَةِ وَغُرُورِهَا، أَوْ رَضِيَتْ هِيَ فِي عَيْبِ الزَّوْجِ وَغُرُورِهِ وَحَصَلَ وَطْءٌ بَعْدَ الْإِجَازَةِ، أَوْ الرِّضَا حَلَّتْ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعُلِمَ خَلْوَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ خَلْوَةُ الزِّيَارَةِ لَغْوٌ وَفِيهَا إنْ مَاتَ قَبْلَ بِنَائِهٍ فَقَالَتْ: طَرَقَهَا لَيْلًا فَأَصَابَهَا لَمْ تُصَدَّقْ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ص (وَلَوْ خَصِيًّا) ش: يُرِيدُ بَعْدَ عِلْمِهَا بِهِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ. ص (لَا بِفَاسِدٍ) ش: يَدْخُلُ فِيهِ نِكَاحُ النَّصْرَانِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً، أَوْ نَصْرَانِيَّةً؛ لِأَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَبِهَذَا يَسْتَغْنِي عَمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ (حَتَّى يُولِجَ بَالِغٌ مُسْلِمٌ) . ص (وَكَمُحَلِّلٍ) ش: وَيَفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ إذَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ قَبْلَ النِّكَاحِ؛ فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ الْبَاجِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ هَلْ هُوَ بِطَلَاقٍ أَمْ لَا؟ وَهُوَ تَخْرِيجٌ ظَاهِرٌ وَإِنْ بَنَى بِهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ مَالِكٌ لِلْمُحَلِّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ أَشْهَبُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَنْكِحَهَا أَبَدًا اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَإِنْ أَقَرَّ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَهُ؛ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَهَذَا النِّكَاحُ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ اهـ. [نِيَّةُ الْمُطَلِّقِ وَنِيَّتُهَا لَغْوٌ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُحَلِّلِ] ص (وَنِيَّةُ الْمُطَلِّقِ وَنِيَّتُهَا لَغْوٌ) ش وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُحَلِّلِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُعَاقَبُ هُوَ وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالزَّوْجَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْأَوَّلَ فَيُعْلِمَهُ أَنَّهُ قَصَدَ تَحْلِيلَهَا لِيَمْتَنِعَ مِنْ نِكَاحِهَا اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ التَّوْضِيحِ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ قَالَ الْمُطَلِّقُ: تَزَوَّجِي فُلَانًا فَإِنَّهُ مِطْلَاقٌ حَلَّتْ إنْ تَزَوَّجَتْهُ وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَتْهُ هِيَ لِذَلِكَ. [زَوَّجَهَا لِعَبْدِهِ لِيَسْأَلَهُ طَلَاقَهَا بَعْدَ وَطْئِهَا] (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ تَعْلِيقَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ: لَوْ زَوَّجَهَا لِعَبْدِهِ لِيَسْأَلَهُ طَلَاقَهَا بَعْدَ وَطْئِهَا حَلَّتْ بِهِ وَمَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا اللَّخْمِيُّ: وَيَخْتَلِفُ إنْ تَزَوَّجَتْ غَرِيبًا عَالِمَةً بِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ حَبْسَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ لَا تَحِلُّ بِهِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ. (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ مَبْتُوتَةً وَبَنَى بِهَا وَأَقَرَّ بِوَطْئِهَا كَاذِبًا، ثُمَّ أَبَتَّهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا مَنْ أَبَتَّهَا أَوَّلًا وَبَنَى بِهَا وَأَقَرَّ بِوَطْئِهَا؛ لَمْ تَحِلَّ لِمَنْ أَبَتَّهَا ثَانِيًا لِفَسَادِ نِكَاحِ مَنْ أَبَتَّهَا أَوَّلًا بَعْدَ مَنْ أَبَتَّهَا ثَانِيًا اهـ. ص (وَقَبِلَ دَعْوَى طَارِئَةِ التَّزْوِيجِ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْإِحْلَالُ يَصِحُّ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْخَلْوَةِ وَتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ التَّزْوِيجُ إلَّا مِنْ قَوْلِهَا فَذَكَرَ التَّفْصِيلَ الَّذِي

فرع إذا دفعت إليه جارية ليستخدمها هل يجوز نكاحه لها

ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْبَلُ نِكَاحَ الطَّارِئَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْضِعُ قَرِيبًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ قَرِيبًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ بَعُدَ) ش: أَمَّا إنْ قَرُبَ الْأَمَدُ فَقَوْلُهَا لَغْوٌ أُمِنَتْ أَمْ لَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَمَلَكَهُ) ش: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا. [فَرْعٌ إذَا دُفِعَتْ إلَيْهِ جَارِيَةٌ لِيَسْتَخْدِمَهَا هَلْ يَجُوزُ نِكَاحِهِ لَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا إنْ دُفِعَتْ إلَيْهِ جَارِيَةٌ لِيَسْتَخْدِمَهَا فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجْرِي جَوَازُ نِكَاحِهِ لَهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي حَدِّهِ إذَا زَنَى بِهَا فَمَنْ يَقُولُ بِحَدِّهِ يَقُولُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَمَنْ يَقُولُ بِسُقُوطِهِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْحَدِّ سَاقِطًا بِالشُّبْهَةِ فَسْخُ النِّكَاحِ بِهَا اهـ. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَائِلِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي كِتَابِ الْخِدْمَةِ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَفِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَفِي مُخْتَصَر الْوَقَارِ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ الْمُخْدَمَةَ وَإِنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مَنْ أَخَدَمَهَا اهـ. [فَرْعٌ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةَ عَبْدِهِ مِنْهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةَ عَبْدِهِ مِنْهُ انْتَزَعَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مِنْهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا مِنْهُ قَبْلَ انْتِزَاعِهَا، أَوْ وَطِئَهَا؛ جَازَ نِكَاحُهُ وَكَانَ انْتِزَاعًا وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ وَطْأَهَا انْتَزَعَهَا وَوَطِئَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ انْتِزَاعِهَا كَانَ انْتِزَاعًا. (قُلْت) وَيَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَ وَطْئِهَا وَبَعْدَهُ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا اهـ. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي: وَانْظُرْ لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ عَبْدِهِ مِنْ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ هَلْ يَكُونُ انْتِزَاعًا أَمْ لَا؟ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَجُلٍ أَخَذَ جَارِيَةً لِأُمِّ وَلَدِهِ فَزَوَّجَهَا غُلَامَهُ فَمَاتَ فَطَلَبَتْ أُمُّ الْوَلَدِ جَارِيَتَهَا هَلْ تَرَى تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا غُلَامَهُ انْتِزَاعًا؟ قَالَ: لَا وَالْجَارِيَةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ زَوَّجَ جَارِيَةً لِعَبْدِهِ غُلَامَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ سَيِّدُهُ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ لِلْعَبْدِ أَعْنِي سَيِّدَهَا وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَأُمَّ الْوَلَدِ مَالِكَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلَا يُحْمَلُ فِعْلُ السَّيِّدِ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِزَاعِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَّا بَعْدَ الِانْتِزَاعِ كَالْوَطْءِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ إذَا رَهَنَ السَّيِّدُ عَبْدَ عَبْدِهِ فِي دَيْنٍ عَلَى السَّيِّدِ فَفِي الْكِتَابِ لَا يَكُونُ انْتِزَاعًا اهـ. ص (، أَوْ لِوَلَدِهِ) ش: سَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ رِقًّا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَجَازَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ وَعَنْ ابْنِ كِنَانَةَ كَرَاهِيَتُهُ وَهَذَا فِي جَارِيَةٍ لَمْ تَكُنْ فِي الصَّدَاقِ، وَأَمَّا جَارِيَةُ الصَّدَاقِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَمَنَعَ مِنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَخَرَّجَ فِيهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلًا بِالْجَوَازِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ مِنْ التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ اشْتَرَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ بِخِيَارٍ] ص (وَفَسَخَ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِخِيَارٍ لَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَهُ إلَّا بِبَتِّهِ وَإِنْ بِيعَ عَلَى الْعُهْدَةِ فُسِخَ حِينَئِذٍ فَإِنْ حَدَثَ فِي الْعُهْدَةِ عَيْبٌ وَقَدْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَشِرَاءُ زَوْجِهَا إيَّاهَا شَرْطَ الِاسْتِبْرَاءِ يُوجِبُ فُسِخَ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ اللَّخْمِيُّ: الْقِيَاسُ فِيهَا عَدَمُ تَعْجِيلِ الْفَسْخِ فَإِنْ سَلِمَتَا مُدَّةَ الْعُهْدَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ تَمَّ الْبَيْعُ وَفَسَخَ النِّكَاحَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. [فَرْعٌ اشْتَرَى زَوْجٌ أُمَّهُ أَوْ امْرَأَةَ أَبِيهِ] ص (وَإِنْ طَرَأَ) ش: أَيْ بِمِيرَاثٍ، أَوْ غَيْرِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَ أُمِّهِ، أَوْ امْرَأَةَ أَبِيهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ [فَرْعٌ اشْتَرَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَهُوَ مُكَاتَبٌ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَهُوَ مُكَاتَبٌ فَفِي فَسْخِ نِكَاحِهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ، أَوْ كِتَابَتَهُ فَإِنْ عَجَزَ فَسَخَ

فرع أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها

اتِّفَاقًا. (قُلْت) يُرِيدُ أَنَّ الْمَبِيعَ الْكِتَابَةُ اهـ. . [فَرْعٌ أَمَة تَحْتَ حُرٍّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا لَهُ وَأَرَادُوا بَيْعَهَا وَوَلَدَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَمَةٍ تَحْتَ حُرٍّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا لَهُ وَأَرَادُوا بَيْعَهَا وَوَلَدَهَا فَقَالَ زَوْجُهَا أَنَا آخُذُهَا فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا بِمَا أُعْطُوا فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خَيْرًا لِعِتْقِ وَلَدِهَا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَوْا لَهُمْ فَبَيْعُهُمْ مِنْ غَيْرِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَصِيرُ لَهُمْ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ بَاعُوهَا وَحْدَهَا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهَا؛ إذْ لَا تَكُونُ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا اشْتَرَاهَا وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا اهـ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ بِالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ لِيُعْتِقَ عَنْهَا) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ امْرَأَةٍ لِلْعَبْدِ حُرَّةٍ فَوَلَاؤُهُ لَهَا بِالسُّنَّةِ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ وَلَوْ دَفَعَتْ الْحُرَّةُ مَالًا لِسَيِّدِ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهَا فُسِخَ النِّكَاحُ وَذَلِكَ شِرَاءٌ لِرَقَبَتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهَا وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ وَلَوْ دَفَعَتْ الْحُرَّةُ اهـ. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ امْرَأَتِهِ مَعْنَاهُ لَمْ تَسْأَلْ عِتْقَهُ وَلَمْ تَرْغَبْهُ وَلَوْ رَغِبَتْهُ وَقَالَتْ: أَعْتِقْهُ لَكَانَ لَهَا الْوَلَاءُ وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى الْعِتْقِ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَتَرَى كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَ يُرِيدُ وَلَمْ تَسْأَلْهُ فِي ذَلِكَ وَلَا رَغِبَتْهُ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ سَأَلَتْهُ فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَوْهِبَةٌ وَلَمْ يُفْسَخْ عِنْدَ أَشْهَبَ وَانْظُرْ جَعَلَ لَهَا الْوَلَاءَ وَلَمْ يَفْسَخْ النِّكَاحَ وَالشُّيُوخُ إنَّمَا يُثْبِتُونَ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ بِتَقْدِيرِ الْمِلْكِ وَلَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ هُنَا لَفُسِخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ هُنَا مِلْكُهُ فَفِيهِ هِبَةُ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا قَالَ فَوَلَاؤُهُ لَهَا بِالسُّنَّةِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهَا وَلَمْ تَدْفَعْ لَهُ مَالًا فَمِلْكُهُ لَهَا إنَّمَا هُوَ تَقْدِيرِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ فَبِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِهِ يَثْبُتُ لَهَا الْوَلَاءُ وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَيْرَ تَحْقِيقِيٍّ لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَتْ الْحُرَّةُ مَالًا إلَخْ الشَّيْخُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ لَوْ دَفَعَتْ لِسَيِّدِ زَوْجِهَا مَالًا لِلْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَبْدَهَا وَقَوْلُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ كَمَا لَوْ سَأَلَتْهُ عِتْقَهُ عَنْهَا لِغَيْرِ شَيْءٍ أُعْطِيَتْهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَهُوَ أَحْسَنُ. ص (، أَوْ قَصَدَا بِالْبَيْعِ الْفَسْخَ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ قَصَدَا بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهَا وَسَيِّدَهَا اغْتَزَيَا فَسْخَ النِّكَاحِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَتَبْقَى زَوْجَةً قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ أَنَّ اغْتِزَاءَهُ وَحْدَهُ لَغْوٌ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ نَظَرٌ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ تَعَمَّدَا بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ بِقَوْلِهِ اغْتَزَيَا أَيْ قَصَدَا وَالْوَاقِعُ فِيمَا رَأَيْتَ مِنْ نُسَخِ هَذَا الْكِتَابِ بِدُونِ الْأَلِفِ وَلَا مَعْنَى لَهُ نَعَمْ لَوْ تَعَمَّدَتْ هِيَ ذَلِكَ دُونَ السَّيِّدِ الْبَائِعِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ قَاصِدَةً لِفَسْخِ النِّكَاحِ لَمْ يُفْسَخْ وَتُسْتَتَابُ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيمَا إذَا قَصَدَتْ هِيَ وَحْدَهَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَصَدَ السَّيِّدُ وَحْدَهُ لَا مَعْنَى لَهُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ؛ إذْ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ الْآتِيَةِ وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأُ قَوْلُهُ قُصِدَ بِلَا أَلِفٍ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِيَعُمَّ الْقَاصِدَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَمَلَكَ أَبٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ بِتَلَذُّذِهِ بِالْقِيمَةِ) ش: وَكَذَلِكَ الْجَدُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَيُرِيدُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ حَمَلَتْ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ عَدِيمًا، أَوْ مَلِيًّا فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا بِيعَتْ؛ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ فَلَا تُبَاعُ وَإِذَا أَعْطَى الْأَبُ قِيمَتَهَا فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي

فرع لا تنكح الأمة إلا بشرطين

كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْهَا. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْهَا: وَلَا يُحَدُّ الْأَبُ إذَا وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ فِي أَمَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَانْظُرْ هَلْ يُعَاقَبُ الْأَبُ فَقَالَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ فِي بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ: يُعَاقَبُ الْأَبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِالْجَهَالَةِ انْتَهَى. (قُلْت) ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدَ أَمَةِ وَلَدِهِ فَقَالَ: إنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْوَلَدُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجْزِهِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْأَمَةِ لِوَلَدِهِ فِي مِلَائِهِ وَيَتْبَعُ بِهَا فِي عَدَمِهِ وَهِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْأَدَبِ عَلَى الْأَبِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَانْظُرْ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أُدِّبَ؛ لِأَنَّهُ سَكَتَ حَتَّى بِيعَتْ وَاَلَّذِي فَهِمَهُ أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا هُوَ لِوَطْئِهِ وَانْظُرْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ الْأَدَبِ فِي الْوَطْءِ هَلْ يَلْزَمُ الْأَدَبُ أَيْضًا فِي تَلَذُّذِهِ بِهَا، أَوْ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا وَطِئَ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ وَطْئِهِ إيَّاهَا وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ وَعَزَّرَ الْإِمَامُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَتَقَتْ عَلَى مَوْلِدِهَا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْحُكْمُ أَنَّهَا تُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ إذَا كَانَ أَوْلَدَهَا قَبْلَ وَطْءِ وَالِدِهِ وَقَدْ أَتْلَفَهَا الْأَبُ بِوَطْئِهِ فَيَغْرَمُ قِيمَةَ أُمِّ وَلَدٍ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا وَلَمْ تَحْمِلْ، ثُمَّ وَطِئَهَا أَبُوهُ وَحَمَلَتْ مِنْهُ غَرِمَ قِيمَتَهَا أَمَةً وَعَتَقَتْ عَلَيْهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ص (وَلِعَبْدٍ تَزَوَّجَ ابْنَةَ سَيِّدِهِ بِثِقَلٍ) ش وَالْمُكَاتَبُ فِي الزَّوَاجِ وَالِاسْتِثْقَالِ مِثْلُ الْعَبْدِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَكَذَلِكَ تَزْوِيجُ ابْنِهِ لِمُكَاتَبَتِهِ مِثْلُهُ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَقِيلَ: لَا يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ بَلْ إذَا عَجَزَ انْفَسَخَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لَا تَنْكِحُ الْأَمَةَ إلَّا بِشَرْطَيْنِ] ص (وَإِلَّا فَإِنْ خَافَ زِنًا وَعَدِمَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً إلَخْ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) كُلُّ مَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ فَهُوَ طَوْلٌ كَدَيْنِهِ الْمُؤَجَّلِ بِخِلَافِ دَارِ سُكْنَاهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ الْأَمَةَ إلَّا بِشَرْطَيْنِ فَإِنْ عُدِمَ الشَّرْطَانِ مَعًا فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، أَوْ يُكْرَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَنَتًا وَهُوَ وَاجِدٌ لِلطَّوْلِ قَالَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ وَلَدُهَا فَهَلْ يَجُوزُ لِلْحُرِّ

أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، أَوْ لَا يَجُوزُ؟ فَالْمَذْهَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كُلُّهَا قَائِمَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ اثْنَيْنِ: عَدَمِ الطَّوْلِ، وَخَشْيِ الْعَنَتِ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَادِمُ الشَّرْطَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ. وَالثَّالِثَةُ: الْكَرَاهَةُ وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ يَعْنِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ مَنْعُ تَحْرِيمٍ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ بِفَسْخِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَأْخَذَ الْقَوْلَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَنَسَبَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا حَصَلَ لَهُ الطَّوْلُ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ الطَّوْلَ مَا يَصْلُحُ لِنِكَاحِ الْحُرَّةِ مِنْ نَفَقَةٍ وَمُؤْنَةٍ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَبْيَنُ إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ تَتَزَوَّجُهُ بَعْدَ عِلْمِهَا بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّفَقَةِ ابْنُ رُشْدٍ: مَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ قَالَهُ جَمِيعَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: إنَّ اعْتِبَارَ النَّفَقَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ نِكَاحُ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الشَّرْطَيْنِ فَتَقَدَّمَ فِي نَقْلِ الرَّجْرَاجِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بِفَسْخِهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْسَخُ وَنَصُّهُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُ النِّكَاحِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَمَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا أَمَةً قَدْ أَذِنَ لَهَا سَيِّدُهَا فِي النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ يَجِدُ الطَّوْلَ بِحُرَّةٍ رَجَعَتْ بِمَا أَعْطَتْهُ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَبِهِ أَقُولُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ الطَّوْلَ وَيَخْشَى الْعَنَتَ فَلَهُ مَا أَخَذَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ وَوَاجِدُ الطَّوْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا فَيَرُدُّ مَا أَخَذَ وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: وَوَاجِدُ الطَّوْلِ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْسَخُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي بَابِ مَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ هَلْ يَبَرُّ بِتَزْوِيجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً لَمْ يَبَرَّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَبَرُّ إذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا؛ عَادَ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ هَلْ يَبَرُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ؟ انْتَهَى. فَجَعَلَهُ فَاسِدًا وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ فِي عَقْدٍ بَطَلَ فِي الْأَمَةِ، وَفِي الْحُرَّةِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَكَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ لِفِقْدَانِ الشَّرْطَيْنِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَفِي الْحُرَّةِ قَوْلَانِ: الصِّحَّةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْبُطْلَانُ لِسَحْنُونٍ وَاحْتَجَّ سَحْنُونٌ بِأَنَّهَا صَفْقَةٌ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا وَمَا هَذَا شَأْنُهُ بَاطِلٌ فَبَطَلَ الْجَمْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ جَمَعَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ فَكَجَمْعِ أَرْبَعٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْفَرْعُ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّوْلَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى دَفْعِ الْعَنَتِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ ابْنُ شَاسٍ: وَكَذَا يَأْتِي عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا قُلْنَا: إنَّ الطَّوْلَ الْمَالُ وَعَدِمَ طَوْلَ حُرَّتَيْنِ وَلَمْ تَكْفِهِ حُرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ فَكَجَمْعِ أَرْبَعٍ أَيْ إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَهَا صَحَّ انْتَهَى. وَثَانِي الْمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَأَمْضَى عَلَى الْمَشْهُورِ فَفِيهَا تُخَيَّرُ فِي نَفْسِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ الْإِمْضَاءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرَّةَ تَحْتَهُ لَيْسَتْ بِطَوْلٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا طَوْلٌ يُفْسَخُ النِّكَاحُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَأَمْضَى عَلَى الْمَشْهُورِ يَعْنِي وَقُلْنَا بِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الطَّوْلَ بِالْمَالِ لَا وُجُودِ الْحُرَّةِ تَحْتَهُ وَهَذِهِ النُّكْتَةُ هُنَا أَفَادَتْ أَنَّ الْمَشْهُورَ الطَّوْلُ وَالْمَالُ انْتَهَى. زَادَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ نَقْلِهِ نَحْوَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَلَا يَمْضِي وَأَنَّ الْحُرَّةَ تَحْتَهُ طَوْلٌ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ مِنْ قَوْلَيْ مَالِكٍ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ إذَا خَلَا عَنْ الشَّرْطَيْنِ بَطَلَ وَتَعْلِيلُهُمْ قَوْلَ سَحْنُونٍ بِأَنَّهَا صَفْقَةٌ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا وَقَوْلُهُ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ

فرع تزوج أمة ثم أعتق سيد الأمة ولده منها

الثَّانِيَ أَنَّهُ يُفْسَخُ لِوُجُودِ الطَّوْلِ وَمَا تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ إذَا خَلَا عَنْ الشَّرْطَيْنِ يُفْسَخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يَشْهَدُ لِفَسْخِ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا عَرَا عَنْ الشَّرْطَيْنِ اخْتِلَافُهُمْ فِي فَسْخِهِ إذَا طَرَأَ الطَّوْلُ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِالشَّرْطَيْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي إلْزَامِهِ فِرَاقَ الْأَمَةِ ثَالِثُهَا إنْ تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ وَقَالَ عَنْهُ أَيْضًا وَلَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْفِرَاقُ اتِّفَاقًا وَقَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ عَدِمَ الطَّوْلَ وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يَجِدُ الطَّوْلَ فَقَالَ أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ: إنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ فَقَالَ: السَّوْطُ يُضْرَبُ بِهِ، ثُمَّ خَفَّفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُفْسَخُ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَسْخَ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالرَّجْرَاجِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ النِّكَاحِ فِي تَرْجَمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الشَّرْطَيْنِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ وَبَيَانِ الطَّوْلِ مَا هُوَ. قَالَ مَا نَصُّهُ نَاقِلًا لَهُ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِنْ كَانَ يَجِدُ طَوْلًا إلَى آخِرِهِ أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَهَوَى أَمَةً حَتَّى يَخَافَ الْعَنَتَ فِيهَا فَلَهُ نِكَاحُهَا بِعَيْنِهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ اهـ.، وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ يَعْنِي الْأَمَةَ وَتُخَيَّرُ الْحُرَّةُ إذَا كَانَ فِيهِ الشَّرْطَانِ أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَلَا تَكْفِيهِ الْحُرَّةُ وَلَا يَجِدُ طَوْلًا مَعَ تِلْكَ الْحُرَّةِ، أَوْ يَهْوَى الْأَمَةَ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا اهـ. وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا صَحَّ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ فَنَفَقَةُ الْأَمَةِ لَازِمَةٌ لِلزَّوْجِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ. وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ. [فَرْعٌ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ أَعْتَقَ سَيِّدُ الْأَمَةِ وَلَدَهُ مِنْهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ وَسُئِلَ عَمَّنْ تَزَوَّجَ أَمَةً، ثُمَّ أَعْتَقَ سَيِّدُ الْأَمَةِ وَلَدَهُ مِنْهَا قَالَ: أَرَى الرَّضَاعَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ الْهَاءُ مِنْ عَلَيْهِ عَائِدَةٌ عَلَى الرَّجُلِ أَبِي الْمُعْتَقِ لَا عَلَى السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمَّا أَعْتَقَهُ صَارَ حُرًّا فَسَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَتُهُ وَوَجَبَتْ عَلَى أَبِيهِ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ مُعْدِمًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ رَضَاعُهُ وَنَفَقَتُهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ اهـ. زَادَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَعْتَقَهُ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَتَهُ اهـ.، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مَا دَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ اهـ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا، ثُمَّ قَالَ وَانْظُرْ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ صَغِيرٍ هَلْ يَلْزَمُ الْمُوصِيَ نَفَقَتُهُ أَمْ لَا وَنَزَلَتْ هَذِهِ فِي زَمَنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُدَبَّرَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ فِيهَا نَصٌّ بَعْدَ الْبَحْثِ مِنْهُ وَتَوَقَّفَ عَلَى إيجَابِ نَفَقَتِهَا فِي ثُلُثِ مُدَبِّرِهَا وَوَقَعَتْ فِي عَصْرِنَا فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ صَغِيرًا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ فَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنْ يُوقَفَ مِنْ تَرِكَةِ مُعْتَقِهِ مَا يُنْفِقُهُ إلَى بُلُوغِهِ وَأَشُكُّ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِذَلِكَ وَكَانَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي تَرِكَتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْجُعَلِ فِي الَّذِي مَاتَ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ نَفَقَةَ وَلَدِهِ أَنَّهُ يَسْتَرْجِعُهَا الْوَرَثَةُ وَلَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ نَفَقَةٌ وَمَا وَجَبَ بِالسُّنَّةِ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالِاقْتِرَابِ، وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ تَشْهَدُ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُ رَدُّ هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ سَقَطَ الْوُجُوبُ وَهَذَا لَمَّا الْتَزَمَ الْعِتْقَ الْتَزَمَ لَوَازِمَهُ فَيَجْرِي عَلَى قَاعِدَةِ مَا لَا يُتَوَصَّلُ لِلْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ مَقْدُورُ الْمُكَلَّفِ كَغَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لَكِنَّ هَذَا مَشْرُوطٌ بِالْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُتَبَرَّعُ بِهِ شَرْطُهُ الْحِيَازَةُ مِنْ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ الْمَرَضُ وَالْمَوْتُ وَالْفَلَسُ بِزَمَانِ حِيَازَةٍ فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا

فرع تزوج رجل حرة فأقرت لرجل أنها أمته

أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَصِيرُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَكَرَّرَهُ فِي مَسَائِلِ الْهِبَةِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي بَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ وَغَيْرِهِ: وَأَقَامَ الشُّيُوخُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ زَمِنًا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقِيلَ: نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ الْإِمَامِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْعَرَايَا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى سَقْيِ الْعَرِيَّةِ وَزَكَاتِهَا: وَمِمَّا يَلْحَقُ بِهَذَا الْبَابِ مَنْ وَهَبَ صَغِيرًا يَرْضَعُ قِيلَ: رَضَاعُهُ عَلَى الْوَاهِبِ وَقِيلَ: عَلَى الْمَوْهُوبِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ بَشِيرٍ. ص (بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَقْضِي إلَّا بِوَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ وَقِيلَ: كَالْمُعْتَقَةِ ابْنُ فَرْحُونٍ؛ لِأَنَّ بِهَا يَزُولُ الضَّرَرُ وَعَلَى الزَّوْجِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ وَهِيَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا تُخَيَّرُ فِي إيقَاعِ طَلْقَتَيْنِ جَمِيعِ طَلَاقِ الْعَبْدِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ قَضَتْ بِثَلَاثٍ وَقَعَتْ وَقَدْ أَسَاءَتْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِيلَ: كَالْمُعْتَقَةِ يَعْنِي أَنَّ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ بِالثَّلَاثِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَالشَّاذُّ حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَالَ، أَوْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ فُسِخَتْ بِالثَّلَاثِ لَزِمَتْ وَقَدْ أَسَاءَتْ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تَزَوَّجَ رَجُلٌ حُرَّةً فَأَقَرَّتْ لِرَجُلٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الطِّرَازِ: إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ حُرَّةً فَأَقَرَّتْ لِرَجُلٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ وَلَا يُوجِبُ إقْرَارُهَا رِقًّا عَلَى ذُرِّيَّتِهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا بِذَلِكَ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَإِقْرَارُهَا لَا يُوجِبُ زَوَالَ حُرِّيَّتِهَا وَلَا اسْتِرْقَاقَ ذُرِّيَّتِهَا وَلَا زَوَالَ حُكْمِ زَوْجِهَا مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ. ص (وَالْوَفَاءُ بِالتَّزْوِيجِ) ش: قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا؛ لَمْ يَصِحَّ وَلَزِمَهُ الصَّدَاقُ اهـ. ص (وَصَدَاقُهَا إنْ بِيعَتْ لِزَوْجٍ) يَعْنِي لِزَوْجِهَا

فَإِنْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ رَدَّهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَهَلْ لَوْ بِبَيْعِ سُلْطَانٍ بِفَلْسٍ، أَوْ لَا وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ؟ تَأْوِيلَانِ) ش يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ سُقُوطِ الصَّدَاقِ إنْ لَمْ تَدْفَعْهُ يُرِيدُ وَالرُّجُوعُ بِهِ إذَا دَفَعَ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا سَيِّدُهَا، أَوْ السُّلْطَانُ، أَوْ مَا ذَكَرَهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا بَاعَهَا سَيِّدُهَا، وَأَمَّا بَيْعُ السُّلْطَانِ فَيُخَالِفُ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ بَيَّنَ مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ بِأَنَّهُ فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ لَا يَرْجِعُ بِهِ يَعْنِي إذَا دَفَعَهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَيَحْسِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَقَرَّرَ بِالْعَقْدِ وَالْفَسْخُ إنَّمَا طَرَأَ بَعْدَهُ يَعْنِي وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى السَّيِّدِ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا التَّأْوِيلَ: وَلَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ طَرَأَ مِنْ مُعَامَلَةٍ أُخْرَى فَرَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحَ. ص (وَبَطَلَ فِي الْأَمَةِ إنْ جَمَعَهَا مَعَ حُرَّةٍ فَقَطْ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فَقَطْ لَا الْحُرَّةِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ أَمَةَ الزَّوْجَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ لِلزَّوْجَةِ فَسَدَ جَمِيعُ الْعَقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَةً جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَيُرِيدُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَالظَّاهِرُ فِي تَصْوِيرِهِ الصُّورَةَ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَهُوَ عَدِيمٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ فِي ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِخِلَافِ الْخَمْسِ وَالْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَبَيْنَ جَمْعِ الْخَمْسِ وَالْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ جَمْعِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ الْحَرَامُ مَعْلُومٌ وَهُوَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِخِلَافِ جَمْعِ الْخَمْسِ وَالْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا فَإِنَّ الْحَرَامَ لَيْسَ مَعْلُومًا فِي وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ. ص (وَلِزَوْجِهَا الْعَزْلُ إنْ أَذِنَتْ وَسَيِّدِهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَأَمَّا الْعَزْلُ عَنْ السَّرَارِي لَهُ فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْبِسَاطِيّ وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. ص (كَالْحُرَّةِ إنْ أَذِنَتْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ امْتَنَعَ حَمْلُهَا لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ، أَوْ لِحَمْلٍ بِهَا اسْتَقَلَّتْ بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتُحْسِنَ اسْتِقْلَالُهَا لِتَمَامِ طُهْرِهَا إنْ أَصَابَهَا مَرَّةً وَأَنْزَلَ اهـ. (فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ: لِلْحُرَّةِ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ لِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ وَلَهَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَشَارَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ إلَى أَنَّ حَقَّ الْحُرَّةِ فِي ذَلِكَ كَحَقِّهَا فِي الْقِسْمَةِ فَقَالَ: وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ زَوْجِهَا مَالًا عَلَى أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا إلَى أَجَلٍ مَعْرُوفٍ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَتَى أَحَبَّتْ وَتَرُدُّ جَمِيعَ مَا أَخَذَتْهُ وَهُوَ عِنْدِي ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَاهُ أَوَّلًا مُجْرَى الْمُعَاوَضَاتِ، ثُمَّ نَقَضَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الرُّجُوعَ

فروع الأول ليس للمرأة أن تلزم زوجها العزل عنها

عَنْهُ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا إذَا رَدَّتْ الْجَمِيعَ وَالْقِيَاسُ كَانَ لَهَا أَنْ تَرُدَّ بِقَدْرِ مَا مَنَعَتْهُ مِنْ الْأَجَلِ اهـ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُلْزِمَ زَوْجَهَا الْعَزْلَ عَنْهَا] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُلْزِمَ زَوْجَهَا الْعَزْلَ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرع الثَّانِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ] (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ: وَأَمَّا التَّسَبُّبُ فِي إسْقَاطِ الْمَاءِ قَبْلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ الْوَطْءِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: جَائِزٌ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ: لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَحَكَى عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ قَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا خَارِجُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الرَّضَاعِ، وَأَمَّا جَعْلُ مَا يَقْطَعُ الْمَاءَ، أَوْ يَسُدُّ الرَّحِمَ فَنَصَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا اسْتِخْرَاجُ مَا حَصَلَ مِنْ الْمَاءِ فِي الرَّحِمِ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَأَحْفَظُ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ مَا دَامَ نُطْفَةً كَمَا لَهُ الْعَزْلُ ابْتِدَاءً وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ إذْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْمَوْءُودَةُ انْتَهَى كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ [الفرع الثَّالِثُ حُكْم شَرب الْأَدْوِيَةِ لِتَقْلِيلِ النَّسْل] (الثَّالِثُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَنَهَى عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ مَا يُقَلِّلُ نَسْلَهُ ص (بِكُرْهٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سُكُونٌ إلَى الْكَوَافِرِ وَمَوَدَّةٌ لَهُنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الزَّوْجَيْنِ {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] إلَى آخِرِ الْآيَةِ. ص (وَتَأَكَّدَ بِدَارِ الْحَرْبِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ عِيَاضٍ أَشَدُّ مَا عَلَّلَ بِهِ فِيهِمَا سُكْنَاهُ مَعَهَا بِدَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ يَجْرِي حُكْمُهُمْ عَلَيْهِ وَهُوَ بِإِجْمَاعٍ جُرْحَةٌ ثَابِتَةٌ. (قُلْت) فَيُخْرِجُ كَرَاهَةَ تَزْوِيجِهَا لِلْأَسِيرِ وَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ انْتَهَى. ص (وَلَوْ يَهُودِيَّةً تَنَصَّرَتْ) ش: ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ مَا إذَا ارْتَدَّتْ الْيَهُودِيَّةُ إلَى الْمَجُوسِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ وَبَقِيَ مَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَجُوسِيَّةُ إلَى الْيَهُودِيَّةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْيَهُودِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَمَتُهُمْ بِالْمِلْكِ) ش: يَعْنِي لَا بِغَيْرِهِ لَا لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ قَالَهُ فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ: وَلَا يُزَوِّجُهَا رَبُّهَا لِغُلَامِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى. (فَرْعٌ) فَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَفِي وُجُوبِ الْفَسْخِ ثَالِثُهَا يُسْتَحَبُّ لِمَعْرُوفٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَشْهَبَ مَرَّةً وَمَعْرُوفٌ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى، وَوُجُوبُ الْفَسْخِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِقُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا بِمِلْكٍ، أَوْ نِكَاحِ حُرَّةٍ، أَوْ أَمَةٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ قَوْلًا بِجَوَازِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي فَصْلِ التَّنَازُعِ لَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُهَا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ وَكَانَتْ مَجُوسِيَّةً وَقَالَتْ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَوْلُ قَوْلُهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِمَا لَوْ قَالَ بَعْدَ أَنْ عَتَقَتْ وَقَالَتْ قَبْلَهُ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ: كَانَ لِلْمَجُوسِ كِتَابٌ رُفِعَ وَسَبَبُ رَفْعِهِ أَنَّ عَظِيمَهُمْ تَزَوَّجَ بِابْنَتِهِ فَأَرَادُوا رَجْمَهُ فَتَحَصَّنَ بِحِصْنِهِ وَقَالَ لَهُمْ نِعْمَ الدِّينُ دِينُ آدَمَ الَّذِي يُزَوِّجُ الْأَخَ عَلَى أُخْتِهِ فَرُفِعَ الْكِتَابُ عُقُوبَةً لَهُمْ. ص (وَقُرِّرَ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَ) ش: يَعْنِي عَلَى الْكِتَابِيَّةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي الِاسْتِدَامَةِ كَمَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ ابْتِدَاءً هَكَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِسَوَاءٍ لِسَبْقِيَّةِ النِّكَاحِ فِي الْكَافِرِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَيُقَرَّرُ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ وَلَوْ كَانَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً زَوَّجَهَا مِنْهُ أَبُوهَا

وَلَا خِيَارَ لَهَا إنْ بَلَغَتْ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُكْرَهُ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِدَارِ الْحَرْبِ لِكَرَاهَةِ مَالِكٍ نِكَاحَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عَلَى دِينِ الْأُمِّ انْتَهَى. ص (وَأَنْكِحَتُهُمْ فَاسِدَةٌ) ش: اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ أَمْ لَمْ تَجْتَمِعْ وَمَا قَالَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: صَحِيحَةٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَيْهِمَا خِلَافُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا فِي جَوَازِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الْمُنْتَصِبِينَ لِلشَّهَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِلْيَهُودِ فِي أَنْكِحَتِهِمْ بِوَلِيٍّ وَمَهْرٍ شَرْعِيٍّ وَمَنَعَهُ، وَأَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَالصَّوَابُ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْمَنْعِ وَيَأْتِي لِلشَّيْخِ مَا يُرَجِّحُ الْجَوَازَ انْتَهَى ص (وَعَلَى الْأَمَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ إنْ عَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ) ش: سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلًا بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِرَاقُهَا مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ إنْ عَتَقَتْ هَذَا خَاصٌّ بِالْأَمَةِ وَقَوْلُهُ وَأَسْلَمَتْ عَامٌّ فِي الْأَمَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا غَيْرُهَا أَيْ، وَأَمَّا غَيْرُ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ فَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْغَيْرِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةُ حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً وَالْكِتَابِيَّةُ الْأَمَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَسْلَمَتْ يَعْنِي الْمَجُوسِيَّةَ، أَوْ عَتَقَتْ الْكِتَابِيَّةُ يَعْنِي بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجِهَا؛ ثَبَتَ يَعْنِي نِكَاحُهَا وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ إذَا أَسْلَمَتْ ثَبَتَ عَلَيْهَا فَأَحْرَى الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَسْلَمَ حُرٌّ، أَوْ عَبْدٌ عَلَى أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ إنْ أَسْلَمَتْ، أَوْ عَتَقَتْ ثَبَتَ نِكَاحُهَا وَإِلَّا فُسِخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ انْتَهَى. ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالْمَجُوسِيَّةِ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَمَةً، أَوْ حُرَّةً فَأَمَّا فِي الْحُرَّةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْأَمَةِ النَّصْرَانِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ يَثْبُتُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالشَّرْطَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ الْكِتَابِيُّ لَمْ تَزُلْ عِصْمَتُهُ قَدِمَ، أَوْ بَقِيَ إلَّا إذَا سُبِيَتْ وَلَمْ تُسْلِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ كَافِرَةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ بَقِيَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاعْتَرَضَ إطْلَاقَهُ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ، أَوْ لَا يَخْشَى الْعَنَتَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ التَّقْيِيدُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا نَفَقَةَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا طَلُقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا مُدَّةَ التَّخَلُّفِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَنْ سَبَقَ إسْلَامُهُ سَقَطَ عَنْهُ نَفَقَةُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَا بَيْنَهُمَا غَفْلَةً عَنْ وَقْفِهَا خِلَافَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ حَيْثُ يَحْكُمُ بِبَقَائِهَا وَخِلَافَ مَفْهُومِ قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ انْتَهَى. ص (، أَوْ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ: أَنَّ إسْلَامَهُ رَجْعَةٌ دُونَ إحْدَاثِ رَجْعَةٍ الشَّيْخُ وَالصَّقَلِّيُّ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ خَافَتْ نَصْرَانِيَّةٌ أَسْلَمَتْ إسْلَامَ زَوْجِهَا فَأَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يُسْلِمَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، أَوْ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا إنْ أَسْلَمَ وَيَرُدُّ مَا أَعْطَتْهُ زَادَ الشَّيْخُ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ كَانَ شَرَطَ أَبُوهَا عَلَيْهِ إنْ أَسْلَمَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا، أَوْ بِيَدِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ انْتَهَى. ص (وَلَوْ طَلَّقَهَا) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا أَسْلَمَتْ وَقَعَدَتْ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ كَانَ أَحَقَّ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتَزَوَّجَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءَ عِصْمَةٍ نَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى ص (وَلَا نَفَقَةَ) ش: وَأَمَّا السُّكْنَى فَهِيَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ

قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقْلُ ابْنُ بَشِيرٍ الْخِلَافَ فِي السُّكْنَى لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا سَبَقَ سَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَةُ مَا بَيْنَهُمَا وَإِذَا سَبَقَتْ فَقَوْلَانِ يُوهِمُ أَنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِهَا مَشْرُوطٌ بِإِسْلَامِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَبْلَ الْبِنَاءِ بَانَتْ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَبِينُ وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ مَكَانَهَا وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) ش: أَمَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَا وَلَوْ لَمْ يَبْنِ بِهَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ؛ فَارَقَهَا وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ إنْ مَسَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَتْ دُونَهُ وَوَطْؤُهُ إيَّاهَا فِي عِدَّتِهَا فِي كُفْرِهِ لَغْوٌ وَبَعْدَ إسْلَامِهَا يُحْرَمُهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَا بَعْدَ إسْلَامِهَا ص (وَتَمَادِيَا لَهُ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا إذَا أَسْلَمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمَا التَّمَادِي إلَى الْأَجَلِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَمَادَيَا عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَصِحُّ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ هُنَا فِي شَرْحِ قَوْلِهَا وَصَدَاقُهَا الْفَاسِدُ كَالْخَمْرِ وَالْإِسْقَاطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الْبِسَاطِيُّ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا رِدَّتُهُ فَبَائِنَةٌ) ش: يَعْنِي؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدَّا مَعًا عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفْسَخُ اهـ مِنْ الْجُزُولِيِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَةٍ ارْتَدَّتْ وَهِيَ تُنْكِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فَقَالَتْ: أَسْلَمْتُ وَهِيَ تُنْكِرُ لَا بُدَّ أَقَرَّ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَمَنْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ؛ يَلْزَمُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ: وَالرِّدَّةُ تُزِيلُ الْإِحْصَانَ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ ارْتَدَّ قَاصِدًا لِإِزَالَةِ الْإِحْصَانِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَزَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَا قَصَدَهُ. (قُلْت) كَرِوَايَةِ عَلِيٍّ فِي الَّتِي تَرْتَدُّ قَاصِدَةً فَسْخَ النِّكَاحِ وَنَقَلَهَا ابْنُ يُونُسَ

وَابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْمُرْتَدَّيْنِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَتَوَقُّفُ ابْنُ زَرْبٍ فِيهَا لَيْسَ خِلَافًا لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا، بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ فِي جَوَابِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ لَوْ قَصَدَتْ بِرِدَّتِهَا فَسْخَ نِكَاحِهَا؛ لَمْ يَنْفَسِخْ انْتَهَى وَذَكَرَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ أَنَّ مَنْ أَفْتَى امْرَأَةً بِالْكُفْرِ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِالْكُفْرِ وَرَضِيَ بِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَسَلَّمَ الْمَهْرَ فِي إقَامَةِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهَا أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ وَعُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ بِمَالِهٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ وَيُعَاقَبُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَهَا الْمُسَمَّى فِي الدُّخُولِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سَقَطَ صَدَاقُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ زَوْجُهَا وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَيَخْتَلِفُ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ فَسْخٌ؛ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا شَيْءَ لَهَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَإِنْ ارْتَدَّتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ مَنْعَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَمَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِوَضُ مِنْهَا وَسَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّهُ فَسْخٌ، أَوْ طَلَاقٌ وَإِنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ كَانَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَيَخْتَلِفُ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ فَسْخٌ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا شَيْءَ لَهَا اهـ. وَقَبِلَهُ الْقَرَافِيُّ وَنَقَلَهُ بِلَفْظِ أَنَّهَا مَنَعَتْ التَّسْلِيمَ كَمَنْعِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَهُوَ نَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بِالْحَرْفِ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَنْصِيفِ الصَّدَاقِ عَلَى أَنَّهُ زَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا شَيْءَ لَهَا مَا نَصُّهُ: وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ وَقَالَ: إنَّمَا يَكُونُ الصَّدَاقُ حَيْثُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَرَفَ فِي بَعْضِ تَأْلِيفِ ابْنِ شَعْبَانَ فِي ارْتِدَادِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ قَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهَا فَقِيلَ: لَا يَجِبُ لَهَا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ اهـ. وَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَاللَّخْمِيُّ وَقَبِلَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ وَالْقَرَافِيُّ هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ لَا شَيْءَ لَهَا سَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّهُ طَلَاقٌ، أَوْ فَسْخٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَوَاخِرَ) ش: كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ نُسْخَةِ أَوَائِلَ؛ لِأَنَّهَا أَصَرْحُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْأَوَائِلُ فَتَأَمَّلْهُ ص (أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ) ش: اُنْظُرْ بَحْثَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَبَحْثَ ابْنِ عَرَفَةَ مَعَهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَاخْتِيَارِهِ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعِ رَضِيعَاتٍ تَزَوَّجَهُنَّ وَأَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةٌ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ مَنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ رَضِيعَاتٍ وَأَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ

فرع نكاح من حضر الزحف أو ركب البحر

حُكْمُ مَنْ تَزَوَّجَ عَشْرَ نِسْوَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ إلَخْ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ هُوَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ إحْدَى أُخْتَيْنِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعَ رَضِيعَاتٍ يُرِيدُ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ اثْنَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً وَيُفَارِقُ الْبَاقِيَ مِنْهُنَّ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ فَارَقَهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى الْفِرَاقِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص " وَعَلَيْهِ أَرْبَعُ صَدُقَاتٍ " ش: يُرِيدُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بَلْ يُعْطِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خُمُسًا صَدَاقَهَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَكَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ؛ فَإِنْ دَخَلَ بِهِنَّ؛ لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُهَا وَإِنْ دَخَلَ بِبَعْضٍ وَعَلِمَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا. ص " وَهَلْ يَمْنَعُ مَرَضُ أَحَدِهِمَا الْمَخُوفُ وَإِنْ أَذِنَ الْوَارِثُ، أَوْ إنْ لَمْ يَحْتَجْ؟ خِلَافٌ " ش: يَعْنِي إنْ اُخْتُلِفَ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَرِيضُ مُحْتَاجًا إلَى النِّكَاحِ لِخِدْمَةٍ، أَوْ اسْتِمْتَاعٍ، أَوْ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ وَهَذَا الْقَوْلُ جَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَشْهُورَ وَالثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ الْمَرِيضُ إلَى النِّكَاحِ وَهَذَا الَّذِي شَهَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ يَمْنَعُ مَرَضُ أَحَدِهِمَا الْمَخُوفُ؛ وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ: أَوْ إنْ لَمْ يَحْتَجْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ أَذِنَ الْوَارِثُ فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ إذْنَ الْوَرَثَةِ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا لَا يَدْفَعُ الْمَنْعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ: مُنِعَ الْمَرِيضُ مِنْ النِّكَاحِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ إدْخَالِ وَارِثٍ فَلِمَ لَا يُمْنَعُ الْوَطْءُ خَوْفَ إدْخَالِ الْوَارِثِ قِيلَ: إدْخَالُ الْوَارِثِ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقِّقٌ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْوَطْءِ حَمْلٌ وَلَا يَكُونُ، قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ صَوَابٌ وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَلِلْمَرِيضِ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ وَقَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ نِكَاحُ مُطَلَّقَتِهِ الْبَائِنِ فِي آخِرِ حَمْلِهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فِي الْمَرَضِ. [فَرْعٌ نِكَاحِ مَنْ حَضَرَ الزَّحْفَ أَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ] (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي نِكَاحِ مَنْ حَضَرَ الزَّحْفَ، أَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي طَلَاقِهِ: وَمِيرَاثُ زَوْجَتِهِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَرِثْهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ سَلِمَ؛ صَحَّ النِّكَاحُ وَنِكَاحُ مَنْ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ وَيُخْتَلَفُ إذَا نَكَحَ وَهُوَ فِي السِّجْنِ هَلْ يَمْضِي نِكَاحُهُ، أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ حَقًّا لِلَّهِ كَالْمُحَارِبِ يَكُونُ قَدْ قُتِلَ وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ يُحْبَسُ لِيُرْجَمَ؛ لَمْ أَرَ لَهُ أَنْ تَرِثَهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ مِمَّا

فرع المتزوج في مرض الموت هل ترثه زوجته

يُرْجَى الْعَفْوُ عَنْهُ كَانَ الْأَمْرُ أَوْسَعَ اهـ. ص (وَلِلْمَرِيضَةِ بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى وَعَلَى الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِهِ الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ) ش اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْمَرِيضُ عَلَى زَوْجَتِهِ، أَوْ الزَّوْجُ الصَّحِيحُ عَلَى الْمَرِيضَةِ؛ فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ دَخَلَ الصَّحِيحُ عَلَى الْمَرِيضَةِ فَلَهَا الْمُسَمَّى اللَّخْمِيُّ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلِلْمَرِيضَةِ بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ هُوَ الدَّاخِلُ عَلَى زَوْجَتِهِ الصَّحِيحَةِ فَلَهَا مِنْ الثُّلُثِ خَاصَّةً الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى الْمَرِيضِ إلَخْ، وَسَيَذْكُرُ فِي بَابِ الْوَصَايَا مَا يُبْدَأُ عَلَيْهِ وَمَا يَبْدَأُ هُوَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا وَالزَّوْجَةُ مَرِيضَةً يَكُونُ الْحُكْمِ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ فَقَطْ هُوَ الْمَرِيضَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ فِي التَّوْضِيحِ كَوْنَ الْمُسَمَّى لَهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمَرِيضَةَ فَقَطْ بِأَنَّ الزَّوْجَ صَحِيحٌ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَ الْمَرِيضُ امْرَأَةً فَصَدَاقُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْحَجْرِ بِخِلَافِ الْمُخْتَارَةِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ [فَرْعٌ الْمُتَزَوِّج فِي مَرَض الْمَوْت هَلْ تَرِثهُ زَوْجَته] (فَرْعٌ) ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمَرِيضَ فَلَا تَرِثُهُ الزَّوْجَةُ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا فِي الْمَرَضِ وَلَا يَرِثُهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ هِيَ الْمَرِيضَةَ وَمَاتَتْ فَلَا يَرِثُهَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحُ فَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَرِثَهُ وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى عَكْسِهَا وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِهَا فِي الْمَعْنَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا إذَا كَانَا مَعًا مَرِيضَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ الْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ فِي الْمَرَضِ، أَوْ فِي الصِّحَّةِ لَا يَجُوزُ وَلَا مَهْرَ وَلَا مِيرَاثَ وَإِنْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا بِزَوْجٍ فِي الصِّحَّةِ فَصَدَّقَهَا الْوَلِيُّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا وَإِنْ أَقَرَّتْ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ مَرِضَتْ وَمَاتَتْ وَقَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُهَا مِنْهُ فِي صِحَّتِهَا وَادَّعَى ذَلِكَ الزَّوْجُ؛ فَلَهُ الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِنِكَاحِهِ صَحِيحًا وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَنْعِ فَفِي تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمَرَضِ، أَوْ الصِّحَّةِ ثَالِثُهَا تُرَجَّحُ الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ وَانْظُرْ عَزْوَهَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حُكْمُ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ] (فَرْعٌ) حُكْمُ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ حُكْمُ نِكَاحِ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. ص (وَعَجَّلَ بِالْفَسْخِ) ش: أَتَى بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ وَفِيهَا قَلَقٌ وَعِبَارَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ إذَا صَحَّ هَلْ يُفْسَخُ النِّكَاحُ مُطْلَقًا، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ الْفَسْخُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ صَحَّ ثَبَتَا عَلَى النِّكَاحِ دَخَلَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَهَا الْمُسَمَّى انْتَهَى.

ص (فَصْلٌ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ الْعِلْمُ أَوْ لَمْ يَرْضَ أَوْ لَمْ يَتَلَذَّذْ) ش: أَيْ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِعَيْبِ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّجْرَاجِيُّ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْعُيُوبُ بِهِمَا جَمِيعًا فَاطَّلَعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عَيْبِ صَاحِبِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِ عَيْبِ صَاحِبِهِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِيَامُ بِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ بِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَيَظْهَرُ بِهِ لَعَلَّهُ وَيُطَلِّقُ بِهِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ كَانَا مَعِيبَيْنِ بِجِنْسَيْنِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِنْ كَانَا بِجِنْسٍ وَاحِدٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ اُقْتُصِرَ فِي الشَّامِلِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلصَّحِيحِ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ الْعِلْمُ بِعَيْبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ عَقْدِهِ أَوْ حِينَهُ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَإِنْ سَبَقَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ عَقَدَ وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ الْعِلْمُ ثُمَّ عَلِمَ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَا لَمْ يَرْضَ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ. وَإِنْ عَقَدَ أَوْ مَا لَمْ يَتَلَذَّذْ بِصَاحِبِهِ (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِسْقَاطِ لَمْ اكْتِفَاءً بِالْعَطْفِ) ، وَعُلِمَ مِنْ حِلِّ النِّكَاحِ أَنَّ التَّلَذُّذَ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَإِنْ بَنَى قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَلَمَّا عَلِمَ أَمْسَكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ انْتَهَى. وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ: وَمَعَ الرَّدِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ إلَخْ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (وَمَعَ الرَّدِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ) أَنَّ أَحَدَ الْأُمُورِ كَافٍ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت، وَكَأَنَّهُ حَاوَلَ أَنْ يُحَاذِيَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَمْ تُوَفِّ الْعِبَارَةُ بِمَا قَصَدَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَالْعَيْبُ: الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَدَاءُ الْفَرْجِ مَا لَمْ يَرْضَ بِقَوْلٍ أَوْ تَلَذُّذٍ أَوْ تَمْكِينٍ أَوْ سَبَقَ عِلْمٌ بِالْعَيْبِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى حَصْرِ دَلَائِلِ الرِّضَا فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ السَّلِيمَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَمْ لَا، فَالْأَوَّلُ: هُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ سَبَقَ عِلْمٌ بِالْعَيْبِ) وَالثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي مَا عَلِمَ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ رِضَاهُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ لَا قَوْلَ وَلَا فِعْلَ وَهُوَ التَّرْكُ وَالْقَوْلُ ظَاهِرٌ وَالْفِعْلُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّضَا بِهِ ارْتِبَاطٌ وَهُوَ التَّلَذُّذُ وَالتَّرْكُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَرْكًا مُضَافًا وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ التَّلَذُّذِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَيْبُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ جَاهِلًا بِهِ الْآخَرُ وَلَا يَرْضَى بِهِ يُوجِبُ خِيَارَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالرِّضَا وَاضِحٌ وَدَلِيلُهُ مِثْلُهُ أَبُو عُمَرَ تَلَذُّذُهُ بِهَا عَالِمًا بِهِ رِضًا وَفِيهَا تَمْكِينُهَا إيَّاهُ عَالِمَةً بِعَيْبِهِ رِضًا. (قُلْت) وَتَقَدَّمَ دَلِيلُ اخْتِيَارِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ نَظَرٌ، وَدَلِيلُ اخْتِيَارِ الْأَمَةِ فِي الْخِيَارِ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُ فِي الزَّوْجَةِ رِضًا مِنْهُ انْتَهَى. ص (وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ) ش: أَيْ: فَإِنْ ادَّعَى صَاحِبُ الْعَيْبِ عَلَى السَّلِيمِ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ رَضِيَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِقَوْلٍ أَوْ تَلَذَّذَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَاهُ حَلَفَ السَّلِيمُ عَلَى نَفْيِهِ أَيْ: نَفْيِ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ مَسَّهَا أَوْ تَلَذَّذَ مِنْهَا بَعْدَ الْعِلْمِ فَأَنْكَرَ حَلَفَ وَصُدِّقَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَصُدِّقَتْ وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَالرِّضَا وَنَحْوُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ تَنَازَعَا فِي بَرَصٍ بِمَوْضِعٍ خَفِيٍّ عَلَى الرَّجُلِ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ الْمُتَيْطِيُّ. عَنْ بَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ إنْ قَالَتْ عَلِمَ عَيْبِي حِينَ الْبِنَاءِ وَأَكْذَبَهَا وَذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ صُدِّقَتْ مَعَ يَمِينِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ خَفِيًّا كَبَرَصٍ بِبَاطِنِ جَسَدِهَا وَنَحْوِهِ فَيُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ وَهَذَا مَا لَمْ يَخْلُ بَعْدَ عِلْمِهِ عَيْبَهَا فَإِنْ فَعَلَ سَقَطَ قِيَامُهُ وَإِنْ نَكَلَ حَيْثُ يُصَدَّقُ حَلَفَتْ وَسَقَطَ خِيَارُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ نَكَلَتْ هِيَ أَيْضًا مَا الْحُكْمُ أَوْ نَكَلَتْ حِينَ تُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهَا هَلْ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ الْخِيَارَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا نَكَلَ هُوَ أَيْضًا فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ الْآنَ نَصًّا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ثُمَّ شَرَعَ يَذْكُرُ الْعُيُوبَ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا بِشَرْطٍ وَغَيْرِ شَرْطٍ وَاَلَّتِي لَا يُرَدُّ بِهَا إلَّا بِشَرْطٍ، وَالْأُولَى: هِيَ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ

الْمَذْهَبِ: الْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَدَاءُ الْفَرْجِ، وَالْجُنُونُ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْعَذْيَطَةَ وَكَأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِدَاءِ الْفَرْجِ وَهَذِهِ الْعُيُوبُ إمَّا أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً بَعْدَ الْعَقْدِ وَلِكُلٍّ حُكْمٌ يَخُصُّهُ، وَلَمَّا كَانَتْ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أَعْنِي: الْبَرَصَ وَالْجُذَامَ وَدَاءَ الْفَرْجِ حُكْمُهَا وَاحِدٌ فِي كَوْنِهَا لَا تُوجِبُ الرَّدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ قَدِيمًا بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهُ، وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ جَمَعَهَا وَبَيَّنَ حُكْمَ الْقَدِيمِ مِنْهَا وَالْحَادِثِ، وَلَمَّا كَانَ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ لَا يَخْتَلِفُ تَفْسِيرُهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدَاءُ الْفَرْجِ يَخْتَلِفُ تَفْسِيرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَطْلَقَ فِيهِمَا وَفَصَّلَ الثَّالِثَ وَجَمَعَ الْعَذْيَطَةَ مَعَهُمَا لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَتِهِمَا فَقَالَ: ص (بِبَرَصٍ وَعَذْيَطَةٍ وَجُذَامٍ) ش: فَمَعْنَى كَلَامِهِ: الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ثَابِتٌ بِبَرَصٍ وَهُوَ مَرَضٌ يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنْ ضَعْفِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْبَيَاضُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُرَدُّ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَانَ فِي الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبْلِ الْعَقْدِ كَمَا سَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ وَعَذْيَطَةٌ وَهُوَ حُصُولُ الْحَدَثِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ عِذْيَوْطٌ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ كَذَا وَجَدْتهَا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ أَسْفَلَ ثُمَّ الْوَاوِ سَاكِنَةً ثُمَّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ تَاءِ التَّأْنِيثِ كُلُّ ذَلِكَ بِصُورَةِ الْحُرُوفِ وَكَذَا رَأَيْتهَا فِي قَانُونِ ابْنِ سِينَا فِي الطِّبِّ، وَقَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: تَقُولُ الْعَامَّةُ: الْعِذْرُوطُ لِمَنْ يُحْدِثُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا هُوَ الْعِذْيَوْطُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَالْوَاوُ وَالذَّالُ سَاكِنَانِ وَالْعِذْرُوطُ الَّذِي تَقُولُهُ الْعَامَّةُ هُوَ الَّذِي يَخْدُمُك بِطَعَامِهِ وَجَمْعُهُ عَذَارِيطُ صوع ذارطة. (قُلْت) الْكَلِمَةُ الَّذِي صَوَّبَ كَذَلِكَ فِي الْمُحْكَمِ وَالصِّحَاحِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَاَلَّتِي تَعَقَّبَ لَمْ أَجِدْهَا فِي الْمُحْكَمِ وَلَا فِي الصِّحَاحِ إلَّا قَوْلَ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ الْعِذْرَاطِيُّ الْفَرْجُ الرِّخْوُ وَالْعِذْرُوطُ الْخَادِمُ بِطَعَامِ بَطْنِهِ، وَأَمَّا بِالْيَاءِ مِنْ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَسْفَلَ فَلَمْ أَجِدْهَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ بِحَالٍ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهَا فِي الصِّحَاحِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ضَبْطَ الْجَوَالِيقِيِّ: وَذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي مُحْكَمِهِ وَصَاحِبُ الصِّحَاحِ بِالْيَاءِ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ عِذْيَوْطَةٌ انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الصِّحَاحِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَكَذَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْقَامُوسِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا أَنَّ الْيَاءَ مَفْتُوحَةٌ وَزَادَ فِي الْقَامُوسِ ضَبْطَيْنِ آخَرَيْنِ عَلَى وَزْنِ عُصْفُورٍ وَعِتْوَرٍ قَالَ: وَهُوَ التَّيْتَاءُ قَالَ: وَنَصُّهُ الْعِذْوَطُ وَالْعُذْيُوظُ وَالْعِذْيَوْطُ كَحَرْذَوْنٍ وَعُصْفُورٍ وَعِتْوَرٍ التَّيْتَاءُ قَالَهُ فِي فَصْلِ الْعَيْنِ مِنْ حَرْفِ الطَّاءِ وَقَالَ فِي فَصْلِ التَّاءِ مِنْ التَّاءِ: التَّيْتَاءُ وَالتِّئْتَاءُ مَنْ يُحْدِثُ عِنْدَ الْجِمَاعِ أَوْ يُنْزِلُ قَبْلَ الْإِيلَاجِ انْتَهَى، وَأَنْشَدَ فِي الصِّحَاحِ عَنْ امْرَأَةٍ إنِّي بُلِيت بِعِذْيُوطٍ لَهُ بَخَرٌ ... يَكَادُ يَقْتُلُ مَنْ نَاجَاهُ إنْ كَثَرَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَقَدْ نَزَلَ فِي زَمَنِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ أَحْمَدُ: يُطْعَمُ أَحَدُهُمَا تِينًا وَالْآخَرُ فَقُّوسًا فَيُعْلَمُ مِمَّنْ هُوَ مِنْهُمَا انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ (يُحْدِثُ) هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْغَائِطِ أَوْ يَجْرِي فِي الْبَوْلِ وَالرِّيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ لِذِكْرِهِمْ مَسْأَلَةَ

فرع لا خيار للزوجة إن كان الزوج خنثى محكوما له بالرجولية

أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَلَا يَكُونُ كَثْرَةُ الْبَوْلِ عَيْبًا إلَّا بِشَرْطٍ انْتَهَى. . وَقَالَ: الْجُزُولِيُّ وَاخْتُلِفَ إذَا وَجَدَهَا تَبُولُ فِي الْفَرْشِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَمْ لَا قَوْلَانِ، وَإِنْ وَجَدَهَا زَعْرَاءَ قِيلَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ وَقِيلَ لَيْسَ بِعَيْبٍ انْتَهَى، وَالزَّعَرُ قِلَّةُ الشَّعْرِ. ص (وَبِخِصَائِهِ) ش: بِالْمَدِّ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ الْخُصْيَتَيْنِ دُونَ الذَّكَرِ أَوْ الْعَكْسُ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيِّ، قَطْعُ الْحَشَفَةِ كَقَطْعِ الذَّكَرِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ لَا خِيَارَ لِلزَّوْجَةِ إنْ كَانَ الزَّوْج خُنْثَى مَحْكُومًا لَهُ بِالرُّجُولِيَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا لَا خِيَارَ لَهَا إنْ كَانَ خُنْثَى مَحْكُومًا لَهُ بِالرُّجُولِيَّةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ (مَحْكُومًا لَهُ بِالرُّجُولِيَّةِ) مِمَّنْ حُكِمَ لَهُ بِالْأُنُوثَةِ فَلَا نِكَاحَ لَهُ وَمِنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ. ص (وَإِفْضَائِهَا) ش: فَسَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ فِي الدِّيَاتِ بِاخْتِلَاطِ مَسْلَكَيْ الْبَوْلِ وَالْوَطْءِ وَبِهِ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ وَالْجُزُولِيُّ وَفَسَّرَهُ الْبِسَاطِيُّ هُنَا بِاخْتِلَاطِ مَسْلَكَيْ الْبَوْلِ وَالدُّبُرِ، وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ. ص (لَا بِكَاعْتِرَاضٍ) ش: قَالَ: ابْنُ غَازِيٍّ: يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَطَأَ وَلَوْ مَرَّةً كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ [فَرْعٌ وَطِئَهَا ثُمَّ اعْتَرَضَ عَنْهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: فَلَوْ وَطِئَهَا ثُمَّ اعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَا حُجَّةَ لَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَرَافَعَتْهُ فَلْيَضْرِبْ لَهَا الْأَجَلَ إلَّا أَنْ يُعْلِمَهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا انْتَهَى. . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنُ الْقَاسِمِ: امْرَأَةُ الْمُعْتَرَضِ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ فِرَاقِهَا إيَّاهُ بَعْدَ تَأْجِيلِهِ فَقَامَتْ بِوَقْفِهِ لِاعْتِرَاضِهِ فَلَهَا ذَلِكَ إنْ قَامَتْ فِي ابْتِنَائِهِ الثَّانِي قَدْرَ عُذْرِهَا فِي اخْتِيَارِهَا لَهُ وَقَطْعِ رَجَائِهَا إنْ بَانَ عُذْرُهَا

فائدة فيما يعالج به المعترض عن الزوجة

بِأَنْ يَكُونَ يَطَأُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا اعْتَرَضَ عَنْهَا فَتَقُولُ: رَجَوْت بُرْأَهُ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ فِيمَا يُعَالَجُ بِهِ الْمُعْتَرَضُ عَنْ الزَّوْجَةِ] (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: جَاءَ فِيمَا يُعَالَجُ بِهِ الْمُعْتَرَضُ: أَنْ تَأْخُذَ سَبْعَةَ أَوْرَاقٍ مِنْ السِّدْرَةِ وَتَسْحَقَهَا وَتَمْزِجَهَا بِالْمَاءِ الْفَاتِرِ وَتَقْرَأَ عَلَيْهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَذَوَاتِ قُلْ مِنْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَغَيْرِهَا فَيَشْرَبَهُ ثَلَاثًا فَيَبْرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ نَوَازِلِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". [تَنْبِيهٌ الْكِبَرُ الْمَانِعُ مِنْ الْوَطْءِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَمِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَافِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْكِبَرُ الْمَانِعُ مِنْ الْوَطْءِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَسَطِ: قَوْلُهُ (لَا بِكَاعْتِرَاضٍ) أَيْ: فَإِنَّهُ إذَا حَدَثَ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِخِيَارِ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ الْجَبُّ وَالْخِصَاءُ وَلِهَذَا أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ انْتَهَى " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهَا فِي الْجَبِّ وَالْخِصَاءِ أَيْضًا إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمَسِّ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ: وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يُخْصَى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى امْرَأَتِهِ هَلْ لَهَا الْخِيَارُ فِي نَفْسِهَا فَقَالَ: نَعَمْ لَهَا ذَلِكَ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ مَا دَخَلَ وَمَسَّ فَقَالَ: لَا خِيَارَ لَهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَذَهَبَ أَصْبَغَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُخْصَى قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَوْ بَعْدَ مَا مَسَّ؛ لِأَنَّهَا بَلِيَّةٌ نَزَلَتْ بِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ لِيَضُرَّ امْرَأَتَهُ، وَقَوْلُهُ هُوَ الْقِيَاسُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَزَوَّجَتْ عَلَى الْوَطْءِ فَإِنْ نَزَلَ بِهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إذْ لَمْ يَتِمَّ لَهَا مَا نَكَحَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ نَزَلَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْوَطْءِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إذْ قَدْ نَالَتْ مِنْهُ مَا نَكَحَتْ عَلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ لَهَا فِي امْتِنَاعِ الْمُعَاوَدَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ إرَادَةِ ضَرَرٍ " وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ " انْتَهَى. ص (وَبِجُنُونِهِمَا) ش: يَعْنِي: قَبْلَ الْعَقْدِ. ص (قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ) ش: يَعْنِي: قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ كَافٍ فِي ذَلِكَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ص (وَبِغَيْرِهَا إنْ شَرَطَ السَّلَامَةَ وَلَوْ بِوَصْفِ الْوَلِيِّ) ش: يُرِيدُ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ يَرُدُّ مَتَى وَجَدَ عَيْبًا اللَّخْمِيُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ عَرَا عَنْ الشَّرْطِ فَلَا رَدَّ إلَّا بِالْعُيُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: الشَّرْطُ فِي النِّكَاحِ هُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى صِفَةِ كَذَا أَوْ عَلَى أَنَّ لَهَا كَذَا لَهُ الرَّدُّ بِفَوْتِ الشَّرْطِ اتِّفَاقًا انْتَهَى [فَرْعٌ وَجَدَهَا سَوْدَاءَ أَوْ عَرْجَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى السَّلَامَةِ] (فَرْعٌ) وَإِنْ وَجَدَهَا سَوْدَاءَ أَوْ عَرْجَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى السَّلَامَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لَهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ: أَنَا أَضْمَنُ لَكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ سَوْدَاءَ وَلَا عَرْجَاءَ وَلَا عَوْرَاءَ وَدَخَلَ بِهَا وَوَجَدَهَا بِخِلَافِ مَا ضَمِنَ لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِوَصْفِ الْوَلِيِّ " هُوَ قَوْلُ عِيسَى

فرع إذا وصفها وليها حين الخطبة بأنها عذراء

وَابْنِ وَهْبٍ قَالَا: إذَا وَصَفَهَا الْوَلِيُّ عِنْدَ الْخِطْبَةِ بِالْبَيَاضِ وَصِحَّةِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَهِيَ عَوْرَاءُ سَوْدَاءُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ شَاءَ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ وَإِنْ شَاءَ فَارَقَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى دَخَلَ رُدَّتْ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَرَجَعَ بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا، هَذَا إذَا كَانَ وَصْفُ الْوَلِيِّ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَأَمَّا إنْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْمَخْطُوبِ مِنْهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ وَلِيَّتَك سَوْدَاءُ أَوْ عَوْرَاءُ. فَقَالَ لَهُ الْوَلِيُّ: كَذَبَ مَنْ قَالَ بَلْ هِيَ بَيْضَاءُ. فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ. هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ الَّذِي زَوَّجَ وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنَّ لَهَا مِنْ الْمَالِ كَذَا، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ لَا قَالَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَفِي الرَّدِّ إنْ شَرَطَ الصِّحَّةَ تَرَدُّدٌ) ش: التَّرَدُّدُ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ بَيْنَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْبَاجِيِّ وَصُورَةُ ذَلِكَ إذَا كُتِبَ فِي الْعَقْدِ " صَحِيحَةُ الْبَدَنِ " فَهَلْ هُوَ كَالشَّرْطِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ أَوْ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، يُرِيدُ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: " سَلِيمَةُ الْبَدَنِ " لَكَانَ شَرْطًا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أَيْضًا قَالَ: وَبِهِ كَانَ يُفْتِي عُلَمَاؤُنَا وَنُفْتِي نَحْنُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذِهِ السَّلَامَةُ غَيْرُ السَّلَامَةِ الَّتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إنْ شَرَطَ السَّلَامَةَ "؛ لِأَنَّ لَفْظَ " سَلِيمَةُ " قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا كَمَا فِي هَذَا الْأَخِيرِ وَقَدْ يَكُونُ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ كَمِنْ كَذَا مَثَلًا مِنْ السَّوَادِ وَالْعَمَى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْهُ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". [فَرْعٌ إذَا وَصَفَهَا وَلِيُّهَا حِينَ الْخِطْبَةِ بِأَنَّهَا عَذْرَاء] ص (إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَذْرَاءَ) ش (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ وَصَفَهَا وَلِيُّهَا حِينَ الْخِطْبَةِ بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ دُونَ شَرْطٍ لَجَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ وَصَفَ وَلِيَّتَهُ بِالْمَالِ وَالْجَمَالِ انْتَهَى. ص (وَفِي بِكْرٍ تَرَدُّدٌ) ش: وَعَلَى عَدَمِ رَدِّهَا بِالثُّيُوبَةِ فِي هَذِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتْحُونٍ: لَوْ بَانَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ مِنْ زَوْجٍ لَكَانَ لِلزَّوْجِ الرَّدُّ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَ امْرَأَتَهُ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَذْهَبُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ ابْنُ رُشْدٍ، إنْ أَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فِي عِتَابٍ أَوْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا بِسِنِينَ حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ ابْنِ فَرَجٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ: وَجَدْتهَا مُفْتَضَّةً حُدَّ وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا لَمْ يُحَدَّ انْتَهَى. وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْضُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا. ص " وَإِلَّا تَزْوِيجُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةِ الْعَبْدَ " ش: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ " وَإِلَّا تَزْوِيجُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وَعَكْسُهُ " كَمَا فَعَلَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِذِكْرِ الْعَكْسِ عَنْ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الْعَكْسِ قِيلَ: لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ فِي الْعَكْسِ أَنْ يَجْعَلَ الْكَلِمَةَ الْأُولَى ثَانِيَةً وَالثَّانِيَةَ أُولَى فَلَوْ اكْتَفَى هُنَا بِلَفْظِ " الْعَكْسُ " مَا أَفَادَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ " وَإِلَّا تَزْوِيجُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وَالْأَمَةِ الْحُرَّ " وَكُلُّ وَاحِدٍ هُوَ عَيْنُ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ إلَى الْكَلَامِ الَّذِي أَتَى بِهِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ص " بِخِلَافِ الْعَبْدِ مَعَ الْأَمَةِ

فرع ويصدق الزوج إن ادعى فيها الوطء

وَالْمُسْلِمِ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ إلَّا أَنْ يَغُرَّا " ش: يَعْنِي: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةٌ فَلَا كَلَامَ لَهُ وَكَذَلِكَ هِيَ إنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنُ غَازِيٍّ وَغَيْرُهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ تَزَوَّجَتْ نَصْرَانِيَّةٌ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ، وَقَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يَغُرَّا " يُتَصَوَّرُ الْغَرَرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ فَأَمَّا الْعَبْدُ مَعَ الْأَمَةِ إذَا غَرَّهَا بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنَا حُرٌّ فَتَجِدُهُ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ قَالَهُ الشَّارِحُ وَالْبِسَاطِيّ، وَالْأَمَةُ تَغُرُّ الْعَبْدَ بِأَنْ تَقُولَ لَهُ: أَنَا حُرَّةٌ فَيَجِدُهَا أَمَةً فَلَهُ الْخِيَارُ نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَابْنِ يُونُسَ وَالنَّصْرَانِيَّة تَغُرُّ الْمُسْلِمَ بِأَنْ يَشْتَرِطَ إسْلَامَهَا أَوْ تُظْهِرَهُ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ لِمَا كَانَ سَمِعَ مِنْهَا مِنْ الْكِتْمَانِ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ يَغُرُّ النَّصْرَانِيَّةَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنَا عَلَى دِينِك اهـ. وَأَمَّا الْحُرُّ مَعَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةُ مَعَ الْعَبْدِ فَسُكُوتُهُمَا عَنْ التَّبْيِينِ غُرُورٌ يُثْبِتُ الْخِيَارَ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " وَحُكْمُهُمَا فِي الصَّدَاقِ حُكْمُ الْمَغْرُورِ وَالْمَغْرُورَةِ هَذَا ظَاهِرُ الْجَوَاهِرِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ص " وَالظَّاهِرُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهِ " ش: مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ مِنْ النَّصِّ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى غَالِبِهِ إلَّا أَنَّ كَلَامَ ابْنِ غَازِيٍّ أَتَمُّ فَائِدَةً وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا نَظَرَ فِيهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ " وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُعْتَرَضِ " وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ هُنَا فَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمُعْتَرَضِ عَلَى الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُعْزَلُ هُنَا وَالْمُعْتَرَضَ يُرْسَلُ عَلَيْهِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". [فَرْعٌ ويصدق الزَّوْج إنْ ادَّعَى فِيهَا الْوَطْءَ] ص " وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى فِيهَا الْوَطْءَ بِيَمِينِهِ " ش: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ سَأَلَتْهُ الْيَمِينَ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ فَإِنْ أَبَى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَقَالَ: أَصَبْت فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ الْآنَ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ: أَنَا أَحْلِفُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ نُكُولُهُ عِنْدَ تَمَامِ الْأَجَلِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو وَرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا اهـ.، وَالْمَشْهُورُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِنَفْسِ نُكُولِهِ يَعْنِي: ظَاهِرَ قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ الْآنَ طُلِّقَ عَلَيْهِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ص " وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ طَلَّقَهَا " ش: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُوقِعُ الزَّوْجُ مِنْهُ مَا شَاءَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوقِعَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا اهـ. ص " وَإِلَّا فَهَلْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ؟ قَوْلَانِ " ش:

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الشُّيُوخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي مَعْنَاهُ مِنْ امْرَأَةِ الْمَوْلَى وَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُوقِعَةُ لِلطَّلَاقِ أَوْ السُّلْطَانُ؟ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ الْحَاكِمُ الَّذِي يُطَلِّقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ يُبِيحُ لِلْمَرْأَةِ الْإِيقَاعَ عَلَى قَوْلَيْنِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ تَشْهِيرَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يُوقِعُ الطَّلَاقَ وَنَصَّهُ الْمُتَيْطِيُّ فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ بِالْعَيْبِ لِلْإِمَامِ يُوقِعُهُ أَوْ يُفَوِّضُهُ إلَيْهَا قَوْلَانِ لِلْمَشْهُورِ وَابْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ فِي بَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ ابْنَ عَاتٍ أَفْتَى أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي تُوقِعُ الطَّلَاقَ وَرَجَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ سَهْلٍ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَالْقِسَمُ الْأَوَّلُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَتَحْرِيرٍ وَبَذْلِ جَهْدٍ فِي تَحْرِيرِ سَبَبِهِ وَذَلِكَ كَالطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ وَالطَّلَاقِ بِالْإِضْرَارِ وَالطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَحْقِيقِ الْإِعْسَارِ، وَهَلْ هُوَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بَعْدَ النَّفَقَةِ أَمْ لَا كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ فَقِيرًا عَلِمَتْ بِفَقْرِهِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ صُورَةِ الْإِضْرَارِ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الْمَوْلَى هَلْ لِعُذْرٍ أَوْ لَا كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا وَهِيَ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهِ فَيُنْظَرُ فِيمَا ادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْإِضْرَارَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُعْتَرَضِ وَنَحْوِهِمَا. (تَنْبِيهٌ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَمَا أَشْبَهَهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَهَلْ صُدُورُ الطَّلَاقِ فِيهَا صَادِرٌ عَنْ الْحَاكِمِ أَوْ عَنْ الزَّوْجَةِ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ الزَّوْجَةِ وَبَعْضُهُ عَنْ الْحَاكِمِ؟ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَحَكَى ابْنُ سَهْلٍ فِيهَا: أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ سِرَاجٍ أَجَابَ فِيهَا أَنَّ الطَّلَاقَ لِلرَّجُلِ إلَّا مَا وَقَعَ فِيهِ تَخْيِيرٌ أَوْ تَمْلِيكٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عَاتٍ أَجَابَ بِخِلَافِ جَوَابِهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ خَالِصًا فَإِنْفَاذُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا مَعَ إبَاحَةِ الْحَاكِمِ لَهَا ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ وَنِسْبَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْقَاضِي لِكَوْنِهِ يُنَفِّذُهُ وَيَحْكُمُ بِهِ كَمَا يُقَالُ: فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَكَمَا يُقَالُ: قَطَعَ الْأَمِيرُ السَّارِقَ وَرَجَمَ وَجَلَدَ وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهِ فَمَا جَاءَ مِنْ تَفْرِيقِ السُّلْطَانِ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى اهـ. كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ وَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَاتٍ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ مَالِكٍ رَجَّحَهُ وَكَذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ أَصْبَغَ: وَأَرَى فِي الْإِمَامِ إنْ طَلَّقَ فِي الْإِيلَاءِ وَالنَّفَقَةِ وَالْإِضْرَارِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ عَلَى مَنْ بِهِ عَيْبٌ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَتَّى تَطْهُرَ الْمَرْأَةُ وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِهِ حُكْمُ مَا إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فِيهَا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ص (وَلَهَا فِرَاقُهُ بَعْدَ الرِّضَا بِلَا أَجَلٍ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ دُونَ السُّلْطَانِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ إلَى السُّلْطَانِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَالصَّدَاقُ بَعْدَهَا) ش: أَمَّا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ إذَا لَمْ يَطُلْ مُقَامُهُ مَعَهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَجَسٌّ عَلَى ثَوْبِ مُنْكِرِ الْجَبِّ وَنَحْوِهِ) ش: نَحْوُ الْجَبِّ الْخِصَا وَالْعُنَّةِ فَهَذِهِ الثَّلَاثُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

تنبيه لو نكل قبل الأجل ثم أتى الأجل فادعى الزوج أنه أصاب

إذَا ثَبَتَ أَحَدُهَا بِإِقْرَارِهِ لَزِمَهُ. (قُلْت) إنْ كَانَ بَالِغًا وَإِلَّا فَكَمُنْكِرِ دَعْوَى زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْكِرِ وَالْجَسُّ بِظَاهِرِ الْيَدِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِنْ قُلْت: قَدْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَمْسُهُ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَنْعِ فَإِذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى وَاحِدٍ وَجَبَ إلْحَاقُ الْآخَرِ بِهِ لِلْمُسَاوَاةِ وَيَتَرَجَّحُ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ لِلْمَشْهُودِ بِهِ أَقْوَى. (قُلْت) هُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَنْعِ فَقَطْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِدْرَاكَ بِالْبَصَرِ أَقْوَى مَعَ أَنَّ اللَّمْسَ كَانَ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُرَادُ بِالْجَسِّ بِظَاهِرِ الْيَدِ، وَأَصْلُهُ أَقْرَبُ لِلْإِبَاحَةِ مِنْ النَّظَرِ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعُوا عَلَى مَسِّ الرَّجُلِ فَرْجَ حَلِيلَتِهِ وَفِي نَظَرِهِ إلَيْهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ اهـ. ، وَأَمَّا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فِي الرَّجُلِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ: يُعْرَفُ بِالرُّؤْيَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَوْرَةِ فَيُصَدَّقُ الرَّجُلُ فِيهِمَا. وَحَكَى بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَيْهِ كَالنِّسَاءِ إلَى الْمَرْأَةِ اهـ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: أَمَّا الْجُنُونُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى جِيرَانِهِ وَأَهْلِ مَكَانِهِ اهـ. ص (وَصُدِّقَ فِي الِاعْتِرَاضِ) ش: وَاخْتُلِفَ بَعْدَ التَّصْدِيقِ هَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالِاعْتِرَاضُ إنْ أَقَرَّ بِهِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَنْكَرَ دَعْوَى زَوْجَتِهِ صُدِّقَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ بِيَمِينِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَاللَّخْمِيُّ وَنَحْوُهُ لِمُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ اهـ. ثُمَّ نَقَلَ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ أُخَرَ. [تَنْبِيهٌ لَوْ نَكَلَ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ أَتَى الْأَجَلُ فَادَّعَى الزَّوْج أَنَّهُ أَصَابَ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَوْ نَكَلَ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ أَتَى الْأَجَلُ فَادَّعَى أَنَّهُ أَصَابَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَلَيْسَ نُكُولُهُ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ بِشَيْءٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ أَصْبَغُ فِي امْرَأَةِ الْمُقْعَدِ: تَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَأَنَّهَا تُمَكِّنُهُ مِنْ نَفْسِهَا فَيَضْعُفُ عَنْهَا، وَقَالَ هُوَ: تَدْفَعُنِي عَنْ نَفْسِهَا فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ مَعَ يَمِينِهَا وَلَا يُعَجَّلُ بِفِرَاقِهِ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ كَالْمُعْتَرِضِ، وَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ بِقُرْبِهِ امْرَأَتَيْنِ وَإِنْ سَمِعَتَا امْتِنَاعًا مِنْهَا أَمَرَ بِهَا فَرُبِطَتْ وَشُدَّتْ وَزَجَرَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَلِينَ لَهُ فَذَلِكَ عِنْدِي حَسَنٌ انْتَهَى. ص (كَالْمَرْأَةِ فِي دَائِهَا) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ أَنْكَرَتْ دَعْوَاهُ عَيْبَهَا فَمَا كَانَ ظَاهِرًا كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ يَدَّعِيهِ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا أُثْبِتَ ذَلِكَ بِالرِّجَالِ وَمَا بِسَائِرِ بَدَنِهَا غَيْرَ الْفَرْجِ بِالنِّسَاءِ، وَمَا بِالْفَرْجِ فِي تَصْدِيقِهَا وَعَدَمِ نَظَرِ النِّسَاءِ إلَيْهِ وَإِثْبَاتِهِ بِنَظَرِهِنَّ إلَيْهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، إلَّا سَحْنُونًا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِتَصْدِيقِهَا قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَتَحْلِفُ وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَلَهَا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الزَّوْجِ، قَالَ: وَرَأَيْت مَنْ مَضَى يُفْتِي بِهِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (أَوْ وُجُودُهُ حَالَ الْعَقْدِ) ش: اخْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَمُلَخَّصُ مَا فِي الْبَيَانِ فِيمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَجُذِمَتْ بَعْدَ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا فَقَالَ الْأَبُ: تَجَذَّمَتْ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَقَالَ الزَّوْجُ: قَبْلَهُ. لَا يَخْلُو؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَدَاعَيَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ وَالْأَبُ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ وَيَنْبَغِي كَوْنُهَا عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا الْآنَ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ خَفِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ إلَّا أَنْ يُشْهَدَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ يَوْمَ الْعَقْدِ إلَّا ظَاهِرًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ نَكَلَ الْأَبُ حَلَفَ الزَّوْجُ فَكَانَ لَهُ الرَّدُّ قَبْلَ الْعِلْمِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: عَلَى نَحْوِ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَبِ هَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ التَّدَاعِي قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ص (أَوْ بَكَارَتُهَا وَحَلَفَتْ) ش: هَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهَا تُرَدُّ بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجِيءَ

مِثْلُهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". ص (وَإِنْ أَتَى بِامْرَأَتَيْنِ) ش: هَذَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتَتْ امْرَأَةُ الْمُعْتَرِضِ بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ بِأَنَّهَا بِكْرٌ لَمْ يُقْبَلَا؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْفِرَاقِ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَإِنْ عَلِمَ الْأَبُ بِثُيُوبَتِهَا بِلَا وَطْءٍ) ش: لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا الْكَلَامِ وَبَيْنَ مَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الْأَبِ وَهَذَا مَعَ عِلْمِهِ وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنْ عَلِمَ الْأَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ " بِلَا وَطْءٍ " فَالْوَطْءُ أَحْرَى وَأَحْرَى إنْ كَانَ بِزَوَاجٍ وَيَبْقَى مُلَخَّصُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَلَهُ الرَّدُّ إذَا وَجَدَهَا قَدْ أُزِيلَتْ عُذْرَتُهَا قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ أُزِيلَتْ بِوَطْءٍ أَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ، وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِنْ أُزِيلَتْ الْبَكَارَةُ بِزَوَاجٍ رُدَّتْ بِلَا كَلَامٍ وَإِنْ أُزِيلَتْ بِزِنًا أَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ عَالِمًا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَفِيهِ التَّرَدُّدُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَيَلْزَمُهُ إعْلَامُ الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ فَفِي الرَّدِّ قَوْلَانِ الْأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَانْظُرْ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي، وَلِلْوَلِيِّ كَتْمُ الْعَمَى وَنَحْوِهِ وَعَلَيْهِ كَتْمُ الْخَنَا، وَانْظُرْ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ رُشْدٍ عَلَى ذَلِكَ. ص (وَمَعَ الرَّدِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا صَدَاقَ) ش يَعْنِي إذَا عَلِمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَنَّ بِالْآخَرِ عَيْبًا وَرَدَّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا

صَدَاقَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الرَّادُّ أَوْ هِيَ الرَّادَّةُ، أَمَّا إنْ كَانَ هُوَ الرَّادُّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِيمَا إذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ أَبُوهَا أَوْ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِعَيْبِهَا قَدْ يُقَالُ: يَجِبُ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى وَلِيِّهَا وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ هِيَ الرَّادَّةُ فَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَغُرُورٍ بِحُرِّيَّةٍ) ش: لَا شَكَّ أَنَّهُ يَشْمَلُ أَرْبَعَ صُوَرٍ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ: تَزْوِيجُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةِ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ فَأَحْرَى إذَا شَرَطَ أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ شَرَطَتْ هِيَ أَنَّهُ حُرٌّ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي النَّوَادِرِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى إحْدَاهُمَا، الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ: إذَا غَرَّ الْعَبْدُ الْأَمَةَ بِالْحُرِّيَّةِ أَوْ غَرَّتْ الْأَمَةُ الْعَبْدَ بِالْحُرِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا مَفْهُومَانِ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَعْدَهُ فَمَعَ عَيْبِهِ الْمُسَمَّى) ش: سَوَاءٌ كَانَ عَيْبُهُ أَحَدَ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ غَيْرَهَا إنْ شَرَطَ السَّلَامَةَ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْغُرُورِ، وَكَذَلِكَ إنْ غَرَّ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ بِالْحُرِّيَّةِ لَهَا الْمُسَمَّى إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي التَّزْوِيجِ ابْتِدَاءً أَوْ أَجَازَهُ لَمَّا أَنْ عَلِمَ بِهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَذِنَ لِعَبْدٍ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ حُرَّةً وَلَمْ يُخْبِرْهَا وَأَجَازَهُ السَّيِّدُ فَلَهَا أَنْ تَفْسَخَهُ وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ بَنَى وَلَا قَوْلَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ فَلَا شَيْءَ لَهَا انْتَهَى مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ. وَقَالَ فِي بَابِ الْمَغْرُورَةِ بِالْعَبْدِ وَإِنْ غَرَّ عَبْدٌ حُرَّةً بِأَنَّهُ حُرٌّ فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ عِلْمِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَلِمَ فَأَجَازَ فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ فَارَقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ بَنَى فَلَهَا الصَّدَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهَا: إنِّي حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ فَلَهُمَا الْخِيَارُ أَبَدًا وَهُوَ غَارٌّ حَتَّى يُخْبِرَهَا أَنَّهُ عَبْدٌ انْتَهَى. وَأَمَّا الْعَبْدُ يَغُرُّ الْأَمَةَ فَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: إنَّ لَهَا الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّهُ لَازِمٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا إذَا غَرَّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَانْظُرْ لَوْ غَرَّ رَجُلٌ غَيْرَ الزَّوْجِ الْحُرَّةَ أَوْ الْأَمَةَ وَقَالَ لَهَا: تَزَوَّجِي هَذَا فَإِنَّهُ حُرٌّ فَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ بِالْقَوْلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَعَلَى غَارٍّ غَيْرِ وَلِيٍّ ". ص (وَمَعَهَا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ لَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى وَلِيٍّ لَمْ يَغِبْ كَابْنٍ وَأَخٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) ش: يَعْنِي: وَأَمَّا لَوْ اخْتَارَ بَعْدَ الْبِنَاءِ حَالَةَ كَوْنِ الْعَيْبِ مَعَهَا وَكَذَلِكَ إذَا غَرَّهُ الْوَلِيُّ بِالْحُرِّيَّةِ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْوَلِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَمَّا الْحُرُّ فَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إذَا غَرَّ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَظَهَرَتْ أَنَّهَا أَمَةٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَلِيِّ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَلِيِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَغُرَّ إلَّا فِي النِّكَاحِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَفِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ الْغَارَّةِ وَإِنْ غَرَّتْ أَمَةٌ عَبْدًا بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَسَيِّدُهَا يَسْتَرِقُّ وَلَدَهَا وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِالْمَهْرِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْفَضْلِ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ " لَمْ يَغِبْ " هَذَا رَاجِعٌ إلَى غُرُورِ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " لَمْ يَغِبْ " أَنَّهُ لَوْ غَابَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَفْهُومُ مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَغِيبَ الْوَلِيُّ غَيْبَةً طَوِيلَةً ثُمَّ يَقْدُمُ مِنْ غَيْبَتِهِ فَيَعْقِدَ نِكَاحَ وَلِيَّتِهِ كَذَا صَوَّرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا غَابَ الْوَلِيُّ بِحَيْثُ يُظَنُّ خَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَيَتْرُكُ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى جَهْلِهِ بِذَلِكَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَشُهِرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الشَّامِلِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ زَوَّجَهَا الْأَخُ وَهِيَ بِكْرٌ بِإِذْنِ الْأَبِ فَالْغُرْمُ

عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَعَلَى الْأَخِ، قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ حَيْثُ يَجِبُ غُرْمُ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ بَعْضُ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا لَمْ يَغْرَمْهُ لِلزَّوْجِ إلَّا بَعْدَ غُرْمِهِ (قُلْت) هَذَا بَيِّنٌ إنْ لَمْ يَخْشَ فَلَسًا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا " ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَعْدَمَ الْوَلِيُّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا) ش: (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَدْ اشْتَرَتْ بِهِ جِهَازًا فَلَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِذَا رُدَّتْ الزَّوْجَةُ بِعَيْبٍ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ وَالصَّدَاقُ عَيْنٌ ضَمِنَتْهُ، وَإِنْ هَلَكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اشْتَرَتْ بِهِ جِهَازَهَا كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمُتَعَدِّيَةِ فَإِنْ أَحَبَّ الزَّوْجُ أَخَذَ نِصْفَهُ أَوْ ضَمَّنَهَا مَا قَبَضَتْ انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ وَكَذَا مَا اشْتَرَتْهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِهَازِ مِثْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ الْقَرِيبُ عَدِيمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَيْهَا فِي كَابْنِ الْعَمِّ إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ) ش: دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ الْعَمُّ وَالرَّجُلُ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ مِنْ الْمَوَالِي أَوْ السُّلْطَانُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص، (فَإِنْ عَلِمَ فَكَالْقَرِيبِ) ش: أَيْ: فَإِنْ عَلِمَ الْبَعِيدُ سَوَاءٌ كَانَ عَمًّا أَوْ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ سُلْطَانًا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَهَذَا إنْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَحَلَّفَهُ إنْ ادَّعَى عِلْمَهُ) ش: فَإِنْ حَلَفَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجَةِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا نَكَلَ الْوَلِيُّ ثُمَّ نَكَلَ أَيْضًا الزَّوْجُ يُرْجَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيُّ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى غَارٍّ غَيْرِ وَلِيٍّ تَوَلَّى الْعَقْدَ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ) ش: غُرُورُهُ بِأَنْ يَقُولَ: إنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ سَالِمَةٌ مِنْ الْعَيْبِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ وَيَتَأَكَّدَ أَدَبُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ مِنْ عَدَمِ الْغَرَامَةِ انْتَهَى. وَإِذَا قُلْنَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ إذَا تَوَلَّى الْعَقْدَ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ قَيَّدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِمَا إذَا عَلِمَ هَذَا الْغَارُّ أَنَّهَا أَمَةٌ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ فَلَا رُجُوعَ مُطْلَقًا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ الْعَقْدَ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَجْنَبِيٌّ: أَنَا أَضْمَنُ لَك أَنَّهَا غَيْرُ سَوْدَاءَ لَا يَضْمَنُ الصَّدَاقَ؛ لِأَنَّ هَذَا صَرَّحَ فِيهِ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ الْحُرِّ فَقَطْ حُرٌّ) ش: هُوَ ظَاهِرُ التَّصَوُّرِ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ وَلَدَهُ

تنبيه وإن اختار الزوج إمساكها

حُرٌّ فَيُوَفِّي لَهُ ثُمَّ يُعَاوِضُ السَّيِّدَ عَنْهُمْ بِقِيمَتِهِمْ أَوْ أَمْثَالِهِمْ كَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ. ص (وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقُ الْمِثْلِ) ش: هَذَا فِي الْحُرِّ إذَا غَرَّتْهُ الْأَمَةُ بِنَفْسِهَا هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ: فَالْمَنْصُوصُ فِيهِ إذَا غَرَّتْهُ الْأَمَةُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْفَضْلِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْحُرَّ إذَا غَرَّتْهُ الْأَمَةُ بِنَفْسِهَا أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ هَذَا إذَا اخْتَارَ فِرَاقَهَا، وَأَمَّا لَوْ اخْتَارَ إمْسَاكَهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَنَقْلُ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إذَا أَمْسَكَهَا فَيَسْتَبْرِئُهَا لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَاءَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ الْوَلَدُ فِيهِ حُرٌّ وَاَلَّذِي بَعْدَهَا الْوَلَدُ فِيهِ رِقٌّ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ الْغَارَّةُ قِنًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُعْتَقَةً لِأَجَلٍ، قَالَهُ الرَّجْرَاجِيّ. وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا إذَا أَذِنَ لَهَا السَّيِّدُ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا عَلَى نِكَاحِهَا، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُرِيدُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَنْ شَاءَتْ فَاسْتَخْلَفَتْ فُسِخَ النِّكَاحُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا مُشْكِلٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ لَهَا أَوْ لَا يُعَيِّنَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً لَهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَنْ شَاءَتْ انْتَهَى. وَاعْلَمْ: أَنَّهُ لَا يَخْلُو نِكَاحُ الْأَمَةِ الْغَارَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَذِنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ وَالِاسْتِخْلَافِ وَإِنَّمَا غَرَّتْهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَهَذَا يَصِحُّ مُقَامُهُ عَلَيْهَا بِالْمُسَمَّى. الثَّانِي: أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ السَّيِّدُ أَذِنَ فِيهِ وَلَا فِي الِاسْتِخْلَافِ وَهَذَا يُفْسَخُ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَبَدًا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَذِنَ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَهُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي تَحَتُّمِ الْفَسْخِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ زَرُّوق وَأَصْلُهُ لِلْقَلَشَانِيِّ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ أَيْضًا. [تَنْبِيهٌ وَإِنْ اخْتَارَ الزَّوْج إمْسَاكَهَا] (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ فِيمَا إذَا اخْتَارَ فِرَاقَهَا أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ وَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى اُنْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فِي الْفِرَاقِ وَفِي الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ خَوْفَ الْعَنَتِ وَلَا عَدَمَ الطَّوْلِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْوُقُوعِ وَقَدْ حَصَلَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ وَحُكْمُ الِابْتِدَاءِ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ أَوْ يُقَالُ: إنَّمَا تَعَرَّضَ هُنَا لِأَحْكَامِ بَابٍ آخَرَ وَهُوَ الْغُرُورُ وَأَمَّا نِكَاحُ الْإِمَاءِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ انْتَهَى [فَرْعٌ زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهَا ابْنَتُهُ أَوْ ابْنَةُ عَمِّهِ فَدَخَلَ الزَّوْجُ وَأَوْلَدَهَا] ص (وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) ش: وَالْقِيمَةُ لَازِمَةٌ لِلزَّوْجِ أَمْسَكَ أَوْ فَارَقَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (فَرْعٌ) وَالْمَنْصُوصُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهَا ابْنَتُهُ أَوْ ابْنَةُ عَمِّهِ فَدَخَلَ الزَّوْجُ وَأَوْلَدَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَوْلَادِهِ وَهُمْ أَحْرَارٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَلَوْ غَرَّ سَيِّدٌ أَمَةَ مَنْ زَوَّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهَا ابْنَتُهُ فَفِي غُرْمِ الزَّوْجِ قِيمَةَ وَلَدِهِ مِنْهَا. نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى مَنْ أَوَلَدَ أُمَّ وَلَدٍ ابْتَاعَهَا مِنْ سَيِّدِهَا قِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْهَا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَوَطِئَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَوَطِئَهَا فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ بِخِلَافِ أَنْ لَوْ زَوَّجَتْهُ الْأَمَةُ نَفْسَهَا وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فَيَطَؤُهَا بَعْدَ الْعِلْمِ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا حَدٌّ وَيَلْحَقُ بِهِ نَسَبُ وَلَدِهِ وَهُمْ وَأُمُّهُمْ رَقِيقٌ لِسَيِّدِهِمْ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ انْتَهَى مِنْ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِيمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ فَبَعَثَ إلَى الزَّوْجِ بِأَمَةٍ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمَةَ تَلْزَمُ الزَّوْجَ بِالْقِيمَةِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ الْعُقُوبَةُ وَنِكَاحُ الِابْنَةِ ثَابِتٌ وَعَلَى الْأَمَةِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّ سَيِّدَهَا زَوَّجَهَا وَقَالَ فَضْلٌ وَمَالُهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ حِينَ كَانَ سَيِّدُهَا أَخْرَجَهَا وَيَكُونُ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْإِكْرَاهِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. (فَرْعٌ) فَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ عَالِمٌ أَنَّهَا أَمَةٌ وَقَدْ فَشَا وَعَرَفَ أَنَّهَا غَرَّتْهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَلَا يُصَدَّقُ الْأَبُ عَلَى مَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غُرْمِ قِيمَةِ وَلَدِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُرِيدُ إرْقَاقَهُمْ وَإِنْ صَدَّقَهُ

السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ الرَّجْرَاجِيِّ، وَهُوَ فِي النَّوَادِرِ وَابْنِ يُونُسَ وَنَصُّ النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ أَصْبَغَ. : وَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ الْآنَ أَنَّهُ نَكَحَهَا عَالِمًا بِأَنَّهَا أَمَةٌ وَقَدْ فَشَا أَنَّهَا غَرَّتْهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالسَّمَاعُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ الشَّكُّ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا عَلَى مَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غُرْمِ قِيمَةِ وَلَدِهِ، وَيُرِيدُ مِنْ إرْقَاقِهِمْ انْتَهَى. ص (يَوْمَ الْحُكْمِ) ش: هَذَا إذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ وَهُوَ حَمْلٌ فَإِنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْوِلَادَةِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا لِكَجَدِّهِ وَلَا وَلَاءَ لَهُ) ش: قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا غَرَّتْ أَمَةُ الِابْنِ وَالِدَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِنَّ الْأَبَ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ وَلَيْسَ لِلِابْنِ أَخْذُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَالتَّزْوِيجُ فِيهَا لَيْسَ بِتَزْوِيجٍ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَنْهُ: وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِلْوَلَدِ وَلَا مَهْرَ مِثْلٍ وَلَا مُسَمًّى، وَنِكَاحُهُ لَغْوٌ وَذَلِكَ كَوَطْئِهِ إيَّاهَا يَظُنُّ أَنَّهَا لَهُ أَوْ عَمْدًا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ سَحْنُونٍ : وَأَمَّا الِابْنُ إذَا غَرَّتْهُ أَمَةُ وَالِدِهِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَيَأْخُذُهَا الْأَبُ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا وَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِالْأَصَالَةِ لَا بِإِعْتَاقِهِ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لِأَبِيهِمْ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ أَمَتَهُ لِابْنِهِ لَكَانَ وَلَاءُ الْأَوْلَادِ الْكَائِنِينَ مِنْ الْأَمَةِ لِجَدِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَيْهِ عَتَقُوا. ص (وَسَقَطَ بِمَوْتِهِ) ش: أَيْ: وَسَقَطَتْ الْقِيمَةُ بِمَوْتِ الْوَلَدِ فِي الْأَمَةِ الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ يُرِيدُ قَبْلَ الْحُكْمِ، أَمَّا فِي الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ: فَنَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا فِي الْمُدَبَّرَةِ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَأَمَّا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ: فَفِي الْقِنِّ وَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ تَسْقُطُ الْقِيمَةُ نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ اللَّخْمِيُّ. وَأَمَّا فِي الْمُدَبَّرَةِ فَقَالَ اللَّخْمِيّ: إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ قِيمَتَهُ وَقِيمَتَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُرِقُّهَا كَانَتْ الْقِيمَةُ قِيمَةَ عَبْدٍ لَا عِتْقَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ مَالًا سِوَاهُمَا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَانَتْ عَلَى الْأَبِ قِيمَةُ ثُلُثَيْهِ وَتَسْقُطُ قِيمَةُ الثُّلُثِ انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الْمُكَاتَبَةِ: فَيَنْتَقِلُ الْحُكْمُ الْآتِي إلَى وَرَثَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْحُكْمَ فِي وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ عَلَى رَجَاءِ الْعِتْقِ إنْ حَيِيَ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَخَوْفِ الرِّقِّ إنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَانْظُرْ حُكْمَ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ دِيَتِهِ إنْ قُتِلَ) ش هَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْقِنِّ وَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَالْمُكَاتَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقِيمَةُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فِي الْجَمِيعِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَحَكَى فِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ قَوْلًا بِأَنَّهُ يَقُومُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَنُقِلَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ يَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَنَصُّهُ " وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فَقُتِلَ هَذَا الْوَلَدُ يَعْنِي: وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ الْحُكْمِ فِيهِ فَهَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِ أُمِّهِ عَلَى أَنَّهُ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ التَّرَقُّبَ قَدْ فُقِدَ عِيَاضٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُعْظَمُ الشُّيُوخِ أَوْ قِيمَتُهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاسْتَشْكَلَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَصَوَّبَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ عَبْدُ الْحَمِيدِ: فَإِنْ قُتِلَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ جَرَى فِيهِ مِنْ

فرع لو استهلك الأب الدية ثم أعدم

الْخِلَافِ مَا فِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْقِيمَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِمْ إذَا قُتِلُوا يَوْمَ الْقَتْلِ اهـ. [فَرْعٌ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْأَبُ الدِّيَةَ ثُمَّ أَعْدَمَ] (فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْأَبُ الدِّيَةَ ثُمَّ أَعْدَمَ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ رُجُوعٌ عَلَى الْقَاتِلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهَا بِحُكْمٍ اهـ. [فَرْعٌ لَوْ هَرَبَ الْقَاتِلُ أَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ: لَوْ هَرَبَ الْقَاتِلُ أَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ إذَا عَفَا الْأَبُ هَلْ يَتْبَعُ الْمُسْتَحِقُّ الْجَانِيَ أَوْ لَا شَيْءَ لَهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لَاخْتَصَّ بِهِ الْأَبُ، وَالْحُكْمُ إذَا عَفَا الْأَبُ وَكَذَلِكَ لَا شَيْءَ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. [فَرْعٌ لَوْ قُتِلَ خَطَأً اقْتَصَّ الْأَبُ عَنْ سَائِرِ وَرَثَتِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ قُتِلَ خَطَأً اقْتَصَّ الْأَبُ عَنْ سَائِرِ وَرَثَتِهِ مِنْ أَوَّلِ النُّجُومِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَوَرِثَ مَعَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ اهـ. ص (كَجُرْحِهِ) ش: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ: وَمَسْأَلَةُ الْجَارِيَةِ تَسْتَحِقُّ وَقَدْ أَوْلَدَهَا مُشْتَرِيهَا فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْوَلَدِ خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ فَأَخَذَ الْأَبُ دِيَةَ وَلَدِهِ قَالَ: يَغْرَمُ الْوَالِدُ قِيمَةَ الْوَلَدِ أَقْطَعِ الْيَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ فِيهِ وَيُقَالُ: مَا قِيمَتُهُ صَحِيحًا وَقِيمَتُهُ أَقْطَعَ يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ كَمْ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَدْرُ مَا أَخَذَ الْأَبُ مِنْ دِيَةِ الْوَلَدِ غَرِمَهَا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ غَرِمَ ذَلِكَ كَانَ الْفَضْلُ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ إلَّا مَا أَخَذَ، وَاخْتِصَارُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَلَى الْأَبِ قِيمَتَهُ مَقْطُوعَ الْيَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالْأَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ مِنْ دِيَةِ وَلَدِهِ أَوْ مِمَّا نَقَصَهُ الْقَطْعُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَبَيَانُهُ: أَنَّهُ يُقَوَّمُ ثَلَاثَ تَقْوِيمَاتٍ قِيمَةُ الْيَوْمِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ سَلِيمًا وَقِيمَتُهُ حِينَئِذٍ أَقْطَعَ فَيُضَافُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ إلَى قِيمَةِ يَوْمِ الْقَطْعِ فَيَأْخُذُهَا السَّيِّدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ الْيَدِ الَّتِي أَخَذَ الْأَبُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَوْمَ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ الْقِيمَةُ مِنْ يَوْمِ الْقَطْعِ إلَى يَوْمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحُكْمِ لَقِيلَ لَهُ ادْفَعْ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا الْآنَ قَبْلَ قَطْعِهِ وَمِنْ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا مَعَ مَا أَخَذْت فِي دِيَتِهِ وَلَا يُحْتَاجُ هُنَا إلَى قِيمَتَيْنِ سَلِيمًا وَمَقْطُوعًا فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ سَلِيمًا أَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَاهَا وَكَانَ مَا فَضَلَ مِنْ الدِّيَةِ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَتُهُ مَقْطُوعًا أَوْ دِيَتُهُ اهـ.، كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَوْلُهُ " يُقَوِّمُهُ ثَلَاثَ تَقْوِيمَاتٍ قِيمَةُ الْيَوْمِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ سَلِيمًا وَقِيمَتُهُ حِينَئِذٍ أَقْطَعَ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ يَوْمَ الْحُكْمِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَيُقَوَّمُ أَيْضًا يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَعَلَى أَنَّهُ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ دِيَةِ الْيَدِ كَانَ مَا فَضَلَ مِنْ الدِّيَةِ لِلْأَبِ ابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ، يُرِيدُ يَلِي النَّظَرَ فِيهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ اهـ. مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَنَحْوُهُ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، فِي التَّنْبِيهَاتِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِعَدَمِهِ تُؤْخَذُ مِنْ الِابْنِ) ش: يُرِيدُ وَلَا يَرْجِعُ الِابْنُ بِهَا عَلَى الْأَبِ إنْ أَيْسَرَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ كَانَا عَدِيمَيْنِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ كَانَا عَدِيمَيْنِ غَرِمَهَا أَوَّلُهُمَا يَسَارًا وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ غَرِمَهَا عَلَى الْآخَرِ، وَمَوْتُهُ عَدِيمًا كَحَيَاتِهِ كَذَلِكَ اهـ. وَإِنْ كَانَا مَلِيَّيْنِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا إشْكَالَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَبِ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا الْأَبُ عَلَى الْوَلَدِ اهـ. وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ عَدِيمًا وَالْأَبُ مُوسِرًا الْقِيمَةُ عَلَى الْأَبِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَلَدِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَا مَلِيَّيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَأَحْرَى مَعَ عَدَمِ الِابْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الِابْنِ قِيمَةُ الْأُمِّ فِي مَلَاءِ الْأَبِ أَوْ عَدَمِهِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَلَوْ فَلِسَ الْأَبُ لَحَاصَ الْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ غُرَمَاءُ أَبِيهِ اهـ. ص (وَقُبِلَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّهُ غُرَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلزَّوْجِ عَلَى الْغُرُورِ أَوْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ فَأَمَّا إنْ تَنَازَعَا هُوَ وَالسَّيِّدُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَانْظُرْ هَلْ بِيَمِينٍ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا ص (وَلَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى مُوجِبِ خِيَارٍ فَكَالْعَدِمِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ

فصل تزوجت وهي معتق بعضها وكمل عتقها بعد ذلك على أن لها الخيار

رَوَى مُحَمَّدٌ: مَنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بِامْرَأَتِهِ يُوجِبُ رَدَّهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَغْرَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفِرَاقِ وَعَلِمَ الْعَيْبَ تَوَارَثَا وَثَبَتَ الْمَهْرُ اهـ. ص (وَلِلْوَلِيِّ كَتْمُ الْعَمَى وَنَحْوِهِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأُمَّهَاتِ: أَيُخْبِرُ الْوَلِيُّ بِعُيُوبِ الْمَرْأَةِ الزَّوْجَ؟ قَالَ: أَمَّا مَا لَا تُرَدُّ بِهِ فَلَا يَفْعَلُ وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَنْبَغِي وَقَدْ قَالَهُ مَالِكٌ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْبُيُوعِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَكْتُمَ مِنْ أَمْرِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا لَوْ ذَكَرَهُ لَكَرِهَهُ الْمُبْتَاعُ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا لَوْ ذَكَرَهُ لَنَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ وَقَالَ فِي النِّكَاحِ: لَا يَذْكُرُ إلَّا مَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَرُدَّ بِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ ذُكِرَ لَهُ مَا لَا يَجِبُ الرَّدُّ بِهِ مِنْ عَمًى أَوْ عَوَرٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ شَلَلٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَكَرِهَهُ وَلَمْ يَعْقِدْ فَجَعَلُوا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَجِبْ بَيَانُهَا لَهُ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّهُ لَوْ ذُكِرَتْ لَهُ لَكَرِهَهَا وَلَحَطَّ مِنْ الصَّدَاقِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ صَحَّ مِنْ الِاسْتِلْحَاقِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيَانِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ طَرِيقُهُ الْمُكَايَسَةُ وَالنِّكَاحُ طَرِيقُهُ الْمُكَارَمَةُ وَلَيْسَ الصَّدَاقُ فِيهِ ثَمَنًا لِلْمَرْأَةِ وَلَا عِوَضًا مِنْ شَيْءٍ يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ وَإِنَّمَا هِيَ نِحْلَةٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَهُ لِلزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ اهـ. كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَالْأَصَحُّ: مَنْعُ الْأَجْذَمِ مِنْ وَطْءِ إمَائِهِ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَجْذَمِ الشَّدِيدِ الْجُذَامِ قَالَ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْءِ إمَائِهِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ إضْرَارٌ، يُرِيدُ إنْ طَلَبْنَ ذَلِكَ كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرَّةِ لِلضَّرَرِ اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَظْهَرُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ اسْتَظْهَرَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ إمَائِهِ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ فَاعْلَمْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْعَرَبِيَّةِ رَدُّ الْمَوْلَى الْمُنْتَسِبِ لَا الْعَرَبِيِّ إلَّا الْقُرَشِيَّةَ تَتَزَوَّجُهُ عَلَى أَنَّهُ قُرَشِيٌّ) ش: نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ تَحْصِيلَ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَجَدَتْ الرَّجُلَ أَفْضَلَ مِمَّا اشْتَرَطَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَإِنْ وَجَدَتْهُ أَدْنَى مِمَّا اشْتَرَطَتْ وَأَدْنَى مِنْهَا فَلَهَا الْخِيَارُ وَإِنْ وَجَدَتْهُ أَدْنَى مِمَّا اشْتَرَطَتْ وَهُوَ أَرْفَعُ مِنْهَا أَوْ مِثْلُهَا فَفِي خِيَارِهَا قَوْلَانِ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِالْخِيَارِ أَظْهَرُ وَإِذَا وَجَبَ خِيَارُهَا وَاخْتَارَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ ذَلِكَ حَتَّى بَنَى بِهَا وَاخْتَارَتْ فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَهَا الْمُسَمَّى، وَحُكْمُ الرَّجُلِ كَمَا تَقَدَّمَ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ حَيْثُ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ [فَصْلٌ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُعْتَقٌ بَعْضُهَا وَكَمُلَ عِتْقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ] ص (فَصْلٌ وَلِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا) ش: يُرِيدُ أَمَّا فِي دَفْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُعْتَقٌ بَعْضُهَا وَكَمُلَ عِتْقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " كَمُلَ " مَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهَا أَوْ كُوتِبَتْ أَوْ دُبِّرَتْ أَوْ عَتَقَتْ لِأَجَلٍ أَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَعْزُولًا عَنْهَا وَاسْتَوْلَدَهَا السَّيِّدُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَلَا يُسْتَبْعَدُ الِاسْتِيلَادُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُتَزَوِّجَةَ وَكَانَ الزَّوْجُ مَعْزُولًا عَنْهَا تَكُونُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ انْتَهَى. وَسَوَاءٌ كَانَتْ أُجْبِرَتْ عَلَى تَزْوِيجِ الْعَبْدِ أَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [تَنْبِيهٌ إذَا عَتَقَ جَمِيعُهَا تَحْتَ الْعَبْدِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا عَتَقَ جَمِيعُهَا تَحْتَ الْعَبْدِ حِيلَ بَيْنَهُمَا وَخُيِّرَتْ بِخِلَافِ الْحُرِّ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا: إنْ عَتَقَتْ تَحْتَهُ حِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَخْتَارَ وَعَدَمُ ذِكْرِ أَقْصَرِهِمْ حِيلَ بَيْنَهُمَا مُخِلٌّ بِفَائِدَةٍ مُعْتَبَرَةٍ انْتَهَى، وَالْعِلَّةُ فِي التَّخْيِيرِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعِلَّةُ تَخْيِيرِهَا نَقْصُ زَوْجِهَا لِعَدَمِ حُرِّيَّتِهِ اللَّخْمِيّ وَقِيلَ: لِأَنَّهَا كَانَتْ مُجْبَرَةً عَلَى النِّكَاحِ وَانْظُرْ بَقِيَّتَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فِرَاقُ الْعَبْدِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ

فرع ادعى وطأها بعد علمها بالعتق وأكذبته

أَوْ اثْنَتَيْنِ) ش: اعْلَمْ أَنَّهَا إنَّمَا تُؤْمَرُ بِوَاحِدَةٍ فَإِنْ أَوْقَعَتْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُنَا مَضَى. وَصَوَّبَ اللَّخْمِيُّ عَدَمَ مُضِيِّهِ فَإِنْ لَمْ تُصَرِّحْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ بَلْ طَلَّقَتْ أَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ فَهِيَ بَائِنَةٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَلْ هِيَ الَّتِي تُوقِعُ الطَّلَاقَ أَوْ الْحَاكِمُ؟ وَقَوْلُهُ فِرَاقُ الْعَبْدِ وَكَذَا مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ خِلَافُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. ص (وَالْفِرَاقُ إنْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ أَوْ كَانَ عَدِيمًا) ش: أَيْ: وَسَقَطَ الْفِرَاقُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعِتْقَ مَاضٍ وَخِيَارَهَا سَاقِطٌ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَقَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَنَصُّهُ: فَبَقَاؤُهَا حُرَّةً تَحْتَ عَبْدٍ خَيْرٌ مِنْ رُجُوعِهَا أَمَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمَا لَوْ رَضِيَتْ وَهِيَ مُفَوِّضَةٌ بِمَا فَرَضَهُ بَعْدَ عِتْقِهَا) ش: يُرِيدُ وَقَدْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ كَمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا وَقَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا السَّيِّدُ أَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ فَلَا شَكَّ أَنَّ صَدَاقَ مِثْلِهَا وَاجِبٌ لَهَا وَحُكْمُهُ كَمَالِهَا فَيَكُونُ لَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا أَنْ يَأْخُذَ السَّيِّدُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ قَبْضًا عَلَى سَبِيلِ الِانْتِزَاعِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى، وَهَذَا التَّقْيِيدُ يَأْتِي عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: قَبَضَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " يَأْخُذُهُ " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْبِيرِ. ص (وَصُدِّقَتْ إنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ) ش: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ: تَحْلِفُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بَعْدَ سَنَةٍ) ش: سَوَاءٌ أَوْقَعَهَا الْحَاكِمُ أَوْ الزَّوْجُ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ الْحَاكِمِ إنْ فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يُوقِفْهَا أَحَدٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (أَوْ تُمَكِّنُهُ) ش: أَيْ: يَسْتَمْتِعُ بِهَا أَوْ تَسْتَمْتِعُ هِيَ بِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ كَالْإِصَابَةِ وَكَذَا إذَا مَكَّنَتْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ اهـ. ص (لَا الْعِتْقُ) ش: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ الزَّوْجُ إذَا عَلِمَ بِالْعِتْقِ، وَالْحُكْمُ كَمَا قَالُوا إذَا وَطِئَ الْمُمَلَّكَةَ وَالْمُخَيَّرَةَ وَذَاتَ الشَّرْطِ اهـ. [فَرْعٌ ادَّعَى وَطْأَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ وَأَكْذَبَتْهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ ادَّعَى وَطْأَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ وَأَكْذَبَتْهُ فَإِنْ ثَبَتَتْ خَلْوَةٌ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَّا صُدِّقَتْ دُونَ يَمِينٍ اللَّخْمِيُّ، إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمَسِيسِ وَادَّعَتْ الْإِكْرَاهَ وَزَوْجُهَا الطَّوْعَ

فرع بيع زوجها قبل عتقها فظنت أن ذلك طلاق ثم عتقت

صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. (وَلَهَا أَكْثَرُ الْمُسَمَّى أَوْ صَدَاقُ الْمِثْلِ) ش يَعْنِي إذَا عَتَقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَلَهَا الْأَكْثَرُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ عَلِمَ الزَّوْجُ أَمْ لَا، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: إنْ عَلِمَتْ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا أَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَمَهْرُ مِثْلِهَا حُرَّةً اتِّفَاقًا اهـ. ص (لَا بِرَجْعِيٍّ) ش: يُرِيدُ فَلَهَا أَنْ تَطْلُقَ فَيَكْمُلُ طَلَاقُهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّلَاقِ هَلْ هُوَ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ. [فَرْعٌ بِيعَ زَوْجُهَا قَبْلَ عِتْقِهَا فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ ثُمَّ عَتَقَتْ] ص (أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ) ش (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ: رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ بِيعَ زَوْجُهَا قَبْلَ عِتْقِهَا بِأَرْضِ غُرْبَةٍ فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ ثُمَّ عَتَقَتْ فَلَمْ تَخْتَارَ لِنَفْسِهَا حَتَّى عَتَقَ زَوْجُهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ عَتَقَتْ وَزَوْجُهَا قَرِيبُ الْغَيْبَةِ كُتِبَ إلَيْهِ خَوْفَ تَقَدُّمِ عِتْقِهِ فَلَوْ اخْتَارَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَلَا حُجَّةَ لِزَوْجِهَا وَلَوْ عَتَقَ فِي عِدَّتِهَا وَلَوْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهَا حَتَّى يَضُرَّهَا انْتِظَارُهُ فَهِيَ كَمَنْ أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ اهـ. ص (إلَّا لِتَأْخِيرٍ لِحَيْضٍ) ش: فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهَا تُؤْمَرُ أَنْ تُؤَخِّرَ اخْتِيَارَهَا إذَا عَتَقَتْ وَهِيَ حَائِضٌ حَتَّى تَطْهُرَ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ يَعْنِي الِاخْتِيَارَ وَهِيَ حَائِضٌ. (فَرْعٌ) فَإِنْ اخْتَارَتْ فِي الْحَيْضِ فَلَا تُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ عِلْمِهَا وَدُخُولِهَا فَاتَتْ بِدُخُولِ الثَّانِي) ش: مَفْهُومُهُ لَوْ عَلِمَتْ لَمْ يَفُتْهَا الدُّخُولُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَانْظُرْ لَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ عَتَقَ قَبْلَهَا هَلْ يَفُوتُ بِالدُّخُولِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ يُزَوِّجُهَا وَلِيَّانِ. ص (وَلَهَا إنْ وَقَفَهَا تَأْخِيرٌ تَنْظُرُ فِيهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: أَسْتَحْسِنُ تَأْخِيرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الصَّدَاقُ] [فَرْعٌ بَيَانِ السِّكَّةِ إنْ كَانَ الصَّدَاقُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ] ص (فَصْلٌ الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي أَوَائِلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السِّكَّةِ إنْ كَانَ الصَّدَاقُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنْ سَقَطَ ذِكْرُهَا كَانَ لَهَا السِّكَّةُ الْجَارِيَةُ فِي الْبَلَدِ فِي تَارِيخِ النِّكَاحِ فَإِنْ اخْتَلَفَ أُخِذَ مِنْ الْأَغْلَبِ فَإِنْ تَسَاوَتْ أُخِذَ مِنْ جَمِيعِهَا بِالسَّوِيَّةِ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِرَقِيقٍ وَلَمْ يَصِفْ حُمْرَانًا وَلَا سُودَانًا اهـ. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَقَوْلُنَا مِنْ سِكَّةِ كَذَا هُوَ الصَّوَابُ، قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَلَوْ سَقَطَ ذِكْرُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَاقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَلَمْ يُسَمِّ مِنْ أَيِّ سِكَّةٍ لَكَانَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ السِّكَّةِ الْجَارِيَةِ عَقْدُ الصَّدَاقِ فِي تَارِيخِهِ فَإِنْ كَانَ يَجْرِي فِي الْبَلَدِ سِكَّتَانِ كَانَ لَهَا مِنْ أَغْلَبِهِمَا فَإِنْ تَسَاوَتَا فِي الْجَرْيِ أُعْطِيت النِّصْفَ مِنْ كِلَا السِّكَّتَيْنِ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِرَقِيقٍ وَلَمْ يَصِفْ حُمْرَانًا وَلَا سُودَانًا الْمُتَيْطِيُّ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي أَجَازَ ذَلِكَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الَّذِي يَقُولُ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَ الْجِنْسَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَإِنْ وَقَعَ مُجْمَلًا

فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ فَيَنْبَغِي أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونٍ هَذَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَ سِكَّةَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي وَقَعَ النِّكَاحُ بِهَا. ص (وَضَمَانُهُ وَتَلَفُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ وَتَعْيِيبُهُ أَوْ بَعْضُهُ كَالْمَبِيعِ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسَ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الصَّدَاقِ وَذَكَرَ أَنَّ حُكْمَهُ فِيهَا حُكْمُ الْمَبِيعِ فَأَمَّا

ضَمَانُهُ: فَذَكَرَ أَنَّهُ كَالْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَيَنْتَقِلُ الضَّمَانُ إلَى الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَبِالْقَبْضِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَكَحَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ جَنِينٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَوْ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ أَوْ بِمَا تَلِدُهُ غَنَمُهُ أَوْ بِثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُمَا أَوْ عَلَى دَارِ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهُمَا فُسِخَ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَثَبَتَ بَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ وَتَرُدُّ مَا قَبَضَتْ مِنْ آبِقٍ وَشَارِدٍ وَغَيْرِهِ وَمَا هَلَكَ بِيَدِهَا ضَمِنَتْهُ وَلَا تَضْمَنُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَكُونُ مِنْ الزَّوْجِ وَمَا قَبَضَتْهُ ثُمَّ تَغَيَّرَ فِي يَدِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ سُوقٍ فَقَدْ فَاتَ وَتَرُدُّ قِيمَةَ مَا يُقَوَّمُ بِهِ يَوْمَ قَبَضَتْهُ وَتَرُدُّ مِثْلَ مَا لَهُ مِثْلٌ إنْ زَالَتْ عَيْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَتْ اهـ. وَقَالَ بَعْدَ هَذَا: وَكُلُّ مَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَحَالَ سُوقُهُ أَوْ نَقَصَ فِي بَدَنِهِ أَوْ نَمَا أَوْ تَوَالَدَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ مَا أَدْرَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَ طَلَّقَ عَلَى مَا هُوَ بِهِ مِنْ نَمَاءٍ أَوْ نَقْصٍ، لَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى قَضَاءِ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ شَرِيكًا لَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَوْ هَلَكَتْ بِيَدِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ هَلَكَتْ بِيَدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَكَحَهَا بِعَرَضٍ بِعَيْنِهِ فَضَاعَ بِيَدِهِ ضَمِنَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ إنْ تَعَيَّنَ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ مِنْهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا مَعْنَى لِبَقَائِهِ بِيَدِ الزَّوْجِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ " فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ ضَمَانَ الصَّدَاقِ مِنْ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَضْمَنُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فِيمَا يَأْتِي، وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَمِنْ الَّذِي بِيَدِهِ، وَاعْتِرَاضُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ عَلَى الْمُصَنِّفِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَتَأَمَّلْهُ. . وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ الصَّدَاقِ: فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مَضْمُونٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا وَبِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَمَا قَالَهُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فَتَرْجِعُ بِمِثْلِهِ وَانْظُرْ تَشْبِيهَ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَرْجِعُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضُ الْبُضْعِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ وَجَبَ أَنْ تَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ لِفَوَاتِهِ بِالْعَقْدِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهَا تَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ. ص (وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ إنْ تَعَيَّنَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَهْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فَإِنْ كَانَ ذَاتًا مُشَارًا إلَيْهَا كَدَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ لِلْمَرْأَةِ بِالْعَقْدِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ صَغِيرَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَنْتَظِرُ بُلُوغَ زَوْجَتِهِ أَوْ إطَاقَةَ زَوْجَتِهِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ مِنْهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا مَعْنَى لِبَقَائِهِ بِيَدِ الزَّوْجِ انْتَهَى كَلَامُهُ. ص (وَإِلَّا فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا وَإِنْ مَعِيبَةً مِنْ الدُّخُولِ وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ وَالسَّفَرِ إلَى تَسْلِيمِ مَا حَلَّ) ش أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى يُسَلِّمَ

الْحَالَّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيَجِبُ تَسْلِيمُ حَالِّهِ وَمَا يَحِلُّ مِنْهُ بِإِطَاقَةِ الزَّوْجَةِ الْوَطْءَ وَبُلُوغِ الزَّوْجِ لَا بُلُوغِ الْوَطْءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ: وَيَجِبُ تَسْلِيمُ حَالِّ الْمَهْرِ وَمَا كَانَ مُؤَجَّلًا مِنْهُ فَحَلَّ عِنْدَ زَمَنِ إطَاقَةِ الزَّوْجَةِ الْوَطْءَ وَعِنْدَ بُلُوغِ الزَّوْجِ الْحُلُمَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ عِنْدَ بُلُوغِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ اهـ.، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَسْلِيمُ حَالِّ الْمَهْرِ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ بِإِطَاقَتِهَا الْوَطْءَ وَبُلُوغِ زَوْجِهَا وَفِي كَوْنِ إطَاقَتِهِ إيَّاهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَبُلُوغِهِ رِوَايَتَا اللَّخْمِيِّ مُصَوِّبًا الثَّانِيَةَ انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ الْحَالِّ بِإِطَاقَتِهَا الْوَطْءَ وَبُلُوغِهِ وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا يُفِيدُ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَهِيَ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ: لَا أَدْفَعُ الْمَهْرَ حَتَّى أَدْخُلَ. وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: لَا أُمَكِّنُهُ حَتَّى أَقْبِضَ مَا حَلَّ. فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا، وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهَا: وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا إلَخْ حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا إلَخْ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْحَالِّ مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ مَا حَلَّ مِنْهُ لَكِنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ فَفِي كَلَامِهِ مَا يُشْبِهُ التَّدَافُعَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَوَجَبَ تَسْلِيمُ مُعَيَّنِهِ بِالْعَقْدِ وَحَالٍّ غَيْرِهِ أَوْ مَا حَلَّ مِنْهُ بِبُلُوغِ زَوْجٍ وَإِطَاقَتِهَا وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ إنْ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَتَسْلِيمُ مَالِهِ أَيْ: مَا حَلَّ مِنْهُ بِبُلُوغِ زَوْجٍ وَإِطَاقَةِ زَوْجَةٍ وَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا وَإِنْ مَعِيبَةً مِنْ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَهُ وَمِنْ الْوَطْءِ بَعْدَهُ وَالسَّفَرِ لَا بَعْدَ الْوَطْءِ إلَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ وَلَوْ لَمْ يَغُرَّهَا عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقَوْلُهُ " مَا حَلَّ " تَقَدَّمَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا كَانَ حَالًّا مِنْ الْأَصْلِ وَلِمَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَحَلَّ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ خِلَافٌ وَاَلَّذِي شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقِيلَ: إنَّمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: لَا يُكَلَّفُ الزَّوْجُ دَفْعَ الْكَالِئِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا حَتَّى يُكْمِلَ أُسْبُوعَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اتَّبَعَتْهُ بِهِ، قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُمَا اتَّفَقَا حِينَ الْعَقْدِ عَلَى بِنَائِهِ بِدَفْعِ الْمُعَجَّلِ فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ بَعْدَ حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ اهـ. وَقِيلَ: إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَعَزَاهُ ابْنُ سَهْلٍ لِسَحْنُونٍ قَالَ: قَدْ يَنْقُدُ الرَّجُلُ عَشَرَةً وَمَهْرُهُ مِائَةٌ لَوْ قِيلَ: تَأْخُذُ لَهُ بِهَا مَا رَضِيَ بِسُدُسِهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ حُلُولُهُ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى حَالٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ مَهْرُهَا حَالٌّ لَهَا عَلَيْهِ اهـ. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ بِالْمَعْنَى وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ سَحْنُونٍ حُجَّةٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْ شُيُوخِ بَلَدِنَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ مِنْ طَلَبِ مَهْرِهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ دُونَ مَوْتٍ وَلَا فِرَاقٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ لِكَتْبِهِمْ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ عَلَى الْحُلُولِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُقْضَى لَهَا لِاسْتِمْرَارِ الْعَادَةِ بِعَدَمِ طَلَبِهِ إلَّا لِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ فَأَلْزَمَ كَوْنَ أَنْكِحَتِهِمْ فَاسِدَةً فَالْتَزَمَهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لَا يَقْضِي بِهِ فَقَضَى بِهِ بَعْضُ وُلَاتِهِ بِالْجَزِيرَةِ فَشَكَا لَهُ بِهِ فَأُنْبِهَ فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا قَضَيْت بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وُهِبَتْهُ فَقُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَتَبَ لِبَعْضِ قُضَاتِهِ بِالْقَضَاءِ بِهِ مُطْلَقًا كَدَيْنٍ حَلَّ. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْآجَمِيُّ مُدَّةَ قَضَائِهِ يَنْدُبُ الْمَرْأَةَ لِعَدَمِ طَلَبِهِ وَيَقُولُ لَهَا: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَى بَعْلِهَا زَهِدَ فِيهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ مَكَّنَهَا مِنْ طَلَبِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي تَمْكِينِهَا مِنْ طَلَبِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَعِيبَةً سَوَاءٌ طَرَأَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ قَدِيمًا وَرَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَرِيضَةُ كَالصَّحِيحَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ السِّيَاقِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْعُمُومَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ. وَهُوَ فِي الْبَالِغَةِ حَدُّ السِّيَاقِ مُتَعَذَّرٌ

فرع الزوج المريض الذي لا يقدر على جماع

وَالصَّدَاقُ لَا يَصْلُحُ كَوْنُ الْمَرَضِ مَانِعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ الْمَوْتُ وَالْمَوْتُ مُوجِبٌ لِلصَّدَاقِ لَا مَانِعٌ مِنْهُ (قُلْت) يَمْنَعُ إرْثَهُ نِصْفَهُ أَوْ رُبْعَهُ وَظَاهِرُ مُتَقَدِّمِ لَفْظِهَا أَنَّ الْمَهْرَ كَالنَّفَقَةِ وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: الْمَهْرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَوْجَبُ مِنْ النَّفَقَةِ اهـ. وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ قُلْت يَمْنَعُ إرْثَهُ " بَلْ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِرْثَ الْمَوْتُ أَوْ مَا هُوَ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَقَدْ جَزَمَ فِي التَّوْضِيحِ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَقَالَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِ الصَّدَاقِ لِمَرَضِهَا وَلَوْ بَلَغَتْ حَدَّ السِّيَاقِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهَا لِقَوْلِهِ " أَوْجَبُ " وَهُوَ فِي آخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي. [فَرْعٌ الزَّوْجُ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعٍ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ مَالِكٌ: الزَّوْجُ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعٍ كَصَحِيحٍ اهـ. وَقَوْلُهُ وَالسَّفَرُ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَلَوْ مَكَّنَتْ مِنْ الدُّخُولِ وَالْوَطْءِ بَعْدَهُ فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ السَّفَرِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ أَنَّ السَّفَرَ كَالْوَطْءِ وَالدُّخُولِ أَعْنِي لَهَا التَّعَلُّقَ بِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ لَا بَعْدَهُ كَهُمَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ. (قُلْت) نَظَرْت فِي مَعْنَى كَلَامِهِمْ فَوَجَدْته يُعْطِي أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ وَإِنْ دَخَلَ وَوَطِىءَ اهـ وَمَا قَالَهُ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا امْتِنَاعُهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ قَبْلَ قَبْضِ صَدَاقِهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. فَجَعَلَ الدُّخُولَ مُسْقِطًا حَقَّهَا مِنْ السَّفَرِ فَأَحْرَى الْوَطْءُ، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَظْعَنَ بِزَوْجَتِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَإِنْ كَرِهَتْ وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا وَإِنْ قَالَتْ حَتَّى آخُذَ صَدَاقِي فَإِنْ كَانَ بَنَى بِهَا فَلَهَا الْخُرُوجُ وَتُتْبِعُهُ بِهِ دَيْنًا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فِي عَدَمِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُوسِرًا فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بِهَا حَتَّى تَأْخُذَ صَدَاقَهَا وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ اهـ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ أَبِي عِمْرَانَ: وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: إنْ كَانَ يَخْرُجُ بِهَا إلَى بَلَدٍ تَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ وَيُوصَلُ فِيهِ إلَى الْحُقُوقِ فَيَخْرُجُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا صَدَاقَهَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ بِهَا إلَى بَلَدٍ لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مَعَهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهَا صَدَاقَهَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: قَوْلُهُ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَظْعَنَ بِزَوْجَتِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ مَعْنَاهُ الْحُرُّ لَا الْعَبْدُ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً ابْنُ رُشْدٍ لِلْحُرِّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْسِنٍ وَلَا مَأْمُونٍ عَلَيْهَا وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ النِّكَاحِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ بِهَا حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي سُتُورِهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ اهـ. وَفِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَسَأَلْته عَنْ الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنْ يَظْعَنَ بِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَظْعَنَ بِزَوْجَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْقَرِيبُ الَّذِي لَا يُخَافُ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرُورَةً فَأَمَّا الْأَسْفَارُ وَالْبُلْدَانُ وَالْعَبْدُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَرَأَيْت لَوْ ظَعَنَ بِهَا فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ سَيِّدُهُ مِمَّنْ يَظْعَنُ بِهِ كَيْفَ كَانَتْ تَكُونُ إنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ وَالرُّجُوعِ وَلَا يَحْمِلُهَا سَيِّدُهُ مَعَهُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَبْقَى تَسْتَطْعِمُ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ بَيَّنَ وَجْهَ قَوْلِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَلِلْحُرِّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْسِنٍ إلَيْهَا وَلَا مَأْمُونٍ عَلَيْهَا عَلَى مَا مَضَى فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. ، وَقَوْلُهُ إلَى تَسْلِيمِ مَا حَلَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ: يُكْرَهُ الدُّخُولُ قَبْلَ تَقْدِيمِ رُبْعِ دِينَارٍ اهـ. وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ يُفْهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الدُّخُولِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ رُبْعَ دِينَارٍ اهـ. وَقَالَ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ حَتَّى يُقَدِّمَ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَالًّا وَلَوْ رَضِيَتْ لَهُ بِالدُّخُولِ بِلَا شَيْءٍ فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِإِذْنِهَا وَهَذَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا يُكْرَهُ لَهُ وَطْؤُهَا ثَانِيَةً قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا رُبْعَ دِينَارٍ وَلَا لَهَا أَنْ

تنبيهات الأول الدخول بالهدية

تَمْنَعَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ. بِالْمَعْنَى. [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الدُّخُولَ بِالْهَدِيَّةِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدُّخُولَ بِالْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ قِيلَ لَهُ: فَهَلْ تَدْخُلُ بِرَهْنِهَا بِالصَّدَاقِ رَهْنًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُتَحَمَّلَ عَنْهُ بِالصَّدَاقِ وَيَبْنِيَ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَجَازَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَدِّمَ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ اهـ. [التَّنْبِيه الثَّانِي لَهُ عَلَى مَلِيئَةٍ رُبْعُ دِينَارٍ] (الثَّانِي) تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الزَّكَاةِ كَحَسَبٍ عَلَى عَدِيمٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى مَلِيئَةٍ رُبْعُ دِينَارٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ بِهِ فِي مَهْرِهَا وَيَتَزَوَّجَهَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّهُ غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ إذْ هُوَ كَالْعَرَضِ وَقِيمَتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَسِبُ بِهِ عَلَيْهَا فِي مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ بَلَغَ الزَّوْجُ) ش: هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لِتَسْلِيمِ مَا حَلَّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتُمْهَلُ سَنَةً إنْ اشْتَرَطَتْ لِتَغْرِبَةٍ أَوْ صِغَرٍ) ش يُرِيدُ بِالصِّغَرِ الصِّغَرَ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ الْوَطْءُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ: وَمَا ذَكَرَ أَصْبَغُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ لُزُومِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ لِصِغَرٍ أَوْ ظُعُونٍ مَعْنَاهُ فِي السَّنَةِ وَنَحْوِهَا كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُرِيدُ بِالصِّغَرِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ الْوَطْءُ اهـ. ص (وَإِلَّا بَطَلَ لَا أَكْثَرَ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَوْ أَخَّرَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَهُ وَإِذَا بَطَلَ عَنْ قَوْلِهِ لَا أَكْثَرَ لَكَانَ أَحْسَنَ اهـ. وَلَوْ فَعَلَ الْمُؤَلِّفُ كَمَا قَالَ لَفَسَدَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْمَرَضِ وَالصِّغَرِ الْمَانِعَيْنِ لِلْجِمَاعِ) ش أَمَّا الصِّغَرُ الْمَانِعُ لِلْجِمَاعِ: فَلَا إشْكَالَ أَنَّ مَنْ طَلَبَ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِهِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الزَّوْجَةِ أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ فِي آخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي طَلَبَ التَّأْخِيرِ مِنْ الزَّوْجِ وَأَهْلِ الزَّوْجَةِ بَلْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ: وَلَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُوطَأُ كَمَا أَنَّ مِنْ حَقِّ أَهْلِهَا مَنْعَهُ الْبِنَاءَ بِهَا حَتَّى تُطِيقَ الْوَطْءَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَأَمَّا إمْهَالُ الزَّوْجَةِ لِلْمَرَضِ إذَا طَلَبَتْهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تُمْهَلُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا نَصَّ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَةَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ إذَا دَعَتْ الزَّوْجَ إلَى الْبِنَاءِ وَالنَّفَقَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ دَعَتْهُ زَوْجَتُهُ إلَى الْبِنَاءِ وَالنَّفَقَةِ وَأَحَدُهُمَا مَرِيضٌ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْجِمَاعِ لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَوْ يَدْخُلَ وَإِذَا كَانَا صَحِيحَيْنِ فِي الْعَقْدِ لَمْ يُنْظَرْ إلَى مَا حَدَثَ بِهِمَا مِنْ مَرَضٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرَضًا بَلَغَ حَدَّ السِّيَاقِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَالصَّدَاقُ أَوْجَبُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ لَهَا مَنْعَ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَهُ وَلَوْ تَجَذَّمَتْ بَعْدَ النِّكَاحِ حَتَّى لَا تُجَامَعَ مَعَهُ فَدَعَتْهُ إلَى الْبِنَاءِ قَبْلَ دَفْعِ الصَّدَاقِ وَأَنْفَقَ وَدَخَلَ أَوْ طَلَّقَ وَلَمْ اطَّلِعْ الْآنَ عَلَى مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَدْرُ مَا يُهَيِّئُ مِثْلَهَا أَمْرَهَا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ وَلَمْ يَبْنِ بِهَا فَإِنْ فَرَغُوا مِنْ جِهَازِهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَا يَحْبِسُهَا قِيلَ لَهُ اُدْخُلْ أَوْ أَنْفِقْ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ أَنْظِرُونِي حَتَّى أَفْرُغَ وَأُجَهِّزَ بَعْضَ مَا أُرِيدُ فَذَلِكَ لَهُ وَيُؤَخَّرُ الْأَيَّامَ بِقَدْرِ مَا يَرَى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهَا قَدْ خَاصَمَ فِي ذَلِكَ فَفَرَضَ لَهَا السُّلْطَانُ وَلَا يُطْلَبُ بِالنَّفَقَةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَلَا بِالصَّدَاقِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهَا قَدْ خَاصَمَ إلَخْ هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ النَّفَقَاتِ. (الثَّانِي) إذَا غَابَ وَلِيُّهَا وَأَرَادَ الزَّوْجُ الْبِنَاءَ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا أُعْذِرَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ جَاوَبَ بِالْإِيَابِ عَنْ قُرْبٍ لِمِثْلِ مَا يُجَهَّزُ فَلَهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ أَوْ كَانَ بَعِيدًا قُضِيَ لِلزَّوْجِ بِالْبِنَاءِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا الْبِنَاءَ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ النِّكَاحِ فَعَلَى الْوَلِيِّ حَمْلُهَا إلَى بَلَدِ الْبِنَاءِ وَمُؤْنَةُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ وَالنَّفَقَةُ إلَى وَقْتِ الْبِنَاءِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونَ

فرع للمرأة أن تطلبه بحميل بوجهه

عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الطَّوْعِ لَكَانَ أَحْسَنَ انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يَحْلِفَ لَيَدْخُلَنَّ اللَّيْلَةَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُشَاوِرُ إنْ مَطَلَ الْأَبُ الزَّوْجَ بِالْبِنَاءِ فَحَلَفَ لَيَبْنِيَنَّ اللَّيْلَةَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ قُضِيَ لَهُ وَسَمِعْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَحْكِيهِ لَا بِقَيْدِ الْمَطْلِ ص (وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أُجِّلَ لِإِثْبَاتِ عُسْرَتِهِ) ش: يَعْنِي فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الَّذِي مَنَعَتْهُ زَوْجَتُهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُسَلِّمَ لَهَا الصَّدَاقَ مُقِرًّا بِالصَّدَاقِ وَبِبَقَاءِ النَّقْدِ عَلَيْهِ وَادَّعَى الْإِعْسَارَ وَسَأَلَ التَّأْجِيلَ وَأَكْذَبَهُ أَبُو الزَّوْجَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِدَةِ أُجِّلَ لِإِثْبَاتِ عُسْرِهِ كَذَا قَرَّرَهُ، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ فَرْعٌ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ثَيِّبًا كَانَ الْحَقُّ لَهَا دُونَ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَهَلْ لِلْأَبِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ الْبِنْتُ؟ وَعَبَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَضِيَتْ الْبِنْتُ بِعَدَمِ الْقِيَامِ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلِهَا لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَوَّلِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي ابْنُ عَاتٍ وَابْنُ رَشِيقٍ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَكَانَ الْقُضَاةُ بِقُرْطُبَةَ يَجْمَعُونَهَا مَرَّةً وَيُفَرِّقُونَهَا أُخْرَى عَلَى حَسَبِ مَا يَبْدُو لَهُمْ فَإِذَا فَرَّقُوهَا جَعَلُوهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سِتَّةً ثُمَّ أَرْبَعَةً ثُمَّ يَتَلَوَّمُونَ بِثَلَاثَةٍ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ عَقِيبَهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأُصُولِ وَأَمَّا التَّأْجِيلُ فِي الْأُصُولِ فَاَلَّذِي مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْحُكَّامِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا يَضْرِبُ لَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ عَشَرَةً ثُمَّ يَتَلَوَّمُ لَهُ بِعَشَرَةٍ أَوْ يَجْمَعُ ذَلِكَ فَيَضْرِبُ لَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا مَعَ حُضُورِ بَيِّنَتِهِ فِي الْبَلَدِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْهُ فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ انْتَهَى. . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِذَا وَقَفَ الزَّوْجُ لِأَدَاءِ الْمَهْرِ وَطَلَبَ طَالِبُهُ سَجْنَهُ لِأَدَائِهِ أَوْ حَمِيلًا بِهِ وَادَّعَى الْعَدَمَ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتْحُونٍ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَدَيْنٍ يُؤَجَّلُ لِإِثْبَاتِ عَدَمِهِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا التَّحْدِيدُ بِلَازِمٍ بَلْ هُوَ اسْتِحْسَانٌ لِاتِّفَاقِ قُضَاةِ قُرْطُبَةَ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْكُولٌ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ ثُمَّ نَقَلَ بَقِيَّةَ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلَهَا أَنْ تَسْجُنَهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ. [فَرْعٌ إذَا مَضَتْ آجَالُ التَّلَوُّمِ وَلَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُ الزَّوْج] (فَرْعٌ) فَإِذَا مَضَتْ آجَالُ التَّلَوُّمِ وَلَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ لَمْ يُصَرِّحُوا هُنَا بِحُكْمِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمِدْيَانِ إنْ كَانَ مَجْهُولًا حُبِسَ لِيَسْتَبْرِئَ وَإِنْ أَثْبَتَ إعْسَارَهُ بِصِفَةٍ مَا يَشْهَدُ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ مَعْرِفَةً تَامَّةً صَحِيحَةً بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَيَعْلَمُونَهُ فَقِيرًا عَدِيمًا قَلِيلَ ذَاتِ الْيَدِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ مَا لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْدِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ عَرَفُوهُ وَبِهَا خَبَرُوهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهَا وَلَا تُبْدَلُ سِوَاهَا مِنْهَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى الْآنَ قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ. ص (ثُمَّ تَلَوَّمَ بِالنَّظَرِ وَعُمِلَ بِسَنَةٍ وَشَهْرٍ) ش: يَعْنِي فَإِذَا ثَبَتَ عُسْرُهُ أَوْ صُدِّقَ فِيهِ أَوْ اُسْتُبْرِئَ بِالْحَبْسِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَعْذَرَ الْقَاضِي فِيهِ إلَى الْأَبِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَانِعٌ وَإِلَّا حَلَّفَ الْقَاضِي الزَّوْجَ عَلَى تَحْقِيقِ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ مِنْ عَدَمِهِ ثُمَّ أَجَّلَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّظَرِ وَعَمَلَ بِسَنَةٍ وَشَهْرٍ يَعْنِي بِثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا كَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ بَهْرَامُ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ عَمَلَ بِسَنَةٍ وَعَمَلَ بِشَهْرٍ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الشَّارِحِ عَلَى هَيْئَةِ الْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِ وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصِفَةُ التَّأْجِيلِ يُؤَجِّلُهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَرْبَعَةً ثُمَّ شَهْرَيْنِ ثُمَّ شَهْرًا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ: يُؤَجِّلُ أَوَّلًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ شَهْرَيْنِ ثُمَّ يَتَلَوَّمُ لَهُ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ وَإِلَّا عَجَّزَهُ وَإِنَّمَا حَدَّدْنَا التَّأْجِيلَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا اسْتِحْسَانًا (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَلَا يُعَدُّ الْيَوْمُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْأَجَلُ وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ فَإِذَا تَمَّ الْأَجَلُ لَمْ يُكْتَبْ الْأَجَلُ الثَّانِي فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ الْأَوَّلُ بَلْ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ وَلَا يُحْتَسَبُ بِهَذَا الْيَوْمِ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ مِنْ الْأَجَلِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْآجَالِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ [فَرْعٌ وَيَحْضُرُ الزَّوْجُ لِضَرْبِ أَوَّلِ آجَالِهِ] (فَرْعٌ)

فرع هل يشترط في التأجيل إقامة النفقة والكسوة

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَحْضُرُ الزَّوْجُ لِضَرْبِ أَوَّلِ آجَالِهِ وَفِي إحْضَارِهِ لِضَرْبِ مَا سِوَاهُ دُونَ إشْهَادِ الْحَاكِمِ بِحُكْمِهِ بِضَرْبِ الْأَجَلِ ثَالِثُهَا وَيُشْهَدُ بِهِ لِعَمَلِ بَعْضِ الْقُضَاةِ قَائِلًا: لَيْسَ عَلَى إحْضَارِهِ إلَّا فِي الْأَجَلِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ جَمَعَتْهَا عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْخَصْمَ قَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ مَا أَجَّلَ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَابْنُ فَتُّوحٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى حُكْمِهِ بِهِ بَطَلَ بِمَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ عَزْلِهِ وَلَا تُفِيدُ عَلَامَتُهُ عَلَى أَدَاءِ شُهُودِ تَأْجِيلِهِ فَيُؤَدِّي إلَى اسْتِئْنَافِ نَظَرٍ مِنْ وَلِيٍّ بَعْدَهُ فَيَطُولُ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: هُوَ أَخَصُّ وَأَحْسَنُ. [فَرْعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي التَّأْجِيلِ إقَامَةُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي التَّأْجِيلِ إقَامَةُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا عَجَّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ؟ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَشْهَبَ وَابْنَ وَهْبٍ كَمْ يُؤَجَّلُ فِي الْمَهْرِ إنْ أَجْرَى النَّفَقَةَ قَالَ: قَالَ: مَالِكٌ فَسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَرَأَى ابْنُ وَهْبٍ ثَلَاثًا ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَهْرِ وَإِنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ غَيَّبَ مَالَهُ فَلَا يُوَسَّعُ لَهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَتَلَوَّمُ لَهُ فِي الْمَهْرِ إذَا أَجْرَى النَّفَقَةَ السَّنَتَيْنِ قَالَ: وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لَمْ يُوَسَّعْ لَهُ فِي أَجَلِ الْمَهْرِ إلَّا الْأَشْهُرُ إلَى السَّنَةِ وَهَذَا إنْ طَلَبَتْهُ بِالْمَهْرِ وَلَمْ تَطْلُبْهُ بِأَجَلِ النَّفَقَةِ، وَالتَّلَوُّمُ فِيهَا لَهُ قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَهْرِ وَأُمِرَ بِالْبِنَاءِ. (قُلْت) الَّذِي رَأَيْته فِي الْعُتْبِيَّةِ وَرَأَى ابْنُ وَهْبٍ بِهَمْزَةٍ بَعْد الرَّاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَتُّوحٍ وَرَوَى بِوَاوٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا أَعْرِفُ سَنَةً وَلَا سَنَتَيْنِ بَلْ قَوْلُ مَالِكٍ يَتَلَوَّمُ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَأَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. ص (ثُمَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ) ش: يَعْنِي فَإِذَا انْقَضَتْ الْآجَالُ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ وَظَهَرَ عَجْزُهُ عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ وَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ إنْ دَعَا أَبُوهَا إلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ يَكْتُبُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَأَمَرَ الْقَاضِي " وَفَّقَهُ اللَّهُ " الزَّوْجَ فُلَانًا بِتَطْلِيقِهَا فَأَبَى مِنْ ذَلِكَ وَثَبَتَتْ إبَايَتُهُ فَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً تَمْلِكُ بِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَاَلَّذِي يُوقِعُ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْحَاكِمُ وَإِنَّمَا يُوقِعُهُ بِسُؤَالِهَا وَتَفْوِيضِهَا لَهُ فِي الطَّلَاقِ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فَتُوقِعُهُ هِيَ عَلَى نَفْسِهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ التَّطْلِيقِ لِعَجْزِهِ بِإِيقَاعِهِ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ ثَالِثُهَا الزَّوْجُ فَإِنْ أَبَى فَالْحَاكِمُ لِابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ سِرَاجٍ وَابْنِ عَاتٍ فِي الطَّلَاقِ لِمَا هُوَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ مَعَ اسْتِحْسَانِهِ ابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ فَتْحُونٍ اهـ. ص (وَتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ وَإِنْ حَرُمَ) ش: وَأَمَّا الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالتَّجَرُّدُ وَالْوَطْءُ دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ قَالَهُ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ (مَسْأَلَةٌ) مَنْ دَفَعَ امْرَأَةً فَسَقَطَتْ عُذْرَتُهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا عِنْدَ الْأَزْوَاجِ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَكَذَا لَوْ أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ وَالْأَدَبُ هُنَا أَشَدُّ وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ أَوْ غُلَامٌ أَوْ امْرَأَةٌ هَذَا فِي غَيْرِ الزَّوْجِ وَأَمَّا الزَّوْجُ فَحُكْمُهُ فِي الدَّفْعَةِ مِثْلُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَإِنْ فَارَقَهَا وَلَمْ يُمْسِكْهَا وَإِنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ بِأُصْبُعِهِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الصَّدَاقُ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الصَّدَاقُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا شَانَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ إنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُمْسِكْهَا قَوْلَانِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَذَكَرَهَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَنَسَبَهَا ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ عِيسَى وَلَيْسَتْ فِيهِ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ أَصَابَهَا بِأُصْبُعِهِ وَطَلَّقَهَا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَافْتَضَّهَا بِهِ فَقِيلَ يَلْزَمُهُ كُلُّ الْمَهْرِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ مَا شَانَهَا مَعَ نِصْفِهِ وَقِيلَ إنْ رُئِيَ أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِمَهْرِ ثَيِّبٍ فَكَالْأَوَّلِ وَإِلَّا فَكَالثَّانِي وَمَالَ أَصْبَغُ إلَى الثَّانِي وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ مِنْهُ وَمِنْ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ غَيْرُ زَوْجِهَا فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَمَا شَانَهَا وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ. [فَرْعٌ إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ بَالِغٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا يَتَكَمَّلُ بِوَطْئِهِ الصَّدَاقَ اهـ. وَإِذَا كَانَتْ

تنبيه في استحقاق المهر بالوطء في الدبر

الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ قَالَ فِيهِ: لَا يَتَكَمَّلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ جِنَايَةً. . قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الَّذِي افْتَضَّ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَهُوَ كَالْخَطَأِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً وَعَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ الْأَدَبُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حَدَّ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا دِيَةَ عَلَيْهِ فِي الْكَبِيرَةِ وَدِيَةُ الصَّغِيرَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ: وَيُؤَدَّبُ فِي الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا اهـ. [تَنْبِيهٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ] (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ الْوَطْءُ فِي الدُّبْرِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ حَرُمَ وَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ فِي الْبِكْرِ أَبْعَدُ قُلْت: فِي رَجْمِهَا لِمَالِكٍ وَطْؤُهَا فِي الدُّبْرِ جِمَاعٌ لَا شَكَّ فِيهِ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةُ إذَا اُشْتُهِرَتْ بِالسِّفَاحِ وَإِبَاحَةِ فَرْجِهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ فِي ذِكْرِ الَّذِينَ لَا صَدَاقَ عَلَيْهِمْ مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا اُشْتُهِرَتْ بِالسِّفَاحِ وَإِبَاحَةِ فَرْجِهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَسْئِلَتِهِ وَقِيلَ: لَهَا الصَّدَاقُ وَتُحَدُّ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ انْتَهَى. ص (وَمَوْتُ وَاحِدٍ) ش: صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَفِي النَّوَادِرِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ مِنْ ابْنَةِ رَجُلٍ صَغِيرَةٍ فَمَاتَ الصَّبِيُّ فَطَلَبَ أَبُو الصَّبِيَّةِ الْمَهْرَ فَقَالَ أَبُو الصَّبِيِّ لَمْ أُسَمِّ مَهْرَهَا وَإِنْ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ مِنْكَ عَلَى الصِّلَةِ لِابْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُصَدَّقُ وَلَهَا مَا ادَّعَى أَبُوهَا إنْ كَانَ صَدَاقَ مِثْلِهَا، قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ لَهَا إلَّا الْمِيرَاثُ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصُدِّقَتْ فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ) ش: قَالَ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ وَطِئَنِي صُدِّقَتْ كَانَ الدُّخُولُ عِنْدَهَا أَوْ عِنْدَهُ إذَا كَانَ دُخُولَ اهْتِدَاءٍ اهـ. وَقَوْلُهُ صُدِّقَتْ أَيْ: بِيَمِينٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ نَقَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَبَيْنَ الْكَبِيرَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَأْخُذُ الصَّدَاقَ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ عَلَى الظَّاهِرِ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا تَحْلِفُ فِي الْحَالِ، وَيُقَالُ لِلزَّوْجِ احْلِفْ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْجَمِيعَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهَا إذَا بَلَغَتْ اهـ.، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ حَلَفَ دَفَعَ النِّصْفَ فَإِذَا بَلَغَتْ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يَحْلِفْ الزَّوْجُ ثَانِيَةً اهـ. وَهَذَا إنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ وَإِنْ وَافَقَهَا عَلَيْهِ يَثْبُتُ الْوَطْءُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (وَفِي نَفْيِهِ وَإِنْ سَفِيهَةً وَأَمَةً) ش: يُرِيدُ إذَا وَافَقَهَا الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ وَمَنْ طَالَعَ الْجَوَاهِرَ وَابْنَ عَرَفَةَ عَلِمَ صِحَّةَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَحَيْثُ قَبِلْنَا قَوْلَهَا فِي الْوَطْءِ فَهِيَ عَلَى الْعُمُومِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وُجُودِ الْوَطْءِ أَوْ عَدَمِهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى مَنْفَعَتِهَا أَوْ مَضَرَّتِهَا رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ سَفِيهَةً بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالزَّائِدُ مِنْهُمَا) ش: يُرِيدُ بِيَمِينٍ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ أُخِذَ إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً) ش: جَرَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ ادَّعَتْ عَيْبَهُ وَأَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ عَقِبَ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ أَمَةً فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا قُبِلَ قَوْلُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ إنْ أَدَامَ الْإِقْرَارَ الرَّشِيدَةُ كَذَلِكَ) ش: أَمَّا إنْ لَمْ يَدُمْ الْإِقْرَارُ فَإِنْ رَجَعَ لِقَوْلِهَا قَبْلَ رُجُوعِهَا لِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَقَامَتْ عَلَى إنْكَارِهَا أَوْ نَزَعَتْ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ. وَأَمَّا إنْ أَدَامَ الْإِقْرَارَ

فرع أنكر الزوج الخلوة ولم تقم له بينة

فَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ لَا كَلَامَ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ إنْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَقَامَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ نَزَعَ عَنْهُ قَالَهُ أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ. [فَرْعٌ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْخَلْوَةَ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْخَلْوَةَ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْجَمِيعَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ الْقَابِسِيِّ مَنْ بَنَى بِمَنْ نَكَحَهَا بِذِي غَرَرٍ وَأَنْكَرَ وَطْأَهَا وَادَّعَتْهُ غَرِمَ مَهْرَ مِثْلِهَا وَفُسِخَ نِكَاحُهُ لِإِقْرَارِهِ بِنَفْيِ مُوجِبِ إمْضَائِهِ وَلَوْ ادَّعَاهُ لَمْ يُفْسَخْ وَلَوْ أَكَذَبَتْهُ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَانْظُرْ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ وَشَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ بَنَى بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَادَّعَى عَدَمَ الْمَسِيسِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ بَنَى بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَادَّعَى عَدَمَ الْمَسِيسِ وَكَذَّبَتْهُ فَأَخَذَتْ مِنْهُ صَدَاقَهَا ثُمَّ أَخَذَتْ تَزْنِي فَقَالَتْ أَقْرَرْت بِالْمَسِيسِ لِآخُذَ الصَّدَاقَ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ؟ وَأَجَابَ كَذَا يَنْبَغِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا. (قُلْت) فَيُحْتَمَلُ هَذَا وَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ إقْرَارِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلِ رَجُلٍ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا لَمْ تَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهَا كَالْحَدِّ وَسَكَتَ عَنْ نَوْعِ الْحَدِّ، وَجَوَابُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ حَدُّ الْبِكْرِ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْوَطْءِ انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَهُ وَسَكَتَ عَنْ نَوْعِ الْحَدِّ إلَخْ. وَالثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَهُ وَيُحْتَمَلُ هَذَا إلَى قَوْلِهِ كَالْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَسَدَ إنْ نَقَصَ عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ لِأَمَتِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا أَكْثَرُ الصَّدَاقِ: فَلَا حَدَّ لَهُ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ بِإِجْمَاعٍ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِهِ: وَالْقِنْطَارُ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ الْقِنْطَارُ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِائَتَا دِينَارٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ ثَمَانُونَ أَلْفًا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أُوقِيَّةٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا هُوَ أَيْضًا دِيَةُ أَحَدِكُمْ وَعَنْهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَنْهُ سَبْعُونَ أَلْفًا وَقَالَ قَتَادَةُ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقِيلَ هُوَ مِائَةُ رِطْلٍ مِنْ ذَهَبٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. ص (وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ فُسِخَ) ش: يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُتِمَّهُ أَوْ يَفْسَخَ النِّكَاحَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ وَسَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْبِسَاطِيِّ فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ فَصَارَ الْكَلَامُ وَإِلَّا فَسَخَ فَشَرْحُهُ عَلَى الْمَعْنَى إنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحَتَّمَ فَسْخُهُ وَقَالَ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا تَرَى وَإِذَا لَمْ يُتِمَّهُ وَفَسَخَ فَلَهَا النِّصْفُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَسَقَطَ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ إلَّا نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ فَنِصْفُهُمَا كَطَلَاقِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَسْخَ هُنَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (أَوْ بِمَا لَا يَمْلِكُ كَخَمْرٍ وَحَيٍّ) ش: وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ وَالْقِرْدُ وَالسُّمُّ. وَإِذَا وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ وَقِيلَ: يَمْضِي مُطْلَقًا وَقِيلَ يُفْسَخُ مُطْلَقًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَسْخَ هُنَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ [فَرْعٌ إذَا اسْتَهْلَكَتْ الذِّمِّيَّةُ صَدَاقهَا مِنْ الْخَمْرَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ إذَا اسْتَهْلَكَتْ الذِّمِّيَّةُ الْخَمْرَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ وَلَا تُتْبِعُ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ: تُعْطَى مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الصَّدَاقِ سَقَطَ بِقَبْضِهَا الْخَمْرَ وَإِنَّمَا بَقِيَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا شَيْءَ لَهَا وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا بُدَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ اهـ. [تَنْبِيهٌ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لِصَدَاقِهِ] (تَنْبِيهٌ) مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لِصَدَاقِهِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ قَوْلَا الْمَغَارِبَةِ وَالْعِرَاقِيِّينَ

فرع دعا الزوج في النكاح الفاسد لصداقه إلى البناء والنفقة

قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ [فَرْعٌ دَعَا الزَّوْجُ فِي النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لِصَدَاقِهِ إلَى الْبِنَاءِ وَالنَّفَقَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَاخْتُلِفَ إذَا دَعَا الزَّوْجُ فِي مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ إلَى الْبِنَاءِ وَالنَّفَقَةِ فَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ثُمَّ عُثِرَ عَلَى فَسَادِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَفُسِخَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِ الزَّوْجَةِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَارِهِ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي دَفَعَ إلَيْهِ وَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ انْتَهَى. زَادَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْوَلِيدِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ غَيْرُ وَاجِبٍ إذْ أَجَازَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا عَجَّلَ رُبْعَ دِينَارٍ اهـ.، وَصَحَّحَ فِي الشَّامِلِ الْقَوْلَ بِالرُّجُوعِ وَنَصُّهُ وَحَيْثُ فُسِخَ فَهَلْ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا قَوْلَانِ وَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ إنْ فُسِخَ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. [فَرْعٌ فِيمَنْ يَكْتَسِبُ مَالًا حَرَامًا فَيَتَزَوَّجُ بِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ عَمَّنْ يَكْتَسِبُ مَالًا حَرَامًا فَيَتَزَوَّجُ بِهِ أَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُضَارِعًا لِلزِّنَا فَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ لَا أَخَافَهُ وَلَكِنْ لَا أَقُولُهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَجْهُ اتِّقَاءِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُضَارِعًا لِلزِّنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَبَاحَ الْفَرْجَ بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ» فَنَفَى أَنْ يَكُونَ نِكَاحًا جَائِزًا إلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُتَزَوِّجُ عَلَى حَرَامٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِصَدَاقٍ إذْ لَيْسَ الْمَالُ الْحَرَامُ بِمَالٍ لَهُ فَإِذَا وَطِئَ بِهِ فَقَدْ وَطِئَ فَرْجًا بِغَيْرِ مِلْكِ يَمِينٍ وَلَا نِكَاحٍ أَبَاحَهُ الشَّرْعُ انْتَهَى. ص (أَوْ بِإِسْقَاطِهِ) ش: حُكْمُهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عِنْدَ ذِكْرِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَمِثْلُهُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الصَّدَاقِ وَهُمَا مِنْ الْفَاسِدِ لِصَدَاقِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (أَوْ كَقِصَاصٍ) ش: وَمِثْلُهُ أَنْ يَنْكِحَهَا بِقُرْآنٍ يَقْرَؤُهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ لِلزَّوْجَةِ مُتَمَوَّلًا الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى مَنْ نَكَحَ بِقُرْآنٍ يَقْرَؤُهُ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ أَبُو عُمَرَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَا مَنْ تَزَوَّجَ بِقِصَاصٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ النِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ،. (قُلْت) هُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ بِجَبْرِ الْقَاتِلِ عَلَى الدِّيَةِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا وَأَحْرَى لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ آبِقٍ) ش: لَوْ قَالَ كَآبِقٍ لَكَانَ أَحْسَنَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ مُقَدَّرَةً فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى لَفْظِ كَقِصَاصٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْجَنِينِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ لَا عَلَى الْقَطْعِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَأَنَّهُ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ مُحَمَّدٌ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَائِزًا وَلَا يُتَّهَمَانِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهَا قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَتَرُدُّ الثَّمَرَةَ الَّتِي طَابَتْ لِلزَّوْجِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قُلْت ثُمَّ ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا أَيْضًا الْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَالْفَسْخُ بِطَلَاقٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَتَرُدُّ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ لَا بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ قَبَضَتْهُ وَفَاتَ بِيَدِهَا لِإِحْدَاهُمَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ لَهَا وَتَغْرَمُ الْقِيمَةَ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. ص (أَوْ دَارِ فُلَانٍ أَوْ سَمْسَرَتِهَا) ش: ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهَا وَيَفْسَخُ قَبْلَهُ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْخِلَافِ الَّذِي فِيهِ وَالْكَافُ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ: وَكَذَا عَبْدُ فُلَانٍ وَدَابَّةُ فُلَانٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بَعْضِهِ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ) ش: يَأْتِي حُكْمُهَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. ص (أَوْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأَجَلَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ

فرعان الأول نكح بنقد مقدم وكالئ إلى ما يكلأ الناس

اُخْتُلِفَ إذَا لَمْ يُؤَرَّخْ أَجَلُ الْكَالِئِ فَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ الْحُكْمُ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. [فَرْعَانِ الْأَوَّلُ نَكَحَ بِنَقْدٍ مُقَدَّمٍ وَكَالِئٍ إلَى مَا يَكْلَأُ النَّاسُ] (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَلْ يَجُوزُ فِي الْأَجَلِ أَنْ يُقَدَّرَ بِمَا يُؤَجِّلُهُ النَّاسُ؟ سُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ عَمَّنْ نَكَحَ بِنَقْدٍ مُقَدَّمٍ وَكَالِئٍ إلَى مَا يَكْلَأُ النَّاسُ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّأْجِيلِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ عَنْ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيُجْعَلُ أَجَلُهُ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْكَالِئِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَجَلُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ وَسَطٌ انْتَهَى. [الفرع الثَّانِي اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ فِي أَجَلِ الْكَالِئِ فَقَالَ الشُّهُودُ نَسِينَاهُ] (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي أَوَائِلِهِ: وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ فِي أَجَلِ الْكَالِئِ فَقَالَ الشُّهُودُ: نَسِينَاهُ فَإِنْ كَانَ أَجَلُ الْكَوَالِئِ كُلِّهَا مُتَعَارَفًا عِنْدَهُمْ وَكَانَ لِقِلَّةِ الْكَوَالِئِ وَكَثْرَتِهَا أَجَلٌ جُعِلَ ذَلِكَ الْكَالِئُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُتَعَارَفًا حُمِلَ أَجَلُهُ إلَى أَكْثَرِ مَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْكَوَالِئُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْأَجَلِ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ انْتَهَى. ص (إلَّا لِقَرِيبٍ جِدًّا) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: حَدُّ الْقُرْبِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ إذَا قَاسَمَهُ عَلَى الشِّرَاءِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ: الْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ، وَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فِي الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَهَا رُبْعَ دِينَارٍ عِنْدَ ابْتِنَائِهِ بِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ وَالنَّقْدِ فِي الْبَيْعِ (فَرْعٌ) قَالَ وَقَوْلُهُ " إنْ أُصِيبَ الْعَبْدُ فَلَهَا قِيمَتُهُ " يُرِيدُ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ. (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا إذَا عَرَفَتْ الْمَرْأَةُ الْعَبْدَ أَوْ وُصِفَ لَهَا، قَالَ: وَأَمَّا إذَا لَمْ تَعْرِفْهُ وَلَمْ يُوصَفْ لَهَا فَلَا إشْكَالَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ

فرع تزوج أمة رجل وابنته في عقد واحد أو امرأة وأمتها

وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ انْتَهَى. ص (وَجَمْعَ امْرَأَتَيْنِ سَمَّى لَهُمَا أَوْ لِإِحْدَاهُمَا) ش: أَيْ: وَجَازَ جَمْعُ امْرَأَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إذَا سَمَّى لَهُمَا أَيْ: سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقَهَا وَكَذَلِكَ فِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا خِلَافَ فِيهَا، أَوْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لِلْأُخْرَى بَلْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحَ تَفْوِيضٍ وَجَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ جَمَعَهُمَا جَمِيعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى تَفْوِيضٍ وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَنَبَّهَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ الشَّارِحُ. ص (وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ تَزْوِيجَ الْأُخْرَى أَوْ إنْ سَمَّى صَدَاقَ الْمِثْلِ؟ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي وَهَلْ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ شَرَطَ فِي تَزَوُّجِهِ إحْدَاهُمَا تَزَوُّجَ الْأُخْرَى وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقَ مِثْلِهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثِينَ وَصَدَاقُ مِثْلِ إحْدَاهُمَا أَرْبَعُونَ وَصَدَاقُ مِثْلِ الْأُخْرَى عِشْرُونَ وَشَرَطَ فِي تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا تَزَوُّجَ الْأُخْرَى أَوْ إنَّمَا يَجُوزُ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ إذَا شَرَطَ فِي تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا تَزَوُّجَ الْأُخْرَى إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقَ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَ الْمِثْلِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ؟ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوَّلُ: لِابْنِ سَعْدُونَ وَالثَّانِي: لِغَيْرِهِ كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَزْوُهُ لِلَّخْمِيِّ فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَحِلَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ إذَا تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِشَرْطِ تَزَوُّجِ الْأُخْرَى وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَ مِثْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَ مِثْلِهَا أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَزَوُّجَ إحْدَاهُمَا بِتَزَوُّجِ الْأُخْرَى قَوْلَانِ، قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَهَلْ يَجُوزُ إنْ شَرَطَ وَلَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً إلَّا مَعَ الْأُخْرَى مُطْلَقًا أَوْ إنْ سَمَّى لِكُلٍّ مَهْرَ مِثْلِهَا؟ قَوْلَانِ ص (وَلَا يُعْجِبُ جَمْعُهُمَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى التَّأْوِيلِ بِالْمَنْعِ وَالْفَسْخِ قَبْلَهُ وَصَدَاقِ الْمِثْلِ بَعْدَهُ) ش أَيْ: هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ إذَا جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا، وَأَمَّا إنْ جَمَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِصَدَاقٍ وَاحِدٍ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعْجِبُ جَمْعُهُمَا وَالْأَكْثَرُ مِنْ الشُّيُوخِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى التَّأْوِيلِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ بِالْمَنْعِ وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ قَالَ فِي تَهْذِيبِهِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَهَا وَإِنْ أَجْمَلَهُمَا فِي صَدَاقٍ وَاحِدٍ لَمْ تَجُزْ، وَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَنْعِ فَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ إلَى الْفَسْخِ لِلنِّكَاحِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ أَيْ: قَبْلَ الْبِنَاءِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ: وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ. ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا شَيْءَ لَهُمَا وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ، قَالَ بَعْضُ الْمُذَاكِرِينَ لَهُمَا مَا يَخُصُّهُمَا مِنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ أَخَفُّ مِنْ الْبُيُوعِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ ظَاهِرُهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ غَرَرِ الصَّدَاقِ انْتَهَى. وَهَذَا عِنْدَهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ مَضَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْمِثْلِ بَعْدَهُ أَيْ: بَعْدَ الدُّخُولِ [فَرْعٌ تَزَوَّجَ أَمَةَ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَةً وَأَمَتَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَةً وَأَمَتَهَا فَفِي جَوَازِهِ بِمَهْرٍ بَيْنَهُمَا أَوْ حَتَّى يُسَمِّيَ مَهْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا طَرِيقَا أَبِي حَفْصٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ قَائِلًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مُسْتَحَقٌّ لِلْأَمَةِ لَا لِمَالِكَتِهَا. (قُلْت) وَالْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى الْعَكْسِ انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شُمُولُ الْمَنْعِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ رَفْعَهُ) ش: اُنْظُرْ مَسَائِلَ هَذَا النَّوْعِ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ

السُّرَيْجِيَّةِ. ص (أَوْ كَزَوِّجْنِي أُخْتَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك أُخْتِي بِمِائَةٍ) ش: هَذَا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيّ: يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الرَّفْعُ يُقَالُ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَبُرَ وَبَلَغَ حَدَّ الْوُثُوبِ عَلَى الْإِنَاثِ انْتَهَى. وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِالْأُخْتَيْنِ وَمَثَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْبِنْتَيْنِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الشِّغَارُ وَفِي الْأُخْتَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ كَالْبِنْتَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى الْبِنْتَيْنِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ وَبِذِكْرِ الْأُخْتَيْنِ يُعْلَمُ أَنَّ الشِّغَارَ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَلِيَّتَيْنِ الْمَحْجُورَتَيْنِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ: وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الشِّغَارَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ وَهُوَ غَلَطٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ زَوِّجْنِي أُخْتَك: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّ غَيْرَ الْبِنْتِ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْأَخَوَاتِ وَغَيْرِهِنَّ حُكْمُ الْبَنَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ فِي رَجُلَيْنِ عَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِكَاحَ أُخْتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَهُوَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُفْهَمْ إنْ لَمْ يُزَوِّجْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ لُبَابَةَ قَالَ: إنْ قَالَ تُزَوِّجُنِي وَأُزَوِّجُك وَعَقَدَا عَلَى ذَلِكَ وَسَمَّيَا صَدَاقًا جَازَ قَالَ: وَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الشِّغَارُ زَوِّجْنِي عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك وَإِنْ زَوَّجْتنِي زَوَّجْتُك انْتَهَى. وَاخْتَصَرَهُ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَإِنْ زَوَّجَ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَلَمْ يُفْهَمْ وَقْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ جَازَ كَزَوِّجْنِي وَأُزَوِّجُك لَا إنْ زَوَّجْتَنِي زَوَّجْتُك أَوْ زَوِّجْنِي عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك اهـ. ص (وَعَلَى حُرِّيَّةِ وَلَدِ الْأَمَةِ أَبَدًا) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ بَنَى وَقِيلَ: الْأَصَحُّ مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَا وَلَدَتْهُ فَحُرٌّ وَوَلَاؤُهُ

لِلسَّيِّدِ وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْأَبِ فِيهِ فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ أُخِذَتْ مَعَ الْوَلَدِ وَرُدَّ عِتْقُهُ وَكَانَ زَوْجَهَا عَلَى حُرِّيَّةِ أَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ تَلِدَ وَكَانَ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَةَ غَيْرِهِ لِيَكُونَ الْوَلَدُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْبِنَاءِ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي أَوَائِلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. ص (وَالْأَجَلُ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ

فرع قال الموثق في الكتاب النقد من الصداق كذا

الصَّدَاقَ بَعْضُهُ مُعَجَّلٌ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ إلَى سِتِّ سِنِينَ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي إلَّا إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ أَفْسَخْهُ إلَّا فِي الْأَجَلِ الْبَعِيدِ قَالَ أَصْبَغُ: إلَّا أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ عَنْهُ أَوْ يَجْعَلُوهُ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ لِيَبْنِيَ فَيَكُونَ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ نَقْدًا كُلُّهُ اهـ ص. (وَنَقْدُهَا كَذَا مُقْتَضٍ لِقَبْضِهِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الصَّدَاقِ [فَرْعٌ قَالَ الْمُوَثِّقُ فِي الْكِتَابِ النَّقْدُ مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا] (فَرْعٌ) إذَا قَالَ الْمُوَثِّقُ فِي الْكِتَابِ: النَّقْدُ مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا فَهُوَ مُقْتَضٍ لِبَقَائِهِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ نَقْدُهَا كَذَا فَقَالَ سَحْنُونٌ: ذَلِكَ بَرَاءَةٌ لِلزَّوْجِ مِنْ النَّقْدِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُبْرِئُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى الدَّفْعِ اهـ. وَفِي الشَّامِلِ وَقَوْلُهُ نَقَدَهَا أَوْ أَقْبَضَهَا أَوْ عَجَّلَ لَهَا أَوْ قَدَّمَ وَنَحْوُهُ مُقْتَضٍ لِقَبْضِهِ، وَقَوْلُهُ " النَّقْدُ مِنْ الصَّدَاقِ " كَذَا مُقْتَضٍ لِقَبْضِهِ فَإِنْ قَالَ نَقْدُهُ كَذَا فَقَوْلَانِ. ص (وَجَازَ نِكَاحٌ لِتَفْوِيضٍ وَالتَّحْكِيمُ عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نِكَاحُ التَّفْوِيضِ مَا عُقِدَ دُونَ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَلَا إسْقَاطِهِ وَلَا صَرْفِهِ لِحُكْمِ أَحَدٍ الْبَاجِيُّ وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا، ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ أُزَوِّجُك عَلَى مَا شِئْت فَاسِدٌ مَهْرُهُ ثُمَّ قَالَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: إنْ شَرَطَ فِيهِ أَنَّ مَا فَرَضَ فِيهِ مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ لَزِمَ وَلَوْ قَلَّ فَسَدَ ثُمَّ قَالَ: وَنِكَاحُ التَّحْكِيمِ قَالُوا مَا عَقَدَهُ عَلَى صَرْفِ قَدْرِ مَهْرِهِ لِحُكْمِ حَاكِمٍ. (قُلْت) ظَاهِرُ أَقْوَالِهِمْ

وَالرِّوَايَاتِ وَلَوْ كَانَ الْمُحَكِّمُ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِنِكَاحِ التَّحْكِيمِ إنَّمَا هُوَ النِّكَاحُ الَّذِي صَرَفَ الْحُكْمَ فِي قَدْرِ صَدَاقِهِ لِحُكْمِ حَاكِمٍ، إمَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ غَيْرُهُمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ النِّكَاحَ الَّذِي جَعَلَ إمْضَاءَهُ أَوْ رَدَّهُ إلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ النِّكَاحُ عَلَى خِيَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا ذَكَرَ نِكَاحَ السِّرِّ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ عَلَى خِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " عَقَدَ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ " تَفْسِيرٌ لِنِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَلِنِكَاحِ التَّحْكِيمِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ النَّوْعَيْنِ وَفَسَّرَهُمَا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ عَدَمُ ذِكْرِ الْمَهْرِ أَيْ: عَدَمُ تَسْمِيَةِ قَدْرِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ فَصْلٌ يَمْتَازُ بِهِ فَيَمْتَازُ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ عَنْ نِكَاحِ التَّحْكِيمِ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمَهْرُ وَلَا صُرِفَ الْحُكْمُ فِيهِ لِحَاكِمٍ وَنِكَاحُ التَّحْكِيمِ بِأَنَّهُ صُرِفَ الْحُكْمُ فِيهِ لِحَاكِمٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا أَرَأَيْت إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِ فُلَانٍ قَالَ: كُنْت أَكْرَهُهُ حَتَّى سَمِعْت مَنْ أَثِقُ بِهِ يَذْكُرُهُ عَنْ مَالِكٍ فَأَخَذْت بِهِ وَتَرَكْت رَأْيِي فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ قُلْت رُجُوعُ ابْنِ الْقَاسِمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِمَالِكٍ كَتَقْلِيدِهِ مَنْ دُونَهُ. (قُلْت) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَجَابَ أَوَّلًا عَلَى قَوَاعِدِ مَالِكٍ فَلَمَّا وَجَدَ نَصَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مُقَلِّدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّصْرِيحَ بِنَقِيضِهِ فَيَقُولُ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَذَا وَالصَّحِيحُ عِنْدِي كَذَا لِنَصِّ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ إلَّا أَنَّ التَّقْلِيدَ مَعْلُومٌ مِنْ غَالِبِ حَالِ أَهْلِ الْعَصْرِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَحَالُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعْلُومَةٌ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ أَلَا تَرَى إلَى كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِ لِمَالِكٍ وَإِغْلَاظِهِ الْقَوْلَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَبْعُدُ صُدُورُهَا مِنْ مُقَلِّدٍ. (قُلْت) ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ عِنْدَهُ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقًا وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ بِضَاعَتَهُ مِنْ الْحَدِيثِ مُزْجَاةٌ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فَقَطْ كَابْنِ سُرَيْجٍ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي غَالِبِ حَالِ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنَّ عَصْرَهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ مُجْتَهِدٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِلَا هِبَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ أَنْ لَا يَكُونَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَإِنْ عُقِدَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَعَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ فَذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِإِسْقَاطِ الْمَهْرِ قَالَهُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ الْمَوْهُوبَةُ إذَا لَمْ يُسَمُّوا مَعَهَا صَدَاقًا كَالتَّفْوِيضِ وَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْهِبَةِ قَدْ زَوَّجْتُكهَا بِلَا صَدَاقٍ فَلَا يَصْلُحُ وَلَا يُقَرُّ هَذَا النِّكَاحُ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ كَانَ قَالَ يُفْسَخُ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ فِي الْبُضْعِ أَشْهَبُ وَيَكُونُ لَهَا إذَا فُسِخَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَصْبَغُ: بَلْ صَدَاقُ الْمِثْلِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ لِحَقِّ اللَّهِ وَالزَّائِدُ قَدْ وُهِبَتْهُ انْتَهَى. ص (وَفُسِخَ إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا قَبْلَهُ وَصُحِّحَ أَنَّهُ زِنًا) ش: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى قَصَدَ فِيهَا الْوَلِيُّ النِّكَاحَ

فرع لو سمى لها الصداق في مرضه ثم صح ثم مات

وَهِبَةَ الصَّدَاقِ وَهَذِهِ قَصَدَ فِيهَا هِبَةَ نَفْسِ الْمَرْأَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْحُكْمُ فِيهَا أَيْضًا الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَاعْتَرَضَهُ الْبَاجِيُّ وَقَالَ: يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ زِنًا وَيَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ انْتَهَى. وَمَنْ رَأَى كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ وَبِهِ يَتَّضِحُ وَإِذَا جُعِلَ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً صَارَ قَوْلُهُ " إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا " كَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَأَيْضًا لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ فِيهِ " وَصُحِّحَ أَنَّهُ زِنًا "؛ لِأَنَّ الْبَاجِيَّ إنَّمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا عَلِمْته فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ. ص (وَإِنْ فَرَضَ فِي مَرَضِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ [فَرْعٌ لَوْ سَمَّى لَهَا الصَّدَاق فِي مَرَضِهِ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ سَمَّى لَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَزِمَهُ ذَلِكَ يُرِيدُ وَإِنْ زَادَ عَلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. ص (أَوْ أَسْقَطَتْ شَرْطًا قَبْلَ وُجُوبِهِ) ش: مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْمَفْقُودِ

وَالْمُطَلَّقَةِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ ظَهَرَ إسْقَاطُهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ الْأَصْحَابِ هُنَاكَ. ص (وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ لَا لِأُمٍّ وَالْعَمَّةُ) ش: مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ صَحِيحٌ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أَنْ يُعْتَبَرَ فِي فَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بِصَدَقَاتِ نِسَائِهَا إذَا كُنَّ عَلَى مِثْلِ حَالِهَا مِنْ الْعَقْلِ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِ فَلَا يَكُونُ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مِثْلِ حَالِهَا وَلَا مِثْلُ صَدَاقِ مَنْ لَهَا مِثْلُ حَالِهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مِثْلُ نَسَبِهَا ثُمَّ قَالَ: وَنِسَاءُ قَوْمِهَا اللَّوَاتِي يُعْتَبَرُ بِصَدَقَاتِهِنَّ أَخَوَاتُهَا الشَّقَائِقُ وَلِلْأَبِ وَعَمَّاتُهَا الشَّقَائِقُ أَيْضًا وَلِلْأَبِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِصَدَقَاتِ أُمَّهَاتِهَا وَلَا خَالَاتِهَا وَلَا أَخَوَاتِهَا لِلْأُمِّ وَلَا عَمَّاتِهَا لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: بِاعْتِبَارِ عَشِيرَتِهَا وَجِيرَانِهَا كُنَّ عَصَبَةً أَمْ لَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مُرَاعَاةِ الْعَصَبَةِ يَنْبَغِي ي أَنْ يُرَاعَى مِنْ ذَلِكَ الْعُرْفُ فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِالنَّظَرِ إلَى صَدَاقِ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ فِي زَمَانِنَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ، وَأَشَارَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى ذَلِكَ انْتَهَى. . وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الرَّجُلُ يُغْتَفَرُ فَقْرُهُ لِقَرَابَتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ الْمُوسِرِ يُرْغَبُ فِي حَالِهِ، وَقَوْلُهُ هَذَا يَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ لَهُمْ عَادَةٌ لَا يَخْطُبُونَ لِفَقْرٍ وَقُبْحٍ وَلَا يَزِيدُونَ لِيَسَارٍ وَجَمَالٍ حُمِلُوا عَلَى عَادَتِهِمْ كَأَهْلِ الْبَادِيَةِ الْيَوْمَ انْتَهَى. ص (كَالْغَالِطِ بِغَيْرِ عَالِمَةٍ وَإِلَّا تَعَدَّدَ كَالزِّنَا بِهَا أَوْ بِالْمُكْرَهَةِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِالْحُرَّةِ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ فِي وَطْءِ الْمُرْتَهَنِ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ وَفِيهَا: إنْ وَطِئَهَا الْمُرْتَهَنُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ حُدَّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ مَلَكَهُ وَكَانَ رَهْنًا مَعَ أُمِّهِ وَيَغْرَمُ مَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ، وَلَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا إنْ أَكْرَهَهَا وَكَذَا إنْ طَاوَعَتْهُ وَهِيَ بِكْرٌ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ الصَّقَلِّيُّ، الصَّوَابُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْإِكْرَاهِ لَا تُعَدُّ زَانِيَةً بِخِلَافِ الطَّوْعِ فَأَدْخَلَ عَلَى سَيِّدِهَا فِيهَا عَيْبًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مَا نَقَصَهَا بِكُلِّ حَالٍ وَلِأَشْهَبَ إنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِمَّا نَقَصَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَالْحُرَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الرَّهْنِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ: وَيَغْرَمُ مَا نَقَصَهَا إنْ أَكْرَهَهَا وَإِلَّا فَثَالِثُهَا الْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ بِكْرًا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ وَالْبَيَانَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَالْحَاصِلُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا فِي الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا وَفِي الطَّوْعِ إنْ

فرع حكم الصداق إذا أكره الرجل على أن يزني بامرأة مكرهة

كَانَتْ بِكْرًا عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ أَنَّ الْأَرْجَحَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ أَكْرَهَ امْرَأَةً حُرَّةً عَلَى الْوَطْءِ فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الزِّنَا، وَقَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ وَأَظُنُّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حُكْم الصَّدَاق إذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي آخِرِ مُعِينِ الْحُكَّامِ: إذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ فَلَهَا الصَّدَاقُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَخَذَتْهُ مِمَّنْ أَكْرَهَهُ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِدَافِعِهِ عَلَى الْوَاطِئِ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ تَوَافَقَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى شُرُوطٍ] ص (وَجَازَ شَرْطُ أَنْ لَا يَضُرَّ بِهَا فِي عِشْرَةٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (مَسْأَلَةٌ) إذَا تَوَافَقَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى شُرُوطٍ ثُمَّ لَمْ يَعْقِدُوا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَقَدُوا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الشُّرُوطَ فَهَلْ الشُّرُوطُ الْأُولَى لَازِمَةٌ أَمْ لَا؟ اُنْظُرْ النَّوَادِرَ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْبَيَانِ وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ تَأْذَنُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى شُرُوطٍ فَيُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ شُرُوطٍ اُنْظُرْهَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرَّى أَمْرُهَا بِيَدِ وَلِيِّهَا فَهَلَكَ مَوْلَاهَا فَلَا شَيْءَ بِيَدِهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ وَلَوْ جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِ غَيْرِ مَوْلَاهَا فَهَلَكَ فَلَا يَنْتَقِلُ لِوَرَثَتِهِ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَيْهَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) فِي الْحَدِيثِ «لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّ مَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ وَلَا لِوَلِيِّهَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا طَلَاقَ غَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " غَيْرِهَا " يُرِيدُ أُخْتَهَا فِي الدِّينِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ: غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أُخْتَهَا فِي النَّسَبِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرَةً انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ اشْتَرَطَ أَبُو الزَّوْجَةِ عَلَى صِهْرِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَإِنْ اشْتَرَطَ أَبُو الزَّوْجَةِ عَلَى صِهْرِهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَإِنْ فَعَلَ فَأَمْرُهَا بِيَدِ أَبِيهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ وَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُفَرِّقَ وَأَرَادَتْ الْبِنْتُ الْبَقَاءَ فَالِاخْتِيَارُ فِي ذَلِكَ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَرَى السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفِرَاقَ لَيْسَ بِنَظَرٍ لِلْبِنْتِ فَيَمْنَعُهُ، وَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْبِنْتِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ جَعَلَ ذَلِكَ بِيَدِ أَبِيهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَالِدُ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبِنْتِ وَيُمْنَعُ أَبُوهَا مِنْ الْفِرَاقِ إنْ أَحَبَّتْ هِيَ الْبَقَاءَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِلْأَبِ لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ إلَّا بِنَظَرِ السُّلْطَانِ. (فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا قَالَ: فَإِنْ الْتَزَمَ لَهَا التَّصْدِيقَ بِالضَّرَرِ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّهُ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يُفْسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الضَّرَرِ، وَحَكَى ابْنُ دَحُونٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْتَى بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَنَّهُ جَائِزٌ [فَرْعٌ لِلرَّجُلِ السَّفَرُ بِزَوْجَتِهِ] (فَرْعٌ) لِلرَّجُلِ السَّفَرُ بِزَوْجَتِهِ إذَا كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَالْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ وَجَرْيِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ إلَّا شَرْطَ جَرْيِ الْأَحْكَامِ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِ، وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُهُ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: الَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدِي مِنْ أَحْوَالِ قُرَى الْقَيْرَوَانِ حِينَ كُنْت مُقِيمًا بِهَا أَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا تُمَكَّنُ الْفَارَّةُ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقُرَى أَوْ إلَى الْجِبَالِ الَّتِي حَوْلَهَا وَبِلَادِ هَوَارَةَ مِثْلِ بُرْقَةَ انْتَهَى. فَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا أَوْ الْمَوْضِعُ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ لَمْ يُجْبِرْهَا عَلَى السَّفَرِ فَلَوْ رَضِيَتْ بِالسَّفَرِ مَعَهُ لِلْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ أَوْ الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ وَأَرَادَ أَبُوهَا مَنْعُهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَوَقَعَتْ وَأَفْتَى فِيهَا بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَوْضِعُ أَوْ الطَّرِيقُ مَخُوفًا سَقَطَ جَبْرُ الزَّوْجِ إيَّاهَا عَلَى السَّفَرِ وَصَارَتْ هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ صُرِّحَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ

فرع شرط لزوجته أن لا يتسرى معها

الْمَنْعَ مِنْ سَفَرِ الْخَطَرِ وَالْبَحْرِ فَيَكُونُ لَهُ الْمَنْعُ، وَتَوَقَّفَ وَالِدِي فِيهَا وَلَكِنَّهُ مَالَ إلَى أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَطَأَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ سُرِّيَّةً لَزِمَ فِي السَّابِقَةِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ لَا فِي أُمِّ وَلَدٍ سَابِقَةٍ فِي لَا أَتَسَرَّى) ش: اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ غَازِيٍّ قَالَ: لَفْظَةُ لَا يَتَسَرَّى أَشَدُّ مِنْ لَفْظَةِ لَا يَتَّخِذُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي لَا يَتَسَرَّى يَلْزَمُ فِي السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ وَفِي لَا يَتَّخِذُ يَلْزَمُ فِي اللَّاحِقَةِ قَالَ: وَأَمَّا لَا يَطَأُ: فَهُوَ أَشَدُّ مِنْ لَا يَتَسَرَّى بِاعْتِبَارِ مَا فَقَدَ قَالَ ابْنُ عَاتٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنَّمَا التَّسَرِّي عِنْدَنَا الِاتِّخَاذُ وَلَيْسَ الْوَطْءُ فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لَا يُرِيدُ اتِّخَاذَهَا لِلْوَلَدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ إنْ وَطِئَ جَارِيَةً فَيَلْزَمُهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى فَعَلَى مَا قَالَ مِنْ أَنَّ لَفْظَةَ لَا يَطَأُ أَشَدُّ مِنْ لَا يَتَسَرَّى لِكَوْنِهِ يَلْزَمُ فِيهَا فِي السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ أَحْرَى فَيَكُونُ قَصْدُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي السَّابِقَةِ فِي لَا يَطَأُ فَيَلْزَمُ فِي اللَّاحِقَةِ مِنْ بَابٍ أَحْرَى وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ فِي السَّابِقَةِ مِنْهُمَا أَوْ وَإِنْ فِي السَّابِقَةِ لَاتَّضَحَ وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا فِي أُمِّ وَلَدٍ سَابِقَةٍ فِي لَا أَتَسَرَّى فَيَكُونُ مَشَى فِيهِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي السَّابِقَةِ فِي لَا يَتَسَرَّى وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي اللَّاحِقَةِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ شَرَطَ عِتْقَ مَنْ يَتَسَرَّى أَوْ يَتَّخِذُ أَوْ يَطَأُ فَهُوَ أَيْ: الْعِتْقُ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِمْ لَزِمَ أَوْ مَا لَزِمَ هَذَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَتَسَرَّى مَعَهَا] (فَرْعٌ) مَنْ شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَتَسَرَّى مَعَهَا قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ بِشَرْطِهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُجَامِعَ مَعَهَا امْرَأَةً سِوَاهَا فَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَقَدْ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ التَّسَرِّي فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا جَعَلَ لَهَا مِنْ بَيْعِ السُّرِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ يَعْزِلُهَا عَنْ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهَا: إنَّ تَدَبُّرَهَا عَلَيْهِ أَوْ هِيَ صَدَقَةٌ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِهَا انْتَهَى. ص (وَلَهَا الْخِيَارُ بِبَعْضِ شُرُوطٍ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا) ش: يُشِيرُ

فرع للزوجة التصرف في مهرها بالبيع والهبة والصدقة

بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اشْتَرَطَتْ فِي عَقْدِ الصَّدَاقِ شُرُوطًا عَلَى زَوْجِهَا فَإِذَا فَعَلَ بَعْضَ تِلْكَ الشُّرُوطِ فَلَهَا الْقِيَامُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْمُوَثِّقُ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا وَإِنَّمَا قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَيُشِيرُ بِلَوْ إلَى قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ الْعَطَّارِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ الْمُوَثِّقُ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهَا الْقِيَامُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ بَعْضَ الشُّرُوطِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمُتَيْطِيُّ فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ وَنَصَّهُ، وَقَوْلُنَا فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ لِقَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ إنَّ الْعَاقِدَ إذَا قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ لَهَا الْأَخْذُ بِشَرْطِهَا حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَإِذَا قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَفَعَلَ فِعْلًا وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ كَانَ لَهَا الْأَخْذُ بِشَرْطِهَا، وَانْتَقَدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَخَّارِ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِشَرْطِهَا إنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي الْأَيْمَانِ يَقَعُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْلِهِ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: 68] وَلَمْ يَقُلْ وَمَنْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَالسِّرُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ بِفِعْلِ الْجَمِيعِ كَذَلِكَ يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ الْأَخْذُ بِشَرْطِهَا وَتَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِفِعْلِ أَحَدِ الضَّرَرَيْنِ كَمَا تَسْتَحِقُّهُ بِفِعْلِ الضَّرَرَيْنِ جَمِيعًا انْتَهَى. وَنَقَلَ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الشُّرُوطُ انْعَقَدَ عَلَيْهَا النِّكَاحُ فَالْحُكْمُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ، وَإِنْ طَاعَ الزَّوْجُ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ وَالْمُعْتَقِ يَوْمَهُمَا) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْقِيمَةَ تَتَعَيَّنُ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَالْمِثْلَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِذَا وَهَبَتْ الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَتْهُ أَوْ دَبَّرَتْهُ أَوْ تَصَدَّقَتْ بِهِ أَوْ أَعْتَقَتْهُ إلَى أَجَلٍ أَوْ أَخَدَمَتْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِثْلُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ وَلَا النِّصْفَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. [فَرْعٌ لِلزَّوْجَةِ التَّصَرُّفُ فِي مَهْرِهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: لِلزَّوْجَةِ التَّصَرُّفُ فِي مَهْرِهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. ص (وَنِصْفُ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: إنْ لَمْ تُحَابِ. ص (وَلَا يُرَدُّ الْعِتْقُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ الزَّوْجُ لِعُسْرِهَا يَوْمَ الْعِتْقِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَتْهُ غَرِمَتْ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَلَا يُرَدُّ الْعِتْقُ مُعْسِرَةً كَانَتْ أَوْ مُوسِرَةً؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً يَوْمَ أَعْتَقَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ كَلَامٌ وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً يَوْمَ الْعِتْقِ وَقَدْ عَلِمَ الزَّوْجُ فَتَرَكَ ذَلِكَ رِضًا وَلَوْ قَامَ حِينَئِذٍ رَدَّهُ إنْ شَاءَ إنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا وَلَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ حَتَّى طَلَّقَهَا وَهِيَ الْآنَ مُعْسِرَةٌ وَكَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِتْقِ مُوسِرَةً مَضَى، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى الْيَوْمِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ هِبَتَهَا وَعِتْقَهَا وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ مُتَرَقَّبٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ وَجَبَ جَمِيعُهُ فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا مَقَالَ؛ لِأَنَّ مَقَالَهُ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِحَقِّهِ فِي مَالِ الزَّوْجَةِ فَزَالَ بِالطَّلَاقِ وَصَارَ حَقُّهُ مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ وَهُوَ طَارِئٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ هِبَتَهَا عَلَى الْمَعْرُوفِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمَعْرُوفِ أَيْ: يَرُدُّ النِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَوْمَ الْعِتْقِ بِعُسْرِهَا يَعْنِي أَنْ تَكُونَ يَوْمَ الْعِتْقِ مُعْسِرَةً يُرِيدُ أَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا فَإِنَّ الزَّوْجَ لَهُ رَدُّ الْعِتْقِ فِي جَمِيعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ إنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ فَإِذَا رَدَّ الزَّوْجُ الْعِتْقَ فَلَا يُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ صَدَاقٍ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ التَّوْضِيحِ وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ خَاصًّا بِالْعِتْقِ بَلْ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَأَمَّا وَقْتُ الرَّدِّ: فَلَمْ يُفْهَمْ مِنْ كَلَامِهِ وَنَقُولُ: يُرِيدُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَيَسْكُتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا عَتَقَ النِّصْفُ بِلَا قَضَاءٍ) ش

فرع أعتقت عبدها ولا مال لها غيره فرد الزوج عتقها ثم طلقها أو مات

وَانْظُرْ هَلْ يُكْمِلُ عَلَيْهَا إنْ اخْتَارَتْ عِتْقَهُ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَتَقَ النِّصْفُ يُرِيدُ وَالْعَبْدُ بَاقٍ بِيَدِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ عَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ. [فَرْعٌ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا وَلَا مَالَ لَهَا غَيْرُهُ فَرَدَّ الزَّوْجُ عِتْقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا وَلَا مَالَ لَهَا غَيْرُهُ فَرَدَّ الزَّوْجُ عِتْقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَتَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَشَطُّرٌ وَمَزِيدٌ بَعْدَ الْعَقْدِ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ: سُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَمَّنْ يَزِيدُ فِي صَدَاقِ زَوْجَتِهِ هَلْ تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ عِنْدَ مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ رُجُوعٍ عَنْ هِبَةٍ؟ فَأَجَابَ الزِّيَادَةُ لَازِمَةٌ لِلزَّوْجِ لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ عَنْهَا وَلَهَا أَخْذُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَقَعْ فَلَسٌ أَوْ مَوْتٌ فَتَبْطُلُ لِكَوْنِهَا هِبَةً لَمْ تُقْبَضْ. (قُلْت) وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا مَتَى أَحَبَّ وَعَلَى مَذْهَبٍ آخَرَ أَنَّهَا كَالْبَيْعِ لَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا وَأَحْفَظُ هَذَا عَنْ خَارِجِ الْمَذْهَبِ حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ. ص (وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) ش: يُرِيدُ أَوْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ بِيَدِ أَمِينٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَتَعَيَّنَ مَا اشْتَرَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ) ش: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ نِصْفَ الْأَصْلِ وَلَيْسَ لَهَا هِيَ أَنْ تُجْبِرَهُ عَلَى نِصْفِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ طَلَاقِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: وَإِنْ كَانَتْ اشْتَرَتْ بِهِ أَيْ: بِالصَّدَاقِ مَا لَا يَصْلُحُ لِجِهَازِهَا رَجَعَ بِنِصْفِ الْعَيْنِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمَتَاعِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ ابْتَاعَتْ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا يَصْلُحُ لِجِهَازِهَا وَيَأْخُذُ نِصْفَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ سِوَاهُ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا أَصْدَقَهَا إيَّاهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: يَعْنِي أَنَّهَا بَيَّنَتْ لِلزَّوْجِ أَنَّهَا تَشْتَرِي ذَلِكَ بِالصَّدَاقِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَقَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ هَذَا جَيِّدٌ إذَا قَبَضَتْ صَدَاقَهَا وَافْتَرَقَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَلَوْ اشْتَرَتْ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى بَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصَّدَاقِ. ص (وَهَلْ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ إنْ قَصَدَتْ التَّخْفِيفَ؟ تَأْوِيلَانِ) ش الْأَوَّلُ: تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَالثَّانِي: تَأْوِيلُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَمَا اشْتَرَتْهُ مِنْ جِهَازِهَا وَإِنْ مِنْ غَيْرِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: إنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ عَيْبٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ بِهَا وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ. ص (وَسَقَطَ الْمَزِيدُ بِالْمَوْتِ فَقَطْ) ش: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ مِنْ الْهَدِيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْعَقْدِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بَلْ تَكْمُلُ بِهِ أَوْ بِالدُّخُولِ فَلَهَا حُكْمُ الصَّدَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ فِي الْكَبِيرِ ص (وَفِي تَشَطُّرِ هَدِيَّةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ لَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَفُتْ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَيَأْخُذَ الْقَائِمَ مِنْهَا

لَا إنْ فَسَخَ بَعْدَهُ رِوَايَتَانِ) ش الَّذِي حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ مَنْ أَهْدَى لِامْرَأَةٍ هَدِيَّةً قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي هَدِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا أَعْطَى وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ النَّفَقَةَ فَطُلِّقَ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: لَا يَرْجِعُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ. قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ الَّذِي لَا يَرَى لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَيَرَى الطَّلَاقَ مِنْهُ كَفُرْقَةِ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَدِيَّتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَأَمَّا إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي هَدِيَّتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ مِمَّا يَثْبُتُ بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ مَا أَهْدَى عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ وَضَعَ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَةٍ بَاعَهَا بِسَبَبِ خَوْفِ الْمُبْتَاعِ تَلَفَهَا أَوْ خَسَارَتَهُ فِيهَا فَسَلَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِمَا وَضَعَ، وَمِثْلُ سَمَاعِ يَحْيَى فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِيمَنْ يُؤْخَذُ فِي الْحَقِّ بِسَبَبٍ فَلَا يَتِمُّ لَهُ السَّبَبُ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ لَا يَرْجِعُ بِهَا وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَوَجَدَ بِالزَّوْجَةِ عَيْبًا يَجِبُ لَهُ بِهِ رَدُّهَا فَرَدَّهَا بِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي هَدِيَّتِهِ عَلَى مَا فِي الصَّدَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْهِبَةِ لِأَجْلِ الْبَيْعِ أَنَّهُ إذَا رَدَّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ رَدَّ الْهِبَةَ أَيْضًا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ بِالْهِبَةِ قَالَ: وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْهَدِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْفَسْخِ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُهَا، وَأَمَّا إنْ طَالَ الزَّمَنُ جِدًّا السَّنَتَيْنِ وَالسِّنِينَ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فُسِخَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْهَدِيَّةِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا الزَّوْجُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا جَرَى بِهَا عُرْفٌ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَطَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الصَّدَاقِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَاَلَّتِي جَرَى بِهَا الْعُرْفُ أَجْرَاهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِهَا مَجْرَى الصَّدَاقِ يَرْجِعُ بِنِصْفِهَا فِي الطَّلَاقِ فَعَلَى

قَوْلِهِ: إنْ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا يَلْزَمُهُ نِصْفُهَا وَأَبْطَلَهَا مَالِكٌ عَنْ الزَّوْجِ فِي الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهَا، حُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي تَطَوَّعَ بِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يَرْجِعُ بِشَرْطِ هَدِيَّةٍ طَاعَ بِهَا بَعْدَهُ يَعْنِي بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. ص (وَلَزِمَهَا التَّجْهِيزُ عَلَى الْعَادَةِ بِمَا قَبَضَتْهُ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ ابْنِ مُغِيثٍ: إنْ أَبَانَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَجَهَّزَ إلَيْهِ إلَّا بِمَا قَبَضَتْ فِي الْمُرَاجَعَةِ خَاصَّةً، وَأَمَّا بِنِصْفِ نَقْدِهَا الَّذِي قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا انْتَهَى مِنْ أَوَائِله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقُبِلَ دَعْوَى الْأَبِ فَقَطْ فِي إعَارَتِهِ لَهَا فِي السَّنَةِ بِيَمِينٍ وَإِنْ خَالَفَتْهُ الِابْنَةُ) ش: هُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ: وَإِنْ جَهَّزَهَا يَعْنِي الْأَبَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِبَةٍ وَلَا عَارِيَّةٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ عِنْدَهَا فَإِنْ قَامَ عَنْ قُرْبٍ مِنْ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَانَ مَا ادَّعَاهُ مَعْرُوفًا لَهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ الِابْنَةُ أَمْ لَا إذَا كَانَ فِيمَا سَاقَ لِزَوْجِهَا وَفَاءٌ بِمَا أَعْطَاهَا سِوَى هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْأَبُ وَإِنْ بَعُدَ فَلَا قِيَامَ لَهُ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَلَيْسَتْ السَّنَةُ بِطُولٍ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ: إنْ قَامَ قَبْلَ الْعَامِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا عُرِفَ بَيْنَ الْآبَاءِ وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: الْعَشَرَةُ أَشْهُرٍ عِنْدِي كَثِيرٌ تَقْطَعُ حُجَّةَ الْأَبِ انْتَهَى. وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَبُولِ دَعْوَى الْأَبِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي الْعَارِيَّةِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ بَيِّنَةٌ قَرُبَتْ الْمُدَّةُ أَوْ بَعُدَتْ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ، قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ. : وَإِذَا ادَّعَى الْأَبُ الْعَارِيَّةَ فِيمَا جَهَّزَ بِهِ ابْنَتَهُ زَائِدًا عَلَى النَّقْدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَا لَمْ يُطِلْ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَيْسَتْ السَّنَةُ فِي ذَلِكَ بِطُولٍ، وَفِي الدِّمْيَاطِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، وَالْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الِابْنَةِ وَخَصَّهَا ابْنُ حَبِيبٍ بِالْبِكْرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى الْعَارِيَّةِ إلَّا مِنْ الْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَأَمَّا الثَّيِّبُ: فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ لِلْأَبِ فِي مَالِهَا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُ الْبِكْرِ الثَّيِّبُ الَّتِي فِي

وِلَايَتِهِ قِيَاسًا عَلَى الْبِكْرِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ فِيمَنْ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ مُوَلًّى عَلَيْهَا، وَأَمَّا الثَّيِّبُ الَّتِي لَيْسَتْ فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا فَهُوَ فِي حَقِّهَا كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ الْأَبِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إذَا خَالَفَتْهُمْ الْمَرْأَةُ أَوْ وَافَقَتْهُمْ وَكَانَتْ سَفِيهَةً، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِمَا إذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ وَفَاءٌ بِقَدْرِ مَهْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ سَلْمُونٍ، وَأَصْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَأَصْبَغَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ فَنُقِلَ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا وَيُحْضِرُ مَا قَبَضَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَفَصَّلَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ عُرِفَ أَصْلُ مَا ادَّعَاهُ لَهُ أَخْذُهُ أَيْضًا وَاتُّبِعَ بِوَفَاءِ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُهُ لَهُ فَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَفَاءِ بِهِ وَيَتَّضِحُ لَك جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ بِالْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِ الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي أَثْنَاءِ تَرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي مُهُورِ النِّسَاءِ. : وَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ بَعْضَ مَا جَهَّزَ بِهِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ بَعْدَ دُخُولِهَا عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا إيَّاهُ وَإِنَّمَا كَانَ عَارِيَّةً مِنْهُ لَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ فِيمَا سَاقَتْ الِابْنَةُ إلَى زَوْجِهَا وَفَاءً بِمَا أَعْطَاهَا سِوَى هَذَا الَّذِي يَدَّعِيهِ الْأَبُ عُرِفَ ذَلِكَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ أَقَرَّتْ الِابْنَةُ أَوْ لَمْ تُقِرَّ مَا لَمْ يَطُلْ زَمَانُ ذَلِكَ جِدًّا وَلَا أَرَى السَّنَةَ طُولًا قَالَ: وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ابْنَتِهِ الثَّيِّبِ؛ لِأَنَّ مَالَهَا فِي يَدِهَا وَفِي وِلَايَتِهَا وَلَا قَضَاءَ لِلْأَبِ فِيهِ وَلَا قَوْلَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ مَعَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ أَيْ: وَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ فَقَطْ وَهَكَذَا أَوْضَحَ لِي مَنْ كَاشَفْت عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا سَاقَتْ بَعْدَ دَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ كَفَافًا لِمَا أَصْدَقَ الزَّوْجُ حَلَفَ الْأَبُ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَكَانَ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ وَعَلَى الْأَبِ أَنْ يُحْضِرَ مَا قَبَضَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ غَيْرَ الْعَارِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. . وَقَوْلُهُ " كَالْأَجْنَبِيِّ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيَّةِ " يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْمَالِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ قُلْت يَعْنِي لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ رَجُلًا فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ وَمَضَى لِدُخُولِهَا حِينٌ ثُمَّ قَامَ الْأَبُ فَادَّعَى بَعْضَ مَا جَهَّزَهَا بِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ عَارِيَّةً مِنْهُ لِيُجَمِّلَهَا بِهِ وَصَدَّقَتْهُ الِابْنَةُ أَوْ أَنْكَرَتْ مَا ادَّعَى وَزَعَمَتْ أَنَّهُ لَهَا وَمِنْ جِهَازِهَا فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ إذَا قَامَ بِحِدْثَانِ مَا ابْتَنَى الزَّوْجُ بِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَقَالٌ، وَالْأَبُ مُصَدَّقٌ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الِابْنَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا إقْرَارِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ النَّاسِ مَعْرُوفٌ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ يَسْتَعِيرُونَ الْمَتَاعَ يَتَجَمَّلُونَ بِهِ وَيُكْثِرُونَ بِذَلِكَ الْجِهَازَ إذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَتَاع وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَقَالٌ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَتَاعُ مَعْرُوفًا أَصْلُهُ لِلْأَبِ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ هُوَ فِيهِ مُصَدَّقٌ إذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ. (قُلْت) فَإِذَا كَانَ قِيَامُ الْأَبِ بِحِدْثَانِ دُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا وَكَانَ أَصْلُ الْمَتَاعِ مَعْرُوفًا لِلْأَبِ وَلَيْسَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْجِهَاز مَا فِيهِ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ قَالَ: فَهُوَ لِلْأَبِ إذَا عَرَفَ أَصْلَهُ لَهُ وَيَتْبَعُ الزَّوْجُ الْأَبَ بِوَفَاءِ الصَّدَاقِ حَتَّى يُتِمَّ لَهُ مِنْ الْجِهَازِ لِابْنَتِهِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ بِمَا أَصْدَقَهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنَّ الْأَبَ مُصَدَّقٌ فِيمَا ادَّعَى مِمَّا جَهَّزَ بِهِ ابْنَتَهُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً مِنْهُ لَهَا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِ الْبِنَاءِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ يُرِيدُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ كَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَزَادَ فَقَالَ: وَلَا أَرَى السَّنَةَ فِيهِ طُولًا وَهَذَا فِي الْأَبِ خَاصَّةً فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَأَمَّا فِي الثَّيِّبِ وَفِي وَلِيَّتِهِ الْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ فَلَا وَهُوَ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَأَمَّا إيجَابُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ فَصَحِيحٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَحْلِفُ لِوَلَدِهِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ لَهُ بِهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ وَيَحْلِفَ حَلَفَ وَأَخَذَ وَإِنْ

تنبيهات الأول ما الحكم لو قام الأب بدعوى العارية بعد كمال السنة

شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِذَلِكَ الْأَبُ فِي الْبِكْرِ؛ لِأَنَّهَا فِي وِلَايَتِهِ وَمَالَهَا فِي يَدَيْهِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَكُونُ فِي الثَّيِّبِ إذَا كَانَتْ فِي وِلَايَتِهِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْبِكْرِ وَيَكُونُ الْوَصِيُّ فِيمَنْ إلَى نَظَرِهِ مِنْ الْيَتَامَى الْأَبْكَارِ، وَالثَّيِّبُ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْضًا وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الثَّيِّبِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّيِّبَ الَّتِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ إذَا ادَّعَى الْأَبُ بِحِدْثَانِ الْبِنَاءِ وَفِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ فِيهِ مَقَالٌ، كَلَامٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ فَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَفَاءِ بِهِ بِخِلَافِ إذَا عُرِفَ أَصْلُ الْمَتَاعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ أَصْلُ الْمَتَاعِ لَهُ فَيَأْخُذُهُ وَيُتْبَعُ بِوَفَاءِ الْمَهْرِ إذْ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُجَهِّزَ زَوْجَتَهُ بِهِ إلَيْهِ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَكُونُ فِي الثَّيِّبِ إذَا كَانَتْ فِي وِلَايَتِهِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْبِكْرِ وَيَكُونُ الْوَصِيُّ فِيمَنْ إلَى نَظَرِهِ مِنْ الْيَتَامَى الْأَبْكَارِ، وَالثَّيِّبُ بِمَنْزِلَتِهِ. (قُلْت) كَقَوْلِهَا يَعْنِي: الْمُدَوَّنَةَ فِي حَوْزِهِ لَهَا مَا وَهَبَهُ لَهَا ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: يَكُونُ لِلْأَبِ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنَةِ فِيمَا فَوَّتَتْهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ امْتَهَنَتْهُ أَوْ زَوْجُهَا مَعَهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِتَمَلُّكِ الْأَبِ ذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ: إنْ قَامَ قَبْلَ مُضِيِّ عَامٍ مِنْ يَوْمِ بِنَائِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ دُونَ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ مِنْ فِعْلِ الْآبَاءِ وَإِنْ قَامَ بَعْدَ عَامٍ سَقَطَ قَوْلُهُ، وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ مَا لَمْ تُثْبِتْ الِابْنَةُ أَوْ زَوْجُهَا مُضِيَّ السَّنَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ: وَالْعَشَرَةُ أَشْهُرٍ عِنْدِي كَثِيرٌ تُسْقِطُ دَعْوَى الْأَبِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ طَلَبَ الْأَبُ الشُّورَةَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ بِنَائِهَا حَلَفَ عَلَى دَعْوَاهُ عَارِيَّتَهَا وَأَخَذَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ فِيهِ: إنْ قَامَ بِحِدْثَانِ بِنَائِهَا صُدِّقَ وَلَفْظُ التَّصْدِيقِ عِنْدَ شُيُوخِنَا إنْ وَقَعَ مُبْهَمًا اقْتَضَى نَفْيَ الْيَمِينِ وَلَمْ يَحُدَّ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مُدَّةَ الْقُرْبِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إبْرَاهِيمَ جَلِيلٌ فِي الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ مِمَّنْ يَلْزَمُنَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ: وَادِّعَاءُ الْأَبِ لِمَا فِي يَدِ ابْنَتِهِ مِنْ الْأُمُورِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَنَا فِيهَا الِاتِّبَاعُ لِسَلَفِنَا وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ الْوَجْهُ عَدَمَ خُرُوجِ مَا بِيَدِهَا إلَّا بِمَا تَخْرُجُ بِهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَلَا سِيَّمَا مَا بِيَدِ الْبِكْرِ. (قُلْت) قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الِاتِّبَاعُ يُرِيدُ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ الْعُرْفِ وَلَا يَخْفَى وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ عَلَى مِثْلِ الشَّيْخِ أَبِي إبْرَاهِيمَ كَدَلَالَةِ إرْخَاءِ السُّتُورِ وَنَحْوِهِ، وَأَجَابَ ابْنُ عَاتٍ فِي أَبٍ ادَّعَى أَنَّ نِصْفَ مَا شَوَّرَ بِهِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ عَارِيَّةٌ لَهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ بِنَائِهَا أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي دَعْوَاهُ ابْنُ سَهْلٍ وَكَذَا الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِيهَا وَجَوَابُ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْأَبَ مُصَدَّقٌ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ النَّقْدِ مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ، زَادَ الْمُتَيْطِيُّ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: الَّذِي فِي الرِّوَايَةِ إذَا قَامَ بَعْدَ طُولِ مُدَّةٍ فَلَمْ يَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ هَذِهِ الْمُدَّةَ طُولًا (قُلْت) لَعَلَّهُ نَحَا بِهَا مَنْحَى مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فَفِي بُطْلَانِ دَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ بِسَنَةٍ أَوْ بِهَا أَوْ نَحْوِهَا بَدَلًا مِنْهَا ثَالِثُهَا بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَرَابِعُهَا بِمَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَخَامِسُهَا لَا تَبْطُلُ بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ لِلْمُتَيْطِيِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَأَبِي إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتِيَارِهِ وَدَلِيلِ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْقَطَّانِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ وَقَوْلُهُ بَدَلًا مِنْهَا أَيْ: مِنْ السَّنَةِ يَعْنِي لَا بِمَجْمُوعِهَا فَمُضِيُّ السَّنَةِ أَوْ نَحْوِ السَّنَةِ كَافٍ فِي بُطْلَانِ دَعْوَاهُ الْعَارِيَّةَ وَنَبَّهَ بِهِ خَشْيَةَ تَوَهُّمِ تَكْرَارِهِ مَعَ الْقَوْلِ الرَّابِعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ بُطْلَانَ دَعْوَاهُ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَيْسَتْ السَّنَةُ فِي ذَلِكَ طُولًا. (قُلْت) ذَكَرَ هُنَا أَنَّ السَّنَةَ قَرِيبٌ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ أَكْثَرَ مِنْهَا طُولٌ وَهِيَ تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي مِقْدَارِ زِيَادَةِ الْأَشْهُرِ كَالثَّلَاثَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُصَيِّرُهَا طُولًا انْتَهَى [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ مَا الْحُكْمِ لَوْ قَامَ الْأَبَ بِدَعْوَى الْعَارِيَّةِ بَعْدَ كَمَالِ السَّنَةِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي

التنبيه الثاني إذا ادعى أن الذي دخلت به عارية له أو لغيره

كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَكَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ قَوْلَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَبَ لَوْ قَامَ بِدَعْوَى الْعَارِيَّةِ بَعْدَ كَمَالِ السَّنَةِ لَمْ تُقْبَلْ وَدَعْوَاهُ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَتُقْبَلُ بِيَمِينٍ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى السَّنَةِ وَحَمَلَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي السَّنَةِ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَجَعَلَهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ سَنَةٌ أَيْ: فَأَدْنَى ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَحَكَاهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ: الْعَشَرَةُ الْأَشْهُرِ عِنْدِي تَقْطَعُ حُجَّةَ الْأَبِ اهـ. وَمَا عَزَاهُ لِلنَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ هُوَ قَوْلُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَيْسَتْ السَّنَةُ فِي ذَلِكَ بِطُولٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي السَّنَةِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. وَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ هُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فَلَعَلَّهُ مَشَى عَلَى قَبُولِ الدَّعْوَى فِي السَّنَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَفِي إيجَابِ الْيَمِينِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [التَّنْبِيه الثَّانِي إذَا ادَّعَى أَنَّ الَّذِي دَخَلَتْ بِهِ عَارِيَّةٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ] (الثَّانِي) قَالَ الشَّارِحُ فِي حِلِّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَقُبِلَ دَعْوَى الْأَبِ " مَا نَصُّهُ أَيْ: إذَا ادَّعَى أَنَّ الَّذِي دَخَلَتْ بِهِ عَارِيَّةً لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إنْ قَامَ بِقُرْبِ الْبِنَاءِ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى، فَقَوْلُهُ عَارِيَّةٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا يَدَّعِي الْأَبُ إعَارَتَهُ لَهَا بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ النَّاسِ مَعْرُوفٌ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ يَسْتَعِيرُونَ الْمَتَاعَ فَيَتَجَمَّلُونَ بِهِ وَيُكْثِرُونَ بِذَلِكَ الْجِهَازَ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [التَّنْبِيه الثَّالِثُ ادَّعَى الرَّجُلُ أَنَّ جِهَازَ ابْنَتِهِ عَارِيَّةٌ قَبْلَ السَّنَةِ] (الثَّالِثُ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ قَالَ: فَعَارَضْته بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَنْقُولَ عَنْ الْوَاضِحَةِ فَوَقَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَرْشَدَ إلَى الصُّلْحِ فَوَقَعَ الصُّلْحُ مَعَ الزَّوْجِ وَالصَّوَابُ عَلَى مَا وَقَعَ هُنَا أَنْ لَا مَقَالَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ أَنْ تُوصِيَ بِوَلَدِهَا فِي الْمَالِ الْيَسِيرِ كَالسِّتِّينَ دِينَارًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي هَذَا الْقَدْرِ أَوْ يَرَى أَنَّ الْأُمَّ بِخِلَافِ غَيْرِهَا بِدَلِيلِ جَوَازِ اعْتِصَارِهَا مَا وَهَبَتْهُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ بِشَرْطِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ إمْلَاءِ الْأَقْفَهْسِيِّ مِثْلَ مَا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إنَّهَا لَيْسَتْ كَالْأَبِ وَنَصُّهُ: وَمِنْ إمْلَاءِ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ الْأَقْفَهْسِيِّ إذَا ادَّعَى الرَّجُلُ أَنَّ جِهَازَ ابْنَتِهِ عَارِيَّةٌ قَبْلَ السَّنَةِ فَلَهُ ذَلِكَ بِيَمِينٍ وَأَمَّا بَعْدَ السَّنَةِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُصَادِقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ ثُلُثِهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ وَلَا تُصَدَّقُ الْأُمُّ لَا قَبْلَ السَّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا انْتَهَى. لَكِنَّ قَوْلَ الْأَقْفَهْسِيِّ فِي الْأَبِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ يَعُودُ عَلَى الِابْنَةِ، وَاشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ عَلَى الِابْنَةِ بِالْعَارِيَّةِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ بَعُدَ وَلَمْ يُشْهِدْ أَنَّ قَوْلَ الدِّمْيَاطِيَّةِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ انْتِفَاعِ الْأَبِ بِالْإِشْهَادِ بِالْعَارِيَّةِ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ الِابْنَةُ بِالْإِشْهَادِ بِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهَا لِلْعَارِيَّةِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِيُوَافِقَ الْمَشْهُورَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ بَعُدَ وَلَمْ يُشْهِدْ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَفِي ثُلُثِهَا) ش: تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْوَاضِحَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ مَا لَمْ يَطُلْ زَمَانُ ذَلِكَ جِدًّا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: فَإِنْ كَانَ قِيَامُ الْأَبِ عَلَى بُعْدٍ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْأَصْلُ لَهُ مَعْرُوفٌ

أَمْ لَا ثُمَّ قَامَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ لِلِابْنَةِ بِطُولِ حِيَازَتِهَا وَلَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُ الِابْنَةِ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ الزَّوْجُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ خَرَجَتْ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا فَيَلْزَمُهَا الْإِقْرَارُ فِي ثُلُثِهَا وَلِلزَّوْجِ فَقَالَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِبَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ نَحْوُهُ لِأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ. (قُلْت) يَعْنِي لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ ثُمَّ قَامَ الْأَبُ يَدَّعِي ذَلِكَ وَفِيمَا بَقِيَ بَعْدَ مَا ادَّعَى وَفَاءً بِالْمَهْرِ وَكَانَ الْأَصْل مَعْرُوفًا أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ كَانَتْ الِابْنَةُ مُقِرَّةً أَوْ مُنْكِرَةً قَالَ: إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ الْمَتَاعِ لَهُ وَطَالَتْ حِيَازَتُهَا لِلْمَتَاعِ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ فَأَرَى لِلزَّوْجِ فِي هَذَا مَقَالًا وَلَا أَرَى الْأَبَ فِيهِ مُصَدَّقًا إذَا جَاءَ مِثْلُ هَذَا مِنْ الطُّولِ وَالْبُعْدِ وَأَرَاهُ لَهَا بِطُولِ حِيَازَتِهَا (قُلْت) فَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً بِأَنَّ الْمَتَاعَ لِلْأَبِ وَلَمْ تُنْكِرْ مَا ادَّعَى الْأَبُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا إذَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ مِنْ الطُّولِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا هُنَا عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا إذَا رَدَّ عَلَيْهَا ذَلِكَ زَوْجُهَا وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ (قُلْت) فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ الْمَتَاعِ لِلْأَبِ قَالَ عُرِفَ أَصْلُهُ لَهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ فَطُولُ حِيَازَتِهَا لَهُ هَذَا الزَّمَانَ يَقْطَعُ دَعْوَى الْأَبِ إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ إنَّ لِلزَّوْجِ فِيهِ مَقَالًا فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا كَلَامَ لِلزَّوْجِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ لِكَوْنِهَا مُوَلًّى عَلَيْهَا لَا تَجُوزُ عَطِيَّتُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا لِأَبِيهَا وَلَا لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ إنَّ طُولَ حِيَازَتِهَا يَقْطَعُ دَعْوَى الْأَبِ إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ مَعْنَاهُ إذَا أَنْكَرَ بِالْحِسْبَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى يُذْكَرُ لَهُ سِوَى ذَلِكَ، وَفِي قَوْلِهِ إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ أَوْ الْمَرْأَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُنْكِرَا وَسَلَّمَا جَمِيعًا وَرَضِيَا لَجَازَ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنَّهُ دَلِيلُ الْخِطَابِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَوْلِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا بَعُدَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَذَّبَتْهُ الِابْنَةُ وَكَذَا إنْ صَدَّقَتْهُ وَكَانَتْ سَفِيهَةً وَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَصَدَّقَتْهُ فَفِي ثُلُثِهَا إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعَطِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعَطِيَّةِ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إذَا أَقَرَّتْ فِي الْجِهَازِ الْكَثِيرِ أَنَّهُ لِأَهْلِهَا جَمَّلُوهَا بِهِ وَالزَّوْجُ يُكَذِّبُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهَا بِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ نَقْدًا وَبِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ رُدَّ إلَى الثُّلُثِ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَهْلِهَا فَأَحْرَى الْأَجَانِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ نَفَعَهُ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى الْعَارِيَّةِ أَوْ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا وَنَصُّهُ: لَوْ أَشْهَدَ أَنَّ الَّذِي شَوَّرَ ابْنَتَهُ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ نَفَعَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَتَى شَاءَ وَلَوْ طَالَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلُ الدِّمْيَاطِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَفِي الدِّمْيَاطِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا

ادَّعَى مِنْ جِهَازِ ابْنَتِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ إذَا كَانَ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ بَيِّنَةٌ، وَالْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذِهِ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ إذَا أَشْهَدَ عَلَى الْعَارِيَّةِ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ إذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِهِ صُدِّقَ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَفَاءِ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْعَارِيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْعَارِيَّةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الِابْنَةِ بِالْإِشْهَادِ بَلْ إذَا أَشْهَدَ الْأَبُ بِالْعَارِيَّةِ فَقَطْ نَفَعَهُ ذَلِكَ عَلِمَتْ الِابْنَةُ بِهِ أَمْ لَا، وَالْإِشْهَادُ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ هُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى الِابْنَةِ بِالْعَارِيَّةِ وَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِالْوُقُوفِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ وَكَلَامُهُ عَلَيْهَا وَنَصُّهَا قَالَ أَصْبَغُ: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَيُخْرِجُ جِهَازًا وَشُوَارًا فَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ هَذَا عَارِيَّةٌ فِي يَدِ ابْنَتِي وَلَمْ يَرَوْا الْبِنْتَ وَلَمْ تَحْضُرْ فَطَلَبَ الْأَبُ الْمَتَاعَ وَالشُّورَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنَتِهِ وَقَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ بَيْتَ زَوْجِهَا فَقَالَ: إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَقَدْ عَلِمَتْ بِالْعَارِيَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ هَلَاكُهُ يَوْمَ هَلَكَ بَعْدَ أَنْ رَضِيَ حَالُهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَرَقَهَا مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا أَصْلًا وَإِنْ حَسُنَتْ حَالُهَا أَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَعَلِمَتْ بِذَلِكَ فَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِيمَا لَمْ تَعْلَمْ وَلَمْ تَقْبَلْهُ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ: وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ فِي هَذَا كُلِّهِ إذَا لَمْ يَسْتَهْلِكْ هُوَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكًا وَهَذَا فِيمَا يَفْضُلُ عَنْ صَدَاقِهَا وَجِهَازِهَا مِمَّا لَمْ تُجَهَّزْ بِهِ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَا عَطِيَّةِ أَبِيهَا لَهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ " إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنَةِ فِيمَا جَهَّزَهَا بِهِ الْأَبُ مِنْ الْمَتَاعِ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ عِنْدَهَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالْإِشْهَادِ وَلَمْ تَقْبَلْهُ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ صَحِيحٌ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُضَمِّنَ أَحَدًا ضَمَانَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَهُ وَحَسْبُهُ أَنْ يَنْفَعَهُ الْإِشْهَادُ فِي اسْتِرْجَاعِ مَتَاعِهِ وَإِنْ طَالَ زَمَانُ ذَلِكَ عِنْدَ الِابْنَةِ انْتَهَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَلِابْنِ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ إذَا سَاقَ سِوَى نَقْدِهَا مِنْ أَسْبَابٍ وَأَوْرَدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْهِبَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ يَسْكُتَ فَالْأَوَّلُ لَا فَقَالَ لَهُ فِي اسْتِرْجَاعِهِ لِمِلْكِهِ وَالثَّانِي لَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ مَتَى شَاءَ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ فَإِنْ أَتْلَفَتْهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فِي حَالِ سَفَهِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ بَعْدَ رُشْدِهَا ضَمِنَتْهُ وَهَذَا إذَا أَشْهَدَ بِالْعَارِيَّةِ أَوْ عَلِمَتْ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَالتَّفْرِيطُ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالثَّيِّبُ مِثْلُهَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتَهْلَكَهُ، رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ: وَإِنْ أَشْهَدَ عِنْدَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى أَصْلِ الْمَتَاعِ عُرِفَ لِلْأَبِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مَا وَجَدَهُ وَلَا يُتْبِعُهَا بِمَا لَبِسَتْ أَوْ أَتْلَفَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي وِلَايَةِ أَبِيهَا وَهُوَ الَّذِي سَلَّطَهَا عَلَيْهِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ جِهَازِ ابْنَتِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَهُ وَلَوْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءٌ بِالْمَهْرِ إذَا كَانَ عَلَى أَصْلِ الْعَارِيَّةِ بَيِّنَةٌ وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَانْظُرْ سَمَاعَ أَصْبَغَ مِنْ الشَّرْحِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِكَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) تَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ عَلَى الْعَارِيَّةِ يَنْفَعُهُ فِي اسْتِرْجَاعِ مَتَاعِهِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ مَعَ الْإِشْهَادِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فِيمَا تَلِفَ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الْمَالِكَةُ مِنْهُمَا لِأَمْرِهَا بِالْعَارِيَّةِ فَتَضْمَنُ مَا تَلِفَ. قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَحُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْإِشْهَادِ حُكْمُ الْأَبِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ حِينَ التَّجْهِيزِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ عَارِيَّةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنَةِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَلَى زَوْجِهَا. قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الشُّورَةِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ

فرع إذا أعطته مالا على أن يمسكها ثم فارقها عاجلا

ثَيِّبًا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ كَذَلِكَ مَعَ الْإِشْهَادِ وَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الْمَالِكَةُ لِأَمْرِهَا أَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ فَتَضْمَنُ مَا تَلِفَ انْتَهَى. (الثَّانِي) نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ فَتْوَى أَشْيَاخِهِ أَنَّ حُكْمَ الْإِشْهَادِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُقْبَلُ فِيهَا دَعْوَى الْأَبِ الْعَارِيَّةَ حُكْمُ الْإِشْهَادِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَنَصُّهُ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ: يُصَدَّقُ فِي الْعَارِيَّةِ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ الْبِنَاءِ بِهَا يُرِيدُ وَكَذَلِكَ بَعْدَهُ فِيمَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِيهِ الْعَارِيَّةَ كَذَلِكَ كَانَ أَشْيَاخُنَا يُفْتُونَ بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِيمَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِيهِ الْعَارِيَّةَ يُفْهَمُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الِانْتِفَاعِ بِالْإِشْهَادِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي الْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا وَالْأُمُّ عَلَى فَتْوَى ابْنِ عَرَفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (إلَّا أَنْ تَهَبَهُ عَلَى دَوَامِ الْعِشْرَةِ كَعَطِيَّةٍ لِذَلِكَ فَفَسْخٌ) ش: قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ: وَسُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ تَضَعِي عَنِّي مَهْرَك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك. فَتَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ هَلْ تَرَى ذَلِكَ حَلَالًا قَالَ لَا؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ مَهْرَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَضُرَّهَا وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ بَيِّنٌ إنْ لَمْ تَضَعْ ذَلِكَ لَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَإِنَّمَا وَضَعَتْهُ عَنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَلْزَمَهَا الطَّلَاقُ إنْ لَمْ يَضُرَّهَا بِالتَّزْوِيجِ عَلَيْهَا فَتَلْزَمُهُ الْوَضِيعَةُ وَيَقْضِي عَلَيْهَا بِهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا الرُّجُوعُ فِيهَا إنْ طَلَّقَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي عَنِّي مَهْرَك فَوَضَعَتْهُ عَنْهُ فَلَمَّا وَضَعَتْهُ طَلَّقَهَا وَيُؤْمَرُ أَنْ يَسْتَحِلَّهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ سَأَلَهَا أَنْ تَضَعَ عَنْهُ صَدَاقَهَا دُونَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَلَمَّا وَضَعَتْهُ عَنْهُ طَلَّقَهَا بِحِدْثَانِ ذَلِكَ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَضَعَتْ عَنْهُ ذَلِكَ رَجَاءَ اسْتِدَامَةِ الْعِصْمَةِ فَلَمَّا لَمْ يَتِمَّ لَهَا الْمَعْنَى الَّذِي وَضَعَتْ الصَّدَاقَ عَنْهُ بِسَبَبِهِ وَجَبَ لَهَا الرُّجُوعُ بِهِ وَاَلَّذِي قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي عَنِّي صَدَاقَك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَضَعِي عَنِّي صَدَاقَك لَأَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْكِ فَوَضَعَتْهُ عَنْهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِفَوْرِ ذَلِكَ أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي وَضَعَتْ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ قَدْ حَصَلَ لَهَا وَهُوَ سُقُوطُ الْيَمِينِ عَنْهُ بِطَلَاقِهَا أَوْ بِطَلَاقِهَا إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا فَلَوْ شَاءَتْ نَظَرَتْ لِنَفْسِهَا وَقَالَتْ لَهُ: لَا أَضَعُ عَنْك الصَّدَاقَ إلَّا عَلَى أَنْ لَا تُطَلِّقَنِي بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ انْتَهَى. [فَرْعٌ إذَا أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا عَاجِلًا] . وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَصْلِ الْخُلْعِ: فَرْعٌ وَإِذَا أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا عَاجِلًا فَقَالُوا: لَهَا الرُّجُوعُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بَعْدَ طُولٍ فَحَيْثُ يُرَى أَنَّهَا بَلَغَتْ غَرَضَهَا لَمْ تَرْجِعْ وَلَوْ طَالَ وَلَمْ يَبْلُغْ مَا يَرَى أَنَّهَا دَفَعَتْ الْمَالَ لِأَجْلِهِ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ بِقَدْرِ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ فِيمَا يَرَى، وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَسْقَطَتْ صَدَاقَهَا عَنْ

زَوْجِهَا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَطَلَّقَهَا بِحَضْرَةِ ذَلِكَ: إنَّ لَهَا الرُّجُوعَ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا لِذَلِكَ لَمْ تَرْجِعْ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِحِدْثَانِ الْإِسْقَاطِ لِيَمِينٍ نَزَلَتْ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ يَمِينًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ لِيَمِينٍ نَزَلَتْ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ انْتَهَى. وَقَالَ: وَلَوْ أَعْطَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ رَجَعَتْ وَلَوْ تَأَخَّرَ تَزْوِيجُهُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا لَيْسَ بِتَكْرَارٍ فِي الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا أَنْ تُسْقِطَ مَا تَقَرَّرَ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ هُنَاكَ عَلَى جَوَازِهِ وَهُنَا عَلَى الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى كَعَبْدٍ أَوْ عَشَرَةٍ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي فَلَا نِصْفَ لَهَا وَلَوْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ لَا إنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى عَشَرَةٍ أَوْ لَمْ تَقُلْ مِنْ الصَّدَاقِ فَنِصْفُ مَا بَقِيَ) ش يَعْنِي: إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ شَيْءٍ تُعْطِيهِ مِنْ مَالِهَا فَلَا نِصْفَ لَهَا وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى كَعَبْدٍ فَلَا نِصْفَ لَهَا وَلَوْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا: وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ شَيْءٍ تُعْطِيهِ لَمْ يَبْقَ لَهَا طَلَبٌ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. وَمَعْنَى قَوْلِهِ " أَوْ عَشَرَةٍ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي " هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ عَشَرَةٍ أَيْ: قَالَتْ: خَالِعْنِي عَلَى عَشَرَةٍ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي فَلَا نِصْفَ لَهَا وَلَوْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ فَقَوْلُهُ وَلَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ " عَشَرَةٍ " وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَمَّا مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَانَتْ هَذِهِ تُشْبِهُ مَا إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ شَيْءٍ تُعْطِيهِ جَمَعَهُمَا لِلِاخْتِصَارِ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَوْجِيهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى هَذَا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ شَيْءٍ انْتَهَى. وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ مَشَى عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا إنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي إلَى آخِرِهِ فَيَعْنِي بِهِ أَنَّ قَوْلَهَا طَلِّقْنِي لَيْسَ كَقَوْلِهَا خَالِعْنِي بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ وَلَهَا نِصْفُ مَا بَقِيَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ أَمَّا كَوْنُ طَلِّقْنِي مُخَالِفًا لِخَالِعْنِي فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهَا نِصْفُ مَا بَقِيَ فَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا فِي التَّوْضِيحِ وَلَا اللَّخْمِيُّ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنَّمَا لَهَا النِّصْفُ مِنْ أَصْلِ الصَّدَاقِ وَيُقَاصُّهَا بِعَشَرَةٍ وَقَدْ عَقَدَ اللَّخْمِيُّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصْلًا فِي التَّبْصِرَةِ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ فَلْنَذْكُرْهُ قَالَ " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ": بَابُ حُكْمِ الصَّدَاقِ فِي الْمُخْتَلِعَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَهَلْ يُسْقِطُ الْخُلْعُ دُيُونَ الزَّوْجَةِ وَإِذَا قَالَتْ اخْلَعْنِي أَوْ اُتْرُكْنِي أَوْ تَارِكْنِي أَوْ بَارِئْنِي عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَكَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا؟ كَانَتْ لَهُ الْعَشَرَةُ وَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَسَوَاءٌ قَالَتْ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ شَرَطَتْ الْعَشَرَةَ مِنْ صَدَاقِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَالَتْ بَارِئْنِي عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَإِنْ شَرَطَتْ الْعَشَرَةَ مِنْ الصَّدَاقِ سَقَطَتْ الْعَشَرَةُ مِنْ جُمْلَتِهِ وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَسَوَاءٌ قَالَتْ اخْلَعْنِي أَوْ طَلِّقْنِي إذَا شَرَطَتْ الْعَشَرَةَ مِنْ الصَّدَاقِ، وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ تَشْتَرِطْ مِنْ الصَّدَاقِ وَقَالَتْ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ كَانَتْ لَهُ الْعَشَرَةُ وَالصَّدَاقُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ وَإِنْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ لَمْ تَأْخُذْ شَيْئًا وَإِنْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْ جَمِيعَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: قَوْلُهَا طَلِّقْنِي وَاخْلَعْنِي لَهُ الْعَشَرَةُ وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ لَمْ تَأْخُذْ شَيْئًا وَإِنْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ لَهَا كُلُّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا مَا خَلَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَبَضَ بَعْضَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِمَّا قَبَضَ شَيْءٌ وَسَوَاءٌ قَالَتْ: اخْلَعْنِي أَوْ طَلِّقْنِي. وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْلَعْنِي أَوْ بَارِئْنِي أَوْ تَارِكْنِي إنَّمَا يَتَضَمَّنُ خُلْعَ النَّفْسِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْ الْعِصْمَةِ وَالْمُتَارَكَةَ فِيهَا لَيْسَ الْإِخْلَاعُ مِنْ الْمَالِ وَلَا الْإِبْرَاءَ مِنْهُ وَلَا الْمُتَارَكَةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَسَقَطَ الصَّدَاقُ عَنْهُ إذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ دُيُونِهَا، وَقَدْ

أَجْمَعُوا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الِانْخِلَاعَ وَالْمُبَارَأَةَ وَالْمُتَارَكَةَ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ النَّفْسُ دُونَ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهَا فِي النِّصْفِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَابِتًا وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَتْ: اخْلَعْنِي أَوْ بَارِئْنِي لَا خِلَافَ أَنَّ دَيْنَهَا بَاقٍ وَكَذَلِكَ، إذَا قَالَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ: اخْلَعْنِي عَلَى ثَوْبِي هَذَا أَوْ عَبْدِي هَذَا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْقُطُ الصَّدَاقُ وَلَا يَكُونُ لَهَا مِنْهُ شَيْءٌ قَبَضَتْهُ أَمْ لَمْ تَقْبِضْهُ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَمْضِي الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ لِلزَّوْجِ وَالصَّدَاقُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحْسَنُ فِي هَذَا الْأَصْلِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُؤَلِّفَ إنَّمَا مَشَى فِي مَسْأَلَةِ خَالِعْنِي عَلَى عَشَرَةٍ إلَى آخِرِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا سُقُوطَ النِّصْفِ فِي الْمَسْأَلَةِ خَالِعْنِي عَلَى ثَوْبِي مَقِيسًا عَلَى قَوْلِهِ خَالِعْنِي عَلَى عَشَرَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّ سُقُوطَ النِّصْفِ فِي خَالِعْنِي عَلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْأَلَةِ خَالِعْنِي عَلَى عَشَرَةٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَيَرْجِعُ إنْ أَصْدَقَهَا مَنْ يَعْلَمُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهَا) ش: قَوْلُهُ يَرْجِعُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَقَوْلُهُ يَعْلَمُ اخْتَلَفَتْ فِيهِ النُّسَخُ فَفِي بَعْضِهَا بِالتَّحْتِيَّةِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْفَوْقِيَّةِ فَأَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَ قَدْ أَصْدَقَهَا مِنْ الرَّقِيقِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ يُرِيدُ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ الرَّقِيقِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَتْ هِيَ أَمْ لَمْ تَعْلَمْ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهَا مَعَ عِلْمِهِ فَأَحْرَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْأَرْبَعِ الصُّوَرِ سَوَاءٌ عَلِمَا أَوْ جَهِلَا أَوْ عَلِمَ دُونَهَا أَوْ الْعَكْسَ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهَا عَتَقَ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ كَانَتْ مُعْسِرَةً أَوْ مُوسِرَةً وَلَا يُتْبَعُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ وَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ كَمُعْسِرٍ أَعْتَقَ فَعَلِمَ غَرِيمُهُ وَالزَّوْجُ لَمْ يُنْكِرْ حِينَ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ أَرُدَّهُ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ اسْتِحْسَانُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُمَا عَالِمَانِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا جَاهِلَيْنِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَإِنْ عَلِمَتْ دُونَهُ فَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ أَخْذَ نِصْفِهِ وَيَمْضِي عِتْقُ نِصْفِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اتِّبَاعَهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ وَيَمْضِي عِتْقُهُ كُلُّهُ وَقَالَهُ عَمَّنْ كَاشَفْت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا يَرْجِعُ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا اتِّبَاعُهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا لَعَتَقَ عَلَيْهِ وَيَغْرَمُ لَهَا قِيمَتَهُ فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَيِّدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَلَا كَلَامَ لَهُ) ش فَأَحْرَى إذَا كَانَ

فِي يَدِهَا، وَالْكَلَامُ لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَصَدَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْمُشْكِلِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. ص (وَلَوْ قَالَ الْأَبُ بَعْدَ

فصل إذا تنازعا في الزوجية

الْإِشْهَادِ بِالْقَبْضِ لَمْ أَقْبِضْهُ حَلَفَ الزَّوْجُ فِي كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ) ش لَيْسَ هَذَا بِمُعَارِضٍ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَنَقْلُ هَكَذَا مُقْتَضٍ لِقَبْضِهِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُقْتَضٍ لِلْقَبْضِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالْقَبْضِ فَإِنْ ادَّعَى فِيهِ مَا ادَّعَتْ فِي التَّصْرِيحِ قُبِلَ قَوْلُهَا وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ إذَا تَنَازَعَا فِي الزَّوْجِيَّةِ] (فَصْلٌ) ص (إذَا تَنَازَعَا فِي الزَّوْجِيَّةِ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ) ش: قَدَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا الْفَصْلَ عَلَى فَصْلِ الصَّدَاقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ الْمُضْمَرُ يَعُودُ عَلَى الْمُتَنَازِعَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ السِّيَاقِ أَوْ إلَى الزَّوْجَيْنِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَسْمِيَتِهِمَا زَوْجَيْنِ تَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْمَرْأَةِ عَلَى عَيْنِهَا أَوْ كَانُوا يَعْرِفُونَهَا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْمَرْأَةِ عَلَى عَيْنِهَا أَوْ كَانُوا يَعْرِفُونَهَا فَيَلْزَمُهَا النِّكَاحُ وَلَوْ كَانُوا إنَّمَا شَهِدُوا عَلَيْهَا بِمُعَرِّفٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي أَنْكِحَةِ زَمَانِنَا فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مُشْكِلٌ إذَا لَمْ يُوثَقْ بِالْمُعَرِّفِ وَلَوْ وُثِقَ بِهِ لَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ هُوَ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ ثَمَّ غَيْرُهُ عَلَى صِفَتِهِ وَنَصْبِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْإِثْبَاتُ عَلَى الطَّالِبِ فِي تَعْيِينِهِ دُونَ غَيْرِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ لَوْ قَالَ فِي يَتِيمَةٍ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْ وَقَالَتْ قَبْلَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ سَحْنُونٍ: لَوْ قَالَ فِي يَتِيمَةٍ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْ وَقَالَتْ قَبْلَهُ فَرَجَعَ سَحْنُونٌ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهَا لِقَبُولِ قَوْلِهِ ابْنُ سَحْنُونٍ لَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك وَأُخْتَك فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَوْ قَالَ: وَأُخْتُك عِنْدِي وَقَالَتْ: تَزَوَّجْتَنِي وَحْدِي أَوْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَك أُخْتِي فُسِخَ لِإِقْرَارِهِ بِفَسَادِهِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى إنْ لَمْ يَبْنِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَهَا الْمَنْفَعَةُ ابْنُ سَحْنُونٍ، وَإِنْ بَنَى لَمْ يُصَدَّقْ فِي إبْطَالِ الطَّلَاقِ وَالسُّكْنَى وَكَذَا إنْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا فِي عِدَّةٍ. (قُلْت) كَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مُصَحَّحَةٍ فِي إبْطَالِ الطَّلَاقِ وَالسُّكْنَى وَهُوَ وَهْمٌ فِي السُّكْنَى لِاقْتِضَائِهِ سُقُوطَهَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ بِنَصٍّ ثَالِثٍ، نِكَاحُهَا مَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَهَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا انْتَهَى. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ التَّنَازُعِ فِي الزَّوْجِيَّةِ. ص (وَلَوْ بِالسَّمَاعِ بِالدُّفِّ وَالدُّخَانِ) ش وَصِفَةُ شَهَادَتِهِمْ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: إنَّهُمْ سَمِعُوا سَمَاعًا فَاشِيًّا مُسْتَفِيضًا عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فُلَانًا الْمَذْكُورَ نَكَحَ فُلَانَةَ هَذِهِ بِالصَّدَاقِ الْمُسَمَّى وَأَنَّ وَلِيَّهَا فُلَانًا عَقَدَ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا بِرِضَاهَا وَأَنَّهُ فَشَا وَشَاعَ بِالدُّفِّ وَالدُّخَانِ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ) ش: ظَاهِرُهُ وَلَوْ طَارِئَيْنِ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا لِمَعْرُوفِ الْمَذْهَبِ وَجَعَلَ مُقَابِلَهُ قَوْلَيْنِ: تَوْجِيهُهَا مُطْلَقًا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الطَّارِئَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ: وَدَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى مُنْكِرِهِ دُونَ شَاهِدٍ فِي سُقُوطِهَا وَلُزُومِ يَمِينِ الْمُنْكِرِ كَغَيْرِ النِّكَاحِ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ بَيْنَ طَارِئَيْنِ لِمَعْرُوفِ الْمَذْهَبِ وَحِكَايَةِ الْمُتَيْطِيِّ نَقَلَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ قَائِلًا لِمَا رُوِيَ: أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبَيْعِ النِّكَاحُ وَقَوْلُ ابْنِ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى لَغْوِ دَعْوَى النِّكَاحِ اتِّفَاقًا مُجْمَلًا فَسَّرَهُ سَحْنُونٌ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَا طَارِئَيْنِ وَجَبَتْ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَاَلَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَسَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لُزُومُ الْيَمِينِ لِلطَّارِئَيْنِ وَحَكَى الْآخَرَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَإِطْلَاقُ الشَّيْخِ هُنَا كَإِطْلَاقِهِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي قَوْلِهِ " وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَلَا تُرَدُّ كَنِكَاحٍ " وَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ قَالَ فِي الشَّامِلِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ. وَأَمَّا إقْرَارُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ دُونَ الْمَرْأَةِ: فَيُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ إذْ قَالَ: وَحَلَفَ رَشِيدٌ وَأَجْنَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا) ش: سَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ حَيْثُ يَقُولُ: وَحَلَفَ بِشَاهِدِهِ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ انْتَهَى، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الشَّامِلِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا تَنَازَعَا فِي الزَّوْجِيَّةِ فَلَا يَمِينَ

تنبيه العبد والجارية يدعيان الحرية

عَلَى مُنْكِرٍ وَلَوْ طَارِئًا عَلَى الْأَصَحِّ لِانْتِفَاءِ ثَمَرَتِهَا، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَقِيلَ: يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْمَهْرَ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ كَنُكُولِهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ انْتَهَى. ص (وَحَلَفَتْ مَعَهُ وَوَرِثَتْ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا تَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهَا وَتَرِثُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ ثَابِتُ النَّسَبِ انْتَهَى. وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ حَيْثُ ذَكَرَ مَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ حَيْثُ قَالَ: وَنِكَاحٌ بَعْدَ مَوْتٍ وَظَاهِرُهُ عُمُومُ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِعَكْسِهَا وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ الرَّجُلُ شَاهِدًا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ الْمِيرَاثَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ قَالَهُ فِي حَوَاشِي التِّجَانِيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَمَرَ الزَّوْجَ بِاعْتِزَالِهَا لِشَاهِدٍ ثَانٍ زَعَمَ قُرْبَهُ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْخُلْعِ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا ادَّعَى هَذَا الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ دُخُولَ الثَّانِي يُفِيتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ الْعَبْدُ وَالْجَارِيَةُ يَدَّعِيَانِ الْحُرِّيَّةَ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْجَارِيَةُ يَدَّعِيَانِ الْحُرِّيَّةَ إذَا أَقَامَا شَاهِدًا وَاحِدًا وَيَدَّعِيَانِ مَعَ ذَلِكَ أَمْرًا قَرِيبًا فَيُوقَفَانِ عَلَى صَاحِبِهِمَا وَيَخْرُجَانِ عَنْ يَدَيْهِ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إذَا لَمْ يَقُمْ لَهَا شَاهِدٌ آخَرُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَهُ حَلَفَ السَّيِّدُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا قَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَقَرَّا لَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ النِّكَاحِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَلَفَ السَّيِّدُ: فَصَحِيحٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ ادَّعَى عَلَى السَّيِّدِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الشَّاهِدَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّ غَيْرَهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ هُوَ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا فَلَا يَمِينَ عَلَى الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ عَنْهُ وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْئِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً وَيُؤْخَذُ فِي طَلَبِ شَاهِدٍ آخِرَ الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى مَوْضِعِ بَيْتِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا بِقِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ غَلَّةٌ وَخَرَاجٌ فَقِيلَ: إنَّهُ يُوقَفُ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ كَانَ لَهُ مَا وَقَفَ مِنْ خَرَاجِهِ وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُوقَفُ ذَلِكَ إلَّا فِي حَالِ الْإِعْذَارِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِشَاهِدَيْنِ وَقِيلَ: لَا يُوقَفُ ذَلِكَ وَالْغَلَّةُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يُقْضَى عَلَيْهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَكُلُّهَا قَائِمَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. ص (وَأُمِرَتْ بِانْتِظَارِهِ لِبَيِّنَةٍ قَرِيبَةٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ: الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَ شُيُوخِنَا وَانْعَقَدَتْ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ أَنْ تُجْعَلَ الْمَرْأَةُ عِنْدَ امْرَأَةٍ صَالِحَةٍ تَحْتَفِظُ بِهَا أَوْ تُجْعَلَ الْمَرْأَةُ عِنْدَهَا وَإِلَّا فَتُحْبَسَ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَحِقَّ الْحَقُّ انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ وَهَلْ بِحَمِيلٍ وَجْهٌ: إنْ طَلَبَهُ أَوْ تُحْبَسُ عِنْدَ امْرَأَةٍ وَبِهِ جَرَى عَمَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. ص (وَلَيْسَ لِذِي ثَلَاثٍ تَزْوِيجُ خَامِسَةٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ رَاشِدٍ: وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا تُمَكَّنَ مِنْ النِّكَاحِ إنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَهَا؛ لِأَنَّهَا مُعْتَرِفَةٌ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ انْتَهَى [فَرْعٌ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُنْكِرِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ] ص (وَلَيْسَ إنْكَارُ الزَّوْجِ طَلَاقًا) ش: (فَرْعٌ) إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُنْكِرِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ لَزِمَهُ النِّكَاحُ

فرع في من احتضر فقال لي امرأة بمكة سماها ثم مات فطلبت ميراثها منه

وَالدُّخُولُ وَالنَّفَقَةُ وَلَا يَنْحَلُّ النِّكَاحُ عَنْهُ إلَّا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَزِمَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِنْ أَبَى مِنْ الدُّخُولِ وَالطَّلَاقِ فَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: كَانَ بَعْضُ مَنْ أَخَذْت عَنْهُ يَقُولُ: إنَّ السُّلْطَانَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ إبَايَتِهِ خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ تَرَكَ وَطْءَ زَوْجَتِهِ لِغَيْرِ يَمِينٍ يُطَلِّقُ بِغَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (وَفِي التَّوْرِيثِ بِإِقْرَارِ الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الطَّارِئَيْنِ) ش: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَرْأَةِ وَلَدٌ اسْتَلْحَقَهُ الرَّجُلُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَتَرِثُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا أَقَرَّتْ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ إنْكَارٌ أَنْ يَرِثَهَا انْتَهَى [فَرْعٌ فِي مَنْ اُحْتُضِرَ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ بِمَكَّةَ سَمَّاهَا ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَتْ مِيرَاثَهَا مِنْهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَمَنْ اُحْتُضِرَ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ بِمَكَّةَ سَمَّاهَا ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَتْ مِيرَاثَهَا مِنْهُ فَذَلِكَ لَهَا وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ هِيَ وَرِثَهَا ابْنُ رَاشِدٍ وَعَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْمُثْمِرِ إنْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَدْ حَازَتْ الْمِيرَاثَ انْتَهَى. ص (وَالْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ وَلَيْسَ ثَمَّ وَارِثٌ ثَابِتٌ خِلَافٌ) ش: أَمَّا لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ ثَابِتٌ لَمْ يَرِثْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ. ص (بِخِلَافِ الطَّارِئَيْنِ) ش: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ نِكَاحَ الطَّارِئَيْنِ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْبَلَدِيَّيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ طَرَآ مَعًا أَوْ طَرَأَ الرَّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَكَمَ بِهِ قَاضِي الْأَنْكِحَةِ حِينَ نَزَلْت بِتُونُسَ عَامَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ خِلَافٌ ظَاهِرٌ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. ص (وَقَوْلُهُ تَزَوَّجْتُك فَقَالَتْ بَلَى) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنُ الْحَاجِبِ هُنَا مِنْ الْإِقْرَارِ إنَّمَا يُفِيدُ فِي الطَّارِئَيْنِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَلَا؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الظَّاهِرِ انْتَهَى. [فَرْعٌ تَدَاعَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ وَأَقَرَّ بِالزَّوْجِيَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مَسْأَلَةٌ: إذَا تَدَاعَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ وَأَقَرَّ بِالزَّوْجِيَّةِ فَإِنْ كَانَا طَارِئَيْنِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمَا الْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَادَّعَيَا وُقُوعَ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْبَلَدِ كَلَّفَهُمَا إثْبَاتَ النِّكَاحِ وَسَأَلَهُمَا عَنْ الْوَلِيِّ الْعَاقِدِ وَالشُّهُودِ بِذَلِكَ فَإِنْ بَانَ لَهُ كَذِبُهُمَا وَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ أَقَامَ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ اُنْظُرْ ابْنَ سَهْلٍ ص (وَفِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ صِفَتِهِ) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الزَّوْجِيَّةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الصِّفَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ بِدَنَانِيرَ يَزِيدِيَّةٍ وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ بِمُحَمَّدِيَّةٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِثْلُ أَنْ تَقُولَ بِتُرْكِيٍّ وَتَقُولُ بِزِنْجِيٍّ وَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (حَلَفَا وَفُسِخَ) ش: الْمُتَيْطِيّ إذَا ارْتَفَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَثَبَتَتْ مَقَالَتُهُمَا عِنْدَهُ

كُلِّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتَ مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ عَجَزَا عَنْ الْبَيِّنَةِ أَوْ أَتَيَاهُ بِبَيِّنَةٍ لَا يَعْرِفُهَا وَلَا زُكِّيَتْ عِنْدَهُ قَضَى بَيْنَهُمَا بِالتَّحَالُفِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِمَا وَقَالَ بَعْدَهُ: وَيُؤَجَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِهِ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي التَّأْجِيلِ قَالَ: وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا أَمْرُ الْحُكَّامِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهِمْ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ زَكَّى كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَتَهُ فَإِنْ عَيَّنَتْ وَاحِدَةٌ زَمَانًا غَيْرَ زَمَانِ الْأُخْرَى فَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ وَإِنْ عَيَّنَتَا زَمَنًا وَاحِدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَتَسَاقَطَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ طَلَاقٌ أَوْ مَوْتُهَا فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ) ش: قَوْلُهُ " أَوْ طَلَاقٌ " يَعْنِي قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَذَا قَوْلُهُ " أَوْ مَوْتُهَا " يَعْنِي قَبْلَ الْبِنَاءِ كَذَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ " فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ " يُرِيدُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ فِي الطَّلَاقِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ نَكَلَ فِي الْمَوْتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَحْلِفُونَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ؛ هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي التَّفْوِيضِ وَعَدَمِهِ فَحُكْمُهُ، وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَلَوْ مَاتَ وَادَّعَى وَرَثَتُهُ التَّفْوِيضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِيَمِينٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَرُدَّ لِلْمِثْلِ) ش: هَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ وَهُوَ الصَّوَابُ رُدَّ

مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَلِلْمِثْلِ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الزَّوْجِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ يَعْنِي يُرَدُّ عَنْ الَّذِي ادَّعَاهُ إلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَتَيْنِ عَلَى صَدَاقَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ لَزِمَا وَقُدِّرَ طَلَاقٌ بَيْنَهُمَا وَكُلِّفَتْ بَيَانَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ) ش اعْلَمْ: أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي فَرْضِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَفَرَضَهَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ عَرَفَةَ كِلَاهُمَا عَنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَقَامَتْ بَيِّنَتَيْنِ عَلَى عَقْدَيْنِ وَعَيَّنَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ زَمَانًا فَحُكْمُهَا كَمَا ذُكِرَ وَعَلَى هَذَا فَيُنَاسِبُ أَنْ يُقْرَأَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَقَامَتْ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَوْلُهُ كُلِّفَتْ بَيَانَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ قَوْلَيْنِ فِي تَكْلِيفِهَا وَتَكْلِيفِ الزَّوْجِ وَجَزَمَ الشَّيْخُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ إلَّا النِّصْفَ وَفَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الزَّوْجَ ادَّعَى قَدْرًا أَوْ جِنْسًا وَادَّعَتْ خِلَافَهُ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَعَيَّنَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ زَمَانًا غَيْرَ الَّذِي عَيَّنَتْهُ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقَانِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا إلَى آخِرِ الْكَلَامِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَيَّدَ لُزُومَ مَجْمُوعِ الصَّدَاقَيْنِ انْتَهَى. بِمَا إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بِالنِّكَاحَيْنِ مَعًا، وَأَمَّا إذَا أَقَامَتْ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَأْخُذَ مَجْمُوعَ الصَّدَاقَيْنِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ الزَّوْجَ لَمَّا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى خِلَافِ مَا أَقَامَتْ هِيَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ الْمَرْأَةُ حِينَئِذٍ: مَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى عَقْدَيْنِ أَمَّا لَوْ اتَّحَدَ زَمَانُ الْبَيِّنَتَيْنِ لَسَقَطَتَا هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ قَالَ أَصَدَقْتُك أَبَاك فَقَالَتْ: أُمِّي حَلَفَا وَعَتَقَ الْأَبُ) ش اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ: يَحْلِفَانِ، يَنْكُلَانِ، تَنْكُلُ هِيَ وَيَحْلِفُ هُوَ، وَعَكْسُهُ. فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى مَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَاعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ عُلِمَ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا إذَا حَلَفَا فُسِخَ وَكَذَا إذَا نَكَلَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ النَّاكِلُ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْأَبَ يُعْتَقُ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَأَنَّ الْأُمَّ إنَّمَا تُعْتَقُ إذَا نَكَلَ الزَّوْجُ وَحَلَفَتْ الْمَرْأَةُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَوَلَاءُ الْأَبِ لِلْبِنْتِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْأُمُّ: فَلَا كَلَامَ أَنَّهَا إذَا عَتَقَتْ يَكُونُ وَلَاؤُهَا لِلْبِنْتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا

تُعْتَقُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَدْفَعُ إلَيْهَا أَبَاهَا وَإِنْ نَكَلَ فَيُعْتَقَانِ مَعًا الْأَبُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْأُمُّ عَلَى الزَّوْجَةِ بَعْدَ يَمِينِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَوَلَاؤُهُمَا لِلِابْنَةِ وَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ فَلَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ حُرٌّ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ عَنْ مَالٍ أَخَذَ الزَّوْجُ قِيمَةَ الْأَبِ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلِابْنَةِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ أَيْضًا انْتَهَى. . وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ أَيْضًا قِيمَةَ الْأَبِ إذَا مَاتَ عَنْ مَالٍ وَكَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) إذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا وَفُسِخَ النِّكَاحُ فَهَلْ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ أَمْ لَا؟ يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ هَلْ يُفْسَخُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ أَمْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ، وَإِنْ قُلْنَا يُفْسَخُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي هَذَا الْبَابِ جَمِيعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي قَبْضِ مَا حَلَّ فَقَبْلَ الْبِنَاءِ قَوْلُهَا وَبَعْدَهُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ فِيهِمَا) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الزَّوْجِيَّةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ إذَا تَنَازَعَا فِي قَبْضِ مَا حَلَّ وَقَوْلُهُ " قَوْلُهَا " بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَكَذَا قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ فَقَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ التَّنَازُعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَإِلَّا حَلَفَ أَبُوهَا أَوْ وَصِيُّهَا إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الدَّفْعَ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُتَيْطِيّ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي دَفْعِ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ الْبِنَاءِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَادَّعَى دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهَا أَوْ حَلَفَ مَنْ زَوَّجَهَا أَوْ مَنْ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ إنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَادَّعَى دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ مِنْهُمْ دَفَعَ الزَّوْجُ الْمُعَجَّلَ ثَانِيَةً وَدَخَلَ بِأَهْلِهِ وَإِنْ صُرِفَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ حَلَفَ وَبَرِئَ مِنْهُ إنْ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا وَوَجَبَ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ غُرْمُ ذَلِكَ لَهَا وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إنْ كَانَتْ يَتِيمَةً بِكْرًا ذَاتَ وَلِيٍّ وَيَلْزَمُهُ دَفْعُهُ ثَانِيَةً وَيَتْبَعُ بِهِ الْوَلِيَّ الَّذِي حَلَّفَهُ وَإِنْ ادَّعَى دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهَا يُرِيدُ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا يَمِينٌ إنْ أَنْكَرَتْهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إنْ أَقَرَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّهَا سَفِيهَةٌ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا وَلَا قَبْضُهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهَا بَعْدَ عَامٍ مِنْ دُخُولِهِ بِهَا فَتَجِبُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا بِتَمَامِ الْعَامِ تَخْرُجُ مِنْ سَفَهِهَا وَتُنَفِّذُ أُمُورَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الِاخْتِلَافِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ " مَا حَلَّ " يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ حُكْمُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيمَا لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ انْتَهَى. . وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ نَكَحَ عَلَى نَقْدٍ وَمُؤَجَّلٍ فَادَّعَى بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ دَفَعَ الْمُؤَجَّلَ وَأَكْذَبَتْهُ فَإِنْ بَنَى بِهَا بَعْدَ الْأَجَلِ صُدِّقَ وَإِنْ بَنَى بِهَا قَبْلَ الْأَجَلِ صُدِّقَتْ كَانَ الْمُؤَجَّلُ عَيْنًا أَوْ حَيَوَانًا مَضْمُونًا بَعْدَ الْأَيْمَانِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ فِيهِمَا أَيْ: فِي صُورَةِ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَهَا أَوْ قَوْلَهُ وَانْظُرْ إذَا نَكَلَ مَنْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ عَنْ الْيَمِينِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَجَعَلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَثَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَوْرُوثَهُ سَوَاءٌ مَاتَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ وَرَثَةُ الزَّوْجِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا قَدْ دَفَعَهُ أَوْ لَا عِلْمَ لَنَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ ادَّعَى وَرَثَتُهَا عَلَيْهِمْ الْعِلْمَ حَلَفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَدْفَعْ وَلَا يَمِينَ عَلَى غَائِبٍ وَمَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَوْلُهُ فِيهَا مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: الْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الظَّنِّ وَكَانَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَرَدَّدَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ هَلْ يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمَ الْمَوْتِ أَوْ يَوْمَ الْحُكْمِ وَيُذْكَرُ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي أَيَّامِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ الْقَابِسِيِّ فِي بَلَدِ الْقَيْرَوَانِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِمَا وَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي مِنْ الْعَقْدِ إلَى دُخُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ وَإِسْمَاعِيلُ بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ

فرع إذا أخذت بالصداق رهنا ثم سلمته

الْبِنَاءِ عُرْفًا) ش هُوَ تَقْيِيدٌ وَقَيَّدَهُ عِيَاضٌ أَيْضًا بِمَا إذَا ادَّعَى دَفْعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَصْدُقُ فِيهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ إذَا أَخَذَتْ بِالصَّدَاقِ رَهْنًا ثُمَّ سَلَّمَتْهُ] (فَرْعٌ) إذَا أَخَذَتْ بِالصَّدَاقِ رَهْنًا ثُمَّ سَلَّمَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ دَفَعَ وَيَبْرَأُ وَسَوَاءٌ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَاخْتُلِفَ إذَا دَخَلَ وَبَقِيَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا فَقَالَ سَحْنُونٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ يَحْيَى الْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ اللَّخْمِيّ وَابْنَ عَرَفَةَ وَالذَّخِيرَةَ فِيمَا إذَا أَخَذَتْ بِهِ حَمِيلًا فَإِنَّهُمْ أَطَالُوا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَادُ لِلنِّسَاءِ فَقَطْ بِيَمِينٍ وَإِلَّا فَلَهُ بِيَمِينٍ) ش: إذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَانَا بَاقِيَيْنِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ افْتَرَقَا أَوْ مَاتَا فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا أَوْ حَصَلَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ تَقُمْ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لِلْمَرْأَةِ بِمَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لِلنِّسَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَكَذَا الْكَافِرَانِ إنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا؛ لِأَنَّهَا مَظْلِمَةٌ. (قُلْت) إنْ كَانَتْ مَظْلِمَةً كَفَى فِيهَا رَفْعُ الْمَظْلُومِ خِلَافَ قَوْلِهِ تَرَافَعَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْقَرَابَةِ كَالرَّجُلِ سَاكِنًا مَعَ بَعْضِ مَحَارِمِهِ انْتَهَى. وَافْتِرَاقُ الزَّوْجَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ إيلَاءٍ الْحُكْمُ وَاحِدٌ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَوْنُ الدَّارِ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلزَّوْجَةِ سَوَاءٌ انْتَهَى وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [فَرْعٌ لَوْ كَانَ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الزَّوْجَانِ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ] (فَرْعٌ) فَلَوْ كَانَ مَا تَنَازَعَا فِيهِ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ اغْتَسَلَ عَلَى غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ: لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَهُوَ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَالَ فِي رَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ الثَّانِي وَيَدُ الزَّوْجِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ هِيَ الْمُغَلَّبَةُ عَلَى يَدِ الزَّوْجَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا هُوَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَدَ لَهَا مَعَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ انْتَهَى [فَرْعٌ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بَيِّنَةً فِي شَيْءٍ أَنَّهُ لَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَفِيهَا مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِيمَا يُعْرَفُ لِلْآخَرِ أَنَّهُ لَهُ قُضِيَ بِهِ انْتَهَى. فَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بَيِّنَةً فِي شَيْءٍ أَنَّهُ لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنْ تَسَاوَيَا رُجِّحَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَرُجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ هَلْ يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ أَوْ لَهُمَا، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي تَرْجَمَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي شَيْءٍ بِأَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ مَا نَصُّهُ: وَسَأَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ فَأَثْبَتَ عَدَمَهُ بِبَيِّنَةٍ فَأَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ دَارًا هُوَ بِهَا سَاكِنٌ وَأَقَامَتْ امْرَأَةُ الْغَرِيمِ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ لَهَا قَالَ يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنْ تَكَافَأَتَا بَقِيَتْ الدَّارُ لِلزَّوْجِ وَتُبَاعُ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُ أَغْلَبُ مِنْ سُكْنَى امْرَأَتِهِ وَعَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُسْكِنُهَا انْتَهَى. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَا مَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُ الرَّجُلِ وَمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ يُقْضَى بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَوَارِثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ فَمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ يُقْضَى بِهِ لِوَرَثَةِ الرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِمْ وَمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُقْضَى بِهِ لِوَرَثَةِ الرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِمْ وَمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ يُقْضَى بِهِ لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهِمْ أَنَّهُ لَهَا فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلُ أَوْ وَرَثَتُهُ بَيِّنَةً عَلَى مَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ أَنَّهُ لَهُ قُضِيَ لَهُ بِهِ أَوْ لَهُمْ وَكَذَا إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وَرَثَتُهَا بَيِّنَةً عَلَى مَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ أَوْ مَا يُعْرَفُ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ لَهَا وَلَهُمْ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى مَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لِوَرَثَتِهَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهَا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّ فِي يَمِينِهَا

تنبيهان نكل من توجهت عليه اليمين من الزوج

تَأْوِيلَيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمَتَاعُ الَّذِي يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ مِثْلُ الطَّسْتِ وَالنُّورِ وَالْمَنَارَةِ وَالْقِبَابِ وَالْحِجَالِ وَالْأَسِرَّةِ وَالْفُرُشِ وَالْوَسَائِدِ وَالْمَرَافِقِ وَالْبُسُطِ وَجَمِيعِ الْحُلِيِّ إلَّا السَّيْفَ وَالْمِنْطَقَةَ وَالْخَاتَمَ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ لِلرَّجُلِ وَلِلرَّجُلِ جَمِيعُ الرَّقِيقِ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَأَمَّا أَصْنَافُ الْمَاشِيَةِ وَمَا فِي الْمَرَابِضِ مِنْ خَيْلٍ أَوْ بِغَالٍ أَوْ حَمِيرٍ فَلِمَنْ حَازَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُمْدَةَ فِيمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ أَوْ لِلنِّسَاءِ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ فِي مِثْلِ الزَّوْجَيْنِ قَالُوا حَتَّى إنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ وَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ يَكُونُ مِنْ مَتَاعِ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ وَمِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَانِ نَكَلَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ الزَّوْجِ] (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) اُنْظُرْ لَوْ نَكَلَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ أَوْ وَرَثَتِهِ (الثَّانِي) سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ حُكْمُ مَنْ أَشْهَدَ لِامْرَأَتِهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ بَيْتِهَا فَهُوَ لَهَا وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي الْحُكْمِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ غَالِبَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مِثْلُ الطَّسْتِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِنَا يَقْرَءُوهُ عَلَى شُيُوخِنَا بِكَسْرِ الطَّاءِ وَقَالَ شَيْخُنَا: أَعْرِفُ الرِّوَايَةِ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ الْحِجَازِيِّ عَلَى الشِّفَاءِ فِي الْبَابِ الثَّانِي الطَّسْتُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ سِينٍ فَهُوَ طَسٌّ بِالتَّشْدِيدِ أُبْدِلَتْ لِلِاسْتِثْقَالِ وَإِذَا أُجْمِعَتْ وَصُغِّرَتْ رُدَّتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السِّينِ بِأَلِفِ الْجَمْعِ أَوْ يَاءِ التَّصْغِيرِ فَتَقُولُ طِسَاسٌ وَطُسَيْسٌ وَيُقَالُ طَسَّةٌ وَتُفْتَحُ الطَّاءُ فِي الْجَمِيعِ وَتُكْسَرُ وَقَدْ تُضَمُّ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْقَامُوسِ أَنَّهُ يُقَالُ بِالشِّينِ انْتَهَى. ص (وَلَهَا الْغَزْلُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ الْكَتَّانَ لَهُ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْت) إنْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ الْحَاكَةِ وَأَشْبَهَ غَزْلُهُ غَزْلَهَا فَمُشْتَرَكٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِمَنْ أَشْبَهَ غَزْلَهُ مِنْهَا انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى شِرَاءِ مَا لَهَا حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ كَالْعَكْسِ وَفِي حَلِفِهَا تَأْوِيلَانِ) ش قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْوَرَثَةُ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ بِمَنْزِلَتِهِمَا إلَّا أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْلِفُونَ فِيمَا يَدَّعِي

فرع طلقها وعليها ثياب وطالبته بالكسوة

عَلَيْهِمْ فِيهِ الْعِلْمَ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الزَّوْجَ اشْتَرَى هَذَا الَّذِي يَدَّعِيهِ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ، وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ انْتَهَى وَأَصْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [فَرْعٌ طَلَّقَهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ وَطَالَبَتْهُ بِالْكِسْوَةِ] (فَرْعٌ) إذَا طَلَّقَهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ وَطَالَبَتْهُ بِالْكِسْوَةِ فَقَالَ لَهَا: مَا عَلَيْك فَهُوَ لِي وَقَالَتْ: بَلْ هُوَ لِي أَوَعَارِيَّةُ عِنْدِي فَلِلْأَنْدَلُسِيِّينَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَقَالَ ابْنُ دَحُونٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الْمُشَاوِرُ: إنْ كَانَتْ مِنْ كِسْوَةِ الْبِذْلَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَّا فَقَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِذَا حَلَفَتْ كَسَاهَا. وَإِذَا اشْتَرَى لِزَوْجَتِهِ ثِيَابًا فَلَبِسَتْهَا فِي غَيْرِ الْبِذْلَةِ ثُمَّ فَارَقَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا عَارِيَّةً وَأَنْكَرَتْهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَشْتَرِي ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِلَّا فَقَوْلُهَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا عُرِفَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا فَقِيرَةٌ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إلَّا فِي قَدْرِ صَدَاقِهَا انْتَهَى.

فصل في الوليمة

[فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ص (فَصْلٌ: الْوَلِيمَةُ مَنْدُوبَةٌ بَعْدَ الْبِنَاءِ يَوْمًا) ش: قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ الْخَامِسِ فِي تَرْجَمَةِ وَجْهِ الْإِطْعَامِ فِي الْوَلِيمَةِ، قَالَ مَالِكٌ: كَانَ رَبِيعَةُ يَقُولُ: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الطَّعَامُ فِي الْوَلِيمَةِ لِإِثْبَاتِ النِّكَاحِ وَإِظْهَارِهِ وَمَعْرِفَتِهِ لِأَنَّ الشُّهُودَ يَهْلِكُونَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَلِيمَةِ وَحَضَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» وَبِمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِبَنِي زُرَيْقٍ فَسَمِعُوا غِنَاءً وَلَعِبًا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: نَكَحَ فُلَانٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: كَمُلَ دِينُهُ، هَذَا النِّكَاحُ لَا السِّفَاحُ، وَلَا نِكَاحَ حَتَّى يُسْمَعَ دُفٌّ أَوْ يُرَى دُخَانٌ» ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي الْعَارِضَةِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ الطَّعَامَ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ عَقْدِهِ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ مَا أُطْعِمَ قَطُّ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: لَيْسَ فِي الْوَلِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النِّسَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَلِيمَةِ عَلَى غَيْرِهَا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا وَإِنَّمَا كَانَ بِقَدْرِ الْوَجْدِ، انْتَهَى. وَهَذَا إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ بِقَصْدٍ فَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ فَلَا يَحْرُمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَالْوَلِيمَةُ فِي السَّفَرِ مَطْلُوبَةٌ كَالْحَضَرِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْقُرُبَاتِ الَّتِي يُسْقِطُهَا السَّفَرُ، انْتَهَى. ص (وَتَجِبُ إجَابَةُ مَنْ عَيَّنَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَابَةَ تَجِبُ يَوْمًا وَاحِدًا عَلَى مَنْ دَعَا مُعَيَّنًا وَمُرَادُهُ سَوَاءٌ كَانَ سَابِعًا أَوْ غَيْرَ سَابِعٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ جَعَلَ الْوَلِيمَةَ السَّابِعَ مَعًا وَجَبَتْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ

فروع الأول إذا دعاك داعيان إلى الوليمة

لِحَقٍّ وَمَنْ دَعَا لِلسَّابِعِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُ لِحَقٍّ بَلْ لِمَعْرُوفٍ وَكَذَا مَنْ تَرَكَ الْوَلِيمَةَ وَفَعَلَ السَّابِعَ وَإِنْ أَخَّرَ الْوَلِيمَةَ لِلسَّابِعِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُجِيبُ وَلَيْسَ كَالْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا جَعَلَ الْوَلِيمَةَ وَالسَّابِعَ وَوَجْهُ تَعْلِيلِهِ تَخْفِيفُ الْإِتْيَانِ لِمَا قَالَ: هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّجُلُ قَدْ يَجْمَعُهُمَا احْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ الْوَلِيمَةَ إلَى يَوْمِ السَّابِعِ بَلْ تَرَكَهَا وَعَلِمَهُ وَلَوْ كَانَ عَادَةُ النَّاسِ بِالْبَلَدِ أَنَّهُمْ لَا يُولِمُونَ إلَّا يَوْمَ السَّابِعِ لَوَجَبَتْ الْإِجَابَةُ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَطَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ: مَسْأَلَةٌ فِيمَا يُؤْتَى مِنْ الْوَلَائِمِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: هِيَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةُ الْإِجَابَةِ إلَيْهَا وَهِيَ وَلِيمَةُ النِّكَاحِ وَمُسْتَحَبَّةُ الْإِجَابَةِ وَهِيَ الْمَأْدُبَةُ وَهِيَ الطَّعَامُ يُعْمَلُ لِلْجِيرَانِ لِلْوِدَادِ وَمُبَاحَةُ الْإِجَابَةِ وَهِيَ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مَذْمُومٍ كَالْعَقِيقَةِ لِلْمَوْلُودِ وَالنَّقِيعَةِ لِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ وَالْوَكِيرَةِ لِبِنَاءِ الدَّارِ وَالْخَرْسِ لِلنِّفَاسِ وَالْإِعْذَارِ لِلْخِتَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْفَخْرُ وَالْمَحْمَدَةُ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْهَيْئَاتِ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ مِثْلِ ذَلِكَ يَخْرِقُ الْهَيْئَةَ وَقَدْ قِيلَ مَا وَضَعَ أَحَدٌ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ أَحَدٍ إلَّا ذَلَّ لَهُ، وَمُحَرَّمَةُ الْإِجَابَةِ وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولَ هَدِيَّتِهِ كَأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِلْقَاضِي، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَأَمَّا طَعَامُ إعْذَارِ الْخِتَانِ وَنَقِيعَةِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَخَرْسٍ لِنِفَاسِ وَمَأْدُبَةٍ لِدَعْوَةٍ وَحَدَقَةٍ لِقِرَاءَةِ صَبِيٍّ وَوَكِيرَةٍ لِبِنَاءِ دَارٍ فَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْعَقِيقَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْقِسْمِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمُبَاحِ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ رَسْمِ قَطْعِ الشَّجَرَةِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ فِي الْقِسْمِ الْمُبَاحِ نَحْوُ مَالِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَصُّهُ: الدَّعْوَةُ فِي الْخِتَانِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِزِ الَّذِي لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ، انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ نَحْوُهُ فِي الْبَيَانِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَأَشَارَ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْمَأْدُبَةِ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْإِعْذَارُ طَعَامُ الْخِتَانِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ فَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى وَزْنِ أَفْعَالٍ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ إذَا دَعَاكَ دَاعِيَانِ إلَى الْوَلِيمَةِ] (فُرُوعٌ. الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: إذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ أَجِبْ أَقْرَبَهُمَا مِنْك بَابًا فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَالسَّابِقُ، انْتَهَى. [الفرع الثَّانِي إذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إلَى الْوَلِيمَةِ وَغَيْرِهَا] (الثَّانِي) قَالَ فِي رَسْمِ الْجَامِعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: إذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إلَى الْوَلِيمَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ لَهُ: ائْتِ بِمَنْ تُحِبُّ مَعَكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مِنْ إخْوَانِهِ مَا شَاءَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيْنَ أَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ مَنْ شَاءَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَصْحِبِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ صَاحِبُ الْوَلِيمَةِ إلَى دُعَائِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهَا عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ سَمَاعِ أَشْهَبَ: قُلْت: أَرَأَيْتَ صَاحِبَ الْوَلِيمَةِ يَدْعُو إنْسَانًا فَيَقُولُ لَهُ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ لَقِيتَ فَادْعُهُ. فَيَدْعُو الرَّجُلُ أَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِ الْإِجَابَةِ، فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى هَذَا بَأْسٌ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ. [الفرع الثَّالِثُ حُكْمُ حُضُورِ وَلِيمَةِ الْيَهُودِيِّ وَالْأَكْلِ مِنْهَا] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْضُرَ وَلِيمَةَ الْيَهُودِيِّ وَيَأْكُلَ مِنْهَا، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُخْتَهُ وَلَا عَمَّتَهُ وَلَا خَالَتَهُ. (قُلْتُ) الْأَصْوَبُ أَوْ الْوَاجِبُ عَدَمُ إجَابَتِهِ لِأَنَّ فِي إجَابَتِهِ إعْزَازًا لَهُ، وَالْمَطْلُوبُ إذْلَالُهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ فِيهِ نَظَرٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي مِلَّتِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ عَنْ النَّصْرَانِيِّ يَخْتِنُ ابْنًا لَهُ فَيَدْعُو مُسْلِمًا أَتَرَى أَنْ يُجِيبَهُ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ جَاءَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضِيقٌ إنْ جَاءَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَا حَرَجَ إنْ فَعَلَهُ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَفْعَلَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَدُّدِ إلَى الْكُفَّارِ

فرعان لا يخص الأغنياء بالوليمة

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ ص (وَإِنْ صَائِمًا) ش: (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَبِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ صَائِمٌ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ وَقَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنْ يُسَامَحَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ لَمْ يُحْضِرْ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ وَمُنْكَرٌ كَفُرُشٍ حَرِيرٍ وَصُوَرٍ عَلَى كَجِدَارٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا رَأَى مُنْكَرًا أَوْ خَافَ أَنْ يَرَاهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ. وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ: أَمَّا الَّذِي يَصِحُّ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَ النَّظَرِ أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ وَاجِبَةٌ إذَا خَلَصَتْ وَلِيمَةُ الدَّاعِي لِلَّهِ وَخَلَصَتْ وَلِيمَتُهُ عَمَّا لَا يُرْضِي اللَّهَ وَلَمَّا عُدِمَ هَذَا سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْ الْخَلْقِ بَلْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَلَا مَعْنَى لِلْإِطْنَابِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الطَّعَامِ شُبْهَةٌ أَوْ تَلْحَقُ فِيهِ مِنَّةٌ أَوْ رُؤْيَةُ مُنْكَرٍ فَلَا يَجُوزُ الْحُضُورُ وَلَا الْأَكْلُ وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، انْتَهَى. [فَرْعَانِ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ بِالْوَلِيمَةِ] (فَرْعَانِ. الْأَوَّلُ) قَالَ الْأَبِيُّ وَيَأْتِي لِابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ زِيَادَةُ مَانِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَخُصَّ بِالدَّعْوَةِ الْأَغْنِيَاءَ فَإِنْ خَصَّهُمْ سَقَطَ الْوُجُوبُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ.» . ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ اخْتِصَاصُ الْأَغْنِيَاءِ بِالدَّعْوَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ تُجَابُ دَعْوَتُهُ أَمْ لَا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا تُجَابُ وَنَحَا نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ الْخَامِسِ فِي تَرْجَمَةِ حِكَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إتْيَانِ الْوَلِيمَةِ، قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ دُونٌ فَأَتَى لِيَدْخُلَ فَمُنِعَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَذَهَبَ فَلَبِسَ ثِيَابًا جِيَادًا ثُمَّ جَاءَ فَأُدْخِلَ فَلَمَّا وُضِعَ الثَّرِيدُ وَضَعَ كُمَّيْهِ. عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ مَا هَذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ الَّتِي أُدْخِلَتْ وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَدْخُلْ قَدْ رَدَدْت إذْ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ ثُمَّ بَكَى. وَقَالَ: ذَهَبَ حِبِّي وَلَمْ يَنَلْ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَبَقِيتُمْ تُهَانُونَ بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْوَلِيمَةُ الَّتِي رَدَّ فِيهَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْهُ مِنْ حُجَّابِ بَابِ الْوَلِيمَةِ إذْ ظَنَّهُ فَقِيرًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ الدُّونِ وَأَدْخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ رَآهُ مِنْ حُجَّابِهَا فِي صِفَةِ الْأَغْنِيَاءِ بِالثِّيَابِ الْحِسَانِ هِيَ الَّتِي، قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَيُرْوَى: بِئْسَ الطَّعَامُ يُرِيدُ أَنَّهُ بِئْسَ الطَّعَامُ لِمُطْعِمِهِ إذْ رَغِبَ عُمَّالُهُ فِي الْحَظِّ مِنْ أَنْ لَا يَخُصَّ بِطَعَامِهِ الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْفُقَرَاءِ فَالْبَأْسُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ دَعَاهُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَبَكَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَفَقًا مِنْ تَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ عَلَى قُرْبِ الْعَهْدِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَغْبَةِ النَّاسِ عَمَّا نُدِبُوا إلَيْهِ فِي وَلَائِهِمْ مِنْ عَمَلِهَا وَتَرْكِ الرِّيَاءِ فِيهَا وَالسُّمْعَةِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا فِي وَلِيمَةٍ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ فَعَزَلَ الْفُقَرَاءَ عَنْهُمْ، وَقَالَ: نُطْعِمُكُمْ مَا يَأْكُلُونَ لَا تُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُمْ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ فَلَا تُعَوِّلُوا عَلَيْهِ وَلَوْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، وَالْفُقَرَاءُ لِفُرْقَتِهِمْ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَيَعْتَذِرْ إلَيْهِمْ فَإِنَّ هَذَا كَسْرٌ لِنُفُوسِهِمْ وَإِثْمٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِمْ فَلَا يَنْفَعُ إشْبَاعُهُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَقَدْ أَرْخَصَ مَالِكٌ فِي التَّخَلُّفِ لِكَثْرَةِ زِحَامِ النَّاسِ فِيهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَنْ حَضَرَ يَأْكُلُونَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ قَوْمٌ يَنْظُرُونَهُمْ فَهَذَا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ، انْتَهَى. ص (لَا مَعَ لَعِبٍ مُبَاحٍ

تنبيه أنواع الأطعمة في بعض الأعراس أو الولائم أو الأعياد

وَلَوْ لِذِي هَيْئَةٍ) ش: قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ: وَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ يُدْعَى إلَى الْوَلِيمَةِ وَفِيهَا إنْسَانٌ يَمْشِي عَلَى الْحَبْلِ وَآخَرُ يَجْعَلُ فِي جَبْهَتِهِ خَشَبَةً ثُمَّ يَرْكَبُهَا إنْسَانٌ. فَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَأْتِيَ قِيلَ فَإِنْ دَخَلَ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ أَيَخْرُجُ، قَالَ: نَعَمْ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140] ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اللَّعِبُ فِي الْوَلِيمَةِ هُوَ مِنْ نَاحِيَةِ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنْ اللَّهْوِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا رُخِّصَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ هَلْ الرُّخْصَةُ فِيهِ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ أَوْ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، فَقَالَ أَصْبَغُ فِي سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ عَمَلُهُ وَلَا حُضُورُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَمَلَهُ وَحُضُورَهُ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ خِلَافُ قَوْلِ أَصْبَغَ إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ لِذِي الْهَيْئَةِ أَنْ يَحْضُرَ اللَّعِبَ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي مَا فِي الرَّسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا الْغِرْبَالِ. ص (وَفِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمُفْطِرِ تَرَدُّدٌ) ش: أَشَارَ لِقَوْلِ الْبَاجِيِّ لَا نَصَّ لِأَصْحَابِنَا وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ تَقْتَضِي الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُجِيبُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، قَالَ: وَهُوَ نَصٌّ فِقْهِيٌّ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي. وَقَالَ: يُعْتَرَضُ بِقَوْلِ الرِّسَالَةِ وَأَنْتَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ، انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّانِيَ نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْإِتْيَانِ إلَى الْوَلِيمَةِ، فَقَالَ: أَرَى أَنْ يَأْتِيَهَا فَقِيلَ لَهُ رُبَّمَا كَانَ الزِّحَامُ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِمَوْضِعِهِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ الزِّحَامُ فَإِنِّي أَرَى لَهُ سَعَةً فَقِيلَ لَهُ فَيُجِيبُ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا، قَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ يُجِيبَ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ أَرَى أَنْ يُجِيبَ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ يُرِيدُ أَنَّ الْإِجَابَةَ تَلْزَمُهُ كَانَ صَائِمًا أَوْ مُفْطِرًا فَإِنْ كَانَ صَائِمًا صَلَّى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَيْ دَعَا وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ أَنْ يَأْكُلَ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ وَيُنْدَبُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَكْلِ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يُوجِبُونَ عَلَيْهَا الْأَكْلَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى مِنْ إطْرَاحِ أَحَدِهِمَا ا، هـ (نُكْتَةٌ) عَجِيبَةٌ أَخْبَرَنِي سَيِّدِي الْوَالِدُ حَفِظَهُ اللَّهُ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ الرِّسَالَةَ أَنَّهُ، قَالَ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَأَنْتَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ لُقْمَةٍ كَالْخِيَارَةِ وَهُوَ فَهْمٌ غَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ أَنْوَاع الْأَطْعِمَةِ فِي بَعْضِ الْأَعْرَاسِ أَوْ الْوَلَائِمِ أَوْ الْأَعْيَادِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يُفْعَلُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي بَعْضِ الْأَعْرَاسِ أَوْ الْوَلَائِمِ أَوْ الْأَعْيَادِ مِنْ طَعَامٍ رَفِيعٍ أَوْ حَلَاوَةٍ وَقَصْدِ بَعْضِ النَّاسِ بِهَا الْمُفَاخَرَةَ وَعَرْضِهِ فَقَطْ لَا أَكْلِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ أَكْلِهِ فَإِنْ حَضَرَ لِضَرُورَةٍ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرَ مَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ صَاحِبِهِ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِفْدَاحُ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ إذَا لَمْ يُصْنَعْ لِذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: إذَا قُدِّمَ الطَّعَامُ لِضِيَافَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرَ مَا يَأْتِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى جَارِهِ فِي نَصِيبِهِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ كَثِيرًا أَوْ أَكَلَ أَكْلًا خَارِجًا عَنْ الْمُعْتَادِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِئْذَانِ رَبِّ الطَّعَامِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالِازْدِرَادِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ إلَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ وَلَا يُطْعِمُ مِنْهُ هِرًّا وَلَا غَيْرَهَا إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالتَّمْكِينِ فَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْهِرَّ وَنَحْوَهَا وَنَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْقَرَافِيُّ فِي آخِرِ شَرْحِهِ لِلتَّنْقِيحِ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ الِانْتِفَاعَ فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً لَا عُمُومَ مَنْفَعَةِ الطَّعَامِ فِي كَمَالِ التَّصَرُّفِ كَمَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَبْسِ. وَبَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ الصَّالِحِ

أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّمَّاحِ شَيْخِ عَصْرِهِ فِي بَلَدِهِ أَكَلَ مَعَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَعَامًا فَجَاوَزَ الْعَادَةَ فَخَافَ الْبَدَوِيُّ الْفَضِيحَةَ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي يَقُولُ النَّاسُ مَنْ رَاءَى فِي أَكْلِهِ رَاءَى فِي دِينِهِ، فَقَالَ لَهُ: اُسْكُتْ مَنْ رَاءَى فِي أَكْلِهِ سُتِرَ فِي دِينِهِ، انْتَهَى. ص (وَكُرِهَ نَثْرُ اللَّوْزِ وَالسُّكَّرِ) ش: قَالَ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعَقِيقَةِ، قَالَ مَالِكٌ فِيمَا يُنْثَرُ عَلَى الصِّبْيَانِ عِنْدَ خُرُوجِ أَسْنَانِهِمْ وَفِي الْعَرَائِسِ فَتَكُونُ فِيهِ النُّهْبَةُ، قَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ يُنْتَهَبُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَهُ مَالِكٌ بِكُلِّ حَالٍ لِظَوَاهِرِ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ نَهْيُهُ عَنْ النُّهْبَةِ وَأَنَّهُ قَالَ: «النُّهْبَةُ لَا تَحِلُّ» وَأَنَّهُ، قَالَ: «مَنْ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا» وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ أَمَّا مَا يُنْثَرُ عَلَيْهِمْ لِيَأْكُلُوهُ عَلَى وَجْهِ مَا يُؤْكَلُ دُونَ أَنْ يُنْتَهَبَ، فَانْتِهَابُهُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ مُخْرِجَهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي أَكْلِهِ عَلَى وَجْهِ مَا يُؤْكَلُ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَأْكُلُ مِنْهُ مَعَ أَصْحَابِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَكْلِ فَقَدْ أَخَذَ حَرَامًا وَأَكَلَ سُحْتًا لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْوَعِيدِ وَأَمَّا مَا يُنْثَرُ عَلَيْهِمْ لِيَنْتَبِهُوهُ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ وَتَأَوَّلَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِانْتِهَابِ إنَّمَا مَعْنَاهُ انْتِهَابُ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي انْتِهَابِهِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحَبُّ الْأَيَّامِ إلَى اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقُرْبِ فَقُرِّبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَنَاتٍ خَمْسًا أَوْ سِتًّا فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ فَلَمَّا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا قَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً لَمْ أَفْهَمْهَا فَقُلْت لِلَّذِي كَانَ إلَى جَنْبِي مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: اقْتَطِعْ» «وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْحَرْهَا ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا وَخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُونَهَا» ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْكَافِي: وَطَعَامُ النُّهْبَةِ إذَا أَذِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ وَذَلِكَ نَحْوُ مَا يُنْثَرُ عَلَى رُءُوسِ الصِّبْيَانِ وَفِي الْأَعْرَاسِ وَالْخِتَانِ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهِ وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى، انْتَهَى. ص (لَا الْغِرْبَالِ وَلَوْ لِرَجُلٍ وَفِي الْكَبَرِ وَالْمِزْهَرِ ثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي الْكَبَرِ ابْنُ كِنَانَةَ وَتَجُوزُ الزَّمَّارَةُ وَالْبُوقُ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: الْغِرْبَالُ هُوَ الدُّفُّ الْمُدَوَّرُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَغْشِيٌّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا: الْمِزْهَرُ هُوَ الْمُرَبَّعُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: وَالْغِرْبَالُ هُوَ الدُّفُّ الْمُدَوَّرُ وَلَيْسَ الْمِزْهَرُ وَالْمِزْهَرُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مُحْدَثٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمِزْهَرَ أَلْهَى وَكُلَّمَا كَانَ أَلْهَى كَانَ أَغْفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَكَانَ مِنْ الْبَاطِلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: الدُّفُّ هُوَ الْغَشْيُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَوْتَارٌ وَلَا جَرَسٌ وَيُسَمَّى الْآنَ بِالْبُنْدَيْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الْمَوْلُودِ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الطَّارَّ الَّذِي فِيهِ الصَّرَاصِيرُ مُحَرَّمٌ وَكَذَلِكَ الشَّبَّابَةُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إجَازَةِ الدُّفِّ وَهُوَ الْغِرْبَالُ فِي الْعُرْسِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ مُسْتَوْفَى. وَقَالَ الشَّيْخُ جَعْفَرُ بْنُ ثَعْلَبٍ الْإِدْفَوِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمِصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْإِقْنَاعِ فِي أَحْكَامِ السَّمَاعِ: وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى إبَاحَةِ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ

وَالْعِيدِ وَقُدُومِ الْغَائِبِ وَكُلِّ سُرُورٍ حَادِثٍ وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كَشْفِ الْقِنَاعِ لَمَّا ذَكَرَ أَحَادِيثَ تَقْتَضِي الْمَنْعَ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ فِي النِّكَاحِ وَأَوْقَاتِ السُّرُورِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الْمَوَاضِعُ مِنْ الْمَنْعِ الْمُطْلَقِ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: مِنْ السُّنَّةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ، انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَ هَذَا وَقَبْلَ الْأَوَّلِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ كَلَامٍ ذَكَرَهُ وَقَسَّمَهُ: إنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ الْمُشْهِرَةِ لِلنِّكَاحِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ وَذَكَرَ الدُّفَّ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَلَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَرُخِّصَ فِي الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ، وَفِي الْكَبَرِ وَالْمِزْهَرِ أَقْوَالٌ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الدُّفِّ بِالْجَلَاجِلِ مَا نَصُّهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمَّا اسْتَثْنَى الدُّفَّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ: وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ الطَّارَّاتُ ذَاتُ الصَّلَاصِلِ وَالْجَلَاجِلِ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِطْرَابِ وَإِذَا كَانَ الضَّارِبُ بِهَا رَجُلًا، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَكُونُ الدُّفُّ إلَّا لِلنِّسَاءِ وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الرِّجَالِ ثُمَّ، قَالَ: وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ يَعْنِي مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ الْجَلَاجِلِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَذَهَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ إلَى جَوَازِ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ وَالْمِزْهَرِ فِي الْعُرْسِ إلَّا لِلْجَوَارِي الْعَوَاتِقِ فِي بُيُوتِهِنَّ وَمَا أَشْبَهَهُنَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَيَجْرِي لَهُنَّ مَجْرَى الْعُرْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ فِي مُؤَلَّفِهِ فِي السَّمَاعِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطُّبُولِ وَالْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ اسْتِثْنَاءُ طَبْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَيَحْيَى بْنِ مُزَيْنٍ وَالْمِزْهَرُ أَعْنِي الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ وَالْخِلَافَ فِي اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالنِّسَاءِ أَوْ يَعُمُّ الرِّجَالَ ثُمَّ، قَالَ: تَنْبِيهٌ: الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْمِزْهَرَ الْعُودُ، وَلَمْ أَرَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ ذَكَرَ خِلَافَهُ وَكُتُبُ الْفُقَهَاءِ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَعْنُونَ بِالدُّفِّ الْمُرَبَّعَ الْمَغْلُوفَ وَصَرَّحَ بِهِ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ الْمَالِكِيِّ وَالْكَبَرُ الطَّبْلُ الْكَبِيرِ وَلَعَلَّهُ الطَّلَخَانَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ سَلَفَ دِينَارًا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي رَسْمِ النِّكَاحِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَاسْتَوْفَى ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي سَمَاعِ عِيسَى الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ سَمَاعِ عِيسَى وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ ثُمَّ نَتْبَعُهُ بِمَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُدْعَى إلَى الصَّنِيعِ فَيَجِدُ بِهِ اللَّعِبَ أَيَدْخُلُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ الشَّيْءُ الْخَفِيفُ مِثْلَ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ الَّذِي يَلْعَبُ بِهِ النِّسَاءُ فَمَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ بِالصَّنِيعِ صَنِيعَ الْعُرْسِ أَوْ صَنِيعَ الْعُرْسِ وَالْمُلَّاكِ عَلَى مَا قَالَهُ أَصْبَغُ فِي سَمَاعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي رُخِّصَ فِيهِ بَعْضُ اللَّهْوِ فِيهِ لِمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ إعْلَانِ النِّكَاحِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت عَلَى إجَازَةِ الدُّفِّ وَهُوَ الْغِرْبَالُ فِي الْعُرْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبَرِ وَالْمِزْهَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا يُحْمَلَانِ جَمِيعًا مَحْمَلَ الْغِرْبَالِ وَيَدْخُلَانِ مَدْخَلَهُ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِمَا فِي الْعُرْسِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَحْمَلَهُ وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي عُرْسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي سَمَاعِهِ بَعْدَ هَذَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَعَلَيْهِ يَأْتِي مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَنَّ الْكَبَرَ إذَا بِيعَ يُفْسَخُ بَيْعُهُ وَيُؤَدَّبُ أَهْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْكَبَرِ فَأَحْرَى أَنْ يَقُولَهُ فِي الْمِزْهَرِ؛ لِأَنَّهُ أَلْهَى مِنْهُ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يُحْمَلُ مَحْمَلَهُ وَيُدْخَلُ مُدْخَلَهُ فِي الْكَبَرِ وَحْدَهُ دُونَ الْمِزْهَرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا وَفِي رَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَعَلَيْهِ يَأْتِي مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّرِقَةِ أَنَّ السَّارِقَ يُقْطَعُ فِي قِيمَةِ الْكَبَرِ صَحِيحًا وَلِابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إجَازَةُ الْبُوقِ فِي الْعُرْسِ فَقِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْبُوقَاتِ وَالزَّمَّارَاتِ الَّتِي لَا تُلْهِي كُلَّ

الْإِلْهَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ مَا أُجِيزَ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِزِ الَّذِي يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ فِي أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ وَلَا ثَوَابَ فِي تَرْكِهِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْجَائِزِ الَّذِي تَرْكُهُ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِهِ فَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ الثَّوَابِ إلَّا أَنَّ فِي فِعْلِهِ حَرَجًا أَوْ عِقَابًا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ كَرِهَ الدِّفَافَ وَالْمَعَازِفَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ، فَقَالَ أَصْبَغُ فِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ وَأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ عَمَلُهُ وَلَا حُضُورُهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَمَلَهُ وَحُضُورَهُ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ خِلَافُ قَوْلِ أَصْبَغَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ كُرِهَ لِذِي الْهَيْئَةِ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَحْضُرَ اللَّعِبَ. رَوَى ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ عَمَلُهُ مِنْ اللَّهْوِ فِي الْعُرْسِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ دُعِيَ إلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى ذَلِكَ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، قَالَ أَصْبَغُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ عَنْ الَّذِي يُدْعَى إلَى الصَّنِيعِ فَجَاءَ فَوَجَدَ فِيهِ لَعِبًا أَيَدْخُلُ؟ ، قَالَ: إنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا مِثْلَ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ الَّذِي يَلْعَبُ بِهِ النِّسَاءُ فَمَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يُعْجِبُنِي وَلْيَرْجِعْ وَقَدْ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْ الَّذِي يَحْضُرُ الصَّنِيعَ وَفِيهِ اللَّهْوُ، فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي لِلرَّجُلِ ذِي الْهَيْئَةِ يَحْضُرُ اللَّعِبَ. وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَسُئِلَ عَنْ ضَرْبِ الْكَبَرِ وَالْمِزْمَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّهْوِ يَنَالُكَ سَمَاعَهُ وَتَجِدُ لَذَّتَهُ وَأَنْتَ فِي طَرِيقٍ أَوْ مَجْلِسٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَقُومَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إلَى وَلِيمَةٍ فَلَمَّا جَاءَ سَمِعَ لَهْوًا فَرَجَعَ فَلَقِيَهُ الَّذِي دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَالَكَ رَجَعْتَ أَلَا تَدْخُلُ؟ ، فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ، فَهُوَ مِنْهُمْ وَمَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكَ مَنْ عَمِلَهُ» . قَالَ أَصْبَغُ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أَسِيدٍ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ إذَا دُعِيَ إلَى الْوَلِيمَةِ يَقُولُ: أَفِيهَا بَرَابِطُ؟ فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ، قَالَ: لَا دَعْوَةَ لَهُمْ وَلَا نِعْمَةَ عَيْنٍ. قَالَ أَصْبَغُ: مَا جَازَ لِلنِّسَاءِ مِمَّا جُوِّزَ لَهُنَّ مِنْ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ فِي الْعُرْسِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ عَمَلُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ عَمَلُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ حُضُورُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ غَيْرُ الْكَبَرِ وَالدُّفِّ وَلَا غِنَاءَ مَعَهَا وَلَا ضَرْبَ وَلَا بَرَابِطَ وَلَا مِزْمَارَ وَذَلِكَ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ فِي الْفَرَحِ وَغَيْرِهِ إلَّا ضَرْبًا بِالدُّفِّ وَالْكَبَرِ هَمَلًا، وَبِذِكْرِ اللَّهِ وَتَسْبِيحًا وَحَمْدًا عَلَى مَا هَدَى أَوْ بِرَجَزٍ خَفِيفٍ لَا بِمُنْكَسِرٍ وَلَا طَوِيلٍ مِثْلُ الَّذِي جَاءَ فِي جِوَارِي الْأَنْصَارِ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ وَلَوْلَا الْحَبَّةُ السَّمْرَا ... الَمْ نُحْلِلْ بِوَادِيكُمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يُعْجِبُنِي مَعَ ذَلِكَ الصَّفْقُ بِالْأَيْدِي وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ أَصْبَغُ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ بِقَطْعِ اللَّهْوِ كُلِّهِ إلَّا الدُّفَّ وَحْدَهُ فِي الْعُرْسِ وَحْدَهُ. فَهَذَا رَأْيِي وَأَحَبُّ إلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا فِي الْمُلَّاكِ عَلَى مِثْلِ الْعُرْسِ وَمَا فَسَّرْنَا فِيهِ فَهُوَ مِنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ «أَظْهِرُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» وَحَدِيثَ «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» . ثُمَّ، قَالَ أَصْبَغُ: فَالْإِعْلَانُ يَجْمَعُ عِنْدِي الْمُلَّاكَ وَالْعُرْسَ جَمِيعًا أَنْ يُعْلَنَ بِهِمَا وَلَا يَسْتَخْفِي بِهِمَا سِرًّا فِي التَّفْسِيرِ وَيَظْهَرُ بِهِمَا بِبَعْضِ اللَّهْوِ مِثْلُ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ لِلنِّسَاءِ وَالْغِرْبَالُ هُوَ الدُّفُّ الْمُدَوَّرُ. وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ فِي تَعْرِيفِهِ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ الْبَاطِلِ فَمُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ اللَّهْوُ وَالْبَاطِلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ بَاطِلٌ إلَّا ثَلَاثَ» ، قَالَ

فصل في القسم للزوجات في المبيت

الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إذَا جُمِعَ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانَ الْغِنَاءُ مِنْ الْبَاطِلِ وَكَانَ الْبَاطِلُ فِي النَّارِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: وَالْبَاطِلُ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] . كَمَا أَنَّ الْقِمَارَ حُرِّمَ لِلَهْوِهِ وَمَيْسِرِهِ فَهُوَ لَهْوٌ كُلُّهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي اللَّهْوِ فِي الْعُرْسِ وَمَا يَجُوزُ مِنْ عَمَلِهِ وَحُضُورِهِ مُوعَبًا فِي رَسْمِ طَلْقِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي رَسْمٍ سَلَفَ دِينَارًا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَهُنَا. وَأَشَارَ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ثُمَّ قَالَ: وَالثَّلَاثُ الَّتِي أُبِيحَ اللَّهْوُ بِهَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ «مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ» ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) حُكِيَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْحَسَنَ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ هُوَ وَجَمَاعَةٌ فَأَكَلُوا ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ جِيءَ بِمِجْمَرٍ بِيَدِ جَارِيَةٍ فَأَجْمَرَتْهُ ثُمَّ أَدْخَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ ثِيَابِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهَا وَدَهَنَتْ لِحْيَتَهُ بِيَدِهَا فَلَمْ يَمْنَعْهَا، انْتَهَى. . [فَصْلٌ فِي الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ] ص (فَصْلٌ. إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ) ش: أَفَادَ بِقَوْلِهِ لِلزَّوْجَاتِ أَنَّ الزَّوْجَةَ وَالْأَمَةَ لَا قَسْمَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَيْنَ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ مِنْ الْمَوْطُوآتِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا قَسْمَ فِي الْمَبِيتِ لِأَمَتِهِ وَلَا لِأُمِّ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ لَا قَسْمَ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَلَا أَمَةٍ مَعَ حُرَّةٍ وَلَا قَسْمَ بَيْنَ السَّرَارِيِّ ابْنُ شَاسٍ لَا يَجِبُ بَيْنَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ وَلَا بَيْنَ الْإِمَاءِ وَلَا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى الْعَدْلُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى الْعَدْلُ وَكَفُّ الْأَذَى يَعْنِي أَنَّ الْقَسْمَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْمُسْتَوْلَدَة وَبَيْنَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَجَائِزٌ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أُمِّ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يُضَارَّ، انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا قَسْمَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا مَقَالَ لِلْحُرَّةِ إنْ أَقَامَ عِنْدَ الْأَمَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إجْمَاعٌ فَيُسَلَّمُ، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَهُ أَنْ يَطَأَهُنَّ فِي أَيَّامِ الزَّوْجَاتِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَمَّنْ يَمِيلُ لِسُرِّيَّتِهِ دُونَ زَوْجَتِهِ: هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ الرِّوَايَةُ جَوَازُهُ وَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ وَهُوَ ظُلْمٌ لِلْحُرَّةِ ابْنُ الْحَاجِّ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أُمِّ وَلَدِهِ مَا شَاءَ أَنَّهَا أَتَمُّ حُرْمَةً بَلْ لِلْحُرَّةِ الْمَقَالُ وَلَهَا الْمَبِيتُ وَلَيْسَ لِأُمِّ الْوَلَدِ قَسْمٌ فَلَمَّا ضَعُفَ أَمْرُ أُمِّ الْوَلَدِ جَازَ الْمَبِيتُ عِنْدَهَا اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّالِثُ دُونَ الْحُرَّةِ إذْ هُوَ مُعْظَمُ الْأَمْرِ لِلْحُرَّةِ. (قُلْت) يَحْتَمِلُ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فِي الشَّهْرِ إذْ مُعْظَمُ الْأَمْرِ لِلْحُرَّةِ فَظَاهِرُ قَوْلِ اللَّخْمِيُّ الْعُمُومُ وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقِيمُ عِنْدَ أُمِّ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَقَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ وَلَا بُدَّ فَلْيَعْدِلْ وَيَكُونُ لَيْلَةً بِلَيْلَةٍ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إذَا تَزَوَّجَ الْأَمَةَ مَعَهَا بِإِذْنِهَا لَهَا لَيْلَةٌ وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ يَكُونُ هُنَا أَحْرَى. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحَمَلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى مَا إذَا أَضَرَّ بِالْحُرَّةِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْحُرَّةِ وَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا لِلْحُرَّةِ فَهُوَ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُحَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ سَقْطًا وَصَوَابُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْحُرَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي الْمَبِيتِ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَعْدِلُ فِي الْمَبِيتِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي، قَالَ شَيْخُنَا: يَعْنِي أَنَّ الْعَدْلَ فِي اللَّيْلِ آكَدُ مِنْهُ فِي النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا تَكَلَّمُوا فِي الدُّخُولِ لِحَاجَةٍ إنَّمَا يَخُصُّونَهُ بِالنَّهَارِ وَكُنْتُ أُجِيبُهُ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ أَعَمُّ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي زَمَانِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: سُئِلَ أَبُو عُمَرَ عَمَّنْ يَجُورُ بَيْنَ نِسَائِهِ وَلَا يَعْدِلُ هَلْ ذَلِكَ جُرْحَةٌ لَهُ؟ ، قَالَ نَعَمْ إنْ تَابَعَ ذَلِكَ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: هُوَ جُرْحَةٌ فِي إمَامَتِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَطْءُ شَرْعًا أَوْ طَبْعًا) ش صَوَابُهُ عَقْلًا بَدَلَ طَبْعًا كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنَّ الرَّتْقَاءَ إنَّمَا يَمْنَعُهُ الْعَقْلُ وَإِلَّا فَطَبْعُ

الْإِنْسَانِ لَا يَمِيلُ عَنْ الرَّتْقَاءِ إذَا كَانَتْ سَلِيمَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُحْرِمَةٍ وَمُظَاهَرٍ مِنْهَا وَرَتْقَاءَ) ش: إنَّمَا مَثَّلَ لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ شَرْعًا بِمِثَالَيْنِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ كَالظِّهَارِ أَوْ مِنْهَا كَالْإِحْرَامِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا كَانَتْ إحْدَاهُنَّ مَرِيضَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْرِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مَجْذُومَةً كَانَ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ سَوَاءً وَكَذَلِكَ مَنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ ظَاهَرَ فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا وَالْكَوْنُ عِنْدِهَا وَأَنْ لَا يُصِيبَ الْبَوَاقِيَ إلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَامَتْ لِحَقِّهَا الَّتِي لَمْ يُولَ مِنْهَا وَلَا تُظَاهَرُ، وَمَحْمَلُ الْآيَةِ فِي الْإِيلَاءِ عَلَى مَنْ كَانَ خَلْوًا مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْعَدْلِ فِي الْإِصَابَةِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَعْتَزِلَ جَمِيعَهُنَّ وَقَدْ «غَاضَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ نِسَائِهِ فَاعْتَزَلَ جَمِيعَهُنَّ شَهْرًا إرَادَةَ الْعَدْلِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَائِلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالصَّغِيرَةُ الْمَوْطُوءَةُ يُرِيدُ الصَّغِيرَةَ الْمَدْخُولَ بِهَا وَكَذَلِكَ مَنْ عُطِفَ عَلَيْهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَدْخُولًا بِهَا اهـ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: يُرِيدُ الْمَدْخُولَ بِهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُوطَأْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَشَوُّفٌ وَهُوَ نَصُّ التَّهْذِيبِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا فِي الْوَطْءِ) ش: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لَهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْرُوفُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَجِبُ لَهَا بِقَدْرِ حَالِهَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِمَا شَاءَ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَجِبُ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ فِي مَالِهِ بَعْدَ إقَامَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَجِبُ لَهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (قُلْت) قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ يَجِبُ حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ رِوَايَةً. اهـ وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ بَعْضُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ إطَاقَتُهُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا الْعَبْدُ كَالْحُرِّ وَالْمَجْبُوبِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ يَقْسِمُ فِي نَفْسِهِ بِالْعَدْلِ إذْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنُ شَاسٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، انْتَهَى. ص (وَفَاتَ إنْ ظُلِمَ فِيهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَزُجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَابْتَدَأَ الْعَدْلَ فَإِنْ عَادَ نُكِّلَ بِهِ اهـ. (مَسْأَلَةٌ) مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا لَيْسَ بِمُولٍ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ هَذِهِ الْمُرْضِعَ عَامَيْنِ قَصْدًا لِنَفْيِ الضَّرَرَ عَنْ وَلَدِهِ فَمَاتَ الْوَلَدُ وَقَدْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ص (وَالْمَبِيتُ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ) ش: نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ شَاسٍ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ: مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَجِبُ مَبِيتُهُ عِنْدَهَا (قُلْت) الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ أَوْ تَبْيِيتُهُ مَعَهَا امْرَأَةً تَرْضَى لِأَنَّ تَرْكَهَا وَحْدَهَا ضَرَرٌ بِهَا وَرُبَّمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ زَمَنَ خَوْفِ الْمُحَارِبِ وَالسَّارِقِ. اهـ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا شَكَتْ الْوَحْدَةَ ضُمَّتْ إلَى الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ. اهـ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ أَشْكَلَ وَنَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ فِي قَوْلِهِ وَسَكَنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجِبْ الْمَبِيتُ عِنْدَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا

فرع لو خاصمها الرجل في الجماع

وَحَلِيلٌ إلَّا لِنَقْلِ ابْنِ شَاسٍ وَهُوَ قُصُورٌ. اهـ وَيَعْنِي بِبَعْضِ شُيُوخِهِ ابْنَ عَرَفَةَ. [فَرْعٌ لَوْ خَاصَمَهَا الرَّجُلُ فِي الْجِمَاعِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ خَاصَمَهَا الرَّجُلُ فِي الْجِمَاعِ فَفِي الطِّرَازِ عَنْ الْمُشَاوِرِ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهَا بِأَرْبَعِ مَرَّاتٍ فِي اللَّيْلَةِ وَأَرْبَعٍ فِي الْيَوْمِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُفِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَنُقِلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ يُفْرَضُ لَهُ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ الزَّوْجُ يُكْثِرُ الْوَطْءَ تَضَرَّرَتْ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ كَالْأَجِيرِ تُمَكِّنُ نَفْسَهَا مَا قَدَرَتْ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَاقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَرْبَعٍ فِي الْيَوْمِ وَأَرْبَعٍ فِي اللَّيْلَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَرْبَعٍ فِيهِمَا وَصُدِّرَ بِالْأَوَّلِ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي خِيَارِ الزَّوْجَيْنِ وَأَمَّا عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ سَرْمَدَ الْعِبَادَةَ وَتَرَكَ الْوَطْءَ لَمْ يُنْهَ عَنْ تَبَتُّلِهِ وَقِيلَ لَهُ: إمَّا وَطِئْتَ أَوْ فَارَقْتَ اهـ قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ جَلَاءٌ؛ مَا الَّذِي يُقْضَى لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ إنْ هُوَ لَمْ يَطَأْ؟ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنِّي وَقَفْتُ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي لَهَا بِلَيْلَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا اهـ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: إنْ اُخْتُلِفَ فِي أَقَلِّ مَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ الْوَطْءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ أَخَذَهُ مِنْ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ النِّسَاءِ وَاَلَّذِي، قَالَ: لَيْلَةً مِنْ ثَلَاثٍ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَقَضَى عُمَرُ بِمَرَّةٍ فِي الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُحِلُّهَا وَيُحْصِنُهَا. اهـ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيُسْتَحَبُّ مُجَامَعَتُهَا يَعْنِي الْمَرْأَةَ فِي كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ مَرَّةً اهـ. قِيلَ نَزَلَتْ مَسْأَلَةُ التَّبَتُّلِ بِعُمَرَ فَأَتَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ فَأَنْشَدَتْ أَلْهَى خَلِيلِي عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ ... وَخَوْفُ رَبِّي بِالْيَقِينِ نَعْبُدُهْ نَهَارُهُ وَلَيْلُهُ مَا يَرْقُدُهْ ... مُفْتَرِشٌ جَبِينَهُ يُكَدِّدُهْ وَلَسْتُ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَحْمَدُهْ فَأَنْشَأَ الرَّجُلُ فَقَالَ: إنِّي امْرُؤٌ أَذْهَلَنِي مَا قَدْ نَزَلْ ... فِي سُورَةِ النُّورِ وَفِي السَّبْعِ الطُّوَلْ وَفِي الْحَوَامِيمِ الشِّفَّا وَفِي النَّحْل ... زَهَّدَنِي فِي قُرْبِهَا إلَى الْعَمَلْ فَأَنْشَدَ كَعْبٌ فَإِنَّ خَيْرَ الْعَامِلِينَ مَنْ عَدَلْ ... ثُمَّ قَضَى بِالْحَقِّ جَهْرًا وَفَصَلْ إنَّ لَهَا عَلَيْكَ حَقًّا يَا بَعَلْ ... لَيْلَتُهَا مِنْ أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقَلْ وَأَنْتَ أَوْلَى بِالثَّلَاثِ فِي مَهَلْ ... فَصَلِّ فِيهِنَّ وَصُومَنْ وَسَلْ وَافْعَلْ لَهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْك الْمَلَلْ انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي بَابِ مَا يَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا: طَلَبُ الْمَرْأَةِ الْوَطْءَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا يُنَاقِضُ الْحَيَاءَ الْمَمْدُوحَ وَلَا الْمُرُوءَةَ الْمُسْتَحْسَنَةَ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ النِّكَاحِ. فَإِذَا عَقَدَتْهُ عَلِمَ الْكُلُّ أَنَّهُ لَهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ جَازَ طَلَبُهُ دِينًا وَحُسْنَ مُرُوءَةٍ. اهـ وَمِنْ مَسَائِلِ النِّكَاحِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ (مَسْأَلَةٌ) فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لِلضَّيْفِ وَفِرَاشٌ لِلشَّيْطَانِ» أُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ النَّوْمَ مَعَ امْرَأَتِهِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا حَقُّهَا فِي الْوَطْءِ خَاصَّةً. اهـ وَانْظُرْ النَّوَوِيَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَكَذَلِكَ الْأَبِيُّ وَانْظُرْ كَلَامَ الْبُرْزُلِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ وَسَقَطَتْ إنْ أَكَلَتْ مَعَهُ. وَانْظُرْ بَهْرَامًا الْكَبِيرَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْإِيلَاءِ أَوَّلًا وَطِئْتُهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ص (وَقَضَى لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ وَلِلثَّيِّبِ بِثَلَاثٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُتَجَدِّدَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ

مسألة لو زفت إليه امرأتان في ليلة

وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَضَى أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ أَيْضًا: وَاخْتُلِفَ هَلْ يَخْرُجُ لِلصَّلَاةِ وَلِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَهِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ، انْتَهَى. وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِصَلَاةٍ وَلَا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: يَخْرُجُ يَتَصَرَّفُ فِي حَوَائِجِهِ وَإِلَى الْمَسْجِدِ وَالْعَادَةُ الْيَوْمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ وَلَا لِصَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ خَلْوًا مِنْ غَيْرِهَا وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِهِ وَصْمٌ وَأَرَى أَنْ يَلْزَمَ الْعَادَةَ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ غَيْرُهَا أَمْ لَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: إنَّمَا تَكُونُ الْإِقَامَةُ سَبْعًا وَثَلَاثًا مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ لَهُ غَيْرُهَا وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا. وَالْعَامَّةُ تَرَى الْحَقَّ لَهَا عُمُومًا وَهُوَ غَلَطٌ. الْبُرْزُلِيُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَغَيْرُهُ وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْعُمُومِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّوَابُ الْيَوْمَ بِتُونُسَ وَنَحْوِهَا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يَرَى خُرُوجَ الزَّوْجِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَعَرَّةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَإِشْعَارًا بِعَدَمِ الرِّضَا بِهَا، وَأَمَّا فِي بَلَدٍ لَا يَعْتَبِرُونَ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ بَعْدَ وُجُوبِهِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لَهَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ أَوْ حَقٌّ لَهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَعْلُومٌ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ فِي لَيْلَةٍ] (مَسْأَلَةٌ) لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ فِي لَيْلَةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ فِي لَيْلَةٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَقَبِلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَقَالَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ: إنَّ الْحَقَّ لَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ دُونَ قُرْعَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: الْأَظْهَرُ إنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِالدُّعَاءِ لِلْبِنَاءِ قُدِّمَتْ وَإِلَّا فَسَابِقَةُ الْعَقْدِ وَإِنْ عُقِدَا مَعًا فَالْقُرْعَةُ. ص (وَجَازَ الْأَثَرَةُ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بُغْيَةَ الرَّائِدِ فِيمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ مِنْ الْفَوَائِدِ وَفِيهِ إكْرَامُ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهٍ بِحَضْرَةِ ضَرَائِرِهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَتَخْصِيصِهَا بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْأَثَرَةَ وَالْمَيْلَ بَلْ لِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ وَمَعْنًى أَوْجَبَهُ مِنْ تَأْنِيسِ وَحْشَتِهِ مِنْهَا أَوْ مُكَافَأَةِ جَمِيلٍ صَدَرَ عَنْهَا وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَفْضِيلَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الْمَلْبَسِ إذَا وَفَّى الْأُخْرَى حَقَّهَا وَأَنْ يُتْحِفَ إحْدَاهُمَا وَيُلَطِّفَهَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً أَوْ بَارَّةً بِهِ، وَلِمَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ هَذَا وَلِأَصْحَابِهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْمُسَاوَاةُ أَوْلَى وَالْمَكْرُوهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قُصِدَ بِهِ الْأَثَرَةُ وَالْمَيْلُ وَالتَّفْضِيلُ لَا لِسَبَبٍ سِوَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِيهِ وَأَيْضًا: وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ حُسْنُ عِشْرَةِ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ وَتَأْنِيسُهُنَّ وَاسْتِحْبَابُ مُحَادَثَتِهِنَّ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَتْ الْآثَارُ الصِّحَاحُ بِحُسْنِ عِشْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِهِ وَمُبَاسَطَتِهِ إيَّاهُمْ وَكَذَلِكَ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: فِي ذَلِكَ مَرْضَاةٌ لِرَبِّكِ وَمَحَبَّةٌ فِي أَهْلِكِ وَمَثْرَاةٌ فِي مَالِكَ وَمِنْسَأَةٌ فِي أَجَلِكِ. قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مَالِكٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَكَانَ يُحَدِّثُ بِقَوْلٍ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَبَّبَ إلَى أَهْلِ دَارِهِ حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيْهِمْ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: جَوَازُ إخْبَارِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَأَهْلَهُ بِصُورَةِ حَالِهِ مَعَهُمْ وَحُسْنِ صُحْبَتِهِ إيَّاهُمْ وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِمْ وَتَذْكِيرِهِمْ ذَلِكَ. وَقَالَ إذَا حَدَّثَ النَّاسَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي الْحَضِّ عَلَى الْوَفَاءِ لِلزَّوْجِ كَمَا فِي كَلَامِ أُمِّ زَرْعٍ وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَزْوَاجِ كَمَا فِي حَدِيثِ غَيْرِهَا، انْتَهَى. [فَرْعٌ لَيْسَ لِلْأَمَةِ إسْقَاطُ حَقِّهَا مِنْ قَسْمِهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا] ص (وَشِرَاءُ يَوْمِهَا مِنْهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ إسْقَاطُ حَقِّهَا مِنْ قَسْمِهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا كَالْعَزْلِ لِحَقِّهِ فِي الْوَلَدِ إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ يَائِسَةً أَوْ حَامِلًا وَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ إنْ أَصَابَهَا مَرَّةً وَأَنْزَلَ أَنَّ لَهَا أَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا فِي الْقَسْمِ (قُلْت) يُرَدُّ بِاحْتِمَالِ خَيْبَتِهَا فِيهِ وَرَجَائِهِ فِي تَكَرُّرِهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، قَالَ بَعْضُهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَرْأَةِ تَبِيعُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ

مِنْ ضَرَّتِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ جَوَازُ النُّزُولِ عَنْ الْوَظِيفَةِ بِشَيْءٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ بَقَاءُ الْأُنْسِ الصَّحِيحِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ بِخِلَافِ النُّزُولِ عَنْ الْوَظِيفَةِ، انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ الْمَنْعُ مِنْ النُّزُولِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ النَّوَادِرِ وَنَصِّهِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ كَانَا فِي مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْإِمَارَةِ فَضَاقَ بِهِمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يَخْرُجُ مِنْهُ وَهُوَ إلَى غَيْرِ أَمَدٍ، انْتَهَى. وَمِنْ مَسْأَلَةِ الدِّيوَانِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي رَسْمٍ مَكْتُوبٍ فِي الْعَطَاءِ فَأَعْطَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مَالًا عَلَى أَنْ يَبْرَأَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الِاسْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، قَالَ: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ أَخَذَ غَيْرَ اسْمِهِ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَى صَاحِبَ الِاسْمِ فَقَدْ بَاعَهُ مَا لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ هُوَ صَاحِبُ الِاسْمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا بَاعَ أَقَلِيلٌ بِكَثِيرٍ أَمْ كَثِيرٌ بِقَلِيلٍ وَلَا مَا لَا يَبْلُغُ حَيَاةَ صَاحِبِهِ فَهَذَا غَرَرٌ وَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ زِيدَ فِي عَطَائِهِ أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ بِعَرْضٍ، انْتَهَى. وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النُّزُولِ عَنْ الْوَظِيفَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَا أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ غِيرَانِ الْمَعَادِنَ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَنْ الْبَيَانِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَطَاءِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ إذَا كَانَ مَأْمُونًا، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَصْلِ الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، انْتَهَى. ص (وَوَطْءُ ضَرَّتِهَا بِإِذْنِهَا فِي نَوْبَتِهَا) ش أَيْ وَتَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا فِي يَوْمِ الْأُخْرَى قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي التَّأْلِيفِ الَّذِي جَعَلَهُ فِي فُرُوضِ الْجِمَاعِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ وَمِنْ آدَابِ الْجِمَاعِ أَنْ لَا يَطَأَ حُرَّةً بَعْدَ أَمَةٍ حَتَّى يَغْتَسِلَ وَأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَبْلَ الْغُسْلِ وَكَذَلِكَ مِنْ آدَابِهِ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى يَغْسِلَ فَرْجَهُ مِنْ الْأَذَى، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَأَمَّا أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يُصِيبَ الْأُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ وَطْءُ الْأَمَةِ بَعْدَ الْحُرَّةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْغُسْلِ وَأَمَّا وَطْؤُهَا قَبْلَ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنْ وَطْءِ الْأُخْرَى فَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي بَابِ الْغُسْلِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ وَظَاهِرُ قَوْلِ سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْنِ سَيِّدِي أَبِي الْحَسَنِ شَارِحِ الشِّفَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي أَوَّلُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَتْ سَلْمَى: «طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِسَائِهِ التِّسْعِ وَتَطَهَّرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأُخْرَى» ، وَقَالَ: هَذَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ إنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ غَسْلِ فَرْجِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ، قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ بِفَرْجِهِ شَيْءٌ نَجِسٌ فَيُدْخِلَهُ هُنَالِكَ حَتَّى يَغْسِلَهُ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالسَّلَامُ بِالْبَابِ) ش: أَيْ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى يَعْنِي مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَيْسَ مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ مِنْ مَاءِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَيَشْرَبَ الْمَاءَ مِنْ بَيْتِهَا وَيَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهَا الَّذِي تُرْسِلُهُ إلَيْهِ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ بَلْ وَيَقِفُ بِبَابِهَا يَتَفَقَّدُ مِنْ شَأْنِهَا وَيُسَلِّمُ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ، انْتَهَى. ص (وَبِرِضَاهُمَا جَمْعُهُمَا بِمَنْزِلَيْنِ مِنْ دَارٍ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إنَّ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا وَلَا مَعَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَلَا مَعَ أَوْلَادِهِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ أَفْرَدَ لَهَا بَيْتًا فِي الدَّارِ وَرَضِيَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَسْكَنٍ يَصْلُحُ لَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَيْتٌ فَذَلِكَ مِنْ حَقِّهِنَّ فَإِنْ رَضِينَ بِهِ جَازَ وَإِنْ أَبَيْنَ مِنْهُ أَوْ كَرِهَتْهُ وَاحِدَةٌ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي إنْ سَكَنَتَا مَعًا بِاخْتِيَارِهِمَا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ

أَرَادَتْ الْخُرُوجَ مِنْهُمَا وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ إبْعَادُ الدَّارِ بَيْنَهُنَّ ص (وَاسْتِدْعَاؤُهُنَّ لِمَحَلِّهِ) ش: وَعَلَيْهِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ وَطِئْتُكِ إلَّا أَنْ تَأْتِيَنِي أَنَّهُ مُولٍ إذْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَهُ، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ ص (وَالزِّيَادَةُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَأَمَّا الْمِقْدَارُ مِنْ الزَّمَانِ فَلَيْلَةٌ وَلَا يُنَصِّفُ اللَّيْلَةَ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَرْضَيْنَ وَيَرْضَى بِالزِّيَادَةِ أَوْ يَكُونَ فِي بِلَادٍ مُتَبَاعِدَةٍ فَيُقَسِّمُ الْجُمُعَةَ أَوْ الشَّهْرَ عَلَى حَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ بِحَيْثُ لَا يَنَالُهُ ضَرَرٌ لِقِلَّةِ الْمُدَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ بِبَلَدَيْنِ جَازَ قِسْمَةُ جُمُعَةٍ وَشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ عَلَى قَدْرِ بُعْدِ الْمَوْضِعَيْنِ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِهِ وَلَا يُقِيمُ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ إلَّا لِتَجْرٍ أَوْ ضَيْعَةٍ اهـ وَنَحْوِهِ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَهَلْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ ص (وَدُخُولُ حَمَّامٍ بِهِمَا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ بِإِحْدَاهُمَا (قُلْت) وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ أَسَدَ بْنَ الْفُرَاتِ أَجَابَ الْأَمِيرَ بِجَوَازِ دُخُولِهِ الْحَمَّامَ بِجَوَارِيهِ وَخَطَّأَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ بِحُرْمَةِ الْكَشْفِ بَيْنَهُنَّ. ص (وَجَمْعُهُمَا فِي فِرَاشٍ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ) ش: قَالَ الْكَافِي فِي كِتَابِ الْجَامِعِ: وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنَامَ بَيْنَ أَمَتَيْهِ أَوْ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ وَأَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَيْثُ تَسْمَعُ الْأُخْرَى وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ حَلِيلَتَهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَحَدٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ وَأَنْ يَتَحَدَّثَ بِمَا يَخْلُو بِهِ مَعَ أَهْلِهِ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهَا بِمَا تَخْلُو بِهِ مَعَ بَعْلِهَا اهـ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَمَعَهُ أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا اهـ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَنَعَ الْوَطْءَ فِي الْبَيْتِ نَائِمٌ غَيْرُ زَائِدٍ وَنَحْوُهُ عَسِيرٌ إلَّا لِأَهْلِ السَّعَةِ اهـ، قَالَ الْجُزُولِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَ يُخْرِجُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى الصَّبِيَّ فِي الْمَهْدِ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ أَحَدٌ اهـ ص (وَإِنْ وُهِبَتْ نَوْبَتُهَا مِنْ ضَرَّةٍ لَهُ الْمَنْعُ لَا لَهَا) ش: وَاَلَّذِي رَأَيْتُ فِي النُّسَخِ بِإِسْقَاطِ فَاءِ الْجَوَابِ أَعْنِي فِي قَوْلِهِ لَهُ الْمَنْعُ وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ بِالْفَاءِ وَاَلَّذِي يَجِبُ هُنَا الْإِتْيَانُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ لَا لَهَا لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَصُّهُ وَإِذَا وَهَبَتْ وَاحِدَةٌ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا فَلِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعُ لَا لِلْمَوْهُوبَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُرِيدُ أَنَّ هِبَةَ الضَّرَّةِ لِضَرَّتِهَا يَوْمَهَا جَائِزٌ ثُمَّ لِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهَا تِلْكَ الْهِبَةِ وَلَيْسَ لِلضَّرَّةِ الْمَوْهُوبَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فِي الْوَاهِبَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ فَلَوْ صَارَ لِلْمَوْهُوبَةِ قَبُولُ هَذِهِ الْهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَسَقَطَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي مَنْفَعَتِهِ بِالْوَاهِبَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَبِلَ الزَّوْجُ الْهِبَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْقَبُولِ اهـ. ص (وَلَا تَخْتَصُّ بِخِلَافٍ مِنْهُ) ش: فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا يَخُصُّ بِإِسْقَاطِ التَّاءِ مِنْ خَصَّ، ثُلَاثِيٌّ مُجَرَّدٌ مُضَاعَفٌ وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ الزَّوْجَ لَهُ الْمَنْعُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ نِسَائِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَّكَتْهُ الْيَوْمَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ شَاءَ هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا وَفِي بَعْضِهَا وَتَخْتَصُّ بِخِلَافٍ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْهُوبَةَ تَخْتَصُّ بِالْيَوْمِ دُونَ غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ فَلَا تَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدَةٌ وَتَصِيرُ كَالْعَدَمِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي بَعْضِهَا وَلَا تَخْتَصُّ وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْفَسَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ مُسَافِرًا اخْتَارَ) ش:

فرع إذا انقضت أيام بناء الزوج أو مرضه أو سفره

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ: وَلَيْسَتْ الْقُرْعَةُ فِي هَذَا وَاجِبَةً عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِبَعْضِ النِّسَاءِ مِنْ الْغَنَاءِ فِي السَّفَرِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ مَا لَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا فَتَتَعَيَّنُ الصَّالِحَةُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ مَنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ إلَى الْغَزْوِ وَالتِّجَارَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْقُرْعَةِ فِي الْغَزْوِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ بِأَنَّ الْقِصَّةَ فِي الْغَزْوِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنَّ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ تَعَيَّنَ سَفَرُهَا أُجْبِرَتْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهَا أَوْ يَعِرْهَا الْمُتَيْطِيُّ عَنْ أَبِي عُمَرَ مَنْ أَبَتْ السَّفَرَ مَعَهُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ يَعِرْهَا أَيْ يُدْرِكُهَا مَعَرَّةٌ وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفَرًا يُدْرِكُهَا فِيهِ مَشَقَّةٌ أَوْ يُدْرِكُهَا فِيهِ مَعَرَّةٌ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْحَاضِرَةَ لَا تُحَاسِبُ الْمُسَافِرَةَ بِمَا مَضَى لَهَا مَعَ زَوْجِهَا فِي السَّفَرِ وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي السَّفَرِ كَمَا يَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ فِي الْحَضَرِ اهـ [فَرْعٌ إذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ بِنَاء الزَّوْج أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: إنْ انْقَضَتْ أَيَّامُ بِنَائِهٍ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ لَمْ تُحَاسَبْ بِهَا وَفِي تَخْيِيرِهِ فِي ابْتِدَائِهِ بِمَنْ أَحَبَّ مُطْلَقًا أَوْ سِوَى الَّتِي كَانَ عِنْدَهَا ثَالِثُهَا يُقْرِعُ بَيْنَ مَنْ سِوَاهَا فَأَرَى بُدَاءَةَ قِسْمَةٍ بِأَبْعَدِهِنَّ قَسْمًا مِمَّنْ يَلِيهِ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهَا أَخْرَجَهُنَّ وَإِنْ جَهِلَ تَرْتِيبَهُنَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ وَفِيهَا لَا قَضَاءَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَيَّامِ غَيْبَتِهَا عَنْهُ فِي ضَيْعَتِهَا أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَبَقَائِهِ مَعَ غَيْرِهَا اللَّخْمِيُّ فِي لَغْوِ قَوْلِهَا أُحَرِّمُ عَلَيْكَ مُكْثَ أَيَّامِ غَيْبَتِي عِنْدَ ضَرَّتِي مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَيْلٍ وَنَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَمَحَلُّ جَوَابِ مَالِكٍ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَنْ أَغْلَقَتْ الْبَابَ دُونَهُ أَنَّ لَهُ الْمُضِيَّ لِضَرَّتِهَا لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَضُرَّهُ طُولُ غَيْبَتِهَا اهـ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أُحِبُّ إتْمَامَهُ يَوْمَ مَنْ خَرَجَ فِي يَوْمِهَا إنْ قَدِمَ أَثْنَاءَ يَوْمٍ وَلَهُ إتْمَامُهُ عِنْدَ غَيْرِهَا (قُلْت) الْأَظْهَرُ عَلَى وُجُوبِ إتْمَامِ كَسْرِ الْيَوْمِ فِي الْقَصْرِ وَالْعَقِيقَةِ وَنَحْوِهِمَا يَجِبُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَعْظُ مَنْ نَشَزَتْ) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ النُّشُوزَ مِنْ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِزَجْرِهَا هُوَ الزَّوْجُ إنْ لَمْ يُبَلِّغْ الْإِمَامَ أَوْ بَلَّغَهُ وَرَجَا إصْلَاحَهَا عَلَى يَدِ زَوْجِهَا وَإِلَّا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَتَوَلَّى زَجْرَهَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ص (ثُمَّ هَجَرَهَا) ش: الْمُرَادُ مِنْ الْهَجْرِ أَنْ يَتْرُكَ مَضْجَعَهَا هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَايَةُ الْهَجْرِ شَهْرٌ وَلَا يَبْلُغُ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ الَّتِي لِلْمَوْلَى، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ ص (ثُمَّ ضَرْبُهَا) ش: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] وَالضَّرْبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ ضَرْبُ الْأَدَبِ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً كَاللَّكْزَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الصَّلَاحُ لَا غَيْرُ فَلَا جَرَمَ إذَا أَدَّى إلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الضَّمَانُ اهـ، قَالَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: وَمَعْنَى غَيْرِ مُبَرِّحٍ غَيْرُ شَدِيدٍ اهـ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: «وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ» أَيْ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ وَلَا شَاقٍّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ مِنْ بَرَّحَ الْخَفَاءَ إذَا ظَهَرَ يَعْنِي ضَرْبًا لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ تَأْدِيبًا لَهُنَّ اهـ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَنْ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَمْدًا قَضَى عَلَيْهِ بِمَا جَرَى مِنْ حَقٍّ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّنْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ اصْطَلَحَا بِعَطَاءٍ فَهُوَ لَهُ لَازِمٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا حَقًّا، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ ادَّعَتْ الْعَمْدَ وَادَّعَى الزَّوْجُ الْأَدَبَ لِقَوْلِ قَوْلِهَا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ وَفِيهِمَا خِلَافٌ مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَسَائِلِ الْأَحْكَامِ اهـ (تَنْبِيهٌ) قَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ الضَّرْبَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مَخُوفٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الضَّرْبَ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَخُوفٍ صَحِيحٌ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الضَّرْبَ لَا يُفِيدُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ضَرْبُهَا، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ فَإِنْ غَلَبَ

عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ النُّشُوزَ إلَّا بِضَرْبٍ مَخُوفٍ لَمْ يَجُزْ تَعْزِيرُهَا أَصْلًا، انْتَهَى. وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ص (إنْ ظُنَّ إفَادَتَهُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الصَّبِيِّ إذَا ظُنَّ أَنَّ الضَّرْبَ لَا يُفِيدُ فِيهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ، قَالَ: وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَيُسْجَنُ لِأَنَّ فِي السَّجْنِ كَفَّهُ عَمَّا يَفْعَلُهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَلَا يُضْرَبُ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِي الْكَفِّ، انْتَهَى. ص (وَبِتَعَدِّيهِ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ) ش: تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَلَهَا التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ لَهَا التَّطْلِيقَ بِالضَّرَرِ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ وَإِنْ أَشْكَلَ بَعَثَ حَكَمَيْنِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِتَكَرُّرِهِ وَلَهَا أَنْ تُقِيمَ وَيَزْجُرَهُ الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ لَهَا التَّطْلِيقَ بِالضَّرَرِ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ بِتَكَرُّرٍ وَلَهَا أَنْ تُقِيمَ وَيَزْجُرَهُ الْحَاكِمُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ ص (وَإِنْ أَشْكَلَ بَعَثَ حَكَمَيْنِ) ش: اللَّخْمِيُّ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ وَخَرَجَا إلَى مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْمُشَاتَمَةِ وَالْوُثُوبِ كَانَ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمَيْنِ يَنْظُرَانِ فِي أَمْرِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا وَيَطْلُبَا ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ وَفَسَادِ الدِّينِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ ص (مِنْ أَهْلِهِمَا إنْ أَمْكَنَ) ش: اللَّخْمِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِهِمَا مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَمِنْ جِيرَانِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ رَجُلَانِ يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ حَكَّمَ أَحَدَهُمَا وَنُظِرَ فِي الْآخَرِ مِنْ الْجِيرَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَا يَكُونَا مِنْ أَحَدِ الْجَنْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَرَابَةٌ جَازَ أَنْ يُحَكِّمَ السُّلْطَانُ مَنْ هُوَ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ عَمَّيْهِمَا أَوْ خَالَيْهِمَا أَوْ عَمٍّ وَخَالٍ وَلَوْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى وَاحِدٍ هُوَ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ عَمٍّ أَوْ خَالٍ جَازَ عَلَى مَغْمَزٍ فِيهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ مَنْ يَصْلُحُ فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ وَيُنْظَرُ فِي الْآخَرِ مِنْ الْجِيرَانِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرَّاحِهِ إذْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَمِنْ غَيْرِهِ، يُرِيدُ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْحَكَمَانِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَوُجِدَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَجَانِبِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَسَفِيهٌ وَامْرَأَةٌ وَغَيْرُ فَقِيهٍ بِذَلِكَ) ش: إنَّمَا عَطَفَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْعَدْلِ لِأَنَّ السَّفِيهَ يَكُونُ عَدْلًا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ

تَكُونُ عَدْلًا وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْفَقِيهِ بِحُكْمِ هَذَا الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْقَعَا) ش: ابْنُ غَازِيٍّ أَكْثَرُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى طَلَاقِهِمَا وَأَوْقَعَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَهُ وَالْعَائِدُ الْمَفْعُولُ الْمَحْذُوفُ أَيْ وَلَا يَنْفُذُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْقَعَاهُ وَكَأَنَّهُ نَبَّهَ بِالصِّفَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَأَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَيْطِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ فَعَزْوُ ابْنِ غَازِيٍّ هَذَا لِلْمُتَيْطِيِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اللَّخْمِيِّ، قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: وَلَا يُفَرِّقَانِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَا مِنْ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. ص (وَلَهَا التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: مِنْ الضَّرَرِ قَطْعُ كَلَامِهِ عَنْهَا وَتَحْوِيلُ وَجْهِهِ فِي الْفِرَاشِ عَنْهَا وَإِيثَارُ امْرَأَةٍ عَلَيْهَا وَضَرْبُهَا ضَرْبًا مُؤْلِمًا وَلَيْسَ مِنْ الضَّرَرِ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ وَالنَّزَاهَةِ وَتَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَا فِعْلُ التَّسَرِّي، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ يُوقِعُ هَذَا الطَّلَاقَ هَلْ الْحَاكِمُ أَوْ الزَّوْجَةُ فِي فَصْلِ الْعُيُوبِ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْقَعَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَرَدِّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ الْكَلَامُ عَلَى شَهَادَةِ السَّمَاعِ بِالضَّرَرِ ص (وَعَلَيْهِمَا الْإِصْلَاحُ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَعَلَيْهِمَا الْإِصْلَاحُ يَعْنِي قَبْلَ النَّظَرِ فِي الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْتَمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَكَمَيْنِ بِقَرِيبِهِ وَيَسْأَلَهُ عَمَّا نَقَمَ وَمَا كَرِهَ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَقُولَ لَهُ إنْ كَانَ لَكَ حَاجَةٌ فِي صَاحِبِكِ رَدَدْنَاهُ إلَى مَا نَخْتَارُ مِنْهُ وَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُمَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَلَا يُلَازِمَاهُمَا وَعَلَيْهِمَا أَنْ يَجْتَهِدَا فِي الْإِصْلَاحِ مَا اسْتَطَاعَا وَإِلَّا نَظَرَا فِي أَمْرِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرَا عَلَى الْإِصْلَاحِ فَإِنْ كَانَ الْمُسِيءُ الزَّوْجَ طُلِّقَا بِلَا خُلْعٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتْحُونٍ وَغَيْرُهُمَا: إذَا تَوَجَّهَ الْحَكَمَانِ بَاشَرَا أُمُورَهُمَا وَسَأَلَا عَنْ بِطَانَتِهِمَا فَإِذَا وَقَفَا عَلَى حَقِيقَةِ أَمْرِهِمَا أَصْلَحَا إنْ قَدَرَا وَإِلَّا فَرَّقَا زَادَ فِيهَا وَتَجُوزُ فُرْقَتُهُمَا دُونَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَلَا يُعْذَرُ الْحَكَمَانِ قَبْلَ حُكْمِهِمَا ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْكُمَانِ بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ وَأَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ بِمَا خَلَصَ إلَيْهِنَّ بَعْدَ النَّظَرِ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ ص (أَوْ خَالَعَا لَهُ بِنَظَرِهِمَا) ش: هَذَا زَادَهُ اللَّخْمِيُّ، قَالَ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ مِنْهُمَا وَكَانَ لَا يَتَجَاوَزُ الْحَقُّ فِيهَا ائْتَمَنَاهُ عَلَيْهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يُحِبَّ هُوَ الْفِرَاقَ فَيُفَرِّقَا وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَسَاءَا) ش: هُوَ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ يَعْنِي بِهِ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الظُّلْمَ مِنْهُمَا فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ أَيُّهُمَا يَظْلِمُ وَأَيُّهُمَا أَظْلَمُ أَجْرَيَا الْحُكْمَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاوَاةِ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلزَّوْجَيْنِ إقَامَةُ

كتاب الطلاق

وَاحِدٍ عَلَى الصِّفَةِ وَفِي الْوَلِيَّيْنِ وَالْحَاكِمِ تَرَدُّدٌ) ش: فُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْجَمِيعِ إقَامَةَ الْحَكَمَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَمَّا الْأَمِينَةُ فَلَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُعْمَلُ بِأَمِينَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يَقْتَضِي بِإِسْكَانِ أَمِينَةٍ مَعَهُمَا وَرَأَيْتُ لِابْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا وَتَكُونَ نَفَقَتُهَا عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إقَامَةُ وَاحِدٍ لِلزَّوْجَيْنِ وَلِلْحَاكِمِ وَلِلْوَلِيَّيْنِ هُوَ اللَّخْمِيُّ وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَلِيَّيْنِ وَلَا لِلْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلزَّوْجَيْنِ هُوَ الْبَاجِيُّ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ الْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ فَتْحُونٍ وَالْمُتَيْطِيِّ مَا نَصَّهُ ابْنُ فَتْحُونٍ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَكِّمَ وَاحِدًا لِمُخَالَفَةِ التَّنْزِيلِ زَادَ الْمُتَيْطِيُّ وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ إنْ كَانَا رَشِيدَيْنِ وَلَا لِمَنْ يَلِيهِمَا إنْ كَانَا فِي وِلَايَةٍ فَإِنْ جَعَلَا ذَلِكَ لِوَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يُنْقَضْ، قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ، قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: قُلْت فَفِي مَنْعِ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْثِ وَاحِدٍ مُطْلَقًا وَجَوَازُهُ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا مُطْلَقًا ثَالِثُ الطُّرُقِ يَجُوزُ مُطْلَقًا لِلزَّوْجَيْنِ مَعًا فَقَطْ لِابْنِ فَتْحُونٍ وَاللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيَّانِ خَاصَّةً وَاحِدًا عَلَى الصِّفَةِ لَا عَلَى غَيْرِهَا غَيْرِ الْجَمِيعِ، انْتَهَى. وَإِلَى اخْتِلَافِ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْوَلِيَّيْنِ وَالْحَاكِمِ تَرَدُّدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَفِي الْوَلِيَّيْنِ يَعْنِي فِي مَحْجُورَيْهِمَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّمَا يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ الْحُكَّامُ أَوْ الزَّوْجَانِ أَوْ آبَاؤُهُمَا إنْ كَانَا مَحْجُورَيْنِ ثُمَّ، قَالَ: قُلْتُ مَعْنَى الْبَعْثِ وَالزَّوْجَانِ مَحْجُورَانِ أَنَّ الزَّوْجَةَ قَامَتْ بِالضَّرَرِ وَلَوْ رَضِيَتْهُ سَقَطَ، فَقَالَ وَلِيُّهَا وَلَوْ كَانَ أَبًا، قَالَهُ عَنْ الْمَذْهَبِ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ فَتُّوحٍ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ: وَكَذَا كُلُّ شَرْطٍ فِيهِ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا وَتَمَامُهُ فِي التَّمْلِيكِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ طُلِّقَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمَالِ فَإِنْ لَمْ تَلْتَزِمْهُ فَلَا طَلَاقَ) ش: اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا الْفَرْعِ عَنْ فَرْعٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ حُكْمُهُ مِنْهُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ وَهُوَ مَا إذَا حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِالْفِرَاقِ وَلَمْ يَحْكُمْ الْآخَرُ، قَالَ، قَالَ فِيهَا: لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْأَخِيرِ لِلَّخْمِيِّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الطَّلَاقِ] [بَابٌ فِي الْخُلْعُ] كِتَابُ الطَّلَاقِ ص (بَابُ جَازَ الْخُلْعُ وَهُوَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ) ش: الطَّلَاقُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الِانْطِلَاقُ وَالذَّهَابُ الْمُتَيْطِيُّ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِكَ أَطْلَقْتُ النَّاقَةَ فَانْطَلَقَتْ إذَا أَرْسَلْتَهَا مِنْ عِقَالٍ وَكَانَ ذَاتُ الزَّوْجِ مَوْثُوقَةً عِنْدَ زَوْجِهَا فَإِذَا فَارَقَهَا أَطْلَقَهَا مِنْ وَثَاقٍ وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّاسِ هِيَ فِي حِبَالِكَ إذَا كَانَتْ تَحْتَكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَطَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقًا وَطَلَّقَتْ هِيَ بِالْفَتْحِ تَطْلُقُ طَلَاقًا فَهِيَ طَالِقٌ وَطَالِقَةٌ، قَالَ الْأَخْفَشُ: لَا يُقَالُ طَلُقَتْ بِالضَّمِّ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فِي الشَّرْعِ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الطَّلَاقُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةٌ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ مُوجِبًا تَكَرُّرَهَا مَرَّتَيْنِ لِلْحُرِّ وَمَرَّةً لِذِي رِقٍّ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ وَقَبِلَ الْمُتَيْطِيُّ صَرَفَ الْخَطَّابِيِّ الْكَرَاهَةَ فِي حَدِيثِ: أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ لَا لِلطَّلَاقِ لِإِبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت) الْأَقْرَبُ مِنْهُ كَوْنُهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِسَبَبٍ رَجَّحَهُ وَمَحْمَلُ كَوْنِهِ أَبْغَضَ أَنَّهُ أَقْرَبُ

الْحَلَالِ إلَى الْبُغْضِ فَنَقِيضُهُ أَبْعَدُ مِنْ الْبُغْضِ فَيَكُونُ أَحَلَّ مِنْ الطَّلَاقِ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ عَلَى أَدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَقَّ صَاحِبِهِ اُسْتُحِبَّ الْبَقَاءُ وَكُرِهَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُؤَدِّيَةٍ حَقَّهُ كَانَ مُبَاحًا فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَبِيَّةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ فِرَاقُهَا إلَّا إنْ تَعَلَّقَ نَفْسُهُ بِهَا وَإِنْ فَسَدَ مَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَكَادُ يُسْلِمُ دَيْنَهُ مَعَهَا وَجَبَ الْفِرَاقُ زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ حُرْمَتَهُ وَهُوَ إذَا خِيفَ مِنْ وُقُوعِهِ ارْتِكَابُ كَبِيرَةً وَجَعَلَهُ مَا جَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ مُبَاحًا مَنْدُوبًا وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ مَنْدُوبًا مُبَاحًا، انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ (فَائِدَةٌ) ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ «طَلَّقَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَطَلَّقَ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ وَهِيَ كَانَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْمَسَاكِينِ وَنُكِحَتْ فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ نِسَائِهِ وَأَوَّلُ مَنْ طَلَّقَ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَقِيلَ فَسْخٌ، قَالَ الْمَسِيلَيْ فِي نُكَتِ التَّفْسِيرِ، قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ: كَانَ شَخْصٌ يُقَالُ لَهُ النُّحَاسُ لَهُ فِي امْرَأَتِهِ طَلْقَتَانِ فَخَالَعَهَا ثُمَّ رَدَّهَا قَبْلَ زَوْجٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ اهـ ص (وَبِلَا حَاكِمٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْحَاكِمِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ جَائِزٌ اهـ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ اهـ ص (وَبِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِهَا) ش: الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْأَجْنَبِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قُلْتُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْمَذْهَبَ بِمَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مِنْ الْتِزَامِ الْأَجْنَبِيِّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ تَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهِ إضْرَارُ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الزَّمَانِ فِي بَلَدِنَا مِنْ الْتِزَامِ أَجْنَبِيٍّ ذَلِكَ وَلَيْسَ قَصْدُهُ إلَّا إسْقَاطُ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْعِدَّةِ لِلْمُطَلَّقَةِ عَلَى مُطَلِّقِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي الْمَنْعِ ابْتِدَاءً وَفِي انْتِفَاعِ الْمُطَلِّقِ بِذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ نَظَرٌ اهـ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَاذِلُ الْخُلْعِ مَنْ صَحَّ مَعْرُوفُهُ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجَةِ مُسْتَقِلًّا. (قُلْت) مَا لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ ضَرَرِهَا بِإِسْقَاطِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فَيَنْبَغِي رَدُّهُ كَشِرَاءِ دَيْنِ الْعَدُوِّ وَفِيهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتَكَ وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ لَزِمَ ذَلِكَ الرَّجُلَ اهـ وَلَفْظُ الشَّامِلِ وَدَافِعُهُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ وَإِنْ أَجْنَبِيًّا إنْ قَصَدَ مَصْلَحَةً أَوْ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ اهـ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ ضَرَرَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ أَسْقَطَ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي الْمَنْعِ ابْتِدَاءً وَفِي انْتِفَاعِ الْمُطَلِّقِ بِذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ نَظَرٌ أَمَّا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الطَّلَاقَ فَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ وَسُقُوطُ النَّفَقَةِ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَا إشْكَالَ فِي بَيْنُونَتِهِ وَأَمَّا سُقُوطُ النَّفَقَةِ بِهِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا لِأَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ كُلَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ بِأَنَّ الْبَائِنَ لَا نَفَقَةَ لَهَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ لَهَا السُّكْنَى وَكُلُّ بَائِنَةٍ بِطَلَاقِ بَتَاتٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ مُبَارَأَةٍ أَوْ لِعَانٍ وَنَحْوِهِ فَلَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ إلَّا فِي الْحَمْلِ الْبَيِّنِ فَذَلِكَ لَهَا مَا أَقَامَتْ حَامِلًا خَلَا الْمُلَاعَنَةِ، انْتَهَى. مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا هِيَ عِوَضٌ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَمَّا عُدِمَ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَلَمَّا كَانَتْ الرَّجْعَةُ بِيَدِهِ أَشْبَهَ مَنْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ بِنَفْسِهِ طَلَاقَ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ أَلَيْسَ بَائِنًا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا بِعِوَضٍ مِنْهَا وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ ضَرَرٍ بِهَا فَقَدْ قَالُوا إنَّهَا تَرْجِعُ بِالْعِوَضِ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُهُ وَتَكُونُ بَائِنًا وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ بَهْرَامًا الْكَبِيرُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَعْجِيلُهُ لَهَا مَا لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ يَنْبَغِي رَدُّهُ

فرع اشترط الزوج في الخلع إن لم يصح له الخلع فالعصمة باقية غير منفصلة

إنْ أَرَادَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فَظَاهِرٌ وَإِطْلَاقُ الرَّدِّ مَجَازٌ وَإِنْ أَرَادَ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إذَا أَتَى الْأَجْنَبِيُّ إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ، فَقَالَ لَهُ: لَا تَفْعَلْ فَقَدْ بَدَا لِي فَذَلِكَ لَهُ، انْتَهَى. ص (لَا مِنْ صَغِيرَةٍ وَسَفِيهَةٍ) ش: أَمَّا السَّفِيهَةُ الْمُولَى عَلَيْهَا فَالْمَنْصُوصُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا الْمُهْمَلَةُ فَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ فِي السَّفِيهَةِ فَسَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ مِنْ الْقَاضِي أَوْ مُهْمَلَةً لَا يَصِحُّ خُلْعُهَا وَهَذَا إذَا صَالَحَتْ دُونَ إذْنِ وَصِيِّهَا وَأَمَّا إنْ أَذِنَ وَصِيُّهَا فَيَصِحُّ الْخُلْعُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ أَيْ فَلَا يَصِحُّ خُلْعُهُ عَمَّنْ فِي حَجْرِهِ يُرِيدُ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَأَمَّا إذَا رَضِيَتْ فَيَصِحُّ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ فِي تَرْجَمَةِ الصُّلْحِ: وَلِلْأَبِ أَنْ يُخَالِعَ عَلَى ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى إسْقَاطِ جَمِيعِ الْمَهْرِ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِخِلَافِ مُبَارَأَةِ الْوَصِيِّ عَنْ يَتِيمَةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّ يُزَوِّجُ يَتِيمَهُ وَلَا يُسْتَأْمَرُ وَلَا يُزَوِّجُ يَتِيمَتَهُ إلَّا بِإِذْنِهَا وَكَذَلِكَ يُبَارِي عَنْ يَتِيمِهِ وَلَا يَسْتَأْذِنُهُ وَلَا يُبَارِي عَنْ يَتِيمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ خُلْعِهِ عَنْهَا بِرِضَاهَا وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي خُلْعِ الْوَصِيِّ عَنْ يَتِيمَتِهِ دُونَ إذْنِهَا ثَالِثُهَا إنْ لَمْ تَبْلُغْ اللَّخْمِيَّ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَارِيَ الْوَصِيُّ عَنْ يَتِيمَتِهِ وَإِنْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا قَبْلَ إيصَائِهِ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ أَصْبَغَ إنْ خَالَعَ عَمَّنْ فِي وِلَايَتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى النَّظَرِ لِفَسَادٍ وَقَعَ أَوْ ضَرَرٍ جَازَ وَلِرِوَايَتِهَا وَلِعِيسَى عَنْ رُجُوعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى جَوَازِ مُبَارَأَةِ الْوَصِيِّ وَالسُّلْطَانِ عَلَى الصَّغِيرَةِ إنْ كَانَ حَسَنٌ نَظَرَ وَهُوَ أَحْسَنُ وَعَلَى الثَّانِي الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ وَالْمُتَيْطِيُّ: لِلْمَحْجُورَةِ أَنْ تُخَالِعَ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ وَصِيِّهَا ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ فَالْأَرْجَحُ عَقْدُهُ عَلَى الْوَصِيِّ بِرِضَاهَا إلَّا عَلَيْهَا بِإِذْنِهَا انْتَهَى ص (وَذِي رِقٍّ وَرَدِّ الْمَالِ وَبَانَتْ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [فَرْعٌ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ فِي الْخُلْعِ إنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْخُلْعُ فَالْعِصْمَةُ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ] (فَرْعٌ) فَلَوْ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْخُلْعُ فَالْعِصْمَةُ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ، فَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي تَرْجَمَةِ مُبَارَأَةِ الْوَصِيِّ عَنْ الْيَتِيمَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: لَا يَلْزَمُهَا مَا أَعْطَتْهُ بَالِغًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ اُنْظُرْ

فروع لو كان الأب فوض إلى الوصي العقد قبل البلوغ وبعده

لِابْنِ سَعْدُونٍ فِي شَرْحِهِ نِكَاحَ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا اشْتَرَطَ فِي الْخُلْعِ الزَّوْجُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْخُلْعُ عَلَى مَا وَقَعَ فَالْعِصْمَةُ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ فَالشَّرْطُ يَنْفَعُهُ وَمَتَى طَلَبَ مِنْهُ مَا أَخَذَ كَانَتْ زَوْجَتَهُ كَمَا كَانَتْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ أَيْضًا وَالْبَرْزَلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْخُلْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَسُئِلَ عَمَّنْ صَالَحَ زَوْجَتَهُ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهُ سَنَتَيْنِ وَتَكْفُلَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَتْ فَأَبُوهَا ضَامِنٌ لِنَفَقَتِهِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ سِتَّ سِنِينَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ هَذَا الصُّلْحِ جَائِزًا فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا، قَالَ مَالِكٌ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا يَصْلُحُ فِي صُلْحِ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَا بِالصُّلْحِ وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ فَمَا كَانَ فَوْقَ الرَّضَاعِ فَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى الْأَبِ يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ وَمَا اشْتَرَطَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الصُّلْحُ جَائِزًا فَلَهُ الرَّجْعَةُ فَهَذَا بَاطِلٌ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، قَالَ سَحْنُونٌ: تَلْزَمُهَا النَّفَقَةُ وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ لَكَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي اشْتِرَاطِ الرَّجْعَةِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الصُّلْحُ جَائِزًا أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ صَحِيحٌ بَيِّنُ الْمَعْنَى فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ حَكَمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا بِالصُّلْحِ كَانَ جَائِزًا أَوْ غَيْرَ جَائِزٍ فَاشْتِرَاطُهُ أَنْ تَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الصُّلْحُ جَائِزًا أَلَّا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ حُكْمَ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ كَلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِرُمَّتِهِ وَاخْتِصَارُ ابْنِ عَرَفَةَ لَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِالْغَرَرِ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ خَالَعَ عَلَى أَنَّهَا إنْ طَلَبَتْ مَا أَعْطَتْهُ أَوْ خَاصَمَتْهُ عَادَتْ زَوْجَةً وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ شَرَطَ إنْ طَلَبَتْ مَا أَعْطَتْهُ عَادَتْ زَوْجَةً لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَإِنْ ظَنَنَّا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ فَعَادَتْ تَحْتَهُ بِذَلِكَ وَوَطِئَهَا فَلْيُفَارِقَا وَلَهَا مَا رَدَّ إلَيْهَا صَدَاقًا وَلَوْ صَالَحَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ أَعْطَتْهُ وَقَدْ حَمَلَتْ أَوْ عَلَى أَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ فَهَذَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ وَيَرُدُّ إلَيْهَا مَا أَخَذَ وَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ تَضَعَ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَبَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَيْسَ بِنَاكِحٍ فِي عِدَّةٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِهِ مَا قُلْت لَكَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَمِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ مَالِكٌ: إنْ شَرَطَ إنْ خَاصَمَتْهُ فَهِيَ رَدٌّ إلَيْهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَا خُلْعَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ فَذَلِكَ خُلْعٌ، قَالَ: قَدْ بَانَتْ مِنْهُ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِذَا خَالَعَهَا فِي سَفَرٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ بَلَدَهُ فَمَا أَخَذَ رَدَّ فَمَاتَ فِي سَفَرِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ مَاضٍ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَسَائِلُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا مَسْأَلَةٌ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَذِي رِقٍّ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَالْتِزَامُ الْأَمَةِ فَاسِدٌ وَاخْتِلَاعُهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ صَحِيحٌ وَلَا يَكُونُ السَّيِّدُ ضَامِنًا لِلْمَالِ، انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ الْخُلْعِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ تَمَامِ الْخُلْعِ إشْهَادُ الْأَمَةِ عَلَى نَفْسِهَا بِالرِّضَا وَلَكِنَّ الْأَمْرَ نَافِذٌ فِي ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ ابْتِدَاءٌ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تُطَلِّقَ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِعَبْدِهِ فِعْلًا يُؤَدِّي إلَى فَسْخِ نِكَاحِهِ ص (وَجَازَ مِنْ الْأَبِ عَنْ الْمُجْبَرَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) ش: وَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهَا. [فُرُوعٌ لَوْ كَانَ الْأَبُ فَوَّضَ إلَى الْوَصِيِّ الْعَقْدَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ] (فُرُوعٌ. الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ فِي وَثَائِقِهِ: وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فَوَّضَ إلَى الْوَصِيِّ الْعَقْدَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ لَوَجَبَ أَنْ يُبَارِئَ عَنْهَا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: فَإِنْ عَقَدَ الْخُلْعَ عَلَى الْيَتِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَلِيٍّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجِهَا وَالطَّلَاقُ مَاضٍ وَهَلْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الَّذِي عَقَدَ مَعَهُ الْخُلْعَ إذَا لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ

راجعها الزوج معتقدا أن ذلك الطلاق رجعي ثم دخل بها ووطئها

أَدْخَلَهُ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ لَهُ الضَّمَانَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إذَا كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ أَخًا أَوْ لَهُ قَرَابَةٌ لِلزَّوْجَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ، انْتَهَى. وَكَلَامُ أَصْبَغَ الْمَذْكُورِ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ صَالَحَ عَنْهَا أَجْنَبِيٌّ دُونَ إذْنِهَا فَفِي ضَمَانِهِ الْعِوَضُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَوْ يَشْتَرِطْهُ قَوْلَانِ لِأَصْبَغَ فِي نَوَازِلِهِ كَالْوَاضِحَةِ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ وَصُلْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَتِهِ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْهَا مَعَ سَمَاعِهِ يَحْيَى وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي التَّخْيِيرِ وَثَالِثُهَا لِابْنِ دِينَارٍ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ أَخًا ضَمِنَ، انْتَهَى. [رَاجَعَهَا الزَّوْجُ مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا وَوَطِئَهَا] (الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَائِنًا فَلَوْ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ أَوْ مُقَلِّدٌ لِمَنْ يَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا وَوَطِئَهَا وَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِصِحَّةِ الِارْتِجَاعِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ مَالِكِيٍّ يَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ بَائِنٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْبَيْنُونَةِ وَيَكُونَ وَطْؤُهُ وَطْءَ شُبْهَةٍ وَانْظُرْ كَلَامَ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فِي أَوَائِلِهِ بِنَحْوِ الْكَرَاسِينِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ لِأَخِي زَوْجَتِهِ: إنْ تَرَكْتَ لِي مَا لِأُخْتِكَ عَلَيَّ فَقَدْ خَلَّيْتُهَا، فَقَالَ لَهُ الْأَخُ: قَدْ تَرَكْتُ [عَقَدَتْ الْمَرْأَةُ الخلع وَضَمِنَ لِلزَّوْجِ وَلِيُّهَا أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ ظَهَرَ مَا يُسْقِط الْتِزَامَهَا] (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَإِنْ عَقَدَتْهُ الْمَرْأَةُ وَضَمِنَ لِلزَّوْجِ وَلِيُّهَا أَوْ غَيْرُهُ مَا يَلْحَقُهُ مَنْ دَرَكَ فِي الْخُلْعِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ ظَهَرَ مَا يُسْقِطُ الْتِزَامَهَا مِنْ ثُبُوتِ ضَرَرٍ أَوْ عَدَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الضَّامِنَ يَغْرَمُ لِلزَّوْجِ مَا الْتَزَمَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، انْتَهَى. ص (وَبِالْغَرَرِ كَجَنِينٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْخُلْعُ بِذِي غَرَرٍ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهَا يَوْمًا مَا جَائِزٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ يَجُوزُ عَلَى مُجَرَّدِ رَضَاعِ الْوَلَدِ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَرَرٌ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ تَمَامِ أَمَدِهِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ الْأَبِ وَفِيمَا لَا يَجِبُ ثَالِثُهَا فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ كَالْآبِقِ وَالْجَنِينِ وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَا فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ كَالْخُلْعِ عَلَى الْتِزَامِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ بَعْدَ الرَّضَاعِ أَعْوَامًا لِلْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسْقِطَ النَّفَقَةَ عَنْهَا بِمَوْتِهِ، انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَدَّ الْمَالَ وَبَانَتْ الْمَوْعُودُ بِذَكَرِهِ وَنَصَّهُ إثْرَ كَلَامِهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَدَّ الْمَالَ وَبَانَتْ وَقَوْلُهُ أَيْ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَا يَصْلُحُ فِي صُلْحِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الرَّضَاعِ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ قَدْ يَمُوتُ الصَّبِيُّ قَبْلَ الْأَجَلِ الَّذِي الْتَزَمَتْ نَفَقَتُهُ إلَيْهِ وَمِنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْخُلْعَ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْجَنِينِ وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جَائِزٌ فَقِيلَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ غَرَرَ الْآبِقِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَقَدْ تَدْعُو الْمَرْأَةَ الضَّرُورَةُ إلَى الْمُخَالَعَةِ وَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ وَغَرَرُ الْتِزَامِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَعْوَامًا تَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ بِأَنْ تَشْتَرِطَ أَنْ لَا تَسْقُطَ النَّفَقَةُ عَنْهَا بِالْمَوْتِ وَأَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَى الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّاهُ وَإِنْ بَعُدَ وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ النَّفَقَةَ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ كَالصُّلْحِ بِمَالٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَتَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا هَذَا الثَّانِي أَنَّ الْخُلْعَ بِالْغَرَرِ جَائِزٌ كَانَ الْغَرَرُ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ هُوَ قَوْلُ الْمَخْزُومِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هُنَا وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْهُ بِاَلَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يُجِيزَهُ إلَّا بِمَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَاخْتُلِفَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُلْعَ بِالْغَرَرِ وَلَا يَجُوزُ إذَا لَزِمَ الزَّوْجَ الطَّلَاقُ وَأَبْطَلَ مَا خَالَعَ عَلَيْهِ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ أَمْ لَا فَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُنَا أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ

يَرْجِعُ عَلَيْهَا إذَا بَطَلَ الْجَمِيعُ بِخُلْعِ الْمِثْلِ وَإِذَا أَبْطَلَ الْبَعْضَ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مَعَ خُلْعِ الْمِثْلِ. وَأَمَّا الْمُخَالَعَةُ عَلَى رَضَاعِ الْوَلَدِ خَاصَّةً فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَرَرٌ إذْ قَدْ يَمُوتُ الْوَلَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الرَّضَاعَ لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ الْأَبِ فَلَمَّا كَانَ قَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا اُسْتُخِفَّ الْغَرَرُ فِيهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الرَّضَاعِ إذَا كَانَا إنَّمَا عَمِلَا عَلَى أَنَّ بَارَأَتْهُ مِنْ مُؤْنَةِ رَضَاعِهِ بِإِفْصَاحٍ وَبَيَانٍ وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا فَحَمَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إنَّمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ مُؤْنَةِ رَضَاعِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا طَلَبَ ذَلِكَ وَفِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لَوْ طَلَبَ ذَلِكَ لَكَانَ لَهُ فِيهِ قَوْلٌ، انْتَهَى. وَسَيَتَكَلَّمُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا عَلَى خُلْعِ الزَّوْجِ بِشَرْطِ نَفَقَةِ وَلَدِهَا مَدَّةَ رَضَاعِهِ وَعَلَى خُلْعِهِ بِشَرْطِ نَفَقَتِهِ أَزْيَدَ مِنْ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَأَنَّهُ إنْ خَالَعَهَا عَلَى أَزْيَدَ مِنْ مُدَّةِ الرَّضَاعِ أَنَّهُ يُسْقِطُ الزَّائِدَ عَلَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ هُنَاكَ أَنَّهُ مَشَى عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمَخْزُومِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ بِالْغَرَرِ يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ أَمْ لَا وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) : قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مَنْ أَرَادَ الْعَقْدَ عَلَى إزَالَةِ الْغَرَرِ وَإِجَازَتِهِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ حَكَى بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ إنَّهُمَا إذَا شَرَطَا ثُبُوتَ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ كَثُبُوتِهَا قَبْلَهَا جَازَ وَارْتَفَعَ الْغَرَرُ وَهُوَ مِثْلُ مَا لَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا جَازَ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ فِي الْخُلْعِ أَجْوَزُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا ثُمَّ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ أَيْضًا: وَمِمَّا يُجْمَعُ بِهِ أَيْضًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ حَكَى فِي كِتَابِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ وَلَدَهَا مِنْهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَخْذَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهَا إلَّا بِأَنْ تَلْتَزِمَ نَفَقَتَهُ وَتَسْقُطَ عَنْ الْأَبِ مُؤْنَتُهُ إنَّ ذَلِكَ خُلْعٌ تَامٌّ لَازِمٌ وَحَكَى مِثْلَهُ أَيْضًا أَبُو عِمْرَانَ عَنْ فَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَيَعْقِدُ فِيهِ وَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ الْعَقْدِ (الثَّانِي) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَيْضًا: إذَا خَالَعَهَا عَنْ نَفَقَةٍ إلَى الْحُلُمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا عَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَلَوْ قَالَ إلَى حِينِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْ الْأَبِ لَزِمَتْ الْمَرْأَةَ النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ، انْتَهَى. ص (وَبِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَإِذَا أَسْقَطَتْ هِيَ حَضَانَتَهَا فَتَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ لِمَنْ بَعْدَهَا عَلَى الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَنَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي الشُّفْعَةِ وَأَظُنُّهُ فِي ابْنِ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ (تَنْبِيهٌ) إذَا خَالَعَهَا عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا وَهِيَ حَامِلٌ هَلْ يَلْزَمُهَا أَمْ لَا الظَّاهِرُ لُزُومُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا، قَالَ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَالَحَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا فَإِذَا

وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَسْلَمَتْهُ إلَى أَبِيهِ فَإِنْ طَلَبَتْهُ فَنَفَقَتُهُ وَرَضَاعُهُ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْطِمَهُ فَإِنْ لَمْ تَسْتَقِمْ لَهُ بِذَلِكَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، قَالَ مَالِكٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ وَكُلُّ مَا شُرِطَ عَلَيْهَا جَائِزٌ إلَّا مَا اُشْتُرِطَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ فَلَيْسَتْ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ لِأَنَّ مَا شُرِطَ عَلَيْهَا حَقٌّ لَهَا فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا حَاشَا الرَّجْعَةِ، انْتَهَى. ص (وَقِيمَةٌ كَعَبْدٍ اسْتَحَقَّ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ خَرَجَ حُرًّا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ أَيْضًا أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَلَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْحُرَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِإِعْطَائِهِ رَجْعِيًّا، انْتَهَى. ص (وَمَغْصُوبٍ وَإِنْ عَبْدًا وَلَا شَيْءَ لَهُ) ش: هَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا إذَا خَالَعَتْهُ بِشَيْءٍ وَاسْتَحَقَّ فَإِنْ كَانَ لَهَا فِيهِ شُبْهَةٌ فَلَهُ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا شُبْهَةَ لَهَا فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْجَوَاهِرِ وَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَغْصُوبٍ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْمَنْعِ ابْتِدَاءً وَنُفُوذُهُ إذَا وَقَعَ وَالْمَنْصُوصُ لَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخُرُوجُهَا مِنْ مَسْكَنِهَا) ش: قَالَ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَ إلْزَامَهَا كِرَاءَ الْمَسْكَنِ جَازَ ذَلِكَ كَانَ الْمَسْكَنُ لِغَيْرِهِ أَوْ كَانَ لَهُ وَسُمِّيَ الْكِرَاءُ وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ تَمَّ الْخُلْعُ وَلَمْ تَخْرُجْ وَلَا كِرَاءَ لَهُ عَلَيْهَا وَانْظُرْ الْجُزُولِيَّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ أَوْ لِلْحَامِلِ كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا. ص (وَبَانَتْ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ نَصَّ عَلَيْهِ) ش يَعْنِي أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ بَائِنٍ وَلَوْ وَقَعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ إذَا نَصَّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْخُلْعِ بِأَنْ صَرَّحَ بِهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ، قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ الْبَتَّةُ فِي الَّتِي بَنَى بِهَا، وَإِنْ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ طَلَاقَ الْخُلْعِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: خَالَعْتُ امْرَأَتِي أَوْ بَارَيْتُهَا أَوْ افْتَدَتْ مِنِّي لَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، قَالَ أَصْبَغُ: إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ صُلْحٌ أَوْ طَالِقٌ طَلَاقَ الصُّلْحِ أَوْ قَدْ صَالَحْتُكِ أَوْ يَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ صَالَحْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ غَائِبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ رَاضِيَةٌ أَوْ كَارِهَةٌ أُخِذَ مِنْهَا عِوَضٌ أَوْ لَمْ يُؤْخَذْ فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ مُبَارِيَةٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ طَلَاقَ الْمُبَارَأَةِ أَوْ قَدْ بَارَأْتُكِ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالْمُبَارَأَةِ عَلَى أَنْ لَا تُعْطِيَهُ وَلَا تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا وَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَةَ مُبَارَأَةٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ دُونَ أَخْذٍ أَوْ إسْقَاطٍ لِوُقُوعِهَا خِلَافَ السُّنَّةِ فَإِنْ فَعَلَ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَتَمْلِكُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِهَذَا الطَّلَاقِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى رَجْعَتِهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَالتَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِمَا. ص (أَوْ عَلَى

الرَّجْعَةِ) ش: هَذَا خِلَافُ مَا صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَنَصُّهُ: وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ إلَيْهَا لَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ وَقِيلَ لَا يَكُونُ لَهُ رَجْعَةٌ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ. ص (أَوْ طَلَّقَ أَوْ صَالَحَ وَأَعْطَى) ش: أَمَّا إنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى فَتَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَأَمَّا إذَا صَالَحَ وَأَعْطَى فَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَلْفِظَ بِالصُّلْحِ فَيَقُولَ صَالِحِينِي عَلَى أَنْ أُعْطِيَكِ مِائَةَ دِينَارٍ مَثَلًا وَخَالِعِينِي عَلَى أَنْ أُعْطِيَكِ فَإِنَّ الصُّلْحَ وَالْخُلْعَ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إعْطَاءٌ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ يَقُولَ لَهَا خُذِي هَذَا الْأَلْفَ وَاتْرُكِي مَهْرَكِ وَأَنَا أُطَلِّقُكِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ لَهَا وَزَادَ لَهَا أَلْفًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ فَهُوَ كَمَنْ صَالَحَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ عِنْدِهِ، مَالِكٌ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا دَفَعَ إلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا أُخَالِعُكِ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكِ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَبِلَتْهَا هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعْطِهَا وَانْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ وَقَدْ رُوِيَ فِيمَنْ قَالَ: أُخَالِعُكِ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ كَانَتْ بَائِنَةً لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُعْطِهَا الزَّوْجُ شَيْئًا فَخَالَعَهَا فَهِيَ أَيْضًا بِذَلِكَ بَائِنٌ، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ فِي جَعْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا طَلَّقَ وَأَعْطَى مِثْلَ إذَا صَالَحَ وَأَعْطَى نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا مَا إذَا طَلَّقَ وَأَعْطَى، قَالَ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ وَلَا دَيْنٌ فَخَالَعَهَا عَلَى أَنْ أَعْطَاهَا شَيْئًا أَوْ لَمْ يُعْطِهَا فَذَلِكَ خُلْعٌ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ وَلَيْسَ بِخُلْعٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنٌ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ بَائِنٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا فَلَيْسَ بِخُلْعٍ وَهُوَ رَجُلٌ طَلَّقَ وَأَعْطَى، انْتَهَى. لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِيهَا فِيمَنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَجْعِيَّةٌ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي مُوَطَّإِ ابْنِ وَهْبٍ وَالْأَسْدِيَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ صَالَحَ وَأَعْطَى وَلَيْسَ فِيمَنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالنَّقْلُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا خِلَافَ فِيمَنْ طَلَّقَ وَأَعْطَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهَا هِبَةً وَطَلَّقَهَا وَلَيْسَ مِنْ الْخُلْعِ فِي شَيْءٍ، انْتَهَى. ص (وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْخُلْعَ تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْخُلْعِ بِغَيْرِ عَطِيَّةٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَ الصُّلْحِ، وَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلِي مَتَاعِي، وَقَالَ: وَلَكِ مَتَاعُكِ، أَوْ قَالَ: وَلَكِ زِيَادَةُ كَذَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: وَإِذَا صَالَحَهَا عَلَى إنْ أَعْطَاهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ جَهْلًا أَوْ ظَنًّا أَنَّهُ وَجْهُ الصُّلْحِ، قَالَ: هِيَ طَلْقَةٌ وَلَهُ الرَّجْعَةُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا رَجْعَةَ لَهُ إذَا كَانَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ. وَقَالَهُ اللَّيْثُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ الْعَمَلُ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِذَا تَدَاعَيَا إلَى الصُّلْحِ وَافْتَرَقَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا فَهُوَ فِرَاقٌ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا وَإِذَا قَصَدَ إلَى الصُّلْحِ بِغَيْرِ عَطِيَّةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ وَيُسَلِّمَ إلَيْهَا مَتَاعَهَا فَذَلِكَ خُلْعٌ لَازِمٌ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: وَتَكُونُ بَائِنًا، قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ اهـ. ص (وَطَلَاقٌ حُكِمَ بِهِ) ش: وَكَذَلِكَ الْمَفْقُودُ وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ فِي عِدَّةِ زَوْجَتِهِ وَيَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الطَّلَاقِ مَسَائِلُ مِنْ

هَذَا الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُوجِبُهُ زَوْجٌ مُكَلَّفٌ) ش: لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لِأَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ مَعَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُسْلِمَةً لَا يَظْهَرُ لَهُ كَبِيرُ مَعْنَى، انْتَهَى. ص (وَلَوْ سَفِيهًا) ش: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَالْمَالُ مَرْدُودٌ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ وَيَرُدُّ الْمَالَ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي خُلْعِ السَّفِيهِ قَوْلَانِ نَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ زَادَ وَإِذَا صَحَّحْنَاهُ فَلَا يَبْرَأُ الْمُخْتَلِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ بَلْ إلَى وَلِيِّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ اُخْتُلِفَ فِي خُلْعِ السَّفِيهِ لَا أَعْرِفُهُ، قَالَ: وَعَلَى صِحَّتِهِ لَا يَبْرَأُ الْمُخْتَلِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْوَلِيِّ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً وَالزَّوْجُ سَفِيهًا مَضَى الْخُلْعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُرَدُّ وَإِنْ كَانَ فِي الْخُلْعِ غَبْنٌ كَمُلَ لَهُ خُلْعُ الْمِثْلِ (قُلْت) فَيَجِبُ صَرْفُ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ لِتَكْمِيلِ خُلْعِ الْمِثْلِ لِارْتِفَاعِ رَفْعِ الطَّلَاقِ، وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مُجْمَلٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَثَّقِينَ بَرَاءَةُ الْمُخْتَلِعِ بِدَفْعِ الْخُلْعِ لِلسَّفِيهِ دُونَ وَلِيِّهِ. قَالَ ابْنُ فَتْحُونٍ وَالْمُتَيْطِيُّ: لَا يَفْتَقِرُ الْمُبَارِئُ لِلْوَلِيِّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا هُوَ لِلسَّفِيهِ بِخُلْعِهِ يَأْخُذُ مِنْهُ أَوْ يُسْقِطُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِ مَثْمُونِ السَّفِيهِ مُسْتَقِلٌّ بِهِ فَصَارَ كَهِبَةٍ اهـ. ص (وَوَلِيُّ صَغِيرٍ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ غَيْرَهُمَا) ش: أَيْ وَصِيًّا أَوْ حَاكِمًا، قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَجَازَ لِوَلِيِّ صَغِيرٍ وَإِنْ وَصِيًّا وَحَاكِمًا وَنَائِبَهُ بِالنَّظَرِ كَأَبٍ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُطَلِّقُونَ بِلَا عِوَضٍ عَلَى الْأَصَحِّ، انْتَهَى. وَتَبِعَ فِي حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى مَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْخُلْعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ لَمْ يُطَلِّقْ عَلَيْهِ إلَّا بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ لَهُ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ زَوَّجَ وَصِيفَهُ وَصِيفَتَهُ وَلَمْ يَبْلُغَا أَنَّهُ جَائِزٌ فَإِنْ فَرَّقَ السَّيِّدُ بَيْنَهُمَا عَلَى النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ جَازَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغَا، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: لَا يَجُوزُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى جَوَازِ الْمُخَالَعَةِ وَيَخْتَلِفُ فِي طَلَاقِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، عِيَاضٌ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ فِي تَطْلِيقِ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ الصَّغِيرِ طَلَاقُ السُّنَّةِ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ مَذْهَبِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ وَإِنَّ رِوَايَةَ ابْنِ نَافِعٍ تُخَالِفُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْخُلْعُ وَيَجُوزُ إذَا كَانَ نَظَرًا بِغَيْرِ خُلْعٍ إذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْكُلَّ عَلَى الْوِفَاقِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعَهُ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (لَا أَبَ سَفِيهٍ) ش: يَعْنِي فَأَحْرَى غَيْرُهُ مِنْ الْوَصِيِّ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَيْسَ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ وَلَوْ كَانَ أَبًا أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ السَّفِيهِ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِتَشْهِيرِ هَذَا الْقَوْلِ الْمُتَيْطِيُّ

ص (وَسَيِّدَ بَالِغٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْبَالِغِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ لَا يَمْضِي خُلْعُ السَّيِّدِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ وَأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُخَالِعُ عَلَيْهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقَدْ صَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّامِلِ حَيْثُ قَالَ: وَلِسَيِّدٍ عَنْ أَمَةٍ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ وَإِنْ كَرِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَيَّدَ الْعَبْدَ بِالصِّغَرِ دُونَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ بُحِثَ مَعَ ابْنِ بَشِيرٍ فِي قَوْلِهِ وَهَلْ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَنْ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَالشَّاذُّ مَنْعُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: فَانْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي حَلِّ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبِخِلَافِ السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ مُرَادُهُ الْعَبْدُ الْبَالِغُ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ بَشِيرٍ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْكَبِيرَ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُشْكِلٌ، انْتَهَى. فَمُنَاقَشَتُهُ مَعَ ابْنِ بَشِيرٍ فِي إطْلَاقِهِ فِي الْعَبْدِ وَسُكُوتِهِ عَنْ إطْلَاقِهِ فِي الْأَمَةِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمَةَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بَالِغَةً أَوْ غَيْرَ بَالِغَةٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) الْأَمَةُ الْبَالِغَةُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْضِي خُلْعُهَا عَنْ نَفْسِهَا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْبَالِغُ فَيَجُوزُ، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَأَمَّا الْعَبِيدُ الْكِبَارُ فَحُكْمُ الذُّكُورِ مِنْهُمْ حُكْمُ السَّفِيهِ الْبَالِغِ يُطَلَّقُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَتَخْتَلِعُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَيَكُونَ الْخُلْعُ نَافِذًا وَالْمَالُ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ مَرْدُودٌ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ إذَا اخْتَلَعَتْ الْأَمَةُ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَاسْتَرْجَعَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا عَتَقَتْ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ بَشِيرٍ ذُو عَقْدِ حُرِّيَّةٍ عَلَى عَدَمِ جَبْرِهِ عَلَى النِّكَاحِ لَا يُخَالِعُ عَنْهُ وَعَلَى جَبْرِهِ فِي الْخُلْعِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. ص (وَنَفَذَ خُلْعُ الْمَرِيضِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالنُّفُوذِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّمَا قَالَ نَفَذَ وَلَمْ يَقُلْ جَازَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً لَا يَسُوغُ، انْتَهَى. مِنْ الْكَبِيرِ وَنَحْوُهُ فِي الصَّغِيرِ. ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ: وَلَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ تَكَلَّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى الْوُقُوعِ وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ الْوَارِثِ وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إخْرَاجِ الْوَارِثِ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَجُوزُ طَلَاقُ مَنْ لَا يَرِثُ مِثْلُ الْأَمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذْ تُعْتَقُ الْأَمَةُ وَتُسْلِمُ الْكِتَابِيَّةُ، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، قَالَ مَالِكٌ: مِنْ حُجَّتِنَا فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ أَنْ يُطَلِّقَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَكَمَا يُمْنَعُ مِنْ الطَّلَاقِ وَهُوَ مَرِيضٌ لِحَقِّ امْرَأَتِهِ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَنْ يَنْقُصُهَا مِنْ ثَمَنِهَا. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْمَرَضِ مَوْجُودٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ وَارِثًا عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُمْ وَارِثًا، انْتَهَى. فَعَبَّرَ مَالِكٌ بِالْمَنْعِ مَرَّتَيْنِ وَعَبَّرَ ابْنُ رُشْدٍ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ وَخُلْعُهُ جَائِزٌ وَيَصِحُّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْ الزَّوْجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ ظُهُورِ صِحَّتِهِ وَرِثَتْهُ الْمَرْأَةُ بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا، انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ جَائِزٌ ابْتِدَاءً وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: جَائِزٌ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَازِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَرَثَتِهِ) ش: أَشَارَ إلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمَرِيضِ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا لَا يَمْنَعُ الزَّوْجَةَ الْمِيرَاثَ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ

فَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلطَّلَاقِ: وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ وَإِقْرَارُهُ بِهِ كَالصَّحِيحِ فِي أَحْكَامِهِ وَتَنْصِيفُ صَدَاقِهِ وَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ وَسُقُوطُهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا يَنْقَطِعُ مِيرَاثُهَا هِيَ خَاصَّةً إنْ كَانَ مَخُوفًا قَضَى بِهِ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِامْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتَرِثُهُ سَوَاءٌ كَانَ طَلَاقُهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَمْ لَا اهـ وَتَرِثُهُ مِنْ جَمِيعِ مَا تَرَكَ حَتَّى مَا اخْتَلَعَتْ بِهِ مِنْهُ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَرِثُ مِنْهُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الْفِرَاقَ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِهِ وَإِنَّمَا تَمَّمَتْهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا وَهَذَا مُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ، انْتَهَى. يَعْنِي مُقَابِلَ الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُخَيَّرَةٍ) ش: أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْفِرَاقَ مِنْ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ فَسْخًا كَمَا فِي اللِّعَانِ أَوْ طَلَاقًا كَمَا فِي غَيْرِهِ تَسَبَّبَتْ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا إذَا أَحْنَثَتْهُ أَمْ لَا. ص (وَمُلَاعَنَةٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَرَّعَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرُهُ وَإِذَا لَاعَنَ فِي الْمَرَضِ انْتَفَى الْوَلَدُ لِأَنَّ الْأَنْسَابَ لَا تُهْمَةَ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا فِي الْمَرَضِ لَحِقَ بِهِ وَلَمْ يُتَّهَمْ فَكَذَلِكَ إذَا نَفَاهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) لَوْ ارْتَدَّ الْمَرِيضُ لَمْ تَرِثْهُ زَوْجَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا مِنْ وَرَثَتِهِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا وَجَبَ الْمِيرَاثُ فِي اللِّعَانِ مَعَ كَوْنِهِ فَسْخًا فَفِي الرِّدَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهَا طَلَاقٌ وَالْفَسْخُ أَقْوَى فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ اللِّعَانَ خَاصٌّ بِالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُمْ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ سَائِرَ الْوَرَثَةِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) قَالَ فِيهِ اللَّخْمِيُّ: وَلَوْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ بِقُرْبِ ذَلِكَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ دُونَ زَوْجَتِهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ عِنْدَهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ مُرَاجَعَةً وَتَرِثُهُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ أَنَّهَا تَعُودُ زَوْجَةً عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَهُ: قُلْت الْأَظْهَرُ أَنْ تَرِثَهُ زَوْجَتُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُطَلِّقٌ فِي الْمَرَضِ وَرَافِعُ تُهْمَةِ نَفْيِهِ لِإِسْلَامِهِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بِالرِّدَّةِ مَا إذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَرَضِ بِسَبَبِ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ نُشُوزٍ مِنْهَا فِي الْمَرَضِ وَفِي الْبَاجِيِّ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لِنُشُوزٍ مِنْهَا كَالْمُخَالَعَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْمِيرَاثِ بَاقٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعَلَ التُّونُسِيُّ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ بِجُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ كَالرِّدَّةِ وَاضِحٌ إلَّا أَنَّ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ فِي مَرَضِهِ نَظَرًا وَالصَّوَابُ تَأْخِيرُهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّشُوزُ مِنْهَا كَالْمَرَضِ فِي الرِّدَّةِ مُشْكِلٌ إذْ لَا أَثَرَ لِلنُّشُوزِ فِي الْفُرْقَةِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ وَارِثَةٌ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَإِنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ وَقَفَ عَلَى إذْنِهَا وَإِنْ قَتَلَتْهُ خَطَأً وَرِثَتْ مِنْ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ وَعَمْدًا لَمْ تَرِثْ مِنْهَا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَلَوْ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَطَلَّقَهَا لَمْ تَرِثْ إلَّا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ) ش: أَيْ وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فِي الْمَرَضِ ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ صِحَّةً بَيِّنَةً ثُمَّ مَرِضَ فَطَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا طَلْقَةً أُخْرَى رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةٍ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى

وَرِثَتْهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الصِّحَّةِ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ إنْ مَاتَ الْمُطَلِّقُ فِي الْعِدَّةِ فَأَحْرَى الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ مِيرَاثَهَا قَدْ انْقَطَعَ بِسَبَبِ الصِّحَّةِ الْكَائِنَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَلَا عِبْرَةَ بِالطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً لَهَا. وَإِنَّمَا تُحْسَبُ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ يُوهِمُ أَنَّ ثَمَّ عِدَّةً أُخْرَى أَمَّا لَوْ رَاجَعَهَا انْفَسَخَتْ الْعِدَّةُ الَّتِي لِلطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُطَلِّقِ فِي الْمَرَضِ وَفَرَضْنَا الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَائِنًا لَمْ يَلْحَقْ الطَّلَاقُ الثَّانِي بَعْدَهُ وَانْقَطَعَ الْمِيرَاثُ بِالصِّحَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ صَحَّ فَأَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُهُ وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ ارْتَجَعَهَا أَمْ لَا وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ شُهِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِطَلَاقِهِ فَكَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ) ش: قَالَ فِي رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَقَدْ مَاتَتْ أَتَرَى أَنْ يَرِثَهَا، قَالَ لَا وَحِينَ قِيلَ لَهُ أَفَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ هُوَ أَفَتَرَى أَنْ تَرِثَهُ، قَالَ: لَيْسَ هِيَ مِثْلُهُ نَعَمْ تَرِثُهُ. قَالَ سَحْنُونٌ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا قِيَامًا مَعَهُ يَعْنِي حُضُورًا مَعَهُ فِي الْبَلَدِ فَلَمْ يَقُومُوا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ سَحْنُونٍ مَعْنَاهُ كَانُوا قِيَامًا فَلَمْ يَقُومُوا حَتَّى مَاتَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَوْ كَانُوا قِيَامًا مَعَهُ فَلَمْ يَقُومُوا لَوَجَبَ أَنْ يَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ كَانَتْ تَبْطُلُ بِتَرْكِ قِيَامِهِمْ بِهَا وَإِنَّمَا وَهَمَ سَحْنُونٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي شُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذْ كَانُوا حُضُورًا وَلِامْرَأَتِهِ الْمِيرَاثُ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَيْضًا لَوْ مَاتَتْ هِيَ أَنَّ لَهُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ لِحُضُورِهِمْ فَلَيْسَ مَعْنَى مَسْأَلَةِ مَالِكٍ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَشْهَدُوا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا إلَّا إنْ كَانُوا غُيَّبًا وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَإِنَّ الشُّهُودَ كَانُوا غُيَّبًا لَا يُتَّهَمُونَ فَمَالِكٌ أَحَقُّ بِتَبْيِينِ مَا أَرَادَ وَوَجْهُ تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ مِيرَاثِهِ مِنْهَا وَمِيرَاثِهَا مِنْهُ هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ فَلَمْ يُعْذَرْ إلَيْهِ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَلَعَلَّهُ لَوْ أَعْذَرَ إلَيْهِ فِيهِمْ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ فَرَأَى لَهَا الْمِيرَاثَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةُ أَمْكَنَ أَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ يَوْمَ وَقَعَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ مِنْهَا،. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا وَرِثَتْهُ وَلَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُطَلِّقِ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ يَوْمَ الْحُكْمِ. وَلَوْ لَمْ يَقَعْ يَوْمَ الْحُكْمِ لَكَانَ فِيهِ الْحَدُّ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يُنَفِّذُ شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ وَهِيَ تَقُولُ إنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا دُرِئَ الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ إمَّا لِنِسْيَانِهِ وَإِمَّا لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي إنْكَارِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ وَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَوَرِثَهَا هُوَ أَيْضًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ كَمَا لَا يَرِثُهَا لِأَنَّ الْإِعْذَارَ يَجِبُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَكَمَا لَا يَرِثُهَا وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ إلَيْهَا لَا تَرِثُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَسَيَأْتِي فِي رَسْم بِعْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ عِنْدَ قَوْمٍ أَنَّهُ بَارَأَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ زَعَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَازِحًا وَلَمْ يُبَارِئْ وَأَنْكَرَتْ هِيَ تَكُونُ بَارَأَتْهُ، قَالَ: إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَانَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا وَرِثَتْهُ وَلَمْ يَرِثْهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمِيرَاثِ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ كَانَتْ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ بِأَنَّهَا بَائِنَةٌ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ

عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَوَجَبَ مَا قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى مَسْأَلَةِ رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ تَرِثَهُ وَلَا يَرِثُهَا مَاتَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَجَاءَ شُهُودٌ عُدُولٌ لَا يُتَّهَمُونَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا مُنْذُ سِنِينَ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا قِيلَ لَهُ فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّهَا تَرِثُهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ قَائِمًا فَشَهِدُوا عَلَيْهِ أَتَرْجُمُوهُ قُلْت لَا، قَالَ: فَمَا يُدْرِينَا مَا كَانَ يَدْرَأُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ رَأْيِي وَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَيْهَا فِي رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَنَصُّهُ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَمَنْ طَلَّقَ وَأَشْهَدَ ثُمَّ كَتَمَ هُوَ وَالْبَيِّنَةُ ذَلِكَ إلَى حِينِ مَوْتِهِ فَشَهِدُوا بِذَلِكَ حِينَئِذٍ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانُوا حُضُورًا وَيُعَاقَبُونَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ، انْتَهَى. فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَذَكَرَ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَكَلَامِ سَحْنُونٍ فِيهِ. وَقَالَ بَعْدَهُ ابْنُ يُونُسَ: يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَثْبُتَ الطَّلَاقُ وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا وَقَدْ رَوَاهَا عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا غُيَّبًا سِنِينَ. وَقَالَ يَحْيَى ابْنُ عُمَرَ: لَا تَرِثُهُ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِهَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا بِمَا نَصَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالطَّلَاقِ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَيِّتٍ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى حَيٍّ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمَيِّتُ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ آخِرِ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَنْ طَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَرِثَتْهُ زَوْجَتُهُ فَإِذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ هِيَ الْمَيِّتَةُ لَمْ يَرِثْهَا لِأَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَمْ يَرِثْهَا وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَا جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ وَرِثَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ هِيَ الْمَيِّتَةُ أَوَّلًا لَمْ يَرِثْهَا وَيَشْهَدُ لِهَذَا الَّذِي عَلَّلْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي تَوْرِيثِهَا مِنْهُ إذَا كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ الشَّيْخُ. وَوَجْهُ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ لَا تَرِثُ نَظَرًا إلَى يَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ إلَخْ لَمْ يَعْزُهُ لَهُ صَرِيحًا، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ مُعْتَرَضٌ مِنْ قَوْلِهِ إنَّمَا دُرِئَ الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ فَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا شَهَادَةً يَجِبُ بِهَا حَدُّهُ وَأَنْكَرَ الشَّهَادَةَ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي إسْقَاطِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ: يُرَدُّ تَعَقُّبُهُ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ عِنْدَهُ هِيَ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ وَإِمْكَانُ نِسْيَانِهِ حِنْثَهُ فِي زَوْجَتِهِ، انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ حُضُورًا فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا ثُمَّ قَدِمُوا فَشَهِدُوا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرِثَتْهُ وَإِنْ بَعْدَ مَوْتِهَا هِيَ لَمْ يَرِثْهَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ وَيَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا تَرِثُهُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا، وَقَالَ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَيَشُكُّ فِي يَمِينِهِ فَيَسْأَلُ وَيَسْتَفْتِي ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ حِنْثُهُ، قَالَ مَالِكٌ: تَعْتَدُّ مِنْ حِينِ وَقَفَهُ عَنْهَا وَلَيْسَ مِنْ حِينِ تَبَيَّنَ لَهُ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَيَتَوَارَثَانِ، قَالَ: يُنْظَرُ فِي يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ يَحْنَثُ فِيهَا لَمْ تَرِثْهُ وَإِلَّا وَرِثَتْهُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ تَعْتَدُّ مِنْ حِينِ وَقَفَهُ صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ الْحِنْثِ وَقَوْلُهُ فِي الْمِيرَاثِ يُنْظَرُ فِي يَمِينِهِ إلَخْ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَمْ تَرِثْهُ وَلَا يَرِثُهَا لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي رَسْمِ طَلَّقَ فِي الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَقَدْ مَاتَتْ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الرَّجُلَ فِي هَذَا لَمْ يَزَلْ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَمَسْأَلَةُ كِتَابِ طَلَّقَ شَهِدَ الشُّهُودُ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِشَهَادَتِهِمْ فَوَجَبَ فِي ذَلِكَ الْإِعْذَارُ

إلَيْهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ صُورَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَحْتَ الزَّوْجِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ طَلَاقُهَا إلَّا مِنْ الشُّهُودِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ وَانْفَصَلَتْ عَنْهُ وَعُلِمَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ وَنَصُّهُ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَعَهَا يُعَاشِرُهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ إلَى أَنْ مَاتَ لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ الْحُكْمِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَشْهَدَ بِهِ فِي سَفَرٍ ثُمَّ قَدِمَ وَوَطِئَ وَأَنْكَرَ الشَّهَادَةَ فُرِّقَ وَلَا حَدَّ) ش: قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي سَفَرٍ ثَلَاثًا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَدِمَ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَتَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدُوا بِذَلِكَ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلطَّلَاقِ وَمُقِرٌّ بِالْوَطْءِ فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَلَا يُضْرَبُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَيْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُحْكَمَ بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقِرِّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ وَقَوْلُهُ فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، عِيَاضٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، الشَّيْخُ. وَفِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مُنْذُ سَنَةٍ فَحَاضَتْ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضِ، قَالُوا: عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ فَقَالُوا: يُنَاقِضُ قَوْلَهُ هُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مُقِرٌّ بِالطَّلَاقِ وَهَاهُنَا مُنْكِرٌ لِلطَّلَاقِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَأَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَجَحَدَ الطَّلَاقَ حَدَّدَتْهُ وَلَوْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا حَدَّدَتْهُ وَرَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ عُدُولٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَطَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْمَسِيسِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَأَصْحَابُنَا يَأْبَوْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَيَرَوْنَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ فِي إيجَابِ الْحَدِّ خِلَافٌ لِلْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فِي سَفَرِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْأَمَةِ يُعْتِقُهَا فِي سَفَرِهِ وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَقْدَمَ فَيَطَؤُهَا وَيَسْتَغِلُّهَا فَاخْتَلَفَا فِي الْغَلَّةِ وَاتَّفَقَا أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَلِمَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَوْ شَهِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِطَلَاقٍ إلَخْ وَذُكِرَ عَنْ الْبَاجِيِّ بِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ الْحُكْمِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ يَوْمَ الْحُكْمِ لَكَانَ فِيهِ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْبَاجِيُّ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَحْوَهُ لِأَنَّ فِيهَا فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي السَّفَرِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَدِمَ فَأَصَابَ امْرَأَتَهُ إلَى آخِرِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَذُكِرَ أَكْثَرُ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ، وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ: وَهَذَا الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْبَاجِيُّ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ فَقَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ إنَّ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ تَعْلِيلِ الْبَاجِيِّ يُنَاقِضُ قَوْلَ الشَّيْخِ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْبَاجِيُّ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَحْوُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا مُخَالَفَةَ فِي ذَلِكَ وَمُرَادُ الشَّيْخِ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَحْوُهُ يَعْنِي قَوْلَهُ إنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَكَلَامُ الْمُتَيْطِيِّ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ لَمْ يَقَعْ يَوْمَ الْحُكْمِ لَكَانَ فِيهِ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الطَّلَاقَ وَأَقَرَّ بِالْوَطْءِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ صِحَّتِهِ فَكَالْمُتَزَوِّجِ فِي الْمَرَضِ) ش: تَشْبِيهُ هَذَا النِّكَاحِ بِالنِّكَاحِ فِي الْمَرَضِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِرْثِ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي أَثْنَاءِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ هَذَا النِّكَاحِ وَالنِّكَاحِ فِي الْمَرَضِ مَا نَصُّهُ: وَهَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ قَدْ ثَبَتَ لَهَا الْمِيرَاثُ، انْتَهَى. وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ بِالتَّزَوُّجِ فِي

الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَبْلُ وَبَعْدُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فِي مَرَضِهِ فُسِخَ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَجُزْ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ وَهَلْ يُرَدُّ أَوْ الْمُجَاوِزُ لِإِرْثِهِ يَوْمَ مَوْتِهَا وَوَقَفَ إلَيْهِ تَأْوِيلَانِ) ش: التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُرَدُّ جَمِيعُ الْخُلْعِ وَلَا يَرِثُ الزَّوْجُ شَيْئًا وَهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ أَقَلُّ الشُّيُوخِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ وِفَاقٌ فَلَا يُرَدُّ إلَّا مَا جَاوَزَ قَدْرَ مِيرَاثِهِ مِنْهَا يَوْمَ تَمُوتُ فَيُوقَفُ مَا خَالَعَهَا عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ مَوْتِهَا فَيُنْظَرُ فِيهِ حِينَئِذٍ مَعَ قَدْرِ إرْثِهِ مِنْهَا وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مَسْأَلَةٌ تُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَكْثَرِ وَهِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَأَوْصَتْ لِزَوْجِهَا وَهُوَ غَائِبٌ بِثُلُثِ مَالِهَا وَقَدْ تَرَكَتْ وَلَدًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَقِيلَ لَهَا أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، فَقَالَتْ: إنَّهُ كَتَبَ إلَيَّ بِالطَّلَاقِ فَسَتَرَتْ ذَلِكَ وَقَدِمَ الزَّوْجُ وَصَدَّقَهَا، وَقَالَ الْوَرَثَةُ: إنَّهَا بِالزَّوْجِ الْوَصِيَّةُ، وَقَالَ بَنُوهَا مِنْ غَيْرِهِ: إنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَحْرِمَنَا فَضْلَ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا إقْرَارُهُ بِالطَّلَاقِ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ وَيُنْظَرُ إلَى وَصِيَّتِهَا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ تَتِمَّةِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا لِمَا لِقُرْبِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَوْصَتْ لَهُ كَفَافَ مِيرَاثِهِ مِنْهَا دَفَعَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تُتَّهَمُ فِيهِ وَلَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهِ اُتُّهِمَ وَاتُّهِمَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَدْرُ مِيرَاثِهِ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةُ الْمَعْنَى اهـ. ص (وَإِنْ نَقَصَ وَكِيلُهُ عَنْ مُسَمَّاهُ لَمْ يَلْزَمْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالتَّوْكِيلُ عَلَى الْخُلْعِ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ لَا كَالنِّكَاحِ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ. ابْنُ شَاسٍ. لَوْ قَالَ خَالِعْهَا بِمِائَةٍ فَنَقَصَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ، انْتَهَى. فَإِنْ خَالَعَ بِمَا سَمَّاهُ أَوْ زَادَ فَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ نَقَصَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا نَقَصَ وَكِيلُهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّقْصِ الْكَثِيرِ وَأَمَّا الْيَسِيرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ كَالْبَيْعِ اهـ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي مَسْأَلَةِ مُخَالَفَةِ وَكِيلِ الزَّوْجَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْبَيْعِ بِالنَّقْصِ الْيَسِيرِ لَا تُغْتَفَرُ كَمَا اخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ وَرَاجِعْ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا يَنْفُذَانِ وَكُلُّ اثْنَيْنِ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا اهـ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (أَوْ أَطْلَقَ لَهُ أَوْ لَهَا حَلَفَ أَنَّهُ أَرَادَ خُلْعَ الْمِثْلِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ شَاسٍ: وَلَوْ قَالَ خَالَعَهَا فَنَقَصَ عَنْ الْمِثْلِ قُبِلَ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ أَرَادَ الْمِثْلَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَعَ يَمِينِهِ، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ شَاسٍ وَلَوْ قَالَ مُطْلَقًا خَالَعَهَا فَنَقَصَ عَنْ خُلْعِ الْمِثْلِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ أَرَادَ خُلْعَ الْمِثْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ قَالَ: خَالَعَهَا فَنَقَصَ عَنْ الْمِثْلِ حَلَفَ أَنَّهُ أَرَادَ خُلْعَ الْمِثْلِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُخَالِعَ لَهُ زَوْجَتَهُ فَإِنْ خَالَعَهَا بِخُلْعِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْمِثْلِ فَفِي الْجَوَاهِرِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ أَرَادَ خُلْعَ الْمِثْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَيْضًا مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ النَّصُّ عَلَى الْيَمِينِ، قَالَ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ سُقُوطُ الْيَمِينِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقَدْ يُقَالُ بِثُبُوتِهَا هُنَا لِأَنَّ السِّلْعَةَ فِي الْبَيْعِ لَهَا قِيمَةٌ كَالْمُغَرِّرَةِ وَلَا قِيمَةَ هُنَا خَلِيلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَمِينَ هُنَا تَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي تَوَجُّهِهَا فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَفْظُهُ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ وَكَّلَ مَنْ يُصَالِحُ عَنْهُ امْرَأَتَهُ فَصَالَحَهَا بِدِينَارٍ فَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَلَهُ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ صُلْحُ مِثْلِهَا ثُمَّ ذَكَرَ اعْتِرَاضَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت لَا يَبْعُدُ إجْرَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَهَا فَيُشِيرُ بِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْيَمِينِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ:

إنْ دَعَوْتنِي إلَى الصُّلْحِ فَلَمْ أُجِبْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ دِينَارًا، فَقَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا وَإِنَّمَا أَرَدْتُ نِصْفَ مَا تَمْلِكِينَهُ، فَقَالَ: لَا يَلْزَمُهُ الْخُلْعُ وَيَحْلِفُ وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَمْ يُجِبْهَا حَنِثَ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَيَانِ: قَوْلُهُ يَحْلِفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَفْتِيًا فِي يَمِينِهِ. وَإِنَّمَا كَانَ مُخَاصِمًا وَحَلَفَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى نِيَّةً تُخَالِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا لَقُبِلَ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ هَذِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ يَمِينًا، قَالَ: وَتَجْرِي عَلَى أَيْمَانِ التُّهَمِ وَعِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَهَا بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُهُ وَأَنْكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُونَ بَعْضَ الْمَالِ لَا كُلَّهُ وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُوجِبْ فِي الرِّوَايَةِ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَكُونَ حَمَلَ مَا فِي الرِّوَايَةِ عَلَى الْمُرَافَعَةِ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَكُونُ إذَا رَافَعَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا وَأَمَّا إنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَلَمْ يُخَاصِمْهُ أَحَدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَمْ يُنَبِّهْ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلُهَا، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِطْلَاقَ لِلْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ إذَا أَطْلَقَ لِلزَّوْجَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتِنِي مَا أُخَالِعُكِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي قَوْلِهِ أَوْ بِتَافِهٍ إلَخْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا فِي التَّوْضِيحِ هِيَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا: وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَعَوْتنِي إلَى الصُّلْحِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْوِيَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِاحْتِمَالِهَا الْجِنْسَ وَالْعَهْدَ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ زَادَ وَكِيلُهَا فَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ) ش: قَوْلُهُ زَادَ مَا إذَا سَمَّتْ لَهُ عَدَدًا فَزَادَ عَلَيْهِ وَمَا إذَا أَطْلَقَتْ لَهُ فَخَالَعَ بِأَكْثَرَ مِنْ خُلْعِ الْمِثْلِ فَجَاءَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَكِيلِ وَأَمَّا مَا سَمَّتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ خُلْعُ الْمِثْلِ إذَا طَلَّقَتْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا إنْ أَضَافَ الْخُلْعَ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا أَوْ إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ، قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ وَكَّلَتْهُ مُطْلَقًا فَخَالَعَ بِالْمِثْلِ فَأَقَلَّ لَزِمَ وَإِنْ زَادَ غَرِمَ الزِّيَادَةَ كَزَائِدِ عَدَدٍ سَمَّتْهُ لَهُ فَإِنْ أَضَافَ الِاخْتِلَاعَ لِنَفْسِهِ صَحَّ وَغَرِمَ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا بَانَتْ وَلَزِمَهَا مَا سَمَّتْ وَغَرِمَ الزِّيَادَةَ اهـ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَأَمَّا وَكِيلُهَا بِالِاخْتِلَاعِ بِمِائَةٍ فَإِنْ زَادَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَتْ الْمِائَةُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَكِيلِ وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا إلَى نَفْسِهِ لَزِمَتْ الْبَيْنُونَةُ وَعَلَيْهَا مَا سَمَّتْ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَكِيلِ وَإِنْ أَذِنَتْ مُطْلَقًا فَهُوَ كَالْمُقَيَّدِ بِخُلْعِ الْمِثْلِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْقَابِلِ شَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْتِزَامِ الْمَالِ فَيَلْزَمُ فِي الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَكَّلَتْهُ فَكَوَكِيلِ الشِّرَاءِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ الْكَلَامِ الْأَخِيرِ يَعْنِي فَإِنْ وَكَّلَتْ الزَّوْجَةُ مَنْ يُخَالِعُ لَهَا فَكَوَكِيلِ الشِّرَاءِ فَإِنْ خَالَعَ بِخُلْعِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ لَزِمَهَا الْخُلْعُ وَدَفَعَ الْعِوَضَ وَإِنْ خَالَعَ بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهَا وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ كَوَكِيلِ الشِّرَاءِ أَنَّ الْعِوَضَ وَعُهْدَتَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَسْطُرٍ: وَلَوْ قَالَ خَالَعَهَا بِمِائَةٍ فَنَقَصَ لَمْ يَقَعْ وَلَوْ قَالَتْهُ فَزَادَ وَقَعَ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَكِيلِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَتْهُ أَيْ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ مَا قَالَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَتْ: خَالِعْ لِي زَوْجِي بِمِائَةٍ فَإِنْ خَالَعَهُ بِهَا أَوْ أَقَلَّ لَزِمَهَا ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَكِيلِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ تُقَيَّدَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بِالزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ وَأَمَّا الْيَسِيرُ فَيَلْزَمُهَا كَالْوَكِيلِ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: لَوْ وَكَّلَتْ مَنْ يُصَالِحُ عَنْهَا وَلَهَا عَلَى زَوْجِهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَ عَلَى تَرْكِهَا لِزَوْجِهَا لَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ صُلْحُ مِثْلِهَا ثُمَّ قَالَ: قُلْت ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَكِيلِ بِزِيَادَةِ الْيَسِيرِ عَلَيْهَا وَنُقْصَانِهِ لَهُ كَالْكَثِيرِ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ فِيهِمَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، انْتَهَى. ص (وَرَدَّ الْمَالَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ عَلَى الضَّرَرِ) ش: قَالَ

الْمُتَيْطِيُّ: وَتَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهَا أَنَّ فِعْلَهَا ذَلِكَ كَانَ لِلْإِضْرَارِ الَّذِي أَثْبَتَتْهُ وَنَصُّهُ بَعْدَ فَصْلِ الشُّرُوطِ إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ كَالِئَهَا عَنْ زَوْجِهَا أَوْ افْتَدَتْ مِنْهُ بِمَالٍ زَادَتْهُ إيَّاهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا أَوْ دَفَعَتْ لَهُ ثَمَنَهَا مِنْهُ أَوْ أَسْقَطَتْ الْحَضَانَةَ الْوَاجِبَةَ لَهَا ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَزَعَمَتْ أَنَّ مَا أَسْقَطَتْهُ أَوْ أَعْطَتْهُ أَوْ الْتَزَمَتْهُ كَانَ عَلَى إضْرَارٍ مِنْ الزَّوْجِ وَإِكْرَاءٍ مِنْهُ لَهَا وَأَكْذَبَهَا الزَّوْجُ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ قِبَلِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُحْسِنًا لَهَا وَأَقَامَتْ بِالضَّرَرِ بَيِّنَةً اسْتَرْعَتْهُمْ أَوْ لَمْ تَسْتَرْعِهِمْ وَعَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الدَّفْعِ فِيهِمْ أُنْفِذَ عَلَيْهِ الْخُلْعُ وَحُكِمَ بِنَقْضِ مَا الْتَزَمَتْهُ وَصَرْفِ مَا أَعْطَتْهُ بَعْدَ يَمِينِهَا أَنَّ فِعْلَهَا ذَلِكَ كَانَ لِلْإِضْرَارِ الَّذِي أَثْبَتَتْهُ، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَسُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُصَالِحُهَا زَوْجُهَا عَنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا وَعَلَى أَنْ أَخَذَ مِنْهَا فَأَقَامَتْ سَنَةً ثُمَّ أَتَتْ بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ أَنَّهَا إنَّمَا صَالَحَتْهُ عَلَى ضَرُورَةٍ، قَالَ: تَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِمَا وَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَتَأْخُذُ مِنْهُ رَضَاعَ مَا أَرْضَعَتْ مِنْ وَلَدِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ فَإِذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُهَا وَجَبَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَيَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَالطَّلَاقُ قَدْ مَضَى بِغَيْرِ شَهَادَتِهِمَا فَإِنْ شَهِدَ لَهَا بِالضَّرَرِ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ رَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ شَهِدَ لَهَا بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَامْرَأَتَانِ حَلَفَتْ مَعَ شَهَادَةِ الرَّجُلِ أَوْ مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ وَاسْتَوْجَبَتْ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَيَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى السَّمَاعِ فَتَأْخُذُ مَا أَخَذَ مِنْهَا بِشَهَادَتِهِمَا دُونَ يَمِينٍ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا قَامَ لَهَا شَاهِدَانِ بِالضَّرَرِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدَانِ بِالسَّمَاعِ عَلَى الضَّرَرِ أَنَّهَا لَا تَحْلِفُ مَعَهَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْيَمِينَ الَّتِي نَفَاهَا ابْنُ رُشْدٍ غَيْرُ الْيَمِينِ الَّتِي أَثْبَتَهَا الْمُتَيْطِيُّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِنْ الْإِضْرَارِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ زِيَارَةِ وَالِدَيْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا الْبُغْضُ لَهَا وَإِنَّمَا الْإِضْرَارُ الْأَذَى بِضَرْبٍ أَوْ اتِّصَالِ شَتْمٍ فِي غَيْرِ حَقٍّ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ الْمُشَاوَرَةِ وَمَنْ عَلِمَ مِنْ امْرَأَتِهِ الزِّنَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَارَّهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَرَدَّ الْعِوَضَ فَقَطْ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ أَوْ بِيَمِينِهَا مَعَ شَاهِدٍ مُبَاشِرٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ بِضَرَرِهِ لَهَا بِضَرْبٍ أَوْ دَوَامِ شَتْمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ مُشَاوَرَةٍ أَوْ إيثَارِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا لَا بِبُغْضٍ لَهَا وَفِي رَدِّهِ بِيَمِينِهَا مَعَ شَاهِدِ سَمَاعٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ أَمَّا إنْ اسْتَخَفَّتْ بِهِ فَأَسَاءَتْ عِشْرَتَهُ أَوْ نَشَزَتْ أَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ أَذِنَتْ لِمَنْ يَكْرَهُ فِي بَيْتِهِ وَأَظْهَرَتْ الْبُغْضَ لَهُ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ وَلَوْ عَلِمَ مِنْهَا زِنًا أَوْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْإِضْرَارُ لِتَفْتَدِيَ، انْتَهَى. وَقَوْلُ صَاحِبِ الشَّامِلِ مَعَ شَاهِدِ سَمَاعٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ يَعْنِي بِالسَّمَاعِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ أَيْ عَلَى الضَّرَرِ، وَالْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الشُّيُوخِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ أَنَّ الشَّاهِدَ يَشْهَدُ فِيهِ بِالْقَطْعِ وَغَمَزَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لِلشُّهُودِ الْقَطْعُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ أَصْبَغَ: يَقُولُ ذَلِكَ عِلْمِي وَصَحَّ عِنْدِي ابْنُ الْقَاسِمِ وَصِفَةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا عَلَى أَلْسِنَةِ النِّسَاءِ وَالْخُدَّامِ وَالْجِيرَانِ، قَالَ: وَيَكْفِينِي فِي ذَلِكَ عِنْدِي عَدْلَانِ وَالْعُدُولُ الْكَثِيرُ أَحَبُّ إلَيَّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ السَّمَاعَ أَنْ يَكُونُ مِنْ الْعُدُولِ إلَّا فِي الرَّضَاعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى لَفِيفِ الْقَرَابَةِ وَالْأَهْلِينَ وَالْجِيرَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا كَالنِّسَاءِ وَالْخُدَّامِ وَعَنْ مَالِكٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي ضَرَرِ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ إذَا سَمِعَ بِذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَمَاعًا فَاشِيًا وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ بِذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسَ بِفَاشٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيُجْزِي عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَدْلَانِ عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ

لَفِيفِ النَّاسِ وَالْجِيرَانِ بِذَلِكَ وَتَكْثِيرُ الشُّهُودِ أَحَبُّ إلَيْهِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَرَوَى حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إلَّا عَلَى الْعُدُولِ إلَّا فِي الرَّضَاعِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَنْ لَفِيفِ الْقَرَابَةِ وَالْجِيرَانِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْخَدَمِ، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ فِي الْغَالِبِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّمَاعَ لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الثِّقَاتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ إنَّمَا تَكُونُ عَامِلَةً إذَا سَمِعَ ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَمَاعًا فَاشِيًا فَإِنْ شَهِدَ فِي ذَلِكَ النِّسَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَحْدَهُنَّ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ مَعَانِي الْحُدُودِ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إذَا شَهِدَ بِالضَّرَرِ صَالِحَاتُ النِّسَاءِ وَالْخُدَّامِ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ إلَيْهَا جَازَ، انْتَهَى. ص (وَبِيَمِينِهَا مَعَ شَاهِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ مَعَ شَاهِدٍ مُبَاشِرٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ص (وَلَا يَضُرُّهَا إسْقَاطُ الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَرْعَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ) ش يُرِيدُ فَأَحْرَى إذَا لَمْ تَسْقُطْ الْبَيِّنَةُ الْمُسْتَرْعَاةُ وَإِنَّمَا اعْتَرَفَتْ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ بِالطَّوْعِ وَسَوَاءٌ اسْتَرْعَتْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلِمَتْ بِهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُمَا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ خَالَعَهَا وَأَخَذَ مِنْهَا حَمِيلًا بِالدَّرْكِ، فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: إذَا أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ لَا يَسْقُطُ التَّبَاعَةُ عَنْ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَقَدْ أَدْخَلَ الزَّوْجُ ضَرَرًا فِي زَوَالِ الْعِصْمَةِ وَلَا يَرْجِعُ الْحَمِيلُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الصَّقَلِّيِّينَ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْقَرَوِيِّينَ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَكَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا أَثْبَتَتْ الْمَرْأَةُ الضَّرَرَ لَهُ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْمَالُ عَنْ الْأَصْلِ سَقَطَ عَنْ الْحَمِيلِ الْمُطَالَبَةُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ. وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّامِلِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ ص (وَبِكَوْنِهَا بَائِنًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِمَلْزُومِيَّةِ الْخُلْعِ الْعِوَضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ امْتَنَعَ فِي فَقْدِ الْعِصْمَةِ لَا فِي مِلْكِهَا الزَّوْجَةَ فَيَمْتَنِعُ فِي الْبَائِنِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمُلَاعَنَةِ كَأَجْنَبِيَّةٍ لَا فِي الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا رَدٌّ اهـ وَلَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، قَالَهُ فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ. ص (أَوْ لِكَوْنِهِ يَفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ) ش: سَقَطَ ذَلِكَ مِنْ نُسْخَةِ الْوَسَطِ وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ الَّذِي يَفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ إذَا خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ الْمَالَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّ فِي رَدِّ الْمَالِ فِيهِ قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ فَسْخَهُ هَلْ هُوَ بِطَلَاقٍ أَمْ لَا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَشْهُورَ يَفْسَخُ بِطَلَاقٍ فَيَكُونُ الْجَارِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمَالَ، وَلِهَذَا قَالَ هُنَا: يَفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَا نَفَقَةَ لِلْحَمْلِ) ش: قَالَ

فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ: وَلَيْسَ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَطْلُبَهُ بِالصَّدَاقِ، انْتَهَى. وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ: إنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمَّ بَارَأَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا رَضَاعَ وَلَدِهَا فَطَالَبَتْهُ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى مِنْ الشُّهُورِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَا مَضَى قَبْلَ الْمُبَارَأَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِمَا تَسْقُطُ بِهِ الْحُقُوقُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عَنْ اللَّخْمِيِّ فِي آخِرِ بَابِ الصَّدَاقِ مَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ سُقُوطِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: مُرَادُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا الْأُجْرَةُ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ

لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَفَقَةُ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ عَلَى الزَّوْجِ وَنَصُّهُ مُرَادُهُ بِالنَّفَقَةِ الْجُعْلُ عَلَى طَلَبِ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ وَإِلَّا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا مَعَ الْجَهْلِ بِمَوْضِعِهِمَا أَوْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا مُحَالٌ، انْتَهَى. (قُلْت) وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُرَادُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَمْسَكَهُمَا إنْسَانٌ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا لِيَرْجِعَ عَلَى سَيِّدِهِمَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصُّهُ: الْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ الْأُجْرَةُ عَلَى الطَّلَبِ وَكَذَلِكَ نَفَقَتُهُمَا مِنْ وَقْتِ وُجْدَانِهِمَا إلَى حِينِ وُصُولِهِمَا إلَى الزَّوْجِ، انْتَهَى. ص (وَكَفَتْ الْمُعَاطَاةُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الصِّيغَةُ وَهِيَ كَالْبَيْعِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ وَهُوَ كَالْبَيْعِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ بَلْ تَكْفِي الْمُعَاطَاةُ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا فَانْقَلَبَتْ، وَقَالَ ذَلِكَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُسَمَّيَا طَلَاقًا فَهُوَ خُلْعٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إلَّا أَنْ يَقَعَ مُعَلَّقًا مِنْهُمَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ نَاجِزًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَلَا يُرِيدُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ إشَارَةً مِنْهُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّقِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ نَاجِزًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي عُقُودِ الْمُعَارَضَةِ مَا لَمْ يَعْرِضْ مِنْهُمَا عَارِضٌ كَالْخِيَارِ وَشُبْهَةٍ وَتَصْرِيحٍ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ نَاجِزًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَقَاعِدَةُ التَّعْلِيقِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُنَاجَزَةِ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ التَّعْلِيقَ قَرِينَةٌ فِي إرَادَةِ التَّأْخِيرِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ عَلَّقَ بِالْإِقْبَاضِ أَوْ الْأَدَاءِ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْمَجْلِسِ إلَّا لِقَرِينَةٍ) ش: قَالَ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ

فصل في طلاق السنة

تُعْطِيَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَصَابَهَا عَدِيمَةٌ جَازَ الْخُلْعُ وَاتَّبَعَهَا بِالدَّرَاهِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا صَالَحَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ أَعْطَتْهُ الْآنَ تَمَّ الصُّلْحُ فَلَا يَلْزَمُهُ الصُّلْحُ إلَّا بِالدَّفْعِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ ادَّعَى الْخُلْعَ إلَخْ) ش: قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى مَالٍ وَأَنْكَرَتْهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهَا شَيْءٌ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنَّهَا إنْ دَفَعَتْ الْمَالَ إلَيْهِ فَهِيَ طَالِقٌ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ، انْتَهَى. [فَصْلٌ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ] ص (فَصْلٌ: طَلَاقُ السُّنَّةِ وَاحِدَةٌ بِطُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بِلَا عِدَّةٍ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ) ش: خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِطُهْرِ الصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ فَلَا طَلَاقَ بِدْعِيًّا فِيهِنَّ وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُمَيِّزَةُ لِلدَّمِ فَطَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا كَغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا أَعْرِفُهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَيُطَلِّقُ الْيَائِسَةَ وَاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْحَيْضَ مَتَى شَاءَ وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْأَهِلَّةَ وَمَنْ أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَهُوَ غَائِبٌ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاكِ كِتَابِي وَأَنْتِ طَاهِرٌ فَاعْتَدِّي بِطَلْقَةٍ فَإِنْ وَافَاهَا طَاهِرًا فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ وَافَاهَا حَائِضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ بِلَا عِدَّةٍ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً، انْتَهَى. وَعَلَّلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا دُفْعَةً، انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُهُمْ بِالْعِدَّةِ خُصُوصِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَوْ مُطْلَقُ الْعِدَّةِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ طَلَاقًا بِدْعِيًّا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَا بِدْعَةَ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ إلَّا فِي الْعِدَّةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا ذُكِرَ الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ وَالْبِدْعِيُّ أَخَذَ يَذْكُرُ مَحَالَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَيَّنَ أَنَّ الْبِدْعِيَّ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الصَّغِيرَةِ وَلَا فِي الْيَائِسَةِ وَلَا يُرِيدُ بِهَا مَنْ جَاوَزَتْ الْمَحِيضَ أَوْ بَلَغَتْ السَّبْعِينَ بَلْ هُمَا مَعَ الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ فِي عُمُرِهَا وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَلِأَجْلِ ذَلِكَ شَارَكَهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ لِدَمِ الْحَيْضِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا عَامٌ وَلَمَّا فُقِدَ الْحَيْضُ فِي حَقِّهِنَّ وَفُقِدَ بِسَبَبِهِ الطُّهْرُ الْمُقَابِلُ لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْحَيْضَ أَوْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لَا مُطْلَقُ الطُّهْرِ انْتَفَى فِي حَقِّهِنَّ سَبَبَانِ مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَسْبَابِهِ إلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَأَمَّا غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَإِنَّمَا يَكُونُ بِدْعَةً بِالنَّظَرِ إلَى الْعَدَدِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بَلْ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْعِدَّةِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَبِي الْحَسَنِ لَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَانْتَفَى فِي حَقِّهِنَّ سَبَبَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَسْبَابِهِ إلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بَقِيَ سَبَبَانِ لِأَنَّ السَّبَبَ الرَّابِعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكُرِهَ فِي غَيْرِ الْحَيْضِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ تَفْسِيرَ طَلَاقِ السُّنِّيِّ وَالْقُيُودِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَتَى عَرَا عَنْ قَيْدٍ مِنْهَا فَهُوَ بِدْعِيٌّ أَخَذَ يُبَيِّنُ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْخَالِي عَنْ أَحَدِ تِلْكَ الْقُيُودِ فَذَكَرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا الْوَاقِعَ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَنَصُّهُ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: يُكْرَهُ إيقَاعُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إيقَاعُ اثْنَتَيْنِ مَكْرُوهٌ وَالثَّلَاثِ مَمْنُوعٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَا نَصُّهُ فَصْلٌ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي مَنْعِ الثَّلَاثِ وَكَرَاهَتِهَا كَالِاثْنَتَيْنِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ فِي اللُّبَابِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ، قَالَ: وَالثَّلَاثُ حَرَامٌ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ، قَالَ فِي أَوَّلِ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ، انْتَهَى. لَكِنْ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: مُرَادُهُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَبْيِينِ مُرَادِهِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ: ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ فِي كَلِمَةٍ أَشَدُّ مِنْهُ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ وَفِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَكُلَّمَا طَلَّقَ مِنْ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَصَرَّحَ بِكَرَاهِيَتِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَكُرِهَ فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ وَقِيلَ يُمْنَعُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ حِنْثُهُ بِهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ دَمِ النِّفَاسِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّ فِيهِ وَهَذِهِ أَحْوَالٌ لَا يَجُوزُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِيهَا، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ طَلَاقَهُ فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ لَا يَجُوزُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ: فَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُطَلِّقَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ) ش: يَعْنِي فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِهِ إذَا طَلَّقَ طَلَاقَ بِدْعَةٍ لَمْ يُجْبَرْ إلَّا فِي الْحَيْضِ فَقَطْ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ. ص (كَقَبْلِ الْغُسْلِ مِنْهُ أَوْ التَّيَمُّمِ الْجَائِزِ) ش: إنَّمَا شَبَّهَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا بِمَا قَبْلَهُ فِي كَوْنِهِ لَا يُجْبَرُ فِيهِ عَلَى الرَّجْعَةِ فَقَطْ لَا فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْغُسْلِ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ مُنِعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الطُّهْرِ وَقَبْلَ التَّطْهِيرِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلًا بِجَوَازِ الطَّلَاقِ إذَا رَأَتْ الْقُصَّةَ، قَالَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ قَوْلِهِ فَإِنْ طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ قَوْلُهَا وَلَا يُطَلِّقُ الَّتِي رَأَتْ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ حَتَّى تَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ وَلَمْ

يُجْبَرْ عَلَى الرُّجُوعِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الرَّجْرَاجِيُّ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ وَحَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَامِلِهِ، فَقَالَ: وَكُرِهَ بَيْنَ قَصَّةٍ وَغُسْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ، انْتَهَى. ص (وَمُنِعَ فِيهِ) ش: أَيْ وَمُنِعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ فِي النِّفَاسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَائِلِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ أَنَّ الْحَيْضَ يَخْتَصُّ بِمَنْعِ الطَّلَاقِ وَمُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأُجْبِرَ) ش: أَيْ وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ وَإِنَّمَا حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ وَيَعْنِي أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ يُرِيدُ أَوْ النِّفَاسِ سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ الطَّلَاقُ فِيهِ ابْتِدَاءً أَوْ كَانَ حَلَفَ بِهِ فَحَنِثَ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَبْرَ مُخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّجْعِيُّ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ حُكْمُ الِاثْنَتَيْنِ حُكْمُ الْوَاحِدَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لِآخِرِ الْعِدَّةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي جَبْرِ مَنْ طَلَّقَ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَلَوْ حَنِثَ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ أَوْ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ لَهَا مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلِأَشْهَبَ مَعَ ابْنِ شَعْبَانَ، انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ هُوَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فَحَنِثَ وَامْرَأَتُهُ حَائِضٌ أَوْ فِي دَمِ نِفَاسِهَا فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا يُجْبَرُ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ وَالْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ يُجْبَرُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، انْتَهَى. ص (وَجَازَ الْوَطْءُ لَهُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ وَقَاسَهُ عَلَى الْمُتَزَوِّجِ هَازِلًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَلَهُ الْوَطْءُ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ سَيِّدٍ فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْوَطْءُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى النِّكَاحِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَمَرَ بِالرَّجْعَةِ مِنْ طَلَاقِ الْحَيْضِ فَرَاجَعَ مُرِيدًا طَلَاقَهَا وَوَطِئَهَا ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلَوْ ارْتَجَعَهَا كَذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْهَا كَانَ مُضِرًّا آثِمًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ لِيُطَلِّقَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ لِيَطَأَ، انْتَهَى. ص (وَالْأَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ) ش: فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي الْحَيْضِ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَ الَّذِي رَاجَعَ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ حَتَّى طَهُرَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ص (لِأَنَّ فِيهَا جَوَازَ طَلَاقِ الْحَامِلِ) ش: وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلَانِ أَيْضًا فِي تَطْلِيقِهَا فِي دَمِ وَضْعِهَا وَلَدًا وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي التَّوْضِيحِ نَحْوُهُ

ص (لِمَنْعِ الْخُلْعِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابَلَةُ جَوَازِ الْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ الْمَشْهُورُ بِقِيلَ ص (وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمَوْلَى) ش: مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِ كِتَابِ اللِّعَانِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَطْؤُهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُسْتَوْفًى فِي مَحَلِّهِ وَفِي ذَلِكَ الْبَابِ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا لِعَيْبٍ وَمَا لِلْمَوْلَى فَسْخُهُ أَوْ لِعُسْرِهِ بِالنَّفَقَةِ كَاللِّعَانِ) ش: قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ انْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ فِي دَمِ نِفَاسِهَا فَلَا يَتَلَاعَنَا حَتَّى تَطْهُرَ. وَكَذَا إنْ حَلَّ أَجَلُ التَّلَوُّمِ فِي الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ أَوْ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ وَالْمَرْأَةُ حَائِضٌ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَطْهُرَ إلَّا الْمَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَهِيَ حَائِضٌ فَلَمْ يَفِيئْ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَطْهُرَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَلَا يُطَلِّقُ السُّلْطَانُ عَلَى مَنْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ عُنَّةٌ أَوْ عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْفِرَاقِ فِي الْحَيْضِ وَلَا فِي دَمِ النِّفَاسِ وَكَذَلِكَ لَا يُلَاعِنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْحَيْضِ وَلَا فِي النِّفَاسِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يُجْبِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ إلَّا فِي الَّذِي يُطَلِّقُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّهُ يُجْبِرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ هَذَا الَّذِي يَلْزَمُ عَلَى أُصُولِهِمْ وَلَا أَعْرِفُهُ فِيهَا رِوَايَةً. وَأَمَّا الْمَوْلَى فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ هَلْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ فِي الْحَيْضِ أَوْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ فِي الْحَيْضِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ بِالسُّنَّةِ وَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ إلَى أَنَّ تَطْلِيقَ الْإِمَامِ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ وَالْمَبْرُوصِ إنَّمَا هِيَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَأَنَّ الْمُوَارَثَةَ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ لَمْ تَنْقَضِ وَلَوْ صَحُّوا فِي الْعِدَّةِ مِنْ أَدْوَائِهِمْ لَكَانَتْ لَهُمْ الرَّجْعَةُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ يَحْكُمُ بِهِ الْإِمَامُ فَهُوَ بَائِنٌ إلَّا الْمَوْلَى وَالْمُطَلَّقُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَعَلَى قَوْلِهِ لَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَطَلَّقَ عَلَى أَحَدِهِمْ فِي الْحَيْضِ لَجُبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ إنْ صَحَّ مِنْ دَائِهِ وَأَمَّا الْعِنِّينُ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ تَطْلِيقَ الْإِمَامِ عَلَيْهِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَقَارُرِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْمَسِيسِ ثُمَّ قَالَ: فَصْلُ، وَأَمَّا كُلُّ نِكَاحٍ يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِفَسَادِهِ. وَإِنْ فُسِخَ بِطَلَاقٍ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ عَلَيْهِ مَا عُثِرَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ أَوْ دَمِ النِّفَاسِ بِخِلَافِ مَا كَانَ فِي فَسْخِهِ وَإِجَازَتِهِ خِيَارٌ لِأَحَدٍ. وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تُعْتَقُ تَحْتَ الْعَبْدِ لَا تَخْتَارُ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ فَعَلَتْ لَمْ تُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فَعَلَى هَذَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إذَا عَتَقَ

فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ زَوْجَتَهُ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا تَخْتَارُ فِيهِ وَذَلِكَ بِيَدِهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا وَإِنْ انْقَضَى الْمَجْلِسُ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ الْمَجْلِسِ وَإِنْ سُبِقَتْ إلَى الْخِيَارِ فِي الْحَيْضِ جُبِرَ زَوْجُهَا عَلَى الرَّجْعَةِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا تَطْلُقُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ وَالْعِنِّينِ وَمِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَأَرَى إنْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ وَطَلَّقَ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْ الطَّلَاقُ بِخِلَافِ طَلَاقِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذَا كَالْوَكِيلِ عَلَى صِفَةٍ فَفَعَلَ غَيْرَ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُجِيزَ فِعْلُهُ لَجُبِرَ الزَّوْجُ عَلَى الرَّجْعَةِ ثُمَّ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ أُخْرَى إذَا طَهُرَتْ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ وَفِي هَذَا ضَرَرٌ إلَّا الْعِنِّينَ فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ بَائِنَةٌ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمَوْلَى وَفَسْخِ الْفَاسِدِ وَمَا فِيهِ خِيَارٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ وَلِمَا ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا حَائِضٌ، قَالَ: وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي يُوقِعُهُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ رَجْعِيٌّ وَهُوَ قَوْلُ التُّونُسِيِّ وَهُوَ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ ذَهَبَ التُّونُسِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى قَوْلِهِ. وَأَمَّا الْعِنِّينُ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِي شَامِلِهِ هُنَا عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، فَقَالَ: لَا لِعَيْبٍ وَعُسْرٍ بِنَفَقَةٍ وَمَا لِلْمَوْلَى فَسْخُهُ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ خَطَأً لَمْ يَقَعْ إلَّا فِي الْعِنِّينِ، انْتَهَى. مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ وَأَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا إلَّا كَلَامَ اللَّخْمِيِّ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ لِلْعَيْبِ: وَطَلَاقُ الْعَيْبِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ حَيْثُ تُصُوِّرَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَعَزَاهُ لَهُ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ص (وَفِي طَالِقٍ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ) ش: قَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسَّنَةِ وَقَعْنَ سَاعَةً إذَا كَانَتْ طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا أَوْ بَانَتْ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: مَا يُعْطِيهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ التَّنَافِي يُزِيلُهُ مَنْ تَوَغَّلَ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: ظُهُورُ التَّنَافِي بَيْنَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَوْ فِي الْحَيْضِ وَكَوْنُهُ سُنِّيًّا وَيَدْفَعُهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ إذَا عَلَّقَ عَلَى مُحَقِّقِ الْوُقُوعِ أَوْ غَالَبَهُ وَجَبَ تَنْجِيزُهُ فَكَأَنَّهُ هُنَا عَلَّقَهُ عَلَى طُهْرِهَا فَوَجَبَ تَنْجِيزُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْمَشَذَّالِيُّ لَا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ فِيمَا يَظْهَرُ لِمَنْ هُوَ قَصِيرُ الْبَاعِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ مِثْلِي لِأَنَّ مَنْ طَلَّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً فَلَيْسَ هُوَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ إنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ طَلَاقُ سُنَّةٍ فَيُمْكِنُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَكَذَا تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا، قَالَهُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. (فَرْعٌ) إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْت الْأُولَى وَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْت الثَّالِثَةَ وَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْت الْخَامِسَةَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةٌ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْت وَقَعَتْ الثَّلَاثُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْت ثَانِيَةً بَعْدَ أُولَى فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا حِضْت ثَالِثَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ الْأُولَى وَطَلْقَةٌ عُجِّلَتْ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ. وَوَقَعَتْ الثَّالِثَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ

فصل في أركان الطلاق

[فَصْلُ فِي أَرْكَانِ الطَّلَاقِ] ص (فَصْلُ. وَرُكْنُهُ أَهْلٌ وَمَحَلٌّ وَقَصْدٌ وَلَفْظٌ) ش: تَبِعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ شَاسٍ فِي عَدِّ هَذِهِ أَرْكَانًا لِلطَّلَاقِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَكُلُّ خَارِجٍ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ غَيْرُ رُكْنٍ لَهُ وَجَعَلَ هُوَ الْأَهْلَ وَالْمَحَلَّ شَرْطَيْنِ وَالْقَصْدَ مَعَ اللَّفْظِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ سَبَبَيْنِ وَنَصُّهُ: وَشَرْطُ الطَّلَاقِ أَهْلٌ وَمَحَلٌّ وَالْقَصْدُ مَعَ لَفْظٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ إشَارَةِ سَبَبٍ، انْتَهَى. ص (وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ) ش خَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرِ وَمُرَادُهُ هُنَا إذَا لَمْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا أَمَّا إنْ تَحَاكَمُوا فَفِيهِ أَرْبَعُ تَأْوِيلَاتٍ قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ وَدَخَلَ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَاقِدُ الْعَقْلِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: طَلَاقُ فَاقِدِ الْعَقْلِ وَلَوْ بِنَوْمٍ لَغْوٌ، انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَلَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ وَقَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ الْمَرَضِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَمْ أَعْقِلْ حَلَفَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ صَحَّ فَأَنْكَرَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْقِلُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا ذَلِكَ إنْ شَهِدَ الْعُدُولُ أَنَّهُ يَهْذِي وَيَخْتَلُّ عَقْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يُسْتَنْكَرْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعِشْرَةِ، انْتَهَى. هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ تَقْيِيدَ ابْنِ رُشْدٍ وَأَمَّا الْبَاجِيُّ فَأَبْقَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذَا الْفَرْعُ غَيْرُ الْفَرْعِ الَّذِي يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. ص (وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي السَّكْرَانِ أَنَّ الْمَشْهُورَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ، قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَدَمِ إلْزَامِهِ بِالنِّكَاحِ، فَقَالَ فِي الْبَيَانِ: اُخْتُلِفَ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: إنَّهَا رَأَتْ مِنْهُ اخْتِلَاطًا وَلَمْ تَثْبُتْ الشَّهَادَةُ بِسُكْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْيَمِينِ وَيَلْزَمُهُ النِّكَاحُ ثُمَّ قَالَ: وَحَمَلَ فِي الْبَيَانِ قَوْلَ مَالِكٍ لَا أَرَى نِكَاحَ السَّكْرَانِ جَائِزًا وَقَوْلَ سَحْنُونٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَنِكَاحُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ غَيْرُ لَازِمٍ وَكَلَامُ ابْنِ شَعْبَانَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُقُودَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَيْعَهُ مِنْ الْغَرَرِ ثُمَّ قَالَ: إذَا أَوْصَى السَّكْرَانُ بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عِتْقٌ وَوَصَايَا لِقَوْمٍ وَإِذَا أَبَتْ عِتْقَ عَبِيدِهِ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: الصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ نَفَذَ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ نَفَذَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَلَزِمَهُ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَتَلَهُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ أَجْلِ السُّكْرِ، انْتَهَى. هَذَا زُبْدَةُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَهُنَا قَالَ فِيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ اصْطِلَاحَهُ فِي الْجَوَاهِرِ إذَا أَرَادَ الْبَاجِيُّ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَإِذَا أَرَادَ ابْنُ رُشْدٍ، قَالَ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ: قَالَ وَقَدْ الْتَبَسَ هَذَا عَلَى الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فَنَسَبَ لِلْبَاجِيِّ مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَذَلِكَ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ هُنَا وَفِي الْقِرَاضِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَفِي الْوَقْفِ وَخَامِسِهَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَسَادِسِهَا فِي الشَّهَادَاتِ وَسَابِعِهَا قَوْلُهُ بِإِثْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ إلَّا أَنْ يُمَيِّزَ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) ش: الْكَلَامُ بِإِثْبَاتٍ لَا ظَاهِرٍ وَالتَّرَدُّدُ يُشِيرُ بِهِ لِخِلَافِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَأَمَّا عَلَى إسْقَاطِ لَا فَيَشْكُلُ الْكَلَامُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الْمَفْهُومِ مِنْ لَوْ وَيُشِيرُ حِينَئِذٍ بِالتَّرَدُّدِ لِخِلَافِ ابْنِ بَشِيرٍ وَالْمَازِرِيِّ وَاللَّخْمِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَطَلَاقُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَتَكُونُ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ إجَازَةِ الزَّوْجِ فَلَوْ أَمْضَى الطَّلَاقَ وَكَانَتْ حَامِلًا ثُمَّ وَلَدَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ أَمْضَى اسْتَأْنَفَتْ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى (تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ) سَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ عَنْ الْقَرَافِيِّ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ عِيَاضٍ عَدَمُ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ

كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْجَوَازُ فَانْظُرْ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ طَلَاقَ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ هَلْ حُكْمُ الطَّلَاقِ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ جَوَازِ الْإِقْدَامِ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي الَّذِي يَقُولُ لِغَارِمِهِ عَلَيْكَ الطَّلَاقُ أَوْ امْرَأَتُكَ طَالِقٌ لِتَدْفَعْنَ إلَيَّ حَقِّي غَدًا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُحَنِّثُهُ فَيَقُولُ أَرَدْتُ وَاحِدَةً وَيَقُولُ صَاحِبُ الْحَقِّ ثَلَاثًا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْحَقِّ وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَرِيمِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَانِ الْقَوْلَانِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْيَمِينِ هَلْ هِيَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ الْمَحْلُوفِ لَهُ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ عَلَيْهِ غَيْرُ غَرِيمِهِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ بِلَا خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَ وَلَوْ هَزْلًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَزْلُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ لَازِمٌ اتِّفَاقًا وَهَزْلُ إطْلَاقِ لَفْظِهِ عَلَيْهِ الْمَعْرُوفُ لُزُومُهُ، الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ وَلَّيْتُكِ أَمْرَكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَتْ: فَارَقْتُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُمَا لَاعِبَانِ لَا يُرِيدَانِ طَلَاقًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَتَحْلِفُ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى اللَّعِبِ لَزِمَهُ، انْتَهَى. وَيَلْحَقُ بِالطَّلَاقِ النِّكَاحُ وَالْعِتْقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْبَابِ إذَا قَالَ: زَوِّجْنِي وَلِيَّتَكَ، فَقَالَ: زَوَّجْتُهَا مِنْ فُلَانٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ فِي الْفَتْوَى) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: سَبْقُ لِسَانِهِ لَغْوٌ إنْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَفِي الْفُتْيَا فَقَطْ، انْتَهَى. ص (أَوْ لَقَّنَ بِلَا فَهْمٍ) ش: أَمَّا لَوْ فَهِمَ الْعَجَمِيَّةَ وَطَلَّقَ بِهَا لَزِمَهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَلَّقَ بِالْعَجَمِيَّةِ لَزِمَهُ إنْ شَهِدَ بِذَلِكَ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِ الْعَجَمِيَّةَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي، قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ التُّرْجُمَانَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، انْتَهَى. ص (أَوْ قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ) ش: وَيُقْبَلُ

قَوْلُهُ فِي الْفُتْيَا وَالْحُكْمِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ فِي فِعْلٍ) ش: يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ فِعْلًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، قَالَ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ

بَعْدَ الْمِائَةِ: فَإِذَا زَالَ الْإِكْرَاهُ فَفَعَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ الْإِكْرَاهِ حَنِثَ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ وَأَمْكَنَهُ تَرْكُهُ فَتَمَادَى عَلَيْهِ حَنِثَ بِالتَّمَادِي، انْتَهَى. وَقَالَهُ غَيْرُهُ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْكَفَّارَةِ وَفِي حِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَأَفْعَلُ غَيْرَهُ كَذَا فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا نَقَلَ الْمَجْمُوعَةَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ فِي لَا خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ وَعَنْ سَحْنُونٍ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَكْرَهَهَا غَيْرُهُ عَلَى دُخُولِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ أَكْرَهَهَا هُوَ خِفْت أَنَّهُ رَضِيَ بِالْحِنْثِ وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ فِي حُصُولِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِهِ أَوْ الْيَقِينِ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ نَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ الْمَذْهَبِ وَسَمَاعِ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فِي أَوَائِلِهِ بِنَحْوِ الْكُرَّاسِ: لَوْ حَلَفَ لِزَوْجَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ قَاصِدَةً لِحِنْثِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَمَالَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِكَثْرَتِهِ مِنْ النِّسْوَةِ فِي هَذَا الْوَقْتَ، انْتَهَى. ص (وَأَمَّا الْكُفْرُ وَسَبُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَلْحَقُ بِقَذْفِ الْمُسْلِمِ سَبُّ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، انْتَهَى. ص (لَا قَتْلَ الْمُسْلِمِ وَقَطْعَهُ وَإِنْ يَزْنِي) ش: قَالَ فِي آخِرِ مُعِينِ الْحُكَّامِ: وَمَنْ هَدَّدَ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ أَوْ يَزْنِيَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ يَبِيعَ مَتَاعَ رَجُلٍ فَلَا يَسَعُهُ ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ عَصَى وَقَعَ ذَلِكَ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَغَرِمَ مَا أَتْلَفَ وَيُحَدُّ إنْ زَنَى وَيُضْرَبُ إنْ ضَرَبَ وَيَأْثَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ وَلَدِهِ أَوْ أَخِيهِ وَالْقَاتِلُ وَارِثُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ الْإِرْثَ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَوَدَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالُوا وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ وَحَمَلَ السَّيْفَ عَلَى رَأْسِهِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْإِكْرَاهِ الْمَوْضُوعِ عَنْ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا الْمَوْضُوعُ عَنْ صَاحِبِهِ إثْمُ مَا رَكِبَ بِالِاسْتِكْرَاهِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الصَّحِيحُ جَوَازُ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِ رَجُلٍ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ طَائِعًا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الْيَدِ مُكْرَهًا بِوَعِيدٍ أَثِمَ الْقَاطِعُ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ وَالْحَبْسُ ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ فَأَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَ الْمُكْرَهُ فَهُوَ آثِمٌ وَلِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ إلَّا الْأَدَبُ وَوَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي النَّفْسِ وَلَا فِي الْأَطْرَافِ، انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلَانِ) ش اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْيَمِينِ تَارَةً يَكُونُ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ

أَوْ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا فَهَذَا قَالَ فِيهِ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ كَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ فَلَا تَلْزَمُ الْيَمِينُ وَإِنْ كَانَ عَلَى طَاعَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ مِثَالُ مَا هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَنْ يُحَلِّفَهُ الظَّالِمُ بِالطَّلَاقِ مَثَلًا أَنْ لَا يُصَلِّيَ وَأَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فَيُصَلِّيَ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَلَا يَحْنَثُ وَمِثَالُ مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ أَنْ يُحَلِّفَهُ مَثَلًا أَنْ لَا يَدْخُلَ السُّوقَ أَوْ أَنْ يَدْخُلَ السُّوقَ فَيَدْخُلَ أَوْ لَا يَدْخُلَ فَلَا يَحْنَثُ أَيْضًا وَمِثَالُ مَا هُوَ طَاعَةٌ مِثْلُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يُصَلِّي فَفِي الْحِنْثِ قَوْلَانِ وَتَارَةً يَكُونُ الْإِكْرَاهُ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا فَعَلَ فِي الْمَاضِي أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ وَهَذَا أَيْضًا يَكُونُ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَيَكُونُ عَلَى مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ وَيَكُونُ عَلَى طَاعَةٍ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَعْنِي مَا هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ أَنَّكَ مَا صَلَّيْتَ الْيَوْمَ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ وَيَكُونُ الْمُحَلِّفُ بِكَسْرِ اللَّامِ أَمَرَهُ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ أَوْ أَنَّكَ ظَلَمْتَ فُلَانًا وَيَكُونُ الْمُحَلِّفُ أَمَرَ الْحَالِفَ بِظُلْمِ فُلَانٍ وَيَكُونُ الْحَالِفُ لَمْ يَظْلِمْ فُلَانًا وَيَكُونُ صَلَّى فَهَذَا إذَا تَحَقَّقَ الْإِكْرَاهُ لَا كَلَامَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمِثَالُ الثَّانِي أَعْنِي مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا دَخَلَ السُّوقَ أَوْ أَنَّهُ دَخَلَ وَيَكُونُ الْحَالِفُ خَالَفَ فِي الْوَجْهَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَيْضًا لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ أَوْ يَفْعَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فَأَحْرَى أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا فَعَلَ أَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ فَقَطْ وَأَمَّا الْحِنْثُ فَإِنَّمَا فَعَلَهُ هُوَ بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ أَدْخَلَ الْحِنْثَ عَلَى نَفْسِهِ وَهُنَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ بِيَمِينٍ هُوَ كَاذِبٌ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِثَالُ الثَّالِثِ أَعْنِي مَا هُوَ عَلَى طَاعَةٍ مِثْلُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ أَنَّهُ مَا ظَلَمَ فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ مَا اغْتَابَ فُلَانًا وَيَكُونُ الْحَالِفُ صَلَّى أَوْ يَكُونُ ظَلَمَ أَوْ اغْتَابَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ يَفْعَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ فِي هَذَا وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الْحِنْثَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ فَقَطْ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي مِثَالِنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ وَإِنَّمَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا هُوَ فِيهَا حَانِثٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ وَأَمَّا النَّقْلُ فَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ النَّوَادِرِ وَنَصُّهُ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ عَلَى خَوْفٍ مِنْ الْعَذَابِ وَالْيَمِينُ عَلَى حَقٍّ وَقَدْ كَذَبَ فِي يَمِينِهِ فَهُوَ حَانِثٌ وَلَا يَنْفَعُهُ التَّقِيَّةُ هَاهُنَا، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: كَأَنَّهُ غَصَبَ شَيْئًا أَوْ فَعَلَ أَمْرًا وَحَلَفَ مَا فَعَلَهُ، قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طُولِبَ لِيَقْتُلَ ظُلْمًا فَخَبَّأَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَأَحْلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا هُوَ عِنْدَهُ، قَالَ: قَدْ أُجِرَ وَطَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ لَا تَلْزَمُهُ وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْحِنْثِ يُرِيدُ أَشْهَبُ إنْ خَافَ إنْ لَمْ يَحْلِفْ عُذِّبَ بِضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ، انْتَهَى. فَقَوْلُ أَشْهَبَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَفِيهَا أَوْ فِي الْأُولَى وَكَوْنُهُ فِيهَا وَفِي الْأُولَى أَوْلَى لِنَقْلِ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ السُّيُورِيِّ عَدَمَ اللُّزُومِ وَنَصُّهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ شِرِّيرٌ تَكَلَّمْتُ فِي فُلَانٍ فَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَحَلَفَ وَقَالَ: قَدْ خِفْت وَقَدْ قُلْت بَعْضَ الْقَوْلِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَكَانَتْ يَمِينُهُ بِالثَّلَاثِ فَمَا الْحُكْمُ فَأَجَابَ إنْ كَانَ يَخَافُ مِمَّنْ ذَكَرْتُ خَوْفًا لَا يَشُكُّ فِيهِ وَيَثْبُتُ لَهُ أَنَّهُ يَخَافُ الْعُقُوبَةَ الْبَيِّنَةَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ إذَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ، انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ. فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْيَمِينِ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْحِنْثِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَالْمَشْهُورُ حِينَئِذٍ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ فَلَا حِنْثَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ فَالْحِنْثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. ص (كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلَاقِ طَائِعًا وَالْأَحْسَنُ الْمُضِيُّ) ش: قَالَ فِي آخِرِ مُعِينِ الْحُكَّامِ: مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ آمِنًا لَزِمَهُ قِيلَ لِسَحْنُونٍ وَلِمَ أَلْزَمْتَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَيُعْقَدُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَإِنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا أَلْزَمْتُهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُلْزِمُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَعِتْقَهُ (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْعِدَّةَ وَأَحْكَامَ الْحُرِّيَّةِ تَكُونُ مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِالْإِكْرَاهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. ص (عَقِبَهُ) ش: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِيبَهُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ ص (وَعَلَيْهِ النِّصْفُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ عَلَى الْأَصْوَبِ وَلَوْ دَخَلَ فَالْمُسَمَّى فَقَطْ كَوَاطِئٍ بَعْدَ حِنْثِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) ش: قَالَ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا وَمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ

أَتَزَوَّجُهَا مِنْ الْفُسْطَاطِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ مِنْهَا فَدَخَلَ فَعَلَيْهِ صَدَاقٌ وَاحِدٌ لَا صَدَاقٌ وَنِصْفٌ كَمَنْ وَطِئَ بَعْدَ الْحِنْثِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الْأَوَّلُ الَّذِي سُمِّيَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا كُلُّ حِنْثٍ لَزِمَ لِتَعَلُّقِهِ بِجُزْءٍ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِتَكَرُّرِ تَزْوِيجِهِ إلَّا بِلَفْظٍ يَقْتَضِي تَكَرُّرَهُ وَإِنْ عُلِّقَ بِكُلِّيٍّ تَعَلَّقَ فِي أَشْخَاصِ أَفْرَادِهِ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ تَزْوِيجِهِ لِتَعَلُّقِ الطَّلَاقِ فِي الْأَوَّلِ بِالذَّاتِ وَهِيَ مَحَلُّ الْحُكْمِ وَفِي الثَّانِي بِالْوَصْفِ وَهُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ، انْتَهَى. ص (أَوْ آخِرَ امْرَأَةٍ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ قَالَ: أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى مَا بَعْدَ الْأُولَى وَلَا يَحْنَثُ إلَّا فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَانْظُرْ هَلْ لَا يَبَرُّ هُنَا أَيْضًا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ نِسَائِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِغَيْرِ نِسَائِهِ أَوْلَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: وَمَنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَلَا يَبَرُّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بِنِكَاحٍ مِثْلِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَإِنْ قَالَ: أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فِيهِمَا جَمِيعًا

فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ وَإِنْ تَزَوَّجَ ثَانِيَةً كَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى وَتَحِلُّ الثَّانِيَةُ، انْتَهَى. فَأَطْلَقَ فِي كَلَامِهِ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَوْ فَعَلْت الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ) ش: اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ صُورَتَيْنِ الْأُولَى فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهُ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لِغَرِيمِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَلْبَتَّةَ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ فَيُصَالِحُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ يُمْكِنُ تَكَرُّرُهُ فَلَا يَقَعُ الْحِنْثُ بِمَا فَعَلَتْهُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ وَيَحْنَثُ بِمَا فَعَلَتْهُ بَعْدَهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَنْ لَا تَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَأَبَانَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ حَنِثَ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْحِنْثِ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَتَكَرَّرْ عَلَيْهِ الْحِنْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي آخِرِ الْفَرْقِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَخَالَفَ وَدَخَلَ عَتَقَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ وَطَلُقَتْ امْرَأَتُهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَإِنْ عَادَ وَخَالَفَ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ عَبْدٍ آخَرَ وَلَا طَلْقَةٌ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَخَالَعَ امْرَأَتَهُ وَهَمَّ وَكَلَّمَ زَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ طَلَاقٌ فَلَوْ رَدَّ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ حَنِثَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ وَفِي رَسْمِ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ إنْ خَرَجَتْ إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ لَمْ يَصِرْ بِهَا فَخَرَجَتْ مَرَّةً فَضَرَبَهَا هَلْ تَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا إنْ هِيَ خَرَجَتْ، قَالَ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي كِتَابِ النَّذْرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ ثُمَّ كَلَّمَهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِجَمِيعِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ بَعْدَ هَذَا وَأَوَّلُ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ النُّذُورِ وَأَوَّلُ رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ حَاشَا مَسْأَلَةِ الْوِتْرِ مِنْ رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ النُّذُورِ، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ، قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ جَارِيَتُكِ عَلَى أُخْتِكِ إنْ لَمْ أَضْرِبْهَا مِائَةً فَدَخَلَتْ ثُمَّ ضَرَبَهَا مِائَةً ثُمَّ دَخَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ يَضْرِبَهَا كُلَّمَا دَخَلَتْ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَضَتْ فِي رَسْمِ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّ مَا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ النُّذُورِ، قَالَ سَحْنُونٌ: أَخْبَرَنِي أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَمَّنْ أَبَقَ لَهُ غُلَامٌ فَأَخَذَهُ فَحَلَفَ لَهُ إنْ عُدْت لَأَضْرِبَنَّكَ فَعَادَ فَأَبَقَ وَلَمْ يَضْرِبْهُ ثُمَّ عَادَ فَأَبَقَ لَهُ فَضَرَبَهُ أَتَرَاهُ خَرَجَ عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ: لَا أَرَاهُ وَقَّتَ وَقْتًا وَأَرَى ذَلِكَ قَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ يَمِينِهِ إذَا ضَرَبَهُ الضَّرْبَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ ضَرْبًا لَا عَذَابَ وَلَا دُونَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا خِلَافُ مَسْأَلَةِ الْوِتْرِ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ، قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ بِتَّ عَنْكِ فَبَاتَ عَنْهَا فَطَلُقَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ بَاتَ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَيَالِيَ، وَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْأُولَى، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ حَاشَا مَسْأَلَةِ الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الرَّسْمَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَنَصُّ مَسْأَلَةِ الْوِتْرِ مِنْ رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ النُّذُورِ مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ إنْ نَامَ حَتَّى يُوتِرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ دِينَارٍ فَنَامَ لَيْلَةً مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ أَتَرَى عَلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى إنْ نَامَهَا شَيْئًا أَمْ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ، قَالَ ذَلِكَ إلَى مَا نَوَى وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا الْوَجْهَ لَيْسَ الْوِتْرَ أَعْنِي وَلَكِنْ مَا يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ

فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُرِيدُ أَحَدٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا أَنْ يَنْوِيَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَمُخَالِفَةٌ أَيْضًا لِجَمِيعِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ جَارٍ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِصِفَةٍ هَلْ يَقْتَضِي تَكْرَارَهُ بِتَكْرَارِ الصِّفَةِ أَمْ لَا فَمَسْأَلَةُ الْوِتْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ تَكْرَارِهِ بِتَكْرَارِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةَ دِينَارٍ لِكُلِّ لَيْلَةٍ نَامَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَجِبُ تَكْرَارُهُ بِتَكْرَارِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ مَا حَلَفَ بِهِ كُلَّمَا تَكَرَّرَ الْفِعْلُ الَّذِي جَعَلَهُ شَرْطًا فِيمَا حَلَفَ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. ص (وَلَوْ نَكَحَهَا فَفَعْلَتُهُ حِنْثٌ إنْ بَقِيَ مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيْءٌ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شَرْطٍ يَلْزَمُهُ ثُمَّ صَالَحَهَا أَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَادَ عَلَيْهِ الشَّرْطُ فِي بَقِيَّةِ طَلَاقِ الْمِلْكِ وَإِنْ شَرَطَ فِي نِكَاحِهِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا نَكَحَ عَلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ شَيْءٌ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ مِنْ رَجُلٍ بِصَدَاقٍ، فَقَالَ لَهُ الزَّوْجُ: أَخْشَى أَنَّهَا تَمُوتُ وَتَطْلُبُ مِنِّي الْمَهْرَ، قَالَ أَبُو الزَّوْجَةِ: زَوْجَتُهُ طَالِقٌ إنْ طَالَبْتُكِ مِنْ صَدَاقِهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ إنَّ أَبَا الزَّوْجَةِ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ فَهَلْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالصَّدَاقِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ أَمْ لَا فَأَجَبْتُ بِمَا صُورَتُهُ لِوَالِدِ الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّاةِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ عِصْمَةٌ جَدِيدَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا ثُمَّ طَلَّقَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَالظِّهَارِ) ش: يَعْنِي إذَا عَلَّقَ الظِّهَارَ عَلَى أَمْرٍ فَفَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَوْ نَكَحَهَا فَفَعَلَتْهُ لَزِمَهُ مَا دَامَتْ الْعِصْمَةُ الْمُعَلَّقُ فِيهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا سَقَطَ حُكْمُ الظِّهَارِ الْمُعَلَّقِ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يُسْقِطْ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الظِّهَارَ وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الظِّهَارِ وَسَقَطَ إنْ تَعَلَّقَ وَلَمْ يَتَنَجَّزْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ص (لَا مَحْلُوفَ لَهَا) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يُرِيدُ أَوْ عَلَيْهَا

مِثَالُ الْمَحْلُوفِ لَهَا كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْكِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجِ هَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ خِلَافَ مَا شَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. وَمِثَالُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا إذَا قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ إنْ وُطِئَتْ عِزَّةٌ فَعِزَّةٌ مَحْلُوفٌ عَلَيْهَا فَتَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِيهَا مَا دَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا أَعْنِي عِزَّةً ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ مَا دَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَهُ فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَخْتَصُّ فِيهَا الطَّلَاقُ بِالْعِصْمَةِ هِيَ الْمَحْلُوفُ بِهَا مِثْلُ زَيْنَبَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَمِثْلُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أَكَلْتِ الرَّغِيفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ص (وَفِي مَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا إلَّا لِنِيَّةِ كَوْنِهَا تَحْتَهُ) ش: نَحْوُهُ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ: قَالُوا فِيمَنْ اشْتَرَى طَسْتًا وَأَشْهَدَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَنْتَفِعَ بِهِ فِي حَيَاتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَقَالَ: أَرَدْتُ مَا بَقِيَتْ عِنْدِي حَلَفَ وَأَخَذَهُ ص (وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدًا لِثَلَاثٍ عَلَى الدُّخُولِ فَعَتَقَ وَدَخَلَتْ لَزِمَتْ اثْنَتَيْنِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ الطَّلَاقِ حَالُ الْمُطَلَّقِ يَوْمَ نُفُوذِهِ لَا يَوْمَ عَقْدِهِ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَشْهَبَ إنْ قَالَ عَبْدٌ: إنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بَقِيَتْ لَهُ طَلْقَتَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْتِ كَذَا ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ حَنِثَ فَهَذِهِ تَبْقَى عِنْدِي عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى يَوْمُ الْحِنْثِ كَمَا قَالَ: إنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَفَعَلَهُ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي ثُلُثِهِ، انْتَهَى. ص (كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ تَبْقَى لَهُ وَاحِدَةٌ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَوْقَعَ هَذِهِ الطَّلْقَةَ وَهُوَ حُرٌّ بَقِيَ اثْنَتَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ أَعْتَقَ قَبْلَ طَلَاقِهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ إنْ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَإِنْ انْقَضَتْ فَقَدْ

بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ إنْ تَزَوَّجَهَا وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ طَلَاقِهِ طَلْقَتَانِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَتَاتَ أَوْ يَلْفِظْ بِالْبَتَّةِ كَمَنْ طَلَّقَ طَلْقَةً وَظَنَّ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ إنْ نَوَى بِهَا فِي قَلْبِهِ أَلْبَتَّةَ فَأَمَّا مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّهُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ يَثْبُتُ أَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَلْتُتِمَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ وَإِنْ نُكِحَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فُسِخَ النِّكَاحُ وَوَاطِئُهَا وَاطِئٌ فِي عِدَّةٍ وَسَوَاءٌ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهَا بِعِتْقٍ أَوْ أَصْلِ حُرِّيَّةٍ، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِنْهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكُلُّ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ كَالْعَبْدِ فِي طَلَاقِهِ حَتَّى إذَا عَتَقَ صَارَ كَالْحُرِّ مِنْ يَوْمِئِذٍ فِي طَلَاقِهِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يَنْفُذْ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا، انْتَهَى. ص (وَلَفْظُهُ طَلُقْتُ أَوْ أَنَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ) ش لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقًا بِالنَّصْبِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٍ بِالْخَفْضِ لَزِمَهُ، قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَةِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فَرْعٌ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ أَوْ أَنْ طَلَّقْتُكِ بِفَتْحِ الْهَمْزَة فِيهِمَا فَهُوَ لِلتَّعْلِيلِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ اللُّغَةَ فَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الرَّمَّاحِ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْطِقْ بِالْقَافِ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ (مَسْأَلَةٌ) لَوْ قَالَ: غَدًا أُطَلِّقُ زَوْجَتِي فَجَاءَ غَدٌ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ لَا يُقْضَى بِهِ فِي الْعَطِيَّاتِ وَعَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ هُنَا، انْتَهَى. ص (كَاعْتَدِّي وَصَدَقَ فِي نَفْيِهِ إنْ دَلَّ الْبِسَاطُ عَلَى الْعَدِّ) ش: الْعَدُّ مَصْدَرٌ عَدَدْتُ الشَّيْءَ أَعُدُّهُ وَيُشِيرُ بِهَذَا الْكَلَامِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَإِنْ قَالَ لَهَا كَلَامًا مُبْتَدَأً اعْتَدِّي لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَسُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ كَمْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ كَاعْتَدِّي يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا تَلْزَمُ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ فِي مُطَلَّقَةٍ وَطَالِقٍ كَذَلِكَ فِي اعْتَدِّي ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَكَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْلَهُ كَدَرَاهِمَ تَعْتَدُّهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَصَدَقَ فِي نَفْيِهِ إنْ دَلَّ الْبِسَاطُ عَلَى الْعَدِّ، وَقَالَ قَبْلَهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا عِنْدِي اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ نَسَقًا فَهِيَ ثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَاحِدَةً بَنَى بِهَا أَوَّلًا وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اعْتَدِّي لَزِمَتْهُ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إعْلَامَهَا أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاعْتَدِّي فَهِيَ طَلْقَتَانِ وَلَا يَنْوِي وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اعْتَدِّي لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَاحِدَةً، وَقَالَ قَبْلَهُ: رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَدِّي لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ ابْنُ يُونُسَ وَمَا قَالَهُ صَوَابٌ، انْتَهَى. بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ كَانَتْ مُوَثَّقَةً، وَقَالَتْ طَلِّقْنِي) ش:

هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مُصَدَّرَةٌ بِأَوْ الْعَاطِفَةِ وَجَعَلَهُمَا الشَّارِحَانِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا الْأَلِفَ الَّتِي قَبْلَ الْوَاوِ مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْعَدَاءِ بِالْمَدِّ الَّذِي هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَالظُّلْمِ كَمَا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَلَمْ يَجْعَلَاهُ مِنْ بَابِ الْعَدِّ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ عَدَدْتُ الشَّيْءَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الطَّلَاقِ إذَا كَانَتْ مُوَثَّقَةً، وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَدِينُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ ص (وَالثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ إلَخْ) ش: يُرِيدُ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الَّتِي لَمْ

يَدْخُلْ بِهَا وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، قَالَ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَالدَّمِ أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، انْتَهَى. ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ هَذَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ وَاحِدَةً فَلَهُ نِيَّتُهُ وَيَحْلِفُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالثَّلَاثُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَهُ نِيَّتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْيَمِينَ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ، قَالَ مِنِّي أَوْ أَنَا مِنْكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ وَهَبْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ إلَى أَهْلِكِ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَوْ إلَى أَبِيكِ فَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا يَنْوِي فِيمَا دُونَهَا قَبِلَ الْمَوْهُوبَةِ أَهْلُهَا أَوْ رَدُّوهَا وَلَهُ نِيَّةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَذَلِكَ ثَلَاثٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَوْ حَلَفَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَحَنِثَ بَعْدَهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ

عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَحَنِثَ بَعْدَهُ وَنَوَى وَاحِدَةً وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحِنْثِ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَا يَنْوِي؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْحِنْثِ مِمَّنْ لَا يَنْوِي وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَا يَوْمَ الْحِنْثِ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى صِفَةُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إلَّا أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَلَهُ الرَّجْعَةُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: إذَا حَلَفَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِالْحَرَامِ أَوْ الْخَلِيَّةِ أَوْ الْبَرِيَّةِ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَقَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً فَلَهُ ذَلِكَ وَلَهُ الرَّجْعَةُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْيَمِينِ يَوْمَ أَوْقَعَهَا لَا يَوْمَ الْحِنْثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الْيَمِينِ بِصِفَةِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ يَمِينُهُ لَمْ تَلْزَمْهُ يَمِينُهُ وَلَوْ كَانَ يَوْمَ الْيَمِينِ بِصِفَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْأَيْمَانُ وَكَانَ يَوْمَ الْحِنْثِ بِصِفَةِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْأَيْمَانُ لِذَهَابِ عَقْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ حَلَفَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِحَرَامٍ أَوْ خَلِيَّةٍ أَوْ بَرِيَّةٍ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَهُ فَالْأَحْسَنُ ثُبُوتُهُ، انْتَهَى. ص (وَنَوَى فِيهِ وَفِي عَدَدِهِ فِي اذْهَبِي وَانْصَرِفِي) ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي نَفْيِهِ وَعَدَدِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ فِي نَفْيِهِ أَيْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ قُبِلَ مِنْهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ. وَيَحْلِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْ عَلَى الْحَلِفِ فِي أَنْتِ سَائِبَةٌ أَوْ عَتِيقَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ إلَّا إذَا قَصَدَ الطَّلَاقَ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَالتَّخْيِيرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلَهُ وَفِي عَدَدِهِ فَانْظُرْ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ نَصَّ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ نَقَلَهُ عَنْ أَصْبَغَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَحَكَاهُ فِي الشَّامِلِ بِقِيلَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ (قُلْت) فِي قَبُولِهِمَا إيَّاهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَلَّ عَلَى الثَّلَاثِ بِذَاتِهِ لَمْ يُفْتَقَرْ لِنِيَّةِ الطَّلَاقِ. وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَالنِّيَّةُ كَاللَّفْظِ وَلَفْظُ الطَّلَاقِ لَا يُوجِبُ بِنَفْسِهِ عَدَدًا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الرَّمَّاحِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَنَقَلَ كَلَامَ أَصْبَغَ ثُمَّ قَالَ: كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَلَّ عَلَى الثَّالِثِ بِذَاتِهِ لَمْ يُفْتَقَرْ لِنِيَّةِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَالنِّيَّةُ كَاللَّفْظِ وَهُوَ يُوجِبُ مُطْلَقَ الطَّلَاقِ وَهُوَ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ وَكَذَلِكَ هَذَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي هَذَا الْجَوَابِ اهـ. وَقَالَ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي الَّذِي يَقُولُ لِلْمَمْلُوكَةِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاشْتَرَاهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحُرِّيَّةِ وَالْحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ فَلَا تَكُونُ طَالِقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَكُونُ حُرَّةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ مِنِّي فَفِي الثَّمَانِيَةِ أَنَّهَا طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَفِي التَّخْيِيرِ مِنْهَا لِابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ الطَّلَاقَ وَلَا يَلْزَمُهُ اهـ. ص (وَدَيْنٌ فِي نَفْيِهِ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ) ش:

قَالَ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنَا خَلِيٌّ أَوْ بَرِيٌّ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَاتٌّ، قَالَ: مِنْكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَاتَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ، قَالَ: مِنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا فَإِنْ تَقَدَّمَ كَلَامٌ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَدِينُ وَإِلَّا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ: فَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَلَا يَمِينٌ وَإِنْ خَاصَمَتْهُ امْرَأَتُهُ وَأَثْبَتَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي الْعِتَابِ اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ لَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ بِثَلَاثٍ، انْتَهَى. ص (أَوْ عَلَى وَجْهِكِ) ش: تَقْدِيرُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَجْهِي عَلَى وَجْهِكِ حَرَامٌ فَقَوْلُهُ عَلَى وَجْهِكِ جَارٌ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِحَرَامٍ وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ كَذَلِكَ وَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ تَشْدِيدِ يَاءِ عَلَيَّ فَيَكُونَ وَحْدَهُ جَارًّا وَمَجْرُورًا وَرَفْعُ وَجْهُكِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ حَرَامٌ خَطَأٌ مِنْ النَّاسِخِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مُحَرِّمًا لِجُزْءٍ مِنْهَا وَقَدْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: وَلَوْ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا فَحُكْمُهُ كَالطَّلَاقِ يَلْزَمُهُ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَيُخْتَلَفُ فِي الشَّعْرِ وَالْكَلَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي السُّعَالِ وَالْبُصَاقِ، انْتَهَى. وَلَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ يَلْزَمُهُ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ خُصُوصَهُمَا فَقَطْ فَقَدْ صَرَّحَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ عُضْوًا مِنْهَا وَقَالَ: إنَّ الْأَحْسَنَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لُزُومُهُ فِي الشَّعْرِ وَالْكَلَامِ وَفِي الشَّامِلِ وَلَوْ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى جُزْئِهَا فَكَالطَّلَاقِ، انْتَهَى. ص (أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ) ش: أَيْ قَالَ هَذَا اللَّفْظَ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهُ قَالَ: الْحَلَالُ حَرَامٌ عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي

الْأَيْمَانِ أَنَّ مَنْ قَالَ: الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فِي الزَّوْجَةِ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْحَلَالُ حَرَامٌ عَلَيَّ أَمَّا الْأُولَى فَحُكْمُهَا وَاضِحٌ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ حُكْمَهَا كَذَلِكَ يَلْزَمُهُ فِي الزَّوْجَةِ مَا لَمْ يُحَاشِهَا وَفِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ: عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْتِ كَذَا لَا يَكُونُ الْحَرَامُ يَمِينًا فِي شَيْءٍ لَا طَعَامَ وَلَا شَرَابَ وَلَا فِي أُمِّ وَلَدٍ إلَّا أَنْ يُحَرِّمَ امْرَأَتَهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ قَصَدَهُ بِكَاسْقِنِي الْمَاءَ) ش: قَالَ فِي الْمَعُونَةِ: وَضَرْبٌ ثَالِثٌ مِنْ النُّطْقِ وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَلَا مُحْتَمَلَاتِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ اسْقِنِي مَاءً وَمَا أَشْبَهَ ذَاكَ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَقِيلَ يَكُونُ طَلَاقًا وَقِيلَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَهَلْ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِإِرَادَتِهِ بِمَا لَيْسَ بِكِنَايَةٍ كَقَوْلِهِ اسْقِنِي مَاءً وَنَحْوِهِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ لُزُومِهِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ فَثَلَاثٌ إنْ دَخَلَ) ش: أَيْ وَلَا يَنْوِي وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَدْخُولِ

بِهَا تَبِعَ فِيهِ ابْنَ شَاسٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ وَنَاقَشَهُمَا فِي ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَنْوِي وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، قَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ثُمَّ ثُمَّ ثُمَّ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا يَنْوِي وَفِي النَّسَقِ بِالْوَاوِ إشْكَالٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَأَيْتُ الْأَغْلَبَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهَا مِثْلُ ثُمَّ وَلَا يَنْوِيهِ وَهُوَ رَأْيٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيَّةٍ، وَقَالَ مَعَهُ إنْ تَزَوَّجْتُكِ، انْتَهَى. فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْأُمِّ: فَمَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ لَفْظَهَا فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فِي ثُمَّ وَالْوَاوُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فِيمَنْ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ فَمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا وَنَاقَشَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَخْصِيصِهِمَا ذَلِكَ بِمَنْ بَنَى بِهَا وَنَاقَشَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ مَيْلًا لِقَبُولِ كَلَامِهِمَا وَنَاقَشَهُ فِيمَا تَمَسَّكَ بِهِ لَهُمَا مِنْ كَلَامِ الْبَرَاذِعِيِّ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: حَكَى صَاحِبُ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى قَاضِيهِ أَبِي يُوسُفَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ وَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ يَمْتَحِنُهُ بِهَا فَإِنْ تُرْفِقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرِقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مَقْدِمُ وَقَالَ لَهُ: إذَا نَصَبْنَا ثَلَاثًا مَا يَلْزَمُهُ وَإِذَا رَفَعْنَاهُ كَمْ يَلْزَمُهُ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحَمَلَ الرُّقْعَةَ إلَى الْكِسَائِيّ وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّرْبِ، فَقَالَ لَهُ الْكِسَائِيُّ: اُكْتُبْ لَهُ فِي الْجَوَابِ يَلْزَمُهُ بِالرَّفْعِ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ ثَلَاثٌ يَعْنِي أَنَّ الرَّفْعَ يَقْتَضِي أَنَّ ثَلَاثًا خَبَرٌ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّانِي وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ يَكُونُ تَمْيِيزًا لِقَوْلِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَإِنْ قُلْت إذَا نَصَبْنَاهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا قُلْت وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنْ الثَّانِي أَيْ الطَّلَاقُ مَعْزُومٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا أَوْ تَمْيِيزًا فَلِمَ خَصَصْتَهُ بِالْأَوَّلِ قُلْت الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ مُنْكَرٌ يَحْتَمِلُ تَنْكِيرُهُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجِنْسِ وَأَعْدَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّنْكِيرِ فَاحْتَاجَ لِلتَّمْيِيزِ لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ الْمَجْهُولِ وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْرِفَةٌ اُسْتُغْنِيَ بِتَعْرِيفِهِ وَاسْتِغْرَاقِهِ النَّاشِئِ عَنْ لَامِ التَّعْرِيفِ عَنْ الْبَيَانِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ وَيُحْكَى عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ بَعَثَ بِهَذِهِ الرُّقْعَةِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَبَعَثَ أَبُو يُوسُفَ الْجَوَابَ بِهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ عَلَى حَالِهِ وَجَاءَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ بِغَالٌ مُوثَقَةٌ قُمَاشًا وَتُحَفًا جَائِزَةً عَلَى الْجَوَابِ فَبَعَثَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ إلَى الْكِسَائِيّ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ أَنَّهُ الَّذِي أَعَانَهُ عَلَى الْجَوَابِ فِيهَا، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ الْمَذْكُورَ بِرُمَّتِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَنَقَلَ الْحِكَايَةَ أَيْضًا ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِلَا عَطْفِ ثَلَاثٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إنْ نَسَّقَهُ إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ فِيهِمَا) ش: يَعْنِي إذَا كَرَّرَ

مسألة إذا أتبع الخلع طلاقا من غير صمات نسقا

الطَّلَاقَ بِلَا عَطْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ نَسَّقَهُ وَلَمْ يَنْوِ التَّأْكِيدَ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلْقَاضِي إسْمَاعِيلَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَكَانَ كَلَامُهُ مُتَتَابِعًا بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ نَسَقًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ وَاحْتُرِزَ بِمُتَتَابِعٍ مِمَّا إذَا لَمْ يُتَابِعْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِبَيْنُونَتِهَا بِالْأُولَى فَلَمْ تَجِدْ الثَّانِيَةُ لَهَا مَحَلًّا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فَمُقَابَلُ الْمَشْهُورِ لِلْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ بَانَتْ فَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ أُخْتَهَا بِأَثَرِ نُطْقِهِ بِالْقَافِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا هَلْ يَلْزَمُهُ أَوْ لَا، انْتَهَى. [مَسْأَلَةُ إذَا أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ صُمَاتٍ نَسَقًا] وَمَسْأَلَةُ مَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ فِي تَرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي الصُّلْحِ وَنَصُّهَا وَإِذَا أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ صُمَاتٍ نَسَقًا لَزِمَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ أَوْ كَلَامٌ يَكُونُ قَطْعًا لِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ الثَّانِي، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّهُ لَمَّا أَتْبَعَ الْخُلْعَ الطَّلَاقَ نَسَقًا عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي كَانَ فِي قَلْبِهِ وَأَرَادَ إيقَاعَهُ اثْنَتَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ نَسَقًا وَقَوْلُهُ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ، الشَّيْخُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالصُّمَاتِ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي كَانَ فِي قَلْبِهِ وَأَرَادَ إيقَاعَهُ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادٌ: يَلْزَمُ الطَّلَاقُ الثَّانِي مَتَى أَوْقَعَ دَاخِلَ الْعِدَّةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ يَعْنِي اخْتِيَارًا تَحَرُّزًا مِنْ الصُّمَاتِ لِأَجْلِ الْعُطَاسِ وَالسُّعَالِ، انْتَهَى. كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ وَفِي الصَّغِيرِ نَحْوُهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالسُّعَالِ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الِاتِّصَالِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ اخْتِيَارًا احْتِرَازًا مِنْ الصُّمَاتِ لِأَجْلِ الْعُطَاسِ وَالسُّعَالِ، قَالَهُ الْمَغْرِبِيُّ وَهُوَ بَيِّنٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ مُخَرَّجٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ مَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ مَنْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ بِلَا عَطْفٍ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ لَهُ فِيهَا أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا وَنَصُّهُ مَا ذَكَرَهُ إذَا كَانَ نَسَقًا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ: لَا يَلْزَمُهُ ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ، وَفِيمَنْ قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْخِلَافُ فِيمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ يُرِيدُ إنَّمَا لِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي النَّصُّ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَجْرِي قَوْلُهُ فِي الْخُلْعِ ذَكَرَهُ مُعْتَرِضًا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ نَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ اخْتِصَارُهُ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ فِيهَا لَا مَنْصُوصٌ وَنَصُّ كَلَامِهِ وَتَخْرِيجُهُ يَعْنِي اللَّخْمِيَّ إلْغَاءُ طَلَاقِ الْحِنْثِ كَإِلْغَاءِ الطَّلَاقِ الْمُتْبِعِ لِلْخُلْعِ عَلَى قَوْلِ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي بِإِلْغَاءِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ بِرَدٍّ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِابْنِ عَبْدِ السَّلَام مَعَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ مَعَهُمَا مُنَاقَشَةٌ فِي غَيْرِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ فِي بَابِ الْخُلْعِ إنْ أَرَدْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ فَعَلْتِ كَذَا] (فَرْعٌ) إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَنْتِ

طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ فَعَلْت كَذَا، فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَازِمٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا تَكْرَارًا ثُمَّ هُوَ عَلَى يَمِينِهِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَبْيَنُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَعِنْدَهُ شُهُودٌ: ائْذَنْ لِي أَذْهَبُ لِأَهْلِي، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ أَذِنْتُ لَكِ قَدْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُسْمِعَهَا وَأُرَدِّدَ الْيَمِينَ وَلَمْ أَقْطَعْ كَلَامِي، فَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَظُنُّهَا وَلَا بَانَتْ مِنْهُ. وَفِيهِ مَا تَرَى الْإِشْكَالُ وَمَا هُوَ بِالْيَمِينِ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ إلَّا أَنْ يُفْهِمَهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، الْوَاجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ مَنْ رَعَى الْبِسَاطَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ طَلَاقٌ وَلَا حَلِفٌ لِأَنَّ سُؤَالَهَا الْإِذْنَ لِأَهْلِهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ لَا تَبْتِيلُ الطَّلَاقِ وَلَوْ سَأَلَتْهُ تَبْتِيلَهُ، فَقَالَ ذَلِكَ اللَّفْظَ بِعَيْنِهِ بَانَتْ مِنْهُ بِالثَّلَاثِ قَوْلًا وَاحِدًا وَعَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، قَالَ فِيهَا: مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَنَّهُ يَنْوِيَ إنْ دَخَلَتْهَا فِي أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ وَاحِدَةً فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَلَاقًا إلَّا أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ، انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ وَفِي رَسْمِ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ طَلَّقَ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت، فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إخْبَارَهُ فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ قَوْلَانِ) ش: قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى إخْبَارَهُ فَلَهُ نِيَّتُهُ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ نَصٌّ عَلَى النِّيَّةِ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهَا وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِقَرِينَةِ السُّؤَالِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَمِنْهُمْ اللَّخْمِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ عَدِمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سِوَى تِلْكَ الطَّلْقَةِ لِأَنَّ بِسَاطَ جَوَابِهِ عَلَى السُّؤَالِ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ مَا صَنَعَ فِيهِ فَأَخْبَرَ عَنْهُ وَلَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْ السُّؤَالِ وَابْتَدَأَ طَلَاقًا، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنْ نَوَى إخْبَارَهُ بِنِيَّتِهِ فَلَا تَخْلُو هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَقُولَ فِيهِ هِيَ مُطَلَّقَةٌ أَوْ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ فَإِنْ قَالَ: هِيَ مُطَلَّقَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الطَّلْقَةِ الْأُولَى بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ هِيَ مُطَلَّقَةٌ إخْبَارٌ وَإِنْ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ نِيَّةً أَوْ لَا يَدَّعِيهَا فَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً وَقَالَ: أَرَدْتُ الْإِخْبَارَ وَإِنَّمَا هِيَ ذَاتُ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِاتِّفَاقِ الْمَذْهَبِ وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَالْمَذْهَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ جُمْلَةً، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ جُمْلَةً، وَالثَّالِثُ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ أَمْ لَا فَإِنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ إرَادَةِ الرَّجْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِأَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النِّيَّةَ وَعَدَمَهَا فَهَلْ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ نَوَى إخْبَارَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِهِ لِلرَّجُلِ: قَدْ طَلْقَتُهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ وَلَا يَمِينٍ نَوَى الْإِعْلَامَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَلَوْ كَانَ إنَّمَا قَالَ لَهُ: قَدْ طَلَّقْتُهَا لَكَانَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ طَلَّقْتُهَا خَبَرٌ وَلَيْسَ فِيهِ إيقَاعُ طَلَاقٍ مُبْتَدَأٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ طَلِّقْهَا مِثْلُ قَوْلِهِ قَدْ طَلَّقْتُهَا لَيْسَ إيقَاعَ طَلَاقٍ مُبْتَدَإٍ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي أَوْقَعَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ طَلْقَةً ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَ طَلْقَةً عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ تَبِينُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي أَوْقَعَهُ طَلَاقَ الْخُلْعِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَسْأَلَةَ مَنْ قِيلَ أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ، فَقَالَ: نَعَمْ مِثْلُ مَا طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى وَمَسْأَلَةَ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا مُطَلَّقَةُ فِي رَسْمِ النُّذُورِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي آخِرِ كِتَابِ طَلَاقِ

السُّنَّةِ وَكَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْقَصْدُ وَكَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ أَرَدْتُ الْكَذِبَ بِقَوْلِي حَرَامٌ. ص (وَنِصْفُ طَلْقَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ طَلَّقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ ابْنُ شِهَابٍ وَيُوجَعُ ضَرْبًا، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ كَمَّلَ عَلَيْهِ التَّجْزِئَةَ إمَّا احْتِيَاطًا وَإِمَّا لِأَنَّهُ رَآهُ هَازِلًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُلْزِمْهُ ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ وَكَأَنَّهُ أُجْرِيَ عَلَى مَهِيعِ الدَّلِيلِ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْجُزْءِ الْكُلَّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت قَوْلُهُ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُلْزِمْهُ ذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ شُذُوذِ قَائِلِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ: حُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِهِ (قُلْت) وَتَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ نُدُورَ الْمُخَالِفِ مَعَ كَثْرَةِ الْمُجْمِعِينَ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً وَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى تَرْجِيحِهِ بِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مِنْ بَابِ إبْطَالِ الْكُلِّ بِإِبْطَالِ جُزْئِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلْقَةَ إنَّمَا هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إبْطَالِ جُزْءٍ حُكْمِيٍّ مِنْ الْعِصْمَةِ الْمُجَزَّأَةِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ لِلْحُرِّ وَجُزْأَيْنِ لِلْعَبْدِ عِنْدَنَا فَمَنْ طَلَّقَ بَعْضَ طَلْقَةٍ أَبْطَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ وَبُطْلَانُ الْجُزْءِ يُبْطِلُ الْكُلَّ ضَرُورَةً، انْتَهَى. ص (أَوْ وَاحِدَةٌ فِي وَاحِدَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ فِي: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ، وَأَرْبَعَةٌ تَبِينُ مِنْهَا بِثَلَاثٍ وَكَذَا بَقِيَّةُ هَذَا الْمَعْنَى (قُلْت) هَذَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحِسَابِ أَوْ قَصَدَهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَا نَوَى وَإِنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا أَوْ عُلِمَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ عَدَمُ قَصْدِهِ مَعْنَى الضَّرْبِ كَقَوْلِ مَنْ عُلِمَ جَهْلُهُ مِنْ الْبَادِيَةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فِي طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ: أَرَدْتُ طَلْقَتَيْنِ فَقَطْ، انْتَهَى. ص (أَوْ كُلَّمَا حِضْت) ش: يَعْنِي يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَمِثْلُهُ كُلَّمَا جَاءَ شَهْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَابْنُ الْقَاسِمِ

يُنَجِّزُ عَلَيْهِ الثَّلَاثَ وَسَحْنُونٌ يُلْزِمُهُ اثْنَيْنِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِمَا فِي الْجَوَاهِرِ فَرَعَيْنَ الْأَوَّلُ مَنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ حَوَامِلَ: مَنْ وَضَعَتْ مِنْكُنَّ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ، قَالَ: فَعَلَى الْمَشْهُورِ أَعْنِي قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ وَعَلَى الشَّاذِّ يَلْزَمُهُ فِي الْأُولَى ثَلَاثٌ وَكَذَا الرَّابِعَةُ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِوَضْعِ الْأُولَى ثُمَّ تَبِينُ بِوَضْعِهَا وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَتَانِ بِوَضْعِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثُمَّ تَبِينُ بِوَضْعِهَا وَأَمَّا الْأُولَى فَوَضْعُهَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِسَبَبِهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِوَضْعِ صَوَاحِبِهَا، قَالَ: وَلَوْ قَالَ: مَنْ وَضَعَتْ مِنْكُنَّ فَالْبَوَاقِي طَوَالِقُ وَأَرَادَ غَيْرَ مَنْ وَضَعَ فَلَا طَلَاقَ عَلَى الْأُولَى وَحُكْمُ الثَّلَاثِ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ سَحْنُونٍ: وَهَذَا أَوْضَحُ إنْ وَضَعْنَ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَوْ جَهِلَ التَّرْتِيبَ فَالِاحْتِيَاطُ يُلْزِمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةً وَلَوْ اتَّحَدَ الْوَقْتُ فِي وِلَادَتِهِنَّ فَالظَّاهِرُ إلْزَامُ كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَقْدَحُ فِي صَوَاحِبِهَا مُدَّةً وَيَكُونُ ذَلِكَ كُلًّا لَا كُلِّيَّةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَالْفَرْعُ الثَّانِي إذَا قَالَ لَهَا: إذَا وَضَعْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَضَعَتْ وَلَدًا وَبَقِيَ فِي بَطْنِهَا ثَانٍ فَهَلْ يَنْجُزُ الطَّلَاقُ بِوَضْعِ الْأَوَّلِ أَوْ يَقِفُ التَّنْجِيزُ عَلَى وَضْعِ الثَّانِي وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّامِلِ ص (أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُكِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) ش: هُوَ ظَاهِرُ التَّصْوِيرِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَابْنِ غَازِيٍّ (مَسْأَلَةٌ) تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ رَأَيْتُ كِتَابًا يَشْتَمِلُ عَلَى نَوَازِلِ الْجَمَاعَةِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَنْدَلُسِيِّينَ كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ سَرَّاجٍ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ السَّرَقُسْطِيِّ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَخَّارِ وَغَيْرِهِمْ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سَرَّاجٍ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ إيقَاعِهِ الطَّلَاقَ: مَتَى حَلَلْتِ حَرُمْتِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَارَقَهَا زَوْجُهَا الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَابَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، قَالَهُ ابْنُ سَرَّاجٍ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفَصِّلُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَتَى حَلَلْتِ حَرُمْتِ أَنَّهَا إذَا حَلَّتْ لَهُ بَعْدَ زَوَاجِهَا زَوْجًا غَيْرَهُ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَإِنَّ تَزْوِيجَهَا لَا يَحِلُّهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَ الْمُفْتِي وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إذَا حَلَّتْ بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ حَرَامٌ فَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فِيهَا وَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ إنْ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَيَأْتِي الْكَلَامُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ الْحَالِفَ لَمَّا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ حُرْمَةُ نِكَاحِهَا تَرْتَفِعُ بِزَوَاجِهَا أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إذَا حَلَّ زَوَاجُهَا لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ تَصِيرُ عَلَيْهِ حَرَامًا كَمَا كَانَتْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَرَّمَ تَزْوِيجَ امْرَأَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ مَسْأَلَةً تُشْبِهُ هَذِهِ أَوْ هِيَ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ، قَالَ: وَكَتَبْتُ إلَيْهِمْ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كُنْتِ لِي زَوْجَةً قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ بَعْدَ زَوْجٍ هَلْ تَحْرُمُ لِلْأَبَدِ وَكَيْفَ إنْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَتَّابٍ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَبَدَ وَلَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ الزَّوْجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ بَعْدَ زَوْجٍ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ أَرَادَ هَذَا أَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ حَلِفَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: مَتَى طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِالْبَتَّةِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَقِيَتْ لَهُ زَوْجَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَانْظُرْ جَوَابَ ابْنِ مَالِكٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَصَوَابُهُ إذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَوَابُ ابْنِ عَتَّابٍ أَتَمُّ مِنْ جَوَابَيْهِمَا وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي يَأْتِي فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِيهَا بَعْدَ زَوْجٍ إلَّا إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَعَقَدَ عَلَيْهِ يَمِينَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي ابْنِ سَهْلٍ جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ سَرَّاجٍ

وَكَانَ أَحَدَ الْمُشَاوِرِينَ فَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُجِيبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ عُمْدَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَنَصُّهُ سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَالْتَزَمَ عَدَمَ رَدِّهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَا تَكُونُ لَهُ بِزَوْجَةٍ مَا دَامَتْ الدُّنْيَا فَأَجَابَ إنْ قَالَ: لَا أَرُدُّهَا قَوْلًا مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا وَلَا فَهِمَتْهُ الْبَيِّنَةُ عَنْهُ وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ كَلَّمَ فِي تَزْوِيجِ بَعْضِ قَرَابَتِهِ ثُمَّ بَلَغَهُ عَنْ أَبِيهَا قَبِيحٌ، فَقَالَ: مَتَى مَا تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَرْدَفَ وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ مَتَى تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ نُظِرَ فِي قَوْلِهِ مَتَى مَا كَانَ أَرَادَ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ وَإِنْ أَرَادَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يَتَكَرَّرُ، انْتَهَى. وَمِنْهُ سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَلَفٍ عَمَّنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ، فَقَالَ: هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ أَرَادَ الْآنَ تَزْوِيجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ إنْ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ عِنْدَمَا ذُكِرَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا أَوْ عِيبَ عَلَيْهِ تَطْلِيقُهَا أَوْ رَأَى فِي الْخُصُومَةِ مَا يَكْرَهُهُ أَوْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ تَزَوَّجَهَا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِعَقْدِ نِكَاحِهَا ثَانِيَةً وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ (قُلْت) وَكَانَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يَحْكِي بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ يُفْتِي بِعَدَمِ اللُّزُومِ، قَالَ: لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا تَعْرِفُ التَّعْلِيقَ وَلَا تَقْصِدُهُ وَحَكَاهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِنَا الْفَقِيهِ الْقَاضِي أَبِي حَيْدَرَةَ وَكَانَ أَوَّلًا يَخْتَارُ اللُّزُومَ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَيَقُولُ: الْعَامَّةُ تَقْصِدُ التَّعْلِيقَ وَلَكِنْ لَا تَعْرِفُ أَنْ تُكْنِيَ عَنْهُ ثُمَّ شَهِدَتْهُ رَجَعَ إلَى الْفَتْوَى بِهَذَا فِي وَسَطِ عُمُرِهِ وَآخِرِهِ وَرَأَيْتُ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَكَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ: إنْ أَخَذَ السَّائِلُ بِالرُّخْصَةِ لَمْ أَعِبْهُ وَسَلَكَهُ الْآنَ أَتْبَاعُهُ مِنْ بَعْدِهِ، انْتَهَى. وَمِنْهُ سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو عَلِيٍّ الْقُورِيُّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهُ نِكَاحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمُ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ مِثْلَ أَبِي، انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) ذَكَرَهَا فِي النَّوَازِلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَهِيَ: سُئِلَ ابْنُ سَرَّاجٍ فِي رَجُلٍ قَصَدَ غَشَيَانَ زَوْجَتِهِ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ، فَقَالَ لَهَا فِي الْحِينِ: هِيَ حَرَامٌ عَلَيَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَخَرَجَ عَنْ السَّرِيرِ حَيْثُ كَانَ مَعَهَا مُضْطَجِعًا فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ هَذَا فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ذَكَرَ مُوصِلُهُ أَنَّهُ الْحَالِفُ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِقَوْلِهِ هِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ طَلَاقًا وَلَا تَحْرِيمًا وَإِنَّمَا أَرَادَ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا فِي الْحَالِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَهُ ابْنُ سَرَّاجٍ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ قِيلَ لَهُ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ، فَقَالَ الذَّمَّامُ: لَا أَتَزَوَّجُهَا فَلَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ يَمِينٌ فَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ إذَا تَزَوَّجَهَا وَإِنْ أَرَادَ ذِمَّةَ النَّاسِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، انْتَهَى. ص (أَوْ إنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ ابْنُ شَاسٍ: مَنْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أُلْغِيَ لَفْظُ قَبْلَهُ. وَإِنْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ (قُلْت) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ هَذِهِ الْمُتَرْجَمَةُ بِالسُّرَيْجِيَّةِ، قَالَ دَهْمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَبَدًا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: يَقَعُ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاضِي، وَقَالَ طَائِفَةٌ: يَقَعُ مَعَ الْمُنَجَّزَةِ تَمَامُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمُعَلَّقِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالْحَسَنِ وَغَيْرِهِ وَأَبُو نَصْرِ بْنِ الصَّبَّاغِ مِنْ خِيَارِ مُتَأَخِّرِيهِمْ وَهَذَا الَّذِي نَخْتَارُهُ وَلَيْسَ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نُعَوِّلُ عَلَيْهِ وَلِمَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِهَا وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِهِ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُمَا لِمَنْ ادَّعَاهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَهَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهَا وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا بِدَيْنٍ

يُبْطِلُ عِتْقَهُمَا وَوَقَعَ لَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَهُوَ ثُبُوتُ مَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ مِنْهُ قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَهُ أَوْ وَالِدَهُ فِي مَرَضِهِ بَتْلًا صَحَّ عِتْقُهُ وَوِرْثُهُ مَعَ أَنَّ إرْثَهُ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ فَثُبُوتُ إرْثِهِ يُبْطِلُ الْعَطِيَّةَ لَهُ وَبُطْلَانُ الْعَطِيَّةِ يُبْطِلُ حُرِّيَّتَهُ وَبُطْلَانُ حُرِّيَّتِهِ يُبْطِلُ إرْثَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا لَزِمَهُ أَيُّ عَدَدٍ طَلَّقَ مُنَجَّزًا حَمَلْنَا مَعَهُ الثَّلَاثَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الثَّلَاثِ وَلَوْ وَقَعَ مَشْرُوطُهُ لَمَنَعَ وُقُوعَهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ وَلَا يَقَعُ، قَالَ: وَالْبَحْثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ إمْكَانُ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ فِي ذَاتِهِ. وَحِكْمَةَ الشَّرْطِ فِي غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ لَمْ تَحْصُلْ فِيهِ حِكْمَةٌ، الثَّانِيَةُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَغَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، الثَّالِثَةُ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُ وَمَا لَا يَمْلِكُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُ دُونَ مَا لَا يَمْلِكُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَقَوْلُهُ إنْ طَلَّقْتُكِ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَعْهُودِ الْعُرْفِيِّ فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَبْقَيْنَا التَّعْلِيقَ عَلَى صُورَتِهِ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشْرُوطُ وَهُوَ مَا وَقَعَ بِهِ التَّبَايُنُ فَإِنْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً أَسْقَطْنَا وَاحِدَةً لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ يَجْتَمِعَانِ مَعَ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ أَسْقَطْنَا اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ مَعَ اثْنَتَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطْنَا الْمُنَافِي وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ، فَمَنْ قَالَ: امْرَأَتُهُ وَامْرَأَةُ جَارِهِ طَالِقٌ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَاحِدَةً فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُ كَذَلِكَ هُنَا الَّذِي يُنَافِي الشَّرْطَ لَا يَمْلِكُ شَرْعًا لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ كَمَرْأَةِ الْغَيْرِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَاقِي بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُنَافِي فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْحَدَّادِ يَلْزَمُهُ مُخَالَفَةُ إحْدَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالسَّرِيجِيَّةِ وَيُحَسِّنُهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قَالَ بِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِمْ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مِئُونَ بَلْ آلَافٌ. وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ وَالْقَوَاعِدَ وَالنَّصَّ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ ضَلَالٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَهَذَا حَسَنٌ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ، انْتَهَى. ص (سَحْنُونٌ وَإِنْ شَرَكَ طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) ش: تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي نِسْبَةِ هَذَا لِسَحْنُونٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنِسْبَةُ الْمُصَنِّفِ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُوَافِقَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَزَمَ فِي الشَّامِلِ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَذْهَبِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُمَا مَسْأَلَتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُطَلِّقِ جُزْءٍ وَإِنْ كَيَدٍ) ش: قَالَ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا: وَإِنْ قَالَ لَهَا: يَدُكِ أَوْ

رِجْلُكِ أَوْ إصْبَعُكِ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ: قُلْتُ لِشَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ وَصَوَّبَهُ لَوْ طَلَّقَ عَقْلَهَا حُرِّمَتْ بِخِلَافِ عِلْمِهَا، دَلِيلُهُ قَوْلُهَا إذَا حَدَثَ لَهُ جُنُونٌ لِأَنَّ الْعَقْلَ مِمَّا يُسْتَمْتَعُ بِهِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْعِلْمِ وَلَوْ طَلَّقَ رُوحَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ اُنْظُرْ ابْنَ الْعَرَبِيِّ، انْتَهَى. (وَفِي إلْغَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَاعْتِبَارِهِ قَوْلَانِ) ش: اسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِهِ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَرْجَحُ فِي النَّظَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنُجِّزَ إنْ عُلِّقَ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ جَائِزٍ كَلَوْ جِئْت قَضَيْتُكَ) ش: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ جَائِزٍ مَعْطُوفٌ

عَلَى قَوْلِهِ: مُمْتَنِعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْمُمْتَنِعِ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَلَوْ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُقْصَدُ بِالْمُبَالَغَةِ أَمْرٌ جَائِزٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ جَائِزٍ يَحْنَثُ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ بَشِيرٍ فِيهِمَا، انْتَهَى. يَعْنِي فِي الْقَادِرِ عَلَى الْفِعْلِ وَفِي قَاصِدِ الْمُبَالَغَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ فِيمَا مَضَى فَهُوَ الْآنَ مَشْكُوكٌ فِي وُقُوعِهِ لِجَوَازِ مَانِعٍ أَوْ تَبَدُّلِ إرَادَتِهِ كَذَا عَلَّلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ تَبَعًا لِابْنِ بَشِيرٍ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمُمْتَنِعٍ عَادَةً وَقَصَدَ الْمُبَالَغَةَ لَمْ يَحْنَثْ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ كَيْفَ جَعَلَ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي جَائِزٍ وَجَعَلَ الْأَصَحَّ فِي الْجَائِزِ الْحِنْثَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَاجِبٍ، فَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، قَالَ: وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَصْبَغَ لَوْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ لَوْ جِئْتَنِي أَمْسِ قَضَيْتُكَ حَقَّكَ هُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يَدْرِي أَكَانَ فَاعِلًا أَمْ لَا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ خِلَافَ قَوْلِ أَصْبَغَ سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ نَقْلِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيمَا يَأْتِي فِي إنْ صَلَّيْتَ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الِاتِّفَاقَ إلَّا مِنْ نَقْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ أَرَادَ نَاقِلُ الِاتِّفَاقِ الْوُجُوبَ الشَّرْعِيَّ وَلَوْ أَرَادَ الْعَادِمَ لَصَحَّ الِاتِّفَاقُ فِيمَا أَظُنُّ كَقَوْلِهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَوْ لَقِيَنِي أَمْسِ أَسَدٌ لَفَرَرْتُ مِنْهُ، انْتَهَى. وَمَا شَهَّرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِنْثِ فِي الْجَائِزِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ الصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ الْفِعْلُ شَرْعًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ وَخِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَهْوًا أَوْ ظَفِرَ بِنَقْلٍ غَرِيبٍ وَتَرَكَ الْجَادَّةَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ رَدِيءٌ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ أَوْ جَائِزٍ حَنِثَ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي رَسْمِ طَلَّقَ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ لِمَنْ نَازَعَهُ وَجَبَذَ ثَوْبَهُ لَا تَشُقَّهُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَوْ شَقَقْتَهُ لَشَقَقْتُ جَوْفَكَ عَنْ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ وَحُكِيَ مُقَابِلُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ مُطْلَقًا عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ أَوْ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَيَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَدَلِيلُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الَّذِي حَلَفَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَفَقَأَ عَيْنَ الَّذِي يَشْتُمُ أَخَاهُ أَنَّهُ حَانِثٌ وَحَكَى الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَنُجِّزَ إنْ عُلِّقَ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ إلَى قَوْلِهِ كَلَوْ جِئْت قَضَيْتُكَ. ظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُعَلَّقٌ عَلَى جَوَابِ لَوْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ جَوَابَ لَوْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَعْنِي الْمُمْتَنِعَ بِأَقْسَامِهِ وَالْجَائِزَ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا لَا طَلَاقَ وَلَا غَيْرَهُ بَلْ هُوَ نَفْسُهُ مُعَلَّقٌ عَنْ الشَّرْطِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةٌ فِي أَدَوَاتِ الشَّرْطِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَوْ كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا إنَّمَا هُوَ حَالِفٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى صِدْقِ هَذَا التَّعْلِيقِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّرْطِيَّةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ صَادِقَةٌ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى فِعْلٍ مُرَتَّبٍ عَلَى فَرْضٍ مَاضٍ لَمْ يَقَعْ فَفِي حِنْثِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ فِعْلُهُ مَمْنُوعًا، انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت) فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا عُلِّقَ فِيهِ الطَّلَاقُ أَصْلًا فَلَا شَيْءَ ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ (قُلْت) الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ مُطْلَقًا يَنْحَلُّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إلَى التَّعْلِيقِ فَكَأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَقُولُ إنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ غَيْرَ صَادِقَةٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَالطَّلَاقُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَلَّقٌ عَلَى عَدَمِ صِدْقِ الْمُلَازَمَةِ فَجَعَلَهُ مُعَلَّقًا عَلَى حَالِ الشَّرْطِيَّةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي النَّصِّ فِيهِ مُسَامَحَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. كَلَامُ سَيِّدِي أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ

فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَشُقَّ كَبِدَهُ إنْ شَقَّ ثَوْبَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَشُقَّ الثَّوْبَ وَلَا فِي أَنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ إنْ شَقَّهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَشُقَّ كَبِدَهُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَهَلْ تَعْلِيقُهُ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ خِلَافٌ، انْتَهَى. يَعْنِي تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُسْتَقْبَلٌ مُحَقَّقٌ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ أَتَى أَجَلُ طَلَاقِهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ آتٍ وَحُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى الزَّمَنِ لَا عَلَى الْقُدُومِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ طَلُقَتْ عِنْدَ قُدُومِهِ وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَنْ قَالَ إذَا مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ مَكَانَهُ وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ أَوْ مَطَرَتْ السَّمَاءُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِكَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ آتٍ ابْنُ حَارِثٍ. أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مُسْتَهَلِّ الْهِلَالِ أَوْ إلَى وَقْتٍ يَأْتِي عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَقْتَ قَوْلِهِ اتِّفَاقًا وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعِدَّةِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ طَلَّقَ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ وَأَنَّ عَطَاءً كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَقُولُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ هَذِهِ الْمَدِينَةُ دَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَارُ الْهِجْرَةِ فَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُطَلِّقَ إلَى أَجَلٍ يَتَمَتَّعُ بِامْرَأَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّا لَمْ نُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ النَّاسِ قَالَهُ وَهَذَا شَبِيهُ الْمُتْعَةِ ابْنُ رُشْدٍ قِيَاسُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُتْعَةِ صَحِيحٌ وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَهُمْ عِنْدَهُ حُجَّةً فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ إنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ أَوْ إنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ أَنَّهُ عَنْ تَوْقِيفٍ كَنَفْيِ زَكَاةِ الْخَضْرَاوَاتِ وَالْأَذَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ إلَى أَجَلٍ، قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ إلَى شَهْرِ كَذَا فَهُوَ سَوَاءٌ وَهُوَ طَلَاقٌ إلَى أَجَلٍ وَتَطْلُقُ السَّاعَةَ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ يَنْجُزُ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ إحْدَى الْبَتَّتَيْنِ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا وَقَعَتْ الْبَتَّةُ الْمُعَلَّقَةُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ مِثْلَ هَذَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ) : تَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ عَلَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَهْرٍ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ: أَنْشَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ ... وَلَا زَالَ عِنْدَهُ الْإِحْسَانُ فِي فَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ ... قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ نَوَادِرِ الْأَبْيَاتِ وَأَشْرَفِهَا مَعْنًى وَأَدَقِّهَا فَهْمًا وَأَعْذَبِهَا اسْتِنْبَاطًا لَا يُدْرِكُ مَعْنَاهُ إلَّا الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالْأَفْهَامُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَالْأَفْكَارُ الدَّقِيقَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْأَذْكِيَاءِ وَآحَادِ الْفُضَلَاءِ وَالنُّبَلَاءِ بِسَبَبِ أَنَّهُ بَيْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَعَ صُعُوبَةِ مَعْنَاهُ وَدِقَّةِ مَغْزَاهُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ فِي الْإِنْشَاءِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِشَرْطِ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي حَقَائِقِهَا دُونَ مُجَازَاتِهَا مَعَ الْتِزَامِ صِحَّةِ الْوَزْنِ عَلَى الْقَانُونِ الْعَرَبِيِّ اللُّغَوِيِّ وَكُلِّ بَيْتٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى مَسْأَلَةٍ مِنْ الْفِقْهِ فِي التَّعَالِيقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ صَعْبَةُ الْمَغْزَى وَعِرَةُ الْمُرْتَقَى ثُمَّ قَالَ: هَذَا تَقْرِيرُ الْبَيْتِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ الْتِزَامِ

الْحَقِيقَةِ وَالْوَزْنِ. وَأَمَّا عَلَى خِلَافِهِمَا مِنْ الْتِزَامِ الْمَجَازِ وَعَدَمِ الْوَزْنِ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ نَثْرًا فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ وَالْأَجْوِبَةُ تِسْعَمِائَةٍ مَسْأَلَةٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَالتَّعَالِيقِ اللُّغَوِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ كَيْفِيَّةِ وُصُولِ ذَلِكَ إلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَإِنْ زِدْت فِي لَفْظِ الْبَعْدِ أَوْ الْقَبْلِ وَصَلَ الْكَلَامُ إلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ وَأَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الزِّيَادَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ طَرَفِ الْفَضَائِلِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْأَذْكِيَاءِ وَالنُّبَهَاءِ، وَقَالَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْبَيْتُ لِشَيْخِنَا الْإِمَامِ الصَّدْرِ الْعَالِمِ جَمَالِ الْفُضَلَاءِ رَئِيسِ زَمَانِهِ فِي الْعُلُومِ وَسَيِّدِ وَقْتِهِ فِي التَّحْصِيلِ جَمَالِ الدِّينِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِأَرْضِ الشَّامِ وَأَفْتَى فِيهِ وَتَفَنَّنَ وَأَبْدَعَ فِيهِ وَنَوَّعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَدَّسَ رُوحَهُ الْكَرِيمَةَ وَهَا أَنَا قَائِلٌ لَكَ لَفْظَهُ الَّذِي وَقَعَ بِفَصِّهِ وَنَصِّهِ ثُمَّ أَذْكُرُ لَكَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا وَهْبَ اللَّهُ تَعَالَى لِي مِنْ فَضْلِهِ مِنْ أُمُورٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الشَّيْخُ يَنْبَغِي زِيَادَتُهَا وَإِيضَاحُهَا ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابَ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّذِي فِي أَمَالِيهِ بِلَفْظِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا ظَهَرَ لَهُ فِيهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الثَّلَاثِ وَرَقَاتٍ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَتَقْرِيبُ أَجْوِبَةِ الْمَسَائِلِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَجْوِبَةِ الثَّمَانِيَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ فَالطَّرَفَانِ جُمَادَى الْأَخِيرُ وَذُو الْحَجَّةِ وَالْوَاسِطَةُ شَوَّالٌ وَشَعْبَانُ وَتَقْرِيبُ ضَبْطِهَا أَنَّ جَمِيعَ الْبَيْتِ إنْ كَانَ قَبْلُ فَالْجَوَابُ بِذِي الْحَجَّةِ أَوْ بَعْدُ فَالْجَوَابُ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ أَوْ تَرْكُ مِنْ قَبْلُ وَبَعْدُ فَمَتَى وُجِدَتْ فِي الْأَخِيرِ قَبْلَ بَعْدِهِ أَوْ بَعْدَ قَبْلِهِ فَالشَّهْرُ مُجَاوِزٌ لِرَمَضَانَ فَإِنَّ كُلَّ شَهْرٍ قَبْلَ بَعْدِهِ أَوْ بَعْدَ قَبْلِهِ فَالْكَلِمَةُ الْأُولَى إنْ كَانَتْ حِينَئِذٍ قَبْلَ فَهُوَ شَوَّالٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ أَوْ بَعْدَ فَهُوَ شَعْبَانُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَهَذَا إنْ اجْتَمَعَ آخِرُ الْبَيْتِ قَبْلَ. وَبَعْدَ فَإِنْ اجْتَمَعَ قَبْلَانِ أَوْ بَعْدَانِ وَفِيهِمَا مُخَالِفٌ لَهُمَا فَفِي الْبَعْدَيْنِ شَعْبَانُ وَفِي الْقَبْلَيْنِ شَوَّالٌ فَشَوَّالٌ ثَلَاثَةٌ وَشَعْبَانُ ثَلَاثَةٌ فَهَذِهِ السِّتَّةُ هِيَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ جُمَادَى وَذِي الْحَجَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِاخْتِصَارِ لَفْظِهِ وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ وَكُلَّ بَيْتٍ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَأَنَّ الثَّمَانِيَةَ الْأَجْوِبَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَقَبْلُ وَبَعْدُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْأَوَّلُ هُوَ مَا أَنْشَدَهُ الْقَرَافِيُّ. وَهُوَ قَوْلُهُ بِشَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّ مَا قَبْلَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ ذُو الْحَجَّةِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ بِشَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ قَبْلِهِ أَيْ ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ رَمَضَانُ وَهَذَا الشَّهْرُ هُوَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ الثَّانِي بِشَهْرٍ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ عُلِّقَ الطَّلَاقُ عَلَى شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّ الَّذِي بَعْدَ بَعْدِهِ أَيْ ذَلِكَ الشَّهْرِ رَمَضَانُ وَهَذَا الشَّهْرُ هُوَ الطَّرَفُ الثَّانِي الثَّالِثُ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ شَعْبَانُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْهَا قَبْلُ وَبَعْدُ فَالْغِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ حَاصِلٍ بَعْدَمَا هُوَ قَبْلَهُ وَحَاصِلُ قَبْلَ مَا هُوَ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ بَعْدَهُ إلَّا رَمَضَانَ فَيَكُونُ شَعْبَانُ أَوْ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ شَوَّالٌ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ مَا فِيهِ قَبْلُ. وَبَعْدُ وَهَذَانِ الشَّهْرَانِ أَعْنِي شَعْبَانَ وَشَوَّالًا هُمَا الْوَاسِطَةُ وَيَتَكَرَّرَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ الرَّابِعُ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ شَوَّالٌ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَبْلَهُ الْخَامِسُ بِشَهْرٍ بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ شَعْبَانُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَعْدَهُ رَمَضَانَ وَهُوَ شَعْبَانُ السَّادِسُ بِشَهْرٍ بَعْدَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ شَعْبَانُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَعْنَى بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ شَعْبَانُ السَّابِعُ بِشَهْرٍ بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ شَوَّالٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَوَّالٌ الثَّامِنُ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ وَالْجَوَابُ هُوَ شَوَّالٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ) ش: هَذَا مُحَقَّقٌ عَدَمُ ثُبُوتِهِ

وَالْأَمْثِلَةُ الْأُوَلُ مُحَقَّقٌ وُقُوعُهَا وَانْظُرْ إذَا قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يُورِهِ النُّجُومَ فِي النَّهَارِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ أَمْ عَلَى ظَاهِرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي مَدَارِكِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، قَالَ الْمُدْرَكُ الرَّابِعُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً ثُمَّ قَالَ، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: هَذَا فِي الْمَظْنُونِ وَأَمَّا الْمَعْلُومُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَيُرِيَنَّهُ النُّجُومَ فِي النَّهَارِ وَنَحْوِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ. ص (أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا أَوْ لِهَزْلِهِ كَطَالِقٍ أَمْسِ) ش: هَذَا الْكَلَامُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّوْضِيحِ حُكْمًا مُخَالِفٌ لَهُ تَعْلِيلًا إلَّا أَنْ تَسْقُطَ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لِهَزْلِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَمُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ حُكْمًا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى وَاضِحٍ نَقِيضُهُ مُؤَخَّرًا عَنْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمُقَدَّمًا عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ حَانِثٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ. (قُلْت) الْأَظْهَرُ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَتَقَدَّمَ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ هَذَا لَعَمُودٌ وَلِابْنِ مُحْرِزٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ عَلَى التَّعْلِيقِ. وَنَصُّهُ وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مُحَالٍ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ فَفِي لُزُومِهِ طَلَاقُهَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُمَا الصَّقَلِّيُّ عَنْ الْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَلِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَرَّةً كَسَحْنُونٍ اللَّخْمِيُّ. وَعَلَيْهِمَا قَوْلُهُ إنْ هَذَا الْحَجَرُ وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ قَالَ فِي مُنَازَعَةِ امْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ هَذَا لَعَمُودٌ هِيَ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الْعَمُودِ اللَّخْمِيُّ أَرَى أَنْ يَحْلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَيَبَرُّ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ الزَّوْجَةُ نَدَمَهُ فَيَحْلِفُ، انْتَهَى. وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّهُ إنْ كَانَ لَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ مُؤَخَّرًا عَنْ الْمُعَلَّقِ لَا يَحْنَثُ وَنَقَلَ فِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَدَّمَ لَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَحْنَثُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ فِي الثَّانِي إنَّهُ طَلَّقَ وَإِنَّمَا أَتَى بِأَمْسِ نَدَمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا أَوْ إنْ كَانَ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الَّذِي ثَبَتَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَرَحَ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ لِهَزْلِهِ. قَالَ: إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجَازُ وَهُوَ تَمَامُ الْأَوْصَافِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَوْنِ الْحَجَرِ صَلْبًا بِحَيْثُ لَا يَتَأَثَّرُ لِلْحَدِيدِ فَعَلَّقَ الْمُتَكَلِّمُ الطَّلَاقَ عَلَى وُجُودِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَعَدَمِهَا فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الشَّرْطُ لَمْ يَحْصُلْ الطَّلَاقُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ كَمَا لَوْ قَالَ: طَالِقٌ أَمْسِ فَلَا شَكَّ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ فِي اللُّغَةِ الْهَزْلُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْإِنْشَاءَ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهِ الْخَبَرَ فَلَا هَزْلَ وَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ، وَأَهْلُ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ مَا يَقْرُبُ لِهَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي يَجْزِمُونَ بِوُقُوعِهِ كَجَزْمِهِمْ بِالْمَاضِي وَمُرَادُهُمْ التَّشْبِيهُ فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ فَيُقَالُ لِلْإِنْسَانِ مِنْهُمْ أَتَفْعَلُ كَذَا فَيُجِيبُ بِأَنْ يَقُولَ أَمْسِ فَإِنْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي الطَّلَاقِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِالطَّلَاقِ لَا إيقَاعِ الطَّلَاقِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (أَوْ غَالِبٍ كَإِنْ حِضْت) ش: هَذَا فِي غَيْرِ الْيَائِسَةِ وَالشَّابَّةِ الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ، قَالَ اللَّخْمِيّ: وَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَائِسَةً مِمَّنْ لَمْ تَرَ الْحَيْضَ لَمْ يُعَجَّلْ بِالطَّلَاقِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. مِنْ التَّبْصِرَةِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْيَائِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَأَمَّا الْيَائِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ يَقُولُ لَهُمَا أَوْ لِإِحْدَاهُمَا إذَا حِضْت فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَرَى دَمَ الْحَيْضِ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَبُولِ قَوْلِ بَعْضِهِمْ، فَقَالَ: وَقَبُولُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلَ بَعْضِهِمْ هَذَا فِي غَيْرِ الْيَائِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَوْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَرَى الْحَيْضَ يُرَدُّ بِنَقْلِ الشَّيْخِ مِنْ الْوَاضِحَةِ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ

مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تَحِضْ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ الْآنَ وَلَوْ كَانَتْ قَعَدَتْ عَنْ الْمَحِيضِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ تَحِيضَ يُرِيدُ وَيَقُولُ النِّسَاءُ إنَّهُ دَمُ حَيْضٍ، انْتَهَى. وَكَانَ مُنَاقَشَتُهُ مَعَهُ فِي قَبُولِ نَفْيِ الْخِلَافِ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَ عَدَمُ الطَّلَاقِ إلَّا فِي الَّتِي قَعَدَتْ عَنْ الْمَحِيضِ وَهِيَ الْيَائِسَةُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ أَوَّلًا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تَحِضْ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَرَ الْحَيْضَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِثْلُ كُلَّمَا حِضْت أَوْ كُلَّمَا جَاءَ شَهْرٌ أَوْ يَوْمٌ أَوْ سَنَةٌ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْت أَوْ كُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ أَوْ شَهْرٌ أَوْ سَنَةٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ الْآنَ ثَلَاثًا وَلَمْ تَعُدْ يَمِينُهُ إنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لِذَهَابِ الْمِلْكِ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا إنْ طَهُرْتِ فَيَنْجُزُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرَادَ بِالطُّهْرِ انْقِطَاعَ الدَّمِ أَوْ حِلِّيَّةٌ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا تَطْلُقُ فَهَلْ يُفْتَقَرُ إلَى حُكْمٍ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ مَكَانَهُ مَتَى تَكَلَّمَ بِذَلِكَ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى حُكْمٍ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلُزُومُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْأَصْلِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَعَلَى الْحِنْثِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا حِضْت لَزِمَهُ ثَلَاثٌ لَا اثْنَتَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَتَى كَذَلِكَ إنْ نَوَى مَعْنَى كُلَّمَا وَإِلَّا فَمِثْلُ إنْ، انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ لِسَحْنُونٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلَّمَا حَاضَتْ فُلَانَةُ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَعُجِّلَتْ الثَّلَاثُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ مَعًا، انْتَهَى. وَنَاقَشَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، فَقَالَ: يُرَدُّ بِمَنْعِ كَوْنِهِ عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونٍ بَلْ الصَّوَابُ جَرْيُهَا عَلَى قَوْلِهِ فِي كُلَّمَا جَاءَ شَهْرٌ أَوْ سَنَةٌ لِاحْتِمَالِ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ كَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ حِضْت أَوْ إذَا حَاضَتْ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِآنٍ وَتَأْخُذُ فِي الْعِدَّةِ فَتَعْتَدُّ بِطُهْرِهَا الَّتِي هِيَ فِيهِ مِنْ عِدَّتِهَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لَكَانَ مُطَلِّقًا إلَى أَجَلٍ قَدْ يَأْتِي وَقَدْ لَا يَأْتِي كَالطَّلَاقِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا قَالَ لِحَائِضٍ يَعْلَمُ حَيْضَتُهَا أَوْ طَاهِرٍ يَعْلَمُ طُهْرُهَا إذَا حَاضَتْ أَوْ طَهُرَتْ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْحِنْثُ لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا وَانْظُرْ إذَا قَالَ: إنْ لَمْ تَحِيضِي أَوْ إنْ لَمْ تَطْهُرِي لِطَاهِرٍ أَوْ لِحَائِضٍ هَلْ يُوقَفُ عَنْهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَنْجُزُ الْحِنْثُ وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْتَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمُؤَجَّلُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِثَالُهُ لَوْ قَالَ: إنْ صَلَّيْت الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ تُصَلِّيَ، انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّزُ إلَّا بِحُكْمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) ش: لَيْسَ هَذَا

مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَيُعْلَمُ مَآلًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَمَآلًا كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ هُنَاكَ (فَرُوعٌ. الْأَوَّلُ) قَالَ فِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إنَّهَا طَالِقٌ سَاعَتَهُ إذْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ الْجَنَّةَ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَاوَى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ يَحْلِفَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ حَتْمًا، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ وَلَا يَخْلُو الْحَالِفُ عَلَى هَذَا مِنْ أَنْ يُرِيدَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يُخَلَّدُونَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ فَتَعْجِيلُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ وَجْهَ ظُهُورِهِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ لَا يُخَلَّدُونَ فَالْمَعْنَى فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِ فَالْحَالِفُ عَلَى هَذَا حَالِفٌ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الثُّبُوتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ حَالِفٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا أَيْضًا وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ يَمِينَهُ تُحْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَيُحْمَلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيُعَجَّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَيُحْمَلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الْجَنَّةَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَوْلُ اللَّيْثِ وَابْنِ وَهْبٍ بِنَاءً عَلَى حَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَا يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا حَمَلَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجِبَا طَلَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ إلَى الْإِرْجَاءِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَنَّ ابْنَ سَحْنُونٍ يَقُولُ: إخْبَارُ الْمَرْءِ عَنْ إيمَانِ نَفْسِهِ جَزْمٌ فَقَطْ وَابْنُ عَبْدُوسٍ يُجِيزُ تَقْيِيدَهُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْإِخْبَارِ عَمَّنْ سَمِعَ لَفْظَ إيمَانِهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدِ قَوْلِهِ إنْ وَافَقَتْ سَرِيرَتُهُ عَلَانِيَتَهُ قَوْلًا ابْنُ التَّبَّانِ وَالشَّيْخُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ مَسْأَلَةٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرِ قِيلَ لِمَالِكٍ أَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ وَاَللَّهُ مَحْمُودٌ أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: قُلْ مُؤْمِنٌ وَلَا تَقُلْ مَعَهَا غَيْرَهَا مَعْنَاهُ لَا تَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: يَجُوزُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَجِبُ فِيهِ الْجَزْمُ وَلَا جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: بَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِ وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُسْتَقْبَلَ وَهُوَ مَجْهُولٌ حُصُولُ الْإِيمَانِ فِيهِ أَوْ يُرِيدَ يَقَعُ الْإِيمَانُ الْحَاضِرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْحُصُولِ أَوْ يَكُونُ لِلتَّبَرُّكِ لَا لِلتَّعْلِيقِ، انْتَهَى. الثَّانِي، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ: وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ عَمَّنِ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا يَمُوتُ إلَّا عَلَى الْإِسْلَامِ إدْلَالًا عَلَى كَرَمِ الْكَرِيمِ هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا جَوَابُهَا إذَا كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَعْدَ إيمَانِهِ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ إسْلَامِهِ فَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى إسْلَامِهِ الْبُرْزُلِيُّ وَسَكَتَ عَنْ مُرَادِهِ إنْ قَصَدَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ أَوْ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْمَشْهُورُ الْحِنْثُ وَقِيلَ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وَيَثْبُتَ لَهُ دَلِيلٌ بِالْأَحَادِيثِ مِثْلُ حَلِفِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَالَتِهِ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّصَوُّفِ أَنَّ بَعْضَ أُمَرَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ حَلَفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَاسْتَفْتَى الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَوْهُ بِالْحِنْثِ إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ، قَالَ لَهُ: عَرَضَ لَكَ مَعْصِيَةٌ قَطُّ وَتَرَكْتُهَا لِوَجْهِ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ وَاعَدْتُ امْرَأَةً لِأَفْعَلَ بِهَا فَلَمَّا تَحَصَّلَتْ لِي وَهَمَمْتُ بِالْفِعْلِ خِفْتُ مِنْ اللَّهِ وَتَرَكْتُ شَهْوَتِي، فَقَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41] وَرَأَيْتُ فِيهِ أَيْضًا فِي رَجُلٍ صَعَدَ لِشَجَرَةٍ عُرْيَانًا فَحَلَفَ آخَرُ أَنَّكَ لَا تَنْزِلُ إلَّا

مَسْتُورًا وَلَا يَمُدُّ أَحَدٌ إلَيْك لِبَاسًا فَأَفْتَوْهُ بِالْحِنْثِ إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ، قَالَ لَهُ: انْزِلْ بِاللَّيْلِ وَلَا حِنْثَ عَلَى الْحَالِفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] اهـ. (قُلْت) وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ ظَوَاهِرَ الْأَلْفَاظِ لَا الْمَقَاصِدَ وَالْآتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِنْثُهُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ سِيَاقٌ عَلَى مَا قَالَ: وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ أَنَّ الْحَجَّاجَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ أَفْتَاهُ بِعَدَمِ الْحِنْثِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا حَانِثًا فَجِنَايَتُهُ أَقَلُّ مِنْ جِنَايَةِ الْحَجَّاجِ وَمَعَ ذَلِكَ رُجِيَ لَهُ النَّجَاةُ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ وَافَقَ وَنَزَلَتْ قَضِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِالثَّلَاثِ أَنَّ تَبَارَكَ الْمُلْكُ تُجَادِلُ عَنْهُ فَاسْتَفْتَى بَعْضَ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ: تَطْلُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا مَظْنُونٌ وَقُلْتُ أَنَا لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّهَا تُجَادِلُ عَنْهُ وَهَذَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَنَصَّ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْآحَادِ قَطْعِيٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَخَبَرُ الْآحَادِ مَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَبَتَ فِي الْمُوَطَّإِ وَحَكَى فِي الْمَدَارِكِ عَنْ بَعْضِ عُدُولِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْإِنْسَانُ أَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَحْكَامَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَلَبَةِ الظُّنُونِ وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ: تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا وَكَيْفَ يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِهَا فَأَجَبْتُهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ وَصْفُ الصُّحْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِ مَا قِيلَ فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُلَازَمَةِ لِقِرَاءَتِهَا وَتَحْصِيلِ مَا أَوْجَبَ ثُلُوجَ صَدْرِهِ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَفْتٍ وَكَذَا وَقَعَ السُّؤَالُ هَلْ الْحَجَّاجُ أَعْظَمُ مَعْصِيَةً مِنْ الزَّمَخْشَرِيِّ أَوْ بِالْعَكْسِ فَوَقَعَ الْجَوَابُ أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ يَقُودُ إلَى الْكُفْرِ فَهُوَ أَعْظَمُ وَإِنْ قُلْنَا يَقُودُ إلَى الْفِسْقِ فَيَقَعُ التَّرَدُّدُ فِي التَّرْجِيحِ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الذَّاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَمَعْصِيَةَ الْحَجَّاجِ بِالْجَوَارِحِ لَكِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْمَخْلُوقِينَ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَنْبٌ لَا يَتْرُكُهُ اللَّهُ وَهُوَ مَظَالِمُ الْعِبَادِ وَذَنْبٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ خَالِقِهِ وَذَنْبٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ وَهُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْأَثَرِ مَقَالٌ ذَكَرَهُ عِزُّ الدِّينِ وَكَانَ يَتَقَدَّمُ التَّرْجِيحُ أَنَّ الْحَجَّاجَ أَعْظَمُ جُرْمًا لِأَنَّ أَفْعَالَهُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إيمَانِهِ مَعَ كَثْرَتِهِ وَجَرَاءَتِهِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَخِيَرَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَنَصُّهُ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ، قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَبِي بَكْرٍ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الصَّلْتِ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَا ارْتِيَابَ فِي أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْعَشَرَةِ أَصْحَابِ حِرَاءَ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ جَاءَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَتَوَقَّفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَحْنِيثِ مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَالَ: هُوَ إمَامُ هُدًى وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ يَقْطَعُ الْعُذْرَ وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّعَلُّقُ بِظَاهِرِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا لِلْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ فَانْظُرُوا مَاذَا يَتْبَعُهُ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ» وَقَوْلِهِ «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ بِشَرٍّ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» وَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِجْمَاعُ مَعْصُومٌ لِقَوْلِهِ «لَمْ تَجْتَمِعْ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ»

انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الْمَدَارِكِ فِيمَنْ حَلَفَ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْمُوَطَّإِ صَحِيحٌ أَنَّهُ غَيْرُ حَانِثٍ ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهَا أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمُوَطَّإِ وَثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَوْ حَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَحَادِيثِ الْمُوَطَّإِ الَّتِي فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهَا صِحَاحٌ كُلُّهَا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى حَدِيثٍ غَيْرِهِ كَانَ حَانِثًا، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَنَا وَاَللَّهِ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْك وَأَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ. قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا قِيلَ لَهُ فَلَوْ قَالَ لَهُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْكَ وَأَشَدَّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنْكَ، قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عُرِفَ فَضْلُهُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِأَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ فَهُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فِسْقًا بَيِّنًا فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْبٍ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ أَنَّهُ حَانِثٌ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ عُرِفَ فَضْلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ أَيْ مَنْ قَدْ عُرِفَ فَضْلُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنَا أَتْقَى لِلَّهِ مِنْكَ وَأَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَقَوْلُهُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ شُهِرَتْ فَضَائِلُهُمْ وَعُلِمَتْ مَنَاقِبُهُمْ. وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ فُلَانًا لِرَجُلٍ غَيْرِ مَشْهُورٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ مَعْلُومٍ بِالْخَيْرِ لَحَنِثَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْجَبُ النَّاسِ إيمَانًا قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنْ بَعْدِي وَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيُصَدِّقُونِي وَلَمْ يَرَوْنِي أُولَئِكَ إخْوَانِي» . وَلَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ لَحَنِثَ إلَّا فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لِلْإِجْمَاعِ الْحَاصِلِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْأَفْضَلُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَمِثْلُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ فُلَانًا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ خَيْرٌ مِنْ فُلَانٍ يَعْنِي بِهِ شَخْصًا مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ الْمَعْرُوفِينَ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ وَلَا يُقَالُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ الَّذِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ لِأَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ لَا مِنْ حَيْثُ كُلِّ شَخْصٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ إنْ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي) ش: هَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَا يَعْلَمُ حَالًا وَهَكَذَا قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ أَوْ إنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ كُلِّهَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي أَوْ إنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً مَعَ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا مُبَيَّنَةً عَلَى خِلَافِ مَا يُشْهَرُ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (حُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ نَظَرٌ، انْتَهَى. ص (أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ

مسألة قال لزوجته أنت طالق إلا أن يبدل الله ما في خاطري

مَا أَنَا إلَّا فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ يَعْنِي أَبَاهُ فَأَجَابَ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَأَجَابَ الْقَاضِي الْقَابِسِيُّ بِأَنَّهُ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ يَمِينُ غَمُوسٍ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت إنْ كَانَ مَقْصِدُهُ أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ بَارٌّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ أَرَادَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجْرِي عَلَى الْيَمِينِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهُ كَالشَّكِّ وَالْوَهْمِ وَلِهَذَا قَالَ غَمُوسٌ، انْتَهَى. ص (بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ) ش: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَائِلِهِ وَقَوْلُهُ فَقَطْ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا قَالَ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الطَّلَاقِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فَلَا خِلَافَ كَمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ يَنْفَعُهُ بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِق إلَّا أَنَّ يُبَدِّلَ اللَّهُ مَا فِي خَاطِرِي] (مَسْأَلَةٌ نَازِلَةٌ) رَجُلٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يُبَدِّلَ اللَّهُ مَا فِي خَاطِرِي فَأَجَبْتُ بِأَنَّهَا كَمَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَالْمَشْهُورُ فِيهَا اللُّزُومُ بَلْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ وَأَشَرْتُ بِذَلِكَ لِكَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ. ص (أَوْ كَأَنْ لَمْ تَمْطُرْ السَّمَاءُ غَدًا) ش: اللَّخْمِيُّ وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ لِأَنَّ السَّمَاءَ لَا بُدَّ أَنْ تُمْطِرَ وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ تُمْطِرْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ عَمَّ أَوْ خَصَّ بَلَدًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تُمْطِرَ فِي زَمَنٍ مَا وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ أَجَلًا عَشْرَ سِنِينَ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ خَيْمَتُهُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْخَيْمَةُ فِي عُرْفِهِمْ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّوْجَةِ] (مَسْأَلَةٌ نَازِلَةٌ) وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا خَاصَمَ شَخْصًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا وَكَأَنَّهُ الْمَظْلُومُ خَيْمَتُهُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ لَمْ يُنْصِفُنِي اللَّهُ مِنْ فُلَانٍ فَمَكَثَ يَوْمَيْنِ وَنَحْوَهُمَا فَأَصَابَهُ مَرَضٌ فَقَتَلَهُ وَالْخَيْمَةُ فِي عُرْفِهِمْ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّوْجَةِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْحَلِفِ عَلَى الْغَيْبِ نَحْوُ إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَنْجُزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى وَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: يَلْزَمُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَلْزَمُهُ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَحُكِيَ عَنْ فَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ حَكَى الْقَوْلَيْنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ص (أَوْ يَحْلِفُ لِعَادَةٍ فَيُنْتَظَرُ) ش: كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ إنْ نَشَأَتْ بِحُرِّيَّةٍ فَتَشَاءَمَتْ

فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ كَثْرَةُ الْمَاءِ هَكَذَا جَاءَتْ مُصَغَّرَةً وَهُوَ مِنْ تَصْغِيرِ التَّعْظِيمِ، انْتَهَى. مِنْ بَابِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَعَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَيَكُونُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَفْتُوحَةٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِحُرِّيَّةٍ فَرَأَيْتُهُ مَضْبُوطًا بِالْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي تَشَاءَمَتْ الْعَائِدُ لِلسَّحَابَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ وَقَدْ وَرَدَ إذَا نَشَأَتْ السَّحَابَةُ مِنْ الْعَيْنِ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَالْغَدَقُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمَطَرُ الْكِبَارُ وَغَدَقٌ اسْمُ بِئْرٍ مَعْرُوفَةٍ فِي الْمَدِينَةِ، قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ ص (أَوْ بِمُحَرَّمٍ كَأَنْ لَمْ أَزْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ قَبْلَ التَّنْجِيزِ) ش: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنْجِيزَ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ) ش: قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَا لَا تَصِحُّ مَشِيئَتُهُ كَالْجَمَادَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ أَوْ يَنْشُدُ هَذَا الْحِمَارُ قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى. هَلْ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِرِ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ، انْتَهَى. ص (أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَةُ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ يَمِينِهِ أَوْ قَالَ لَهَا: إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ أَوْ الْحَائِطُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ يَمِينِهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إنْ عَلِمَ وَيُعَدُّ نَادِمًا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فُلَانٌ مَيِّتًا وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِمَوْتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ كَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فَإِنْ كَلَّمَهُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، انْتَهَى.

ص (أَوْ لَا يُشْبِهُ الْبُلُوغَ إلَيْهِ) ش: أَيْ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا مَعًا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَالْمُعْتَبَرُ الْأَعْمَارُ الَّتِي يَعْمُرُ إلَيْهَا الْمَفْقُودُ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ قَائِلَ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَوْ عَاشَ إلَى الْأَجَلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِثْلًا؛ لِأَنَّهُ حَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَلَّابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَالْأُخْرَى لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِحَالٍ، انْتَهَى. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ طَلَّقْتُكِ وَأَنَا صَبِيٌّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي تَرْجَمَةِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلَّقْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجُكِ أَوْ أَنَا صَبِيٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: وَأَنَا مَجْنُونٌ إنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ جُنُونٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِذَلِكَ بَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ فِي مَنَامِي أَوْ قَالَ: قَبْلَ أَنْ تُولَدِي فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، قَالَهُ سَحْنُونٌ وَقِيلَ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجُنُونِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا وَقِيلَ يُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ جُنُونٌ أَمْ لَا، قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَعَكْسُهُ وَقَيَّدَ الْمَغْرِبِيُّ قَوْلَهَا فِي الصَّبِيِّ بِمَا بَعْدَهُ، فَقَالَ: مَعْنَاهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ حَالَةَ الصِّبَا وَأَطْلَقَهَا الْأَكْثَرُ وَأَقَامَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْمُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّكُونِيُّ مِنْهَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ ذِرَاعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ يَلْزَمُهُ وَكَانَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِهِ وَذَكَرْتُهُ فِي دَرْسِ شَيْخِنَا ابْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: يُمْنَعُ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ يَجْرِي عَادَةُ النَّاسِ بِالْحَلِفِ بِالذِّرَاعِ فَلَا بُعْدَ مِنْهُ نَدَمًا اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ الْكَبِيرِ: قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلَّقْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، الشَّيْخُ، صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهَا: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْطَ التَّزْوِيجِ وَأَمَّا إنْ ذَكَرَهُ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَوْ وَأَنَا صَبِيٌّ، الشَّيْخُ، إنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي حَالِ الصِّبَا صَدَقَ فِيمَا قَالَ الْآنَ وَأَمَّا الصِّبَا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ قَوْلُهُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ جُنُونٌ وَكَذَلِكَ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ نَدِمَ وَقَوْلُهُ أَوْ مَجْنُونٌ اللَّخْمِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فِي حَالِ جُنُونِهِ، انْتَهَى. ص (أَوْ إنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ جَرَى فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ الْمَشْهُورَ وَلَا يَذْكُرَ الطُّرُقَ وَهُنَا ذَكَر طَرِيقَيْنِ الْأُولَى مِنْهُمَا هِيَ الَّتِي قَدَّمَهَا فِي قَوْلِهِ كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ إنْ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ لَمْ تَكُونِي وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَنْجُزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ بِصِيغَةِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَنَصُّهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ: إنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ تَلِدِي غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ نَحْوُ الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ إنْ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَفِي قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهَا طَالِقٌ مَكَانَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَالِاخْتِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ هِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا التَّوْضِيحُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْآنَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي عِيَاضٍ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهَا شَاكَّةٌ فِي حَالِهَا الْآنَ وَهَذَا الْخِلَافُ إنْ وَلَدَتْ جَارِيَةً وَإِذَا وَلَدَتْ جَارِيَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى تَلِدَ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُمْطِرَ وَكَذَا بَيِّنَةٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: فَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ عِيَاضٍ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى التَّفْسِيرِ وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ خِلَافٌ، انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إذَا حَمَلَتْ) ش:

الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ يَائِسَةً لَا تَحِيضُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَانْتَظَرَ إنْ أَثْبَتَ كَيَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبٍ يَثْبُتُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَقَعَ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إنْ قَدِمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَعْنَاهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ جَعْلَ قُدُومِهِ أَجَلًا فَإِنْ قَصَدَهُ طَلُقَتْ الْآنَ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الْوَقْتِ فَأَمَّا إنْ كَانَ مُرَادُهُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الْوَقْتِ وَذِكْرِ الْأَمْرِ الْمُوَقَّتِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى وَقْتٍ، وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّوَادِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ لَوْ قَدِمَ بِفُلَانٍ مَيِّتًا فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهَا إذَا قَدِمَ فُلَانٌ، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ، وَقَالَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَيِّتًا فَالرِّوَايَاتُ الْحِنْثُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ أَبِي، انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي تَرْجَمَةِ جَامِعِ الْقَوْلِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ تَبَيَّنَ الْوُقُوعَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَلَوْ قَدِمَ لَيْلًا لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْقُدُومِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ جَامِعِ الْقَوْلِ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ حَلَفَ عَلَى اللَّيْلِ فَدَخَلَهَا نَهَارًا دُونَ لَيْلٍ أَوْ لَيْلًا دُونَ نَهَارٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. مَعَ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَانْظُرْ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ أَيْضًا مَعَ مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مُشَبِّهًا مَسْأَلَةً بِمَسْأَلَةٍ وَنَصُّهُ وَكَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ مِنْ سَفَرِهِ فَقَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَوْمَ الْوَقْتُ وَإِطْلَاقُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى الْوَقْتِ مَجَازٌ وَالْوَقْتُ هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَلِهَذَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كَلَامِ الشَّعْبِيِّ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَوْمَ تَلِدُ فُلَانَةُ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَيْلَةَ أَنْ تَلِدَ فُلَانَةُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ وَلَدَتْ نَهَارًا عَتَقَ الْأَوَّلُ وَإِنْ وَلَدَتْ لَيْلًا عَتَقَا مَعًا لِأَنَّ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ الْبُرْزُلِيُّ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْيَوْمِ وَهُوَ كَمَالُ دَوْرَةِ الْفَلَكِ إمَّا مِنْ الطُّلُوعِ لِلطُّلُوعِ أَوْ مِنْ الْغُرُوبِ لِلْغُرُوبِ أَوْ مِنْ الزَّوَالِ لِلزَّوَالِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ الْمُغَايِرَةُ مِنْ قَوْلِهِ: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7] وَالْأَيْمَانُ تُحْمَلُ عَلَى الْمَقَاصِدِ أَوْ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ اللَّيْلَ يَسْتَلْزِمُ النَّهَارَ دُونَ

الْعَكْسِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ مِثْلُ إنْ شَاءَ زَيْدٌ) ش: هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَنَصُّهُ فَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَمِثْلُ إنْ شَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَشَاءَ زَيْدٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِمَا مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَأَرَى فِي الشَّاذِّ لُزُومَ الطَّلَاقِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ اقْتَضَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ رَفْعَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَالطَّلَاقُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِيهَا مَشْرُوطٌ بِالْمَشِيئَةِ وَمِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا وَقَعَ لِأَصْبَغَ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي أَبِي فَمَنَعَهُ أَبُوهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِإِرَادَةِ أَبِيهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّعْلِيقَ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي أَبِي فَمَنَعَهُ أَبُوهُ لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي فَلَمْ يَشَأْ أَبُوهُ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ هِيَ طَالِقٌ إنْ شَاءَ أَبِي فَلَمْ يَشَأْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: تَشْبِيهُ أَصْبَغَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي أَبِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ صَحِيحٌ وَأَمَّا قِيَاسُهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبُوهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ أَبِي طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ مَشِيئَةِ أَبِيهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبُوهُ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ ضَرَبَ أَبُوهُ غُلَامَهُ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ إنَّمَا هُوَ طَلَاقٌ قَيَّدَ حِلَّهُ عَنْهُ بِمَشِيئَةِ أَبِيهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ قَوْلِهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا وَلَا مَشِيئَةَ لِأَبِيهِ فِي أَنْ لَا تَكُونَ طَالِقًا إذَا كَانَ هُوَ قَدْ طَلَّقَهَا فَقَوْلُهُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَاقُ بِمَا اسْتَثْنَى مِنْ مَشِيئَةِ أَبِيهِ كَمَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ لَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ أَبِي غُلَامَهُ أَوْ يَدْخُلَ الدَّارَ وَهَذَا بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي أَبِي مِنْ ذَلِكَ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ شَاءَ أَبِي إذْ لَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ اللَّفْظُ لِكَوْنِهِ ضِدَّ مُقْتَضَاهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ أَرَدْتُ ذَلِكَ فَيَنْوِيَ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَلَا يَصِحُّ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَنْوِي فِي ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تُحْمَلَ يَمِينُهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ إنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي أَوْ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي أَبِي لَغْوًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِقَائِلِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إنْ شَاءَ أَبِي إذْ لَا تُفَرِّقُ الْعَوَامُّ وَالْجُهَّالُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ الْجَاهِلُ عَلَى أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ بِأَحْسَنَ حَالًا مِنْ الْعِلْمِ فِي الطَّلَاقِ فَقَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ضَعِيفٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَظْهَرُ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَا أُلْزِمُ نَفْسِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي فَيَكُونَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَبِي وَإِلَى هَذَا نَحَا أَصْبَغُ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ امْرَأَتَهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ أَوْ يَتَلَوَّمُ لَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ تَحْتَمِلُهَا الْمَسْأَلَةُ فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ أَحَدَهَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ يَمِينُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيُخْتَلَفُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْهَا تُحْمَلُ يَمِينُهُ، انْتَهَى. (قُلْت) أَمَّا إذَا قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَاتِ هُوَ الثَّانِي كَمَا قَالَ أَصْبَغُ وَأَمَّا إذَا قَالَ: إلَّا أَنْ يَضْرِبَ أَبِي غُلَامَهُ أَوْ يَدْخُلَ الدَّارَ فَأَظْهَرُهَا الثَّالِثُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ ص (بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجْهُ تَفْرِقَتِهِ أَنَّ الرَّافِعَ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي هُوَ الْمَوْقِعُ فَكَانَ تَلَاعُبًا وَالرَّافِعُ فِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ غَيْرَهُ فَأَشْبَهَ كَوْنَهُ تَفْوِيضًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنْ يَشَاءَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ حَالَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بَعْدَ وُقُوعِ

فرع قال لزوجته إن لم أحبلك فأنت طالق

الطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُهُ تَعَلُّقُهُ بِالْحَالِ فَوَجَبَ (قُلْتُ) فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ لِصِحَّةِ حَمْلِ إنْ أَشَاءُ عَلَى إنْ شِئْت وَالْمَنْصُوصُ فِي إنْ شِئْت حَمْلُ إنْ أَشَأْ عَلَى إنْ شِئْت وَالْمَنْصُوصُ فِي إنْ شِئْت عَدَمُ اللُّزُومِ وَفِي إلَّا إنْ أَشَأْ اللُّزُومَ، انْتَهَى. (قُلْت) مَا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ مَعْنَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْفَرْقُ لِلْأَشْهَرِ قُوَّةُ التُّهْمَةِ فِي إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ احْتِمَالَاتِ ابْنِ رُشْدٍ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي إلَّا أَنْ أَشَاءُ مِثْلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِمَا قُلْنَا أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَوْ يَبْدُوَ لِي أَنَّهُ طَلَاقٌ قَيَّدَ حِلَّهُ بِمَشِيئَتِهِ أَوْ إرَادَتِهِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ فِيهِ أَنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت عَدَمُ اللُّزُومِ، قَالَهُ فِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى مَا شَاءَ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَمْ يُذْكَرْ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ فِي الْكِتَابِ إلَّا هُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي اسْتِثْنَاءٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ لَا يَنْفَعُهُ وَقَوْلُهُ إنْ شِئْت تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِوُقُوعِ الصِّفَةِ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا مَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ التَّهْذِيبِ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت بِكَسْرِ التَّاءِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ كَأَنْ لَمْ يُقَدِّمْ مُنِعَ مِنْهَا) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ أَوْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَ الْبِرِّ إذْ لَا يُطَلِّقُ مَيِّتَةً وَلَا يُوصِي مَيِّتٌ بِطَلَاقٍ، انْتَهَى. ص (لَا إنْ لَمْ أُحَبِّلْهَا) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ إذَا حَمَلَتْ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ. [فَرْعٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ أُحَبِّلْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ، قَالَ أَشْهَبُ: وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ أُحَبِّلْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَطَؤُهَا أَبَدًا حَتَّى تَقْعُدَ عَنْ الْحَمْلِ وَيُؤْيِسُ مِنْهُ لَهَا، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقًا أَوْ لَا فِي كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَيْسَ وَقْتَ سَفَرٍ تَأْوِيلَانِ) ش

يَعْنِي إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ قَبْلَ وَقْتِهِ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الْآنَ أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ. ص (إلَّا إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ مُطْلَقًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ) ش: أَيْ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا إشْكَالَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ عِيَاضٌ فَإِنْ اجْتَرَأَ أَوْ وَطِئَ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَاسْتُؤْنِفَ لَهُ ضَرْبُ الْأَجَلِ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ مَتَى جَازَ لَهُ تَطْلِيقُهَا وَمُرَاجَعَتُهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي مَنْعِ الْوَطْءِ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ. ص (وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إلَى آخِرِهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ الْآنَ لَغْوٌ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ هِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ أَوْ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَيُتَلَوَّمُ لَهُ قَوْلَانِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَيُفْصَلُ فِيهِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ يَنْجُزُ الطَّلَاقُ وَهَذَا الَّذِي مَالَ إلَيْهِ فِي تَوْضِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ الْبَحْثِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ وَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُزُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُحَرَّمًا أَمْ لَا وَتَبِعَهُ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ، فَقَالَ: وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لَمْ يَنْجُزْ مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يَقَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَفِي تَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَتَلَوَّمُ لَهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْأَجَلِ وَنَصُّهُ وَمَنْ قَالَ: لِأَمَتِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلِي أَنْتِ الدَّارَ أَوْ تَفْعَلِي كَذَا فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ: إنْ لَمْ يَفْعَلْ فُلَانٌ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ وَزَوْجَتِي طَالِقٌ مُنِعَ

مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَطْءِ وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ فِي هَذَا أَجَلُ الْإِيلَاءِ فِي الْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يُضْرَبُ لَهُ ذَلِكَ فِي يَمِينِهِ لَيَفْعَلَنَّ هُوَ فَأَمَّا هَذَا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَتَلَوَّمُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْأَجَلِ فِي تَأْخِيرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَتُوقَفُ لِذَلِكَ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ وَالْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَطَلَّقَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إكْرَاهَ الْأَمَةِ عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ دُخُولِ دَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ إكْرَاهُهَا وَيَبَرُّ وَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ فِي التَّلَوُّمِ مَاتَ عَلَى حِنْثٍ وَعَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي الثُّلُثِ وَتَرِثُهُ الزَّوْجَةُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْحِنْثَ وَقَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إكْرَاهَ الْأَمَةِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اهـ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنَّمَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا وَيَتَلَوَّمُ لَهُ الْقَاضِي ثُمَّ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْكِ الْقَرَوِيُّونَ غَيْرَهُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْخِلَافَ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْت صُدِّقَ بِيَمِينٍ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْمَسْأَلَةَ: وَانْظُرْ إذَا نَكَلَ هَلْ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي إقَامَةِ شَاهِدٍ عَلَى الطَّلَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إقْرَارَهُ أَسَدُّ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِفِعْلٍ بَلْ الْحُكْمُ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَلَوْ قَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَكَانَ أَوْضَحَ وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَاهُ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا فِي رَسْمِ يَشْتَرِي الدُّورَ وَالْمَزَارِعَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَسَائِلَ وَنَصُّهَا: وَقَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: إنِّي حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا فَجَاءَ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ حَضَرُوهُ يُكَلِّمُ ذَلِكَ الرَّجُلَ بَعْدَ مَا كَانَ أَقَرَّ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ، فَقَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُ حَلَفْتُ وَمَا كَانَ الَّذِي قُلْت إلَّا كِذْبَةٌ كَذَبْتُهَا وَلَقَدْ كَلَّمْتُ فُلَانًا وَمَا عَلَيَّ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنْ لَا أُكَلِّمَهُ، قَالَ: يَحْنَثُ وَلَا يُدَيَّنُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالْيَمِينِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ حَلَفَ بِهَا أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ، قَالَ وَمَنْ قَالَ: لَقَدْ كَلَّمْتُ فُلَانًا الْيَوْمَ أَوْ أَتَيْتُ فُلَانًا أَوْ أَكَلْتُ طَعَامَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ عُوتِبَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، فَقَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مِمَّا كَانَ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فَعَلَهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَبَ أَوْ لَا ثُمَّ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ فَعَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ فَيَحْنَثُ أَوْ يُقِرُّ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فَعَلَهُ فَيَلْزَمُ الْحِنْثَ أَيْضًا بِإِقْرَارِهِ، قَالَ: وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا يُنْكِرُهُ، فَقَالَ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ: امْرَأَتُهُ طَالِقُ إنْ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزُورٍ وَمَا كَانَ لِفُلَانٍ قِبَلِي شَيْءٌ وَمَا فَعَلْتُ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ وَإِلَّا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي شَهَادَتِهِمْ وَتُحْبَسُ امْرَأَتُهُ فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ تَصْدِيقِ الشُّهَدَاءِ أَوْ جَاءَ شُهَدَاءُ آخَرُونَ يَشْهَدُونَ عَلَى تَصْدِيقِ شَهَادَةِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ حَلَفَ بِتَكْذِيبِهِمْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا أَوْ إنْ كَانَ كَلَّمَ الْيَوْمَ فُلَانًا فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ كَلَّمَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَإِنَّ الْحِنْثَ يَلْزَمُهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا صِحَاحٌ وَأَصْلُهَا فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا وَتَكَرَّرَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَلَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَتَلْخِيصُهَا أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفِعْلِ بِالطَّلَاقِ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفِعْلِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ عَلَيْهِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ أَوْ الشَّهَادَةِ بِهِ عَلَى الْيَمِينِ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْيَمِينُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ الْفِعْلُ عَلَى الْيَمِينِ هُوَ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَقَدَّمَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَقَدْ لَزِمَ حُكْمُهُ وَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي إبْطَالِهِ وَإِذَا تَقَدَّمَ الْفِعْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلْيَمِينِ بِتَكْذِيبِ ذَلِكَ حُكْمٌ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْحَالِفُ إلَى إيجَابِ حُكْمِ الطَّلَاقِ الَّذِي حَلَفَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى تَحْقِيقِ نَفْيِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، انْتَهَى.

وَانْظُرْ كَلَامَ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَكَلَامَ النَّوَادِرِ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مَسْأَلَةً وَهِيَ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا لَكَ عِنْدِي حَقٌّ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي بِالطَّلَاقِ أَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ عِنْدَك وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَيَدِينُ وَهَلْ يَحْلِفُ أَوْ لَا يَحْلِفُ قَوْلَانِ اهـ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَفِي رَسْمِ تَسَلَّفَ فِي الْمُبْتَاعِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: وَهَذَا إذَا طُولِبَ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ أَمَّا إنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَلَا وَجْهَ لِلْيَمِينِ وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي رَجُلٍ أَمَرَ غَرِيمَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا لَهُ عَلَيْهِ إلَى وَكِيلِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ، فَقَالَ: دَفَعْته إلَى وَكِيلِك، فَقَالَ: كَتَبَ إلَيَّ وَكِيلِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْك شَيْئًا، فَقَالَ الْغَرِيمُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ كُنْتُ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِ حَقَّهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْتَ دَفَعْتَ إلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: أَمَّا الْمَطْلُوبُ فَيَنْوِي فِي يَمِينِهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَقِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الدَّفْعِ وَأَمَّا الطَّالِبُ فَحَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى غَيْبٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ امْرَأَتَهُ عِنْدَهُ وَقَدْ بَانَ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، انْتَهَى. مِنْ حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: مَسْأَلَةٌ، قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يَضْرِبْهَا كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولَ غُلَامِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَأْتِي الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ يَدَّعِيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُمَا وَيَقُولُ الرَّجُلُ قَدْ ضَرَبْتُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ وَيُصَدَّقُ وَيَحْلِفُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْحُقُوقِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ يَقْضِ الرَّجُلَ حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ فَحَلَّ الْأَجَلُ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَضَاهُ، قَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَضْرِبَنَّهَا إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ضَرَبَ قَبْلَ الْأَجَلِ لِأَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ وَالسَّيِّدِ عَبْدَهُ لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُمَا تَسْأَلُهُ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ فَيُتَوَثَّقُ بِالْيَمِينِ مِنْ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى تَأْدِيبِهِ وَلَعَلَّهُ ضَرْبُ عَدَاءٍ فَلَا يَسُوغُ لِلشَّاهِدَيْنِ اسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَحْضُرَ لِيَشْهَدَ بِهِ، قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ بِادِّعَاءِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ وَجَهِلَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ حَتَّى يَدَّعُوا أَنَّهُ قَدْ ضَرَبَهُ فَيَنْزِلُوا مَنْزِلَةَ السَّيِّدِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ يَقْضِ رَجُلًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ فَحَلَّ الْأَجَلُ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَضَاهُ وَزَعَمَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ وَأَنَّهُ قَدْ حَنِثَ فِيهَا بِطَلَاقِ الْبَتَاتِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ يَحْلِفُ وَيَبَرُّ مِنْ الْحِنْثِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى ضَرْبِ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْقَبْضَ حَلَفَ وَأَخَذَ حَقَّهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ زِيَادٍ عَنْهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْيَمِينِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحِنْثِ بِمَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ إقْرَارِ صَاحِبِ الْحَقِّ بِقَبْضِهِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحِنْثِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَتُهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ عَنْ مَالِكٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ يَبْرَأُ أَيْضًا بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا كَانَ مَأْمُونًا لَا يُتَّهَمُ أَنْ يَطَأَ حَرَامًا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْوَاضِحَةِ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَزَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَمِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ عَلَى أَصْلِ

مسألة من نزلت به يمين في امرأته

الْيَمِينِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِالْيَمِينِ لَمَّا رُوجِعَ فِيهَا وَطُلِبَ بِهَا فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ لَقَدْ قَضَاهُ حَقَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحِنْثِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ إذَا لَمْ يُقِرَّ صَاحِبُهُ بِقَبْضِهِ وَلَا شُهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ ابْنُ دَحُونٍ إلَى أَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ كَقِيَامِهَا عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ لَا تَأْثِيرَ لَهَا بِوُجُوبِ الطَّلَاقِ فَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْيَمِينَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهَا بَيِّنَةٌ لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ وَلَوْ أَنْكَرَ الْيَمِينَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْحَقَّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالْيَمِينِ أَقَامَ هُوَ بَيِّنَةٌ عَلَى دَفْعِ الْحَقِّ قَبْلَ الْأَجَلِ قُبِلَتْ مِنْهُ بَيِّنَتُهُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَائِمٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ يَمِينٌ فِي امْرَأَتِهِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ نَزَلَتْ بِهِ يَمِينٌ فِي امْرَأَتِهِ فَأَفْتَى بِأَنْ قَدْ بَانَتْ، فَقَالَ لَهَا وَلِلنَّاسِ قَدْ بَانَتْ مِنِّي ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا يَنْفَعُهُ وَأَرَاهَا قَدْ بَانَتْ إذَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ أَيْضًا وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: إنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ يُخْبَرُ بِمَا قِيلَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذَا إنْ كَانَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ خَطَأً مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَمُفْتِيهِ بِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَالطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَى هَذَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَتَى مُسْتَفْتِيًا وَأَمَّا إنْ حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ بِقَوْلِهِ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ إقْرَارِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ فَكَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ مَا أَفْتَى بِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَمُفْتِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَالطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ وَبَقِيَ قِسْمٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَمُفْتِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مُفْتِيهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّرْجِيحِ وَأَفْتَاهُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلًا فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَبَانَتْ) ش: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي مَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ شَرْطَيْنِ

الْأَوَّلُ أَنْ تَسْمَعَ إقْرَارَهُ الثَّانِيَ أَنْ تَبِينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَحَدٌ مِنْ شُرُوحِهِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مَعْنَى الشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَبَانَتْ وَكَذَلِكَ شَارِحَا ابْنِ الْحَاجِبِ أَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَابْنَ عَبْدَ السَّلَامِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ وَنَصُّهُ وَلَا يَسَعُ زَوْجَتَهُ إنْ عَلِمَتْ إقْرَارَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إلَّا كَرْهًا إنْ بَانَتْ كَمَنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا، انْتَهَى. وَلَمْ يُنَبِّهَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ بَانَتْ ثُمَّ إنِّي وَقَفْتُ عَلَى شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَذَكَرَ بَعْضَ شَيْءٍ وَنَصُّهُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَمْ يَسَعْ امْرَأَتَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بِالثَّلَاثِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ بَانَتْ وَتَرْفَعُهُ لِلْحَاكِمِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ بَيِّنَةً وَلَا سُلْطَانًا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بِالثَّلَاثِ لَمْ أَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ شُرَّاحِهَا بَعْدَ النَّظَرِ فِي ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَابْنِ نَاجِي وَالرَّجْرَاجِيِّ وَالتَّنْبِيهَاتِ وَالنُّكَتِ وَحَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ مَسْأَلَةً وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ شَهِدَ عَلَى زَوْجِهَا شَاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ وَهِيَ تَعْلَمُ زُورَهُمَا هَلْ يُبَاحُ لَهَا التَّزْوِيجُ أَمْ لَا فَأَجَابَ هَذَا لَا يُعْرَفُ أَبَدًا إلَّا عَلَى وَجْهِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَتَعْلَمُ هِيَ أَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَنْبَغِي إنْ كَانَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ. الْبُرْزُلِيُّ. وَعَكْسُهُ تَعْلَمُ تَحْقِيقًا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بُطْلَانَ شَهَادَتِهِمْ وَقَدْ وَقَعَتْ وَأَفْتَى فِيهَا شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الشَّبِيبِيُّ وَقَدْ كَانَتْ مُنِعَتْ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَوَّرَ عَلَيْهَا وَيَطَأَهَا إذَا خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ وَصَدَّقَتْهُ وَهِيَ عِنْدِي تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ وَهُوَ فِي الْحَاضِرَةِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إذَا خَفِيَ لَهُ وَعَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ جُحِدَ لَهُ مَالٌ فَظَفِرَ بِمَالٍ لِلْجَاحِدِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَمْ لَا أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ فَجَائِزٌ وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلُ الْفَقِيرِ يَقْدِرُ عَلَى أَمْوَالِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ بِالتَّسَتُّرِ وَالسَّرِقَةِ فَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ يُبِيحُ لِلْفُقَرَاءِ أَخْذَ أَمْوَالِ الظَّلَمَةِ كَيْفَمَا تَأَتَّى وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً خَشْيَةَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ فَيُدْرِكَهُ الضَّرَرُ هَذَا الَّذِي شَافَهْتُهُ مِنْهُ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ لَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَطْعَ أُبِيحَتْ لَهُ الْمَيْتَةُ وَإِلَّا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَأَمَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَهَلْ يَنْفَعُهُ الْجَحْدُ أَمْ لَا فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الشَّرْحِ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَكْثَرَهَا حَيْثُ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ آخِرِ الْوَدِيعَةِ، انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُخَرَّجِ عَلَيْهَا وَالْإِجْرَاءُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُفْطِرُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ ظَاهِرًا وَلَا خُفْيَةً وَإِنْ أَمِنَ الظُّهُورَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيّ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ يَشْهَدُ عَلَيْهِمَا شَاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالزَّوْجَانِ يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَقَدْ قِيلَ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَهَا خُفْيَةً فَالْأَكْلُ مِثْلُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّخَفِّي فِي الْأَكْلِ أَكْثَرُ مِنْ الْجِمَاعِ، انْتَهَى. ص (وَأَمَرَ بِالْفِرَاقِ فِي إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي) ش: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: هُوَ رُبَاعِيٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ أُبْغِضُ فِي اللَّهِ وَأُحِبُّ فِي اللَّهِ، انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا قَالَهُ بَعْدَ هَذِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: دَخَلْت فَكَذَّبَهَا ثُمَّ قَالَتْ: كُنْتُ كَاذِبَةً أَوْ لَمْ تَقُلْ فَإِنَّهُ يُؤْمَرْ بِفِرَاقِهَا وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ صَدَّقَهَا أَوَّلًا لَزِمَهُ الْفِرَاقُ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ إقْرَارِهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَتَمْتِينِي أَوْ كَذَّبْتِينِي لِشَيْءٍ سَأَلَهَا عَنْهُ فَتُخْبِرُهُ فَلَا يَدْرِي أَكَتَمَتْهُ أَمْ كَذَبَتْهُ فَلْيُفَارِقْهَا بِلَا قَضَاءٍ، انْتَهَى. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا قَالَهُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، قَالَ أَصْبَغُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ كَنْتِ حَائِضًا، قَالَتْ: أَنَا حَائِضٌ، قَالَ:

أَرَى أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَتْ: لَسْتُ حَائِضًا أَرَى أَنْ لَا يُصَدِّقَهَا وَلَا يَقْبَلَ مِنْهَا وَلَا يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ وَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ شَكٌّ لَا يَدْرِي مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا أَصَادِقَةٌ هِيَ أَمْ كَاذِبَةٌ فَلَا يُقِيمُ عَلَى الشَّكِّ إلَّا أَنْ يَنْكَشِفَ لَهُ ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ يُقْبَلُ عَلَيْهَا وَيَقَعُ عَلَى يَقِينِهَا بِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ وَلَا يُقِيمُ عَلَى الشَّكِّ يُرِيدُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ هَذَا مَذْهَبُ أَصْبَغَ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ مِمَّا يَحْلِفُ الْحَالِفُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا قَدْ مَضَى فَيَكُونُ الشَّكُّ فِيهِ قَائِمًا إذْ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَدْرِي هَلْ صَدَقَتْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْتِ تَبْغُضِينِي أَوْ إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي فَتَقُولُ أَنَا أُحِبُّكَ وَتُخْبِرُهُ وَتَزْعُمُ أَنَّهَا قَدْ صَدَقَتْهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى مِثْلَ هَذَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْتُ أُحِبُّ طَلَاقَكِ وَهُوَ يُحِبُّهُ بِقَلْبِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِالْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَوْلُهُ وَبِالْأَيْمَانِ مَعْطُوفٌ عَلَى بِالْفِرَاقِ بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي كَذَا أَوْ فِي كَذَا أَوْ بِإِنْفَاذِ الْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا، انْتَهَى. وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحَانِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَهُمَا يُجْبَرُ فِيهَا عَلَى الْفِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَاهُ أَشَارَ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ يَمِينٍ فِي الطَّلَاقِ لَا يَعْلَمُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ فِيهَا بَارٌّ فَهُوَ حَانِثٌ، قَالَ ابْنُ نَاجِي، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يَعْنِي يَشُكُّ احْتِرَازًا مِنْ الْوَهْمِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ خَلِيلٌ: لَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ إذَا ظَنَّ الْبِرَّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَوْ يَكُونُ أَخَفَّ فَقَالَ بِالْجَبْرِ مَعَ الشَّكِّ يُؤْمَرُ هَاهُنَا مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ لَا يُؤْمَرُ هُنَا بِشَيْءٍ، انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَعَلَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَدْرِ بِمَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَلْيُطَلِّقْ نِسَاءَهُ وَيَعْتِقْ رَقِيقَهُ وَيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِ إلَى مَكَّةَ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَمْ يَذْكُرْ كَمْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَلَا كَمْ يَمْشِي إلَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ لَا يَتَنَاوَلُ عَدَدًا قَائِمًا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَشْيُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ، انْتَهَى. ابْنُ نَاجِي فَهِمَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ قَوْلَهَا يُؤْمَرُ عَلَى اللُّزُومِ وُجُوبًا وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْجَبْرِ فَقَطْ وَفَهِمَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ لِقَرِينَةِ قَوْلِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إنَّمَا قَالَ: وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ هَلْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ حَلَفَ بِصَدَقَةٍ أَمْ لَا فَلْيُخْرِجْ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مُدًّا أَوْ دِرْهَمًا، انْتَهَى. وَعَلَى مَا حَمَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ تَكُونُ عِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ مَا شَكَّ فِي حَلِفِهِ بِهِ لَا مَا اعْتَادَ الْحَالِفُ بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ سُئِلْتُ عَمَّنْ جَزَمَ أَنَّهُ

مسألة له أربع زوجات رأي إحداهن مشرفة من طاقة فقال لها إن لم أطلقك فصواحبك طوالق

طَلَّقَ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَشَكَّ هَلْ تَلَفَّظَ بِذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَبْتُ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الْمَشْهُورِينَ فَلَا شَكَّ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ شَكَّ أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. [مَسْأَلَةٌ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ رَأْي إحْدَاهُنَّ مُشْرِفَةً مِنْ طَاقَةٍ فَقَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَصَوَاحِبُكِ طَوَالِقُ] (مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ) وَقَعَتْ لِابْنِ عَرَفَةَ وَالْأَبِيِّ وَهِيَ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ رَأْي إحْدَى زَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعَ مُشْرِفَةً مِنْ طَاقَةٍ، فَقَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَصَوَاحِبُكِ طَوَالِقُ فَرَدَّتْ رَأْسَهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا بِعَيْنِهَا وَأَنْكَرَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُشْرِفَةُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلَاقُ الْأَرْبَعِ وَكَانَ ذَلِكَ بِحُضُورِ الْأَبِيِّ، فَقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ وَتَبْقَى الرَّابِعَةُ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُشْرِفَةُ فَقَدْ طَلَّقَ صَوَاحِبَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُشْرِفَةُ إحْدَى الثَّلَاثِ اللَّاتِي طُلِّقْنَ فَلَا حِنْثَ فِي الَّتِي تَحْتَهُ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، قَالَ: إنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَالِدُهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ غَفَرَ اللَّهُ لِلْجَمِيعِ بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ آمِينَ. ص (أَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ) ش: قَالَ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: إحْدَى نِسَائِي أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِي طَالِقٌ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ حَنِثَ بِهَا فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً طَلُقَتْ الَّتِي نَوَى خَاصَّةً وَصَدَقَ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا أَوْ نَوَاهَا وَنَسِيَهَا طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ طَلَاقٍ فَإِنْ جَحَدَ فَشُهِدَ عَلَيْهِ كَانَ كَمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي قَوْلُهُ صَدَقَ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا ظَاهِرُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، قَالَهُ الْمَغْرِبِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي يَمِينِهِ وَأَرَى إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ فُلَانَةَ وَكَانَ كَلَامُهُ نَسَقًا صُدِّقَ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسَقًا وَكَانَتْ مُنَازَعَتُهُ مَعَهَا صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ مُنَازَعَةٌ فَإِنْ عَيَّنَ الْحَسْنَاءَ أَوْ الَّتِي يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهَا لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ عَيَّنَ الْأُخْرَى حَلَفَ وَقَوْلُهُ طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ هَذَا قَوْلُ الْمِصْرِيِّينَ، وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ يَخْتَارُ كَالْعِتْقِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ نَاجِي. (تَنْبِيهٌ) وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ثُمَّ أَتَى مُسْتَفْتِيًا وَقَالَ أَرَدْتُ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ الْحَبْسِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: نِسَائِي طَوَالِقُ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ثُمَّ أَتَى مُسْتَفْتِيًا وَقَالَ: أَرَدْتُ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقُ الرَّابِعَةِ الَّتِي قَالَ إنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ نِسَائِي طَوَالِقُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَهُنَّ لِنَصِّهِ عَلَى جَمِيعِهِنَّ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَدْ اسْتَثْنَيْتُ فَقُلْت إلَّا فُلَانَةَ أَوْ نَوَيْت إلَّا فُلَانَةَ فَيُصَدَّقُ إذَا أَتَى مُسْتَفْتِيًا عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا دُونَ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ إنْ كَانَ قَالَ: نَوَيْتُ إلَّا فُلَانَةَ، انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُفِيدُ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَ وَاحِدَةً فِي يَمِينِهِ أَوْ لَا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُحَاشَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ أَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَلَا يَعْلَمُ لَهُ الْحَاضِرُونَ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّ لَهُ امْرَأَتَيْنِ وَأَنَّهُ أَرَادَ الثَّانِيَةَ وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ قَبْلَ تَرْجَمَةِ مَنْ قَالَ: جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَسَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَمِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَحِلَّ مَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي رَسْمِ الصُّبْرَةِ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ غُلَامُهُ حُرٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ قِيلَ إنَّهُ يُخَيَّرُ فَيُقَالُ لَهُ أَوْجِبْ حِنْثًا فِي أَيِّهِمَا شِئْت فَأَعْتِقْ الْعَبْدَ وَإِنْ شِئْت فَطَلِّقْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ مَوْضُوعَ أَوْ فِي اللِّسَانِ الْمَاضِي الشَّكُّ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ التَّخْيِيرُ فَوَجَبَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ غُلَامِي حُرٌّ إنْ فَعَلْتَ كَذَا فَيَفْعَلُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَلَا خِيَارَ لِي فِي ذَلِكَ أَوْ يُرِيدَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ الْغُلَامِ وَطَلَاقُ الْمَرْأَةِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ غُلَامُهُ

فروع الأول رجل حلف أن لا ينفق على امرأته حتى تستأذن عليه

حُرٌّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا سَمَّاهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: تَرِثُهُ امْرَأَتُهُ وَيُعْتَقُ الْغُلَامُ فِي ثُلُثِهِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا هُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَهُ الْمَرْأَةُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ وَأَنْ يُعْتَقَ الْغُلَامُ فِي الثُّلُثِ عَلَى حُكْمِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ احْتِيَاطًا لِلْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ فِي حَيَاتِهِ لَخُيِّرَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ إذْ قَدْ اسْتَثْنَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا وَقَعَ عَلَى نَفْسِهِ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْعِتْقَ إذْ لَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ وَرَثَتَهُ يَنْزِلُونَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي التَّخْيِيرِ مَنْزِلَتَهُ فِي حَيَاتِهِ لَكَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْعِتْقُ لَا يَكُونُ إلَّا بِيَقِينٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ (قُلْت) هَذَا وَهْمٌ لِأَنَّ لَازِمَ تَخْيِيرِهِ هُوَ إيقَاعُهُ الطَّلَاقَ بَدَلَ الْعِتْقِ وَهَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْتَنِعٌ وَالْأَصْلُ فِي الْفِقْهِ وَالْبُرْهَانِ أَنَّ انْتِفَاءَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ فِيهِمَا مُوجِبٌ تَعَيُّنَ الْآخَرِ كَتَعَذُّرِ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ يُوجِبُ الْإِطْعَامَ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ انْتِفَاءُ أَحَدِ جُزْأَيْ الْحَقِيقَةِ الْمُنْفَصِلَةِ يُنْتِجُ ثُبُوتَ الْآخَرِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَصُدِّقَ إنْ ذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (مَسْأَلَةٌ) إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ فَادَّعَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ وَأَنْكَرَ، قَالَهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ فِي هَذِهِ أَيْضًا إنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ بِالْحَلِفِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَهِيَ أَحْرَى مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ أَكْثَرُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا إنَّ شَهَادَةَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا تَجُوزُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ فَحَلَفَ الْآخَرُ لَا دَخَلْت حَنِثَ الْأَوَّلُ) ش: قَوْلُهُ حَنِثَ الْأَوَّلُ أَيْ صَانِعُ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَيْسَ بِيَدِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: حَنِثَ الصَّانِعُ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هَذَا الثَّانِي فِي الْحَلِفِ كَمَا لَوْ سَأَلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ إنْسَانًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ أَوْ يَأْكُلَ طَعَامَهُ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَوْ لَا يَأْكُلُ فَحَلَفَ صَاحِبُ الطَّعَامِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ أَوْ يَأْكُلَ فَإِنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يَحْنَثُ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ رَأَى الْمَسْأَلَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَحْرَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ] (فُرُوعٌ. الْأَوَّلُ) قَالَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ يَعْنِي تَرْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي، وَقَالَ: أَنْتِ حَرَامٌ إنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْكِ حَتَّى تَسْتَأْذِنِي عَلَيَّ، وَقَالَتْ هِيَ مَالِي صَدَقَةٌ إنْ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيْكَ، قَالَ مَالِكٌ: الْيَمِينُ عَلَيْهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تُقِيمَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَتْ فَإِنْ اسْتَأْذَنَتْ فَلْتُخْرِجْ ثُلُثَ مَالِهَا فَتَتَصَدَّقْ بِهِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ اسْتَأْذَنَتْ فَهَلْ عَلَى زَوْجِهَا بَأْسٌ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ قُوتِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ اسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ عَلَى الْأَفْضَلِ إذْ لَيْسَ مِمَّا يُسْتَأْذَنُ عَلَيْهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَفْضَلِ، انْتَهَى. [الفرع الثَّانِي حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَتَفْعَلِنَّ شَيْئًا وَحَلَفَتْ أَلَّا تَفْعَلَهُ] (الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ: وَسُئِلَ أَبُو الْحَجَّاجِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَمَّنْ لَهُ حُلِيٌّ وَثِيَابٌ فَكَسَاهُمَا زَوْجَتَهُ ثُمَّ شَاجَرَهَا فَأَزَالَهُمَا ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ثُمَّ شَاجَرَهَا فَأَزَالَهُمَا ثُمَّ أَعَادَهُمَا وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَحَلَفَتْ بِصَوْمِ الْعَامِ لَا لَبِسَتْهُمَا وَحَلَفَ هُوَ بِالطَّلَاقِ لَتَلْبَسِنَّهُمَا فَمَنْ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ مِنْهُمَا وَهَلْ يَلْزَمُهَا إنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ تَحْنَثُ بِهَذَا الْإِكْرَاهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَأَرَى أَنْ لَا يَمْنَعَهَا مِنْ الصَّوْمِ، الْبُرْزُلِيُّ، كَانَ الْإِكْرَاهُ عِنْدَهُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ فَلِمَ لَمْ يَعْذِرْهَا بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا تُعْذَرُ بِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ بِخِلَافِ

الفرع الثالث الزوجين إذا اختلفا فيمن يخدم الزوجة هل خادمها أو خادمه

إذَا حَلَفَتْ لَتَفْعَلَنَّ فَمَنَعَهَا مِنْ الْفِعْلِ فَالْمَشْهُورُ الْحِنْثُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ شَرْعِيًّا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُعْذَرُ بِهِ وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ غَيْرُ الْأَبَوَيْنِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ إذَا لَمْ يَحْلِفْ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِدُخُولِهِمْ، انْتَهَى. [الفرع الثَّالِثُ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَخْدُمُ الزَّوْجَةَ هَلْ خَادِمُهَا أَوْ خَادِمُهُ] (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا: وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ عَمَّنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ بِطَلَاقِهَا أَلْبَتَّةَ لَا أَخَدَمْتُكِ إلَّا خَادِمِي وَحَلَفَتْ هِيَ بِعِتْقِ خَادِمِهَا أَوْ صَدَقَةِ ثُلُثِ مَالِهَا لَا أَخْدَمَهَا إلَّا خَادِمَهَا مَنْ أَوْلَى بِالْحِنْثِ مِنْهُمَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الزَّوْجَ أَوْلَى بِالْحِنْثِ الْبُرْزُلِيُّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَخْدُمُ الزَّوْجَةَ هَلْ خَادِمُهَا أَوْ خَادِمُهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِخَادِمِهَا لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِمَصَالِحِهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا خَادِمٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَخْدُمَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يُكْرِيَ مَنْ يَخْدُمُهَا أَوْ يَشْتَرِيَ لَهَا خَادِمًا يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثِ، انْتَهَى. [الفرع الرَّابِعُ لَزِمَهُ دَيْنٌ لِرَجُلٍ أَوْ عَارِيَّةٍ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَيُؤَدِّيَنَّ ذَلِكَ وَحَلَفَ الطَّالِبُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثَةً إنْ قَبِلَهُ] (الرَّابِعُ) قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ لِرَجُلٍ أَوْ ضَمَانُ عَارِيَّةٍ فَغَابَ عَلَيْهَا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَيُؤَدِّيَنَّ ذَلِكَ وَحَلَفَ الطَّالِبُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَيُؤَدِّيَنَّ ذَلِكَ وَحَلَفَ الطَّالِبُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثَةً إنْ قَبِلَهُ فَأَمَّا الدَّيْنُ فَيُجْبَرُ الطَّالِبُ عَلَى قَبْضِهِ وَيَحْنَثُ وَلَا يُجْبَرُ فِي أَخْذِ قِيمَةِ الْعَارِيَّةِ وَيَحْنَثُ الْمُسْتَعِيرُ إنْ أَرَادَ لَيَأْخُذُهُ مِنِّي فَإِنْ أَرَادَ لِيُغَرِّمَنَّهُ لَهُ قَبِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَ ذِمَّتَهُ وَالْعَارِيَّةَ إنَّمَا ضَمِنَهَا لِغَيْبَةِ أَمْرِهَا فَإِنَّمَا يُقْضَى بِالْقِيمَةِ لِمَنْ طَلَبَهَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَلَهُ تَرْكُهَا وَقَدْ تَسْقُطُ أَنْ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهَا، انْتَهَى. [الفرع الْخَامِسُ قَالَ لِرَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَقَدْ قُلْت لِي كَذَا وَكَذَا وَقَالَ الْآخَرُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ] (الْخَامِسُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَقَدْ قُلْت لِي كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْتُ قُلْته فَلْيَدِينَا وَيُتْرَكَا إنْ ادَّعَيَا يَقِينًا، قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَنَقَلَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَانِثٌ لِأَنَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَانِثٌ وَيُتَوَهَّمُ مُعَارَضَتُهَا بِمَا إذَا اخْتَلَطَتْ مَيِّتَةٌ مَعَ مُذَكَّاةٍ فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ عَلَى هَذَا طَلَاقَهَا وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَشَارِقَةِ بِتَعْيِينِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي الْمُذَكَّاةِ وَلِذَلِكَ لَوْ تَعَدَّدَ مَالِكٌ الشَّاتَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي ذَكَاةَ شَاتِهِ لَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَكْلُ شَاتِهِ لِتَعَذُّرِ تَعْيِينِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَفْظُ الْكِتَابِ مُحْتَمَلٌ لِلْيَمِينِ وَعَدَمِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُمَا إنْ شَكَّا أَوْ ظَنَّا أَنَّهُمَا يَحْنَثَانِ وَفِي كِتَابِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ حُرٌّ إنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ حُرٌّ إنْ لَمْ يَدْخُلْهُ فَلْيُدَيَّنَا وَلْيُتْرَكَا إنْ ادَّعَيَا يَقِينًا فَإِنْ شَكَّا عَتَقَا عَلَيْهِمَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بِغَيْرِ قَضَاءٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ الْقَضَاءُ الْمَغْرِبِيُّ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ هُنَا، انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ حَلَفَ لِابْنِهِ لَا كَلَّمَهُ حَتَّى يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ] (تَنْبِيهٌ) مَنْ حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ لَيَأْكُلَنَّ بُرًّا بِثَلَاثِ لُقَمٍ وَقِيلَ إنْ كَانَ أَوَّلُ الطَّعَامِ لَيُبْرِئُهُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ أَبْرَأَتْهُ، انْتَهَى. مِنْ الْبُرْزُلِيُّ، وَقَالَ أَيْضًا: مَسْأَلَةُ إذَا حَلَفَ لِغَرِيمِهِ بِالطَّلَاقِ عَلَى حَقِّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَأْخُذَهُ فَعَثَرَ لَهُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ فَأَخَذَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ إنْ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ، الْبُرْزُلِيُّ فَلَوْ ائْتَمَنَ لِمَنْ يَسْأَلُهُ أَخَذَهُ فَكَذَلِكَ وَمَنْ مَنَعَ فَلَا وَمَنْ يَكْرَهُهُ فَفِي بِرِّهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، وَقَالَ: مَسْأَلَةُ إذَا حَلَفَ لِابْنِهِ لَا كَلَّمَهُ حَتَّى يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ يَبْرَأُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ لَا يُكَلِّمُهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا الْبُرْزُلِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مُطْلَقَ الطَّلَاقِ كَافٍ وَإِنْ ارْتَجَعَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي الْعِصْمَةِ وَقَدْ حَصَلَ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ وَآخَرُ بِبَتَّةٍ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَتَّةِ وَالْآخَرُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ بِالثَّلَاثِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ وَكَذَلِكَ وَاحِدٌ بِ خَلِيَّةٍ وَآخَرُ بِ بَرِيَّةٍ أَوْ بَائِنٍ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ وَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا كَانَتْ شَهَادَةً وَاحِدَةً وَأُخِذَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَالْآخَرُ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنَّهَا تُلَفَّقُ وَأَمَّا لَوْ شَكَّ الشُّهُودُ هَلْ حَنِثَ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا فَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يُفْتِي بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِشَكِّ الشُّهُودِ فِي الْيَمِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ، وَأَعْرِفُ لِلَّخْمِيِّ فِي بَابِ تَلْفِيقِ الشَّهَادَةِ

مَا يَدُلُّ عَلَى الْيَمِينِ، انْتَهَى كَلَامُهُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَأُخِذَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَالْآخَرُ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنَّهَا تُلَفَّقُ مَعَ، مَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ رُشْدٍ مُتَضَمِّنَةٍ لِمَسَائِلَ وَنَصُّهُ: سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ مَا تَقُولُ فِيمَنْ سَأَلَهُ عَدْلٌ عَنْ زَوْجَتِهِ، فَقَالَ: لَا تَحِلُّ لِي، قَالَ لَهُ: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا وَشَهِدَ عَلَيْهِ آخَرُ مَقْبُولٌ أَنَّهُ قَالَ لِهَذِهِ الزَّوْجَةِ الْأَيْمَانُ تَلْزَمُنِي إنْ كُنْتِ لِي زَوْجَةً أَبَدًا هَلْ تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ أَمْ لَا فَأَجَابَ أَمَّا مَسْأَلَةُ لَا تَحِلُّ لِي امْرَأَتِي أَبَدًا إلَى آخِرِهَا فَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الشَّهَادَةِ لَا تُلَفَّقُ فَإِنْ كَذَّبَ الشَّاهِدَيْنِ حَلَفَ عَلَى تَكْذِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَبْقَى مَعَ زَوْجَتِهِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وَذِي الْحَجَّةِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي رَمَضَانَ: إنْ دَخَلْت دَارَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي ذِي الْحَجَّةِ وَشَهِدَا عَلَيْهِ هُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا أَنَّهُ دَخَلَهَا بَعْدَ ذِي الْحَجَّةِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَاخْتَلَفَ مَوْضِعُ عَقْدِ الْيَمِينِ، انْتَهَى. ص (أَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ وَيَوْمًا بِمَكَّةَ) ش: وَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ شَهِدَ الْآخَرُ لِأَنَّ بِشَهَادَتِهِ وَقَعَ الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةُ تَتَعَقَّبُ الطَّلَاقَ الْمَحْكُومَ بِهِ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ ص (لَا بِفِعْلَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا كَانَتْ بِفِعْلَيْنِ لَا تُلَفَّقُ يُرِيدُ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتُلَفَّقُ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَشَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ كَلَّمَهُ فِي السُّوقِ وَآخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ بِالْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ مَا نَصُّهُ: مَذْهَبُ الْكِتَابِ هُنَا أَنْ لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ كَشَاهِدٍ عَلَى الْحَالِفِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ وَآخَرَ عَلَى الْحَالِفِ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ وَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي قَوْلِ مَالِكٍ الْآخَرِ إنْ نَكَلَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، أَبُو الْحَسَن عَنْ ابْنِ يُونُسَ يُرِيدُ تَطْلِيقَتَيْنِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَيَشْهَدُ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَشَهِدَ عَلَيْهِ هُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا فَالْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَظَاهِرُ

فصل التفويض في الطلاق

مَا وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ أَنَّهَا تُلَفَّقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ شَهِدَا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ وَنَسِيَاهَا لَمْ تُقْبَلْ وَحَلَفَ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْتُ وَنُقِلَ عَنْ الرَّمَّاحِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ وَسَمِعَ مِنْ أَحَدِهِمَا الطَّلَاقَ وَشَكَّ فِي أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَعْرِفُ لِلَّخْمِيِّ فِي بَابِ تَعْلِيقِ الشَّهَادَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْيَمِينِ فَعَلَى هَذَا يُرْفَعُ وَيُوجَبُ الْيَمِينُ قِبَلَهُمَا مَعًا. [فَصْلٌ التَّفْوِيضَ فِي الطَّلَاقِ] ص (فَصْلٌ إنْ فَوَّضَهُ لَهَا تَوْكِيلًا، فَلَهُ الْعَزْلُ إلَّا لِتَعْلِيقِ حَقٍّ لَا تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا) ش: لَمَّا كَانَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا بِمُبَاشَرَةِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَفْوِيضِهِ لِغَيْرِهِ فِي إيقَاعِهِ وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الثَّانِي أَعْنِي التَّفْوِيضَ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَوْكِيلٌ وَتَمْلِيكٌ وَتَخْيِيرٌ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ رَدُّ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ يُقَالُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهِ إذَا رَدَّهُ إلَيْهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النِّيَابَةِ عَمَّنْ وَكَّلَهُ، وَالْمُمَلِّكُ وَالْمُخَيِّرُ إنَّمَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَلَكَا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، فَقِيلَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا مُشَارَكَةَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعُرْفِ، وَعَلَى هَذَا يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِ الْعُرْفِ، وَقِيلَ هُوَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِلْعُرْفِ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إعْطَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا، فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ بِيَدِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ أَعْطَاهُ، وَأَمَّا التَّخْيِيرُ، فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ خَيَّرَ فُلَانًا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ، فَيَكُونُ تَخْيِيرُ الزَّوْجَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ إلَيْهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ، وَالذَّهَابِ عَنْهَا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَهَا إذَا حَصَلَتْ عَلَى حَالٍ لَا يَبْقَى لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حُكْمٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ النِّيَابَةُ فِيهِ تَوْكِيلٌ أَوْ رِسَالَةٌ، وَتَمْلِيكٌ، وَتَخْيِيرُ التَّوْكِيلِ جَعْلُ إنْشَائِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ بَاقِيًا مُنِعَ الزَّوْجُ مِنْهُ، فَلَهُ الْعَزْلُ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَرَسْمُ الْوَكَالَةِ فِي كِتَابِهَا. فَإِنْ كَانَ لِاثْنَيْنِ تُوقِفَ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا وَالرِّسَالَةُ جَعْلُ الزَّوْجِ إعْلَامَ الزَّوْجَةِ بِثُبُوتِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِاثْنَيْنِ كَفَى أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَالَ: وَالتَّمْلِيكُ جَعْلُ إنْشَائِهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يَحْضُرُ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةِ أَحَدِهِمَا، وَالتَّخْيِيرُ جَعْلُ الزَّوْجِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ انْتَهَى، وَفِي جَعْلِهِ الرِّسَالَةَ دَاخِلَةً فِي النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا النِّيَابَةُ فِي

تنبيه طلاق المملكة قبل الدخول

التَّبْلِيغِ لَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ النِّيَابَةَ فِيهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النِّيَابَةِ فِي إيقَاعِهِ أَوْ تَبْلِيغِهِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِّ التَّخْيِيرِ أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الثَّلَاثِ، وَقَالَ فِي التَّمْلِيكِ: الصِّيغَةُ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ كَقَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، وَطَلِّقِي نَفْسَكِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَطَلَاقُكِ بِيَدِكِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَغَيْرِهَا مَلَّكْتُكِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلَّيْتُكِ أَمْرَكِ، ثُمَّ قَالَ: فِي التَّخْيِيرِ صِيغَتُهُ فِيهَا اخْتَارِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَكِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا أَوْ اخْتَارِي أَمْرَكِ انْتَهَى. ص (وَعَمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ، وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا أَجَابَتْ بِجَوَابٍ صَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فَإِذَا لَفَظَ بِالتَّمْلِيكِ، فَلَا تَخْلُو الْمُمَلَّكَةُ مِنْ أَنْ تُجِيبَ الطَّلَاقَ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ فِي الْبَتَاتِ أَوْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ بِجَوَابٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْضَ الطَّلَاقِ أَوْ كُلَّهُ أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُ أَوْ تَسْكُتُ عَنْهُ، فَأَمَّا إجَابَتُهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ قَبِلْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُهَا أَوْ أَبَنْتُهَا أَوْ حَرَّمْتُهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ إنْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَهُ، وَلَمْ يَدَّعِ نِيَّةً، وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهَا إنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ وَاحِدَةً، وَأَمَّا إجَابَتُهَا بِلَفْظٍ يُشْكِلُ، فَلَا يُدْرَى أَرَادَتْ بِهِ الطَّلَاقَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ لَمْ تُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهَا تُسْئَلُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ: وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا خَلَّيْت سَبِيلَكِ، فَإِنَّهَا تُسْئَلُ كَمْ أَرَادَتْ انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ طَلَاقُ الْمُمَلَّكَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ] (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: إذَا وَقَعَ طَلَاقُ الْمُمَلَّكَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا النِّصْفُ مِنْ صَدَاقِهَا بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ تِلْكَ لَا صَدَاقَ لَهَا، وَالتَّخْيِيرُ مِثْلُهُ، وَالطَّلَاقُ بِالتَّمْلِيكِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ رَجْعِيٌّ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا عَلَى مَالٍ، فَيَكُونُ بَائِنًا كَالْخُلْعِ انْتَهَى. ، وَفِي الشَّامِلِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَنَصَّ فِي أَوَّلِ التَّخْيِيرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ ص (كَطَلَاقِهَا) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ كَطَلَاقِهَا نَفْسَهَا بِأَنْ تَقُولَ: طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ أَنَا طَالِقٌ أَوْ بِنْتُ مِنْكَ أَوْ بِنْتَ مِنِّي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَطَلَاقِهِ أَيْ كَمَا لَوْ قَالَتْ لَهُ طَلَّقْتُكَ. [تَنْبِيهٌ الْمُخَيَّرَةُ فِي الطَّلَاقِ إذَا مَكَّنَتْهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ] ص (وَرَدِّهِ) ش: أَيْ رَدِّ مَا جَعَلَ لَهَا مِنْ التَّمْلِيكِ، وَالتَّخْيِيرِ كَقَوْلِهَا رَدَدْت إلَيْكَ مَا جَعَلْتَهُ لِي أَوْ لَا أَقْبَلُهُ ص (كَتَمْكِينِهَا طَائِعَةً) ش: فَلَوْ لَمْ تَكُنْ طَائِعَةً كَانَتْ عَلَى خِيَارِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَحْرَى إذَا كَانَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ، وَيُعَاقَبُ الزَّوْجُ فِي فِعْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ فِي التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ مُسَاوٍ لَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْمُمَلَّكَةِ الْعِلْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ أَعْلَمَهَا فَأَمْكَنَتْهُ، وَادَّعَتْ الْجَهْلَ لَمْ تُعْذَرْ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ خَلْوَةً، وَإِنْ أَصَابَهَا، وَقَالَتْ: أَكْرَهَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ إذَا قَبَّلَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهَا إذَا مَكَّنَتْهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ سَقَطَ خِيَارُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْخَلْوَةِ، وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ أَوْ غَلْقِ الْبَابِ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَطْءُ، فَقَدْ سَقَطَ مَا بِيَدِهَا إذَا زَعَمَ أَنَّهُ أَصَابَ، وَإِنْ قَبَّلَهَا، وَقَالَتْ أَكْرَهَنِي أَوْ اغْتَفَلَنِي، وَقَالَ أَطَاعَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى هَيْئَةٍ، وَصِفَةٍ، وَهَذَا كَالْحَضْرَةِ يَكُونُ عَنْ غَفْلَةٍ انْتَهَى. [مَسْأَلَة خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا] ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: إنَّ خِيَارَهَا يَسْقُطُ قَالَ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ التَّزْوِيجِ الرِّضَا بِالْإِصَابَةِ، وَبِهِ يُسْتَحَقُّ الصَّدَاقُ، وَالرِّضَا بِذَلِكَ يُسْقِطُ مَا بِيَدِهَا، وَلَوْ رَضِيَتْ

الفرع الأول قالت قبلت أمري في المجلس ولم تفسر ذلك حتى حاضت ثلاث حيض أو وضعت

بِالْإِصَابَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَسَقَطَ مَا بِيَدِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ انْتَهَى. ص (وَقُبِلَ تَفْسِيرُ قَبِلْتُ أَوْ قَبِلْتُ أَمْرِيَ أَوْ مَا مَلَّكْتَنِي بِرَدٍّ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بَقَاءٍ) ش: قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ التَّخْيِيرِ مِنْ الْبَيَانِ فِيمَنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَقَالَتْ: قَدْ فَرَغْت أَوْ جَعَلَهُ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهَا قَبِلْتُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ قَوْلَهَا قَدْ فَرَغْتُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلطَّلَاقِ، وَعَدَمِهِ فَوَجَبَ سُؤَالُهَا عَنْ إرَادَتِهَا بِذَلِكَ مِثْلُ إذَا قَالَ: قَدْ شِئْت أَوْ قَدْ رَضِيتُ، وَقَدْ قَبِلْتُ أَوْ قَدْ اخْتَرْتُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. [الْفَرْعُ الْأَوَّلُ قَالَتْ قَبِلْتُ أَمْرِي فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ تُفَسِّرْ ذَلِكَ حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ وَضَعَتْ] (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: فَإِنْ قَالَتْ قَبِلْت: أَمْرِي فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ تُفَسِّرْ ذَلِكَ حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا، ثُمَّ قَالَتْ أَرَدْتُ بِذَلِكَ طَلْقَةً وَاحِدَةً قُبِلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْتُ أَمْرِي مُحْتَمِلٌ لِلطَّلَاقِ فَإِذَا فَسَّرَتْهُ بِالطَّلَاقِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَمِينٌ كَمَا لَوْ فَسَّرَتْهُ فِي الْعِدَّةِ، وَإِذَا فَسَّرَتْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الرَّجْعَةِ، وَالزَّوْجُ ضَيَّعَ حَقَّهُ حِينَ لَمْ يُوقِفْهَا، وَيَسْتَفْسِرْ قَوْلَهَا. [الفرع الثَّانِي أَجَابَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ عِنْدَمَا مَلَّكَهَا] (الثَّانِي) لَوْ أَجَابَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ عِنْدَمَا مَلَّكَهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا إنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ، وَكَذَلِكَ تَمْلِيكُ الْعِتْقِ اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ. ص (وَنَاكَرَ مُخَيَّرَةً لَمْ تَدْخُلْ، وَمُمَلَّكَةً مُطْلَقًا إنْ زَادَتْ عَلَى طَلْقَةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَيَّرَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ طَلَّقَتْ نَفْسِي ثَلَاثًا أَوْ قَالَتْ لَهُ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلِي تُرِيدُ بِذَلِكَ الثَّلَاثَةَ فَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً صَدَقَ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبَيِّنُهَا وَالْخِيَارُ، وَالتَّمْلِيكُ فِيهَا سَوَاءٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إنْ زَادَتْ عَلَى طَلْقَةٍ قَيْدٌ لِلْمُخَيَّرَةِ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ، وَفِي الْمُمَلَّكَةِ مَفْهُومَةٌ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَزِيدَا عَلَى وَاحِدَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَاكَرَتُهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا الْمُمَلَّكَةُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ فَعَدَمُ الْمُنَاكَرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ مَا لَهَا مِنْ التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ تَقْضِ بِالثَّلَاثِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ بِمَنْزِلَةِ الْمُمَلَّكَةِ انْتَهَى مِنْهُ بِالْمَعْنَى. ، وَلِأَنَّهَا أَيْضًا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَمَنْ طَالَعَ مَسَائِلَ كِتَابِ التَّخْيِيرِ مِنْ الْبَيَانِ عَلِمَ هَذَا. [مَسْأَلَةٌ قَارَنَ التَّخْيِيرَ وَالتَّمْلِيكَ خُلْعٌ فَهَلْ لَهُ الْمُنَاكَرَةُ فِيمَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَارَنَ التَّخْيِيرَ، وَالتَّمْلِيكَ خُلْعٌ، فَهَلْ لَهُ الْمُنَاكَرَةُ فِيمَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَقَالَ فِي رَسْمِ سَعْدٍ فِي الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا شَيْئًا عَلَى أَنْ يُخَيِّرَهَا، فَفَعَلَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَهِيَ ثَلَاثٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَوْ يُخَيِّرُهَا عَلَى شَيْءٍ تُعْطِيهِ إيَّاهُ، فَمَرَّةً رَأَى التَّخْيِيرَ فِي ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى سُنَّةٍ لَا تَأْثِيرَ لِمَا أَعْطَتْهُ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَعْطَتْهُ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُمَلِّكَهَا، وَيُخَيِّرَهَا فَإِذَا مَلَّكَهَا أَوْ خَيَّرَهَا، وَجَبَ لَهُ الْمَالُ، وَكَانَ لَهَا هِيَ فِي ذَلِكَ سُنَّةُ الْخِيَارِ وَالتَّمْلِيكِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَضَتْ بِالثَّلَاثِ لَمْ يُنَاكِرْهَا، وَإِنْ قَضَتْ بِدُونِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ، وَإِنْ مَلَّكَهَا فَقَضَتْ بِمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا، وَتَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَمَرَّةً رَآهَا بِمَا أَعْطَتْهُ مِنْ الْمَالِ فِي حُكْمِ الْمُمَلَّكَةِ، وَالْمُخَيَّرَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ بِسَبَبِ الْمَالِ كَمَا تَبِينُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِوَاحِدَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِي التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ إنْ قَضَتْ بِمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ، وَتَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمٍ أَوْصَى وَرَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَعَلَيْهِ قِيلَ إنَّ مَنْ أَعْطَتْهُ امْرَأَتُهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ إذْ قَدْ نَالَتْ بِهَا مَا نَالَتْ بِالثَّلَاثِ إذْ هِيَ بَائِنَةٌ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ خَالَعَ زَوْجَتَهُ وَقَالَ لَهَا إثْرَ الْخُلْعِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ: وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَمَّنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ، وَقَالَ لَهَا إثْرَ الْخُلْعِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَأَجَابَ إنْ نَسَّقَ كَلَامَهُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ، وَإِنْ كَانَ

تنبيه شرط عليه التمليك في أصل العقد فطلقت نفسها واحدة بعد البناء

بَعْدَ انْقِضَاءِ كَلَامِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ فِي إيقَاعِ طَلَاقٍ آخَرَ إنْ أَرَادَتْهُ انْتَهَى. ص (وَبَادَرَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَرْأَةِ بِبُطْلَانِ خِيَارِهَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ الْتِزَامٌ لِمَا قَضَتْ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَلَمْ يُكَرِّرْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ) ش: فِي ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ نَظَرٌ فَإِنَّ حُكْمَهُ مُوَافِقٌ لِمَا إذَا لَمْ يُكَرِّرْ ذَلِكَ فَلَوْ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فَقَالَ، وَإِنْ كَرَّرَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ إذَا نَوَى الْوَاحِدَةَ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ كَرَّرَ لَفْظَ التَّمْلِيكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْطِفَ تَمْلِيكَهُ أَمْ لَا انْتَهَى الثَّانِي مِنْ شَرْطِ الْمُنَاكَرَةِ أَنْ لَا يَقُولَ لَهَا كُلَّمَا شِئْت فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فَلَا مُنَاكَرَةَ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَوْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا الشَّرْطِ لَكَانَ أَحْسَنَ مِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه شُرِطَ عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ الْبِنَاءِ] ص (وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْعَقْدِ) ش: أَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ

تنبيه خير امرأته فاختارت طلقة واحدة وقد كان طلقها طلقتين

فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ دَخَلَ أَمْ لَا (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ، وَغَيْرُهُ لَا رَجْعَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَطُ ابْنِ عَاتٍ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنْ صَدَاقِهَا لِشَرْطِهَا قَالَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ جَارٍ عَلَى أُصُولِهِمْ انْتَهَى مِنْ. التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَقْدِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ عِنْدَ نِكَاحِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلَفَ فِي اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ أَوْ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً وَاحِدَةً لَا اخْتَارِي طَلْقَةً) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ قَالَ اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً لَا أَنَّكِ تَخْتَارِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ قَالَ اخْتَارِي مِنْ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ الطَّلَاقِ طَلْقَةً أَوْ اخْتَارِي طَلْقَةً فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ إذَا قَالَ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَفِي أَنْ تُقِيمِي عَلَى قَوْلَيْنِ، وَنَسَبَ اللَّخْمِيُّ وُجُوبَ الْيَمِينِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَدَمُ الْيَمِينِ أَحْسَنُ انْتَهَى. ص (وَبَطَلَ إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ) ش: مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ إنَّهَا لَوْ قَضَتْ بِأَكْثَرَ مِمَّا عَيَّنَ لَهَا لَا يَبْطُلُ مَا لَهَا مِنْ التَّخْيِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا عَيَّنَهُ، وَيُلْغِي مَا زَادَتْهُ قَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْإِرْشَادِ: وَإِنْ عَيَّنَ لَهَا عَدَدًا فَزَادَتْ أَلْغَى الزَّائِدَ قَالَ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ: كَمَا إذَا قَالَ اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا أَلْغَى الزَّائِدَ، وَلَوْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ بَطَلَ خِيَارُهَا انْتَهَى، وَقَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقُ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا أَلْغَى الزَّائِدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ) ش: اُخْتُلِفَ فِيمَا يُوجِبُهُ التَّخْيِيرُ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشْهَرُهَا مَذْهَبُ الْكِتَابِ أَنَّ اخْتِيَارَهَا ثَلَاثًا، وَلَا مُنَاكَرَةَ لِلزَّوْجِ نَوَتْ الْمَرْأَةُ الثَّلَاثَ أَمْ لَا، وَإِنَّ قَضَاءَهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ لَا حُكْمَ لَهُ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهَا لِعُدُولِهَا عَمَّا جَعَلَ لَهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ لَا؟ وَلَا يَكُونُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَقْضِيَ بِالثَّلَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مُتَمِّمًا لِلْمَشْهُورِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ الرِّضَا بِمَا أَوْقَعَتْ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ، وَهُوَ اللُّزُومُ فِيمَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَا؟ تَرَدُّدٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَوْ قَضَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا بِطَلْقَةٍ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ رَضِيَهَا الزَّوْجُ كَانَتْ رَجْعِيَّةً، وَإِلَّا، فَفِي سُقُوطِ اخْتِيَارِهَا وَبَقَائِهِ ثَالِثُهَا تَجِبُ بِهَا الثَّلَاثُ لِلْمَشْهُورِ مَعَ الْأَكْثَرِ وَأَشْهَبُ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ رِوَايَتِهِ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ بِهِ، وَنَصُّهُ، وَإِنْ طَلُقَتْ دُونَ الثَّلَاثِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ انْتَهَى. [تَنْبِيه خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: أَنَّهَا إذَا أَوْقَعَتْ دُونَ الثَّلَاثِ، وَكَانَ سَبَقَ لَهُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ

تنبيه الحاضنة إذا رضيت بأخذ بعض الأولاد دون بعض

مَا يُكْمِلُ الثَّلَاثَ إنَّ ذَلِكَ كَإِيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَنَصُّهَا، وَإِنْ خَيَّرَهَا مُطْلَقًا فَاخْتَارَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ بَانَتْ الْآنَ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْقَعَتْهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَسُئِلَ ابْنُ عَتَّابٍ عَمَّنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ، فَاخْتَارَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ، فَقَالَ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْبَتَّةِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْأَصْبَغِ: وَهَذَا عِنْدِي صَحِيحٌ لَا يَتَوَجَّهُ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى. (الثَّانِي) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا لَوْ قَضَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ، وَشَارِحِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه الْحَاضِنَةَ إذَا رَضِيَتْ بِأَخْذِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ دُونَ بَعْضٍ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَيَقُومُ مِنْهَا أَنَّ الْحَاضِنَةَ إذَا رَضِيَتْ بِأَخْذِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ جَعَلَ هُنَا الْجُزْءَ مِنْ الْجُمْلَةِ لَا يَسْتَقِلُّ، فَيَلْزَمُ اطِّرَادُهُ انْتَهَى مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ التَّخْيِيرِ. [الفرع الْأَوَّلُ الْمُخَيَّرَةُ فِي الطَّلَاقِ إذَا اخْتَارَتْ الشَّيْءَ الَّذِي خَيَّرَهَا فِيهِ] (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَبَاك أَوْ أُمَّكِ أَوْ كَانَتْ تُكْثِرُ التَّرَدُّدَ إلَى الْحَمَّامِ أَوْ الْغُرْفَةِ فَقَالَ لَهَا اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي الْحَمَّامَ أَوْ الْغُرْفَةَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ طَلَاقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، فَهُوَ الطَّلَاقُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ، فَهُوَ الطَّلَاقُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا اخْتَارَتْ الشَّيْءَ الَّذِي خَيَّرَهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا انْتَهَى قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ مَا الَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْتُ وَاحِدَةً فَقِيلَ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ قَالَهُ أَصْبَغُ، وَهُوَ أَشْبَهُ. [الفرع الثَّانِي قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَأَرَادَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً] (الثَّانِي) قَالَ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ، وَأَرَادَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَذَلِكَ لَهَا، وَتَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ انْتَهَى ص (وَوَقَفَتْ إنْ اخْتَارَتْ بِدُخُولِهَا عَلَى ضَرَّتِهَا) ش هَكَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ لَهَا قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهَا أَجَابَتْ بِغَيْرِ مَا جَعَلَ لَهَا، وَعُورِضَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا إذَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً بَطَلَ خِيَارُهَا، وَوَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخَذَتْ بَعْضَ حَقِّهَا، وَأَسْقَطَتْ بَعْضًا فَإِنْ كَانَ إسْقَاطُهَا لِلْبَعْضِ مُقْتَضِيًا لِسُقُوطِ حَقِّهَا، فَهُوَ سُقُوطٌ فِيهِمَا كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِلَّا فَلَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا فِي مَسْأَلَةِ طَلَاقِهَا وَاحِدَةٌ تَرَكَتْ بَعْضَ مَا جُعِلَ لَهَا، وَلِلزَّوْجِ فِيهِ غَرَضٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ الثَّلَاثُ سَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، فَصَارَتْ لِذَلِكَ الْوَاحِدَةِ كَأَنَّهَا أَمْرٌ آخَرُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا لِلزَّوْجِ فِيهِ غَرَضٌ، وَإِنَّمَا وَقَفَتْ لِحَقِّ اللَّهِ فِي إبْقَاءِ الْعِصْمَةِ عَلَى الشَّكِّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ بَقَاء التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ بِيَدِ الزَّوْجَةِ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ الْعَارِي عَنْ التَّقْيِيدِ] (فَرْعٌ) : قَالَ اللَّخْمِيّ: فَإِنْ لَمْ تُوقَفْ حَتَّى دَخَلَ عَلَى ضَرَّتِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالِاخْتِيَارِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ، وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ، وَإِنْ أَرَادَتْ بَعْدَ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ أَنْ تَقْضِيَ الْآنَ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ إذَا كَانَ قَدْ أَجَازَ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ ص (وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا فِي الْمُطَلِّقِ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ كَمَتَى شِئْت) ش أَيْ، وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَاءِ التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ بِيَدِ الزَّوْجَةِ فِي التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ الْعَارِي عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ أَوْ بِالْمَكَانِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَا لَمْ يُوقِفْهَا الْحَاكِمُ، وَيُلْزِمْهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ أَوْ رَدِّ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أُسْقِطَتْ مِنْ يَدِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ، وَوَقَفَتْ وَإِنْ قَالَ إلَى سَنَةٍ مَتَى عَلِمَ فَتَقْضِي أَوْ تَرُدُّ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْحَاكِمُ، وَقَوْلُهُ أَوْ تُوطَأَ يَعْنِي أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا مَكَّنَتْ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا بَطَلَ مَا بِيَدِهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا إذَا تَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ بِهِمَا حَتَّى يَرَى أَنَّهُمَا قَدْ تَرَكَا ذَلِكَ، وَخَرَجَا مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي كَانَا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ، وَأَمَّا إنْ مَلَّكَهَا، وَأَسْرَعَ الْقِيَامَ عَنْهَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهَا، وَإِنْ افْتَرَقَا أَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ

مَتَى شِئْت مَا لَمْ تُوقَفْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَتَى شِئْت، وَاخْتُلِفَ إذَا، وَطِئَهَا هَلْ يَقْطَعُ وَطْؤُهُ خِيَارَهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا يَقْطَعُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْبَغَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَصَّ الْمُخَيِّرُ أَوْ الْمُمَلِّكُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا إنْ اخْتَارَتْ فِي الْحَالِ أَوْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ ص (وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالسُّقُوطِ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَقَلَ أَشْهَبُ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا قَالَ بِبَقَائِهِ إنْ انْقَضَى الْمَجْلِسُ مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى أَنْ مَاتَ انْتَهَى ص (وَهُمَا فِي التَّنْجِيزِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِمُنَجَّزٍ، وَغَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَلَكِ الْخِيَارُ أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا لَزِمَهُ، وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحَ، وَقَدْ تَخْتَارُ الْبَقَاءَ مَعَهُ بَلْ الْغَالِبُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ

الرَّجُلَ لَا تَخْتَارُ فِرَاقَهُ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ، وَقُرْبِهِ انْتَهَى. ص (وَاعْتُبِرَ التَّخْيِيرُ قَبْلَ بُلُوغِهَا) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى، وَمَنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ مَغْمُورَةٌ جَازَ قَضَاؤُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُفِيقَةً، ثُمَّ أَصَابَهَا ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ قَضَاءَهَا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ حَالِهَا، وَعَقْلِهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا قَضَتْ بِهِ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ انْتَهَى. ص (وَهَلْ إنْ مَيَّزَتْ أَوْ حَتَّى تُوطَأَ قَوْلَانِ) ش: الْقَوْلَانِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ فِي حَالِهَا، وَرَجَّحَ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَوْلَانِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَوْلَانِ قَوْلُهُ، وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَيْسَ لَهُ تَفْوِيضُ أَمْرِ امْرَأَتِهِ لِغَيْرِهَا، وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَيْهَا، فَإِمَّا قَضَتْ أَوَرَدَّتْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ عَزْلُ الْوَكِيلِ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ؟ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ، وَنَحْوِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ لَا؟ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا الشَّرْحِ فِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُمَلَّكِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْكَبِيرِ، وَنَصُّهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ لِغَيْرِهَا أَمْ لَا فَالْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ ذَلِكَ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ حَكَى الْبَاجِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الشَّارِحُ: قُلْت: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ إنْ تَكَارَيْتَ لِابْنَتِكِ، وَخَرَجْت بِهَا مِنْ الْقَرْيَةِ فَأَمْرُهَا بِيَدِكِ فَتَكَارَتْ لَهَا لِتُخْرِجَهَا فَأَبَى، وَبَدَا لَهُ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

فصل الرجعة

وَإِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَارَ بِالْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّ الْبَاجِيَّ تَأَوَّلَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهُ لِلْأَوَّلِ، فَقَالَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي لَهُ الرُّجُوعُ فِي سَبَبِ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ بِأَنْ يَمْنَعَ أُمَّهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِهَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي التَّمْلِيكِ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَى الْوَكِيلِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْمُمَلِّكِ، وَالْمُخَيِّرِ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ عَنْ الطَّلَاقِ قَوْلَيْنِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَى هَذَا، فَيَكُونُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلِلزَّوْجِ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ بِأَنْوَاعِ التَّفْوِيضِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيلِ، فَفِي عَزْلِهِ لِلْوَكِيلِ قَوْلَانِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَهُ لِلْغَيْرِ تَمْلِيكًا، وَتَخْيِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا الْحَمْلُ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا جَزَمَ بِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَوَّضَهُ لِلزَّوْجَةِ تَوْكِيلًا، فَلَهُ عَزْلُهَا، وَإِذَا كَانَ لَهُ عَزْلُهَا فَغَيْرُهَا أَحْرَى، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَعْنًى ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا أَيْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ عَائِدًا عَلَى التَّمْلِيكِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا، وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا أَوْ يُخَيِّرَهَا، فَهَلْ لَهُ عَزْلُهُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَنَصُّهُ، وَاخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا هَلْ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ فَرَأَى اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا بِخِلَافِ أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، وَرَأَى غَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي عَزْلِهِ كَالطَّلَاقِ، وَاسْتَشْكَلَ الْمَازِرِيُّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا جَعَلَ لَهُ تَمْلِيكَ زَوْجَتِهِ صَارَ كَالْمُلْتَزِمِ لِذَلِكَ الْتِزَامًا لَا يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ الرَّجْعَةِ] ص (فَصْلٌ يَرْتَجِعُ مَنْ يَنْكِحُ) ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَالرَّجْعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَسْرِهَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ الْكَسْرَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الرَّجْعَةُ رَفْعُ الزَّوْجِ أَوْ الْحَاكِمِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ لِطَلَاقِهَا فَتَخْرُجُ الْمُرَاجَعَةُ انْتَهَى. يُرِيدُ بِالْمُرَاجَعَةِ مَا إذَا تَزَوَّجَ مَنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ ارْتَجَعَ زَوْجَتَهُ، وَرَاجَعَهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا إلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُوَثِّقِينَ يَسْتَعْمِلُونَ فِي رَجْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْبَائِنِ لَفْظَ ارْتَجَعَ دُونَ رَاجَعَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ، وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا اسْتَعْمَلُوا رَاجَعَ لِكَوْنِ الْحَالِ مُتَوَقِّفًا عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ، فَهِيَ مُفَاعَلَةٌ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْعَارٌ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: يَرْتَجِعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: إلَّا أَنَّ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضِيَّةِ ابْنِ عُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» يُخَالِفُ ذَلِكَ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا اعْتِرَاضَ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ، وَرَدَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ، وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَعَلَى رَأْيِ رَفْعِ إيجَابِ الطَّلَاقِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْخِلَافِ فِي الرَّجْعِيَّةِ هَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ مُبَاحَةٌ كَمَا فِي الْقَوْلِ الشَّاذِّ فَالْحَدُّ الْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالثَّانِي جَارٍ عَلَى الشَّاذِّ ثُمَّ قَالَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ قَاصِرٌ عَنْ الْغَايَةِ ابْتِدَاءً غَيْرَ خُلْعٍ بَعْدَ دُخُولٍ، وَوَطْءٍ جَائِزٌ قَبُولُهُ، وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِتَزْوِيجِ مَنْ صَحَّ رَجْعَتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَّا أَنَّ الْإِثْمَ الْمُشْتَقَّ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ لَا بِهِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا يَصِحُّ فِيهِ الرَّجْعَةُ، ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْمُعْتَدَّةَ مُشْتَقٌّ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مَحْكُومًا بِهِ حَقِيقَةً فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِالتَّعَلُّقِ فَقَطْ أَوْ يَكُونَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فَيَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْنُ السُّبْكِيّ، وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا التَّلَبُّسُ

بِالْمَعْنَى فَقَطْ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ إلَّا مَجَازًا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ مَنْ يَنْكِحُ هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَشَرْطُ الْمُرْتَجِعِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُرِيدُ أَنَّ الْمُرْتَجِعَ، وَالنَّاكِحَ يَسْتَوِيَانِ فِي الشُّرُوطِ دُونَ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، فَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ يُشْتَرَطُ فِي الْمُرْتَجِعِ، وَذَلِكَ هُوَ الْعَقْلُ انْتَهَى. فَعَدَمُ اشْتِرَاطِهِ الْبُلُوغَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَجِعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلنِّكَاحِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ لَا حَاجَةَ لِاشْتِرَاطِهِ إذْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ غَيْرِ الْبَالِغِ لَا يَلْزَمُ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ إلَّا بِخُلْعٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ، فَظَاهِرٌ كَمَا إذَا طَلَّقَ، وَهُوَ عَاقِلٌ، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ الْجُنُونُ، فَارْتَجَعَ فَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ. ص (وَإِنْ بِكَإِحْرَامٍ، وَمَرَضٍ، وَعَدَمِ إذْنِ سَيِّدٍ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ يُمْنَعُونَ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الرَّجْعَةِ خَمْسَةٌ الْمُحْرِمُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَالْمَرِيضُ، وَالْمِدْيَانُ إذَا قَامَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ سِتَّةٌ يُرَدُّ نِكَاحُهُمْ: الْمُحْرِمُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمُفْلِسُ، وَالسَّفِيهُ، وَالْمَرِيضُ، وَالْمُرْتَدُّ إلَّا أَنْ يُجِيزَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ، وَالْمِدْيَانِ، وَوَلِيِّ السَّفِيهِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ لَا تَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ، وَيُفْسَخُ، وَإِنْ دَخَلُوا، وَلَهُمْ أَنْ يُرَاجِعُوا إذَا طَلَّقُوا طَلَاقًا رَجْعِيًّا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ، وَالْمِدْيَانِ لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ غُرَمَاءُ الْمِدْيَانِ أَوْ أَطْلَقَ الْمِدْيَانَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ فَلَهُمْ أَنْ يُرَاجِعُوا أَمَّا الْخَمْسَةُ الْأُوَلُ، فَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا؛ لِأَنَّ بِرِدَّتِهِ تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ، وَعَدَمُ إذْنِ سَيِّدٍ يُرِيدُ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِارْتِجَاعِ قَالَهُ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْعِصْمَةَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فِيهَا ثَامًّا يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ انْتَهَى. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: لَا تَحْتَاجُ الْمُرْتَجَعَةُ إلَى وَلِيٍّ، وَلَا صَدَاقٍ، وَلَا رِضًا مِنْ الْمُرْتَجِعَةِ انْتَهَى، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَدَخَلَ بِهَا فَأَجَابَ تَزْوِيجُهَا رَجْعَةٌ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا إلَّا الْأَوَّلُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالثَّانِي قُلْت تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ عَرَضَ صَدَقَتَهُ ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَإِذَا فَاتَ الصَّدَاقُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. ص (طَالِقًا غَيْرَ بَائِنٍ) ش: اُحْتُرِزَ بِغَيْرِ الْبَائِنِ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا، فَإِنَّهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الثَّلَاثَ قَالَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخُلْعُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ سَمَّاهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهِ إنْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ بِوَطْءٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلَاقٌ يَكُونُ بِهِ هَذَا ثَلَاثًا لِلْحُرِّ أَوْ اثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا إلَّا أَنْ تُثْقَلَ بِالْحَمْلِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْمَرِيضَةِ انْتَهَى، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ فَصْلٌ فَإِنْ رَاجَعَ هَذَا الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الْمُخْتَلِعَةَ مِنْهُ أَوْ الْمُفْتَدِيَةَ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ رِضَاهَا، وَوَلِيٌّ يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَصَدَاقٌ يُبْذَلُ لَهَا كَالنِّكَاحِ الْمُبْتَدَإِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ بِالطَّلَاقِ أَمْرَ نَفْسِهَا، فَصَارَ هُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِتَزْوِيجِهَا فِي الْعِدَّةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ، وَالْمَاءَ مَاؤُهُ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً أَوْ حَامِلًا مُثْقَلًا قَدْ بَلَغَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرِيضَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ ذَلِكَ الْمَانِعُ مِنْهَا انْتَهَى. فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ بَائِنٍ الْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَالطَّلَاقُ الْمَحْكُومُ بِهِ، وَالثَّلَاثُ. ص " فِي عِدَّةٍ صَحِيحٌ " ش: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ التَّنْبِيهِ: وَقَدْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ رَجْعَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفْسَخُ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ انْتَهَى، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِ

الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهُوَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَاسِدٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ: الرَّجْعَةُ تَصِحُّ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَالْإِصَابَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِالطَّوْعِ مِنْ الزَّوْجِ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فَاسِدًا مِمَّا الْحُكْمُ أَنَّهُ يَفُوتُ بِالدُّخُولِ فَطَلَّقَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَطَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَوْ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ، وَقَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ رَجْعَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ الرَّجْعَةُ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ قَاصِرٍ عَنْ الْغَايَةِ ابْتِدَاءً غَيْرُ الْخُلْعِ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَوَطْءٍ جَائِزٍ أَوْ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ لِسَبَبٍ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي الْعِدَّةِ، وَأَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ بِبَقَائِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ، وَلَا عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ، وَلَا عَلَى الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَا عَلَى الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَلَا عَلَى الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَطْئًا فَاسِدًا كَالَّتِي وَطِئَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ، وَلَهُ رَجْعَةُ مَنْ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْإِيلَاءِ أَوْ لِوُجُودِ الْعَيْبِ أَوْ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ إذَا أَصَابَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ زَالَ الْعَيْبُ أَوْ أَيْسَرَ فِيهَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً يَعْنِي أَنَّ كَوْنَهُ قَاصِرًا عَنْ الْغَايَةِ إنَّمَا يُفِيدُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ أَوْقَعَ قَبْلَهُ مِنْ الطَّلَاقِ مَا كَمَّلَ بِالْأَخِيرِ ثَلَاثًا، فَإِنَّهَا تَبِينُ، وَقَوْلُهُ، وَعَلَى الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَطْئًا فَاسِدًا يُرِيدُ، وَلَمْ يَطَأْهَا وَطْئًا صَحِيحًا لَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَطْئًا صَحِيحًا، فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَوْلُهُ وَلِوُجُودِ الْعَيْبِ هُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ إنَّ طَلَاقَ الْعَيْبِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ: وَطَلَاقُ الْعَيْبِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ حَيْثُ تَصَوَّرَ، وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ طَلَّقَتْ امْرَأَةُ الْمَجْنُونِ نَفْسَهَا فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْلُومُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ يَحْكُمُ بِهِ الْإِمَامُ، فَهُوَ بَائِنٌ إلَّا الْمَوْلَى، وَالْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ، وَقَالَ التُّونُسِيِّ: تَطْلِيقُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ، وَالْمَبْرُوصِ رَجْعِيٌّ، وَالْإِرْثُ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ فِي الْعِدَّةِ، وَمَنْ صَحَّ مِنْ دَائِهِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْلُومِ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ نَحْوُ سَمَاعِ عِيسَى فِي الْأَمَةِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فَيَمُوتُ فِي عِدَّتِهَا تَرْجِعُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ مَبْرُوصٌ نَظَرٌ صَوَابُهُ الْأَبْرَصُ أَوْ الْمُبْرِصُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَرِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَبْرَصُ، وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَوَافَقَ التُّونُسِيُّ عَلَى قَوْلِهِ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَنَصُّهُ، وَلِمَنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ لِعُسْرِ النَّفَقَةِ أَوْ عَيْبِ الرَّجْعَةِ إنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ ذَهَبَ عَيْبُهُ، وَإِلَّا فَلَا إنْ لَمْ تَرْضَ، وَيَخْتَلِفُ إنْ رَضِيَتْ فِيهِمَا أَوْ فِي الْإِيلَاءِ بِعَدَمِ إصَابَتِهِ، فَفِي صِحَّةِ رَجْعَتِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِيلَاءِ وَسَحْنُونٌ فِيهِ، وَفِي الْمُعْسِرِ انْتَهَى، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا جَمِيعِهِ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا لِعَيْبٍ، وَمَا لِلْوَلِيِّ فَسْخُهُ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (حَلَّ وَطْؤُهُ) ش خَرَجَ بِهِ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، وَالصَّوْمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَكَالْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ، وَوَافَقَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَغَيْرِهِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ أَصَابَهَا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ فِي اعْتِكَافٍ غَيْرِ مَنْذُورٍ أَوْ مَنْذُورٍ فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ لَيْسَ ذَلِكَ الصَّوْمُ، وَالِاعْتِكَافُ قَدْ بَطَلَ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَلَا يَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ، فَكَانَ تَمَادِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا فِي صَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافٍ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَذَهَبَ الْبَاجِيُّ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقٌ انْتَهَى. ص (أَوْ نِيَّةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَصَحَّحَ خِلَافَهُ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا لَمْ

فرع طلق الرجل امرأته وادعى بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها قبل أن تنقضي عدتها

تَصِحَّ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، ثُمَّ أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ أَيْضًا إذَا بَعُدَ مَا بَيْنَ النِّيَّةِ، وَالْفِعْلِ أَوْ الْقَوْلِ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ نِيَّةً عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ نَوَى الرَّجْعَةَ ثُمَّ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ ضَمَّ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَكَانِ مَا نَوَى فَهِيَ رَجْعَةٌ يُرِيدُ إذَا أَصَابَ سَاهِيًا عَنْ الطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يَكُنْ، وَطْؤُهُ رَجْعَةً إذَا لَمْ تُقَارِنْهُ نِيَّةٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي النِّيَّةِ لِلطَّهَارَةِ هَلْ مِنْ شَرْطِهَا مُقَارَنَةُ الْفِعْلِ انْتَهَى، وَهَذَا إذَا أَصَابَ زَوْجَتَهُ، وَهُوَ ذَاهِلٌ عَنْ الرَّجْعَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَصَابَهَا، وَهُوَ يَرَى أَنَّ رَجْعَتَهُ بِالنِّيَّةِ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَى عِصْمَتِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْإِصَابَةَ رَجْعَةٌ مُحْدَثَةٌ صَحِيحَةٌ لِاقْتِرَانِ الْفِعْلِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مُرْتَجِعٌ رَجْعَةٌ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ، فَقَدْ ارْتَجَعْتُكِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي إبْطَالِهَا إنْ لَمْ تُنْجِزْ كَغَدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولٌ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَرْطُهَا ثُبُوتُ بِنَائِهِ بِهَا، وَمُثْبِتَةُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِحْلَالِ انْتَهَى، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ، وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْخَلْوَةِ، وَتَقَارُرِهِمَا عَلَى الْإِصَابَةِ. [فَرْعٌ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ رَاجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا] ص (كَدَعْوَاهُ لَهَا بَعْدَهَا) ش: تَصَوُّرُهُ، وَاضِحٌ (فَرْعٌ) إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ رَاجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَأَتَى بِرَجْعَةٍ مَكْتُوبَةٍ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ لَا يَعْلَمُ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيَقُولُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ مِنْ طَلَاقٍ آخَرَ، فَيَدْخُلُ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَرَاءَةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُ إنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ ذِكْرِ الْحَقِّ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ انْتَهَى مِنْ رَسْمِ الْكِرَاءِ، وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَالتَّفْلِيسِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُسْتَوْفِيًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ، وَبَيَانُ الْمَشْهُورِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا إنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ فِي زِيَارَةٍ) ش: أَيْ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ مِمَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ فَإِنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا، وَذَكَرَ فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَقَطْ

فَلَا رَجْعَةَ قَالَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى، وَلَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَا رَجْعَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ خَلْوَةِ الزِّيَارَةِ، وَالِاهْتِدَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ غَيْرَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي إبْطَالِهَا إنْ لَمْ يُنْجِزْ كَغَدٍ أَوْ الْآنَ فَقَطْ تَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يُنْجِزْ رَجْعَةَ زَوْجَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُ زَوْجَتِي بَلْ عَلَّقَهَا كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا كَانَ غَدًا، فَقَدْ ارْتَجَعْتُكِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ رَجْعَةً فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ الرَّجْعَةَ بَاطِلَةٌ مُطْلَقًا، وَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَمَلَ كَلَامَ مَالِكٍ عَلَى ظَاهِرِهِ كَعَبْدِ الْحَقِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُرَادُهُ لَا تَكُونُ رَجْعَةً الْآنَ، وَتَصِحُّ إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِبْطَالُهَا إنَّمَا هُوَ الْآنَ فَقَطْ، وَلَمَّا وَجَّهَ اللَّخْمِيُّ كَلَامَ مَالِكٍ قَالَ عَقِيبِهِ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ رَجْعَةً فَاسِدَةً عَلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ لَمْ يُحْدِثْ رَجْعَةً، وَلَا أَصَابَ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ بَانَتْ، وَإِنْ أَصَابَ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ تِلْكَ الرَّجْعَةَ كَانَ، وَطْؤُهُ رَجْعَةً؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِارْتِجَاعُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الرَّجْعَةِ قَائِمٌ، وَإِصَابَتُهُ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مُرْتَجِعٌ رَجْعَةً مُحْدَثَةً انْتَهَى ص (بِخِلَافِ ذَاتِ الشَّرْطِ تَقُولُ إنْ فَعَلَهُ زَوْجِي فَقَدْ فَارَقْتُهُ) ش: وَمِثْلُهُ اخْتَرْتُ زَوْجِي فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ. ص (وَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ) ش: تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي الْوَسَطِ ص (ثُمَّ قَالَتْ كَانَتْ انْقَضَتْ) ش: أَفَادَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ قَالَتْ إنَّ قَوْلَهَا كَانَ مُتَرَاخِيًا عَنْ إشْهَادِهِ بِرَجْعَتِهَا ص (وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا حَتَّى انْقَضَتْ، وَتَزَوَّجَتْ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ مِنْ كَلَامِ

الشَّارِحِ، وَقَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، وَمَنْ كَتَبَ إلَى زَوْجَتِهِ بِطَلَاقِهَا، وَوَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا، وَارْتَجَعَهَا، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا ارْتِجَاعُهُ إيَّاهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ

فرع لكل مطلقة المتعة

وَلَسْت آخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ مَالِكًا لِرَجْعَتِهَا، وَقَدْ ارْتَجَعَهَا ص (، وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ) ش، وَيُسْتَحَبُّ إسْمَاعُهَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةِ الْمُتْعَةِ] ص (وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِلرَّجْعِيَّةِ) ش: وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ حَالِهَا فَقَطْ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ، وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِمَا نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَابْنُ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ إنْ لَمْ يُمَتِّعْهَا حَتَّى ارْتَجَعَهَا سَقَطَتْ انْتَهَى. ص (كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِنِكَاحٍ لَازِمٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ الْمُتْعَةُ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا إلَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ قَدْ سَمَّى لَهَا فَحَسَبَهَا نِصْفَهُ، وَلَا مُتْعَةَ لَهَا انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ لَا مُتْعَةَ لَهَا عَاطِفًا عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ، وَلَا مَنْ قَامَتْ بِعَيْبٍ، وَلَا مَنْ فُسِخَ نِكَاحُهَا، وَلَوْ لِعَارِضٍ حَدَثَ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ، وَالْمُتْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَا، وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي كُلِّ نِكَاحٍ لَازِمٍ أَوْ فَاسِدٍ يَفُوتُ بِالْبِنَاءِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي، وَكُلَّمَا فَسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِصَدَاقِهِ فَلَا مُتْعَةَ فِيهِ انْتَهَى ص (لَا فِي فَسْخٍ كَلِعَانٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ فُسِخَ لِرَضَاعٍ بِأَمْرِ الزَّوْجِ رَأَيْتُ عَلَيْهِ الْمُتْعَةَ انْتَهَى، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ الْمُفَارَقَةُ عَنْ مُفَالَجَةٍ كَالْمُلَاعَنَةِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى، وَقَالَهُ ابْنُ نَاجِي، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَهُ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ طَلَّقَ فِيمَا يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ فَسْخِهِ فَلَا مُتْعَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَمَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ يُمَتِّعْهَا لِبَقَائِهَا مَعَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَهَا مَتَّعَهَا ص (أَوْ فَرَضَ لَهَا، وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا خَلَا بِزَوْجَتِهِ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا، وَطَلَّقَهَا، وَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا، وَقَالَتْ مَسَّنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي الصَّدَاقِ، وَلَا مُتْعَةَ لَهَا انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَإِذَا قَالَ أَصَبْتُ، وَأَكْذَبَتْهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ مَعَ الْمُتْعَةِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُخْتَارَةٌ لِعِتْقِهَا أَوْ لِعَيْبِهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّقَلِّيُّ: لِمَنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِتَزْوِيجِ أَمَةٍ عَلَيْهَا الْمُتْعَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ الْإِيلَاءُ] ص (بَابٌ الْإِيلَاءُ يَمِينٌ، وَزَوْجٌ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ يُتَصَوَّرُ وِقَاعُهُ) ش: اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِ الْإِيلَاءِ لُغَةً فَقَالَ عِيَاضٌ: أَصْلُ الْإِيلَاءِ الِامْتِنَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: 22] ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِيَمِينٍ

فرع حلف أن لا يطأ زوجته

وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ الْيَمِينُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُفَضَّلُ يُقَالُ آلَى، وَتَأَلَّى، وَائْتَلَى، وَآلَى هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يُقَالُ آلَى يُولِي إيلَاءً، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ، وَالْجَمْعُ الْأَلَايَا عَلَى، وَزْنِ عَطِيَّةٍ، وَعَطَايَا قَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ قَالَ كَثِيرٌ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ نَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ يَصِفُهُ بِقِلَّةِ الْحَلِفِ، وَيُقَالُ بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ بِسُكُونِ اللَّامِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الصِّحَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ، وَالْأَلُوَّةُ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ الْعُودُ الَّذِي يَتَبَخَّرُ بِهِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ ضَمُّ الْهَمْزَةِ، وَفَتْحُهَا، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَحَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ يُوجِبُ خِيَارَهَا فِي طَلَاقِهِ، وَحَدَّهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْإِيلَاءُ يَمِينُ زَوْجٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ يُتَصَوَّرُ وِقَاعُهُ، وَكَانَ الْإِيلَاءُ، وَالظِّهَارُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُمَا، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ عُمِلَ بِهِمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَانْظُرْ تَهْذِيبَ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، وَقَوْلُهُ يُتَصَوَّرُ وِقَاعُهُ تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا مَنْ آلَى مِنْ صَغِيرَةٍ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لَمْ يُؤَجَّلْ حَتَّى يُمْكِنَ وَطْؤُهَا اللَّخْمِيُّ سَوَاءٌ ضَمَّهَا إلَيْهِ أَمْ لَا، وَالْكَبِيرَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا يُوقَفُ لَهَا إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ دُعَائِهِ لِلْبِنَاءِ بَعْدَ مُدَّةِ جِهَازِهَا، وَجِهَازِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي تَوَجَّهَ لَهَا حَقُّ الْإِصَابَةِ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ مَرِيضًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِيلَاءُ الْمَرِيضِ لَازِمٌ إنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُدَّةِ مَرَضِهِ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ الْأَوَّلُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ شَاسٍ، وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ انْتَهَى [فَرْعٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأ زَوْجَتَهُ] ص (بِمَنْعِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ) ش: سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ أَوْ مُتَضَمِّنَةً عَقْلًا كَوَاللَّهِ لَا أَلْتَقِي مَعَهَا أَوْ شَرْعًا كَلَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا (فَرْعٌ) فَإِنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أَقْرَبَكِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ مُولٍ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَيْسَ بِمُولٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَكِ، وَهُوَ نَذْرٌ فِي مَعْصِيَةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (غَيْرُ الْمُرْضِعَةِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَصْبَغُ هُوَ مُولٍ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا فِي الْوَطْءِ، وَلَا حَقَّ لِلْوَلَدِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، وَاتَّفَقَ عَلَى أَنَّهُ مُولٍ إذَا أَرَضَعَ الْوَلَدُ غَيْرَهَا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ، وَلَدَهَا فَمَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْفِطَامِ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ، وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ إصْلَاحَ وَلَدِهِ. وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَمَسَّهَا حَوْلَيْنِ فَهُوَ مُولٍ، وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا أَوْقَفَهُ السُّلْطَانُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمَسَّهَا، وَلَا يَفِيءَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ بِالْبَتَّةِ

انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (أَوْ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا بِمُجَرَّدِ كَلَامِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ، وَطْؤُهَا الْآنَ فَإِنْ، وَقَفَ عَنْ، وَطْئِهَا كَانَ مُولِيًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمَّا تَكَلَّمَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ كَانَ نَفْيًا يُمْكِنُ دَعْوَى تَحْقِيقِهِ بِفِعْلٍ لَهُ غَيْرِ مُحَرَّمٍ أَوْ لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا غَيْرِ مُؤَجَّلٍ مُنِعَ مِنْهَا حَتَّى يَقَعَ مَا نَصَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا إذَا قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ، وَطْئِهَا قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا أَبَدًا حَتَّى يُحْبِلَهَا؛ لِأَنَّ بِرَّهُ فِي إحْبَالِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ لَمْ أَطَأْكِ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا فَإِنْ وَقَفَ عَنْ وَطْئِهَا كَانَ مُولِيًا

عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا إيلَاءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ كَأَنْ لَمْ يُقَدِّمْ مُنِعَ مِنْهَا إلَّا إنْ أَحْبَلَهَا أَوْ إنْ لَمْ أَطَأْهَا، وَلَا يَصْدُقُ حَدُّ الْإِيلَاءِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الْوَطْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ تَرَكَ الْوَطْءَ ضَرَرًا) ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ ذَنْبٌ، وَهُوَ الْإِضْرَارُ بِالْمَرْأَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُضَارَّةَ دُونَ يَمِينٍ تُوجِبُ مِنْ الْحُكْمِ مَا تُوجِبُ الْيَمِينُ إلَّا فِي أَحْكَامِ الْمُدَّةِ انْتَهَى، وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَكَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَسَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ الْمَظَاهِرُ إنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ) ش:

فرع التكفير في الإيلاء بعبد مشترى بعضه وموروث بعضه

يُرِيدُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّكْفِيرِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إيلَاءٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَوَى أَشْهَبُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُعْتِقُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ، وَلَا يَجِدُ مَا يُطْعِمُ فَلْيَكُفَّ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَجِدَ الشَّيْخُ، وَلَا حُجَّةَ لَهَا انْتَهَى. ، وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِمُضَارٍّ، فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْعُسْرُ، وَالْعَجْزُ عَنْ الصِّيَامِ بَعْدَ عَقْدِ الظِّهَارِ، وَأَمَّا إنْ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ حِلِّهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الضَّرَرَ بِالظِّهَارِ، ثُمَّ يَخْتَلِفُ هَلْ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ الْآنَ أَوْ يُؤَخِّرُ إلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ رَجَاءَ أَنْ يُحْدَثَ لَهَا رَأْيٌ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ؟ انْتَهَى. [فَرْعٌ التَّكْفِيرُ فِي الْإِيلَاءِ بِعَبْدٍ مُشْتَرًى بَعْضُهُ وَمَوْرُوثٌ بَعْضُهُ] ص (إلَّا أَنْ يَعُودَ بِغَيْرِ إرْثٍ) ش: (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى بَعْضَ الْعَبْدِ، وَوَرِثَ بَعْضَهُ عَادَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ لِأَجْلِ بَقَاءِ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُشْتَرَى، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَكِنْ اشْتَرَى بَعْضَهُ فَإِنْ، وَطِئَهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَبْدِ الْبَعْضُ الْمُشْتَرَى بِنَفْسِ حِنْثِهِ، وَبَقِيَّةُ الْعَبْدِ بِالتَّقْوِيمِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَطْؤُهَا) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: يُرِيدُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ عَقْلِيًّا كَالرَّتَقِ أَوْ عَادِيًا

كَالْمَرَضِ أَوْ شَرْعِيًّا كَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ انْتَهَى، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَشَارِحُهُ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ. قَالَ: وَلَا مُطَالَبَةَ لِمُمْتَنِعٍ وَطْؤُهَا بِرَتَقٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ انْتَهَى، وَتَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ ابْنُ شَاسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

باب الظهار

وَمَا قَالُوهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ، وَعُجِّلَ فَسْخُ الْفَاسِدِ فِي الْحَيْضِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْلَى، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ اللِّعَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا، وَإِنْ حَلَّ أَجَلُهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَفَتْ فَإِنْ قَالَ: أَفِيءُ أُمْهِلَ، وَإِنْ أَبَى فَفِي تَعْجِيلِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ بِلِعَانِهِمَا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْكَاتِبِ بِأَنَّ عِلَّةَ جَبْرِهِ عَلَيْهَا قَصْدُهُ تَطْوِيلَ عِدَّتِهَا، وَهِيَ فِي هَذِهِ الطَّالِبَةُ طَلَاقَهَا فِيهِ، وَبِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَأَجَابَ الصَّقَلِّيُّ بِأَنَّ إبَايَتَهُ سَبَبُ طَلَاقِهِ فَكَأَنَّهُ الْمُسْتَقِلُّ بِطَلَاقِهَا، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ - وَقَبُولُهُ -: لَا مُطَالَبَةَ لِلْمَرِيضَةِ الْمُتَعَذَّرِ وَطْؤُهَا، وَلَا لِلرَّتْقَاءِ، وَلَا لِلْحَائِضِ لَا أَعْرِفُهُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهَا فِي الْحَائِضِ يُنَافِيهِ انْتَهَى. ، وَقَوْلُهُ، وَقَبُولُهُ كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا، وَلَعَلَّ قَبُولَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاسْتَشْكَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا فِي اللِّعَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيْضِ، وَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْفَيْئَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْوَعْدِ كَمَا فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ تَتَعَذَّرُ الْفَيْئَةُ بِالْوَطْءِ، وَيَكُونُ التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَعْدِ انْتَهَى. ، وَمَا قَالَهُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَيْئَةِ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْوَعْدِ، وَإِلْزَامَهُ الطَّلَاقَ إنْ امْتَنَعَ فَرْعُ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، وَقَدْ نَفَى الْمُطَالَبَةَ بِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ تَعْجِيلِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْلَى هُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ الظِّهَارُ] ص (بَابٌ الظِّهَارُ تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ مَنْ تَحِلُّ أَوْ جُزْأَهَا بِظَهْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ جُزْئِهِ ظِهَارٌ) ش: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ

تنبيه أداة التشبيه في الظهار

الظِّهَارُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي عِيَاضٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ، وَكَنَّى بِهِ عَنْ الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكُوبٌ لِلْمَرْأَةِ كَمَا يَرْكَبُ ظَهْرَ الْمَرْكُوبِ لَا سِيَّمَا، وَعَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْعَرَبِ، وَغَيْرُهُ الْمُجَامَعَةُ عَلَى حَرْفٍ مِنْ جِهَةِ الظَّهْرِ، وَيَسْتَقْبِحُونَ سِوَاهُ ذَهَابًا إلَى السِّتْرِ وَالْحَيَاءِ وَالْخَفَاءِ، وَأَنْ لَا تَجْتَمِعَ الْوُجُوهُ حِينَئِذٍ، وَأَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَهِيَ كَانَتْ سِيرَةُ الْأَنْصَارِ حَتَّى نَزَلَ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا حَتَّى أَتَتْ خُوَيْلَةَ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ «تَشْكُو زَوْجَهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَقُولُ ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، وَجَادَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» انْتَهَى. ، وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الظِّهَارَ، وَالْإِيلَاءَ طَلَاقٌ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالظِّهَارُ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ، وَجَلَّ فَقَالَ {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] ، وَلِنَصِّهِ فِي الْآيَاتِ عَلَى أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، وَلِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: 2] الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ ظَاهَرَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَاضِي، هُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَزُورٌ وَرَوَى ابْنُ شَعْبَانَ يُؤَدَّبُ الْمُظَاهِرُ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ قَبْلَ قَوْلِهَا رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ الظِّهَارُ يَمِينٌ تُكَفَّرُ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ وَالْكَرَاهَةُ أَرْجَحُ انْتَهَى، وَحَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ الظِّهَارُ تَشْبِيهُ زَوْجٍ زَوْجَهُ أَوْ ذِي أَمَةٍ حَلَّ وَطْؤُهُ بِمُحَرَّمٍ إيَّاهَا عَجَزَ مِنْهُ أَوْ بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي تَمَتُّعِهِ بِهَا، وَالْجُزْءُ كَالْكُلِّ، وَالْمُعَلَّقُ كَالْحَاصِلِ، وَأَصْوَبُ مِنْهُ تَشْبِيهُ حِلِّ مُتْعَةٍ حَاصِلَةٍ أَوْ مُقَدَّرَةٍ بِآدَمِيَّةٍ إيَّاهُ أَوْ جُزْأَهَا بِظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بِمَنْ حَرُمَ أَبَدًا أَوْ جُزْءٍ فِي الْحُرْمَةِ فِيهَا مَنْ قَالَ أَنْتِ مِثْلُ قَدَمِ أُمِّي، وَنَحْوُهُ مُظَاهِرٌ، وَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مُظَاهِرٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَشْبِيهُ مَنْ يَجُوزُ، وَطْؤُهَا بِمَنْ يَحْرُمُ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِهَا. قَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَفُلَانَةٍ، فَهِيَ الْبَتَاتُ، وَعَكْسُهُ بِتَشْبِيهِ الْجُزْءِ انْتَهَى، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ السَّيِّدُ، وَالزَّوْجُ، وَتَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ. ، وَشَرْطُ الْمُظَاهِرِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَيْ زَوْجًا مُسْلِمًا، وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ سَفِيهًا فَإِذَا أُلْزِمَ الْعَبْدُ أَوْ السَّفِيهُ الظِّهَارَ فَحُكْمُ الْعَبْدِ يَأْتِي، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ وَلِيَّهُ يَنْظُرُ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَامْتَنَعَ وَلِيُّهُ مِنْ التَّكْفِيرِ عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الصِّيَامُ، فَإِذَا طَلَبَتْهُ امْرَأَتُهُ بِالْوَطْءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ، وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ إذَا امْتَنَعَ، وَلِيُّهُ لَهُ أَنْ يَصُومَ، وَلَا يُطَلِّقَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ. ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَإِذَا ظَاهَرَ السَّفِيهُ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِالْعِتْقِ عَاجِزٌ عَنْ الصِّيَامِ كَانَ الْأَمْرُ إلَى، وَلِيِّهِ فَإِنْ رَأَى أَنَّ الْعِتْقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الطَّلَاقِ أَمَرَهُ بِالْعَوْدَةِ، وَأَعْتَقَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُجْحِفُ بِمَالِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْيَمِينُ بِالظِّهَارِ أَوْ يَكُونُ مِطْلَاقًا فَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ، وَطَلَّقَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ، وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقُومَ بِالطَّلَاقِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ إلَى تَمَامِ الْأَجَلِ لَا يُفِيدُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ إنْ، وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَاخْتُلِفَ إذَا امْتَنَعَ الْعِتْقُ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ، فَقِيلَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ، وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَصُومَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعْسِرِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ انْتَهَى، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّوْمِ، فَإِنْ أَبَى، فَهُوَ مُضَارٌّ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ فِي الظِّهَارِ] (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ: تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ كَلَفْظَةِ مِثْلُ أَوْ الْكَافُ فَيَقُولُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي، وَأَمَّا لَوْ حَذَفَ الْأَدَاةَ فَقَالَ أَنْتِ أُمِّي لَكَانَ خَارِجًا عَنْ الظِّهَارِ، وَيَرْجِعُ إلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَصَّ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى أَنَّهُ مُظَاهِرٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ ظَاهَرَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا كَفَّارَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ

تنبيه ظهار الفضولي

صَحِيحٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَوْ كَانَ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ انْتَهَى، وَمَا قَالَهُ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ هُوَ فِي الْبَيَانِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَنَصُّهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ. قَالَ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرَكِ بِيَدِكِ فَتَقُولُ أَنَا عَلَيْكَ كَظَهْرِ أُمِّكَ قَالَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُوجِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ فَقَطْ سَقَطَ مَا بِيَدِهَا مِنْ التَّمْلِيكِ إذَا قَضَتْ بِمَا لَيْسَ لَهَا إلَّا أَنْ تَقُولَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا الزَّوْجُ فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا ظِهَارُ السَّكْرَانِ فَكَطَلَاقِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [تَنْبِيهٌ ظِهَارُ الْفُضُولِيِّ] (تَنْبِيهٌ) ظِهَارُ الْفُضُولِيِّ هَلْ يَلْزَمُ إذَا أَمْضَاهُ الزَّوْجُ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ كَالطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ مَنْ تَحِلُّ مُرَادُهُ بِهِ مَنْ تَحِلُّ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَعْلِيقًا، وَإِلَّا كَانَ رَسْمُهُ غَيْرَ جَامِعٍ لِخُرُوجٍ نَحْوُ قَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَعَ أَنَّهُ ظِهَارٌ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ أَوْ جَزَّأَهَا بِظَهْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ جُزْئِهِ لَوْ قَالَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ جُزْئِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ يَشْمَلُ الظَّهْرَ، وَغَيْرَهُ، وَيَكُونُ شَبِيهَ قَوْلِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ تَشْبِيهُ جُمْلَةٍ بِجُمْلَةٍ، وَبَعْضٍ بِبَعْضٍ، وَبَعْضٍ بِجُمْلَةٍ، وَهِيَ كُلُّهَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الَّذِي شَبَّهَ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ شَبَّهَ بِهِ زَوْجَتَهُ مِمَّا يَنْفَصِلُ عَنْهَا أَوْ عَنْ الْمُشَبَّهَةِ بِهَا مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَالْكَلَامِ أَوْ الشِّعْرِ، فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ طَلَّقَ ذَلِكَ مِنْ زَوْجَتِهِ انْتَهَى، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ: إنَّ الْأَحْسَنَ لُزُومُهُ فِي الشِّعْرِ، وَالْكَلَامِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَجُزْؤُهَا مِثْلُ كُلِّهَا كَالطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ كَالطَّلَاقِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الِاحْتِجَاجُ عَلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى التَّطْلِيقِ بِالْجُزْءِ، وَيُخَالِفُ هُنَا، وَثَانِيهِمَا الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ جُزْءٍ يَلْزَمُ بِهِ الظِّهَارُ بَلْ هُوَ كَالطَّلَاقِ فَيَتَّفِقُ عَلَى الظِّهَارِ إنْ شَبَّهَ بِيَدِهَا وَرِجْلِهَا، وَيَخْتَلِفُ فِي الشِّعْرِ، وَالْكَلَامِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْأَجْزَاءِ الْمُتَّصِلَةِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ كَالْبُصَاقِ، وَنَحْوِهِ انْتَهَى ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الظِّهَارِ بِدَوَاعِي الْوَطْءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مُضَاجَعَتُك أَوْ مُلَامَسَتُك أَوْ قُبْلَتُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الظِّهَارَ يَلْزَمُهُ قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَوْلُهُ مُحَرَّمٌ يَشْمَلُ الْمُحَرَّمَ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمَحَارِمِ، وَالْمُلَاعِنَةِ، وَالْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَيَشْمَلُ الْمُحَرَّمَةَ لَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأُخْتِ الزَّوْجَةِ، وَعَمَّتِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَيَشْمَلُ أَيْضًا مُكَاتَبَتَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مُحْرِمَةٌ أَوْ حَائِضٌ إلَى آخِرِهِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ. ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ مُكَاتَبَتِي لَزِمَهُ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ فَكَذَلِكَ إذَا ظَاهَرَ بِهَا لَزِمَهُ الظِّهَارُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَحِلُّ إذَا عَجَزَتْ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي الْمُكَاتَبَةِ لَوْ عَجَزَتْ قَوْلَانِ، وَانْظُرْ لَوْ شَبَّهَ بِهَا فِي الظِّهَارِ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ مُكَاتَبَتِي فَأَدَّتْ أَوْ عَجَزَتْ هَلْ تَكُونُ الزَّوْجَةُ مُظَاهَرًا مِنْهَا؟ انْتَهَى، وَهَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالنَّصُّ مَوْجُودٌ، وَلَمْ يُنَبِّهْ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا رَأَيْتُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ قَالَ الرَّجُلُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَأُخْتِي وَزَوْجَتِي مَا يَلْزَمُهُ فِي زَوْجَتِهِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَمَّنْ قَالَ الرَّجُلُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي، وَأُخْتِي، وَزَوْجَتِي مَا يَلْزَمُهُ فِي زَوْجَتِهِ، وَهَلْ هِيَ مَنْصُوصَةٌ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا، وَالظَّاهِرُ عِنْدِي لُزُومُ التَّحْرِيمِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ عَطْفِهَا عَلَى الْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ أَنْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ، وَزَوْجَتِي، وَيُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى الْمَجْرُورِ بِالْكَافِ لَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ الظِّهَارُ لَا الطَّلَاقُ، وَعَلَى الثَّانِي الطَّلَاقُ، وَيَكُونُ مِنْ عَكْسِ

التَّشْبِيهِ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ تَحْلِيفُ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ مَا نَوَى الطَّلَاقَ، وَيُكَلَّفُ بِحُكْمِ الظِّهَارِ. ص (وَبِوَقْتِ تَأَبُّدٍ) ش: يَعْنِي إذَا وَقَّتَ الظِّهَارَ بِوَقْتِ تَأَبُّدٍ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرُ فَإِنَّهُ مُظَاهِرٌ، وَلَوْ مَضَى الْيَوْمُ أَوْ الشَّهْرُ، وَلَيْسَ مِنْهُ قَوْلُ الْمُحْرِمِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَا دُمْتُ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ الْآنَ كَظَهْرِ أُمِّهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ لِلْمُظَاهَرِ مِنْهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِي الْكَلَامِ عَلَى ظِهَارِ الْمَجْبُوبِ، وَالْمُعْتَرِضِ ظِهَارُ الْمُحْرِمِ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَا دُمْتُ مُحْرِمًا لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ؛ لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ كَظَهْرِ أُمِّهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ظَاهَرَ، ثُمَّ ظَاهَرَ فَلَا يَلْزَمُهُ الثَّانِي، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَوْلِهِ مَا دُمْتُ مُحْرِمًا لَزِمَهُ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ تَتَضَمَّنُ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ انْتَهَى نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ، وَمِثْلُ الْمُحْرِمِ فِيمَا يَظْهَرُ الْمُعْتَكِفُ، وَالصَّائِمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِعَدَمِ زَوَاجٍ فَعِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزِيمَةِ) ش: نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَإِنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزِيمَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزِيمَةِ انْتَهَى زَادَ ابْنُ شَاسٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّهَا فَحُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى هَذَا فَقَطْ، وَقَالَ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لِكَوْنِهِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ كَالطَّلَاقِ أَوْ لَا؟ وَنَصَّ الْبَاجِيُّ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ، وَيَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ انْتَهَى، وَفَهِمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَهُ الْوَطْءُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ رَفَعَتْهُ أُجِّلَ حِينَئِذٍ، وَوَقَفَ لِتَمَامِهِ فَإِنْ فَعَلَ بَرَّ. وَإِنْ قَالَ أَلْتَزِمُ الظِّهَارَ وَاحِدَةً فِي الْكَفَّارَةِ لَزِمَهُ، وَلَمْ يُطَلِّقْ إلَّا بِالْإِيلَاءِ حِينَ دُعِيَ لِلْفَيْئَةِ فَإِنْ فَرَّطَ فِي الْكَفَّارَةِ صَارَ كَمُولٍ يَقُولُ أَفِيءُ، فَيُخْتَبَرُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْإِيلَاءِ، ثُمَّ قَالَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ ابْنِ شَاسٍ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ إلَى آخِرِهِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا أَعْرِفُهُ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْهَا إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ انْتَهَى، وَانْظُرْ إنْكَارَهُ هَذَا إنْ كَانَ بِنَاءً مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى فَهْمِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَفَهْمِ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ عِبَارَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ صَرِيحَ عِبَارَتِهِ بَلْ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمَا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ: إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِكَوْنِهِ لَا يُمْنَعُ، وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْلِهِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ، وَأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ انْتَهَى، وَإِنْ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزِيمَةِ، فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَا قَالَاهُ هُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الظِّهَارُ بِقَوْلِهِ امْرَأَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ بَعْدُ. وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُجْزِئُهُ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ هُوَ فِيهَا عَلَى حِنْثٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ لِيَحِلَّ عَنْ نَفْسِهِ الظِّهَارَ فَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَطَالَبَتْهُ امْرَأَتُهُ بِالْوَطْءِ، وَرَفَعَتْهُ إلَى السُّلْطَانِ ضَرَبَ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَّا أَنْ يُكَفِّرَ انْتَهَى فَقَوْلُهُ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ، وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَكَلَامُهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِرُمَّتِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَتَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ إنْ عَادَ ثُمَّ ظَاهَرَ

تنبيه ألفاظ الظهار

وَإِنْ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إشْكَالٌ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةُ الْقَرَافِيِّ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى كِفَايَةُ اللَّبِيبِ فِي كَشْفِ غَوَامِضِ التَّهْذِيبِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ، وَبِعَزْمٍ عَلَى ضِدِّهِ. وَهِيَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَلْقَةً، ثُمَّ يَرْتَجِعْهَا فَتَزُولَ يَمِينُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِشْكَالِ، وَمَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمُعَلَّقِ تَقْدِيمُ كَفَّارَتِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ) ش: نَحْوُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ فِي رَسْمِ لَمْ يُدْرِكْ قَالَ مَنْ قَالَ امْرَأَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ فَعَلْت كَذَا لَا يُجْزِئُهُ كَفَّارَتُهُ قَبْلَ حِنْثِهِ كَحَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ لَأَفْعَلُ كَذَا لَا يُجْزِيهِ تَقْدِيمُ طَلَاقِهِ عَلَى حِنْثِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ فِي الظِّهَارِ أَوْضَحُ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ يَجِبُ بِحِنْثِهِ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ بِحِنْثِهِ فِي الظِّهَارِ حَتَّى يَطَأَ قَالَ، وَلَوْ حَلَفَ بِالظِّهَارِ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَفَّارَةَ، وَيَبَرَّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّلَاقَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا، وَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَ عَلَى مَا فِي النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي آخِرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِعَدَمِ جَوَازٍ، فَعِنْدَ الْيَأْسِ أَوْ الْعَزِيمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه أَلْفَاظَ الظِّهَارِ] ص (وَصَرِيحُهُ بِظَهْرِ مُؤَبَّدٍ تَحْرِيمُهَا أَوْ عُضْوِهَا أَوْ ظَهْرِ ذَكَرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ أَلْفَاظَ الظِّهَارِ عَلَى نَوْعَيْنِ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ مَا فِيهِ ظَهْرٌ مُؤَبَّدٌ تَحْرِيمُهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ قَصْرُ الصَّرِيحِ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ: صَرِيحُهُ مَا فِيهِ ظَهْرُ مُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ عَمَّتِي، وَكِنَايَتُهُ الظَّاهِرَةُ مَا سَقَطَ فِيهِ أَحَدُهُمَا كَأُمِّي أَوْ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْخَفِيَّةُ كَاسْقِنِي الْمَاءَ مُرَادًا بِهِ الظِّهَارُ ابْنُ رُشْدٍ صَرِيحُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَا ذُكِرَ فِيهِ الظَّهْرُ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَغَيْرِهَا، وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا ذُكِرَ فِيهِ ذَاتُ مَحْرَمٍ، وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ الظَّهْرُ، وَكِنَايَتُهُ عِنْدَ أَشْهَبَ أَنْ لَا يُذْكَرَ الظَّهْرُ فِي غَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ الظَّهْرُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ غَيْرُ كِنَايَةٍ فَلَا كِنَايَةَ عِنْدَهُ انْتَهَى. (قُلْت) مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ، وَلَهُ صَرِيحٌ، وَكِنَايَاتٌ فَصَرِيحُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ

تنببه أراد بصريح الظهار الطلاق أو الطلاق والظهار

وَأَشْهَبَ رِوَايَتُهُمَا عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَكِنَايَتُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي غَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَكِنَايَتُهُ عِنْدَ أَشْهَبَ أَنْ لَا يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي غَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَمِنْ صَرِيحِهِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنْ لَا يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي ذَاتِ مَحْرَمٍ، وَلَيْسَ مِنْ كِنَايَاتِهِ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الظَّهْرَ فِي غَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ، فَلَا كِنَايَةَ عِنْدَهُ لِلظِّهَارِ انْتَهَى فَكَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَعَلَّ فِي كَلَامِهِ سَقْطًا أَوْ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ سَقْطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ عُضْوُهَا أَوْ ظَهْرُ ذَكَرٍ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا شَبَّهَ بِعُضْوٍ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الصَّرِيحِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ صَرَّحَ فِي الْجَوَاهِرِ بِأَنَّهُ إذَا شَبَّهَ بِعُضْوٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَنَصُّهُ الرُّكْنُ الثَّالِثُ اللَّفْظُ، وَهُوَ قِسْمَانِ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَالصَّرِيحُ مَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ الظَّهْرِ فِي مَحْرَمٍ مِنْ النِّسَاءِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي أَوْ مِنْ أُمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالْكِنَايَةُ نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَتْ ذِكْرَ الظَّهْرِ فِي الْمُحَرَّمِ أَوْ التَّشْبِيهِ بِالْمُحَرَّمِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الظَّهْرِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ حَرَامٌ كَأُمِّي أَوْ مِثْلُ أُمِّي أَوْ فَخِذِهَا أَوْ بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَكَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ أَوْ غَيْرُ مُتَزَوِّجَةٍ، وَخَفِيَّةٌ، وَهِيَ مَا لَا تَقْتَضِي الظِّهَارَ بِوَجْهٍ كَقَوْلِهِ اُدْخُلِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ تَمَتَّعِي، وَشِبْهُهُ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصَّ فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ بِقَوْلِهِ كَأُمِّي فِي كَوْنِهِ كِنَايَةً ظَاهِرَةً مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ كَخَدِّ أُمِّي أَوْ رَأْسِهَا أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا انْتَهَى. ، وَأَمَّا إذَا قَالَ كَظَهْرِ ذَكَرٍ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الظِّهَارِ أَمْ لَا؟ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ ظِهَارٌ لَكِنْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَفِي كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) يَدْخُلُ فِي الصَّرِيحِ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَا إذَا شَبَّهَ بِظَهْرِ مُلَاعِنَةٍ، وَقَدْ أَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُلَاعَنَةَ؛ وَلَيْسَتْ مُحَرَّمًا إذْ الْمُحَرَّمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ لِحُرْمَتِهَا، فَقَوْلُنَا لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهَا بَلْ لِعَارِضٍ انْتَهَى، وَيَدْخُلُ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ مَا إذَا شَبَّهَ بِظَهْرِ أُخْتِ زَوْجَتِهِ أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ، وَنَصُّهُ، وَلَوْ شَبَّهَ بِمُحَرَّمَةٍ لَا عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنْ ذَكَرَ الظَّهْرَ فَهِيَ مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا انْتَهَى. (الثَّانِي) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَأَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي بِحَذْفِ عَلَى قَالَهُ فِي اللُّبَابِ (الثَّالِثُ) تَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِسْمَةَ رَبَاعِيَةٌ تَارَةً يَذْكُرُ الظَّهْرَ مِنْ غَيْرِ مُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ، وَتَارَةً يَذْكُرُ مُؤَبَّدَةَ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ ظَهْرٍ، وَتَارَةً يَذْكُرُ غَيْرَ مُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ بِغَيْرِ ظَهْرٍ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّرِيحُ، وَالثَّانِي، وَالثَّالِثُ هُمَا الْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ، وَبَقِيَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ الْبَتَاتُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الظِّهَارَ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ الرَّابِعِ فَإِنْ قُلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَمَا بَعْدَهَا مِنْ أَيْ الْأَقْسَامِ هِيَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صَرِيحِ الظِّهَارِ قَطْعًا، وَلَا مِنْ الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ قَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ قِيلَ هِيَ كَالْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الظَّاهِرَةِ، وَالْخَفِيَّةِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى، وَهَذَا كَلَامُ التَّوْضِيحِ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَقَوْلُهُ، وَمَا بَعْدَهَا يَعْنِي بِهِ مَسْأَلَةَ التَّشْبِيهِ بِظَهْرِ الذَّكَرِ، وَمَسْأَلَةُ قَوْلِهِ كَابْنِي، وَغُلَامِي، وَمَسْأَلَةِ أَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي، وَهَذَا الْكَلَامُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّشْبِيهَ بِظَهْرِ الذَّكَرِ لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تنببه أَرَادَ بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ أَوْ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ] ص (وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ، وَهَلْ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَهُ إذَا نَوَاهُ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي؟ تَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَ

الظِّهَارِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؟ أَوْ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ فَقَطْ؟ تَأْوِيلَانِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى شَبَّهَهَا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي جَرَيَانِ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ اتِّكَالًا عَلَى الْمَفْهُومِ، فَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَقُولُ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الظِّهَارِ إذَا نَوَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَا يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ بِالطَّلَاقِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَأَحْرَى مَعَ عَدَمِهَا غَيْرَ أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَهُ، وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ، وَهَلْ إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ دُونَ الظِّهَارِ فَيَقْرُبُ حِينَئِذٍ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَيَكُونُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ يُؤَاخَذُ بِالطَّلَاقِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ، وَالظِّهَارِ، وَالْكِنَايَةِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ الطَّلَاقَ صُدِّقَ أَتَى مُسْتَفْتِيًا أَوْ أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَالصَّرِيحُ لَا يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ إذَا أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَيُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَبِالظِّهَارِ بِمَا لَفَظَ بِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَيْهَا سَبِيلٌ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَقِيلَ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَاهُ، وَأَرَادَهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَصَدَقَ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ بِالظِّهَارِ، وَإِنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يَقُولُ هُوَ ظِهَارٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي آخِرِ كِتَابِ الظِّهَارِ قَالَ: أَصْلُ الظِّهَارِ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَإِذَا ظَاهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ سَمَّى الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ أَرَادَ بِذَلِكَ الظِّهَارَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الظِّهَارَ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَتَاتًا، وَلَا يَنْوِي فِي وَاحِدَةٍ، وَلَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ بِذَوَاتِ مَحْرَمٍ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَنَّهُ طَلَاقٌ سَمَّى الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ، وَمُسَاوَاتُهُ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الظَّهْرَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَطُولِبَ بِحُكْمِ الظِّهَارِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الظَّهْرَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ حَضَرَتْهُ بِالْإِفْصَاحِ بِهِ، فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي طَرْحِ الْكَفَّارَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ نَوَاهُ، وَأَرَادَ الطَّلَاقَ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ الظَّهْرَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ وَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِمْ أَنَّ مَنْ ادَّعَى نِيَّةً مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ لَفْظِهِ لَا يُصَدَّقُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا إنْ لَمْ يُسَمِّ الظَّهْرَ، وَظَاهِرٌ إنْ سَمَّاهُ، وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُفَسِّرَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِرِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَوَّلَ الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ: إنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَمَا أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بَلْ يُخَالِفُ فِي الطَّرَفَيْنِ، فَيَقُولُ فِي الرَّجُلِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ الظِّهَارَ أُلْزِمَ الظِّهَارَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ نِيَّتِهِ، وَالطَّلَاقُ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ لَفْظِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي تَنْوِيَتِهِ ثَالِثُهَا يَنْوِي فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ يَعْنِي لَوْ ادَّعَى فِي صَرِيحِ الظِّهَارِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الظِّهَارَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّلَاقَ، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَمْ لَا الْمَازِرِيُّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَيَكُونُ ظِهَارًا رَوَاهُ

ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ نَوَى إنَّكِ بِمَا أَقُولُ طَالِقٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَنْوِي فِي الطَّلَاقِ سَوَاءٌ قَصَدَ الثَّلَاثَ أَوْ دُونَهَا لِعِيسَى وَسَحْنُونٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَنْوِي إنْ قَصَدَ الثَّلَاثَ، وَلَا يَنْوِي إنْ قَصَدَ دُونَهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ عَالِمًا بِمُوجِبِ الظِّهَارِ، وَقَصَدَ الْخِلَافَ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ، وَهُوَ يَجْهَلُ حُكْمَ الظِّهَارِ، وَيَنْوِي أَنَّهُ طَلَاقٌ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَفِي مِثْلِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ (تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَبْهَرِيِّ، وَرَوَى عِيسَى وَابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُصَدَّقُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا إنْ أَحْضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ، وَالطَّلَاقِ مَعًا هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ وَاللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ عَكْسُ كَلَامِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ هَلْ يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ أَمْ لَا، وَأَمَّا مَعَ الْبَيِّنَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِمَا، وَكَلَامُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ هَلْ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الظِّهَارِ أَوْ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالظِّهَارِ فَقَطْ؟ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ جَارِيَانِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَمَعَ عَدَمِ قِيَامِهَا فَتَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ، وَكَذَلِكَ مَعَ قِيَامِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ، وَهَلْ إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا نَوَى، وَيُجْعَلُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ لَمْ يُؤْخَذْ بِالظِّهَارِ، فَيَقْرُبُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ، فَيُؤْخَذُ بِهَا مَعَ الْبَيِّنَةِ أَوْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ لَوَفَّى بِالْمَقْصُودِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي، فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِي تَشْبِيهٌ لِمَسْأَلَةٍ بِأُخْرَى لَا تَمْثِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهَا وَلِذَا اُغْتُفِرَ فِيهِ إدْرَاجٌ كَأُمِّي، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ انْتَهَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ الْجَارِيَيْنِ فِيمَا إذَا نَوَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ يَجْرِيَانِ فِيمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي يَعْنِي إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ فِيهَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَصَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَإِنْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي أَوْ حَرَامٌ كَأُمِّي، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَإِنْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي، فَهُوَ مُظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْحَرَامِ مَخْرَجًا حِينَ قَالَ: مِثْلُ أُمِّي قَالَ غَيْرُهُ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْكَفَّارَةَ فِي الظِّهَارِ، وَلَا يَعْقِلُ مَنْ لَفَظَ بِهِ فِيهِ شَيْئًا سِوَى التَّحْرِيمِ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ أُمَّهُ كَانَ الْبَتَاتُ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى؛ لِأَنَّهُ إذَا قُلْنَا إنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارٌ فَقَوْلُهُ كَظَهْرِ أُمِّي مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ ذَكَرَ فِيهِمَا خِلَافَ مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَنَصُّهُ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي، فَعَلَى مَا نَوَى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظِهَارٌ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ طَلَاقٌ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إنْ نَوَى بِذَلِكَ الظِّهَارَ، وَالطَّلَاقَ لَزِمَاهُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا قَدَّمَ الظِّهَارَ فِي نِيَّتِهِ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ فَقَطْ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ابْنَ شَاسٍ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا قَالَاهُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ بِمُقْتَضَاهُ إنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ آخِرًا مَعَ النِّيَّةِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ، وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ فِي الْأُولَى خِلَافٌ

هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي مَعْنَى الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ لَا خِلَافَ فِي إلْزَامِهِ الظِّهَارَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَكَلَامُ عِيَاضٍ قَرِيبٌ مِنْهُ أَعْنِي أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الْكِتَابِ أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ، وَإِنْ قَرَنَ بِظِهَارِهِ لَفْظَةَ الْحَرَامِ فَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ ظِهَارٌ. وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فِي ذَلِكَ، وَفِي حَرَامٍ مِنْ أُمِّي أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا إذَا سَمَّى الظَّهْرَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ، فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى، وَفِي كِتَابِ الْوَقَارِ فِي حَرَامٍ مِثْلُ أُمِّي هُوَ الْبَتَاتُ، وَيَلْزَمُهُ الظِّهَارُ مَتَى رَاجَعَ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي أَنَّهَا ثَلَاثٌ انْتَهَى، وَنَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا إذَا قَالَ حَرَامٌ مِثْلُ أُمِّي إنَّهُ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الظِّهَارَ قِيلَ، وَالْمَشْهُورُ فِي أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي إنَّهُ ظِهَارٌ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوَهُ لِأَبِي الْحَسَنِ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ فِي الثَّانِيَةِ لَا اخْتِلَافَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ فِي الْأُولَى خِلَافٌ، وَيَعْنِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ فِي الْأُولَى هُوَ ظِهَارٌ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُهُ، وَأَنَّ الْغَيْرَ يَقُولُ هُوَ ظِهَارٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : مَا تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ قَصْرِ الْخِلَافِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حُكْمَ الظِّهَارِ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي اللُّبَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ طَرِيقَةً (الثَّانِي) لَوْ أَرَادَ بِصَرِيحِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ، وَالظِّهَارَ جَمِيعًا فَالظَّاهِرُ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُمَا يَلْزَمَاهُ مَعًا، وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ فَاللَّازِمُ لَهُ الثَّلَاثُ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لِمَا سَيَقُولُهُ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ يَنْوِي فِي ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ الْبَتَاتُ ص (أَوْ أَنْتِ أُمِّي) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الظِّهَارِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إذَا قَالَ: أَنْتِ أُمِّي إنْ فَعَلْت كَذَا، وَكَذَا فَفَعَلَهُ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَهَذَا لِقَصْدِ الْحَالِفِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ أَنْ يَجْعَلَهَا حَرَامًا كَأُمِّهِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْتِ أُمِّي أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمًّا، وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَكُونَ شَخْصَانِ هُنَا شَخْصًا وَاحِدًا انْتَهَى، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ أُمِّي إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الظِّهَارَ أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قَوْلَهُ يَا أُمِّي، وَيَا أُخْتِي، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ أُمِّي يُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَهُوَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ، فَهُوَ ظِهَارٌ انْتَهَى، وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَحَدَهُمَا) رِوَايَةُ عِيسَى هَذِهِ (وَالثَّانِي) رِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ، وَعَلَى رِوَايَةِ عِيسَى مَشَى الْمُصَنِّفُ. ص (فَالْبَتَاتُ) ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكِنَايَةَ نَوْعَانِ (الْأَوَّلُ) : إذَا شَبَّهَ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ فَثُبُوتُهُ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ هُوَ ظِهَارٌ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَهُوَ الْبَتَاتُ، وَلَا يَنْوِي فِي دُونِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَيَنْوِيَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَنْوِي أَيْضًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يُوقَفَ الْأَمْرُ عَلَى مَا نَوَى، وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي إذَا قَالَ: أَنْتِ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ ظِهَارٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مَا نَوَى هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى، وَقَالَ أَوَّلًا فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيَنْوِي فِي الطَّلَاقِ أَيْ يَنْوِي فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ بِنَوْعَيْهَا، وَيُصَدَّقُ فِيمَا قَصَدَهُ مِنْهُ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يَنْوِي فِيمَا أَرَادَ فَتَأَمَّلْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ الْبَتَاتُ قَالَ، وَفِيهَا إنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ أَمْ لَا، فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ طَالِقٌ أَبُو إبْرَاهِيمَ قَوْلُ الْغَيْرِ خِلَافٌ قَالَ فَضْلٌ وَابْنُ رُشْدٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ زَادَ بَعْدَهُ

وَلَا نِيَّةَ لَهُ، وَزَادَ أَيْضًا بَعْدَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ فَيَكُونُ الْبَتَاتُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَ بِأَيِّ كَلَامٍ نَوَاهُ) ش: هَذِهِ هِيَ الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ مَا مَعْنَى لَفْظِهِ مُبَايِنٌ لَهُ، وَأَزِيدُ مِنْهُ إنْ لَمْ يُوجِبْ مَعْنَاهُ حُكْمًا اُعْتُبِرَ فِيهِ كَاسْقِنِي الْمَاءَ، وَإِلَّا فَفِيهِمَا كَانَتْ طَالِقٌ، وَأَشَارَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إلَى إجْرَائِهَا عَلَى خَفِيَّةِ الطَّلَاقِ، فَتُلْغَى عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَرِوَايَتِهِ لَغْوُهَا فِي الطَّلَاقِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِيهَا إنْ لَمْ يَنْوِ فِيهَا مَعْنَى التَّطْلِيقِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. ص (لَا بِإِنْ وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ لِغَيْرِهِ قَالَ: وَكَوْنُهُ ظِهَارًا أَقْرَبُ مِنْ لَغْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ، وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَطَأَ أُمِّي فَهُوَ لَغْوٌ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ، وَطْئِي إيَّاكِ كَوَطْءِ أُمِّي، فَهُوَ ظِهَارٌ، وَهَذَا أَقْرَبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77] لَيْسَ مَعْنَاهُ لَا يَسْرِقُ حَتَّى يَسْرِقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِلَّا لَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَلْ مَعْنَاهُ سَرِقَتُهُ كَسَرِقَةِ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَلِذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ بَعْضُ كَلَامِهِ، وَتَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ، وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: لَا أَعُودُ لِمَسِّكِ حَتَّى أَمَسَّ أَمَتِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ قَالَ: لَا أَمَسُّ أَمَتِي أَبَدًا. (قُلْت) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَقَدْ وَطِئْتُ أُمِّي نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ، وَفِي النَّفْسِ مَنْ نَقَلَهُ؟ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ شَكٌّ لِعَدَمِ نَقْلِهِ الشَّيْخُ فِي نَوَادِرِهِ، وَانْظُرْ هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ أُمِّي سَمِعَ عِيسَى أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ لَغْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فَانْظُرْ هَذَا الَّذِي تَرَكَهُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَقَدْ، وَطِئْتُ أُمِّي أَيْ وَطْئِي إيَّاكِ مِثْلُ، وَطْءِ أُمِّي، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ كَمَا قَالَ قَبْلَهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا، وَقَبِلَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَائِلِ الظِّهَارِ كَمَا قَالَ وَقَبِلَهُ، وَنَصُّهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنُ عَرَفَةَ مُتَدَافِعٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ إنَّ الصَّقَلِّيَّ ذَكَرَهُ عَنْ سَحْنُونٍ، وَقَوْلُهُ إنَّ فِي النَّفْسِ شَيْئًا مِنْ نَقْلِهِ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ لِعَدَمِ نَقْلِهِ الشَّيْخُ فِي نَوَادِرِهِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ إمَامَةَ ابْنُ يُونُسَ، وَجَلَالَتَهُ، وَثِقَتَهُ مَعْرُوفَةٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَنَ فِي قَوْلِهِ، وَكَوْنُ الشَّيْخِ لَمْ يَذْكُرْهُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَنْفِ وُجُودَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الظِّهَارَ أَمَّا إذَا نَوَى بِهِ الظِّهَارَ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِأَيِّ كَلَامٍ نَوَاهُ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الظِّهَارِ: وَلَوْ قَالَ: لَا أَمَسُّكِ حَتَّى أَمَسَّ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْحِقْهَا بِهَا فِي التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يُشْبِهَا بِهَا، وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ لَكَانَتْ طَالِقًا انْتَهَى. (قُلْت) ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّحْرِيمَ، فَهُوَ طَلَاقٌ فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنْ قَصَدَ بِهَا التَّحْرِيمَ، فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا الظِّهَارَ فَظِهَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ إنْ عَادَ ثُمَّ ظَاهَرَ) ش: يَعْنِي لَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ عَادَ، ثُمَّ ظَاهَرَ أَيْضًا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ

وَلَوْ كَانَ ظِهَارُهُ ثَانِيَةً بِمَا ظَاهَرَ بِهِ أَوَّلًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَعَادَ، ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمَّا تَقَرَّرَ شَرْطُهَا، وَهُوَ الْعَوْدُ صَارَتْ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ مَا عَلَّقَ بِهِ أَوَّلًا مُخَالِفَةً لِلْأُولَى، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ انْتَهَى، وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ نَحْوُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا مَثَّلَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَبِمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ ثُمَّ عَادَ ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَمُقْتَضَى كَلَامِهَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَدَّدُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الصُّورَتَيْنِ بَلْ لَوْ شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ ظَاهَرَ لَمْ تَتَعَدَّدْ الْكَفَّارَةُ بَلْ يَبْتَدِئُهَا مِنْ حِينَئِذٍ. وَتُجْزِئُ عَنْ الظِّهَارَيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا وَقَعَ الظِّهَارُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ عَنْ الظِّهَارِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إتْمَامُ الْأُولَى، وَاسْتَأْنَفَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مِنْ يَوْمِ أَوْقَعَ الظِّهَارَ الثَّانِيَ، وَحَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ إذَا أَوْقَعَ الثَّانِيَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ الْأُولَى يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا، وَابْتِدَاءُ كَفَّارَةٍ أُخْرَى لِلظِّهَارِ الثَّانِي هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الظِّهَارُ الْأَوَّلُ بِفِعْلٍ، وَالثَّانِي بِفِعْلٍ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ وَاحِدًا، وَهُوَ بَعِيدٌ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي دِيوَانِهِ أَنَّ كَفَّارَةً وَاحِدَةً تُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كَيْفَمَا كَانَ، فَعَلَى مَذْهَبِهِ إذَا وَقَعَ الظِّهَارُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْأَوَّلِ يَبْتَدِئُ مِنْ يَوْمِ أَوْقَعَ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا بِفِعْلَيْنِ فِي شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ إذَا أَوْقَعَ الظِّهَارَ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ لِلْأَوَّلِ يُتِمُّ لِلْأُولَى، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الثَّانِيَةَ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا بِغَيْرِ فِعْلٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ إنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأُولَى إلَّا يَسِيرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأُولَى إلَّا يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا، وَيُجْزِئُهُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي رَجُلٍ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَخَذَ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَمَّا صَامَ شَهْرًا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُشَاجَرَةٌ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ، قَالَ يَبْتَدِئُ شَهْرَيْنِ مِنْ يَوْمِ ظَاهَرَ لِلظِّهَارِ الْآخَرِ قِيلَ لَهُ، فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ فَلَمَّا صَامَ أَيَّامًا أَرَادَ أَنْ يَبَرَّ بِالتَّزْوِيجِ عَلَيْهَا قَالَ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبَطَلَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الظِّهَارُ بِقَوْلِهِ امْرَأَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ بَعْدُ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُجْزِئُهُ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ هُوَ فِيهَا عَلَى حِنْثٍ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ لِيَحِلَّ عَنْ نَفْسِهِ الظِّهَارَ، فَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَطَلَبَتْهُ الْمَرْأَةُ بِالْوَطْءِ ضَرَبَ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ إلَّا أَنْ يُكَفِّرَ، فَإِنْ هُوَ لَمَّا أَخَذَ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْكَفَّارَةَ، وَسَقَطَ مَا مَضَى مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَا قَالَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُتِمَّ الْكَفَّارَةَ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِمَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بَرَّ بِالتَّزْوِيجِ، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إتْمَامُ مَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ أَخَذَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلْيَبْتَدِئْ الْآنَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَتُجْزِئُهُ، وَقِيلَ بَلْ يُتِمُّ الْأُولَى، وَيَبْتَدِئُ كَفَّارَةً ثَانِيَةً مُحَمَّدٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا كَانَ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأُولَى إلَّا الْيَسِيرُ، وَأَمَّا إنْ مَضَى يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَلِيُتِمَّ، وَيُجْزِئُهُ لَهُمَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: سَوَاءٌ مَضَى أَكْثَرُ الْكَفَّارَةِ أَوْ أَقَلُّهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يَبْدَأَ الْكَفَّارَةَ

عَنْ الظِّهَارَيْنِ إذَا كَانَا نَوْعًا وَاحِدًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ يَقُولُ، وَقَدْ أَخَذَ فِي الْكَفَّارَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا، وَالثَّانِي بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَالثَّانِي بِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا، فَلْيُتِمَّ الْأُولَى، وَيَبْتَدِئْ كَفَّارَةً ثَانِيَةً لِلظِّهَارِ الثَّانِي انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ حَدَثَ التَّكْرَارُ بَعْدَ تَمَامِ كَفَّارَةِ الْأَوَّلِ تَعَدَّدَتْ لِمَا بَعْدَهَا اتِّفَاقًا، وَلَوْ حَدَثَ فِي أَثْنَائِهَا، فَفِي إجْزَاءِ ابْتِدَائِهَا عَنْهُمَا، وَلُزُومُ تَمَامِ الْأُولَى، وَابْتِدَاءِ ثَانِيَةٍ ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأُولَى إلَّا الْيَسِيرُ، وَإِنْ مَضَى مِنْهَا يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَجْزَأَهُ إتْمَامُهَا عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ عَادَ ثُمَّ ظَاهَرَ لَزِمَ ظِهَارُهُ دُونَ خِلَافٍ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: لَوْ وَطِئَ بَدَلَ لَوْ عَادَ لَاسْتَقَامَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ) ش: أَيْ لَا إنْ قَالَ: لِنِسْوَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا تَزَوَّجَهُنَّ أَوْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَنْ تَزَوَّجْتُ مِنْكُنَّ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِابْنِ الْمَوَّازِ ص (أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ) ش: أَيْ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَنْ تَزَوَّجْت مِنْ النِّسَاءِ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ، وَفِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الِاسْتِلْحَاقِ، وَانْظُرْ إذَا قَالَ مَنْ تَزَوَّجْت فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ النِّسَاءِ فَهَلْ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. ص (أَوْ كَرَّرَهُ أَوْ عَلَّقَهُ بِمُتَّحِدٍ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ظِهَارًا بَعْدَ ظِهَارٍ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا جَمِيعًا بِغَيْرِ فِعْلٍ أَوْ جَمِيعًا بِفِعْلٍ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ الْأَوَّلِ بِفِعْلٍ، وَالثَّانِي بِغَيْرِ فِعْلٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةً فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمَا إنْ كَانَا جَمِيعًا بِفِعْلَيْنِ مُخْتَلِفِينَ أَوْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بِغَيْرِ فِعْلٍ، وَالثَّانِي بِفِعْلٍ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَتَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ إنْ عَادَ ثُمَّ ظَاهَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ الْمَسُّ بَعْدَ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش:؛ لِأَنَّهَا هِيَ كَفَّارَةُ

فرع ظاهر من أمته بيمين ثم باعها ثم اشتراها

الظِّهَارِ، وَالْبَاقِي كَطَعَامٍ نَذَرَهُ قَالَهُ الْقَابِسِيُّ وَأَبُو عُمَرَ إنْ قَالَا، وَإِنَّمَا تَفَاوَضَا بِهَذِهِ الْكَفَّارَةِ، وَضَاقَ الثُّلُثُ قُدِّمَتْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَتُقَدَّمُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَمُقَابَلَةٌ لِأَبِي مُحَمَّدٍ لَا يَطَأُ حَتَّى يُكَفِّرَ مَا نَوَى مِنْ الْكَفَّارَاتِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ بِالْمَعْنَى، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ بَعْدَ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى، وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَّرَ يَعْنِي الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ لَمْ تُجْزِهِ الْكَفَّارَةُ إذْ لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حَالِفٌ كَرَجُلٍ قَالَ: إنْ، وَطِئْتُ امْرَأَتِي فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ حَتَّى يَطَأَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِلَّخْمِيِّ نَحْوَ مَا لِابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُكَلَّفَ الْتَزَمَ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ، فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ أَطَأَ لَمَا جَازَ لَهُ الْوَطْءُ إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِمَا، وَأَجَلُ هَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ مُرَادِ الْمُظَاهِرِ، وَفَهِمَ غَيْرُهُ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ وَطِئْتُهَا فَعَلَيَّ كَفَّارَتَانِ، وَعَلَى هَذَا فَيُسْئَلُ الْمُظَاهِرُ عَنْ مُرَادِهِ، وَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْعَوْدُ فِيمَا زَادَ عَلَى كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَذْهَبِ الْقَابِسِيِّ انْتَهَى، وَمَا قَالَهُ إذَا بَيَّنَ الْمَظَاهِرُ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَاخْتُلِفَ عَلَى مَاذَا يَحْمِلُ كَلَامَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْعَوْدُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَابِسِيِّ، فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مُرَادُ الْحَالِفِ مَا قَالَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْوَجْهَ الْآخَرَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْوَطْءِ فَضْلًا عَنْ الْعَوْدِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَقَطَ إنْ تَعَلَّقَ، وَلَمْ يَتَنَجَّزْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثَ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ الثَّلَاثُ احْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَبَانَتْ مِنْهُ، وَدَخَلَتْ الدَّارَ، وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا، وَدَخَلَتْ وَهِيَ تَحْتَهُ عَادَ عَلَيْهِ الظِّهَارُ انْتَهَى. ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَبَانَتْ مِنْهُ، وَدَخَلَتْ فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَزِمَهُ الظِّهَارُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّلَاقِ. [فَرْعٌ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ بِيَمِينٍ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ بِيَمِينٍ ثُمَّ، بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّ الْيَمِينَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ بِيعَتْ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذَا عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ انْتَهَى قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ بُكَيْرٍ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا يَعْنِي إذَا عَادَتْ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ. [فَرْعٌ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ بِيَمِينٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا] (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحَانِ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ فَحَلَفَ، وَهِيَ زَوْجَةٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى طَلَّقَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، ثُمَّ بَاعَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَادَتْ عَلَى الْعِصْمَةِ الْأُولَى، فَإِنْ حَنِثَ كَانَ مُظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَا مِلْكَيْنِ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ لَمْ يَبْنِ الْمِلْكَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي بَيْنَهُمَا صَحَّحَ الْبَيْعَ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ، وَهِيَ زَوْجَةٌ فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ثُمَّ بَاعَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ حَنِثَ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْأُولَى زَالَتْ، وَهَذَا نِكَاحٌ مُبْتَدَأٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ دَخَلَ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الَّتِي حَلَفَ لَهَا زَالَتْ، وَهَذَا نِكَاحٌ مُبْتَدَأٌ، وَلَوْ لَمْ يَحْنَثْ بِالطَّلَاقِ، وَأَوْقَعَ عَلَيْهَا طَلْقَةً كَانَ قَدْ بَقِيَ لَهُ فِيهَا طَلْقَتَانِ انْتَهَى، فَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ فِعْلِ طَلْقَةٍ، وَنَقَلَ فِي الشَّامِلِ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ، وَلَمْ يَنْقُلْ الْأَخِيرَ، فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَلَا كَلِمَةً، وَلَا عَنْ ابْنِ يُونُسَ، وَإِنَّمَا نَقَلَ كَلَامَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ مَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَهِيَ أَمَةٌ بِيَمِينٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ بِالْيَمِينِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَذَهَبَ الشُّيُوخُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَعُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ يَمِينٍ لَا مِلْكُ عِصْمَةٍ، فَهُوَ غَيْرُ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ كَمِلْكِ الْعِصْمَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا قَالَ: إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ لَهُ فِيهَا طَلْقَتَانِ، وَالْيَمِينُ تَعُودُ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ الْأَخِيرِ أَنَّ شِرَاءَهَا كَانَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَلَمْ يَنْقُلْ غَيْرُهُ قَالَ، وَعَكْسُهُ أَنْ يَحْلِفَ بِظَهْرِ أَمَتِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ حَتَّى بَاعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ حَنِثَ، وَهِيَ زَوْجَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ انْتَهَى ص ثُمَّ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ تَعُودُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَاهَا انْتَهَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ أَصْوَبُ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّهُ إنْ وَرِثَ جَمِيعَهَا أَوْ اشْتَرَى جَمِيعَهَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ إذْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهَا مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا أَقُولُ إنَّهَا تَعُودُ عَلَيْهِ إذْ لَا يَكُونُ الْعَوْدُ إلَّا بَعْدَ الْمُفَارِقَةِ، وَأَمَّا إذَا وَرِثَ بَعْضَهَا أَوْ اشْتَرَى بَعْضَهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَى بَقِيَّتَهَا فَحَلَّتْ لَهُ بِالْمِلْكِ فَالْيَمِينُ لَا تَعُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ غَيْرُ مِلْكِ الْعِصْمَةِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ مِنْ مِلْكِ الْعِصْمَةِ أَبْعَدُ مِنْ مِلْكِ الْعِصْمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِلْكِ الْعِصْمَةِ الْأُولَى انْتَهَى. ص (لَا إنْ تَقَدَّمَ) ش: لَا كَلَامَ فِي هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ كَانَ عَلَّقَهُ، ثُمَّ حَنِثَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الظِّهَارَ لَازِمٌ لَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ صَاحِبٌ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ كَانَا فِي مَجْلِسَيْنِ أَعْنِي قَالَ فِي مَجْلِسٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَفِي مَجْلِسٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِثْلُ قَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ عَنْهُ، وَلَوْ أَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُهَا، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، ثُمَّ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ لَمَّا وَقَعَ مُرَتَّبًا عَلَى الطَّلَاقِ انْتَهَى، وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ عُرِضَ عَلَيْهِ نِكَاحُ امْرَأَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُعَلَّقُ بِالْقَرِينَةِ كَالصَّرِيحِ كَالطَّلَاقِ، وَرَوَى الْبَاجِيُّ مَنْ ذُكِرَ لَهُ نِكَاحُ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: هِيَ أُمِّي مُظَاهِرٌ إنْ تَزَوَّجَهَا الْبَاجِيُّ يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا عَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ زَوَاجِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ فَعَلَتْ، فَهِيَ أُمِّي، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَصِفَهَا بِالْكِبَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارًا انْتَهَى ص (وَتَتَحَتَّمُ بِالْوَطْءِ) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فَإِنْ، وَطِئَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ فَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ، وَيُعَاقَبُ جَاهِلًا كَانَ أَوْ عَالِمًا، وَعُقُوبَةُ الْعَالِمِ أَشَدُّ انْتَهَى. ص (وَهَلْ يُجْزِئُ إنْ أَتَمَّهَا تَأْوِيلًا) ش: هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ

فرع إن قصد البراءة بالرجعي ارتجع ثم كفر قبل الرجعة في العدة

بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا الرَّجْعِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ أَتَمَّهَا أَجْزَأَهُ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ: وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِمَا إذَا نَوَى رَجْعَتَهَا، وَعَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَيَكُونُ كَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ إنْ قَصَدَ الْبَرَاءَةَ بِالرَّجْعِيِّ ارْتَجَعَ ثُمَّ كَفَّرَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ قَصَدَ الْبَرَاءَةَ بِالرَّجْعِيِّ ارْتَجَعَ، ثُمَّ كَفَّرَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ فَفِي الْإِجْزَاءِ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَصَدَ الْبَرَاءَةَ أَيْ أَنْ يَبْتَدِئَ الْكَفَّارَةَ فِي الرَّجْعِيِّ ارْتَجَعَ، ثُمَّ كَفَّرَ، وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ لَمَّا أَنْ طَلَّقَهَا لَمْ تَتِمَّ الْكَفَّارَةُ حَتَّى تَزَوَّجَهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَاتَّفَقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى الصَّوْمِ اتِّفَاقًا، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَبْنِي عَلَى الْإِطْعَامِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، فَذَكَرَهَا انْتَهَى، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ. [فَرْعٌ عِتْقُ الْجَنِين والرَّضِيعِ فِي الظِّهَارِ] ص (لَا جَنِينَ وَعِتْقَ بَعْدَ وَضْعِهِ) ش: هُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيُعْتَقُ إذَا وَضَعَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ أَعْتَقَ جَنِينًا عَتَقَ وَلَمْ يُجْزِهِ، أَقْرَبُ مِنْ عِبَارَتِهَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُعْتَقٌ حِينَ عِتْقِهِ، وَعِبَارَتُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُ حِينَ الْوَضْعِ، فَيُقَالُ عَلَى هَذَا إذَا وَضَعْتَهُ صَارَ رَقَبَةً، وَعِتْقُهُ حِينَئِذٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَيُجْزِئُهُ، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك الْجَوَابُ عَنْ هَذَا انْتَهَى، وَقَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ، وَعَتَقَ بَعْدَ وَضْعِهِ، وَقِيلَ بِعِتْقِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَ هَذَا الْخِلَافَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) ، وَأَمَّا عِتْقُ الرَّضِيعِ فَيُجْزِئُ قَالَهُ كُلُّ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُجْزِئُ عِتْقُ الصَّغِيرِ، وَالْأَعْجَمِيِّ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إذَا كَانَ مِنْ قَصْرِ النَّفَقَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ فِي الصَّغِيرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ يُجْزِئُهُ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْكَسْبَ، وَلَوْ بِالسُّؤَالِ، وَبِهِ كَانَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ يُفْتِي، وَيَذْكُرُ أَنَّ أَبَا حَفْصٍ الْعَطَّارَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَخَذَ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَهُ مِنْ قَوْلِهَا فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ، وَمَنْ أَعْتَقَ ابْنَ أَمَتِهِ الصَّغِيرَ، فَلَهُ بَيْعُ أُمِّهِ، وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْمُبْتَاعِ نَفَقَةَ الْوَلَدِ، وَمُؤْنَتَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي نَفَقَةَ الصَّغِيرَةِ فِي فَصْلِ زَوَاجٍ الْإِمَاءِ، وَمَا ذُكِرَ أَنَّ ابْنَ الْعَطَّارِ نَصَّ عَلَيْهِ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ مِنْ قَصْرِ النَّفَقَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا الْإِجْزَاءُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ سَعَةِ النَّفَقَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقِيلَ إنَّهُ شَرْطٌ يَنْتَفِي الْإِجْزَاءُ بِانْتِفَائِهِ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ شَيْءٌ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ يُجْزِئُ الْفَقِيرَ، وَلَا يُجْزِئُ الْغَنِيَّ انْتَهَى كَلَامُهُ. [فَرْعٌ أَعْتَقَ فِي رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ مَنْفُوسًا فَكَبُرَ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ مُطْبَقًا] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: قِيلَ أَرَأَيْتَ مَنْ أَعْتَقَ فِي رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ مَنْفُوسًا فَكَبُرَ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ مُطْبَقًا أَعَلَيْهِ بَدَلُهَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهَذَا شَيْءٌ يَحْدُثُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَاعَهُ فَكَبُرَ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَمْ يَلْحَقْ الْبَائِعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ تَعْلِيلُهُ لِإِجْزَاءِ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَأَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَحْدُثُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ مَا يَقْدَمُ، وَيَحْدُثُ مِنْ الْعُيُوبِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُعْلَمَ بِحَلِفِ الْبَائِعِ فِيهِ الْيَمِينُ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْمُكَفِّرِ فِي الْكَفَّارَةِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الرِّقَابِ، فَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَسْتَوِي الْبَائِعُ، وَالْمُبْتَاعُ فِي الْجَهْلِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَهُ أَحَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي قِيَامِ الْمُبْتَاعِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَفِّرَ قَدْ ادَّعَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ، وَلَمْ يُقَصِّرْ فَلَا دَرْكَ عَلَيْهِ. ص (وَمُنْقَطِعٌ خَبَرُهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الضَّوَالِّ: وَمَنْ أَعْتَقَ آبِقًا عَنْ ظِهَارِهِ لَمْ يُجْزِهِ إذْ لَا يَدْرِي أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ أَمْ مَعِيبٌ أَمْ سَلِيمٌ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ فِي الْوَقْتِ مَوْضِعَهُ، وَسَلَامَتَهُ مِنْ الْعُيُوبِ فَيُجْزِئُهُ أَوْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ جَهِلَهُ أَوَّلًا انْتَهَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْجَنِينِ أَنَّ هَذَا رَقَبَةٌ، وَالْجَنِينَ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي الْعَجَمِيِّ تَأْوِيلَانِ) ش: الْكَافِرُ إذَا كَانَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَالْمَجُوسِيِّ صَغِيرًا أَوْ

الفرع الأول اشترى عبدا فأعتقه في ظهاره أو بعيرا فقلده وأشعره ثم أصاب به عيبا

كَبِيرًا أَوْ مَنْ لَا يَعْقِلُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَفِي إجْزَائِهِ خِلَافٌ اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ ص (سَلِيمَةٌ عَنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ) ش: وَمِثْلُهُ الشَّلَلُ، وَالْإِقْعَادُ، وَذَهَابُ الْأَسْنَانِ كُلِّهَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ. [الْفَرْعُ الْأَوَّلُ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فِي ظِهَارِهِ أَوْ بَعِيرًا فَقَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ ثُمَّ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْحَجِّ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فِي ظِهَارِهِ أَوْ بَعِيرًا فَقَلَّدَهُ، وَأَشْعَرَهُ، ثُمَّ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا لَا يُجْزِئُهُ الْعَبْدُ فِي الرِّقَابِ، وَلَا الْبَعِيرُ فِي الْهَدَايَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا يَرُدُّهُ لِفَوَاتِهِ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْهَدْيِ، وَيَجْعَلُ مَا يُؤْخَذُ فِي قِيمَةِ الْعَيْبِ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِهِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ. [الفرع الثَّانِي أَعْتَقَ رَقَبَةً فِي ظِهَارٍ فَاسْتُحِقَّتْ الرَّقَبَةُ فَرَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى بَائِعِهَا بِالثَّمَنِ] (الثَّانِي) مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً فِي ظِهَارٍ فَاسْتُحِقَّتْ الرَّقَبَةُ فَرَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى بَائِعِهَا بِالثَّمَنِ، وَهُوَ ثَمَنٌ وَاسِعٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَشْتَرِي بِهِ كُلَّهُ رَقَبَةً، وَلَا يَشْتَرِي بِبَعْضِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَعْتِقُ الرَّقَبَةَ عَنْ ظِهَارٍ، ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَى عَيْبٍ قَالَ: يَرْجِعُ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ، وَيَجْعَلُهُ فِي رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ رَقَبَةً أَعَانَ بِهِ فِي رَقَبَةٍ يُتِمُّ بِهَا عِتْقَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَمِنْ هُنَا رَأَيْتُ مَا قُلْت لَكَ قَالَ: وَالْعَيْبُ الَّذِي أُصِيبَ بِالْعَبْدِ لَيْسَ هُوَ مِمَّا إذَا كَانَ فِي الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ فِي الرِّقَابِ، وَلَكِنَّهُ إذَا كَانَ بِالْعَبْدِ جَازَ الْعَبْدُ بِهِ، وَأَجْزَأَهُ (قُلْت) ، فَلَوْ كَانَ تَطَوَّعَ قَالَ: يَرْجِعُ بِالْعَيْبِ، وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ قَالَهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ [الفرع الثَّالِثُ الدَّيْنُ الْمَانِعُ سَعْيَهُ لِنَفْسِهِ لِصَرْفِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ وَزَمَانَةُ الشَّيْخُوخَةِ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالدَّيْنُ الْمَانِعُ سَعْيَهُ لِنَفْسِهِ لِصَرْفِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَزَمَانَةُ الشَّيْخُوخَةِ يَمْنَعَانِ إجْزَاءَهُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ لِاسْتِقْبَالِهِ كَذَلِكَ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُهُ انْتَهَى. ص (أَوْ أَعْتَقَ نِصْفًا فَكَمَّلَ عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ ظِهَارٍ، ثُمَّ كَمَّلَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ عِتْقَ نِصْفِهِ الثَّانِي أَوْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ عَنْ ظِهَارِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهُ الثَّانِي عَنْ ذَلِكَ الظِّهَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَمَّا الْأُولَى فَظِهَارٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ عَلَيْهِ التَّتْمِيمَ فَمِلْكُهُ لِلْبَاقِي غَيْرُ تَامٍّ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَمَغْصُوبٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ يُجْزِئُ الْمَغْصُوبُ نَظَرًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى التَّخَلُّصِ انْتَهَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَرَضٌ وَعَرَجٌ خَفِيفَانِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَخَفِيفُ الْعَيْبِ لَغْوٌ اللَّخْمِيُّ كَالْخَفِيفِ مِنْ مَرَضٍ، وَعَرَجٍ وَصَمَمٍ

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ: مَعَهَا، وَكَجَذَعٍ فِي الْأَنْفِ أَوْ قَطْعِ أُنْمُلَةٍ أَوْ بَعْضِ الْأَسْنَانِ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَوْ الضِّرْسِ ابْنُ رُشْدٍ، وَيُجْزِئُ، وَلَدُ الزِّنَا اتِّفَاقًا انْتَهَى، وَانْظُرْ إذَا ذَهَبَتْ أُنْمُلَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ الْإِجْزَاءُ

لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأُصْبُعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَنْمُلَةُ بِالْفَتْحِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ ص (، وَفِيهَا، وَنِسْيَانٌ، ثُمَّ قَالَ: وَشُهِرَ أَيْضًا الْقَطْعُ بِالنِّسْيَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي صَوْمِ ظِهَارِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ تَتَابُعُ صَوْمِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَشُهِرَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ، وَهَكَذَا حَلَّهُ الشَّارِحَانِ، وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْمُشْهِرَ لِلْقَوْلِ بِالْقَطْعِ هُوَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَأَمَّا مَا نَسَبَهُ لِلْمُدَوَّنَةِ، فَهُوَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَنَصُّهُ، وَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي صَوْمِ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ أَوْ تَقَايَأَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَأَكَلَ أَوْ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا نَاسِيًا فَلْيَقْضِ فِي ذَلِكَ يَوْمًا يَصِلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهَا: مَا ذَكَرَهُ فِي النِّسْيَانِ، وَالْإِكْرَاهِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالْقَطْعِ بِالنِّسْيَانِ فَفِيهِ

إجْمَالٌ وَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ: هَذِهِ أَعْنِي مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، ثُمَّ قَضَى يَوْمًا وَصَلَهُ بِصِيَامِهِ: أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهَا الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَفِي الْخَطَأِ، وَالسَّهْوِ ثَالِثُهَا يَنْقَطِعُ بِالْخَطَأِ، وَالْمَشْهُورُ لَا يَنْقَطِعُ، وَلَوْ بِوَطْءِ غَيْرِهَا، وَيَقْضِيهِ مُتَّصِلًا يَعْنِي اُخْتُلِفَ هَلْ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالْفِطْرِ سَهْوًا كَمَنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ نَاسِيًا أَوْ خَطَأً كَمَنْ صَامَ تِسْعَةً، وَخَمْسِينَ يَوْمًا، ثُمَّ أَصْبَحَ مُفْطِرًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَكْمَلَ الصَّوْمَ، وَكَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ فَأَكَلَ أَوْ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَأَكَلَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ مَا اعْتَقَدَهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي السَّهْوِ، وَالْخَطَأِ، وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْقَطْعِ بِالْفِطْرِ نَاسِيًا اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ، فَيَنْقَطِعُ بِالْفِطْرِ خَطَأً وَفِي الْبَيَانِ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَالظِّهَارِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ، وَغَيْرُهُمَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِوَطْءِ غَيْرِهَا يَعْنِي إنْ عُذِرَ فِي الْوَطْءِ فَأَحْرَى فِي الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لَا يَنْقَطِعُ بِالسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ فَيَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى هَذَا الثَّالِثَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَصْبَحَ مُفْطِرًا بَعْدَ تِسْعَةٍ، وَخَمْسِينَ مُعْتَقِدًا الْإِتْمَامَ، وَقَوْلُهُ، وَيَقْضِيه أَيْ، وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَى كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الْفِطْرُ نَاسِيًا، وَالثَّانِي تَفْرِقَةُ صَوْمِ الظِّهَارِ نِسْيَانًا كَمَا إذَا صَامَ بَعْضَ الصَّوْمِ، ثُمَّ نَسِيَ التَّتَابُعَ فَأَفْطَرَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الصِّيَامَ، وَكَمَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ، ثُمَّ لَمْ يَصِلْ الْقَضَاءَ نِسْيَانًا، وَاَلَّذِي قَالَ فِيهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ: يَبْطُلُ التَّتَابُعُ عَلَى الْمَشْهُورِ، هُوَ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ يَظْهَرُ لَك ذَلِكَ بِكَلَامِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ، وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ يَحْيَى، وَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ، وَلَمْ يَنْقُلْهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ إلَّا عَنْ سَحْنُونٍ، وَسَمَاعُ يَحْيَى لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ التَّتَابُعُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ فَرْضٌ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي تَفْرِقَتِهِمَا بِالنِّسْيَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ بِالْمَرَضِ أَوْ الْحَيْضِ إنْ كَانَ امْرَأَةً فَإِنْ مَرِضَ الرَّجُلُ فَأَفْطَرَ فِي شَهْرَيْ صِيَامِهِ أَوْ أَكَلَ فِيهِمَا نَاسِيًا قَضَى ذَلِكَ، وَوَصَلَهُ بِصِيَامِهِ فَإِنْ تَرَكَ أَنْ يَصِلَهُ بِصِيَامِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُتَعَمِّدًا اسْتَأْنَفَ صِيَامَهُ، ثُمَّ قَالَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَرَى أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي تَفْرِقَةِ الصَّوْمِ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ كَالْمَرَضِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ الصَّوْمُ عَنْ الظِّهَارِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ حَسْبَمَا، وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ فَمَنْ أَتَى بِهِ مُتَفَرِّقًا مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجِزْهُ، وَإِنْ كَانَتْ التَّفْرِقَةُ عَنْ مَرَضٍ أَجْزَأَ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ عَنْ نِسْيَانٍ أَوْ خَطَأٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ، وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَمَنْ أَكَلَ فِي نَهَارِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَيَّتَ الصَّوْمَ نَاسِيًا قَضَى يَوْمًا، وَوَصَلَهُ بِصِيَامِهِ، وَأَجْزَأَهُ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إنَّهُ صَوْمٌ صَحِيحٌ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَيَّتَ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ صَوْمٌ فَاسِدٌ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَحْتَسِبُ بِهِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ مَنْصُوصٌ فَبَانَ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَنْقُلَا الْخِلَافَ إلَّا فِي تَفْرِقَةِ النِّسْيَانِ لَا فِيمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ كَذَلِكَ فِيهِ لَا فِي عَزْوِ سَمَاعِ يَحْيَى فَقَطْ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى لَا يُعْذَرُ بِتَفْرِقَةِ النِّسْيَانِ، وَعَذَرَهُ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّوْضِيحِ مَا شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ

تنبيه المظاهر إذا صام تسعة وخمسين ثم أصبح معتقدا للتمام

وَقَدْ شَهَرَهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ، وَذَكَرَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مِثْلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ، وَمَنْ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ فِي طَرِيقٍ فَلْيَتَّبِعْهُ، وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ. [تَنْبِيهٌ الْمُظَاهِرُ إذَا صَامَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ ثُمَّ أَصْبَحَ مُعْتَقِدًا لِلتَّمَامِ] (تَنْبِيهٌ) : أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْخَطَأِ مَسْأَلَةَ مَنْ صَامَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُعْتَقِدًا لِلتَّمَامِ، وَهِيَ مِنْ التَّفْرِقَةِ نِسْيَانًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْيَوْمَيْنِ، فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ يَدْرِ بَعْدَ صَوْمِ أَرْبَعَةٍ عَنْ ظِهَارَيْنِ مَوْضِعَ يَوْمَيْنِ صَامَهُمَا، وَقَضَى شَهْرَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ اجْتِمَاعَهُمَا صَامَهُمَا، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَنْ ظِهَارَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنَّهُ نَاسٍ لِيَوْمَيْنِ فَتَارَةً يَذْكُرُ أَنَّهُمَا مُجْتَمِعَانِ، وَتَارَةً لَا يَدْرِي هَلْ هُمَا مُجْتَمِعَانِ أَمْ مُفْتَرِقَانِ فَإِذَا عَلِمَ اجْتِمَاعَهُمَا فَتَارَةً يَعْلَمُ أَنَّهُمَا لَيْسَ يَوْمٌ مِنْ الْأُولَى، وَيَوْمٌ مِنْ الْآخِرَةِ، وَتَارَةً لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، هَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا حُكْمُهَا، فَهِيَ عَلَى مَا قُلْنَا إنَّ الْفِطْرَ نَاسِيًا لَا يَقْطَعُ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ تَفْرِقَةُ النِّسْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ، وَشَهْرَيْنِ فَقَطْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَمَّا الْيَوْمَانِ، فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ أَفْطَرَهُمَا مِنْ الْأَخِيرَةِ سَوَاءٌ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ إمَّا فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا أَوْ فِي وَسَطِهَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَوَّلِهَا، وَوَاحِدٌ مِنْ آخِرِهَا أَوْ يَكُونَ مِنْهَا يَوْمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ، فَيَقْضِي يَوْمَيْنِ بَعْدَهَا مُتَّصِلًا، وَأَمَّا الشَّهْرَانِ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَانِ مِنْ الْأُولَى سَوَاءٌ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ أَوْ يَوْمٌ مِنْهَا، وَيَوْمٌ مِنْ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُمَا إنْ كَانَا يَوْمَيْنِ أَوْ وَاحِدًا إنْ كَانَ وَاحِدًا عَقِيبَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا، فَلَمَّا فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ بَشِيرٍ: أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ شَهْرَانِ، وَيَوْمَانِ كَانَ يَعْلَمُ اجْتِمَاعَهُمَا أَمْ لَا يَعْلَمُ، وَفَرَّعْنَا ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّسْيَانَ يُبْطِلُ، وَفَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّفْرِقَةَ نِسْيَانًا لَا تُبْطِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ يَوْمَانِ، وَفَرَضَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَيَانِ فِي يَوْمَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ اجْتِمَاعًا، وَلَا افْتِرَاقًا إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ مِنْ كَلَامِهِ إنَّهُمَا مُجْتَمِعَانِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ: مِنْ أَنَّ الْفِطْرَ نِسْيَانًا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، فَقَالُوا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ، وَالْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ إذَا كَانَ لَا يَدْرِي اجْتِمَاعَهُمَا، وَوَجْهُ لُزُومِ الْيَوْمَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ أَنَّهُ يَقُولُ احْتِمَالُ اجْتِمَاعِ الْيَوْمَيْنِ، وَكَوْنُهُمَا مِنْ الْكَفَّارَةِ الْأَخِيرَةِ قَائِمٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَعْيِهِ، فَيَصُومُ الْيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَبْقَى احْتِمَالُ افْتِرَاقِهِمَا، فَيَصُومُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَبِالْجُمْلَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرَاعِي كُلَّ احْتِمَالٍ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَيْضًا، وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى صِيَامِ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا شَكَّ فِي أَمْسِهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا، وَأَمَّا إنْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْيَوْمَيْنِ سَابِقَانِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَحْتَسِبُ بِالْعَدَدِ الَّذِي تَحَقَّقَ أَنَّهُ صَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُ فِطْرٌ، وَيَبْنِي عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالُوا أَمَّا إنْ عَلِمَ اجْتِمَاعَهُمَا فَلَا يَصُومُ إلَّا يَوْمَيْنِ، وَشَهْرَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَصُومُ يَوْمَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْأَخِيرَةِ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَمَامِهَا، وَيَقْضِي شَهْرَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْأُولَى أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأُولَى، وَالْآخَرُ مِنْ الثَّانِيَةِ انْتَهَى، وَانْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ الَّذِي قَالَهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ نَاسِيًا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، فَلَا فَائِدَةَ لِصَوْمِ الْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ بِالْفِطْرِ نَاسِيًا، فَلَا يَبْنِي إلَّا عَلَى مَا صَامَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُكْمِلُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ الْقَطْعَ بِالنِّسْيَانِ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَانْظُرْ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ. ص (وَلَا أُحِبُّ الْغَدَاءَ، وَالْعَشَاءَ كَفِدْيَةِ الْأَذَى) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُغَدِّيَ، وَيُعَشِّيَ فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ

وَالْعَشَاءَ لَا أَظُنُّهُ يَبْلُغُ مُدًّا بِالْهَاشِمِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: لَا أُحِبُّ هُنَا عَلَى بَابِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ غَدَّى أَوْ عَشَّى خُبْزَ الْبُرِّ، وَالْإِدَامِ فِي الظِّهَارِ لَمْ يَتْبَعْ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى، وَيُجْزِي ذَلِكَ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ الشَّيْخُ لَا يَنْبَغِي هُنَا عَلَى بَابِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: لَا أُحِبُّ، وَلَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: تَعْلِيلُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ، وَالْعَشَاءَ لَا أَظُنُّهُ يَبْلُغُ مُدًّا بِالْهَاشِمِيِّ (الثَّانِي) : قَوْلُهُ، وَيُجْزِي ذَلِكَ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ، وَلَا فِي فِدْيَةِ الْأَذَى، وَفِي قَوْلِهِ لَا أَظُنُّهُ مُسَامَحَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَإِنَّمَا يَبْنِي عَلَى الْعِلْمِ، وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: قَوْلُهُ بِالْهَاشِمِيِّ صَوَابُهُ بِالْهِشَامِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى هِشَامٍ لَا هَاشِمٍ انْتَهَى، وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ. ص (وَلَا يُجْزِئُ تَشْرِيكُ كَفَّارَتَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ ظِهَارَانِ مَثَلًا فَأَخْرَجَ مِائَةً، وَعِشْرِينَ مُدًّا إلَّا أَنَّهُ نَوَى أَنَّ كُلَّ مُدٍّ نِصْفُهُ عَنْ كَفَّارَةٍ، وَنِصْفُهُ الثَّانِي عَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَاتٍ عَنْ الْأَرْبَعِ، وَنَوَى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَمْ يُعَيِّنْهَا كَفَّارَةً أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ الْإِطْعَامُ، فَإِنْ شَرَكَهُنَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ مِنْ الْإِطْعَامِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا، وَلَا كَفَّارَةَ كَامِلَةٌ فَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ فَيُطْعِمَ الْيَوْمَ عَنْ هَذِهِ أَمْدَادًا، وَفِي غَدٍ عَنْ الْأُخْرَى أَمْدَادًا، ثُمَّ يُتِمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِكُلِّ وَاحِدَةٍ فَيُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرْطَ التَّتَابُعِ فَإِنْ مَاتَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَطْعَمَ عَنْ جَمِيعِهِنَّ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا، وَلَمْ يَنْوِ مَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَشْرَكَهُنَّ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ سَقَطَ حَظُّ الْمَيِّتَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَجُبِرَ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَامَ ثَلَاثِ كَفَّارَاتٍ انْتَهَى، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ. ص (وَلَوْ نَوَى لِكُلٍّ عَدَدًا أَوْ عَنْ الْجَمِيعِ كَمَّلَ، وَسَقَطَ حَظُّ مَنْ مَاتَ) ش: يَعْنِي لَوْ أَطْعَمَ مَثَلًا مِائَةً وَثَمَانِينَ مِسْكِينًا عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ظَاهَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ

باب اللعان

عَنْ مِقْدَارِ ثَلَاثِ كَفَّارَاتٍ، وَيُكْمِلُ الرَّابِعَةَ، وَسَوَاءٌ نَوَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَدَدًا مِنْ الْمِائَةِ أَوْ نَوَى أَنَّ الْمِائَةَ وَالثَّمَانِينَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ، وَلَمْ يُشَرِّكْ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ مِقْدَارِ ثَلَاثِ كَفَّارَاتٍ، فَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ سَقَطَ حَظُّهَا إنْ كَانَ بَيَّنَهُ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا لِغَيْرِهَا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ رُبْعُ الْمِائَةِ وَالثَّمَانِينَ، وَلَوْ نَوَى لِوَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ عَدَدًا، وَالْأُخْرَى غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَأَقَلُّ، وَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ جَعَلَ لَهَا الْأَكْثَرَ قَالَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ إنْ شَرَّكَ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ لَا يُجْزِئُ يَعْنِي إذَا لَمْ تُعْرَفْ أَعْيَانُ الْمَسَاكِينِ، وَلَوْ عُرِفَتْ لَنَظَرَ إلَى مَا يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُكْمِلُ تَمَامَ الْمُدِّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ اللِّعَانُ] ص (بَابٌ) (إنَّمَا يُلَاعِنُ زَوْجٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا نَصَّ فِي حُكْمِهِ ابْنُ عَاتٍ لَاعَنَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَرَدْتُ إحْيَاءَ سُنَّةٍ قَدْ دَثَرَتْ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِنَفْيِ نَسَبٍ وَجَبَ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ بِتَرْكِ سَبَبِهِ فَإِنْ وَقَعَ صِدْقًا، وَجَبَ لِوُجُوبِ دَفْعِ مَعَرَّةِ الْقَذْفِ، وَحْدَهُ، ثُمَّ وَجَدْتُ نَحْوَهُ فِي سِرَاجِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قُلْتُ فِي الْجَوَاهِرِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَنَصُّهُ الزَّوْجُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْقَذْفِ إلَّا فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ يَجِبُ لِضَرُورَةِ دَفْعِ النَّسَبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: حُكْمُهُ الْجَوَازُ لِحَدِيثِ عُوَيْمِرٍ انْتَهَى، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قَوْلُ ابْنِ الْهِنْدِيِّ سُنَّةٌ قَدْ أُمِيتَتْ يَعْنِي صِفَةَ اللِّعَانِ، وَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُرْآنِ، وَالسِّتْرُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا تَسَتَّرَ بِهَذَا الْكَلَامِ حِينَ عُوتِبَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَنِ الْأَمِيرِ يَحْيَى بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ، ثُمَّ وَقَعَ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا غَرَابَةَ فِي وُقُوعِ سَبَبِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِكَثْرَةِ الْمَفَاسِدِ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: كَانَتْ مُلَاعَنَتُهُ إيَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِقُرْطُبَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. ص (أَوْ فِسْقًا أَوْ رِقًّا لَا كُفْرًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:، وَاللِّعَانُ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ كَانَا أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ مَحْدُودَيْنِ أَوْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ إلَّا الْكَافِرَيْنِ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا الْأَمَةُ، وَالْكِتَابِيَّةُ فَلَا يُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي قَذْفِهِمَا بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا إذْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا، وَيُلَاعِنُ فِيهِمَا إنْ أَحَبَّ إذَا نَفَى حَمْلًا أَوْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً أَوْ ادَّعَى رُؤْيَةً لَمْ يَمَسَّ بَعْدَهَا لِخَوْفِ الْحَمْلِ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُلَاعِنَ فِي قَذْفِهِمَا لِيُحَقِّقَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا لَمْ أَمْنَعْهُ انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ كَانَا مَمْلُوكِينَ كَأَنَّهُ يَقُولُ يُلَاعِنُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ الْعَبْدُ، وَلَا الْمَحْدُودُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَاهُمْ مِنْ الشُّهَدَاءِ، وَقَوْلُهُ إلَّا الْكَافِرَيْنِ ابْنُ يُونُسَ ذَكَرَ أَنَّ أَبَا عِمْرَانَ قَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا تَرَاضَوْا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَنَكَلَتْ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ تُرْجَمُ، وَعَلَى مَا قَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: لَا تُرْجَمُ؛ لِأَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ الْحَدَّ كَالْمُتلَاعِنَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: لَا كَافِرَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَيْنَا، وَهَلْ تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ إنْ نَكَلَتْ أَوْ تُحَدُّ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَشَرْطُ وُجُوبِهِ أَيْ اللِّعَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ إسْلَامُهَا، وَعَلَى الزَّوْجِ فِي قَذْفِهِ دُونَ حِلِّ نَفْيِ إسْلَامِهَا، وَحُرِّيَّتِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ، وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ، وَلَاعَنَتْ الذِّمِّيَّةُ بِكَنِيسَتِهَا، وَلَمْ تُجْبَرْ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ، وَالْكِتَابِيَّةُ فَلَا يُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي قَذْفِهِمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: أَيْ لَا يَلْزَمُهُ لِعَانُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي، وَيُلَاعِنُ فِيهِمَا إنْ أَحَبَّ انْتَهَى، وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُلَاعِنْ لَا يُؤَدَّبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَقُولُ، وَحُكْمُهُ رَفْعُ الْحَدِّ، وَالْأَدَبِ فِي الْأَمَةِ، وَالذِّمِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ قَذَفَهَا بِزِنًا) ش: لَمَّا ذَكَرَ مَنْ يُلَاعِنُ، وَمَنْ لَا يُلَاعِنُ أَخَذَ يَذْكُرُ

أَسْبَابَ اللِّعَانِ، فَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقَذْفِ بِالزِّنَا، فَقَالَ: إنْ قَذَفَهَا بِزِنًا يُرِيدُ سَوَاءٌ كَانَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إذَا قَذَفَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ لَاعَنَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُلَاعِنُ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ اللِّوَاطَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ مَعَرَّةٌ انْتَهَى، وَشَرَطَ فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنْ تَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ فَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَبْلُغْ رَمْيُهُ لَهَا الْحَاكِمَ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ بَلَغَهُ حُدَّ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَشَرَطَ فِيهِ أَنْ تَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ، فَلَوْ لَمْ تَرْفَعْهُ فَلَا لِعَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ لِعَانَهُمَا مِنْ حَقِّهَا، وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ هَلْ يُلَاعِنُ الزَّوْجُ أَوْ يُحَدُّ الْقَذْفَ؟ ، وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي تَلَاعُنِهِمَا مَعًا، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ الشَّرْطُ انْتَفَى تَلَاعُنُهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ تَلَاعُنِهِ هُوَ انْتَهَى، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِزِنًا مَا إذَا رَمَاهَا بِغَيْرِ الزِّنَا، وَاخْتُلِفَ إذَا عَرَضَ لَهَا هَلْ يَجِبُ اللِّعَانُ أَمْ لَا، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ اللِّعَانَ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ: وَعَلَى الْمَعْرُوفِ فِي حَدِّهِ بِهِ كَأَجْنَبِيٍّ أَوْ تَأْدِيبِهِ نَقَلَ مُحَمَّدٌ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ صَرَّحَ بَعْدَ تَعْرِيضِهِ لَاعَنَ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا إذَا رَمَاهَا بِزِنًا طَوْعًا فَإِنْ رَمَاهَا بِغَصْبٍ فَيَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَانْتَفَى بِهِ مَا وُلِدَ لِسِتَّةٍ، وَإِلَّا لَحِقَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ) ش: يَعْنِي أَنَّ اللِّعَانَ إذَا كَانَ لِرُؤْيَةٍ فَتَارَةً يَدَّعِي الزَّوْجُ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَنْتَفِي بِذَلِكَ اللِّعَانِ، وَادَّعَى ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ، فَإِنْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ، فَأَكْثَرَ انْتَفَى الْحَمْلُ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَ بِهِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا كَانَ لِلرُّؤْيَةِ، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَنَصُّهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِذَا لَاعَنَ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ انْتَفَى الْوَلَدُ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ

فَاخْتُلِفَ هَلْ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِذَلِكَ اللِّعَانِ أَمْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْوَلَدَ يَنْفِيهِ اللِّعَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَنْفِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ، وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَشْهَبَ (وَالثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَيَأْتِي عَلَى هَذَا فِي جُمْلَةِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَفِي كُلِّ طَرَفٍ مِنْهَا قَوْلَانِ إذَا، وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ أَمْ لَا، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَيُقَيَّدُ بِهِ مَا هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ لَاعَنَ لِلرُّؤْيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَكَرَ الِاسْتِبْرَاءَ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ، وَقُلْنَا إنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ فَادَّعَى الْآنَ أَنَّهُ كَانَ اسْتَبْرَأَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ: لَيْسَ الْوَلَدُ مِنِّي قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: كَانَ ذَلِكَ لَهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِاتِّفَاقٍ، وَسَقَطَ نَسَبُ الْوَلَدِ قِيلَ بِذَلِكَ اللِّعَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَقِيلَ بِلِعَانٍ ثَانٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (قُلْت) ، وَكَلَامُهُ فِي الْأُمِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ، وَنَصُّهُ قُلْت فَإِنْ ادَّعَى رُؤْيَةً أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ ادَّعَى الرُّؤْيَةَ، فَلَمَّا وَلَدَتْ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ قَالَ: لَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَيَكُونُ اللِّعَانُ الَّذِي تَلَاعَنَا نَفْيًا لِلْوَلَدِ. (قُلْت) : فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَلَدُ وَلَدِي وَقَدْ كُنْتُ كَاذِبًا فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَمَا اسْتَبْرَأْتُهَا قَالَ: يُضْرَبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْوَلَدُ: لَيْسَ مِنِّي، وَلَاعَنَهَا بِرُؤْيَةٍ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَدْنَى مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَلْحَقَتْهُ بِهِ أَيَكُونُ قَاذِفًا، وَيُجْلَدُ الْحَدَّ قَالَ لَا. (تَنْبِيهٌ) : مَشَى الْمُصَنِّفُ هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ تَلِدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَأَكْثَرَ فَلَا يُلْحِقُهُ أَوْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ فَيُلْحَقُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ فَقَالَ ص (وَإِنْ لَاعَنَ لِرُؤْيَةٍ، وَادَّعَى الْوَطْءَ قَبْلَهَا، وَعَدَمَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلِمَالِكٍ فِي إلْزَامِهِ بِهِ، وَعَدَمِهِ، وَنَفْيِهِ أَقْوَالٌ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَيُلْحَقُ إنْ ظَهَرَ يَوْمًا) ش: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَغْنَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ، وَهَذِهِ أَخَصُّ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ وَطِئَ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تِلْكَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَذَكَرَ هُنَا لِمَالِكٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَتِي تَزْنِي، وَلَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي كُنْتُ، وَطِئْتُهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فِي الْيَوْمِ أَوْ قَبْلَهُ، وَلَمْ اسْتَبْرِئْ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَلْزَمُهُ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَة فَيَلْزَمُهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ، وَمَرَّةً لَمْ يُلْزِمْهُ الْوَلَدَ، وَمَرَّةً قَالَ يَنْفِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهَا يَوْمَ الرُّؤْيَةِ حَمْلٌ ظَاهِرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِهِ إذَا الْتَعَنَ عَلَى الرُّؤْيَةِ انْتَهَى لَفْظُ التَّهْذِيبِ، وَاخْتَلَفَ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ فِي فَهْمِ كَلَامِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَمَرَّةً أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ. وَإِنْ لَمْ يَنْفِهِ بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ، وَأَلْحَقهُ بِهِ، وَإِنْ، وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ ثَانٍ، وَقَوْلُهُ مَرَّةً لَمْ يُلْزِمْهُ أَيْ لَيْسَ فِي اللِّعَانِ الْأَوَّلِ تَعَرُّضٌ لِلْوَلَدِ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ مَوْقُوفًا فَإِنْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ ثَانٍ، انْتَفَى وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَ بِهِ، وَقَوْلُهُ، وَمَرَّةً قَالَ بِنَفْيِهِ يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ حُدَّ، وَلَحِقَ بِهِ هَكَذَا قَرَّرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي التَّوْضِيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْوَلَدَ مَنْفِيٌّ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَمَرَّةً لَمْ يُلْزِمْهُ الْوَلَدَ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ

مَرَّةً قَالَ بِنَفْيِهِ تَأْكِيدٌ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُولَدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ أَوْ لِأَقَلَّ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمَرَّةً أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ لَكِنْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَيَّدٌ بِكَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ لُبَابَةَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ التَّهْذِيبِ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ، وَقَبِلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُمِّ أَنَّهُ لِمَالِكٍ، وَسَيَأْتِي نَصُّهُ (الثَّانِي) هَذَا الْخِلَافُ جَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ أَمْ لَا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ إنْ كَانَ لَهَا يَوْمُ الرُّؤْيَةِ حَمْلٌ ظَاهِرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتَفْصِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ لِعَانِهِ لِنَفْيِ الْحَدِّ نَفْيُ حَمْلٍ ظَاهِرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الظُّهُورُ بَلْ إنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ نَادِرٌ، وَالْأَصْلُ إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالْفِرَاشِ لَكَانَ أَحْسَنَ انْتَهَى. قُلْت الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ، فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ يُرِيدُ، وَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ، فَاَلَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ لَاحِقٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ لِلرُّؤْيَةِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ الْمَوْعُودِ بِهِ قُلْت فَإِنْ قَالَ: رَأَيْتُهَا تَزْنِي السَّاعَةَ، وَلَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي قَدْ كُنْتُ جَامَعْتُهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ أَرَاهَا فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْتَعِنُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ قُلْت فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ بَعْدِ مَا الْتَعَنَ أَيَلْزَمُهُ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ كَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ، وَمَرَّةً لَمْ يُلْزِمْهُ إيَّاهُ، وَمَرَّةً قَالَ: بِنَفْيِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَأَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ أَنَّهُ إذَا رَآهَا تَزْنِي، وَبِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا الْتَعَنَ عَلَى الرُّؤْيَةِ (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قِيلَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ نَظَرٌ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْجَزْمِ لِعِظَمِ أَمْرِ الْأَنْسَابِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ أُحِبُّ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ قِيلَ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اضْطِرَابُ مُدْرِكِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْجَزْمَ بِمُخَالِفَتِهِ انْتَهَى. ص (وَلَا وَطْءَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ إنْ أَنْزَلَ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ أَنْكَرَ حَمْلَ امْرَأَتِهِ بِالْعَزْلِ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَكَذَلِكَ

فرع صفة اللعان

كُلُّ، وَطْءٍ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ وُصُولُ الْمَنِيِّ لِلْفَرْجِ، وَكَذَا فِي الدُّبُرِ إذْ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى الْفَرْج، وَنَحْوُهُ مَفْهُومُ قَوْلِ اسْتِبْرَائِهَا إنْ قَالَ الْبَائِعُ: كُنْت أُفَاخِذُ، وَلَا أُنْزِلُ، وَوَلَدُهَا لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَلْزَمْهُ اللَّخْمِيُّ إنْ أَصَابَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ، وَشَبَهُهُ لَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَلَا يُلَاعِنُ، وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ لِظَنِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ وَطْئِهِ، حَمْلٌ الْبَاجِيُّ أَثَرُ ذِكْرِهِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَبْعُدُ وُجُودُ الْوَلَدِ مِنْ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، وَلَوْ صَحَّ مَا حُدَّتْ امْرَأَةٌ بِحَمْلِهَا، وَلَا زَوْجَ لَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ، وَطْءٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ إنْ أَنْزَلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَصَلَ مِنْ مَائِهِ شَيْءٌ لِلْفَرْجِ قَالُوا، وَكَذَلِكَ الْوَطْءُ فِي الدُّبْرِ، وَاسْتَشْكَلَ الْبَاجِيُّ هَذَا، وَقَالَ: يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ يُلْحَقَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ اسْتَشْكَلَ الْبَاجِيُّ هَذَا يَعْنِي بِهِ الْإِلْحَاق بِالْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ، وَالْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ لَا الْأَخِيرَةِ فَقَطْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَوَرِثَ الْمُسْتَلْحَقُ الْمَيِّتَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقَلَّ الْمَالُ) ش: اُنْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ، وَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ. ص (وَإِنْ وَطِئَ أَوْ أَخَّرَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَضْعٍ أَوْ حَمْلٍ بِلَا عُذْرٍ امْتَنَعَ) ش: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِرُؤْيَةٍ فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ اللِّعَانُ بِوَطْئِهَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَاجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ ادَّعَى رُؤْيَةً قَدِيمَةً، ثُمَّ قَامَ الْآنَ بِهَا حُدَّ، وَلَمْ يَقْبَلْ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرَهُ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَمَسَّهَا بَعْدَ رُؤْيَتِهَا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ إنْ رَآهَا، وَسَكَتَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْ ظُهُورِ الْحَمْلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصِبْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ انْتَهَى قُلْت يُقَيَّدُ الْأَوَّلُ بِمَا إذَا كَانَ قَدْ وَطِئَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ، وَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا، وَطِئَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَلَا يَنْفِيَ الْوَلَدَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدَ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُ اللِّعَانِ ثُبُوتُ الزَّوْجِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَا طَارِئَيْنِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى. [فَرْعٌ صفة اللِّعَان] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ إذَا ثَبَتَتْ مَقَالَتُهُمَا، وَزَوْجِيَّتُهُمَا سَجَنَهُ الْإِمَامُ الْبَاجِيُّ اُخْتُلِفَ فِي سَجْنِهِ فَسَأَلْتُ أَبَا عِمْرَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: يُسْجَنُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا أَنَّهُ قَاذِفٌ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّف أَنَّهُ اُخْتُلِفَ ابْتِدَاءً هَلْ يَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَظَاهِرُ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَقُولُهُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا تَرَكَهُ خَلِيلٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ شَاسٍ الْقَوْلَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى قُلْت، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ شَاسٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: فِي لُزُومِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ قَوْلَانِ لِلْمَوَّازِيَّةِ، وَلَهَا، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ انْتَهَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ. ص (وَوَصَلَ خَامِسَتَهُ بِلَعْنَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ) ش: أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِلَعْنَةِ اللَّهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ إنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَكِنْ

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهَا أَوْلَى، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنْ يَحْلِفَ فِي الْخَامِسَةِ كَمَا حَلَفَ فِي الْأَيْمَانِ قَبْلَهَا، وَيَزِيدُ فِيهَا اللَّعْنَةَ، وَتَفْعَلُ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ، وَتَزِيدُ الْغَضَبَ، وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ خِلَافُ مَا قَالَ الْقَابِسِيُّ: اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ ص (بِأَشْرَفِ الْبَلَدِ) ش: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي سُورَةِ النُّورِ اللِّعَانُ يَفْتَقِرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ عَدَدُ الْأَلْفَاظِ، وَهِيَ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ، وَالْمَكَانُ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ أَشْرَفَ الْبِقَاعِ بِالْبَلَدِ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَعِنْدَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَعِنْدَ الْمِنْبَرِ وَبِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ فَفِي مَسَاجِدِهَا، وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ بَعَثَ بِهِمَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَعْتَقِدَانِ تَعْظِيمَهُ؛ إنْ كَانَا يَهُودِيَّيْنِ فَالْكَنِيسَةُ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ فَبَيْتُ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ لَا دِينَ لَهُمَا مِثْلُ الْوَثَنِيِّينَ فَفِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، وَالْوَقْتُ، وَذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَالْجُمَعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ فَصَاعِدًا فَاللَّفْظُ، وَجَمْعُ النَّاسِ مَشْرُوطَانِ، وَالزَّمَانُ، وَالْمَكَانُ مُسْتَحَبَّانِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ إذَا فَرَغَ الْمُتَلَاعِنَانِ مِنْ تَلَاعُنِهِمَا جَمِيعًا تَفَرَّقَا، وَخَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ غَيْرَ الْبَابِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ خَرَجَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ لَمْ يَضُرَّ لِعَانَهُمَا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ يَجْمَعُ فِيهِ الْجُمُعَةَ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْحُكَّامِ ص (وَتَخْوِيفُهُمَا، وَخُصُوصًا عِنْدَ الْخَامِسَةِ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَبِلَهُ شُرَّاحُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ شَعْبَانَ: يُخَوَّفَانِ قَبْلَ

اللِّعَانِ، وَيُذَكَّرَانِ عَذَابَ الْآخِرَةِ يُقَالُ لِلرَّجُلِ أَنْتَ تُجْلَدُ، وَيَسْقُطُ إثْمُكَ، وَيُقَالُ لَهَا نَحْوُ ذَلِكَ قُلْت فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَقَالَ: لَا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ عِيَاضٌ حَدِيثُ مُسْلِمٍ سُنَّةٌ فِي وَعْظِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَعِظُ كُلًّا مِنْهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الرَّابِعَةِ قَبْلَ الْخَامِسَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُسْتَحَبُّ تَخْوِيفُهُمَا، وَخُصُوصًا عِنْدَ الْخَامِسَةِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مَا عَزَاهُ عِيَاضٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى ص (وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةٍ فَكَالْأَمَةِ، وَلِأَقَلَّ فَكَالزَّوْجَةِ) ش: لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ اللِّعَانَ فِي الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَمَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْقِسْمَيْنِ، وَهِيَ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَنَفَاهُ. فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ لِلنِّكَاحِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِلِعَانٍ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَمَةِ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ هَذَا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ، وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَالْوَلَدُ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِلِعَانٍ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ الشِّرَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ الشِّرَاءِ لَمْ يَنْفِهِ إلَّا بِلِعَانٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَطَأْهَا يَعْنِي بَعْدَ رُؤْيَةِ الْحَمْلِ انْتَهَى. (قُلْت) ، وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَمْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ ذَلِكَ (الثَّانِي) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْضًا قَوْلُهُمْ أَنَّهَا إذَا، وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ يُرِيدُ بِغَيْرِ يَمِينٍ انْتَهَى (قُلْت) ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَقُولُهُ فِي بَابِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ التَّوْضِيحِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عَنْ أَصْبَغَ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ ظَاهِرَةِ الْحَمْلِ، وَأَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ سَحْنُونٌ أَوْ لِأَكْثَرَ، وَأَقَرَّ أَنَّهُ مَا، وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَحَمْلُهَا لِلنِّكَاحِ سَحْنُونٌ، وَلَوْ لِخَمْسِ سِنِينَ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمِلْكِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَحُكْمُهُ فِيهِ حُكْمُ الْأَمَةِ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَدَمِ الْوَطْءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمَّا قَرَّرَ كَلَامَهُ هَذَا إنْ لَمْ يَطَأْهَا السَّيِّدُ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. ص (وَحُكْمُهُ رَفْعُ الْحَدِّ) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى اللِّعَانِ سِتَّةُ أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٌ عَلَى لِعَانِهِ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى لِعَانِهَا فَالثَّلَاثَةُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهِ: الْأَوَّلِ: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ

حُرَّةً مُسْلِمَةً، وَالْأَدَبُ إنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً. الثَّانِي: إيجَابُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ تُلَاعِنْ. الثَّالِثُ: قَطْعُ النَّسَبِ، وَالثَّلَاثُ الَّتِي عَلَى لِعَانِهَا سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا، وَالْفِرَاقُ، وَتَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا، وَقِيلَ فِي الْأَخِيرَيْنِ إنَّهُمَا يَتَرَتَّبَانِ عَلَى لِعَانِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ لَحِقَا) ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ التَّوْأَمَيْنِ حُكْمُ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ فَلَا يُمْكِنُ لُحُوقُ أَحَدِهِمَا، وَنَفْيُ الْآخَرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَذَلِكَ إذَا لَاعَنَ لِأَوَّلِهِمَا خُرُوجًا انْتَفَى الثَّانِي بِذَلِكَ اللِّعَانِ، وَمَتَى اسْتَلْحَقَ أَحَدَهُمَا لَحِقَ الْآخَرُ وَحُدَّ فَإِنْ نَفَى أَحَدَهُمَا، وَأَقَرَّ بِالْآخَرِ حُدَّ، وَلَمْ يَنْتِفْ شَيْءٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَالتَّوْأَمَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَا لَيْسَ بَيْنَ، وَضْعِهِمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ أَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا، ثُمَّ وَضَعَتْ آخَرَ بَعْدَهُ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ حَمْلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِأَحَدِهِمَا، وَنَفَى الْآخَرَ حُدَّ، وَلَحِقَا بِهِ جَمِيعًا انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ كَمَا فِي الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَرَاذِعِيُّ عَزَاهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: هُنَا أَنَّ تَوْأَمَا الْمُلَاعَنَةِ شَقِيقَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ لِأُمٍّ كَالْمَشْهُورِ فِي تَوْأَمَيْ الزَّانِيَةِ، وَالْمُغْتَصَبَةِ خِلَافًا لِابْنِ نَافِعٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ تَوْأَمَا الزَّانِيَةِ شَقِيقَانِ، وَأَمَّا تَوْأَمَا الْمَسْبِيَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنَة فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَكَلَامُ الْبَيَانِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْهُ، وَعَزَا مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ فِي الْمُغْتَصَبَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ، وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ، وَلَا يَرِثُ مُلَاعِنٌ وَمُلَاعِنَةٌ، وَتَوْأَمَاهَا شَقِيقَانِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةٌ فَبَطْنَانِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةٌ فَلَيْسَا بِتَوْأَمَيْنِ بَلْ هُمَا بَطْنَانِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهُمَا بَطْنَانِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ، وَنَفَى الثَّانِيَ، وَقَالَ لَمْ أَطَأْ بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ لَاعَنَ، وَنَفَى الثَّانِيَ إذْ هُمَا بَطْنَانِ فَإِنْ قَالَ لَمْ أَطَأْهَا مِنْ بَعْدِ مَا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ، وَهَذَا الثَّانِي وَلَدِي، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَسُئِلَ النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّ الْحَمْلَ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ يُحَدَّ، وَكَانَ بَطْنًا وَاحِدًا، وَإِنْ قُلْنَ لَا يَتَأَخَّرُ حُدَّ، وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ص (إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَقَرَّ بِالثَّانِي، وَقَالَ لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الْأَوَّلِ سُئِلَ النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهُ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ يُحَدَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ قَالَ: إنَّهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُمَا بَطْنَانِ، وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ، وَنَفَى الثَّانِيَ، وَقَالَ: لَمْ أَطَأْ بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ قَالَ: إنَّهُ يُلَاعِنُ الثَّانِيَ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ الثَّانِيَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِالثَّانِي يُرِيدُ مَعَ إقْرَارِهِ بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَقَالَ إنَّهُ يُسْأَلُ النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ قُلْنَ لَا يَتَأَخَّرُ حُدَّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ إذَا قُلْنَ يَتَأَخَّرُ لِعَدَمِ نَفْيِهِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ لَمْ أَطَأْهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَاشِئًا عَنْ الْوَطْءِ الَّذِي كَانَ عَنْهُ الْأَوَّلُ عَمَلًا بِقَوْلِهِمْ لَا يَتَأَخَّرُ، وَإِذَا قُلْنَ لَا يَتَأَخَّرُ فَيُحَدُّ لِنَفْيِهِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ لَمْ أَطَأْهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ، وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَهُمَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ النِّسَاءِ إنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَأَخَّرُ هَكَذَا، وَهَذَا كَالْمُخَالِفِ لِمَا قَالَهُ أَوَّلًا، وَإِلَى هَذَا الِاسْتِشْكَالِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ لِجَرْيِهِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي كَوْنَهُمَا بَطْنَيْنِ، وَوَجْهُ الِاسْتِشْكَالِ أَنَّهُ جَزَمَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَهُمَا بَطْنَانِ، ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا يُسْأَلُ النِّسَاءُ فَيُقَالُ إنْ كَانَتْ السِّتَّةُ كَافِيَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهِمَا بَطْنَيْنِ كَمَا قَالَ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي، وَيُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَاهُ بِقَوْلِهِ لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ بِاسْتِلْحَاقِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً فَيُسْئَلُ النِّسَاءُ أَيْضًا فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهُ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ كَمَا لَوْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ، وَأَجَابَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ حَيْثُ لَا يُعَارِضُ أَصْلًا

باب العدة

وَلَا يَكْفِي حَيْثُ يُعَارِضُ أَصْلًا، وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يُعَارِضُ أَصْلًا، وَهُوَ دَرْءُ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا الِاسْتِشْكَالِ، وَالْجَوَابِ أَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ بِأَنَّهُ قَالَ جَزَمَ أَوَّلًا بِجَعْلِهِمَا بَطْنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ، وَإِنَّمَا قَالَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ، وَلَمْ يَجْزِمْ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِأَجْلِ حَدِّ الزَّوْجِ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. انْتَهَى (تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي فَرَضْنَاهُ فِي تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ أَيْضًا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْأُمِّ، وَنَصُّهُ قُلْت فَإِنْ، وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَتَجْعَلُهُ بَطْنًا وَاحِدًا قَالَ بَلْ هُمَا بَطْنَانِ قُلْتُ فَإِنْ قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ قَالَ يُلَاعِنُهَا، وَيَنْفِي الثَّانِيَ قُلْت فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ، وَلَكِنَّ هَذَا الثَّانِيَ ابْنِي قَالَ: يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ، وَيُسْأَلُ النِّسَاءُ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ أَرَ أَنْ يُجْلَدَ، وَإِنْ قُلْنَ لَا يَتَأَخَّرُ إلَى مِثْلِ هَذَا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ. وَقَدْ سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَذْكُرُ أَنَّ الْحَمْلَ يَكُونُ وَاحِدًا، وَيَكُونُ بَيْنَ وَضْعِهِمَا الْأَشْهُرُ انْتَهَى وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي اخْتِصَارِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ بِالثَّانِي مُحَمَّدٌ وَبِالْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَمْ أَطَأْهَا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَحِقَ الثَّانِي، وَيُسْأَلُ النِّسَاءُ إلَخْ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ: لَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ إلَى آخِرِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي، وَجْهِ الِاسْتِشْكَالِ، وَفِي جَوَابِهِ هُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِالثَّانِي بَعْدَ أَنْ نَفَى الْأَوَّلَ، وَلَاعَنَ فِيهِ، وَقَرَّرَ الْإِشْكَالَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ النِّسَاءُ يَتَأَخَّرُ كَانَ كَمَا لَوْ وُلِدَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَدْ قَالَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إنْ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا، وَنَفَى الْآخَرَ حُدَّ، وَلَحِقَا بِهِ فَكَذَا يَجِبُ الْحُكْمُ فِي إشْرَاكِهِمَا، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَا الشَّارِحُ زَادَ فِي التَّوْضِيحِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَرُدُّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَيْضًا سُقُوطُ الْحَدِّ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ لَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ إذَا نَفَى الْأَوَّلَ وَلَاعَنَ فِيهِ، وَأَقَرَّ بِالثَّانِي، وَقَالَ: لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ فَيُحَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب الْعِدَّةِ] ص (بَابٌ) (تَعْتَدُّ حُرَّةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: دَلِيلُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عِدَّةٌ، وَاسْتِبْرَاءُ الْعِدَّةِ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ فَيَدْخُلُ مُدَّةُ مَنْعِ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً نِكَاحَ غَيْرِهَا إنْ قِيلَ هُوَ لَهُ عِدَّةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ إخْرَاجُهُ قِيلَ مُدَّةُ مَنْعِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ إلَى آخِرِهِ، وَفِي مَسَائِلِ اسْتِبْرَائِهَا إطْلَاقُ لَفْظِهِ عَلَيْهَا مَجَازًا، وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ مُدَّةَ مَنْعِهِ لِلْفَسْخِ عِدَّةٌ، وَقَوْلُهَا إنْ عَلِمَ بَعْدَ، وَفَاتِهِ فَسَادَ نِكَاحِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِحَالٍ فَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا، وَلَا عِدَّةَ، وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً مَعْنَاهُ لَا عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَأُطْلِقَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى عِدَّةِ مُدَّةِ الْفَسْخِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ انْتَهَى كَلَامُهُ. (قُلْت) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي حَدَّهُ لِلْعِدَّةِ دُورٌ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مُدَّةِ مَنْعِ النِّكَاحِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُعْتَدَّةً إذَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً عَلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً مِنْ النِّكَاحِ فَقَدْ جَاءَ الدَّوْرُ فَتَأَمَّلْهُ فَالْأَوْلَى أَنْ تُعَرَّفَ الْعِدَّةُ بِأَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي جُعِلَتْ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِفَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ لِمَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي حَدِّ الِاسْتِبْرَاءِ: أَنَّهُ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ أَوْ طَلَاقٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ مُدَّةِ مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ النِّكَاحِ إذَا طَلَّقَ الرَّابِعَةَ أَوْ طَلَّقَ أُخْتَ زَوْجِهِ أَوْ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عِدَّةً فَلَا

فرع المطلقة قبل البناء بها

شَكَّ أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهُ فِي حَقِيقَةِ الْعِدَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَدِّ عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا مِنْ الْوَفَاةِ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنَّمَا شُرِعَتْ فِيمَنْ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَحِقَ بِهِ فَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي قَدْرِ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا حَدٌّ يُرْجَعُ إلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حُمِلَ الْبَابُ مَحْمَلًا وَاحِدًا فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَى مَنْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ حَسْمًا لِلْبَابِ فَعُلِمَ أَنَّ أَصْلَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ: مَنْ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ هَلْ الْحُكَّامُ أَوْ الْمُطَلِّقُونَ؟ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمُطَلَّقَاتُ؟ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِحْصَاءِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَعَلُّقًا بِذَلِكَ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا] ص (بِخَلْوَةِ بَالِغٍ) ش: أَيْ بِسَبَبِ خَلْوَةِ بَالِغٍ، وَهِيَ إرْخَاءُ السُّتُورِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ خَلْوَةً لَا عِدَّةَ. وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَرْعٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ كَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ حِينَ دَخَلَ، وَانْصَرَفَ بِمَحْضَرِهِنَّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا الْبَاجِيُّ، وَكَذَلِكَ امْرَأَةٌ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إثْرَ كَلَامِ الْبَاجِيِّ هَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ قَدْ فُقِدَتْ انْتَهَى، وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ، وَنَصُّهُ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَكْثَرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ لَمْ تَثْبُتْ الشَّيْخُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ أَوْ النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالصِّيَانَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ النِّسَاءُ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ، فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَمْنَعْنَ الْخَلْوَةَ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ بَالِغٌ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ، وَإِنْ قَوِيَ عَلَى الْجِمَاعِ (فَإِنْ قِيلَ) مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُطِيقُ الْوَطْءَ لَا عِدَّةَ فِي، وَطْئِهِ (قِيلَ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ قَطْعًا فَلَا يُولَدَ لَهُ قَطْعًا، وَنَفْيُ الْوَلَدِ عَنْ الصَّغِيرَةِ الْمُطِيقَةِ لِلْوَطْءِ لَا يَبْلُغُ الْقَطْعَ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ لِلِاحْتِيَاطِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ رَأَى جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى، وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَعَرَفْتُ أَنَّ فِي بِلَادِ مَكَّةَ مِثْلَ ذَلِكَ كَثِيرًا كَالْيَمَنِ انْتَهَى. ص (أَمْكَنَ شَغْلُهَا) ش: الشَّغْلُ فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ ضَمُّ أَوَّلِهِ، وَتَسْكِينُ ثَانِيهِ، وَضَمَّهُمَا مَعًا، وَفَتْحُ أَوَّلِهِ، وَتَسْكِينُ ثَانِيهِ

وَفَتْحُهُمَا مَعًا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ ص (وَذَاتُ رِقٍّ قُرْآنِ) ش: قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: الْقَرْءُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَضَمِّهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَشْهَرُهُمَا الْفَتْحُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ ص (وَالْجَمِيعُ لِلِاسْتِبْرَاءِ لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الذِّمِّيَّةِ فَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلِاسْتِبْرَاءِ يَلْزَمُهَا الثَّلَاثُ، وَعَلَى الثَّانِي يَخْتَلِفُ هَلْ يَلْزَمُهَا جَمِيعُ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا؟ عَلَى الْخِلَافِ فِي خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا الْأَوَّلُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَرْجَحِ يَقُولُ اثْنَتَانِ لِلِاسْتِبْرَاءِ، وَوَاحِدَةٌ لِلتَّعَبُّدِ، وَرَجَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ قَوْلَ بَكْرٍ الْقَاضِي، وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَرْجَحِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ اعْتَادَتْهُ فِي كَالسَّنَةِ) ش: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ انْتِظَارِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْحَيْضَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ تَحِلُّ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ إلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهَا تَحِلُّ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ. وَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ مَنْ حَيْضَتُهَا لِسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ عِدَّتُهَا سَنَةٌ بَيْضَاءُ إنْ لَمْ تَحِضْ لِوَقْتِهَا، وَإِلَّا فَأَقْرَاؤُهَا، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَتَعَقَّبْ شَارِحِي ابْنِ الْحَاجِبِ نَقْلُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ انْتِظَارَ الْأَقْرَاءِ بِانْفِرَادِهِ حَسَنٌ انْتَهَى. قَالَ: فِي التَّوْضِيحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَحِلُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ إنَّمَا حَكَاهُ أَشْهَبُ عَنْ طَاوُسٍ انْتَهَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَى الِانْتِظَارِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ تَحِضْ عِنْدَ مَجِيئِهَا حَلَّتْ، وَإِنْ حَاضَتْ مِنْ الْغَدِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الِانْتِظَارَ فَقَالُوا إذَا طَلُقَتْ تَرَبَّصَتْ سَنَةً فَإِنْ جَاءَ فِيهَا وَقْتُ الْحَيْضِ، وَلَمْ تَحِضْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ، وَقْتُهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ طَلَبَتْ وَقْتَهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَإِنْ جَاءَ، وَقْتُهَا أَيْضًا، وَلَمْ تَحِضْ حَلَّتْ، وَإِنْ جَاءَ وَقْتُهَا فَحَاضَتْ اعْتَدَّتْ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ تَفْعَلُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَ وَقْتُ حَيْضَتِهَا بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، فَلَمْ تَحِضْ عِنْدَ مَجِيئِهِ حَلَّتْ، وَإِنْ حَاضَتْ مِنْ الْغَدِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا أَصْلُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ يَكْفِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مُرَادُهُمْ بِالْمُعْتَادَةِ فِي هَذَا الْبَابِ خِلَافُ مُرَادِهِمْ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَةَ هُنَا هِيَ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَرَى دَمَ الْحَيْضِ سَوَاءٌ كَانَ عَدَدُ أَيَّامِهِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ مُتَسَاوِيًا، وَمَحَلُّهُ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ وَاحِدًا أَوْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ الْمُعْتَادَةُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ أَخَصُّ مِنْ هَذَا، وَهِيَ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ أَيَّامُهَا بِالِاعْتِبَارَيْنِ أَوْ يَكُونُ لَهَا عَادَتَانِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ أَرْضَعَتْ) ش: مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ لَوْ، وَظَاهِرُهُ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ الْإِجْمَاعَ، وَنَصُّهُ، وَمُتَأَخِّرَتُهُ لِرَضَاعٍ بِإِقْرَائِهَا الصَّقَلِّيُّ إجْمَاعًا انْتَهَى، وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْقُرْءِ، وَلَوْ كَانَتْ تُرْضِعُ فَتَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِسَبَبِ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَنْتَظِرَ الْحَيْضَ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا فَإِنْ لَمْ تَحِضْ مِنْ يَوْمِ فَطَمَتْهُ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ حَلَّتْ، وَإِنْ رَأَتْ فِي آخِرِهَا الدَّمَ اعْتَدَّتْ بِقُرْءٍ، وَكَذَا تَفْعَلُ فِي الثَّانِي، وَالثَّالِثِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُرْضِعُ لَا تَرَى الدَّمَ فِي مُدَّةِ رَضَاعِهَا، وَأَمَّا إنْ رَأَتْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْأَقْرَاءِ، وَالْأَمَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحُرَّةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ اُسْتُحِيضَتْ، وَمَيَّزَتْ) ش: هُوَ أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ لَوْ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا مَوْجُودٌ لِمَالِكٍ

مسألة انتزاع ولد المرضع

فِي رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا اعْتِبَارُ الْحَيْضِ الْمُمَيَّزِ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا كَالْمُرْتَابَةِ تَعْتَدُّ بِالسَّنَةِ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ وَهْبٍ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ، وَمَيَّزَتْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَتَمْيِيزُهُ بِرَائِحَتِهِ، وَلَوْنِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِكَثْرَتِهِ أَيْ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ كَثِيرٌ، وَدَمَ الِاسْتِحَاضَةِ قَلِيلٌ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ انْتِزَاعُ وَلَدِ الْمُرْضِعِ] . ص (، وَلِلزَّوْجِ انْتِزَاعُ، وَلَدِ الْمُرْضِعِ) ش: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَغَلَّبُوا حَقَّ الرَّجُلِ عَلَى حَقِّ الْمَرْأَةِ فِي النَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لَهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ حَقِّ الرَّجُلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَظْهَرَ فِي ذَلِكَ مَعْنَى مَقْصُودِ الرَّجُلِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ كِتَابِ سَعْدٍ فِي الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ صِدْقَ قَوْلِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الضَّرَرَ انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ لَمْ يَعْلَقْ بِأُمِّهِ فَلِلْأُمِّ أَنْ تَطْرَحَهُ لِلْأَبِ إنْ شَاءَتْ إذْ لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ إذَا كَانَ لِلْأَبِ مَالٌ، وَهُوَ يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الرَّجْعِيَّةَ يَجِبُ عَلَيْهَا الرَّضَاعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ النَّفَقَاتِ (الثَّانِي) إذَا كَانَ غَرَضُ الْأَبِ بِالِانْتِزَاعِ إسْقَاطَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَ لِئَلَّا تَرِثَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَجْلِ إسْقَاطِ النَّفَقَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْمِيرَاثِ لِغَيْرِهِ، وَمَصْلَحَةَ النَّفَقَةِ لَهُ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ إذَا انْتَزَعَ وَلَدَهُ، وَمَاتَ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَ غَيْرِهِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمَنْعِهَا مِنْ الرَّضَاعِ جُمْلَةً، وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهَا فِي النَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى انْتَهَى. ص (وَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ) ش: أَيْ تَرَبَّصَتْ سَنَةً، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ ص (أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا سَبَبٍ أَوْ مَرِضَتْ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةً، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَأَتْ الْحَيْضَ، وَلَوْ مَرَّةً فِي عُمْرِهَا، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا سِنِينَ، ثُمَّ طَلُقَتْ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهَا الْأَقْرَاءُ فَإِنْ أَتَتْهَا، وَإِلَّا تَرَبَّصَتْ سَنَةً قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَعِدَّةِ مَنْ لَمْ تَرَ الْحَيْضَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثِينَ، وَلَمْ تَحِضْ فَعِدَّتُهَا فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَلَوْ تَقَدَّمَ لَهَا حَيْضٌ مَرَّةً لَطَلَبَتْ الْحَيْضَ، فَإِنْ أَبَانَهَا اعْتَدَّتْ سَنَةً مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ تِسْعَةٌ أَشْهُرٍ بَرَاءَةً لِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ، ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِدَّةً انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ تَعْتَدَّ بِالسَّنَةِ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ، فَتَصِيرُ مِمَّنْ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى يُعَاوِدَهَا حَيْضٌ فَتُطَالِبُ بِهِ أَوْ تُعَاوِدُ السَّنَةَ ابْنُ يُونُسَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا لَمَّا حَبَسَتْ أَوَّلًا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِلرِّيبَةِ غَالِبُ مُدَّةَ الْحَمْلِ صَارَتْ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَّا أَنْ يُعَاوِدَهَا حَيْضٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا إذَا تَأَخَّرَ حَيْضُهَا بِلَا سَبَبٍ تَرَبَّصَتْ سَنَةً

ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَشْهَبُ تَمْكُثُ الْأَمَةُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا تِسْعَةً اسْتِبْرَاءً، وَشَهْرَيْنِ فِي الْعِدَّةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرَ أَنَّهَا لَمْ تُنْتَظَرْ فِي حَقِّ الْأَمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَظْهَرُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَهَاهُنَا قَدْ حَصَلَ قَبْلَهَا تِسْعَةً، وَيُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ بِرِقٍّ (الثَّانِي) قَالَ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الرِّيبَةِ فِي الْوَفَاةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْعِدَّةِ يُقَالُ لِلْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ انْتَظِرَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ طَلَّقَكُمَا زَوْجَاكُمَا لَعَلَّكُمَا تَحِيضَانِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْعِدَّةُ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الرِّيبَةِ، وَفِي الْوَفَاةِ قَبْلَ الرِّيبَةِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ نَاجِي يُرِيدُ أَنَّ التِّسْعَةَ أَشْهُرٍ أَصْلٌ لِزَوَالِ الرِّيبَةِ، وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْعِدَّةُ بَعْدُ، وَفِي الْوَفَاةِ يَكْفِي تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَوَجَّهَهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِمَا حَاصِلُهُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ مَنْ تَحِيضُ لَا تَنْتَقِلُ لِلْأَشْهُرِ إلَّا بِدَلِيلِ نَفْيِ الْحَمْلِ، وَهُوَ التِّسْعَةُ، وَالْحُكْمُ بِالدَّلِيلِ، وَاجِبُ التَّقَدُّمِ عَلَى حُصُولِ مَدْلُولِهِ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ دُونَ شَرْطٍ، وَتَأْخِيرُ الْحَيْضِ مَانِعٌ، وَالْعِلْمُ بِدَفْعِ الْمَانِعِ جَائِزٌ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ انْتَهَى (الثَّالِثُ) قَالَ الزَّنَاتِيُّ، وَهَلْ التِّسْعَةُ الْأَشْهُرُ مِنْ يَوْمِ طَلُقَتْ أَوْ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ حَيْضَتَهَا قَوْلَانِ انْتَهَى. ص (كَعِدَّةِ مَنْ لَمْ تَرَ الْحَيْضَ، وَالْيَائِسَةِ) ش عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ كَعِدَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَالْيَائِسَةِ لِشُمُولِ مَا ذَكَرَهُ لِلْكَبِيرَةِ إذَا لَمْ تَرَ الْحَيْضَ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الصَّغِيرَةِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ إلَى مَا ذَكَرَهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَإِنْ بَلَغَتْ الثَّلَاثِينَ كَالصَّغِيرَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يُرِيدُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِينَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ كَذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا، وَأَمَّا لَوْ حَاضَتْ مَرَّةً فِي عُمْرِهَا، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا سِنِينَ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْ لَمْ تَلِدْ، ثُمَّ طَلُقَتْ فَإِنَّ عِدَّتَهَا الْأَقْرَاءُ حَتَّى تَبْلُغَ سِنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ فَإِنْ أَتَتْهَا الْأَقْرَاءُ، وَإِلَّا تَرَبَّصَتْ سَنَةً كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى ص (وَلَوْ بِرِقٍّ) ش: مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عِدَّتَهَا شَهْرٌ، وَنِصْفُ، وَالثَّانِي أَنَّهُمَا شَهْرَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَأُلْغِيَ يَوْمُ الطَّلَاقِ) ش: وَكَذَا يُلْغَى يَوْمُ الْوَفَاةِ قَالَهُ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ تَعْتَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى مِثْلِ السَّاعَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا زَوْجُهَا أَوْ تُوُفِّيَ عَنْهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ إذْ لَا اخْتِلَافَ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي طَلُقَتْ فِيهَا، وَتُوَفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَصِحُّ لَهَا بِإِجْمَاعٍ أَنْ تَلْغِيَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَتَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا، وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَتَجْتَنِبَ الطِّيبَ، وَالزِّينَةَ مِنْ حِينَئِذٍ إنْ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَجَبَ أَنْ تَحِلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ النَّهَارِ، وَبَقَاؤُهَا إلَى بَقِيَّةِ النَّهَارِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ

عَلَيْهَا انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَطَأُ الزَّوْجُ، وَلَا يَعْقِدُ) ش: فَإِنْ، وَطِئَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا مِنْ الزِّنَا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (قَدْرَهَا) ش: جَعَلَ فِيهِ الشَّارِحُ احْتِمَالَيْنِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وُطِئَتْ بِزِنًا أَوْ اشْتِبَاهٍ، وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ قَدْرَ الْعِدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ مَكَثَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً قُرْأَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ الْمُرَادُ الْحُرَّةُ، وَحُكْمُ الْأَمَةِ يَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ لِوَطْئِهَا بِالْمِلْكِ، وَاسْتِبْرَاؤُهَا هُنَا لِوَطْئِهَا بِالنِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَفَسَخَ النِّكَاحَ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَلَمْ يَمَسَّهَا إلَّا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا مِنْ نِكَاحٍ يُلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَانْظُرْ النَّصَّ عَلَى بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعَجِّلَ بِرُؤْيَتِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَحِلُّ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ

التنبيه الأول المطلقة إذا انقطع الدم عنها

بِأَنَّ ذَلِكَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَجِّلَ بِالنِّكَاحِ حَتَّى تَسْتَمِرَّ الْحَيْضَةُ، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ هُوَ خِلَافٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ وِفَاقٌ؟ فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهَلْ يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ إذَا رَأَتْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ أَنْ لَا تُعَجِّلَ بِالتَّزْوِيجِ بِسَبَبِ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَمَعْمُولُ تَزْوِيجٍ مَحْذُوفٌ، وَالْبَاءُ فِي بِرُؤْيَتِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَتَرْتَجِعُ الْحَامِلُ مَا بَقِيَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَغَيْرُ الْحَامِلِ مَا لَمْ تَرَ أَوَّلَ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ رَأَتْهُ فَقَدْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَقْرَاءُ، وَالْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ قَالَ أَشْهَبُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا تَنْكِحَ حَتَّى تَسْتَمِرَّ الْحَيْضَةُ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً أَوْ يَوْمًا، ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَيُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَيْضٍ فَإِذَا رَأَتْ امْرَأَةٌ هَذَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَلْتَرْتَجِعْ إلَى بَيْتِهَا، وَالْعِدَّةُ قَائِمَةٌ، وَلِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى تَعُودَ إلَيْهَا حَيْضَةٌ صَحِيحَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ انْتَهَى مِنْ أَوَائِلِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ، وَيَنْبَغِي هُوَ مِنْ كَلَامِ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَصَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ الْكَلَامِ لِأَشْهَبَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَاخْتُلِفَ هَلْ كَلَامُ أَشْهَبَ وِفَاقٌ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ، وَأَكْثَرَ الشُّيُوخِ أَوْ خِلَافٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ لِقَوْلِهِ هُوَ خَيْرٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ مِثْلُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَأَحَبُّ مَحْمُولًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ تَعْلِيلُ أَشْهَبَ بِقَوْلِهِ إذْ قَدْ يَنْقَطِعُ عَاجِلًا فَإِنَّهَا عِلَّةٌ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ انْتَهَى. فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تَحِلُّ بِرُؤْيَةِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَهَلْ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تُعَجِّلَ بِالنِّكَاحِ لِأَجْلِ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ، وَخَوْفِ انْقِطَاعِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلَامَ أَشْهَبَ وِفَاقٌ، وَلَا يَنْبَغِي لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ، وَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَأَحَبُّ لِلْوُجُوبِ كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ الْمُطَلَّقَةُ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِحَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ لَوْ انْقَطَعَ الدَّمُ فَالْحُكْمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ رُشْدٍ: لَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ، وَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ لِرُؤْيَتِهِ أَوَّلًا، وَرَأَوْا أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مِقْدَارِ الْحَيْضِ وَاحِدٌ فِي بَابَيْ الْعِبَادَاتِ، وَالْعَدَدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ يَضُرُّهَا، وَإِنَّمَا لَوْ يَطْلُبُ مِنْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ مَا طَلَبَهُ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَهُوَ أَيْضًا الْغَالِبُ فَلَا يَلْزَمُهَا وُجُوبًا، وَلَا اسْتِحْبَابًا رَعَى مُخَالَفَةَ الْأَصْلِ، وَالْغَالِبِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَمَادَ بِهَا لَا تُحْتَسَبُ بِهِ حَيْضَةٌ انْتَهَى. [التَّنْبِيه الثَّانِي مَاتَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَقَبْلَ التَّمَادِي] (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَقَبْلَ التَّمَادِي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ أَمْرُهَا فِيهِ عَلَى التَّمَادِي، وَلَا يَرِثُهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ حِينَئِذٍ لَمْ تَرِثْهُ إنْ تَمَادَى، وَإِنْ قَالَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِالْيَوْمِ، وَالشَّيْءُ الْقَرِيبِ انْقَطَعَ الدَّمُ عَنِّي، وَكَانَ مَوْتُهُ بِإِثْرِ قَوْلِهَا ذَلِكَ وَرِثَتْهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. [التَّنْبِيه الثَّالِث رَاجَعَهَا زَوْجُهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَعَدَمِ تَمَادِيهِ ثُمَّ رَجَعَ الدَّمُ] (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عِيَاضٌ اخْتَلَفُوا إذَا رَاجَعَهَا زَوْجُهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ هَذَا الدَّمِ، وَعَدَمِ تَمَادِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ الدَّمُ بِالْقُرْبِ هَلْ هِيَ رَجْعَةٌ فَاسِدَةٌ إذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَعَتْ الرَّجْعَةُ فِيهَا فَتَبْطُلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ قِيلَ لَا تَبْطُلُ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ خَلِيلٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ أَنَّ الرَّجْعَةَ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةَ، وَإِنْ قَالَتْ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ رَأَيْتُ الدَّمَ، ثُمَّ ادَّعَتْ انْقِطَاعَهُ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ قَدْرِ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ] ص (وَرَجَعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ هُنَا هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ، وَفِي أَنَّ الْمَقْطُوعَ ذَكَرُهُ أَوْ أُنْثَيَاهُ يُولَدُ لَهُ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ أَوَّلًا، وَمَا تَرَاهُ الْيَائِسَةُ هَلْ هُوَ حَيْضٌ لِلنِّسَاءِ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ثَلَاثَ مَسَائِلَ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا لِلنِّسَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ الرُّجُوعَ لِلنِّسَاءِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ هُنَا يَعْنِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ لِلنِّسَاءِ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِنَّ فِيهِ هَلْ يَكُونُ الْحَيْضُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَوْمَ لَا كَلَامَ أَنَّهُ حَيْضٌ كَامِلٌ، وَكَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْهَا، وَإِنْ ابْتَاعَهَا فَرَأَتْ عِنْدَهُ دَمًا لِخَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ حَيْضَتِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَتَدَعُ لَهُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَكُونُ هَذَا لَهَا حَيْضًا مُؤْتَنِفًا فَرَأَتْهُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ قَالَ النِّسَاءُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ حَيْضَةٌ أَجْزَأَتْهَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ اسْتِبْرَاءٌ لِرَحِمِهَا، وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ فِيهِ حَتَّى تُقِيمَ فِي الدَّمِ مَا يُعْرَفُ، وَيُسْتَيْقَنُ أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِرَحِمِهَا انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا عِمْرَانَ وَابْنَ رُشْدٍ تَأَوَّلَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ هُنَا كَالْعِبَادَاتِ، وَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَنَصَّ الْمَازِرِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ نَفْيُ التَّحْدِيدِ، وَاسْتِنَادُ الْحُكْمِ إلَى مَا يَقُولُ النِّسَاءُ إنَّهُ حَيْضٌ انْتَهَى، وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهِ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُوَفِّي بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ فِيهَا أَنَّ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ أَوَّلِ مَا تَدْخُلُ فَمُصِيبَتُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُقَبِّلَ، وَيُبَاشِرَ، وَيَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَوَّلِ مَا تَرَاهُ، وَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا انْقَطَعَ لَا يَخْلُو أَنْ يَعُودَ عَنْ بُعْدٍ أَوْ قُرْبٍ فَإِنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ انْكَشَفَ أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ هُوَ الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ، وَإِنَّ هَذَا الدَّمَ حَيْضَةٌ رَابِعَةٌ، وَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ كَانَ مُضَافًا لِلْأَوَّلِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ابْتِدَاءَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَإِنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الطُّهْرِ مُلْغًى لَا حُكْمَ لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ، ثُمَّ قَالَ فَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا إنْ سُئِلَ عَنْهُ النِّسَاءُ فَقُلْنَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا هَلْ تَقْضِي الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ أَمْ لَا قَالَ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَقْضِي؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِدَّةِ لَا إلَى إسْقَاطِ الصَّلَاةِ قَالَ، وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ نَظَرٌ، وَلَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَبِلَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ سَحْنُونٍ، وَاعْتَرَضَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ تَعَقَّبْ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ عَلَى عِيَاضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَقَلَ بَعْدَهُ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ كَالْمُقَوِّي لَهُ، وَلَفْظُهُ أَقْوَى مِنْ لَفْظِ التَّهْذِيبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَصُّهُ، وَفِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْهَا إذَا رَأَتْ أَوَّلَ قَطْرَةٍ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، تَمَّ قُرْؤُهَا انْتَهَى، وَحَصَلَ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: كَالطَّهَارَةِ. الثَّانِي: يُسْأَلُ النِّسَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَزَوْهُمَا الثَّالِثُ: يَوْمٌ، رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ الرَّابِعُ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِابْنِ مَسْلَمَةَ الْخَامِسُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ، وَفِي أَنَّ الْمَقْطُوعَ ذَكَرُهُ، وَأُنْثَيَاهُ يُولَدُ لَهُ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ أَوَّلًا فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا تَجِبُ بِوَطْءِ الصَّغِيرِ، وَلَا بِالْمَجْبُوبِ ذَكَرُهُ، وَأُنْثَيَاهُ بِخِلَافِ الْخَصِيِّ الْقَائِمِ، وَفِيهَا فِيهِ، وَفِي عَكْسِهِ يُسْأَلُ النِّسَاءُ فَإِنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَالْعِدَّةُ، وَإِلَّا فَلَا عِدَّةَ، وَلَا يَلْحَقُ، وَاَلَّذِي فِي آخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا، وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تُقِيمَ أَوْ تُفَارِقَ، وَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ فَإِنْ فَارَقَتْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إنْ كَانَ يَطَؤُهَا

مسألة ما تراه اليائسة هل هو حيض

وَإِنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا قِيلَ فَإِنْ كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ قَائِمَ الْخَصِيِّ قَالَ إنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ لَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَا يُلْحَقُ بِهِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْمَجْبُوبُ الْمَقْطُوعُ جَمِيعُ مَا هُنَالِكَ، وَالْخَصِيُّ الْمَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ الْمَسْلُولُ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَذَكَرُهُ قَائِمٌ أَوْ بَعْضُهُ، وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْهُ أَحَدُهُمَا انْتَهَى، وَقَالَ فِي النُّكَتِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إذَا كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ، وَالْخَصِيُّ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَدٌ وَلَا عِدَّةَ عَلَى امْرَأَتِهِ. وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبَ الْخُصَا فَعَلَى الْمَرْأَةِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَطَأُ بِذَكَرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ قَائِمَ الْخُصَا فَهَذَا إنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَحْوِهِ حَفِظْتُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا مِنْ الْقَرَوِيِّينَ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَالْخَصِيُّ لَا يَلْزَمُهُ وَلَدٌ إنْ أَتَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ، وَتَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْخَصِيِّ فِي الطَّلَاقِ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ يُصِيبُ بِبَقِيَّةِ ذَكَرِهِ انْتَهَى، فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا عَلَى الْخَصِيِّ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ الَّذِي جَمَعَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ كَلَامُ صَاحِبِ النُّكَتِ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ اللَّخْمِيّ رَجَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَائِمِ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ الْخَصِيَتَيْنِ عَدَمَ الْعِدَّةِ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ الْمَقْطُوعُ ذَكَرُهُ دُون أُنْثَيَيْهِ، وَأَيْضًا فَلَمْ يَقُلْ فِي هَذِهِ إنَّهُ يُسْأَلُ النِّسَاءُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة مَا تَرَاهُ الْيَائِسَةُ هَلْ هُوَ حَيْضٌ] ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ، وَمَا تَرَاهُ الْيَائِسَةُ هَلْ هُوَ حَيْضٌ فَيُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا بَلَغَتْ الْحُرَّةُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثِينَ، وَلَمْ تَحِضْ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَلَوْ تَقَدَّمَ لَهَا حَيْضَةٌ مَرَّةً لَطَلَبَتْ الْحَيْضَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا اعْتَدَّتْ سَنَةً مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ تِسْعَةً بَرَاءَةً، ثُمَّ ثَلَاثَةً عِدَّةً فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ رَجَعَتْ إلَى الْحَيْضِ، وَإِنْ ارْتَفَعَ ائْتَنَفَتْ سَنَةً مِنْ يَوْمِ انْقَطَعَ الدَّمُ، ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي السَّنَةِ رَجَعَتْ إلَى الْحَيْضِ هَكَذَا تَصْنَعُ حَتَّى تُتِمَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ سَنَةً لَا حَيْضَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الَّتِي لَمْ تَحِضْ فِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْيَائِسَةُ تَرَى الدَّمَ بَعْدَ مَا أَخَذَتْ فِي عِدَّةِ الْأَشْهُرِ فَتَرْجِعُ إلَى عِدَّةِ الْحَيْضِ، وَتَلْغِي الشُّهُورَ، وَتَصْنَعُ كَمَا وَصَفْنَا هَذَا إنْ قَالَ النِّسَاءُ فِيمَا رَأَتْهُ الْيَائِسَةُ إنَّهُ حَيْضٌ، وَإِنْ قُلْنَ إنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تَحِيضُ مِنْ بَنَاتِ السَّبْعِينَ أَوْ الثَّمَانِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَيْضٌ، وَتَمَادَتْ بِالْأَشْهُرِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فَائِدَةٌ، وَهِيَ إنَّمَا يُسْأَلُ عَمَّنْ يُشَكُّ فِي أَمْرِهَا هَلْ هِيَ يَائِسَةٌ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا مَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا يَائِسَةٌ كَبِنْتِ السَّبْعِينَ فَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ عَنْهَا، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَيْضًا ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَصُومُ، وَتُصَلِّي وَلَا تَغْتَسِلُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَالْآخَرُ أَنَّ حُكْمَهَا فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ حُكْمُ الْحَائِضِ إلَّا الْعِدَّةَ انْتَهَى. [فَرْعٌ أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهِنَّ فِي الْعِدَّةِ] (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ إذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهِنَّ فَيُرْجَعُ لِمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ يُشِيرُ بِذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَالنِّسَاء فِي الْحَيْضِ يَنْقَسِمْنَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: صَغِيرَةٌ لَا يُشْبِهُ أَنْ تَحِيضَ، وَمُرَاهِقَةٌ يُشْبِهُ أَنْ تَحِيضَ، وَبَالِغَةٌ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ، وَمُسِنَّةٌ تُشْبِهُ أَنْ لَا تَحِيضَ، وَعَجُوزٌ لَا يُشْبِهُ أَنْ تَحِيضَ، وَلَمَّا لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ حَدٌّ يُرْجَعْ إلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ الْمُسِنَّةِ الَّتِي يُشْبِهُ أَنْ لَا تَحِيضَ، وَبَيْنَ الْعَجُوزِ الَّتِي يُشْبِهُ أَنْ تَحِيضَ، وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ كَمَا قَالَ فَلْيُسْأَلْنَ عَنْهُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الَّتِي دَفَعَتْ دَفْعَةً أَوْ دَفْعَتَيْنِ مِنْ دَمٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ فِيمَا كَانَتْ ظَنَّتْ أَنَّ مِثْلَهَا تَحِيضُ فَلْتُعِدَّ ذَلِكَ الدَّمَ حَيْضًا، وَتَغْتَسِلْ مِنْهُ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا، وَتُصَلِّي، وَإِنْ قُلْنَ مِثْلُهَا لَا يَحِيضُ فَلَا تَعُدَّ ذَلِكَ حَيْضًا، وَلَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ، وَلَا تَغْتَسِلْ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ

المعتدة إذا مات الحمل في بطنها

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهَا تَغْتَسِلُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ شَكَكْنَ فِيهَا عَدَّتْ ذَلِكَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الدَّمِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ، وَجَلَّ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] ، وَالْأَذَى الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الرَّحِمِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَبِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ انْتَهَى، وَنَقَلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي الشَّكِّ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَتَتْ بَعْدَهَا بِوَلَدٍ لِدُونِ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ لَحِقَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ) ش: الضَّمِيرُ فِي بَعْدَهَا عَائِدٌ عَلَى الْعِدَّةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ عِدَّةَ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَ هَذَا الزَّوْجِ أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، وَأَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِ الثَّانِي، وَحِينَئِذٍ يُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ نَاكِحٌ فِي عِدَّةٍ، وَتَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا لَوْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَهُوَ لَاحِقٌ بِالثَّانِي قَطْعًا انْتَهَى. ص (، وَتَرَبَّصَتْ إنْ ارْتَابَتْ بِهِ، وَهَلْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا خِلَافٌ) ش: يَعْنِي فَإِذَا مَضَتْ الْخَمْسَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَلَّتْ، وَلَوْ بَقِيَتْ الرِّيبَةُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ تَرْجَمَةِ الْمَنْعِيِّ لَهَا زَوْجُهَا مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ، وَلَا تُنْكَحُ مُسْتَبْرَأَةَ الْبَطْنِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الرِّيبَةِ أَوْ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ قَالَتْ أَنَا بَاقِيَةٌ عَلَى رِيبَتِي؛ لِأَنَّ خَمْسَ سِنِينَ أَمَدُ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْحَمْلُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ، وَنَصُّهُ كِتَابُ الْعِدَّةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْعَدَدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ قَالَ، وَالطَّلَاقُ، وَالْوَفَاةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ إلَّا فِي أَنْ تَذْهَبَ الرِّيبَةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيبَةُ هَلْ حَرَكَةُ مَا فِي بَطْنِهَا حَرَكَةُ وَلَدٍ أَوْ حَرَكَةُ رِيحٍ، وَأَمَّا إنْ تَحَقَّقَ وُجُودُ الْوَلَدِ فَلَا تَحِلُّ أَبَدًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ الشَّيْخُ الرِّيبَةُ عَلَى، وَجْهَيْنِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ حَمْلٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الرِّيبَةُ لِأَجْلِ طُولِ الْمُدَّةِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعَادَةِ فَشَكَّتْ هَلْ هُوَ حَمْلٌ أَمْ لَا لَمْ تَحِلَّ أَبَدًا، وَإِذَا صَحَّ عَنْ بَعْضِ النِّسَاءِ أَنَّهَا، وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَأُخْرَى لِخَمْسٍ، وَأُخْرَى لِسَبْعٍ جَازَ أَنْ تَكُونَ الْأُخْرَى لِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الرِّيبَةُ، وَالشَّكُّ هَلْ هِيَ حَرَكَةُ الْوَلَدِ أَمْ لَا حَلَّتْ، وَلَمْ تُحْبَسْ عَنْ الْأَزْوَاجِ انْتَهَى، وَكَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَهَذَا الْكَلَامُ مَنْقُولٌ عَنْهُ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي عِنْدِي مِنْ التَّبْصِرَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْهَا تَصْحِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخَامِسَةُ يَعْنِي مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ الْمُرْتَابَةُ فِي الْحَمْلِ بِحَبْسِ بَطْنِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِهِ أَوْ مُضِيِّ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ تَحَقَّقَ حَمْلُهَا، وَالشَّكُّ لِأَجْلِ طُولِ الْمُدَّةِ لَمْ تَحِلَّ أَبَدًا انْتَهَى. فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَا قَيَّدَ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمُعْتَدَّةُ إذَا مَاتَ الْحَمْلُ فِي بَطْنِهَا] (فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِخُرُوجِهِ كَمَا سَيَأْتِي نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْمَشَذَّالِيِّ وَابْنِ سَلْمُونٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَاسْتَمَرَّ إنْ مَاتَ لَا إنْ مَاتَتْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ عدة الْحَامِل] ص (، وَعِدَّةُ الْحَامِلِ فِي مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ) . ش: (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ

مسألة ضربت المرأة وخرج بعض الجنين وهي حية ثم بقيته بعد موتها فهل فيه غرة أم لا

طَلَّقَهَا بَعْدَ، وَضْعِ الْأَوَّلِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ إلَى آخِرِ مَا تَضَعُ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ ضُرِبَتْ الْمَرْأَةُ وَخَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ وَهِيَ حَيَّةٌ ثُمَّ بَقِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَهَلْ فِيهِ غُرَّةٌ أَمْ لَا] (مَسْأَلَةٌ) إذَا ضُرِبَتْ الْمَرْأَةُ، وَخَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ، وَهِيَ حَيَّةٌ، ثُمَّ بَقِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَهَلْ فِيهِ غُرَّةٌ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَعَلَيْهَا يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا مَاتَ أَبُوهُ أَوْ طَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ هَلْ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ بَقِيَّتِهِ أَمْ لَا؟ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) إنَّمَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إذَا كَانَ لَاحِقًا بِأَبِيهِ قَالَ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ، وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ فَظَهَرَ بِامْرَأَتِهِ حَمْلٌ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ مَاتَ هَذَا الصَّبِيُّ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْ الْمَوْتِ بِوَضْعِ حَمْلِهَا، وَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَعَشْرٌ مِنْ يَوْمِ مَاتَ، وَإِنَّمَا الْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ الْحَمْلُ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ خَلَا الْمُلَاعِنَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِالْوَضْعِ، وَإِنْ لَمْ يُلْحَقْ بِالزَّوْجِ، وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَكَذَلِكَ الْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمَنْعِيُّ لَهَا زَوْجُهَا، وَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ وَفَاةٍ تَتَزَوَّجُ فَتَحْمِلُ مِنْ الْآخِرِ أَوْ تَكُونُ حَامِلًا مِنْ الْأَوَّلِ فَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زِنًا أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ، وَلَا يُلْحَقُ انْتَهَى، وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلٍ إنْ طَرَأَ مُوجِبٌ بِعَدَمِ وَضْعِ حَمْلٍ أُلْحِقَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ غَيْرُهُ، وَبِفَاسِدٍ أَثَرُهُ، وَأَثَرُ الطَّلَاقِ لَا الْوَفَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَكَالْمُطَلَّقَةِ إنْ فَسَدَ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحُكْمَ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ فَمَنْ وَرَّثَهَا قَالَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَمَنْ لَمْ يُوَرِّثْهَا لَمْ يَرَ عَلَيْهَا شَيْئًا انْتَهَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَسْخُهُ بِطَلَاقٍ، وَفِيهِ الْإِرْثُ، فَعَلَيْهِ تَكُونُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنْ دَخَلَ فَفِي اعْتِدَادِهَا بِالْأَشْهُرِ أَوْ الْأَقْرَاءِ قَوْلَانِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ مَاتَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَقَالَ أَيْضًا، وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ هُنَا، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الْمِيرَاثِ فَمَنْ وَرَّثَهَا قَالَ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ، وَمَنْ نَفَى الْمِيرَاثَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ، وَعَلَيْهَا إنْ دَخَلَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ، وَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْإِرْثُ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمُجْمَعُ عَلَى فَسَادِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: حُكْمُهَا يَوْمَ وَفَاتِهِ حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ هَذِهِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْوَاجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَحَيْضَتَانِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَعَشْرٌ) ش: كَذَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْآيَةِ مَنْصُوبٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْله تَعَالَى {وَعَشْرًا} [البقرة: 234] يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَيَّامَ بِلَيَالِيِهَا، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ إنَّمَا أَتَتْ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُدَّةُ الْمَعْنَى، وَعَشْرُ مُدَدٍ كُلُّ مُدَّةٍ مِنْ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ فَاللَّيْلَةُ مَعَ يَوْمِهَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدَّهْرِ، وَقِيلَ لَمْ يَقُلْ عَشْرَةً تَغْلِيبًا لِحُكْمِ اللَّيَالِيِ إذْ اللَّيْلَةُ أَسْبَقُ مِنْ الْيَوْمِ، وَالْأَيَّامُ فِي ضِمْنِهَا، وَعَشْرًا أَخَفُّ فِي اللَّفْظِ فَتُغَلَّبُ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الشُّهُورِ بِاللَّيْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَالِ فَكُلَّمَا كَانَ أَوَّلُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةَ غَلَبَتْ تَقُولُ صُمْنَا خَمْسًا مِنْ الشَّهْرِ فَتُغَلَّبُ اللَّيَالِي، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ بِالنَّهَارِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَيَّامُ، وَاللَّيَالِي قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَلَوْ عَقَدَ عَاقِدٌ عَلَيْهَا النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَدْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَعَشْرُ لَيَالٍ كَانَ بَاطِلًا حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَذَهَبَ بَعْضُ

التنبيه الأول المعتدة إذا مر بها تسعة أشهر

الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ إذَا انْقَضَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَعَشْرُ لَيَالٍ حَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ رَأَى الْعِدَّةَ مُبْهَمَةً فَغَلَّبَ التَّأْنِيثَ، وَتَأَوَّلَهَا عَلَى اللَّيَالِي، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَرَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ " أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشْرَ لَيَالٍ " انْتَهَى، وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشْرًا عِبَادَةَ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا اسْتِبْرَاءً لِلْحَمْلِ إذْ فِيهَا تَكْمُلُ الْأَرْبَعُونَ، وَالْأَرْبَعُونَ حَسَبَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِ " ثُمَّ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ " فَجَعَلَ الْعَشَرَةَ تَكْمِلَةً إذْ هِيَ مَظِنَّةُ ظُهُورِ الْحَمْلِ بِحَرَكَةِ الْجَنِينِ، وَذَلِكَ لِنَقْصِ الشُّهُورِ أَوْ كَمَالِهَا، وَلِسُرْعَةِ حَرَكَةِ الْجَنِينِ، وَإِبْطَائِهَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَغَيْرُهُ انْتَهَى مِنْ الثَّعَالِبِيِّ ص (وَإِلَّا انْتَظَرَتْهَا) ش: قَوْلُهُ، وَإِلَّا يَشْمَلْ صُورَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ تَتِمُّ قَبْلَ زَمَنِ حَيْضِهَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ النِّسَاءُ بِهَا رِيبَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنْ قَالَ النِّسَاءُ بِهَا رِيبَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَيْضَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا انْتَهَى. وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَطْ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَالْمَشْهُورُ إنْ تَمَّتْ قَبْلَ عَادَتِهَا فَلَا، وَيَنْظُرُهَا النِّسَاءُ، وَإِلَّا فَنَعَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَتِمَّ الْعِدَّةُ بَعْدَ زَمَنِ الْحَيْضَةِ، وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ حَمَلَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ وَالْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، وَأَدْخَلَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِلَّا فَنَعَمْ، وَحُكْمُهَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ الِانْتِظَارُ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ يُرِيدُ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ فَرْحُونٍ، وَنَصُّهُ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا إذَا كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَرَى الدَّمَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَمْ تَرَهُ فِيهَا فَعَدَمُ رُؤْيَتِهِ فِي زَمَنِهِ رِيبَةٌ فَتَرْجِعُ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ، وَعَزَاهُ لِلْمَشْهُورِ مَعَ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَنَصُّهُ وَإِنْ فَقَدَتْهُ، وَمَضَى وَقْتُهُ لَا لِسَبَبٍ، وَلَا رِيبَةٍ لِخَسِّ بَطْنٍ فَفِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ أَيْ يَكْفِيهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ أَوْ وَقْفِهَا عَلَى حَيْضَةٍ أَوْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ نَقْلَا ابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالْمَشْهُورُ مَعَ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ فَإِذَا مَرَّ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. [التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ الْمُعْتَدَّةُ إذَا مَرَّ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ] (تَنْبِيهَات الْأَوَّل) : قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إثْرَ نَقْلِهِ قَوْلَ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ فَإِذَا مَرَّ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ حَلَّتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهَا رِيبَةُ بِخَسِّ الْبَطْنِ فَتُقِيمُ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ أَوْ تَبْلُغَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ انْتَهَى، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهَا مَا لَمْ تَرْتَبْ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْمَحِيضِ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ، وَقْتِهِ فَتَقْعُدْ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ الشَّيْخُ يُرِيدُ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِتَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ التِّسْعَةُ الْأَشْهُرُ فَقَدْ خَلَّتْ إلَّا أَنْ تَحُسَّ بِبَطْنِهَا شَيْئًا فَإِنَّهَا تَبْقَى أَمَدَ الْحَمْلِ انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ طَرَأَتْ لَهَا رِيبَةُ الْبَطْنِ فِي آخِرِ التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ بَعْدَ كَمَالِهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلًا إنْ تَأَخَّرَ حَيْضَتُهَا لَا لِرِيبَةٍ، وَلَا لِعُذْرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ النِّسَاءُ بِهَا رِيبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [التَّنْبِيه الثَّانِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ] (الثَّانِي) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ إنَّمَا تَتِمُّ بَعْدَ زَمَنِ حَيْضَتِهَا، وَرَأَتْ الْحَيْضَ أَنَّهَا تَحِلُّ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ صَغِيرَةٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إنْ رَأَتْ فِيهَا ذَاتَ الْحَيْضِ حَيْضًا اتِّفَاقًا عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَرَهُ مَنْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ، وَمِثْلُ هَذَا الْفَرْعِ مَنْ تَكُونُ فِي سِنِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ، وَيُؤْمَنُ حَمْلُهَا قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ [التَّنْبِيه الثَّالِث اُنْظُرْ الرِّيبَةَ أَمِنْ الْعِدَّةِ أَمْ لَا] (الثَّالِثُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ اُنْظُرْ الرِّيبَةَ أَمِنْ الْعِدَّةِ أَمْ لَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهَا فِي الرِّيبَةِ مُعْتَدَّةٌ، وَفَائِدَتُهُ إذَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَشْرٍ، وَقَبْلَ تَمَامِ الرِّيبَةِ هَلْ هِيَ مُتَزَوِّجَةٌ فِي الْعِدَّةِ؟ فَيُفْسَخُ، وَيَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ أَوْ لَيْسَ كَالْمُتَزَوِّجِ فِيهَا، وَإِنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَمَا زَادَ فَهُوَ احْتِيَاطٌ فَلَا يُفْسَخُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ قَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ الْإِحْدَادُ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَقَطْ، وَنَصَّهُ الشَّيْخُ لِأَصْبَغَ فِي الْمُوَازَنَةِ إنْ تَزَوَّجَتْ الْمُرْتَابَةُ بِتَأْخِيرٍ الْحَيْضِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهَا، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الرِّيبَةِ فِي الْوَفَاةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ يُقَالُ لِلْحُرَّةِ

التنبيه الرابع تأخر الحيض لا لريبة ولا لعذر

فِي الْوَفَاةِ اعْتَدِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشْرًا، وَلِلْأَمَةِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ، ثُمَّ اسْتَبْرِئَا أَنْفُسَكُمَا بِتَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ يَهْلَكُ زَوْجُكُمَا انْتَهَى. [التَّنْبِيه الرَّابِع تَأَخَّرَ الْحَيْضُ لَا لِرِيبَةٍ وَلَا لِعُذْرٍ] (الرَّابِعُ) عُلِمَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ إنَّمَا هِيَ إذَا تَأَخَّرَ الْحَيْضُ لَا لِرِيبَةٍ، وَلَا لِعُذْرٍ فَإِنْ تَأَخَّرَ لِرِيبَةٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إنْ ارْتَابَتْ مِنْ الْحَيْضِ بِامْتِلَاءٍ فِي الْبَطْنِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْسَلِخَ مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ أَوْ تَبْلُغَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا إنْ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَالْعُذْرِ، وَالرَّضَاعِ، وَالْمَرَضِ انْتَهَى. أَمَّا الرَّضَاعُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ تَأَخُّرُهُ عَنْ وَقْتِهِ لِرَضَاعٍ كَتَأَخُّرِهِ لِوَقْتِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَرَضُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا، وَفِي كَوْنِ ارْتِفَاعِهِ بِالْمَرَضِ كَالرَّضَاعِ تَحِلُّ فِي الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَفِي الطَّلَاقِ بِالْأَقْرَاءِ، وَلَوْ تَبَاعَدَتْ أَوْ رِيبَةٍ تَرَبَّصَتْ فِي الْوَفَاةِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي الطَّلَاقِ سَنَةً قَوْلَا أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ انْتَهَى زَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْبَغَ وَابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَفِي التَّوْضِيحِ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّ الْمُرْضِعَ، وَالْمَرِيضَةَ تَحِلُّ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَشْرٍ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَنَصُّهُ فِي التَّنْبِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ مُرْضِعَةً فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنْ تَكْتَفِيَ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ انْتَهَى فَانْظُرْهُ مَعَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَفِي الْبَيَانِ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي عِدَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَشْرٍ، سَمَاعُ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَعَ الْبَاجِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَرِوَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ مَعَ ابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ رِوَايَةِ الْمَوَّازِيَّةِ الشَّيْخُ لِأَصْبَغَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَرَابَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُفَصِّلُ فِي الْمُمَيِّزَةِ يَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ إنْ مَيَّزَتْ فِي الْأَشْهُرِ حَلَّتْ، وَإِلَّا طَلَبَ التَّمْيِيزَ أَوْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ لَغْوُهُ فَالْمُعْتَبَرُ التِّسْعَةُ انْتَهَى، وَفِي عَزْوِهِ لِسَمَاعِ عِيسَى أَنَّ عِدَّتَهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ مُسَامَحَةً؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ التِّسْعَةَ كُلَّهَا عِدَّةٌ، وَنَصُّهُ مَا فِي سَمَاعِهِ تَعْتَدُّ الْحُرَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشْرًا، وَالْأَمَةُ شَهْرَيْنِ، وَخَمْسَ لَيَالٍ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمَا الِاسْتِحَاضَةُ رِيبَةٌ فَانْتَظَرَا حَتَّى يَمُرَّ لَكُمَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ أَقْصَى الرِّيبَةِ انْتَهَى (الْخَامِسُ) يُلْغَى يَوْمُ الْوَفَاةِ كَمَا يُلْغَى يَوْمُ الطَّلَاقِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ تَعْتَدُّ لِمِثْلِ سَاعَةِ الْوَفَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَأَلْغَى يَوْمَ الطَّلَاقِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنْ أَلْغَى يَوْمَ الطَّلَاقِ، وَالْوَفَاةِ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ سَاعَةِ الطَّلَاقِ، وَالْوَفَاةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ حِينَئِذٍ الْإِحْدَادُ فِي الْوَفَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَنَصَّفَتْ بِالرِّقِّ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَتِسْعَةٌ) ش: قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الْجَارِيَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ تُرْضِعْ شَهْرَانِ، وَخَمْسُ لَيَالٍ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ فِي الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ تُرْضِعُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ، وَخَمْسِ لَيَالٍ، وَلَمْ تَمْضِ إلَّا أَنْ تُسْتَرَابَ الرِّيبَةُ هَاهُنَا إنَّمَا تَكُونُ بِحِسٍّ تَجِدُهُ فِي بَطْنِهَا فَإِنْ وَجَدَتْ ذَلِكَ فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَذْهَبَ عَنْهَا أَوْ تَبْلُغَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَرِبْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِالشَّهْرَيْنِ، وَخَمْسِ لَيَالٍ كَمَا قَالَ فَيُسْقِطُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ عَنْهَا الْإِحْدَادُ، وَيَسْقُطُ عَنْهَا فِي السُّكْنَى إلَّا أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا حَتَّى تَمْضِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهَذَا يُرَجِّحُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَقَلَهُمَا الْجُزُولِيُّ فِي الرِّيبَةِ هَلْ هِيَ مِنْ الْعِدَّةِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْهَا فَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلِذَاتِ الرِّقِّ، وَلَوْ قَبْلَ الْبِنَاءِ صَغِيرَةً شَهْرَانِ، وَخَمْسُ لَيَالٍ ابْنِ زَرْقُونٍ رِوَايَةُ ابْنِ الْعَطَّارِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَإِنْ أَطَاقَتْ الْوَطْءَ شَاذَّةٌ، وَعَلَى الْمَعْرُوفِ إنْ صَغُرَتْ عَنْ سِنِّ الْحَيْضِ حَلَّتْ بِشَهْرَيْنِ، وَخَمْسِ لَيَالٍ الْبَاجِيُّ وَالشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ إنْ بَلَغَتْ، وَلَمْ تَحِضْ أَوْ كَانَتْ يَائِسَةً

وَلَمْ يُؤْمَنْ مِنْ حَمْلِهَا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ أَمِنَ فَلِمَالِكٍ كَذَلِكَ وَأَشْهَبَ شَهْرَانِ، وَخَمْسُ لَيَالٍ، وَغَيْرُهُنَّ قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ بِهَا إنْ حَاضَتْ فِيهَا، وَإِنْ اسْتُرِيبَتْ بِحِسِّ بَطْنٍ فَبِزَوَالِهَا اتِّفَاقًا فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِ مِنْ عَادَتِهَا فِيهَا فَالْمَشْهُورُ تَرْفَعُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ، وَمِثْلُهَا يَحْمِلُ فَفِي حِلِّهَا بِشَهْرَيْنِ، وَخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ انْتَهَى، وَانْظُرْ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ، وَمِثْلُهَا يَحْمِلُ إلَى آخِرِهِ كَأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ زَرْقُونٍ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ وَالشَّيْخِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْمَحِيضِ، وَلَمْ تَحِضْ أَوْ كَانَتْ يَائِسَةً سَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُ حَمْلُهَا أَمْ لَا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ، وَأَمَّا الَّتِي لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ، وَقَدْ بُنِيَ بِهَا فَلَا تُنْكَحُ فِي الْوَفَاةِ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ أَيْ بِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ فَتُؤَخِّرُ إلَى تِسْعَةٍ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عِدَّةَ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ مَا لَمْ تَرْتَبْ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْمَحِيضِ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ وَقْتِهِ فَتَقْعُدَ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ مُتَقَدِّمٍ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ مِنْ إقْرَارِهِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا بَلَغَهَا مَوْتُ زَوْجِهَا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَاتَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا ذَلِكَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا، وَقَدْ حَلَّتْ، وَكَذَلِكَ إنْ طَلُقَتْ، وَهُوَ غَائِبٌ فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ إذَا أَقَامَتْ عَلَى الطَّلَاقِ بَيِّنَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ قَالَ كُنْتُ طَلَّقْتُهَا فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ إقْرَارِهِ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ إذَا تَمَّتْ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ دَعْوَاهُ، وَتَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ دَعْوَاهُ الْمُؤْتَنِفَةِ، وَلَا يَرِثُهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَتًّا لَمْ يَتَوَارَثَا بِحَالٍ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ طَلَاقِهِ قَبْلَ عِلْمِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّطَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَإِنَّهَا تَرُدُّ مَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ، وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ لِوَرَثَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَصَّ مِنْهُ بِشَيْءٍ دُونَهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ قَدِمَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ يَشْهَدُ بِطَلَاقِهَا أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَشْهَدَ لَهَا مَنْ يَحْكُمُ بِهِ السُّلْطَانُ فِي الطَّلَاقِ، وَتَرْجِعُ بِمَا تَسَلَّفَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا تَرْجِعُ بِمَا تَسَلَّفَتْ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلُهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّهُ شَهِدَ بِالطَّلَاقِ رَجُلٌ أَوْ وَامْرَأَةٌ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ بِشَاهِدٍ آخَرَ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَتَكُونُ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ طَلَّقَ إنْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْيَوْمِ فَإِنْ اخْتَلَفَا اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ لَمْ

فرع لحقتها العدة وهي متطيبة هل عليها ترك الطيب

يَذْكُرْ الْيَوْمَ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ، وَفَاتَ سُؤَالُ الشُّهُودِ كَانَتْ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي لَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ الشَّهَادَةِ (الثَّانِي) قَالَ فِيهِ أَيْضًا، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهَا فِيمَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ إلَى يَوْمِ عِلْمِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْبَسَ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ فَرَّطَ إذْ لَمْ يُعْلِمْهَا بِطَلَاقِهِ زَادَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ بِاتِّفَاقٍ (الثَّالِثُ) لَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ تَسَلَّفَتْ لَرَجَعَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا تَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ أَمَّا مَا ازْدَادَتْ فِي السَّلَفِ مِثْلُ أَنْ تَشْتَرِيَ مَا قِيمَتُهُ بِدِينَارٍ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَتَبِيعُهُ بِدِينَارٍ فِي نَفَقَتِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا مَا أَنْفَقَتْهُ مِمَّا خَلَفَهُ عِنْدَهَا مِنْ مَالِهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهَا فِيهِ بِاتِّفَاقٍ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا، وَتَسَلَّفَتْهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُغْبَنَ فِيهِ بِزِيَادَةٍ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. ص (فَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ) ش: أَيْ أَمَّا الْعِدَّةُ مَعَ حَيْضَةٍ أَوْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَيْسَتْ كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ قَالَ الْقَابِسِيُّ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَوَّلِ الْوَفَاةِ قَدْ انْقَضَتْ بِمُضِيِّ شَهْرَيْنِ، وَخَمْسِ لَيَالٍ، وَالتَّرَبُّصُ لِزَوَالِ الرِّيبَةِ فَمَتَى زَالَتْ حَلَّتْ، وَالْمُطَلَّقَةُ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْأَشْهُرِ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. ص (وَتَرَكَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَطْ) ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِحْدَادِ، وَالْإِحْدَادُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِّ، وَهُوَ الْمَنْعُ يُقَالُ حَدَدْتُ الرَّجُلَ إذَا مَنَعْتَهُ، وَمِنْهُ الْحُدُودُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ، وَيُقَالُ لِلْبَوَّابِ حَدَّادٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِحْدَادُ هُوَ تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَيَدْخُلُ تَرْكُ الْخَاتَمِ فَقَطْ لِلْمُبْتَذِلَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ مُحْرِزٍ تَرْكُ الزِّينَةِ الْمُعْتَادَةِ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِصِحَّةِ سَلْبِ الزِّينَةِ الْمُعْتَادَةِ عَمَّنْ لَبِسَتْهُ مُتَبَذِّلَةً انْتَهَى يَعْنِي أَنَّ لُبْسَ الْخَاتَمِ وَحْدَهُ لَا يُعَدُّ زِينَةً، وَلَكِنَّهُ زِينَةٌ مَعَ غَيْرِهِ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ مُحْرِزٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ مُعْتَادَةٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَالْإِحْدَادُ أَنْ لَا تَقْرَبَ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ شَيْئًا مِنْ الزِّينَةِ بِحُلِيٍّ، وَالْحُلِيُّ الْخَاتَمُ فَمَا فَوْقَهُ ص (وَالتَّطَيُّبُ، وَعَمَلُهُ) ش: تَصَوُّرُهُ، وَاضِحٌ. [فَرْعٌ لَحِقَتْهَا الْعِدَّةُ وَهِيَ مُتَطَيِّبَةٌ هَلْ عَلَيْهَا تَرْكُ الطِّيبِ] (فَرْعٌ) إذَا لَحِقَتْهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ مُتَطَيِّبَةٌ هَلْ عَلَيْهَا تَرْكُ الطِّيبِ قَالَ التَّادَلِيُّ فِي مَنْسَكِهِ فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْقَرَافِيِّ، وَتَنْزِعُ الْمُحْرِمَةُ مَا صَادَفَ الْإِحْرَامَ مِنْ الطِّيبِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ تَلْحَقُهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ مُتَطَيِّبَةٌ انْتَهَى، ثُمَّ ذَكَرَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَيَانِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَهُ مِنْ الْبَيَانِ، وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ، وَسُئِلَ عَنْ الَّتِي يُتَوَفَّى زَوْجُهَا، وَقَدْ امْتَشَطَتْ أَتَنْقُضُ مَشْطَهَا؟ فَقَالَ لَا أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ مُخْتَضِبَةً كَيْفَ تَصْنَعُ لَا أَرَى أَنْ تَنْقُضَهُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَهُوَ وَابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ مُمْتَشِطَةٌ أَنْ تَنْقُضَ مَشْطَهَا مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ امْتَشَطَتْ بِغَيْرِ طِيبٍ، وَأَمَّا لَوْ امْتَشَطَتْ بِطِيبٍ أَوْ تَطَيَّبَتْ فِي

فصل لزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي

سَائِرِ جَسَدِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْسِلَ الطِّيبَ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَوْ تُوُفِّيَ عَنْهَا، وَهِيَ لَابِسَةٌ ثَوْبَ زِينَةٍ أَنْ تَخْلَعَهُ، وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَحْرَمَ، وَهُوَ مُتَطَيِّبٌ أَنْ يَغْسِلَ الطِّيبَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ. (قُلْت) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ يُرِيدُ إذَا كَانَتْ امْتَشَطَتْ بِغَيْرِ طِيبٍ يَقْتَضِي مَنْعَهَا مِنْ الِامْتِشَاطِ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ خِلَافٌ مُتَقَدِّمٌ قَوْلُهُ تَمْتَشِطُ بِالسِّدْرِ وَلِمَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ لَفْظَهَا قَالَ، وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْد أَنْ مَشَطَتْ رَأْسَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطِّيبِ فَرَوَى أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ كَانَ بِطِيبٍ أَوْ تَطَيَّبَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهَا غَسْلُهُ إلَى آخِرِهِ خِلَافُ قَوْلِ عَبْدِ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إذَا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، وَعَلَيْهَا طِيبٌ فَلَيْسَ عَلَيْهَا غَسْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ، وَعَلَيْهِ طِيبٌ عَبْدِ الْحَقِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَدْخَلَ الْإِحْرَامَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَوْ شَاءَ نَزَعَ الطِّيبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَبِأَنَّ فِيمَا دَخَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَالِاهْتِمَامِ شُغْلًا لَهَا عَنْ الطِّيبِ انْتَهَى ص (، وَالتَّجْرِ فِيهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تَحْضُرُ حَادٌّ عَمَلَ طِيبٍ، وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَسْبُهَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ لِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي] ص (فَصْلٌ، وَلِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي، وَوَالِي الْمَاءِ، وَإِلَّا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَفْقُودُ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، وَمُمْكِنُ الْكَشْفِ عَنْهُ فَيَخْرُجُ الْأَسِيرُ ابْنُ عَاتٍ، وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ فَانْقَطَعَ خَبَرُهُ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْمَفْقُودِ انْتَهَى، وَفِي مَسَائِلِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ، وَسُئِلَ عَنْ مَرْكَبَيْنِ مَرْسَيَيْنِ بِجَانِبِ الْبَرِّ، وَفِي أَحَدِ الْمَرْكَبَيْنِ رَجُلٌ يَعْرِفُهُ بَعْضُ مَنْ فِي الْمَرْكَبِ الْآخَرِ فَهَالَ عَلَيْهِمْ الْبَحْرُ فِي اللَّيْلِ فَسَمِعَ تَكْبِيرَ أَهْلِ الْمَرْكَبِ الَّذِي فِيهِ الرَّجُلُ الْمَعْرُوفُ فَأَصْبَحُوا فَلَمْ يَجِدُوا لِلْمَرْكَبِ خَبَرًا، وَلَا أَثَرًا، وَهَلْ يَشْهَدُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الرَّجُلَ أَنَّهُ مَاتَ فَقَالَ يَشْهَدُونَ بِصِفَةِ الْأَمْرِ، وَالْحَاكِمُ يَحْكُمُ بِالْمَوْتِ فِي هَذَا قِيلَ لَهُ فَلَوْ كَانُوا فِي الْمُوَسَّطَةِ، فَقَالَ قَدْ يَكُونُ هَؤُلَاءِ رَمَتْهُمْ الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ هَؤُلَاءِ سَبِيلُهُمْ سَبِيلُ الْمَفْقُودِ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: فِي مَسَائِلِ الْعِدَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَفْقُودِ، وَمَنْ فُقِدَ زَمَنَ الْوَبَاءِ، وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَوْتِ، وَمِنْ هَذَا مَا يُوجَدُ الْيَوْمَ مِمَّنْ يُفْقَدُ مِنْ مَرَاكِبِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُدْرَى أَغَرِقَ أَوْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ أَلْبَتَّةَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى الْمَوْتِ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْهُمْ بِإِخْبَارِ مَرَاكِبِ النَّصَارَى، وَأَمَّا مَنْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ، وَغَدَوَا بِهِ كَمَا يَجْرِي الْيَوْمَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَسِيرِ، وَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا ابْنُ عَاتٍ، وَمِثْلُهُ الْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ انْتَهَى (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْوَالِي مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي، وَإِلَى، وَالِي الْمَاءِ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي، وَالْوَالِي، وَأَمَّا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَرْبُهُمْ الْأَجَلَ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ مَنْ ذُكِرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لِجَعْلِهِمْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ حَاضِرًا لَمْ يَضْرِبْ غَيْرَهُ خِلَافَ الْمَشْهُورِ، وَلِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَشْفَ عَنْ خَبَرِهِ إلَى سُلْطَانِ بَلَدِهِ، وَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ بَعْضُ وُلَاةِ الْمِيَاهِ، وَالْعُقُودِ مِنْهُمْ أَجْزَأَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الْغَائِبِينَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ خَمْسَةٌ فَالْأَوَّلُ غَائِبٌ لَمْ يَتْرُكْ نَفَقَةً، وَلَا

تنبيه مال المفقود

خَلَفَ مَالًا، وَلَا لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْمَغِيبِ فَإِنْ أَحَبَّتْ زَوْجَتُهُ الْفِرَاقَ فَإِنَّهَا تَقُومُ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ، وَالثَّانِي غَائِبٌ لَمْ يَتْرُكْ نَفَقَةً، وَلِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْمَغِيبِ فَزَوْجَتُهُ مُخَيَّرَةٌ فِي أَنْ تَقُومَ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ أَوْ بِشَرْطِهَا، وَهُوَ أَيْسَرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْرَبُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ، وَالثَّالِثُ غَائِبٌ خَلَفَ نَفَقَةً، وَلِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْمَغِيبِ، فَهَذِهِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُومَ إلَّا بِالشَّرْطِ خَاصَّةً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْغَائِبُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ مَعْلُومَ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ إلَّا أَنَّ مَعْلُومَ الْمَكَانِ يُعْذَرُ إلَيْهِ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَالرَّابِعُ غَائِبٌ خَلَفَ نَفَقَةً، وَلَا شَرْطَ لِامْرَأَتِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَعْلُومُ الْمَكَانِ، فَهَذَا يَكْتُبُ إلَيْهِ السُّلْطَانُ إمَّا أَنْ يَقْدُمَ أَوْ يَحْمِلَ امْرَأَتَهُ إلَيْهِ أَوْ يُفَارِقَهَا، وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَالْخَامِسُ غَائِبٌ خَلَفَ نَفَقَةً، وَلَا شَرْطَ لِامْرَأَتِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمَكَانِ فَهَذَا هُوَ الْمَفْقُودُ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّابِعِ مِنْ أَنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهِ السُّلْطَانُ إلَى آخِرِهِ، وَإِلَّا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يَنْتَظِرُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَمْ يَحُدَّهَا هُنَا يَعْنِي فِي هَذَا الرَّسْمِ فِي الطُّولِ حَدًّا، وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ شَهِدَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ السَّنَتَيْنِ، وَالثَّلَاثَ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، وَلَيْسَ بِطُولٍ، وَهَذَا إذَا بَعَثَ إلَيْهَا بِنَفَقَةٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِنَفَقَةٍ، وَلَا عُلِمَ لَهُ مَالٌ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ، وَالتَّلَوُّمِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُوسِرٌ بِمَوْضِعِهِ فَتُفْرَضُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ تُتْبِعُهُ بِهَا، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُطِلْ عَلَى مَا قَالَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ. [تَنْبِيهٌ مَالِ الْمَفْقُودِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ، وَيَجْمَعُهُ، وَيُوقِفُهُ كَانَ بِيَدِ وَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُوَكِّلُ بِهِ مَنْ يَرْضَى، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ يَرَاهُ لِذَلِكَ أَهْلًا أَقَامَهُ لَهُ، وَيَنْظُرُ فِي قِرَاضِهِ وَوَدَائِعِهِ، وَيَقْبِضُ دُيُونَهُ، وَلَا يَبْرَأُ مَنْ دَفَعَ مِنْ غُرَمَائِهِ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ وَرَثَتَهُ لَمْ يَرِثُوهُ بَعْدُ، وَمَا أَسْكَنَ أَوْ أَعَارَ أَوْ آجَرَ إلَى أَجَلٍ أُرْجِئَ إلَيْهِ، وَإِنْ قَارَضَ إلَى أَجَلٍ فُسِخَ، وَأُخِذَ الْمَالُ، وَمَا لَحِقَهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ اعْتِرَافٍ أَوْ عُهْدَةِ ثَمَنٍ أَوْ عَيْبٍ قَضَى بِهِ، وَعَلَيْهِ، وَلَا يُقَامُ لَهُ وَكِيلٌ، وَتُبَاعُ عُرُوضُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ أَوْ أَسْنَدَ إلَيْهِ الْوَصِيَّةَ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ فَإِذَا قَضَى بِمُدَّتِهِ بِحَقِيقَةٍ أَوْ تَعْمِيرٍ جَعَلَ لِلْوَصِيِّ وَصِيَّةً، وَأَعْطَتْ لِلْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ إنْ كَانَ حَيًّا، وَحِمْلُهَا الثُّلُثُ، وَإِلَّا أُعِيدَتْ الْبَيِّنَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّهُ زَوْجُهَا قَضَيْتُ لَهَا كَقَضَائِي عَلَى الْغَائِبِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ أَوْ اعْتِرَافٌ أَيْ اسْتِحْقَاقٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ عُهْدَةُ ثَمَنٍ أَيْ اسْتِحْقَاقُ مَا بَاعَ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَيْبٌ أَيْ بَاعَ سِلْعَةً فَظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ، وَقَوْلُهُ، وَلَا يُقَامُ لَهُ وَكِيلٌ، وَجْهُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَعْلَمُ حُجَجَ الْغَائِبِ، وَيَقُومُ بِحُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ الْقَاعِدَةُ إنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَعَرَّضُ لِدُيُونِ الْغَائِبِ يَقْضِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا أَوْ مُولًى عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ حَاضِرًا، وَيُرِيدَ أَنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَهُ، وَرَبُّ الدِّينِ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ فَلَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَفْسَدَ شَخْصٌ مَالَ غَائِبٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ مِنْهُ الْقِيمَةَ، وَيَحْبِسُهَا الْغَائِبُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي النُّكَتِ فَانْظُرْهُ، وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَأَمَّا مَالُ الْمَفْقُودِ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، وَيُثَقِّفَهُ، وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ مَنْ يَرْتَضِيهِ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَيُقَدِّمَهُ لِلْقِيَامِ بِتَمْيِيزِ مَالِهِ، وَالنَّظَرِ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَمْلَاكٌ اغْتَلَّهَا وَرَم مَا وَهِيَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فِي خَرَاجِهِمْ مَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِمْ، وَكُسْوَتِهِمْ حَبَسَهُ لَهُ، وَإِلَّا بَاعَهُمْ عَلَيْهِ، وَيَقْتَضِي دُيُونَهُ إنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ حُلُولِ آجَالِهَا، وَيُمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهَا، وَالْخِصَامِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ مَا اسْتَوْدَعَهُ الْمَفْقُودُ أَوْ قَارَضَهُ، وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ دُيُونٍ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ قَضَاهَا عِنْدَ حُلُولِ آجَالِهَا بَعْدَ بَيَانِ أَرْبَابِهَا، وَمَا تَرَاخَى أَجَلُهُ مِنْهَا، وَمَنْ مُهُورِ نِسَائِهِ، وَلَا تَحِلُّ إلَّا بِانْقِضَاءِ تَعْمِيرِهِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ، وَمَا تَرَاخَى أَجَلُهُ يُرِيدُ تَرَاخَى أَجَلُهُ بَعْدَ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَيُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى

أَزْوَاجِهِ، وَيَخْدُمُهُنَّ إنْ كُنَّ مُخْدَمَاتٍ، وَكَانَ مَالُهُ يَتَّسِعُ لِذَلِكَ هَذَا إنْ كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عِيسَى، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الْمَفْقُودُ انْتَهَى، وَانْظُرْ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرِ فِي آخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَيُنْفِقُ عَلَى فُقَرَاءِ صِغَارِ بَنِيهِ، وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ حَتَّى يَحْتَلِمَ الذَّكَرُ مِنْهُمْ، وَهُوَ صَحِيحُ الْجِسْمِ، وَالْعَقْلِ، وَيَدْخُلُ بِالْأُنْثَى زَوْجُهَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلِلْعَبْدِ نِصْفُهَا) ش: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَسَوَاءٌ كَانَ مَغِيبُهُ بِإِبَاقٍ أَوْ بَيْعٍ فَغَابَ بِهِ مُشْتَرِيهِ، وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَقَطَتْ بِهَا النَّفَقَةُ) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَيُنْفِقُ هَذَا الْوَكِيلُ أَوْ السُّلْطَانُ إنْ لَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا عَلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ فِي الْأَرْبَعِ سِنِينَ، وَيَكْسُوهَا بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كُسْوَةً، وَلَا أَرْسَلَ بِشَيْءٍ وَصَلَ إلَيْهَا، وَلَا يُكَلِّفُهَا إثْبَاتَ الزَّوْجِيَّةِ لِثُبُوتِهَا عِنْدَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَيُكَلِّفُ ذَلِكَ غَيْرَهَا مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، وَيُنْفِقُ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ، وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ، وَأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمْ فِي عِلْمِ الشُّهُودِ، ثُمَّ قَالَ فِي عَقْدِ الْوَثِيقَةِ تَقُولُ دَفَعَ فُلَانٌ النَّظَرَ لِلْمَفْقُودِ إلَى فُلَانَةَ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ فُلَانٍ لَمْ تَنْقَطِعْ عِصْمَتُهُ عَنْهَا إلَى حِينِ قِيَامِهَا عِنْدَهُ، وَبَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ يَمِينُهَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِمَدِينَةِ كَذَا أَنَّهُ مَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كُسْوَةً، وَلَا شَيْئًا تُمَوِّنُ بِهِ نَفْسَهَا، وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِشَيْءٍ وَصَلَ إلَيْهَا، وَلَا أَسْقَطَتْ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ كَذَا، وَكَذَا دِينَارًا إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَنُونَ قُلْت إلَى فُلَانَةَ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ، وَحَاضِنَةِ بَنِيهَا مِنْهُ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ الصَّغِيرَيْنِ، وَفُلَانَةُ الْبِكْرُ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْفَقِيهِ الْقَاضِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَإِنَّ بَنِيهَا الْمَذْكُورِينَ هُمْ مِنْ الْمَفْقُودِ فُلَانٍ، وَإِنَّ فُلَانًا، وَفُلَانًا صَغِيرَانِ، وَإِنَّ فُلَانَةَ بِكْرٌ، وَأَنَّهُمْ لَا مَالَ لَهُمْ فِي عِلْمِ مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَيْسَ لَهَا الْبَقَاءُ بَعْدَهَا) ش: حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ لَهَا الْبَقَاءُ فِي الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ إلَى الْأَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ لَهَا الْبَقَاءُ عَلَى عِصْمَتِهِ فِي خِلَالِ الْأَرْبَعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، وَمَتَى رَجَعَتْ لِلرَّفْعِ لِلسُّلْطَانِ ابْتَدَأَ لَهَا الضَّرْبَ، وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَنْ تَمْتَدَّ لِأَرْبَعٍ انْتَهَى بِلَفْظِهِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا مُشْكِلٌ فَانْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ. ص (فَكَالْوَلِيَّيْنِ) ش: يَعْنِي فَإِنْ جَاءَ الْمَفْقُودُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَإِنَّهَا فَاتَتْ بِدُخُولِهِ بِهَا، وَإِنْ جَاءَ الزَّوْجُ الْمَفْقُودُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْمَفْقُودِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْهَا عَلَى الْمَعْرُوفِ أَوْ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا الثَّانِي، وَقَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ عَقْدِ الثَّانِي وَقَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ بِزَوْجَةِ الْغَيْرِ وَأَمَّا إنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ قَبْلَ عَقْدِ الثَّانِي فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ عَقَدَ الثَّانِيَ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحَّ نِكَاحُهُ، وَإِنْ كَانَ عَقْدُهُ قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ

الفرع الأول دخل بها في نكاح فاسد

وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ص (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي فِي عِدَّةٍ فَكَغَيْرِهِ) ش: يَعْنِي فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُسِخَ النِّكَاحُ، وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي الْعِدَّةِ، وَالدُّخُولُ بَعْدَهَا جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْعُ الْأَوَّلُ دَخَلَ بِهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا دَخَلَ بِهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا إنْ فَسَخَ بِلَا طَلَاقٍ لَا إنْ فَسَخَ بِطَلَاقٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ [الفرع الثَّانِي فُقِدَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا] (الثَّانِي) إذَا فُقِدَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ، وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُعْطَى جَمِيعَ الصَّدَاقِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْجَلَّابِ أَنَّهَا تُعْطَى نِصْفَهُ فَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْتُهُ أَوْ مُضِيُّ سِنِّ التَّعْمِيرِ فَيُكْمِلُ لَهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ لَمْ تُعْطَ إلَّا النِّصْفَ، وَإِنْ قَبَضَتْهُ لَمْ يُنْتَزَعْ مِنْهَا، وَعَلَى أَنَّهَا تَأْخُذُ الْجَمِيعَ فَقَالَ مَالِكٌ: يُعَجَّلُ لَهَا الْمُعَجَّلُ، وَيَبْقَى الْمُؤَجَّلُ لِأَجَلِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُعَجَّلُ لَهَا الْجَمِيعُ، وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ فِيهَا شَائِبَتَيْنِ شَائِبَةَ الْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَشَائِبَةَ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّ دُخُولَ الثَّانِي يُوقِعُ عَلَى الْأَوَّلِ طَلْقَةً، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُعْطَى الْجَمِيعَ فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي فَقِيلَ تَرُدُّ إلَيْهِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لَا تَرُدُّ إلَيْهِ شَيْئًا قِيلَ، وَبِهِ الْعَمَلُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [الفرع الثَّالِث تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ غَائِبٌ لَا يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ] (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي بَابِ الرُّعَافِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ غَائِبٌ لَا يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ لِمِثْلِ مَا تَنْقَضِي فِيهِ عِدَّتُهَا قَبْلَ نِكَاحِهِ أَنَّ نِكَاحَهُ مَاضٍ انْتَهَى ص (وَوَرِثَتْ الْأَوَّلَ إنْ قَضَى لَهُ بِهَا) ش: فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَرِثُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا بَعْدَ خُرُوجِهَا، وَقَبْلَ عَقْدِ الثَّانِي عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَبَعْدَ عَقْدِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ. [فَرْعٌ جَهِلَتْ التَّوَارِيخَ وَقَدْ دَخَلَ الثَّانِي] (فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ جُهِلَتْ التَّوَارِيخَ، وَقَدْ دَخَلَ الثَّانِي لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهُ، وَلَمْ يَرِثْ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الثَّانِي بِالشَّكِّ، وَلَا تَرِثُ أَيْضًا بِالشَّكِّ ص (وَأَمَّا إنْ نَعَى لَهَا) ش: النَّعْيُ خَبَرُ الْمَوْتِ قَالَ عِيَاضٌ الْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ الْمُنْعَى بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالصَّوَابُ الْمَنْعِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَهِيَ الَّتِي أُخْبِرَتْ بِمَوْتِ زَوْجِهَا فَاعْتَمَدَتْ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَسَوَاءٌ حَكَمَ بِمَوْتِهِ حَاكِمٌ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ، وَقِيلَ تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي كَامْرَأَةِ الْمَفْقُودِ، وَثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ فَاتَتْ بِدُخُولِ الثَّانِي، وَإِلَّا لَمْ تَفُتْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي فَهِيَ لِلْأَوَّلِ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. [الْفَرْعُ الْأَوَّلُ رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ فِي الْعِدَّةِ] (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) : وَإِذَا رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَقْرَبْهَا حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَضَعَ حَمْلَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا

الفرع الثاني زوجة الغائب إذا ثبت موته عندها برجلين

وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ مَعَ الْآخَرِ، وَيُحَالُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا عِيَاضٌ، وَلَا إشْكَالَ فِي مَنْعِ الثَّانِي مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا، وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا إشْكَالَ فِي مَنْعِهِ الْوَطْءَ لِاحْتِيَاطِ الْأَنْسَابِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَمُبَاحٌ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ، وَإِنَّمَا حُبِسَتْ لِأَجْلِ اخْتِلَاطِ النَّسَبِ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا مِنْ زِنًا، وَبِدَلِيلِ لَوْ كَانَتْ الْمَغْصُوبَةُ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ مِنْ زَوْجِهَا لَجَازَ لَهُ، وَطْؤُهَا إذْ الْوَلَدُ، وَلَدُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَرِهَهُ أَصْبَغُ كَرَاهَةً لَا تَحْرِيمًا [الفرع الثَّانِي زَوْجَة الْغَائِب إذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ عِنْدَهَا بِرَجُلَيْنِ] (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَوْ ثَبَتَ مَوْتُهُ عِنْدَهَا بِرَجُلَيْنِ فَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ لَمْ يُفْسَخْ إلَّا أَنْ يَكُونَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بِقَوْلِهِمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ الْعَدْلَيْنِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ، وَلَا يُفْسَخُ انْتَهَى جَمِيعُهُ مِنْ التَّوْضِيحِ مُلَخَّصًا ص (وَالْمُطَلَّقَةُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ إسْقَاطُهَا) ش: هَكَذَا ذَكَرَ فِي تَوْضِيحِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَزَائِرِيُّ فِي نَظَائِرِهِ، وَنَصَّ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي فِي الْغَائِبِ إذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يُرْسِلُهَا إلَيْهَا أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّطْلِيقِ عَلَى الْغَائِبِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ، وَذَكَرَ مَعَهُ أَيْضًا مَسْأَلَةَ مَنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ، وَادَّعَى أَنَّ لَهُ زَوْجَةً أُخْرَى تُسَمَّى بِذَلِكَ، وَنَقَلَهَا أَيْضًا عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَذَكَرَ عَنْهُ أَيْضًا قَوْلًا ثَانِيًا بِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّلَاقِ

عَلَى الْغَائِبِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ النَّفَقَةَ عَنْ زَوْجِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَسْقُطُ عَنْهُ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَبِلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ وَهَبَتْ نَوْبَتَهَا مِنْ ضَرَّتِهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي، وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ قَوَاعِدِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ، وَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَحَمَلَ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ أَوْ أَسْقَطَتْ شَرْطًا قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى نِكَاحِ التَّفْوِيضِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالضَّرْبُ لِوَاحِدَةٍ ضَرْبٌ لِبَقِيَّتِهِنَّ، وَإِنْ أَبَيْنَ) ش: مَعْنَى كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ نِسَائِهِ بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ لِوَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ لِلثَّانِيَةِ أَجَلٌ مُسْتَأْنَفٌ بَلْ يَكْفِي أَجَلُ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ امْتَنَعَتْ حِينَ ضَرَبَ الْأَجَلَ لِلْأُولَى، وَلَيْسَ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَضَرَبَ لَهَا الْأَجَلَ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ أَنَّ الْعِدَّةَ تَلْزَمُ الْبَاقِيَ، وَتَنْقَطِعُ عَنْهُنَّ النَّفَقَةُ، وَلَوْ اخْتَرْنَ الْمُقَامَ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِكَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ، وَنَصُّهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نِسَاءٌ سِوَاهَا فَقُمْنَ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَطَلَبْنَ مَا طَلَبَتْهُ مِنْ الْفِرَاقِ فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ الْإِمَامُ الْفَحْصَ عَنْهُ لَهُنَّ، وَإِعَادَةُ ضَرْبِ الْأَجَلِ مِنْ بَعْدِ الْيَأْسِ؟ أَوْ يُجْزِئُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ الْأَوَّلِ؟ فَذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ أَنَّهُ رَأَى لِمَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَسْتَأْنِفُ ضَرْبًا، وَقَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ قَالَ، وَكَذَلِكَ إنْ قُمْنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُنَّ يُجْزِئُهُنَّ، وَضَرْبُ الْإِمَامِ الْأَجَلَ لِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ كَضَرْبِهِ لِجَمِيعِهِنَّ كَمَا أَنَّ تَفْلِيسَهُ الْمِدْيَانَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ تَفْلِيسٌ لِجَمِيعِهِنَّ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ، وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَتَفَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ ضَرْبُ الْأَجَلِ لِلْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ ضَرْبٌ لِجَمِيعِهِنَّ فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ تَزَوَّجْنَ إنْ أَحْبَبْنَ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، وَذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ يَضْرِبُ لِلثَّانِيَةِ الْأَجَلَ حِينَ تَرْفَعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ أَمْرِ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَشَفَ عَنْهُ لِلْأُولَى قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ: وَهَذَا أَصَحُّ، وَأَحْسَنُ انْتَهَى، وَكَلَامُ ابْنِ يُونُسَ نَحْوُهُ، وَنَصُّهُ: وَرُوِيَ لِمَالِكٍ إذَا كَانَ لِلْمَفْقُودِ امْرَأَتَانِ فَرَفَعَتْ إحْدَاهُمَا أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَضَرَبَ لَهَا أَجَلًا أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَفَعَتْ الْأُخْرَى قَالَ مَالِكٌ لَا يُسْتَأْنَفُ لَهَا ضَرْبٌ، وَذُكِرَ لَنَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا مِثْلُ هَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَالْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهَا، وَضَرْبُ الْإِمَامِ الْأَجَلَ لِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ كَضَرْبِهِ لِجَمِيعِهِنَّ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُتَيْطِيِّ فَقُمْنَ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ، وَقَوْلَ ابْنِ يُونُسَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَفَعَتْ الْأُخْرَى فَجَعَلَا قَوْلَ مَالِكٍ لَا يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْإِمَامُ ضَرْبًا مَحَلُّهُ إذَا قَامَتْ تَطْلُبُ الْفِرَاقَ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقُمْ فَلَا يَكُونُ ضَرْبُ الْأَجَلِ لِوَاحِدَةٍ ضَرْبًا لِبَقِيَّتِهِنَّ، وَقَوْلُ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ كَتَبَ بِأَمْرِ زَوْجِهَا، وَعَجَزَ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى خَبَرِهِ، وَضَرَبَ الْأَجَلَ، وَاعْتَدَّتْ فَإِنَّ ذَلِكَ كَافٍ لِلْجَمِيعِ يُرِيدُ إذَا قُمْنَ بِطَلَبِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ هَذَا مَعَ نَقْلِ ابْنُ يُونُسَ وَالْمُتَيْطِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ، وَكَذَا إنْ قُمْنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُنَّ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنَّهُنَّ لَا يَحْتَجْنَ إلَى عِدَّةٍ إذَا قُمْنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَالْعِدَّةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُقَابِلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ الَّذِي صَحَّحَهُ، وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِهِ) ش: نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ

فرع تزوجت زوجته ثم ثبت أنه تنصر مكرها وشهدت بينة بالإكراه وأخرى بالطوع

ابْنِ رُشْدٍ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَدْ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ، وَيُنْفِقُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ إلَى انْقِضَاءِ تَعْمِيرِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ السُّلْطَانَ يُقَدِّمُ عَلَى مَالِ الْمَفْقُودِ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَيَكْفِي عِيَالَهُ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ، وَيُنْفِقُ الْوَكِيلُ أَوْ السُّلْطَانُ إنْ لَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ تُثْبِتَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَبَعْدَ يَمِينِهَا، ثُمَّ قَالَ فِي نَصِّ الْوَثِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ قُلْت إلَى فُلَانَةَ أُمِّ وَلَدِهِ الْمَفْقُودِ فُلَانٍ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْفَقِيهِ الْقَاضِي أَبِي فُلَانٍ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُبْتَلْ عِتْقُهَا إلَى حِينِ قِيَامِهَا عِنْدَهُ فِي عِلْمِ مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَأَنَّهَا حَلَفَتْ بِأَمْرِهِ، وَثَبَتَ يَمِينُهَا عِنْدَهُ عَلَى الْوَاجِبِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ ابْنٌ ذَكَرَتْ فِيهِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَنِينَ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَنِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَرِثَ مَالَهُ حِينَئِذٍ) ش: أَيْ فَيَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ يَوْمَ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ لِانْقِضَاءِ سِنِّ التَّعْمِيرِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَقْوَالُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ إرْثِهِ وَارِثُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِتَمْوِيتِهِ حَسْبَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ اللَّخْمِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ كَوْثَرَ وَابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَبِهِ أَفْتَيْتُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ، وَأَفْتَى بَعْضُ النَّاسِ بِإِرْثِ مُسْتَحَقِّهِ يَوْمَ بُلُوغِهِ لَا يَوْمَ الْحُكْمِ، وَسُئِلَ عَنْهَا غَيْرُ وَاحِدٍ لَعَلَّ مُوَافِقًا لَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فِيمَا عَلِمْت انْتَهَى. ص (وَزَوْجَةُ الْأَسِيرِ) ش: وَسَوَاءٌ عُلِمَ مَوْضِعُهُ أَمْ لَا (فَرْعٌ) : إذَا هَرَبَ الْأَسِيرُ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ، وَثَبَتَ هُرُوبُهُ، وَجُهِلَ خَبَرُهُ فَإِنْ ثَبَتَ دُخُولُهُ بَلَدَ الْإِسْلَامِ فَكَالْمَفْقُودِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَكَالْأَسِيرِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ تَنَصَّرَ أَسِيرٌ فَعَلَى الطَّوْعِ) ش: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ تَنَصَّرَ مُكْرَهًا فَقِيلَ كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ، وَقِيلَ كَالْمَنْعِيِّ لَهَا، وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الشَّامِلِ، وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ عَلَى أَنَّهَا كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ تَنَصَّرَ مُكْرَهًا وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِكْرَاهِ وَأُخْرَى بِالطَّوْعِ] (فَرْعٌ) إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِكْرَاهِ، وَأُخْرَى بِالطَّوْعِ فَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ أَعْمَلُ؛ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ مَا لَمْ تَعْلَمْ الْأُخْرَى قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (، وَاعْتَدَّتْ فِي مَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْفَالِ الصَّفَّيْنِ) ش: هَذَا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ

الْعَادِلَةُ أَنَّهُ حَضَرَ الْمُعْتَرَكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ إنَّمَا رَأَوْهُ خَارِجًا عَنْ الْعَسْكَرِ، وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْمُعْتَرَكِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي زَوْجَتِهِ، وَمَالِهِ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ. ص (أَوْ الْمَحْبُوسَةُ بِسَبَبِهِ فِي حَيَاتِهِ السُّكْنَى) ش: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا فِي حَيَاةِ الْمَوْتِ، وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُ كَذَلِكَ، وَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلِأُمِّ وَلَدٍ تُعْتَقُ أَوْ يَمُوتُ عَنْهَا السُّكْنَى، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُرَّةَ إذَا فُسِخَ نِكَاحُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَهَا السُّكْنَى فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِلَا نَقْدٍ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا الْوَجِيبَةَ تَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي فَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ

تنبيه الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر

سُكْنَاهَا مَعَ زَوْجِهَا بِكِرَاءٍ، وَلَمْ يَنْقُدْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ أَحَقَّ بِالسُّكْنَى بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا إذَا كَانَتْ إذَا نَقَدَ الْكِرَاءَ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ مُشَاهَرَةً أَيْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ، وَجِيبَةً، وَهُوَ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَعَلَى هَذَا الظَّاهِرِ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ الْبَاجِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ، وَقَعَتْ لِمَالِكٍ كَذَلِكَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمُشَاهَرَةِ، وَأَمَّا الْوَجِيبَةُ فَإِنَّهَا أَحَقُّ بِالسُّكْنَى سَوَاءٌ قُدِّمَ الْكِرَاءُ أَمْ لَا، وَاحْتَجَّ لِمَفْهُومِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِي، وَاحْتَجَّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لِذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا قُرَّةَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَكُونُ أَحَقَّ بِالْوَجِيبَةِ مُطْلَقًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَمَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه الدَّارُ بِكِرَاءٍ وَلَمْ يَنْقُدْ الزَّوْجُ الْكِرَاءَ وَهُوَ مُوسِرٌ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا السُّكْنَى فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ، وَيَطْلُبُ مِنْ الْكِرَاءِ مَا لَا يُشْبِهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إنْ كَانَتْ الدَّارُ بِكِرَاءٍ، وَلَمْ يَنْقُدْ الزَّوْجُ الْكِرَاءَ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا سُكْنَى لَهَا فِي مَالِهِ، وَتُؤَدِّي الْكِرَاءَ مِنْ مَالِهَا، وَلَا تَخْرُجُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ، وَيَطْلُبَ مِنْ الْكِرَاءِ مَا لَا يُشْبِهُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَلَى تَأْوِيلِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا رَبُّ الدَّارِ مَالًا يُشْبِهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ لَمْ يَكُنْ سَنَةً بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْرَى سَنَةً بِعَيْنِهَا كَانَ الْكِرَاءُ لَزِمَ بِمَا تَعَاقَدَاهُ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يَطْلُبَ غَيْرَهُ، وَحَمَلَهَا الْأَوَّلُونَ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الْكِرَاءِ قَدْ انْقَضَتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) إذَا كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً، وَلَمْ يَنْقُدْ، وَقُلْنَا لَا سُكْنَى لَهَا فَتَسْكُنُ فِي حِصَّتِهَا، وَتُسَلِّمُ الْكِرَاءَ. (الثَّالِثُ) هَلْ لِرَبِّ الدَّارِ إخْرَاجُهَا لِغَيْرِ زِيَادَةٍ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ ص (كَبَدْوِيَّةٍ ارْتَحَلَ أَهْلُهَا فَقَطْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ كَانَتْ فِي قَرَارٍ فَانْثَوَى أَهْلُهَا

لَمْ تَنْتَقِلْ مَعَهُمْ، وَإِنْ تَبَدَّى زَوْجُهَا فَمَاتَ رَجَعَتْ لِلْعِدَّةِ فِي بَيْتِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْبَادِيَةِ رَفْضًا لِلْإِقَامَةِ، وَلَوْ كَانَتْ رَفْضًا لَهَا لَكَانَتْ كَالْبَدْوِيَّةِ انْتَهَى. ص (وَالْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ) ش: يَعْنِي أَنَّ اللَّازِمَ لِلْمُعْتَدَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمَبِيتُ فِي مَسْكَنِهَا، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَأُخْرَى فِي وَسَطِ النَّهَارِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ قَالَ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَبِيتُ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ غَيْرِ بَائِنٍ إلَّا فِي بَيْتِهَا، وَلَهَا التَّصَرُّفُ نَهَارًا، وَالْخُرُوجُ سَحَرًا قُرْبَ الْفَجْرِ، وَتَرْجِعُ مَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ انْتَهَى، وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْخُرُوجُ لِلْعُرْسِ، وَلَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِهَا بِمَا لَا تَتَهَيَّأُ بِهِ الْحَادُّ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ اللَّهْوِ إلَّا مَا أُجِيزَ فِي الْعُرْسِ انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: قَالَ عِيسَى فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ: إذَا أُنْهِي إلَى الْإِمَامِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا، وَأَعْلَمَهَا بِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَرَهَا بِالْكَفِّ فَإِنْ أَبَتْ أَدَّبَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَجْبَرَهَا عَلَيْهِ انْتَهَى مِنْ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ. ص (إلَّا لِضَرَرِ جِوَارٍ بِحَاضِرَةٍ، وَرَفَعَتْ لِلْحَاكِمِ، وَأَقْرَعَ لِمَنْ يَخْرُجُ إنْ أَشْكَلَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ مَسْكَنِهَا إلَّا لِضَرَرٍ لَا تَقْدِرُ مَعَهُ كَخَوْفِ سُقُوطٍ أَوْ لُصُوصٍ بَقَرِيَّةٍ لَا مُسْلِمُونَ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِمَدِينَةٍ لَا تَنْتَقِلُ لِضَرَرِ جِوَارٍ، وَلْتَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: ضَابِطُهُ إنْ قَدَرَتْ عَلَى رَفْعِ ضَرَرِهَا بِوَجْهٍ مَا لَمْ تَنْتَقِلْ، وَحَمَلَهَا ابْنُ عَاتٍ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَرْيَةِ وَالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ بِهَا مَنْ تَرْفَعُ إلَيْهِ أَمْرَهَا بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ غَالِبًا اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ وَقَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَنْ سَاكَنَهَا شَرٌّ فَإِنْ كَانَ مِنْهَا أُخْرِجَتْ عَنْهُ، وَفِي مِثْلِهِ جَاءَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا أُخْرِجَ عَنْهَا فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. (قُلْت) إنَّمَا يَقَعُ الْإِخْرَاجُ لِشَرٍّ بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْ رَفْعِهِ بِزَجْرِ مَنْ هُوَ مِنْهُ، وَقَبِلَ ابْنُ عَاتٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَغَيْرُهُمَا قَوْلَهُ: أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، وَالصَّوَابُ إخْرَاجُ غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ عَنْ قُرْبٍ انْتَهَى. (قُلْت) ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ إخْرَاجِهَا لِشَرِّهَا مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. ص (، وَهَلْ لَا سُكْنَى لِمَنْ أَسْكَنَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَوْلَانِ) ش: الْأَوَّلُ لِابْنِ الْمَكْوِيِّ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ عَاتٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ

ابْنِ الْمَكْوِيِّ، وَهْمٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَتَبَتْ لَهُ إسْقَاطَ خَرَاجِ دَارِهَا أَمَدَ الْعِصْمَةِ وَتَوَابِعِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَتْ أَمَدَ الْعِصْمَةِ فَقَطْ لَزِمَهُ اتِّفَاقًا فِيهِمَا ص (وَسَقَطَتْ إنْ أَقَامَتْ بِغَيْرِهِ) ش: أَيْ، وَسَقَطَتْ سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ إذَا أَقَامَتْ بِغَيْرِ الْمَسْكَنِ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَوْ طَلَبَتْ كِرَاءَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هَرَبَتْ عَنْهُ فَلَا كِرَاءَ لَهَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْرِيَ الزَّوْجُ الْمَوْضِعَ الَّذِي هَرَبَتْ مِنْهُ أَوْ يَتْرُكَهُ خَالِيًا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَطَلَبَتْ كِرَاءَ الْمَسْكَنِ الَّذِي انْتَقَلَتْ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ أَوْ اكْتَرَاهُ، وَحَبَسَهُ لَمْ يُكْرَهْ بَعْدَ خُرُوجِهَا، وَإِنْ أَكْرَاهُ رَجَعَتْ بِالْأَقَلِّ مِمَّا اكْتَرَتْ أَوْ أَكْرَى بِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَبِلَهُ، وَزَادَ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَلَهَا نَفَقَتُهَا إنْ كَانَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا، وَلَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالْكِرَاءُ فِي هَذَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا، وَلَوْ ارْتَجَعَهَا فَامْتَنَعَتْ مِنْ الرَّجْعَةِ سَقَطَتْ مِنْ حِينَئِذٍ نَفَقَتُهَا انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَقَالَ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ خِلَافُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْغُرَمَاءِ بَيْعُ الدَّارِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ الدَّارِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْعِدَّةِ فَأَجَازَهُ اللَّخْمِيُّ، وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يَدْرِي مَنْ الْمُشْتَرِي مَتَى يَتَّصِلُ بِقَبْضِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِيهِ فِي الدَّيْنِ صَحَّ مِنْ جَامِعِ الطُّرَرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَالْحُكْمُ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْجَوَازُ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ بَيْعُ الدَّارِ لِلدَّيْنِ عَلَيْهِ إلَّا فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ، وَالْغَرَرِ وَفَرَضَهَا فِي بَيْعِ الْغُرَمَاءِ دَارَ الْمَيِّتِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَفَرَضَهَا الْبَاجِيُّ فِي بَيْعِ الْوَرَثَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الْبَاجِيِّ لِمَا تَوَهَّمَهُ مِنْ إجَازَةِ بَيْعِهِمْ إيَّاهَا اخْتِيَارًا فَقَالَ إنَّمَا أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا الْبَيْعَ إذَا بِيعَ لِلْغُرَمَاءِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْوَرَثَةُ الْبَيْعَ فِي غَيْرِ دَيْنٍ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ مَا حَكَاهُ عَنْ الْبَاجِيِّ مَعَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ ابْنُ نَاجِي إنَّمَا يَجُوزُ هَذَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامٌ مُحَصَّلَةٌ وَذَلِكَ إذَا دَعَا الْغُرَمَاءُ الْوَرَثَةَ بِبَيْعِهَا وَلَا يَجُوزُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ انْتَهَى ص (وَأُبْدِلَتْ فِي الْمُنْهَدِمِ وَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ) ش: يُرِيدُ إذَا امْتَنَعَ رَبُّهَا مِنْ كِرَائِهِ وَكَانَ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَغَيْرَهُ. ص (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانَيْنِ أُجِيبَتْ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا انْهَدَمَ الْمَسْكَنُ فَدَعَتْ الْمَرْأَةُ

فصل في الاستبراء

إلَى سُكْنَى مَوْضِعٍ وَدَعَا الزَّوْجُ إلَى غَيْرِهِ فَذَلِكَ لَهَا إلَّا أَنْ تَدْعُوهُ إلَى مَا يَضُرُّ بِهِ لِكَثْرَةِ كِرَاءٍ أَوْ سُكْنَى فَتُمْنَعُ وَلَوْ أَسْقَطَتْ الْكِرَاءَ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ أَوْ سَكَنَ يَعْنِي بِهِ مِثْلَ أَنْ تَدْعُوَهُ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْهُ أَوْ فِيهِ جِيرَانُ سُوءٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ التَّحَفُّظَ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ يُرِيدُ حَيْثُ يُعْرَفُ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ لَا فِي مَوْضِعٍ يَخْفَى عَنْهُ خَبَرُهَا انْتَهَى. ص (وَلِأُمِّ وَلَدٍ يَمُوتُ عَنْهَا السُّكْنَى) ش: قَالَ فِي رَسْمِ سَعْدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ: قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَالْحُرَّةُ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ: لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَفَقَةٌ لَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ وَلَا مِنْ حِصَّةِ الْوَلَدِ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا خِلَافَ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ الْجُمْلَةِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَاخْتُلِفَ فِي الْأَمَةِ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَالْمَشْهُورُ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ بِتَبَيُّنِ الْحَمْلِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهَا النَّفَقَةُ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَإِذَا مَاتَ وَهِيَ حَامِلٌ فَهَلْ تُعْتَقُ فِي الْحَالِ أَوْ حَتَّى تَضَعَ؟ وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ فِي نَفَقَتِهَا، فَقِيلَ عَلَى نَفْسِهَا وَقِيلَ فِي التَّرِكَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِأَنَّهَا لَا تُعْتَقُ حَتَّى تَضَعَ فَنَفَقَتُهَا فِي التَّرِكَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَمَّا الْأَمَةُ يَمُوتُ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَالِكِ، قَالَ فَضْلٌ: أُوجِبُ لَهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهَا وَلَعَلَّهُ يَرَى أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ إلَّا بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ خِيفَةَ أَنْ يُنْفَشَ الْحَمْلُ فَتَكُونُ أَمَةً قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءُ] ص (فَصْلٌ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِحُصُولِ الْمِلْكِ إنْ لَمْ تُوقِنْ الْبَرَاءَةَ وَلَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُبَاحًا وَلَمْ يَحْرُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) ش: الِاسْتِبْرَاءُ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّبَرُّؤِ وَهُوَ التَّخَلُّصُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ لُغَةً فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَالْبَحْثِ

وَالْكَشْفِ عَنْ الْأَمْرِ الْغَامِضِ وَفِي الشَّرْعِ فِي الْكَشْفِ عَنْ حَالِ الْأَرْحَامِ عِنْدَ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مُرَاعَاةً لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الِاسْتِبْرَاءُ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ أَوْ طَلَاقٍ فَتَخْرُجُ الْعِدَّةُ وَيَدْخُلُ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ وَلَوْ لِلِعَانٍ وَالْمَوْرُوثَةُ؛ لِأَنَّهُ لِلْمِلْكِ لَا لِذَاتِ الْمَوْتِ وَجَعَلَ الْقَرَافِيُّ جِنْسَهُ طَلَبَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْعَالٌ يُخْرِجُ اسْتِبْرَاءَ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لَا عَنْ طَلَبٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ وَاجِبٌ كَإِيجَابِ الْعِدَّةِ فِي الزَّوْجَاتِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ (الْأَوَّلُ) حُصُولُ الْمِلْكِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا لَهُ (الثَّانِي) أَنْ لَا تُوقِنَ الْبَرَاءَةَ (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ وَطْؤُهَا مُبَاحًا أَيْ قَبْلَ الْمِلْكِ. (الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَكُونَ وَطْؤُهَا حَرَامًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَاحْتُرِزَ بِالْأَوَّلِ مِمَّا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا بِالثَّانِي مِمَّنْ عُلِمَتْ بَرَاءَتُهَا كَالْمُودَعَةِ عِنْدَهُ تَحِيضُ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا وَبِالثَّالِثِ مِمَّا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَبِالرَّابِعِ مِمَّا لَوْ اشْتَرَى ذَاتَ زَوْجٍ. ص (كَالْمَوْطُوءَةِ إنْ بِيعَتْ أَوْ زُوِّجَتْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا يَجِبُ لِإِرَادَةِ بَيْعِهَا رَبُّهَا مِنْ وَطْئِهِ إيَّاهَا أَوْ لِتَزْوِيجِهِ إنْ وَطِئَهَا أَوْ زَنَتْ أَوْ ابْتَاعَهَا مِمَّنْ لَمْ يَنْفِ وَطْأَهَا وَمَنْ لَمْ يَطَأْ أَمَتَهُ لَهُ تَزْوِيجُهَا دُونَهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ الْمَوْطُوءَةُ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ اسْتِبْرَاءٍ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقُبِلَ

فرع إذا قلنا لا بد من الاستبراء بموت السيد فمات وهي في أول الدم

قَوْلُ سَيِّدِهَا) ش: هُوَ رَاجِعٌ إلَى التَّزْوِيجِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قِيلَ لِمَالِكٍ أَفَلَا يُزَوِّجُهَا وَيَكُفُّ عَنْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَحِيضَ قَالَ: لَا فَإِنْ زَوَّجَهَا وَقَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً ثُمَّ لَمْ يَطَأْهَا الزَّوْجُ حَتَّى حَاضَتْ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ انْتَهَى اللَّخْمِيُّ. وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ انْتَهَى ص (أَوْ أَرْسَلَهَا مَعَ غَيْرِهِ) ش: يَعْنِي وَأَمَّا لَوْ جَاءَ بِهَا الْمُبْضِعُ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَبِمَوْتِ سَيِّدٍ وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ أَمَةً أَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا أَوْ لَمْ يُقِرَّ وَقَوْلُهُ وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتَزَوِّجَةً فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا وَقَوْلُهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَجِبَ إذَا كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ وَكَذَلِكَ نَصّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَلَّلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْأَمَةُ مُتَزَوِّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً فَلَا مَانِعَ لِلسَّيِّدِ مِنْ وَطْئِهَا فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَا مَوْطُوءَتَيْنِ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا مُتَزَوِّجَتَيْنِ أَوْ مُعْتَدَّتَيْنِ فَإِنَّ هُنَاكَ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْوَطْءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَمَاتَ وَهِيَ فِي أَوَّلِ الدَّمِ] (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَمَاتَ وَهِيَ فِي أَوَّلِ الدَّمِ فَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعِدَّةِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً

تنبيه محل وجوب الاستبراء

اعْتَدَّتْ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. [تَنْبِيهٌ مَحَلُّ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ] ص (وَبِالْعِتْقِ وَاسْتَأْنَفَتْ إنْ اُسْتُبْرِئَتْ أَوْ غَابَ غَيْبَةً عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ أُمَّ وَلَدٍ فَقَطْ) ش: يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ أَيْضًا بِالْعِتْقِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَبِالْعِتْقِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ سَوَاءٌ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ أَمْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ بَيَّنَ حُكْمَ مَا إذَا حَصَلَ قَبْلَ الْعِتْقِ اسْتِبْرَاءٌ بِقَوْلِهِ اسْتَأْنَفَتْ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَبِالْعِتْقِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ اسْتِبْرَاءٌ وَفَاعِلُ قَوْلِهِ اسْتَأْنَفَتْ هُوَ أُمُّ الْوَلَدِ وَقَوْلُهُ اسْتَأْنَفَتْ إنْ اُسْتُبْرِئَتْ يُرِيدُ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَوْلُهُ فَقَطْ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَمَةِ الْقِنِّ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ بَلْ تَكْتَفِي بِالِاسْتِبْرَاءِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. (تَنْبِيهٌ) وَمَحَلُّ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْعِتْقِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ مُتَزَوِّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَوْلُهُ أَوْ غَابَ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا غَيْبَةً عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُقْدِمْ مِنْهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ خِفْيَةً فَإِنَّ أَمَّ الْوَلَدِ تَسْتَأْنِفُ لِمَوْتِهِ أَوْ عِتْقِهِ حَيْضَةً وَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَهُ حَيْضًا بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ص (بِحَيْضَةٍ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ إلَى آخِرِهِ) ش: يَتَعَلَّقُ هَذَا الْمَجْرُورُ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ أَمَّا الْأَمَةُ، فَوَاضِحٌ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَلَا شَكَّ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا وَعِتْقِهِ حَيْضَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِكَبَرٍ أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَتَأَخَّرَ حَيْضُهَا أَوْ تَأَخَّرَ لِلرَّضَاعِ أَوْ الْمَرَضِ أَوْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ حُكْمَهَا كَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ عِدَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْوَفَاةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَاسْتِحَاضَةُ الْحَامِلِ: وَإِذَا اُسْتُحِيضَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فِي وَفَاةِ السَّيِّدِ أَوْ أَمَتِهِ قَدْ أُعْتِقَتْ أَوْ بِيعَتْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تُبَرِّئُهَا وَكَذَلِكَ فِي الرِّيبَةِ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضَةِ أَوْ تَأْخِيرِ الرَّضَاعِ أَوْ لِمَرَضٍ إلَّا أَنْ تَحُسَّ حَرَكَةَ بَطْنٍ فَتُتِمَّ إلَى زَوَالِ ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ النِّسَاءُ: لَا حَمْلَ بِهَا وَقَدْ تَمَّتْ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ فَقَدْ حَلَّتْ انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَالْقَرَوِيِّينَ وَرِوَايَةُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَلَّابِ أَنَّ الْمُسْتَبْرَأَةَ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ وَالْمُسْتَحَاضَةَ إنَّمَا تَكُونُ عِدَّتُهَا مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّضَاعَ وَالْمَرَضَ فَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ طَرِيقَتَيْنِ (الْأُولَى) لِلْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ (وَالثَّانِيَةُ) لِلْجَلَّابِ فَقَطْ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا وَقَعَتْ الرِّيبَةُ هَلْ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ أَوْ بِالِاسْتِحَاضَةِ أَوْ بِتَأْخِيرِهِ لِلرَّضَاعِ أَوْ الْمَرَضِ؟ وَنَصُّ كَلَامِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ ذَاتُ الْحَيْضِ كَالْأَمَةِ وَفِي كَوْنِهَا مُسْتَبْرَأَةً مِثْلَهَا وَلُزُومِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِمَوْتِ رَبِّهَا طَرِيقًا عَبْدِ الْحَقِّ مَعَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ وَالشَّيْخِ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ وَالْجَلَّابِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَلَامِهِ إجْمَالٌ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ هَلْ تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ أَوْ تَسْتَبْرِئُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ] (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ تَحِيضُ

فرع كان يطأ أمة فاستحقت منه فاشتراها من مستحقها هل يستبرئها

فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاخْتُلِفَ هَلْ تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ أَوْ تَسْتَبْرِئُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: بِحَيْضَةٍ وَلَمْ يَقُلْ بِقُرْءٍ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ حَيْضَةٌ لَا طُهْرٌ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ طُهْرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا، وَيُرِيدُ أَنَّ هَذَا فِي الْمُعْتَادَةِ لِمُقَابَلَتِهِ لَهُ بِالْمُرْتَابَةِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنَظَرُ النِّسَاءِ فَإِنْ ارْتَبْنَ فَتِسْعَةٌ) ش: يَعْنِي تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرْنَهَا النِّسَاءُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ قَبْلَ وَفَاةِ التِّسْعَةِ حَلَّتْ وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ وَلَمْ تَزِدْ بِحِسٍّ وَلَا تَحْرِيكٍ حَلَّتْ أَيْضًا اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَأَبَا الْحَسَنِ ص (وَبِالْوَضْعِ كَالْعِدَّةِ) ش: يَعْنِي بِوَضْعِ حَمْلِهَا كُلِّهِ وَإِنْ دَمًا اجْتَمَعَ وَيَعْنِي بِهِ إنْ حَصَلَتْ لَهَا رِيبَةٌ بِالْحَمْلِ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَرُمَ فِي زَمَنِهِ الِاسْتِمْتَاعُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَطَأَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَلَا يُقَبِّلَ أَوْ يَجُسَّ أَوْ يَنْظُرَ لِلَّذَّةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ وَإِنْ وَطِئَ الْمُبْتَاعُ الْأَمَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ الْحَيْضَةِ نُكِّلَ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَحِضْ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَنْبَغِي أَيْ لَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نَكَلَ عِيَاضٌ مَذْهَبُهُ عَلَى الْعُمُومِ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ نُكِّلَ ابْنُ رُشْدٍ مَعَ طَرْحِ شَهَادَتِهِ ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّظَرَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِي كِتَابِ الظِّهَارِ أَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ الْمَظَاهِرُ إلَى وَجْهِ زَوْجَتِهِ قَالَ: وَقَدْ يَنْظُرُ غَيْرُهُ إلَيْهِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرَاهَا لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا فَشَدَّدَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَلَا يَتَوَاضَعَانِهَا ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَلِدَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَتَطْهُرُ وَلَا يَدْخُلُ النِّفَاسُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَلَهُ أَنْ يَتَلَذَّذَ مِنْهَا بِمَا عَدَا الْوَطْءِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ كَانَ يَطَأُ أَمَةً فَاسْتُحِقَّتْ مِنْهُ فَاشْتَرَاهَا مِنْ مُسْتَحِقِّهَا هَلْ يَسْتَبْرِئُهَا] ص (وَلَا اسْتِبْرَاءَ إنْ لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَصَّ الْمُتَيْطِيُّ عَلَى أَنَّ بِنْتَ ثَمَانِ سِنِينَ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ وَعَمَلَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَالْمُطِيقَةِ لِلْوَطْءِ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: كَبِنْتِ الْعَشْرِ وَالتِّسْعِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا انْتَهَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ص (أَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ كَانَ يَطَأُ أَمَةً فَاسْتُحِقَّتْ مِنْهُ فَاشْتَرَاهَا مِنْ مُسْتَحِقِّهَا هَلْ يَسْتَبْرِئُهَا؟ فَأَجَابَ لَا يَطَؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ لَوْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ ص (فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرَاةَ وَقَدْ دَخَلَ إلَخْ) ش: مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَقَدْ دَخَلَ

أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَكَانَ الْحُكْمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي اسْتِبْرَاءِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَسْتَبْرِئْ وَإِنْ ابْتَاعَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا وَبَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا فَلْيَسْتَبْرِئْ الْمُبْتَاعُ بِحَيْضَةٍ انْتَهَى ص (وَهَلْ إلَّا أَنْ تَمْضِيَ حَيْضَةُ اسْتِبْرَاءٍ) ش: يَعْنِي وَهَلْ نَفْيُ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا حَصَلَ الْمِلْكُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَمْضِيَ مِقْدَارُ حَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ يَعْنِي مِقْدَارَ حَيْضَةٍ كَافِيَةٍ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ فِي الْعَدَدِ كَذَا فَسَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْضِيَ مِقْدَارُ حَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ نَفْيُ الِاسْتِبْرَاءِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَمْضِيَ أَكْثَرُ حَيْضَتِهَا يَعْنِي أَقْوَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ اسْتَبْرَأَ أَبٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى وُجُوبِهِ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا عَزَلَ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ تَلَذُّذِهِ بِهَا حَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ وَمَلَكَهَا الْأَبُ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا حَمَلَتْ أَمْ لَا كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا إلَّا أَنَّهَا تُبَاعُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَلَمْ تَحْمِلْ وَإِنْ حَمَلَتْ لَمْ تُبَعْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ فَإِذَا مَلَكَهَا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى اسْتِبْرَاءٍ آخَرَ بَعْدَ الْوَطْءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَطْئِهِ وَلَوْ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَتَأَوَّلَ ابْنُ اللَّبَّادِ وَابْنُ الشَّقَّاقِ وَابْنُ الْكَاتِبِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْغَيْرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى وُجُوبِهِ يَعْنِي الِاسْتِبْرَاءَ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ يَعْنِي أَنَّ أَقَلَّ الشُّيُوخِ عَلَى تَأْوِيلِهَا عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ فَلِيَسْتَبْرِئهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ قَدْ عَزَلَهَا عِنْدَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لِفَسَادِ وَطْئِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَبْرَأَةً عِنْدَ الْأَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ فَلَا يَطَأُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ انْتَهَى فَظَاهِرُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَطَرِيقُ الْأَكْثَرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَكْثَرَ فَهِمُوا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ عَزَلَهَا عِنْدَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَاخْتَارُوا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَجَّحُوهُ وَرَدُّوا قَوْلَ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ وَطْءٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا تَلَذَّذَ بِجَارِيَةِ وَلَدِهِ حَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ وَلَزِمَتْ الْأَبُ الْقِيمَةُ فَهِيَ بِمُجَرَّدِ مُخَالَطَتِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا وَصَارَتْ مِلْكًا لَهُ فَمَا حَصَلَ وَطْؤُهُ إلَّا فِي مَمْلُوكَةٍ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا فَكَفَاهُ ذَلِكَ كَمَا يَكْفِي الْمُودَعَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَلْ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً مِنْ فُضُولِيٍّ وَحَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ الْمُودِعَةُ يَعْنِي لَا تَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ بَلْ الْغَاصِبُ إذَا حَاضَتْ عِنْدَهُ الْأَمَةُ ثُمَّ ضَمِنَهَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الضَّمَانِ أَوْ اشْتَرَاهَا فَلَهُ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ ابْنُ اللَّبَّادِ وَابْنُ الشَّقَّاقِ وَابْنُ الْكَاتِبِ الْأَكْثَرَ وَحَمَلُوا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلْغَيْرِ وَحَمَلُوا قَوْلَ الْغَيْرِ فَلِيَسْتَبْرِئهَا إذَا لَمْ يَكُنِ الْأَبُ قَدْ عَزَلَهَا عِنْدَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا قُوِّمَتْ عَلَيْهِ فَلِيَسْتَبْرِئهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَزَلَهَا عِنْدَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ وَطْئِهِ الْفَاسِدِ. وَاخْتَارَ هَذَا التَّأْوِيلَ ابْنُ مَرْزُوقٍ شَيْخُ ابْنِ رُشْدٍ

وَخَالَفَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَحَّحَ مَذْهَبَ الْأَكْثَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاَلَّذِي عِنْدِي إنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْكَاتِبِ أَصْوَبُ وَأَنَّهُ مُرَادُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فَاسِدٌ وَكُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ فَلَا يَطَأُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ فَهُوَ إنَّمَا عَلَّلَ بِفَسَادِ الْوَطْءِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَابِسِيُّ لَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بَرَاءَةَ رَحِمِهَا وَلَمْ يُعَلِّلْ بِفَسَادِ الْوَطْءِ الَّذِي يَقُولُ ابْنُ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ فَاسِدٍ بِإِلْزَامِهِ الْقِيمَةَ بِالْمُبَاشَرَةِ فَتَأَمَّلْهُ، فَهُوَ بَيِّنٌ انْتَهَى. مِنْ التَّنْبِيهَاتِ وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ وَطْءٌ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا فِيهِ وَكُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ فَلَا يَطَأُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ اخْتَصَرَهَا الْمُخْتَصِرُونَ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إلَّا دَعْوَى أَنَّ هَذَا الْوَطْءَ فَاسِدٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَحَمَلَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنَّ الْوَطْءَ إذَا وَقَعَ فِي غَيْرِ بَرِيئَةِ الرَّحِمِ، فَهُوَ فَاسِدٌ وَأَمَّا وَطْءُ الْأَبِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْقَوْلُ بِفَسَادِهِ لَا وَجْهَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَلَذَّذَ بِهَا وَلَمْ يَطَأْهَا أَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا وَتَصِيرُ مِلْكًا لَهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ الْغَيْرِ ظَاهِرٌ انْتَهَى، فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ الْغَيْرِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الرَّاجِحُ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَشَارَ التُّونُسِيُّ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّ الْأَبَ لَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِوَطْئِهَا بَلْ يَكُونُ لِلِابْنِ التَّمَاسُكُ بِهَا فِي عُسْرِ الْأَبِ وَيُسْرِهِ انْتَهَى. يُرِيدُ إذَا لَمْ تَحْمِلْ وَعَزَاهُ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ لِسَحْنُونٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ رَدَّهُ فِي لَفْظِ الْغَيْرِ لَا يَنْبَغِي صَبُّ مَائِهِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي لَزِمَتْهُ لَهُ الْقِيمَةُ فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي لَفْظِهِ فَلَا يَتَّجِهُ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) أَمَّا لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ التَّقْوِيمِ إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَحِمُهَا مَشْغُولًا مِنْ غَيْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ (الثَّانِي) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ مَا نَصُّهُ وَفَهِمَ ابْنُ اللَّبَّادِ وَابْنُ الشَّقَّاقِ قَوْلَهُ فَلِيَسْتَبْرِئهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَزَلَهَا عِنْدَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ وَطْئِهِ وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ وَطْئِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدٍ وَنِيَّةٍ انْتَهَى. وَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ تَبَدَّلَتْ لَفْظَةُ بَعْدُ بِقَبْلُ أَوْ يَكُونَ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ وَالْمُرَادُ قَبْلَ وَطْئِهِ إيَّاهَا بَعْدَ التَّقْوِيمِ أَوْ قَبْلَ وَطْئِهِ إيَّاهَا ثَانِيًا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدٍ وَنِيَّةٍ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَبْرِئُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ مِنْهُ اسْتِبْرَاءٌ بِأَنْ يَكُونَ عَزَلَهَا وَتَرَكَهَا وَوَطِئَهَا فَحَاضَتْ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدٍ وَنِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ: وَكَلَامُ الْغَيْرِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبِ لِفَسَادِ وَطْئِهِ وَهُوَ رَأْيُ الْأَقَلِّينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ كَلَامَهُ صَرِيحٌ فِي إيجَابِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْأَبِ وَقَوْلُهُ رَأْيُ الْأَقَلِّينَ يَعْنِي وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ لَكِنْ هُوَ رَأْيُهُمْ لِحَمْلِهِمْ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْغَيْرِ وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ وَكَلَامُ الْغَيْرِ يُشْعِرُ بِالْمُخَالَفَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِقَوْلِهِ لِفَسَادِ الْوَطْءِ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْأَبِ، وَهُوَ رَأْيُ الْأَقَلِّينَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ وَابْنُ الشَّقَّاقِ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ عَزَلَهَا أَيْ وَلَمْ يَطَأْهَا وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ لِفَسَادِ وَطْئِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَطِئَ يُقَالُ لِفَسَادِ وَطْئِهِ وَهَاهُنَا كَلِمَاتٌ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى سَمَاعِهَا انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ اللَّبَّادِ وَابْنِ الشَّقَّاقِ لَمْ يَقُولَاهُ وَقَدْ عَرَفَتْ كَلَامَهُمَا وَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ الْكَلَامِ وَهَلْ هُوَ حَسَنٌ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيُسْتَحْسَنُ إذَا غَابَ عَلَيْهَا مُشْتَرٍ بِخِيَارٍ لَهُ وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْوُجُوبِ أَيْضًا) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَمَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَتَوَاضَعَاهَا أَوْ كَانَتْ وَخْشًا

فَقَبَضَهَا فَاخْتَارَ الرَّدَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهَا وَإِنْ أَحَبَّ الْبَائِعُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ الَّتِي غَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ خَاصَّةً فَذَلِكَ حَسَنٌ إذْ لَوْ وَطِئَ الْمُبْتَاعُ لَكَانَ بِذَلِكَ مُخْتَارًا وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ كَمَا اُسْتُحِبَّ اسْتِبْرَاءُ الَّتِي غَابَ عَلَيْهَا الْغَاصِبُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ: هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ لِلْمُبْتَاعِ وَقَوْلُهُ فَتَوَاضَعَاهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُوَاضَعَةُ عَلَى يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ أَمِينٍ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا كَالْمُودَعَةِ انْتَهَى وَقَالَ اللَّخْمِيُّ. وَإِذَا بِيعَتْ جَارِيَةٌ عَلَى خِيَارِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ جَرَتْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُودَعَةِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِبْرَاءٌ وَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: الْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءَ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا بَيِّنٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَمَانَةَ الْمُشْتَرِي فَيَحْسُنُ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَا يَجِبُ اهـ. فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهَا أَنَّ اسْتِحْسَانَ الِاسْتِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ وَكَذَلِكَ أَيْضًا ظَاهِرُ اسْتِحْسَانِهِ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَعَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: يَعْنِي وَيُسْتَحْسَنُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا غَابَ عَلَى الْأَمَةِ مُشْتَرٍ بِخِيَارٍ يُرِيدُ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِذَا رُدَّتْ إلَى سَيِّدِهَا اُسْتُحْسِنَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا اهـ. وَنَحْوُهُ لِلْبَاسِطِيِّ وَالْأَقْفَهْسِيِّ وَزَادَ أَوَّلَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٍ وَالْأَقْرَبُ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي اهـ. وَفِي اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي وَكَانَتْ رَفِيعَةً فَتَوَاضَعَاهَا أَوْ كَانَتْ مِنْ الْوَخْشِ فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهَا الَّذِي كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهَا وَإِذَا أَحَبَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْوَخْشِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهَا لِنَفْسِهِ وَغَابَ عَلَيْهَا فَهُوَ حَسَنٌ اهـ. مِنْ الْمَغْرِبِيِّ وَاخْتَصَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْمُدَوَّنَةَ مِثْلَ اخْتِصَارِ الْبَرَاذِعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا بِوَطْئِهَا ذَلِكَ فَأَوَّلَ، وَطْئِهِ يَكُونُ فِيهِ غَيْرُ أَمَتِهِ، وَقَوْلُهُ كَمَا اُسْتُحِبَّ اسْتِبْرَاءُ الَّتِي غَابَ عَلَيْهَا اُسْتُحِبَّ لِلْوُجُوبِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ، وَمَسْأَلَةِ الْخِيَارِ أَنَّ الْغَاصِبَ وَالْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْهِيٌّ عَنْ الْوَطْءِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَتَتَوَاضَعُ الْعِلِّيَّةُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُوَاضَعَةُ جَعْلُ الْأَمَةِ مُدَّةَ اسْتِبْرَائِهَا فِي حَوْزٍ مَقْبُولٍ خَبَرُهُ عَلَى حَيْضَتِهَا اهـ. قُلْت كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَنْ تَحِيضُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْبَيَانِ، وَلَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا لِلْمُسَافِرِ وَالْمُجْتَازِ، وَهِيَ أَنْ تُوضَعَ الْجَارِيَةُ عِنْدَ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ لَهُ أَهْلٌ حَتَّى تُعْرَفَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا مِنْ الْحَمْلِ بِحَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ، وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ يَائِسَةً مِنْ الْمَحِيضِ لِكِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ مِمَّنْ تُوطَأُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا أُمِنَ مِنْهَا الْحَمْلُ أَوْ لَمْ يُؤْمَنْ، وَقَدْ قِيلَ إذَا أُمِنَ مِنْهَا الْحَمْلُ فَلَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ مِنْهُ، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا مِنْ أَجْلِ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا فِي أَوَّلِ دَمِهَا أَوْ عِظَمِهِ كَانَ ذَلِكَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مُوَاضَعَةٌ اهـ. وَقَالَ بَعْدَ هَذَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا، وَلَا اسْتِبْرَاءَ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَيُؤْمَنُ الْحَمْلُ مِنْهَا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ فِيهَا، وَالْمُوَاضَعَةُ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَثْمَانِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَسْتَبِينُ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَقِيلَ شَهْرَانِ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَنِصْفٌ

تنبيه ابتاع جارية وهي ممن تستبرأ

وَقِيلَ شَهْرٌ، وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ، وَلَا مُوَاضَعَةٌ، وَذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ شِهَابٍ وَأَبُو الزِّنَادِ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَابْنُ هُرْمُزَ، وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يُؤْمَنُ الْحَمْلُ لَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالشَّأْنُ النِّسَاءُ) ش: هُوَ الْمُسْتَحَبُّ، وَيَجُوزُ أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ إذَا كَانَ مَأْمُونًا، وَلَهُ أَهْلٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ كَانَ لَهُ أَهْلٌ أَمْ لَا، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ مَأْمُونًا لَا أَهْلَ لَهُ فَأَجَازَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ، وَهُوَ أَصْوَبُ. اهـ. مِنْ اللَّخْمِيِّ، وَانْظُرْ إذَا، وَضَعَاهَا عِنْدَ غَيْرِ مَأْمُونٍ أَوْ مَأْمُونٍ لَا أَهْلَ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ، وَحَاضَتْ هَلْ تَكْفِي أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَكْفِي، وَكَذَا إذَا وَضَعَاهَا عَلَى يَدِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُونٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَانْظُرْ هَلْ يَكْفِي أَوْ لَا؟ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِذَا رَضِيَا بِغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْتِقَالُ) ش: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَمَّا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ يَكْتَفِي بِوَاحِدَةٍ قَالَ: يَخْرُجُ عَلَى التُّرْجُمَانِ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْمُوَاضَعَةُ تَجُوزُ عَلَى يَدِ أَهْلِ الْأَمَانَةِ مِنْ النِّسَاءِ، وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تُجْزِئُ فِي الِائْتِمَانِ عَلَيْهَا، وَيُخْتَلَفُ هَلْ يُفِيدُ قَوْلُهَا أَنَّهَا حَاضَتْ؟ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلَا مُوَاضَعَةَ فِي مُتَزَوِّجَةٍ) ش دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ص (وَمُعْتَدَّةٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ، وَفَاةٍ قَالَهُ اللَّخْمِيّ ص (وَزَانِيَةٍ) ش: يُرِيدُ الْمُسْتَبْرَأَةَ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَاسْتَحْسَنَ الْقَوْلَ بِالْمُوَاضَعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (كَالْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ إقَالَةٍ إنْ لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي) ش: اُنْظُرْ اسْتِبْرَاءَ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّ فِيهِ مَا يُخَالِفُ مَفْهُومَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه ابْتَاعَ جَارِيَةً وَهِيَ مِمَّنْ تُسْتَبْرَأُ] ص (وَفَسَدَ إنْ نَقَدَ بِشَرْطٍ لَا تَطَوُّعًا) ش قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً، وَهِيَ مِمَّنْ تُسْتَبْرَأُ لَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِيهَا فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ، وَضَعَتْ عَلَى يَدِ الْمُبْتَاعِ أَوْ عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ، وَاشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِيهَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ النَّقْدُ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ تَبَرَّعَ الْمُبْتَاعُ فَنَقَدَ الثَّمَنَ فِي الْمُوَاضَعَةِ جَازَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى قَوْلِهِ مِمَّنْ تُسْتَبْرَأ مِمَّنْ تُتَوَاضَعُ: احْتِرَازٌ مِمَّنْ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا كَالْحَامِلِ، وَالْوَخْشِ الَّتِي لَا تُوطَأُ اهـ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا حَيْثُ تُبَاعُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَأَمَّا إذَا بِيعَتْ عَلَى عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَنْزِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ، وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ، وَائْتِمَانَ الْمُبْتَاعِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ فَعَلَا أَجْزَأَهُ إنْ قَبَضَهَا عَلَى الْأَمَانَةِ، وَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي أَوَّلِ

دَمِهَا فَإِنْ قَبَضَهَا عَلَى شَرْطِ الْحِيَازَةِ وَسُقُوطِ الْمُوَاضَعَةِ كَالْوَخْشِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ اسْتِبْرَاءٌ فِي الْمُوَاضَعَةِ أَوْ جَهِلَا وَجْهَ الْمُوَاضَعَةِ فَقَبَضَهَا كَالْوَخْشِ، وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ لَمْ يَفْسُدْ، وَأَلْزَمْتُهُمَا حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إذَا اشْتَرَطَ إسْقَاطَ الْمُوَاضَعَةِ أَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يُشْتَرَطْ إسْقَاطُهَا، وَلَا وُجُوبُهَا عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الْكِتَابِ، وَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ، وَمَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ إذَا اشْتَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ الشَّيْخُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَبْهَمَا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فَيَتَّفِقَانِ فِي هَذَا، وَقَالَ يُونُسُ قَالَ أَصْبَغُ: وَمَا بِيعَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ أَوْ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُوَاضَعَةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ النَّقْدِ فِيهِ يُفْسِدُ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ فَأَمَّا مَا بِيعَ عَلَى الْبَتِّ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْمُوَاضَعَةَ مِثْلَ بَيْعِ أَهْلِ مِصْرَ، وَمَنْ لَا يَعْرِفُهَا مِنْ الْبُلْدَانِ يَبْتَاعُونَ عَلَى النَّقْدِ، وَلَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا، وَلَا مُوَاضَعَةً فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ، وَلَا يُفْسَخُ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِالْمُوَاضَعَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَوْ انْصَرَفَ بِهَا الْمُبْتَاعُ، وَغَابَ عَلَيْهَا رُدَّ إلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُبْتَاعِ بِغَيْبَتِهِ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَدْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا، وَلَوْ فِي بَيْعِ سُلْطَانٍ أَوْ مُسَافِرٍ ثُمَّ قَالَ فِي صِحَّةِ شَرْطِهِ إسْقَاطَهَا فِي الْعَقْدِ، وَبُطْلَانِهِ: ثَالِثُهَا يَبْطُلَانِ مُطْلَقًا، وَرَابِعُهَا إنْ شَرَطَ نَقْدَ الثَّمَنِ، وَخَامِسُهَا إنْ تَمَسَّكَ بِشَرْطٍ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَهَا وَلِلْأَبْهَرِيِّ مَعَ الْمَوَّازِيَّةِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَاللَّخْمِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: يَخْرُجُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَاضَعَةِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَشَرْطُ نَقْدِ الْمُوَاضَعَةِ فِي عَقْدِ بَيْعِهَا يُفْسِدُهُ، وَطَوْعُهُ بِهِ بَعْدَهُ جَائِزٌ فِي بَيْعِهَا بَتًّا، وَبِخِيَارٍ مَذْكُورٍ فِي كِتَابَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بَيْعُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمُوَاضَعَةَ كَمِصْرٍ يَبِيعُونَ عَلَى النَّقْدِ لَا يَشْتَرِطُونَ نَقْدًا، وَلَا مُوَاضَعَةً صَحِيحٌ، وَيَقْضِي بِهَا، وَيَنْزِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ إنْ طَلَبَهُ الْمُبْتَاعُ. (قُلْت) ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُوقَفُ بِيَدِ الْبَائِعِ، وَلَوْ طُبِعَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ بِحُرُوفِهِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ، وَإِذَا بِيعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْمُرْتَفِعَاتِ، وَقِيلَ الشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ جَائِزٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَكِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَإِنْ بَاعَ الْمُرْتَفِعَاتِ بِشَرْطِ تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ، وَأَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ كَمَا يَضْمَنُ الْوَخْشَ الرَّقِيقَ وَإِنْ وَجَدَ حَمْلًا أَوْ عَيْبًا قَامَ بِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَيَتَوَاضَعَانِهَا هَذَا فِي كِتَابِ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَوْلُ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْحُكْمُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ بَلَدٍ كَانَتْ جَارِيَةً فِيهِ أَمْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَيَجِبُ عِنْدَهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ مِنًى، وَأَهْلِ مِصْرَ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ فِي الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يَقْدَمُونَ فَرَأَى أَنْ يُحْمَلُوا عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا، وَسَوَاءٌ بَاعَ الْأَمَةَ رَبُّهَا أَوْ وَكِيلٌ لَهُ أَوْ بَاعَهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي الدَّيْنِ، وَسَوَاءٌ بَاعَ بِنَقْدٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ كَانَ مِمَّنْ يَطَأُ أَوْ مِمَّنْ لَا يَطَأُ إلَّا أَنَّهُ إنْ بَاعَ بِنَقْدٍ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِي الْمُوَاضَعَةِ بِشَرْطٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَمْلِ فِي الرَّفِيعَةِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَالْمُصِيبَةُ فِيهَا مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ ثَبَتَتْ بَعْدَ قَبْضِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ الشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَقَعَ هَذَا الْقَوْلُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الشَّرْطُ جَائِزٌ، وَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيُحْكَمُ بَيْنَهُمَا بِالْمُوَاضَعَةِ، وَتَخْرُجُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُوَاضَعَةِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ: الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ فَاسِدٌ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بَيْعٌ جَائِزٌ، وَشَرْطٌ لَازِمٌ، وَأَمَّا إنْ دَفَعَهَا إلَى الْبَائِعِ جَهْلًا بِسُنَّةِ الْمُوَاضَعَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ إسْقَاطَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، وَتَخْرُجُ إلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا، وَتَبَرَّأَ مِنْ حَمْلِهَا، وَهُوَ مُقِرٌّ

فرع قبضها المبتاع ثم جاء بها وقال لم تحض

بِوَطْئِهَا فَجَعَلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعًا فَاسِدًا، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاسِدٍ، وَتَخْرُجُ إلَى الْمُوَاضَعَةِ. [فَرْعٌ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ ثُمَّ جَاءَ بِهَا وَقَالَ لَمْ تَحِضْ] (فَرْعٌ) فَإِذَا قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ ثُمَّ جَاءَ بِهَا، وَقَالَ لَمْ تَحِضْ قُبِلَ قَوْلُهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَسَأَلَ ابْنُ حَبِيبٍ سَحْنُونًا عَنْ الْجَارِيَةِ تُبَاعُ، فَيَقْبِضُهَا الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ مُوَاضَعَةً ثُمَّ يَأْتِي الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ الشِّرَاءِ بِشَهْرٍ قَالَ قَدْ أَخْطَأَ فِي تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ قَالَ: وَالشَّهْرُ قَلِيلٌ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، وَشَهْرَيْنِ أَحْسَنُ فَيَنْظُرُهَا الْقَوَابِلُ فَإِنْ قُلْنَ مَشْغُولَةَ الرَّحِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ بَيِّنٌ رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ غَابَ عَلَيْهَا انْتَهَى ص (وَمُصِيبَتُهُ مِمَّنْ قَضَى لَهُ بِهِ) ش: بِهِ هُوَ بِضَمِيرِ مُذَكَّرٍ عَائِدٍ عَلَى الثَّمَنِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ نَقَدَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ مَحِيضِهَا ارْتَقَبَتْ فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ حَتَّى هَلَكَتْ أَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ قَبْلَ الْحَيْضَةِ، وَقَدْ مَلَكَ الثَّمَنَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهَا بِالْعَيْبِ أَوْ بِالْحَمْلِ بِالثَّمَنِ التَّالِفِ، فَيَصِيرُ مِنْ الْبَائِعِ، وَاسْتِثْنَاءُ رَدِّهَا، وَكَانَ الثَّمَنُ مِنْهُ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَاعَ أَمَةً رَائِعَةً مِثْلُهَا يَتَوَاضَعُ لِلِاسْتِبْرَاءِ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَقَبِلَهَا الْمُبْتَاعُ بِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ رَدُّهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ انْتَهَى. ص (وَفِي الْجَبْرِ عَلَى إيقَافِ الثَّمَنِ قَوْلَانِ) : ش: لَوْ قَدَّمَ هَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ كَذَا جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ، وَجَبْرُ مُبْتَاعٍ عَلَى وَقْفِ الثَّمَنِ عِنْدَ عَدْلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ تَلِفَ، فَهُوَ مِمَّنْ يَصِيرُ لَهُ، وَقِيلَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ فَإِنْ خَرَجَتْ سَلِيمَةً لَزِمَهُ ثَمَنٌ آخَرُ، وَقِيلَ يُفْسَخُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ طَرَأَ مُوجِبٌ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ] ص (فَصْلٌ إنْ طَرَأَ مُوجِبٌ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ انْهَدَمَ الْأَوَّلُ، وَائْتَنَفَتْ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَالطَّلَاقُ فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَتَمَادَتْ عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَوَرِثَتْهُ فِي طَلَاقِ الْمَرَضِ لَا فِي طَلَاقِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ أَوْ غَيْرُ بَائِنٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِوَفَاتِهِ، وَإِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي صِحَّتِهِ

أَوْ فِي مَرَضِهِ انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَوَرِثَتْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: عَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ، وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الزَّوْجِيَّةِ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا، وَالْقَرِيبُ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ قَدْ يَكُونُ وِفَاقًا أَيْ أَنَّهَا، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَعَشْرٍ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَعَشْرٍ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، وَأَخَذَ ابْنُ بَشِيرٍ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ إبَاحَةَ، وَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَرَدَّهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا بَاقِيَةً إبَاحَتُهُ بِدَلِيلِ الْحَائِضِ، وَالْمُحْرِمَةِ انْتَهَى ص (وَبِفَاسِدٍ إثْرِهِ، وَإِثْرِ الطَّلَاقِ لَا الْوَفَاةِ) ش: مِمَّا يَصْلُحُ

كتاب الرضاع

مِثَالًا لِقَوْلِهِ لَا الْوَفَاةِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ إنَّ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ إذَا حَمَلَتْ ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ فَلَا يُبَرِّئُهَا الْوَضْعُ مِنْ عِدَّتِهِ، وَمِثْلُهُ الْمَجْبُوبُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا وُطِئَتْ الْمُتَزَوِّجَةُ بِاشْتِبَاهٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ، وَطْءِ زَوْجِهَا، وَحَمَلَتْ، وَأَلْحَقْنَاهُ بِالثَّانِي عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا، فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحِ أَنَّ أَمْثِلَةَ ذَلِكَ عَزِيزَةٌ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا عَزَّ عَلَيْهِمَا الْمِثَالُ؛ لِأَنَّهُمَا فَرَضَا الْمَسْأَلَةَ فِي نِكَاحَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ، وَالْآخَرُ فَاسِدٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ، وَبِفَاسِدٍ أَيْ بِوَطْءٍ فَاسِدٍ لَكِنْ لَهُ شُبْهَةٌ مَا لَوْ كَانَ الْحَمْلُ لِزِنًا، فَإِنَّهُ لَا يُبَرِّئُهَا مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَنَحْوِهِ فِي التَّوْضِيحِ لَكِنَّهُ حَكَى عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ بَحَثَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الرَّضَاعِ] ِ يُقَالُ: رَضَاعٌ وَرِضَاعَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الصِّحَاحِ. ص (بَابُ حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ، وَإِنْ مَيِّتَةً أَوْ صَغِيرَةً بِوَجُورٍ أَوْ سَعُوطٍ أَوْ حُقْنَةٍ يَكُونُ غِذَاءً) ش: وَحَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا نَصُّهُ: الرَّضَاعُ عُرْفًا وُصُولُ لَبَنِ آدَمِيٍّ لِمَحَلٍّ مَظِنَّةِ غِذَاءٍ وَآخَرَ لِتَحْرِيمِهِمْ بِالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ، وَلَا دَلِيلَ إلَّا مُسَمَّى الرَّضَاعِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لَبَنُ امْرَأَةٍ، قَالَ عِيَاضٌ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: فِي بَنَاتِ آدَمَ لَبَنٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: فِيهِ لِبَانٌ، وَاللَّبَنُ لِسَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرِهِنَّ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرٌ خِلَافَ قَوْلِهِمْ، انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ مَيِّتَةً، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا حُلِبَ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ لَبَنٌ فِي حَيَاتِهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا فُوجِرَ بِهِ صَبِيٌّ أَوْ دَبَّ فَرَضَعَهَا، وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَعَلِمَ أَنَّ فِي ثَدْيِهَا لَبَنًا فَالْحُرْمَةُ تَقَعُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي يُرِيدُ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ إذَا شَكَّ هَلْ هُوَ لَبَنٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَقَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَبَنٌ مُحَقَّقٌ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنَّ عِلْمَ هَذَا شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ فِي الثَّدْيِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِوُصُولِهِ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُصُّ مِنْ ثَدْيِ الْمَيِّتَةِ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ فَيُظَنُّ أَنَّهُ خَرَاجٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَصَغِيرَةٌ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا دَرَّتْ بِكْرٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَيَائِسَةٌ مِنْ الْمَحِيضِ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهِيَ أُمٌّ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُهُ فِي الْبِكْرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ لَبَنِ الْيَائِسَةِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوطَأُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَإِذَا حَدَثَ لِلصَّبِيَّةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لَبَنٌ فَرَضَعَهَا صَبِيٌّ لَمْ تَقَعْ بِهِ حُرْمَةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ، قَالَهُ

ابْنُ رَاشِدٍ، انْتَهَى. وَأَبْقَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي لَبَنِ مَنْ نَقَصَتْ عَنْ سِنِّ الْمَحِيضِ قَوْلَانِ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ يُوطَأُ مِثْلُهَا أَمْ لَا، وَتَعَقَّبَ ابْنُ هَارُونَ ابْنَ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْأَشْيَاخُ الْخِلَافَ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْوَطْءِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي لَبَنِ مَنْ نَقَصَتْ إلَى آخِرِهِ وَقَبُولُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ هَارُونَ إنَّمَا ذَكَرَ الْأَشْيَاءَ إلَى آخِرِهِ صَوَابٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ تَبِعَ فِي نَقْلِ الْقَوْلَيْنِ ابْنَ بَشِيرٍ وَابْنَ شَاسٍ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي إنَّهُ وَهِمَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ نَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ إذَا وَقَعَ الرَّضَاعُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ فِي سِنِّ مَنْ تُوطَأُ حَصَلَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ بِلَا خِلَافٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الصِّغَرِ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُوطَأُ فَهَلْ تَقَعُ الْحُرْمَةُ بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ، وَالْمَشْهُورُ وُقُوعُهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَالشَّاذُّ أَنَّهَا لَا تَقَعُ قِيَاسًا عَلَى الْوِلَادَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَيَحْرُمُ لَبَنُ الْبِكْرِ وَالْيَائِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ وَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ وَالصَّبِيَّةِ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَنْقُصْ سِنُّ الصَّبِيَّةِ عَنْ سِنِّ مَنْ تُوطَأُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُمَا، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ وُقُوعُ الْحُرْمَةِ بِلَبَنِ الصَّغِيرَة: وَلَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُوطَأُ فَإِبْقَاءُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ الْخِلَافِ لِكَلَامِ الْجَلَّابِ أَوْلَى مِمَّا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ الْوِفَاقِ وَنَصَّهُ خَلِيلٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَحْمِلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ يُوطَأُ، وَلَا يَكُونُ مَا فِي الْجَلَّابِ خِلَافًا لِلْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَبَنُ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ مِنْ كِبَرٍ لَغْوٌ لَا أَعْرِفُهُ، بَلْ مَا فِي مُقَدِّمَاتِهِ تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ الْبِكْرِ وَالْعَجُوزِ الَّتِي لَا تَلِدُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ إنْ كَانَ لَبَنًا لَا مَاءً أَصْفَرَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْكَافِي لَبَنُ الْعَجُوزِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ إذَا كَانَ مِثْلُهَا يُوطَأُ يَحْرُمُ، وَنَقَلَ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ حَصَلَ فِي الْحَوْلَيْنِ) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَلَا يَحْرُمُ رَضَاعٌ إلَّا مَا قَارَبَ الْحَوْلَيْنِ كَالشَّهْرِ، وَلَمْ يَفْصِلْ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ رَضَاعَ الْبِكْرِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَوْ فِي الْحِجَابَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ أَخَذَ بِهِ أَحَدٌ فِي الْحِجَابَةِ لَمْ أَعِبْهُ كُلَّ الْعَيْبِ، قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَدْ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْأَخْذَ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَفَعَلَ بِهِ مُتَقَدِّمُو شُيُوخِنَا فِي أَهْلِيهِمْ (قُلْت:) وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الشَّبِيبِيُّ فِيمَا بَلَغَنِي، انْتَهَى. ص (وَقُدِّرَ الطِّفْلُ خَاصَّةً وَلَدًا لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ)

ش: فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ أُمَّهَاتُ الْمُرْضِعَةِ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَأَوْلَادُهَا نَسَبًا وَرَضَاعًا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ. ص (مِنْ وَطْئِهِ) ش: يُرِيدُ إنْ أَنْزَلَ، قَالَ فِي الشَّافِعِيِّ وَاعْتُبِرَ صَاحِبُهُ مِنْ حَدِّ الْوَطْءِ إنْ أَنْزَلَ، ثُمَّ قَالَ لَا مِنْ الْعَقْدِ اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ وَطِئَ وَلَمْ يُنْزِلْ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (إلَّا أَنْ لَا يُلْحَقَ بِهِ الْوَلَدُ) ش: هَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَهُ أَئِمَّةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَبِالتَّحْرِيمِ قَالَ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَأُدِّبَتْ الْمُتَعَمِّدَةُ لِلْإِفْسَادِ) ش: وَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَهُ فِي الشَّامِلِ

باب المرأة إذا مكنت من نفسها فإنه يجب لها النفقة

وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَيُفْسَخُ بِلَا طَلَاقٍ فِي الْجَمِيعِ. ص (وَنُدِبَ التَّنَزُّهُ مُطْلَقًا) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يُفْشَ مِنْ قَوْلِهَا. [بَابٌ الْمَرْأَةَ إذَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ] ص (بَابٌ) (يَجِبُ لِمُمَكِّنَةٍ مُطِيقَةٍ الْوَطْءَ عَلَى الْبَالِغِ - وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا - قُوتٌ وَإِدَامٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ

تنبيهات التنبيه الأول طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها

إذَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ تَمْكِينِهَا مِنْ نَفْسِهَا يُوجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ، وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِمَا إذَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ الدُّخُولِ وَلَمْ تَطْلُبْ بِهِ الزَّوْجَ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا دَعَا إلَى الدُّخُولِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ نَفَقَةٌ حَتَّى يُبْتَغَى ذَلِكَ مِنْهُ وَيُدْعَى لِلْبِنَاءِ، فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَالصَّدَاقُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، قَوْلُهُ: يُبْتَغَى مِنْهُ أَيْ يُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَلْزَمُ حَتَّى يُدْعَى إلَيْهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَهَا النَّفَقَةُ بِالتَّمْكِينِ، وَإِنْ لَمْ تَدْعُهُ إلَى الْبِنَاءِ الشَّيْخُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا وَكَانَتْ هَذِهِ الْخَادِمُ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْهَا فَكَذَلِكَ يَعْنِي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِ عَنْهُمَا لَكِنْ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ مَعْنَى مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ وَدَعْوَاهُ إلَى الْبِنَاءِ، انْتَهَى. وَفِي الرِّسَالَةِ وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يُدْعَى إلَى الدُّخُولِ، وَهِيَ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَجِبُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِأَنْ يُبْتَغَى مِنْهُ الدُّخُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقِيلَ: تَجِبُ بِالْعَقْدِ إنْ كَانَتْ يَتِيمَةً [تَنْبِيهَاتٌ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ وَلَمْ يَبْنِ بِهَا] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ الْحُكْمِ فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا مَضَى بَعْدَ الْعَقْدِ الْقَدْرُ الَّذِي الْعَادَةُ أَنْ يَتَرَبَّصَ إلَيْهِ بِالدُّخُولِ وَمَا يُتَشَوَّرُ فِيهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ وَلَمْ يَبْنِ بِهَا؛ فَإِنْ فَرَغُوا مِنْ جِهَازِهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَا يَحْبِسُهَا قِيلَ لَهُ اُدْخُلْ أَوْ أَنْفِقْ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: أَنْظِرُونِي حَتَّى أَفْرُغَ وَأُجَهِّزَ بَعْضَ مَا أُرِيدُ فَذَلِكَ لَهُ وَيُؤَخِّرُ الْأَيَّامَ بِقَدْرِ مَا يَرَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، انْتَهَى. [التَّنْبِيه الثَّانِي إذَا دُعِيَ الزَّوْجُ إلَى الدُّخُولِ فَامْتَنَعَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ] (الثَّانِي) إذَا دُعِيَ الزَّوْجُ إلَى الدُّخُولِ فَامْتَنَعَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ بِنَفْسِ الِامْتِنَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَبَعْدَ وَقْفِ السُّلْطَانِ لَهُ وَفَرْضِهِ لِلنَّفَقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ امْتَنَعَ لَدَدًا وَأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَحَتَّى يُوقِفَهُ السُّلْطَانُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ، وَعَزَا الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلَ أَشْهَبَ لِابْنِ شِهَابٍ، فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ بِنَفْسِ الدُّعَاءِ إذَا شَهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ إذَا دَعَا إلَى الدُّخُولِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ، وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ، وَقَالَ أَشْهَبُ حَتَّى تُرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ وَيَحْكُمَ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجَ دُعِيَ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ الْكِسْوَةَ كَذَلِكَ تَلْزَمُهُ إذَا طَالَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَدْخُلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [التَّنْبِيه الثَّالِث لِأَبِي الْبِكْرِ دُعَاءَ الزَّوْجِ لِلْبِنَاءِ الْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ ظَاهِرُ مَسَائِلِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِأَبِي الْبِكْرِ دُعَاءَ الزَّوْجِ لِلْبِنَاءِ الْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ بِنْتُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ شُيُوخِنَا، وَقَالَهُ أَبُو مُطَرِّفٍ الشَّعْبِيُّ بِجَبْرِهِ إيَّاهَا عَلَى الْعَقْدِ وَبَيْعِ مَالِهَا وَتَسْلِيمِهِ، وَقَالَ الْمَأْمُونِيُّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِدُعَائِهَا أَوْ تَوْكِيلِهَا إيَّاهُ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَاتٍ. (قُلْت:) ظَاهِرُهُ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى أَبِيهَا أَوْ عَلَى مَالِهَا، وَإِلَّا ظَهَرَ الْأَوَّلُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي الثَّانِي، انْتَهَى. (قُلْت:) فِي اسْتِظْهَارِهِ الثَّانِي فِي الثَّانِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا فِي مَالِهَا فَلِأَبِيهَا النَّظَرُ فِيهِ، وَلَيْسَ مِنْ السَّدَادِ أَنْ تُنْفِقَ مِنْهُ وَلَهَا طَرِيقٌ إلَى النَّفَقَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُرِيدُ دُخُولَهَا لِصِيَانَتِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت:) وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيِّدَ فِي أَمَتِهِ كَالْأَبِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا كَانَ لَهُ الْإِجْبَارُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِدُعَاءِ الزَّوْجَةِ إلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [التَّنْبِيه الرَّابِع سَافَرَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَطَلَبَتْ زَوْجَتُهُ النَّفَقَةَ] (الرَّابِعُ) إذَا سَافَرَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَطَلَبَتْ زَوْجَتُهُ النَّفَقَةَ فَلَهَا ذَلِكَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَصُّهُ، قَالَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُسَافِرُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَيُقِيمُ الْأَشْهُرَ فَتَطْلُبُ النَّفَقَةَ، قَالَ أَرَى لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ، قَدْ قِيلَ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَ قَرِيبًا؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَدْعُوَهُ، وَهِيَ لَمْ تَدْعُ قَبْلَ مَغِيبِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ إمَّا أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يُنْفِقَ، وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ حِينِ تَدْعُو

إلَى الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى قُرْبٍ فَلَيْسَ عَلَيْهَا انْتِظَارُهُ، وَهَذَا أَقْيَسُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، إذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ قُرْبٍ، وَلَا بُعْدٍ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ وَأَنَّهُ يُضْرَبُ لَهَا أَجَلٌ أَرْبَعُ سِنِينَ مَا نَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ سِنِينَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَضَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ نَفَقَةً فَيَكُونُ سَبِيلُهَا فِي النَّفَقَةِ سَبِيلَ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَنَّهُ يُحْكَمُ لَهَا بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِهِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ عَلَى مَا مَضَى فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْمَفْقُودِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عِيسَى وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الْمَفْقُودُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ: هَذَا يَحْسُنُ أَنْ يُسَافِرَ بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَمَضَى أَمَدُ الدُّخُولِ وَبِعِلْمِهَا وَلَمْ يَعُدْ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ؛ فَإِنْ عَلِمَتْ بِسَفَرِهِ لِذَلِكَ الْمَكَانِ وَقَامَتْ قَبْلَ وَقْتِ رُجُوعِهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا إنْ سَافَرَ الشَّفِيعُ بِحَدَثَانِ الشَّتْرَاءَ فَأَقَامَ سِنِينَ ثُمَّ قَدِمَ إنْ كَانَ سَفْرًا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَئُوبُ مِنْهُ إلَّا لِأَمْرٍ يَقْطَعُ شُفْعَتَهُ، فَلَا شُفْعَةَ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى. (الْخَامِسُ) لَا يَلْزَمُ النَّفَقَةُ بِدُعَاءِ الزَّوْجِ إلَى الْبِنَاءِ اتِّفَاقًا، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْبَلَدُ) ش: فَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ مِثْلِهِ وَمِثْلِهَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَصِنْفُ مَأْكُولِهَا جُلُّ قُوتِهَا بِبَلَدِهِمَا يُفْرَضُ لَهَا مِنْ الطَّعَامِ مَا يَرَى أَنَّهُ الشِّبَعُ مِمَّا يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ بَلَدِهِمَا مِنْ الْبِلَادِ مَا لَا يُنْفِقُ أَهْلُهُ شَعِيرًا بِحَالِ غَنِيِّهِمْ وَلَا فَقِيرِهِمْ، وَمِنْهَا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ يَسْتَخِفُّ وَيُسْتَجَازُ، انْتَهَى. ص (فَيُفْرَضُ الْمَاءُ وَالزَّيْتُ وَالْحَطَبُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ لَيْسَ عَلَيْهِ طَحْنُ الْمُدِّ، خِلَافُ سَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ، وَيُفْرَضُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ مَا فِيهِ مَاؤُهَا وَطَحْنُهَا وَنُضْجُ خُبْزِهَا ابْنُ عَرَفَةَ، لَعَلَّ الْمَنْفِيَّ وِلَايَةُ طِحْنِهِ وَالْمُثْبَتَ أُجْرَةٌ. الْمُتَيْطِيُّ وَافَقَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِقُرْطُبَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ قَفِيزِ الْقَمْحِ

فرع الرجل يطلق امرأته ألبتة وهي حامل أترى عليه أجرة القابلة

وَشَرَطُوهُ مَطْحُونًا، انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ أَنَّ لَهَا أُجْرَةَ الطَّحْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهِيَ حَامِلٌ أَتُرَى عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقَابِلَةِ] ص (وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهِيَ حَامِلٌ أَتُرَى عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقَابِلَةِ، فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ ذَلِكَ، وَلَا أَعْلَمُهُ عَلَيْهِ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا سَأَلَ عَنْ هَذَا، ابْنُ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: وَلَا أَعْلَمَهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَأَصْبَغُ يَرَاهُ عَلَى الْأَبِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ أَمْرًا يَسْتَغْنِي عَنْهُ النِّسَاءُ فَهُوَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ النِّسَاءُ فَهُوَ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ كَانَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ جَمِيعًا فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا عَلَى قَدْرِ مَنْفَعَةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ذَلِكَ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رَسْمٍ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، انْتَهَى. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُومَ بِجَمِيعِ مَصْلَحَةِ زَوْجَتِهِ عِنْدَ وِلَادَتِهَا، فَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ كَانَتْ تَحْتَهُ أَوْ مُطَلَّقَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً مُطَلَّقَةً فَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِ سَيِّدِهَا، وَإِنْ كَانَ وَلَدَهُ، انْتَهَى. ص (وَزِينَةٌ تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ الزِّينَةَ الَّتِي تَسْتَضِرُّ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهَا؛ فَإِنَّهَا يُقْضَى بِهَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِضَرُورِيَّاتِهَا الَّتِي لَا غِنًى لَهَا عَنْهَا، وَأَمَّا الزِّينَةُ الَّتِي لَا تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا، فَلَا يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ الظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ تَرْكَهَا يَضُرُّ بِهَا فَأَحْرَى غَيْرُهَا، خِلَافُ الْمَنْصُوصِ فِي الْمَذْهَبِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهَا كَوْنُهَا زِينَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَكُحْلٍ وَدُهْنٍ مُعْتَادَيْنِ وَحِنَّاءٍ وَمُشْطٍ) ش اُنْظُرْ لِمَ أَخَّرَ قَوْلَهُ: وَحِنَّاءٍ وَمُشْطٍ عَنْ قَوْلِهِ: مُعْتَادَيْنِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ الْقَضَاءَ بِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا مُعْتَادَيْنِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي فَرْضِ امْرَأَتِهِ مِنْ الدُّهْنِ مَا تَدَّهِنُ بِهِ، وَمِنْ الْحِنَّاءِ مَا تَمْتَشِطُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ، وَعَادَةٌ جَرَى عَلَيْهَا نِسَاؤُهُمْ، وَلَا يُفْرَضُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إذْ لَا يَعْرِفُهُ نِسَاؤُنَا، وَلِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مِنْ ذَلِكَ عُرْفُهُمْ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ، وَأَمَّا الصِّبْغُ وَالطِّيبُ وَالزَّعْفَرَانُ وَالْحِنَّاءُ لِخِضَابِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَلَا يُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى، وَأَمَّا الطِّيبُ وَالزَّعْفَرَانُ وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ؛ فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا هَذَا وَشَبَهُهُ لِلرِّجَالِ يَصْلُحُونَ بِهِ إلَى نِسَائِهِمْ لِلَذَّاتِهِمْ فَمَنْ شَحَّ بِهِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. (قُلْت:) وَعُرْفُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْحِنَّاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ نِسَائِهِمْ لَا يُمَشِّطُونَ بِهَا، فَلَا يُقْضَى بِهَا عِنْدَهُمْ، وَقَوْلُهُ: مُشْطٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا يُمْتَشَطُ بِهِ لَا آلَةَ الْمُشْطِ لِيَكُونَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ: لَا مُكْحَلَةَ، وَعَلَى هَذَا، فَلَا يَجِبُ مِنْ الْحِنَّاءِ وَالْمُشْطِ إلَّا مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَضِيرُونَ بِتَرْكِهِ كَالْوَرْسِ وَالسِّدْرِ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَا مَفْهُومَ لِتَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ: مُعْتَادَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ عَلَى الزَّوْجِ إخْدَامُ الزَّوْجَة إذَا كَانَتْ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ] ص (وَإِخْدَامُ أَهْلِهِ وَإِنْ بِكِرَاءٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إخْدَامُ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَتْ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ لِشَرَفِ قَدْرِهَا

وَكَوْنِ مِثْلِهَا لَا يَخْدُمُ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ: أَهْلِهِ، ثُمَّ يُقَالُ: وَيُرِيدُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُتَّسِعًا لَهُ خُدَّامٌ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ، وَإِنْ اتَّسَعَ فَعَلَيْهِ إخْدَامُ زَوْجَتِهِ، وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا وَلَهَا الْفَسْخُ إلَى آخِرِهِ؛ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِخْدَامِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ تَكُونُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَيْهِ وَهَكَذَا، قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ عَنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ: إنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِخْدَامِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُعَدَّلِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ فِي حَدِيثِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ خِدْمَتِهَا بِنَفْسِهَا تَبَرُّعًا؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ لِلزَّوْجِ، وَهِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا أَيْضًا ص (وَلَهُ التَّمَتُّعُ بِشُورَتِهَا) ش: تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّوْرَةَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَأَنَّهَا الْمَتَاعُ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبَيْتُ، وَأَمَّا الشُّورَةُ بِالضَّمِّ فَهِيَ الْجَمَالُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّمَتُّعِ بِشُورَتِهَا فَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَهُ التَّمَتُّعُ بِشَوْرَتِهَا الَّتِي مِنْ مَهْرِهَا إنْ لَزِمَهَا التَّجْهِيزُ وَبِهِ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا التَّجْهِيزُ بِصَدَاقِهَا، وَأَمَّا عَلَى الشَّاذِّ فَلَا، انْتَهَى بِمَعْنَاهُ. ص (وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا بَدَلَ الشَّوْرَةِ الَّتِي دَخَلَتْ بِهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا شَوْرَةً مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِذَا خَلِقَتْ الشَّوْرَةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي صَدَاقِهَا مَا تُشَوَّرُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَكَذَلِكَ، قَالَ أَصْبَغُ يُفْرَضُ الْوَسَطُ مِمَّنْ لَا شَوْرَةَ لَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

وَفِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنِ الْقَاسِمِ يُفْرَضُ لَهَا اللِّحَافُ فِي اللَّيْلِ وَالْفِرَاشُ وَالْوِسَادَةُ وَالسَّرِيرُ إنْ اُحْتِيجَ لَهُ لِخَوْفِ الْعَقَارِبِ وَشَبَهِهَا ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ كَانَتْ حَدِيثَةَ الْبِنَاءِ وَشَوْرَتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهَا لَا فِي مَلْبَسٍ، وَلَا فِي مِفْرَشٍ وَمِلْحَفٍ، بَلْ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ مَعَهَا بِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ صَدَاقُهَا عَنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَهْدُ الْبِنَاءِ قَدْ طَالَ فَعَلَيْهِ مَا لَا غِنَى عَنْهُ بِهَا وَذَلِكَ فِي الْوَسَطِ فِرَاشٌ وَمِرْفَقَةٌ وَإِزَارٌ وَلِحَافٌ وَلَبَدٌ تَفْتَرِشُهُ عَلَى فِرَاشِهَا فِي الشِّتَاءِ وَسَرِيرٌ لِخَوْفِ عَقَارِبَ أَوْ حَيَّاتٍ أَوْ فَأْرٍ أَوْ بَرَاغِيثَ، وَإِلَّا فَلَا سَرِيرَ عَلَيْهِ وَحَصِيرَ حَلْفَاءَ يَكُونُ عَلَيْهِ الْفِرَاشُ وَحَصِيرَتَانِ أَوْ بَرْدِيٌّ، انْتَهَى. وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَلِّفَ شَيْئًا مِنْ شَوْرَتِهَا وَأَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَلِّفَهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ هَكَذَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ) ش: قَالَ فِي الْمِدْيَانِ مِنْهَا: وَلِلرَّجُلِ مَنْعُ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ التِّجَارَةِ فِي مَالِهَا كَمَا لَهُ انْتِزَاعُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي الْخُرُوجَ لِلتِّجَارَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي زِيَارَةِ أَبَوَيْهَا وَشُهُودِ جِنَازَتِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا إلَى الْمَسَاجِدِ، وَيَقُومُ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التِّجَارَةِ أَنَّهُ لَا يُغْلِقُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، انْتَهَى. فَرْعٌ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ: قَالَ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ: لِذَاتِ الزَّوْجِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهَا رِجَالًا تُشْهِدُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَزَوْجُهَا غَائِبٌ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ مَحْرَمٌ مِنْهَا ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُدْخِلَ مَنْ تُشْهِدُهُ عَلَى نَفْسِهَا بِمَا تُرِيدُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهَا أَوْ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهَا فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ، وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالِاخْتِيَارُ كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِي مَحْرَمِهَا يَكُونُ مَعَهُمْ إنْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرِجَالٌ صَالِحُونَ اهـ. وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي قَوْلِهِ: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى النَّفَقَةِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابَ أَمْ لَا. ص (وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ أَقَارِبِهِ إلَّا لِوَضِيعَةٍ) ش: أَوْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمَحْرَمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَوَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَحَدِهِمَا) ش: اُنْظُرْ الْبَيَانَ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ

مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَرَسْمِ الْمَحْرَمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. ص (وَسَقَطَتْ إنْ أَكَلَتْ مَعَهُ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَمِنْ مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةٌ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ بِأَنْ تَأْكُلَ مَعَ زَوْجِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَدُّدِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْحُكْمِ، قَالَ الْبُرْزُلِيِّ قُلْتُ: تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الْمَبِيتِ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْدُبُ إلَيْهِ لِمَا يُدْخِلُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَسَرَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَصْدِ عَدَمِ الْوَطْءِ لِمَا يُدْخِلُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ فِي جِسْمِهِ، أَوْ تَكُونُ هِيَ مَائِلَةٌ إلَى الْكِبْرِ فَمَبِيتُهُ مَعَهَا مِمَّا يُنْحِلُ بَدَنَهُ، انْتَهَى مِنْ مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: أَوْ لَا وَطِئْتُهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنَّوْمِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَضُمُّ نَفَقَةَ بَنِيهِ الْأَصَاغِرِ إلَى نَفَقَتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقِلًّا، فَلَا تُضَمُّ نَفَقَتُهُمْ مَعَهَا وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، وَإِلَّا فَهُمْ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أُمِّهِمْ وَجَدَ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا، انْتَهَى. ص (أَوْ مَنَعَتْ الْوَطْءَ وَالِاسْتِمْتَاعَ أَوْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَحْمِلْ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَنَعَتْ زَوْجَهَا الْوَطْءَ أَوْ الِاسْتِمْتَاعَ؛ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا تَسْقُطُ، يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَسَفَرِهَا لِلْحَجِّ أَوْ حَبْسِهِ أَوْ حَبْسِهَا أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَلَا تَسْقُطُ؛ فَإِنْ أَكْذَبَهَا فِي الْعُذْرِ فَيُثْبِتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي الْبُرْزُلِيِّ قَبْلَ مَسَائِلِ الْخُلْعِ بِنَحْوِ الْكُرَّاسِ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ حَدِيدٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْمَرْأَةِ بِحَبْسٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلَا يَكُونُ خُرُوجُهَا نُشُوزًا، وَنَصُّهُ: وَبَقَاءُ الْمَرْأَةِ فِي الدَّارِ وَخُرُوجُهَا سَوَاءٌ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَجْنِهِ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَعَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَا يَخْلُو حَالُ الْمَرْأَةِ إمَّا أَنْ تَعْدَمَ الْوَطْءَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ نَفْسِهَا، فَالْأَوَّلُ كَمَرَضِ الزَّوْجِ أَوْ مَرَضِهَا أَوْ حَيْضِهَا فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ، وَالثَّانِي كَالسَّفَرِ وَتَرْكِ الْوَطْءِ، فَلَا تَسْقُطُ أَيْضًا نَفَقَتُهَا، وَالثَّالِثُ كَمَنْعِهَا لِزَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا فَهِيَ سَاقِطَةٌ بِالنُّشُوزِ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهَا غَيْرُ سَاقِطَةٍ، انْتَهَى. وَكَلَامُ عَبْدِ الْوَهَّابِ لَيْسَ هُوَ فِي خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَانِعِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَمَعَ الشَّيْخُ بَيْنَ ذِكْرِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْقِطٌ، وَلَا يُقَالُ: يَكْفِي ذِكْرُ الِاسْتِمْتَاعِ عَنْ ذِكْرِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَتْ النَّفَقَةُ بِمَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ فَتَسْقُطُ بِمَنْعِ الْوَطْءِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ: خَشِيَ أَنْ يَتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِمْتَاعِ

الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ إذَا ذُكِرَ مُفْرَدًا فَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ. ص (أَوْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ إلَى آخِرِهِ) ش: يُرِيدُ أَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ أَيْضًا بِخُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا، أَمَّا إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى رَدِّهَا، فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ، نَعَمْ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهَا هُوَ أَوْ الْحَاكِمُ عَلَى خُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا هَلْ بِالْحَاكِمِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الْإِرْسَالِ إلَيْهَا أَوْ بِامْتِنَاعِهَا، قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ اُخْتُلِفَ فِي النَّاشِزِ عَلَى زَوْجِهَا هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ، فَعِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ مَذْكُورٌ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمِثْلُهُ سَحْنُونٌ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ الَّذِي هُوَ عِوَضُ النَّفَقَةِ وَاعْتَلُّوا بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا دُعِيَ لِلْبِنَاءِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْبِنَاءِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ وَاسْتُحْسِنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُقَالَ لَهَا: إمَّا أَنْ تَرْجِعِي إلَى بَيْتِكِ وَتُحَاكِمِي زَوْجَكِ وَتُنْصِفِيهِ وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَكِ لِتَعَذُّرِ الْأَحْكَامِ وَالْإِنْصَافِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ حَسَنًا فِي هَذَا، وَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ الْآخَرُونَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَقْدِرُ عَلَى مُحَاكَمَتِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ، فَيُؤْمَرُ بِإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ حَتَّى إذَا لَمْ تُمْكِنْهُ الْمُحَاكَمَةُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُ حَالَةٌ تُنْصِفُهُ وَلَمْ تُجِبْهُ هِيَ إلَى الْإِنْصَافِ فَاسْتَحْسَنَ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا، قَالَ وَكَذَلِكَ الْهَارِبَةُ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ مِثْلُ النَّاشِزِ، وَأَمَّا إلَى مَوْضِعٍ مَجْهُولٍ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، انْتَهَى مِنْ تَرْجَمَةِ الْحَضَانَةِ وَالنَّفَقَاتِ مِنْ إرْخَاءِ السُّتُورِ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: الْهَارِبَةُ مِنْ زَوْجِهَا إلَى وَلِيِّهَا أَنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يَرُدَّهَا، انْتَهَى مِنْ الْأَجْوِبَةِ، وَمِنْ كِتَابِ الْفُصُولِ سُقُوطُ نَفَقَتِهَا مُدَّةَ هُرُوبِهَا وَمَا تَرَكَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ فَمَا لَهُ غَلَّةٌ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ أَيْضًا فِي بَابِ سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ تَسْكُنُ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ أَنَّهَا لَا كِرَاءَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا هَرَبَتْ مِنْهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَطْلُبَهُ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقٌّ لَهَا فَتَرَكَتْهُ وَسَكَنَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَمَّا الَّتِي هَرَبَتْ مِنْهُ فَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُرْجِعَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَيَرُدَّهَا إلَى بَيْتِهَا، فَحُكْمُ النَّفَقَةِ قَائِمٌ عَلَيْهِ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هَرَبَتْ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى رَدِّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَيَسْتَوِي حُكْمُ ذَلِكَ وَحُكْمُ السُّكْنَى، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ وَسَكَنَتْ فِي مَوْضِعٍ، فَلَا كِرَاءَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا غَلَبَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَخَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ وَأَرْسَلَ إلَيْهَا فَلَمْ تَرْجِعْ وَامْتَنَعَ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا حَتَّى تَرْجِعَ فَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَهَا وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ وَتُغَرِّمُهُ، قَالَ: وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ مَسْكَنِهِ وَسَكَنَتْ سِوَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاءٌ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَذَلِكَ لَا يُشْبِهُ النَّفَقَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا نَفَقَةَ لِلنَّاشِزِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ، وَهَذَا فِي بَلَدٍ لَا حُكْمَ فِيهِ، وَأَمَّا بَلَدٌ فِيهِ الْحُكْمُ فَيُنْفِقُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ لَمْ يَرْفَعْهَا فَقَدْ رَضِيَ، قَالَ: وَالنُّشُوزُ أَنْ تَخْرُجَ إلَى بَيْتِ أَوْلِيَائِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الْوَطْءِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِلَا خِلَافٍ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلنَّاشِزِ الْحَامِلِ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ لَا لِأَجْلِهَا ص (وَإِنْ بَانَتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ

الْبَيْنُونَةَ مُسْقِطَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مِنْ الْحَاكِمِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ طَلَاقَ الْحَاكِمِ بَائِنٌ إلَّا لِلْإِيلَاءِ وَلِلْعُسْرِ بِالنَّفَقَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي فَصْلِ النَّفَقَاتِ (مَسْأَلَةٌ) وَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا فِي أَيَّامِ عِدَّتِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَكَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ ارْتِجَاعَهَا فِيهِ، سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ السُّلْطَانُ بِإِيلَاءٍ أَوْ عَدَمِ نَفَقَةٍ إذَا أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُولِي أَيَّامَ الْعِدَّةِ وَلِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ رَجْعَتَهُ لَا تَصِحُّ بِالْقَوْلِ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ الْفِعْلُ، وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُبَارَأَةُ وَالْمُخْتَلِعَةُ وَكُلُّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَكُلُّ مُطَلَّقَةٍ لَهَا السُّكْنَى، وَكُلُّ بَائِنَةٍ بِطَلَاقِ بَتَاتٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ مُبَارَأَةٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَهَا السُّكْنَى، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ إلَّا فِي الْحَمْلِ الْبَيِّنِ، فَذَلِكَ لَهَا مَا أَقَامَتْ حَامِلًا مَا خَلَا الْمُلَاعِنَةَ، فَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ يَعْنِي الْمَفْسُوخَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَكُلُّ طَلَاقٍ فِيهِ رَجْعَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْمُولِي إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فُرْقَةَ الْإِمَامِ فِيهَا غَيْرُ بَائِنٍ وَهُمَا يَتَوَارَثَانِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ، وَتَجِبُ السُّكْنَى فِي فَسْخِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ كَانَتْ حَامِلًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ وَتَعْتَدُّ فِيهِ حَيْثُ كَانَتْ تَسْكُنُ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا كِسْوَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَذَلِكَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْمُولِي إذَا طُلِّقَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ تَرْتَجِعْ.؟ فَعَلَى مَا نَصَّ هُنَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ، ثُمَّ قَالَ فَانْظُرْ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مَسْأَلَةَ النَّصْرَانِيَّةِ تُسْلِمُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ خِلَافُهُ صَحَّ مِنْ جَامِع الطُّرَرِ اللَّخْمِيُّ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ مَنْ أَحْفَظُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الَّتِي تَمْلِكُ رَجْعَتَهَا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ إذْ أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْأَزْوَاجِ فِي عَامَّةِ أُمُورِهَا، وَقَوْلُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الشَّيْخُ هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا مَا يُفْسَخُ قَبْلُ وَيَثْبُتُ بَعْدُ فَلَا، انْتَهَى. ص (وَاسْتَمَرَّ إنْ مَاتَ لَا إنْ مَاتَتْ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ: وَتَقَدَّمَ لِلشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عِيسَى أَفْتَى فِي مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا بَائِنًا أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا مَا دَامَ الْوَلَدُ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فِي بَطْنِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَوَقَعَتْ وَحَكَمَ فِيهَا الْقَاضِي ابْنُ الْخَرَّازِ بِالنَّفَقَةِ وَأَفْتَى فِيهِ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى طَالَ عَلَى زَوْجِهَا الْإِنْفَاقُ، فَاسْتَشَارَنِي فِي ذَلِكَ فَأَفْتَيْتُهُ بِالسُّقُوطِ إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَطْنَهَا صَارَ لَهُ كَفَنًا، وَإِنَّمَا النَّفَقَةُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، فَلَوْ تَرَكَتْ غِذَاءَهَا مَاتَ، فَإِذَا اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهُ مَاتَ فَقَدْ صَارَ لَا غِذَاءَ لَهُ، وَإِنَّمَا صَارَ دَاءً فِي بَطْنِهَا يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ عَنْهَا بِالدَّوَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: وَمِنْ كِتَابِ النَّفَقَاتِ لِابْنِ رَشِيقٍ كَتَبْتُ إلَى الْفَقِيهِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ دَحُونٍ بِقُرْطُبَةَ أَسْئِلَةً عَنْ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلْقَةَ مُبَارَأَةٍ فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْهُ وَثَبَتَ الْحَمْلُ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَلَمْ تَضَعْ فَوَقَفَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالَتْ: إنَّ الْجَنِينَ فِي بَطْنِي وَهُوَ بِهِ مَيِّتٌ، فَكَتَبَ إلَيَّ مُجَاوِبًا: إذَا مَاتَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا كَمَا زَعَمَتْ فَقَدْ انْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ بِسَبَبِ الْجَنِينِ، وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الشِّقَاقِ وَزَادَ قَالَ: وَانْقِضَاءُ عِدَّتِهَا مِنْهُ بِالْوَضْعِ، انْتَهَى. وَقَالَ

الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ مَاتَ فِي بَطْنِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَصَرِيحٌ فِي نَوَازِلِ بَعْضِهِمْ، انْتَهَى. ص (وَرُدَّتْ النَّفَقَةُ كَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ لَا الْكِسْوَةُ بَعْدَ أَشْهُرٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ رُدَّتْ مَبْنِيٌّ لِلْغَائِبِ فَيَتَنَاوَلُ مَوْتَهُ وَمَوْتَهَا، وَالْحُكْمُ فِي رَدِّ النَّفَقَةِ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْكِسْوَةِ عَامٌّ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِمَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ دَفَعَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ أَوْ كِسْوَتَهَا لِفَرِيضَةِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ فَرِيضَتِهِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَلْتُرَدَّ بَقِيَّةُ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ، وَاسْتُحْسِنَ فِي الْكِسْوَةِ أَنْ لَا تُرَدَّ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَشْهُرٍ، وَلَا تُتْبَعُ الْمَرْأَةُ فِيهَا بِشَيْءٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا إنْ مَاتَتْ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِ هَذَا فَهَذَا قَرِيبٌ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ فِي الْكِسْوَةِ: إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَشْهُرٍ هَذَا مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ فِي الْعَوْفِيَّةِ وَاسْتُحْسِنَ فِي الْكِسْوَةِ أَنْ لَا تُرَدَّ إذَا كَانَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: كَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ ظَهَرَ انْفِشَاشُ الْحَمْلِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ وَتَرُدُّهَا، وَسَوَاءٌ أَنْفَقَ الرَّجُلُ مِنْ أَوَّلِ الْحَمْلِ ظَانًّا أَنَّهَا تَلْزَمُهُ أَوْ ظَهَرَ الْحَمْلُ فَأُلْزِمَ الْإِنْفَاقَ، وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَتُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلِذَا رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ لَهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقِيلَ: إنْ أَنْفَقَ بِحُكْمٍ رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَقِيلَ: عَكْسُ الثَّالِثِ، وَنَسَبَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَنَظَرَ فِيهِ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الَّذِي نَسَبَهُ لَهُ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ تَفُوقُ الْعَدَّ، مِنْهَا شُفْعَتُهَا فِي الَّذِي يُثِيبُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَظُنُّ لُزُومَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ صُلْحِهَا فِي الَّذِي يُصَالِحُ عَنْ دِيَةِ الْخَطَإِ ظَانًّا لُزُومَهَا لَهُ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الصَّدَاقِ، وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ النِّكَاحِ، وَمِنْهَا

مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى وَنَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ، وَمِنْهَا مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْمَشَذَّالِيَّ فِي الصُّلْحِ وَسَمَاعَ عِيسَى فِي الْحَجِّ. ص (وَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَ لِلرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْحَمْلِ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ كَذَا قَيَّدَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ إطْلَاقَ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ الْحَمْلُ لِلِعَانٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَمَةٍ) ش: أَيْ لَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ أَمَةٍ يُرِيدُ وَالزَّوْجُ حُرٌّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَا عَلَى عَبْدٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمَانِعُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ كَوْنُ ذَلِكَ رَقِيقًا كَمَا لَوْ وُلِدَ؛ لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ مُوجِبَانِ مِنْ مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ لِشَخْصٍ أَخَذَ نَفَقَةً وَاحِدَةً بِأَقْوَى الْمُوجِبَيْنِ وَسَقَطَ الْمُوجِبُ الْآخَرُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْهَا وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ الْحَامِلِ نَفَقَةٌ عَلَى الزَّوْجِ إذَا طَلَّقَهَا إذْ الْوَلَدُ رِقٌّ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَكَذَلِكَ حُرَّةٌ طَلَّقَهَا عَبْدٌ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لِلْحَامِلِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةٌ لِحَمْلِهَا فِي الْبَائِنِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَمَةً وَالزَّوْجُ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَتِيقٌ بِعِتْقِ أُمِّهِ، وَيَخْتَلِفُ إذَا عَتَقَ الْحَمْلُ وَحْدَهُ، فَعَلَى الْقَوْلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَتِيقًا إلَّا بِالْوَضْعِ تَبْقَى النَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ، وَعَلَى أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْآنِ وَفِيهِ الْغُرَّةُ تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، انْتَهَى مِنْ التَّبْصِرَةِ. وَطَلَاقُ السُّنَّةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا عَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَةً بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ مَا فِي بَطْنِهَا فَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَتَكُونُ بِمَا تَضَعُهُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ عِتْقٌ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُهُ عِتْقُ السَّيِّدِ إذْ لَا يَتِمُّ عِتْقُهُ إلَّا بِالْوَضْعِ، وَلِأَنَّهَا تُبَاعُ فِي فَلَسِهِ وَيَبِيعُهَا وَرَثَتُهُ قَبْلَ الْوَضْعِ إنْ شَاءُوا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا، انْتَهَى. وَلَوْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا؛ فَإِنَّ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا كَانَ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَوَلَاؤُهُ إنْ اسْتَهَلَّ لِأَبِيهِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى عِتْقِ السَّيِّدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا أَجْنَبِيٌّ بَعْدَ عِتْقِ السَّيِّدِ جَنِينَهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ وَيَرُدُّ إنْ فَعَلَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ: وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ عَقْلُ جَنِينِ أَمَةٍ، بِخِلَافِ جَنِينِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا فَتِلْكَ فِي جَنِينِهَا عَقْلُ جَنِينِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ لَا يُعْتَقُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَجَنِينَ أُمِّ الْوَلَدِ حُرٌّ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الظِّهَارِ لِقَوْلِهِ إذَا عَتَقَ الْجَنِينُ لَا يُجْزِئُهُ وَيَعْتِقُ بَعْدَ وَضْعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا أَعْنِي سُقُوطَ نَفَقَةِ الْأَمَةِ الْبَائِنِ الْحَامِلِ عَنْ زَوْجِهَا الْحُرِّ إنَّمَا يَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ مَنْ يَعْتِقُ وَلَدَ الْأَمَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ الْآنَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمُ لُزُومِ النَّفَقَةِ لِحَمْلِ الْأَمَةِ بِكَوْنِ الْوَلَدِ رِقًّا، وَمِنْ بِنَاءِ اللَّخْمِيِّ لُزُومُ النَّفَقَةِ وَعَدَمُ لُزُومِهَا فِيمَا إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْجَنِينَ فَقَطْ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حُرًّا مِنْ الْآنِ، أَوْ إنَّمَا يَكُونُ حُرًّا بَعْدَ وَضْعِهِ أَنَّ النَّفَقَةَ لَازِمَةٌ لِلزَّوْجِ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ لِمَنْ يَعْتِقُ وَلَدَ الزَّوْجِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، قَالَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا وَلَدَتْ قَبْلَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يَبْتَاعَهَا حَامِلًا فَتَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَوْ كَانَتْ لِأَبِيهِ فَابْتَاعَهَا حَامِلًا لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا قَدْ عَتَقَ عَلَى جَدِّهِ، بِخِلَافِ أَمَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ أَرَادَ بَيْعَ أَمَتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَالْأَجْنَبِيُّ لَوْ أَرَادَ بَيْعَ أَمَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا جَازَ ذَلِكَ وَدَخَلَ حَمْلُهَا فِي الْبَيْعِ مَعَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ شِرَاؤُهَا مِنْ وَالِدِهِ، وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا قَدْ عَتَقَ عَلَى جَدِّهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ، وَيُسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ مِنْ ثَمَنِهَا بِمَا اسْتَثْنَى، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا.؟ فَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَكَذَلِكَ لَا يُسْتَثْنَى انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ الْغَيْرِ هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ

لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا اشْتَرَاهَا وَفَاتَ ذَلِكَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ، وَأَمَّا بَدْءًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَاعَهَا عَلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ ابْتَاعَهَا فُسِخَ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ تَضَعَ الْوَلَدَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا عَلَى أَنَّ حَمْلَهَا حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَاتَ بِالْوَضْعِ، وَنَحْوُهُ حَكَى بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ الْقَابِسِيِّ وَكَانَ يَعِيبُ قَوْلَ مَنْ يَجْعَلُهُ خِلَافًا، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ اُنْظُرْ قَوْلَ الْغَيْرِ هُنَا عُلِّلَ بِكَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى (الشَّيْخُ) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ فَفِيهِ تَحْجِيرٌ، وَقَاعِدَتُهُمْ أَنَّهُ مَتَى آلَ الْأَمْرُ إلَى الْفَسَادِ فِي أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى مَنَعُوا، وَكَذَلِكَ إنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْفَسَادِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى، اُنْظُرْ الْأَكْرِيَةَ إذَا بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى، وَإِنْ اسْتَثْنَى رُكُوبَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَجَازَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى فَسَادٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى أَوْ مُسْتَثْنًى، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا الْجَنِينُ لَا يُرَقُّ، وَلَا يَلْحَقُهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ عِتْقُ سُنَّةٍ وَلَيْسَ هُوَ عِتْقَ اقْتِرَابٍ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنْ ابْتَاعَ زَوْجَةَ وَالِدِهِ حَامِلًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأَبِ إذْ لَا يَنْكِحُ أَمَةَ وَلَدِهِ، وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ وَتَبْقَى رَقِيقًا لِلِابْنِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَلَا يَبِيعُهَا حَتَّى تَضَعَ إلَّا أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ فَتُبَاعُ، وَهِيَ حَامِلٌ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى تَضَعَ؛ لِأَنَّهُ عِتْقُ سُنَّةٍ لَا بِاقْتِرَابٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ وَهِيَ أَمَةٌ لِأَبِيهِ، عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ تِلْكَ أَمَةٌ لَا يُرَقُّ حَمْلُهَا، وَلَا يَلْحَقُهُ دَيْنٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى خُلِقَ حُرًّا لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، وَفِي هَذِهِ قَدْ مَسَّهُ الرِّقُّ فِي بَطْنِهَا، وَإِنَّمَا عَتَقَ بِاشْتِرَاءِ الْوَلَدِ بِأُمِّهِ فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ الْمُبْتَدَأَ، وَغَيْرُهُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ عِتْقٌ بِسُنَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَى الْحُكْمُ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ جَمِيعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا عَلَى عَبْدٍ) ش: أَيْ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِمُطَلَّقَتِهِ الْبَائِنِ الْحَامِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا عَلَى عَبْدِ الْحَمْلِ أَوْ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لَوْ كَانَ لِلْعَبْدِ وَلَدٌ مِنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِ سَيِّدِهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا؛ فَإِنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ قَبْلَ وَضْعِهَا فَيُنْفِقُ عَلَى الْحُرَّةِ مِنْ يَوْمِئِذٍ

فرع أنفق على ولد رجل غائب موسر وخاف ضيعته

وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلَا إلَّا أَنْ تُعْتَقَ هِيَ أَيْضًا فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي حَمْلِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَلَدُهُ، انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: يَوْمِئِذٍ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهَا إذَا عَتَقَ نَفَقَةَ أَوَّلِ الْحَمْلِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي بَقِيَّةِ حَمْلِهَا، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (غَيْرُ سَرَفٍ) ش: نَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إذَا وَجَبَ لَهَا الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا وَوَجَبَ لِلْأَجْنَبِيِّ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ فَإِنَّمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْمُعْتَادِ فِي حَقِّ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَا كَانَ سَرَفًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُنْفِقُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَصْدِ الْمُنْفَقِ بِهِ الْعَطِيَّةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ التَّوْسِعَةَ فِي زَمَنِهَا كَالْأَعْيَادِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ. ص (وَعَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلِمَهُ الْمُنْفِقُ وَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ) ش وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْيَتِيمِ تَحْتَ يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَتَرَكَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُسَلِّفَ الْأَيْتَامَ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ لَهُمْ يَوْمَ السَّلَفِ عَرَضٌ أَوْ عَقَارٌ ثُمَّ يَبِيعُ وَيَسْتَوْفِي، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ذَكَرَ هُنَا الْعَقَارَ وَالْعَرْضَ وَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَلِلْيَتِيمِ مَالٌ ظَاهِرُهُ كَانَ عَيْنًا أَمْ لَا، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْيَتِيمِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُمْ أَمْوَالُ عُرُوضٍ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ حَيْثُ ذَكَرَهُ عَلَى الْعُرُوضِ كَمَا قَالَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَاضٌّ، فَلَا فَائِدَةَ فِي السَّلَفِ، وَانْظُرْ عَلَى هَذَا لَوْ سَلَّفَهُ وَلَهُ نَاضٌّ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا.؟ ، قَالَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بِيَدِهِ نَاضٌّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَسَلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، قَالَ فِي الْمَحَلِّ: وَلَوْ أَسْلَفَهُ وَلِلْيَتِيمِ نَاضٌّ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَتِيمَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى سَلَفِهِ، وَهُوَ فِي نَفَقَتِهِ عَلَى الْيَتِيمِ حِينَئِذٍ مُتَطَوِّعٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ وَقَالَ: الْوَصِيُّ أَنَا أُسَلِّفُهُ؛ فَإِنْ أَفَادَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ أَفَادَ الْيَتِيمُ مَالًا اهـ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ لَهُ اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَفَادَ الْيَتِيمُ عَلِمَهُ الْمُنْفِقُ أَمْ لَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ الَّذِي عَلِمَ الْمُنْفِقُ وَكَبُرَ الصَّبِيُّ فَأَفَادَ مَالًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِ رَجُلٍ غَائِبٍ مُوسِرٍ وَخَافَ ضَيْعَتَهُ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) مَنْ أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِ رَجُلٍ غَائِبٍ مُوسِرٍ وَخَافَ ضَيْعَتَهُ؛ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَبَ بِمَا أَنْفَقَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِبْهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ لَمَّا كَانَ نَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةً عَلَى الْأَبِ، كَمَنْ قَضَى عَنْ رَجُلٍ دَيْنًا عَلَى أَنْ يَتْبَعَهُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِهَا اهـ مِنْ بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ الطِّرَازِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ غَابَ أَوْ فُقِدَ فَأَنْفَقَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ فَقَدِمَ أَوْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا لَمْ يَتْبَعْهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَلَا وَلَدَهُ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَا لَهُ مَالٌ فَهُوَ كَالْيَتِيمِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ احْتِسَابًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ ذِمَّةً بِدَيْنٍ إلَّا بِرِضَاهُ، إذْ لَيْسَ مِمَّنْ يُجَوِّزُ عَلَى نَفْسِهِ رِضَاهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَلِلْمُنْفِقِ عَلَيْهِ

الرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا إنْ كَانَتْ لَهُ بِالنَّفَقَةِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ فِي أَمْوَالِهِمَا لَا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ وَيُسْرِ أَبِي الْوَلَدِ كَمَالِهِ، وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ وَهُوَ يَعْلَمُ مَالَ الْيَتِيمِ أَوْ يُسْرَ الْأَبِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا ظَانًّا أَنَّهُ لَا مَالَ لِلْيَتِيمِ وَلَا لِلِابْنِ وَلَا لِأَبِيهِ ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْهَا. (قُلْت:) الْأَوَّلُ ظَاهِرُ قَوْلِهَا فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَلَا يَتْبَعُ الْيَتِيمَ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيُسَلِّفُهُ حَتَّى يَبِيعَ عُرُوضَهُ؛ فَإِنْ قَضَى ذَلِكَ عَمَّا أَسَلَفَهُ لَمْ يَتْبَعْ بِالتَّالِفِ وَكَذَا اللَّقِيطُ. (الثَّانِي) ظَاهِرُ قَوْلِهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ حِينَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِيمَا لَهُ ذَلِكَ، وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْهَا وَالْأَوْلَى تَقْيِيدُ مُطْلَقِهَا بِمُقَيِّدِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ: وَمَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَأَتَى رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا أَنْفَقَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا حِينَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، هَذَا إنْ تَعَمَّدَ الْأَبُ طَرْحَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ طَرَحَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَبِيٍّ صَغِيرٍ ضَلَّ عَنْ وَالِدِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ: فَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ بِشَيْءٍ، فَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي وَصِيٍّ عَلَى يَتِيمَةٍ أَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَلَا يَدَّعِي هُوَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا شَيْئًا فَتَمُوتُ فَتَطْلُبُ الْيَتِيمَةُ الذَّهَبَ فَيَدَّعِي وَرَثَتُهُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا حَضَانَةً وَيُثْبِتُونَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَضَانَتِهِ مُدَّةَ نَظَرِهِ، فَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُحَاسِبُوهَا أَمْ لَا.؟ فَأَجَابَ أَشْهَادُ الْوَصِيِّ لَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ بِالْعِشْرِينَ مِثْقَالًا يُوجِبُهَا لَهَا وَيُبْطِلُ دَعْوَى الْوَرَثَةِ عَلَيْهَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَثْبَتُوهُ، وَلَا يُحَاسِبُوهَا بِشَيْءٍ اهـ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا كَانَ لِلْأَوْلَادِ مَالٌ، فَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَتُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُمْ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا؛ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَأَبْقَى مَالَهُمْ عَلَى حَالِهِ حَتَّى مَاتَ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ مُحَاسَبَتَهُمْ بِالنَّفَقَةِ؛ فَإِنْ قَالَ الْأَبُ: حَاسِبُوا وَالِدَيَّ فَعَلَى مَا قَالَ أَيُّ نَوْعٍ كَانَ الْمَالُ، وَإِنْ قَالَ: لَا تُحَاسِبُوهُ فَكَذَلِكَ، وَلَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْآبَاءَ يُنْفِقُونَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ أَمْوَالٌ، وَإِنْ سَكَتَ الْأَبُ؛ فَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ لَمْ يُحَاسَبْ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَتَبَ وَكَانَ الْمَالُ عَيْنًا، فَلَا يُحَاسَبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْفَقَ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ كَتْبُهُ عَلَى الِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا حُوسِبَ بِذَلِكَ، قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ؛ فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَوَرِثَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَبُ مُقِلًّا مَأْمُونًا صَدَقَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا حَلَفَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الْإِنْفَاقِ، وَإِنْ أَشْهَدَ فَلَا يَمِينَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهَا قَالَ سَحْنُونٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فَالرَّجُلُ يُنْفِقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُمْ مَالٌ قَدْ وَرِثُوهُ مِنْ أُمِّهِمْ فَكَتَبَ عَلَيْهِمْ مَا أَنْفَقَ فَلَمَّا هَلَكَ أَرَادَ سَائِرُهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنْ يُحَاسِبُوهُ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالْكَتْبِ، قَالَ: إنْ كَانَ مَالُهُمْ عِنْدَهُ مَوْضُوعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ غُرْمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، وَمِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُنْفِقَ الرَّجُلُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُمْ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ رَأَيْتُ أَنْ يُحَاسِبُوهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَوْضُوعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَتَبَهُ يُرِيدُ أَنْ يَلْزَمَهُمْ أَوْ يَتْرُكَهُ فَتَرَكَهُ، وَأَمَّا الَّذِي كَانَ فِي الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ؛ فَإِنَّمَا يَرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ بَيْعُهُ وَكِتَابُهُ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَتَفَرَّعُ إلَى وُجُوهٍ وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ، وَفِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا مَا يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الظَّاهِرِ، فَكَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي

هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الِابْنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا قَائِمًا فِي يَدِ الْأَبِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَرْضًا قَائِمًا بِيَدِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ وَحَصَلَ فِي ذِمَّتِهِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى يَدِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمًا فِي يَدِهِ وَأُلْفِيَ عَلَى حَالِهِ فِي تَرِكَتِهِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْ؛ فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ، وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ عَرْضًا بِعَيْنِهِ أُلْفِيَ فِي تَرِكَتِهِ، فَلَا يَخْلُو أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا؛ فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا حُوسِبَ بِهَا الِابْنُ، وَإِنْ أَوْصَى الْأَبُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَتَبَهَا عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا فَوَصِيَّتُهُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ: إنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ عَرْضًا لَمْ تَجُزْ وَصِيَّةُ الْأَبِ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ حُوسِبَ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى الْأَبُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَحَصَلَ فِي ذِمَّتِهِ؛ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِذَلِكَ كَتَبَهَا الْأَبُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ بَعْدَ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ لِابْنِهِ بِذَلِكَ ذِكْرَ حَقٍّ أَشْهَدَ لَهُ بِهِ، فَلَا يُحَاسَبُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ. وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ قَبَضَ الْمَالَ، وَلَا كَانَ بِيَدِهِ بَعْدُ فَسَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا هُوَ بِمَنْزِلَةِ إذَا كَانَ عَرْضًا بِيَدِهِ، وَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَمَا فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَرَسْمٍ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَصِلْ إلَى يَدِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَمَوْتِ الِابْنِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ مُحَاسَبَتِهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ، وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْخَامِسِ، قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ كَانَ الْمُنْفِقُ وَصِيًّا مِنْ أَبٍ أَوْ قَاضٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا أَنْفَقَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ دُونَ يَمِينٍ، وَلَا إثْبَاتَ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْإِنْفَاقِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَصِيٍّ، فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ حَضَانَتِهِ لَهُ وَكَفَالَتِهِ وَيَمِينِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُشْهِدَ أَنَّ إنْفَاقَهُ إنَّمَا هُوَ لَيَرْجِعَ بِهِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُشْهِدَ اهـ. ص (لَا إنْ عَلِمَتْ فَقْرَهُ أَوْ أَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ) ش: وَهِيَ مَحْمُولَةٌ فِي غَيْرِ السَّائِلِ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ، وَفِي السَّائِلِ عَلَى الْعِلْمِ لِظُهُورِ حَالِهِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. ص (إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ) ش: يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَتْهُ وَهُوَ مِنْ السُّؤَالِ ثُمَّ تَرَكَ السُّؤَالَ فَعَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ فَلَهَا طَلَبُهُ. ص (وَإِلَّا تَلُومُ بِالِاجْتِهَادِ) ش: أَيْ، وَإِنْ أَثْبَتَ عُسْرَهُ تَلَوَّمَ لَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّجُلِ إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى عُسْرِهِ إذْ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِعْسَارِ وَالْيَمِينِ ثُمَّ يَتَلَوَّمُ لَهُ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ، وَقِيلَ: يُطَلِّقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ. اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ التَّلَوُّمِ فَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُضِرُّ بِهَا الْجُوعُ، وَلِمَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالرَّجَاءِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِيهَا: وَيَخْتَلِفُ التَّلَوُّمُ فِيمَنْ يُرْجَى لَهُ، وَفِيمَنْ لَا يُرْجَى لَهُ اهـ مُخْتَصَرًا.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ قَوْلُهُ: وَإِلًّا تَلَوَّمَ، أَيْ وَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الطَّلَاقِ تَلَوَّمَ لَهُ الْحَاكِمُ: لَا يَصْلُحُ لِتَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَالطَّلَاقِ فَتَارَةً يُقِرُّ بِالْمَلَأِ وَتَارَةً يَدَّعِي الْعُسْرَ؛ فَإِنْ ادَّعَى الْعُسْرَ تُلُوِّمَ لَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَلَأِ فَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يُنْفِقَ، وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ أُخِذَتْ النَّفَقَةُ مِنْهُ كَرْهًا، وَنَصَّهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ: إنْ ادَّعَى الْعَدَمَ وَصَدَّقَتْهُ نُظِرَ فِي تَأْجِيلِهِ، وَإِنْ أَكْذَبَتْهُ فَبَعْدَ إثْبَاتِ عَدَمِهِ وَحَلِفِهِ. (قُلْت) مَا فَائِدَةُ إثْبَاتِ عَدَمِهِ إذَا ادَّعَاهُ وَأَكْذَبَتْهُ هَلْ هِيَ تَأْجِيلُهُ حَاكِمَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمِلْئِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ لَجَعَلَ لَهَا الطَّلَاقَ، أَوْ هِيَ عَدَمُ سَجْنِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ مِلْؤُهُ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ سُجِنَ حَتَّى يُنْفِقَ وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ أُخِذَتْ مِنْهُ النَّفَقَةُ كَرْهًا.؟ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَثَّقِينَ اهـ. ص (وَإِنْ غَائِبًا) ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْغَائِبِ فِي الطَّلَاقِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ كَحُكْمِ الْحَاضِرِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ لَا يُطَلِّقُ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ حُجَّتَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ الزَّوْجِيَّةُ وَأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا أَوْ دَعَا إلَى الدُّخُولِ، وَالْغَيْبَةُ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ أَوْ عُلِمَ وَلَمْ يُمْكِنْ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ عُلِمَ وَأَمْكَنَ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يُعْذِرُ إلَيْهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَشْهَدَ لَهَا الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كِسْوَةً، وَلَا شَيْئًا يُعْدَى فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ مُؤْنَتِهَا، وَلَا أَنَّهُ بَعَثَ إلَيْهَا بِشَيْءٍ وَصَلَ إلَيْهَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى هَذَا الْحِينِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَضْرِبُ لَهَا أَجَلًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ يُحَلِّفُهَا عَلَى مَا شَهِدَتْ لَهَا الْبَيِّنَةُ، وَحِينَئِذٍ إنْ دَعَتْ إلَى الطَّلَاقِ طَلَّقَهَا هُوَ أَوْ أَبَاحَ لَهَا التَّطْلِيقَ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَنَصُّهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ تَثْبُتُ غَيْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ تُعَرِّفُ غَيْبَتَهُ وَاتِّصَالَ زَوْجِيَّتِهِمَا وَغَيْبَتَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ أَوْ قَبْلَهُ بِمَوْضِعِ كَذَا أَوْ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ مُنْذُ كَذَا، وَلَا يَعْلَمُونَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كِسْوَةً، وَلَا شَيْئًا تَعُولُ بِهِ نَفْسَهَا، وَلَا تُعْدَى فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ مُؤْنَتِهَا، وَلَا أَنَّهُ آبَ إلَيْهَا، وَلَا بَعَثَ بِشَيْءٍ وَرَدَّ عَلَيْهَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى حِينِ التَّارِيخِ، ثُمَّ يُؤَجِّلُهُ الْقَاضِي فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَإِذَا انْقَضَى، وَلَا قَدِمَ، وَلَا بَعَثَ بِشَيْءٍ، وَلَا ظَهَرَ لَهُ مَالٌ وَدَعَتْ إلَى النَّظَرِ لَهَا أَمَرَ بِتَحْلِيفِهَا بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ، كَمَا تَجِبُ فِي صِفَةِ الْحَلِفِ أَنَّهُ مَا رَجَعَ إلَيْهَا زَوْجُهَا الْمَذْكُورُ مِنْ مَغِيبِهِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَى حِينِ حَلِفِهَا، وَلَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كِسْوَةً، وَلَا وَضَعَتْ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَا وَصَلَ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهُ إلَى الْآنِ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي حَلِفُهَا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ. (قُلْتُ) وَلِابْنِ سَهْلٍ فِي بِكْرٍ قَامَ أَبُوهَا بِتَوْكِيلِهَا إيَّاهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَاتٍ أَنَّهَا تَحْلِفُ، فَإِذَا حَلَفَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَأَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى أَبِيهَا وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، وَأَفْتَى ابْنُ رَشِيقٍ فَقِيهُ الْمِرْيَةِ بِحَلِفِهَا وَزَادَ فِيهِ إنَّ زَوْجِيَّتَهُمَا لَا تَنْقَطِعُ، ابْنُ سَهْلٍ زِيَادَةُ هَذَا فِي يَمِينِهَا لَا أَعْلَمُهُ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى أَبِيهَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّفِيهَ يَحْلِفُ فِي حَقِّهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، حُكْمُ الْغَائِبِ وَلَا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ حُكْمُ الْعَاجِزِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ الْبَعِيدَ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُهَا الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ الْعَاجِزِ. (قُلْت) قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ مَشَقَّةٍ خِلَافُ ظَاهِرِ أَقْوَالِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لَهَا بِطَلَاقِهَا إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِحَالٍ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ، وَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ سَهْلٍ فِي فَتَاوِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: طَلَّقَتْ نَفْسَهَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُتَيْطِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: طَلَّقَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا أَنَّهُ يُطَلَّقُ عَلَى الْغَائِبِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْبَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَقَدْ جَلَبَ الْبُرْزُلِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ فَانْظُرْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل النَّفَقَاتِ فِي بَابِ الْمَفْقُودِ مَا يُقَوِّي ذَلِكَ، فَلَا يَتَمَسَّكُ بِمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ

التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَقُمْ لِلزَّوْجَةِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ لَهَا الْقَاضِي، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ خِلَافَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ اللَّخْمِيّ عَمَّنْ شَهِدَ لَهَا نَحْوُ الْعِشْرِينَ أَوْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ أَنَّ زَوْجَهَا فُلَانٌ، وَقَدْ غَابَ لِنَاحِيَةِ سِجِلْمَاسَةَ وَيَخَافُ ضَيَاعَهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَالٌ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَشْهَدُ بِنِكَاحِهِمَا إلَّا مَنْ تَقَدَّمَ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ عَدْلٌ، وَهِيَ تُحِبُّ الْفِرَاقَ، فَهَلْ يَثْبُتُ بِهِ الزَّوْجِيَّةُ وَيَجِبُ الْفِرَاقُ.؟ وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ وَاحِدًا.؟ وَلَوْ كَانَتْ مَدِينَةٌ فِيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَثِيرٌ أَوْ الْوَاحِدُ خَاصَّةً أَوْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ، وَفِي شَهَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ، وَفِي انْتِقَالِ أَمْلَاكِ الرِّبَاعِ وَبَيْعِهَا عَلَى مَنْ يَجِبُ بَيْعُهَا عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ.؟ فَأَجَابَ لِلْمَرْأَةِ الْقِيَامُ بِالطَّلَاقِ بِمَنْ ذَكَرَتْهُ، وَلَوْ عَدِمَتْ الْبَيِّنَةَ وَمَنْ يَشْهَدُ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَأَقَرَّتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا لَكَشَفَ الْقَاضِي عَنْهُ بِقَوْلِهَا وَسُئِلَ عَنْ هَذَا الِاسْمِ فِي الْبَلَدِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ حَكَمَ لَهَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ تَحْلِيفِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ نَفَقَةٌ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ مَتَى جَاءَ وَأَقَرَّ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجِيَّةَ لَمْ يَضُرَّهُ مَا وَقَعَ وَيَكْتُبُ فِي الْحُكْمِ: رَفَعَتْ إلَيَّ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ وَأَقَرَّتْ بِالزَّوْجِيَّةِ لِفُلَانٍ فَكَشَفْت عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ فَحَلَّفْتُهَا وَحَكَمْت بِالطَّلَاقِ إنْ ثَبَتَ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَوْجٌ لَهَا، وَالْمُدُنُ وَالْقُرَى فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَشَهَادَةُ مَنْ ذَكَرَتْ بِأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا مَاضِيَةٌ وَلِلْقَاضِي تَزْوِيجُهَا، وَالْأَمْرُ فِيهِ خَفِيفٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَلِيُّهَا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ إذَا زَوَّجَ الثَّيِّبِ مَضَى، وَالْبِكْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ تُزَوَّجُ وَمِثْلُهُ لَا يَخْفَى، وَأَمَّا شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ فِي الرِّبَاعِ، فَلَا أَتَقَلَّدُ فِيهَا شَيْئًا، وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْهَا غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ أُجِبْ بِشَيْءٍ وَالضَّرُورَةُ لَهَا حُكْمٌ، وَقَوْلُ غَيْرِ الْعُدُولِ كَلَا شَيْءٍ، وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ الْمَرْأَةِ تَأْتِي وَتَذْكُرُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ لِابْنَتِهَا، وَقَدْ غَابَ وَلَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يَعُدُّونَ فِيهِ بِالنَّفَقَةِ. وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهَا، وَتُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ فَتَعْجَزُ عَنْ إثْبَاتِهِ، وَرُبَّمَا ذَكَرَتْ غَرِيبًا أَيْ أَنَّ الزَّوْجَ غَرِيبٌ، وَرُبَّمَا أَتَتْ بِبَيِّنَةِ غَيْرِ ثِقَاتٍ مِنْ سُوقَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَفْتَيْتُ بِإِعْمَالِ هَؤُلَاءِ فَهَلْ أُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ أَوْ أَقُولُ ثَبَتَ عِنْدِي مَا أَوْجَبَ الْفِرَاقَ أَوْ قَبُولَ قَوْلِهَا، وَرُبَّمَا لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَوْكِيلِ الْأُمِّ بَيِّنَةٌ إلَّا بِقَوْلِهَا، فَأَجَابَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعْرُوفًا وَلَمْ تَعْرِفْ غَيْبَتَهُ كَلَّفَ الْقَاضِي رَجُلَيْنِ يَكْشِفَانِ عَنْهُ وَسُئِلَ جِيرَانُهُ وَمَنْ يُخَالِطُهُ أَوْ أَقَارِبُهُ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي غَابَ إلَيْهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَيْثُ تَوَجَّهَ حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِشَيْءٍ حَلَفَتْ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ سِوَى مَا اعْتَرَفَتْ بِهِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ قِبَلِهِ وَطَلَّقَ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ سُئِلَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ صَنْعَتِهِ وَمَنْ يَعْرِفُهُ فَيُسْأَلُونَ نَحْوَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ، وَلَا مَنْ يُخَالِطُهُ كَشَفَ الْعَدْلَانِ عَنْ ذَلِكَ الِاسْمِ وَعَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ هَلْ هِيَ بِالْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ طَلَّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِ الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ، وَيَذْكُرُ الْقَاضِي فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ أَنَّهُ رَفَعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْمَرْأَةُ، وَيَذْكُرُ أَمْرَهَا، وَذَكَرَتْ أَنَّ لَهَا زَوْجًا اسْمُهُ وَصِفَتُهُ كَذَا، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ وَأَنَّهُ خَلَفَهَا عَلَى عَدَمِ النَّفَقَةِ وَطَلَّقَ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ أَتَى الرَّجُلُ وَاعْتَرَفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَوْقِعَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ، وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ امْرَأَةٍ طَارِئَةٍ مِنْ الْمَغْرِبِ تَذْكُرُ أَنَّ زَوْجَهَا تَخَلَّفَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى بِجَّايَةَ وَأَرَادَتْ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ وَتَأْتِي بِشُهُودِ صَحِبَتْهَا لَا يُعْرَفُونَ فَأَجَابَ لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَى زَوْجِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِالْفِرَاقِ الْآنَ لِاعْتِرَافِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَادَّعَتْ غَيْبَتَهُ فَصَارَتْ مُقِرَّةً بِالْعِصْمَةِ مُدَّعِيَةً مَا يُوجِبُ زَوَالَهَا. وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى لَا تُؤْخَذُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّتْ، وَقَدْ زَعَمَتْ وَجْهًا يُوجِبُ الْفِرَاقَ فَوْرًا؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ فَارَقَهَا قَبْلَ وُصُولِهِ بِجَّايَةَ، وَمِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا أَخَذَ طَرِيقًا آخَرَ قَادِمًا لِهَذَا الْبَلَدِ طَالِبًا لِزَوْجَتِهِ، وَقَدْ عَاقَهُ عَائِقٌ عَنْ الْوُصُولِ فَالْوَاجِبُ تَسْمِيَتُهُ وَالْبَحْثُ عَنْ اسْمِهِ الَّذِي تَذْكُرُ فِي الْمَوَاضِعِ الْقَرِيبَةِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُرْبِ لِيُعْذَرَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْهُ

فَيَنْظُرُ حِينَئِذٍ بِالْفِرَاقِ مِنْهُ بِالْوَاجِبِ، وَالشُّهُودُ غَيْرُ الْمَقْبُولِينَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ. وَالْقَوْلُ عَلَى إقْرَارِهَا، وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَذْهَبَيْنِ. (قُلْت) الْأَصْلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ تَبْعِيضُ الدَّعْوَى وَإِجْمَالُهَا فَابْنُ الْقَاسِمِ يُبَعِّضُ الدَّعْوَى فَيُصَيِّرُهُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا وَأَشْهَبُ لَا يُؤَاخِذُهُ وَلَا بِجُمْلَةِ كَلَامِهِ، وَسُئِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ الْمَدِينَةَ مَعَ الْحَاجِّ وَتَقُولُ خِفْت الْعَنَتَ وَأَرَدْتُ التَّزْوِيجَ، وَلَا يُعْلَمُ هَلْ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا إلَّا مِنْ قَوْلِهَا، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْقَدْرِ وَالْأَوْلِيَاءِ هَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ أَمْ لَا.؟ فَأَجَابَ تُزَوَّجُ، وَلَا تُطْلَبُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا إذَا كَانَتْ غَرِيبَةً بَعِيدَةَ الْوَطَنِ، وَأُحِبُّ السُّؤَالَ لِأَهْلِ مَعْرِفَتِهَا وَبَلَدِهَا مِمَّنْ مَعَهَا فِي الرُّفْقَةِ سُؤَالًا مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ شَهَادَةٍ، فَإِنْ اسْتَرَابَ تَرَكَ تَزْوِيجَهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ كَمَنْ مَكَانُهَا قَرِيبٌ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَا يُتَّقَى مِنْ زَوْجٍ يَكُونُ لَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُ قَوْلِهَا لَمْ يُزَوِّجْهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ: الرَّجُلُ يَأْتِي بِامْرَأَةٍ وَمَعَهُ صَدَاقٌ فَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّدَاقِ أَنَّهُ حَقٌّ قِبَلِي لِزَوْجَتِي هَذِهِ، وَقَدْ ضَاعَ صَدَاقُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَلْيُشْهِدْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَيْ لَا يَكُونَ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغُرَبَاءِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ الْوَاضِحَةِ، وَقَالَ فِيهَا: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقُومُ مَعَ الْحَاجِّ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَيْسَتْ هَذِهِ كَالْحَضَرِيَّةِ، وَلَا الَّتِي مَكَانُهَا قَرِيبٌ، انْتَهَى. وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ قَالَ الْغَرْنَاطِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي تَجْدِيدِ الصَّدَاقِ: يَذْكُرُ إشْهَادَ الزَّوْجِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ زَوْجَتَهُ ذَكَرَتْ لَهُ تَلَفَ صَدَاقِهَا وَسَأَلَتْهُ تَجْدِيدَهُ وَأَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِقْرَارُهُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ وَتَضْمَنُهُ مَعْرِفَةُ الزَّوْجِيَّةِ وَاتِّصَالُهَا إلَى حِينِ الْإِشْهَادِ فِي غَيْرِ الْغَرِيبِينَ، وَيَذْكُرُ إشْهَادَ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي التَّالِفِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ. وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ بَلَدًا، وَلَا يُدْرَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ قَدِمَتْ، وَلَا مَنْ هِيَ، وَتَطْلُبُ التَّزْوِيجَ فَهَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ إثْبَاتٍ مُوجِبٍ.؟ وَكَذَا لَوْ زَعَمَتْ أَنَّهُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا.؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا كَتَبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَتَعَذَّرُ وُصُولُ الْجَوَابِ أَوْ يَكُونُ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ طَوِيلَةٍ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تُرِيدُهُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهَا، وَسُئِلَ الصَّائِغُ عَنْ طَارِئَةٍ عَلَى بَلَدٍ تَأْتِي لِقَاضِيهِ فَتَذْكُرُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا غَابَ عَنْهَا فِي بَلَدِهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَأَخْرَجَتْ صَدَاقَهَا مَجْهُولَ الشُّهُودِ وَاسْمَ زَوْجٍ مَجْهُولٍ، وَلَا يَعْرِفُ صِدْقَهَا مِنْ كَذِبِهَا، وَقَدْ شَكَتْ الضَّيْعَةَ وَأَنَّهَا إنْ بَقِيَتْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَحَالُهَا الْفَقْرُ فَهَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ.؟ جَوَابُهَا لِلْمَازِرِيِّ كَذَا فِي هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي اخْتَصَرْت مِنْهُ قَالَ: يَنْظُرُ فِي حَالِهَا وَيَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَتَلَوَّمُ حَتَّى يُؤْنِسَ مَعْرِفَةَ صِدْقِهَا أَوْ كَذِبِهَا مِنْ حَالِ الزَّوْجِ وَمَكَانِهِ وَلَا مَالَ لَهُ، أَوْ يَثْبُتُ كَوْنُهَا طَارِئَةً مِنْ مَكَان بَعِيدٍ يَتَعَذَّرُ كَشْفُ حَالِ زَوْجِهَا فَتَحْلِفُ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ فِي هَذَا، وَعَلَى صِدْقِهَا مِمَّا ذَكَرَتْ وَيُوقِعُ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ لِي، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ فِي الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطِ صِدْقِ الْمُدَّعِي مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ فِي الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى لِابْنِ عَبْدِ النُّورِ، قَالَ: سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ طَارِئَةٍ عَلَى بَلَدٍ قَامَتْ عَلَى قَاضِيهِ فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا غَابَ عَنْهَا فِي بَلَدِهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، وَلَا يَعْلَمُ صِدْقَهَا مِنْ كَذِبِهَا، وَشَكَتْ الضَّيْعَةَ فَمَا تَرَى فِي أَمْرِهَا هَلْ تَطْلُقُ وَتُزَوَّجُ أَمْ لَا.؟ فَأَجَابَ تَثَبَّتَ فِي أَمْرِهَا حَتَّى يُؤَيِّسَ مِنْ الْعُثُورِ عَلَى صِدْقِهَا مِنْ كَذِبِهَا أَوْ تُثْبِتَ كَوْنَهَا طَارِئَةً مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ فَتُسْتَحْلَفُ حِينَئِذٍ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَنَّهَا صَادِقَةٌ فِيمَا ذَكَرَتْ، وَيُوقِعُ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا وَيَكْتُبُ لَهَا الْحَاكِمُ أَنَّهُ أَوْقَعَ

فرع المرأة يغيب عنها زوجها فتثبت عند العدول ما تثبت عند القاضي

عَلَيْهَا الطَّلَاقَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَتْ اهـ. فَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَارِئَةً وَأَنَّ سَفَرَهَا بَعْدَ زَوْجِهَا حِينَ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً لَا يَكُونُ نُشُوزًا، وَأَمَّا لَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَكَانَ نُشُوزًا، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَبَهَا بِالسَّفَرِ مَعَهُ وَكَانَ صَالِحَ الْحَالِ مَعَهَا فَامْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ نُشُوزًا، قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي كَلَامِهِ عَلَى النَّفَقَةِ وَغَيْرُهُ وَانْظُرْ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَالْجُزُولِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يُدْعَى إلَى الدُّخُولِ، وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فِي تَعَدُّدِ الْأَوْلِيَاءِ فَحَاكِمٌ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الْمَرْأَةِ يَغِيبُ عَنْهَا زَوْجُهَا فَتُثْبِتُ عِنْدَ الْعُدُولِ مَا تُثْبِتُ عِنْدَ الْقَاضِي] (فَرْعٌ) فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ؛ فَإِنَّهَا تَرْفَعُ لِلْعُدُولِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصُّلْحِ فِي خُرُوجِ أَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ لَهُمَا وَأُعْذِرَ إلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَكْفِي الْإِشْهَادُ مَا نَصَّهُ جَعَلَ هُنَا جَمَاعَةَ الْعُدُولِ تَقُومُ مَقَامَ السُّلْطَانِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ سُلْطَانٌ، وَمِثْلُهُ فِي أَوَاخِرِ النُّذُورِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِينَ إلَى أَجَلِ كَذَا، وَمِثْلُهُ فِي الرَّوَاحِلِ فِي هُرُوبِ الْجِمَالِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ مُغِيثٍ فِي الْمَرْأَةِ يَغِيبُ عَنْهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تُثْبِتُ عِنْدَ الْعُدُولِ مَا تُثْبِتُ عِنْدَ الْقَاضِي فَتُطَلِّقُ نَفْسَهَا، وَذَكَرَ أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ مُغِيثٍ تَعَذُّرَ تَنَاوُلِ السُّلْطَانِ الْمَشَذَّالِيِّ هَكَذَا وَقَعَ هَذَا كَمَا رَأَيْت، وَاَلَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ إنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُغِيثٍ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عِمْرَانَ مِنْ أَنَّ جَمَاعَةَ الْعُدُولِ تَقُومُ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الْمُحَارِبِ وَفِي الْقِصَاصِ إنَّمَا ذَلِكَ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ تَنَاوُلُ السُّلْطَانِ الْمَشَذَّالِيِّ، وَهُوَ كَلَامٌ وَاضِحٌ يُوَضِّحُ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ، انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فَسْخُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اُنْظُرْ شَرْحَ ابْنِ جَمَاعَةَ وَكَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا بَعَثَ لِسَيِّدِهِ بِكِتَابَتِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الرِّقِّ حَتَّى يَقْضِيَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ لَا حُكْمَ فِيهِ فَلْيَشْهَدْ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْحُكْمِ الشَّيْخُ. اُنْظُرْ جَعْلَ أَبِي عِمْرَانَ هَذَا الْإِشْهَادَ مَقَامَ الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُحَارِبِ وَكَذَلِكَ فِي الدِّيَاتِ، وَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا وَعَصَبَةً فَاخْتَلَفَا، وَلَا إمَامَ، وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْحَمَّالَةِ أَنَّ جَمَاعَةَ الْعُدُولِ تَقُومُ مَقَامَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ: سُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ غَابَ إلَى مِصْرٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ لَمْ يَخْلُفْ لَهَا نَفَقَةً إلَّا مَا لَا يَفِي بِصَدَاقِهَا وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ أَمِيرٌ مِنْ قِبَلِهِ فَحَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ، وَلَا يَنْظُرُ فِي طَلَاقٍ، وَرُبَّمَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدِ وَالْأَمِيرِ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَالْخَوْفُ بَيْنَهُمْ عَامٌّ، وَرُبَّمَا انْجَلَى الْخَوْفُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهَلْ تَقُومُ الْجَمَاعَةُ مَقَامَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ يَجِبُ عَلَى أَمِينِهِ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ وَيَحْكُمُ أَمْ لَا.؟ جَوَابُهَا إذَا تَحَرَّجَ النَّاسُ لِعَدَمِ الْقُضَاةِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ عُدُولٍ فَجَمَاعَتُهُمْ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْته، وَفِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فَيَقُومُونَ مَقَامَ الْقَاضِي فِي ضَرْبِ الْآجَالِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت: تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَاضِي مَعَ فَقْدِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْهَا، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَسَائِلَ السَّلَمِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَالْجِهَادِ مِنْ الْمَشَذَّالِيِّ، وَقَدْ ذُكِرَ بَعْضُ كَلَامِهِ فِي الْوَصَايَا. وَفِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَةٌ قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فِي غَيْبَةِ الزَّوْجِ فَتَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فِي غَيْبَةِ الزَّوْجِ فَتَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ فَذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَائِهَا لَمْ يُفْسَخْ. (قُلْت) وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا مَعَ ابْنِ الْكَاتِبِ رَأَيْنَا هُنَا فِي حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهَا: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ فَقَامَتْ الْمَرْأَةُ وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا زَوْجُهَا شَيْئًا وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ وَأَرَادَتْ الْفِرَاقَ إذَا لَمْ يَتْرُكْ لَهَا زَوْجُهَا نَفَقَةً ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ أَوْ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ

فرع أم ولد غاب عنها سيدها وأثبتت مغيبه

قَالَ لَهَا: أَنَا أُؤَدِّي عَنْهُ النَّفَقَةَ، وَلَا سَبِيلَ لَكِ إلَى فِرَاقِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: لَهَا أَنْ تُفَارِقَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ قَدْ وَجَبَ لَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا مَقَالَ لَهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّفَقَةِ الَّذِي أَوْجَبَ لَهَا الْقِيَامَ قَدْ انْتَفَى. (قُلْت) وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ الْمُنَاصَفِ إلَى هَذَا فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: قِيَامُ الزَّوْجَةِ فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِتَرْجِعَ بِمَا تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَفَائِدَتُهُ قَبُولُ قَوْلِهَا مِنْ حِينِ الدَّفْعِ. الْوَجْهُ الثَّانِي لِتُطَلِّقَ نَفْسَهَا لِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ، فَإِذَا أَثْبَتَتْ الزَّوْجِيَّةَ وَالْمَغِيبَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا شَيْئًا وَلَمْ يَخْلُفْ مَا يُعَدَّى فِيهِ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ بِالنَّفَقَةِ عَنْهُ وَدَعَتْ إلَى الطَّلَاقِ إلَى آخِرِهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ يُسْقِطُ مَقَالَهَا كَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْمُدَوَّنَةُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي أَوَّلِ الْقَضَاءِ فِي مَسَائِلِ الْغَائِبِ مَا نَصُّهُ: مَمْلُوكَةٌ غَابَ سَيِّدُهَا وَأَثْبَتَتْ عَدَمَهُ فِي مِلْكِهِ لَهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ عِنْدَهَا شَيْئًا، وَلَا بَعَثَهُ إلَيْهَا، وَلَا مَالَ لَهَا تُنْفِقُهُ، وَلَا لَهُ مَالٌ تَعَدَّى فِيهِ فِي عِلْمِ مَنْ شَهِدَ بِذَلِكَ فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِبَيْعِهَا وَيُقْبَضُ ثَمَنُهَا لِلْغَائِبِ وَيُوقِفُهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أُمُورٍ تَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى إثْبَاتِ فُصُولٍ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَلَا لَهَا مَالٌ تُنْفِقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا خَرَاجٌ عَلَيْهَا الْأَكْلُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ وَتَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهَا، وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ الْمُتَقَدِّمِ مَا نَصُّهُ: تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُكَلِّفَهَا أَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِثْلُهَا لِتُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَقَالَ ابْن عَتَّابٍ مِثْلَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا، وَالْمَمْلُوكَةُ أَحْرَى، انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ أُمَّ وَلَدٍ غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَأَثْبَتَتْ مَغِيبَهُ] فَرْعٌ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَّ وَلَدٍ غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَأَثْبَتَتْ مَغِيبَهُ؛ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَتَلَوَّمُ لِسَيِّدِهَا الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يُنْجِزُ عِتْقَهَا عَلَى الْغَائِبِ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَالْقُرَشِيُّ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ زِيَادٍ، وَقَالَ ابْنُ الشَّقَّاقِ وَابْنُ الْعَطَّارِ لَا تُعْتَقُ وَتَسْعَى فِي مَعَاشِهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ: وَتَبْقَى حَتَّى يَصِحَّ مَوْتُ سَيِّدِهَا أَوْ يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ ابْنُ سَهْلٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِ أَشْهَبَ إذَا عَجَزَ الرَّجُلُ عَنْ نَفَقَاتِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أَزْوَاجِهِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِأَمْرِهِنَّ فَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ شَهْرٌ وَنَحْوُهُ؛ فَإِنْ وَجَدَ لَهُنَّ أَدْنَى مَا يَكْفِي وَإِلَّا أُعْتِقْنَ عَلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ، قُلْتُ لِابْنِ عَتَّابٍ هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ إذَا حُكِمَ بِعِتْقِهَا، قَالَ: تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ، قُلْت: وَهَلْ عَلَيْهَا يَمِينٌ أَنَّ سَيِّدَهَا لَمْ يَخْلُفْ عِنْدَهَا شَيْئًا، وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهَا شَيْئًا كَمَا يَلْزَمُ زَوْجَةُ الْغَائِبِ، قَالَ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَبِذَلِكَ أَفْتَيْتُ لِطُولِ أَمَدِ الْمَغِيبِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ فَقِيلَ تُزَوَّجُ وَلَا تُعْتَقُ، وَقِيلَ: تُعْتَقُ، وَكَذَا إنْ غَابَ سَيِّدُهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَانْظُرْ تَمَامَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ مَا يَكْفِيهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ أَعْسَرَ السَّيِّدُ بِهَا عَتَقَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا حُكْمُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِالرَّجْعَةِ مَعَ عَدَمِ الْيَسَارِ] ص (وَلَهُ الرَّجْعَةُ إنْ وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَارًا) ش: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ، فَلَوْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِالرَّجْعَةِ مَعَ عَدَمِ الْيَسَارِ كَانَتْ رَجْعَةً، قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي السُّلَيْمَانِيَّة لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقَدْرِ الزَّمَانِ الَّذِي إنْ أَيْسَرَ بِهِ كَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ أَيْسَرَ بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيِّنٍ قُوتُ نِصْفِ شَهْرٍ فَأَكْثَرَ، وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا وَجَدَ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا لَمْ يُطَلَّقْ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَتَنَزَّلَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى مُدَاوَمَةِ النَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ: إذَا قَدَرَ أَنْ يُجْرِيَهَا مُيَاوَمَةً وَكَانَ يُجْرِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ كَذَلِكَ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ كَانَ يُجْرِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ مُشَاهَرَةً فَاخْتُلِفَ

فرع أحبت المرأة أن تفرض لها النفقة

فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَقِيلَ: لَا، انْتَهَى ص (وَفَرَضَ فِي مَالِ الْغَائِبِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ فِيهَا يَعْنِي الْمُدَوَّنَةَ: وَلَا يُفْرَضُ عَلَى الْغَائِبِ النَّفَقَةُ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُعَدَّى فِيهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ يُعَدَّى، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: وَالِاسْتِعْدَاءُ طَلَبُ النُّصْرَةِ، وَقِيلَ: طَلَبُ الْإِعَانَةِ وَمَعْنَاهُ يُحْكَمُ، انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي، وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ مَالٌ يُعَدَّى فِيهِ لَا يَفْرِضُ الْحَاكِمُ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَلِيءٌ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُوسِرٌ فِي غَيْبَتِهِ فَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ. وَإِنْ عَلِمَ عُسْرَهُ أَوْ جَهِلَ أَمْرَهُ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَهُوَ رَسْمُ أَوَّلِ عَبْدٍ ابْتَاعَهُ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يَغِيبُ عَنْ أَهْلِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فِي حِجْرِ أُمِّهِمْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ، فَإِذَا قَدِمَ ادَّعَتْ امْرَأَتُهُ، وَهِيَ أُمُّهُمْ أَنَّهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا أَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَمْ يَبْرَأُ بِمِثْلِ مَا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ نَفَقَتِهَا إذَا زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِهَا إلَيْهَا، وَلَا يَكُونُ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ.؟ قَالَ حَالُهَا فِيمَا تَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا تَدَّعِي أَنَّهَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا إذَا لَمْ تَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ حَتَّى يَقْدُمَ لَمْ تُصَدَّقْ. وَإِنْ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَرَضَ لَهَا وَلَهُمْ وَحَسَبَهُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ يَفْرِضُهُ وَكَانَ لَهَا دَيْنًا تُتْبَعُ بِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: إنَّ الرَّجُلَ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ وَلَدِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ أُمِّهِمْ بِمَا يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَرَضَ لَهَا وَلَهُمْ، قَوْلُهُ: فَمَعْنَاهُ إذَا عُرِفَ مُلَاؤُهُ فِي غَيْبَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي مَغِيبِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْمَلَا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْعُدْمِ (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ حَالُهُ مَجْهُولَةً إذَا كَانَ مَعْرُوفَ الْمَلَا؛ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ لَهَا عَلَيْهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مِلْئِهِ فَتَتْبَعُهُ بِذَلِكَ دَيْنًا ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا وَنَصُّ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِيهَا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ فِي فِرَاقِهِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهَا فِي الْمَجْهُولِ الْحَالِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَتُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا وَمَا لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ عَنْهَا عَلَى مَا مَضَى فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي رَسْمِ شَهِدَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعْرُوفَ الْعُدْمِ، فَلَا يَفْرِضُ لَهَا السُّلْطَانُ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْدَمِ لِامْرَأَتِهِ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَيُفَرِّقُ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّلَوُّمِ، وَإِنْ أَحَبَّتْ الصَّبْرَ عَلَيْهِ كَتَبَ لَهَا كِتَابًا بِذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَنَّهَا قَامَتْ عِنْدَهُ عَلَيْهِ طَالِبَةً لِنَفَقَتِهَا؛ فَإِنْ قَدِمَ وَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إنَّهَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ خَلَفَ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ إلَيْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يُعْرَفُ مِلْؤُهُ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ عَدَمِهِ فَقَالَ: فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ السُّلْطَانَ لَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً عَلَى زَوْجِهَا فِي مَغِيبِهِ حَتَّى يَقْدُمَ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَرَضَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ لِمِثْلِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ إنَّهَا إنْ أَحَبَّتْ الصَّبْرَ عَلَيْهِ أَشْهَدَ لَهَا السُّلْطَانُ إنْ كَانَ فُلَانٌ زَوْجُ فُلَانَةَ الْيَوْمَ مَلِيئًا فِي غَيْبَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِامْرَأَتِهِ فَرِيضَةُ مِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ، وَسَيَأْتِي فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ الْقَوْلُ فِي فَرْضِ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَبِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيقُ اهـ كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِيعَ وَفُرِضَ مِنْهُ. [فَرْعٌ أَحَبَّتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُفْرَضَ لَهَا النَّفَقَةُ] (فَرْعٌ) وَإِنْ أَحَبَّتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُفْرَضَ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ، فَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَقْدُمَ إذَا عُلِمَ عُدْمُهُ أَوْ جُهِلَ أَمْرُهُ، وَفِي الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا أَحَبَّتْ الصَّبْرَ عَلَيْهِ أَشْهَدَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فُلَانٌ زَوْجُ فُلَانَةَ الْيَوْمَ مَلِيًّا فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ فَرِيضَةَ مِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ أَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُوسِرٌ؛ فَإِنَّهُ يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةَ مِثْلِهَا، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَتَدَايَنَ عَلَيْهِ وَيَقْضِي لَهَا اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَالَةَ الثَّالِثَةَ فَقَطْ

وَهِيَ مَا إذَا جَهِلَتْ حَالَةً فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا عُرِفَ مِلْؤُهُ أَوْ عُدْمُهُ فَنَقَلَهُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَحَكَى عَنْهُ فِيمَا إذَا عُلِمَ عُدْمُهُ قَوْلَيْنِ وَنَصُّ كَلَامِهِ: وَفِيهَا لَا يُفْرَضُ عَلَى الْغَائِبِ النَّفَقَةُ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ تَعَدَّى فِيهِ. (قُلْت) ظَاهِرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يُفْرَضْ، وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَلِيءٌ فِي غَيْبَتِهِ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ مِثْلِهَا وَكَانَ دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ تُحَاصُّ بِهِ غُرَمَاءَهُ، وَإِذَا قَدِمَ أَخَذَتْهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا فِي غَيْبَتِهِ فَالْمَشْهُورُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ لَهَا، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تَدَايَنَ عَلَيْهِ وَيَقْضِي لَهَا. (قُلْت:) فَهَذَا يُؤَدِّي إلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمُعْسِرِ. (قُلْت:) وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ إنْ جُهِلَ مِلْؤُهُ مِنْ عُدْمِهِ فَفِيهَا لَا يَفْرِضُ لَهَا السُّلْطَانُ عَلَيْهِ نَفَقَةً حَتَّى يَقْدُمَ؛ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَرَضَ لَهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَحَبَّتْ الصَّبْرَ أَشْهَدَ لَهَا السُّلْطَانُ إنْ كَانَ فُلَانٌ زَوْجُ فُلَانَةَ الْيَوْمَ مَلِيًّا فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَوْجَبْنَا لَهَا عَلَيْهِ فَرِيضَةَ مِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا تَتَدَايَنُ عَلَيْهِ وَيَقْضِي لَهَا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عُلِمَ عُدْمُهُ فِي غَيْبَتِهِ وَجَعْلُهُ قَوْلًا ثَانِيًا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ الْمَذْكُورَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عُلِمَ مِلْؤُهُ فِي غَيْبَتِهِ، وَلِهَذَا اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: قُلْت: هَذَا يُؤَدِّي إلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمُعْسِرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ وَتَسْلِيمِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ بِمَا شَرَحَهُ بِهِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ تُفْرَضُ عَلَى الْوَالِدِ فِي غَيْبَتِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقَوْلِ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَأَنَّهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ لِيُسْتَفَادَ بِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ حُكْمُ فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ وَنَصُّهُ: قَالَ أَصْبَغُ سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الَّذِي يَغِيبُ وَيَحْتَاجُ أَبَوَاهُ أَوْ امْرَأَتُهُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَيَرْفَعَانِهِ إلَى السُّلْطَانِ، قَالَ يُبَاعُ مَالُهُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِنَّ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَيُؤْمَرَانِ أَنْ يَتَدَايَنَا عَلَيْهِ وَيَقْضِي لَهُمَا بِذَلِكَ.؟ قَالَ: أَمَّا الزَّوْجَةُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَرْفَعُوا ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ فَأَقَرَّ لَهُمْ جَمِيعًا بِذَلِكَ غَرِمَ لِلْمَرْأَةِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ ذَلِكَ لِلْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ مُوسِرَةً كَانَتْ أَوْ مُعْسِرَةً، وَالْمَرْأَةُ تُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ إذَا رَفَعَتْ ذَلِكَ وَكَانَ يَوْمَ أَنْفَقَتْ مُوسِرَةً وَالْأَبَوَانِ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَقَالَ أَصْبَغُ فَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ لَا تَجِبُ إلَّا بِفَرِيضَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ حَتَّى يَجِدَهُمَا يَسْتَحِقَّانِهَا وَيَجِدَ لَهُ مَالًا يُعَدِّيهِمَا فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: إنَّ مَالَ الْغَائِبِ يُبَاعُ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ هُوَ مِثْلُ مَا فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ الشُّيُوخُ يُفْتُونَ أَنَّ أُصُولَ الْغَائِبِ لَا تُبَاعُ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ، بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ وَيَتَأَوَّلُونَ الْمُرَادَ بِمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي يُبَاعُ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ عُرُوضُهُ لَا أُصُولُهُ وَالْفَرْقُ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَنَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ سُقُوطُهَا وَنَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ سَاقِطَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ وُجُوبُهَا بِمَعْرِفَةِ حَيَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَغْتَرِقُ مَالَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُبَاعَ عَلَيْهِ أَيْضًا عُرُوضُهُ فِي مَغِيبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حِينَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَيِّتًا وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ عُرُوضَهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ اسْتِحْسَانٌ، بِهَذَا الْمَعْنَى فَرَّقُوا أَيْضًا بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي أَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَا يُفْرَضُ لَهُمَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ فِي مَغِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ، وَلَا يُؤْمَرَانِ أَنْ يَتَدَايَنَا عَلَيْهِ؛ فَإِنْ فَعَلَا لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيَلْزَمُ عَلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ قَدْ فُرِضَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَغِيبِهِ فَغَابَ وَتَرَكَ أُصُولَهُ أَنْ تُبَاعَ عَلَيْهِ فِي نَفَقَتِهِمَا، وَقَوْلُهُ إنَّ الْمَرْأَةَ تُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِمَا أَنْفَقَتْ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ إذَا كَانَ يَوْمَ أَنْفَقَتْ مُوسِرًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُحَاصُّ إلَّا فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحْدَثِ، مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي رَسْمِ

بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ ذَلِكَ هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ فَقَطْ، وَأَتَى بِهِ اسْتِشْهَادًا عَلَى مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ رُشْدٍ، وَهِيَ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَلَهُ إخْوَةٌ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى إخْوَتِهِ بِمَا يَنُوبُهُمْ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهَلْ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ الْإِرْثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي الْقَضَاءِ فِي مَسَائِلِ الْغَائِبِ: رَجُلٌ غَابَ مُنْذُ عِشْرِينَ عَامًا وَأَثْبَتَ أَبُوهُ أَنَّهُ فَقِيرٌ عَدِيمٌ وَأَنَّ لَهُ دَارًا وَدَعَا أَنْ تُبَاعَ وَيُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهَا فَأَفْتَى ابْنُ عَاتٍ لَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِ هَذِهِ الدَّارِ بِسَبَبِ الْأَبِ الطَّالِبِ لِلنَّفَقَةِ، وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَكَانَ ابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ قَدْ مَاتَا وَأَفْتَى غَيْرُهُ يَجِبُ بِأَنْ يَحْلِفَ الْأَبُ مَا لَهُ مَالٌ مَعْلُومٌ وَأَنَّهُ لَفَقِيرٌ عَدِيمٌ وَتُبَاعُ الدَّارُ وَيُنْفَقُ مِنْ ثَمَنِهَا عَلَى الْأَبِ وَزَوْجَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمِينُ الْأَبِ فِي هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ أَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ أَفْتَى بِهَذَا ثُمَّ تَكَلَّمْتُ فِيهَا مَعَ ابْنِ عَتَّابٍ فَقَالَ لِي: هَذِهِ الْأَجْوِبَةُ كُلُّهَا خَطَأٌ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْأَبِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ حَيَاةِ الِابْنِ وَبِتَيَقُّنِ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا أَوْ مِدْيَانًا. قَالَ: وَلَا حُجَّةَ بِمَا فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ إيجَابَةِ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ مَنْ فُقِدَ عَلَى زَوْجَتِهِ وَبَنِيهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ قَدْ كَانَتْ لَزِمَتْ الْمَفْقُودَ إذَا كَانَ حَاضِرًا، فَلَا تَرْتَفِعُ عَنْهُ إلَّا بِصِحَّةِ وَفَاتِهِ، وَلَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ دَارَ الْغَائِبِ قَبْلَ صِحَّةِ حَيَاتِهِ وَأَنْفَقَ عَلَى الْأَبِ ثَمَنَهَا لَزِمَهُ الْغُرْمُ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَإِ الَّذِي لَا يُعْذَرُ فِيهِ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُكْرَى الدَّارَ وَيُعْطَى لِلْأَبِ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ اسْتِحْبَابًا عَلَى سَبِيلِ السَّلَفِ وَيَخُصُّ ذَلِكَ بِالتَّسْجِيلِ اهـ، وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَنْكِحَةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ يَعْنِي كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَأَجَابَ إنَّمَا حَكَى ذَلِكَ يَعْنِي ابْنَ سَهْلٍ عَنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَتَّابٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ قَدْ كَانَتْ سَاقِطَةً عَنْهُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَهُمَا حَتَّى يَطْلُبَاهُ بِهَا، فَإِذَا غَابَ عَنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَحْكُمَ لَهُمَا عَلَيْهِ فِي مَغِيبِهِ، وَتُبَاعُ عَلَيْهِ فِيهَا أُصُولُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْ مَاتَ أَوْ قَدْ اسْتَدَانَ مِنْ الدُّيُونِ مَا يَسْتَغْرِقُهَا أَوْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفَقَتِهِمَا، وَذَلِكَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ سَاقِطَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ وُجُوبُهَا بِمَعْرِفَةِ حَيَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَغْتَرِقُ مَالَهُ، وَأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ سُقُوطُهَا بِمَعْرِفَةِ مَوْتِهِ أَوْ اسْتِغْرَاقُ ذِمَّتِهِ بِالدُّيُونِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ يَجْرِي عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ أَوْ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَهُ، وَبَيْنَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَفْقُودِ يَمُوتُ بَعْضُ وَلَدِهِ فِي تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ أَنْ يُفْقَدَ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ يُعْتَقَ بَعْدَ أَنْ فُقِدَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْحَاكِمَ يَضْمَنُ إنْ فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي لَا يُعْذَرُ فِيهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَتَّابٍ قَدْ قَالَهُ فَإِنَّمَا قَالَهُ انْحِرَافًا لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَفْتَى بِبَيْعِ أُصُولِ الْغَائِبِ فِي نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ شُذُوذٌ خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ وَمَا فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْهَا وَسَمَاعِ أَصْبَغَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ وَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ يُحْمَلُ عَلَى مَا عَدَا الْأُصُولِ اسْتِحْسَانًا أَيْضًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ لَا يُنْفَقَ عَلَيْهِمَا فِي مَغِيبِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ أَوْ قَدْ اسْتَدَانَ مِنْ الدُّيُونِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ قَالُوا إنَّ الْغَائِبَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ النَّاضِّ الزَّكَاةُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ وَابْنِ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ هُوَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْحُكْمَيْنِ بِأَسْطُرٍ

وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَنَفَقَةَ الْأَوْلَادِ وَنَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ: وَيُعَدَّى عَلَى الْغَائِبِ فِي بَيْعِ مَالِهِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ، وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ أَثْبَتَتْ غَيْبَةَ زَوْجِهَا وَعَدَمَ نَفَقَتِهِ وَأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ سِوَى رَبْعٍ وَأُمِرَتْ بِالْيَمِينِ فَحَلَفَتْ وَنُودِيَ عَلَى الرَّبْعِ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ، فَهَلْ يُعَدَّى لَهَا بِالنَّفَقَةِ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ أَوْ مِنْ الْحُكْمِ بِالْبَيْعِ.؟ فَأَجَابَ الْإِعْدَاءُ بِالنَّفَقَةِ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ لَا مِنْ يَوْمِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ، انْتَهَى. وَكَرَّرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَالَ عَقِيبَهَا: قُلْت: تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا مِمَّا ذَكَرْتُ أَنَّهُ بِيَدِهَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، انْتَهَى. ص (وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُنْكِرِ) ش: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يَحْتَجْ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَسَحْنُونٌ إنَّهُ لَا يَقْضِي لَهَا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقِرُّ لِلْغَائِبِ بِالدَّيْنِ لِيُوجِبَ عَلَيْهِ خِلْطَةً ثُمَّ يَدَّعِي عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إذَا أَرَادَ الْمُوَثِّقُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ هَذَا فَيَكْتُبْ أُقِرُّ لِفُلَانٍ بِدَيْنٍ بِغَيْرِ مَحْضَرِهِ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَحْكَامٍ يَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى فِيهِ عَلَى إثْبَاتِ فُصُولِ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ بِالدَّيْنِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: أَقَامَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ تَدَّعِي عَلَيْهِ، وَذَكَرَتْ أَنَّ لِلْغَائِبِ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ حَاضِرٍ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ، وَأَحْضَرَتْ الْعَقْدَ الْمَكْتُوبَ عَلَى الْغَرِيمِ الْحَاضِرِ فَحَضَرَ غَرِيمُ الْغَائِبِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ عَلَيْهِ لِلْغَائِبِ، وَأَثْبَتَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ غَيْبَةَ غَرِيمِهَا فَأَفْتَى ابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عَتَّابٍ أَنَّ إقْرَارَ غَرِيمِ الْغَائِبِ لَا يُكْتَفَى بِهِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزِمُ الْمَرْأَةَ الْقَائِمَةَ بِإِثْبَاتِ الْعَقْدِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَمْرُهَا بِالْحَلِفِ فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَحْلِفَ وَيَتَقَاضَى يَمِينَهَا مِنْ يُقَدِّمُهُ الْقَاضِي لِذَلِكَ، فَإِذَا حَلَفَتْ أَمَرَ غَرِيمَ الْغَائِبِ بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ لِلْمَرْأَةِ حَقَّهَا وَتُرْجَى الْحُجَّةُ لِلْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَمَا أَفْتَيَا بِهِ وَنُقِلَ عَنْ سَحْنُونٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِيعَتْ دَارُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ مِمَّا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفُرِضَ فِي مَالِ الْغَائِبِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ التَّفْلِيسِ: يَجِبُ عَلَى مَنْ قَامَ عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ إثْبَاتُ الدَّيْنِ، وَمِلْكُ الْغَائِبِ وَحِيَازَتُهُ عَنْ أَمْرِ الْقَاضِي وَثُبُوتُ الْحِيَازَةِ عِنْدَهُ وَغَيْبَةُ الْمَطْلُوبِ وَأَنَّهُ بَعِيدٌ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ ثُمَّ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ دَيْنَهُ، ثُمَّ يَقْضِي لَهُ بِبَيْعِ الْمِلْكِ وَيَقْضِي دَيْنَهُ وَتُرْجَى الْحُجَّةُ لِلْغَائِبِ، فَإِذَا قَدِمَ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ قَضَاهُ، فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِ مَبِيعِ الْمِلْكِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الطَّالِبِ بِمَا قَبَضَ مِنْ الدَّيْنِ، وَحَكَى التُّونُسِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَيُدْفَعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الْعِتْقِ مِنْ الْوَاضِحَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أُعْتِقَ لَهُ شِرْكًا فِي عَبْدٍ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ. (قُلْت:) وَمِثْلُ الْأَوَّلِ لِلَّخْمِيّ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ، قَالَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ إذَا فَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا عَلَى الذِّمَّةِ، وَفِي الطُّرَرِ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ دَفَعَ الدَّيْنَ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ التَّصْدِيقُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الرَّاهِنُ لَقَدْ

مسألة تنازع الزوجين في إرسال النفقة

أَوْفَاهُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ، وَيَدْفَعُ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ إلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ التَّصْدِيقَ فِي الْعَقْدِ فَلَهُ شَرْطُهُ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ، قَالَهُ ابْنُ فَتْحُونٍ، قَالَ، وَهُوَ مِثْلُ مَا ذَكَرَ التُّونُسِيُّ وَخِلَافُهُ مَا ذَكَرَ اللَّخْمِيّ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي عُسْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ اُعْتُبِرَ حَالُ قُدُومِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ تَنَازَعَا فِي عُسْرِهِ فِي الْغَيْبَةِ، وَلَا بَيِّنَةَ فَثَالِثُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَدِمَ مُعْسِرًا صُدِّقَ وَإِلَّا صُدِّقَتْ، انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حَالُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَانْظُرْ رَسْمَ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ. [مَسْأَلَةٌ تَنَازَعَ الزَّوْجَيْنِ فِي إرْسَالِ النَّفَقَةِ] ص (وَفِي إرْسَالِهَا بِالْقَوْلِ قَوْلُهَا إنْ رَفَعَتْ مِنْ يَوْمَئِذٍ لِحَاكِمٍ) ش: يَعْنِي وَإِنْ تَنَازَعَا فِي إرْسَالِ النَّفَقَةِ؛ فَإِنْ رَفَعَتْ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا لِحَاكِمٍ فِي غَيْبَةِ الزَّوْجِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمَئِذٍ يَعْنِي مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الثَّالِثُ يَعْنِي مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: إنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الْكِسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي، وَهَذَا فِيمَنْ هِيَ فِي الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الْحَامِلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، انْتَهَى. ص (لَا لِعُدُولٍ وَجِيرَانٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ قُضَاةِ بَلَدِنَا أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْعُدُولِ كَالرَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ، وَالرَّفْعَ إلَى الْجِيرَانِ لَغْوٌ. ص (كَالْحَاضِرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا. ص (وَحَلَفَ لَقَدْ قَبَضْتهَا) ش: رَاجِعٌ إلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَيَعْتَمِدُ فِي يَمِينِهِ عَلَى كِتَابِهَا أَوْ رَسُولِهَا، انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ حَكَى فِي الْبَيَانِ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْيَمِينِ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْكَافِي، وَفِي الطُّرَرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا يُصَدَّقُ الرَّجُلُ أَنَّهُ دَفَعَ النَّفَقَةَ إذَا ادَّعَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا أَوْ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهَا نَفَقَتَهَا أَوْ مَا تُنْفِقُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَوْ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهَا مِائَةَ دِينَارٍ عَنْ نَفَقَتِهَا فِيمَا مَضَى وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَلَا

فصل النفقة الواجبة بالملك

يُصَدَّقُ إجْمَاعًا، وَحَكَى ابْنُ زَرْبٍ خِلَافَهُ وَخَطَّأَهُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. ص (وَفِيمَا فَرَضَهُ فَقَوْلُهُ إنْ أَشْبَهَ وَإِلَّا فَقَوْلُهَا إنْ أَشْبَهَ) ش: فَاعِلُ فَرَضَهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الْحَاكِمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاكِمُهَا هُوَ الْفَارِضُ أَوْ حَاكِمُ غَيْرِهِ، كَذَا ارْتَضَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا فِيمَا مَضَى، وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَالْحُكْمُ فِيهِ اسْتِئْنَافُ النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرِ قَوْلِ مُدَّعِي الْأَشْبَهِ أَوْ هَذَا الْحُكْمُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَفِي حَلِفِ مُدَّعِي الْأَشْبَهِ تَأْوِيلَانِ) ش: التَّأْوِيلُ بِلُزُومِ الْيَمِينِ رَجَّحَهُ عِيَاضٌ وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا بِأَنَّ الْحَاكِمَ فَرَضَ بَيْنَهُمَا كَذَا وَكَذَا فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي حُكْمِ الْقَاضِي، هَلْ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي ابْنُ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَالِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَشَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْمِلْكِ] ص (فَصْلٌ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ وَدَوَابِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى وَإِلَّا بِيعَ) ش: الْحَصْرُ رَاجِعٌ إلَى النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْمِلْكِ، وَقَوْلُهُ: تَجِبُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ يُرِيدُ وَكِسْوَتَهُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَنَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْعَبْدُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» قِيلَ لِمَالِكٍ أَفَتَرَى أَنْ يَقْضِيَ عَلَى مَالِكِهِ وَلَا يُكَلِّفَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ.؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُوا مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُونَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَدِيثُ هُوَ حَدِيثُ الْمُوَطَّإِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْنَى بِالْمَعْرُوفِ أَيْ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا إقْتَارٍ عَلَى قَدْرِ سَعَةِ السَّيِّدِ، وَمَا يُشْبِهُ حَالَ الْعَبْدِ أَيْضًا، فَلَيْسَ الْوَغْدُ الْأَسْوَدُ الَّذِي هُوَ لِلْخِدْمَةِ وَالْحَرْثِ كَالنَّبِيلِ التَّاجِرِ الْفَارِهِ فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا عَلَى سَيِّدِهِمَا مِنْ الْكِسْوَةِ سَوَاءً، وَيُقْضَى لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ قَصَّرَ عَمَّا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي نَحْرِ نَاقَةِ الْمُزَنِيِّ يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ لَا يُجِيعَ رَقِيقَهُ عَنْ شِبَعِهِمْ الْوَسَطِ أَوْ يَبِيعَهُمْ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ الرَّجُلَ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَعَبِيدِهِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ مِنْهُمَا عَلَى الرَّغْبَةِ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا إذْ لَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

أَطْعِمُوهُمْ مِثْلَ مَا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِثْلَ مَا تَكْتَسُونَ، وَإِنَّمَا قَالَ: مِمَّا تَأْكُلُونَ وَمِمَّا تَلْبَسُونَ، فَإِذَا أَطْعَمَهُ وَكَسَاهُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ بَعْضِ مَا يَأْكُلُ مِنْ الْخُبْزِ وَالْإِدَامِ وَيَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي مَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ، وَامْتَثَلَ بِذَلِكَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِنْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مَلْبَسُهُ مِثْلَ مَلْبَسِهِ وَمَطْعَمُهُ مِثْلَ مَطْعَمِهِ سَوَاءٌ فَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْآثَارُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهَا تَعَارُضٌ، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ أَيَصْلُحُ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ طَعَامٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ عِيَالُهُ وَرَقِيقُهُ وَيَلْبَسُ ثِيَابًا لَا يَكْسُوهُمْ مِثْلَهَا، قَالَ إي وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ الْقُوتُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَدَوَابِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى يُرِيدُ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَرْعَى يَكْفِيهَا، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّوَابِّ عَلَفُهَا أَوْ رَعْيُهَا إنْ كَانَ فِي رَعْيِهَا مَا يَقُومُ بِهَا، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَرْعَى يَكْفِيهَا؛ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَاهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا يُخَالِفُهُ وَنَاقَشَهُ فِي ذَلِكَ وَاسْتَصْوَبَ مَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَصْلِهِ وَمُنَاقَشَةَ ابْنِ عَرَفَةَ لَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْعَبْدِ: وَيُقْضَى لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ قَصَّرَ عَمَّا يَجِبُ لَهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ، بِخِلَافِ مَا يَأْكُلُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ؛ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ عَنْهَا، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِعَلَفِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الرَّجُلِ بِعَلَفِ دَابَّتِهِ كَمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ عَبْدِهِ لِمَا جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ حَائِطَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَّ لَهُ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرْوَهُ وَذِفْرَيْهِ حَتَّى سَكَنَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إيَّاهَا؛ فَإِنَّهُ شَكَا إلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ» وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَغَيْرِهَا فَكَمَا يُقْضَى عَلَيْهِ يُقْضَى لَهُ، وَالدَّابَّةُ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَقٌّ، وَلَا يَلْزَمُهَا جِنَايَةٌ فَكَمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهَا لَا يُقْضَى لَهَا، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِرُمَّتِهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْت: تَعَذُّرُ شَكْوَى الدَّابَّةِ يُوجِبُ أَحْرَوِيَّةَ الْقَضَاءِ لَهَا، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي الْعَبْدِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَعْلِفَ دَابَّتَهُ أَوْ يَرْعَاهَا إنْ كَانَ فِي رَعْيِهَا مَا يَكْفِيهَا أَوْ يَبِيعَهَا أَوْ يَذْبَحَ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ، وَلَا يُتْرَكُ يُعَذِّبُهَا بِالْجُوعِ، قُلْت: وَلَازِمُ هَذَا الْقَضَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَتَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ وَاجِبُ الْقَضَاءِ بِهِ، وَهَذَا أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَوْلُهُ: مَسَحَ سَرْوَهُ أَيْ ظَهْرَهُ (الْجَوْهَرِيُّ) سَرَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ظَهْرُهُ وَوَسَطُهُ، وَالْجَمْعُ سَرَوَاتٌ، وَالذَّفَرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (الْجَوْهَرِيُّ) هُوَ الْمَوْضِعُ خَلْفَ أُذُنِ الْبَعِيرِ أَوَّلُ مَا يَعْرَقُ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بِيعَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَى رَقِيقِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُبَاعُونَ عَلَيْهِ، يُرِيدُ إلَّا الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي عُمَرَ، وَمَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، وَنَصُّ الْجَوَاهِرِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنْ أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعَلَفُ؛ فَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ أُمِرَ بِأَنْ يَذْبَحَهَا أَوْ يَبِيعَهَا إنْ كَانَتْ يَجُوزُ أَكْلُهَا، وَلَا يُتْرَكُ وَتَعْذِيبَهَا بِالْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْمُشْتَرَكِ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ كَالْقِنِّ، وَالْمُخْدِمُ الْمَشْهُورُ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَقِيلَ: عَلَى سَيِّدِهِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ يَسِيرَةً فَعَلَى السَّيِّدِ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ حَارِثٍ اُخْتُلِفَ فِي الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ تَكُونُ حَامِلًا مِمَّنْ

اُسْتُحِقَّتْ مِنْهُ، فَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ نَفَقَتُهَا عَلَى مُسْتَحِقِّهَا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ بَلْ هِيَ عَلَى مَنْ هِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، وَقَوْلُ يَحْيَى هَذَا جَيِّدٌ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ حُرٌّ. (قُلْتُ:) الْأَظْهَرُ إنْ كَانَ فِي خِدْمَتِهَا قَدْرُ نَفَقَتِهَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفَ بْنُ عُمَرَ مَنْ كَانَ لَهُ شَجَرٌ ضَيَّعَهَا بِتَرْكِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا؛ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ فِيهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ فَإِنَّهُ مَأْثُومٌ وَلَمْ نَسْمَعْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِبَيْعِ ذَلِكَ إذَا فَرَّطَ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَهُ الْجُزُولِيُّ أَيْضًا وَزَادَ: وَيُقَالُ لَهُ ادْفَعْهَا لِمَنْ يَخْدُمُهَا مُسَاقَاةً لِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَتَكْلِيفِهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ رَقِيقُهُ وَدَوَابُّهُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ يُبَاعُونَ عَلَيْهِ إذَا كَلَّفَهُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَقَوْلُهُ مَا لَا يُطِيقُ يُرِيدُ مَا لَا يُطِيقُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْمُعْتَادِ لَا مَا لَا يُطِيقُهُ أَصْلًا، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُكَلَّفُ الْعَبْدُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا صَنْعَةَ لَهُ الْخَرَاجَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَخْدُمُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَسْرِقَ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَسْعَى بِفَرْجِهَا، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ كَذَا قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ، وَقَالَ أَيْضًا: وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ عَبْدَهُ لِلطَّحْنِ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: إذَا كَانَ يَخْدُمُ بِالنَّهَارِ، فَلَا يَنْبَغِي لِسَيِّدِهِ أَنْ يُقِيمَهُ بِاللَّيْلِ لِيَطْحَنَ إلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْدُمُ بِالنَّهَارِ يَجُوزُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ لَا يَخْدُمُ بِاللَّيْلِ إلَّا مَا خَفَّ مِنْ الْأَعْمَالِ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْأَجِيرِ يُفْسَخُ إجَارَتُهُ فِي غَيْرِهَا، وَنَصُّهَا: وَمَنْ أَجَّرَ أَجِيرًا لِلْخِدْمَةِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ مِنْ خِدْمَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَمُنَاوَلَتِهِ إيَّاهُ ثَوْبَهُ أَوْ الْمَاءَ فِي لَيْلَةٍ، وَلَيْسَ مِمَّا يَمْنَعُهُ النَّوْمَ إلَّا فِي أَمْرٍ يُفْرَضُ مَرَّةً بَعْدَ الْمَرَّةِ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهِ بَعْضَ لَيْلَةٍ، كَمَا لَا يَنْبَغِي لِأَرْبَابِ الْعَبِيدِ إجْهَادُهُمْ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ فِي نَهَارِهِ مَا يُجْهِدُهُ، فَلَا يُسْتَطْحَنُ فِي لَيْلَةٍ إلَّا أَنْ يَخِفَّ عَمَلُ نَهَارِهِ فَلْيَسْتَطْحِنْهُ لَيْلَهُ إنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ إقْدَاحٍ، وَيُكْرَهُ مَا أَجْهَدَ أَوْ قَلَّ مِنْهُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: لَا يَتَعَيَّنُ مَا يُضْرَبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ خَرَاجٍ، بَلْ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: كَتَكْلِيفِهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَمْلُوكِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ، فَأَمَّا الرَّقِيقُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَرْعٌ إذَا تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِعَبْدِهِ فِي تَجْوِيعِهِ وَتَكْلِيفِهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِيعَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ نَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِعْفَافُهُ بِزَوْجَةٍ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ غَائِبًا حُكْمُ مَا إذَا أَعْسَرَ السَّيِّدُ بِنَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ أَوْ غَابَ وَتَرَكَهُمْ، وَأَمَّا إنْ أَضَرَّ بِهِمْ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ الرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ، وَقَالَ يَعْنِي أَشْهَبَ فِي مُدَبَّرٍ أَضَرَّ بِهِ سَيِّدُهُ وَيُؤَدِّبُهُ، قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ وَيُؤَاجَرُ عَلَيْهِ، قَالَ أَصْبَغُ إنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ، وَنَصُّهَا: وَسُئِلَ يَعْنِي أَشْهَبَ عَنْ الْمُدَبَّرِ يُضِرُّ بِهِ سَيِّدُهُ وَيُؤَدِّبُهُ، قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ وَيُؤَاجَرُ عَلَيْهِ، قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ عَلَى حَالٍ فِي الْحَيَاةِ، وَلَا تَنْقُضُ الضَّرُورَةُ التَّدْبِيرَ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى مُدَبَّرِ النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ أَنَّهُ يُؤَاجَرُ، وَلَا يُبَاعُ كَمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ عَبْدُهُ إذَا أَسْلَمَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَقَ إلَى أَجَلِ مِثْلِهِ وَانْظُرْ أُمَّ الْوَلَدِ هَلْ تُؤَاجَرُ أَوْ تُعْتَقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الدَّوَابُّ فَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ التَّعَالُجِ: وَيُرْتَفَقُ بِالْمَمْلُوكِ: وَالرِّفْقُ بِسَائِرِ الْحَيَوَانِ أَيْضًا مَطْلُوبٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَ دَابَّتَهُ مَا لَا تُطِيقُ، وَلَا يُعَرِّيَ ظَهْرَهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّ الْحَيَوَانِ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: إنْ لَمْ تَقُمْ بِحَقِّهَا وَإِلَّا تُبَاعُ عَلَيْكَ اهـ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَا يُتْرَكُ وَتَعْذِيبَهَا بِالْجُوعِ وَنَحْوِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ فِي

الْوَجْهِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَيَجُوزُ رُكُوبُهَا، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَلَا خِلَافَ فِي الْبَقَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي رُكُوبِهَا هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا.؟ قَوْلَانِ (الشَّيْخُ) وَإِنَّمَا كَرِهَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا لَمَّا رَأَى بَعْضَ النَّاسِ حَمَلَ عَلَى بَقَرَةٍ فَقَالَتْ لَهُ: أَلِهَذَا خُلِقْت اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الزَّنَاتِيُّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لِسَيِّدِهِ يَا سَيِّدِي وَيَا مَوْلَايَ، وَلَا يَقُولُ رَبِّي اهـ ص (وَبِالْقَرَابَةِ عَلَى الْمُوسِرِ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ) ش: يُرِيدُ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ كَانَ هُوَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى سَوَاءٌ رَضِيَ الزَّوْجُ أَوْ أَبَى، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْحُكْمَيْنِ بِأَسْطُرٍ، وَيَلْزَمُ الْوَلَدَ الْمَلِيءَ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، وَالْوَلَدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كَانَتْ الْبِنْتُ مُتَزَوِّجَةً أَمْ لَا وَأَنْكَرَ زَوْجُ الِابْنَةِ اهـ. وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَرَوَى ابْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ لِفَقْرِهِ عَلَى وَلَدِهِ لِيُسْرِهِ، وَالْكُفْرُ وَالصِّحَّةُ وَالصِّغَرُ وَزَوْجُ الْبِنْتِ وَزَوْجُ الْأُمِّ الْفَقِيرُ لَغْوٌ ابْنُ حَارِثٍ رَوَى ابْنُ غَانِمٍ لَا نَفَقَةَ لِلْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ الْمُتَيْطِيُّ بِالْأَوَّلِ الْعَمَلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ اهـ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) فَإِنْ كَانَ لِلْوَالِدِ مَالٌ فَوَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ طَلَبَ الِابْنَ بِالنَّفَقَةِ فَلِلْوَالِدِ أَنْ يَرُدَّ فِعْلَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى أَحَدِ وَلَدَيْهِ لَكَانَ لِلْوَلَدِ الْآخَرِ أَنْ يَرُدَّ فِعْلَهُ، قَالَهُ اللَّخْمِيّ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيّ وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ صَنْعَةٌ تَكْفِيهِ وَزَوْجَتُهُ جُبِرَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَفَتْ بَعْضُ نَفَقَتِهِ أَكْمَلَهَا وَلَدُهُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ تَلْزَمُ الْوَلَدَ، وَلَوْ قَوِيَا عَلَى الْعَمَلِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَهُمَا: قُلْت: قَوْلَا اللَّخْمِيِّ وَالْبَاجِيِّ كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْفَقِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْعَمَلِ هَلْ يُعْطَى الزَّكَاةَ أَمْ لَا اهـ. وَاقْتَصَرَ فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيّ فَقَالَ فِي نَفَقَةِ الْقَرَابَةِ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحَقِّ الْفَقْرُ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّكَسُّبِ وَيُخْتَصُّ الْأَوْلَادُ بِزِيَادَةِ شَرْطِ الصِّغَرِ اهـ. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِأَتَمِّ مِنْ هَذَا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قِيَاسًا عَلَى الْوَالِدِ؛ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهِ الْعَجْزُ عَنْ التَّكَسُّبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مَنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجُلَانِ وَأَنْفَقَا عَلَيْهِ حَتَّى كَبُرَ ثُمَّ افْتَقَرَ أَلَزِمَهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ يَقْتَسِمَانِهَا، وَإِنْ افْتَقَرَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ نِصْفُ ذَلِكَ اهـ. ص (وَأَثْبَتَا الْعُدْمَ بِلَا يَمِينٍ) ش: لَوْ قَالَ: وَلَا يَمِينَ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَالْأَوَّلُ صَوَابٌ، وَتَرَدَّدَ ابْنُ رُشْدٍ فِي لُحُوقِ الْيَمِينِ، وَاسْتَظْهَرَ الْحُكْمَ بِوُجُوبِهَا، ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ الِابْنُ إنْ طُولِبَ بِالنَّفَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَلْءِ أَوْ الْعُدْمِ قَوْلَانِ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفَرَضَ فِي مَالِ الْغَائِبِ فِي قَوْلِ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ هُنَاكَ فَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ لَا تَجِبُ إلَّا بِفَرِيضَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ حَتَّى يَجِدَهُمَا يَسْتَحِقَّانِهَا وَيَجِدَ لَهُمَا مَا لَا يُعَدِّيهِمَا فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ: وَيَجِدَ لَهُمَا مَا لَا يُعَدِّيهِمَا فِيهِ مِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُدْمِ حَتَّى يَثْبُتَ مُلَاؤُهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ خِلَافَ مَا ذَهَبَ

إلَيْهِ ابْنُ الْعَطَّارِ اهـ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيِّ إثْرَ نَقْلِهِ الْقَوْلَيْنِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ سِوَاهُ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَى الِابْنِ الْمُدَّعِي الْعُدْمَ إثْبَاتُ عُدْمِهِ لِحَقِّ أَخِيهِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِعْفَافُهُ بِزَوْجَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعِدَّةِ لَا يُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى إحْجَاجِ أَبِيهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَعَلَى الْفَوْرِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ لِغُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْوَلَدُ فَقَالَ: اللَّخْمِيّ وَقَوْلُ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى الْأَبِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَةِ وَلَدِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى زَوْجَةِ الْأَبِ أَنَّ عَلَى الِابْنِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الِابْنَ أَحْوَجُ إلَى الزَّوْجَةِ مِنْهُ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْت: يَرُدُّ بِأَنَّ نَفَقَةَ الِابْنِ تَسْقُطُ بِبُلُوغِهِ، وَإِنْ فُرِضَ كَوْنُهُ بَلَغَ زَمِنًا فَالزَّمَانَةُ مَظِنَّةُ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِلزَّوْجَةِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ إذَا شَكَيَا الْعُزْبَةَ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَبْرُ الْمَالِكِ عَبْدًا وَأَمَةً بِلَا إضْرَارٍ لَا عَكْسَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا تَتَعَدَّدُ إنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُمَّهُ) ش فَأَحْرَى إنْ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا أُمَّهُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّف لَوْ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَجْرَى عَلَى طَرِيقَتِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيّ؛ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ وَنَفَقَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَدَعَا الْأَبُ لِلَّتِي نَفَقَتُهَا أَكْثَرُ وَخَالَفَ الْوَلَدُ، فَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا، وَمُقْتَضَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ إنْ كَانَتْ مِنْ مَنَاكِحِهِ اهـ. ص (وَهَلْ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ الْيَسَارِ أَقْوَالٌ) ش: ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ الْمَلَأِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ الْمُعْدَمِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى إخْوَتِهِ الْأَمْلِيَاءِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَ لَيْسَ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُحْمَلُ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى التَّطَوُّعِ، بَلْ لَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى إخْوَتِهِ بِمَنَابِهِمْ لَمَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ حَتَّى يُطْلَبُوا بِهَا، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. (قُلْت:) وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ: مَنْ يَغِيبُ وَيَحْتَاجُ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ، وَلَا مَالَ لَهُ خَاصٌّ أَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَدَايَنُوا عَلَيْهِ وَيَقْضِي لَهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ أَمَّا الزَّوْجَةُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَرْفَعُوا ذَلِكَ حَتَّى يَقْدُمَ فَيُقِرُّ لَهُمْ غَرِمَ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلْأَبَوَيْنِ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَائِلِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدِ إذَا أَنْفَقُوا ثُمَّ طَلَبُوا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَنْفَقُوا وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَيَقُومُ مِنْ هُنَا مِثْلُ مَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ فِيمَنْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ وَلَهُ إخْوَةٌ، فَأَرَادَا الرُّجُوعَ عَلَى إخْوَتِهِ بِمَا يَنُوبُهُمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَشْهَدَ، إذْ لَا تَجِبُ لِلْأَبِ النَّفَقَةُ حَتَّى يَبْتَغِيَهَا اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لِأَنَّهَا سَاقِطَةٌ عَنْهُمْ حَتَّى يُطْلَبُوا بِهَا اُنْظُرْ لَوْ طُلِبُوا بِهَا وَفَرَضَهَا الْحَاكِمُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَيَحْلِفُ وَيَرْجِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ ص (وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَالْأُنْثَى حَتَّى يَدْخُلَ زَوْجُهَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ بِالْقَرَابَةِ أَيْضًا عَلَى الْأَبِ الْحُرِّ إذَا كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ

وَقُوتِ زَوْجَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ نَفَقَةُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ الْحُرِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا كَسْبٌ بِصَنْعَةٍ لَا تَلْحَقُهُ فِيهَا مَعَرَّةٌ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ صَنْعَةٌ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَمْرَضَ الْوَلَدُ أَوْ تَكْسُدُ صَنْعَتُهُ فَتَعُودُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِفَايَةٌ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ التَّكْمِيلُ وَتَسْتَمِرُّ نَفَقَةُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ يَحْدُثَ لَهُ مَالٌ أَوْ صَنْعَةٌ، وَحُكْمُ الْأُنْثَى كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهَا تَسْتَمِرُّ نَفَقَتُهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا يُرِيدُ أَوْ يُدْعَى إلَى الدُّخُولِ، وَهِيَ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَهُوَ بَالِغٌ، وَلَوْ قَالَ: حَتَّى تَجِبَ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: السَّبَبُ الثَّانِي الْقَرَابَةُ وَالْمُسْتَحِقُّ بِهَا أَوْلَادُ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَانِ، وَلَا يَتَعَدَّى الِاسْتِحْقَاقُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ، وَلَا لِلْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحِقِّ فَقْرُهُ وَعَجْزُهُ عَنْ التَّكَسُّبِ، وَيَخْتَصُّ الْأَوْلَادُ بِشَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ الصِّغَرُ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ يُسْرُهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِ، وَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ عَبْدُهُ وَعَقَارُهُ إذَا لَمْ يَفْضُلَا عَنْ حَاجَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِأَجْلِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الدِّينِ بَلْ يُنْفِقُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَتَسْتَمِرُّ النَّفَقَةُ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِحُدُوثِ مَالٍ، وَفِي الْوَلَدِ الذَّكَرِ لِبُلُوغِهِ صَحِيحًا، وَفِي الْأُنْثَى حَتَّى تَتَزَوَّجَ، وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا، فَمَنْ بَلَغَ وَبِهِ زَمَانَةٌ تَمْنَعُهُ السَّعْيَ لَمْ تَسْقُطْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: تَسْقُطُ، انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحِقِّ عَجْزُهُ عَنْ التَّكَسُّبِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَتَقَدَّمَا، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا وَقَدَرَ عَلَى حَقِّ الزَّوْجَةِ، فَلَا إدْرَاكَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ وَزَادَ عَنْ الْقَابِسِيِّ، وَالْوَلَدُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الَّذِي يَرْضَعُ فَعَلَى أُمِّهِ رَضَاعُهُ فِي عُسْرِ أَبِيهِ مَعَ قِيَامِهِ بِنَفَقَتِهَا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ، وَفِيهِ أَنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ كُنَّ أَحَقَّ مِنْ وَالِدَتِهِ وَوَلَدِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيّ نَفَقَةُ الْأَبِ فِيمَا فَضَلَ لِلْوَلَدِ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ وَلَدٌ فَقِيلَ: يَتَحَاصُّ الْجَدُّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ، وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: يَبْدَأُ الِابْنُ وَأَرَى أَنْ يَبْدَأَ الِابْنُ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَهْتَدِي لِنَفْعِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ صَحِيحًا أَوْ زَمِنًا، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا تَرَجَّحَ الْقَوْلَانِ، وَكَذَا الْوَلَدُ أَنْ يَبْدَأَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْأُنْثَى عَلَى الذِّكْرِ، وَكَذَا الْأَبَوَانِ تَبْدَأُ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا، وَفِي آخِرِ بَابِ النَّفَقَاتِ مِنْ التَّوْضِيحِ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ اللَّخْمِيّ. (تَنْبِيهٌ) لَوْ رَشَّدَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا بِتَرْشِيدِهِ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا، قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. ص (وَتَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ إلَّا لِقَضِيَّةٍ أَوْ يُنْفِقُ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ) ش: أَيْ وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا بِمُضِيِّ الزَّمَنِ عَنْ قَرِيبِهِ، فَلَوْ تَحَيَّلَ

فِي الْإِنْفَاقِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ لِسَدِّ الْخَلَّةِ، فَإِذَا أَنْسَدَّتْ الْخَلَّةُ زَالَ الْوُجُوبُ، وَهَذَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، فَلَا تَسْقُطُ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ فَتَسْقُطُ إلَّا لِقَضِيَّةٍ أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي قَدْ فَرَضَهَا، فَلَا تَسْقُطُ وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُنْفِقُ، وَلَوْ مَضَى زَمَنُهَا أَوْ يُنْفِقُ عَلَى الْقَرِيبِ شَخْصٌ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهَا الْحَاكِمُ أَوْ يُنْفِقَ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ نَفَقَةَ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ كَحُكْمِ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا يُقْضَى لِلْمُنْفِقِ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا، قَالَ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهَا فَيَقْضِي بِهَا لَهُمَا أَوْ لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ لَكَانَ أَصْوَبَ. الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا رَفَعَ الْأَبَوَانِ إلَى السُّلْطَانِ فِي مَغِيبِ الِابْنِ، وَلَا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ لَمْ يَأْمُرْهُمَا أَنْ يَتَسَلَّفَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إذْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا إلَّا بِالْحُكْمِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهَا الْحَاكِمُ أَوْ يُنْفِقَ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ يَعْنِي إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ وَجَبَتْ بَعْدَ تَوَجُّهِ مُوجِبِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَفَرَضَهَا لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَتَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِغَيْبَةٍ وَشَبَهِهَا أَوْ لَمْ تَتَعَذَّرْ فَأَنْفَقَ عَلَى الْأَبِ أَوْ عَلَى الْوَلَدِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَى التَّبَرُّعِ، بَلْ قَصَدَ الرُّجُوعَ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَفَرَضَهَا الْقَاضِي عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ فِي الْأَبَوَيْنِ، وَالْوَلَدُ إذَا أَنْفَقُوا ثُمَّ طَلَبُوا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَنْفَقُوا وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَقَالَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي: وَإِذَا أَنْفَقَتْ يَعْنِي الزَّوْجَةَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ سَلَفًا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ فَلَهَا اتِّبَاعُهُ إنْ كَانَ فِي وَقْتِ نَفَقَتِهَا مُوسِرًا، فَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ مَا فِي الزَّكَاةِ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي وَمَا فِي النِّكَاحِ بَعْدَ فَرْضِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ هَذَا بِرُمَّتِهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْتُ: فِي زَكَاتِهَا مِثْلُ مَا فِي نِكَاحِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَيُعَدِّي الْوَلَدَ وَالزَّوْجَةَ بِمَا تَسَلَّفَاهُ فِي يُسْرِهِ مِنْ النَّفَقَةِ، انْتَهَى. فَأَوَّلُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى قَوْلِهِ: فَلَهُ الرُّجُوعُ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّ إنْفَاقَ غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ عَلَى الْأَبِ وَالْوَلَدِ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَوَجُّهِ مُوجِبِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَفَرْضُهَا لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ ظَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَبِيعِ عَقَارِ الْغَائِبِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى أَبَوَيْهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفَرَضَ فِي مَالِ الْغَائِبِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ بَلْ قَدْ نَقَلَ هُوَ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالنِّكَاحِ أَنَّهُ يُعَدِّي الْوَلَدَ وَالزَّوْجَةَ بِمَا تَسَلَّفَا فِي يُسْرِهِ مِنْ النَّفَقَة. وَتَقَدَّمَ عَنْهُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُنْفِقَ عَلَى الصَّغِيرِ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ لِأَبِيهِ، وَإِنْ رَأَى الْوَلَدُ كَمَالَهُ وَأَنَّ رُجُوعَهُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْفَقَ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَالَ الْيَتِيمِ أَوْ يُسْرَ الْأَبِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ زَكَاةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الزَّكَاةِ الْأَوَّلُ، وَفِي آخِرِ بَابِ الْمِدْيَانِ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ نِكَاحِهَا الثَّانِي هُوَ فِي أَوَاخِرِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ مَا يُبَاعُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ نَصُّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْهَا هُوَ نَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرُمَّتِهِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَهُوَ بَعْضُ كَلَامِ أَشْهَبَ وَلِتَرْكِهِ كَلَامَ الْكِتَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنْ الْأُمِّ بِلَفْظِهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، قَالَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي: قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى وَلَدِهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ ثُمَّ طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا. قَالَ ذَلِكَ لَهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى أَوْلَادِهَا مِنْهُ إذَا كَانُوا صِغَارًا أَوْ جَوَارِيَ أَبْكَارًا حِضْنَ أَوْ لَمْ يَحِضْنَ وَهَذَا رَأْيِي، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ قَوْلِهِ: قُلْت: أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَعَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ نَفَقَةُ شَهْرٍ لِامْرَأَتِهِ قَدْ كَانَ فَرَضَهَا الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا ثُمَّ اتَّبَعَتْهُ بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ، وَعِنْدَ الزَّوْجِ هَذِهِ

الْعِشْرُونَ دِينَارًا فَقَالَ: تَأْخُذُ نَفَقَتَهَا، وَلَا يَكُونُ عَلَى الزَّوْجِ فِيهَا زَكَاةٌ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ النَّفَقَةُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي وَصَفْت لَكَ إنَّمَا هِيَ نَفَقَةُ وَالِدَيْنِ أَوْ وَلَدٍ، فَقَالَ: لَا تَكُونُ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ دَيْنًا أَبْطَلَ بِهِ الزَّكَاةَ عَنْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ إنَّمَا تَلْزَمُ النَّفَقَةُ لَهُمْ إذَا اتَّبَعُوا ذَلِكَ، وَإِنْ أَنْفَقُوا ثُمَّ طَلَبُوهُ بِمَا أَنْفَقُوا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَنْفَقُوا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا تَلْزَمُهُ مَا أَنْفَقَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْلُبَهُ بِالنَّفَقَةِ إذَا كَانَ مُوسِرًا. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَدْ فَرَضَ لِلْأَبَوَيْنِ نَفَقَةً مَعْلُومَةً فَلَمْ يُعْطِهِمْ ذَلِكَ شَهْرًا، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَا عِنْدَ الرَّجُلِ بَعْدَ هَذَا الشَّهْرِ أَتَجْعَلُ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ هَاهُنَا دَيْنًا فِيمَا فِي يَدَيْهِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي.؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ أَشْهَبُ أَحُطُّ بِهِ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَأُلْزِمُهُ ذَلِكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَهُمَا إنَّمَا تَكُونُ إذَا طَلَبَا ذَلِكَ، وَلَا يُشْبِهَانِ الْوَلَدَ، وَيَرْجِعُ الْوَلَدُ عَلَى الْأَبِ بِمَا تَدَايَنَ الْوَلَدُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَيَحُطُّ ذَلِكَ عَنْهُ الزَّكَاةَ كَانَ بِفَرِيضَةٍ مِنْ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُمْ عَنْ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَوَّلِ مَا كَانُوا حَتَّى يَبْلُغُوا وَالْوَالِدَانِ قَدْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمَا سَاقِطَةً؛ فَإِنَّمَا تَرْجِعُ نَفَقَتُهُمَا بِالْقَضِيَّةِ وَالْحُكْمِ مِنْ السُّلْطَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْفَقُوا ثُمَّ طَلَبُوا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَنْفَقُوا اُنْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُنَاقِضُ مَسْأَلَةَ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ فِيمَنْ أَنْفَقَ عَلَى لَقِيطٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِالنَّفَقَةِ فَيَقُومُ مِمَّا فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، مِثْلُ قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ تُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ قَضِيَّةٍ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيّ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّيُوخِ، وَمَا قَالُوهُ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِشَارَةُ إلَى مُعَارَضَةِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا بِكَلَامِهِ الَّذِي فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَمَا وَفَّقَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاسْتَمَرَّتْ إنْ دَخَلَ زَمِنَةً ثُمَّ طَلَّقَ لَا إنْ عَادَتْ بَالِغَةً أَوْ عَادَتْ الزَّمَانَةُ) ش: أَيْ وَاسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ إنْ دَخَلَ الزَّوْجُ بِالْبِنْتِ حَالَ كَوْنِهَا زَمِنَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ الزَّمِنِ مَالٌ ثُمَّ ذَهَبَ؛ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تَعُودُ عَلَى الْأَبِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَوْلُهُ: لَا إنْ عَادَتْ بَالِغَةً، أَيْ لَا إنْ زُوِّجَتْ الْبِنْتُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَعَادَتْ إلَى الْأَبِ بَالِغَةً؛ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعُودُ عَلَى الْأَبِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ عَادَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ لَوَجَبَ عَلَى الْأَبِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا يُسْقِطُهَا بُلُوغُهَا، بَلْ حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا آخَرَ وَيَدْخُلَ بِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَعُودُ أَصْلًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَعُودُ إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَتَسْقُطَ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُتَيْطِيُّ فَقَالَ: وَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِتَرْشِيدِهِ إيَّاهَا، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَنَّهَا إنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَهِيَ عَلَى نَفَقَتِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ عَادَتْ الزَّمَانَةُ إلَى أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْوَلَدُ زَمِنًا وَقُلْنَا اسْتَمَرَّتْ نَفَقَتُهُ، فَإِذَا صَحَّ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ؛ فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ الزَّمَانَةُ لَمْ تَعُدْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ وَالرَّجْعِيَّةِ) ش: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّجْعِيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرَّضَاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا، فَمَا صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سَعْدٍ فِي الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا لِعُلُوِّ قَدْرٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيّ لِذَاتِ الشَّرَفِ رَضَاعُهُ بِأَجْرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي

تنبيه حضانة الذكر للبلوغ والأنثى

التَّوْضِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَفْتَى بَعْضُ أَشْيَاخِ شَيْخِي بِأَنَّ الشَّرِيفَةَ إذَا تَوَاضَعَتْ لِلْإِرْضَاعِ لَا أَجْرَ لَهَا لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا، وَلَا كَبِيرَ مُؤْنَةٍ عَلَيْهَا فِي لَبَنِهَا. ص (أَوْ يَعْدَمُ الْأَبَ) ش: يُرِيدُ وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ وَلَهَا ابْنٌ وَمَالٌ كَانَتْ مُخَيَّرَةً بَيْنَ أَنْ تُرْضِعَهُ أَوْ تَسْتَرْضِعَهُ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا فَتُجْبَرُ عَلَى رَضَاعِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أُجْبِرَتْ عَلَى أَنْ تَسْتَرْضِعَ لَهُ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى مَنْ أَيْسَرَ مِنْ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ كَانَتْ أَرْضَعَتْهُ أَوْ اسْتَرْضَعَتْ لَهُ مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ عَنْهُمَا ذَلِكَ بِعُدْمِهِمَا، انْتَهَى. ص (وَلَوْ وُجِدَ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهُ مَجَّانًا) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ: إذَا أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا؛ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ لَهُ مَنْ تُرْضِعُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ أُمِّهِ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ بَاطِلًا أَوْ بِدُونِ مَا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْضِعَهُ عِنْدَ أُمِّهِ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَضَانَتِهَا، انْتَهَى. [تَنْبِيه حَضَانَةُ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ وَالْأُنْثَى] ص (وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ وَالْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ لِلْأُمِّ) ش: الْحَضَانَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ، وَهُوَ مَا دُونَ الْإِبِطِ إلَى الْكَشْحِ، وَنَوَاحِي كُلِّ شَيْءٍ وَجَوَانِبُهُ أَحْضَانُهُ، وَكَأَنَّ الصَّبِيَّ ضُمَّ إلَى جَوَانِبِ الْمَحْضُونِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْحَضَانَةُ هِيَ مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ وَمُؤْنَتِهِ وَطَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَضْجَعِهِ وَتَنْظِيفِ جِسْمِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ كَفَالَةِ الْأَطْفَالِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ خَلْقٌ ضَعِيفٌ يَفْتَقِرُ لِكَافِلٍ يُرَبِّيهِ حَتَّى يَقُومَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ قَامَ بِهِ قَائِمٌ سَقَطَ عَنْ الثَّانِي لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي حَوْلِي رَضَاعَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا مَالَ أَوْ كَانَ، وَلَا يُقْبَلُ غَيْرُهَا، انْتَهَى. وَالْكَشْحُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إلَى الضِّلْعِ الْخَلْفِ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. (تَنْبِيهٌ) إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الذَّكَرِ الْبُلُوغُ، وَفِي الْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الذَّكَرِ كَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْحَضَانَةِ أَنَّهَا تَنْقَطِعُ فِي الذُّكُورِ بِالْبُلُوغِ، وَلَوْ كَانَ زَمِنًا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ أَنَّ الْبِنْتَ إذَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ لِلْأُمِّ، وَقَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَوْلُهُ: لِلْأُمِّ ظَاهِرُ التَّصَوُّرِ [مَسْأَلَةٌ الْتَزَمَتْ الْمَرْأَةُ حَضَانَةَ ابْنَتِهَا فَتَزَوَّجَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَضَانَةِ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا الْتَزَمَتْ الْمَرْأَةُ حَضَانَةَ ابْنَتِهَا فَتَزَوَّجَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَضَانَةِ فُسِخَ نِكَاحُهُ حَتَّى يَتِمَّ أَمَدُ الْحَضَانَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ وَأَرَاهُ أَرَادَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ، وَتَتَزَوَّجُ إنْ أَحَبَّتْ تَأَمَّلْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ، انْتَهَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. [مَسْأَلَةٌ إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ عَلَى أَنْ تَرَكَتْ حَضَانَة وَلَدِهَا] ص (وَلَوْ أَمَةً عَتَقَ وَلَدُهَا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْتُ:) ذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَسَرَّرْهَا سَيِّدُهَا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ (مَسْأَلَةٌ) إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ عَلَى أَنْ تَرَكَتْ حَضَانَةَ

وَلَدِهَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهَا، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ تُصَالِحُ الزَّوْجَ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَلَدِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ كَالْحُرَّةِ، انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَضَانَةِ. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْعِتْقِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِعَدَمِ لُزُومِهَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْأَبِ تَعَاهُدُهُ وَأَدَبُهُ وَبَعْثُهُ لِلْمَكْتَبِ) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْأَبِ تَعَاهُدُ وَلَدِهِ عِنْدَ أُمِّهِ وَأَدَبُهُ وَبَعْثُهُ لِلْمَكْتَبِ، وَلَا يَبِيتُ إلَّا عِنْدَ أُمِّهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. (قُلْت) يَجِبُ كَوْنُ الظَّرْفِ الَّذِي هُوَ: عِنْدَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ لِلَّفْظِ: تَعَاهُدُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ لِاتِّصَالِهِ بِمُطَلَّقَتِهِ مَعَ زِيَادَةِ ضَرَرِ زَوْجِهَا بِذَلِكَ. (قُلْت) إذَا تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ، وَلِذَلِكَ شُرِطَ فِي الْجَدَّةِ الَّتِي لَا تَكُونُ عِنْدَ أُمِّهِ الَّتِي سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ أَنَّ لِلْأَبِ تَعَاهُدَهُمْ عِنْدَ الْأُمِّ وَأَدَبَهُمْ، فَإِذَا سَكَنَتْ الْحَاضِنَةُ مَعَ أُمِّهِمْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ تَعَاهُدُهُمْ لِسَبَبِ مَا يَحْدُثُ بِذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَيَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ الْأَبَ لَهُ الْقِيَامُ بِجَمِيعِ أُمُورِ وَلَدِهِ يَخْتِنُهُ وَيَصْنَعُ الصَّنِيعَ، وَلَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ فِي دَارِهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ لِأُمِّهِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْأَبَوَانِ فِي زِفَافِ الْبِنْتِ عِنْدَ أَيِّهِمَا يَكُونُ، فَظَاهِرُ النَّقْلِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأُمِّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَفِيهِ حَقٌّ لِلْأَبِ وَحَقٌّ لِلْأُمِّ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَنِكَاحُ الْأُنْثَى وَدُخُولُهَا: أَخَذَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ إذَا تَنَازَعَا فِيمَنْ تُزَفُّ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأُمِّ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. ص (ثُمَّ جَدَّةُ الْأُمِّ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ جَدَّتُهَا لِأُمِّهَا أَوْ لِأَبِيهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ قَالَ: فَإِنْ اجْتَمَعَا فَأُمُّ أُمِّهَا أَحَقُّ مِنْ أُمِّ أَبِيهَا؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَأُمُّ أُمِّ أُمِّهَا، أَوْ أَمُّ أُمِّ أَبِيهَا، أَوْ أُمُّ أَبِي أَبِيهَا، أَوْ أُمُّ أَبِي أُمِّهَا؛ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْأَرْبَعُ فَأُمُّ أُمِّ الْأُمِّ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ، وَأُمُّ أُمِّ الْأَبِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي أُمِّ الْأَبِ، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أُمَّهَاتُهُنَّ مَا عَلَوْنَ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَأُخْتُ الْأُمِّ الشَّقِيقَةُ، انْتَهَى وَقَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ جَدَّتَانِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَمَنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَارٌ قِيمَتُهَا عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ نَحْوُهَا، فَقَالَتْ أُمُّ الْأَبِ: أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِي وَيَكُونُ مَعِي وَتَبْقَى لَهُ دَارُهُ رِفْقًا بِهِ، وَأَرَادَتْ جَدَّةُ الْأُمِّ بَيْعَهَا لِتُنْفِقَ ثَمَنَهَا، فَجَدَّةُ الْأُمِّ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثِّقِينَ، وَزَادَ: وَقَالَ الْمُشَاوِرُ: يَنْظُرُ إلَى الْأَرْفَقِ بِالصَّبِيِّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. (قُلْت) فِي كَوْنِ الْحَضَانَةِ حَقًّا لِلْحَاضِنِ أَوْ لَلْمَحْضُونِ. ثَالِثُهَا لَهُمَا لِرِوَايَتَيْ الْقَاضِي وَاخْتِيَارِ الْبَاجِيِّ مَعَ ابْنِ مُحَمَّدٍ فَعَلَى الثَّانِي تُقَدَّمُ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ، انْتَهَى. وَالْمُشَاوِرُ هُوَ ابْنُ الْفَخَّارِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ هُنَا. ص (ثُمَّ جَدَّةُ الْأَبِ) ش: يُرِيدُ أُمَّ الْأَبِ ثُمَّ أُمَّ أُمِّهِ ثُمَّ أُمَّ أَبِيهِ. ص (ثُمَّ هَلْ بِنْتُ الْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ أَوْ الْأَكْفَأُ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَقْوَالٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَلْحَقُ

بِنْتَ الْأَخِ، وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى بِنْتِ الْأُخْتِ. ثَالِثُهَا هُمَا سَوَاءٌ، يُرَجَّحُ بِقُوَّةِ الْكَفَاءَةِ لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَنَقْلِ ابْنُ رُشْدٍ اهـ، وَقَدْ حَكَاهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. ص (لَا جَدَّ لِأُمٍّ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ اللَّخْمِيّ لَمْ أَرَ لِلْجَدِّ لِلْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ نَصًّا وَأَرَى لَهُ فِي ذَلِكَ حَقًّا لِأَنَّ لَهُ حَنَانًا، وَلِذَا غُلِّظَتْ الدِّيَةُ فِيهِ وَأُسْقِطَ عَنْهُ الْقَوَدُ، وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْجَدَّانِ فَالْجَدُّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ لِلْأُمِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ وَنَصَّ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ اهـ. (قُلْت:) ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَاضِنَةِ إذَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِمَحْرَمٍ وَإِنَّ حَضَانَتَهَا لَا تَسْقُطُ قَالَ: سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ كَالْعَمِّ وَالْجَدِّ لِلْأَبِ أَوْ مِمَّنْ لَا حَضَانَةَ لَهُ كَالْخَالِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيّ قُلْت: قَوْلُ ابْنِ الْهِنْدِيِّ الْجَدُّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ لِلْأُمِّ بِدَلِيلِ حَضَانَتِهِ، انْتَهَى. ص (وَفِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالصِّيَانَةِ وَالشَّفَقَةِ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ اللَّخْمِيّ إنْ عُلِمَ جَفَاءُ الْأَحَقِّ لِقَسْوَتِهِ أَوْ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَرَأْفَةُ الْأَبْعَدِ قُدِّمَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ: إنْ كَانَتْ قَسْوَتُهُ يَنْشَأُ عَنْهَا إضْرَارُ الْوَلَدِ قُدِّمَ الْأَجْنَبِيُّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْقِيقِ الْحِكْمَةِ، انْتَهَى. ص (وَحِرْزُ الْمَكَانِ فِي الْبِنْتِ يُخَافُ عَلَيْهَا) ش هَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ

فِي التَّوْضِيحِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الذَّكَرِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا، وَهُوَ فِي الْبِنْتِ حِينَ يُخَافَ عَلَيْهَا أَوْ كَذَا انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيَسْكُتَ الْعَامَ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مَنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَضَانَةِ: وَأَمَّا إذَا عَلِمَ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ بِتَزْوِيجِ الْأُمِّ فَقَامَ بَعْدَ طُولِ مُدَّةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْوَلَدِ وَحْدُ الطُّولِ سَنَةٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا كَمَرَضٍ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيَسْكُتَ الْعَامَ ذُكِرَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا وَصِيَّ الطِّفْلِ، انْتَهَى. ص (أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ الْمُرْضِعَةُ عِنْدَ أُمِّهِ) ش: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ صَوَابٌ وَأَنَّ هُنَا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ عِنْدَ بَدَلِ أُمِّهِ، وَهِيَ مَنْ

صَارَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُمَّ إذَا تَزَوَّجَتْ يَلْزَمُ الْأَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمُرْضِعَةِ تُرْضِعُهُ عِنْدَ أُمِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحَضَانَةَ لِلْأُمِّ قَالَ: إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ يَرْضَعُ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا انْتَزَعَهُ مِنْهَا لَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يُرَدُّ إلَيْهَا إذَا طَلُقَتْ. ص (وَلَا تَعُودُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ فَسْخِ الْفَاسِدِ) ش: وَأَمَّا إذَا سَافَرَ وَلِيُّ الْمَحْضُونِ سَفَرَ نُقْلَةٍ وَأَخَذَ الْوَلَدَ ثُمَّ رَجَعَ، فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ إلَى الْأُمِّ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ سَافَرَتْ هِيَ ثُمَّ رَجَعَتْ. قَالَ: إنْ كَانَ سَفَرُهَا اخْتِيَارًا لَمْ تَعُدْ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا عَادَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ لَحِقَتْهَا ضَرُورَةٌ إلَى التَّزْوِيجِ. قَالَ: تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا، انْتَهَى. ص (أَوْ الْإِسْقَاطِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِنَةَ إذَا أَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ: قَالَ لِي ابْنُ عَرَفَةَ الْفَتْوَى عِنْدَنَا فِيمَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تُسْقِطَ هِيَ وَأُمُّهَا الْحَضَانَةَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ فِي الْجَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ قَالَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ اشْتَرِ لِي فَقَدْ أَسْلَمْتُ لَكَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَلَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى مَا بَلَغَنِي يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا بِهِ الْفَتْوَى أَنَّ مَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى إنْ أَسْقَطَتْ هِيَ وَأُمُّهَا الْحَضَانَةَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ فِي الْجَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا وَفِيهَا خِلَافٌ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ فِي عَقْدِ تَسْلِيمِ الْأُمِّ ابْنَهَا إلَى أَبِيهِ: وَعَلَى إنْ سَلَّمَتْ إلَيْهِ ابْنَهَا مِنْهُ وَأَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا فِيهِ وَقَطَعَتْ أُمُّهَا فُلَانَةُ أَوْ أُخْتُهَا فُلَانَةُ حُجَّتَهَا فِيمَا كَانَ رَاجِعًا إلَيْهَا مِنْ حَضَانَتِهَا، وَانْتَقَدَ ذَلِكَ ابْنُ الْفَخَّارِ وَقَالَ: الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: ثُمَّ قَطَعَتْ حُجَّتَهَا فِيمَا كَانَ رَاجِعًا إلَيْهَا مِنْ حَضَانَتِهَا، فَيَدُلُّ هَذَا اللَّفْظُ أَنَّ الْجَدَّةَ قَطَعَتْ حُجَّتَهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَ لَهَا ذَلِكَ، وَأَمَّا بِالْوَاوِ الَّتِي لَا تُفِيدُ رُتْبَةً فَكَأَنَّهَا قَطَعَتْ حُجَّتَهَا قَبْلَ وُجُوبِ الْحَضَانَةِ لَهَا، فَلَا يَلْزَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَتَفْرِقَةُ ابْنِ الْفَخَّارِ بَيْنَ الْعَاطِفَيْنِ ضَعِيفَةٌ فِي الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْهَا، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنْ يُسْقِطَ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ بَعْدَ الْأُمِّ حَضَانَتَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا كَالْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ مَثَلًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْأُمِّ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَأَيْضًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأُمَّ لَا حَضَانَةَ لَهَا فِي حَالِ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَحْرَى فِي حَالَةِ الْعِصْمَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَضَانَةِ وَمُسْتَحِقِّهَا وَأَبُو الْوَلَدِ زَوْجًا لَهَا، وَفِي افْتِرَاقِهِمَا أَصْنَافٌ: الْأَوَّلُ الْأُمُّ إلَخْ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَجَازَ لِلْأَبِ أَخْذَ وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ بَلْ ذَكَرَ اللَّخْمِيّ فِي الشُّرُوطِ النَّاقِضَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهُمَا، وَأَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَصَحَّ بَعْدَهُ وَسَقَطَ الشَّرْطُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ مَنْ يَحْضُنُهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ النَّفَقَاتِ، حَيْثُ قَالَ: كَوَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لَهُ حَاضِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا الْخِلَافُ يَعْنِي فِيمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْحَضَانَةِ

قَبْلَ وُجُوبِهَا كَالْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ مَثَلًا إنَّمَا هُوَ إذَا حَضَرَتْ الْجَدَّةُ أَوْ الْخَالَةُ وَأَشْهَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِإِسْقَاطِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهَا مِنْ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُشْهِدْ عَلَى نَفْسِهَا بِذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ: إنَّ الْأُمَّ إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الْحَضَانَةِ بِشَرْطٍ فِي عَقْدِ الْمُبَارَأَةِ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْجَدَّةِ أَوْ الْخَالَةِ، وَقَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّ الْجَدَّةِ بِتَرْكِ الْأُمِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّ الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَلَا كَلَامَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي إمْضَاءِ نَقْلِ ذِي حَضَانَةٍ إيَّاهَا لِغَيْرِهِ عَلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ مَعَ أَخْذِهِ مِنْ قَوْلِهَا: إنْ صَالَحَتْ زَوْجَهَا عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ عِنْدَهُ جَازَ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ جَدَّةٌ، وَنَقَلَهُ قَائِلًا: كَالشُّفَعَاءِ لَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ تَسْلِيمُهَا لِشَرِيكِ غَيْرِهِ أَحَقِّ بِهَا مِنْهُ. اللَّخْمِيّ إنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ أَخَذَتْهُ الْجَدَّةُ ثُمَّ أَحَبَّتْ أَنْ تُسَلِّمَهُ لِأُخْتِهِ لِأَبِيهِ فَلَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّهُ أُقْعَدُ مِنْهَا، وَإِنْ أَمْسَكَتْهُ ثُمَّ طَلُقَتْ الْأُمُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ رَدِّهِ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ. (قُلْت:) إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْأُمِّ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا دَائِمًا، بَلْ مَا دَامَتْ زَوْجَةً، انْتَهَى. ص (إلَّا لِكَمَرَضٍ) ش: أَيْ فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ تَتْرُكَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ سَنَةً وَنَحْوَهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَحَكَى فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا خِلَافًا فِيمَا إذَا مَاتَ هَلْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ مِمَّنْ تَصِيرُ إلَيْهِ الْحَضَانَةُ بَعْدَهُ أَمْ لَا، وَنَصُّ كَلَامِهِ: (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْت مَالِكًا قَالَ فِي امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَرَدَّتْهُ عَلَيْهِ اسْتِثْقَالًا لَهُ ثُمَّ طَلَبَتْهُ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهَا إذَا رَدَّتْهُ إلَيْهِ اسْتِثْقَالًا لَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي حَضَانَتِهِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَضَانَةَ مِنْ حَقِّ الْمَحْضُونِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَوْ كَانَتْ إنَّمَا رَدَّتْهُ إلَيْهِ مِنْ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ انْقِطَاعِ لَبَنِهَا لَكَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إذَا صَحَّتْ أَوْ عَادَ إلَيْهَا اللَّبَنُ عَلَى مَا وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ تَرَكَتْهُ بَعْدَ أَنْ زَالَ الْعُذْرُ حَتَّى طَالَ الْأَمَدُ السَّنَةَ وَشَبَهَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ مَاتَ هَلْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ مِمَّنْ تَصِيرُ إلَيْهِ الْحَضَانَةُ بَعْدَهُ، قَالَ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ رَأَى تَرْكَهَا إيَّاهُ عِنْدَ أَبِيهِ إسْقَاطًا مِنْهَا لَحَقِّهَا فِي حَضَانَتِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لَهُ عِنْدَ أَبِيهِ إنَّمَا يُحْمَلُ مِنْهَا عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا لِلْأَبِ خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ إذَا قَامَتْ الْجَدَّةُ بَعْدَ السَّنَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَرَضَ عَلَيْهَا فَأَبَتْ مِنْ أَخْذِهِ، وَهَذَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي السُّكُوتِ هَلْ هُوَ كَالْإِقْرَارِ وَالْإِذْنِ أَمْ لَا، وَهُوَ أَصْلٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ص (وَلِلْحَاضِنِ قَبْضُ نَفَقَتِهِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلِمَنْ الْوَلَدُ فِي حَضَانَتِهِ مِنْ أُمٍّ وَغَيْرِهَا أَنْ تَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَلَدُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ، وَإِنْ قَالَ الْأَبُ: هُوَ يَأْكُلُ عِنْدِي ثُمَّ يَعُودُ إلَيْكِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْوَلَدِ وَعَلَى الْحَاضِنَةِ إذْ الْأَطْفَالُ يَأْكُلُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَتَبَ شَبْحَرَةُ لِسَحْنُونٍ فِي الْخَالَةِ الْحَاضِنَةِ إذَا قَالَ الْأَبُ: إنَّهَا تَأْكُلُ مَا أُعْطِيهِ، وَطَلَبَ الْأَبُ أَنَّهُ يَأْكُلُ عِنْدَهُ وَيُعَلِّمُهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ، فَجَعَلَ لِلْحَاضِنَةِ أَنْ يَأْوِيَ إلَيْهَا فَقَطْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَعَلَّهُ ظَهَرَ صِدْقُهُ فِي السُّؤَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا التَّفْصِيلَ نَصًّا فِي الْعُتْبِيَّةِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَحْنُونٍ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ أَيْضًا فِي

فرع للحاضنة الإخدام

الْمُنْتَقَى فِي الْقَضَاءِ بِالْحَضَانَةِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ شَكَا الْأَبُ ضَيَاعَ نَفَقَةِ ابْنِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَهُ فَقَدْ كَتَبَ إلَى سَحْنُونٍ شَبْحَرَةُ فِي الْخَالَةِ تَجِبُ لَهَا الْحَضَانَةُ، فَيَقُولُ الْأَبُ يَكُونُ وَلَدِي عِنْدِي لِأُعَلِّمَهُ وَأُطْعِمَهُ؛ لِأَنَّ الْخَالَةَ تَأْكُلُ مَا أَرْزُقُهُ، وَهِيَ تُكَذِّبُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيُعَلِّمَهُ وَتَكُونُ الْحَضَانَةُ لِلْخَالَةِ، فَجَعَلَ الْحَضَانَةَ أَنْ يَأْوِيَ إلَيْهَا وَتُبَاشِرَ سَائِرَ أَحْوَالِهِ مِمَّا لَا يَغِيبُ عَلَيْهَا مِنْ نَفَقَتِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ وَطَلَاقِ السُّنَّةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا بِنْتُ أَرْبَعِ سِنِينَ فَيَقُولُ: مَا عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهَا أَرْسِلِيهَا إلَيَّ تَأْكُلُ مَعِي فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِهَا، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فِيمَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ أَمْرًا غَالِبًا مَعْرُوفًا قِيلَ لَهَا أَرْسِلِيهَا تَأْكُلُ مَعَ أَبِيهَا وَتَأْتِيكِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ لِلرَّجُلِ الْمُوسِرِ أَنْ تَأْكُلَ ابْنَتُهُ عِنْدَهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ نَفَقَتَهَا إلَى أُمِّهَا الْحَاضِنَةِ لَهَا؛ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ نُظِرَ فِي حَالِهِ؛ فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُ قَوْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ الضَّرَرَ بِمَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَلَدُهُ عِنْدَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا، وَقَالَ بَعْدَهُ: (قُلْت:) وَنَقَلَهُ ابْنُ فَتُّوحٍ غَيْرَ مُعْزٍ وَكَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلِابْنِ زُرَّقُونَ عَنْ الْبَاجِيِّ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْخَالَةِ وَنَقَلَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ الْمُتَقَدِّمَ بِرُمَّتِهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: (قُلْت:) كَذَا فِي النَّوَادِرِ. وَهُوَ خِلَافُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ طَعَامَ الْمَحْضُونِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ حَاضِنَتِهِ مَنْ كَانَتْ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْبَاجِيِّ وَابْنِ زُرَّقُونَ فِي قَبُولِهِمَا هَذَا، وَتَصْدِيقُ الْأَبِ عَلَى الْخَالَةِ أَنَّهَا تَأْكُلُ رِزْقَهُمْ وَيَأْتِي لِلشَّعْبِيِّ نَحْوُ هَذَا، انْتَهَى. ص (وَالسُّكْنَى بِالِاجْتِهَادِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَلَى الْأَبِ السُّكْنَى، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: تَكُونُ السُّكْنَى عَلَى حَسَبِ الِاجْتِهَادِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَلَى قَدْرِ الْجَمَاجِمِ، وَرَوَى لَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا، وَقِيلَ: إنَّهَا عَلَى الْمُوسِرِ مِنْ الْأَبِ وَالْحَاضِنَةِ، وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأُمِّ مِنْ السُّكْنَى، وَرَأَى اللَّخْمِيّ أَنَّ الْأَبَ إنْ كَانَ فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ أَوْ بِكِرَاءٍ، وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ مَعَهُ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فِي الْكِرَاءِ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَنْدُوحَةٍ عَنْ دَفْعِ الْأُجْرَةِ فِي سُكْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ يُزَادُ عَلَيْهِ فِي الْكِرَاءِ أَوْ عَلَيْهَا هِيَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِمَّا يُزَادُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لِأَجْلِهِ؛ فَإِنْ كَانَ مَا زِيدَ عَلَيْهَا أَقَلَّ أَخَذَتْهُ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي أَضَرَّ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مَا يُزَادُ عَلَيْهِ غَرِمَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ. وَفِي الطُّرَرِ لَا سُكْنَى لِلرَّضِيعِ عَلَى أَبِيهِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الرَّضَاعَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهُ خَلِيلٌ، وَلَا أَظُنُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الرَّضِيعِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ لَا. فَقَالَ: (فَائِدَةٌ) فِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ لَا، مِنْهَا هَذِهِ يَعْنِي أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ الَّذِي فِيهِ الْمَحْضُونُ، وَمِنْهَا أُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ، وَمِنْهَا كَنْسُ الْمِرْحَاضِ، وَمِنْهَا حَارِسُ الْأَنْدَرِ، وَمِنْهَا أُجْرَةُ الْقَاسِمِ، وَمِنْهَا التَّقْوِيمُ عَلَى الْمُعْتِقِينَ، وَمِنْهَا الشُّفْعَةُ إذَا وَجَبَتْ لِلشُّرَكَاءِ هَلْ هِيَ عَلَى الشُّرَكَاءِ أَوْ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَمِنْهَا الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَمِنْهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، وَمِنْهَا إذَا أَرْسَلَ أَحَدُ الصَّائِدَيْنِ كَلْبَهُ وَالْآخَرُ كَلْبَيْنِ، وَمِنْهَا إذَا أَوْصَى بِمَجَاهِيلَ مِنْ أَنْوَاعٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ [فَرْعٌ لِلْحَاضِنَةِ الْإِخْدَامُ] (فَرْعٌ) وَلِلْحَاضِنَةِ الْإِخْدَامُ إنْ كَانَ الْأَبُ مَلِيًّا وَاحْتَاجَ الْمَحْضُونُ لِمَنْ يَخْدُمُهُ، قَالَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَخَذَ الْوَلَدَ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ فَعَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ وَسُكْنَاهُمْ مَا بَقَوْا فِي الْحَضَانَةِ وَيَخْدُمُهُمْ إنْ احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ وَكَانَ الْأَبُ مَلِيًّا وَلِحَاضِنَتِهِمْ قَبْضُ نَفَقَتِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا إخْدَامَ عَلَى الْأَبِ نَقَلَهُ عَنْهُ اللَّخْمِيّ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ كَلَامَ اللَّخْمِيّ، وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ اللَّخْمِيّ وَاخْتُلِفَ فِي خِدْمَتِهِ فَفِيهَا إنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ

كتاب البيوع

خَادِمٍ لِضَعْفِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَالْأَبُ يَقْوَى عَلَى إخْدَامِهِمْ، وَلِابْنِ وَهْبٍ لَا خِدْمَةَ عَلَيْهِ، بِهِ قَضَى أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ، وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْخِدْمَةِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِسْكَانِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْخِدْمَةِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ اللَّخْمِيّ رَأَى أَنْ يُفَصِّلَ فِي الْخِدْمَةِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي السُّكْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلَا شَيْءَ لِحَاضِنٍ لِأَجْلِهَا) ش: وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ يَتَامَى كَانَ لِلْأُمِّ أَجْرُ الْحَضَانَةِ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً وَالْأَوْلَادُ مَيَاسِيرُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِمْ وَلَوْ لَمْ تَحْضُنْهُمْ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً فَقَالَ مَالِكٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَمَرَّةً قَالَ: لَهَا النَّفَقَةُ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ وَفَاةِ الْأَبِ، وَقَالَ أَيْضًا: تُنْفِقُ بِقَدْرِ حَضَانَتِهَا إذَا كَانَتْ لَوْ تَرَكَتْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ حَاضِنٍ، فَجَعَلَ لَهَا فِي هَذَا الْقَوْلِ الْآخَرِ دُونَ النَّفَقَةِ، وَأَرَى إنْ هِيَ تَأَيَّمَتْ لِأَجْلِهِمْ وَكَانَتْ هِيَ الْحَاضِنَةَ وَالْقَائِمَةَ بِأَمْرِهِمْ أَنْ يَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْهُمْ وَتَزَوَّجَتْ أَتَى مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَكَانَ مِنْ النَّظَرِ لِلْوَلَدِ كَوْنُهُمْ فِي نَظَرِهَا وَخِدْمَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَأَيَّمَتْ لِأَجْلِهِمْ أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا يَتَزَوَّجُ كَانَ لَهَا الْأُجْرَةُ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ نَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْدُمُهُمْ أَوْ اسْتَأْجَرَتْ مِنْ يَقُومُ بِخِدْمَتِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ نَاظِرَةٌ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْوَلَدِ فَقَطْ لَمْ أَرَ لَهَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْبُيُوعِ] (كِتَابُ الْبُيُوعِ) هَذَا أَوَّلُ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ طَرِيقَةَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ النِّكَاحَ وَتَوَابِعَهُ فِي الرُّبْعِ الثَّانِي وَالْبَيْعَ وَتَوَابِعَهُ فِي الرُّبْعِ الثَّالِثِ، وَالْمَعْنَى: هَذَا بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ الْبَيْعُ وَأَحْكَامُهُ. وَبَابُ الْبَيْعِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ: يَكْفِي رُبْعُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ النِّكَاحِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْقَبَسِ عَنْ الْقَاضِي الزَّنْجَانِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ عَقْدَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا قِوَامُ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْغِذَاءِ وَمُفْتَقِرًا إلَى النِّسَاءِ وَخَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى يَتَصَرَّفُ كَيْفَ شَاءَ بِاخْتِيَارِهِ إلَى آخِرِهِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْعَمَلُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَرِزُ مِنْ إهْمَالِ ذَلِكَ فَيَتَوَلَّى أَمْرَ شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ بِمُشَاوَرَتِهِ، وَلَا يَتَّكِلُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ أَوْ يَعْرِفُهَا وَيَتَسَاهَلُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ وَعُمُومِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَضْلِ خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ: يَنْبَغِي لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ أَتَى بِالسُّنَّةِ عَلَى وَجْهِهَا وَبَرِئَ - مِنْ الْكِبْرِ،. وَإِنْ عَاقَهُ عَائِقٌ اسْتَنَابَ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ، فَتَجِدُ بَعْضَهُمْ يَبْحَثُ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي الدَّرْسِ وَيَسْتَدِلُّ وَيُجِيزُ وَيَمْنَعُ وَيُكَرِّهُ، فَإِذَا قَامَ أَرْسَلَ إلَى السُّوقِ مَنْ يَقْضِي لَهُ الْحَاجَةَ صَبِيًّا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَفِي السُّوقِ مَا قَدْ عَلِمَ مِنْ جَهْلِ أَكْثَرِ الْبَيَّاعِينَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا، انْتَهَى. وَالْبَيْعُ لُغَةً: مَصْدَرُ بَاعَ الشَّيْءَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ أَوْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ، وَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207] . وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» أَيْ لَا يَشْتَرِ عَلَى شِرَائِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَضْدَادِ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ

فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] مَعْنَاهُ بَاعُوا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَذَكَرَ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ لُغَةَ قُرَيْشٍ اسْتِعْمَالُ بَاعَ إذَا أَخْرَجَ وَاشْتَرَى إذَا أَدْخَلَ، قَالَ: وَهِيَ أَفْصَحُ، وَعَلَى ذَلِكَ اصْطَلَحَ الْعُلَمَاءُ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ، وَأَمَّا شَرَى فَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى بَاعَ فَفَرْقٌ بَيْنَ شَرَى وَاشْتَرَى، وَالشِّرَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَالْبَيِّعَانِ وَالْمُتَبَايِعَانِ: الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّعٌ وَبَائِعٌ وَمُشْتَرٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، وَنَصُّهُ: الْبَيِّعَانِ تَثْنِيَةُ بَيِّعٍ، وَهُوَ يُقَالُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَمَا يُقَالُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، انْتَهَى. وَعَرَّفَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ لُغَةً بِأَنَّهُ: إعْطَاءُ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، أَوْ مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَيُقَالُ: بَاعَ الشَّيْءَ يَبُوعُهُ بَوْعًا إذَا قَاسَهُ بِالْبَاعِ. وَهُوَ قَدْرُ مَدِّ الْيَدَيْنِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَهَذَا وَاوِيُّ الْعَيْنِ، وَالْبَيْعُ يَائِيُّ الْعَيْنِ، وَأَبَعْتُ الشَّيْءَ عَرَّضْتُهُ لِلْبَيْعِ وَاسْتَبْتَعْتُهُ الشَّيْءَ أَيْ سَأَلْتُهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي، وَيُقَالُ بَايَعْتُهُ مِنْ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْبَيْعَةِ هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ ضَرُورِيَّةٌ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ. (قُلْتُ:) وَمَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْبَاجِيُّ فَقَالَ: إنَّ الْأَقْرَبَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مَعْرُوفَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، فَلَا تَحْتَاجُ إلَى حَدٍّ وَلِهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَمْ يُعَرِّفْهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْبَاجِيِّ فَقَالَ: قُلْت: الْمَعْلُومُ ضَرُورَةُ وُجُودِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجِّ، انْتَهَى. (قُلْت:) وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ: دَفْعُ عِوَضٍ فِي مُعَوَّضٍ، قَالَ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ. وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا يَنْبَغِي تَعْرِيفُ الصَّحِيحِ مِنْهَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَمَعْرِفَتُهُ تَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ الْفَاسِدِ أَوْ أَكْثَرَهُ، فَقَالَ: نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ، وَيَعْتَقِدُ قَائِلُ هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ، انْتَهَى. وَلَفْظَةُ الْعِوَضِ فِي التَّعْرِيفَيْنِ تُوجِبُ خَلَلًا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْبَيْعِ أَوْ مَا هُوَ مَلْزُومٌ لِلْبَيْعِ، انْتَهَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِوَضَ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَمَعْرِفَتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ النَّوْعِ عَلَى مَعْرِفَةِ جِنْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَازِمٌ وَمَلْزُومٌ وَمَعْرِفَةُ أَحَدِهِمَا لَازِمٌ لِمَعْرِفَةِ الْآخَرِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَلْزُومٌ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَعْقُودُ لَزِمَ وُجُودُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ عَقْدَيْنِ، فَتَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الْعِوَضِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْبَيْعِ أَوْ مَعْرِفَةِ مَا هُوَ مَلْزُومٌ لِلْبَيْعِ، وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْبَيْعِ تَوَقَّفَتْ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي حَدِّهِ فَجَاءَ الدَّوْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْإِيرَادِ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ لِأَحَدِ نَقْلَيْ اللَّخْمِيّ أَنَّ الْبَيْعَ التَّعَاقُدُ وَالتَّقَابُضُ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ التَّعَقُّبَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ، وَالتَّعْرِيفُ الثَّانِي لِلْمَازِرِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ وَتَعَقَّبَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ، وَأَنَّ الثَّانِيَ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ لَازِمٌ لِلْبَيْعِ وَأَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِغَيْرِهِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ، وَكَوْنُهُ بِعِوَضٍ يُخَصِّصُهُ بِالْبَيْعِ عَنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَلَا يُصَيِّرُهُ نَفْسَ الْبَيْعِ، قَالَ وَيَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ، وَفِي تَتِمَّاتِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ: أَبِيعُكَ سُكْنَى دَارِي سَنَةً فَذَلِكَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ. وَهُوَ كِرَاءٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: الْعِوَضُ أَخَصُّ مِنْ الْبَيْعِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ لِثُبُوتِهِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ لِابْنِ بَشِيرٍ النِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى الْبُضْعِ بِعِوَضٍ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْعِوَضُ الْبَدَلُ وَنَحْوُهُ، قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: يُقَالُ: أَصَبْتُ مِنْهُ الْعِوَضَ، وَقَسَّمَ النُّحَاةُ التَّنْوِينَ أَقْسَامًا أَحَدُهَا تَنْوِينُ الْعِوَضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى. (قُلْت:) وَالتَّعْرِيفُ الثَّانِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السَّلَمِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ فَقَالَ: نَقْلُ الْمِلْكِ عَلَى عِوَضٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فَقَطْ قَالَ عَنْهُ: وَهُوَ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَ يَنْقُلُ الْمِلْكَ

قَالَ: وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَنْقُلُهُ لَمْ يَشْمَلْهُ لَكِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَكُونُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُمْ صَحِيحَةً لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْتَقَلَ عَنْ حُكْمِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ خَلِيلٌ، وَإِنْ أَرَدْتُ إخْرَاجَهُ بِوَجْهٍ لَا شَكَّ فِيهِ فَزِدْ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. (قُلْت:) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعُمُومِ الَّذِي لَا تَخْصِيصَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَيْعٌ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعُمُومِ الَّذِي يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خُرُوجِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَيْعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ إبَاحَةَ كُلِّ بَيْعٍ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ تَفَاضُلٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ التَّفَاضُلَ الْمَمْنُوعَ مِنْ الْجَائِزِ، وَقِيلَ: إنَّ الْإِجْمَالَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ تَحْرِيمُ بَعْضِ الْبُيُوعِ فَصَارَتْ الْآيَةُ مُحْتَاجَةً إلَى بَيَانِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَصِحُّ مَعَهَا، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ مِنْ الِاعْتِذَارِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْفَاسِدِ بَيْعًا عِنْدَ الْعَرَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَسْئِلَةٌ وَأَصْلُهَا لِابْنِ رَاشِدٍ وَعَنْهُ نَقَلَهَا الشَّارِحُ الْكَبِيرُ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْبَيْعَ عِلَّةٌ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ يُقَالُ: انْتَقَلَ الْمِلْكُ لِمُشْتَرِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ ابْتَاعَهَا، وَالْعِلَّةُ مُغَايِرَةٌ لِلْمَعْلُولِ فَلَا يُمْكِنُ حَدُّ الْبَيْعِ بِالنَّقْلِ. الثَّانِي أَنَّ النَّقْلَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ مَجَازٌ فِي الْمَعَانِي، وَالْمَجَازُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحُدُودِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمِلْكَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا هُوَ التَّصَرُّفُ اُنْتُقِضَ بِتَصَرُّفِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ؛ فَإِنَّهُمَا غَيْرُ مَالِكَيْنِ وَهُمَا يَتَصَرَّفَانِ. وَقَدْ يُوجَدُ الْمِلْكُ وَلَا تَصَرُّفَ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُوجَدَانِ مَعًا فِي الْمَالِكِ الرَّشِيدِ، وَإِذَا كَانَتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ مَجْهُولَةً فَيَكُونُ قَدْ عَرَّفَ الْبَيْعَ بِمَا هُوَ أَخْفَى مِنْهُ اهـ. (قُلْت:) السُّؤَالُ الْأَوَّلُ قَرِيبٌ مِنْ الْإِيرَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْحَدِّ التَّامِّ أَوْ النَّاقِصِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالرَّسْمِ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ التَّعْرِيفُ بِلَازِمِ الشَّيْءِ، وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْهُ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَدٍّ مَعَ مَحْدُودِهِ تَقُولُ: هَذَا إنْسَانٌ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، وَيُجَابُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي بِأَنَّ النَّقْلَ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فِي الْمَعْنَى فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ، وَيُجَابُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّالِثِ بِنَحْوِ مَا أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ بَلْ يَكْفِي تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ مَا، وَقَدْ عَرَّفَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْمُوفِي ثَمَانِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ فَقَالَ: قَاعِدَةُ التَّصَرُّفِ وَقَاعِدَةُ الْمِلْكِ اعْلَمْ أَنَّ الْمِلْكَ أَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ ضَبْطُهُ؛ فَإِنَّهُ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَةٌ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ وَلَا يَتَصَرَّفُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ حَقِيقَةُ الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي صُورَةٍ، وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ. أَمَّا أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مُتَعَلِّقِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ، وَالتَّعَلُّقُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لَيْسَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا، بَلْ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ فِي الْمِلْكِ، وَقَوْلُنَا: فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ، وَالْمَنَافِعَ بِالْإِجَارَةِ، وَقَوْلُنَا: يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِيُخْرِجَ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْقَاضِي، وَقَوْلُنَا: الْعِوَضُ عَنْهُ لِيُخْرِجَ الْإِبَاحَةَ فِي الضِّيَافَاتِ؛ فَإِنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلِتُخْرِجَ أَيْضًا

الِاخْتِصَاصَاتُ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَمَوَاضِعِ الْمَنَاسِكِ وَمَقَاعِدِ السُّوقِ؛ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ التَّمَكُّنِ الشَّرْعِيِّ مِنْ التَّصَرُّفِ. وَقَوْلُنَا: مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ لِمَانِعٍ كَالْحَجْرِ وَالْوَقْفِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الِانْتِفَاعُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ كَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ تَرْجِعُ إلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ فَهِيَ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَلَا مِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْجَامِكِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْمِلْكَ مُحَصَّلٌ فِيهَا لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا وَعَنْهَا ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ.؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَأَنَّهُ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ فِي تَصَرُّفَاتٍ خَاصَّةٍ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطُهَا وَأَرْكَانُهَا، وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْإِبَاحَةِ، وَالتَّعَلُّقُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ بَلْ فِي الْأَذْهَانِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ الْحَدَّ فَنَقُولُ: الْمِلْكُ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَأَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ، فَبِهَذَا اللَّفْظِ اسْتَقَامَ الْحَدُّ وَظَهَرَ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ سَبَبًا لِلِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبِّبَاتٍ كَثِيرَةٍ كَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ اهـ. (قُلْت:) وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَالْوَضْعِ مَعًا، وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ أَنَّهُمَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ الْقَرَافِيِّ فِي حَدِّ الْمِلْكِ، وَقَالَ: إنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ، وَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي حَدِّهِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، هَذَا إنْ قُلْت: إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُهَا زِدْنَا فِي الْحَدِّ بَعْدَ قَوْلِنَا: وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ، فَقُلْنَا: أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً اهـ. وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَيَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ لَيْسَ هُوَ اعْتِرَاضًا عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْبَيْعِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْبَيْعِ الْأَعَمِّ، وَلَا عَلَى الْمَازِرِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إدْخَالَهُمَا فِيهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُعَلِّمِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ لِبَلَاغَتِهَا وَحِكْمَتِهَا وَحِرْصِهَا عَلَى تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى لِلْإِفْهَامِ بِأَدْنَى عِبَارَةٍ تَخُصُّ كُلَّ مَعْنًى بِعِبَارَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا لِلْآخَرِ فِي أَكْثَرِ وُجُوهِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ الْأَمْلَاكُ تَنْتَقِلُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ سَمَّوْا الْأَوَّلَ بَيْعًا فَحَقِيقَتُهُ نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ، وَلَكِنَّ الْمُعَاوَضَةَ إنْ كَانَتْ عَلَى الرِّقَابِ خَصُّوهَا بِتَسْمِيَةِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَنَافِعِ خَصُّوهَا بِتَسْمِيَةِ الْإِجَارَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُ فُرُوجٍ فَخَصُّوهَا أَيْضًا بِتَسْمِيَتِهَا نِكَاحًا. ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ التَّنْبِيهِ: الْبَيْعُ بِالْقَوْلِ الْكُلِّيِّ يُطْلَقُ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ، لَكِنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنَافِعَ أَوْ عَيْنًا، وَنَعْنِي بِالْعَيْنِ كُلَّ ذَاتٍ مُشَارٍ إلَيْهَا، وَالْمَنَافِعُ إنْ كَانَتْ أَبْضَاعَ النِّسَاءِ سُمِّيَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا نِكَاحًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ سُمِّيَ أَيْضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ إجَارَةً اهـ. وَقَدْ أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ وَغَيْرُهُ الْبَيْعَ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ أَبِيعُكَ سُكْنَى دَارِي سَنَةً فَذَلِكَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ كِرَاءٌ صَحِيحٌ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْبَيْعِ إطْلَاقَيْنِ أَعَمَّ وَأَخَصَّ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَالْأَعَمُّ يَشْمَلُ النِّكَاحَ وَالصَّرْفَ وَالسَّلَمَ وَالْإِجَارَةَ وَهِبَةَ الثَّوَابِ، وَالْأَخَصُّ لَا يَشْمَلُ إلَّا الْبَيْعَ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْإِطْلَاقِ الْأَخَصِّ غَلَطَ فِي

الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَطْلَقَ الْبَيْعَ عَلَى الْكِرَاءِ فِي اللَّفْظِ وَجَعَلَهُ كِرَاءً صَحِيحًا بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى الْأَعَمِّ، لَكِنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ غَالِبًا فَلِذَلِكَ أَخْرَجَ ابْنُ عَرَفَةَ النِّكَاحَ وَالْإِجَارَةَ مِنْ حَدِّ الْبَيْعِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ فَقَالَ: الْبَيْعُ الْأَعَمُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ، فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ وَالنِّكَاحُ وَتَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ وَالصَّرْفِ وَالْمُرَاطَلَةِ وَالسَّلَمِ، وَتَدْخُلُ فِيهِ الْمُبَادَلَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ فِي الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى أَعْنِي تَوْلِيَةَ الْبَعْضِ، وَالْقِسْمَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ كَالشَّرِكَةِ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِصِدْقِ حَدِّ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ عَلَيْهَا، وَلَا تَدْخُلُ الشُّفْعَةُ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ أَخْذَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الَّتِي بَاعَهَا بِثَمَنِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَالْغَالِبُ عُرْفًا أَخَصُّ مِنْهُ بِزِيَادَةِ ذِي مُكَايَسَةٍ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيَّنٌ غَيْرَ الْعَيْنِ فِيهِ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ، وَيَعْنِي بِالْأَرْبَعَةِ هِبَةَ الثَّوَابِ وَالصَّرْفِ وَالْمُرَاطَلَةِ وَالسَّلَمِ، فَتَخْرُجُ مِنْهُ هِبَةُ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِ: ذُو مُكَايَسَةٍ، وَالْمُكَايَسَةُ: الْمُغَالَبَةُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: كَايَسْتُهُ فَكِسْتُهُ أَيْ غَلَبْتُهُ، وَهُوَ يُكَايِسُهُ فِي الْبَيْعِ اهـ. وَالْمُمَاكَسَةُ قَرِيبٌ مِنْ الْمُكَايَسَةِ، قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: تَمَاكَسَ الْمُتَبَايِعَانِ تَشَاحَّا اهـ. وَيَخْرُجُ الصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ بِقَوْلِهِ: أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَيَخْرُجُ السَّلَمُ بِقَوْلِهِ: مُعَيِّنٌ غَيْرَ الْعَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِي السَّلَمِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي حَدِّهِ لِلْبَيْعِ سَلَمُ الْعِوَضِ فِي عَرَضٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ الْعِوَضَانِ لَمْ يَتَعَيَّنَا، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا الَّذِي هُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ فَصَدَقَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ غَيْرُ الْعَيْنِ أَيْ جَمِيعُهُ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ بَعْضُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَدَفْعُ عِوَضٍ فِي مَعْلُومٍ قَدْرِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ غَيْرِ مَسْكُوكٍ لِأَجَلٍ سَلَمٌ لَا بَيْعٌ لِأَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ بَيْعُهُ، وَلَوْ بِيعَ مُعَيَّنًا انْفَسَخَ بَيْعُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ اهـ. (قُلْت:) اُنْظُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي حُكِمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا سَلَمٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَدِّهِ لِلْبَيْعِ فَتَأَمَّلْهُ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:؛ " لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ " عَائِدٌ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِي حَدِّهِ لِلْبَيْعِ السَّلَمُ فِي ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ مَعَ أَنَّهُ يُسَمَّى سَلَمًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَعْضُ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ لَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِعِوَضٍ يُسَاوِي ذَلِكَ أَوْ يُقَارِبُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا مُتْعَةَ لَذَّةٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ ظَاهِرُ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ وَأَجْوِبَتِهَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ وَمَاهِيَّتِه فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَحَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ فَهُوَ الْمُحِيطُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَهُوَ الْعَالِمُ بِمَا يُحَصِّلُهَا، وَالْمَطْلُوبُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ مَا يُمَيِّزُهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَمَّا يُشَارِكُهَا فِي بَعْضِ حَقَائِقِهَا حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهَا مَا يَسْرِي إلَى النَّفْسِ، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: مَا الْإِنْسَانُ، فَيُقَالُ: مُنْتَصِبُ الْقَامَةِ فَيَحْصُلُ تَمْيِيزُهُ عَنْ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُسْرِعُ إلَى النَّفْسِ دُخُولُهَا لَا كُلُّ حَقِيقَةٍ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَائِطُ وَالْعَمُودُ وَكُلُّ مُنْتَصِبِ الْقَامَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي هَذَا الْكَلَامِ لَمْ يَقَعْ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، قَالَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْمَنْطِقِيِّينَ: وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا مَا يَقَعُ مِنْ حُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَصْدُهُمْ التَّمْيِيزَ عَلَى مَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ فِي النَّفْسِ، وَلَوْ بِأَدْنَى خَاصِّيَّةٍ فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِمْ الْمُتَأَخِّرُونَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالْحَقَائِقِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ، وَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَكَذَلِكَ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي رَفْعِ الْحِجَابِ فِي بَعْضِ رُسُومِ التَّلْخِيصِ فَكُلُّ مَنْ عَرَّفَ الْبَيْعَ بِمَا عَرَّفَهُ بِهِ إنَّمَا هُوَ تَصَوَّرَ مَعْرِفَتَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا تَحْصُلُ مَعْرِفَتُهُ بِجَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِمْ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَبَعْضُهُمْ يُقَسِّمُ الْبَيْعَ الْأَعَمَّ وَيَزِيدُ فِي التَّفْصِيلِ فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ فَيَقُولُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعَ أَعْيَانٍ أَوْ بَيْعَ مَنَافِعَ، وَالْمَنَافِعُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَنَافِعُ جَمَادٍ وَهُوَ الْمُتَرْجَمُ لَهُ بِأَكْرِيَةِ الدُّورِ

وَالْأَرْضِينَ، وَمَنَافِعُ حَيَوَانٍ. وَالْحَيَوَانُ عَلَى قِسْمَيْنِ: حَيَوَانٌ لَا يَعْقِلُ وَهُوَ الْمُتَرْجَمُ لَهُ بِأَكْرِيَةِ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ، وَحَيَوَانٌ يَعْقِلُ. وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْفُرُوجِ، وَهُوَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ أَوْ بِغَيْرِ الْفُرُوجِ، وَهُوَ الْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى اصْطِلَاحِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّرَاجِمَ الْمَذْكُورَةَ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّقْسِيمِ مَنَافِعُ الْعَرْضِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ غَالِبًا إجَارَةً، وَبَيْعُ الْأَعْيَانِ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ كَثِيرَةٍ مِنْ حَيْثِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَيَنْقَسِمُ مِنْ حَيْثُ تَأْجِيلُ أَحَدِ عِوَضَيْهِ أَوْ كِلَيْهِمَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَأْجِيلٌ فَهُوَ بَيْعُ النَّقْدِ، وَإِنْ تَأَجَّلَا مَعًا ابْتِدَاءً فَهُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَإِنْ تَأَجَّلَ الثَّمَنُ فَقَطْ فَهُوَ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ تَأَجَّلَ الْمَثْمُونُ فَقَطْ فَهُوَ السَّلَمُ، وَيَنْقَسِمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ أَحَدِ عِوَضَيْهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ، وَبَيْعُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، وَبَيْعُ الْعَرْضِ بِالْعَيْنِ. وَيَنْقَسِمُ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْعِوَضَيْنِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَكْسِهِ فَهُوَ الصَّرْفُ، وَإِنْ اتَّحَدَا فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِالْوَزْنِ فَهُوَ الْمُرَاطَلَةُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَدَدِ فَهُوَ الْمُبَادَلَةُ، وَيَنْقَسِمُ الْبَيْعُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ رُؤْيَةِ الْمُثَمَّنِ وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِ إلَى قِسْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَرْئِيًّا أَوْ فِي حُكْمِ الْمَرْئِيِّ فَهُوَ بَيْعُ الْحَاضِرِ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعٌ غَائِبٌ، وَيَنْقَسِمُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ بَتِّ عَقْدِهِ وَعَدَمِ بَتِّهِ إلَى قِسْمَيْنِ؛ فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ خِيَارًا فَهُوَ بَيْعٌ بَتٌّ، وَالْبَتُّ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَطَعَ خِيَارَ صَاحِبِهِ، وَإِنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ أَوْ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ فَهُوَ بَيْعُ الْخِيَارِ، وَيَنْقَسِمُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ تَرَتُّبِ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَى ثَمَنٍ سَابِقٍ وَعَدَمِ تَرَتُّبِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُتَرَتِّبًا عَلَى ثَمَنٍ سَابِقٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: اُذْكُرْ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَيْتَ بِهِ سِلْعَتَكَ وَأَرْبَحَكَ كَذَا فَهُوَ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُتَرَتِّبًا عَلَى ثَمَنٍ سَابِقٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: بَيْعُ مُسَاوَمَةٍ، وَبَيْعُ مُزَايَدَةٍ، وَبَيْعُ اسْتِئْمَانٍ وَاسْتِرْسَالٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُفْسِدُهُ إلَى قِسْمَيْنِ: صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مُبَايِنٌ لِقَسِيمَيْهِ وَأَعَمُّ مِنْ قَسِيمِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِلَى بَعْضِ هَذِهِ التَّقَاسِيمِ أَشَارَ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَحُصُولُ عَارِضِ تَأْجِيلِ عِوَضِهِ لِلْعَيْنِ، وَرُؤْيَةُ عِوَضِهِ غَيْرُ الْعَيْنِ حِينَ عَقْدِهِ وَبَتِّهِ، وَعَدَمُ تَرَتُّبِ ثَمَنِهِ عَلَى ثَمَنٍ سَابِقٍ وَصِحَّتِهِ، وَمُقَابِلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَدِهِ الْمُؤَجَّلِ، وَنَقْدُ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَبَتٍّ وَخِيَارٍ وَمُرَابَحَةٍ وَغَيْرِهَا، وَصِحَّةُ وَفَسَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُبَايِنٌ لِمُقَابِلِهِ وَأَعَمُّ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ اهـ. وَانْظُرْ الْقَوَانِينَ فِي تَقْسِيمِ الْمَكَاسِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَكُونُ عَلَى الْأَعْيَانِ وَتَكُونُ عَلَى الْمَنَافِعِ أَنَّ الْمِلْكِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ، وَقَالَ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: إنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ الْمِلْكُ فِي الْبَيْعِ يَحْصُلُ فِي الْأَعْيَانِ وَالْإِجَارَةِ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ الْأَعْيَانُ كُلُّهَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَتَحْقِيقُ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَالْجَعَالَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ عَلَى أَنْ لَا يَرُدَّ الْعَيْنَ بَلْ يُبْدِلُهَا بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ اهـ وَقَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا قَوْلَهُ: إنَّ الْمِلْكَ التَّصَرُّفُ، فَقَالَ: إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا قَرَّرَ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي الْقَرَافِيَّ قَبْلَ هَذَا وَعِنْدِي فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَقْتَضِي تَمْكِينَ صَاحِبِهَا

مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ إلَى آخِرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا حَاصِلٌ فِي الْعَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ التَّصَرُّفُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ التَّصَرُّفُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَخْصُوصٌ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ الشَّارِعِ كَهَدْمِ الدَّارِ وَبُنْيَانِهَا وَزَرْعِ الْأَرْضِ وَحَرْثِهَا وَتَقْطِيعِ الثِّيَابِ وَخِيَاطَتِهَا وَطَحْنِ الْقَمْحِ وَغَيْرِهِ وَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَكُلِّ شَيْءٍ أُذِنَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُ بِهِ تَصَرُّفٌ يَخْتَصُّ بِهِ، وَالْفَاعِلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَصَرِّفُ التَّصَرُّفَ الْحَقِيقِيَّ الْمُطْلَقَ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْعِبَادِ وَأَفْعَالُهُمْ؛ فَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَادَةَ بِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ مِنْهَا شَيْءٌ خَلَقَ ذَلِكَ التَّأْثِيرَ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحُكْمُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْجَوَازُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَتَهُ مَعْلُومَةٌ لِكُلِّ النَّاسِ فَحُكْمُهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَالِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ وَالْمَجَالِسِ إنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّكِ بِذِكْرِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مَعَ تَمْرِينِ الطَّلَبَةِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ اهـ، وَدَلِيلُهُ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَمِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ بَيْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشِرَائِهِ وَإِذْنِهِ فِي الْبَيْعِ وَوُقُوعِهِ بِحَضْرَتِهِ، وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَحَادِيثَ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَمْ مَنَعُوهُ» وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَهَذَا مَوْضِعُ الدَّلِيلِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الْكَسْبِ بَيْعٌ مَبْرُورٌ وَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْبَيْعُ الْمَبْرُورُ الَّذِي بَرَّ فِيهِ صَاحِبُهُ فَلَمْ يَعْصِ اللَّهَ فِيهِ وَلَا بِهِ وَلَا مَعَهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعَزَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ لِلتِّرْمِذِيِّ قَالَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالنَّدْبُ كَمَنْ أَقْسَمَ عَلَى إنْسَانٍ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا فَيُنْدَبُ إلَى إجَابَتِهِ؛ لِأَنَّ إبْرَارَ الْمُقْسِمِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ، وَتَعْرِضُ لَهُ الْكَرَاهَةُ كَبَيْعِ الْهِرِّ وَالسِّبَاعِ لَا لِأَخْذِ جُلُودِهَا، وَالتَّحْرِيمُ كَالْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الرِّفْقُ بِالْعِبَادِ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى حُصُولِ الْمَعَاشِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ احْتِكَارِ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ، قَالَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ مَالِكٌ وَالْحُكْرَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ إدَامٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ عُصْفُرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَا كَانَ احْتِكَارُهُ يَضُرُّ بِالنَّاسِ مُنِعَ مُحْتَكِرُهُ مِنْ الْحُكْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَلَا بِالْأَسْوَاقِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» هَذَا الْحَدِيثُ بِحُكْمِ إطْلَاقِهِ أَوْ عُمُومِهِ يَدُلُّ عَلَى الِاحْتِكَارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ قَدْ يُقَيَّدُ وَالْعُمُومَ قَدْ يُخَصَّصُ بِمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهُ قَدْ ادَّخَرَ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَا يَدَّخِرُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ مِنْ قُوتٍ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ جَائِزٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِذَا مَقْصُودُ هَذَا مَنْعُ التُّجَّارِ مِنْ الِادِّخَارِ، ثُمَّ هَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ ادِّخَارِ كُلِّ شَيْءٍ، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ الْخِلَافَ ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ هَذَا فِيمَنْ اشْتَرَى فِي الْأَسْوَاقِ، فَأَمَّا مَنْ جَلَبَ طَعَامًا؛ فَإِنْ شَاءَ بَاعَ، وَإِنْ شَاءَ احْتَكَرَ إلَّا إنْ نَزَلَتْ حَاجَةٌ فَادِحَةٌ أَوْ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ بِسِعْرِ وَقْتِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُجْبِرَ عَلَى

ذَلِكَ إحْيَاءً لِلْمُهَجِ وَإِبْقَاءً لِلرَّمَقِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَسْوَاقِ وَاحْتَكَرَ وَأَضَرَّ بِالنَّاسِ فَيَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ بِالسِّعْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «كَانَ يُنْفِقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ» فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ادِّخَارِ قُوتِ الْعِيَالِ سَنَةً، وَلَا خِلَافَ فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ غَلَّةِ الْمُدَّخَرِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى مِنْ السُّوقِ فَأَجَازَهُ قَوْمٌ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ إذَا أَضَرَّ بِالنَّاسِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الِادِّخَارِ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الِاشْتِرَاءِ مِنْ السُّوقِ، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي وَقْتِ ضِيقِ الطَّعَامِ فَلَا يَجُوزُ، بَلْ يَشْتَرِي مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَقُوتِ أَيَّامٍ أَوْ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ كَذَا نَقَلَ الْقَاضِي هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْ قَوْمٍ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا، قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ رَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ عَامَّةِ النَّاسِ كَمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إنْسَانٍ وَاضْطُرَّ النَّاسُ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدُوا غَيْرَهُ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِلْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ الثَّانِي الْعَاقِدُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي الثَّالِثُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي يَشْتَرِكَانِ فِي الشُّرُوطِ عَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْعَاقِدِ وَكَذَا الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: ص (يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ) ش: وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ فِي الْوُجُودِ ثُمَّ بَعْدَهُ يَحْصُلُ تَقَابُضُ الْعِوَضَيْنِ، وَلَا يُقَالُ: الْعَاقِدُ سَابِقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ كَلَامٌ أَوْ فِعْلٌ يَصْدُرُ مِنْهُ وَهُمَا صِفَةٌ لَهُ وَصِفَةُ الشَّيْءِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا أَمْعَنْتَ النَّظَرَ وَجَدْتُ الْعَاقِدَ مَحَلَّ الرُّكْنِ وَمَحَلَّ الْمَاهِيَّةِ أَوْ مَحَلَّ رُكْنِهَا كَمَا يَكُونُ رُكْنًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَالْعَاقِدُ إنَّمَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَعْنِي أَنَّ الرُّكْنَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الصِّيغَةُ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْبَائِعِ وَيُسَمَّى الْإِيجَابَ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَمَّى الْقَبُولَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّالُّ قَوْلًا كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ وَأَعْطَيْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ بِكَذَا وَشَبَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْتُ وَابْتَعْتُ وَقَبِلْتُ وَشَبَهُ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ فِعْلًا كَالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْمُنَاوَلَةُ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ هِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فَيُعْطِيَهُ الْمُثَمَّنَ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ، وَلَا اسْتِيجَابٍ، انْتَهَى. لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا عُرْفًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ أَخْذُ مَا فِي يَدِ غَيْرِكَ بِعِوَضٍ تَرْضَاهُ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَوْلُ وَيَكْفِي الْفِعْلُ كَالْمُعَاطَاةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الرِّضَا رُكْنٌ فِي الْبَيْعِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الرِّضَا الْمُسَمَّى بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ تَارَةً يَكُونُ قَوْلًا فَلَا كَلَامَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ مِنْكَ بِكَذَا، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بِالْإِمْضَاءِ وَالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَتَارَةً يَكُونُ فِعْلًا وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةٌ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالْقَوْلِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى انْعِقَادِهِ بِاللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الرِّضَا وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِالْمُعَاطَاةِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى انْعِقَادِهِ بِهَا مُطْلَقًا وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ بِهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ خَاصَّةً وَإِلَيْهِ مَالَ الْغَزَالِيُّ، انْتَهَى. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا دَلَالَةَ لَهُ بِالْوَضْعِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَفْعَالَ، وَإِنْ انْتَفَتْ مِنْهَا الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ فَفِيهَا دَلَالَةٌ عُرْفِيَّةٌ، وَهِيَ كَافِيَةٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ التِّجَارَةِ إنَّمَا هُوَ أَخْذُ مَا فِي يَدِ غَيْرِكَ بِدَفْعِ عِوَضٍ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْكُمَا فَتَكْفِي دَلَالَةُ الْعُرْفِ

فِي ذَلِكَ عَلَى طِيبِ النَّفْسِ وَالرِّضَا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُعَاطَاةً وَلَمَّا كَانَ الْفِعْلُ مُخْتَلِفًا فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ يَعْنِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الرِّضَا يَكْفِي فِيهَا الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ دَلَالَةً عُرْفِيَّةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مُعَاطَاةً وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ الْمَحْضَةِ الْعَارِي عَنْ الْقَوْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُضُورِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَلِذَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَثْنَاءَ كَلَامِهِ فِي بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَبِيَاعَاتُ زَمَانِنَا فِي الْأَسْوَاقِ إنَّمَا هِيَ بِالْمُعَاطَاةِ فَهِيَ مُنْحَلَّةٌ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ مِنْ جِهَةٍ وَالْقَوْلِ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى مِنْ بَابِ أَحْرَى وَسَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَبِالْإِشَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْمُعَاطَاةِ؛ لِأَنَّهَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَلَامٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ مُعَاطَاةً فِي حَمَالَتِهَا مَا فُهِمَ أَنَّ الْأَخْرَسَ فَهِمَهُ مِنْ كَفَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ الْبَاجِيُّ كُلُّ إشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ مِنْهَا الْبَيْعُ، انْتَهَى. (قُلْت:) وَغَيْرُ الْأَخْرَسِ كَالْأَخْرَسِ، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ وَنَصَّهُ وَكَذَا غَيْرُ الْأَخْرَسِ إذَا فُهِمَ عَنْهُ بِالْإِشَارَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَخْرَسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ غَيْرُهَا، انْتَهَى. وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ وَنَصُّهُ فِي الْمُنْتَقَى وَكُلُّ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ بِهَا الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِبِعْنِي ص (وَبِبِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك) ش: هُوَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ وَيَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْنِي سِلْعَتَكَ بِكَذَا إذَا قَالَ لَهُ الْبَائِعُ بِعْتُك يُرِيدُ أَوْ صَدَرَ مِنْهُ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا عَلَى فَائِدَتَيْنِ الْأُولَى مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَقْوَالِ كَوْنُهَا دَالَّةً عَلَى الرِّضَا فِي الْعُرْفِ. وَلَوْ كَانَتْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ فِيهَا احْتِمَالٌ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِمَنْ بِيَدِهِ سِلْعَةٌ بِعْنِي سِلْعَتَك بِعَشْرَةٍ لَا يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إمَّا آمِرٌ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ مُلْتَمِسٌ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِهِ أَوْ غَيْرَ رَاضٍ بِهِ لَكِنَّ الْعُرْفَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ طَالِبٌ وَمَرِيدٌ لِلْبَيْعِ وَرَاضٍ بِهِ؛ لِأَنَّ بِعْنِي صَرِيحٌ فِي أَمْرِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْبَيْعِ وَاسْتِدْعَائِهِ مِنْهُ وَطَلَبِهِ لَهُ وَإِرَادَتِهِ إيَّاهُ وَحُصُولِ مَطْلُوبٍ يَصِيرُ بِهِ مُبْتَاعًا، فَإِذَا أَجَابَهُ الْبَائِعُ بِحُصُولِ مَطْلُوبِهِ فَقَدْ تَمَّ لَهُ مَا أَرَادَهُ مِنْ وُجُودِ الْبَيْعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَجَابَهُ الْبَائِعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَلَوْ، قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ بِعْتُك لَا أَرْضَى؛ لِأَنِّي لَمْ أُرِدْ إيجَابَ الْبَيْعِ وَيُعَدُّ، قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ لَا أَرْضَى نَدَمًا وَلَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْآتِيَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْمَعْهَا مَعَهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَجَّحَهُ وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَجَّحَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَنَصُّهُ الْبَيْعُ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَلْزَمُ بِوُجُودِهِمَا بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَإِذَا، قَالَ بِعْنِي فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَحَكَى أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقُولَ الْمُشْتَرِي بَعْدُ اشْتَرَيْتُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقَلُوهُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ إيجَابًا وَقَبُولًا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ. وَكُلُّ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ بِهِ الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ إلَّا أَنَّ فِي الْأَلْفَاظِ مَا هُوَ صَرِيحٌ مِثْلُ بِعْتُك بِكَذَا فَيَقُولُ قَبِلْتُ أَوْ ابْتَعْتُ مِنْكَ فَيَقُولُ بِعْتُ فَهَذَا يَلْزَمُهَا، وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُحْتَمَلَةُ، فَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ

تنبيه الصيغة في البيع

بِهَا بِمُجَرَّدِهَا حَتَّى يَتَنَزَّلَ بِهَا عُرْفٌ أَوْ عَادَةٌ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَاعُ بِكَمْ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِدِينَارٍ فَيَقُولُ قَبِلْت فَيَقُولُ الْبَائِعُ لَا أَبِيعُكَ؛ فَإِنْ كَانَ فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَرَوَى أَشْهَبُ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَا يَلْزَمُهُ، انْتَهَى. وَالْقَوْلُ مَلْزُومُ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَرْضَى هُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ فَإِنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُسَاوَمَةِ الْآتِيَةِ، قَالَ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ؛ فَإِنْ، قُلْت: لِرَجُلٍ بِعْنِي سِلْعَتَكَ بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ قَدْ فَعَلْت فَقُلْت لَا أَرْضَى، قَالَ، قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَقَفَ سِلْعَةً لِلسَّوْمِ فَقُلْت لَهُ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِعَشَرَةٍ فَقُلْت قَدْ رَضِيتُ، فَقَالَ: لَا أَرْضَى أَنَّهُ يَحْلِفُ مَا سَاوَمْتُكَ عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ، انْتَهَى. وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَعَلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى ضَعْفِ قِيَاسِ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا، قَالَ بِعْنِي فَقَدْ طَلَبَ ذَلِكَ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا أَوْقَفَهَا لِلْبَيْعِ أَوْ لِيَعْلَمَ الْمِقْدَارَ الَّذِي تُسَاوِيهِ ثُمَّ لَا يَبِيعُهَا أَوْ يَبِيعُهَا مِنْ آخَرَ طَلَبَهَا مِنْهُ، فَإِذَا، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: بِكَمْ؟ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ عَنْهُ بِكَمْ تَبِيعُهَا أَوْ بِكَمْ اشْتَرَيْتهَا، فَإِذَا، قَالَ لَهُ السَّائِلُ قَدْ رَضِيتهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَابِ الْبَائِعِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا صَرِيحًا أَوْ ظَاهِرًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ مُحْتَمَلًا حَلَّفَهُ مَالِكٌ لِرَفْعِ الِاحْتِمَالِ وَأَلْزَمَهُ غَيْرُهُ الْبَيْعَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالِاحْتِمَالُ إنَّمَا قَوِيَ فِي كَلَامِهِ مِنْ جِهَةِ وَقْفِ السِّلْعَةِ لِلْبَيْعِ وَهِيَ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْقَرِينَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى مَقَالِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِعْنِي سِلْعَتَكَ بِعَشَرَةٍ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ أَقْوَى مِنْ الْقَرِينَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَلَعَلَّ مَالِكًا لَوْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَبِلَ فِيهَا مِنْ الْمُشْتَرِي يَمِينًا، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إذَا كَانَ جَوَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُوهِمُ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ لِلسُّؤَالِ أَوْ قِيَاسُهُ مُشْكِلًا، وَإِنْ سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرُوهَا بِلَفْظٍ مُخْتَصَرٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجْمَعْهَا مَعَ مَسْأَلَةِ السَّوْمِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ قُلْنَا مَشَى عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَنَقُولُ: تَكَلَّمَ عَلَى مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ إنْكَارٌ، وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى مَا إذَا وَقَعَ إنْكَارٌ لَكِنَّ الْمَحْمَلَ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهٌ الصِّيغَةُ فِي الْبَيْعِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا قَالَ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا أَوْ خُذْهَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْت أَوْ فَعَلْت وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي: بِعْنِي سِلْعَتَكَ بِكَذَا فَيَقُولُ: لَهُ الْبَائِعُ بِعْتُك، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَبِعْنِي لَكَانَ أَحْسَنَ. (الثَّانِي) إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: أَتَبِيعُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا.؟ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: نَعَمْ أَوْ بِعْتُكهَا فَقَالَ: الْمُشْتَرِي مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْآتِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا بَلْ هِيَ أَحْرَى بِعَدَمِ اللُّزُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَصُّ كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الَّذِي قَالَ: بِعْنِي فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ بِعْنِي لَفْظُ إيجَابٍ فَلَعَلَّهُ إنَّمَا فَهِمَ مِنْهُ أَتَبِيعُنِي عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِمَّا يُعَارِضُهَا الْمُذَاكِرُونَ وَيَقُولُونَ لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ مَالِكٍ قِيلَ لِلْبَائِعِ: بِكَمْ تَبِيعُ فَقَالَ: بِكَذَا فَتَقْدِيرُهَا أَبِيعُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمَنْ قَالَ يَبِيعُهَا فِي

الْمُسْتَقْبَلِ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بَيْعًا، بِخِلَافِ بِعْنِي فَإِنَّهُ لَفْظُ إيجَابٍ، وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الْكَاتِبِ فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: أَتَبِيعُنِي أَبُو الْحَسَنِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْكَاتِبِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلَالَةٍ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَقُولُ بِعْتُك يُرِيدُ أَوْ أَعْطَيْتُكَ أَوْ خُذْهَا أَوْ قَبِلْتُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَيَقُولُ فَعَلْتُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: دُونَكَهَا بِعَشَرَةٍ وَبُورِكَ لَكَ فِيهَا أَوْ سَلَّمْتُهَا إلَيْكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: خُذْهَا بِعَشَرَةٍ، انْتَهَى. (الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ كَلَامُ التَّوْضِيحِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ فِي أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ يَلْزَمُ بِقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي فَيَقُولُ فَعَلْتُ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَا أَرْضَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُكَ وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا) ش: هُوَ أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ فِي قَوْلِ الْمُشْتَرِي: ابْتَعْتُ مِنْك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُهَا أَوْ أَخَذْتُهَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّالُّ عَلَى رِضَاهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا كَأَنْ يُعْطِيَهُ الْمَبِيعَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا أَوْ أَعْطَيْتُكهَا أَوْ مَلَّكْتُكَهَا بِكَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، بِأَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ مِنْ أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ وَفِعْلٍ مِنْ الْآخَرِ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: وَيَرْضَى الْآخَرُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: الْآخَرُ أَيْ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِيهِمَا لِلصُّورَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ أَوَّلًا، وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ بَعْدَ مَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ أَوْ مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا كُنْتُ مَازِحًا أَوْ أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ نَحْوَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُقَرِّبِهِ وَمُنْتَخَبِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَهُمَا الْآتِيَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ الْمُضَارِعِ وَحَكَمَ بِاللُّزُومِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَوْ، قَالَ الْآخَرُ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ وَلَمْ أُرِدْ الشِّرَاءَ وَسَاقَهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ، وَنَقَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْأَرْبَعَ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوا كَلَامَهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا بَعْدَ مَسْأَلَةِ السَّوْمِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ: فَلَوْ قُلْت لَهُ: أَخَذْتُ مِنْكَ غَنَمَكَ هَذِهِ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ: ذَلِكَ لَكَ فَقَدْ لَزِمَكَ الْبَيْعُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ: أَبِيعُكَهَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَنْعَقِدُ فِيهِمَا الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ أَوْ مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ ذَكَرَ مَا يَنْعَقِدُ فِيهِ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ أَوْ مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ جِهَتِهِ مُحْتَمِلًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ وَهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ مَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْآتِيَةِ. أَمَّا هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ فَالْأُولَى مِنْهُمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ: أَبِيعُكَ سِلْعَتِي بِكَذَا أَوْ أُعْطِيكَهَا بِكَذَا فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَقَالَ: الْبَائِعُ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا أَوْ كُنْتُ مَازِحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَبِيعُكَهَا إيجَابَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ، وَقَوْلُنَا فَأَجَابَهُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَقَوْلُنَا: فَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: حَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ إنْكَارٌ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي

لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ: أَنَا أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا أَوْ أَبْتَاعُهَا أَوْ آخُذُهَا فَأَجَابَهُ الْبَائِعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا أَرَدْتُ الشِّرَاءَ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْأُولَى فَفَاعِلُ حَلَفَ. وَقَالَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ قَالَ: أَبِيعُكَهَا، وَالْمُشْتَرِي إنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا، وَفَاعِلُ لَزِمَ يَعُودُ إلَى الْبَيْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ مَعَ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَوْقَهُمَا، وَعَنْهُ نَقَلَهُمَا ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوهُ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ السَّوْمِ الْآتِيَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَأَيْتُ فِيمَا أَمْلَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَهَا بِكَذَا أَوْ قَدْ أَعْطَيْتُكَهَا بِكَذَا أَوْ قَدْ أَخَذْتُهَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَبَى الْبَائِعُ وَقَالَ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَزِمَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ ابْتَعْتُ مِنْكَ سِلْعَتَكَ بِكَذَا أَوْ قَدْ أَخَذْتُهَا مِنْكَ بِكَذَا فَرَضِيَ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا: إمَّا أَبِيعُكَهَا أَوْ أُعْطِيكَهَا بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أَشْتَرِيهَا أَوْ آخُذُهَا مِنْكَ بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ فَافْهَمْ افْتِرَاقَ هَذِهِ الْوُجُوهِ اهـ. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي مُقَرِّبِهِ وَزَادَ بَعْدَهُ وَهِيَ كُلُّهَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطَرِيقَةُ فُتْيَاهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْمُقَرِّبِ: لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنَا أَفْعَلُ وَعْدٌ وَعَدَهُ إيَّاهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ: قَدْ فَعَلْتُ إيجَابٌ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَافْتَرَقَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْمُقَرِّبِ: وَحَاصِلُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ بِلَفْظِ الْمَاضِي فَتَلْزَمُ أَوْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَيَحْلِفُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ رُجُوعٌ، وَإِنْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ عَلَى مَا أَرَادَهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ الْمُعْتَبَرَ فِي صِيَغِ عُقُودِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ: إنَّمَا هُوَ أَلْفَاظُ الْإِنْشَاءِ وَجَرَى الْعُرْفُ فِيهَا بِاسْتِعْمَالِ صِيغَةِ الْمَاضِي وَلَمْ يَجْرِ بِالْمُضَارِعِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَوْ جَرَى الْأَمْرُ فِيهَا بِالْعَكْسِ لَانْعَكَسَ الْأَمْرُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ هُوَ صَحِيحٌ اهـ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] الْبَيْعُ قَوْلٌ وَإِيجَابٌ بِاللَّفْظِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبِلِ فَالْمَاضِي فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْمُسْتَقْبَلُ كِنَايَةٌ وَيَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ الْمَفْهُومِ مِنْهَا نَقْلُ الْمِلْكِ اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الْخِلَافَ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ يَدْخُلُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْآتِيَةَ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَعْنِي قَوْلَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أَشْتَرِيهَا بِكَذَا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهَا يَدْخُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَمِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَسُومُ بِالدَّابَّةِ فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ: تَبِيعُنِي بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: لَا أَفْعَلُ إلَّا بِكَذَا فَيَقُولُ لَهُ الْمُشْتَرِي: أَنْقِصْنِي دِينَارًا فَيَقُولُ: لَا أُنْقِصُ فَيَقُولُ لَهُ الْمُشْتَرِي: قَدْ أَخَذْتُهَا بِمَا قُلْت: أَنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْبَيْعُ الْبَائِعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا إذْ تَبَيَّنَ بِتَرَدُّدِ الْمُمَاكَسَةِ أَنَّهُ مُجِدٌّ فِي السَّوْمِ غَيْرَ لَاعِبٍ اهـ. وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنِ يُونُسَ وَنَصُّهُ: قُلْتُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ:

مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: تَبِيعُنِي دَابَّتَكَ بِكَذَا فَيَقُولُ: لَا إلَّا بِكَذَا فَيَقُولُ: أَنْقِصْنِي دِينَارًا فَيَقُولُ: لَا فَيَقُولُ أَخَذْتُهَا بِذَلِكَ لَزِمَ الْبَائِعَ الْبَيْعُ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا لِدَلَالَةِ تَرَدُّدِ الْمُمَاكَسَةِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَاعِبٍ. (قُلْت:) مُقْتَضَى تَبِيعُنِي جَوَابُهُ بَايَعْتُكَ فَإِلْزَامُهُ الْبَيْعَ يُعَارِضُهُ نَقْلُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَوْ يُقَيِّدُهُ بِغَيْرِ الْمُمَاكَسَةِ اهـ. (قُلْت:) تَأَمَّلْ قَوْلَهُ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَبِيعُنِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ أَبِيعُكَ؛ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ السُّؤَالُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ أَوْ الْمَاضِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ تَرَدُّدَ الْمُمَاكَسَةِ فِيهَا يَنْفِي احْتِمَالَ عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، فَلِذَلِكَ لَزِمَ فِيهَا الْبَيْعُ، فَيُقَيَّدُ كَلَامُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِأَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِالْكَلَامِ مَا يَنْفِي احْتِمَالَ عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ، وَلَوْلَا تَرَدُّدُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَكَانَتْ كَمَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْآتِيَةِ أَوْ أَحْرَى كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْكَلَامُ فِي مُنَاقَصَةِ الثَّمَنِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَكْسِ، وَهُوَ مَا يُنْقِصُهُ الظَّالِمُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ النَّاسِ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا فَقَالَ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقَالَ: أَخَذْتُهَا) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ السَّوْمِ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَنْعَقِدُ فِيهَا الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ الْمُنْكِرُ لِإِرَادَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ: تَسَوَّقَ بِهَا أَيْ أَوْقَفَهَا فِي السُّوقِ لِلسَّوْمِ، وَفَاعِلُ تَسَوَّقَ ضَمِيرٌ يَعُودُ لِلْبَائِعِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا يَعُودُ لِلسِّلْعَةِ، وَفَاعِلُ قَالَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَفَاعِلُ قَالَ الثَّانِي يَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ جُمْلَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَخَذْتُهَا وَهِيَ فَقَالَ صَاحِبُهَا: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَحَلَفَ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَمِيعُ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ وَيُفَرِّقُهُ ذِهْنُ السَّامِعِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَوْقَفَ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ لِلسَّوْمِ فَقَالَ لَهُ شَخْصٌ: بِكَمْ تَبِيعُهَا فَقَالَ: صَاحِبُ السِّلْعَةِ بِمِائَةٍ مَثَلًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَخَذْتُهَا بِهَا فَقَالَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ: مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا أَوْ كُنْتُ لَاعِبًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إيجَابَ الْبَيْعِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَمَا سَاوَمَهُ إلَّا عَلَى كَذَا لِلْأَمْرِ الَّذِي يَذْكُرُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ وَلِمَالِكٍ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ أَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى، وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ قَدْ وَقَفَ عَبْدَهُ لِلْبَيْعِ بِكَمْ عَبْدُك هَذَا فَيَقُولُ: بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَيَقُولُ: أَخَذْتُهُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ مُجِيبًا مَكَانَهُ: لَا أَبِيعُهُ بِذَلِكَ أَتَرَى الْبَيْعَ لَازِمًا لَهُ.؟ قَالَ: نَعَمْ أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ السَّائِمُ: أَنَا آخُذُهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُك بِذَلِكَ فَقَالَ: السَّائِمُ: لَا آخُذُهُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، هَذَا خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْإِمْكَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مُبْنَى مِنْهُ عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا لِأَمْرٍ يَذْكُرُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ إنْ كَانَ الَّذِي سَمَّى قَدْرَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ وَكَانَتْ تُبَاعُ بِمِثْلِهِ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ثَمَنَهَا حَلَفَ أَنَّهُ لَاعِبٌ وَلَمْ يَلْزَمْهُ، انْتَهَى. فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَهَكَذَا نَقَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ قَالَ لِمَنْ وَقَفَ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ بِكَمْ هِيَ فَقَالَ: بِكَذَا فَقَالَ: أَخَذْتُهَا بِهِ فَقَالَ: لَا أَرْضَى فَفِي لُزُومِ الْبَيْعِ لِمَنْ أَوْقَفَهَا وَلَغْوِهِ إنْ حَلَفَ مَا سَاوَمَهُ عَلَى الْإِيجَابِ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ ثَمَنَهَا أَوْ مَا تُبَاعُ بِهِ وَإِلَّا فَالثَّانِي لِسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ، وَلَهُمَا وَلِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ ابْنُ رُشْدٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ السَّائِمُ أَنَا آخُذُهَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكهَا بِهِ فَقَالَ:

لَا أَرْضَى، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ أَوْ مَا تُبَاعُ بِهِ لَعَلَّهُ ثَبَتَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْبَيَانِ بِأَوْ، وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَانَتْ تُبَاعُ بِالْوَاوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ: وَقَوْلُ أَشْهَبَ وَهَذَا لَعَمْرِي الْأَشْبَهُ إذَا كَانَ عَادَةُ مَنْ يُسَاوِمُ إنَّمَا يَذْكُرُ مَا يَبِيعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ عُذْرٌ ظَاهِرٌ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ السَّائِمُ: أَنَا آخُذُهَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: قَدْ بِعْتُكَهَا بِذَلِكَ فَقَالَ السَّائِمُ: لَا آخُذُهَا بِذَلِكَ هِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ هَذِهِ يَدْخُلُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَلَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ فِي أُخْتِهَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْحِ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ عَلَى حَدِّ السَّوَاءِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ مَنْقُولٌ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهَا مِثْلُهَا سَوَاءٌ، وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ، وَالْقَوْلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيهَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطَرِيقُ فُتْيَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ إنَّمَا هِيَ فِي السِّلْعَةِ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّوْمِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْقُوفَةً لِلسَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهَا إنَّهُ كَانَ لَاعِبًا وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ صِدْقُ قَوْلِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ، وَنَصُّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي السِّلْعَةِ الْمَوْقُوفَةِ لِلْبَيْعِ، وَأَمَّا إنْ لَقِيَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي غَيْرِ السُّوقِ فَقَالَ: بِكَمْ عَبْدُك هَذَا أَوْ ثَوْبُكَ هَذَا أَوْ لِشَيْءٍ لَمْ يُوقِفْهُ لِلْبَيْعِ فَقَالَ: بِكَذَا فَقَالَ: أَخَذْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: رَبُّهُ لَا أَرْضَى إنَّمَا أَنَا لَاعِبٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ صِدْقُ قَوْلِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ فِي هَذَا الرَّسْمِ بِعَيْنِهِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ مَوْقُوفَةً لِلْبَيْعِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ السِّلْعَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً، وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عَدَمُ اللُّزُومِ وَإِنْ وَقَفْتَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاللُّزُومُ وَإِنْ لَمْ تُوقِفْ عَلَى مَا فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا الْمَذْكُورُ. (الثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً أَوْ لَا عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْبُيُوعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ مَوْقُوفَةً لِلْبَيْعِ فَذَهَابُ الْمُشْتَرِي بِهَا لِيَسْتَشِيرَ فِيهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ يُخْرِجُهَا مِنْ الْخِلَافِ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ وَنَقَلَهَا فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلُهُ (قُلْت:) وَيَتَبَيَّنُ صِدْقُ قَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِأَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ قَبْلَ الْمُسَاوِمَةِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْبَيْعَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ كَذَا أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، نَصُّ مَا فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي بَعْضَ النَّخَّاسِينَ الَّذِينَ يَبِيعُونَ الرَّقِيقَ وَالدَّوَابَّ فَيَسُومُهُ بِالرَّأْسِ أَوْ الدَّابَّةِ فَيَقُولُ لَهُ السَّائِمُ بِثَلَاثِينَ أَوْ عِشْرِينَ فَيُمَاكِسُهُ حَتَّى يَقِفَ عَلَى ثَمَنٍ لَا يَزِيدُهُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ، وَلَا يَقُولُ لَهُ الْبَائِعُ إنْ رَضِيتَ فَخُذْ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ: هِيَ بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ السَّائِمُ: أَذْهَبُ بِهَا فَأَسْتَشِيرُ فِيهَا فَيَقُولُ: نَعَمْ فَاذْهَبْ وَاسْتَشِرْ، وَلَا يَزِيدُهُ السَّائِمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ فَيَرْضَى بِهَا وَيَأْتِيهِ بِالثَّمَنِ، فَيَقُولُ الْبَائِعُ: قَدْ بَدَا لِي وَمَا كَانَ بَيْنَنَا إلَّا مُسَاوَمَةٌ، أَوْ يَقُولُ: زِيدَ عَلَيْكَ فَبِعْتُهَا لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ وَأَرَاهُ بَيْعًا نَافِذًا عَلَيْهِ إنْ رَضِيَهُ الَّذِي سَاوَمَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ ذَلِكَ، وَأَرَى أَنْ يَدْخُلَهُ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ لَيْسَتْ بِخِلَافٍ لِمَا فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا لِمَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ هَذَا

الْكِتَابِ وَمِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُبْتَاعِ: اذْهَبْ بِهَا فَاسْتَشِرْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَ الْخِيَارَ فِيهَا لِلْمُبْتَاعِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ: قُلْت: فَكَوْنُ الْبَائِعِ نَخَّاسًا وَهُوَ الدَّلَّالُ قَائِمٌ مَقَامَ وَقْفِهَا لِلْبَيْعِ، انْتَهَى. (قُلْت:) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَالسِّلْعَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّاجِحَ فِيهَا أَنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَالظَّاهِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُبْتَاعِ: اذْهَبْ وَاسْتَشِرْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ الْبَيْعَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرْضَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْخِلَافِ فَتَأَمَّلْهُ، وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي تَرْجَمَةِ مَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ التَّسَاوُمِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَنَّ الْبَائِعَ نَخَّاسٌ، وَنَصُّهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَاوَمَ سِلْعَةً فَمَاكَسَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى وَقَفَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ثَمَنٍ فَلَمْ يَزِدْهُ الْبَائِعُ عَلَى هَذَا وَلَا قَالَ لَهُ: إنْ رَضِيتَ فَخُذْ، وَإِنَّمَا قَالَ: هِيَ بِكَذَا فَيَقُولُ السَّائِمُ: أَذْهَبُ بِهَا فَأُشَاوِرُ فَيَقُولُ: افْعَلْ فَيَذْهَبُ بِهَا الْمُشَاوِرُ ثُمَّ يَرْضَى وَيَأْتِي بِالثَّمَنِ فَيَبْدُو لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُهَا مِمَّنْ زَادَ عَلَيْكَ، وَيَقُولُ: إنَّمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ سَوْمٌ فَالْبَيْعُ تَامٌّ إنْ رَضِيَهُ الْمُبْتَاعُ وَلَيْسَ مَنْ سَاوَمَ بِشَيْءٍ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ: قَدْ أَخَذْتُهَا فَيَبْدُو لِلْبَائِعِ كَمَنْ وَقَفَ عَلَى ثَمَنِ سِلْعَةٍ وَدَفَعَهَا إلَى الْمُبْتَاعِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُبْتَاعُ، وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ قَبْلَ أَنْ يَرْضَى بِهِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْبُيُوعِ قَالَ أَشْهَبُ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَتَبِيعُنِي سِلْعَتَكَ هَذِهِ فَيَقُولُ: نَعَمْ بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: قَدْ أَخَذْتُهَا فَيَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ: مَا أَرَدْتُ بَيْعَهَا وَإِنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا فَقَالَ لِي: سَوَاءٌ، أَمَّا الَّذِي يُوقِفُ سِلْعَتَهُ بِالسُّوقِ فَأَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ إبَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا وَكَانَ ذَلِكَ مَكَانَهُمَا وَكَانَتْ مُنَاكَرَتُهُمَا مِنْ سَاعَتِهِمَا، وَأَمَّا الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لَاعِبًا وَلَا يُرِيدُ بَيْعَ سِلْعَتِهِ، فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ جَائِزًا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي يَسُومُ الرَّجُلُ سِلْعَتَهُ وَقَدْ أَوْقَفَهَا لِلْبَيْعِ فِي السُّوقِ هَلْ يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ السَّوْمَ وَإِنَّمَا أَرَادَ اخْتِبَارَ ثَمَنِهَا وَأَنَّهُ كَانَ لَاعِبًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الَّذِي يَلْقَى الرَّجُلَ فِي غَيْرِ السُّوقِ فَيُسَاوِمُهُ فِي سِلْعَتِهِ فَيَقُولُ هِيَ بِكَذَا، فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُجِدًّا بَلْ لَاعِبًا وَيَحْلِفُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقُهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُجِدًّا غَيْرَ لَاعِبٍ إمَّا بِتَرَدُّدِ الْمُمَاكَسَةِ كَرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ الْوَاقِعَةِ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ، وَإِمَّا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَتَرَدَّدْ الْمُمَاكَسَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْخِلَافَ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِ مَا مَضَى فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ عَلَى مَا مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ هُنَا، وَقَدْ مَضَى تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُيُوبِ، فَمَنْ أَحَبَّ الشِّفَاءَ فِيهَا تَأَمَّلَهُ هُنَاكَ. وَقَوْلُهُ: وَكَانَتْ مُنَاكَرَتُهُمَا مِنْ سَاعَتِهِمَا مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مُنَاكَرَتُهُمَا مِنْ سَاعَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ مُنَاكَرَتُهُمَا مِنْ سَاعَتِهِمَا، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ الْخِلَافَ إذَا أَوْقَفَهَا فِي السُّوقِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ هُوَ الَّذِي رَوَى لُزُومَ الْبَيْعِ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ وَفِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فَرِوَايَتُهُ الْأُولَى الَّتِي فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ إنَّمَا رَوَاهَا فِي السِّلْعَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَرِوَايَتُهُ الثَّانِيَةُ فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الْمَوْقُوفَةِ فَيُلْزِمُ وَغَيْرُهَا فَلَا يُلْزِمُ فَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ اللُّزُومَ فِي غَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ، وَإِنَّمَا أَخَذُوهُ مِنْ ظَاهِرِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَيْهَا. وَالْقَوْلُ الَّذِي عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِلْأَبْهَرِيِّ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَنْ أَوْقَفَ شَاةً فِي السُّوقِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسُومُهُ فَقَالَ: أَخَذْتهَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَأَرْبَحَهُ دِرْهَمًا فَبَاعَهُ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ قَالَ: وَهَمْت وَإِنَّمَا ابْتَعْتهَا بِثَمَانِيَةٍ وَأَنَا آتِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ:

أَرَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْبَيْعَ، قِيلَ لِمَالِكٍ فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا كُنْتُ لَاعِبًا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَيَّ بِعَشْرَةٍ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: يُنْظَرُ فِيهَا حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ لَا يُبَاعُ مِثْلُهَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ حَلَفَ مَا كُنْتُ إلَّا مَازِحًا، وَمَا أَرَدْتُ بَيْعَهَا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ مِثْلُهَا بِذَلِكَ رَأَيْتُ بَيْعَهَا مَاضِيًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَسَدَتْ السِّلْعَةُ فَيَرْضَى بِهِ وَتُبَاعُ بِالنُّقْصَانِ، انْتَهَى. أَمَّا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا وَهِمَ فِي الثَّمَنِ فَمَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَرَبِحَهُ، وَأَمَّا آخِرُهَا فَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْأَبْهَرِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ الْبَيْعُ مَعَ التَّسَوُّقِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَأَحْرَى إذَا لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا يَحْلِفْ وَلَا يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ، فَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ حُكْمِ الْوَجْهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْحُكْمُ فِي الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ: الْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ: إنَّهُ إذَا لَقِيَهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنُ صِدْقُ قَوْلِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. فَأُسْقِطَ عَنْهُ الْيَمِينُ إذَا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ مَعَ عَدَمِ التَّسَوُّقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ مَعَ التَّسَوُّقِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْيَمِينَ يَمِينُ تُهْمَةٍ وَأَنَّهَا لَا تَنْقَلِبُ وَاذَا كَانَتْ يَمِينَ تُهْمَةٍ فَإِنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُتَّهَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاذَا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ فَلَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ، فَلَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْوَجْهَيْنِ سَوَاءٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى تَسَوَّقَ بِهَا أَوْقَفَهَا لِلسَّوْمِ فِي السُّوقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّوقِ سُوقُ تِلْكَ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا سُوقُ غَيْرِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِ السُّوقِ، وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ قَالَ فِيهَا: فَإِنْ كَانَ فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَرَوَى أَشْهَبُ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَلْزَمُهُ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ: لَا أَرْضَى لِأَنِّي مَا أَرَدْتُ الْبَيْعَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَسَوَّقَ بِسِلْعَتِهِ أَوْ لَمْ يَتَسَوَّقْ بِهَا، وَسَوَاءٌ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ اخْتِبَارَ ثَمَنِ تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ كُنْتُ لَاعِبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ صِدْقُ قَوْلِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ، وَيَتَبَيَّنُ صِدْقُ قَوْلِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ قَبْلَ الْمُسَاوَمَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ كَذَا وَكَذَا وَلَا يُرِيدُ الْبَيْعَ، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا إذَا أَنْكَرَ الْبَيْعَ كَأَنَّهُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ سَكَتَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي: أَخَذْتُهَا سُكُوتًا يَقْتَضِي رِضَاهُ بِالْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ كَمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي تَرَدُّدٌ فِي الْمُمَاكَسَةِ؛ لِأَنَّ تَرَدُّدَ الْمُمَاكَسَةِ يَقْتَضِي رِضَاهُ بِالْبَيْعِ وَيُلْزِمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا وَقَعَ مِنْهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الرِّضَا بِالْبَيْعِ كَقَوْلِهِ: اذْهَبْ فَاسْتَشِرْ فِيهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ، وَلَكِنْ قَالَ: بَدَا لِي الْآنَ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَكُلُّ هَذَا أَيْضًا يَجْرِي فِي قَوْلِ الْمُشْتَرِي: أَنَا آخُذُهَا بِكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِكَذَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ، وَيَجْرِي أَيْضًا فِي قَوْلِ الْبَائِعِ أَبِيعُكَهَا بِكَذَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ السَّابِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوْمِ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي جَوَابِ قَوْلِ الْبَائِعِ بِعَشْرَةٍ إنَّمَا هُوَ رَضِيتُ، وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ أَخَذْتُهَا، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ، قَالَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ قُلْت: لِمَ نَسَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِلْمُدَوَّنَةِ أَخَذْتُهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَاوَمَةِ وَتَرَكَ الرِّضَا الْمَذْكُورَ فِيهَا.؟ قُلْت: لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُمَا

تنبيه باع سلعة بعشرين دينارا على مؤامرة صاحبها وهو وكيل فقال له رجل عندي زيادة

سَوَاءٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَرْكُ نَقْلِهِ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَلِذَلِكَ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَا دَرْكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسِبْ الْمَسْأَلَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ، بِخِلَافِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ نَسَبَهَا لِلْمُدَوَّنَةِ [تَنْبِيه بَاعَ سِلْعَةً بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى مُؤَامَرَةِ صَاحِبِهَا وَهُوَ وَكِيلٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدِي زِيَادَةٌ] (السَّابِعُ) قَالَ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَاتِ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى مُؤَامَرَةِ صَاحِبِهَا وَهُوَ وَكِيلٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: عِنْدِي زِيَادَةٌ فَهَلْ يُخْبِرُ صَاحِبَهَا بِذَلِكَ.؟ قَالَ مَالِكٌ نَعَمْ أَرَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ صَاحِبُهَا الزِّيَادَةَ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ لَهُ فَرُبَّ رَجُلٍ لَوْ زَادَهُ لَمْ يَبِعْهُ يَكْرَهُ مُخَالَطَتَهُ. قِيلَ لَهُ: إنْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ زَادَهُ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا.؟ قَالَ أَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَيْعُ. قِيلَ لَهُ: إنَّهُ يَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِي بِهَا.؟ قَالَ يَلْزَمُهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُ، فَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ أَوَّلًا فِي جَوَازِ إخْبَارِ صَاحِبِهَا بِالزِّيَادَةِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّامِنِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فَهُوَ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسَاوِمَيْنِ الْمَبِيعُ لَا الْبَائِعَ بِمَا بُذِلَ لَهُ فِي سِلْعَتِهِ، وَلَا الْمُبْتَاعَ بِمَا أَعْطَى، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا كُنْتُ لَاعِبًا غَيْرَ مُجِدٍّ وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَمِثْلُ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ أَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَتْ مَوْقُوفَةً لِلْبَيْعِ، انْتَهَى. (قُلْت:) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ إنَّهُ قَالَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ تَقَدَّرَ فِيهَا الثَّمَنُ سَابِقًا عَلَى الزِّيَادَةِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى اللُّزُومِ وَعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ بِالزِّيَادَةِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْمُسَاوَمَةِ لِمَنْ زَادَ، وَلَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ ثَمَنٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ حُمِلَ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ بَعْدَهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ كَانَ هَازِلًا، وَإِنَّمَا قَالَ لَا حَاجَةَ: لِي بِهَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ جَادًّا فِي الزِّيَادَةِ ثُمَّ نَدِمَ وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهَا، وَهَذَا مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِلْإِلْزَامِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اللُّزُومُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْفَرْقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، انْتَهَى. (قُلْت:) لَا شَكَّ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ مُغَايِرَةٌ لِمَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْفَرْقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَإِنَّ فِي كَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِالزِّيَادَةِ وَيُشَاوِرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِذَلِكَ فَأَمْرُهُ لِلْوَكِيلِ بِذَلِكَ يَقْتَضِي رِضَاهُ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي: اذْهَبْ وَاسْتَشِرْ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا يَلْزَمُ الْمُسَاوِمَيْنِ الْبَيْعُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ يُرِيدُ إذَا أَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ فِيهِ احْتِمَالٌ، كَمَا إذَا قَالَ: بِكَمْ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: آخُذُهَا مِنْك بِالْمِائَةِ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: رَضِيتُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَرْضَى، وَأَمَّا إذَا أَتَى أَحَدُهُمَا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ: رَضِيتُ أَوْ أَخَذْتُهَا بِذَلِكَ أَوْ اشْتَرَيْتُهَا بِذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ لَمْ يُفِدْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ] (الثَّامِنُ) هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ حُكْمُ بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ، وَهُوَ إيقَافُ الرَّجُلِ سِلْعَتَهُ لِيُسَاوِمَهُ فِيهَا مَنْ أَرَادَهَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُزَايَدَةِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ لَزِمَتْهُ بِمَا زَادَ فِيهَا إنْ أَرَادَ صَاحِبُهَا أَنْ يُمْضِيَهَا لَهُ مَا لَمْ يَسْتَرِدَّ سِلْعَتَهُ فَيَبِيعُ بَعْدَهَا أُخْرَى أَوْ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ مَجْلِسُ الْمُنَادَاةِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُمْضِيَهَا لِمَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ أَعْطَى فِيهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ قَدْ زَادَ عَلَيْهِ، هَذَا الَّذِي أَحْفَظُ فِي هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ رِزْقٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ مِنْ حَقِّ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا إنْ أَبَى وَقَالَ: بِعْهَا مِمَّنْ زَادَكَ أَنَا لَا أُحِبُّ مُعَامَلَةَ الَّذِي زَادَنِي وَلَيْسَ طَلَبِي الزِّيَادَةَ، وَإِنْ وَجَدْتُهَا إبْرَاءً مِنِّي إلَيْكَ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الشَّخْصِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ

مسألة باع رقيقا بين أنه صحيح يصيح عليهم ثلاثة أيام

فَإِنَّهُ لَا يُلْزِمُهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ رَدَّ التَّفْرِقَةَ الْمَذْكُورَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَعُرْفٍ جَرَى بَيْنَهُمْ، وَنَصُّ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ فَارَقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ دُونَ إيجَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ يَلْزَمُهُ مَا أَعْطَى بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا فَارَقَهُ فِي الْمُزَايَدَةِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْجَبَ الْبَيْعَ الْمَازِرِيُّ لَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ إلَّا الرُّجُوعَ لِلْعَوَائِدِ، وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا يُلْتَزَمُ الشِّرَاءُ فِي الْحَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ، أَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ لُزُومَهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى غَيْرِهِ أَمَدًا مَعْلُومًا أَوْ فِي حُكْمٍ مَعْلُومٍ لَزِمَ الْحُكْمُ بِالشَّرْطِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُزَايَدَةِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا لِلْعَادَةِ حَسْبَمَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ أَلْزَمَ بَعْضَ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ الِافْتِرَاقَ عَلَى غَيْرِ إيجَابٍ اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَحِكَايَةِ غَيْرِهِ فَنَهَيْتُهُ عَنْ هَذَا لِأَجْلِ مُقْتَضَى عَوَائِدِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: وَالْعَادَةُ عِنْدنَا اللُّزُومُ مَا لَمْ يَطُلْ زَمَنُ الْمُبَايَعَةِ حَسْبَمَا تَقَرَّرَ قَدْرُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَالْأَمْرُ وَاضِحٌ إنْ بَعُدَ وَالسِّلْعَةُ لَيْسَتْ فِي يَدِ الْمُبْتَاعِ، فَإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِ وَمَوْقُوفَةً فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ اللُّزُومُ، كَقَوْلِهَا: إنْ بَعُدَ زَمَنُ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَالسِّلْعَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ لَا حَقَّ فِيهَا لِلْمُبْتَاعِ إلَّا إنْ عَرَفْنَا فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ، وَلَوْ طَالَ مُكْثُهَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ إلَّا بِنَصِّ إمْضَائِهِ اهـ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ إذَا وَقَعَ النِّدَاءُ وَأُعْطِيَ عَلَى السِّلْعَةِ فِيهَا ثَمَنًا لَزِمَهُ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ انْتَقَلَ اللُّزُومُ لِلثَّانِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ، وَرَأَيْتُ لِلْأَبْيَانِيِّ أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا زَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْأَبْيَانِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: انْتَقَلَ اللُّزُومُ لِلثَّانِي أَيْ مَعَ مُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ لَهُ فِي اللُّزُومِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ كَلَامَ الْأَبْيَانِيِّ مُخَالِفًا لَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْأَبْيَانِيِّ رَأَيْتُهُ فِي مَسَائِلِ السَّمَاسِرَةِ لَهُ، وَهُوَ كِتَابٌ مُفِيدٌ نَحْوَ كَرَاسٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. [مَسْأَلَةً بَاعَ رَقِيقًا بَيَّنَ أَنَّهُ صَحِيحٌ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ] ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَسْأَلَةً وَقَعَتْ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهَا بِاخْتِصَارٍ مُجْحِفٍ، فَأَذْكُرُهَا بِاخْتِصَارِهِ مَعَ زِيَادَةِ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْهَا، وَنَصُّهُ: وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا بَيَّنَ أَنَّهُ صَحِيحٌ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلزِّيَادَةِ إنْ أُمْضِيَ الْبَيْعُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بِيَوْمَيْنِ وَشَبَهِهِمَا لَزِمَ الْمُبْتَاعَ وَبَعْدَ عِشْرِينَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ ابْنُ رُشْدٍ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةٌ لِقَوْلِهَا فِي الْبَيْعِ عَلَى خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَلْزَمُ بِمَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلزِّيَادَةِ، فَكُلُّ مَنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا لَزِمَهُ الشِّرَاءُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ تَنْقَضِ أَيَّامُ الصِّيَاحِ فَلِصَاحِبِ الْعَبِيدِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ، وَإِنْ انْقَضَتْ أَيَّامُ الصِّيَاحِ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ الشِّرَاءُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ الصِّيَاحِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُصَاحُ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ مِمَّا الْعُرْفُ فِيهِ أَنْ يُمْضِيَ أَوْ يَرُدَّ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَصِيحَ عَلَيْهِ أَيَّامًا لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ بَعْدَ أَنْ يَنْقَلِبَ بِالسِّلْعَةِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْمُزَايَدَةَ فَيَزِيدُ ثُمَّ يُصَاحُ عَلَيْهِ فَيَنْقَلِبُ بِهَا أَهْلُهَا ثُمَّ يَأْتُونَهُ مِنْ الْغَدِ فَيَقُولُونَ لَهُ خُذْهَا بِمَا زَادَتْ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَمَّا مُزَايَدَةُ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ مَتَاعُ النَّاسِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا انْقَلَبُوا بِالسِّلْعَةِ أَوْ تَرَكُوهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَاعُوا بَعْدَهَا أُخْرَى. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ الَّذِي يُبَاعُ عَلَى أَنْ يُسْتَشَارَ السُّلْطَانُ، فَيَلْزَمُهُ إمْضَاؤُهُ إذَا أَمْضَاهُ السُّلْطَانُ، وُجِدَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِخَطِّ أَبِي عُمَرَ الْإِشْبِيلِيِّ وَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَلْزَمُهُ إذَا أَمْضَاهُ السُّلْطَانُ يُرِيدُ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ ذَلِكَ عَلَى مَا مَضَى

فرع أوقف المنادي السلعة بثمن على التاجر وشاور صاحبها فأمره بالبيع ثم زاد غيره عليه

مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الصِّيَاحِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ فَلِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا بِمَا زَادَ إلَّا أَنْ يَسْتَرِدَّ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ وَيَبِيعَ بَعْدَهَا أُخْرَى أَوْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ مَجْلِسُ الْمُنَادَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ اللُّزُومَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، أَوْ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُرْفِ بِمِقْدَارِ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّرْطِ فِي الْأَيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ وَبَعْدَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهُ شَرْطُهُ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ، وَتَحَصَّلَ أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْمُزَايَدَةِ يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ وَلَوْ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْأَبْيَانِيِّ، وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِي مَكَّةَ وَكَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَبْيَانِيُّ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَ كُلَّ مَنْ زَادَ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ وَجَرَتْ الْعَادَةُ أَيْضًا بِمَكَّةَ أَنَّ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ أَوْقَفَ الْمُنَادِي السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ عَلَى التَّاجِرِ وَشَاوَرَ صَاحِبَهَا فَأَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ: وَلَوْ أَوْقَفَ الْمُنَادِي السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ عَلَى التَّاجِرِ وَشَاوَرَ صَاحِبَهَا فَأَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ قَالَهُ الْأَبْيَانِيُّ اهـ. قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْأَبْيَانِيِّ هُوَ فِي مَسَائِلِ السَّمَاسِرَةِ لَهُ وَزَادَ فِيهَا فَقَالَ: وَسَوَاءٌ تَرَكَ السِّمْسَارُ الثَّوْبَ عِنْدَ التَّاجِرِ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَجَاءَ بِهِ إلَى رَبِّهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: بِعْهُ ثُمَّ زَادَ فِيهِ تَاجِرٌ آخَرُ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ قَالَ: وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ رَبُّ الثَّوْبِ لَمَّا شَاوَرَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَرَجَعَ السِّمْسَارُ وَنَوَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ التَّاجِرِ فَزَادَ فِيهِ تَاجِرٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ بِرَأْيِهِ وَيَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إنْ شَاءَ وَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالنِّيَّةِ اهـ. قُلْت وَهَذَا إذَا لَمْ تُحَصَّلْ الزِّيَادَةُ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ رَبِّهِ أَمْرِهِ السِّمْسَارَ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا لَوْ زَادَهُ فِيهِ شَخْصٌ قَبْلَ مُشَاوَرَةِ رَبِّ السِّلْعَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ السَّابِعِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُخْبِرُ رَبَّ السِّلْعَةِ بِالزِّيَادَةِ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مِنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الرُّكُونِ وَصَاحِبُ السِّلْعَةِ هُنَا غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ إنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى الْبَيْعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَمْ لَا، وَقَدْ كَرِهَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ الزِّيَادَةَ وَقَالَ: بِئْسَمَا صَنَعَ إلَّا أَنَّهُ أَجَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخْبِرَ بِالزِّيَادَةِ صَاحِبَ السِّلْعَةِ وَهَذَا حُكْمُ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ. ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ وَمَا صَرَفَهُ عَلَيْهَا وَيَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي أُرْبِحُكَ فِي كُلِّ عَشْرَةٍ كَذَا كَذَا، فَإِذَا رَضِيَ رَبُّ السِّلْعَةِ بِذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ بِحَيْثُ يُعَدُّ كَلَامُ أَحَدِهِمَا جَوَابًا لِلْآخِرِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا إعْرَاضٌ عَمَّا كَانَا فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَرْضَى؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ وَالْمُرَاوَضَةَ عَلَى الرِّبْحِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَتِهِ الشِّرَاءَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَا أَرْضَى وَيُعَدُّ ذَلِكَ نَدَمًا، وَأَمَّا بَيْعُ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ فَإِذَا أَعْطَاهُ الْبَائِعُ مِثْلَ مَا يَبِيعُ النَّاسَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه حُكْمَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ] (التَّاسِعُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ وَقَدْ انْجَرَّ الْكَلَامُ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا إلَى ذِكْرِهِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) إذَا تَأَخَّرَ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمُخْتَارُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ. (الثَّانِي) إجَازَةُ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ فِي الْبَيْعِ كَالْوَلِيِّ يُجِيزُ بَيْعَ السَّفِيهِ وَالْوَصِيِّ وَيُجِيزُ بَيْعَ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْزُ فِي الْقَبُولِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَى، وَيُشِيرُ بِالْفَرْعَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ تَأْخِيرِ مَا تَأَخَّرَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فَرْعٌ. إذَا تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ فَهَلْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَمْ لَا أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ إلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ مَا تَأَخَّرَ، وَفِي

شَرْحِ الْجَلَّابِ الْمَنْسُوبِ بِإِفْرِيقِيَّةَ للشارمساحي مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا نَادَى السِّمْسَارُ عَلَى السِّلْعَةِ فَأَعْطَى فِيهَا تَاجِرٌ ثَمَنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ ثُمَّ لَمْ يَزِدْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ تَطُولَ غِيبَتُهُ، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بِالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُجِبْهُ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَالَ يَعْنِي ابْنَ رَاشِدٍ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ مِنْ مَالِهِ أَنَّ لِوَصِيِّهِ الْإِجَازَةَ وَإِنْ طَالَ الْأَمَدُ، وَلَمْ يَحْصُلْ غَيْرُ الْإِيجَابِ مِنْ الْمَحْجُورِ مَعَ قَبُولِ الْمُبْتَاعِ، وَإِيجَابُ الْمَحْجُورِ كَالْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ يَقِفُ الْقَبُولُ عَلَى رِضَا رَبِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ طَالَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَنَظَرَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ أَمْرًا جَرَتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ اهـ كَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْت:) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَحْجُورِ وَالْفُضُولِيِّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ فِيهِمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَمَا قَالَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا كَلَامُ الشَّارْمَسَاحِيِّ فَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِطْعَانِ أَنَّ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ كَانَ لِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا، وَإِنْ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَرِدَّ سِلْعَتَهُ فَيَبِيعُ بَعْدَهَا أُخْرَى أَوْ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ مَجْلِسُ الْمُنَادَاةِ، وَتَقَدَّمَ مَا للإبياني فِي ذَلِكَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبَحْثِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي نَقْلِ التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ فِيهِ سَقْطًا، وَلَفْظُ الْمُقَدِّمَاتِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْخِيَارِ مِنْهَا لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بِالْأَقْوَالِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ مِنْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ لِصَاحِبِهِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يُجِبْهُ صَاحِبُهُ بِالْقَبُولِ فِيهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَزِمَهُ إنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِالْقَبُولِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ، وَلَهُ نَحْوُهُ فِي الْبَيَانِ فِي أَوَاخِرِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَنَصُّهُ: إذَا قَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُك بِكَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ اشْتَرَيْتُ مِنْك بِكَذَا وَكَذَا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بِالْإِمْضَاءِ وَالْقَبُولِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ اهـ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَمَّا كَانَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ الَّتِي نَادَى عَلَيْهَا وَبَاعَ بَعْدَهَا أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي الْبَيْعُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذَا أَجَابَهُ فَإِنَّمَا يَكُونُ جَوَابًا فِي الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَمَّا كَانَا فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ كَمَا رَأَيْتُهُ فِيهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ: وَمُوجِبُهُ لُزُومُهُ أَوَّلَ عَاقِدِهِ قُرْبَ قَبُولِهِ الْآخَرَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ قَالَ: أَبِيعَكَ سِلْعَتِي بِعَشْرَةٍ إنْ شِئْت فَلَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهَا حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَفِي الْقَبَسِ الْإِيجَابُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ، وَقِيلَ: الْكَثِيرُ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ لِمَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَهُ جَوَابًا وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ اهـ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ عَنْهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَلَوْ حَصَلَ الْقَبُولُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَالطُّول، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اتِّفَاقًا، وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ عِنْدِي مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا أَجَابَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِمَا يَقْتَضِي الْإِمْضَاءَ وَالْقَبُولَ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ لَزِمَهُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ حَتَّى

تنبيه رجع أحد المتبايعين عما أوجبه لصاحبه قبل أن يجيبه الآخر

انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ حَصَلَ فَاصِلٌ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَمَّا كَانَا فِيهِ حَتَّى لَا يَكُونَ كَلَامُهُ جَوَابًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ فِي الْعُرْفِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ: إنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَصْلٌ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا يُقَالُ: كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهِ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ إنَّمَا يَقْتَضِي عَدَمَ اللُّزُومِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ اللُّزُومِ نَفْيُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا مُوجِبَ هُنَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي حَقِّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا إلَّا كَوْنَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لِعَدَمِ إجَابَةِ صَاحِبِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فِي وَقْتٍ يَكُونُ كَلَامُهُ جَوَابًا لِكَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ بَيْعِ الْمُزَايَدَة وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ [تَنْبِيه رَجَعَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ الْآخَرُ] (الْعَاشِرُ) فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إذَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بَعْدُ بِالْقَبُولِ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ الْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه قَالَ أَبِيعُكَ سِلْعَتِي بِعَشْرَةٍ إنْ شِئْت فَلَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهَا حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ] (الْحَادِيَ عَشَرَ) مِنْ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ قَالَ أَبِيعُكَ سِلْعَتِي بِعَشْرَةٍ إنْ شِئْت فَلَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهَا حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَجَابَهُ بِمَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَا يَضُرُّهُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْتُك سِلْعَتِي إنْ شِئْت وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ (قُلْتُ) كَتَبَ مُوَثِّقٌ بَيْعَ مُسَافِرٍ عَبَّرَ عَنْهُ بِعْتُ مَوْضُوعَ كَذَا مِنْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ بِكَذَا إنْ قَبِلَتْ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسَافَةُ شَهْرَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُدَّةَ قَضَائِهِ: لَا أُجِيزُ هَذَا الْبَيْعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَبُدِّلَتْ الْوَثِيقَةُ بِحَذْفِ إنْ قَبِلَتْ فَقَبِلَهَا، فَلَعَلَّهُ رَأَى الْأَوَّلَ خِيَارًا وَالثَّانِي وَقْفًا اهـ. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقْفًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يُجِزْ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ بَيْعُ خِيَارٍ إلَى أَمَدٍ بَعِيدٍ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إقْرَارُ بَيْعٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ) ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ الصِّيغَةُ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَاقِدُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ عَاقِدُهُ مُمَيِّزًا هَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ عَاقِدِ الْبَيْعِ التَّمْيِيزُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، وَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ عَطْفِهِ عَلَيْهِ شَرْطَ اللُّزُومِ، وَإِذَا كَانَ شَرْطُ عَاقِدِهِ التَّمْيِيزَ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَلَا شِرَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ لِسُكْرٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَفِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ تَرَدُّدٌ إذْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَرْطُهُ التَّمْيِيزُ وَقِيلَ: إلَّا السَّكْرَانَ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَقْلُ فَيَدْخُلُ الصَّبِيُّ وَيَخْرُجُ السَّكْرَانُ لِوُجُودِ التَّمْيِيزِ فِي الصَّبِيِّ وَفَقْدِهِ مِنْ السَّكْرَانِ وَالْعَقْلُ مَفْقُودٌ مِنْهُمَا اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ بَيْعِ الْعَاقِدِ وَشِرَائِهِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَلَا شِرَاؤُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ، وَلَا إشْكَالَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَهُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ ابْنُ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمِنْ الْغَرَرِ بَيْعُ السَّكْرَانِ وَابْتِيَاعُهُ إذَا كَانَ سُكْرُهُ مُتَيَقَّنًا، وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا عَقَلَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ:

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْغَرَرِ اهـ. (قُلْت) : نَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ: فِيهَا الرُّكْنُ الثَّانِي الْعَاقِدُ وَشَرْطُهُ التَّمْيِيزُ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ إذَا كَانَ سُكْرُهُ مُتَحَقِّقًا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا عَقَلَ حِينَ فَعَلَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَنْعَقِدُ بَيْعُ السَّكْرَانِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: فِي الْمَذْهَبِ إنَّ بَيْعَ السَّكْرَانِ الْمُحَقَّقِ السُّكْرِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَنْعَقِدُ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَصَاحِبُ الْإِكْمَالِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ عُقُودُهُ، وَتَأَوَّلَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي نِكَاحِهِ لَا أَرَاهُ جَائِزًا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا أَرَاهُ لَازِمًا أَنَّهُ فَاسِدٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يُقَالُ فِي بَيْعِ السَّكْرَانِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ مُسْتَثْنًى مِنْ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ أَيْ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ بِسُكْرٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَفِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ تَرَدُّدٌ أَيْ طَرِيقَانِ فَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَطَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ الْإِكْمَالِ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ ذَكَرَ فِيهَا الْكَلَامَ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِيَ، وَالثَّالِثَ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي السَّكْرَانِ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّكْرَانُ قِسْمَانِ سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَات فَقِيلَ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا، وَالثَّانِي السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فَلَا يُحَدُّ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ، وَلَا طَلَاقٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّالِثُ تَلْزَمُهُ الْأَفْعَالُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ فَيُقْتَلُ بِمَنْ قَتَلَ وَيُحَدُّ فِي الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَلَا يُحَدُّ فِي الْقَذْفِ، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالرَّابِعُ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ، وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ مِنْ الْإِقْرَارَاتِ، وَالْعُقُودِ إذَا لَمْ يَلْزَمْ السَّفِيهَ وَالصَّبِيَّ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِمَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَ السَّكْرَانَ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَسْقُطُ قِيَاسًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ تَلْزَمُهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فِي نِكَاحِهِ لَا أَرَاهُ جَائِزًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ إنَّمَا مَعْنَاهُ لَا أَرَاهُ جَائِزًا عَلَيْهِ، وَلَا لَازِمًا لَهُ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا عَقَدَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَجْلِ سُكْرِهِ، وَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ لَهُ خَصْمُهُ بِمَا ادَّعَاهُ. وَأَمَّا إنْ أَنْكَرَهُ فَلَا يُصَدَّقُ، وَيَلْزَمُهُ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ سَكْرَانَ لَا يَعْقِلُ، وَاخْتُلِفَ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا رَأَتْ مِنْهُ اخْتِلَاطًا وَلَمْ تَثْبُتْ الشَّهَادَةُ بِسُكْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَلَا يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ، وَرَوَاهُ زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَقْلِهِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ

السُّنَّةِ، وَالْأَيْمَانِ، وَالطَّلَاقِ (وَالثَّانِي) : أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْيَمِينِ، وَيَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ، وَلَا بَيْعُهُ، وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إذَا مَا أَفَاقَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَوْلُهُ الْكِتَابَةُ، وَالتَّدْبِيرُ كَالْعِتْقِ وَالْحُدُودِ فِي لُزُومِهِ إيَّاهُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَمَّا، وَصِيَّتُهُ بِالْعِتْقِ، وَغَيْرِهِ فَالصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ لِأَنَّ حُكْمَ وَصِيَّتِهِ حُكْمُ مَا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْبَيْعِ، وَغَيْرِهِ. وَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهِ إذَا مَا أَفَاقَ مِنْ سُكْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ فِي وَصِيَّتِهِ حَتَّى مَاتَ، وَجَبَ أَنْ تُنَفَّذَ كَمَا تُنَفَّذُ وَصِيَّةُ الصَّحِيحِ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ غَلَطٌ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَأَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ أَصْلُهُ لِلْمَازِرِيِّ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: مِنْ الْمُعَلَّمِ: وَأَمَّا بِيَاعَاتُهُ فَفِيهَا عِنْدَنَا قَوْلَانِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ بِسُكْرِهِ نَقَصَ مَيْزُهُ فِي مَعْرِفَتِهِ بِالْمَصَالِحِ كَالسَّفِيهِ وَالسَّفِيهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَاعَاتُهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُوَطَّإِ بِلُزُومِ السَّكْرَانِ طَلَاقُهُ، وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّ السَّكْرَانَ الْمَذْكُورَ لَا يَذْهَبُ عَقْلُهُ جُمْلَةً، وَإِنَّمَا يَتَغَيَّرُ مَعَ صِحَّةِ قَصْدِهِ إلَى مَا يَقْصِدُهُ، وَأَمَّا إنْ بَلَغَ إلَى حَدٍّ يُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ عَقْلٌ جُمْلَةً فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ نُطْقٌ إذَا بَلَغَ هَذِهِ الْحَالَةَ، وَلَا يَتَهَيَّأُ مِنْهُ ضَرْبٌ، وَلَا قَصْدٌ إلَى قَتْلٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَالْجُنُونِ الَّذِي يُذْهِبُ الْعَقْلَ جُمْلَةً، وَإِنَّمَا يَتَغَيَّرُ الْعُقُلُ تَغَيُّرَا يَجْتَرِئُ عَلَى مَعَانٍ لَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهَا صَاحِيًا كَالسَّفِيهِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ إلَى حَدِّ الْإِغْمَاءِ لَمَا أَقْتُصَّ مِنْهُ، وَلَا لَزِمَهُ طَلَاقٌ، وَلَا غَيْرُهُ كَسَائِرِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ كَالْمَجْنُونِ اتِّفَاقًا. وَهُوَ الَّذِي عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ، وَنَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكَالْمَجْنُونِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَالْقَوْلَانِ أَيْ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ لَا فِي انْعِقَادِهِ. وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَيَشْكُلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي انْعِقَادِ بَيْعِ السَّكْرَانِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ طَرِيقَةٌ تُحْكَى عَنْ الْمَذْهَبِ أَوْ عَنْ الْمَشْهُورِ فِيهِ أَنَّ بَيْعَهُ مُنْعَقِدٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ طَرِيقَةَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا، وَطَرِيقَةَ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ حِكَايَةَ اخْتِلَافِ الطَّرِيقَيْنِ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ هَلْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنَّهُ خِلَافُ عَادَتِهِ وَلَا كَبِيرَ فَائِدَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ كِتَابِهِ بَيَانُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ. وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ التَّرَدُّدُ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي بَيْعِ السَّكْرَانِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِهِ كَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ. وَنَقَلَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ اللَّخْمِيّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا حَكَى اللَّخْمِيّ وَابْنُ بَشِيرٍ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الِانْعِقَادِ ثُمَّ إنَّهُمَا ذَكَرَا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى عَدَمِ الِانْعِقَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ انْعِقَادِ بَيْعِ السَّكْرَانِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَلَوْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدَّدَ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَأَخْصَرَ وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُهُ، وَشِرَاؤُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَالشَّاذُّ انْعِقَادُ بَيْعِهِ وَلُزُومُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُمَيِّزُ فَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الطُّرُقُ فِي لُزُومِهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ، وَعَزَاهُ فِي الْمُعَلِّمِ لِجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَى طَرِيقِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ لَا خِلَافَ فِي

لُزُومِهِ. (قُلْت) : وَفِي عَزْوِهِ ذَلِكَ لِلْقَاضِي عِيَاضٌ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ اللُّزُومِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: السَّكْرَانُ بِغَيْرِ خَمْرٍ كَالْمَجْنُونِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَهَذَا إذَا شَرِبَ شَيْئًا مُبَاحًا أَوْ تَدَاوَى بِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ، وَأَمَّا إذَا شَرِبَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِإِسْكَارِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ انْعِقَادِ بَيْعِ الْمَجْنُونِ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَقْدُ الْمَجْنُونِ حَالَ جُنُونِهِ يَنْظُرُ لَهُ السُّلْطَانُ بِالْأَصْلَحِ فِي إتْمَامِهِ، وَفَسْخِهِ إنْ كَانَ مَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ عَقْدُهُ لِقَوْلِهَا مَنْ جُنَّ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ نَظَرَ لَهُ السُّلْطَانُ، وَلِسَمَاعِ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَ مَرِيضٌ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إلْزَامُهُ الْمُبْتَاعَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا كَبَيْعِ السَّكْرَانِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُلْزِمُهُ بَيْعَهُ اهـ. (قُلْت) : فِي اسْتِشْهَادِهِ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إنَّمَا طَرَأَ فِيهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ فَظَاهِرُهَا شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ، وَهِيَ فِي رَسْمِ الْقَطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَقَوْلُهُ كَبَيْعِ السَّكْرَانِ تَشْبِيهٌ بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي الِانْعِقَادِ، وَعَدَمِ اللُّزُومِ، وَلَيْسَ تَمْثِيلًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ، وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ لِلْبَائِعِ فِيهِ الْخِيَارُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَقْلِهِ كَبَيْعِ السَّكْرَانِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُلْزِمُهُ بَيْعَهُ انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ نَحْوِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ جَعَلَ بَيْعَ الْمَجْنُونِ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَوْقُوفَةِ لِإِجَازَةِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَنَصَّهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِمَّا يُفْسِدُهُ لِعِلَّةٍ تَلْحَقُهُ مَا فِي عَاقِدَيْهِ عِلَّةٌ قَالَ كَالسَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ. وَالرِّقِّ وَالسَّكْرَانِ إلَّا أَنَّ الْعَقْدَ هُنَا مَوْقُوفٌ لِإِجَازَةِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ شَرْعًا انْتَهَى. بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ. (قُلْت) : وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ التَّنْبِيهَاتِ وَابْنِ عَرَفَةَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَحَصَلَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الِاخْتِلَاطِ كَالْمَعْتُوهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ تَشْبِيهُ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ بِبَيْعِ السَّكْرَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لُزُومِ بَيْعِ السَّكْرَانِ الَّذِي عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّمْيِيزِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِمَا يَبِيعُهُ، وَمَا يَشْتَرِيه، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي (فَرْعٌ) : قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِهِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْمَذْعُورَ لَا يَلْزَمُهُ مَا صَدَرَ مِنْهُ فِي حَالِ ذُعْرِهِ مِنْ بَيْعٍ، وَإِقْرَارٍ، وَغَيْرِهِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) : تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَيَرُدُّ الْجَوَابَ، وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ، وَنَحْوِهِ لِابْنِ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْسَكِهِ، وَعَنْ الْبِسَاطِيِّ أَنَّهُ الَّذِي عَقَلَ الصَّلَاةَ، وَالصِّيَامَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَيَرُدُّ الْجَوَابَ أَنَّهُ إذَا كُلِّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ، وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ) ش: لَمَّا ذَكَرَ مَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ ذَكَرَ مَا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ

لِعَاقِدِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْعِقَادِ الْبَيْعِ لُزُومُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ عَاقِدُهُ مُكَلَّفًا، فَلَوْ بَاعَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَوْ اشْتَرَى انْعَقَدَ بَيْعُهُ، وَشِرَاؤُهُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ وَلِوَلِيِّهِ النَّظَرُ فِي إمْضَائِهِ، وَرَدِّهِ بِمَا يَرَاهُ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ لِلصَّبِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ بَيْعَ السَّفِيهِ الْبَالِغِ، وَالْعَبْدِ الْبَالِغِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَالْمُفْلِسِ لَازِمٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَصَرُّفُهُمْ غَيْرُ لَازِمٍ، وَلِوَلِيِّ السَّفِيهِ وَالسَّيِّدِ، وَالْغُرَمَاءِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ ابْنَ الْحَاجِبِ. وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا أَخَذَ التَّكْلِيفَ مَأْخَذَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ هُنَا انْتَهَى. قُلْتُ: وَجْهُ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ عَادَةَ الْفُقَهَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَذْكُرُوا جَمِيعَ شُرُوطِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، وَوُجُوهِ الْأَسْبَابِ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا وُجِدَ جَمِيعُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا وُجِدَ الْمَشْرُوطُ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالضَّابِطِ لِلْمُتَعَلِّمِينَ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ مُخِلٌّ بِالْمَقْصُودِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ بِالتَّكْلِيفِ هُنَا مَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِالْعِبَادَاتِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْبُلُوغِ، وَالْعَقْلِ بَلْ مُرَادُهُ بِهِ هُنَا مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِأَحْكَامِ الْبَيْعِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الرُّشْدِ، وَالطَّوْعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ، وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: عَبَّرَ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِالتَّكْلِيفِ عَنْ الرُّشْدِ وَالطَّوْعِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ بَلْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَفْسَخَ وَكَذَلِكَ مَنْ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ يَعْنِي إذَا أُجْبِرَ جَبْرًا حَرَامًا ثُمَّ قَالَ خَلِيلٌ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْبَيْعِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ مُكَلَّفًا بِهِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ قِيلَ يُحْتَمَلُ، وَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْبَيْعِ إذْ لَا نَقُولُ بِإِمْضَائِهِ لِلْحَجْرِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. قُلْت: أَمَّا كَوْنُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْبَيْعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِهِ شَرْعًا، فَصَحِيحٌ لِعَدَمِ، وُجُودِ الرِّضَا الْمُشْتَرَطِ فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا مَا ذِكْرُهُ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْأُصُولِيِّينَ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا هِيَ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ عَقْلًا، وَجَوَازُ ذَلِكَ عَقْلًا فَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى امْتِنَاعِهِ عَقْلًا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَذَهَبَ الْأَشَاعِرَةُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ عَقْلًا، وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ السُّبْكِيّ آخِرًا، وَأَمَّا الشَّرْعُ، فَأَسْقَطَ التَّكْلِيفَ بِالْإِكْرَاهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْهَا الْبَيْعُ وَتَوَابِعُهُ، وَلَمْ يُسْقِطْهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إسْقَاطِهِ لِلتَّكْلِيفِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِمَدَارِكَ مَذْكُورَةٍ فِي مَحَلِّهَا لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ تَفْصِيلِهَا، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْبَيْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ هُوَ الْإِلْزَامُ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ. وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الْفَرْقِ السَّادِس وَالْعِشْرِينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَخِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ، وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ قَاعِدَتَانِ إحْدَاهُمَا أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ فِي الْعَقْلِ، وَالثَّانِيَةُ أَسْبَابُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَقَدْ اشْتَرَطُوا فِيهِ عِلْمَ الْمُكَلَّفِ، وَقُدْرَتَهُ عَلَى الْفِعْلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ وَخِطَابَ التَّكْلِيفِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَنَّ مِمَّا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يَجِبُ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يُنْدَبُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ انْتَهَى فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ، وَقُدْرَتُهُ، وَالسَّفِيهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَصَالِحِهِ، وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَنْ يَمْتَنِعَ مِمَّا أُكْرِهَ

عَلَيْهِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ وَصَحَّ مَا قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَمَا اسْتَظْهَرْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ هُنَا بِالتَّكْلِيفِ مَعْنَاهُ الْمَشْهُورَ، وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِالْعِبَادَاتِ الَّذِي تُرَتَّبُ عَلَى الْبُلُوغِ، وَالْعَقْلِ بَلْ مُرَادُهُ بِهِ هُنَا مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِأَحْكَامِ الْبَيْعِ الَّذِي تُرَتَّبُ عَلَى الرُّشْدِ، وَالطَّوْعِ. وَلِهَذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ فِي الْعِبَارَةِ قَلَقٌ فَإِنَّ مَعْنَاهَا حِينَئِذٍ، وَشَرْطُ لُزُومِ الْبَيْعِ الْإِلْزَامُ بِهِ، وَذَلِكَ دَوْرٌ فَلَوْ قَالَ: وَشَرْطُ لُزُومِهِ رُشْدٌ، وَطَوْعٌ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ لَوْ قَالَ رُشْدٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُوهِمُ أَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى الرُّشْدِ كَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ صَوَابُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْبِسَاطِيِّ حَمْلُ التَّكْلِيفِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : خَرَجَ بِاشْتِرَاطِ الرُّشْدِ كُلُّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ، وَالسَّفِيهِ، وَالْعَبْدِ الْبَالِغِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَكُلُّ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ مِنْ مُدَبَّرٍ، وَأُمِّ، وَلَدٍ، وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَمُبَعَّضٍ إلَّا الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ. (الثَّانِي) : إذَا بَاعَ السَّفِيهُ أَوْ اشْتَرَى أَوَالصَّغِيرُ فِي حَالِ حَجْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيُوقَفُ عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ بِذَلِكَ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَيُجِيزُهُ أَوْ يَرُدُّهُ بِحَسَبِ مَا يَرَى أَنَّهُ الْأَصْلَحُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلِيُّهُ أَوْ عَلِمَ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي ذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ السَّفِيهُ عَنْ الْحَجْرِ خُيِّرَ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ، وَرَدِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قَدَّمَ الْقَاضِي مَنْ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَلَكَ أَمْرَ نَفْسِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي رَدِّ ذَلِكَ، وَإِجَازَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : إذَا بَاعَ الْمَحْجُورُ أَوْ اشْتَرَى بِحَضْرَةِ وَلِيِّهِ وَسَكَتَ الْوَلِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: فِي تَرْجَمَةِ إنْكَاحِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الصَّغِيرَ وَالْمَحْجُورَ قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ فِي مَسَائِلِهِ: كُلُّ مَا عَقَدَهُ الْيَتِيمُ عَلَى نَفْسِهِ بِعِلْمِ الْوَصِيِّ، وَشَهَادَتِهِ مِمَّا هُوَ نَظَرٌ لِلْيَتِيمِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْيَتِيمِ نِكَاحًا كَانَ أَوْ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ، وَلَا غِبْطَةٍ لِلْيَتِيمِ، فَهُوَ لَازِمٌ لِلْوَصِيِّ بِتَضْيِيعِهِ، وَتَفْرِيطِهِ فِي مَنْعِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ، وَقَدْ نَزَلَ ذَلِكَ عِنْدَنَا فَأَشَرْنَا عَلَى الْقَاضِي بِذَلِكَ إلَّا رَجُلًا مِنَّا، فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْيَتِيمِ، وَلَا لِلْوَصِيِّ، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ سَقْطَةٌ مِنْ الْوَصِيِّ تُوجِبُ عَزْلَهُ عَنْ الْيَتِيمِ، وَلَا تُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَهُوَ عِنْدَنَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَمِينُ، وَكُلُّ أَمِينٍ إذَا ضَيَّعَ أَمَانَتَهُ أَوْ تَعَدَّى فِيهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا، وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنْ سُكُوتَ الْوَصِيِّ إذَا رَأَى مَحْجُورَهُ يَبِيعُ، وَيَشْتَرِي لَيْسَ بِرِضًا وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ بِمَحْضَرِ أَبِيهِ. وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ فِي الْوَصِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ السَّفِيهِ وَالْمَحْجُورِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: فَإِنْ رَأَى الْوَصِيُّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَهُوَ سَاكِتٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَلْزَمُهُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَصْلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَمَنْ بَاعَ مِنْهُ، وَابْتَاعَ فَقَدْ أَتْلَفَ مَالَهُ وَلَيْسَ سُكُوتُ الْوَصِيِّ رِضًا بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَحْثُ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي بِمَحْضَرِ أَبِيهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الطُّرَرِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي فِي تَرْجَمَةِ فَسْخِ الْوَصِيِّ نِكَاحَ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَصِيِّ كَلَامَ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَذَكَرَ فِي الْجُزْءِ التَّاسِعِ مِنْ الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ، وَثِيقَةِ تَسْجِيلِ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ عَلَى رَجُلٍ كَلَامَ الْأَبْهَرِيِّ. وَقَالَ: وَلَيْسَ سُكُوتُ الْوَصِيِّ رِضًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ، وَجَبَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ، وَجَبَ عَلَيْهِ تَعَرُّفُ حَالِهِ وَذَكَرَ كَلَامَ الِاسْتِغْنَاءِ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ: فِي الْمَذْهَبِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَلَا يَكُونُ سُكُوتُ الْوَصِيِّ حِينَ رَآهُ يَبِيعُ رِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ: إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَيَأْخُذُ، وَيُعْطِي بِرِضَا حَاجِرِهِ وَسُكُوتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ، بِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي

ابْنَ عَرَفَةَ وَبِذَلِكَ وَقَعَ الْحُكْمُ بِتُونُسَ، وَذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْمَحْجُورِ انْتَهَى فَتَحَصَّلَ فِيمَا بَاعَهُ بِحَضْرَةِ وَلِيِّهِ وَسُكُوتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ كَفِعْلِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ. وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ بِتُونُسَ، وَبِهِ أَفْتَيْت (وَالثَّانِي) : أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا وَمَصْلَحَةً لَزِمَ الْمَحْجُورَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَصْلَحَةٍ نَقَصَ مَا دَامَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَاتَ مِنْ يَدِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُنْقَضْ وَرَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِكَمَالِ الْقِيمَةِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْقِيَامِ بِالصَّغِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِكُلِّ، وَجْهٍ، وَكَانَ الْوَصِيُّ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مَصْلَحَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا قَالَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ (الرَّابِعُ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ عِتْقٌ، وَلَا هِبَةٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا بَيْعٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ، وَأَسْتَحِبُّ لَهُ إمْضَاءَهُ، وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَصَرَهُ الْمُخْتَصِرُونَ، وَظَاهِرُ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ، وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَعَلَى الْجَمِيعِ اخْتَصَرَهُ الْمُخْتَصِرُونَ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إمْضَاءُ جَمِيعِ مَا فَعَلَهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ قُرْبَةٌ، وَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْعِبَادِ فَأَيُّ اسْتِحْبَابٍ فِي هَذَا، فَكَذَا جَاءَ مَنْصُوصًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ قُرْبَةٌ بِإِسْعَافِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِإِمْضَاءِ عِتْقِهِ لِغِبْطَةٍ بِهَا كَمَا تَكُونُ فِي الْإِقَالَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ، وَالشَّرِكَةِ انْتَهَى (الْخَامِس) : إذَا بَاعَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ اشْتَرَى فَلِلسَّيِّدِ رَدُّهُ، وَإِجَازَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ حَتَّى أَعْتَقَهُ مَضَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ الدِّمَشْقِيِّ تِلْمِيذُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي كِتَابِ الْفُرُوقِ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ، وَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ السَّيِّدُ حَتَّى أَعْتَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ سَوَاءٌ عَلِمَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَسَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ الْمَعْرُوفُ فَالْبَيْعُ أَوْلَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحْجُورِ، وَالْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ السَّيِّدِ، وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسُ) : يُسْتَثْنَى مِمَّا تَقَدَّمَ شِرَاءُ السَّفِيهِ لِلْأُمُورِ التَّافِهَةِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا قَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ إلَّا فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ عَيْشِهِ مِثْلُ الدِّرْهَمِ يَبْتَاعُ بِهِ لَحْمًا، وَمِثْلُ خُبْزٍ، وَبَقْلٍ، وَنَحْوِهِ يَشْتَرِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ مِمَّا يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهِ انْتَهَى. وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَفِيهِ بَقِيَّةُ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَيْعِ الْمَحْجُورِ (السَّابِعُ) : يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِنَا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ كَوْنُ عَاقِدِهِ رَشِيدًا أَمَّا إذَا كَانَ السَّفِيهُ، وَكِيلًا عَنْ رَشِيدٍ، فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. (الثَّامِنُ) : الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ فِي قَوْلِنَا إذَا بَاعَ الْمَحْجُورُ أَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي خُصُوصِيَّةِ الْعَقْدِ الْمَفْرُوضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا يَأْذَنُ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ التِّجَارَةَ فَأَذِنَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَنْ يَتَّجِرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ. وَلَوْ دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بَعْضَ الْمَالِ يَخْتَبِرُهُ بِهِ فَلَحِقَهُ فِيهِ دَيْنٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ فِيمَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَلَا فِيمَا أَبْقَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْوِلَايَةِ بِذَلِكَ، وَهُوَ خِلَافُ الْعَبْدِ يَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَمْنَعْهُ لِسَفَهٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِذَا أُذِنَ لَهُ جَازَ، وَالسَّفِيهُ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِلْكُهُ بِيَدِ أَحَدٍ، فَلَيْسَ الْإِذْنُ لَهُ مُزِيلًا لِلسَّفَهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الْيَتِيمِ الْمُخْتَبَرِ بِالْمَالِ: يَلْحَقُهُ مَا أُذِنَ فِيهِ خَاصَّةً انْتَهَى (التَّاسِعُ) : يُسْتَثْنَى مِنْ تَصَرُّفِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ شَخْصٌ بِصَدَقَةٍ أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً، وَشَرَطَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ مُطْلَقَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهَا مَاضٍ قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ:

{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وَيُخْتَلَفُ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَحْجُورِ بِمَالٍ، وَيَشْتَرِطُ فِي صَدَقَتِهِ أَنْ يُتْرَكَ فِي يَدِهِ، وَلَا يُضْرَبَ عَلَى يَدَيْهِ فِيهَا كَمَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ مَالِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْقَوْلَ، وَفَرْضَهُ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] انْتَهَى وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ: لَوْ وَهَبَ هِبَةً لِيَتِيمٍ أَوْ سَفِيهٍ، وَشَرَطَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِوَصِيِّهِ فِيهَا نَفَذَ ذَلِكَ الشَّرْطُ انْتَهَى. (الْعَاشِرُ) : إذَا بَاعَ لِسَفِيهٍ أَوْ اشْتَرَى فَأَرَادَ وَلِيُّهُ فَسْخَ تَصَرُّفِهِ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ الْبَائِعُ أَنْ يَحْلِفَ الْوَلِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ فِي عَبْدِهِ ذَكَرَهُ الرُّعَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي فَصْلِ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا تُوجِبُ يَمِينًا مِنْ كِتَابِ التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا) ش يَعْنِي إذَا كَانَ شَرْطُ لُزُومِ الْبَيْعِ التَّكْلِيفُ مِمَّنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْبَيْعِ جَبْرًا حَرَامًا إمَّا بِأَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ نَفْسَهُ أَوْ يُكْرَهَ عَلَى دَفْعِ مَالٍ ظُلْمًا فَيَبِيعَ مَتَاعَهُ لِذَلِكَ، وَكَالذِّمِّيِّ يُضْغَطُ فِيمَا يُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِهِ مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ لُزُومِهِ الَّذِي هُوَ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» . وَلَمَّا كَانَ الْجَبْرُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَرَامٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَشَرْعِيٌّ لَازِمٌ احْتَرَزَ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ جَبْرًا حَرَامًا، وَالْجَبْرُ الشَّرْعِيُّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَغَيْرِهِ كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمِدْيَانَ عَلَى الْبَيْعِ لِلْغُرَمَاءِ، وَكَجَبْرِ الْعُمَّالِ عَلَى بَيْعِ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَيَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانُ يَرُدُّ الْمَالَ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ كَالْمَضْغُوطِ فِي دَيْنٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ إغْرَامَ الْوَالِي الْعُمَّالَ مَا أَخَذَهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى فَعَلَهُ الْوَالِي، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى أَهْلِهِ فَإِذَا حَبَسَهُ، فَهُوَ ظَالِمٌ فِي حَبْسِهِ نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ انْتَهَى. وَيُعَبِّرُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمَضْغُوطِ، وَهُوَ الْمُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الضُّغْطَةُ بِالضَّمِّ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ وَالْإِكْرَاهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الْمَضْغُوطِ مَا هُوَ فَقَالَ: هُوَ مَنْ أَضْغَطَ فِي بَيْعِ رَبْعِهِ أَوْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ فَبَاعَ لِذَلِكَ انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِمَسْأَلَةِ الْمَضْغُوطِ خَاصٌّ بِمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ، فَبَاعَ لِذَلِكَ وَنَصُّهُ، وَلَا يَلْزَمُ بَيْعُ الْمَجْبُورِ عَلَى الْبَيْعِ جَبْرًا حَرَامًا. وَيُخَيَّرُ فِيهِ الْمُكْرَهُ بَعْدَ إذْنِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ، وَإِلَّا بَطَلَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ ظُلْمًا فَبَاعَ لِيُؤَدِّيَهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَضْغُوطِ فَنَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مَتَاعَهُ بِلَا ثَمَنٍ، وَأَفْتَى اللَّخْمِيّ أَنَّ بَيْعَهُ مَاضٍ، وَهُوَ قَوْلُ السُّيُورِيِّ، وَرَأَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ لِيَخْلُصَ مِنْ الْعَذَابِ مَأْجُورٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ بِإِجْمَاعٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَبَيْعُ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ظُلْمًا لَا يَلْزَمُهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ وَالْأَبْهَرِيِّ إجْمَاعًا ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمُشْتَرَى طَوْعًا، وَلَهُ أَخْذُ مَبِيعِهِ،. وَلَوْ تَعَدَّدَتْ أَشْرِيَتُهُ كَمُسْتَحَقٍّ كَذَلِكَ، وَلَا يُفِيتُهُ عِتْقٌ وَلَا إيلَادٌ، وَيُحَدُّ الْمُشْتَرِي بِوَطْئِهَا انْتَهَى. وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِ مَالٍ فَبَاعَ لِذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِك أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَحَكَاهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ. وَقَالَ بِهِ سَحْنُونٌ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ لَكِنَّ سَحْنُونًا وَابْنَ رُشْدٍ خَالَفَا فِي أَخْذِهِ صَاحِبَهُ بِلَا ثَمَنٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَيْعُهُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَفْسُوخٍ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْبُرْزُلِيُّ، وَقَالَ بِهِ السُّيُورِيُّ وَاللَّخْمِيُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: عَنْ ابْنِ رُشْدٍ بَعْدَ أَنْ حَكَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالسُّيُورِيِّ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّ كَلَامِ السُّيُورِيِّ وَاللَّخْمِيِّ عَلَى مَا نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ

، وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ عَدَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، فَأَخَذَ رِبَاعَهُمْ ثُمَّ فَكُّوهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَرَجَعَتْ عَلَيْهِمْ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ دَارًا مِنْهَا وَدَفَعَ ثَمَنَهَا لِلسُّلْطَانِ ثُمَّ قَامَ يُرِيدُ نَقْضَ الْبَيْعِ، وَطَلَبَ الْغَلَّةَ فَأَجَابَ بَيْعُهُ لَازِمٌ، وَلَا غَلَّةَ لَهُ وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ الْأَعْرَابُ فَيَسْجُنُونَهُ فَيَبِيعُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ مَنْ يَحْتَسِبُ لَهُ رَبْعًا لِفِدَائِهِ هَلْ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ أَمْ لَا؟ وَكَذَا مَا أَخَذَهُ الْمُضْطَرُّ مِنْ الدَّيْنِ هَلْ يَلْزَمُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ لِفِدَائِهِ جَائِزٌ مَاضٍ بَاعَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ. وَكَذَا أَخْذُهُ مُعَامَلَةً أَوْ سَلَفًا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَهُ أُجِرَ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَسُئِلَ اللَّخْمِيّ عَنْ يَتِيمٍ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ وَسَجَنَهُ، وَاضْطَرَّهُ إلَى بَيْعِ رَبْعِهِ فَبَاعَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْ السُّلْطَانِ نَفْيٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَتَوَقَّفَ النَّاظِرُ فِي الْبَيْعِ حِينَ لَمْ يَأْذَنْ الْقَاضِي فِيهِ فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وُصِفَ مَضَى بَيْعُهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظِ، وَسُئِلَ عَنْ شَابٍّ مُرَاهِقٍ أَوْ بَالِغٍ جَنَى جِنَايَةً فَسُجِنَ وَهُوَ يَتِيمٌ كَفَلَهُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ إلَى آخِره. (تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى دَفْعِ مَالٍ، فَيَبِيعُ لِذَلِكَ ص (وَرَدَّ عَلَيْهِ بِلَا ثَمَنٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قُلْنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَبِيعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الثَّمَنِ بَلْ يَأْخُذُ حَقَّهُ بِلَا ثَمَنٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِ مَالٍ ظُلْمًا، فَبَاعَ مَتَاعَهُ لِذَلِكَ فَيُرَدُّ إلَيْهِ مَتَاعُهُ بِلَا ثَمَنٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ الْمَضْغُوطَ صَرَفَ الثَّمَنَ فِي مَصَالِحِهِ، وَأَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَقَطْ، فَلَهُ إجَازَةُ الْبَيْعِ، وَرَدُّهُ فَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ رَدَّ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ مِنْ النَّوَادِرِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ وَقَالَ: فِي الْبَيَانِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَضْغُوطٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ، وَسَوَاءٌ وَصَلَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَى الْمَضْغُوطِ فَدَفَعَهُ الْمَضْغُوطُ إلَى الظَّالِمِ أَوْ جَهِلَ هَلْ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَهُ فِي مَنَافِعِهِ؟ أَوْ كَانَ الظَّالِمُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى قَبْضَهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ لِلْمَضْغُوطِ؟ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَضْغُوطِ، وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمَضْغُوطِ عَلَى الظَّالِمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ أَدْخَلَ الثَّمَنَ فِي مَنَافِعِهِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الظَّالِمِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَحَكَاهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ، وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَضْغُوطُ هُوَ الْبَائِعُ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَا بَاعَ إلَّا بَعْدَ غُرْمِ الثَّمَنِ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَيْعُهُ لَازِمٌ لَهُ غَيْرُ مَفْسُوخٍ عَنْهُ، وَهُوَ أَجِيرٌ يُؤْجَرُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلُزُومُهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَذَابِ انْتَهَى مِنْ رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ وَلَوْ بَاعَ مَتَاعَهُ فِي مَظْلِمَةٍ ثُمَّ لَا يَدْرِي هَلْ أَوْصَلَ الثَّمَنَ إلَى الظَّالِمِ أَمْ لَا نُظِرَ فَإِنْ كَانَ ظُلْمُهُ لَهُ، وَعَدَاؤُهُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا حَتَّى بَاعَ مَتَاعَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَصَلَ لِلظَّالِمِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ

فروع ما أحدث المبتاع في المبيع من عتق أو تدبير

الْمَضْغُوطَ صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِهِ فَلَا يَصِلُ حِينَئِذٍ إلَى مَتَاعِهِ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ. وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِأَنَّ مَا اشْتَرَاهُ لِلْمَضْغُوطِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قِيلَ لِمُطَرِّفٍ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ كَبْلٍ يَقِفُونَ لِبَيْعِ مَتَاعِهِمْ فَإِذَا أَمْسَوْا رُدُّوا إلَى السِّجْنِ قَدْ وُكِّلَ بِهِمْ حُرَّاسٌ أَوْ أُخِذَ عَلَيْهِمْ حَمِيلٌ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ أَوْ يَعْلَمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي كَبْلٍ، وَعَذَابٍ، وَمِنْهُمْ هَارِبٌ قَدْ أُخِذَ مَتَاعُهُ يُبَاعُ قَدْ أَمَرَ بَعْضَ أَهْلِهِ بِبَيْعِهِ قَالَ كُلُّ هَذَا سَوَاءٌ، وَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يُبَالَى بِعِلْمِ الْمُبْتَاعِ أَوْ جَهْلِهِ إلَّا أَنَّ مَنْ عَلِمَ مَأْثُومٌ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: قَالُوا: وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنٌ فَتَرَكَهَا وَبَاعَ خَشْيَةَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَفْظُهُ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَ الْمَضْغُوطَ لِلْبَيْعِ مَكْبُولًا أَوْ مُوَكَّلًا بِهِ حُرَّاسٌ أَوْ أُخِذَ عَلَيْهِ حَمِيلٌ أَوْ كَانَ مُسَرَّحًا دُونَ حَمِيلٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ هَرَبَ خَالَفَهُ الظَّالِمُ إلَى مَنْزِلِهِ بِالْأَخْذِ وَالْمَعَرَّةِ فِي أَهْلِهِ كَانَ لَهُ مَالُ عَيْنٍ غَيْرُ مَا بَاعَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلِيَ الْبَيْعَ أَوْ، وَكَّلَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ، وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ الظَّالِمَ دَفَعَهُ لَهُ هُوَ أَوْ الْبَائِعُ انْتَهَى. [فروع مَا أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَنْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِ الْمَضْغُوطِ فَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ كَالْغَاصِبِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيَشْتَرِي فِي السُّوقِ فَلَا يَضْمَنُ الدُّورَ، وَالْحَيَوَانَ، وَيَضْمَنُ مَا انْتَفَعَ بِهِ بِأَكْلٍ أَوْ لُبْسٍ، وَالْغَلَّةُ لَهُ وَأَمَّا الظَّالِمُ فَلَا غَلَّةَ لَهُ، وَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا انْتَهَى. (الثَّانِي) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكُلُّ مَا أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمَضْغُوطَ، وَلَهُ أَخْذُ رَقِيقِهِ مِنْ الْمُبْتَاعِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِحَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ انْتَهَى وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْقَفَ الْمُبْتَاعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَضْغُوطَ، وَقَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.: [قَبَضَ الثَّمَنَ وَكِيلُ الظَّالِمِ مِنْ الْمُشْتَرِي] الثَّالِثُ قَالَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ مُطَرِّفٍ: وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ، وَكِيلُ الظَّالِمِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ شَاءَ أَوْ عَلَى الظَّالِمِ إذَا أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ أَدَّى الْمَالَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَوْصَى الْوَكِيلَ فَقَبَضَهُ، وَكِلَاهُمَا مَأْخُوذٌ بِهِ وَلَا يُبَرِّئُ الْوَكِيلَ خَوْفُهُ مِنْهُ أَوْ إكْرَاهُهُ إيَّاهُ انْتَهَى. [وَجَدَ الْمَضْغُوطُ مَتَاعَهُ قَدْ فَاتَ] (الرَّابِعُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ وَجَدَ الْمَضْغُوطُ مَتَاعَهُ قَدْ فَاتَ فَلَهُ أَخْذُ الْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بِيعَ بِهِ إنْ شَاءَ عَلَى الْوَكِيلِ وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: مِثْلَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ، وَلَا قَوْلَ لِلْوَكِيلِ إنْ قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا عَلَى الْقَبْضِ، وَخِفْتُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِي إنْ لَمْ أَفْعَلْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ جَمِيعَهُ وَزَادَ بَعْدَ هَذَا الْفَرْعِ، وَكَذَا كُلُّ مَا أَمَرَ بِفِعْلِهِ ظُلْمًا مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ، وَهُوَ يَخَافُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ نَزَلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَا يَفْعَلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَالْغُرْمُ قُلْت: هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ يُبَيِّنُ لَكَ حَالَ بَعْضِ الْقُضَاةِ فِي تَقْدِيمِهِمْ مَنْ يَعْرِفُونَ جُرْحَتَهُ شَرْعًا لِلشَّهَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ، وَالْفُرُوجِ، وَيَعْتَذِرُونَ بِالْخَوْفِ مِنْ مُوَلِّيهِمْ الْقَضَاءَ مَعَ أَنَّهُمْ فِيمَا رَأَيْتُ لَا يَخَافُونَ مِنْهُ إلَّا عُزْلَتَهُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَلِلَّهِ دُرُّ الشَّيْخِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى الصُّوفِيِّ صَالِحِ بِجَايَةَ رُوِيَ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ الشِّيعَةَ، وَمُغَيِّرِي الشَّرِيعَةِ انْتَهَى. [أَعْطَى الْمَضْغُوطُ حَمِيلًا فَتَغَيَّبَ فَأُخِذَ الْمَالُ مِنْ الْحَمِيلِ] (الْخَامِسُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ أَعْطَى الْمَضْغُوطُ حَمِيلًا فَتَغَيَّبَ فَأُخِذَ الْمَالُ مِنْ الْحَمِيلِ لَمْ يَرْجِعْ الْحَمِيلُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ ضُغِطَ الْحَمِيلُ فِي مِلْكٍ لِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَيْعُهُ بَيْعُ مَضْغُوطٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الْمَضْغُوطُ مَا أَضْغَطَ فِيهِ مِنْ رَجُلٍ سَلَفًا فَقَالَ أَصْبَغُ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَسْلَفَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ مَعْرُوفٌ قَالَ فَضْلٌ: فَعَلَى أَصْلِهِ فَيَرْجِعُ الْحَمِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَمَّالَةَ مَعْرُوفٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ عَلَى ابْنِ دَحُونٍ يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا تَسَلَّفَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ. [بَيْعُ قَرِيبِ الْمَضْغُوطِ لِفِكَاكِهِ مِنْ عَذَابٍ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَقَرِيبِهِ] (السَّادِسُ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَبَيْعُ قَرِيبِ الْمَضْغُوطِ لِفِكَاكِهِ مِنْ عَذَابٍ كَزَوْجَتِهِ، وَوَلَدِهِ وَقَرِيبِهِ لَازِمٌ انْتَهَى يُرِيدُ بَيْعَهُ مَتَاعَ نَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُضْغَطُوا، وَلَوْ لَمْ يَبِيعُوا مَتَاعَهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا انْتَهَى. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَبِ، وَأَمَّا الْأَبُ إذَا عُذِّبَ وَلَدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: إنَّهُ مِنْ الْإِكْرَاهِ، وَنَصُّهُ، وَسُئِلَ ابْنُ الْبَرَاءِ عَمَّنْ

اضطره السلطان إلى بيع سلعته

أَخَذَهُ الْعُمَّالُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَبَاعَتْ أُمُّهُ وَأَخَوَاتُهُ دَارًا لَهُمْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ بِسَبْعِمِائَةٍ، وَقِيمَتُهَا حِينَئِذٍ أَرْبَعُمِائَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا جَبْرًا بِسَبَبِ فِدَاءِ وَلَدِهَا، وَكَانَتْ لِأَبِيهِ قَاعَةٌ فَبَاعَهَا بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِينَارًا ثُمَّ مَاتَ الْوَالِدَانِ، وَقَامَ الْوَرَثَة بِنَقْضِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْغَبْنِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَجَابَ إذَا ثَبَتَ الْجَوْرُ وَالْعُدْوَانُ بَطَلَ مَا يُجْرَى فِي ذَلِكَ وَالْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بَنَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ. (قُلْت) : تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا بَاعَتْهُ زَوْجَتُهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ قَرِيبُهُ مِنْ مَتَاعِ أَنْفُسِهِمْ فِي افْتِكَاكِهِ يَلْزَمُهُمْ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَتَاعِ الْمَضْغُوطِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُطْلَبُوا إنَّمَا بَاعُوا حِسْبَةً، فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا بَاعَتْهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ، وَالْأَخَوَاتُ مِنْ مَالِهِنَّ فَلَا مَقَالَ لَهُنَّ فِيهِ وَاسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّيُورِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لَمْ يَظْهَرْ لِي صَوَابُهَا، فَإِنَّ الْوَلَدَ إذَا عُذِّبَ بَيْنَ يَدَيْ، وَالِدَيْهِ فَأَيُّ إكْرَاهٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا، وَأَيْنَ الْحِسْبَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] قُلْت: هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ إنَّ الْإِكْرَاهَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ كَالْإِكْرَاهِ بِالنَّفْسِ لَكِنْ يَبْقَى غَيْرُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجَةِ، وَالْإِخْوَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ يُنَصَّ فِيهَا عَلَى الْوَالِدِ، وَلَعَلَّهُ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ فَفِيهِ أَنَّهُمْ بَاعُوا جَبْرًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اضْطَرَّهُ السُّلْطَانُ إلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ] (السَّابِعُ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَمَّنْ اضْطَرَّهُ السُّلْطَانُ إلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ وَقَامَ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامًا، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الْإِكْرَاهَ فَأَجَابَ إذَا ثَبَتَ الْإِكْرَاهُ فِي شَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ مَبِيعُهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي الْمَعْرِفَةَ بِذَلِكَ حَلَّفَهُ الْبُرْزُلِيُّ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الضَّرَرَ لَا يُجَازُ، وَلَوْ طَالَتْ السُّنُونَ إذَا كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ فِيمَنْ تَسَلَّمَ بِالظُّلْمِ أَنَّ حِيَازَتَهُ لَغْوٌ، وَيُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ تَوَصَّلَ إلَى الْمِلْكِ انْتَهَى قُلْت: وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي بَيْعِ مَضْغُوطٍ أَنَّ مَنْ أَضْغَطَ فِي الْغُرْمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأُكْرِهَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُطْلِقَ تَحْتَ الضَّمَانِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي الضُّغْطَةِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَيْعٌ مَضْغُوطٌ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَاَلَّذِي أَتَقَلَّدُهُ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ يَرُدُّ الْبَيْعَ، وَيُغَرَّمُ الثَّمَنَ الْمَقْبُوضَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُبْتَاعُ بِضَغْطَتِهِ فَيَرُدَّ الْبَيْعَ وَيَتْبَعَ الضَّاغِطَ بِالثَّمَنِ، وَلَا تَبَاعَةَ لَهُ عَلَى الْمَضْغُوطِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ هُوَ الْعَالِمُ بِالضُّغْطَةِ دُونَ مُوَكِّلِهِ فَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِلْمُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ، وَأَرَادَ الْبَائِعُ تَحْلِيفَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. فَفِي هَذِهِ الْفَتْوَى مَا يَشْهَدُ لِلَّتِي قَبْلَهَا، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ سَحْنُونٍ هُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَيَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي نَوَازِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى بَيْعِ الْمُكْرَهِ] (الثَّامِنُ) : فِي شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى بَيْعِ الْمُكْرَهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: فِيهَا نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَخَافُوا عَلَيْهِ فَلِهَذَا، وَجْهٌ لَكِنَّ حَقَّهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا صِفَةَ حَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَافُوا عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَشْهَدُوا فِي مِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْعَزْلَ فَلَا يَشْهَدُوا لِأَنَّهَا ظُلْمٌ، وَلَوْ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ فَفِيهَا نَظَرٌ لِلْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى يَعْنِي فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أُودِعَ مَتَاعًا فَعَدَا عَلَيْهِ] (التَّاسِعُ) : قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ: مَنْ أُودِعَ مَتَاعًا فَعَدَا عَلَيْهِ عَادٍ فَأَغْرَمَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَتَاعِ غُرْمًا لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ شَيْءٌ مِمَّا غَرِمَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ قِيلَ إنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ بِمَا غَرِمَ مِنْ مَتَاعِهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الْمَتَاعِ بِهِ، وَأَمَّا مَا عَلِمَ بِهِ مِثْلُ الْمَتَاعِ يُوَجِّهُ بِهِ الرَّجُلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَعَ رَجُلٍ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ بِالطَّرِيقِ مَكَّاسًا يُغَرِّمُ النَّاسَ عَلَى مَا يَمُرُّونَ بِهِ مِنْ الْمَتَاعِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَتَاعِ مَا غَرِمَ عَلَى مَتَاعِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ لِابْنِ دَحُونٍ، وَقَالَ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَيُغَرِّمُهُ فَتَسَلَّفَ مَا يُغَرَّمُ فَذَلِكَ دَيْنٌ لَازِمٌ وَهُوَ حَلَالٌ لِمَنْ أَسْلَفَهُ، وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَدْ سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغُرْمِ انْتَهَى. [تَعَرَّضَ لَهُمْ اللُّصُوص يُرِيدُونَ أَكْلَهُمْ فَقَامَ بَعْضُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ فَضَمِنَهُمْ] (الْعَاشِرُ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي الرِّفَاقِ فِي أَرْضِ الْمَغْرِبِ تَعَرَّضَ لَهُمْ اللُّصُوصُ

فَيُرِيدُونَ أَكْلَهُمْ فَيَقُومُ بَعْضُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ فَيَضْمَنُهُمْ عَلَى مَالٍ عَلَيْهِ، وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ مَعَهُ، وَعَلَى مَنْ غَابَ مِنْ صَاحِبِ الْأَمْتِعَةِ فَيُرِيدُ مَنْ غَابَ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا عُرِفَ مِنْ سُنَّةِ تِلْكَ الْبِلَادِ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَالِ يُخَلِّصُهُمْ وَيُنَجِّيهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِمَنْ حَضَرَ، وَلِمَنْ غَابَ مِمَّنْ لَهُ أَمْتِعَةٌ فِي تِلْكَ الرُّفْقَةِ، وَعَلَى أَصْحَابِ الظَّهْرِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنُوبُهُمْ فِي تِلْكَ الرِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ يُخَافُ أَنْ لَا يُنَجِّيَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَعْطَوْا، وَكَانَ فِيهِمْ مَوْضِعٌ لِدَفْعِ ذَلِكَ فَمَا أَوْجَبَ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، وَأَعْطَوْا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُرْجَعْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَابَ مِنْ صَاحِبِ الْأَمْتِعَةِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. ص (وَمَضَى فِي جَبْرِ عَامِلٍ) ش: أَيْ، وَمَضَى الْبَيْعُ الْمُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَبْرِ السُّلْطَانِ عَامِلًا مِنْ عُمَّالِهِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَرَادَ تَوْلِيَةَ أَحَدٍ أَحْصَى مَا بِيَدِهِ فَمَا وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى مَا بِيَدِهِ، وَعَلَى مَا كَانَ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِجَاهِ الْقَضَاءِ وَالْوِلَايَةِ أَخَذَهُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ تِجَارَةٌ وَزِرَاعَةٌ، وَأَشْكَلَ مِقْدَارُ مَا اكْتَسَبَهُ بِذَلِكَ وَمَا اكْتَسَبَهُ بِجَاهِ الْوِلَايَةِ فَالْمُشَاطَرَةُ حَسَنَةٌ، وَقَدْ فَعَلَهَا سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ عُمَّالِهِ لَمَّا أُشْكِلَ عَلَيْهِ مَا اكْتَسَبُوهُ بِالْقَضَاءِ وَالْعِمَالَةِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَبُولِ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ وَالْكَلَامِ عَلَى مُشَاطَرَةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ لِسَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَيِّدِنَا أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ أَنَّ عُلُوَّ مَنْصِبِهِمْ، وَمَرْتَبَتِهِمْ فِي الْوَرَعِ وَالدِّينِ مَعْلُومَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامِلُ مَشْهُورًا بِالظُّلْمِ لِلنَّاسِ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ فَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ مَا ظَلَمَ النَّاسَ بِهِ وَيَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا جَبْرًا حَرَامًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومَ شَرْطٍ، وَفِي فَهْمِهِ مِنْهُ خَفَاءٌ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ صَرَّحَ بِهِ وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي كَجَبْرِ عَامِلٍ لَكَانَ أَحْسَنُ لِيَدْخُلَ فِي كَلَامِهِ صُوَرُ الْجَبْرِ الشَّرْعِيِّ كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمِدْيَانَ عَلَى بَيْعِ مَتَاعِهِ لِلْغُرَمَاءِ، وَجَبْرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى بَيْعِ أَمْوَالِهِمْ لِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَجَبْرِ مَنْ لَهُ دَارٌ تُلَاصِقُ الْجَامِعَ أَوْ الطَّرِيقَ عَلَى بَيْعِهَا إذَا اُحْتِيجَ إلَى تَوْسِعَتِهِمَا بِهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اكْتَفَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ جَبْرًا حَرَامًا، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى جَبْرِ الْعَامِلِ بِخُصُوصِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الْجَبْرِ الْحَرَامِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ، وَلِقُرْبِهِ مِنْهُ خُصُوصًا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ لَا يَرُدُّ الْمَالَ عَلَى أَرْبَابِهِ، وَلِهَذَا قَالَ مَضَى، وَلَمْ يَقُلْ جَازَ جَبْرُ عَامِلٍ؛ لِأَنَّ جَبْرَ السُّلْطَانِ الْعَامِلَ إنْ كَانَ لِيَرُدَّ الْمَالَ عَلَى أَرْبَابِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لِيَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ مَاضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: فِي رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ إنَّ مَنْ تَصَرَّفَ لِلسُّلْطَانِ فِي أَخْذِ الْمَالِ، وَإِعْطَائِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ إذَا أَضْغَطَ فِيهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَصَرَّفُ فِي أَخْذِ الْمَالِ، وَإِعْطَائِهِ فَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ إذَا أَضْغَطَ فَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُ فَلَهُ الْقِيَامُ هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَضْغَطَ فِيمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْهُ فَلَمْ يُضْغَطْ إلَّا بِمَا صَارَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ حَقٌّ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَزَادَ الشَّيْخُ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ، وَالْعَامِلُ يَعْزِلُهُ الْوَالِي عَلَى سُخْطٍ أَوْ يَتَقَبَّلُ الْكُورَةَ بِمَالٍ، وَيَأْخُذُ أَهْلَهَا بِمَا شَاءَ مِنْ الظُّلْمِ فَيَعْجِزُ أَوْ يَتَقَبَّلُ الْمَعْدِنَ فَيَعْجِزُ عَمَّا عَلَيْهِ فَيُغَرِّمُهُ الْوَالِي مَالًا بِعَذَابٍ حَتَّى يُلْجِئَهُ لِبَيْعِ مَالِهِ فَبَيْعُهُ مَاضٍ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَخَذَ الْوَالِي مَالَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ رَدَّهُ عَلَى أَرْبَابِهِ كَمُكْرَهٍ أَوْ مَضْغُوطٍ فِي بَيْعٍ لِحَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ دَيْنٍ لَازِمٍ اهـ. ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْجَبْرِ الشَّرْعِيِّ جَبْرَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْبَيْعِ فِي الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وَشِبْهِهِ قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: مَالِكٌ: فِي

الَّذِي يُضْغَطُ فِي الْخَرَاجِ فَيَبِيعُ بَعْضَ مَتَاعِهِ عَلَى، وَجْهِ الضَّغْطِ أَرَى أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ إذَا كَانَ بَيْعُهُ إيَّاهُ عَلَى عَذَابٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الشِّدَّةِ، وَلَا أَرَى لِمُشْتَرِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَحِلَّهُ، وَلَا يَحْبِسَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مَا اُشْتُرِيَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الضَّغْطِ إذَا كَانَ الَّذِي يُطْلَبُونَ وَيُضْغَطُونَ فِيهِ ظُلْمًا، وَتَعَدِّيًا أَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ لَا يَلْزَمُهُمْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُوسِرُوا فَيَبِيعُ عَلَيْهِمْ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ بَيْعُهُ كَثَوْبٍ يُسْتَرُ بِهِ، وَشِبْهِهِ فَهَذَا يَلْزَمُ مُشْتَرِيهِ رَدُّهُ فَأَمَّا إنْ بِيعَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي حَقٍّ، وَاجِبٍ مِنْ جِزْيَتِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِزْيَتِهِ تَحْتَ الضَّغْطِ، وَالْإِكْرَاهِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَائِغٌ لِمَنْ اشْتَرَاهُ، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَقَ بِهِمْ فِي تَقَاضِي ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَأَنْ لَا يُعَذَّبُوا عَلَى ذَلِكَ، وَسَبِيلُ الْمَضْغُوطِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَيْعِ مَتَاعِهِ فِي غَيْرِ حَقٍّ سَبِيلُ الذِّمِّيِّ فِي حَقِّ رَدِّ مَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ بَلْ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَعْظَمُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ اهـ.، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمُ: وَكَذَا بَيْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ الْمَعْتُوهِ فِيمَا عَلَيْهِمْ مِنْ جِزْيَةٍ، وَأَهْلِ الصُّلْحِ فِيمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ لَازِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ الْجَبْرِ الشَّرْعِيِّ جَبْرُ مَنْ لَهُ رَبْعٌ يُلَاصِقُ الْمَسْجِدَ، وَافْتُقِرَ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ بِهِ عَلَى بَيْعِهِ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ. وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَرْضٌ تُلَاصِقُ الطَّرِيقَ بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ، وَاحْتَجَّ عَلَى فُتْيَاهُ بِقَوْلِ سَحْنُونٍ يُجْبَرُ ذُو أَرْضٍ تُلَاصِقُ طَرِيقًا هَدَمَهَا نَهْرٌ لَا مَمَرَّ لِلنَّاسِ إلَّا فِيهَا عَلَى بَيْعِ طَرِيقٍ فِيهَا لَهُمْ بِثَمَنٍ يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَبِفِعْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَوْسِيعِهِ مَسْجِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ إذَا غَلَا الطَّعَامُ، وَاحْتِيجَ إلَيْهِ أَمَرَ الْإِمَامُ أَهْلَهُ بِإِخْرَاجِهِ إلَى السُّوقِ اهـ. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ ص (وَمُنِعَ بَيْعُ مُسْلِمٍ، وَمُصْحَفٍ وَصَغِيرٍ لِكَافِرٍ) ش: لَمَّا ذَكَرَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ، وَشَرْطَ لُزُومِهِ ذَكَرَ شَرْطَ جَوَازِهِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ صِحَّةُ تَقَرُّرِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ شِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُوجِبُ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ أَعْنِي تَقَرُّرَ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ، وَالْمُصْحَفُ فَلَا يَصِحُّ تَقَرُّرُ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَيْعَ يَمْضِي وَيُجْبَرُ الْكَافِرُ عَلَى إخْرَاجِ ذَلِكَ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ: فَإِنْ ابْتَاعَ الذِّمِّيُّ أَوْ الْمُعَاهَدُ مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُنْقَضْ شِرَاؤُهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ الْمُشْتَرَى لَهُ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْزِعَهُ سَيِّدُهُ اهـ. وَصَرَّحَ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُنْقَضُ الْبَيْعُ، وَبِهِ صَدَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ، وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ بِأَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَصْرَانِيٌّ قَالَ: وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ بِيعَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْسَخْ اتِّفَاقًا ا. هـ. قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَيُعَاقَبُ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسْخِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَا أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَا بِالْجَهْلِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَسْقَطَ مِنْهُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَا بِالْجَهْلِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ: وَفِي مُبَايَعَةِ الْكَافِرِ بِالْعَيْنِ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا كَرَاهَةٌ مَالِكٌ، وَأُعَظِّمُ ذَلِكَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَوْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ اهـ. وَكَذَا يَحْرُمُ بَيْعُ الْحَرْبِيِّينَ آلَةَ الْحَرْبِ مِنْ سِلَاحٍ أَوْ كُرَاعٍ أَوْ سُرُوجٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ فِي الْحَرْبِ مِنْ نُحَاسٍ، وَخُرْثِيٍّ، وَغَيْرِهِ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ، وَخُرْثٍ وَغَيْرِهِ هُوَ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ الْمَتَاعُ الْمُخْتَلِطُ الشَّيْخُ يَعْنِي نَفْسَهُ أَثَاثُ الْخِبَاءِ، وَآلَةُ السَّفَرِ وَمَاعُونُهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَإِنْ بِيعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ بِيعَ عَلَيْهِمْ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُسْلِمِ، وَالْمُصْحَفِ

اهـ. وَأَمَّا بَيْعُ الطَّعَامِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَجُوزُ فِي الْهُدْنَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْهُدْنَةِ فَلَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَكَذَا يَحْرُمُ بَيْعُ الدَّارِ، وَكِرَاؤُهَا لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ وَكَذَا لِمَنْ يَجْعَلُ فِيهَا الْخَمْرَ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا بَيْعُ الْخَشَبَةِ لِمَنْ يَعْمَلُهَا صَلِيبًا، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْأَبِيُّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي مَنْعِ بَيْعِ الْعِنَبِ لِمَنْ يَعْصِرُهَا خَمْرًا قَوْلَيْنِ قَالَ الْأَبِيُّ: وَالْمَذْهَبُ فِي هَذَا سَدُّ الذَّرَائِعِ كَمَا يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلَاحِ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ إثَارَةَ الْفِتْنَةِ بَيْنَهُمْ قَالَهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ، وَفِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلُ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، وَفِي مَسَائِلِ الْمِدْيَانِ، وَالتَّفْلِيسِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمَمْلُوكَةِ مِنْ قَوْمٍ عَاصِينَ يَتَسَامَحُونَ فِي الْفَسَادِ وَعَدَمِ الْغَيْرَةِ، وَهُمْ آكِلُونَ لِلْحَرَامِ وَيُطْعِمُونَهَا مِنْهُ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ اهـ. بِ وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُشْتَرِي قَصَدَ بِالشِّرَاءِ أَمْرًا لَا يَجُوزُ، وَاَللَّه أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : أَلْحَقُوا الصَّغِيرَ الْكَافِرَ بِالْمُسْلِمِ فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ لِكَافِرٍ، وَجَبْرِهِ عَلَى بَيْعِهِ إنْ اشْتَرَاهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْإِسْلَامُ الْحُكْمِيُّ كَالْوُجُودِيِّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ زَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ الْمَمْلُوكَةِ لِسَيِّدِهِ بِيعَ الثَّلَاثَةُ لِمَنْعِ بَيْعِ الصَّغِيرِ دُونَ أُمِّهِ يَعْنِي، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِإِسْلَامِ أَبِيهِ ص (وَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ بِعِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ) ش: يَعْنِي إذَا قُلْنَا أَنَّ شِرَاءَ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ مَمْنُوعٌ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ إذَا وَقَعَ فَإِنَّا نُجْبِرُهُ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَلَوْ بِالْعِتْقِ وَلِذَا لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلَوْ بِعِتْقٍ لَكَانَ أَحْسَنُ. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ بِالْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالْبَيْعِ، وَهِبَةَ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ أَحْرَى مِنْهُمَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي نُسْخَتِهِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا بِإِسْقَاطِهَا وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِعِتْقٍ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ مِنْ تَنْجِيزٍ، وَتَدْبِيرٍ، وَتَأْجِيلٍ، وَإِيلَادٍ، وَتَبْعِيضٍ فَأَمَّا التَّنْجِيزُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَيُؤَاجَرُ عَلَى سَيِّدِهِ الْكَافِرِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ مُسْلِمًا ثُمَّ دَبَّرَهُ أَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ أَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ بَلْ هُوَ أَوْلَى، وَفِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِي التَّدْبِيرِ إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِيلَادُ فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي أُمِّ، وَلَدِ الذِّمِّيِّ تُسْلِمُ هِيَ أَوْ، وَلَدُهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا أَنَّهُ يُنَجَّزُ عِتْقُهَا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ عِتْقِهَا فَتَبْقَى لَهُ أُمَّ، وَلَدٍ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتِبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ، وَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ، فَلَهُ خِدْمَتُهُ وَلِذَلِكَ أُوجِرَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا التَّبْعِيضُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْعِتْقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي شِرَاءِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ، فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ لَهُ، وَلَا صَدَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ مَضَى، وَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ، وَالْوَاهِبُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا قَالَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَهَبَ مُسْلِمٌ عَبْدًا مُسْلِمًا لِنَصْرَانِيٍّ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ وَبِيعَ عَلَيْهِ، وَالثَّمَنُ لَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ، وَإِنْ وَهَبَ مُسْلِمٌ يُرِيدُ أَوْ نَصْرَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ جَازَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ مَضَى، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهُ ابْتِدَاءً وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَوْ

كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ اهـ. (الثَّانِي) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ يَتَوَلَّى بَيْعَ الْعَبْدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةَ الْمُسْلِمِ بَلْ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ بِبَيِّنَةِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ بِيعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ وَهَبَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِمُسْلِمٍ لِلثَّوَابِ فَلَمْ يُثِبْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ أَقَامَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا اشْتَرَى مُسْلِمًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ. وَلَا يُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُنْقَضُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ تَوْلِيَةَ الْبَيْعِ فِيهِ إهَانَةٌ لِلْمُسْلِمِ فَيُفْسَخُ حَتَّى يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ اهـ. (الثَّالِثُ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ الْمُؤَجَّرُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فُسِخَ بَاقِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى فَسْخِ شِرَاءِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، وَعَلَى بَيْعِهِ عَلَيْهِ يُؤَاجَرُ مِنْ مُسْلِمٍ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ ابْنُ عَرَفَةَ يُفَرَّقُ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْكَافِرِ فِي إجَارَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَا يُفْتَقَرُ لِبَيْعِهِ بَعْدَهَا ا. هـ. قُلْت: وَلَوْ كَانَ مُؤَاجَرًا مِنْ مُسْلِمٍ فَعَلَى مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ، وَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَبْلَ كَلَامِهِ هَذَا عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ، وَعَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ جَعَلَهُ مَحَلَّ نَظَرٍ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ هُنَاكَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. (الرَّابِعُ) : قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: يُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فِي عَشْرَةِ مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ الْكَافِرُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ، الثَّانِي عَلَى بَيْعِ الْمُصْحَفِ، الثَّالِثُ مَالِكُ الْمَاءُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ لِمَنْ بِهِ عَطَشٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ الثَّمَنُ أُجْبِرَ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ. الرَّابِعُ مَنْ انْهَارَتْ بِئْرُهُ وَخَافَ عَلَى زَرْعِهِ الْهَلَاكَ يُجْبَرُ جَارُهُ عَلَى سَقْيِهِ بِالثَّمَنِ، وَقِيلَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، الْخَامِسُ الْمُحْتَكِرُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ طَعَامِهِ، السَّادِسُ جَارُ الطَّرِيقِ إذَا أَفْسَدَهَا السَّيْلُ يُؤْخَذُ مَكَانُهَا بِالْقِيمَةِ، السَّابِعُ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ يُجْبَرُ جَارُهُ عَلَى بَيْعِ مَا يُوَسَّعُ بِهِ، الثَّامِنُ صَاحِبُ الْفَدَّانِ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى أَنْ يَتَحَصَّنُوا فِيهِ، التَّاسِعُ صَاحِبُ الْفَرَسِ أَوْ الْجَارِيَةِ يَطْلُبُهَا السُّلْطَانُ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ جَارَ عَلَى النَّاسِ، وَأَضَرَّ بِهِمْ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لِارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، الْعَاشِرُ إذَا أُسِرَ رَجُلٌ بِيَدِ الْعَدُوِّ، وَامْتَنَعَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ مِنْ قَبُولِ الْفِدَاءِ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ عَبْدُ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَأَبَى صَاحِبُهُ مِنْ بَيْعِهِ إلَّا بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ فَتَاوَى ابْنِ رُشْدٍ اهـ. وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ سَبْعًا فَتَرَك الْأَوَّلَ، وَالثَّانِي وَالْعَاشِرَ لِشُهْرَةِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش: الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَتَرْجِيحُ ابْنِ يُونُسَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ النَّصْرَانِيَّةِ يُسْلِمُ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي اشْتِرَاءِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِوَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ مُسْلِمُونَ، وَأَبُوهُمْ كَافِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ قُلْت: قَدْ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْوَلَدُ، وَهُوَ صَغِيرٌ. وَقَدْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَوَلَدُهَا الْكَبِيرُ مِثْلُ الصَّغِيرِ. ص (لَا بِكِتَابَةٍ) ش: لَا يَكْفِي فِي إخْرَاجِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَنْ مِلْكِ الْكَافِرِ مُكَاتَبَتُهُ إيَّاهُ بَلْ تُبَاعُ كِتَابَتُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ عِنْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ مُسْلِمًا ثُمَّ كَاتَبَهُ أَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ، وَقِيلَ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ، وَيُبَاعُ عَبْدًا قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَهْنٍ) ش: أَيْ لَا يَكْفِي فِي الْإِخْرَاجِ أَنْ يَرْهَنَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ ثُمَّ بَيَّنَ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ص (وَأَتَى بِرَهْنِ ثِقَةٍ إنْ عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ، وَإِلَّا عَجَّلَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ فَرَهَنَهُ بِعْتُهُ عَلَيْهِ وَعَجَّلْتُ الْحَقَّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنِ ثِقَةٍ مَكَانَ الْعَبْدِ فَيَأْخُذَ الثَّمَنَ فَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ بِمَا إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ، وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا

فرع بيع العبد ثم قدم السيد فأثبت أنه أسلم قبل إسلام العبد

بِإِسْلَامِ الْعَبْدِ فَرَهَنَهُ عَلَى ذَلِكَ فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْقَيْدَيْنِ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ إذَا عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّهْنَ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنِ ثِقَةٍ وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّقْيِيدَيْنِ. الثَّانِي إذَا انْتَفَى الْأَمْرَانِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَعَيَّنَ الرَّهْنَ فَيُعَجَّلُ الْحَقُّ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَيْضًا مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّقْيِيدَيْنِ. الثَّالِثُ إذَا انْتَفَى الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُرْتَهِنُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّهْنَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا تَعْجِيلُ الْحَقِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ وَمُخَالِفٌ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. الرَّابِعُ إذَا انْتَفَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَعَيَّنَ الرَّهْنَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا تَعْجِيلُ الْحَقِّ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا عَجَّلَ، وَجَعَلَ اللَّخْمِيّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الرَّهْنِ قَالَ: وَأَمَّا إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَلَا يُعَجَّلُ اتِّفَاقًا وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ أَخْذَ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَوْ عَجَّلَهُ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (كَعِتْقِهِ) ش: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، وَلَيْسَ هُوَ خَاصًّا بِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مُفَصَّلَةً فِي بَابِ الرَّهْنِ. ص (وَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ) ش: قَالَ فِي الْكَبِيرِ: يَعْنِي فَإِنْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ بِيعَ عَلَيْهِ فَوُجِدَ بِهِ عَيْبٌ جَازَ لِمَنْ ابْتَاعَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ، وَفَرَضَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ عَبْدًا كَافِرًا مِنْ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الرَّدِّ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ: وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ. وَيَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ. ص (وَفِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا بَاعَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لِمُسْلِمٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِ بِالتَّأْخِيرِ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ص (وَيُسْتَعْجَلُ الْكَافِرُ) ش: أَيْ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْكَافِرِ، فَإِنَّهُ يُسْتَعْجَلُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُبْتَاعًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ص (كَبَيْعِهِ إنْ أَسْلَمَ، وَبَعُدَتْ غَيْبَةُ سَيِّدِهِ) ش: تَشْبِيهٌ فِي تَعْجِيلِ الْبَيْعِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجَهْلُ مَوْضِعِهِ كَبُعْدِ غَيْبَتِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُطْمَعْ بِقُدُومِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا إنْ طُمِعَ بِقُدُومِهِ اُنْتُظِرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْغَيْبَةِ بِالْبَعِيدَةِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ فِي الْقَرِيبَةِ، وَيَنْتَظِرُهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فِي غَيْرِ مَوَاضِعَ أَنَّ الْغَيْبَةَ الْقَرِيبَةَ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمَيْنِ، وَفِي الشَّهَادَةِ كَالثَّلَاثَةِ، وَفِي الْأَجْوِبَةِ الْبَعِيدَةُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ بِيعَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَدِمَ السَّيِّدُ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلَامِ الْعَبْدِ] (فَرْعٌ) : فَإِنْ بِيعَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَدِمَ السَّيِّدُ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلَامِ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ عَتَقَ كَانَ لَهُ نَقْضُ الْعِتْقِ

قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. ص (وَفِي الْبَائِعِ يُمْنَعُ مِنْ الْإِمْضَاءِ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ مِنْ كَافِرٍ بِخِيَارٍ، وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ إمْضَاءِ الْبَيْعِ ص (وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ) ش: تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ، وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيّ مَيْلٌ لِلْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْتِقْصَاءَ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَوَّلِ ثَمَنٍ يُعْطَى فِيهِ سَاعَتَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ تَأْوِيلَانِ) ش: لَمْ يُبَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا، وَلَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَا فِيمَا يَأْتِي الصَّغِيرَ الَّذِي أَرَادَ هَلْ صَغِيرُ الْمَجُوسِ أَوْ صَغِيرُ الْكِتَابِيِّينَ؟ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ هُنَا، وَفِيمَا يَأْتِي صِغَارَ الْكِتَابِيِّينَ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا هُمَا التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا عِيَاضٌ، وَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْمُتَقَدِّمُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صِغَارَ الْكِتَابِيِّينَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ، وَهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ لِلْعَهْدِ وَيَكُونُ سَكَتَ عَنْ حُكْمِ صَغِيرِ الْمَجُوسِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَجُوسَ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ صَغِيرُهُمْ، وَكَبِيرُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّغِيرِ الْمُتَقَدِّمِ مَا يَعُمُّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى تَخْصِيصِ التَّأْوِيلَيْنِ بِالْكِتَابِيِّ، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبِلَ تَقْيِيدَ عِيَاضٍ لِلْمَسْأَلَةِ بِكَوْنِ الصَّغِيرِ الْكِتَابِيِّ لَيْسَ مَعَهُ أَبُوهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ يُمْنَعُ بَيْعُ الصَّغِيرِ مِنْ الْكِتَابِيِّينَ لِلْكَافِرِ، وَهَلْ الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّغِيرُ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ. وَأَمَّا إذَا وَافَقَهُ فِي الدِّينِ فَيَجُوزُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ أَوْ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الصَّغِيرِ مِنْ الْكِتَابِيِّينَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ عِيَاضٌ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ يَعْنِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الصَّغِيرِ الْكِتَابِيِّ مِنْ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ فَلَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهَذَا حُكْمُ صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ، وَأَمَّا صِغَارُ الْمَجُوسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ آبَاؤُهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنْ شِرَائِهِمْ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَفِيهِمْ خِلَافٌ كَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْكَبِيرِ مِنْ الْمَجُوسِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَمْ لَا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْكَبِيرِ مِنْ سَبْيِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَفِي مَعْنَى الْكَبِيرِ مَنْ عَقَلَ دِينَهُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ أَنَّ الْمَجُوسَ

يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُمْنَعُ النَّصَارَى مِنْ شِرَائِهِمْ مُطْلَقًا صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، وَنَصُّهَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: فِي الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ إذَا مُلِكُوا أُجْبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُمْنَعُ النَّصَارَى مِنْ شِرَائِهِمْ، وَمِنْ شِرَاءِ صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ كِبَارِ الْكِتَابِيِّينَ. وَهَذَا فِي الْمَجُوسِ الْمَسْبِيِّينَ أَمَّا الْمَجُوسُ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى مَجُوسِيَّتِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْبَيَانِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْبِيِّينَ مِنْهُمْ إنَّمَا أُجْبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا دِينَهُمْ، وَلَا عَقَلُوهُ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْلِ فَكَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الصِّغَارِ انْتَهَى. وَلَمْ يُحْكَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ قَالَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ ص (وَالصَّغِيرُ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش: إنَّمَا كَرَّرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ لَوْ قَالَ عَلَى الْأَصَحِّ لَكَانَ مُشِيرًا لِتَرْجِيحِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ابْنِ يُونُسَ فِي ذَلِكَ تَرْجِيحٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِابْنِ يُونُسَ فِي مَظِنَّتِهِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ ص (وَشَرْطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ) ش: لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ آخِرُ الْأَرْكَانِ، وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ، وَالْمَثْمُونُ، وَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ فِي الْعَاقِدِ فَأَرْكَانُ الْبَيْعِ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ الدَّالُ عَلَى الرِّضَا، وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَالثَّمَنُ، وَالْمَثْمُونُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ - حُكْمُهُمَا - وَاحِدًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ، فَصَارَ ثَلَاثَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: فِي الْكَبِيرِ الْمُرَادُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمَثْمُونُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَجَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَاقِدِ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي احْتِمَالًا، وَهُوَ الْمُتَعَيِّنُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ رُكْنًا سَادِسًا فَقَالَ السَّادِسُ: نَفْسُ الْعَقْدِ، وَيَعْنِي بِهِ الْهَيْئَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ مُقَارَنَةِ الْإِيجَابِ لِلْقَبُولِ، وَصُدُورَهُمَا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ خَمْسَةَ شُرُوطٍ، وَاحْتَرَزَ بِكُلِّ شَرْطٍ عَمَّا يُقَابِلُهُ الْأَوَّلُ الطَّهَارَةُ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ النَّجَسِ، وَلَا يُرِيدُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ نَجِسٍ بَلْ مَا نَجَاسَتُهُ ذَاتِيَّةٌ كَالْعَذِرَةِ، وَالزِّبْلِ أَوْ كَالذَّاتِيَّةِ، وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ، وَشِبْهِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ نَجَاسَتُهُ عَرَضِيَّةٌ فَلَا اخْتِلَافَ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ النَّجِسِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ نَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِ أَوْ تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ يَسِيرَةٌ، فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ أَصْلًا فَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ الْمُنَاقِضِ لِلتِّجَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَتَى بَعْدَهُ بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وَهِيَ مُوجِبَةٌ؛ لَأَنْ يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُنَاقِضًا لِمَا قَبْلَهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَمَعْنَى أَجْمَلُوهُ أَذَابُوهُ وَقَوْلُهُ حَرَّمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: صَحَّتْ الرِّوَايَةُ بِإِسْنَادِهِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ تَأَدُّبًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ اللَّهِ فِي ضَمِيرِ الِاثْنَيْنِ كَمَا «رَدَّ عَلَى الْخَطِيبِ قَوْلَهُ مَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ لَهُ بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ قُلْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ» اُنْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا كَزِبْلٍ

وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ) ش: يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوطِهِ الطَّهَارَةُ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ طَاهِرٍ حَاوٍ لِلشُّرُوطِ الْآتِيَةِ لَا غَيْرَ الطَّاهِرِ مِمَّا نَجَاسَتُهُ ذَاتِيَّةٌ كَزِبْلِ الدَّوَابِّ أَوْ كَالذَّاتِيَّةِ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ، وَذَكَرَ هَذَيْنِ لِكَوْنِهِمَا مُخْتَلَفًا فِيهِمَا فَيُعْلَمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِمَا الْمَنْعُ، وَلْيُنَبَّهْ عَلَى أَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ النَّجِسِ الذَّاتِيِّ أَوْ الَّذِي كَالذَّاتِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى أَنَّ الْأَعْيَانَ النَّجِسَةَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِهَا خِلَافًا يَتَبَيَّنُ بِذِكْرِ آحَادِ الصُّوَرِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ اللَّخْمِيّ: بَيْعُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُحَرَّمٌ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بِالْجَوَازِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالتَّحْرِيمِ وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: جَائِزٌ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَذَلِكَ، وَأَكْلُ مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ عَلَى، وَجْهَيْنِ: جَائِزٌ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَبَيْعُ كُلِّ نَجَاسَةٍ لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا، وَلَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى حَرَامٌ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ لَحْمِهَا، وَشَحْمِهَا، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَمَا لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَاَلَّذِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ مَجْمَعًا عَلَيْهِ كَانَ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ انْتَهَى. وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَالصُّوَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا هِيَ كُلُّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلِأَجْلِ مُرَاعَاةِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ بَيْعُ النَّجِسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَنَعَ الشَّارِعُ مِنْهَا فَصَارَ وُجُودُهَا كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ الزِّبْلُ. وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَزِبْلٍ صُوَرٌ أُخَرُ نَجَاسَتُهَا ذَاتِيَّةٌ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مِنْهَا الْعَذِرَةُ، وَمِنْهَا عِظَامُ الْمَيْتَةِ وَمِنْهَا جُلُودُ الْمَيْتَةِ، وَمِنْ الصُّوَرِ أَيْضًا الزَّيْتُ الْمُتَنَجِّسُ، وَكَافُ التَّشْبِيهِ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ كُلُّ مُتَنَجِّسٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَالسَّمْنِ الْمُتَنَجِّسِ، وَالْعَسَلِ الْمُتَنَجِّسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَمَّا الْعَذِرَةُ وَهِيَ رَجِيعُ بَنِي آدَمَ فَنَسَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَابْنُ شَاسٍ لِلْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِهَا، وَاَلَّذِي فِي التَّهْذِيبِ الْكَرَاهَةُ قَالَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ الْعَذِرَةِ لِيُزَبَّلَ بِهَا الزَّرْعُ أَوْ غَيْرُهُ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي زِبْلِ الدَّوَابِّ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَهُ نَجِسٌ، وَإِنَّمَا كَرِهَ الْعَذِرَةَ؛ لِأَنَّهَا نَجَسٌ، وَكَذَلِكَ الزِّبْلُ أَيْضًا وَأَنَا لَا أَرَى بِبَيْعِهِ بَأْسًا قَالَ أَشْهَبُ: وَالْمُبْتَاعُ فِي زِبْلِ الدَّوَابِّ أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ قَالَ: الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ قَالَ وَأَمَّا الرَّجِيعُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَوَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ فِي الرَّجِيعِ أَيْضًا وَيَعْنِي أَعْذَرَ: أَكْثَرَ اضْطِرَارًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا أَعْذَرَ اللَّهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَقَالَ قَبْلَهُ الشَّيْخُ، وَكَرَاهَةُ بَيْعِ الْعَذِرَةِ عَلَى بَابِهَا انْتَهَى. وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَانْظُرْ كَيْفَ عَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ نَعَمْ عَبَّرَ أَبُو عِمْرَانَ وَعِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ بِلَا يَجُوزُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ نَسَبَ الْمَنْعَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَيَأْتِي لَفْظُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فَهِمَهُ ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَنْعُ مَذْهَبُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيّ كَلَامَهُ بِلَفْظِ مَا عَذَرَ اللَّهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَأَمْرُهُمَا فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ انْتَهَى. كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا أَعْذَرَ اللَّهُ بِالْأَلِفِ مِنْ بَابِ أَكْرَمَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَيْ مَا قَبِلَ اللَّهُ الْعُذْرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنَقَلَ اللَّخْمِيّ أَيْضًا كَلَامَ أَشْهَبَ بِلَفْظِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: فِي الزِّبْلِ، وَالْمُشْتَرِي فِيهِ أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ، وَأَمَّا الْعَذِرَةُ فَلَا خَيْرَ فِيهَا، وَقَالَ: فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي الْعَذِرَةِ بَيْعُهَا لِلِاضْطِرَارِ وَالْعُذْرِ جَائِزٌ، وَالْمُشْتَرِي أَعْذَرُهُمَا انْتَهَى فَقَوْلُ أَشْهَبَ هَذَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ، وَغَيْرِهِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ فَاعِلَ

قَالَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَشْهَبُ، وَكَذَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَنَسَبَاهُ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لِمُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَذِرَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَالْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَوْلُهُ هُوَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ رَوَاهُ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فَتَحَصَّلَ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ لِمَالِكٍ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْأَكْثَرُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْكَرَاهَةُ عَلَى مَا فَهِمَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةِ حَيْثُ قَالَ: فِي قَوْلِهَا وَكُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ لِيُزَبَّلَ بِهَا الزَّرْعُ أَوْ غَيْرُهُ إلَخْ، وَكَرَاهَةُ بَيْعِ الْعَذِرَةِ عَلَى بَابِهَا انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا، وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ فَيَجُوزُ، وَعَدَمِهِ فَيُمْنَعُ لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازَ مِنْ إجَازَةِ الزِّبْلِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ تَخْرِيجٌ فِي الْأُصُولِ مِنْ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شِبْهُ الزِّبْلَ فِي الْمَنْعِ، وَيُمْكِنُهُ لَوْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْعَذِرَةِ أَنْ يَقُولَ لَا أُجِيزُهُ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالزِّبْلُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ قَالَ: وَمَسَاقُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ حِينَ سَاوَى بَيْنَهُمَا فِي النَّجَاسَةِ ثُمَّ أَبَاحَ بَيْعَ الزِّبْلِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَذِرَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي نَجَاسَتِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ رَدُّهُ بِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فَارِقًا مَا صَحَّ تَخْرِيجُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ فِي الزِّبْلِ لِمَالِكٍ مِنْ مَنْعِهِ بَيْعَ الْعَذِرَةِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالضَّمِيرُ فِي رَدِّهِ عَائِدٌ إلَى التَّعَقُّبِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِابْنِ بَشِيرٍ لِتَقَدُّمِ الْمَازِرِيِّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تَعَقَّبَ ابْنُ بَشِيرٍ بِقَوْلِهِ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ، وَتَرْكُ مُرَاعَاتِهِ لَا يُوجِبُ تَخْطِئَةَ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَصْلُحُ وَحْدَهُ دُونَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ رَدًّا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَجَازَ بَيْعَ الزِّبْلِ مَعَ كَوْنِهِ نَجِسًا، وَأَلْغَى كَوْنَ النَّجَاسَةِ مَانِعَةً مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُرَاعِ دَلِيلَ الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ إبَاحَةُ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُسَاوِيَةٌ لِلزِّبْلِ وَهَذَا لَا يَتِمُّ أَعْنِي لَمْ يُرَاعِ دَلِيلَ الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ الزِّبْلِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِلْحُكْمِ بَلْ نَجَاسَتُهُ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ اعْتَبَرَهُ فَارِقًا فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ أَنْ يَلْزَمَ إبَاحَةُ الْعَذِرَةِ، وَلَا جَوَابَ عَنْ كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ فَارِقٌ غَيْرُ فَارِقٍ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ سِوَى أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مَا ذَكَرَ فَارِقًا لَمَا صَحَّ لَهُ إلْزَامُ مَالِكٍ مَنْعَ بَيْعِ الزِّبْلِ مِنْ مَنْعِهِ بَيْعَ الْعَذِرَةِ، وَهُوَ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ فِي الْعَذِرَةِ، وَفِي الْعَذِرَةِ ثَلَاثَةٌ فِيهَا مَنْعُهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَثَّمَ الْعَاقِدَيْنِ سَوَاءٌ ابْنُ مُحْرِزٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ جَوَازَهُ وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي إجَازَتِهِ بَيْعِ الزِّبْلِ، وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُهَا لِلِاضْطِرَارِ وَالْمُشْتَرِي أَعْذَرُ انْتَهَى. وَأَمَّا الزِّبْلُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيَاسٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْعَذِرَةِ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ فِي الزِّبْلِ الثَّلَاثَةُ تَخْرِيجُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِيهَا الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ انْتَهَى. وَعَلَى مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا تَكُونُ الْأَقْوَالُ فِيهِ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ، وَمَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى قِيَاسِ ابْنِ الْقَاسِمِ الزِّبْلَ عَلَى الْعَذِرَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَذِرَةَ مَمْنُوعَةٌ بِالْأَحْرَوِيَّةِ، وَجَمَعَ ابْنُ بَشِيرٍ بَيْنَ الْعَذِرَةِ، وَالزِّبْلِ وَحَكَى فِيهِمَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ، وَالْجَوَازُ وَجَعَلَهُمَا شَاذَّيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَذِرَةِ فَيُمْنَعُ، وَالزِّبْلِ فَيَجُوزُ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ مِنْ رَدِّ تَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِمَشْهُورِيَّةٍ، وَلَا تَرْجِيحٍ، وَهَذِهِ هِيَ الْأَقْوَالُ الَّتِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ اللَّخْمِيُّ جَمَعَ بَيْنَ الْعَذِرَةِ، وَالزِّبْلِ، وَحَكَى فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ

تنبيه بيع خثاء البقر وبعر الغنم والإبل

لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا خَرَّجَهُ لَهُ فِي الْعَذِرَةِ وَالْكَرَاهَةُ لِمَالِكٍ، وَالْمَنْعُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهِيَ الْأَقْوَالُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ هُوَ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ النَّجَاسَاتِ، وَالْقَوْلَ بِالْجَوَازِ لِمُرَاعَاةِ الضَّرُورَةِ، وَمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، وَرَأَى أَنَّ أَخْذَ الثَّمَنِ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ رَأَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا هِيَ الِاضْطِرَارُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهَا بِوُجُودِ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ بَيْعُ خَثَاءِ الْبَقَر وَبَعْرِ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ] (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ خَثَاءِ الْبَقَرِ، وَبَعْرِ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ يُخَالِفُ فِيهِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَجَازَ بَيْعُ إبِلٍ، وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَنَحْوِهَا انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ: صَوَابُهُ خِثْيُ الْبَقَرِ، وَالْجَمْعُ أَخْثَاءٌ انْتَهَى. وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، وَآخِرُهُ يَاءٌ تَحْتِيَّةٌ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ قَالَ: وَالْمَصْدَرُ بِالْفَتْحِ تَقُول خَثَى الْبَقَرُ يَخْثُو خَثْيًا، وَأَمَّا عِظَامُ الْمَيْتَةِ وَقُرُونُهَا، وَأَظْلَافُهَا فَفِي طَهَارَةِ ذَلِكَ، وَنَجَاسَتِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمَشْهُورُ النَّجَاسَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي أَنْيَابِ الْفِيلِ فَيُمْنَع الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُنَا، وَعِظَامُ الْمَيْتَةِ ثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي نَابِ الْفِيلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَلَا يُبَاعُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَتْ الْعِظَامُ أَوْ أَنْيَابُ الْفِيلِ صُلِقَتْ فَلَا يُفْسَخُ إنْ فَاتَ، وَإِنْ لَمْ تُصْلَقْ فَيُفْسَخُ، وَلَوْ فَاتَ انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ إنَّهَا تَطْهُرُ بِالصَّلْقِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ الْحُكْمُ وَاحِدًا قَبْلَ الصَّلْقِ وَبَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ جُلُودُ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَإِنْ دُبِغَتْ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ لِابْنِ وَهْبٍ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ الدَّبْغِ بِشَرْطِ الْبَيَانِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ الدَّبْغِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَنَقَلَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى ابْنُ حَارِثٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا الثَّانِيَةُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، وَالِانْتِفَاعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ الْجَوَازُ فِيهِمَا لِابْنِ وَهْبٍ مَعَ قِيَامِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي صَابُونٍ طُبِخَ بِزَيْتٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ الثَّانِي الْمَنْعُ فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ لَا الْبَيْعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَيْتَةٍ، وَلَا جِلْدِهَا، وَإِنْ دُبِغَ، وَلَا يُؤَاجَرُ بِهَا عَلَى طَرْحِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَيْعٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا أَرَى أَنْ تُشْتَرَى عِظَامُ الْمَيْتَةِ، وَلَا تُبَاعَ، وَلَا أَنْيَابُ الْفِيلِ، وَلَا يُتَّجَرُ بِهَا، وَلَا يُمْتَشَطُ، وَلَا يُدَّهَنُ بِمَدَاهِنِهَا اهـ. وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَجَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا فَمَحِلُّهُ كِتَابُ الطَّهَارَةِ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَإِنْ دُبِغَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: لَوْ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ تَابَ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ لَا الْغَنَمِ عِيسَى إنْ وَجَدَ بَائِعَهُ أَوْ وَارِثَهُ رَدَّ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقُّهُ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ، وَالثَّمَنِ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ اسْتِحْسَانٌ، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ، وَرِوَايَتِهِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ، وَإِغْرَامُ مُسْتَهْلِكِهَا قِيمَتَهَا صَدَقَةً بِفَضْلِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى مَتَاعِهَا بِقِيمَةِ الِانْتِفَاعِ يُقَاصُّهُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ لَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ وَقَوْلُ عِيسَى يُرَدُّ الثَّمَنُ الصَّوَابُ فَضْلُهُ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا مَا لَزِمَ الْبَائِعَ (قُلْت) : لَعَلَّ قَوْلَهُ يَتَصَدَّقُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ انْتِفَاعِ الْمُبْتَاعِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي ابْتِدَالِ رُءُوسِ الضَّحَايَا اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ أَمْكَنَنِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَقَوْلُ عِيسَى لَيْسَ بِخِلَافٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ تَبْيِينٌ لَهُ كَذَا بَيَّنَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوَهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ غَيْرُ مَعْزُوٍّ

الفرع الثاني بيع شعر الخنزير الوحشي

لَهُ قُلْت: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي سِوَى الْغَلَّةِ خَاصَّةً فَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ بِالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي هَلْ انْتَفَعَ بِالْجِلْدِ وَاغْتَلَّهُ أَمْ لَا؟ ، وَإِنْ كَانَ انْتَفَعَ بِهِ فَمَا مِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ فَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ لِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرع الثَّانِي بَيْعِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ الْوَحْشِيِّ] (الثَّانِي) : قَالَ فِي رَسْمِ الْجَامِعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ الْوَحْشِيِّ، وَهُوَ كَصُوفِ الْمَيْتَةِ كَذَلِكَ رَوَاهَا أَبُو زَيْدٍ عَنْ أَصْبَغَ هَذَا خَطَأٌ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ كَصُوفِ الْمَيْتَةِ، وَلَا حَقَّ لِبَائِعِهِ، وَهَلْ مِثْلُ الْمَيْتَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ أَشَدُّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ حَرَامٌ حَيٌّ، وَمَيِّتٌ، وَصُوفُ الْمَيْتَةِ إنَّمَا حَلَّ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ مِنْهَا، وَهِيَ حَيَّةٌ، وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ لَيْسَ بِحَلَالٍ حَيًّا، وَلَا مَيِّتًا، وَلَا يُبَاعُ، وَلَا يُؤْكَلُ ثَمَنُهُ. وَلَا تَجُوزُ التِّجَارَةُ فِيهِ، وَالْكَلْبُ أَحَلُّ مِنْهُ، وَأَطْهُرُ، وَثَمَنُهُ لَا يَحِلُّ قَدْ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَهَى عَنْ ثَمَنِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ الشَّعْرَ لَا تُحِلُّهُ الرُّوحُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَبَنِي آدَمَ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ وَالْقُرُودِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لُحُومُهَا أَوْ مِمَّا يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِهِ كَالسِّبَاعِ، فَوَجَبَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ شَعْرُ الْخِنْزِيرِ طَاهِرُ الذَّاتِ أُخِذَ مِنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا تَحِلُّ الصَّلَاةُ بِهِ وَبَيْعُهُ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ لَيْسَ بِبَيِّنٍ، وَقِيَاسُهُ فَاسِدٌ، وَقَوْلُهُ وَالْكَلْبُ إلَخْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إذْ يَحْرُمُ ثَمَنُهُ لِنَجَاسَتِهِ إذْ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي جُبٍّ، وَخَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ ذَلِكَ الْمَاءُ بِإِجْمَاعٍ وَقَدْ حَرَّمَ الشَّرْعُ أَثْمَانَ كَثِيرٍ مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالْحُرِّ، وَلَحْمِ النُّسُكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَجَازَ بَيْعُ صُوفِهَا كَشَعْرِ خِنْزِيرٍ خِلَافًا لِأَصْبَغَ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الفرع الثَّالِث بَيْعُ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ] (الثَّالِثُ) : تَقَدَّمَ أَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ كَافِ التَّشْبِيهِ الْمُقَدَّرَةِ فِي قَوْلِهِ، وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ كُلُّ زَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مَا يُفْعَلُ فِيهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ، وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ مَا كَانَتْ نَجَاسَتُهُ عَارِضَةٌ وَيُمْكِنُ زَوَالُهَا، وَأَنَّ النَّجَاسَةَ الْعَارِضَةَ لَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ تَمْثِيلِ الْمُؤَلِّفِ لِلنَّجِسِ الْمَمْنُوعِ بِالزِّبْلِ وَالزَّيْتِ النَّجِسِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ خَرَجَ بِهِ نَحْوُ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ مِمَّا نَجَاسَتُهُ عَارِضَةٌ وَزَوَالُهَا مُمْكِنٌ، وَيَجِبُ تَبْيِينُهُ إذَا كَانَ الْغَسْلُ يُفْسِدُهُ اهـ. وَذَكَرَ أَبُو عِمْرَانَ الزَّنَانِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ لَهُ أَنَّ مِنْ عُيُوبِ الثَّوْبِ كَوْنَهُ نَجِسًا، وَهُوَ جَدِيدٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الرَّدَّ اهـ. وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ قَالَ: لِأَنَّ الْمُشْتَرِي يَجِبُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جَدِيدًا قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَبِيسًا يَنْقُصُ بِالْغَسْلِ كَالْعِمَامَةِ وَالثَّوْبِ الرَّفِيعِ، وَالْخُفِّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ عَيْبًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ بِثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَلَا يُصَلِّي بِلِبَاسِ كَافِرٍ قُلْت: وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّبْيِينِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا خَشْيَةَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُشْتَرِيهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ بَائِعُهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الطَّهَارَةِ. [الفرع الرَّابِع بَيْعِ قَاعَةِ الْمِرْحَاضِ] (الرَّابِعُ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْغَرَرِ: سُئِلَ الصَّائِغُ عَنْ بَيْعِ قَاعَةِ الْمِرْحَاضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَا يُجْتَمَعُ فِيهِ لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَهَلْ يَطِيبُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ فَأَجَابَ الْبَيْعُ فِي الْبَيْتِ لَا يُرَدُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا هُوَ الْقَاعَةُ وَلَوَاحِقُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَالِ الْعَبْدِ، وَحِلْيَةِ السَّيْفِ الَّتِي النَّصْلُ تَبَعٌ لَهَا، وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا تَابِعَةً لِأَصْلِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ شَيْخِنَا فِي بَيْعِ الْفَدَّانِ الَّذِي لَهُ مَسَاقٍ، وَلَوْلَا هِيَ لَمَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهَا انْتَهَى. قُلْت: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَيَمْضِي عَلَى مَا قَالَ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ

مسألة أكرى أرضه بمائها وشرط عليه أن يعطي أحمالا من الزبل معلومة

أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ أَكْرَى أَرْضَهُ بِمَائِهَا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِي أَحْمَالًا مِنْ الزِّبْلِ مَعْلُومَةً] ، وَفِي مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ مِنْهُ سُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ أَكْرَى أَرْضَهُ بِمَائِهَا، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ أَحْمَالًا مِنْ الزِّبْلِ مَعْلُومَةً لِلْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَذِرَةً أَوْ هِيَ مَعَ غَيْرِهَا، وَعَقَدَ عَلَى الْجَمِيعِ عَقْدًا وَاحِدًا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: هَذَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الزِّبْلِ، وَالْعَذِرَةِ مِمَّنْ يُجِيزُهُ أَوْ يُكْرِهُهُ فَكَذَا هُنَا وَيُحْتَمَلُ الْأَمْرُ مَعَ الْمَنْعِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا تَابِعٌ لِلْكِرَاءِ فَهُوَ أَضْعَفُ، وَهُوَ عِنْدِي ظَاهِرٌ الْمُدَوَّنَةُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا اكْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنْ يُكْرِبَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَزْرَعَهَا الْكِرَابَ الرَّابِعَ جَازَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُزَبِّلَهَا إنْ كَانَ الَّذِي يُزَبِّلُهَا بِهِ شَيْئًا مَعْرُوفًا فَظَاهِرُهَا الْعُمُومُ إمَّا الْجَوَازُ مُطْلَقًا أَوْ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا يُبَاحُ بَيْعُهُ، وَالْعُرْفُ الْيَوْمَ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ أَكْرِيَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ مِنْهَا، وَنَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ، وَقَوْلُهُ يَكْرُبَهَا بِضَمِّ الرَّاءِ، وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَكْرِيبُ الْأَرْضِ تَطْيِيبُهَا، وَإِثَارَتُهَا لِلْحَرْثِ وَالزِّرَاعَةِ، وَهُوَ الْكَرَابُ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَأَمَّا الزَّيْتُ النَّجِسُ، وَشِبْهُهُ فَيُمْنَعُ بَيْعُهُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، وَعَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ إلَّا ابْنَ وَهْبٍ انْتَهَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَصَرَّحَ الْمَازِرِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَمُقَابِلُهُ رِوَايَةٌ وَقَعَتْ لِمَالِكٍ كَانَ يُفْتِي بِهَا ابْنُ اللَّبَّادِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِجَوَازِ بَيْعِهِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ انْتَهَى. ص (وَانْتِفَاعٌ بِهِ لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفُ) ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْ شُرُوطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ الثَّانِي فَقَالَ وَانْتِفَاعٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُنْتَفَعِ بِهِ لَا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِهِ، وَلَا عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ كَمُحَرَّمِ الْأَكْلِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ، وَلَا عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ بَلْ لَا يَصِحُّ مِلْكُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ شَاسٍ وَالْقَرَافِيُّ، وَمَثَّلَهُ بِالْخَشَاشِ، وَمَثَّلَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالْخُفَّاشِ، وَبَعْضِ الْعَصَافِيرِ الَّتِي لَوْ جَمَعَ مِنْهَا مِائَةً لَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْهَا أُوقِيَّةُ لَحْمٍ، وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ الثَّانِي مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ: أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا كَانَ جَمِيعُ مَنَافِعِهِ مُحَرَّمَةً، وَهُوَ كَاَلَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا تَمَلُّكُهُ إنْ كَانَ مِمَّا نَهَى الشَّارِعُ عَنْهُ كَالْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا، وَمَثَّلَهُ الْقَرَافِيُّ بِالْخَمْرِ، وَالْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَةِ إلَّا عِنْدَ مَنْ أَجَازَ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ سَهَّلَ فِي إمْسَاكِهَا لِيُخَلِّلَهَا وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ شَيْئًا كَالْبُوقِ، وَغَيْرِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَأُدِّبَ أَهْلُهُ انْتَهَى. الثَّانِي مَا كَانَ جَمِيعُ مَنَافِعِهِ مُحَلَّلَةً فَيَجُوزُ بَيْعُهُ إجْمَاعًا كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ، وَالْعَقَارِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَيَصِحُّ مِلْكُهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَالْحُرِّ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِنَفْسِهِ أَوْ حَقٌّ لِلَّهِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ فَلَا يَصِحُّ مِلْكُ ذَلِكَ، وَلَا بَيْعُهُ، وَقَدْ يَمْنَعُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْآدَمِيِّ الْبَيْعَ دُونَ الْمِلْكِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَالْوَقْفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ الثَّالِثُ مَا فِيهِ مَنَافِعُ مُحَلَّلَةٌ، وَمَنَافِعُ مُحَرَّمَةٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَهُوَ الْمُشْكِلُ عَلَى الْأَفْهَامِ، وَمَزَلَّةُ الْأَقْدَامِ، وَفِيهِ تَرَى الْعُلَمَاءَ

مُضْطَرِبِينَ وَأَنَا أَكْشِفُ عَنْ سِرِّهِ لِيَهُونَ عَلَيْك اخْتِلَافُهُمْ فَإِنْ كَانَ جُلُّ الْمَنَافِعِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا مُحَرَّمًا، وَالْمُحَلَّلُ مِنْهَا تَبَعًا فَوَاضِحٌ إلْحَاقُهُ بِالْقَسَمِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ تَمْثِيلُ ذَلِكَ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ فَإِنَّ جُلَّ مَنَافِعِهِ كَالْأَكْلِ، وَالِادِّهَانِ، وَعَمَلِهِ صَابُونًا وَالْإِيقَادِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ إنَّمَا فِيهِ إيقَادُهُ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، وَانْتِفَاعِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّبَعِ فَامْتَنَعَ بَيْعُهُ، وَفِي أَوَاخِرِ كَلَامِ الْمَازِرِيُّ تَمْثِيلُهُ لِذَلِكَ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ قَالَ: فَالْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْض الْمَنَافِعِ مُحَلَّلَةً عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَالَ: وَيُلْحَقُ بِهَذَا الْمَعْنَى بِيَاعَاتُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ الْبَيْعُ فَتَصِيرُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى غَيْرِ مُنْتَفَعٍ بِهِ، وَيُلْحَقُ بِالْقَسَمِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا لَكِنَّ ذَلِكَ عَدَمُ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ تَحْقِيقًا، وَفِي هَذَا تَقْدِيرًا، وَتَجْوِيزًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ جُلُّ الْمَنَافِعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا مُحَلَّلًا، وَالْمُحَرَّمُ تَبَعٌ فَوَاضِحٌ إلْحَاقُهُ بِالثَّانِي، وَيُمْكِنُ تَمْثِيلُهُ بِالزَّبِيبِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ مِنْهُ الْخَمْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَلَّلٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَسَائِرُ مَنَافِعِهِ مُحَلَّلَةٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَهَذَا هُوَ الْمُشْكِلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَمْنُوعِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَقْصُودَةً يُؤْذِنُ بِأَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَأَنَّ الْعَقْدَ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كَمَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا سِوَاهَا، وَهُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ لَا سَبِيل إلَى تَبْعِيضِهِ وَالتَّعَاوُضُ عَلَى الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعٌ فَمُنِعَ الْكُلُّ لِاسْتِحَالَةِ التَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَصِيرُ ثَمَنُهُ مَجْهُولًا لَوْ قُدِّرَ جَوَازُ انْفِرَادِهِ انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَقْصُودَةَ إذَا كَانَ بَعْضُهَا مُحَلَّلًا وَبَعْضُهَا مُحَرَّمًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَنَصُّهُ، وَإِنْ تَوَزَّعَتْ يَعْنِي الْمَنَافِعَ الْمَقْصُودَةَ فِي النَّوْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ مَا حُرِّمَ مِنْهَا مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَطَّرِدُ فِي كَوْنِ الْمُحَرَّمِ مَنْفَعَةً وَاحِدَةً مَقْصُودَةً كَمَا يَطَّرِدُ فِي كَوْنِ الْمَنَافِعِ بِأَسْرِهَا مُحَرَّمَةٌ، وَهَذَا النَّوْعُ، وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَمِلْكُهُ صَحِيحٌ لِيَنْتَفِعَ مَالِكُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ مَنَافِعَ مُبَاحَةٍ انْتَهَى. وَعَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ ظَاهِرٌ الْمَازِرِيِّ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فَرْعٌ لَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ، وَوَقَعَ الِالْتِبَاسُ فِي كَوْنِهَا مَقْصُودَةً فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقِفُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ، وَلَا يُحَرِّمُ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: بِأَثَرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلُ تَشْكُلُ عَلَى الْعَالِمِ فَيَخْلِطُ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِ فِكْرَتِهِ فَيَرَى الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ مُلْتَبِسًا أَمْرُهَا هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ أَمْ لَا وَيَرَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مُحَلَّلَةً فَيَمْتَنِعُ مِنْ التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَنَافِعِ مُحَلَّلًا، وَلَا يَنْشَطُ لِإِطْلَاقِ الْإِبَاحَةِ لِأَجْلِ الْإِشْكَالِ فِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ أَمْ لَا فَيَقِفُ هُنَا الْمُتَوَرِّعُ، وَيَتَسَاهَلُ آخَرُ وَيَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ لِلِالْتِبَاسِ، وَلَا يُحَرِّمُ فَاحْتَفِظْ بِهَذَا الْأَصْلِ فَإِنَّهُ مِنْ مُذَهَّبَاتِ الْعِلْمِ، وَمَنْ أَتْقَنَهُ عِلْمًا هَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَسَائِلِ الْخِلَافِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَفْتَى، وَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي دِينِ اللَّهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاحْتَرَزَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ أَشْرَفَ مِمَّا إذَا بِيعَ قَبْلَ أَنْ يُشْرِفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ كَانَ مَرَضُهُ مَخُوفًا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَحَامِلٌ مُقَرَّبٌ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ أَشْرَفَ أَنَّهُ بَلَغَ حَدَّ السِّيَاقِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُحَرَّمٌ مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِيُذَكَّى فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَتَبِعَهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ، وَنَصِّ ابْنِ مُحْرِزٍ مَنْعُ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَلَوْ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ لِلْغَرَرِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ لَحْمًا، وَفِي حُصُولِ ذَكَاتِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ حَرَكَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ انْتَهَى. فَالصَّوَابُ فِي إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ، وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ، وَهُوَ أَحْسَنُ

فروع الأول اشتراط المنفعة في المبيع

مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ مُحَرَّمًا مُشْرِفًا لَا أَعْرِفُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فروع الْأَوَّلُ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمَبِيعِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا تَقَرَّرَ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ وُجُودِهَا وَإِنْ قُلْت، وَلَا يُشْتَرَطُ كَثْرَةُ الْقِيمَةِ فِيهَا، وَلَا عِزَّةُ الْوُجُودِ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ، وَالتُّرَابِ، وَالْحِجَارَةِ لِتَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَثُرَ وُجُودُهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ اهـ. وَأَجَازَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَبَيْعُهُ وَجَوَابُهُ الْقِيَاسُ عَلَى لَبَنِ الْأَنْعَامِ وَفَرَّقَ بِشَرَفِ الْآدَمِيِّ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ الرَّضَاعُ لِلضَّرُورَةِ كَتَحْرِيمِ لَحْمِهِ، وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحُرِّمَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ [الفرع الثَّانِي بَيْعُ السُّمِّ] (الثَّانِي) : السُّمُّ جَمِيعُ مَنَافِعِهِ مُحَرَّمَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ السُّمِّ وَلَا مِلْكُهُ عَلَى حَالٍ، وَالنَّاسُ مُجْمِعُونَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ اهـ. مِنْ الْكِتَابِ الثَّالِثِ مِنْ الْبُيُوعِ مِنْ النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الزِّبْلِ، وَبَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْفَرْعِ الرَّابِعِ [الفرع الثَّالِث بَيْعُ الْحُرِّ وَالْخِنْزِيرِ وَالْقِرْدِ وَالْخَمْرِ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ] (الثَّالِثُ) الْقِرْدُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا مِلْكُهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ: مَا لَا يَصِحُّ مِلْكُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إجْمَاعًا كَالْحُرِّ، وَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَالْقِرْدِ، وَالدَّمِ، وَالْمَيْتَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْجُزُولِيُّ فِي الْوَسَطِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ ثَمَنُ الْقِرْدِ حَرَامٌ كَاقْتِنَائِهِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّهُ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لَحْمَ الْقُرُودِ لَا يُؤْكَلُ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي الْأَطْعِمَةِ فِي كَرَاهَتِهِ، وَحُرْمَتِهِ قَوْلَيْنِ: وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُرِّ وَالْخِنْزِيرِ، وَالْقِرْدِ، وَالْخَمْرِ، وَالدَّمِ وَالْمَيِّتَةِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَخَشَاشِ الْأَرْضِ وَالْحَيَّاتِ، وَالْكِلَابِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهَا، وَتُرَابِ الصَّوَّاغِينَ، وَآلَةِ الْمَلَاهِي، وَالْأَحْبَاسِ، وَلُحُومِ الضَّحَايَا وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالْحَيَوَانِ الْمَرِيضِ مَرَضًا مَخُوفًا، وَالْأَمَةِ الْحَامِلِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْحَيَوَانِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ، وَمَا فِي بُطُونِ الْحَيَوَانِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكَةِ فِي الْمَاءِ، وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالْغَائِبِ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ، وَالْبَيْعِ بِغَيْرِ تَقْلِيبٍ، وَمِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَكُلِّ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ، وَالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَالدَّارِ بِشَرْطِ سُكْنَاهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَالدَّابَّةِ بِشَرْطِ رُكُوبِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَإِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَفِي وَقْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ اخْتَصَرْتُ ذَلِكَ مِنْ وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْكَلَامُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْقِرْدِ، وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ كُلُّ شَيْءٍ فِي بَابِهِ لَكِنَّ جَمْعَ النَّظَائِرِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَا يَخْلُو مِنْ فَائِدَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْعُ الرَّابِعُ بَيْعُ الْمَدَرِ الَّذِي يَأْكُلُهُ النَّاسُ] (الرَّابِعُ) : الْمَدَرُ الَّذِي يَأْكُلُهُ النَّاسُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَطْعِمَةِ فِي كَرَاهَةِ أَكْلِهِ، وَمَنْعِهِ قَوْلَيْنِ، وَذَكَرَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ، وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ لِمُحَمَّدٍ، وَالْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَنَّ الْمَشْهُورَ التَّحْرِيمُ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى نَقْلِ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَرَاهَةِ بَيْعِهِ وَحُرْمَتِهِ ثَالِثُهَا الْوَقْفُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يُعْجِبُنِي بَيْعُهُ وَأَرَى مَنْعَ بَيْعِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا مِلْكُهُ، وَنَقَلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُشْدٍ إنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ غَيْرُ الْأَكْلِ جَازَ بَيْعُهُ مِمَّنْ يُؤْمِنُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ لَا الْكَرَاهَةُ، وَسُئِلَ عَنْ الْمَدَرِ الَّذِي يَأْكُلُهُ النَّاسُ فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ أَنْ يُبَاعَ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْهَى النَّاسُ عَمَّا يَضُرُّهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَفِي الطِّينِ مِنْ

الفرع الخامس شراء الدوامات وشبهها للصبيان

الطَّيِّبَاتِ إنِّي لَأَرَى لِصَاحِبِ السُّوقِ مَنَعَهُمْ مِنْ بَيْعِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: إذَا كَانُوا يَأْكُلُونَهُ، وَهُوَ مُضِرٌّ بِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ، وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَجْهٌ إلَّا الْأَكْلَ، وَهُوَ مُضِرٌّ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ كَالسُّمِّ الَّذِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ الشَّرْحِ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَلَا مِلْكُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ فَلَا مَعْنَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْ بَيْعِهِ جُمْلَةً، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يَصْرِفُهُ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَيُؤْمَرُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْمَوَّازِ كَرِهَ أَكْلَهُ فَأَمَّا بَيْعُهُ فَلَا أَدْرِي قَدْ يُشْتَرَى لِغَيْرِ، وَجْهٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَكْلُهُ حَرَامٌ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ ابْنُ عَرَفَةَ اعْتَمَدَ فِيمَا نَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَعْنِي قَوْلَهُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ الشَّرْحِ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَلَا تَمَلُّكُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ كَالسُّمِّ الَّذِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى السُّمِّ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ كَلَامُ سَحْنُونٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْقَوْلَةِ وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الْوَقْفِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْمَدَرُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ الْأَكْلُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِيهِ مَنَافِعُ أُخَرُ مُبَاحَةٌ فَإِنْ قُصِدَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمُحَرَّمَةُ مُنِعَ الْبَيْعُ، وَإِنْ قُصِدَتْ غَيْرُهَا جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيُكْرَهُ بَيْعُ الطِّينِ لِلْأَكْلِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَكْلُهُ حَرَامٌ انْتَهَى. [الفرع الْخَامِس شِرَاءُ الدَّوَّامَات وَشِبْهِهَا لِلصِّبْيَانِ] (الْخَامِسُ) : قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَكُرِهَ شِرَاءُ الدَّوَّامَاتِ، وَشِبْهِهَا لِلصِّبْيَانِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْقِطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَنَصُّهَا سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الَّذِي يَعْمَلُ الدَّوَّامَاتِ لِلصِّبْيَانِ يَبِيعُهَا مِنْهُمْ قَالَ: أَكْرَهُهُ لَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ أَجْلِ بَيْعِهِ إيَّاهَا مِنْ الصِّبْيَانِ وَلَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ آبَاؤُهُمْ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ مُطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ لِيَسَارَةِ ثَمَنِهِ كَرِهَهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ، وَلَوْ عَلِمَ رِضَا آبَائِهِمْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِكَرَاهَتِهِ، وَجْهٌ؛ لِأَنَّ اللَّعِبَ مُبَاحٌ لَهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ فِي يُوسُفَ أَخِيهِمْ {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12] انْتَهَى. [الفرع السَّادِس التِّجَارَةِ فِي عِظَامٍ عَلَى قَدْرِ الشِّبْرِ] (السَّادِسُ) : قَالَ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ التِّجَارَةِ فِي عِظَامٍ عَلَى قَدْرِ الشِّبْرِ يُجْعَلُ لَهَا وُجُوهٌ فَقَالَ الَّذِي يَشْتَرِيهَا مَا يَصْنَعُ بِهَا فَقِيلَ يَبِيعُهَا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ بِهَا فَقِيلَ يَلْعَبُ بِهَا الْجَوَارِي يَتَّخِذْنَهَا بَنَاتٍ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الصُّوَرِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تِجَارَةِ النَّاسِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا خَيْرَ فِي الصُّوَرِ إلَى آخِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ فَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ فَتَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ. وَهَذَا حَدُّ الْمَكْرُوهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ صُوَرًا مُصَوَّرَةً مَخْلُوقَةً مَخْرُوطَةً مُجَسَّدَةً عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ إلَّا أَنَّهُ عُمِلَ لَهَا شِبْهُ الْوُجُوهِ بِالتَّزْوِيقِ فَأَشْبَهَ الرَّقْمَ فِي الثَّوْبِ وَإِلَى هَذَا نَحَا أَصْبَغُ فِي سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا مَا لَمْ تَكُنْ صُوَرًا مَخْرُوطَةً مَخْلُوقَةً إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ فِيهَا نَظَرٌ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى، وَلَوْ كَانَتْ فَخَّارًا أَوْ عِيدَانًا تَنْكَسِرُ، وَتَبْلَى رَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ كَالرُّقُومِ فِي الثِّيَابِ لَا بَأْسَ بِهَا، فَإِنَّهَا تَبْلَى وَتُمْتَهَنُ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يَبْقَى أَوْ يَبْلَى مِمَّا هُوَ بِمِثَالٍ مُجَسَّدٍ لَهُ ظِلٌّ قَائِمٌ مُشَبَّهٍ بِالْحَيَوَانِ الْحَيِّ بِكَوْنِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ الرُّقُومَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمَاثِيلَ مُجَسَّدَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ رُسُومٌ لَا أَجْسَادَ لَهَا، وَلَا يَحْيَا فِي الْعَادَةِ مَا كَانَ عَلَى هَيْئَتِهَا فَالْمَخْرُوطُ مَا كَانَ عَلَى هَيْئَتِهِ بِالْحَيِّ، وَلَهُ رُوحٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» . وَالْمُسْتَخَفُّ مَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْيَا فَالْمُسْتَخَفُّ مِنْ هَذَا اللَّعِبِ مَا كَانَ مُشَبَّهًا بِالصُّوَرِ وَلَيْسَ بِكَامِلِ التَّصْوِيرِ، وَكُلَّمَا قَلَّ الشَّبَهُ قَوِيَ الْجَوَازُ لِمَا «جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِهَا بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ كَانَ يُرْسِلُ الْجَوَارِيَ إلَيْهَا» ، وَكُلُّ مَا

الفرع السابع صناعته عمل ثياب الحرير هل هو في سعة من عمل عمائم منها وشبهها

جَازَ اللَّعِبُ بِهِ جَازَ عَمَلُهُ، وَبَيْعُهُ قَالَ ذَلِكَ أَصْبَغُ فِي سَمَاعِهِ مِنْ الْجَامِعِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ انْتَهَى. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ قَالَ: وَهُنَّ مَخْصُوصَاتٌ مِنْ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَدْرِيبِ النِّسَاءِ فِي صِغَرِهِنَّ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ، وَأَوْلَادِهِنَّ قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ بَيْعَهُنَّ، وَشِرَاءَهُنَّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ شِرَائِهِنَّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِسَابِ بِهَا، وَتَنْزِيهِ ذَوِي الْمُرُوآتِ مِنْ بَيْعِ ذَلِكَ لَا كَرَاهَةِ اللَّعِبِ قَالَ: وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ وَقَالَ: طَائِفَةٌ هُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصُّوَرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي انْتَهَى مِنْ النَّوَوِيِّ. [الْفَرْعُ السَّابِعُ صِنَاعَتُهُ عَمَلَ ثِيَابِ الْحَرِيرِ هَلْ هُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ عَمَلِ عَمَائِمَ مِنْهَا وَشِبْهِهَا] (السَّابِعُ) : قَالَ: ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ، وَسُئِلَ ابْنُ غَلَّابٍ عَمَّنْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ عَمَلَ ثِيَابِ الْحَرِيرِ هَلْ هُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ عَمَلِ عَمَائِمَ مِنْهَا وَشِبْهِهَا مِمَّا لَا يَلْبَسُهُ إلَّا الرِّجَالُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا رَجَلٌ وَهَلْ بَيْعُهَا مُبَاحٌ لَهُ؟ فَأَجَابَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَلْبَسهُ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا مَنْ لَا يَلْبَسُهَا، وَمَنْ يَصْرِفُهَا فِي غَيْرِ اللِّبَاسِ، وَفِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ مِثْلُهُ انْتَهَى. وَيُقَيَّدُ هَذَا بِأَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ لَا يَلْبَسُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُدِرّ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مِمَّنْ لَا يَأْكُلُهُ، وَقَالَ: الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ إنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْعِنَبِ لِمَنْ يَعْصِرُهُ خَمْرًا، وَبَيْعَ ثِيَابِ الْحَرِيرِ مِمَّنْ لَا يَلْبَسُهَا، وَهِيَ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَنَا انْتَهَى.، وَانْظُرْ آخِرَ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ ص (وَعَدَمُ نَهْيٍ لَا كَكَلْبِ صَيْدٍ) ش: أَيْ، وَمِمَّا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ بَيْعِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْ بَيْعِهِ لَا مَا نُهِيَ عَنْهُ كَكَلْبِ الصَّيْدِ، وَالْمَاشِيَةِ، وَالزَّرْعِ فَأَحْرَى مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي اتِّخَاذِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَشُهِّرَ أَيْضًا الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ فِي الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ لِقُوَّتِهِ إذْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَشَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:، وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِك. (فَرْعٌ) : وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَرَوَى أَشْهَبُ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَطُولَ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُفْسَخُ، وَإِنْ طَالَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَلَى الْمَنْعِ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَطُولَ، وَقِيلَ مُطْلَقًا. ص (وَجَازَ هِرٌّ، وَسَبْعٌ لِلْجِلْدِ) ش: نَحْوُهُ فِي

كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَيْعَ مَا ذُكِرَ يَعْنِي مِنْ الْهِرِّ وَالسِّبَاعِ لَا لِأَخْذِ جِلْدِهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهَا يُكْرَهُ بَيْعُهَا انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْكِلَابِ، وَأَمَّا السِّنَّوْرُ فَقِيلَ يُكْرَهُ بَيْعُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ص (وَمَغْصُوبٌ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنْعِ بَيْعِ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ جَازَ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ بَاعَهَا رَبُّهَا مِنْ رَجُلٍ غَيْرِ الْغَاصِبِ مِمَّنْ رَآهَا، وَعَرَفَهَا كَانَ نَقْضًا لِبَيْعِ الْغَاصِبِ أَيْ إذَا اشْتَرَاهَا شَخْصٌ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ وَظَاهِرُهُ جَوَازُ بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَبِعْهَا مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ إلَّا بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهَا، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: أَنَّ الشُّيُوخَ يَقُولُونَ أَنَّ مَعْنَاهَا إذَا سَلِمَ مِنْ شِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَازِ فِي هَذَا الْوَجْهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَإِنْ بِيعَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ جَازَ اتِّفَاقًا فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا عَدَا هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ يَسْتَرْوِحُ خُرُوجُ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ كَوْنِ الْكَلَامِ فِيمَا لَا قُدْرَةَ لِلْبَائِعِ فِيهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَالْفَرْضُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خِلَافُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَقْدِرُ عَلَى خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْجِنْسِ فَيَكُونُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْجَاهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ رَسْمَ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَانْظُرْ لَوْ اشْتَرَى الْغَاصِبُ السِّلْعَةَ مِنْ رَبِّهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ هَلْ يَكُونُ لَهُ مَا بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ أَوْ لَا، وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: فِيمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ بَاعَهَا بِهِ لَيْسَ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ رَبِحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ أَوْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ وَلَمْ يَكُنْ الْمُتَعَدِّي فِي مَسْأَلَةِ مُحَمَّدٍ ضَامِنًا ص (وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةً تَرَدُّدٌ) ش: أَيْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ هَلْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلْغَاصِبِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّهُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً حَدَّهَا بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَرَأَى أَنَّ بَائِعَهُ إذَا بَاعَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مَضْغُوطٌ أَنْ يَبِيعَهُ بِبَخْسٍ مُكْرَهًا اسْتِخْلَاصًا لِبَعْضِ حَقِّهِ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا، وَعَلِمَ أَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى رَدِّهِ جَازَ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقٍ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِلَى هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَفِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَرْجَمَةِ الَّذِي يَصْرِفُ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ يَصْرِفُهَا بِدَنَانِيرَ، وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً جَازَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ وَهِيَ غَائِبَةٌ بِبَلَدٍ

آخَرَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا جَوَازُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ غَيْرَ عَازِمٍ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى رَبِّهِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَقَوْلَانِ يَسْتَرْوِحُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ. (تَنْبِيهٌ) : حَيْثُ قُلْنَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِصُ مِنْ حَقِّهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَلِلْغَاصِبِ نَقْضُ مَا بَاعَهُ إنْ، وَرِثَهُ لَا اشْتَرَاهُ) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَتَصَوُّرُهَا ظَاهِرٌ وَكَذَا مَنْ تَعَدَّى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَعَدَّى فِي مَتَاعٍ عِنْدَهُ، وَدِيعَةً فَبَاعَهُ ثُمَّ مَاتَ رَبُّهُ فَكَانَ الْمُتَعَدِّي وَارِثَهُ فَلِلْمُتَعَدِّي نَقْضُ ذَلِكَ الْبَيْعِ إذَا أَثْبَتَ التَّعَدِّيَ، وَهُوَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ انْتَهَى قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ النُّكَتِ، وَإِذَا تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا ثُمَّ، وَرِثَهَا عَنْهُ فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ، وَإِذَا تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْ رَبِّهَا لَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِمَا أَنَّهُ إذَا وَرِثَهَا، فَلَمْ يَجُرَّهَا إلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا جَرّهَا الْمِيرَاثُ، وَإِذَا اشْتَرَاهَا، فَهُوَ الَّذِي اجْتَرَّهَا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّلَ صَنِيعَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْغَرَرِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ نَحْوَ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ رَبِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ بَيْعِهِ بِخِلَافِ أَنْ لَوْ، وَرِثَهَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَمْ يَجُرَّهُ إلَى نَفْسِهِ وَالشِّرَاءَ مِنْ سَبَبِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى نَقْضِ عَقْدِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْحَالُ فِي الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي وَاحِدَةٌ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (فَرْعٌ) : وَإِذَا قُلْنَا لَهُ نَقْضُ مَا بَاعَهُ إذَا وَرِثَهُ فَإِذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ، وَسَكَتَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَنْقُضْ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَانْظُرْ هَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا يَسِيرًا لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنْ سَكَتَ عَامًا بَطَلَ حَقُّهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَيْضًا الْبُطْلَانُ، وَانْظُرْ هَلْ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : وَلَوْ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ فِي دَارٍ فَبَاعَ جَمِيعَهَا ثُمَّ وَرِثَ حِصَّةَ غَيْرِهِ الَّتِي تَعَدَّى عَلَيْهَا فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ فِيهَا ثُمَّ أَخْذُ حِصَّتِهِ بِالشُّفْعَةِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ، وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ. ص (وَوَقْفٌ مَرْهُونٌ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَكَانَ الْمَرْهُونُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَمِلْكُ الْغَيْرِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَالِكِهِ، وَالْعَبْدُ الْجَانِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُخَالِفُ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِذَلِكَ فَبَيْعُ الْمَرْهُونِ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّهُ يُوقَفُ عَلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ أَعْطَوْهُ دَيْنَهُ فَلَا كَلَامَ لَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ بِيعَ بِمِثْلِ حَقِّهِ عُجِّلَ لَهُ، وَإِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ أَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَرَضًا فَلَهُ إجَازَةُ الْبَيْعِ، وَرَدُّهُ فَإِنْ أَجَازَ تَعَجَّلَ حَقَّهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ لِيَتَعَجَّلَ حَقَّهُ، وَهَذَا إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ مَاضٍ، وَلَا مَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ فَرَّطَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَقَوْلَانِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا ص (وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي) ش: قَالَ

فروع بيع الفضولي

ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا كَانَ بَائِعُهُ غَاصِبًا أَوْ مُتَعَدِّيًا انْتَهَى. وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَرِيبًا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ رَقِيقًا، وَبَاعَ نَفْسَهُ قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ بَاعَ الْأَمَةَ رَجُلٌ أَوْ بَاعَتْ هِيَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَأَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَنَصُّهُ وَإِذَا أَنْكَحَ الْأَبْعَدُ مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ لَمْ يُجْبَرْ، وَلَوْ أَجَازَهُ كَالْأَبِ، وَمِثْلُهُ السَّيِّدُ عَلَى الْأَرْجَحِ وَلَوْ شَرِيكًا بِخِلَافِ بَيْعِهَا نَفْسَهَا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَالْمَعْنَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَمْضِي بِإِمْضَاءِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ بَاعَتْ هِيَ نَفْسَهَا فَأَمْضَى السَّيِّدُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ يَمْضِي. [فروع بَيْعِ الْفُضُولِيِّ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالثَّمَانِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ: هَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ فَفِي التَّنْبِيهَاتِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ لِعَدِّهِ إيَّاهُ مَعَ مَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ هُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ انْتَهَى. قُلْتُ: بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ لَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ، وَهَذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وَالْجَائِزُ فِي إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنَّمَا هُوَ الْمُبَاحُ، وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَالِكِ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا الْبَيْعُ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا أَوْ قَرِيبَ الْمَكَانِ وَأَمَّا إنْ كَانَ بَعِيدَ الْمَكَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ لِمَا يَلْحَقُهُ بِسَبَبِ الصَّبْرِ مِنْ الضَّرَرِ انْتَهَى.

طال الزمان في بيع الفضولي قبل علم المالك حتى استغله المشتري فهل تكون الغلة له

وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَالَهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ يُوهِمُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [طَالَ الزَّمَانُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ عِلْمِ الْمَالِكِ حَتَّى اسْتَغَلَّهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ تَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ] (الثَّالِثُ) : لَوْ طَالَ الزَّمَانُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ عِلْمِ الْمَالِكِ حَتَّى اسْتَغَلَّهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ تَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ؟ حَكَى الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ عَنْ الطِّرَازِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالَمٍ بِالتَّعَدِّي، وَكَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تَنْفِي عَنْ الْبَائِعِ التَّعَدِّي لِكَوْنِهِ حَاضِنًا لِلْمَالِكِ أَوْ ادَّعَى الْوَكَالَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي كَالْغَاصِبِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَنَصُّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ لِفُلَانٍ فَبَاعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا دَفَعَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ الشَّيْخُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ دَارًا تُعْرَفُ لِزَيْدٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ مِنْ سَبَبِ زَيْدٍ، وَنَاحِيَتِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْغَلَّةَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ قَالَهُ سَحْنُونٌ. وَكَذَلِكَ الْحَاضِنَةُ تَبِيعُ عَلَى الْأَيْتَامِ الْمَنْزِلَ اُنْظُرْ كِتَابَ الْغَصْبِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ الْمَشَذَّالِيِّ قَالَ فِي الطِّرَازِ مَنْ هَلَكَ عَنْ أَطْفَالٍ، وَلَهُمْ أُمٌّ غَيْرُ وَصِيَّةٍ تَبِيعُ حَقًّا لَهُمْ مِنْ رَجُلٍ فَيَغْتَلُّهُ فَيَبْلُغُ الْأَوْلَادُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَقُومُ، وَتَحُوطُ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: إنَّمَا كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ أَجْلِ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَبْعَدَتْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ: فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً تُعْرَفُ لِرَجُلٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَغَابَ وَلَا يَعْرِفُ فَاشْتَرَى، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ لِلْغَائِبِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَقُومُ فِي الدَّارِ، وَيَنْظُرُ، وَيَعْمَلُ حَتَّى ثَبَتَتْ لَهُ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شُبْهَةٌ كَمَا قُلْنَا فَالْمُشْتَرِي كَالْغَاصِبِ اُنْظُرْ الطِّرَازَ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ فِي السُّدُسِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ سَحْنُونٍ حَكَاهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا، وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ النَّوَادِرِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمَشَذَّالِيِّ وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَوْ كَانَ رَبُّ الدَّارِ غَائِبًا، وَزَعَمَ هَذَا الْبَائِعُ أَنَّ رَبَّهَا، وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهَا، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ فَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَ هَذَا الْوَكِيلُ يَقُومُ عَلَى الدَّارِ، وَيَنْظُرُ إلَيْهَا حَتَّى تَثْبُتَ لَهُ شُبْهَةُ الْوَكَالَةِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةٌ فَالْمُشْتَرِي مِنْهُ كَالْغَاصِبِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ تَبِيعُ عَلَى الْأَطْفَالِ فَإِنْ كَانَتْ تَقُومُ عَلَيْهِمْ، وَتَحُوطُهُمْ وَتَنْظُرُ لَهُمْ فَبَاعَتْ، وَهِيَ كَذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ انْتَهَى. [هَلْ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَمْ لَا] (الرَّابِعُ) : هَلْ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَمْ لَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اغْتَصَبَ عَبْدًا، وَبَاعَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ أَنَّهُ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ نَفَذَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لَمْ يَزَلْ جَائِزًا مِنْ يَوْمِ وُقُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ، وَأَخَذَ عَبْدَهُ انْتَقَضَ الْعِتْقُ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْكَلَامَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) : إنَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَوْقُوفًا عَلَى رِضَا الْمَالِكِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لِلْبَيْعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ حَاضِرَ الصَّفْقَةِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ، وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ حَتَّى مَضَى الْعَامُ، وَنَحْوُهُ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الْعَامِ، وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ انْتَهَى مِنْ رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْهُ، وَفِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ

شراء الفضولي

الْبُيُوعِ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ، وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَالَ: وَيَحْلِفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ، وَمِنْهَا الرَّجُلُ يُبَاعُ عَلَيْهِ مَالُهُ، وَيَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ حَاضِرٌ لَا يُغَيِّرُ، وَلَا يُنْكِرُ ثُمَّ يَقُومُ وَيَدَّعِي الْجَهْلَ انْتَهَى اُنْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي الْبَيْعِ، وَمَسَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ قَالَ فِيهَا، وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ امْرَأَةٍ بَاعَ زَوْجُهَا مِلْكًا لَهَا وَهِيَ سَاكِتَةٌ عَالِمَةٌ بِالْبَيْعِ فَأَجَابَ إنْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَلَهَا ذَلِكَ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا أَنَّهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَإِنْ بِيعَ ذَلِكَ، وَجُبِرَ عَلَيْهَا، وَبَنَى الْمُشْتَرِي، وَهَدَمَ، وَغَرَسَ، وَالْبَيْعُ مَشْهُورٌ، وَهِيَ تَعْلَمُ، وَلَا تُنْكِرُ فَالْبَيْعُ يَلْزَمُهَا، وَلَهَا الثَّمَنُ هَذَا مَعَ رُشْدِهَا، وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً فَلِلْقَائِمِ نَقْضُهُ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ انْتَهَى. (السَّادِسُ) : دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ نِصْفَهَا عَلَى الْإِشَاعَةِ هَلْ يَقَعُ بَيْعُهُ عَلَى نِصْفِهِ فَيَنْفُذُ أَوْ يَقَعُ عَلَى نِصْفِهِ، وَنِصْفِ شَرِيكِهِ فَيَنْفُذُ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ؟ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ رَسْمَ أَوَّلِ عَبْدٍ ابْتَاعَهُ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَأَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي أَوَاخِرِ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ إذَا بَاعَ جُزْءًا دُونَ حِصَّتِهِ. [شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ] (السَّابِعُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ، وَحُكْمُهُ كَبَيْعِهِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ وَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْهُ إذَا أَجَازَ ذَلِكَ رَبُّهَا، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى لَهُ سِلْعَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ حَلُّ الصَّفْقَةِ إذَا أَخَذَهَا الْمُبْتَاعُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ يُجِزْ الشِّرَاءَ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الْمُشْتَرِيَ الْفُضُولِيَّ، وَلَا رُجُوعَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَشْهَدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى لِفُلَانٍ بِمَالِهِ، وَأَنَّ الْبَائِعَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَخَذَ الْمُشْتَرَى لَهُ مَالَهُ، وَلَمْ يُجِزْ الشِّرَاءَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا صَدَّقَ الْبَائِعَ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ فِي قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَالَ لَهُ بَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ الثَّمَنِ، وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لَهُ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَمَرَ الْمُشْتَرِي، وَيَأْخُذُ مَالَهُ إنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيُلْزِمُهُ الشِّرَاءَ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الْبَائِعِ قَالَهُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ [مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي كِتَابِ شِرَائِهِ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ وَأَمْرِهِ] (الثَّامِنُ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا، فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي كِتَابِ شِرَائِهِ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ وَأَمْرِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتَضِي تَصْدِيقَ الْبَائِعِ فِي الشِّرَاءِ لِفُلَانٍ، وَلَا فِي أَنَّ الْمَالَ لَهُ، وَلَا يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ جَاءَ فَأَنْكَرَ الْأَمْرَ بِالشِّرَاءِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِعِلْمِ الْبَائِعِ أَنَّ الْمَالَ لِفُلَانٍ أَوْ بِتَصْدِيقِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَخْشَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَدَّعِيَ أَنِّي عَلِمْت بِذَلِكَ أَوْ صَدَّقْتُ عَلَيْهِ فَيُلْزِمَنِي الْيَمِينَ أَوْ يُحْكَمَ لَهُ بِالرُّجُوعِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. [إقْرَارُ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالتَّعَدِّي] (التَّاسِعُ) : لَا يُفِيدُ إقْرَارُ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالتَّعَدِّي فَفِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَوْ بَاعَ أَمَةً ثُمَّ أَقَرَّ بِغَصْبِهَا لَمْ يَصَدَّقْ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَغَرِمَ لِرَبِّهَا قِيمَتَهَا انْتَهَى. ص (وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى مُسْتَحِقِّهَا) ش: لَوْ قَالَ: وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى مُسْتَحِقِّهَا إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ السَّيِّدُ أَوْ الْمُبْتَاعُ الْأَرْشَ، وَرَجَعَ الْمُبْتَاعُ بِهِ، وَبِثَمَنِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ، وَحَلَفَ السَّيِّدُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ ثُمَّ لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ أَوْ أَخْذُ ثَمَنِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ: فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَةً: فَقَالَ: أَبِيعُهُ، وَأَدْفَعُ الْأَرْشَ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ أَوْ يَأْتِيَ بِضَامِنٍ ثِقَةٍ فَيُؤَخِّرَ الْيَوْمَيْنِ، وَنَحْوَهُمَا، وَإِلَّا فَدَاهُ أَوْ أَسْلَمَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ، وَدَفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دِيَةَ الْجُرْحِ

ولدت الأمة بعد الجناية

جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ يَضْمَنُ أَيْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يَمُوتَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ اللَّخْمِيّ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ بَيْعَهُ قَالَ: وَهُوَ أَحْسَنُ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ، وَإِنْ بَاعَهُ أَيْ بَادَرَ لِلْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ جَازَ أَيْ مَضَى وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ أَيْ لَمْ يَمْضِ (الثَّانِي) : قَالَ الْمَشَذَّالِيِّ: قَالَ الْوَانُّوغِيُّ: عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً، وَلَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهَا، وَهُوَ مَلِيءٌ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ خَوْفَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي يَجْرِي الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ كَانَ مَلِيًّا جَازَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَجْرِي عِنْدِي لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِينَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْعَبْدِ وَلِذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَالثَّمَنُ بِذِمَّتِهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [وَلَدَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ] (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا، وَلَدَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُسَلَّمْ وَلَدُهَا مَعَهَا إذْ يَوْمُ الْحُكْمِ يَسْتَحِقُّهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ زَايَلَهَا الْوَلَدُ قَبْلَهُ وَلَكِنْ تُسَلَّمُ لِلْجِنَايَةِ بِمَالِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْوَلَدِ وَالْمَالِ انْتَهَى. [جَنَى عَبْدٌ فَلَمْ يُحْكَمْ فِيهِ حَتَّى جَنَى جِنَايَاتٍ عَلَى قَوْمٍ] (الرَّابِعُ) : قَالَ فِيهَا أَيْضًا، وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ فَلَمْ يُحْكَمْ فِيهِ حَتَّى جَنَى جِنَايَاتٍ عَلَى قَوْمٍ فَإِنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ إمَّا أَنْ يَفْدِيَهُ بِدِيَاتِهِمْ أَجْمَعَ وَإِلَّا أَسْلَمَ إلَيْهِمْ الْعَبْدَ فَتَحَاصُّوا فِيهِ بِقَدْرِ مَبْلَغِ كُلِّ جِنَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ ثَانِيَةً أَوْ يُسْلِمَهُ انْتَهَى. جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ جِنَايَاتِ الْعَبِيدِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا يَوْمَ الْحُكْمِ اللَّخْمِيُّ، وَعَلَى الْقَوْلِ إنَّهُ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى مِلْكٌ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا إمَّا أَسْلَمَهُ أَوْ فَدَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرُدَّ الْبَيْعُ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ مَا يَجُوزُ، وَرُدَّ لِمِلْكِهِ) ش: أَتَى الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِحَلِفِهِ بِالضَّرْبِ بَلْ إذَا حَلَفَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ، وَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْوَطْءِ. (فَرُوعٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: لَوْ لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ حَتَّى ضَرَبَهُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَقِيلَ يَبَرُّ وَقِيلَ لَا يَبَرُّ، وَنَقَلَهُمَا الرَّجْرَاجِيُّ بِلَفْظِ فَإِنْ مَكَّنَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الضَّرْبِ فِي مِلْكِهِ فَهَلْ يَبَرُّ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْصُوصَانِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: بَرَّ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَبَرُّ، وَيَمْضِي عَلَى كِتَابَتِهِ، وَيُوقِفُ مَا يُؤَدِّي فَإِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ تَمَّ فِيهِ الْحِنْثُ وَصَارَ حُرًّا، وَأَخَذَ كُلَّ مَا أَدَّى، وَإِنْ عَجَزَ ضَرَبَهُ إنْ شَاءَ، وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مِثْلَهُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ (الثَّانِي) حُكِيَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَجْلِدَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَإِنَّهُ يُوقَفُ حَتَّى يَنْظُرَ أَيَجْلِدُهُ أَمْ لَا قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَجْلِدَنَّهُ أَلْفَ سَوْطٍ عَجَّلْت عِتْقَهُ قَالَ الشُّيُوخُ: قَوْلُ رَبِيعَةَ فِي الْأُولَى وِفَاقٌ أَيْضًا لِقَوْلِ مَالِكٍ. وَنَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَجْلِدَنَّهُ مِائَةً فَقَدْ أَسَاءَ وَيُتْرَكُ وَإِيَّاهُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ التَّعَدِّي، وَالشُّنْعَةُ فَيُعَجَّلُ عِتْقُهُ وَقَالَ أَصْبَغُ: إنَّ الْمِائَةَ مِنْ التَّعَدِّي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّ السَّيِّدَ يُصَدَّقُ إنْ الْعَبْدُ حَصَلَ مِنْهُ ذَنْبٌ يَقْتَضِي الْأَدَبَ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ ظُلْمًا بِغَيْرِ سَبَبٍ لَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ قَالَ، وَمِثْلُهُ لِلْقَابِسِيِّ. وَتَأَوَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ ضَرْبِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ إذَا كَانَ يَسِيرًا قَالَ: وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ رُشْدٍ (الثَّالِثُ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فَإِنْ تَجَرَّأَ، وَضَرَبَهُ مَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرْبًا فَظِيعًا فَيُعْتَقُ بِالْمُثْلَةِ (الرَّابِعُ) : حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مَا لَا يَجُوزُ، وَبَاعَهُ رُدَّ الْمَبِيعُ مِنْ بَابِ أَحْرَى إلَّا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ لِمِلْكِهِ وَإِنَّمَا يُرَدُّ لِلْعِتْقِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَرُدَّ الْبَيْعُ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ، وَنَحْوِهِ، وَرُدَّ لِمِلْكِهِ إنْ أَجَازَ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَأَشْمَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يُرَدُّ لِمِلْكِهِ إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مَا يَجُوزُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ يُنْقَضُ الْبَيْعُ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَا أَنْقُضُ صَفْقَةَ مُسْلِمٍ إلَّا لِعِتْقٍ نَاجِزٍ، وَضَعْفٍ بِأَنَّا نَنْقُضُ الْبَيْعَ لِلْكِتَابَةِ، وَالتَّدْبِيرِ (الْخَامِسُ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ (السَّادِسُ) : إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ نَحْوِ إنْ ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْبَيْعِ

وَلَا مِنْ الْوَطْءِ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَا فَعَلْتُ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْفِعْلِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَطْءِ، وَإِنْ مَاتَ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ عِتْقٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ. وَيُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ، وَالْوَطْءِ، وَلَا أَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ عَتَقَ رَقِيقُهُ فِي الثُّلُثِ اهـ. هُوَ حِنْثٌ وَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ انْتَهَى زَادَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَلَا أَمْنَعُهُ الْخِدْمَةَ، وَلَا الِاسْتِئْجَارَ (السَّابِعُ) : إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ، وَضَرَبَ أَجَلًا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ أَمَتِي حُرَّةٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا إلَى أَجَلٍ أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فُلَانٌ كَذَا إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ فَهُوَ عَلَى بِرٍّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْأَجَلِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا مُرْتَهَنَةٌ فِيهِنَّ، وَلَوْ بَاعَهَا رَدَدْت الْبَيْعَ، وَلَمْ أَقْبَلْ مِنْهَا رِضَاهَا بِالْبَيْعِ، وَرُوِيَ لِمَالِكٍ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ كَمَنْعِهِ مِنْ الْبَيْعِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَوْ لَمْ يُرَدَّ الْبَيْعُ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يُرَدَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ حَنِثَ وَلَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ فَارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ فِيهَا فَلَا تُرَدُّ إذْ لَا تُرَدُّ إلَى أَمْرٍ يُتَرَقَّبُ فِيهِ بِرُّهُ أَوْ حِنْثُهُ انْتَهَى. قُلْت: وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ قَبْلَ رَدِّ الْبَيْعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَضَمَانِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَ بَيْعُ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ) ش: إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ، وَمَا بَعْدَهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا مِمَّا لَا يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ص (إنْ انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ، وَأُمِنَ كَسْرُهُ) ش: قَالَ عِيَاضٌ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَاهُ عِنْدَ شُيُوخِنَا إنْ قُلِعَ مَأْمُونًا، وَلَوْ كَانَ يُخْشَى كَسْرُهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ قَالُوا إنَّمَا هَذَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ تَدْعِيمُ الْبِنَاءِ وَتَعْلِيقُهُ، وَلَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهُ إلَّا بِهَدْمِهِ لَكَانَ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي لَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ انْتَفَتْ إضَاعَةُ الْمَالِ فَإِنَّ إضَاعَتَهُ لَا تَجُوزُ كَمَا إذَا كَانَ لَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِهَدْمِ الْغُرْفَةِ الَّتِي فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ اللَّخْمِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أُضْعِفَ لَهُ فِي الثَّمَنِ أَوْ تَكُونَ الْغُرْفَةُ تَحْتَاجُ إلَى النَّقْضِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ يَسِيرٌ انْتَهَى قُلْتُ: قَوْلُ اللَّخْمِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أُضْعِفَ لَهُ فِي الثَّمَنِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ شَاسٍ وَتَابِعِيهِ فِي عَزْوِهِ شَرْطَ إضَاعَةِ الْمَالِ لَلْمَازِرِي؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ، وَقَدْ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَذَكَرَ شَرْطَ أَمْنِ الْكَسْرِ أَيْضًا اللَّخْمِيُّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ إنْقَاذُهُ مَأْمُونًا جَازَ هَذَا الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي سَلَامَتَهُ بَعْدَ حَطِّهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ اللَّخْمِيِّ قُلْت: وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْغَرَرَ الْمَانِعَ مَانِعٌ، وَلَوْ شَرَطَ فِيهِ سَلَامَةَ تَمَكُّنٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمَ قُلْت، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ سَلَامَتَهُ بَعْدَ حَطِّهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا إزَالَةُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَتَهْيِئَتُهُ؛ لَأَنْ يُنْقَلَ فَكُلُّ مَا يَجْرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَمِنْ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى التَّمْكِينِ (فَإِنْ قُلْت) لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِهِ، وَإِلَّا كَانَ إضَاعَةَ مَالٍ مِنْ الْمُشْتَرِي (قُلْت) إنْ وَجَبَ لِذَلِكَ، وَجَبَ سُقُوطُهُ خَوْفَ إضَاعَةِ الْبَائِعِ مَالَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَدًّا عَلَيْهِ: قَوْلُهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجُوزَ إلَخْ مَا نَصُّهُ قُلْت يُرَدُّ بِأَنَّ مَنْعَهُ مَعَ عَدَمِ أَمْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ كَمُتَقَدِّمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَحِلُّ بَيْعُ صِعَابِ الْإِبِلِ فَلَا يَتَوَجَّهُ مَا أَوْرَدَ مِنْ سُؤَالٍ، وَجَوَابٍ انْتَهَى. وَيُشِيرُ إلَى مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ صِعَابِ الْإِبِلِ لِلْغَرَرِ فِي أَخْذِهَا؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَطِبَتْ بِهِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ الْأَمْنُ مِنْ كَسْرِ الْعَمُودِ فِي إخْرَاجِهِ، وَإِنْقَاذِهِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعَ غَرَرٍ فَيُمْنَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنَقَضَهُ الْبَائِعُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ مَنْ عَلَيْهِ النَّقْضُ وَالْمَنْصُوصُ

لِمَالِكٍ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ اسْتَبْعَدَهُ قَالَ: وَلَا وَجْهَ لِاسْتِبْعَادِهِ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ قُلْت فَإِنْ اشْتَرَيْت عَمُودَ رُخَامٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ أَيَجُوزُ هَذَا الِاشْتِرَاءُ، وَأَنْقُضُ الْعَمُودَ إنْ أَحْبَبْتَ قَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا بِمِصْرَ قَالَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَقَلْعُ الْعَمُودِ عَلَى الْبَائِعِ، وَحُكِيَ عَنْ الْقَابِسِيِّ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُزِيلَ مَا فَوْقَ الْعَمُودِ لِيَصِلَ الْمُبْتَاعُ إلَى قَبْضِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَائِنَا: وَمَا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَوَالِهِ مِنْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ انْتَهَى.، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ وَأَنْقُضُ الْعَمُودَ ظَاهِرُهُ أَنَّ نَقْضَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَالَ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ فِي مَسْأَلَةِ بَائِعِ نَصْلِ السَّيْفِ الْمُحَلًّى، وَجَفْنِهِ: وَيَنْقُضُ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ حِلْيَتَهُ فَجَاءَ مِنْ هَذَا أَنَّ النَّقْضَ عَلَى الْبَائِعِ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ تَفْسِيرًا لِلْأُولَى، وَإِنَّ مَعْنَى الْأُولَى أَنْ يُزِيلَ الْبَائِعُ مَا عَلَيْهِ بِالتَّدْعِيمِ أَوْ الْهَدْمِ إذْ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَيَتَوَلَّى الْمُشْتَرِي بَعْدَ هَذَا قَلْعَهُ وَرَفْعَهُ، وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ قَوْلَانِ هَلْ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَبَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ وَالْعُلُوِّ فَوْقَ السُّفْلِ. وَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوس الشَّجَرِ عَلَى مَنْ جِدَادُ ذَلِكَ وَقَلْعُهُ؟ قَالُوا، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْبِنَاءَ الَّذِي عَلَى الْعَمُودِ أَوْ الْحِلْيَةَ الَّتِي عَلَى النَّصْلِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِبَقَاءِ حَقِّ التَّسْلِيمِ وَكَوْنِ نَقْضِ الْعُلُوِّ عَلَى الْمُشْتَرِي أَبَيْنَ لِتَخَلُّصِهَا مِمَّا تَحْتَهَا، وَكَوْنُ نَقْضِ الْحِلْيَةِ، وَالسَّيْفِ، وَالْعَمُودِ عَلَى الْبَائِعِ أَبَيْنَ لِارْتِبَاطِهَا بِمَا بَقِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ، وَكَوْنُ نَقْضِ الْحِلْيَةِ يُرِيدُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ السَّيْفِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَ الْحِلْيَةَ دُونَ النَّصْلِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ نَقْضَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ، وَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ جَعَلَ النَّقْضَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَقَلْعُهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَقِيلَ إنَّمَا عَلَيْهِ نَقْضُ بِنَائِهِ فَقَطْ، وَمَا أَصَابَهُ فِي قَلْعِهِ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ، وَبَيْعِ نَصْلِ سَيْفٍ دُونَ حِلْيَتِهِ، وَنَقْضُهَا عَلَى الْبَائِعِ، وَبِالْعَكْسِ عَلَى الْمُبْتَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ كَجَزِّ صُوفٍ بِيعَ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ، وَجِدَادُ ثَمَرٍ فِي رُءُوسِ نَخْلٍ جُزَافًا فِيهِمَا، وَقِيلَ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَنَقَضَهُ الْبَائِعُ بِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ، وَإِزَالَةُ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ يُوهِمُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) : اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ، وَمَا أَصَابَهُ فِي قَلْعِهِ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ هَلْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَوْ هُوَ فَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ (الثَّانِي) مَنْ دَعَا فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ، وَالْحِلْيَةِ إلَى تَخْلِيصِ مِلْكِهِ فَذَلِكَ لَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ التَّهْذِيبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا بِرِضَاهُمَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ دُعِيَ مِنْهُمَا إلَى تَخْلِيصِ مِلْكِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَقَوَّى ابْنُ عَرَفَةَ مَا فِي الْأُمِّ ص (وَهَوَاءٌ فَوْقَ هَوَاءٍ) ش: أَيْ وَجَازَ بَيْعُ هَوَاءٍ فَوْقَ هَوَاءٍ فَأَحْرَى فَوْقَ بِنَاءٍ ص (إنْ وَصَفَ الْبِنَاءَ) ش: أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ، وَيَصِفُ بِمَاذَا يَبْنِيهِ مِنْ آجُرٍّ أَوْ حَجَرٍ

قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: وَيَصِفُ عَرْضَ حِيطَانِ الْبِنَاءِ، وَيَبْنِيهِ بِالْمُعْتَادِ مِنْ آجُرٍّ أَوْ حَجَرٍ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَبْيِينُ مَا يَبْنِيهِ مِنْ الْآجُرِّ وَالْحَجَرِ خِلَافَ مَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ عَادَةً، وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ عَادَةً قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَيَصِفُ مَصَبَّ مَاءِ الْأَعْلَى، وَمِرْحَاضَهُ، وَحَيْثُ تَصُبُّ قَنَاتُهُ، وَمَدْخَلَهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) :، وَفَرْشُ سَقْفِ الْأَسْفَلِ بِالْأَلْوَاحِ عَلَى مَنْ اُشْتُرِطَ وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ (فَرْعٌ) :، وَلَا يَجُوزُ لِمُبْتَاعِ الْهَوَاءِ بَيْعُ مَا عَلَى سَقْفِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الثِّقَلَ عَلَى حَائِطِهِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا وَابْنُ عَرَفَةَ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَلَكَ مَا فَوْقَ بِنَائِهِ مِنْ الْهَوَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِحَقِّ الْبَائِعِ فِي الثِّقَلِ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ التَّوْضِيحِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَنْ مَلَكَ أَرْضًا أَوْ بِنَاءً مَلَكَ هَوَاءَهَا إلَى أَعْلَى مَا يُمْكِنُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَمْلِكُ بَاطِنَهَا أَوْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ الْمِلْكَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْمِلْكِ اهـ. وَغَرْزُ جِذْعٍ فِي حَائِطٍ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُعِيدَ الْجِدَارَ إذَا انْهَدَمَ لِيُرَكِّبَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ جُذُوعَهُ قُلْت: وَانْظُرْ إذَا مَاتَ الْبَائِعُ أَوْ بَاعَ لِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا كَلَامَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ الرَّدُّ إنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَلَوْ طَرَأَ شَيْءٌ فِي نَفْسِ مَوْضِعِ الْحَمْلِ الْمُشْتَرَى مَعَ صِحَّةِ بِنَاءِ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمَا لَزِمَ رَبَّ الْحَائِطِ شَيْءٌ، وَيُقَالُ لِمَنْ لَهُ حَمْلُ الْجُذُوعِ أَصْلِحْ مَوْضِعَ حَمْلِكَ أَوْ دَعْ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَوْضِعَ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامُ الْمِلْكِ مِنْ الْهِبَةِ، وَالْمِيرَاثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَهْلٌ بِثَمَنٍ أَوْ مَثْمُونٍ، وَلَوْ تَفْصِيلًا) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْعِوَضَيْنِ فَإِنْ جَهِلَ الثَّمَنَ أَوْ الْمَثْمُونَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْجَهْلُ بِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَسَدَ الْبَيْعُ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَفِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ: لَا يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا إلَّا إذَا جَهِلَا مَعًا قَدْرَ الْمَبِيعِ أَوْ صِفَتَهُ أَوْ جَهِلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا، وَعَلِمَ الْآخِرُ بِجَهْلِهِ، وَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا، وَجَهِلَ الْآخَرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِجَهْلِهِ فَلَيْسَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ كَبَيْعِ غِشٍّ، وَخَدِيعَةٍ يَكُونُ الْجَاهِلُ مِنْهُمَا إذَا عَلِمَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مُوَرَّثَهُ مِنْ دَارٍ فَإِنْ عَرَفَا مَبْلَغَهُ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ، وَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ، وَرِثَ رَجُلَانِ دَارَيْنِ فَبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فِي إحْدَاهُمَا بِنَصِيبِ الْآخَرِ فِي الْأُخْرَى فَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، وَمَا هُوَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ فَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا مَبْلَغَ حَقِّهِ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ صُلْحُ الزَّوْجَةِ عَلَى مُوَرَّثٍ لَهَا فِي دَارٍ لَا تَعْلَمُ مَبْلَغَهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ: وَإِذَا وَرِثَا نَخْلًا وَكَرْمًا لَمْ يَعْرِفَاهُ، وَلَا رَأَيَاهُ أَوْ عَرَفَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا فَرَضِيَا أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْكَرْمَ، وَيَأْخُذَ الْآخِرُ النَّخْلَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَيَا ذَلِكَ أَوْ وُصِفَ لَهُمَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ فِي الْأُمَّهَاتِ أَوْ كِلَاهُمَا، وَنَقَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا هَلْ هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ أَوْ حُكْمُهُ حُكْمُ الصُّبْرَةِ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهَا دُونَ الْمُبْتَاعِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَرَى حُكْمَهُ حُكْمَ الصُّبْرَةِ، وَهَذَا عَلَى مَا فِي الْأُمَّهَاتِ إذَا جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا الشَّيْخُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ، وَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصُّبْرَةِ ا. هـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي إلَّا قَوْلَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ فَاسِدٌ خُصُوصًا عَلَى اخْتِصَارِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ جَمَعَهُ مَعَ جَهْلِهِمَا مَعًا، وَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ

تنبيه شراء الغائب

بِذَلِكَ وَأَشَارَ الْمَشَذَّالِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتِصَارِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ الْآتِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَكُونُ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَجَزَمَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَصُّ كَلَامِ الْمَشَذَّالِيِّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا الْمَسْأَلَةَ قُلْت وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَغَيْرُهُ، وَزَعَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي جَهْلِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَقُومَانِ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْهَا هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ الصُّبْرَةِ اهـ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَوَاضِعُ مُتَعَدِّدَةٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَفِي كِتَابِ الْغَرَرِ، وَفِي السَّلَمِ. الثَّالِثُ: نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ، وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إلَى حَمْلِهَا كُلِّهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ شِرَاءِ الْغَائِبِ] (تَنْبِيهٌ) قَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شِرَاءِ الْغَائِبِ بِأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ عَلَى الْإِلْزَامِ، وَسَكَتَا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِي يَجْهَلُ الْمَبِيعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَقَّعَا فِي الْوَثِيقَةِ وَعَرَفَا الثَّمَنَ وَالْمَثْمُونَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْجَهْلَ] (فَرْعٌ) : إذَا وَقَعَا فِي الْوَثِيقَةِ، وَعَرَفَا الثَّمَنَ، وَالْمَثْمُونَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْجَهْلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيَامٌ وَلَا يَمِينٌ فَإِنْ سَقَطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ يُصَدَّقْ أَيْضًا مُدَّعِي الْجَهْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَ صَاحِبِهِ بِجَهْلِهِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ فَتَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إنَّهُ مَا عَلِمَ بِجَهْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ حَلَفَ لَقَدْ جَهِلَ مَا بَاعَهُ أَوْ ابْتَاعَهُ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَى صَاحِبِهِ بِجَهْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ نَقَلَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَابْنُ سَلْمُونٍ. وَقَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: سُئِلَ عَمَّنْ بَاعَ أَمْلَاكَهُ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قَطُّ، وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْرِفُ قَدْرَهَا، وَكُلُّ مَنْ فِي الْمَوْضِعِ يَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قَطُّ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا، وَلَا مَبْلَغَهَا، وَلَا يَحُوزُهَا قَبْلَ الِابْتِيَاعِ وَلَا بَعْدَهُ فَقَالَ: إذَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى دَعْوَاهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ قِيَامٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ اهـ. فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِجَهْلِهِ وَلَوْ كَانَ فِي الْوَثِيقَةِ أَنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَوْ يُقَالُ إنَّمَا وُجِّهَ الْيَمِينُ عَلَيْهِ مَعَ انْعِقَادِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْوَثِيقَةِ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ دَعْوَى خَصْمِهِ، وَهِيَ شَهَادَةُ كُلِّ مَنْ فِي الْمَوْضِعِ أَنَّهُ مَا رَآهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي الْبَابِ الثَّامِنِ، وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمُتَبَايِعَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَعَلَى جَوَازِ الْأَمْنِ حَتَّى يَثْبُتَ السَّفَهُ وَعَلَى الرِّضَا حَتَّى يَثْبُتَ الْإِكْرَاهُ وَعَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ السَّقَمُ وَعَلَى الْمَلَا حَتَّى يَثْبُتَ الْفَقْرُ وَعَلَى الْحُرِّيَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ الرِّقُّ وَعَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يَثْبُتَ الْكُفْرُ وَعَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى تَثْبُتَ الْجُرْحَةُ وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَالْغَائِبُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْمَوْتُ قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعَدَالَةِ فَالْمَشْهُورُ الثَّانِي، وَقَالَ قَبْلَهُ: النَّاسُ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ مَحْمُولُونَ عَلَى الْجَهْلِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعِلْمُ، وَعَلَى الْعُدْمِ حَتَّى يَثْبُتَ الْمَالُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ، وَقَالَ: وَالْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ إنَّ مُدَّعِيَ الْعُدْمِ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ، وَهُوَ أَصَحُّ. [فَرْعٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلُّ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ فَلَمَّا نَقَدَهُ الدَّنَانِيرَ قَالَ لَا أَرْضَاهَا] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلُّ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ فَلَمَّا نَقَدَهُ الدَّنَانِيرَ قَالَ: لَا أَرْضَاهَا فَلَهُ نَقْدُ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ فِي الدَّنَانِيرِ مُخْتَلِفًا فَلَا صَرْفَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُسَمِّيَا الدَّنَانِيرَ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا صَرَفَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِدَنَانِيرَ وَالدَّنَانِيرُ الَّتِي يُتَصَرَّفُ بِهَا فِي الْبَلَدِ بَيْنَ النَّاسِ مُخْتَلِفَةُ السِّكَكِ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِيمَا يُبَاعُ بِهِ ذَلِكَ أَوْ الْغَالِبُ فِيمَا يَتَصَرَّفُونَ بِهِ مِنْهَا وَغَيْرُهُ نَادِرٌ قَلِيلٌ فَيَجُوزُ وَيُحْمَلَانِ عَلَى الْغَالِبِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فَمَا تَعَدَّدَتْ السِّكَكُ، وَكَانَ الْغَالِبُ أَحَدُهُمَا قَوْلَيْنِ قَالَ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْأَكْرِيَةِ الْجَوَازُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ اهـ. وَنَصُّ مَا فِي أَكَرِيَةِ الدُّورِ مِنْهَا، وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا بِدَنَانِيرَ، وَلَمْ يَصِفْهَا، وَالنَّقْدُ مُخْتَلِفٌ فَإِنْ عَرَفَ لِنَقْدِ الْكِرَاءِ سِكَّةً قَضَى بِهَا، وَإِلَّا

فرع اشترى نصف شقة ولم يسم المشترى أولا ولا آخرا ولم يسم البائع حين القطع

فُسِخَ الْكِرَاءُ، وَعَلَيْهِ فِيمَا سَكَنَ كِرَاءُ مِثْلِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ ظَاهِرُهُ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ يَقْضِي لَهُ بِنِصْفِ هَذِهِ، وَنِصْفِ هَذِهِ، وَقِيلَ يَقْضِي بِكِرَاءِ الْمِثْلِ طَعَامًا، وَهُوَ غَلَطٌ إذْ لَيْسَ هُوَ قَيِّمَ الْأَشْيَاءِ، وَلَا قَيِّمَ الْمُتْلَفَاتِ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ السِّكَكُ فِي النَّفَاقِ فَأَمَّا إذَا اسْتَوَتْ فِي النَّفَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ مَا جَاءَ بِهِ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: الْبَلَدُ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ جَمِيعُ السِّكَكِ جَوَازًا وَاحِدًا لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَيْسَ عَلَى مَنْ ابْتَاعَ فِيهِ شَيْئًا أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ سِكَّةٍ أَعْطَاهُ كَمَا أَنَّ الْبَلَدَ إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ فِيهِ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ السِّكَّةَ الْجَارِيَةَ، وَكَمَا أَنَّ الْبَلَدَ الَّذِي تُجْرَى فِيهِ جَمِيعُ السِّكَكِ، وَلَا تَجُوزُ فِيهِ بِجَوَازٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ حَتَّى يُسَمِّيَ بِأَيِّ سِكَّةٍ يَبْتَاعُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ أَكَرِيَةِ الدُّورِ، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ نَحْوَهُ قَالَ: وَالْمُعَامَلَةُ فِي زَمَانِنَا هُوَ أَتِّخَاذ الْمَغْرِبِيِّ وَالْأَمِيرِيِّ فِي الْعُقُودِ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ فِي الْقَدْرِ لَكِنَّ النَّفَاقَ وَاحِدٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ إلَّا مَنْ يَشْتَرِطُ الْأَمِيرِيَّ فَالْبَيْعُ بِهَا جَائِزٌ، وَمَا أَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ سِكَّةً فَيُقْضَى بِهَا لِلتَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ فِيمَنْ شَرَطَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ اهـ. [فَرْعٌ اشْتَرَى نِصْفَ شَقَّةٍ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُشْتَرَى أَوَّلًا وَلَا آخِرًا وَلَمْ يُسَمِّ الْبَائِعَ حِينَ الْقَطْعِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: فِيمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ شَقَّةٍ، وَلَمْ يُسَمِّ الْمُشْتَرَى أَوَّلًا وَلَا آخِرًا، وَلَمْ يُسَمِّ الْبَائِعُ حِينَ الْقَطْعِ فَقَالَ الْبَائِعُ لَا أُعْطِيك إلَّا الْأَخِيرَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا آخُذُ إلَّا الْأَوَّلَ فَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ سَمَّى أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِبْهَامِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ أَرَادَ النِّصْفَ الَّذِي طَلَبَهُ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا فُسِخَ الْبَيْعُ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمِ الْإِفْهَامِ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهَا يُقْسَمُ الثَّوْبُ عَلَى الْقِيمَةِ ثُمَّ يَسْتَهِمَانِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا بَيْعُ مَجْهُولٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ لَوْ قَالَ أَشْتَرِي مِنْكَ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ أَيَّهمَا وَقَعَ السَّهْمُ عَلَيْهِ أَوْ أَيَّهمَا شِئْت كَانَ غَرَرًا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: فَإِذَا حَلَفَ الْمُبْتَاعُ يُرِيدُ، وَحْدَهُ رَدَّ الثَّوْبَ إلَى صَاحِبِهِ مَقْطُوعًا إلَّا أَنْ تَكُونَ سُنَّةُ التُّجَّارِ أَنَّهُمْ إذَا قَطَعُوا إنَّمَا يَبِيعُونَ الْأَوَّلَ فَيُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى تِلْكَ السُّنَّةِ اهـ. [فَرْعٌ إذَا بَاعَ لِصَبَّاغٍ أَوْ غَيْرِهِ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَصْبُغَ لَهُ ثِيَابًا وَمَا صَبَغَ لَهُ حَاسَبَهُ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ] (فَرْعٌ) : إذَا بَاعَ لِصَبَّاغٍ أَوْ غَيْرِهِ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَصْبُغَ لَهُ ثِيَابًا، وَمَا صَبَغَ لَهُ حَاسَبَهُ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعَ بِهِ، وَأَعْطَاهُ نِصْفَ الثَّمَنِ مُنِعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَا يَجُوزُ اهـ. مِنْ أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ اهـ. مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. ص (كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِكَذَا) ش: هَذَا نَحْوُ عِبَارَةِ

مسألة بيع لحم شاة حية أو مذبوحة أو لحم بعير كسر قبل الذبح والسلخ

ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَصْدُقُ عَلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ أَوْ لِأَحَدِهِمَا عَبْدٌ، وَالْآخَرُ مُشْتَرَكٌ أَوْ هُمَا مُشْتَرَكَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَجْزَاءَ مُتَفَاوِتَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْعَبْدَيْنِ قَالَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا كَانَا مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَبْدَيْنِ مَثَلًا لِمَجْهُولِ التَّفْصِيلِ، وَإِذَا حَصَلَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى السَّوَاءِ فَالثَّمَنُ مَعْلُومُ التَّفْصِيلِ اهـ. وَمُرَادُهُ بِكَوْنِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنْ فَاتَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَمْضِي بِالثَّمَنِ مَفْضُوضًا عَلَى الْقِيَمِ، وَفِي غَيْرِ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَمْضِي بِالْقِيمَةِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ التُّونُسِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (فَرْعٌ) : فَإِنْ سَمَّيَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا أَوْ قَوَّمَا أَوْ دَخَلَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَعْدَ التَّقْوِيمِ جَازَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا اشْتَرَى اثْنَانِ سِلْعَتَيْنِ عَلَى الشَّرِكَةِ جَازَ، وَعَلَى أَنَّ كُلَّ، وَاحِدٍ يَأْخُذُ وَاحِدَةً بِمَا يَنُوبُهَا قَوْلَانِ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَالْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَنْعُ. (تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِمَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْعَبْدَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فَيَكُونُ حُجَّةً أَيْضًا لِلْقَوْلِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ إذَا جَهِلَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الثَّمَنَ أَوْ الْمَثْمُونَ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشَارَ التُّونُسِيُّ إلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا ظَنَّ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْعَبْدَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا مِنْ جِهَتِهِمَا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي عِلْمِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْفَسَادِ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ أَوْ مَذْبُوحَةٍ أَوْ لَحْمِ بَعِيرٍ كُسِرَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ] ص (وَرَطْلٌ مِنْ شَاةٍ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَوْلِهِ قَبْلَ سَلْخِهَا لِيَعُمَّ ذَلِكَ مَا قَبْلَ السَّلْخِ وَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ قَالَ فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ أَوْ مَذْبُوحَةٍ أَوْ لَحْمِ بَعِيرٍ كُسِرَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ كُلُّ رَطْلٍ بِكَذَا مِنْ حَاضِرٍ وَلَا مُسَافِرٍ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْقَوْمِ يَنْزِلُونَ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ فَيُرِيدُونَ شِرَاءَ اللَّحْمِ مِنْهُمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ الذَّبْحِ حَتَّى يُقَاطِعُونَهُمْ عَلَى الْبَيْعِ خِيفَةَ أَنْ لَا يَشْتَرُوا مِنْهُمْ بَعْدَ الذَّبْحِ قَالَ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ اهـ. ص (وَلَهُ الْأَجْرُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَنْ اشْتَرَى شَجَرًا بِوَجْهِ شُبْهَةٍ فَسَقَى وَعَالَجَ ثُمَّ

رُدَّتْ إلَى رَبِّهَا أَوْ آبِقًا فَاتُّفِقَ عَلَى رَدِّهِ ثُمَّ فُسِخَ وَرُدَّ إلَى رَبِّهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قِيمَةِ الْخَارِجِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ أَوْ لَمْ تُتْمِرْ أَوْ إنَّمَا يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْخَارِجِ وَلَا شَيْءَ عِنْدَ عَدَمِهَا قَوْلَانِ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الثَّانِي نَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ ص (وَشَاةٌ قَبْلَ سَلْخِهَا) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْوَزْنِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَلَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْوَزْنِ إلَّا أَنْ يُقْدَرَ عَلَى تَحْرِيمِهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَيَسْتَثْنِي كُلُّ وَاحِدٍ جِلْدَ شَاتِه لِئَلَّا يَدْخُلَهُ لَحْمٌ، وَعَرَضٌ بِلَحْمٍ، وَعَرَضٌ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُقْدَرُ عَلَى تَحَرِّي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ وَقَالَ مِثْلَهُ سَحْنُونٌ، وَلَمْ يُعْجِبْ ابْنَ الْمَوَّازِ قَوْلُ أَصْبَغَ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ، وَبَيْعِ رَطْلٍ أَوْ أَرْطَالٍ مِنْهَا مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ بِالْعَقْدِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَلَيْسَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمُغَيَّبِ كَالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ، وَمَا لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ كَالرَّطْلِ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمُغَيَّبِ اهـ. وَلِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّطْلِ لَا يُدْرَى عَلَى أَيِّ صِفَةٍ يَأْخُذُهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ لَمَّا لَمْ يَقْصِد شَيْئًا مُعَيَّنًا خَفَّ الْغَرَرُ. ص (وَحِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِ أَوْ تِبْنٌ إنْ بِكَيْلٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا سَوَاءٌ كَانَ السُّنْبُلُ قَائِمًا لَمْ يُحْصَدْ أَوْ حُصِدَ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي تِبْنِهَا بَعْدَ الْحَصَادِ، وَالدِّرَاسِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِكَيْلٍ كَأَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَجْمُوعِ كَيْلًا مَعْلُومًا، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَى الْمَجْمُوعَ فَيَأْتِي الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصُّبْرَةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْجَوَازُ، وَقَوْلُهُ إنْ بِكَيْلٍ أَيْ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِكَيْلٍ، وَحَذْفُ كَانَ مَعَ اسْمِهَا جَائِزٌ لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعَ التَّنْوِيعِ نَحْوُ إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا، وَإِنْ شَرًّا فَشَرُّ مَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إنْ بِكَيْلٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا، وَلَا فِي تِبْنِهَا جُزَافًا، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْفَرِدَ الْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا بِالشِّرَاءِ دُونَ السُّنْبُلِ عَلَى الْجُزَافِ مَا دَامَ فِيهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ السُّنْبُلِ إذَا يَبِسَ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْمَاءُ فَجَائِزٌ اهـ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ فِي الْقَمْحِ الْكَيْلُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الْوَزْنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيَجُوزُ فِيهِ الْوَزْنُ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ فِي الدَّقِيقِ يَبِيعُونَهُ، وَزْنًا وَيُعْطُونَ

الْقَمْحَ لِلطَّحَّانِ وَزْنًا. ص (وَقْتٌ جُزَافًا لَا مَنْفُوشًا) ش: الْقَتُّ جَمْعُ قَتَّةٍ، وَهِيَ الْحُزْمَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ جُزَافًا بَعْدَ حَصْدِهِ إذَا كَانَ حُزَمًا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ جَوَازُ بَيْعِ الزَّرْعِ إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا الْمَنْفُوشُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَحْصُودُ الْمُكَدَّسُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ الَّذِي احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ إنْ بِكَيْلٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِ بَيْعِ الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَحْصُودِ الْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى الْقَائِمِ، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي حَالِ الدِّرَاسِ ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ الْجَوَازُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُزَمًا أَوْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ حُزَمًا فَقَدْ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا خُلِطَ فِي الْأَنْدَرِ لِلدِّرَاسِ أَوْ كُدِّسَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ، وَاخْتُلِفَ عِنْدَنَا إذَا كَانَ حُزَمًا يَأْخُذُهَا الْحَزْرُ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْمَنْفُوشِ أَيْضًا، وَطَرِيقَةُ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَحْسَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (، وَزَيْتُ زَيْتُونٍ بِوَزْنٍ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ) ش: أَيْ صِفَةُ خُرُوجِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِوَزْنٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُزَافًا وَهُوَ كَذَلِكَ ص (، وَدَقِيقُ حِنْطَةٍ) ش: صُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ صَاعًا مِنْ دَقِيقِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ يَشْتَرِيَ دَقِيقَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ كُلَّ صَاعٍ بِكَذَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ خُرُوجُهُ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْكَبِيرِ وَالشَّامِلِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الصَّاعَ عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ لَهُ فَإِنْ وَفَّاهُ إيَّاهُ حَبًّا خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ وَهُوَ بَيْعٌ، وَإِجَارَةٌ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ اجْتِمَاعِهِمَا ص (، وَشَاةٌ، وَاسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ الْمَعْلُومَ جُمْلَةً، وَالْمَجْهُولَ تَفْصِيلًا لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الْمُثَمَّنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْلٍ مِنْ شَاةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا لَكِنْ أَجَازَ مَالِكٌ هَذِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ بِشَرْطِ الْيَسَارَةِ، وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْدِيدِ بِأَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ هُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَضَّاحٍ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ، وَعَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ جَوَازُ الْخَمْسَةِ وَالسِّتَّةِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَوَازُ اسْتِثْنَاءِ قَدْرِ الثُّلُثِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: فِي قَوْلِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَى مِنْ لَحْمِهَا أَرْطَالًا يَسِيرَةً ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً جَازَ الشَّيْخُ يَعْنِي أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ، وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَالِكٌ الثُّلُثَ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ فِي الْأَرْطَالِ الْيَسِيرَةِ مِثْلِ الثُّلُثِ فَأَدْنَى عِيَاضٌ كَذَا هِيَ

بِضَمِّ الثَّاءِ الْأُولَى فِي رِوَايَتِنَا، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مُرَادِهِ لِقَوْلِهِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَعِنْدَ ابْنِ وَضَّاحٍ مَكَانُ الثُّلُثِ الثَّلَاثَةُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالشَّاةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخِلَافَ فِي الشَّاةِ قَالَ: وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارَ قَدْرِ صِغَرِ الْمَبِيعِ، وَكِبَرِهِ كَالشَّاةِ، وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ اهـ. قُلْت: أَمَّا عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ ثُلُثَ كُلٍّ بِحَسَبِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى الْفَخِذُ أَوْ الْبَطْنُ أَوْ الْكَبِدُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: هَذَا عَلَى مَنْعِ اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ الْيَسِيرَةِ، وَعَلَى الْجَوَازِ يَجُوزُ، وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ، وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْغَرَرَ فِي مُعَيَّنٍ أَشَدُّ مِنْهُ فِي شَائِعٍ لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ الْمُعَيَّنِ بِصِفَةِ كَمَالٍ أَوْ نَقْصٍ دُونَ الشَّائِعِ لَكِنْ فِي الْكَافِي رِوَايَةٌ بِالْجَوَازِ، وَعَبَّرَ عَنْ رِوَايَةِ الْمَنْعِ بِالْكَرَاهَةِ اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَعِيَاضٍ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمَا رَدَّ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِمْ ظَاهِرٌ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ عُضْوٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِثْنَاءِ الصُّوفِ، وَالشَّعْرِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ جَائِزٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ يُجَزُّ إلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَانْظُرْ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْأَرْطَالَ الْمُسْتَثْنَاةَ مِنْ الشَّاةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْرَى عَلَى السَّلَمِ ص (وَلَا يَأْخُذُ لَحْمَ غَيْرِهَا) ش: يَعْنِي إذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَحْمًا عِوَضًا عَنْ الْأَرْطَالِ الْمُسْتَثْنَاةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ لَحْمًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ فَقَالَ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ لَحْمًا لَا أَعْرِفُهُ، وَقَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِرِوَايَةِ مُطَرِّفٍ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَرَضِ لَا مُطْلَقًا وَصِحَّتُهُ كَفَوْتِهِ قُلْت: يُشِيرُ إلَى مَا رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى جَزُورًا مَرِيضَةً وَاسْتَثْنَى الْبَائِعُ مِنْ لَحْمِهَا أَرْطَالًا يَسِيرَةً فَتَرَكَهَا حَتَّى صَحَّتْ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَبْحِهَا، وَيُعْطِيهِ مِثْلَ اللَّحْمِ الَّذِي اسْتَثْنَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَاعْتَذَرَ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ صِحَّتَهُ كَفَوْتِهِ، وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَزَادَ أَنَّهُ إذَا مَاتَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا اسْتَثْنَى عَلَيْهَا مِنْهَا، وَإِنْ صَحَّتْ فَعَلَيْهِ شِرَاءُ مَا اسْتَثْنَى عَلَيْهِ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِمَا اسْتَثْنَى عَلَيْهِ (فَرْعٌ) : اُخْتُلِفَ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ مَا اسْتَثْنَاهُ بِغَيْرِ اللَّحْمِ أَوْ بِلَحْمِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ؟ حَكَى فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ قَوْلَيْنِ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى أَوْ مُشْتَرًى وَنَقَلَهُمَا فِي الْكَبِيرِ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إجْرَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ صُبْرَةً، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا كَيْلًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَا اسْتَثْنَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَى مُبْقًى أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرًى فَيَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؟ قُلْت: وَفِي إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى فَلَا يَجُوزُ لَهُ هُنَا بَيْعُ الْأَرْطَالِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْلٍ مِنْ شَاةٍ فَالصَّوَابُ الْمَنْعُ هُنَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك، وَجْهُ مَنْعِ أَخْذِ لَحْمِ غَيْرِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصُبْرَةٌ، وَثَمَرَةٌ، وَاسْتِثْنَاءُ قَدْرِ ثُلُثٍ) ش: ذِكْرُ الْقَدْرِ

يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ كَيْلًا قَدْرَ الثُّلُثِ لَا الْجُزْءِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ، وَالْأَصْلُ فِي اسْتِثْنَاءِ كَيْلٍ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الصُّبْرَةِ الْمَنْعُ أَمَّا الثَّمَرَةُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَةَ حَائِطِهِ آصُعًا مَعْلُومَةً إلَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَأْخُذُهُ عَلَى حَالِهِ إنْ بُسْرًا فَبُسْرٌ، وَإِنْ رُطَبًا فَرُطَبٌ، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ بَقَاءَهُ إلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهُ فَلَا يَجُوزُ قَالَهُ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ ثَمَرٍ قَدْ أَزْهَى آصُعًا مَعْلُومَةً دُونَ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ يَدْفَعُهَا ثَمَرًا اهـ. وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا الصُّبْرَةُ؛ فَلِأَنَّ الْجُزَافَ إنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ لِدَفْعِ مَشَقَّةِ الْكَيْلِ عَنْ الْبَائِعِ فَإِذَا اسْتَثْنَى كَيْلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ فَلَمْ يَقْصِدَا بِالْجُزَافِ إلَّا الْمُخَاطَرَةَ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَنْعِ اسْتِثْنَاءِ الْكَيْلِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا مِنْ الصُّبْرَةِ، وَالثَّمَرَةِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ فِيمَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ وَمَنَعُوهُ فِيمَا زَادَ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : وَمِثْلُ اسْتِثْنَاءِ قَدْرِ الثُّلُثِ إذَا بَاعَ كَيْلًا مِنْ صُبْرَةٍ قَدْرَ ثُلُثِهَا فَأَقَلَّ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ بَاقِيهَا قَبْلَ أَنْ يَكِيلَ مِنْهَا مَا بَاعَهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى (فَرْعٌ) : وَعَلَى الْجَوَازِ فِي الثَّمَرَةِ فَقَالَ أَشْهَبُ: يَجُوزُ كَانَ ذَلِكَ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ تَمْرًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقَى، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرًى قُلْت: أَكْثَرُ هَذِهِ الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُبْقَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الرَّاجِحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَفِي جَعْلِ الْمُسْتَثْنَى مُشْتَرًى نَظَرٌ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ أَصْبَغَ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُبْقَى، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ أَنْوَاعًا وَاسْتَثْنَى مِنْ نَوْعٍ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَهُوَ دُونَ ثُلُثِ الْجَمِيعِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ بِالْإِجَازَةِ، وَالْمَنْعِ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ بِالْمَنْعِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: أَنَّهُ الْأَصَحُّ (فَرْعٌ) : فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ أَوْ الصُّبْرَةَ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا قَدْرَ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ فِي الصُّبْرَةِ، وَالثَّمَرَةُ كَالصُّبْرَةِ، وَظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا الثُّلُثَ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ كُلِّهِ وَتَفَرُّقِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا كَالْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَهُوَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ (تَنْبِيهٌ) : إذَا اشْتَرَى مِنْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا آصُعًا مَعْلُومَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ بَقَاءَهَا إلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهَا. (فَرْعٌ) : فَإِنْ هَلَكَتْ الصُّبْرَةُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا كَيْلًا فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهَا ضَمَانُ مَا اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ وَلَوْ سَلَّمَ مِنْهَا قَدْرَ مَا اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ كَانَ لَهُ، وَإِنْ سَلَّمَ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ أَخَذَ مِنْهُ الْبَائِعُ مَا اسْتَثْنَاهُ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي، وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْجَوَائِحِ بَيَانُ حُكْمِ مَا إذَا أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا كَيْلًا. ص (، وَجِلْدٌ وَسَاقِطٌ) ش: السَّاقِطُ هُوَ الرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ فَقَطْ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْكَرِشُ، وَالْفُؤَادُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى الْبَطْنُ أَوْ الْكَبِدُ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِدُخُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي السَّقَطِ فِي الْعُرْفِ بَلْ هِيَ الْمُتَبَادِرُ خُصُوصًا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ يُونُسَ لِلْمُدَوَّنَةِ «بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبَا بِكْرٍ اشْتَرَيَا شَاة فِي مَسِيرِهِمَا إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ رَاعٍ وَشَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا» ، وَالسَّلْبُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ص (بِسَفَرٍ فَقَطْ) ش: وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَبِذَلِكَ فَسَّرَهَا أَبُو الْحَسَنِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ خَفَّفَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، وَكَرِهَهُ فِي الْحَضَرِ إذْ لَيْسَ لَهُ هُنَاكَ قِيمَةٌ، وَلَا يُفْسَخُ إنْ نَزَلَ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَجَعَلَ ابْنُ يُونُسَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِلْدِ قَالَ: وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الرَّأْسِ، وَالْأَكَارِعِ فَلَا تُكْرَهُ فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ كَمَنْ بَاعَ شَاةً مَقْطُوعَةَ الْأَطْرَافِ قَبْلَ السَّلْخِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا لِلْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا صَاحِبُ الشَّامِلِ ص (وَجُزْءٌ مُطْلَقًا) ش: نِصْفًا كَانَ أَوْ ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا

فرع أجرة الذبح في مسألة الجلد والساقط

أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مِنْ الشَّاةِ، وَالثَّمَرَةِ، وَالصُّبْرَةِ ص (وَلَمْ يُجْبَرَ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا) ش: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ، وَفِي مَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ أَمَّا مَسْأَلَةُ اسْتِثْنَاءِ الْجِلْدِ، وَالرَّأْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي دُعِيَ إلَى الذَّبْحِ أَوْ إلَى الْبَقَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَذْبَحَ، وَيَدْفَعَ الْجِلْدَ، وَالرَّأْسَ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْمِثْلِ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ، وَلَا يَذْبَحُ وَإِنْ كَرِهَ الْبَائِعُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ فَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الْحَيَاةِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اشْتَرَى ذَلِكَ عَلَى الذَّبْحِ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ شُيُوخِنَا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ إذَا اشْتَرَى عَلَيْهِ؟ ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا شَرِيكَيْنِ فَمَنْ دَعَا مِنْهُمَا إلَى الْبَيْعِ فَذَلِكَ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ اسْتَثْنَى جُزْءًا جَازَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الذَّبْحِ، وَفِي جَبْرِ مَنْ أَبَاهُ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ بَاعَ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْجَبْرَ عَلَى الذَّبْحِ بَدَلَ الْوَقْفِ وَقَبُولُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَبْحِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ دَعَا إلَى الذَّبْحِ [فَرْعٌ أُجْرَةُ الذَّبْحِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ] (فَرْعٌ) : أُجْرَةُ الذَّبْحِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ، وَالسَّاقِطِ فِيهَا قَوْلَانِ قِيلَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْجِلْدِ، وَاللَّحْمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ يُونُسَ، وَقِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الذَّبْحِ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ فَإِنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الذَّبْحِ، وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَنَصُّ الرَّجْرَاجِيِّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ، وَالسَّاقِطِ فِي أُجْرَةِ الذَّبْحِ عَلَى مَنْ تَكُونُ مِنْهُمَا؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَالثَّانِي عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ. وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ الصَّقَلِّيُّ: أَرَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ اللَّحْمِ، وَالْجِلْدِ، وَحَكَاهُ ابْنُ مُحْرِزٍ غَيْرَ مَعْزُوٍّ، وَزَادَ وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الذَّبْحِ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ إنْ قُلْتُ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى فَعَلَى الْبَائِعِ السَّلَبُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُبْتَاعُ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ كَبَائِعِ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ أَوْ جَفْنُ سَيْفٍ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا مُشْتَرَى فَيُخْتَلَفُ عَلَى مَنْ تَكُونُ إزَالَةُ الْجِلْدِ كَبَائِعِ صُوفٍ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ أَوْ ثَمَرٍ فِي شَجَرٍ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَةِ الْجِلْدِ وَقِيمَةِ الشَّاةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الْأَجْرِ عَلَى عَمَلِ وَاحِدٍ فِي مَالٍ بَيْنَ شُرَكَاءَ عَلَى التَّفَاوُتِ هَلْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ بِقَدْرِ الْأَمْوَالِ انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الذَّبْحَ عَلَى الْمُبْتَاعِ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْطَالِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ أُجْرَةَ الذَّبْحِ إذَا رَضِيَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِقَدْرِ مَا لِكُلِّ، وَاحِدٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ فَقَالَ: وَأُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَيْهِمَا ص (أَوْ قِيمَتُهَا) ش: أَنَّثَ الرَّأْسَ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ ص (وَهَلْ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَوْلَانِ) ش: قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَالْقَوْلَانِ تُؤُوِّلَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي أَسْعَدُ بِظَاهِرِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَهُوَ ظَاهِرُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ضَمِنَ الْمُشْتَرِي جِلْدًا وَسَاقِطًا) ش:؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُمَا فَكَأَنَّهُمَا صَارَا مَضْمُونَيْنِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ

ص (وَجُزَافٌ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مَنْعُ بَيْعِ الْجُزَافِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ الْجَوَازُ بِشُرُوطٍ، وَالْمَعْنَى وَجَازَ بَيْعُ الْجُزَافِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ، وَالْجُزَافُ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّة، وَحَصَّلَ النَّوَوِيُّ فِيهِ ثَلَاثَ لُغَاتٍ الْكَسْرُ، وَالْفَتْحُ، وَالضَّمُّ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْجُزَافُ: بَيْعُ الشَّيْءِ وَاشْتِرَاؤُهُ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْمُسَاهَلَةِ وَهُوَ دَخِيلٌ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: الْجُزَافُ مُثَلَّثُ الْجِيمِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ، وَلَا وَزْنٍ، وَلَا عَدَدٍ انْتَهَى. وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعَ الْجُزَافِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ، وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخَفَّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ، وَقَلَّ جَهْلُهُ ص (إنْ رُئِيَ) ش: مُرَادُهُمْ بِالْمَرْئِيِّ الْحَاضِرُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ فِي شُرُوطِ الْجُزَافِ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَائِبٍ جُزَافًا، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا لِبَيْعِ الْجُزَافِ شُرُوطًا أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعِ غَائِبٍ جُزَافًا إذْ لَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ انْتَهَى. وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ رُؤْيَتُهُ أَوْ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُبَاعُ عَلَى رُؤْيَةٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ، وَالْحَاضِرُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالصِّفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا لِعُسْرِ الرُّؤْيَةِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الظُّرُوفِ الْمَمْلُوءَةِ بِالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا رُئِيَ بَعْضُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَسْتَوِي فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا كَوْنُهُ مُلْقًى فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي ظُرُوفِهِ فَيَجُوزُ شِرَاءُ مَا فِي الظُّرُوفِ جُزَافًا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَبْلَغُهُ إلَّا بِالْحَدْسِ، وَالتَّخْمِينِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ مِلْءِ الظَّرْفِ الْفَارِغِ، وَإِنْ عَيَّنَ مَا يَمْلَأُ مِنْهُ أَوْ وَصَفَهُ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ مِلْءِ الْغِرَارَةِ الْفَارِغَةِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مُشَاهَدًا كَانَ أَوْ مَوْصُوفًا أَوْ مِلْءِ قَارُورَةٍ مِنْ زَيْتٍ أَوْ غَيْرِهِ مُشَاهَدًا كَانَ أَوْ مَوْصُوفًا بَلْ لَوْ اشْتَرَى مَا فِي الظَّرْفِ فَفَرَّغَهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِلْأَهُ دَفْعَةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مَا فِي الظَّرْفِ بَعْدَ أَنْ يَمْلَأَهَا، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الظَّرْفُ مَمْلُوءًا صَارَ الْمَبِيعُ جُزَافًا مَرْئِيًّا فَالْقَصْدُ الْعَقْدُ عَلَى مَرْئِيٍّ مُحْرِزٍ مَبْلَغَهُ، وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ فَارِغًا فَالْمَبِيعُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْقَصْدُ الْعَقْدُ عَلَى مَكِيلٍ بِمِكْيَالٍ غَيْرِ مَعْلُومِ النِّسْبَةِ مِنْ الْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا احْتَرَزُوا بِالْمَرْئِيِّ مِنْ الْغَائِبِ، وَلَمْ يَحْتَرِزُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ بِالْعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فِي ظَرْفِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَجَازُوا بَيْعَ الْجَرَّةِ مِنْ الْخَلِّ مَخْتُومَةً قَالَ الْجُزُولِيُّ: إذَا أُزِيلَ مَا تُسَدُّ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِي فَتْحِ الظُّرُوفِ مَشَقَّةٌ وَفَسَادٌ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ دُونَ فَتْحٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي بَيْعِ جِرَارِ الْخَلِّ. وَإِنَّمَا قَالُوا إذَا كَانَ فِي فَتْحِهَا فَسَادٌ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُبَاعُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَالصِّفَةُ لَا يُبَاعُ عَلَيْهَا الشَّيْءُ

الْحَاضِرُ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا إذَا كَانَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ فَيُبَاعُ عَلَى الصِّفَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَالْجُزَافُ لَا يَكُونُ إلَّا حَاضِرًا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الرُّؤْيَةِ مَشَقَّةٌ فَيُبَاعُ عَلَى الصِّفَةِ فَإِذَا جُعِلَ قَوْلُهُمْ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا فِي مُقَابِلِ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إشْكَالٌ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ تَجَوُّزٍ، وَإِذَا جُعِلَ قَوْلُهُمْ مَرْئِيٌّ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ بِالْبَصَرِ احْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَرْئِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ بَحَثَ فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ثَمَرِ الْحَوَائِطِ الْغَائِبَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَيَّامِ تُبَاعُ كَيْلًا أَوْ جُزَافًا، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ النَّقْدِ وَإِنْ بَعُدَتْ جِدًّا لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهَا رَطْبًا فَقَطْ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَمْرًا يَابِسًا، وَنَصُّهُ شَرْطُ رُؤْيَةِ الْجُزَافِ مَعَ قَبُولِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَوْلَ مَالِكٍ فِيهَا: وَكَذَلِكَ حَوَائِطُ الثَّمَرِ الْغَائِبَةِ يُبَاعُ ثَمَرُهَا كَيْلًا أَوْ جُزَافًا، وَهِيَ عَلَى مَسِيرِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ، وَإِنْ بَعُدَتْ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ ثَمَرِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تُجَذُّ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا يَابِسًا مُتَنَافٍ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ بَيْعِهَا غَائِبَةً جُزَافًا، وَفِي كَوْنِ الصِّفَةِ تَقُومُ مَقَامَ الْعِيَانِ فِي الْجَذِّ نَظَرٌ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ شَرْطٌ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ مُتَنَافٍ خَبَرُهُ، وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَسْأَلَةُ جِرَارِ الْخَلِّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهَا مِنْ الْبَيَانِ. مَسْأَلَةٌ قَالَ أَصْبَغُ: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي قُلَلِ الْخَلِّ أَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا بِحَالِهَا مُطَيَّنَةً، وَلَا يُدْرَى مَا فِيهَا، وَلَا مِلْؤُهَا فَقَالَ: إنْ كَانَ مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فَلَا أُحَرِّمُهُ كَأَنَّهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ أَصْبَغُ: فَلَا بَأْسَ بِهِ قَدْ جُرِيَ عَلَيْهِ، وَعُرِفَ حَزْرُهُ بِقَدْرِ ظُرُوفِهِ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فِي الْمِلْءِ وَالْجَرُّ مُتَقَارِبٌ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَذُقْ، وَيَعْرِفْ جَوْدَتَهُ مِنْ رَدَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْخَلِّ الطَّيِّبِ فَإِنْ وَجَدَ خِلَافَهُ بِرَدَاءَةٍ مُغَيَّبَةٍ عَنْهُمَا رَدَّهُ كَمَا لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ خَمْرٌ أَوْ بَعْضَهُ وَفَتْحُهُ كُلِّهِ فَسَادٌ فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَائِهِ كَذَلِكَ وَاشْتِرَائِهِ عَلَى عَيْنِ أَوَّلِهِ يَفْتَحُ الْوَاحِدَ مِنْهُ، وَيَذُوقُهُ لِيَشْتَرِيَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا صَوَّبَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا جَازَ شِرَاؤُهَا دُونَ أَنْ يَفْتَحَ، وَتُذَاقَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَ مِنْ أَنَّ فَتْحَهَا لِلْبَيْعِ فَسَادٌ فَجَازَ شِرَاؤُهَا دُونَ أَنْ تُفْتَحَ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ خَلٍّ طَيِّبٍ أَوْ وَسَطٍ كَمَا جَازَ شِرَاءُ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْفَتْحُ، وَالنَّشْرُ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ أَنْ يُفْتَحَ، وَيُنْشَرَ، وَيُقَلَّبَ، وَكَمَا جَازَ بَيْعُ الْأَحْمَالِ عَلَى صِفَةِ الْبَرْنَامَجِ لِمَا فِي حَلِّ الْأَحْمَالِ لِلسَّوَامِ مِنْ الضَّرَرِ بِأَصْحَابِ الْأَمْتَاعِ، وَقَوْلُهُ لَا يُدْرَى مَا مِلْؤُهَا مَعْنَاهُ، وَلَا يُدْرَى مِقْدَارُ مَا فِيهَا مِنْ الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ هِيَ مَلْأَى أَوْ نَاقِصَةٌ؟ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْقُلَّةُ نَاقِصَةً غَيْرَ مَلْأَى فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُشْتَرَى مُطَيَّنَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ نُقْصَانِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ إلَّا بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِرُؤْيَتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ نُقْصَانِهَا أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ كَمْ نَقْصُهَا نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ جَازَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَكِنَّهُ اخْتَصَرَهَا فَأَسْقَطَ مِنْهَا بَعْضَ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ حُكْمَ بَيْعِ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فِي ظُرُوفِهِ عَلَى أَنَّ الظُّرُوفَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ وَالْوَزْنِ أَوْ عَلَى الْوَزْنِ، وَيُسْقِطُ لِلظُّرُوفِ، وَزْنًا يَتَرَاضَى الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ص (وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا) ش: فَإِنْ قَلَّ جِدًّا فَسَيَأْتِي التَّفْرِيقُ فِيهِ بَيْنَ الْمَعْدُودِ، وَغَيْرِهِ ص (وَجَهِلَاهُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ عَلِمَ كَيْلَ طَعَامِهِ ثُمَّ كَالَ مِنْهُ قَدْرًا لَمْ يَبِعْ بَاقِيَهُ يَعْنِي جُزَافًا إنْ عَرَفَهُ عَلَى التَّقْدِيرِ وَإِنْ جَهِلَهُ لِكَثْرَةِ مَا كَالَ مِنْهُ جَازَ انْتَهَى ص (وَحَزْرًا) ش: قَالَ اللَّخْمِيّ: بَيْعُ الْجُزَافِ يَصِحُّ مِمَّنْ اعْتَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَزْرَ لَا يُخْطِئُ مِمَّنْ اعْتَادَ ذَلِكَ إلَّا يَسِيرًا وَإِذَا كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ وَاعْتَادَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ يَعْظُمُ، وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ

أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَالَمٍ بِالْحَزْرِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ص (وَاسْتَوَتْ أَرْضُهُ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا اشْتَرَى الصُّبْرَةَ وَتَحْتَهَا دِكَّةٌ تَمْنَعُهُ تَخْمِينَ الْقَدْرِ فَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ اشْتَرَى فَظَهَرَتْ ثَبَتَ الْخِيَارُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْحُفْرَةُ كَذَلِكَ، وَالْخِيَارُ هُنَا لِلْبَائِعِ اهـ. ص (وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ) ش: بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا كَمَا قَالَهُ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الرَّقِيقِ، وَالثِّيَابِ جُزَافًا، وَلَا مَا يُمْكِنُ عَدَدُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ جُزَافًا وَأَمَّا الْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا جُزَافًا، وَلَوْ أَمْكَنَ كَيْلُهُمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْجُزَافِ فِيمَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَلَّ الطَّعَامُ، وَحَضَرَ الْمِكْيَالُ أَنَّ الْجُزَافَ جَائِزٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَارِثٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ حَارِثٍ: يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ، وَلَوْ قَلَّ، وَحَضَرَ مِكْيَالٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَازِرِيَّ، وَفِي الْمَعْدُودِ اضْطِرَابٌ فِي الْمُوَطَّإِ لَا يَجُوزُ جُزَافٌ فِيمَا يُعَدُّ عَدًّا قَيَّدَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْمَعْدُودِ الْمَقْصُودِ صِفَةُ آحَادِهِ كَالرَّقِيقِ، وَالْأَنْعَامِ، وَمَا تَسَاوَتْ آحَادُهُ جَازَ جُزَافُ كَثِيرِهِ لِمَشَقَّةِ عَدَدِهِ دُونَ يَسِيرِهِ اهـ. ثُمَّ قَيَّدُوا الْمَنْعَ فِيمَا تُقْصَدُ آحَادُهُ بِأَنْ لَا يَقِلَّ ثَمَنُهُ كَالْبِطِّيخِ، وَالْفَقُّوسِ وَالرُّمَّانِ كَذَا نَقَلَ الْقَبَّابُ عَنْ الْمَازِرِيِّ. (تَنْبِيهٌ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْدُودِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ آلَةَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَدْ يَتَعَذَّرَانِ بِخِلَافِ الْعَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ ص (وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ) ش: هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ أَيْ فَإِنْ كَانَ لَا يُعَدُّ إلَّا بِمَشَقَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا أَنْ تُقْصَدَ أَفْرَادُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدِّهِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْمُسْتَثْنَى مَا قَلَّ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ قُصِدَتْ آحَادُهُ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ فِي عَدِّهِ مَشَقَّةٌ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ رَاجِعٌ لِمَا يَلِيهِ فَقَطْ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ. ص (وَلَوْ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ) ش: كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا بِلَوْ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ الَّذِي أَشَارَ بِهَا إلَيْهِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ بَعْدَ مَسْأَلَةِ التِّينِ، وَكَذَلِكَ عِنْدِي هَذِهِ الْقَارُورَةُ الْمَمْلُوءَةُ بِدِرْهَمٍ، وَمِلْؤُهَا ثَانِيَةً بِدِرْهَمٍ، هُوَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَرْئِيِّ الْمُقَدَّرِ، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ فِي الْغِرَارَةِ مَا بَعُدَ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ، وَقَدْ يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَجَازُوهُ، وَمَا مَنَعُوهُ إذْ لَا يَخْتَلِفُ حَزْرُ الْحَازِرِ لِزَيْتٍ فِي قَارُورَةٍ أَوْ لِقَدْرِ مِلْئِهَا زَيْتًا (فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ: سُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ يَبِيعُ سِلْعَةً بِظُرُوفِهَا فَتُوزَنُ السِّلْعَةُ مَعَ الظُّرُوفِ ثُمَّ يُسْقِطُ لِلظُّرُوفِ وَزْنًا يَتَرَاضَى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ دُونَ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَكَانَ الْبَائِعُ يُسَامِحُ الْمُشْتَرِي بِالزَّائِدِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ شِرَاءَ مَا فِي الظَّرْفِ إذَا رَآهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ رَأَيَا أُنْمُوذَجَهُ، وَكَانَ الظَّرْفُ مُتَنَاسِبَ الْأَجْزَاءِ فِي الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ جَائِزٌ، وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْمُسَامَحَةُ بِمَا بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ بَلْ يَقَعُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَاجْتِنَابُهُ أَوْلَى. قُلْت: وَمِثْلُهُ الْيَوْمَ يَقَعُ فِي بِلَادِنَا فِي بَيْعِ الزَّيْتِ، وَقَطْعِ الْجَرَّةِ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ بِحَسَبِ كِبَرِهَا، وَصِغَرِهَا أَوْ بَيْعِ الْوَدَكِ، وَقَطْعِ ظَرْفِهِ أَوْ بَيْعِ التِّينِ وَقَطْعِ ظَرْفِهِ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ أَوْ بَيْعِ الطَّفَلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَفْتَقِرُ لِلظَّرْفِ وَقَطْعِ وَزْنِهِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، أَوْ بَيْعِ الزُّبْدِ فِي الْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ وَطَرْحِ وَزْنِ الْقِرَبِ، وَبَعْضِ

مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ التَّجْفِيفِ فَيَجْعَلُونَ لِذَلِكَ، وَزْنًا مَعْلُومًا، وَكَذَا إذَا بَاعُوا اللَّكَّ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ، وَنَحْوَهُ مِنْ الْعِطْرِيَّاتِ، وَيَطْرَحُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّغَلِ، وَزْنًا مَعْلُومًا لِكُلِّ رَطْلٍ أَوْ قِنْطَارٍ فَإِنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ جَائِزٌ إذَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلُّ إلَّا يَسِيرًا فِي، وَزْنِهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمُضَافِ إلَى الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ مُغْتَفَرٌ اللَّخْمِيّ، وَأَجَازَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ بَيْعَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فِي الزِّقَاقِ عَلَى أَنَّ الزِّقَاقِ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ، وَالْوَزْنِ قَالَ: لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ عَرَفُوا وَزْنَهَا، وَقَالَ فِي الْقِلَالِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهَا فِي التَّقَارُبِ مِثْلُ الزِّقَاقِ مَا رَأَيْتُ بَأْسًا قَالَ الشَّيْخُ: أَمْرُ الْقِلَالِ وَاحِدٌ، وَالزِّقَاقُ تَخْتَلِفُ فَزِقُّ الْفَحْلِ أَكْثَفُ، وَأَوْزَنُ، وَالْخَصِيُّ دُونَهُ، وَهُوَ أَكْثَفُ مِنْ زِقِّ الْأُنْثَى قُلْت: وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ، وَالصَّوَابُ فِي هَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ عِزُّ الدِّينِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى غِلَظِ الزِّقِّ، وَرِقَّتِهِ فَيُرْجَعُ الْحُكْمُ فِيهِ إلَى خِلَافٍ فِي شَهَادَةٍ ا. هـ. وَقَالَ أَيْضًا فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ: سُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ يَشْتَرِي الزَّيْتَ فِي ظُرُوفِهِ، وَيَزِنُ الظَّرْفَ مَعَ الزَّيْتِ، وَيُسْقِطُ لِلظَّرْفِ وَزْنًا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَقَلُّ مِنْ وَزْنِ الظَّرْفِ أَوْ أَوْزَنَ، وَالْبَائِعُ يُسَامِحُ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَزِيدُ عَلَى تَحْقِيقِ، وَزْنِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا اشْتَرَى الظَّرْفَ بِمَا فِيهِ قَائِمًا جُزَافًا، وَلَا يَعْلَمُ وَزْنَ الظَّرْفِ، وَلَا مَا فِيهِ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ إذَا كَانَ الظَّرْفُ مُتَنَاسِبًا، وَرَأَى الزَّيْتَ مِنْ أَعْلَاهُ، وَرَأَى أُنْمُوذَجَهُ، وَعَقَدَ الْبَيْعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ إسْقَاطِ مَا يُقَابِلُ الظَّرْفَ صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَزْنَ الظَّرْفِ. قُلْت: سَأَلْت عَنْهُ شَيْخَنَا الْإِمَامَ وَقُلْتُ إنَّ الْعَادَةَ الْجَارِيَةَ فِي بَيْعِ الْعَسَلِ، وَالزَّيْتِ، وَالتَّمْرِ أَنْ يَقْطَعُوهُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ فَأَجَابَ إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهَا مِثْلُ الْقَطْعِ أَوْ أَقَلُّ فَيَجُوزُ، وَتَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ بِظُرُوفِهِ عَلَى الْوَزْنِ فَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِيهِ خِلَافًا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ فَخَّارٍ أَوْ زِقٍّ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ هِيَ كَبَيْعِ الْجُزَافِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا يَتَحَقَّقُ وَزْنُهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عِزِّ الدِّينِ فِي كَلَامِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ جَرْمِ الظَّرْفِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ: وَلَوْ اشْتَرَى السَّمْنَ وَالزَّيْتَ، وَظُرُوفُهُ مَعَهُ فِي الْوَزْنِ جَازَ ذَلِكَ فِي الزِّقَاقِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الْجِرَارِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ فِي الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا قَالَهُ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ نَحْوُهُ فِي رَسْمِ بَاعَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَبَيْعُ السَّمْنِ فِي ظُرُوفِهِ عَلَى الْوَزْنِ جَائِزٌ، وَإِنْ بَقَّى تَعْبِيرَ الظُّرُوفِ، وَيَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا بَقِيَ اخْتِبَارُ الظَّرْفِ فَقَطْ، وَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ، وَلَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الظُّرُوفَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْوَزْنِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْقِنْطَارُ مِنْهُ بِظُرُوفِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ بِتَقْدِيرِ الظُّرُوفِ وَيُكْرَهُ هَذَا فِي الْفَخَّارِ فِي الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ، وَتَقَارُبِ أَمْرِ الظُّرُوفِ ا. هـ. قُلْت وَمِثْلُهُ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ بَيْعُ مَاءِ الْوَرْدِ فِي الصَّفَّارِي عَلَى أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْوَزْنِ وَالْبَيْعُ كُلُّ مَنْ بِظَرْفِهِ بِكَذَا، وَكَذَا فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَارِبًا جَازَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا فِي كَسَلَّةِ تِينٍ) ش: وَفَرَّقَ بَيْنَ السَّلَّةِ فِي التِّينِ وَالْعِنَبِ، وَنَحْوِهِ، وَبَيْنَ الْغِرَارَةِ مِنْ الْقَمْحِ، وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْقَمْحَ لَهُ مَكَايِيلُ مَعْرُوفَةٌ كَالْإِرْدَبِّ وَالْقَفِيزِ. وَأَمَّا التِّينُ، وَالْعِنَبُ فَلَا مِكْيَالَ لَهُ، وَلَكِنْ كَثْرَةُ تَقْدِيرِ النَّاسِ لَهُ بِالسِّلَالِ يَجْرِي مَجْرَى الْمِكْيَالِ فَصَارَتْ كَالْمِكْيَالِ لِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَشِرَاءُ قِرْبَةِ مَاءٍ أَوْ رَاوِيَةٍ أَوْ جَرَّةٍ مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِبَيْعِ الْمَاءِ بِهِ أَحْرَى لِكَوْنِهِ لَا كَيْلَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فَإِنْ بِيعَ حِمْلُ الْمَاءِ، وَنَحْوُهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْجُزَافِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ، وَحُكْمُ مَا إذَا انْشَقَّ الْحِمْلُ بَعْدَ شِرَائِهِ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَاسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ، وَانْظُرْ هَلْ

تنبيه التبايع بمكيال مجهول

يُحْتَاجُ عِنْدَ شِرَاءِ الْمَاءِ إلَى فَتْحِهِ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّ كَانَتْ الْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةً فَيَتَعَيَّنُ فَتْحُهُ، وَإِلَّا فَلَا [تَنْبِيهٌ التَّبَايُعُ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ] (تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مِلْءِ ظَرْفٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّبَايُعُ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ حَيْثُ يَكُونُ مِكْيَالٌ مَعْلُومٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: وَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ إلَّا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مِكْيَالٌ مَعْلُومٌ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ.، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إذَا وَقَعَ التَّبَايُعُ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُفْسَخُ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْجُزَافِ، وَرَأَى غَيْرُهُ أَنَّهُ يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمِكْيَالِ إلَى الْمَجْهُولِ غَرَرٌ حَكَى فِي الشَّامِلِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. وَالظَّاهِرُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي بِالْفَسْخِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْغِرَارَةِ. ص (وَحَمَامٌ بِبُرْجٍ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بَيْعَ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بَيْعَ الْبُرْجِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَمَامِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي رَسْمِ الْبَيْعِ، وَالصَّرْفِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ الْبُرْجِ بِمَا فِيهِ، وَبَيْعَ جَمِيعِ مَا فِيهِ إذَا رَآهُ، وَأَحَاطَ بِهِ مَعْرِفَةً وَحَزْرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَمَامِ الْبُرْجِ جُزَافًا لِلْغَرَرِ، وَلَا يُبَاعُ إلَّا عَدَدًا ثُمَّ قَالَ وَنَحْلُ الْأَجْبَاحِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا جُزَافًا لِمَشَقَّةِ عَدِّهَا وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ مَا رَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ، وَنَصُّهُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَا فِي الْبُرْجِ مِنْ حَمَامٍ أَوْ بَيْعِهِ بِحَمَامِهِ جُزَافًا، وَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَرَجَّحَ فِي الشَّامِلِ الْجَوَازَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَصَافِيرِ الْحَيَّةِ فِي الْقَفَصِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا إذْ لَا مَئُونَةَ فِي عَدَدِهَا، وَلَا يُحَاطُ بِهَا كُلَّ الْإِحَاطَةِ لِتَدَاخُلِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنَقْدٌ) ش: شَمِلَ كَلَامُهُ الْفُلُوسَ، وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُوَازَنَةِ ص (خُيِّرَ) ش: أَيْ فِي رَدِّ الْبَيْعِ، وَإِجَازَتِهِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فَإِنْ فَاتَ لَزِمَ فِيهِ الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَةُ الْجُزَافِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ ص (فَسَدَ) ش: فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ فَاتَ فَفِيهِ الْقِيمَةُ مَا بَلَغَتْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَهُ أَيْضًا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ.

ص (كَالْمُغَنِّيَةِ) ش: هُوَ جَوَابٌ عَنْ اسْتِشْكَالِ ابْنِ الْقَصَّارِ لِكَوْنِ عِلْمِ أَحَدِهِمَا عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ إذَا أَعْلَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِهِ جَازَ الرِّضَا بِهِ وَلَوْ أَعْلَمَهُ بِهِ هُنَا فَسَدَ فَأَجَابَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: بِأَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ إذَا قَارَبَهُ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْغَرَرِ دُونَ الثَّانِي كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً وَشَرَطَ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَفْسُدْ، وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَةِ مَعَ التَّبْيِينِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِشَرْطِ عَدَمِ التَّبْيِينِ ثُمَّ يُبَيِّنُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهَا بِمَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ زِيَادَةُ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَصْدُ التَّبَرِّي فَيَجُوزُ انْتَهَى. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ (تَنْبِيهٌ) : نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُ الْغِنَاءِ يُخَلِّقُ الْجَارِيَةَ وَادَّعَى أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا يَرُدُّونَ الْعَبْدَ انْتَهَى. ص (وَجُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ أَوْ أَرْضٍ وَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهِ لَا مَعَ حَبٍّ) ش: جُزَافُ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى غَيْرِ مَرْئِيٍّ، وَأَرْضُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِدُونِ إعَادَةِ الْجَارِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جُزَافٍ مِنْ الْحَبِّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ كَأَنْ يَبِيعَهُ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنْ الْقَمْحِ مَعَ عَشَرَةِ أَمْدَادٍ مِنْ قَمْحٍ آخَرَ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُزَافٍ مِنْ الْحَبِّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْ الْأَرْضِ كَأَنْ يَبِيعَهُ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مَعَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ بَيْعُ جُزَافٍ مِنْ الْأَرْضِ مَعَ الْأَرْضِ الْمَكِيلَةِ، وَأَمَّا جُزَافُ الْأَرْضِ مَعَ الْحَبِّ الْمَكِيلِ فَيَجُوزُ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ

فائدة بيع ما أصله الجزاف وما أصله الكيل

الْغَرَرِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَفِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي رَسْمِ الْبَيْعِ، وَالصَّرْفِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْغَرَرِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى بَيْعُ الْمَكِيلِ، وَالْجُزَافِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْقَوْلُ فِيمَا يَجُوزُ مِنْهُ يَتَحَصَّلُ بِأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَا أَصْلَ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالْحُبُوبِ وَمِنْهَا مَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا كَالْأَرْضِينَ، وَالثِّيَابِ وَمِنْهَا عُرُوضٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا كَالْعَبِيدِ، وَالْحَيَوَانِ فَالْجُزَافُ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا كَالْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ، وَلَا مَعَ الْمَكِيلِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا كَالْأَرْضِينَ، وَالثِّيَابِ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي بَيْعِ الشَّيْئَيْنِ مَعًا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا جُزَافَيْنِ أَوْ مَكِيلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَكِيلًا وَالْآخَرُ جُزَافًا، وَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَا أَصْلُهُمَا مَعًا الْكَيْلُ أَوْ أَصْلُهُمَا مَعًا الْجُزَافُ أَوْ أَصْلُ مَا يُبَاعُ جُزَافًا الْكَيْلُ وَأَصْلُ مَا يُبَاعُ بِالْكَيْلِ الْجُزَافُ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مَمْنُوعَةٌ وَالرَّابِعَةُ جَائِزَةٌ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الصُّورَةِ الْأُولَى وَالصُّورَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ، وَجُزَافُ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ أَوْ أَرْضٍ، وَأَشَارَ إلَى الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ الْمَمْنُوعَةِ وَالرَّابِعَةِ الْجَائِزَةِ بِقَوْلِهِ، وَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهِ لَا مَعَ حَبٍّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جُزَافِ الْأَرْضِ مَعَ أَرْضٍ مَكِيلَةٍ. وَقَوْلُهُ لَا مَعَ حَبٍّ أَيْ لَا جُزَافَ أَرْضٍ مَعَ حَبٍّ مَكِيلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وِفَاقًا لِابْنِ زَرْبٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ خِلَافًا لِابْنِ الْعَطَّارِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَالْجُزَافُ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا كَالْأَرْضِينَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ مَعَ الْمَكِيلِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَوَازُ لِابْنِ زَرْبٍ، وَأَقَامَهُ مِنْ سَلَمِ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَدَمُهُ لِابْنِ الْعَطَّارِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِابْنِ مُحْرِزٍ مِثْلُ مَا لِابْنِ زَرْبٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ. (تَنْبِيهٌ) : قَوْلُهُ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْحَبِّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَكِيلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَهُ فِي الرَّسْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَقَوْلُهُ مَكِيلَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّاءِ الْمَنُونَةِ، وَفِي بَعْضِهَا مَكِيلِهَا بِالتَّأْنِيثِ، وَلَا إشْكَالَ عَلَيْهِمَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ مَكِيلِهِ بِالضَّمِيرِ الْمُذَكَّرِ، وَكَأَنَّهُ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ عَائِدًا لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ الْجِنْسِ الْمُذَكَّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيَجُوزُ جُزَافَانِ وَمَكِيلَانِ وَجُزَافٌ مَعَ عَرَضٍ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَلَا اخْتِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَكِيلَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْجُزَافَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْجُزَافِ مَعَ الْعَرَضِ فِي صَفْقَةٍ، وَاحِدَةٍ إلَّا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجُزَافَ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعُرُوضِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ، وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ مَعَ الْعَرَضِ فِي صَفْقَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) : أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْكَيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ (وَالثَّانِي) : أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الْجُزَافُ عَلَى الْكَيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ (وَالثَّالِثُ) : أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانَ الْجُزَافُ عَلَى غَيْرِ الْكَيْلِ، وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ عَلَى الْكَيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْجُزَافَيْنِ، وَالْمَكِيلَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلَهُمَا الْكَيْلُ كَقَمْحٍ، وَشَعِيرٍ أَوْ الْجُزَافُ كَأَرْضِينَ أَوْ أَصْلُ أَحَدِهِمَا الْجُزَافُ وَالْآخَرُ الْكَيْلُ كَقَمْحٍ، وَأَرْضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ بَيْعِ مَا أَصْلُهُ الْجُزَافُ وَمَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ] (فَائِدَةٌ) : يَتَحَصَّلُ فِي بَيْعِ مَا أَصْلُهُ الْجُزَافُ وَمَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ سِتَّةَ عَشَرَ صُورَةً بِصُوَرِهَا الْمَكْرُوهَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بِيعَ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا أَوْ جُزَافًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ مَعَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَصْلُهُ الْكَيْلُ أَيْضًا كَيْلًا أَوْ جُزَافًا أَوْ مَا مَعَ أَصْلِهِ الْجُزَافُ كَيْلًا أَوْ جُزَافًا فَهَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ الْأُولَى: مَكِيلَانِ أَصْلُهُمَا الْكَيْلُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ الثَّانِيَةُ: مَكِيلٌ، وَجُزَافٌ

أَصْلُهُمَا الْكَيْلُ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ الثَّالِثَةُ: مَكِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ، وَالثَّانِي أَصْلُهُ الْجُزَافُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ الرَّابِعَةُ: مَكِيلٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ، وَجُزَافٌ وَهِيَ جَائِزَةٌ الْخَامِسَةُ: جُزَافَانِ أَصْلُهُمَا الْكَيْلُ وَهِيَ جَائِزَةٌ السَّادِسَةُ: جُزَافٌ وَمَكِيلٌ أَصْلُهُمَا الْكَيْلُ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَهِيَ مُكَرَّرَةٌ مَعَ الثَّانِيَةِ السَّابِعَةُ: جُزَافَانِ أَصْلُ أَحَدِهِمَا الْكَيْلُ، وَالثَّانِي أَصْلُهُ الْجُزَافُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ الثَّامِنَةُ: جُزَافٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ، وَمَكِيلٌ أَصْلُهُ الْجُزَافُ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ فَالصُّورَةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ، وَمَكِيلَانِ، وَالْخَامِسَةُ وَالسَّابِعَةُ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ جُزَافَانِ، وَالثَّانِيَةُ الْمُكَرَّرَةُ، وَالسَّادِسَةُ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ، وَجُزَافُ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ مِمَّا أَصْلُهُ الْكَيْلُ مَعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ كَبَيْعِ جُزَافِ الْحَبِّ مَعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالرَّابِعَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ لَا مَعَ حَبٍّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا كَالْأَرْضِ مَعَ الْمَكِيلِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا كَالْحَبِّ لِأَنَّ كُلًّا جَاءَ عَلَى أَصْلِهِ فَقَوْلُهُ لَا مَعَ حَبٍّ أَيْ حَبٍّ مَكِيلٍ، وَالثَّامِنَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ أَرْضٍ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ مِمَّا أَصْلُهُ الْكَيْلُ كَالْحَبِّ مَعَ الْمَكِيلِ مِمَّا أَصْلُهُ الْجُزَافُ كَالْأَرْضِ فَقَوْلُهُ أَوْ أَرْضٍ يَعْنِي مَكِيلَةً. وَإِذَا بِيعَ مَا أَصْلُهُ الْجُزَافُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ مَعَهُ شَيْءٌ أَصْلُهُ الْجُزَافُ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا أَوْ شَيْءٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا فَهَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ أَيْضًا (الْأُولَى) : جُزَافَانِ أَصْلُهُمَا الْجُزَافُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ (الثَّانِيَةُ) : جُزَافٌ، وَمَكِيلٌ أَصْلُهُمَا الْجُزَافُ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ (الثَّالِثَةُ) : جُزَافَانِ أَحَدُهُمَا أَصْلُهُ الْجُزَافُ، وَالثَّانِي أَصْلُهُ الْكَيْلُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ السَّابِعَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ (الرَّابِعَةُ) : جُزَافٌ أَصْلُهُ الْجُزَافُ، وَمَكِيلٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَهِيَ مُكَرَّرَةٌ مَعَ الرَّابِعَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ (الْخَامِسَةُ) : مَكِيلَانِ أَصْلُهُمَا الْجُزَافُ وَهِيَ جَائِرَةٌ (السَّادِسَةُ) : مَكِيلٌ وَجُزَافٌ أَصْلُهُمَا الْجُزَافُ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (السَّابِعَةُ) : مَكِيلَانِ أَصْلُ أَحَدِهِمَا الْجُزَافُ، وَالثَّانِي أَصْلُهُ الْكَيْلُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَهِيَ مُكَرَّرَةٌ مَعَ الثَّالِثَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ (الثَّامِنَةُ) : مَكِيلٌ أَصْلُهُ الْجُزَافُ، وَجُزَافٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ الثَّامِنَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ فَالْأُولَى وَالثَّالِثَةُ الْمُكَرَّرَةُ مَعَ السَّابِعَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَيَجُوزُ جُزَافَانِ، وَالْخَامِسَةُ، وَالسَّابِعَةُ الْمُكَرَّرَةُ مَعَ الثَّالِثَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَمَكِيلَانِ، وَالثَّانِيَةُ الْمُكَرَّرَةُ مَعَ السَّادِسَةِ مِنْ صُوَرِهَا دَاخِلَتَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ، وَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ جُزَافًا مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ، وَجُزَافِ حَبٍّ وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ مِمَّا أَصْلُهُ الْجُزَافُ مَعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ كَالْأَرْضِ الْجُزَافِ مَعَ الْأَرْضِ الْمَكِيلَةِ. وَالرَّابِعَةُ الْمُكَرَّرَةُ مَعَ الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ لَا مَعَ حَبٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَالثَّامِنَةُ الْمُكَرَّرَةُ مَعَ الثَّامِنَةِ مِنْ الصُّوَرِ الْأُوَلِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ أَرْضٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى شَرْحِ قَوْلِهِ، وَجُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ أَوْ أَرْضٍ، وَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلَةٍ لَا مَعَ حَبٍّ، وَيَجُوزُ جُزَافَانِ، وَمَكِيلَانِ، وَجُزَافٌ مَعَ عَرَضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجُزَافَانِ عَلَى الْكَيْلِ إنْ اتَّحَدَ الْكَيْلُ، وَالصِّفَةُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافَيْنِ عَلَى الْكَيْلِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ الْمَكِيلُ الَّذِي تَبَايَعَا عَلَيْهِ، وَتَتَّحِدَ صِفَتُهُمَا كَصُبْرَتَيْ قَمْحٍ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ بِيعَتَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُدٍّ بِدِينَارٍ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْكَيْلُ وَالصِّفَةُ كَصُبْرَةِ قَمْحٍ، وَصُبْرَةِ شَعِيرٍ بِيعَتَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّ صُبْرَةَ الْقَمْحِ كُلُّ مُدٍّ بِدِينَارٍ وَصُبْرَةَ الشَّعِيرِ كُلُّ مُدَّيْنِ بِدِينَارٍ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ ذَلِكَ أَيْضًا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ

وَالْمُقَدِّمَاتِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْكَيْلُ الَّذِي بِيعَتَا عَلَيْهِ، وَاتَّفَقَتْ الصِّفَةُ أَوْ اتَّفَقَ الْكَيْلُ الَّذِي بِيعَتَا عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ فَالْأَوَّلُ كَصُبْرَتَيْنِ مِنْ قَمْحٍ صِفَةً وَاحِدَةً فَيَشْتَرِيهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ وَالثَّانِي صُبْرَةٌ مِنْ قَمْحٍ، وَصُبْرَةٌ مِنْ شَعِيرٍ يَشْتَرِيهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً ثَلَاثَةُ أَرَادِبَ بِدِرْهَمٍ أَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ، وَلَمْ يُجِزْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فَالصُّوَرُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ مَمْنُوعَةٌ، وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ كَالِاخْتِلَافِ بِالصِّنْفِ قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ الْبَيْعِ، وَالصَّرْفِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ ص (وَلَا يُضَافُ لِجُزَافٍ عَلَى كَيْلِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْجُزَافَ إذَا بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ غَيْرُهُ مُطْلَقًا بِأَيِّ وَجْهٍ وَكَانَتْ الْمُغَايَرَةُ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ جُزَافٌ آخَرُ مِنْ صَفْقَةٍ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الْكَيْلِ الَّذِي بِيعَ عَلَيْهِ، وَلَا جُزَافَ مُخَالِفٌ لَهُ فِي صِفَتِهِ، وَإِنْ وَافَقَهُ فِي الْكَيْلِ الَّذِي بِيعَ عَلَيْهِ، وَلَا يُضَافُ لَهُ عَرَضٌ كَثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ، وَلَا يُضَافُ لَهُ إلَّا جُزَافٌ مِثْلُهُ مُوَافِقٌ لَهُ فِي صِفَتِهِ، وَفِي الْكَيْلِ الَّذِي بِيعَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأَمَّا بَيْعُ الْجُزَافِ عَلَى الْكَيْلِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ شَيْءٌ بِحَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَانْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَفِي الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: مِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَوْزُونَ، وَالْمَذْرُوعَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَعْنَى الْمَكِيلِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ فِي قَوْلِ ابْنِ جَمَاعَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَشْتَرِيَ قِرْبَةَ لَبَنٍ عَلَى أَنْ تَزِنَ زُبْدَهَا انْتَهَى. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِأَنَّ حُكْمَ الْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ حُكْمُ الْكَيْلِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ: وَحُكْمُ الْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ حُكْمُ الْمَكِيلِ، وَأَمَّا الْمَذْرُوعُ فَإِنَّهُ مُثِّلَ بِالْأَرْضِ إذَا بِيعَ مِنْهَا أَذْرُعٌ مَعْدُودَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَبَّابُ: فَاللَّبَنُ وَالزُّبْدُ أَصْلُهُمَا مَعًا الْبَيْعُ عَلَى الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يُبَاعُ بِالْمِكْيَالِ، وَالزُّبْدَ بِالْوَزْنِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَعْنَى الْكَيْلِ فَبَيْعُ الْقِرْبَةِ جُزَافًا لَا يَجُوزُ مَعَ بَيْعِ الزُّبْدِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ جَمْعِ الْجُزَافِ مَعَ الْمَكِيلِ مِمَّا أَصْلُهُمَا الْمَكِيلُ هَذَا إنْ اشْتَرَى الْقِرْبَةَ مَعَ رَطْلٍ أَوْ نِصْفِهِ مِنْ الزُّبْدِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَى الْقِرْبَةَ، وَزُبْدَهَا مَا كَانَ بِحِسَابِ كَذَا أُوقِيَّةٍ بِدِرْهَمٍ، فَهُوَ مِنْ بَابِ جَمْعِ الْجُزَافِ عَلَى الْمَكِيلِ مَعَ غَيْرِهِ فَإِنْ اشْتَرَى اللَّبَنَ عَلَى غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ كَانَ مِنْ بَابِ جَمْعِ الْجُزَافَيْنِ، وَهُوَ جَائِزٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ) ش: لَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْمَكِيلِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجُزَافِ يَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرًا فِي غِرَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا بَلْ جَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ رَاجِعًا لِمَسْأَلَةِ الْجُزَافِ نَعَمْ يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ الْمَكِيلِ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ أَوْ غَائِبًا

قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيَنْبَغِي الِاحْتِفَاظُ عَلَى الْعَيْنِ فَتَكُونُ كَالشَّاهِدِ عِنْد التَّنَازُعِ فَإِنْ خَرَجَ الْآخَرُ مُخَالِفًا لِمَا رَآهُ أَوَّلًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا لَزِمَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَلْزَمْ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا كَلَامَ لِوَاحِدٍ فِي قَلِيلٍ لَا يَنْفَكُّ، وَاحْتَرَزَ بِالْمِثْلِيِّ مِنْ الْمُقَوَّمِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ فِي الْمُقَوَّمِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ شَبْلُونٍ وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَغَيْرُهُمْ الشَّيْخُ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ كَالْمِثْلِيِّ يَلْزَمُ بَاقِيهِ إذَا كَانَ عَلَى الصِّفَةِ مَا بَعُدَ خَلِيلٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ اشْتَرَى أَعْدَالًا مِنْ كَتَّانٍ أَوْ بَزٍّ فَنَظَرَ إلَى ثَوْبٍ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ رَطْلٍ أَوْ رَطْلَيْنِ ثُمَّ وَجَدَ الْبَاقِيَ لَا يُشْبِهُهُ قَالَ: أَمَّا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِمَّا رَأَى فَلَا رَدَّ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْقَمْحُ، وَالتَّمْرُ يَكُونُ أَوَّلُهُ خَيْرًا مِنْ دَاخِلِهِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ الْفَاحِشِ فَلْيَرُدَّ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ. ابْنُ رُشْدٍ. هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الشَّامِلِ بِقَوْلِهِ لَا مُقَوَّمَ عَلَى الْأَصَحِّ ص (، وَالصِّوَانُ) ش: هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَضَمِّهَا الْوِعَاءُ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ الصِّيَانُ. ص (وَعَلَى الْبَرْنَامِجِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَرْنَامِجُ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَهِيَ لَفْظَةٌ فَارِسِيَّةٌ اسْتَعْمَلَهَا الْعَرَبُ وَالْمُرَادُ بِهَا الدَّفْتَرُ الْمَكْتُوبُ فِيهِ صِفَةُ مَا فِي الْعَدْلِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْبَرْنَامِجُ رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلَمْ يَذْكُرْ عِيَاضٌ غَيْرَ الْكَسْرِ وَأَمَّا الْبَاءُ فَبِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ انْتَهَى ص (وَمِنْ الْأَعْمَى) ش: إنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ وَالْغَائِبِ، وَنَحْوِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُبْصِرُ وَإِنَّمَا يَشْتَرِي عَلَى الصِّفَةِ فَشَابَهَ شِرَاءَ الشَّيْءِ الْغَائِبِ (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: وَلَوْ كَانَ أَعْمَى وَأَصَمَّ لَمْ تَجُزْ مُبَايَعَتُهُ، وَلَا مُعَامَلَتُهُ، وَلَا نِكَاحُهُ، وَقَالَ قَبْلَهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبْكَمِ الْأَصَمِّ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ص (وَبِرُؤْيَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا) ش: فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةٌ يَتَغَيَّرُ فِيهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يُبَاعَ بِصِفَةٍ مُؤْتَنَفَةٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إذَا رَأَى، وَقِيلَ إنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ، وَإِلَّا جَازَ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَأَصْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهَا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُزَافِ، وَأَمَّا الْجُزَافُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الثِّمَارِ الْغَائِبَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْغَائِبِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِذَلِكَ قَوْلَيْنِ الْجَوَازُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَا وَجْهَ لَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَجْهُهُ أَنَّهُ يَطْلُبُ فِي الصُّبْرَةِ زِيَادَةً عَلَى مَعْرِفَةِ صِفَتِهَا مَعْرِفَةَ قَدْرِهَا بِالْحَزْرِ حِين الْعَقْدِ، وَلِلرُّؤْيَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْعَقْدِ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ قَالَ: وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ الْغَائِبِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ اغْتَفَرَ عَدَمَ حُضُورِ الزَّرْعِ، وَالثِّمَارِ حَالَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا جُزَافًا لِظُهُورِ التَّغَيُّرِ فِيهَا إنْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ، وَنَحْوِهَا فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَحَلِفِ مُدَّعٍ لِبَيْعِ بَرْنَامَجٍ بِأَنَّ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ) ش: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَافٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ تَرْكِيبِ الْكَلَامِ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا وَهَلْ هِيَ بِأَنَّ أَوْ بِإِذْ؟ وَاَلَّذِي فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ إنَّمَا هُوَ بِإِذْ فَتَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِمُدَّعٍ، وَإِذْ مُضَافَةٌ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا، وَمُوَافَقَتُهُ مُبْتَدَأٌ، وَلِلْمَكْتُوبِ خَبَرُهُ أَيْ حَاصِلَةٌ لِلْمَكْتُوبِ، وَيَكُونُ

الْمَعْنَى، وَحَلِفِ مُدَّعٍ لِبَيْعِ بَرْنَامَجٍ أَنَّ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ وَقْتَ الْبَيْعِ حَاصِلَةٌ إذْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْمَكْتُوبِ فِي دَعْوَى الْبَائِعِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَنَّ الْمُشَدَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ أَوْ الْمَكْسُورَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى، وَحَلَفَ أَنَّ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ مَوْجُودَةٌ أَوْ حَاصِلَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَدَمِ دَفْعِ رَدِيءٍ) ش: قَالَ فِي سَلَمِهَا الْأَوَّلِ: وَإِنْ قُلْت حِينَ رَدَّهَا إلَيْكَ: مَا دَفَعْتُ إلَّا جِيَادًا فَالْقَوْلُ قَوْلُكَ، وَتَحْلِفُ مَا أَعْطَيْتُكَ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَخَذَهَا مِنْك عَلَى أَنْ يَزِنَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: قَوْلُهُ وَتَحْلِفُ زَادَ فِي الْوَكَالَاتِ، وَلَا أَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لِأَنَّهُ قَدْ يُعْطِي جِيَادًا فِي عِلْمِهِ ثُمَّ الْآنَ يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ وَقَوْلُهُ فِي عِلْمِكَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الرَّادُّ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهُ مُوقِنٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ صَيْرَفِيًّا أَوْ غَيْرَ صَيْرَفِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: أَنَّهُ يُحَلِّفُ الصَّيْرَفِيَّ عَلَى الْبَتِّ (فَرْعٌ) : فَإِنْ اخْتَلَفَ الدَّافِعُ وَالْقَابِضُ فَقَالَ الدَّافِعُ: إنَّمَا أَخَذْتُهَا عَلَى الْمُفَاصَلَةِ، وَقَالَ الْقَابِضُ إنَّمَا أَخَذْتُهَا لِأَزِنَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ (فَرْعٌ) : قَالَ مُحَمَّدٌ، وَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَيِّدٌ فَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ لِرَدَاءَتِهِ فَلَا يُجْبَرُ الدَّافِعُ عَلَى بَدَلِهِ إلَّا أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى رَدَاءَتِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَحْضَرَهُ فَقَالَ شَاهِدَانِ: هُوَ رَدِيءٌ، وَقَالَ آخَرُ: هُوَ جَيِّدٌ لَمْ يَلْزَمْ الَّذِي لَهُ الْعَيْنُ قَبْضُهُ حَتَّى يُتَّفَقَ عَلَى جَوْدَتِهِ، وَلَوْ قَبَضَهُ فَلَمَّا قَلَّبَهُ وَجَدَهُ رَدِيئًا وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ، وَشَهِدَ غَيْرُهُمَا أَنَّهُ جَيِّدٌ لَمْ يَجِبْ لَهُ بَدَلُهُ إلَّا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى رَدَاءَتِهِ انْتَهَى. ص (أَوْ نَاقِصٌ) ش: أَيْ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي عَدَمِ دَفْعِ نَاقِصٍ كَمَنْ قَبَضَ طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى التَّصْدِيقِ، ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ السَّلَمِ، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ الْيَمِينَ فِي النَّقْصِ عَلَى الْبَتِّ وَهَذَا فِي نَقْصِ الْعَدَدِ، وَأَمَّا نَقْصُ الْمِقْدَارِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغِشِّ قَالَهُ سَنَدٌ: فِي كِتَابِ الصَّرْفِ ص (وَبَقَاءُ الصِّفَةِ إنْ شَكَّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي بَقَاءِ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ إذَا شَكَّ فِي بَقَائِهَا، وَهُوَ الْبَائِعُ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ شَكَّ مِمَّا إذَا قُطِعَ بِكَذِبِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَائِعِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَتَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْ الْبَائِعِ حَيْثُ يُقْطَعُ بِكَذِبِ الْمُشْتَرِي كَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا أَوْ قَمْحًا رَآهُ بِالْأَمْسِ، وَيَقُولُ: الْيَوْمَ قَدْ تَغَيَّرَ الزَّيْتُ، وَسَوَّسَ الْقَمْحُ. وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا أُشْكِلَ الْأَمْرُ قَالَ: وَأَمَّا إنْ قَرُبَ مَا بَيْنَ الرُّؤْيَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى عَلَى حَالِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَمْشِ عَلَى طَرِيقَةِ اللَّخْمِيِّ، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ شَكَّ لِمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِهِ لِتَقْيِيدِ اللَّخْمِيِّ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ مُدَّعِي بَقَاءِ الصِّفَةِ إذَا أُشْكِلَ الْأَمْرُ، وَشُكَّ فِي بَقَائِهَا، وَأَمَّا إذَا طَالَ مَا بَيْنَ الرُّؤْيَتَيْنِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَبِيعَ تَغَيَّرَ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي عَدَمِ الصِّفَةِ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إنْ شَكَّ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ جَمِيعِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ شَكَّ أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ تُفَارِقْهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَرْنَامَجِ وَمَسْأَلَةِ دَفْعِ الرَّدِيءِ، وَالنَّاقِصِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَكَذَا

فرع تنازعا في عين السلعة المبيعة بالرؤية

لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تَغَيَّرَتْ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَيْضًا بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْع تَنَازَعَا فِي عَيْنِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بِالرُّؤْيَةِ] (فَرْعٌ) : لَوْ تَنَازَعَا فِي عَيْنِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بِالرُّؤْيَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَقَصَ بَيْعِ سِلْعَةٍ اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ فِيهَا. ص (وَغَائِبٌ، وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ إذَا رَآهُ، وَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْإِلْزَامِ أَوْ سَكَتَا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى خِيَارِهِ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُبَاعُ إلَّا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَسَبَهُ لِبَعْضِ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ غَرَرَهَا، وَجَعَلَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ظَاهِرَ سَلَمِهَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ نَاجِي عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ أَقِفْ فِي غَرَرِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّ مَا فِيهِ: وَمَنْ رَأَى سِلْعَةً أَوْ حَيَوَانًا غَائِبَةً مُنْذُ مُدَّةٍ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ شِرَاؤُهَا إلَّا بِصِفَةٍ مُؤْتَنِفَةٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ جَازَ الْبَيْعُ، وَكُلُّ مَا وَجَدَ عَلَى مَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَا وُصِفَ لَهُ لَزِمَهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَا يَنْعَقِدُ بَيْعٌ إلَّا عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا عَلَى صِفَةٍ تُوصَفُ أَوْ عَلَى رُؤْيَةٍ قَدْ عَرَفَهَا أَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إذَا رَأَى فَكُلُّ بَيْعٍ يَنْعَقِدُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَائِبَةٍ عَلَى غَيْرِ مَا وَصَفْنَا، فَهُوَ مُنْتَقِضٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ عَلَى رُؤْيَةٍ قَدْ عَرَفَهَا: فَهَذَانِ مُنْعَقِدَانِ، وَقَوْلُهُ أَوْ شَرَطَ فِي عَقْدٍ الْحَ هَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ إلَّا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالرِّضَا بِهَا، وَهَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ، وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الرُّؤْيَةِ، وَالصِّفَةِ قِسْمٌ، وَبَيْعُ الْخِيَارِ قِسْمٌ قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ، وَشَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَسَمَّاهُ عَقْدًا، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عَقْدًا؛ لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِلْآخَرِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ بِلَا وَصْفٍ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْخِيَارِ. (تَنْبِيهٌ) : وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ سَلَمِهَا الثَّالِثِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ جِنْسِ السِّلْعَةِ هَلْ هِيَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ مَثَلًا؟ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ هَذَا فِي التَّوْلِيَةِ لَكِنْ لَا فَرْقَ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْبَيْعِ فِي هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي قُلْت: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّوْلِيَةِ فَاغْتَفَرَ ذَلِكَ فِي التَّوْلِيَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِهَا، وَنَصُّهَا فِي أَوَائِلِ السَّلَمِ الثَّالِثِ: وَإِذَا اشْتَرَيْت سِلْعَةً ثُمَّ وَلَّيْتهَا رَجُلًا، وَلَمْ تُسَمِّهَا لَهُ وَلَا ثَمَنَهَا أَوْ سَمَّيْت أَحَدَهُمَا فَإِنْ كُنْتَ أَلْزَمْتَهُ إيَّاهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَقِمَارٌ. وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ جَازَ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى وَعَلِمَ الثَّمَنَ، وَإِنْ أَعْلَمْتَهُ أَنَّهُ عَبْدٌ فَرَضِيَهُ ثُمَّ سَمَّيْت لَهُ الثَّمَنَ فَلَمْ يَرْضَ، فَذَلِكَ لَهُ، فَهَذَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَعْرُوفِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَلَّى إلَّا أَنْ يَرْضَاهُ، وَأَمَّا إنْ بِعْتَ مِنْهُ عَبْدًا فِي بَيْتِكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَمْ تَصِفْهُ لَهُ، وَلَا رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَلَا يَكُونُ الْمُبْتَاعُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْمُكَايَسَةِ، وَلَوْ كُنْتَ جَعَلْتَهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَايَسَةِ انْتَهَى زَادَ ابْنُ يُونُسَ فِي اخْتِصَارِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَمْ تَصِفْهُ لَهُ، وَلَا رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَ انْتَهَى. ص (أَوْ عَلَى يَوْمٍ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ لَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَقَدَّمَهُ هُنَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ مَا عَلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ هُوَ مِنْ الْغَائِبِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ بِالْخِيَارِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ص (أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ) ش: لَهُ بَيْعُهُ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِأَوْ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ

عَلَى قَوْلِهِ بِلَا وَصْفٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ بِلَا وَصْفٍ عَلَى الْخِيَارِ أَوْ بِوَصْفٍ عَلَى اللُّزُومِ وَيُفْهَمُ اللُّزُومُ مِنْ كَوْنِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي عَقْدِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْخِيَارُ، فَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَوْلَى مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا، وَوَصَفَهُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي بِأَوْ يَكُونُ قَدْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى أَقْسَامِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ وَجَدَ الْغَائِبَ عَلَى الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ شَهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَا. (فَرْعٌ) : فَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى صِفَةٍ، وَتَنَازَعَا عِنْدَ قَبْضِهِ هَلْ صِفَتُهُ الْآنَ هِيَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا التَّعَاقُدُ أَمْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ مُتَعَلِّقٌ عَلَى بَقَاءِ صِفَةِ الْمَبِيعِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا فَمَنْ ادَّعَى الِانْتِقَالَ، فَهُوَ مُدَّعٍ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْبَيْعِ عَلَى الصِّفَةِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَمَنْ ادَّعَى وُجُودَهَا فَهُوَ مُدَّعٍ، وَهُوَ الْبَائِعُ فَرْعٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ هَلْ هُوَ عَلَيْهَا أَمْ لَا رُجِعَ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ قَالُوا إنَّهُ عَلَيْهَا لَزِمَ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَصِفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنَّ الْمُدَوَّنَةَ تُؤُوِّلَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ لَمْ يَبْعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ) ش: هَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِبَيْعِ الْغَائِبِ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَلَّا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَرْفُوعِ قَوْلِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَصْفُهُ، وَالْمَعْنَى وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي لُزُومِ بَيْعِ الْغَائِبِ أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبُعْدِ، وَهَذَا الشَّرْطُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ مُنَافٍ لِلْغَرَرِ شَرْعًا، وَهَذَا غَرَرٌ كَثِيرٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْغَائِبِ كَوْنُهُ غَيْرَ بَعِيدٍ جِدًّا لِكَثْرَةِ الْخَطَرِ، وَالْغَرَرِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ لَمْ يَلْزَمْ فَتَأَمَّلْهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّ ذَلِكَ مَعَ الصِّفَةِ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَلَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَمِثْلُ الصِّفَةِ مَا إذَا بِيعَ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِمُسَاوَاتِهِ لِلْبَيْعِ عَلَى الصِّفَةِ فِي اللُّزُومِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الشَّرْطَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَهُ قُلْت، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ، وَبَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بَعْدَهُ ص (وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا قَرِيبًا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ عَلَى الْأَشْهَرِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ عَنَى بِهِ الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ السَّاجِ الْمُدَرَّجِ فَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ بِالْإِجَازَةِ لَيْسَ بِشَهِيرٍ حَتَّى يَكُونَ مُقَابَلًا بِالْأَشْهُرِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ مِثْلَ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا فِي الْبَلَدِ فَالْأَشْهَرُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ انْتَهَى. وَمِثْلُ السَّاجِ الْمُدْرَجِ مَا كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَعْرُوفُ مَنْعُ بَيْعِ حَاضِرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِصِفَتِهِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ قَالَ مَنْ ابْتَاعَ: مَا بِهَذَا الصُّنْدُوقِ بَعْدَ ذَهَابِهِ وَجَدْتَهُ عَلَى خِلَافِهَا لَمْ يُصَدَّقْ، وَلَزِمَهُ بَيْعُهُ فَأَخَذَ مِنْهُ اللَّخْمِيُّ جَوَازَهُ وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِاحْتِمَالِ مَشَقَّةِ إخْرَاجِ مَا فِيهِ كَالْبَرْنَامَجِ أَوْ فَسَادِهِ بِرُؤْيَتِهِ كَالسَّاجِ الْمُدَرَّجِ فِي جِرَابِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى غَيْبَةِ مِفْتَاحِهِ فَصَارَ مَا فِيهِ كَغَائِبٍ، وَتَلَقَّاهَا ابْنُ رُشْدٍ بِالْقَبُولِ كَتَقْصِيرٍ وَدَلِيلُ قَوْلِهَا مَنْ ابْتَاعَ ثِيَابًا مَطْوِيَّةً لَمْ يَنْشُرْهَا، وَلَا وُصِفَتْ لَهُ لَمْ يَجُزْ جَوَازُهُ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْهَا جَوَازُ بَيْعِ

تنبيه النقد في بيع الغائب

حَاضِرِ الْبَلَدِ عَلَى الصِّفَةِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ مَنْعَهُ، وَاخْتَارَهُ فَجَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَشْهَرَ ابْنُ شَاسٍ، وَحَمَلَ الْأَصْحَابُ قَوْلَهَا عَلَى مَا فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ ابْنُ عَرَفَةَ فَيَكُونُ ثَالِثًا عَلَى عَدِّ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ قَوْلًا، وَعَلَى الْمَنْعِ الْمَعْرُوفِ جَوَازُ بَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ اللَّخْمِيُّ رَوَى ابْنُ شَعْبَانَ مَنْعَهُ الْمَازِرِيُّ لِيُسْرِ إحْضَارِهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ إلَّا قَلِيلًا. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَا ذُكِرَ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ هُوَ مَذْهَبُ الْمَوَّازِيَّةِ، وَمُقَابِلُهُ مَذْهَبُ الْعُتْبِيَّةِ فَقَدْ أَجَازَ فِيهَا بَيْعَ مَا فِي صُنْدُوقٍ عَلَى الصِّفَةِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ، وَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ تَأَوَّلُوا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ تَجْوِيزِ الْعَقْدِ بِالسَّوْقِ عَلَى سِلْعَةٍ فِي الْبَيْتِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي رُؤْيَتِهَا مَشَقَّةٌ، وَكُلْفَةٌ انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَبَيْنَ مَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُمَا، وَهُوَ بِالْبَلَدِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَاهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى صِفَةٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ الْمَشْهُورِ إلَّا إذَا كَانَ فِي رُؤْيَتِهِ عُسْرٌ أَوْ فَسَادٌ كَمَا تَأَوَّلَ الْأَشْيَاخُ مَسْأَلَةَ الصُّنْدُوقِ، وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ جِرَارِ الْخَلِّ الْمُطَيَّنَةِ عَلَى الصِّفَةِ خَوْفَ فَسَادِهَا إذَا فُتِحَتْ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَيْعِ ثِيَابٍ مَطْوِيَّةٍ فَهِيَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْغَرَرِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَظَاهِرُهَا جَوَازُ بَيْعِ حَاضِرِ الْمَجْلِسِ عَلَى الصِّفَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْمَفْهُومُ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي السُّؤَالِ أَوْ يُقَالَ: قَوْلُهُ لَمْ يَنْشُرْهَا يَعْنِي الْحَاضِرَةَ، وَقَوْلُهُ وَلَا وُصِفَتْ لَهُ يَعْنِي الْغَائِبَةَ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَائِبًا مِنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ حَاضِرُ الْبَلَدِ فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَحَمَلَا عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةَ الْجَوَازُ، وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ، وَأَمَّا الْغَائِبُ عَنْ الْبَلَدِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْيَوْمِ فَهُوَ فِي حُكْمِ حَاضِرِ الْبَلَدِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : فُهِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ أَيْضًا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ بِاللُّزُومِ وَأَمَّا إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَلَا، وَفِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: وَغَائِبٌ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ وَهِيَ قَوْلُهَا، وَإِذَا اشْتَرَيْت سِلْعَةً ثُمَّ وَلَّيْتَهَا رَجُلًا، وَلَمْ تُسَمِّهَا، وَلَا ثَمَنَهَا إلَى آخِرِهَا إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ السَّاجِ الْمُدَرَّجِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَتْحِهِ فَسَادٌ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ كَمَا فِي بَيْعِ الْبَرْنَامِجِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَفِي جَوَازِ بَيْعِ السَّاجِ الْمُدَرَّجِ فِي جِرَابِهِ عَلَى الصِّفَةِ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْأُولَى: عَلَى صِفَتِهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَنْشُرَهُ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ لَا مَضَرَّةَ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ جِرَابِهِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْحَاضِرِ عَلَى الصِّفَةِ، وَإِلَّا جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ، وَجَعَلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْخِلَافَ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُغَيِّرُهُ تَرْدَادُ نَشْرِهِ عَلَى السَّوَامِ وَتَقْلِيبُهُمْ إيَّاهُ قَالَ: وَأَمَّا الثَّوْبُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ قُلْت: وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ التَّغَيُّرَ الْخَفِيفَ وَأَمَّا مَا كَانَ نَشْرُهُ يَنْقُضُهُ كَثِيرًا كَالْبَيَارِمِ، وَنَحْوِهَا فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ كَالْبَرْنَامَجِ (الثَّالِثُ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ أَوْ مَجْلِسِ التَّعَاقُدِ عَلَى تِلْكَ الرُّؤْيَةِ إذَا لَمْ يَمْضِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ بَعْدَهَا فَتَأَمَّلْهُ. [تَنْبِيه النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ] ص (وَالنَّقْدُ فِيهِ) ش: أَيْ وَجَازَ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ مُحْرِزٍ (تَنْبِيهٌ) : وَهَذَا فِيمَا إذَا بِيعَ الْغَائِبُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِاللُّزُومِ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ

فِي كِتَابِ الْغَرَرِ، وَأَمَّا إذَا بِيعَ عَلَى خِيَارٍ، فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْخِيَارِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا ص (وَمَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ) ش: أَيْ وَجَازَ النَّقْدُ فِي الْعَقَارِ بِشَرْطِهِ لَا مِنْهُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي الْعَقَارِ عَلَى مَذْهَبِ إذَا لَمْ يَشْتَرِهَا بِصِفَةِ صَاحِبِهَا، وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِي) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا بِيعَ الْعَقَارُ جُزَافًا وَأَمَّا إذَا بِيعَ مُذَارَعَةً فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى دَارًا غَائِبَةً مُذَارَعَةً لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِيهَا كَذَلِكَ الْحَائِطُ عَلَى عَدَدِ النَّخْلِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَضَمَانُهَا مِنْ بَائِعِهَا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الدَّارِ فَذَكَرَهَا فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي قَالَ إنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، وَأَمَّا إنْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُ الْبَائِعِ مِنْ مُخْبِرٍ أَوْ رَسُولٍ فَالنَّقْدُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ اهـ. فَجَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى عَلَى الصِّفَةِ، وَذَلِكَ إنْ ذَرَّعَ الدَّارَ إنَّمَا هُوَ كَالصِّفَةِ لَهَا قَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ قَالَ مَالِكٌ فِي الدَّارِ الْغَائِبَةِ تُشْتَرَى بِصِفَةٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إلَّا مُذَارَعَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِفَتِهَا مِنْ تَسْمِيَةِ ذَرْعِهَا فَقَالَ: أَشْتَرِي مِنْك الدَّارَ الَّتِي بِبَلَدِ كَذَا بِمَوْضِعِ كَذَا، وَصِفَتُهَا كَذَا، وَذَرْعُ مِسَاحَتِهَا فِي الطُّولِ كَذَا، وَكَذَا، وَفِي الْعَرْضِ كَذَا وَكَذَا، وَطُولُ بَيْتِهَا كَذَا وَكَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ مَسَاكِنِهَا، وَمَنَافِعِهَا بِالصِّفَةِ وَالذَّرْعِ، وَلَوْ وَصَفَ بِنَاءَهَا، وَذَكَرَ صِفَةَ أَنْقَاضِهَا، وَهَيْئَةَ مَسَاكِنِهَا وَقَدْرَهَا فِي الْكِبَرِ أَوْ الصِّغَرِ أَوْ الْوَسَطِ، وَاكْتُفِيَ عَنْ تَذْرِيعِهَا بِأَنْ يُقَالَ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا لَجَازَ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَتَمُّ وَأَحْسَنُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا عَلَى الصِّفَةِ إلَّا كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا مَا بَلَغَتْ بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَى الدَّارَ وَوَقَفَ عَلَيْهَا كَالْأَرْضِ. وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا كَالصُّبْرَةِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ إذَا بَاعَ الدَّارَ، وَالْأَرْضَ، وَالْخَشَبَةَ وَالشِّقَّةَ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا، وَكَذَا ذِرَاعًا فَقِيلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ مِنْ ذَلِكَ كَذَا، وَكَذَا ذِرَاعًا فَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى كَانَ الْبَائِعُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ وَجَدَ أَقَلَّ فَكَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمُشْتَرَى، وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ كَالصِّفَةِ فَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ وَجَدَ أَقَلَّ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِالْحُكْمِ أَوْ لَا يُجْبَرُ قَوْلَانِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْعَقَارِ فَلَا يُجْبَرُ فِيهِ عَلَى النَّقْدِ اتِّفَاقًا قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: فَإِنْ طَلَبَ الْبَائِعُ إيقَافَ الثَّمَنِ هَلْ يُمَكَّنُ مِنْهُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ ص (وَضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي) ش: يَعْنِي أَنَّ ضَمَانَ الْعَقَارِ مِنْ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ بِيعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ أَوَبِغَيْرِ شَرْطِ النَّقْدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّ قَوْلَيْ مَالِكٍ جَارِيَانِ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ فِي ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ قَالَ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا ثَبَتَ هَلَاكُهُ مِنْ السِّلَعِ الْغَائِبَةِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ، وَقَدْ كَانَ يَوْمُ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا وَصَفَ الْمُبْتَاعُ أَوْ عَلَى مَا كَانَ رَأَى فَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ إنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّهَا مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى هَذَا، وَالنَّقْصُ وَالنَّمَاءُ كَالْهَلَاكِ فِي الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا فِي كُلِّ سِلْعَةٍ غَائِبَةٍ بَعِيدَةِ الْغَيْبَةِ أَوْ قَرِيبَةِ الْغَيْبَةِ خِلَافَ الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ وَالْعَقَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ فِي الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ بَعُدَتْ. ص (وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ) ش: أَيْ، وَجَازَ النَّقْدُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِشَرْطِ إنْ قَرُبَ يُرِيدُ أَيْضًا، وَوَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ ص

وَضَمِنَهُ بَائِعٌ) ش: أَيْ، وَضَمَان غَيْرِ الْعَقَارِ مِنْ الْبَائِعِ سَوَاءٌ بِيعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ أَوْ لَا ص (إلَّا لِشَرْطٍ) ش: اُنْظُرْ هَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْعَقَارِ أَوْ رَاجِعٌ إلَى الْعَقَارِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِهَا الدُّورُ وَالْأُصُولُ مِنْ الْمُبْتَاعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ اشْتِرَاطَ نَقْلِ هَذَا الضَّمَانِ بِأَنْ يَشْتَرِط الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ شَرْطٍ إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ ص (وَقَبْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا غَائِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِقَبْضِهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا غَائِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِقَبْضِهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ الْإِتْيَانُ بِهِ فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، وَأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَتَكُونُ مُصِيبَتُهُ إنْ هَلَكَ قَبْلَ وُصُولِهِ مِنْ بَائِعِهِ، وَإِنْ شَرَطَ ضَمَانَهُ مِنْ حِينِ الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ مُشْتَرِيهِ فَجَائِزٌ، وَكَانَ بَيْعًا وَإِجَارَةً فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ بِهِ مِنْ مَوْضِعٍ بِيعَ فِيهِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ حُطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الْإِجَارَةِ اهـ. مِنْ الْجُزُولِيِّ اهـ. كَلَامُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. ص (وَحُرِّمَ فِي نَقْدٍ، وَطَعَامٍ رِبَا فَضْلٍ وَنَسًا) ش: مُرَادُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَا يَدْخُلَانِ فِي النَّقْدِ وَالطَّعَامِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَلَا يَدْخُلَانِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَفْصِيلُ ذَلِكَ أَعْنِي مَا يَدْخُلَانِ فِيهِ مَعًا، وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ رِبَا النَّسَا خَاصَّةً فَيُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَحْسَنَ فَيَقُولُ، وَحُرِّمَ رِبًا، وَفَضْلٌ، وَنَسًا فِي نَقْدٍ، وَرِبَوِيٍّ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَإِلَّا فَالنَّسَا، وَإِنْ غَيْرَ رِبَوِيَّيْنِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّ رِبَا النَّسَاءِ يَدْخُلُهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ كَالطَّعَامِ الَّذِي لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ غَيْرَ النَّقْدِ وَالطَّعَامِ لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ، وَالنَّسَا هُوَ كَذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مُتَفَاضِلًا نَقْدًا، وَهَذَا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ مَا عَدَا مَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي نَقْدِهِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ اهـ. (فَائِدَةٌ) : الرِّبَا مَقْصُورٌ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَتَثْنِيَتُهُ رِبَوَانِ، وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كِتَابَتَهُ وَتَثْنِيَتَهُ بِالْيَاءِ بِسَبَبِ الْكَسْرَةِ فِي أَوَّلِهِ وَغَلَّطَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَقَدْ كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْوَاوُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إنَّمَا كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَلُغَتُهُمْ الرِّبَا فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ قَالَ: وَكَذَا قَرَأَهَا أَبُو سِمَاكٍ الْعَدَوِيُّ: بِالْوَاوِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ كَسْرَةِ الرَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ، وَيَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِالْأَلِفِ

وَالْوَاو، وَالْيَاء قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالرَّمَاءُ بِالْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمَدِّ هُوَ الرِّبَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَكَذَا الرُّبَبَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالتَّخْفِيفُ لُغَةٌ فِي الرِّبَا، وَأَصْلُ الرِّبَا الزِّيَادَةُ يُقَالُ رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو إذَا زَادَ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ قِرَاءَةِ الْعَدَوِيِّ فَقِيلَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقِيلَ بِضَمِّهَا نَقَلَهُمَا السَّمِينُ فِي إعْرَابِهِ. (فَائِدَةٌ) : قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «لَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» وَهُوَ بِضَمِّ التَّاءِ، وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا تُفَضِّلُوا وَالشِّفُّ بِكَسْرِ الشِّينِ الزِّيَادَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى النُّقْصَانِ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَقَوْلُهُ إلَّا هَاءَ هَاءَ فِيهِ لُغَتَانِ الْقَصْرُ، وَالْمَدُّ، وَهُوَ أَشْهَرُ، وَالْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةٌ أَيْ خُذْ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ، وَفِيهِ لُغَةٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَأَصْلُهُ هَاكَ فَالْهَمْزَةُ بَدَلُ الْكَافِ ص (لَا دِينَارٌ، وَدِرْهَمٌ أَوْ غَيْرُهُ بِمِثْلِهِمَا) ش كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِلَا الْعَاطِفَةِ النَّافِيَةِ وَرَفْعِ دِينَارٍ، وَعَطْفِ دِرْهَمٍ بِالْوَاوِ وَعَطْفِ غَيْرِ بِأَوْ، وَفِي بَعْضِهَا عَطْفُ غَيْرِ بِالْوَاوِ، وَأَيْضًا وَأَمَّا النُّسْخَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ غَازِيٍّ فَقَلِيلَةٌ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ عَلَى النُّسْخَتَيْنِ الْمَشْهُورَتَيْنِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ، فَيَجُوزُ مَا سَلِمَ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَالنَّسَا لَا دِينَارٌ، وَدِرْهَمٌ بِمِثْلِهِمَا، وَلَا دِينَارٌ، وَغَيْرُ الدِّرْهَمِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِمِثْلِهَا أَيْ بِمِثْلِ الدِّينَارِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ فَتَكُونُ الْوَاوُ الْعَاطِفَةُ لِلدَّرَاهِمِ بِمَعْنَى أَوْ، وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ دِينَارٌ وَغَيْرُهُ أَوْ دِرْهَمٌ، وَغَيْرُهُ بِمِثْلِهِمَا أَيْ بِمِثْلِ الدِّينَارِ، وَغَيْرِهِ، وَمِثْلِ الدِّرْهَمِ، وَغَيْرِهِ فَضَمِيرُ مِثْلِهِمَا يَعُودُ عَلَى الدِّينَارِ، وَغَيْرِهِ فِي صُورَةٍ وَعَلَى الدِّرْهَمِ، وَغَيْرِهِ فِي صُورَةٍ وَهَذِهِ مُمَاثِلَةٌ لِلنُّسْخَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ غَازِيٍّ فِي الْمَعْنَى وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ غَيْرِهِ دِينَارٌ وَدِرْهَمٌ بِمِثْلِهِمَا، وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ جَمِيعِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَأَصْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ فَإِنْ كَانَتْ سِلْعَةً يَسِيرَةً تَكُونُ تَبَعًا جَازَ، وَإِنْ كَثُرَتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقِلَّ مَا مَعَهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ نَقْدًا، وَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ، وَالْوَرِقُ وَالْعُرْضَانِ كَثِيرًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِذَهَبٍ وَلَا بَيْعُ إنَاءٍ مَصُوغٍ مِنْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ، وَلَا يُبَاعُ حُلِيٌّ فِيهِ ذَهَبٌ، وَفِضَّةٌ بِذَهَبٍ، وَلَا بِفِضَّةٍ نَقْدًا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْأَقَلَّ أَوْ الذَّهَبُ كَالثُّلُثِ أَوْ أَدْنَى، وَيُبَاعُ بِالْعُرُوضِ وَالْفُلُوسِ، وَأَجَازَ أَشْهَبُ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُبَاعَ بِأَقَلِّهِمَا

فِيهِ إذَا كَانَ أَقَلُّهُمَا الثُّلُثَ أَوْ أَدْنَى، وَرَوَاهُ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ الْأَجَلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ عَبْدَك بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَكَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ بِعِشْرِينَ دِينَارًا سِكَّةً؛ لِأَنَّ الْمَالَيْنِ مُقَاصَّةٌ فَأَمَّا إنْ شَرَطَا إخْرَاجَ الْمَالَيْنِ أَوْ أَضْمَرَاهُ إضْمَارًا يَكُونُ كَالشَّرْطِ عِنْدَهُمَا لَمْ يَجُزْ ثُمَّ إنْ أَرَادَا بَعْدَ الشَّرْطِ أَنْ يَدَعَا التَّنَاقُدَ لَمْ يَجُزْ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ فَاسِدًا انْتَهَى. قَالَ عِيَاضٌ: مَفْهُومُهُ إذَا عَرَّا مِنْ الشَّرْطِ وَأَخْرَجَا الدَّنَانِيرَ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَا قَوْلَهُمَا عَلَى فَسَادٍ، وَلَا أَفْضَى فِعْلُهُمَا إلَيْهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ فِي رَسْمِ بِعْ: وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ، وَالْآجَالِ، وَلَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يَتَقَاصَّا فَلَمْ يَتَقَاصَّا، وَتَنَاقَدَا الدَّنَانِيرَ لَوَجَبَ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ تُرَدَّ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَنَانِيرُهُ، وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا لِوُقُوعِهِ عَلَى صِحَّةٍ انْتَهَى. قُلْت: يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا عَرَّا الْبَيْعَ مِنْ شَرْطِ عَدَمِ الْمُقَاصَّةِ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ أَخْرَجَا الدَّنَانِيرَ وَلَا يُلْزَمَانِ بِرَدِّهِمَا إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا عَدَمَ الْمُقَاصَّةِ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ: قَالَ الْقَاضِي: وَسَأَلْت أَبَا الْمُطَرِّفِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ الْمَغْزُولِ الْمَحْمُولِ عَلَى الْجِلْدِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ يَدًا بِيَدٍ، وَهُوَ عِنْدِي صَوَابٌ انْتَهَى. ص (وَبِمُؤَخَّرٍ، وَلَوْ قَرِيبًا) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا دِينَارٌ أَيْ فَبِسَبَبِ حُرْمَةِ رِبَا الْفَضْلِ حُرِّمَ مَا تَقَدَّمَ، وَبِسَبَبِ حُرْمَةِ رِبَا النَّسَا حُرِّمَ مَا تَأَخَّرَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُفَارَقَةُ تَمْنَعُ الْمُنَاجَزَةَ، وَقِيلَ إلَّا الْقَرِيبَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الَّذِي يَصْرِفُ دِينَارًا مِنْ صَيْرَفِيٍّ فَيُدْخِلُهُ تَابُوتَهُ ثُمَّ يُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ لَا يُعْجِبُنِي، وَإِذَا قَالَ هَذَا فِي التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَّا الْقَرِيبَةُ لَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْمُفَارَقَةُ الْقَرِيبَةُ بِسَبَبٍ يَعُودُ بِإِصْلَاحٍ عَلَى الْعَقْدِ كَمَا لَوْ فَارَقَ الْحَانُوتَ وَالْحَانُوتَيْنِ لِتَقْلِيبِ مَا أَخَذَهُ أَوْ زِنَتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ كَاللَّخْمِيِّ عَلَى الْخِلَافِ، وَتَأَوَّلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى الْوِفَاقِ فَقَالَ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي خِلَافًا؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ عَقْدِ التَّعَارُفِ وَقَبْلَ التَّقَابُضِ مِنْ مَجْلِسٍ وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إلَى ذَلِكَ وَمَسْأَلَةُ إنَّمَا قَامَا فِيهَا بَعْدَ التَّقَابُضِ لِلضَّرُورَةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ، وَمِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهِيَ إدْخَالُ الصَّيْرَفِيِّ الدِّينَارَ تَابُوتَه قَبْلَ أَنْ؛ يُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ مَمْنُوعَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَلَفْظُ التَّهْذِيبِ، وَأَكْرَهُ لِلصَّيْرَفِيِّ أَنْ يُدْخِلَ الدِّينَارَ تَابُوتَهُ أَوْ يَخْلِطَهُ ثُمَّ يُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ، وَلَكِنْ يَدَعُهُ حَتَّى يَزِنَ دَرَاهِمَهُ فَيَأْخُذَ، وَيُعْطِيَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا وَبِهَا اسْتَشْهَدَ اللَّخْمِيُّ بِكَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّد: وَلْيَرُدَّ دِينَارَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَتَنَاجَزَا، وَكُلُّ هَذَا حِمَايَةٌ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّرْفُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَقْدُ الصَّرْفِ عَلَى مَرْئِيٍّ كَمَالٍ، وَعَلَى حَاضِرِ غَيْرِهِ جَائِزٍ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ كُرِهَ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِوَضَ صَاحِبِهِ، وَيَحُوزَهُ ثُمَّ يَتَرَاخَى إقْبَاضُهُ إيَّاهُ الْعِوَضَ الثَّانِي إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِفَوْرِهِمَا لَا يُفْسِدُ النَّقْدَ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ فِي صُنْدُوقٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا أَوْ كَأَنَّهُمَا فِي حَالَةِ الْعَقْدِ، وَفِي عَمَلِهِ، وَهَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّ ذَلِكَ إنْ وَقَعَ لَا يُفْسِدُ الصَّرْفَ قَالَ، وَلْيَرُدَّ دِينَارَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَنَاجَزَاهُ قَالَ: لَكِنْ هُوَ مَكْرُوهٌ لِمُضَارَعَةِ مَعِيبٍ مَا حَضَرُوهُ، وَشَرْطٍ فِي الْعَقْدِ انْتَهَى. بَلْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي غَيْبَةِ النَّقْدِ الْمَشْهُورُ الْمَنْعُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْكَرَاهَةُ

وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَمَلَهَا عَلَى الْمَنْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الْحَانُوتِ أَوْ الْحَانُوتَيْنِ لِلْوَزْنِ وَالتَّقْلِيبِ مَمْنُوعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّقَابُضِ عَلَى تَأْوِيلِ اللَّخْمِيِّ خِلَافًا لِمَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ أَمَّا اللَّخْمِيُّ فَإِنَّهُ حَكَى فِي التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ قَوْلَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ وَالْكَرَاهَةِ، وَعَزَا الْأَوَّلَ لِلْمُوَازِيَةِ وَالثَّانِي لِلْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَنَصُّ كَلَامِهِ، وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْمُنَاجَزَةِ بَيْنَ الْمُتَصَارِفَيْنِ إمَّا لِغَيْبَةِ النَّقْدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَقَصْدِ التَّأْخِيرِ مَعَ بَقَاءِ الْمَسْجِدِ أَوْ افْتَرَقَا أَوْ قَامَا جَمِيعًا إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ الصَّرْفَ فَسَدَ مَتَى وَقَعَ الطُّولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ التَّأْخِيرُ يَسِيرًا، وَلَمْ يَطُلْ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ مَرَّةً، وَاسْتَخَفَّهُ أُخْرَى فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ صَرَفَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَقَالَ: أَذْهَبُ بِهَا إلَى الصَّرَّافِ فَأَرَى، وَأَزِنُ قَالَ أَمَّا الشَّيْءُ الْخَفِيفُ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ قَالَ: وَقَدْ يُشْبِهُ مَا إذَا قَامَا إلَيْهِ جَمِيعًا فَأَجَازَ الْقِيَامَ وَالِافْتِرَاقَ عَنْ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ يَسِيرًا، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى مَا هُوَ غَائِبٌ عَنْهُمَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْقُرْبِ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الَّذِي يَصْرِفُ دِينَارًا مِنْ صَرَّافٍ فَيَزِنُهُ، وَيُدْخِلُهُ تَابُوتَهُ لَا يُعْجِبُنِي، وَلْيَتْرُكْ الدِّينَارَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُخْرِجَ دَرَاهِمَهُ فَيَزِنَهَا ثُمَّ يَأْخُذَ الدِّينَارَ، وَيُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلْيَرُدَّ دِينَارَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَنَاجَزَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ حِمَايَةٌ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ صَرْفٌ انْتَهَى وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَفِي يَسِيرِ التَّأْخِيرِ طُرُقٌ اللَّخْمِيُّ فِي خِفَّتِهِ، وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ مَنْ صَرَفَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، وَقَالَ أَذْهَبُ إلَى الصَّرَّافِ لِيَرَى، وَيَزِنَ لَا بَأْسَ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فِيهَا أَكْرَهُ أَنْ يُدْخِلَ الدِّينَارَ تَابُوتَه أَوْ يَخْلِطَهُ ثُمَّ يُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ بَلْ يَدَعَهُ حَتَّى يَزِنَ فَيَأْخُذَ، وَيُعْطِيَ ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَةً غَيْرَهُ لَكِنَّهُ عَزَا الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَتْ فِيهِ إنَّمَا هِيَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَنَصُّهَا فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَصْرِفُ مِنْ الصَّرَّافِ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ، وَيَقُولُ لَهُ: اذْهَبْ بِهَا فَزِنْهَا عِنْدَ هَذَا الصَّرَّافِ، وَأَرِهِ وُجُوهَهَا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ فَقَالَ: أَمَّا الشَّيْءُ الْقَرِيبُ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ عِنْدِي مَا لَوْ قَامَا إلَيْهِ جَمِيعًا فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ فَقِيلَ لِمَالِكٍ لَعَلَّهُ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا أُصَارِفُك عَلَى أَنْ أَذْهَبَ بِهَا إلَى هَذَا فَيَزِنَهَا وَيَنْظُرَ إلَيْهَا فِيمَا بَيْنِي، وَبَيْنَكَ قَالَ هَذَا قَرِيبٌ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَا بَأْسَ بِهِ، ابْنُ رُشْدٍ اسْتَخَفَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إذْ غَالِبُ النَّاسِ لَا يُمَيِّزُونَ النُّقُودَ؛ وَلِأَنَّ التَّقَابُضَ قَدْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُونَا بِفِعْلِهِمَا هَذَا مُخَالِفَيْنِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمِقْدَارُ لَا يُسَامَحُ فِيهِ فِي الصَّرْفِ لَوَقَعَ النَّاسُ بِذَلِكَ فِي حَرَجٍ شَدِيدٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ يُشْبِهُ عِنْدِي أَنْ لَوْ قَامَا إلَيْهِ جَمِيعًا فَلَا شَكَّ أَنَّ قِيَامَهُمَا إلَيْهِ جَمِيعًا بَعْدَ التَّقَابُضِ أَحَبُّ مِنْ قِيَامِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ إنَّ قَوْلَهُ هَذَا مُخَالِفٌ لِكَرَاهَتِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَتَصَارَفَا فِي مَجْلِسٍ، ثُمَّ يَقُومَانِ فَيَزِنَانِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَلَيْسَ عِنْدِي هَذَا خِلَافًا لَهُ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ فَأَمَّا بَعْدَ عَقْدِ التَّصَارُفِ، وَقَبْلَ التَّقَابُضِ مِنْ مَجْلِسٍ إلَى مَجْلِسٍ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا قَامَا فِيهَا بَعْدَ التَّقَابُضِ لِلضَّرُورَةِ الْمَاسَةِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. فَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فَلَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ التَّأْخِيرِ الْقَرِيبِ، بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ التَّقَابُضِ، وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ هِيَ قَوْلُهَا، وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَارِفَهُ فِي مَجْلِسٍ، وَيُنَاقِدَهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْكَرَاهَةُ هُنَا عَلَى الْمَنْعِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: فِي شَرْحِهَا لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ الصَّرْفَ، وَيُرِيَهُ الذَّهَبَ فَيَقُولَ: أَذْهَبُ لِأُرِيَهُ وَأَزِنَهُ فَهُوَ الَّذِي، وَقَعَ فِيهِ الْكَرَاهَةُ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْقَوْلُ وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَزِنَ لَهُ الذَّهَبَ وَيَتَقَابَضَا جَمِيعًا، ثُمَّ يَبْقَى فِي نَفْسِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ

فَيَقُولُ: أَذْهَبُ لِأَسْتَعِيرَهُ فَهَذَا لَا يَضُرُّ الصَّرْفَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ الْقَبْضُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ لِأَسْتَعِيرَهُ مَعْنَاهُ أَزِنُهُ مِنْ الْعِيَارِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا تَقَابَضَا الْعِوَضَيْنِ ثُمَّ قَامَا مَعًا أَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا إلَى الْحَانُوتِ، وَالْحَانُوتَيْنِ لِلْوَزْنِ وَالتَّقْلِيبِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّرْفُ، وَإِذَا وَجَدَ فِيهِ مَا يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ أَبْدَلَهُ، وَلَا يَنْتَقِضُ بِذَلِكَ الصَّرْفُ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ فِي الطِّرَازِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا، وَمَعَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ تُفَارِقْهُ أَوْ صَدَّقَهُ رَبُّهُ فَلَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ إنَّمَا يَعْنِي بِهِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَ الطُّولِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الثَّالِثُ: إنْكَارُهُ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلَ الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ، وَنَصُّهُ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إنَّ الْمُفَارَقَةَ قَبْلَ التَّقَابُضِ إنْ بَعُدَتْ اخْتِيَارًا بَطَلَتْ وَكَذَا طُولُ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا وَإِنْ قَرُبَتْ فَالْمَشْهُورُ الْإِبْطَالُ، وَالتَّصْحِيحُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُفَارَقَةُ اخْتِيَارًا تَمْنَعُ الْمُنَاجَزَةَ، وَقِيلَ إلَّا الْقَرِيبَةُ يَقْتَضِي وُجُودَ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فِي قَرِيبِ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ قَبْلَ مُطْلَقِ الْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تَمَامِ الصَّرْفِ، وَلَا أَعْرِفُهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَقَوْلُ سَنَدٍ أَبَاحَ مَالِكٌ الْقِيَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ لِلْقَبْضِ مِمَّا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَجْلِسِ لَا أَعْرِفهُ قُلْت، وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ الْمُفَارَقَةُ هَلْ مَعْنَاهُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ أَوْ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ الصَّرْفَ؟ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ جَوَازَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ بَلْ كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَسَلُّفِ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَلَا يَقُومَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَزِنُهَا فِيهِ، وَيَتَنَاقَدَانِ فِي مَجْلِسٍ سِوَى الْمَجْلِسِ الَّذِي تَصَارَفَا فِيهِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَعْيِينَ مَجْلِسِ الصَّرْفِ. وَلَا يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَيُخْتَلَفُ فِيمَا قَرُبَ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: فَأَجَازَ الْقِيَامَ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَا لِقُرْبِهِمَا فِي حُكْمِ الْمُتَجَالِسَيْنِ فَأَمَّا إنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ حَتَّى يُرَى أَنَّهُ افْتِرَاقٌ مِنْ الْمُتَصَارِفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ، وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَصْطَحِبَا مِنْ مَحِلِّهِمَا إلَى غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَهُ: لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، وَرَدِّهِ مَتَى وَقَعَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ حَيْثُ شُرِطَ أَنْ لَا يَتَنَاقَدَا فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ الْمَجْلِسِ الَّذِي تَصَارَفَا فِيهِ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُغْتَفَرَ فِي ذَلِكَ مَا قَرُبَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ، وَانْتِقَادِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّ الْقُرْبَ فِي حُكْمِ الْفَوْرِ، وَسَوَّى مَالِكٌ فِي الِاسْتِحْسَانِ بَيْنَ أَنْ يَذْهَبَا جَمِيعًا أَوْ يَذْهَبَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ إذَا عَقَدَهُ ثُمَّ مَضَى مَعَهُ إلَى الصَّيَارِفَةِ مَا نَصُّهُ: إذَا تَصَارَفَا فِي مَجْلِسٍ، وَتَقَابَضَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَالْمَشْهُورُ مَنْعُ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ انْتَهَى. الرَّابِعُ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمُؤَخَّرٍ، وَلَوْ قَرِيبًا مَعْنَاهُ يَحْرُمُ الصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ قَبْضُ عِوَضَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْ مَحِلِّ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ قَرِيبًا، وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ مَا إذَا تَرَاخَى الْقَبْضُ عَنْ الْعَقْدِ، وَهُمَا بِالْمَجْلِسِ تَرَاخِيًا طَوِيلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كُرِهَ لِلصَّيْرَفِيِّ إدْخَالُ الدِّينَارِ تَابُوتَه قَبْلَ إخْرَاجِهِ الدَّرَاهِمَ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كُرِهَ لِمَنْ ابْتَاعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِدِينَارٍ فَوَزَنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَنْ يَزِنَ أَلْفًا أُخْرَى قَبْلَ فَرَاغِ دَنَانِيرِهِ الْأُولَى ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي بَابِ الْمُنَاجَزَةِ فِي الصَّرْفِ أَنْ لَا يَجُوزُ لِمَنْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ أَنْ يَتَشَاغَلَا بِبَيْعٍ آخَرَ حَتَّى يَتَنَاجَزَا؛ لِأَنَّهُ كَالصَّرْفِ فَإِنْ تَشَاغَلَا بِبَيْعٍ آخَرَ، وَلَمْ يَطُلْ كَانَ مَكْرُوهًا، وَإِنْ طَالَ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا قَالَ

وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ، وَقَبِلَهُ شَارِحُهُ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ صَرْفٌ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ: فِيمَنْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى بِالْفِضَّةِ كَثِيرَ الْفِضَّةِ نَصْلُهُ تَبَعٌ لِفِضَّتِهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مَكَانَهُ مِنْ رَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ قَبْلَ النَّقْدِ ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ مَكَانَهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبِيعَ السَّيْفَ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ، وَنَقَدَهُ مَكَانَهُ لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ، وَرَأَيْته جَائِزًا وَأَمَّا إنْ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ السَّيْفَ، وَفَارَقَ الْبَائِعَ قَبْلَ أَنْ يُنْقَدَهُ الثَّمَنَ فَسَدَ الْبَيْعُ، ثُمَّ إنْ بَاعَهُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَيَضْمَنُ الْمُبْتَاعُ الْأَوَّلُ لِبَائِعِهِ قِيمَةَ السَّيْفِ مِنْ الذَّهَبِ يَوْمَ قَبْضِهِ كَبَيْعِ فَاسِدٍ فَاتَ بِالْبَيْعِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ثَمَنٌ وَمُثْمَنٌ فَالثَّمَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مُثَمَّنَاتٌ فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبُ التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْآخَرِ، وَقِيلَ لَهُمَا إنْ تَرَاخَى قَبْضُهُمَا عَنْ الْعَقْدِ انْفَسَخَ الصَّرْفُ فَإِنْ كَانَا بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ فَفِي الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ يُوَكِّلُ مَنْ يَحْفَظُ عَلَّاقَةَ الْمِيزَانِ، وَيَأْمُرُ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَ صَاحِبِهِ مِنْ الْكِفَّةِ الَّتِي هُوَ بِهَا، وَفِي الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ يُوَكِّلُ عَدْلًا يَقْبِضُ مِنْهُمَا، وَيُسَلِّمُ لَهُمَا جَمِيعًا مَعًا فَيَقْبِضُ مِنْ هَذَا فِي وَقْتِ قَبْضِ هَذَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُثَمَّنَاتِ كَعَرَضٍ بِعَرَضٍ، وَتَشَاحَّا فِي الْإِقْبَاضِ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ إلَّا أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُفْسَخُ بِتَرَاخِي الْقَبْضِ عَنْهُ، وَلَا بِافْتِرَاقِهِمَا مِنْ مَجْلِسِهِ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُثَمَّنَاتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَثْمَانِ وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يَنْبَغِي إنْ كَانَ الصَّرْفُ فِي ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ أَنْ لَا يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الْمُثَمَّنَ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ بَيْعٌ وَقَبْضَهُ كَقَبْضِهِ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الصَّرْفُ بِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ فَانْقَبَضَ فِيهِ الْمُثَمَّنُ قَبْلَ الثَّمَنِ لَمْ يَضُرَّ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ الْمُنَاجَزَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ أَمَّا إذَا تَسَلَّمَ السَّيْفَ مُبْتَاعُهُ فَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لَمْ يَجُزْ الصَّرْفُ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِالْفَوْرِ، وَنَقَدَ ثَمَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ مُبْتَاعُ السَّيْفِ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي الصَّرْفِ الْقَبْضُ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُتَصَارِفَيْنِ وَقَبْلَ غَيْبَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، وَإِنْ ذَهَبَ بِالسَّيْفِ مُبْتَاعُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ بَائِعَهُ ثَمَنَهُ لَمْ يَجُزْ الصَّرْفُ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ الدَّنَانِيرَ فَأَنْفَذَهَا إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ بَاعَ السَّيْفَ مُبْتَاعُهُ، وَهُوَ بِيَدِ بَائِعِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ نَقَدَ ثَمَنَهُ، وَتَسَلَّمَهُ مِنْ بَائِعِهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ جَازَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهُوَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ إنْ صَرَفْتَ دَرَاهِمَ ثُمَّ بِعْتَهَا فِي مَقَامِكِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ قَبَضْتَهَا أَنْتَ فَدَفَعْتَهَا إلَى مُبْتَاعِهَا مِنْكَ، وَإِنْ أَمَرْتَ الصَّرَّافَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ تَبْرَحَا بِعْتَهَا بِعَرَضٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. وَمَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا هِيَ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الثَّانِي مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَزَادَ وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ الصَّرَّافِ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ الصَّرَّافِ بِمَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا إلَّا أَنْ يَقْبِضَهَا هُوَ صَحِيحٌ فِي مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَجُوزُ فِي الصَّرْفِ، وَإِنْ قَبَضَ الْمُحَالَ بِحَضْرَةِ الْمُحِيلِ، وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُحَالَ بِحَضْرَةِ الْمُحِيلِ يَجُوزُ إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بِحَضْرَتِهِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّرَّافِ نَفْسِهِ فَجَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ إذَا بَاعَهَا بِمَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا مِنْهُ، وَهُوَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْعُرُوضِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَقَبَضَ الدَّنَانِيرَ، ثُمَّ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ عَرَضًا جَازَ انْتَهَى بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ مِنْهُ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّفْقَتَيْنِ اُنْظُرْ كِتَابَ

تنبيه وقع التقابض في الصرف ثم أودع أحدهما ما قبضه عند الآخر

الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ صَرَفْتَ مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى أَخَذْت مِنْهُ بِهَا سِلْعَةً أَوْ قَبَضْتَ مِنْهُ نِصْفَهَا، وَأَخَذْت بِنِصْفِهَا سِلْعَةً مَكَانَك فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ رَدَدْت السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ رَجَعْتَ بِدِينَارِكَ، وَلَوْ صَرَفْتَ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ بِهَا سَمْنًا أَوْ زَيْتًا نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى أَنْ تَقْبِضَهَا ثُمَّ تَشْتَرِيَ بِهَا هَذِهِ السِّلْعَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ رَدَدْت السِّلْعَةَ بِعَيْبِ رَجَعْتَ بِدِينَارِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالسِّلْعَةِ، وَاللَّفْظُ لَغْوٌ. [تَنْبِيه وَقَعَ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ ثُمَّ أَوْدَعَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ عِنْدَ الْآخَرِ] (الْخَامِسُ) : إذَا وَقَعَ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ، ثُمَّ أَوْدَعَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ عِنْدَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ فِي رَسْمِ شَكَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ آلَ إلَى الصَّرْفِ الْمُتَأَخِّرِ، فَإِنَّهُمَا عَلَى الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا فِيهِ حَرَجٌ وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا طُبِعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ عَلَيْهَا لَا يَدْفَعُ التُّهْمَةَ بِخِلَافِ رَهْنِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَجُوزُ الْيَوْمَ لِمَنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ أَنْ يُودِعَهَا بَعْدَ الْمُنَاجَزَةِ عِنْدَ الصَّرَّافِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ تَرْكِهَا أَنْ يَبْرَأَ مِنْ نَقْصِهَا وَنُحَاسِهَا قَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي قَبَضَ مِنْ دَيْنٍ لَهُ طَوْقَ ذَهَبٍ فَافْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِهِ الطَّوْقَ لَا خَيْرَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ حَقٌّ مِنْ التَّوْفِيَةِ وَزْنٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ التَّوْفِيَةِ لَكَانَتْ مُصِيبَتُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ، وَإِيدَاعُهُ جَائِزٌ بِخِلَافِ إيدَاعِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ انْتَهَى. فَفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْمَصُوغِ، فَيَجُوزُ إيدَاعُهُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُعْرَفَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالتِّبْرِ فَلَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ مَا صَارَفَهُ بِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ فَسَدَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ فَإِنْ طُبِعَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ صَحَّ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ الْمُنَاجَزَةِ فِي الصَّرْفِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ وَفِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَقَبِلَهُ شَارِحُهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ صَرْفٌ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ إذَا غَابَ عَنْك وَأُبْدِلَ لَكَ عَرَفْتَ أَنَّهُ غَيْرُ شَيْئِكَ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّبْعِ، فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الطَّبْعِ، فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ: إنَّهُ بَعِيدٌ وَحَكَمَهُ بِالْفَسَادِ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ إمَّا فِي ظَاهِرٍ وَإِمَّا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ إذَا صَحَّ أَمْرُهُمَا وَلَمْ يُقْصَدْ التَّأْخِيرُ فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَتَأَمَّلْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَعُودُ ذَلِكَ بِخَلَلٍ فِي الْعَقْدِ إذَا صَحَّ أَمْرُهُمَا وَمَسْأَلَةُ الطَّوْقِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظُهُ فِيهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) : قَالَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا الصَّرْفُ عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ فُسِخَ وَإِنْ عُقِدَ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ، ثُمَّ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّظْرَةُ بِاتِّفَاقٍ فَإِنْ كَانَتْ النَّظْرَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ انْتَقَضَ صَرْفُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ انْتَقَضَ صَرْفُ دِينَارَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارَيْنِ انْتَقَضَ صَرْفُ ثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ، وَهَكَذَا أَبَدًا وَمَا وَقَعَ فِيهِ التَّنَاجُزُ عَلَى اخْتِلَافٍ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ ثُمَّ تَأَخَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَلَطٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ مَضَى الصَّرْفُ فِيمَا، وَقَعَ فِيهِ التَّنَاجُزُ بِاتِّفَاقٍ وَفِيمَا وَقَعَ فِيهِ التَّأْخِيرُ إنْ رَضِيَ هَذَا الَّذِي هُوَ لَهُ بِتَرْكِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ انْتَهَى. [تَنْبِيه اصْطَرَفَ دَرَاهِمَ فَعَجَزَتْ الدَّرَاهِمُ دِرْهَمًا] (السَّابِعُ) : قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَمَنْ اصْطَرَفَ دَرَاهِمَ فَعَجَزَتْ الدَّرَاهِمُ دِرْهَمًا فَلَا يَجُوزُ لِلْمُصْطَرِفِ أَنْ يُقْرِضَ الصَّيْرَفِيَّ دِرْهَمًا يُتِمُّ بِهِ الصَّرْفَ ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِهِ دَيْنًا وَمَنْ اصْطَرَفَ دَرَاهِمَ وَعَجَزَتْ كَسْرًا وَأَخَّرَهُ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ ثُمَّ عَلِمَ بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لِلصَّيْرَفِيِّ لِيُجِيزَ بِذَلِكَ صَرْفَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاقَضَا الصَّرْفَ وَيَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمِثْلِ نَقْدِهِ وَمَنْ اصْطَرَفَ

دَرَاهِمَ وَعَجَزَتْ دِرْهَمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ طَعَامٍ أَوْ إدَامٍ أَوْ عَرَضٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُعَجَّلًا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِبَعْضِ دِينَارِهِ بَعْدَ الْمُصَارَفَةِ مَا أَحَبَّ قَبْلَ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا إذَا كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ مِمَّا صَارَفَهُ بِهِ وَأَدْنَى مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ مُعَجَّلًا بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ وَالدِّينَارُ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا إلَى شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قُبْحِ كَلَامِهِمَا إذَا صَحَّ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يُنْظَرُ إلَى حُسْنِ كَلَامِهِمْ إذَا قَبُحَ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا ص (أَوْ غَلَبَةٌ) ش: سَوَاءٌ غُلِبَا مَعًا عَلَى التَّأْخِيرِ كَمَا لَوْ غَشِيَهُمَا لَيْلٌ أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا سَيْلٌ أَوْ غُلِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِهُرُوبِ صَاحِبِهِ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ قَاصِدًا هُرُوبَهُ فُسِخَ الْعَقْدُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقِلَادَةِ الْوَاقِعَةِ فِي رَسْمِ حَلَفَ لَيَرْفَعَنَّ أَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ وَذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ وَقَعَ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبْتَاعُ بِالتَّأْخِيرِ فَسْخَ الْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرِّمَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى حَلِّ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ اسْتَغْلَى شَيْئًا أَوْ نَدِمَ فِي شِرَائِهِ إلَّا جَرَّ ذَلِكَ لِيَفْسَخَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ ذَلِكَ كَمَنْعِ الْقَاتِلِ الْمِيرَاثَ وَمَنْعِ الْمُتَزَوِّجَيْنِ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَتَنَاكَحَا أَبَدًا اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَإِنْ كَانَ التَّفَرُّقُ لِهُرُوبِ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ وَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ أَوْ يُلْزَمُهُ حُكْمَ الْعَقْدِ إذَا ظُفِرَ بِهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْخِيرِ ثَمَنِ السَّلَمِ بِهُرُوبِ أَحَدِهِمَا فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي قَوْلٍ وَيَثْبُتُ فِي قَوْلٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِهِ لَا يَكُونُ الْعَقْدُ ثَابِتًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَثْبُتُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِ ثُبُوتِهِ لَكِنْ يَلْزَمُ إذَا ظَفَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وُضِعَ عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ قَدْ عُدِمَ الْعَقْدُ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِعَقْدٍ جَدِيدِ يَقَعُ التَّقَابُضُ فِيهِ مُتَّصِلًا بِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَثْبُتُ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ، فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالدَّنَانِيرِ الْمَسْكُوكَةِ فَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ الْآنَ رَدَّهُ مِثْلُ مَا أَخَذَ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ لِغَيْرِ الْهَارِبِ رَدَّ الْمِثْلَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي الْفَسْخِ لَهُ بِالْهُرُوبِ خَرَجَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُلْزَمُ ضَمَانَ الثَّمَنِ الَّذِي لَزِمَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَالثَّانِي إنَّمَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا أَخَذَ وَقَدْ بَاءَ بِإِثْمِ مَا صَنَعَ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالْمَصُوغِ خَرَجَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ بَانَ بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الثَّمَنُ الَّذِي رَضِيَ بِهِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَصُوغِ إنَّمَا هُوَ إذَا تَلِفَ أَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا فَيُرَدُّ إلَى رَبِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ التَّأْخِيرَ عَلَيْهِ مُؤَثِّرٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقِلَادَةِ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ الَّذِي كَانَ فِيهَا يَسِيرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَقْدٌ وَوَكَّلَ فِي الْقَبْضِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْقِدَ الصَّرْفَ ثُمَّ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي قَبْضِهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبَضَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ الْعَاقِدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَفْسُدُ زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ وَلَكِنَّهُ قَالَ: يُكْرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ مَا عَقَدَهُ بِحَضْرَتِهِ فَطَرِيقَانِ: ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ لَا يَفْسُدُ زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ وَيُكْرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِيهِ أَشْهَبُ لَا يُفْسَخُ إنْ وَقَعَ ابْنُ وَهْبٍ لَا بَأْسَ بِهِ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْعَاقِدِ الْقَابِضَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ مَعْزُوَّةٌ لِقَائِلِهَا إنَّمَا ذَكَرَهَا الْبَاجِيُّ فِي الْحَوَالَةِ اهـ. وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظُهُ فِي رَسْمِ طَلْقِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّرْفِ وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَرَفَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ وَيُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ قُلْت: وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ إلَّا الْكَرَاهَةَ

فرع دينار مشترك بين رجلين فصرفاه معا ثم وكل أحدهما صاحبه في القبض وذهب

وَاعْتُرِضَ عَلَى مَنْ حَكَى عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ، وَحَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ عَلَى مَا إذَا غَابَ الْمُؤَكِّلُ قَبْلَ قَبْضِ الْوَكِيلِ قَالَ فِي الْكَبِيرِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ قَبْلَ قِيَامِ الْمُوَكِّلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ اهـ. وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا، وَقَوْلُهُ فِي الشَّامِلِ: أَوْ بِتَوْكِيلٍ فِي قَبْضٍ وَإِنْ حَضَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا إذَا وَكَّلَ فِي الْعَقْدِ وَتَوَلَّى الْقَبْضَ، وَقَدْ نُصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْفَرْعَيْنِ قَالَ: وَإِنْ وَكَّلْتَ رَجُلًا يَصْرِفُ لَكَ دِينَارًا فَلَمَّا صَرَفَهُ أَتَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ فَأَمَرَكَ بِالْقَبْضِ وَقَامَ وَذَهَبَ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَصْرِفَ، ثُمَّ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ، وَلَكِنْ يُوَكِّلُ مَنْ يَصْرِفُ لَهُ وَيَقْبِضُ لَهُ اهـ. وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: " ذَهَبَ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا جَازَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ [فَرْعٌ دِينَارٌ مُشْتَرَك بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَصَرَفَاهُ مَعًا ثُمَّ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْقَبْضِ وَذَهَبَ] (فَرْعٌ) إذَا كَانَ دِينَارٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَصَرَفَاهُ مَعًا، ثُمَّ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْقَبْضِ، وَذَهَبَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ بِحَضْرَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ شَرِيكَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَهُوَ الصَّوَابُ وَظَاهِرُ مَا فِي هَذَا الرَّسْمِ، وَرَسْمِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغ، وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَتَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ وَيُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ بِحَضْرَتِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ أَجْنَبِيًّا، فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ بِحَضْرَتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ شَرِيكَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ ذَهَابِهِ اهـ. بِالْمَعْنَى، وَفَهِمَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ فَرْعَيْنِ فَقَالَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. [فَرْعٌ لَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ الْعَقْدَ وَعَقَدَا جَمِيعًا الصَّرْفَ] : (فَرْعٌ) لَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ، وَالْوَكِيلُ الْعَقْدَ وَعَقَدَا جَمِيعًا الصَّرْفَ جَازَ أَنْ يَذْهَبَ الْمُوَكِّلُ، وَيَأْمُرَ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا إلَّا أَنَّهُ حَضَرَ الْعَقْدَ وَتَكَلَّمَ فِيهِ وَرَاوَضَ الصَّرَّافَ لَجَازَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا دَرَاهِمُ صَرَفَاهَا بِدِينَارٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ تِبْرٍ صَرَفَاهُ بِنُقْرَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَكِّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِقَبْضِهِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ. [فَرْعٌ الْحَوَالَةُ فِي الصَّرْفِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ: لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ فِي الصَّرْفِ وَإِنْ قَبَضَ الْمُحَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَكَانَهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الَّذِي أَحَالَهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُحَالُ مَا أُحِيلَ بِهِ مَكَانَهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الَّذِي أَحَالَهُ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [فَرْعٌ لَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ حَمَالَةٌ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ حَمَالَةٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِمَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ، وَالصَّرْفُ لَا يَكُونُ إلَّا نَاجِزًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحَمَالَةُ بِالدَّنَانِيرِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّنَانِيرُ فَيَجُوزُ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ. [فَرْعٌ الْخِيَارِ فِي الصَّرْفِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ خِيَارٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ، وَالصَّرْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِيهِ النَّقْدُ، فَالصَّرْفُ عَلَى الْخِيَارِ فَاسِدٌ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُمَا جَمِيعًا فَتَمَّمَاهُ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَتَنَاجَزَا بِحَضْرَةٍ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى إمْضَائِهِ لَمْ يُفْسَخْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا، لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلَ إمْضَاءَهُ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً يَوْمَ أَمْضَيَاهُ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا فُسِخَ مَتَى مَا عُثِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ لِلُزُومِ بَيْعِ الْخِيَارِ لِلَّذِي لَمْ يَشْتَرِطْ مِنْهُمَا اهـ. وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، بَلْ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ: لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ الِاتِّفَاقَ، وَنَصُّهُ: " قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ غَيْرِهِ الْخِلَافَ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ قَوْلَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَشْهُورُ الْمَنْعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْجَوَازُ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْخِيَارُ الْحُكْمِيُّ فَفِي فَسَادِ الصَّرْفِ بِهِ قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ

صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ: وَفِي فَسَادِ الصَّرْفِ بِالْخِيَارِ الَّذِي يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِيهِ دُونَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَيْهِ قَوْلَانِ: أَمَّا إنْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ اهـ. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَنْ وُكِّلَ عَلَى صَرْفِ دَنَانِيرَ فَصَرَفَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكَّلَهُ شَخْصٌ عَلَى صَرْفِ الدَّنَانِيرِ، وَآخَرُ عَلَى صَرْفِ دَرَاهِمَ فَصَرَفَ دَرَاهِمَ هَذَا بِدَنَانِيرِ هَذَا، وَقَدْ حَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: الْجَوَازُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَعَدَمُهُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَالْجَوَازُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَعَلَى هَذَا الثَّالِثِ اقْتَصَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَسَائِلِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ مَنْ أَرْسَلَ مَعَهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَتَسَلَّفَ الدِّينَارَ، ثُمَّ اشْتَرَى السِّلْعَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا بِدِينَارٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ عِنْدِهِ مَكَانَ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ قَالَ فِي رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَ ذَلِكَ بِالدِّينَارِ الَّذِي لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ صَارَفَ فِيهِ بَائِعَ السِّلْعَةِ، قَالَ وَلَوْ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِدَرَاهِمَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ رَبَّ الدِّينَارِ بِذَلِكَ، وَدَخَلَهُ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَجُعِلَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَرْسَلَ مَعَهُ بِثَوْبٍ لِيَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا فَاشْتَرَى الشَّيْءَ بِدِينَارٍ مِنْ عِنْدَهُ، ثُمَّ بَاعَ الثَّوْبَ بِدَرَاهِمَ وَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ: مَنْ وُكِّلَ عَلَى قَبْضِ دِينَارٍ فَأَخَذَ عَنْهُ دَرَاهِمَ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ ص (أَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا وَطَالَ أَوْ نَقْدَاهُمَا) ش: هُوَ إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةِ السَّلَفِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ وَتُلَقَّبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ " بِالصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَصُّهَا فِي التَّهْذِيبِ: " وَإِنْ اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فِي مَجْلِسٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَضْتَ أَنْتَ دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ إلَى جَانِبِكَ وَاسْتَقْرَضَ هُوَ الدَّرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ إلَى جَانِبِهِ فَدَفَعْت إلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضْت الدَّرَاهِمَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَعَهُ وَاسْتَقْرَضْتَ أَنْتَ الدِّينَارَ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا كَحَلِّ الصُّرَّةِ وَلَا يَبْعَثُ وَرَاءَهُ، وَلَا يَقُومُ لِذَلِكَ جَازَ وَلَمْ يُجِزْهُ أَشْهَبُ " اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إنْ تَسَلَّفَا فَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ تَسَلُّفَهُمَا مَظِنَّةُ الطُّولِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمَظَانِّ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ تَسَلَّفَ أَحَدُهُمَا، وَطَالَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَالْخِلَافُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " أَوْ نَقْدَاهُمَا " يُرِيدُ طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ فَقَيَّدَ الطُّولَ فِي قَوْلِهِ: " وَطَالَ " إنَّمَا هُوَ فِي نَقْدِ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ الْخِلَافُ فِي تَسَلُّفِ أَحَدِهِمَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الَّذِي عَقَدَ عَلَى مَا عِنْدَهُ أَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ ذَلِكَ فَيُتَّفَقُ عَلَى الْبُطْلَانِ أَوْ الْخِلَافُ مُطْلَقٌ عَلِمَ أَمْ لَا؟ طَرِيقَانِ نَقَلَهُمَا الْمَازِرِيُّ اهـ. ص (أَوْ بِمُوَاعَدَةٍ) ش: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ

فرع كان لك على شخص دينار فجاءك بدراهم لتصرفها بدينار فأردت مقاصته

أَيْ: وَحُرِّمَ صَرْفٌ بِمُوَاعَدَةٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَّرَ الْمَازِرِيُّ الْكَرَاهَةَ، وَنَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَسَبَهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ: " وَأَمَّا الْمُوَاعَدَةُ فَتُكْرَهُ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَتَمَّ الصَّرْفُ لَمْ يُفْسَخْ الصَّرْفُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يُفْسَخُ وَلَعَلَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَتَرَاوَضَا عَلَى السَّوْمِ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: اذْهَبْ مَعِي أَصْرِفْ مِنْكَ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ: " إذَا رَاوَضَهُ عَلَى السَّوْمِ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ مَعِي أَصْرِفْ مِنْكَ ذَهَبَكَ بِكَذَا وَكَذَا " اهـ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُرَاوَضَةِ، وَظَاهِرُهَا الْمَنْعُ وَلِابْنِ نَافِعٍ الْجَوَازُ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَالثَّلَاثَةُ جَارِيَةٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ بَدَأَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَصَارَفَا كُرِهَ أَنْ يَتَصَارَفَا وَإِنْ تَصَارَفَا وَفَاتَ الْعَقْدُ فَلَا يُرَدُّ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَجَازَ هُنَا ابْنُ مَنَاسٍ التَّعْرِيضَ، وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ وَلَفْظُهُ: " وَذُكِرَ عَنْ أَبِي مُوسَى بْنِ مَنَاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ التَّعَرُّضَ فِي الصَّرْفِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْعِدَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنِّي لَمُحْتَاجٌ إلَى دَرَاهِمَ أَصْرِفُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ (قُلْت) وَعَلَى مَا أَجَازُوهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ قَوْلِهِ: إنِّي لَكَ لَمُحِبٌّ وَفِيكَ رَاغِبٌ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هُنَا إنِّي أُحِبُّ دَرَاهِمَكَ وَرَاغِبٌ فِي الصَّرْفِ مِنْكَ وَنَحْوُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِدَيْنٍ إنْ تَأَجَّلَ وَإِنْ مِنْ أَحَدِهِمَا) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلَقَّبُ بِالصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دِينَارٌ أَوْ دَنَانِيرُ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَيَتَطَارَحَانِ مَا فِي الذِّمَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَا فِي الذِّمَّتَيْنِ مُؤَجَّلًا أَوْ مَا فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ حَلَّا جَمِيعًا جَازَ، وَهُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَعْنِي قَوْلَهُ: " وَإِنْ تَأَجَّلَ " وَكَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يُصَارِفَ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ جَازَ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ وَدَفَعَ إلَيْهِ الْعِوَضَ الْآخَرَ فِي سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا، قَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ يُعَدُّ مُسَلِّفًا. (تَنْبِيهٌ) وَلَا فَرْقَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَكَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ إلَى أَجَلٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَأَخَذْت بِهَا مِنْهُ دَنَانِيرَ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ حَالَّةً جَازَ اهـ. [فَرْعٌ كَانَ لَكَ عَلَى شَخْصٍ دِينَارٌ فَجَاءَكَ بِدَرَاهِمَ لِتَصْرِفَهَا بِدِينَارٍ فَأَرَدْتَ مُقَاصَّتَهُ] (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ لَكَ عَلَى شَخْصٍ دِينَارٌ فَجَاءَكَ بِدَرَاهِمَ لِتَصْرِفَهَا بِدِينَارٍ فَلَمَّا وَزَنْت الدَّرَاهِمَ وَقَبَضْتَهَا أَرَدْتُ مُقَاصَّتَهُ فِي الدِّينَارِ الَّذِي لَكَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ غَرَمْتَ لَهُ دِينَارَ الصَّرْفِ وَلَكَ مُطَالَبَتُهُ بِدِينَارِكَ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلِأَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّ لَكَ حَبْسَهُ أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، قَالَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ صَاحِبَ الدِّينَارِ إنْ أَرَادَ أَخْذَ الدَّرَاهِمِ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ صَاحِبَ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ أَرَادَ أَخْذَ دِينَارِ الصَّرْفِ، فَلَا يَكُونُ دِينَارُ الصَّرْفِ لِصَاحِبِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَكَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ وَأَرَدْتَ مُقَاصَّتَهُ بِالدِّينَارِ كَانَ لَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَجَبَ لَهُ عِنْدَك دِينَارٌ وَلَا

فرع له على رجل نصف دينار إلى أجل فدفع الذي عليه الحق دينارا لصاحبه وأخذ منه بنصفه دراهم

تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ لَهُ عِنْدَك دِينَارٌ وَلَكَ عِنْدَهُ دِينَارٌ كَانَ لَكَ أَنْ تُقَاصَّهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ وَامْتَنَعْتَ مِنْ دَفْعِ الدِّينَارِ وَتَرَافَعْتُمَا إلَى الْحَاكِمِ فَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ الصَّرْفُ، وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ تَمَّ الصَّرْفُ فَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا يَنْقُضُهُ. أَشْهَبُ وَإِذَا حَكَمَ بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَلَا يَنْقُضُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْكَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّرْفِ أَنَّكَ لَا تُقَاصُّهُ بِذَلِكَ وَتُؤَخِّرُهُ بِمَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الدِّينَارُ مُؤَجَّلًا جَازَ وَإِنْ كَانَ حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ وَاشْتَرَطَ أَبْعَدَ مِنْهُ فَالصَّرْفُ فَاسِدٌ، وَهُوَ صَرْفٌ وَسَلَفٌ وَإِنْ شَرَطَ دَفْعَ الدِّينَارِ إلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَأْخِيرِ مَا عَلَيْهِ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ جَوَازُهُ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ الصَّرْفُ فَاسِدٌ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ صَحِيحٌ وَلَكَ حَبْسُهُ، قَالَ: وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ وَقِيلَ: صَحِيحٌ وَلَيْسَ لَكَ حَبْسُهُ، بَلْ تَدْفَعُهُ، وَتَقُولُ: بِحَقِّكَ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِأَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. مِنْ الطِّرَازِ بِالْمَعْنَى. [فَرْعٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَدَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ دِينَارًا لِصَاحِبِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ بِنِصْفِهِ دَرَاهِمَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَدَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ دِينَارًا لِصَاحِبِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ بِنِصْفِهِ دَرَاهِمَ قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَصَرْفٌ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي عُرُوضًا فَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي اسْتِحْقَاقًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّاهُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ أَضْيَقُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ سَلَفَهُ فِي الْبَيْعِ صَحَّ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَلَوْ تَرَكَهُ فِي الصَّرْفِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ غَابَ رَهْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ وَلَوْ سَكٌّ) ش يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ الرَّاهِنِ الَّذِي عِنْدَهُ، وَهُوَ غَائِبٌ فِي بَيْتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُودِعِ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي فِي بَيْتِهِ مِنْ مَالِكِهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ مَصُوغَيْنِ أَوْ مَسْكُوكَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْكُوكَيْنِ لَا فِي الْمَصُوغَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " غَابَ " أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ جَازَ صَرْفُهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَوْ شَرَطَ الْمُبْتَاعُ أَنَّ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَصِلَ إلَى بَيْتِهِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَبِلَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ، وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ الْمُنَاجَزَةِ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّهَا فِي ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: جَازَ اتِّفَاقًا وَاعْتَرَضَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (الثَّانِي) لَوْ تَلَفَ الرَّهْنُ وَوَجَبَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ جَازَ صَرْفُهَا وَكَذَا لَوْ تَسَلَّفَ الْوَدِيعَةَ أَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا وَأَتْلَفَهَا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا جَازَ الصَّرْفُ وَسَكَتَ عَنْ هَذَا لِوُضُوحِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَةِ صَرْفِ الدَّيْنِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ أَوْدَعْته مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ لَقِيتَهُ وَالدَّرَاهِمُ فِي بَيْتِهِ فَهَضَمْت عَنْهُ مِائَةً عَلَى أَنْ أَعْطَاكَ مِائَةً مِنْ غَيْرِ الْمِائَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهَا مِائَةً وَتَدَعَ مِائَةً قَالَ فِي الطِّرَازِ لَوْ قَالَ لَهُ: تَرَكْتُ لَكَ مِنْهَا كَذَا وَآخُذُ مِنْكَ كَذَا فَهِيَ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مَا يُفْسِدُهَا فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي بَيْتِهِ فَدَفَعَ لَهُ الْمُودِعُ مِائَةً سَلَفًا لَهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ إذَا صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَسْلَفَهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ عِنْدِهِ مِائَةً بَدْلًا عَنْ الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَهَذَا صَرْفُ مِائَةٍ بِمِائَةٍ لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ لَا يُجِيزُ أَنْ يُعَاوِضَهُ عَنْهَا بِذَهَبٍ فَكَيْفَ بِدَرَاهِمَ؟ وَالصَّرْفُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَضْيَقُ مِنْهُ فِي الْجِنْسَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَتْ الْحَطِيطَةُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ الْمِائَةَ عَنْ الْبَاقِي مِنْ الْوَدِيعَةِ فَهَذَا فَاسِدٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ. ص (كَمُسْتَأْجَرٍ وَعَارِيَّةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْحُلِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ، وَلَا الْمُعَارِ إذَا كَانَا غَائِبَيْنِ تَحْتَ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُعَارِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ صَرْفُهُمَا إذَا حَضَرَا. (تَنْبِيهٌ) وَإِنَّمَا أَخَّرَهُمَا عَنْ قَوْلِهِ: " وَلَوْ سَكٌّ " لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمَسْكُوكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْعَارِيَّةُ وَلَا الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ

فرع التصديق في الصرف الأول

أَنَّ إعَارَةَ النُّقُودِ، وَالْأَطْعِمَةِ قَرْضٌ وَفِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْمَنْعُ مِنْ إجَارَةِ الْمَسْكُوكِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ فِي الْمَسْكُوكِ لَا يَتَأَتَّى هَذَا الْفَرْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ مُلَازَمَةُ الْمَالِكِ لَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنَّمَا فَصَّلَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ عَنْ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَقَالَ " كَمُسْتَأْجَرٍ " وَلَمْ يَعْطِفْهُمَا بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَنْصُوصٌ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَمَّا الْأَخِيرَتَانِ فَأَلْحَقَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْهَا. ص (وَمَغْصُوبٍ إنْ صِيغَ) ش: هَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلْمَغْصُوبِ فَقَطْ لَا لِمَا تَقَدَّمَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ الْمَصُوغَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الصَّرْفِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَسْكُوكًا جَازَ صَرْفُهُ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. (فَرْعٌ) وَفِي مَعْنَى الْمَسْكُوكِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمَكْسُورِ وَالتِّبْرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (إلَّا أَنْ يَذْهَبَ فَيَضْمَنَ قِيمَتَهُ فَكَالدَّيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ صَرْفِ الْمَصُوغِ الْمَغْصُوبِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ قَائِمًا فَإِنْ ذَهَبَ وَلَزِمَتْ الْغَاصِبَ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ الْقِيمَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا كَالدَّيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ إذَا تَلِفَ الْحُلِيُّ الْمَصُوغُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ صَارَ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَعَلَيْهِ فَتَصِحُّ الْمُصَارَفَةُ عَلَى وَزْنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ تَعَيَّبَ تَعَيُّبًا يُوجِبُ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارَ فِي أَخْذِهِ أَوْ تَضْمِينِهِ لِلْغَاصِبِ فَيُخَيَّرُ صَاحِبُهُ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ جَازَ صَرْفُهُ إنْ أَحْضَرَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْقِيمَةَ فَهِيَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ فَتَجُوزُ مُصَارَفَتُهُ عَلَيْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [فَرْعٌ التَّصْدِيقُ فِي الصَّرْفِ الْأَوَّلِ] ص (وَبِتَصْدِيقٍ فِيهِ كَمُبَادَلَةِ رِبَوِيَّيْنِ) ش أَيْ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ بِتَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ فِي وَزْنٍ أَوْ صِفَةٍ وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ أَيْ كَانَ ثِقَةً صَادِقًا جَازَ التَّصْدِيقُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يُكْرَهُ التَّصْدِيقُ وَحَكَى الْأَرْبَعَةَ ابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّصْدِيقِ فِي الصَّرْفِ وَفِي مُبَادَلَةِ الطَّعَامَيْنِ فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ لِلِاخْتِلَافِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّرْفِ، وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ، وَنَصُّهُ: " وَلَا يَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي الصَّرْفِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي بَدَلِ الطَّعَامَيْنِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَهُ سِوَارَيْنِ عَلَى أَنْ يُصَدِّقَهُ فِي وَزْنِهِمَا

تنبيهات الأول له على رجل نصف دينار إلى أجل فدفع الذي عليه الحق نصف دينار دراهم وأخذ منه دينارا قبل الأجل

وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ، وَإِنْ افْتَرَقَا وَوَجَدَهُمَا كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُنْتَقَضَ فَلَوْ وَزَنَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَوَجَدَ نَقْصًا فَرَضِيَهُ أَوْ زِيَادَةً فَتَرَكَهَا الْآخَرُ فَذَلِكَ جَائِزٌ مُحَمَّدٌ قَالَ أَشْهَبُ فِي افْتِرَاقِهِمَا عَلَى التَّصْدِيقِ فَيَجِدُ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا فَتَرَكَ الْفَضْلَ مَنْ هُوَ لَهُ جَازَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِيهَا رَدِيئَةً أَوْ دُونَ مَا قَالَ مِنْ الْوَزْنِ فَيَتْرُكُ ذَلِكَ وَلَا يَتْبَعُهُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. ص (وَمُقْرَضٍ وَمَبِيعٍ لِأَجَلٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ وَمُعَجَّلٍ قَبْلَ أَجَلِهِ) ش: وَانْظُرْ إذَا صَدَقَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. ص (وَبَيْعٍ وَصَرْفٍ) ش: أَيْ وَحُرِّمَ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَصَرْفٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ وَقَعَ فَقِيلَ: هُوَ كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَيُفْسَخُ وَلَوْ مَعَ الْفَوَاتِ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَيُفْسَخُ مَعَ الْقِيَامِ لَا مَعَ الْفَوَاتِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ السَّلَفُ وَالصَّرْفُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ أَضْيَقُ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ أَوْ رَدَّهُ جَازَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَإِنْ تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ فِي السَّلَفِ وَالصَّرْفِ لَمْ يَجُزْ وَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ قَائِلٍ أَنْ يَمْضِيَ الصَّرْفُ إذَا رَضِيَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ بِتَرْكِهِ انْتَهَى. مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ. [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَدَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ نِصْفَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ وَأَخَذَ مِنْهُ دِينَارًا قَبْلَ الْأَجَلِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مِمَّا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةُ أَوَّلِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ نِصْفُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَدَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ نِصْفَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ وَأَخَذَ مِنْهُ دِينَارًا قَبْلَ الْأَجَلِ: قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَصَرْفٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ أَجَلِهِ يُعَدُّ مُسَلِّفًا قِيلَ: لَهُ فَإِنْ دَفَعَ لَهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي عَرْضًا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ نِصْفِ الدِّينَارِ سَلَفٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهُ بَيْعٌ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهُ صَرْفٌ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَحَقَّاهُ فِيهِ لِقِلَّتِهِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّاهُ فِي الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ أَضْيَقُ مِنْ الْبَيْعِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. [التَّنْبِيه الثَّانِي لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْبَيْعِ عُقُودٌ سِتَّةٌ] (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْقَرَافِيِّ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْبَيْعِ عُقُودٌ سِتَّةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ جِصُّ مُشَنَّقٌ، فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ، وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشِّينُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ، وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ لِتَضَادِّ أَحْكَامِهَا وَأَحْكَامِ الْبَيْعِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ عُقُودٌ مَنَعْنَاهَا مَعَ الْبَيْعِ سِتَّةٌ ... وَيَجْمَعُهَا فِي اللَّفْظِ جِصٌّ مُشَنَّقُ فَجَعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شَرِكَةٌ ... نِكَاحٌ قِرَاضٌ مَنْعُ هَذَا مُحَقَّقُ وَقَدْ نَظَمْتُ الْعُقُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي بَيْتَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ أُخْرَى فَقُلْت: نِكَاحٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شَرِكَةٌ ... قِرَاضٌ وَجُعْلٌ فَامْنَعْنَهَا مَعَ الْبَيْعِ كَذَا الْقَرْضُ فَامْنَعْ مَعَ عُقُودِكِ كُلِّهَا ... سِوَى عَقْدِ مَعْرُوفٍ يَكُونُ عَلَى الطَّوْعِ (قُلْتُ) : وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ صَرْفٌ وَبَيْعٌ فِي صَفْقَةٍ، وَلَا شَرِكَةٌ فِي نِكَاحٍ وَبَيْعٍ، وَلَا جَعْلٌ وَبَيْعٌ وَلَا قِرَاضٌ وَبَيْعٌ وَلَا مُسَاقَاةٌ وَبَيْعٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ بِالْمَنْعِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ ذَكَرَ سِتَّةَ عُقُودٍ تُمْنَعُ مَعَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ السَّلَفُ مَعَ الْبَيْعِ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ، فَقَالَ تَجَنَّبْ عُقُودًا سَبْعَةً فَهِيَ كُلُّهَا ... مَدَى الدَّهْرِ عِنْدِي لَا تَجُوزُ مَعَ الْبَيْعِ نِكَاحٌ وَقَرْضٌ أَوْ قِرَاضٌ وَشَرِكَةٌ ... وَجَعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ فِي الْمَنْعِ

فروع الأول إذا وقع البيع والصرف على الوجه الجائز

انْتَهَى. وَذَكَرَهَا الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ وَبَيَّنَ وَجْهَ مُنَافَاةِ الْبَيْعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ وَذَكَرَهَا مَنْظُومَةً فِي أَبْيَاتٍ خَمْسَةٍ وَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَنْعَ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَنَّ أَشْهَبَ يُخَالِفُهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُغَارَسَةِ لَا تَجُوزُ مَعَ الْبَيْعِ، وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْجُعْلِ، وَقَالَ فِي الشَّرِكَةِ مَعَ الْبَيْعِ: وَهَذَا إذَا اسْتَقَلَّتْ الشَّرِكَةُ عَنْ الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْبَيْعِ فَهِيَ جَائِزَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَفِي رَسْمِ نَقْدِهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَيْضًا مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْعُ الْبَيْعِ مَعَ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْبَيْعِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةَ بِالطَّعَامَيْنِ وَبِالدَّنَانِيرِ مِنْ جَانِبٍ وَالدَّرَاهِمِ مِنْ آخَرَ وَزَادَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ السَّلَمَ وَالْإِقَالَةَ، وَقَالَ: جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ {جِصّ نَقْش قس} انْتَهَى، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَكَذَلِكَ مَا قَارَنَ السَّلَفَ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ حَصْرُهُ أَنْ تَقُولَ: كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهُ السَّلَفُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَاوَضَةٍ مَا قَارَنَ السَّلَفَ كَالصَّدَقَةِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ صَاحِبِ السَّلَفِ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ أَسَلَفَهُ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَالسَّلَفُ لَا يَكُونُ إلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. وَقَوْلِي مَعَ عُقُودِي كُلِّهَا يَشْمَلُ الْقِرَاضَ وَالشَّرِكَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ مُقَارَنَتُهُمَا لِلسَّلَفِ إلَّا إنْ كَانَ النَّفْعُ فِي ذَلِكَ لِلْمُتَسَلِّفِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كَعُقُودِ الْمَعْرُوفِ كَمَا أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْجُزُولِيُّ فِي الصَّدَقَةِ لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ الْمَعْرُوفِ فَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ مَعَ الْخُلْعِ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَاجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ جَائِزٌ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي بَابِ الْإِجَارَةِ، وَالصَّرْفُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ فَيُمْنَعُ مَعَ الْعُقُودِ الَّتِي تُمْنَعُ مَعَ الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ أَشَدُّ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ الصَّرْفُ مَعَ نِكَاحٍ وَلَا فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَيَدْفَعَ لَهَا دِينَارًا وَيَأْخُذَ مِنْهَا بِالنِّصْفِ الْبَاقِي دَرَاهِمَ وَلَا مَعَ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ وَالشَّرِكَةِ وَالْجُعْلِ، بَلْ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الصَّرْفِ مَعَ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ مَعَ الْبَيْعِ، بَلْ وَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ ذَلِكَ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي لَا يَرَى أَنَّ قَبَضَ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْكِرَاءُ كَقَبْضِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَمَا وَقَعَ فِي رَسْمِ: صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ إجَازَةِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الَّذِي يَرَى أَنَّ قَبْضَ الشَّيْءِ الْمُكْتَرَى يُسْتَوْفَى مِنْهُ قَبْضُ جَمِيعِ الْكِرَاءِ انْتَهَى. نَعَمْ إنْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَاسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ، ثُمَّ دَفَعَ دِينَارًا وَأَخَذَ نِصْفَهُ فَالظَّاهِرُ عَلَى الْمَشْهُورِ جَوَازُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ لِشَخْصٍ نِصْفَ دِينَارٍ عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَهُ وَاسْتَحَقَّ الْجُعْلَ لَجَازَ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْجَاعِلُ دِينَارًا وَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ دِينَارٍ فِضَّةً. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَصْلُحُ مَعَ الشَّرِكَةِ صَرْفٌ وَلَا قِرَاضٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِهَا: قَالَ الْمَغْرِبِيُّ يَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ السِّتَّةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَمِثْلُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ انْتَهَى. ص (أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ) ش: سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ أَكْثَرَ أَوْ الصَّرْفُ أَكْثَرَ فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْكُسُورِ وَدَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَقِيَّةَ الدِّينَارِ الْعَاشِرِ دَرَاهِمَ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ صَرَفَ مِنْهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ كُلَّ دِينَارٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِائَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَيُعْطِيَهُ بِالْبَاقِي طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ السِّلْعَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الصَّرْفِ خِلَافًا لِلسُّيُورِيِّ فِي إبْقَاءِ كُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ عَلَى حُكْمِهِمَا حَالَ الِانْفِرَادِ فَأَوْجَبَ تَعْجِيلَ الصَّرْفِ

الفرع الثاني وقع البيع والصرف ثم وجد بالسلعة أو بالدينار أو بالدراهم عيبا وقام به واجده

وَأَجَازَ تَأْخِيرَ السِّلْعَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ وُجُوبَ الْمُنَاجَزَةِ فِي سِلْعَةِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ كَنَقْدِهِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَقَدْ نَصَّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ السِّلْعَةِ الَّتِي مَعَ الصَّرْفِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ. [الفرع الثَّانِي وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ ثُمَّ وَجَدَ بِالسِّلْعَةِ أَوْ بِالدِّينَارِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ عَيْبًا وَقَامَ بِهِ وَاجِدُهُ] (الثَّانِي) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، ثُمَّ وَجَدَ بِالسِّلْعَةِ أَوْ بِالدِّينَارِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ عَيْبًا وَقَامَ بِهِ وَاجِدُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: اُنْتُقِضَ الْجَمِيعُ قَالَ سَنَدٌ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ تَابِعَهَا، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فَتَنَاقَدَا، ثُمَّ وَجَدَ بِالدِّرْهَمِ عَيْبًا أَنَّ لَهُ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الصَّرْفِ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ الْبَيْعَ وَكَانَ الصَّرْفُ تَبَعًا كَانَ حُكْمُهُ فِي الْبَدَلِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ، وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ حُكْمِ الصَّرْفِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ. [الفرع الثَّالِثُ لَوْ انْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ بَيْنَهُمَا بَيْعًا مَحْضًا ثُمَّ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ الصَّرْفُ] (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ انْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ بَيْنَهُمَا بَيْعًا مَحْضًا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ الصَّرْفُ كَمَا لَوْ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ دَفَعَ دِينَارًا أَوْ تَعَجَّلَ الثَّوْبَ وَنِصْفَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ، ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ عَيْبًا، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُنْتَقَضُ إلَّا صَرْفُ الدِّرْهَمِ، وَذَكَرَ الْقَبَّابُ فِي آخِرِ رَسْمِ الشِّرَاءِ بِبَعْضِ الْمُعَيَّنِ أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ قَيَّدَ كَلَامَ مَالِكٍ بِمَا ذَكَرَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ لَهُ، وَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ فَسْخَ الْعَقْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يَبْعُدُ إبْقَاءُ جَوَابِ الْإِمَامِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَآهُ مِنْ بَابِ التُّهَمِ عَلَى الْقَصْدِ إلَى التَّأْخِيرِ، وَجَزَمَ الْقَبَّابُ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِيَسِيرٍ أَنَّ مَا كَانَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ خُصُوصًا إذَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرع الرَّابِعُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ] (الرَّابِعُ) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَقِيلَ هُوَ كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ يُفْسَخُ وَلَوْ مَعَ الْفَوَاتِ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ الْبِيَاعَات الْمَكْرُوهَةِ فَيُفْسَخُ مَعَ الْقِيَامِ لَا مَعَ الْفَوَاتِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ مُصَدِّرًا بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ بِقِيلَ، وَفُرُوعُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَا مِنْهَا الضَّرُورِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسِلْعَةٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) ش هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا مَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ، وَالصَّرْفِ وَذَلِكَ قَالَ: إنَّهُمْ أَجَازُوا هُنَا أَنْ تَتَقَدَّمَ السِّلْعَةُ، وَيَتَأَخَّرَ النَّقْدَانِ، كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِمَا فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ قُلْت لِمَ جَوَّزُوا هُنَا مَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ وَلَعَلَّهُمْ رَاعُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إلَى الْيَسِيرِ وَالْمُتَبَايِعَانِ إنَّمَا بَنَيَا كَلَامَهُمَا أَوَّلًا عَلَى الْبَيْعِ فَكَانَ الصَّرْفُ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا أَتَيَا أَوَّلًا بِالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ عُلِمَ أَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: إلَّا دِرْهَمَيْنِ بَيَانٌ لِلْيَسِيرِ الَّذِي اُغْتُفِرَ مَعَهُ تَأْجِيلُ النَّقْدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْو كَانَ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، بَلْ قَالَ فِيهَا إنَّهُ اسْتَثْقَلَ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ، وَنَصُّهَا: " وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا إنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ نَقْدًا فَإِنْ تَأَخَّرَ الدِّينَارُ أَوْ الدِّرْهَمُ أَوْ السِّلْعَةُ وَتَنَاقَدَا الْبَاقِيَ لَمْ يَجُزْ "، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ نَقْدًا وَالسِّلْعَةُ مُؤَخَّرَةً فَجَائِزٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ وَعُجِّلَتْ السِّلْعَةُ فَجَائِزٌ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ بِدِينَارٍ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَمْ أُحِبَّ ذَلِكَ إلَّا نَقْدًا، وَجَعَلَ رَبِيعَةُ الثَّلَاثَةَ كَالدِّرْهَمَيْنِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ إلَّا زَحْفًا فَأَمَّا الدِّينَارُ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَوْ عَشَرَةً فَيَجُوزُ هَذَا نَقْدًا وَلَا يَنْبَغِي التَّأْخِيرُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِلْغَرَرِ فِيمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ

مِنْ الدِّينَارِ عِنْدَ الْأَجَلِ فِي حَالِ الصَّرْفِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: لَمْ أُحِبَّ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا خَيْرَ فِيهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ التَّأْخِيرِ حَرَامٌ وَقَوْلُهُ: إلَّا زَحْفًا، أَيْ اسْتِثْقَالًا وَكَرَاهَةً، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي التَّأْخِيرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَجُوزُ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ بِالْغَرَرِ (الثَّانِي) لَوْ تَعَدَّدَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ عَلَى حَالِهَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدِينَارَيْنِ إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فَالْحُكْمُ، كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ تَأَجَّلَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدِّرْهَمَانِ جَازَ وَأَمَّا لَوْ تَعَجَّلَ دِينَارًا أَوْ دِينَارَيْنِ وَتَأَخَّرَ دِينَارٌ مَعَ الدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ابْتَعْتَ سِلْعَةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَنَقَدْتُهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَتَأَخَّرَ الدِّينَارُ الْبَاقِي وَالدِّرْهَمُ أَوْ نَقَدْتُهُ وَأَخَذْت الدِّرْهَمَ، وَأَخَّرْت الْأَرْبَعَةَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذْ لِلدِّرْهَمِ فِي كُلِّ دِينَارٍ حِصَّةٌ ص (أَوْ السِّلْعَةُ) ش: هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ قَوْلِ أَشْهَبَ فِيهَا وَأَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَنْعَ كَظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قِيلَ: وَالْمَشْهُورُ فِيمَا إذَا تَأَجَّلَتْ السِّلْعَةُ وَقَيَّدَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِمَا عَدَا التَّأْخِيرَ الْيَسِيرَ قَالَ: أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ الثَّوْبُ بِمِثْلِ خِيَاطَتِهِ أَوْ يَبْعَثَ فِي أَخْذِهِ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ص (بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِمَا) ش: تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ ذَلِكَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اُخْتُلِفَ فِيمَا يُقْضَى بِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهَا وَيُقْضَى بِمَا سَمَّيَا وَقِيلَ: بِدَرَاهِمَ وَيَتَقَاصَّانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْقَضَاءُ، فَحَكَى عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَائِعَ يُعْطِي الدِّرْهَمَ أَوْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيَأْخُذُ الدِّينَارَ، وَلَيْسَ مَا نَسَبَهُ لِلْمُدَوَّنَةِ صَرِيحًا فِيهَا، بَلْ هُوَ ظَاهِرُهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَصَرَّحَ الْمَازِرِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَهَا عَلَى مَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ إنَّمَا يَأْخُذُ صَرْفَ دِينَارٍ يَنْقُصُ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ إنْ كَانَ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ مَنْقُودَيْنِ فَالْمَشْهُورُ دَفْعُ الْبَائِعِ الدِّرْهَمَ مَعَ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ فَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ. (الثَّانِي) لَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ أَجَلِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ. (الثَّالِثُ) إذَا وُجِدَ فِي الدِّرْهَمَيْنِ عَيْبٌ فَهَلْ يَجُوزُ الْبَدَلُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّفْقَةِ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَنَقَلَهُمَا اللَّخْمِيّ وَابْنُ عَرَفَةَ قَدَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ إجَازَةَ الْبَدَلِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مِيلٌ لِتَرْجِيحِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) إنْ قِيلَ إذَا مُنِعَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ تَأْجِيلِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مَعَ تَأْجِيلهِمَا مِنْ بَابِ أَوْلَى فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالتَّقْدِيمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِذَا تَقَدَّمَتْ السِّلْعَةُ وَتَأَخَّرَ النَّقْدَانِ دَلَّ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّرْفَ مَقْصُودٌ، وَلَمْ يَحْصُلْ شَرْطُهُ، وَهُوَ الْمُنَاجَزَةُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا ابْتَعْتَ سِلْعَةً بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الذَّهَبِ وَتَدْفَعُ إلَيْهِ مَا تَرَاضَيْتُمَا فَإِنْ تَشَاحَحْتُمَا قُضِيَ عَلَيْكَ فِي جُزْءِ الدِّينَارِ بِدَرَاهِمَ بِصَرْفِ يَوْمِ الْقَضَاءِ لَا يَوْمِ التَّبَايُعِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ بِدِينَارٍ فَوَهَبَ لَهُ نِصْفَهُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَى الْغَرِيمِ فِيهِ إلَّا بِدَرَاهِمَ بِصَرْفِ يَوْمِ الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغَرِيمُ أَنْ يَأْتِيَ بِدِينَارٍ فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيهِ فَلَا يَكُونُ لِلطَّالِبِ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الدَّرَاهِمِ مِنْ حَقِّ الْغَرِيمِ لَا عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَلَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى بَاعَهُ سِلْعَةً أُخْرَى بِنِصْفِ دِينَارٍ لَحُكِمَ لِلطَّالِبِ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ، قَالَهُ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا، كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى لِمَنْ وَجَبَ لَهُ نِصْفُ دِينَارٍ يَصْرِفُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الدِّينَارَ الْقَائِمَ لَا يَنْقَسِمُ فَإِذَا وَجَبَ لَهُ نِصْفَانِ أَعْطَاهُ دِينَارًا قَائِمًا، كَمَا ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ عَلَيْهِ لِيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَأَتَاهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ لَجُبِرَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُتْبِعَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ

أَنَا أُؤَخِّرُهُ حَتَّى يُوسِرَ فَيُعْطِيَ دِينَارًا وَلَوْ بَاعَهُ بِدِينَارٍ قَائِمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَائِمًا بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، وَقَالَ: أَنَا أُنْظِرُهُ حَتَّى يُوسِرَ فَآخُذَ مِنْهُ دِينَارًا لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ دِينَارَانِ فَأَتَاهُ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى. (قُلْت) وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَجَاءَهُ بِنِصْفِهِ دَرَاهِمَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بِرِضَاهُ أَنْ يُصَارِفَهُ عَلَى الدِّينَارِ بِدَرَاهِمَ يَأْتِيهِ بِهَا مُفَرَّقَةً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ يُصَارِفُهُ بِمَا جَاءَ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الدِّينَارِ. ص (كَدَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِالْمُقَاصَّةِ إلَى آخِرِهِ) ش: يَعْنِي إذَا تَعَدَّدَتْ السِّلْعَةُ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ الْمُسْتَثْنَاةُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ ثَوْبٍ كُلَّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْمُقَاصَّةِ أَوْ لَا فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْمُقَاصَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا اجْتَمَعَ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَثْنَاةِ قَدْرُ صَرْفِ دِينَارٍ أَسْقَطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ صَرْفَ الدِّينَارِ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا فَلَا يَخْلُو حِينَئِذٍ إمَّا أَنْ لَا يَفْضُلَ مِنْ الدَّرَاهِمِ شَيْءٌ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ كَانَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ إنَّمَا وَقَعَ بِالدِّينَارِ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ كُلَّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ عَلَى الْمُقَاصَّةِ وَعَلَى أَنَّ صَرْفَ الدِّينَارِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ ثَمَنُ الْأَثْوَابِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ، وَإِنْ فَضُلَ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ فَيَجُوزُ أَيْضًا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ إذَا تَأَخَّرَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ أَوْ الدِّرْهَمَانِ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ كَمَسْأَلَةِ سِلْعَةٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا كُلَّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ عَلَى الْمُقَاصَّةِ وَعَلَى أَنَّ صَرْفَ الدِّينَارِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ ثَمَنُ الْأَثْوَابِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، وَإِنْ فَضَلَ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ فَيَجُوزُ إنْ كَانَ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَيْ عَشَرَ ثَوْبًا عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا إلَّا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِالْمُقَاصَّةِ " أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَشْتَرِطَا الْمُقَاصَّةَ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ يُرْجَعُ إلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَجُوزُ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَثْنَاةُ دِرْهَمَيْنِ نَقْدًا كَانَ أَوْ إلَى أَجَلٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسْتَثْنَاةُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَهِيَ دُونَ صَرْفِ دِينَارٍ فَيَجُوزُ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ فَلَا يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ فَلَا يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ مَنْعِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَلَا تَقَعُ الْمُحَاسَبَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ هَذَا تَحْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَصَائِغٍ يُعْطَى الزِّنَةَ وَالْأُجْرَةَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّخْصُ مِنْ الصَّائِغِ فِضَّةً بِوَزْنِهَا فِضَّةً وَيَدْفَعَهَا لَهُ يَصُوغُهَا وَيَزِيدُهُ الْأُجْرَةَ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرَاطِلَ الشَّيْءَ الْمَصُوغَ بِفِضَّةٍ وَيَزِيدَهُ الْإِجَارَةَ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَاطِلَهُ الْفِضَّةَ، ثُمَّ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ صَوْغَهَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَيَبْعُدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ. (قُلْتُ) وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ الصَّائِغِ فِضَّةً بِذَهَبٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ لِيَصُوغَهَا لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ

الْمُنَاجَزَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُودِعَ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ وَسَكٍّ وَاِتَّحَدَتْ وَعُرِفَ الْوَزْنُ وَانْتَقَدَ الْجَمِيعُ كَدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَإِلَّا فَلَا) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ وَصُورَتُهَا أَنْ يُعْطَى الْإِنْسَانُ دِرْهَمًا

وَيَأْخُذَ بِنِصْفِهِ فُلُوسًا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَبِالْبَعْضِ الْبَاقِي فِضَّةً وَالْأَصْلُ فِيهَا الْمَنْعُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ لِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الصَّرْفِ جِنْسٌ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ، وَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ، ثُمَّ خَفَّفَهُ لِضَرُورَةِ النَّاسِ وَلَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَحْنُونٌ وَفَصَّلَ أَشْهَبُ مَا أَجَازَهُ حَيْثُ لَا فُلُوسَ وَمَنَعَهُ فِي بَلَدٍ يُوجَدُ فِيهِ الْفُلُوسُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ، وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْفُلُوسُ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَذَكَرُوا لِلْجَوَازِ شُرُوطًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ غَالِبَهَا. (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَلَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ دِرْهَمَيْنِ وَيَأْخُذَ نِصْفًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ ثَلَاثَةً وَيَأْخُذَ نِصْفًا وَكَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ وَفَهِمَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا أَنَّ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ الشَّخْصُ سِلْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كُلَّ سِلْعَةٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَيَرُدَّ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ نِصْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: وَأَمَّا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَجَائِزَةٌ، وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَمَّا الْمَنْعُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ مَسَائِلِ ابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ فِي الْبُيُوعِ. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ كَبِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ وَيَسْتَرِدَّ فِيهَا دِرْهَمًا صَغِيرًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْمَنْعِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَعَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُ الرَّدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَوْنُهُ فِي دِرْهَمٍ كُلُّ الثَّمَنِ وَسِكَّةُ الْمَرْدُودِ، وَعَدَمُ زِيَادَتِهِ عَلَى النِّصْفِ وَأَمَّا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالْمَنْعُ فِيهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى السِّلْعَتَيْنِ أَوْ السِّلَعِ جَمِيعًا فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَفِي السِّلْعَتَيْنِ يَدْفَعُ لَهُ دِرْهَمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ دِرْهَمَيْنِ وَيَأْخُذُ صَرْفَ دِرْهَمٍ كَامِلٍ وَفِي السِّلَعِ الْكَثِيرَةِ الْمَنْعُ أَظْهَرُ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " بِخِلَافِ دِرْهَمٍ " وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ شَرْطٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ فِي الدِّينَارِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي الدِّرْهَمِ: وَالْمَعْرُوفُ مَنْعُ رَدِّ الذَّهَبِ فِي مِثْلِهِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الرَّدِّ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ النَّقْلُ الَّذِي نَقَلَهُ لِغَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَنْعَ الرَّدِّ فِي الدِّينَارِ. (قُلْت) نَقَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الرَّدِّ فِي الدِّينَارِ لَا أَعْرِفُهُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُدُولِ بَلَدِنَا الْمُدَرِّسِينَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا نُقِلَ عَنْهُ لِيُؤَنِّبَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْكَرَ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ اهـ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا فِي غَيْرِ الدِّينَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ الْمُشْتَرَكِ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِجَوَازِ رَدِّ الذَّهَبِ فِي مِثْلِهِ لِلشَّرِيكَيْنِ فِي دِينَارٍ مَثَلًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهَا فِي الْحُلِيِّ مِنْ بَابِ أَحْرَى؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْحُلِيِّ يَجُوزُ بِخِلَافِ قَطْعِ الدِّينَارِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ قَدَّاحٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَنْعِ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ التُّونِسِيِّينَ مِمَّنْ كَانَ فِي طَبَقَةِ شُيُوخِهِ كَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الزَّوَاوِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ زَيْتُونٍ، وَنَصَّ عَلَى الْجَوَازِ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَاللَّخْمِيُّ وَلَمْ يَحْفَظْ الشَّيْخَانِ الْأَوَّلَانِ نَصَّهُمَا اهـ. وَفُهِمَ مِنْ حَصْرِ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ فِي نِصْفٍ وَفُلُوسٍ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ فُلُوسٌ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ الْفُلُوسَ مَعَ الْفِضَّةِ، وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَشْهَبَ الْمَنْعُ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالْكَرَاهَةِ نَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ النِّصْفَ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخَذْت بِثُلُثِهِ، أَيْ الدِّرْهَمِ طَعَامًا وَبَاقِيهِ فِضَّةً فَمَكْرُوهٌ

اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَيْ حَرَامٌ وَفِي الْأُمَّهَاتِ فَلَا يَجُوزُ اهـ. وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ فِي الصَّرْفِ فِي تَرْجَمَةِ الَّذِي يَصْرِفُ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ يَصْرِفُهَا بِدَنَانِيرَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ. (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي بَيْعٍ يُرِيدُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ وَلَا يَجُوزُ فِي صَدَقَةٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا قَرْضٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَبَّابُ: إنَّمَا يَجُوزُ الرَّدُّ فِي الْكِرَاءِ وَالْإِجَارَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَنَافِعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ نَعْلَهُ، وَدَلْوَهُ لِمَنْ يَخْرُزُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا كَبِيرًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الصَّانِعُ دِرْهَمًا صَغِيرًا، وَيَتْرُكُ عِنْدَهُ شَيْئَهُ حَتَّى يَصْنَعَهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ إذَا لَمْ يَكُونَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ التُّونِسِيِّينَ فِيمَنْ اشْتَرَى لَبَنًا أَوْ مَخِيضًا فِي إنَاءٍ مِنْ عِنْدِ الْبَائِعِ يَحْمِلُ فِيهِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ إلَيْهِ نِصْفًا فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَلَمْ تُسْتَوْفَ فِيهَا الْمَنْفَعَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِجَوَازِهِ لِيَسَارَةِ مَنْفَعَةِ الْحَمْلِ فِي الْآنِيَةِ، نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالصَّرْفِ وَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى الْجَوَازِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ وَبِالْمَنْعِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْإِنَاءِ مِنْ الثَّمَنِ لِوَصْلَةٍ تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، وَطَلَبَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُعِيرُهُ اهـ. (قُلْت) أَوْ لِيَسَارَةِ ثَمَنِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِإِنَاءٍ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يُنْقَصْ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ. (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ وَالنِّصْفُ مَسْكُوكَيْنِ. (الشَّرْطُ السَّادِسُ) أَنْ تَتَّحِدَ سَكَّتُهُمَا وَانْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ وَمَا الْمُرَادُ مِنْهُ هَلْ هُوَ أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ وَالنِّصْفُ سِكَّةَ مِلْكِ وَاحِدٍ أَوْ أَنْ يَكُونَا مِنْ سِكَّةٍ مُمَلَّكَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُلُوكُ إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ بِتِلْكَ السِّكَكِ وَلَوْ كَانَ الدِّرْهَمُ مِنْ سِكَّةِ مِلْكٍ وَالنِّصْفُ مِنْ سِكَّةِ مِلْكٍ آخَرَ وَلَكِنْ جَرَى التَّعَامُلُ بَيْن النَّاسِ عَلَى أَنَّ هَذَا نِصْفُ هَذَا وَعَلَى هَذَا تَدُلُّ فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرِينَ اُنْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ وَاحْتَرَزُوا بِذَلِكَ عَمَّا إذَا دَفَعَ دِرْهَمًا مِنْ سِكَّةٍ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا وَرَدَّ عَلَيْهِ مِنْ سِكَّةٍ أُخْرَى أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ سِكَّةٍ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا. (الشَّرْطُ السَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ وَنِصْفُهُ مَعْرُوفَيْ الْوَزْنِ، وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا هَلْ هُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ النِّصْفِ قَدْرَ نِصْفِ وَزْنِ الدِّرْهَمِ أَوْ الْمُرَادُ مَعْرِفَةُ وَزْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ وَزْنَ النِّصْفِ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِ نِصْفِ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلُّ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُ النِّصْفِ الْمَرْدُودِ أَكْثَرَ فِي الْوَزْنِ مِنْ وَزْنِ نِصْفِ الدِّرْهَمِ وَلَكِنَّهُ لَا يُرَوَّجُ إلَّا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يُجِيزُهُ اعْتِبَارًا بِالنِّفَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ اعْتِبَارًا بِالْوَزْنِ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذَا الْبَابِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ جَرَى التَّعَامُلُ بِأَنَّ هَذَا نِصْفُ هَذَا فَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ وَزْنِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ لِلرَّدِّ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الشَّرْطَ وَلَا الشَّرْطَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِي هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ، وَنَصُّهَا فِي مَسَائِلَ الصَّرْفِ وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ سَأَلْت عَنْهَا أَشْيَاخَنَا فَاخْتَلَفُوا فِيهَا وَهِيَ أَنَّ التَّعَامُلَ كَانَ بِتُونُسَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا فَجُهِلَ قَدْرُ الدَّرَاهِمِ وَالْأَنْصَافِ، وَالْأَرْبَاعِ لِاخْتِلَافِ السِّكَكِ وَتَسَاوِيهَا فِي النِّفَاقِ، وَلَكِنَّهَا صَارَتْ آحَادُهَا مَجْهُولَةَ الْقَدْرِ فَهَلْ يَصِحُّ الرَّدُّ فِيهَا؟ فَسَأَلْتُ شَيْخَنَا الْغُبْرِينِيَّ فَمَنَعَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ فَتْوَى مَنْ سَبَقَهُ بِذَلِكَ وَسَأَلْت شَيْخَنَا ابْنَ حَيْدَرَةَ فَقَالَ عَلَى مَا قَالَ فِي الْأَمْرِ الْمُهِمِّ هُوَ جَائِزٌ وَسَأَلْت عَنْهَا شَيْخَنَا الْإِمَامَ فَقَالَ: إنْ اضْطَرَّ الْإِنْسَانُ يَفْعَلُ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] فَيَتَحَصَّلُ فِيمَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ وَعَمَّتْ وَغَلَبَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْوَزْنِ وَالتَّفَاوُتِ فِي الطِّيبِ وَالرَّدَاءَةِ

وَالنَّفَاقِ وَأَحَدُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَالصَّوَابُ فَتْوَى شَيْخِنَا الْفَقِيهِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُهُ لِلضَّرُورَةِ فَمَتَى وُجِدَتْ أُبِيحَ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَلَا. (الشَّرْطُ الثَّامِنُ) أَنْ يَنْقُدَ الْجَمِيعَ، أَيْ السِّلْعَةَ الْمُشْتَرَاةَ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ، أَوْ الْفُلُوسَ الْمَأْخُوذَةَ بِنِصْفِهِ، وَالدِّرْهَمَ الْكَبِيرَ الْمَدْفُوعَ، وَالنِّصْفَ الْمَرْدُودَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَانْتُقِدَ الْجَمِيعُ وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: كَدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ غَازِي: وَإِلَّا فَلَا كَدِينَارٍ وَدِرْهَمَيْنِ قَالَ كَذَا يُصَوِّبُهُ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ، أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ الشُّرُوطُ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ الرَّدُّ فِي الدِّينَارِ، وَلَا فِي دِرْهَمَيْنِ فَأَكْثَرَ. ص (وَرُدَّتْ زِيَادَةٌ بَعْدَهُ لِعَيْبِهِ لَا لِعَيْبِهَا) ش: فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ عَيْبٌ لَصَحَّ الصَّرْفُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا كَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْعَقْدِ صَارَتْ كَجُزْءٍ مِنْ الصَّرْفِ تَأَخَّرَ فَيَفْسُدُ الصَّرْفُ بِتَأَخُّرِهِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ هِبَةٌ لِلصَّرْفِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِإِصْلَاحِ الصَّرْفِ أَبْطَلَتْ الصَّرْفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بَعِيرًا فَسُرِقَ فَأَسْلَمَ الْبَائِعَ فَحَطَّ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ، ثُمَّ وَجَدَهُ رَجَعَ الْبَائِعُ بِمَا وَضَعَ عَنْهُ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ وَكَذَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ بِسَبَبِ الْخَسَارَةِ، فَرَبِحَ أَوْ خَشْيَةَ الْمَوْتِ عَنْ مَرَضٍ حَدَثَ فَعُوفِيَ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلٍ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. ص (وَهَلْ مُطْلَقًا) ش: أَيْ سَوَاءٌ أَوْجَبَ الزِّيَادَةَ أَوْ لَمْ يُوجِبْهَا عَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا إذَا ظَهَرَ فِيهَا عَيْبٌ، وَهَذَا تَأْوِيلُ مَنْ حَمَلَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ لِلْمُدَوَّنَةِ. ص (أَوْ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا) ش: هُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَيْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْوِفَاقِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَكَ رَدُّ الزِّيَادَةِ لِعَيْبٍ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجِبْهَا أَمَّا إذَا أَوْجَبَهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، وَيُبَدِّلُهَا وَلَا يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَعَبْدِ الْحَقِّ قَالُوا كَمَا إذَا قَالَ لَهُ نَقَصْتَنِي عَنْ صَرْفِ النَّاسِ فَزِدْنِي فَيُفْهَمُ أَنَّهُ إذَا زَادَهُ فَقَدْ أَلْحَقَهُ بِصَرْفِ النَّاسِ، فَقَدْ أَوْجَبَ الزِّيَادَةَ. ص (أَوْ إنْ عُيِّنَتْ) ش: هَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الثَّانِي لِمَنْ حَمَلَ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الْوِفَاقِ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَيَّنَ الزِّيَادَةَ فَقَالَ لَهُ: أَزِيدُكَ هَذَا الدِّرْهَمَ مَثَلًا فَلَا رَدَّ لَهُ إنْ كَانَ زَائِفًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ، بَلْ قَالَ: أَزِيدُكَ دِرْهَمًا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ كَمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ هَذَا التَّأْوِيلَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَزَادَهُ دِرْهَمًا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ؛ لِأَنَّ الَّذِي إلَى أَجَلٍ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ: إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَزِيدُكَ أَوْ قَالَ: تَأْتِينِي عِنْدَ أَجَلِ كَذَا وَكَذَا فَجَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا فَوَجَدَهُ زَائِفًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ؛ لِأَنَّهُ رَاضٍ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَزِيدُكَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجَيِّدِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ سَنَدٌ الزِّيَادَةُ هِبَةٌ لِأَجْلِ الْعَقْدِ إنْ مَاتَ وَاهِبُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا كَذَلِكَ وَكَذَا إنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَالَهُ أَوْ كَانَ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْت لَا يَبْطُلُ فِي الْوَكِيلِ مُطْلَقًا بَلْ يَمْضِي إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْبَيْعِ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهَا إنْ رَدَّ الدِّينَارَ بِعَيْبٍ رُدَّتْ الزِّيَادَةُ يُنَافِي قَوْلَ اللَّخْمِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ قَرْضًا يُقْرِضُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَرْضُ لِتَمَامِ عَقْدِ الصَّرْفِ فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتَمَامِ عَقْدِ الصَّرْفِ فَلَمْ يَزِدْهُ شَيْئًا قَالَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ السَّلَفُ

لِإِحْدَاثِ نَفْعٍ مُقَارِبٍ أَوْ لَاحِقٍ، وَأَمَّا السَّابِقُ فَيَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ جَرَّهُ اهـ. (قُلْت) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ النَّفْعَ لَاحِقٌ، وَهُوَ عَدَمُ نَقْضِ الصَّرْفِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ رَضِيَ بِالْحَضْرَةِ بِنَقْصِ قَدْرٍ أَوْ بِكَرَصَاصٍ بِالْحَضْرَةِ أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ أَوْ بِمَغْشُوشٍ مُطْلَقًا صَحَّ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ التَّأْخِيرَ يُفْسِدُ الصَّرْفَ أَخَذَ يَذْكُرُ حُكْمَ مَا إذَا حَصَلَتْ الْمُنَاجَزَةُ، ثُمَّ ظَهَرَ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ فِيهِمَا عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ اسْتِحْقَاقُ أَحَدِهِمَا فَرَدَّ بِالْعَيْبِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: الْقَدْرُ يَشْمَلُ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ، وَالْإِتْمَامُ يَشْمَلُ تَكْمِيلَ الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَتَبْدِيلَ الرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَشْمَلُ تَبْدِيلَ الْمَغْشُوشِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الْمَغْشُوشِ كَأَنْ رَضِيَ قَابِضُهُ بِهِ بِالْحَضْرَةِ أَمْ لَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغِشَّ نَقْصُ صِفَةٍ لَا قَدْرٍ وَالرَّصَاصُ الصَّرْفُ وَنَحْوُهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا وَقَدْ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى إلْحَاقِهِ بِالْقَدْرِ انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: نَقْصُ قَدْرٍ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ " نَقْصُ وَزْنٍ " وَالْأُولَى أَحْسَنُ لِشُمُولِهَا نَقْصَ الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ، كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا حُكْمُ الْعَدَدِ وَقَوْلُهُ: " أَوْ بِكَرَصَاصٍ بِالْحَضْرَةِ " يَعْنِي إذَا وَجَدَ فِي الدَّرَاهِمِ رَصَاصًا وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ كَنَقْصِ الْقَدْرِ فَيَجُوزُ الرِّضَا بِهِ بِالْحَضْرَةِ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ " أَيْ بِإِتْمَامِ نَقْصِ الْقَدْرِ وَبِإِبْدَالِ الرَّصَاصِ وَشِبْهِهِ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الصِّحَّةَ بِالْحَضْرَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرِّضَا بِنَقْصِ الْقَدْرِ وَلَا بِالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَقْصِ الْمِقْدَارِ الْعَدَدِيِّ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ الرِّضَا بِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا إنْ قَامَ بِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَيْدَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلتَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ مَعَ الطُّولِ بَيْنَ نَقْصِ الْعَدَدِ وَنَقْصِ الْمِقْدَارِ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَأُجْبِرَ عَلَى إتْمَامِهِ وَأَمَّا تَكْرِيرُ قَوْلِهِ " بِالْحَضْرَةِ " مَعَ قَوْلِهِ " بِكَرَصَاصٍ " فَلِزِيَادَةِ الْبَيَانِ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ إنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْإِتْمَامَ بِتَبْدِيلِ الْمَغْشُوشِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ وَلَوْ أَرَادَ شُمُولَهُ لَقَدَّمَ قَوْلَهُ أَوْ بِمَغْشُوشٍ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الرِّضَا بِالْمَغْشُوشِ يَصِحُّ وَلَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ أَوْ رَضِيَ بِالْمَغْشُوشِ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِهِ " أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ " لَا وَهْمَ أَنَّهُ يَجُوزُ الرِّضَا بِتَبْدِيلِ الْمَغْشُوشِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ طَالَ نَقْضٌ إنْ قَامَ بِهِ وَلَا يُرِيدُ ابْنَ غَازِيٍّ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِتَبْدِيلِ الْمَغْشُوشِ بِالْحَضْرَةِ لَا يَصِحُّ الصَّرْفُ، بَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى إذْ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الرِّضَا بِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِي لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الرِّضَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَصَلَ وَإِنَّمَا وَقَعَ النَّقْصُ فِي صِفَتِهِ فَلَهُ الرِّضَا بِهِ وَالْمَغْشُوشُ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِمِصْرَ مُعَايَرًا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَتُسَمِّيهِ الْمَغَارِبَةُ النُّحَاسَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ السَّتُّوقُ اهـ. ص (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) ش: أَجَازَ الشَّارِحُ فِي الضَّمِيرِ فِي " عَلَيْهِ " وَجْهَيْنِ

أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى نَقْصِ الْعَدَدِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الْإِتْمَامِ الَّذِي هُوَ تَكْمِيلُ الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَتَبْدِيلِ الرَّصَاصِ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَنَصُّهُ: " الضَّمِيرُ فِي {عَلَيْهِ} يَعُودُ إلَى الْإِتْمَامِ الَّذِي هُوَ تَكْمِيلُ الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَتَبْدِيلُ الرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ " اهـ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يُعَيَّنْ " أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ أَوْ الدَّرَاهِمُ مُعَيَّنَةً لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَدَلِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ فِي تَصْحِيحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَهَّرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ ص (وَإِنْ طَالَ نَقْضٌ إنْ قَامَ بِهِ) ش: هَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ " بِالْحَضْرَةِ " وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بَعْدَ عَقْدِ الصَّرْفِ عَلَى نَقْصِ قَدْرٍ أَوْ عَلَى رَصَاصٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَلَى مَغْشُوشِ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ أَوْ الطُّولِ وَقَامَ وَاجِدُهُ يَطْلُبُ تَكْمِيلَ النَّقْصِ وَتَبْدِيلَ الرَّصَاصِ وَالْمَغْشُوشِ فَإِنَّ الصَّرْفَ يُنْتَقَضُ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " إنْ قَامَ بِهِ " أَنَّهُ إنْ رَضِيَ بِهِ صَحَّ، وَإِنْ طَالَ قَالَ فَإِنْ قُلْت: هَذَا خِلَافُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ أَوَّلًا " وَإِنْ رَضِيَ بِالْحَضْرَةِ "، قُلْت قُصَارَاهُ تَعَارُضُ مَفْهُومَيْنِ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَخَطْبُهُ سَهْلٌ اهـ. (قُلْت) وَلَمْ يُبَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيَّ الْمَفْهُومَيْنِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا هُوَ الْمَفْهُومُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ بِهِ صَحَّ، وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَفْهُومُ ظَرْفٍ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ سَبَبِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ النَّقْصُ فِي الْعَدَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّرْفِ، وَلَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ، كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَنَقْصِ الْعَدَدِ) ش: أَيْ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ نَقْصٌ فِي عَدَدِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ وَالطُّولِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الصَّرْفِ وَلَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصُّهُ: " وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الرِّضَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ فِي الْوَزْنِ وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْعَدَدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرِّضَا عَلَى الْمَشْهُورِ " اهـ. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ يُوجِبُ النَّقْضَ مَعَ الطُّولِ قَامَ بِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ نَقْصِ الْوَزْنِ فَكَأَنَّهُ فَرَّقَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بَيْنَ نَقْصِ الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِتَعَاكُسِ الْمَشْهُورِ فِيهِمَا وَذَكَرَ لَفْظَ التَّوْضِيحِ، ثُمَّ قَالَ: وَعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي إنْكَارَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ نَقْصِ الْوَزْنِ وَنَقْصِ الْعَدَدِ، وَأَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ صَرَفْتَ مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ أَصَبْتَهَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ زُيُوفًا أَوْ نَاقِصَةً فَرَضِيتَهَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَهَا انْتَقَضَ الصَّرْفُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ مِنْ الْعَدَدِ دَرَاهِمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الصَّرْفِ فَاسِدًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: " زُيُوفًا "، أَيْ مَغْشُوشَةً، وَقَوْلُهُ: " نَاقِصَةً "، أَيْ نَاقِصَةَ

الْآحَادِ أَيْ نَاقِصَةً فِي وَزْنِ الْآحَادِ لَا نَاقِصَةَ الْعَدَدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَقْصِ الْعَدَدِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ، وَبَيْنَ نُقْصَانِ الْآحَادِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْضَى إذْ نُقْصَانُ الْعَدَدِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ تَفْرِيطِهِ فِي الْأَغْلَبِ، وَنُقْصَانُ الْآحَادِ لَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ وَجَدَ الدَّنَانِيرَ الْقَائِمَةَ نَاقِصَةً بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَتَجَاوَزَهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ نَقْصًا فِي غَيْرِ الْعَدَدِ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اعْتِرَاضُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ فِي إطْلَاقِهِ فِي نَقْصِ الْوَزْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ وَقَدْ فَصَّلَ اللَّخْمِيُّ فِي ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ فَيَنْقُصُ عَدَدُ الْمَوْزُونِ كَمَا إذَا صَرَفَ مِائَةَ مِثْقَالٍ فَوَجَدَهَا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ أَوْ يَكُونُ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَيَقَعُ النَّقْصُ فِي آحَادِ الْمَعْدُودِ، كَمَا إذَا صَرَفَ مِائَةَ دِينَارٍ قَائِمَةً، وَقَبَضَهَا فَوَجَدَ فِيهَا دَنَانِيرَ يَنْقُصُ وَزْنُهَا عَنْ الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ فَالْأَوَّلُ حُكْمُهُ حُكْمُ نَقْصِ الْعَدَدِ لَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ، وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَاَلَّذِي رَأَيْتُ لِلَّخْمِيِّ أَنَّ النَّقْصَ فِي الصَّرْفِ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَفِي الْوَزْنِ، وَهُوَ فِي الْوَزْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ مَجْمُوعَةً. (وَالثَّانِي) أَنْ تَكُونَ عَدَدًا كَالْقَائِمَةِ وَالْفُرَادَى فَيَجِدُ كُلَّ دِرْهَمٍ نَاقِصًا عَنْ الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ فَإِنْ انْعَقَدَ الصَّرْفُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَدَدًا أَوْ عَلَى الْوَزْنِ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَوَجَدَهَا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّرْفَ يُنْتَقَضُ قَامَ بِحَقِّهِ فِي ذَلِكَ النَّقْصِ أَوْ لَمْ يَقُمْ، وَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ عَلَى قَائِمَةٍ أَوْ فُرَادَى أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا الصَّرْفُ فِيهِ عَلَى الْعَدَدِ فَوَجَدَ بَعْضَهَا يَنْقُصُ عَنْ الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ كَانَ كَالزَّائِفِ إنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ صَحَّ الصَّرْفُ، وَإِنْ رَدَّهُ دَخَلَ الْخِلَافُ هَلْ يُفْسَخُ مَا يَنُوبُهُ أَوْ جَمِيعُ الصَّرْفِ؟ انْتَهَى. فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اعْتِرَاضُ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي جَوَازِ الرِّضَا بِنَقْصِ الْوَزْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ حَيْثُ انْعَقَدَ الصَّرْفُ عَلَى مِائَةِ مِثْقَالٍ أَوْ دِينَارٍ بِالْوَزْنِ، ثُمَّ وُجِدَتْ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ نَقْصِ الْعَدَدِ فَتَأَمَّلْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالدَّرَاهِمُ الْمَجْمُوعَةُ هِيَ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ أَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ نَاقِصٍ وَوَازِنٍ وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْوَزْنُ وَالْقَائِمَةُ هِيَ الدَّرَاهِمُ الَّتِي مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ جَيِّدٍ كَامِلٍ فِي الْوَزْنِ إذَا جُمِعَتْ زَادَتْ فِي الْوَزْنِ وَالْفُرَادَى كَالْقَائِمَةِ إلَّا أَنَّهَا إذَا جُمِعَتْ نَقَصَتْ. ص (وَهَلْ مُعَيَّنُ مَا غُشَّ كَذَلِكَ أَوْ يَجُوزُ فِيهِ الْبَدَلُ؟ تَرَدُّدٌ) ش: أَيْ وَهَلْ إذَا كَانَ الْمَغْشُوشُ مُعَيَّنًا كَقَوْلِهِ: بِعْنِي هَذِهِ الدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا، كَمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيُنْتَقَضُ الصَّرْفُ إذَا قَامَ بِهِ وَأَرَادَ تَبْدِيلَهُ أَوْ الْمُعَيَّنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ فِي الْمُعَيَّنِ إبْدَالُ الْمَغْشُوشِ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالطُّولِ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ، أَيْ اخْتَلَفُوا فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلَّخْمِيِّ وَأَصْلُهُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْمَذْهَبَ كُلَّهُ عَلَى إجَازَةِ الْبَدَلِ فِي الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا، وَفِي ذِمَّةِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ فَلَمْ يَزَلْ مَقْبُوضًا إلَى وَقْتِ الْبَدَلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا وَذِمَّةُ أَحَدِهِمَا مَشْغُولَةٌ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ عَزَاهَا فِي الْجَوَاهِرِ لِجُلِّ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَصْلُهَا لِابْنِ الْكَاتِبِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُعَيَّنِ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا كَانَ الصَّرْفُ عَلَى دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْنِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا النَّقْضُ لِلْمَازِرِيِّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي جَوَازُ الْبَدَلِ لِابْنِ وَهْبٍ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ التَّعْيِينُ مِنْ جِهَةٍ دُونَ أُخْرَى وَلَمْ يَحْكِ فِي الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّعْيِينُ خِلَافًا انْتَهَى. (قُلْت) تَعْلَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ اللَّخْمِيَّ إنَّمَا يَقُولُ إنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الْبَدَلِ إذَا كَانَ التَّعْيِينُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، كَمَا فَرَضْنَا الْمَسْأَلَةَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْيِينُ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَعْيِينٌ، فَلَمْ يَحْكِ فِي الْبُطْلَانِ خِلَافًا فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّعْيِينَ كَافٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ

جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَيْثُ نُقِضَ فَأَصْغَرُ دِينَارٍ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ بِأَكْبَرَ مِنْهُ لَا الْجَمِيعِ) ش: يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِنَقْضِ الصَّرْفِ لِأَجْلِ الِاطِّلَاعِ عَلَى نَقْصٍ فِي الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ فِي الصِّفَةِ كَالْمَغْشُوشِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُنْتَقَضُ صَرْفُ أَصْغَرِ الدَّنَانِيرِ لَا الْجَمِيعِ وَلَا يُنْتَقَلُ عَنْ الْأَصْغَرِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَدَّى النَّقْصُ أَوْ الْغِشُّ صَرْفَ الْأَصْغَرِ فَيُنْتَقَلُ إلَى دِينَارٍ أَكْبَرَ مِنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ عَلَى سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ السِّكَكُ فَسَيَذْكُرُ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. (تَنْبِيهٌ) إذَا وَقَعَ الصَّرْفُ عَلَى تِبْرٍ، ثُمَّ وَجَدَ الدَّرَاهِمَ زُيُوفًا فَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ قَدْرُ صَرْفِ الدِّرْهَمِ مِنْ التِّبْرِ، وَإِنْ كَانَ مَصُوغًا فَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيًا كَإِسْوِرَةٍ مُتَسَاوِيَةٍ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ مِنْ الصَّرْفِ قَدْرُ مَا يُقَابِلُ زَوْجَ إسْوِرَةٍ فَقَطْ حَتَّى يُجَاوِزَ ذَلِكَ أَمَّا إنْ تَفَاوَتَتْ الْإِسْوَرَةُ فَيُفْسَخُ الْجَمِيعُ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ وَنَحْوِهِ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ كُلُّ مَا هُوَ زَوْجَانِ لَا يُنْتَفَعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ كَالْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ، وَالسِّوَارَيْنِ وَالْقُرْطَيْنِ فَوُجُودُ الْعَيْبِ بِأَحَدِهِمَا كَوُجُودِهِ بِهِمَا جَمِيعًا. ص (وَهَلْ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ دِينَارٍ تَرَدُّدٌ) ش: أَيْ وَهَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ فَسْخُ أَصْغَرِ دِينَارٍ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَأَكْبَرَ مِنْهُ دُونَ فَسْخِ جَمِيعِ الصَّرْفِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ دِينَارٍ عَدَدًا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ أَوْ إنَّمَا ذَلِكَ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَمِّ فَيُنْتَقَضُ صَرْفُ الْجَمِيعِ تَرَدُّدٌ، أَيْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ هَذَا التَّرَدُّدِ، بَلْ ذِكْرُهُ يُشَوِّشُ الْفَهْمَ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلْمَازِرِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمَذْهَبَ اخْتَلَفَ هَلْ يُنْتَقَضُ جَمِيعُ الصَّرْفِ أَوْ إنَّمَا يُنْتَقَضُ صَرْفُ أَصْغَرِ دِينَارٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ سَوَاءٌ سَمَّيَا لِكُلِّ دِينَارٍ عَدَدًا أَمْ لَا؟ وَالطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ لِلْبَاجِيِّ أَنَّهُ إنْ سَمَّيَا لِكُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْتَقَضُ صَرْفُ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا صَرْفُ دِينَارٍ فَأَنْتَ تَرَى طَرِيقَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْتَقَضُ صَرْفُ دِينَارٍ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّ كَلَامَ الْبَاجِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُهُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَنَصُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا قِيلَ بِالنَّقْضِ لِلنَّقْصِ مُطْلَقًا فَخَمْسَةٌ قِيلَ يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ دِينَارٍ، وَقِيلَ: دِينَارٌ، وَقِيلَ: أَوْ كَسْرَانِ كَانَ النَّقْصُ يُقَابِلُهُ أَوْ أَقَلُّ، وَقِيلَ: مَا يُقَابِلُ النَّقْصَ، أَيْ إذَا قِيلَ يُنْقَضُ الصَّرْفُ لِأَجْلِ النَّقْصِ مُطْلَقًا، أَيْ فِي الْمِقْدَارِ، وَالصِّفَةِ وَالتَّعْيِينِ، وَعَدَمِهِ فَخَمْسَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا. (وَالثَّانِي) يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ إنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا، كَمَا إذَا قَالَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا إنْ سَمَّى كَقَوْلِهِ: كُلُّ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ فَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ فِي دِينَارٍ إنْ لَمْ يُقَابِلْ الزَّائِفَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْجَلَّابِ وَزَعَمَ الْبَاجِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ يَرْتَفِعُ إذَا سَمَّى لِكُلِّ دِينَارٍ، وَأَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا دِينَارٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يُسَمِّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ الرِّوَايَاتِ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً، وَإِنَّمَا فَصَّلَ هَذَا التَّفْصِيلَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ. (الثَّالِثُ) إنَّمَا يَنْتَقِضُ صَرْفُ دِينَارٍ وَاحِدٍ سَمَّيَا أَمْ لَا؟ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ صَرْفُ أَصْغَرِ دِينَارٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثِ أَنَّهُ عَلَى الثَّالِثِ يُنْتَقَضُ صَرْفُ دِينَارٍ كَامِلٍ وَلَا يُنْتَقَضُ عَلَى الرَّابِعِ إلَّا صَرْفُ أَصْغَرِ الدَّنَانِيرِ، وَتَبِعَ فِي هَذَا ابْنَ بَشِيرٍ وَابْنَ شَاسٍ وَفِي نَقْلِهِمْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ وَغَيْرَهُ إنَّمَا ذَكَرُوا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَجَعَلُوا الْقَوْلَ بِنَقْضِ الدِّينَارِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَنَحْوَهُ لِابْنِ شَاسٍ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

وَالْخَامِسُ عَلَى نَقْلِ الْمُصَنِّفِ يُنْتَقَضُ مَا يُقَابِلُ الْبَعْضَ. اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ: وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُ دِينَارٍ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَنَصُّ كَلَامِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قُلْنَا يُمْنَعُ الْبَدَلُ فَلَا يَخْلُو الذَّهَبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مُخْتَلِفَ الْجِنْسِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ بَيْعَهُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنْ لَا يُنْتَقَضَ مِنْهُ إلَّا بِقَدْرِ دِينَارٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَ جُمْلَةَ الصَّرْفِ خَاصَّةً فَيَقُولُ: أَبِيعُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ مِنْهُ إلَّا دِينَارٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُنْتَقَضُ جَمِيعُ الصَّرْفِ انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّرِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِالتَّرَدُّدِ هُمَا طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ وَطَرِيقَةُ الْمَازِرِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ فَالْمَازِرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا صَرْفُ دِينَارٍ سَمَّيَا لِكُلِّ دِينَارٍ أَوْ لَمْ يُسَمِّيَا وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ سَمَّيَا أَوْ لَمْ يُسَمِّيَا وَالْبَاجِيُّ يَقُولُ: إنْ سَمَّيَا فَلَا يُنْتَقَضُ إلَّا صَرْفُ دِينَارٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا صَرْفُ أَصْغَرِ دِينَارٍ وَلَيْسَ هُنَا مَنْ رَجَّحَ نَقْضَ الْجَمِيعِ حَتَّى يُشِيرَ إلَيْهِ بِالتَّرَدُّدِ فَافْهَمْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي السِّكَكِ أَعْلَاهَا أَوْ الْجَمِيعُ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ إذَا وَقَعَ عَلَى سِكَكٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَفِيهَا أَعْلَى وَأَدْنَى فَقَالَ أَصْبَغُ: يَخْتَصُّ الْفَسْخُ بِالدِّينَارِ الْأَعْلَى وَالْأَطْيَبِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُفْسَخُ الْجَمِيعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ سُكَّ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ أَوْ طُولٍ أَوْ مَصُوغٍ مُطْلَقًا نُقِضَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ إذَا كَانَ بِمَسْكُوكٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَكَانَ ذَلِكَ الْمَسْكُوكُ مُعَيَّنًا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ الْمَسْكُوكُ الْمُعَيَّنُ بَعْدَ أَنْ افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَلَكِنْ بَعْدَ طُولِ الْمَجْلِسِ طُولًا لَا يَصِحُّ مَعَهُ الصَّرْفُ أَوْ كَانَ الصَّرْفُ عَلَى مَصُوغٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ الْمَصُوغُ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ وَالطُّولِ أَوْ بَعْدَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَعْدَهُمَا فَإِنَّ الصَّرْفَ يُنْتَقَضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَصُوغُ فَالْمَذْهَبُ انْتِقَاضُ الصَّرْفِ، كَمَا ذُكِرَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَصُوغَ مُرَادٌ لِعَيْنِهِ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ بِسَبَبِ

اسْتِحْقَاقِهِ فَكَيْفَ بِالصَّرْفِ وَأَمَّا الْمَسْكُوكُ الْمُعَيَّنُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ وَالطُّولِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ انْتِقَاضِ الصَّرْفِ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَابْنِ الْكَاتِبِ أَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِلَا خِلَافٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الِانْتِقَاضَ مَعْنَاهُ الْفَسْخُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ وَلَوْ رَضِيَا بِذَلِكَ وَهَكَذَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يَجُوزُ الْبَدَلُ مَعَ الْمُرَاضَاةِ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَالطُّولِ وَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ الطُّولِ وَالِافْتِرَاقِ، كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ بِالتَّأَمُّلِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي جَوَازِ الرِّضَا إلَّا مَعَ عَدَمِ الطُّولِ وَالْمُفَارَقَةِ، كَمَا سَيَأْتِي. ص (وَالْأَصَحُّ وَهَلْ إنْ تَرَاضَيَا؟ تَرَدُّدٌ) ش: أَيْ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ الْمُعَيَّنُ وَلَمْ يَحْصُلْ طُولٌ وَلَا مُفَارَقَةٌ، بَلْ اُسْتُحِقَّ بِالْحَضْرَةِ فَإِنَّ الصَّرْفَ صَحِيحٌ لَا يُنْتَقَضُ وَيُعْطِيهِ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ هَلْ عَدَمُ انْتِقَاضِ الصَّرْفِ مَحَلُّهُ مَا إذَا تَرَاضَيَا يَعْنِي: الْمُتَصَارِفَيْنِ بِالْبَدَلِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِالْبَدَلِ فَلَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ وَيُفْسَخُ الصَّرْفُ أَوْ يُجْبَرُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَى الْبَدَلِ وَيَصِحُّ الصَّرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا فِي ذَلِكَ؟ طَرِيقَتَانِ (الْأُولَى) مِنْهُمَا لِابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَالرَّجْرَاجِيِّ (وَالثَّانِيَةُ) لِابْنِ الْكَاتِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا أَقْرَبُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَكُونُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْمَسْكُوكِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ أَوْ الطُّولِ اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ فَلَا خِلَافَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيُّ وَاللَّخْمِيِّ، بَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْكَاتِبِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ وَلَا طُولٌ، فَحُكِيَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْكَاتِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ النَّقْضِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّ الصَّرْفَ مُنْتَقَضٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَكِنْ يَجُوزُ الْبَدَلُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ وَالطُّولِ انْفَسَخَ الصَّرْفُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَكِنَّهُ إذَا أَبْدَلَهَا لَهُ بِالْحَضْرَةِ وَتَرَاضَيَا جَازَ، وَإِنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ بِالْفَسْخِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَبِعَدَمِهِ فِي غَيْرِهَا وَأَمَّا إنْ حَصَلَ طُولٌ أَوْ افْتِرَاقٌ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ الصَّرْفُ وَالْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الِاضْطِرَابِ، وَهَذَا مُحَصَّلُ النَّقْلِ فِيهَا وَلْنَذْكُرْ نُصُوصَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ لِيُرَاجِعَهَا مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ أَوْ الطُّولِ وَالتَّعْيِينِ اُنْتُقِضَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِلَّا فَالْعَكْسُ مَا إذَا اصْطَرَفَا بِمَسْكُوكٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ فَاسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ أَوْ بَعْدَ أَنْ طَالَ الْمَجْلِسُ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا أَوْ كَانَ الْمَسْكُوكُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ طُولٌ وَلَا مُفَارَقَةٌ فَإِنَّ الصَّرْفَ يُنْتَقَضُ عَلَى الْمَشْهُورِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا عَيَّنَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ بِالْقَبْضِ أَوْ الْمُفَارَقَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَأَى فِي الشَّاذِّ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَدَلِ فِي الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْعَكْسُ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفَارَقَةٌ وَلَا طُولٌ وَلَا تَعْيِينٌ لَمْ يُنْتَقَضْ قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَوْضُوعِ: وَالْمُرَادُ بِالْعَكْسِ عَدَمُ النَّقْضِ فَقَطْ لَا بِاعْتِبَارِ دُخُولِ الْخِلَافِ، وَانْعِكَاسِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ طُولٌ وَلَا افْتِرَاقٌ وَلَا تَعْيِينٌ أُجْبِرَ عَلَى الْبَدَلِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ غَيْرُهَا بِاتِّفَاقٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَزَا الشَّاذَّ لِأَشْهَبَ وَجَعَلَ هَذَا الْخِلَافَ إذَا حَصَلَتْ الْمُفَارَقَةُ أَوْ الطُّولُ. وَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: إنَّمَا خِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إذَا حَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْحَضْرَةِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهَا سَوَاءٌ وَقَعَ الصَّرْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَمْ لَا وَعِنْدَ أَشْهَبَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُعَيَّنَةً

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَيُنْتَقَضُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْقَرَوِيِّينَ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ هَلْ هُوَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَالطُّولِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ وَلْنَذْكُرْ لَفْظَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِيَتَبَيَّنَ لَكَ الْفَهْمَانِ قَالَ فِيهَا وَمَنْ اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِدِينَارٍ أَوْ دَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّنَانِيرُ أَوْ الدَّرَاهِمُ اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَمَنْ صَرَفَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ مُعَيَّنَةً يُرِيهِ إيَّاهَا وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ دَرَاهِمَ عِنْدَهُ أَوْ مِنْ كِيسِهِ أَوْ مِنْ تَابُوتِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا مَكَانَهُ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ سَاعَةَ صَارَحَهُ، قَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَكَانَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ وَلَوْ طَالَ أَوْ تَفَرَّقَا لَمْ يَجُزْ فَقَوْلُهُ: فِي قَوْلِ أَشْهَبَ مَكَانَهُ لَمْ يَفْتَرِقَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُخَالِفُ مَا إذَا كَانَ بِالْحَضْرَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: فَيُنْتَقَضُ الصَّرْفُ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَضْرَةِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ " أَنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ "، وَقَالَ سَاعَةَ صَارَحَهُ خُذْ مِثْلَهَا جَازَ إذَا تَرَاضَيَا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَمَزَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّرَاضِي قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْخَلْفَ إنَّمَا يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِ هَذَا الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَفْتَرِقَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا وَتَرَاضَيَا عَلَى خَلْفِ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَارَ ذَلِكَ مُسْتَأْنَفًا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَقْدٍ بَطَلَ بِاسْتِحْقَاقِ الدَّرَاهِمِ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا قَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَفْتَرِقَا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا وَتَرَاضَيَا بِبَدَلِ الدَّرَاهِمِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَارَ ذَلِكَ تَتِمَّةَ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي كَشَفَ الْغَيْبُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَنَاجَزَا فِيهِ، وَقَدْ تَتَطَرَّقُ التُّهْمَةُ بِكَوْنِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَصَدَ إلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَوْ التَّعْيِينُ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَكَذَا ثَبَتَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ رَاشِدٍ وَسَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْإِثْبَاتُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ شَاسٍ فَإِنَّهُمَا أَشَارَا إلَى أَنَّهُ إنْ حَصَلَ التَّعْيِينُ يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ، وَلَوْ مَعَ الْحَضْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ بِالتَّعْيِينِ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِذَلِكَ أَعْنِي بِالنَّقْضِ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُعَيَّنَةً سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّتْ بِالْحَضْرَةِ أَمْ لَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُجِيزُ الْبَدَلَ فِي الدَّرَاهِمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي الْإِثْبَاتُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَتَأَمَّلْهُ اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَانْظُرْ هَذَا الِاضْطِرَابَ الَّذِي فِي هَذِهِ النُّقُولِ، بَلْ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ نَفْسُهُ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الصَّرْفُ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا بِدَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ الصَّرْفُ وَسَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ دَعَا مَنْ اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ إلَى خَلْفِهِ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ رَضِيَ بَائِعُ الْمُسْتَحَقِّ بِخَلْفِهِ لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِنْ رَضِيَا جَمِيعًا هَذَا بِخَلْفِهِ وَقِبَلَ الْآخَرُ جَازَ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالْمِثْلُ حَاضِرٌ مَعَ بَائِعِ الْمُسْتَحَقِّ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَ مَا اسْتَحَقَّ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ انْفَسَخَ الصَّرْفُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى مِثْلِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ الْآنَ مَا كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُدْفَعَ يَوْمَ كَانَ الصَّرْفُ فَذَلِكَ فَاسِدٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْبَدَلَ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ نَحْوَهُ، وَمِثْلُهُ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحَهَا الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الطُّولِ أَوْ الِافْتِرَاقِ فَالصَّرْفُ مُنْتَقَضٌ وَلَا يَلْزَمُ الْبَدَلُ، بَلْ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَالطُّولِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا الصَّرْفُ مُنْتَقَضٌ وَالْبَدَلُ جَائِزٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي الصَّرْفُ وَالْبَدَلُ لَازِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ

اهـ. فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَسْكُوكُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ أَوْ الطُّولِ اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِلَا خِلَافٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ النَّقْضُ وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ بِالْحَضْرَةِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ فِي طَرِيقِ الرَّجْرَاجِيِّ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي طَرِيقِ ابْنِ شَاسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَمْ يُنْتَقَضْ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَالْمَازِرِيِّ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَفَهِمَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَسْكُوكِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فَهِمَ ابْنُ الْكَاتِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ جَعَلَ خِلَافَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِيمَا إذَا حَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْحَضْرَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهَا سَوَاءٌ وَقَعَ الصَّرْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَمْ لَا وَعِنْدَ أَشْهَبَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهَا إذَا تَعَيَّنَتْ أَمَّا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهَا وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ أَوْ التَّعْيِينُ فَجَعَلَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِلَّا فَالْعَكْسُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ وَلَا طُولٌ فَيَنْعَكِسُ النَّقْلُ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ، وَالشَّاذُّ الِانْتِقَاضُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ سَوَاءٌ وَقَعَ الصَّرْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَالشَّاذُّ يُقَابِلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ صَحِيحٌ وَأَمَّا الشَّاذُّ، فَإِنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْمَسْكُوكُ مُعَيَّنًا وَهَكَذَا الْقَوْلَانِ فِي الْكِتَابِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْقَرَوِيِّينَ فِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ هَلْ هُوَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَالطُّولِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ الْكَاتِبِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَزَادَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ بَطَلَ اتِّفَاقًا مِنْهُمَا، أَيْ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَ الصَّقَلِّيُّ كَلَامَ ابْنِ الْكَاتِبِ وَفِي قَبُولِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ أَوَّلًا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ حَمَلَتْ عَلَى الْقُرْبِ، وَهُوَ نَصُّ سَحْنُونٍ كَانَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ خِلَافَ نَقْلِ ابْنِ الْكَاتِبِ عَنْهُ، وَإِنْ حَمَلَتْ عَلَى الطُّولِ كَانَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِيهَا لَزِمَهُ إعْطَاءُ مِثْلِهَا خِلَافَ نَقْلِ ابْنِ الْكَاتِبِ اتِّفَاقَهُمَا بَعْدَ الطُّولِ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَإِنْ قُيِّدَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالطُّولِ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ بِالْقُرْبِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْكَاتِبِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا أَوَّلًا اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ، وَقَوْلُهُ ثَانِيًا لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَهَا مُتَنَاقِضٌ إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ: " لَا بَأْسَ " عَلَى عَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى رِضَا الْآخَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَفْظُهَا إلَّا بِتَوَقُّفِهِ عَلَى رِضَاهُ مَعَ جَوَابِ الْمَازِرِيِّ اهـ. وَبَانَ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ إذَا وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ أَوْ الطُّولِ. وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُعَيَّنَةً، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ إنَّ الْمُعَيَّنَةَ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ فِيهَا بِرِضَاهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَمْ لَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ مَا إذَا حَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْحَضْرَةِ " وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الِانْتِقَاضِ وَعَدَمِهِ هُنَا هَلْ يُجْبَرُ دَافِعُ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى إبْدَالِهِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ مِنْ بَدَلِهِ بِتَقْدِيرِ انْتِقَاضِ الصَّرْفِ وَبِهَذَا يُتَّفَقُ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْكُوكِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الِانْتِقَاضِ مَا بَيْنَ نَقْلِ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَسْكُوكِ الْمُعَيَّنِ فَقَطْ وَبِأَنَّ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْكُوكِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الِانْتِقَاضِ إذَا حَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ وَالطُّولِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَابْنِ الْكَاتِبِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا ابْنُ رَاشِدٍ وَالْمُصَنِّفُ النَّقْضُ مُطْلَقًا وَلَوْ تَرَاضَيَا

فَهِيَ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ الْمَسْكُوكِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْمَسْكُوكَ أَوَّلَ كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ: الْمُعَيَّنَ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ فَإِذَا أَدْخَلْنَاهُ فِي قَوْلِهِ " وَإِلَّا " اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الصَّرْفُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَسْكُوكِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ حَصَلَ الطُّولُ وَالْمُفَارَقَةُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ انْفِسَاخُ الصَّرْفِ مَعَ الْمُفَارَقَةِ وَالطُّولِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِانْتِقَاضِ الصَّرْفِ مَعَ الطُّولِ أَوْ الْمُفَارَقَةِ فِي الْمَسْكُوكِ الْمُعَيَّنِ فَأَحْرَى فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: " وَالْأَصَحُّ " شَامِلًا لِلْمَسْكُوكِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الصَّرْفُ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَهَلْ إنْ تَرَاضَيَا تَرَدُّدٌ " يُشِيرُ بِالطَّرِيقَيْنِ فِي الْمُعَيَّنِ إلَى الطَّرِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إلَى طَرِيقِ الرَّجْرَاجِيِّ وَغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) إنْ قِيلَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَصُوغِ وَالْمَسْكُوكِ فَمَا حُكْمُ التِّبْرِ (قُلْتُ) الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْكُوكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَيْنَ يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهَا وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهَا، وَقَدْ نُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَتُهُ إنْ لَمْ يُخْبَرْ الْمُصْطَرِفُ) ش: يَعْنِي إذَا حَكَمْنَا بِانْتِقَاضِ الصَّرْفِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَصُوغِ وَالْمَسْكُوكِ الْمُعَيَّنِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَةُ الصَّرْفِ وَإِلْزَامُهُ لِلْمُصْطَرِفِ، وَلَهُ نَقْضُهُ وَأَخْذُ حَقِّهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُصْطَرِفُ قَدْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِأَنَّ الْمَصُوغَ أَوْ الْمَسْكُوكَ لَيْسَ مِلْكًا لِلصَّارِفِ. (تَنْبِيهٌ) شَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ حُضُورَ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ وَالثَّمَنَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُجِيزُ قَالَ فِيهَا " وَمَنْ اشْتَرَى خَلْخَالَيْنِ مِنْ رَجُلٍ بِدِينَارٍ أَوْ دَرَاهِمَ فَنَقَدَهُ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَأَرَادَ إجَازَةَ الْبَيْعِ وَاتِّبَاعَ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّمَنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ حَضَرَ الْخَلْخَالَانِ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ بَعَثَ بِهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَوْ افْتَرَقَا لَمْ أَنْظُرْ إلَى ذَلِكَ الِافْتِرَاقِ وَلَكِنَّهُ إذَا حَضَرَ الْخَلْخَالَانِ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ مَكَانَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ غَابَ الْخَلْخَالَانِ لَمْ يَجُزْ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ التُّونُسِيُّ لَوْ أَمْضَاهُ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ وَطَاعَ الْمُبْتَاعُ بِدَفْعِ ثَمَنِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ جَازَ. ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ ظَاهِرُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَجَازَ مُحَلًّى) ش: لَمَّا كَانَ بَيْعُ الْمُحَلَّى مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ، وَمِنْ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَجَازَ مُحَلًّى " أَيْ وَجَازَ بَيْعُ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِصِنْفِهِ وَبِغَيْرِ صِنْفِهِ بِشُرُوطٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِهِ وَلَكِنَّهُ أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُحَلَّى عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُ مَا تَكُونُ حِلْيَتُهُ قَائِمَةً ظَاهِرَةً كَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ إذَا صُفِّحَا بِالْحِلْيَةِ وَمِنْهُ مَا تَكُونُ حِلْيَتُهُ مَنْسُوجَةً فِيهِ كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِذَلِكَ وَالْمُطَرَّزَةِ بِهِ نَبَّهَ عَلَى الْمُحَلَّى الشَّامِلِ لِلْقِسْمَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الثَّانِي يَخْرُجُ مِنْهُ إنْ سُبِكَ شَيْءٌ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا عِبْرَةَ بِالْحِلْيَةِ فَقَالَ وَإِنْ ثَوْبًا يَخْرُجُ مِنْهُ عَيْنٌ إنْ سُبِكَ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُحَلَّى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ إنْ سُبِكَ. ص (بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ) ش: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " مُحَلًّى " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ، أَيْ وَجَازَ بَيْعُهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: ص (إنْ أُبِيحَتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحَلَّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِنْفِ مَا فِيهِ أَوْ خِلَافِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ الْحِلْيَةُ مُبَاحَةً، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا حُلِّيَ بِالْفِضَّةِ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ قَدَحٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ لِجَامٍ أَوْ رِكَابٍ مُمَوَّهٍ أَوْ مَخْرُوزٍ عَلَيْهِ أَوْ جُرُزٍ مُمَوَّهٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ، وَإِنْ قَلَّتْ حِلْيَتُهُ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ السَّرَفِ بِخِلَافِ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْ السَّيْفِ الْمُحَلَّى، وَالْمُصْحَفِ وَالْخَاتَمِ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُحَلَّى الْمُصْحَفُ وَكَانَ يَكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُصَاغُ مِنْ الْفِضَّةِ مِثْلَ الْإِبْرِيقِ وَمُدَاهِنِ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ

وَمَجَامِرِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْأَقْدَاحِ وَاللُّجُمِ وَالسَّكَاكِينِ الْمُفَضَّضَةِ، وَإِنْ كَانَ تَبَعًا وَكَرِهَ أَنْ تُشْتَرَى انْتَهَى. وَالْجُرْزُ نَوْعٌ مِنْ السِّلَاحِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ يَعْنِي الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ فِيمَا لَمْ يَبُحْ اتِّخَاذُهُ أَنَّهُ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ وَنَحْوِهِ. فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَجَوَّزَهَا بِالْعُرُوضِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ بَيْعَهَا بِمَا فِيهَا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا " وَكَرِهَ أَنْ تُشْتَرَى " يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ وَالْأَصْلُ فِيمَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ بِمَا فِيهِ لَا وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْعَيْنِ يَجْمَعُهُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَيْنِ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ وَذَلِكَ عَلَى أَصْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَمْعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ انْتَهَى.، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسُمِّرَتْ) ش: هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْحِلْيَةُ مُسَمَّرَةً عَلَى الْمُحَلَّى بِحَيْثُ يَكُونُ فِي نَزْعِهَا ضَرَرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِهَا ضَرَرٌ فَلَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْبَاجِيُّ كَالْفُصُوصِ الْمَصُوغِ عَلَيْهَا، وَحِلْيَةِ السَّيْفِ الْمُسَمَّرَةِ عَلَيْهِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ الْمُسَمَّرَةِ فِي حَمَائِلِهِ وَجَفْنِهِ وَأَمَّا الْقَلَائِدُ الَّتِي لَا تَفْسُدُ عِنْدَ نَظْمِهَا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْإِبَاحَةِ وَذَكَرَ ابْنُ رَاشِدٍ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَيْنِ: بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ إذَا كَانَ يَغْرَمُ ثَمَنًا فِي رَدِّ الْحِلْيَةِ بَعْدَ قَلْعِهَا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ مَنْقُوضَةً وَهِيَ تَبَعٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ السَّيْفُ وَحِلْيَتُهُ بِجِنْسِهَا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ قَالَ، وَأَرَى إنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا صِيغَتْ، ثُمَّ رُكِّبَتْ وَسُمِّرَتْ أَنْ يَكُونَ لَهَا حُكْمُ الْمَنْقُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهَا سُمِّرَتْ بِمِسْمَارٍ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ الْعَيْنِ مِنْ الْعَرْضِ دُونَ فَسَادٍ وَلَا خَسَارَةٍ فِي رَدِّهِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَزُولُ إلَّا بِفَسَادٍ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ إنْ كَانَتْ تَزُولُ بِغَيْرِ فَسَادٍ لَكِنْ يُؤَدِّي عَلَى رَدِّهَا ثَمَنًا فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَحُلِيُّ النِّسَاءِ كُلُّهُ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّيْفِ إلَّا مَا كَانَ مَنْظُومًا فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعُرُوضِ وَالْعَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا فِي صَفْقَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ يَسِيرَةً جِدًّا أَوْ الْعَرْضُ كَذَلِكَ فَيُبَاعُ بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ آخَرَ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ نَقْدًا فَتَأَوَّلُوهُ فِيمَا فِيهِ الذَّهَبُ يَسِيرٌ أَقَلُّ مِنْ الدِّينَارِ أَوْ الْجَوْهَرِ يَسِيرٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ إذَا نُقِضَتْ فَلَا تُبَاعُ بِفِضَّةٍ انْتَهَى. ص (وَعَجَّلَ) ش: هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَرْضُ وَالْمُحَلَّى مُعَجَّلًا. ص (مُطْلَقًا) ش: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُحَلَّى مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ بِيعَ بِصِنْفِ حِلْيَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ صِنْفِ حِلْيَتِهِ. ص (وَبِصِنْفِهِ إنْ كَانَتْ الثُّلُثَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحَلَّى إذَا بِيعَ بِغَيْرِ صِنْفِ حِلْيَتِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَطْ، وَإِنْ بِيعَ بِصِنْفِ حِلْيَتِهِ اُشْتُرِطَ فِي ذَلِكَ شَرْطٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْحِلْيَةُ الثُّلُثَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْوَزْنِ خِلَافٌ) ش: يَعْنِي إذَا بَنَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ التَّبَعَ الثُّلُثُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْوَزْنِ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَإِذَا بِيعَ

سَيْفٌ مُحَلَّى بِذَهَبٍ بِسَبْعِينَ دِينَارًا ذَهَبًا وَكَانَ وَزْنُ الْحِلْيَةِ عِشْرِينَ وَلِصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي ثَلَاثِينَ وَقِيمَةُ النَّصْلِ أَرْبَعُونَ جَازَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَطَفَ الثَّانِي بِقِيلَ، وَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ قَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تُنْسَبُ قِيمَةُ الْحِلْيَةِ أَوْ زِنَتُهَا إلَى مَجْمُوعِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَتْ ثُلُثَهُ جَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي قَالَهُ النَّاسُ، وَنَسَبَ ابْنُ بَشِيرٍ ذَلِكَ إلَى قِيمَةِ الْمُحَلَّى فَإِنْ كَانَتْ ثُلُثَهُ جَازَ وَإِلَّا اُمْتُنِعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا نُسِبَتْ إلَى الْمُحَلَّى فَكَانَتْ ثُلُثَهُ كَانَتْ رُبْعَ الْجَمِيعِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ حَلَّى بِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ) ش: أَيْ فَإِنْ كَانَا تَبَعًا لِلْجَوْهَرِ فَيُبَاعُ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ وَفِي بَيْعِهِ بِنِصْفِ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا قَوْلَانِ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحَ. ص (وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ الْقَلِيلِ الْمَعْدُودِ دُونَ سَبْعَةٍ) ش: الْمُبَادَلَةُ بَيْعُ الْمَسْكُوكِ بِالْمَسْكُوكِ مِنْ نَوْعِهِ عَدَدًا مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِنَّهُ إنْ دَخَلَ الْمِيزَانُ فِيهَا عَادَتْ مُرَاطَلَةً وَالنَّظَرُ يُوجِبُ مَنْعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ طَلَبَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْقَدْرِ، وَالْعِلْمُ بِهَا غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْمُبَادَلَةِ فَلَا يَجُوزُ قَصْدُ الْمَعْرُوفِ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِتِلْكَ الْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْمُسَاوَاةِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِي طَلَبِ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ حَقَّ آدَمِيٍّ، بَلْ هُوَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْأَصْلُ مَنْعُهَا إلَّا أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ رَأَوْا أَنَّ النَّقْصَ يَجْرِي مَجْرَى الرَّدَاءَةِ وَالْكَمَالَ يَجْرِي مَجْرَى الْجَوْدَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ النَّقْصُ حِينَئِذٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ صَارَ إبْدَالُهُ مَعْرُوفًا وَالْمَعْرُوفُ يُوَسَّعُ فِيهِ مَا لَمْ يُوَسَّعْ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِ التِّبْرِ وَشِبْهِهِ انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَرَأَوْا أَنَّ قَصْدَ الْمَعْرُوفِ يُخَصِّصُ الْعُمُومَاتِ، كَمَا فِي الْقَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ نَسِيئَةً مُمْتَنِعٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ جَازَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُبَادَلَةُ ابْنُ بَشِيرٍ بَيْعُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا وَالْمَذْهَبُ حُرْمَةُ بَيْعِ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَجَازَهُ الْمَخْزُومِيُّ وَعَلَى الْمَعْرُوفِ إنْ اتَّحَدَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ فَوَاضِحٌ انْتَهَى. وَيُرِيدُ فِي التَّعَامُلِ بِالْعَدَدِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّعَامُلُ وَزْنًا فَلَمْ تَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ وَتَعُودُ مُرَاطَلَةً، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيَجُوزُ مُبَادَلَةُ الْمَأْكُولِ وَالْمَعْفُونِ مِنْهُ بِالصَّحِيحِ السَّالِمِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّرْفِ وَمَا أَوْقَعَ فِي رَسْمِ التَّسْمِيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبُيُوعِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ فَلَمْ يُجِزْ الْمَعْفُونَ بِالصَّحِيحِ وَلَا الْكَثِيرَ الْعَفِنَ بِالْخَفِيفِ انْتَهَى. مِنْ رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّرْفِ. وَلِلْمُبَادَلَةِ شُرُوطٌ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ فِي الْقَلِيلِ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ " دُونَ سَبْعَةٍ " قَالَ فِي التَّوْضِيحِ " فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَدَلُ سَبْعَةٍ بِأَوْزَانٍ مِنْهَا لِزِيَادَتِهَا عَلَى ضِعْفِ أَقَلِّ الْجَمْعِ وَيَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ فِيمَا بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا أَصْلَ لِهَذَا التَّحْدِيدِ إلَّا مَا تَدُلُّ الْعَادَةُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي، بِقَوْلِهِ " الْمَعْدُودُ " يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْمُبَادَلَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْدُودِ، أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يُعَامَلُ بِهَا عَدَدًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا عَدَدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ كَالْمَجْمُوعَةِ وَشِبْهِهَا أَوْ كَانَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ تِبْرًا أَوْ مَصُوغًا فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِالْوَزْنِ فَتَعُودُ مُرَاطَلَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعَامُلُ عَدَدًا صَارَ الْبَعْضُ الْيَسِيرُ

يَجْرِي مَجْرَى الرَّدَاءَةِ وَالْكَمَالُ مَجْرَى الْجُودَةِ بِخِلَافِ التِّبْرِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمُبَادَلَةُ لَقَبٌ فِي الْمَسْكُوكِينَ عَدَدًا وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْعَدَدِيِّ دُونَ الْوَزْنِيِّ لَا يُقَالُ فِي كَلَامِهِ الثَّانِي تَكْرَارٌ مَعَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَفَادَ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ بَيْعُ مَسْكُوكٍ بِمَسْكُوكٍ عَدَدًا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ فِي ذَلِكَ الْمَسْكُوكِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا وَالثَّانِي أَفَادَ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ فِي ذَلِكَ الْمَسْكُوكِ بِالْعَدَدِ لَا بِالْوَزْنِ انْتَهَى. ص (بِأَوْزَنَ مِنْهَا بِسُدُسٍ سُدُسٌ) ش: قَوْلُهُ: بِأَوْزَنَ، هَذَا شَرْطٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْوَزْنِ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْعَدَدِ فَلَا تَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَهُ الْقَبَّابُ، وَحَكَاهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصَّهُ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَتَسَاوَى عَدَدُ النَّاقِصِ وَالْوَازِنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ مُنِعَ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ لَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّخْمِيُّ نَسَبَ لِلْمُغِيرَةِ إجَازَةَ بَدَلِ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَرْضَ الْمَازِرِيُّ هَذَا وَرَأَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا أَشْهَبُ مَعَ الْمَخْزُومِيِّ فِي جَمَلٍ نُقِدَ بِجَمَلَيْنِ مِثْلِهِ أَحَدُهُمَا نَقْدٌ وَالْآخَرُ إلَى أَجَلٍ فَأَلْزَمَهُ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا نَقْدًا، وَالْآخَرُ إلَى أَجَلٍ فَالْتَزَمَهُ وَعَابَهُ وَبَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي الْمُلْتَزِمِ مَنْ هُوَ انْتَهَى، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الشُّخُوصُ قَالَ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ مَنَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يَجُوزُ بَدَلُ أَرْبَعِ قَرَارِيطَ نَاقِصَةٍ بِأَرْبَعِ قَرَارِيطَ وَازِنَةٍ اهـ. يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُقَالُ إنَّ الْأَرْبَعَةَ قَرَارِيطَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الشُّخُوصُ، وَقَوْلُهُ: بِسُدُسٍ سُدُسٌ، هَذَا شَرْطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَطْلَقَ اللَّخْمِيُّ وَالصَّقَلِّيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَالْجَلَّابُ وَالتَّلْقِينُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الْقَوْلَ فِي قَدْرِ النَّقْصِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ جَوَازُ بَدَلِ الطَّعَامِ الْمَعْفُونِ بِالصَّحِيحِ السَّالِمِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: (قُلْت) فَظَاهِرُهُ أَيْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَالْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ وَابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِهِ فِي الدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ وَلَمْ يَحُدُّوا فِيهِ حَدًّا، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَنْ لَقِينَاهُ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَبْلَغُ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ النَّقْصِ سُدُسُ دِينَارٍ وَقِيلَ: دَانِقَانِ وَعَزَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ تَحْدِيدًا، بَلْ فَرْضًا، وَنَصُّهَا: " وَلَوْ أَبْدَلَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ فَنَقَصَ سُدُسًا سُدُسًا بِسِتَّةٍ وَازِنَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَقَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِهِ: أَكْثَرُ الشُّيُوخِ لَا يَذْكُرُونَ هَذَا الشَّرْطَ، وَقَدْ جَاءَ لَفْظُ السُّدُسِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمْثِيلِ وَالشَّرْطِيَّةِ قَدْ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عَلَى جَوَازِ بَدَلِ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُغِيرَةِ وَتَعَقَّبَهُ الْمَازِرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَعَقُّبِهِ عَلَيْهِ

أَنَّ بَيْنَ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ وَالدِّينَارَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ سُدُسٍ فَهَذَا اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا عَدَمُ اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعِنْدِي أَنَّ السُّدُسَ كَثِيرٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ عِنْدَ رُخْصِ الْفِضَّةِ أَوْ كَسَادِ الْبَيْعِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُبَادَلَةِ أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمُبَادَلَةِ وَأَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ الْمُرَاطَلَةِ وَأَنْ تَكُونَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ احْتِرَازًا مِنْ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْجَوَازِ أَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ وَاحِدَةً اهـ. (قُلْت) هَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالْأَجْوَدُ أَنْقَصُ أَوْ أَجْوَدُ سِكَّةً مُمْتَنِعٌ، وَقَالَ الْقَبَّابُ وَزَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جَوَازِ الْمُبَادَلَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، أَنْ تَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا أَظُنُّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ اهـ. (قُلْت) وَيُؤْخَذُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي. ص (وَالْأَجْوَدُ أَنْقَصُ أَوْ أَجْوَدُ سِكَّةً مُمْتَنِعٌ وَإِلَّا جَازَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ أَجْوَدَ فِي الْجَوْهَرِيَّةِ مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ أَنْقَصُ فِي

الْوَزْنِ وَكَانَ الْآخَرُ أَرْدَأَ فِي الْجَوْهَرِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ أَوْزَنُ فَإِنَّ الْمُبَادَلَةَ مُمْتَنِعَةٌ لِدَوَرَانِ الْفَضْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَدَخَلَتْهَا الْمُكَايَسَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا إنَّمَا تَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَجْوَدُ سِكَّةً هَكَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا وَالظَّاهِرُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَوْ أَجْوَدَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَالْأَجْوَدُ، وَالْمَعْنَى أَوْ الْأَجْوَدُ سِكَّةً أَنْقَصُ مِنْ الْأَرْدَأِ سِكَّةً فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ لِدَوَرَانِ الْفَضْلِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا أَوْ الْأَوْزَنُ أَجْوَدُ سِكَّةً فَلَمْ نَرَهُ فِي النُّسَخِ الَّتِي عِنْدَنَا، وَكَأَنَّهُ إصْلَاحٌ أَرَادَ بِهِ صَاحِبُهُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَرَبِيعَةَ وَقَدْ اسْتَوْفَى ابْنُ غَازِيٍّ الْكَلَامَ عَلَيْهَا ص (وَمَغْشُوشٌ بِمِثْلِهِ) ش: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَسَاوَ غِشُّهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْمُصَنِّفُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعَ تَسَاوِي الْغِشِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَلِعُسْرِ تَحَقُّقِ تَسَاوِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ كَالْعَدَمِ، وَلِذَا أَجَازُوا مُرَاطَلَةَ الْمَغْشُوشِ بِالْخَالِصِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ صَاحِبِ الشَّامِلِ: وَقُيِّدَ إنْ تَسَاوَى الْغِشُّ وَإِلَّا فَلَا، غَيْرُ ظَاهِرٍ. ص (وَبِخَالِصٍ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ) ش: يَعْنِي وَيَجُوزُ مُرَاطَلَةُ الْمَغْشُوشِ بِالْخَالِصِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ الْمَأْخُوذِ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ: وَصَحَّحَ مَنْعَهُ بِخَالِصٍ، وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ مُحْرِزٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا عَلِمْت أَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي الْمَغْشُوشِ الَّذِي لَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ جَوَازُ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ بِصِنْفِهِ الْخَالِصِ إذَا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ، كَمَا بِمِصْرَ عِنْدَنَا انْتَهَى. وَبِذَلِكَ جَزَمَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: أَمَّا مَغْشُوشٌ يَتَعَامَلُ بِهِ فَيُبَاعُ بِنِصْفِهِ وَزْنًا انْتَهَى. (قُلْت) فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ دُخُولُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَنَصَّهُ فِي أَوَاخِرِ الْمُرَاطَلَةِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كَوْنِ الدَّنَانِيرِ الْمَشُوبَةِ بِفِضَّةٍ أَوْ نُحَاسٍ، وَالدَّرَاهِمِ الْمَشُوبَةِ بِهِ يُعْتَبَرُ وَزْنُ كُلِّهَا بِمَا فِيهَا كَوَزْنٍ خَالِصٍ وَاعْتِبَارُ قَدْرِ الْخَالِصِ فِيهَا فَقَطْ فِي الْمُرَاطَلَةِ وَالنِّكَاحِ وَالزَّكَاةِ وَالسَّرِقَةِ قَوْلَانِ لِلشُّيُوخِ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ مُحْرِزٍ اخْتَارَ الْجَوَازَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ لَا يَغُشُّ وَكُرِهَ لِمَنْ لَا يُؤْمَنُ وَفُسِخَ مِمَّنْ يَغُشُّ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ كَذَا هُوَ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْعٍ أَوْ فِي صَرْفٍ أَوْ مُرَاطَلَةٍ اهـ. (قُلْت) كَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَتِهِ كَذَلِكَ وَالْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْكَلَامِ فِي الْمُرَاطَلَةِ فَحُكْمُ الْبَيْعِ بِهَا وَصَرْفُهَا يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ خَوْفُ الْغِشِّ بِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَبِيعَ الْمَغْشُوشَ أَوْ يَصْرِفَهُ أَوْ يُرَاطِلَ بِهِ مِنْ يَكْسِرُهُ فَهَذَا جَائِزٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: بِاتِّفَاقٍ لَكِنْ قَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَلِكَ بِمَا إذَا أُمِنَ أَنْ يَغُشَّ بِهِ مَعَ كَسْرِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْكِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَصْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِذَا قَطَعَهُ جَازَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَغُرُّ بِهِ النَّاسَ وَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ بَيْنَهُمْ اهـ. فَالْمَدَارُ عَلَى انْتِفَاءِ الْغِشِّ بِهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا كَسَرَ السَّتُّوقَ جَازَ بَيْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يُسْبَكَ فَيُجْعَلُ دَرَاهِمَ أَوْ يُسْبَكُ فَيُبَاعُ عَلَى وَجْهِ الْفِضَّةِ فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ فَلْيَصُنْهُ حَتَّى تُبَاعَ فِضَّتُهُ

عَلَى حِدَةٍ وَنُحَاسُهُ عَلَى حِدَةٍ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا وِفَاقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ وَالسَّتُّوقُ قَالَ عِيَاضٌ: بِضَمِّ السِّينِ وَالتَّاءِ وَتَشْدِيدِهِمَا، كَمَا ضَبَطْتُهَا، وَالصَّوَابُ: بِفَتْحِ السِّينِ، وَهُوَ مِمَّا يَغْلَطُ فِيهِ الْعَامَّةُ، وَهُوَ الرَّدِيءُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ النُّحَاسُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا تَعْرِيفُهُ قَبْلَ هَذَا. الثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغُشُّ بِهِ، وَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، الثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغُشَّ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَالصَّيَارِفَةِ فَهَذَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. الرَّابِعُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهِ فَهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ خَامِسًا، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهِ فَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهَذَا الْقِسْمُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكُرِهَ لِمَنْ لَا يُؤْمَنُ، كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا مِمَّنْ لَا يُدْرَى مَا يَصْنَعُ بِهَا، فَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ اهـ. عَلَى أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ نَازَعَ ابْنَ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ بِالْكَرَاهَةِ فِيمَنْ لَا يُؤْمَنُ، وَقَالَ: لَفْظُ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَغُرُّ بِهَا النَّاسَ كَالصَّيَارِفَةِ، وَغَيْرِهِمْ فَلَا أَرَى ذَلِكَ قَالَ: فَظَاهِرُ لَفْظِ لَا أَرَى الْمَنْعُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ اهـ. الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِيهَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَغْشُوشَةَ بِالنُّحَاسِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَغُشَّ بِهَا فَيُعْطِيهَا عَلَى أَنَّهَا طَيِّبَةٌ وَلَا أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهَا وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَغُشَّ بِهَا كَالصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ وَيُخْتَلَفُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهَا فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ. وَرَوَى إجَازَتَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ هُنَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي أَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنْ يُبَاعَ لِمَنْ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهِ مَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَيُمْكِنُ الْغِشُّ بِهِ لِمَنْ أَرَادَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِاتِّفَاقٍ مِمَّنْ يَكْسِرُهَا أَوْ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغُشُّ بِهَا إلَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ فَإِنْ بَاعَهَا مِمَّنْ يَخْشَى أَنْ يَغُشَّ بِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ، وَإِنْ بَاعَهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهَا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَصْرِفَهَا مِنْهُ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَالِقِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهَا وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " مِمَّنْ يَغُشُّ " فَجَعَلَ قَوْلَهُ " وَفَسْخٌ " رَاجِعًا لِقَوْلِهِ " وَكُرِهَ " لِمَنْ لَا يُؤْمَنُ وَأَمَّا فِي الْوَسَطِ فَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (فَهَلْ يَمْلِكُهُ) ش: نَقَصَ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ لَهُ بِهِ، وَنَصَّهُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِ " الثَّالِثِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ " ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ بَاعَ سِلَاحًا مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ مِمَّنْ يُغَازِي بِهِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْرُجُ بِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ مِمَّنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ وَتَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَنْ بَاعَهُ مِنْهُ وَلَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ، ثُمَّ وَجَّهَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِالْجَمِيعِ بِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُبْتَاعِ إنْ عَلِمَهُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَنْهُ إنْ جَهِلَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالزَّائِدِ بِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يُفْسَخُ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَيَمْضِي فِي الْفَوَاتِ بِالْقِيمَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ إلَّا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُفْسَخُ وَلَوْ عُثِرَ عَلَيْهِ بَلْ يُبَاعُ ذَلِكَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلُ صِفَةً) ش يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاءُ الْقَرْضِ بِالْمُسَاوِي وَالْأَفْضَلِ فِي الصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَرْضُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَرْضُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَحَلَّ أَجَلُهُ

فرع إذا أقرضته قمحا فقضاك دقيقا مثل كيله

أَوْ قَضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. [فَرْعٌ إذَا أَقْرَضْتَهُ قَمْحًا فَقَضَاكَ دَقِيقًا مِثْلَ كَيْلِهِ] ص (وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً وَقَدْرًا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَقْرَضْتَهُ قَمْحًا فَقَضَاك دَقِيقًا مِثْلَ كَيْلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: " مِثْلَ كَيْلِهِ جَازَ " يُرِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّقِيقُ أَجْوَدَ عَيْنًا فَيُمْتَنَعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ فَضْلَ رُبْعِ الْقَمْحِ بِجَوْدَةِ الدَّقِيقِ وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ " خِلَافًا لِأَشْهَبَ فِي قَوْلِهِ " إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ " اهـ. يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَشْهَبَ " لَوْ اقْتَضَى دَقِيقًا مِنْ قَمْحٍ وَالدَّقِيقُ أَقَلُّ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّقِيقُ أَجْوَدَ مِنْ الْقَمْحِ. ص (لَا أَزْيَدُ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا) ش: أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَدِ فَلَا تَجُوزُ، وَلَوْ قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْوَزْنِ فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَ مِثْلَ الْعَدَدِ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ أَزْيَدَ فِي الْوَزْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَلِهَذَا أَجَازَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ لِمَنْ اسْتَسْلَفَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَاقِصَةً أَوْ أَنْصَافًا أَنْ يَقْضِيَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَامِلَةً بِغَيْرِ خِلَافٍ اهـ. (قُلْت) وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ: وَإِنْ أَسْلَفْ رَجُلًا مِائَةَ دِرْهَمٍ عَدَدًا أَوْ وَزْنُهَا نِصْفُ دِرْهَمٍ فَقَضَاكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَازِنَةً عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ، وَإِنْ قَضَاكَ تِسْعِينَ وَازِنَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَقْرَضَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَازِنَةً عَدَدًا فَقَضَيْتُهُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَنْصَافًا جَازَ وَلَوْ قَضَيْتَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَنْصَافًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَزْنًا وَأَصْلُ قَوْلِهِ: إنَّكَ إذَا اسْتَقْرَضْتَ دَرَاهِمَ عَدَدًا فَجَائِزٌ أَنْ تَقْضِيَهُ مِثْلَ عَدَدِهَا كَانَتْ مِثْلَ وَزْنِ دَرَاهِمِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَيَجُوزُ أَنْ تَقْضِيَهُ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِهَا فِي مِثْلِ وَزْنِهَا أَوْ أَقَلَّ إذَا اتَّفَقَتْ الْعُيُونُ فَإِنْ قَضَيْتَهُ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا وَقَضَيْتَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهَا فِي أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهَا لَمْ يَجُزْ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: وَهَذَا فِي بَلَدٍ تَجُوزُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ عَدَدًا وَأَمَّا فِي بَلَدٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ إلَّا وَزْنًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا قَرْضُهَا إلَّا وَزْنًا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْضِيَكَ عَنْ مِائَةٍ أَنْصَافًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا عَدَدًا مِثْلُ وَزْنِهَا اهـ. (تَنْبِيهٌ) نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا

فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِكَوْنِ الْأَنْقَصِ مُعْتَبَرًا دِرْهَمًا بِذَاتِهِ لَا نِصْفَ دِرْهَمٍ وَإِلَّا مُنِعَ كَزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فِي الْعَدَدِ كَخَمْسِينَ قِيرَاطًا جَدِيدَةً تُونُسِيَّةً لَا يَصِحُّ عَنْهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا جَدِيدَةً تُونُسِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ فَيَصِحُّ قَضَاءُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا عَنْ خَمْسِينَ قِيرَاطًا اهـ. بِالْمَعْنَى وَالْقِيرَاطُ عِنْدَهُمْ نِصْفُ الدِّرْهَمِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْ الْمِائَةِ الدَّرَاهِمِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنْصَافًا وَلَا عَنْ الْمِائَةِ نِصْفَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَلَا عَنْ دِرْهَمٍ نِصْفَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْنِ كَذَلِكَ) ش: إنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَفْضَلِ فِي الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ قَبْلَ الْأَجَلِ مُمْتَنِعٌ

فِي الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا لِمَا فِيهِ مِنْ حَطِّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُكَ بِخِلَافِ الْقَرْضِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي النَّوْعِيَّةِ كَأَخْذِ سَمْرَاءَ عَنْ مَحْمُولَةٍ قَبْلَ الْأَجَلِ فَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. قَوْلُهُ: فَفِيهِ خِلَافٌ يَعْنِي فِي الْقَرْضِ، وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِضَاءِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ وَهِيَ الثَّامِنَةَ عَشْرَ فَإِنْ قَضَاهُ مِثْلَ الْعَدَدِ أَوْ أَكْثَرَ صِفَةً فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا فَفِيهِ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ طَعَامًا فَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ، فَقَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ: وَلَا خَيْرَ فِي اقْتِضَاءِ صَيْحَانِيّ عَنْ عَجْوَةٍ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ قَرْضٍ وَلَا زَبِيبٍ أَحْمَرَ عَنْ أَسْوَدَ، وَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ مِنْهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الصَّيْحَانِيّ أَفْضَلُ مِنْ الْعَجْوَةِ، وَالْأَحْمَرُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَسْوَدِ ابْنُ يُونُسَ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرَ قَبْلَ هَذَا فِي إجَازَتِهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ اهـ. وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَسْلَمْت فِي مَحْمُولَةٍ أَوْ سَمْرَاءَ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ أَقْرَضْتَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ قَضَاءً عَنْ بَعْضٍ مِثْلَ الْمَكِيلَةِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَهُوَ بَدَلٌ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ أَجْنَاسُ التَّمْرِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فِي بَيْعٍ وَلَا قَرْضٍ

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلٌ بِإِجَازَتِهِ مِنْ قَرْضٍ قَبْلَ الْأَجَلِ سَحْنُونٌ: وَهُوَ أَحْسَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ اهـ. مِنْ الْكَبِيرِ ص (وَإِنْ بَطَلَتْ فُلُوسٌ فَالْمِثْلُ أَوْ عَدِمَتْ فَالْقِيمَةُ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَدَمِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَقْرَضَ فُلُوسًا أَوْ بَاعَ بِهَا سِلْعَةً، ثُمَّ إنَّهُ بَطَلَ التَّعَامُلُ بِتِلْكَ الْفُلُوسِ وَصَارَ التَّعَامُلُ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُ الْفُلُوسُ مَا دَامَتْ مَوْجُودَةً وَلَوْ رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ فَإِنْ عَدِمَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَهُ قِيمَةُ الْفُلُوسِ مِنْ يَوْمِ يَجْتَمِعُ اسْتِحْقَاقُهَا، أَيْ وُجُوبُهَا وَحُلُولُهَا وَعَدَمُهَا، أَيْ انْقِطَاعُهَا وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْأَخِيرِ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ أَوَّلًا فَلَيْسَ لَهُ الْقِيمَةُ إلَّا يَوْمَ الْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَ الْعَدَمُ أَوَّلًا فَلَيْسَ لَهُ الْقِيمَةُ إلَّا يَوْمَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا كَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ فِي الْعِدَّةِ. (تَنْبِيهٌ) لَا خُصُوصِيَّةَ فِي الْفُلُوسِ بَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَمَنْ بَاعَ بِنَقْدٍ أَوْ قَرْضٍ، ثُمَّ بَطَلَ التَّعَامُلُ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ إنْ فُقِدَ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ اقْتَرَضَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسًا أَوْ بَاعَ بِهَا وَهِيَ سِكَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، ثُمَّ غَيَّرَ السُّلْطَانُ السِّكَّةَ بِغَيْرِهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلَ السِّكَّةِ الَّتِي قَبَضَهَا وَلَزِمَتْهُ يَوْمَ الْعَقْدِ اهـ. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ انْقَطَعَ ذَلِكَ النَّقْدُ حَتَّى لَا يُوجَدُ لَكَانَ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ انْقَطَعَتْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَإِلَّا فَيَوْمَ يَحِلُّ الْأَجَلُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. وَأَصْلُهُ لِلتِّلْمِسَانِيِّ، وَقَوْلُهُ فِي الْجَلَّابِ: مِثْلُ السِّكَّةِ الَّتِي قَبَضَهَا يَعْنِي فِي الْقَرْضِ وَقَوْلُهُ: وَلَزِمَتْهُ يَوْمَ الْعَقْدِ يَعْنِي فِي الْبَيْعِ فَهُوَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا قُطِعَتْ وَبَدَّلَ غَيْرَهَا فَمَا الْوَاجِبِ فِي الدُّيُونِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَشِبْهِهَا؟ فَأَجَابَ الْمَنْصُوصُ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُحْكَمُ إلَّا بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمُعَامَلَةُ، فَقَالَ السَّائِلُ: بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْمُتَأَخِّرِ لِإِبْطَالِ السُّلْطَانِ إيَّاهَا فَصَارَتْ كَالْعَدَمِ، فَقَالَ: لَا يُلْتَفَتُ لِهَذَا إذْ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَالِمٌ وَنَقْضٌ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَمُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ بَيْعَ عَرْضٍ بِعَرْضٍ لَا يَجُوزُ وَلِمُبْتَاعِهِ فَسْخُ الْعَقْدِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَكَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فُلُوسٌ وَقَطَعَهَا السُّلْطَانُ وَجَعَلَ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ وَتَبْطُلُ الْفُلُوسُ أَوْ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا بَدَّلَ الْمِكْيَالَ بِأَصْغَرَ مِنْهُ أَوْ أَكْبَرَ وَالْمَوَازِينَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَعَامَلَا بِهَا أَنْ يَأْخُذَ بِالْمِكْيَالِ أَوْ الْمِيزَانِ الْمُحْدَثِ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، وَهَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ (قُلْت) فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ لَكَ عَلَيْهِ فُلُوسٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَأُسْقِطَتْ لَمْ تَتْبَعْهُ إلَّا بِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ فِي الدَّرَاهِمِ إذَا أُسْقِطَتْ، وَهُوَ نَحْوُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ أَبُو حَفْصٍ مَنْ لَكَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَقُطِعَتْ فَلَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ بِمَا تُسَاوِي يَوْمَ الْحُكْمِ لَوْ وُجِدَتْ وَأَجَابَ الصَّائِغُ عَمَّا إذَا فَسَدَتْ السِّكَّةُ وَبَاعَهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، وَصَارَتْ غَيْرَهَا وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى خِلَافِ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِهَذِهِ السِّكَّةِ الْمَوْجُودَةِ الْآنَ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ. وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إذَا أُسْقِطَتْ يَتْبَعُهُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَا ثَمَنَ لَهَا وَوَجْهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا جَائِحَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ غَيْرُ مَا حَكَى ابْنُ رُشْدٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ: لَوْ كَانَتْ مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ صَارَتْ أَلْفَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَلَمْ تُوجَدْ كَانَ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ يَحِلُّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ بِالْقِيمَةِ وَقَعَ التَّأْخِيرُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ انْقَطَعَتْ إذْ لَمْ يُتَوَجَّهْ الطَّلَبُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَخَّرَ بَعْدَ الْأَجَلِ أَجَلًا ثَانِيًا فَالْقِيمَةُ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ الْأَوَّلُ، وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ: الْقِيمَةُ يَوْمَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ يَأْتِي الْكَوَالِئُ الَّتِي انْقَطَعَتْ سِكَّتُهَا مِنْ الدُّيُونِ وَالصَّدَقَاتِ اهـ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَمَسْأَلَةُ

فرع لو كانت السكة أولا بغير ميزان ثم حدث الميزان

الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي آخَرِ كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى نَصِّ مَا ذَكَرَهُ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا فِي كِتَابِ الرُّهُونِ: وَمَنْ أَسْلَفْتَهُ فُلُوسًا فَأَخَذْت فِيهَا رَهْنًا فَعَسَرَتْ الْفُلُوسُ فَلَيْسَ لَكَ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ فُلُوسِكَ وَيَأْخُذُ رَهْنَهُ، وَإِنْ بِعْتَهُ سِلْعَةً بِفُلُوسٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّمَا لَكَ نَقْدُ الْفُلُوسِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَسَادِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَقْرَضْتَهُ دِرْهَمَ فُلُوسٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ صَارَ مِائَتَا فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّمَا يَرُدُّ إلَيْكَ مَا أَخَذَ لَا غَيْرُ ذَلِكَ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قُطِعَ التَّعَامُلُ بِهَا إنْ جَعَلَ الْإِمَامُ سِكَّةً أُخْرَى ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ قُطِعَتْ وَلَمْ تُوجَدْ لَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ إلَى يَوْمِ تَحَاكُمِهِ فِيهَا وَيَقْضِي عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَسَدَتْ فَوَجَدَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ: وَلَوْ قُطِعَتْ وَلَمْ تُوجَدْ كَانَ قِيمَتُهَا يَوْمَ انْقَطَعَتْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِنْ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ فَانْقَطَعَتْ قَبْلَ الْأَجَل كَانَ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ انْقَطَعَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَوَجَّهَ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ طَلَبٌ، وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَجَلًا ثَانِيًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بِالْقِيمَةِ وَجَبَ التَّأْخِيرُ. الشَّيْخُ فَانْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِسِكَّةٍ قَدِيمَةٍ فَلَمْ تُوجَدْ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ يَكُونُ عَلَى الشَّفِيعِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ وَعَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ يَوْمَ انْقَطَعَتْ، وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ أَصْوَبُ، وَكَذَلِكَ الْمَشْهُورُ عَلَى هَذَا وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا لَكَ عَلَيْهِ نَقْدُ الْفُلُوسِ يَعْنِي سِكَّةَ الْفُلُوسِ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مَسْأَلَةَ الرُّهُونِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَقَالَ: وَمِنْ الرُّهُون: وَمَنْ اسْتَقْرَضْتَهُ دَرَاهِمَ فُلُوسٍ، وَهُوَ يَوْمَ قَبْضِهَا مِائَةٌ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ صَارَتْ مِائَتَيْنِ لَمْ تُرَدَّ إلَيْهِ إلَّا عِدَّةُ مَا قُبِضَتْ وَشَرْطُكُمَا غَيْرُ ذَلِكَ بَاطِلٌ انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " أَوْ عَدِمَتْ " فَالْقِيمَةُ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْعَدَمُ هَذَا اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ إنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحُكْمِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَأَبُو حَفْصٍ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْزِ هَذَا إلَّا لِنَقْلِ ابْنِ بَشِيرٍ وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ [فَرْعٌ لَوْ كَانَتْ السِّكَّةُ أَوَّلًا بِغَيْرِ مِيزَانٍ ثُمَّ حَدَثَ الْمِيزَانُ] (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ: وَكَذَا لَوْ كَانَتْ السِّكَّةُ أَوَّلًا بِغَيْرِ مِيزَانٍ، ثُمَّ حَدَثَ الْمِيزَانُ فَلَهُ الْمُتَعَارَفُ مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ قَبْلَ حُدُوثِ الْمِيزَانِ فَإِنْ جَهِلَ مِقْدَارَ ذَلِكَ كَانَ كَمَسْأَلَةِ آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ فِيمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ نَسِيَا مَبْلَغَهَا جَازَ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى مَا شَاءَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَإِنْ أَبَيَا أَعْرَضَ عَنْهُمَا الْحَاكِمُ حَتَّى يَصْطَلِحَا اهـ. وَمَسْأَلَةُ الصُّلْحِ فِي بَابِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ فَلَمْ يَجِدْهَا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ الْآنَ أَصْلًا] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ حَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ إذَا أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ فَلَمْ يَجِدْهَا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ الْآنَ أَصْلًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا بِمَوْضِعِ مَا أَقْرَضَهُ إيَّاهَا يَوْمَ الْحُكْمِ لَا يَوْمَ دَفْعِهَا إلَيْهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ لَهُ حِينَئِذٍ فَإِذَا فُقِدَتْ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ يُقْضَى بِهَا، ثُمَّ قَالَ وَنَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَهِيَ مَنْ تَسَلَّفَ دَرَاهِمَ فُلُوسًا أَوْ نُقْرَةً بِالْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ الْمُقْرِضِ إلَى بَلَدِ الْمَغْرِبِ، وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا فِي بَلَدِهَا يَوْمَ الْحُكْمِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ وَأَبِي حَفْصٍ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الرُّهُونِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا فِي بَلَدِهَا يَوْمَ فُقِدَتْ وَقُطِعَتْ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ قِيمَتُهَا يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي هِيَ جَارِيَةٌ فِيهِ إذْ هُوَ وَقْتُ فَقْدِهَا وَقَطْعِهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) ثُمَّ قَالَ: وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُصُولِ حَالَتْ السِّكَّةُ وَالْفُلُوسُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، وَوَقَعَتْ الْفَتْوَى بِأَنَّهُ يُعْطَى قِيمَةَ الْفُلُوسِ أَوْ الدَّرَاهِمِ الْمُقْرَضَةِ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ ذَهَبًا. [فَرْعٌ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ أَثْمَانِ مُسْتَغَلَّاتِ ضَيْعَتِهِ وَفِي الْبَلَدِ سِكَكٌ مُخْتَلِفَةٌ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ: سُئِلَ السُّيُورِيُّ عَمَّنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ أَثْمَانِ مُسْتَغَلَّاتِ ضَيْعَتِهِ، ثُمَّ كَتَبَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ أَنْ ادْفَعْ لِابْنَةِ أَخِي

فرع استشعر بقطع السكة وحصل منها شيء عند أحد هل يسارع في إخراجها قبل قطعها أم لا

مِنْ مُسْتَغَلَّاتِي خَمْسَةَ دَنَانِيرَ وَفِي الْبَلَدِ سِكَكٌ مُخْتَلِفَةٌ وَوَقْتُ الْكَتْبِ وَالْوُصُولِ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ وَابْتِدَاءُ الْوَكَالَةِ سِكَّةٌ أُخْرَى، فَقَالَ الْوَكِيلُ: لَمْ يَفْضُلْ لِي شَيْءٌ إلَّا مِنْ السِّكَّةِ عِنْدَ سَفَرِهِ وَطَلَبَ أَخُو الْغَائِبِ لِابْنَتِهِ سِكَّةَ يَوْمِ الْكَتْبِ وَالْوُصُولِ فَأَجَابَ إنَّمَا لَهُ سِكَّةُ يَوْمِ الْكَتْبِ فَتُصْرَفُ تِلْكَ السِّكَّةُ الْأُولَى عَلَى سِكَّةِ يَوْمِ الْكَتْبِ وَيُقْضَى. (قُلْت) لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ يَوْمَ عَقْدِ الْهِبَةِ وَانْظُرْ لَوْ لَمْ تَزَلْ مُخْتَلِفَةً مُنْذُ الْوَكَالَةِ إلَى يَوْمِ الْكَتْبِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْغَالِبَةِ وَلَوْ اسْتَوَى الصَّرْفُ بِهَا فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ قَرِيبًا كَتَبَ إلَيْهِ لِيَتَعَرَّفَ مَا عِنْدَهُ، وَإِنْ بَعُدَ فَتَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَالزَّكَاةِ أَنَّ لَهُ الْوَسَطَ وَقِيلَ: يَقْضِي عَلَى عَدَدِ السِّكَكِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ كَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الزَّكَاةِ اهـ. [فَرْعٌ اُسْتُشْعِرَ بِقَطْعِ السِّكَّةِ وَحَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَحَدٍ هَلْ يسارع فِي إخْرَاجِهَا قَبْلَ قَطْعِهَا أَمْ لَا] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ: إذَا اُسْتُشْعِرَ بِقَطْعِ السِّكَّةِ وَحَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَحَدٍ هَلْ يَسُوغُ لِمَنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَنْ يُسْرِعَ فِي إخْرَاجِهَا قَبْلَ قَطْعِهَا أَمْ لَا، وَهَلْ يُجْبَرُ مَنْ وَجَبَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى قَبْضِهِ فَأَفْتَى بَعْضُ مَنْ يَنْتَمِي لِلْعِلْمِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِسْرَاعُ فِي إخْرَاجِهَا وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ جَبْرُ مَنْ أَبَاهَا وَعِنْدِي أَنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمِدْيَانِ إذَا أَرَادُوا تَفْلِيسَهُ فَمَنْ يُجِيزُ الْأَخْذَ مِنْهُ خَشْيَةَ التَّفْلِيسِ يُجِيزُ هَذَا وَمَنْ يَمْتَنِعُ يُمْنَعُ وَمَنْ يَقُولُ: إذَا تَحَدَّثُوا فِي تَفْلِيسِهِ فَلَا يَجُوزُ فَهُنَا إذَا تَحَدَّثُوا فِي قَطْعِهَا فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَدَّثُوا فِي قَطْعِهَا فَيَجُوز اهـ. (قُلْت) أَمَّا الْجَبْرُ عَلَى أَخْذِهَا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُطِعَتْ جُبِرَ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْإِسْرَاعُ فِي إخْرَاجِهَا فَإِنْ كَانَ اسْتِشْعَارُ قَطْعِهَا شَائِعًا مَعْلُومًا عِنْدَ الْقَابِضِ لَهَا فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَابِضِ لَهَا مِنْ ذَلِكَ شُعُورٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى مَا قَالَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ قَضَاءَهُ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ لَا يُرَدُّ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا بِيَدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ بَيْعِ السِّلْعَةِ بِسِكَّةٍ قَدِيمَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي الْحَاوِي سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَيْعِ السِّلْعَةِ بِسِكَّةٍ قَدِيمَةٍ فَأَجَابَ شَرْطُ الْقَدِيمَةِ الطَّيِّبَةِ فِي السِّكَّةِ فَإِنْ فَهِمُوا عَنْهُ سِكَّةً بِعَيْنِهَا أَوْ سِكَكًا مُتَّحِدَةً عِنْدَ النَّاسِ فِي جُودَةِ الْعَيْنِ وَعَدَمِ التَّفَاضُلِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يُنْظَرُ لِمَا فِي السِّكَكِ مِنْ الرُّقُومِ وَالْكِتَابَةِ إذَا تَسَاوَتْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ بَاعَ فِي زَمَنِ اتِّحَادِ السِّكَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ عَلَى النِّسْبَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَهِيَ ثَلَاثُ سِكَكٍ أَخَذَ الثُّلُثَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى هَذَا اهـ. مِنْ أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ [فَرْعٌ الْعَامَّةَ إذَا اصْطَلَحَتْ عَلَى سِكَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ مَغْشُوشَةً] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَنَحْنُ فِي زَمَنِ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَحْمُولَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ كَثُرَتْ جِدًّا وَشَاعَتْ فِي بِلَادِ إفْرِيقِيَّةَ جُرَيْدِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَيْهَا حَتَّى مُنِعَ فِيهَا الرَّدِيءُ لِكَثِيرِ الْغِشِّ وَتَفَاوُتِهِ فِي أَعْيَانِ الدَّرَاهِمِ فَكَلَّمْتُ فِي ذَلِكَ شَيْخَنَا الْإِمَامَ عَسَى أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي قَطْعِهَا فَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانَ وَكَانَ فِي عَامِ سَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَهَمَّ بِقَطْعِهَا فَبَعَثَ إلَيْهِ شَيْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ وَكَانَ الْمُتَعَيِّنُ حِينَئِذٍ لِلْفَتْوَى، وَذَكَرَ لَهُ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ، وَأَنَّ الْعَامَّةَ إذَا اصْطَلَحَتْ عَلَى سِكَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَغْشُوشَةً فَلَا تُقْطَعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ رُءُوسِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَفَتَرَ الْأَمْرُ نَحْوَ الشَّهْرِ فَجَاءَتْ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ بِلَادِ هَوَارَةَ نُحَاسٌ مَطْلِيَّةٌ وَشَاعَتْ فِي الْبَلَدِ فَنَظَرَ الْخَلِيفَةُ حِينَئِذٍ، وَقَالَ: هَذَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ رُءُوسِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَتَصِيرُ فُلُوسًا فَأَمَرَ بِقَطْعِهَا حِينَئِذٍ وَنَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِهِ بِهَذَا وَرَجَعَ الْمُفْتِي إلَى فَتْوَى شَيْخِنَا الْإِمَامِ وَرَأَوْا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا هِيَ إذَا تَعَيَّنَتْ دَرَاهِمُ زَائِفَةٌ، وَهَذِهِ الدَّرَاهِمُ كُلَّ يَوْمٍ يُزَادُ فِي غِشِّهَا حَتَّى صَارَتْ نُحَاسًا وَكَذَا فِي الذَّهَبِ الْمُحَلَّاةِ لِعَدَمِ ضَبْطِهَا فِي الْغِشِّ اهـ. ص (وَتَصَدَّقَ بِمَا غُشَّ وَلَوْ كَثُرَ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ: خَلْطُ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ لِلْمَبِيعِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنْ بَيَّنَ عِنْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ مَخْلُوطٌ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ وَيَضْرِبَ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ، وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ مَخْلُوطٌ جَيِّدٌ بِرَدِيءٍ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ الرَّدِيءِ الَّذِي خُلِطَ بِالْجَيِّدِ وَصِفَتَهُمَا جَمِيعًا قَبْلَ

فرع فسخ بيع الغش

الْخَلْطِ حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمَا فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدَّ وَيَكُونَ هُوَ قَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ فِي خَلْطِهِ إذْ قَدْ يَغُشُّ بِهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُغَشَّ أَوْ مِمَّنْ لَا يَدْرِي مَا يُصْنَعُ بِهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَخْشَى أَنْ يَغُشَّ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهِ، وَهَذَا فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُخْلَطُ وَلَا يَمْتَازُ بَعْدَ الْخَلْطِ جَيِّدُهُ مِنْ رَدِيئِهِ كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ يَمْتَازَانِ بَعْدَ الْخَلْطِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ أَوْ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ أَوْ الْغَلَثِ وَالطَّعَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ مِنْهُمَا يَسِيرًا جِدًّا تَبَعًا لِصَاحِبِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَ وَلَا يُبَيِّنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا يَسِيرًا وَلَا تَبَعًا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ كَالْغَلَثِ مَعَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ السَّمِينِ مَعَ الْمَهْزُولِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْقَلِيلُ مِنْهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَالسَّمْنِ مِنْ الْعَسَلِ وَالْقَمْحِ مِنْ الشَّعِيرِ وَالْمَاءِ مِنْ اللَّبَنِ وَالْعَسَلِ فَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَمَا هُوَ عَلَى بَيَانِ مَا فِيهِ إذْ لَا يُقْدَرُ عَلَى تَخْلِيصِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ مِمَّنْ يَأْكُلهُ وَيَأْمَنُ أَنْ يُغَشَّ بِهِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي اللَّبَنِ وَالْعَسَلِ الْمَغْشُوشَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَكِتَابُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ مَنْ خَلَطَ قَمْحًا بِشَعِيرٍ لِقُوتِهِ فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا فَضَلَ مِنْهُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ الشَّعِيرِ مِنْ الْقَمْحِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ خَلَطَهُ لِلْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِنْ خَلَطَهُ لِلْأَكْلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلَطَهُ لِلْأَكْلِ، وَهُوَ يَسِيرٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ هَذَا تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ خَلَطَ قَمْحًا بِشَعِيرٍ لِقُوَّتِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى الْمَنْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَلَامَ عَلَى الْغِشِّ فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ وَالْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَا خَلْطُ دَنِيءٍ بِجَيِّدٍ خَلْطُ الدَّنِيءِ بِالْجَيِّدِ مِثْلُ: خَلْطِ حِنْطَةٍ دَنِيئَةٍ بِحِنْطَةٍ غَيْرِهَا أَوْ لَحْمِ الذُّكُورِ بِلَحْمِ الْإِنَاثِ أَوْ السَّمِينِ بِالْهَزِيلِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسَيْنِ مِثْلَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ. [فَرْعٌ فَسْخُ بَيْعِ الْغِشِّ] (فَرْعٌ) وَلَا يَجِبُ فَسْخُ بَيْعِ الْغِشِّ اتِّفَاقًا، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. [فَرْعٌ فِيمَنْ فَجَرَ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلَ فِي مِكْيَالِهِ زِفْتًا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ فِيمَنْ فَجَرَ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلَ فِي مِكْيَالِهِ زِفْتًا أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ السُّوقِ وَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنْ يَخْرُجَ أَدَبًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادَ الْغِشِّ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ غَشَّ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ يُعَاقَبُ بِالسَّجْنِ وَالضَّرْبِ، وَبِالْإِخْرَاجِ مِنْ السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا لِلْغِشِّ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ الْمُعْتَادَ يَخْرُجُ يُرِيدُ قَدْ أُدِّبَ فَلَمْ يَرْدَعْهُ الْأَدَبُ فَقَوْلُهُ: فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ أَدَبًا لَهُ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ لِقَطْعِ ضَرَرِهِ إذْ قَدْ أُدِّبَ فَلَمْ يَنْفَعْ فِيهِ الْأَدَبُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنَّهُ يَخْرُجُ أَدَبًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ يُرَى أَنَّهُ قَدْ تَابَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ، وَإِنَّمَا يُؤَدَّبُ بِالْإِخْرَاجِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى السُّوقِ وَلَا يُعْرَفُ وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى السُّوقِ وَلَا يُعْرَفُ لِاتِّسَاعِ السُّوقِ فَلَا يُؤَدَّبُ إلَّا بِالضَّرْبِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. [مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى مُصْحَفًا فَوَجَدَهُ مَلْحُونًا كَثِيرَ الْخَطَأِ غَيْرَ صَحِيحٍ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ اشْتَرَى مُصْحَفًا فَوَجَدَهُ مَلْحُونًا كَثِيرَ الْخَطَإِ غَيْرَ صَحِيحٍ هَلْ عَلَيْهِ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ حَتَّى يُبَيِّنَ. (قُلْتُ) فِي جَوَازِ الْبَيْعِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرَ الْخَطَإِ لَا يُقْدَرُ عَلَى ضَبْطِ الصِّفَةِ مَعَهُ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْقَمْحِ إذَا وُجِدَ كَثِيرَ الْغَلَثِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ

فرع في العوفية اختلف في بيعها وشرائها وجعلها من جملة الأموال

حَتَّى يُغَرْبَلَ، وَكَذَلِكَ هَذَا حَتَّى يُضْبَطَ وَيُصَحَّحَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى الْيَسِيرَ مِنْهُ أَدْرَكَ كَثْرَةَ فَسَادِهِ أَوْ قِلَّتِهِ، وَيُضْبَطُ ذَلِكَ الْفَسَادُ فَيَجُوزُ وَفِي كَوْنِ هَذَا غَيْرَ عَسِيرٍ نَظَرٌ، وَمِثْلُهُ شِرَاءُ كُتُبِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ، وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ إذَا وُجِدَ فِيهَا الْفَسَادُ وَالنَّقْصُ كَثِيرًا أَوْ التَّكْرَارُ فِي الْكَلَامِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى كُتُبًا مِنْ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مُتَفَرِّقَةَ الْأَوْرَاقِ، وَخُرُومًا مُتَنَافِرَةَ الْأَوْرَاقِ فَلَا تَجُوزُ شِرَاؤُهَا إلَّا لِعَارِفٍ بِالتَّخْمِينِ وَالْحَزْرِ، وَكَذَلِكَ بَائِعُهَا يَكُونُ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ شِرَاءِ الْجُزَافِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ مُبْتَدِئٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا مِنْ جَاهِلٍ مُطْلَقًا إذْ لَا يَدْرِي مَا يَأْخُذُ وَلَا مَا يُعْطِي، وَقَدْ نَزَلَ هَذَا وَوَقَعَتْ الْفَتْوَى بِهَذَا وَتَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ إذَا كَتَبَ مُصْحَفًا بِدَوَاةٍ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَنَّهُ يُدْفَنُ انْتَهَى مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ خُوَيْزِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى هَذَا وَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مِثْلُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كَالزَّيْتِ وَالطَّعَامِ الْمَائِعِ لَا كَالثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ وَنَحْوِهَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ هَذَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. [فَرْعُ فِي الْعَوْفِيَّة اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَجَعْلِهَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ] (فَرْعُ) قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَصْلِ الْأَصِيلِ فِي تَحْرِيمِ النَّقْلِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَالَ فِي الْعَوْفِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَجَعْلِهَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَأَمَّا الْإِجَارَةُ لِكِتَابَتِهَا فَلَا تَجُوزُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ جَوَازَ وَصِيَّةِ الْكَافِرِ بِهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا مَالٌ وَجَوَّزْنَا بَيْعَهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَالْجَوَازُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَثُرَ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِمَا كَانَ يَسِيرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَالْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ أَمْرٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَعَادَتْ الْعُقُوبَةُ فِي الْأَبْدَانِ فَكَانَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي حَدِيثِ الَّتِي لَعَنَتْ النَّاقَةَ وَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ فِي الْمَالِ لِمَنْ جَنَى فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِيهِ الْعِقَابُ بِالْمَالِ لِيَنْزَجِرَ غَيْرُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى كَذَلِكَ) ش: يُرِيدُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ وَرِثَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يُتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْوَاجِبُ أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يُؤْمَنُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ مُدَلِّسًا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا وَجَبَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ مِنْ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ عَلَى الَّذِي غَشَّهُ يُبَاعُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ وَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ أَدَبًا لِلْغَاشِّ انْتَهَى. ص (كَبَلِّ الْخَمْرِ بِالنَّشَا) ش: لِأَنَّهَا تَشْتَدُّ بِذَلِكَ وَتَصْفِقُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهَا مَبْلُولَةٌ بِالنَّشَا، وَأَنَّ ذَلِكَ يُصْفِقُهَا وَيَشُدُّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلَامُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مَرْشُوشَةٌ بِذَلِكَ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ أَوْ يَرُدَّ فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ إلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ. وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَرْشُوشَةٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ يَشُدُّهَا، وَهَذَا نَحْوُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ مَا يَصْنَعُهُ حَاكَّةُ الدِّيبَاجِ مِنْ تَصْمِيغِهَا غِشُّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ التَّصْمِيغُ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ قَدْرُ مَا أُحْدِثَ فِيهِ مِنْ الشِّدَّةِ وَالتَّصْفِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص

فصل في علة طعام الربا

وَنَفْخِ اللَّحْمِ) ش: يَعْنِي بَعْدَ السَّلْخِ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ طَعْمَ اللَّحْمِ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ سَمِينٌ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ قَالَ: وَأَمَّا نَفْخُ الذَّبِيحَةِ قَبْلَ السَّلْخِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَفِيهِ صَلَاحٌ وَمَنْفَعَةٌ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ لَا بَأْسَ بِخَلْطِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ لِاسْتِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَبِالْعَصِيرِ لِتَعْجِيلِ تَخْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُفْعَلُ لِلْإِصْلَاحِ لَا لِلْغِشِّ وَكَذَا التِّبْنُ يُجْعَلُ تَحْتَ الْقَمْحِ اهـ. مُخْتَصَرًا [فَصْلٌ فِي عِلَّةِ طَعَامِ الرِّبَا] ص (فَصْلٌ عِلَّةُ طَعَامِ الرِّبَا اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ وَهَلْ لِغَلَبَةِ الْعَيْشِ تَأْوِيلَانِ) ش: تَقَدَّمَ أَنَّ الرِّبَا يَدْخُلُ فِي النُّقُودِ وَفِي الْمَطْعُومَاتِ فَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى النَّوْعِ الثَّانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ يَدْخُلُ هُنَا فِي الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ فَأَخَذَ يُبَيِّنُهُ بِأَنْ بَيَّنَ عِلَّةَ الرِّبَا مَا هِيَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَفِي رِوَايَةٍ الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ وَقَصَرَ أَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ لِنَفْيِهِمْ الْقِيَاسَ وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمَنْعِ حَتَّى

فرع النخالة هل حكمها حكم الطعام أم لا

يُقَاسَ عَلَيْهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّهَا الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَتَأَوَّلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَعْنَى الِاقْتِيَاتِ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مُقْتَاتًا، أَيْ تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ، وَمَعْنَى الِادِّخَارِ: أَنْ لَا يَفْسُدَ بِتَأْخِيرِهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ التَّأْخِيرُ عَنْ الْعَادَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ، وَكَوْنُهُ مُتَّخَذًا لِلْعَيْشِ غَالِبًا، وَهَذَا الْقَوْلُ لِلْقَاضِيَيْنِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَعَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ بِالْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لِلْمَعَاشِ غَالِبًا وَنَسَبَهُ لِلْبَغْدَادِيَّيْنِ، قَالَ: وَتَأَوَّلَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ زَرْبٍ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، فَقَالَ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّعْلِيقُ بِكَوْنِهِ أَصْلًا لِلْعَيْشِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ادِّخَارُهُ غَالِبًا، وَكَوْنُهُ قُوتًا، قَالَ: وَعَلَى اخْتِلَافِ التَّعْلِيلَيْنِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي الْبَيْضِ وَالتِّينِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّخَرَانِ بِأَنْ يُشْوَى وَيُجْعَلَ فِي خَلٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَقِيلَ: غَيْرُ مُدَّخَرٍ وَقِيلَ: غَيْرُ مُقْتَاتٍ، وَقِيلَ: مُقْتَاتٌ، كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْخِلَافُ فِيهِ خِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهَلْ لِغَلَبَةِ الْعَيْشِ مَعْنَاهُ هَلْ الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ الَّتِي يَذْكُرُهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَسَيَذْكُرُ أَنَّ التِّينَ لَيْسَ رِبَوِيًّا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَيَذْكُرُ أَنَّ الْبَيْضَ رِبَوِيٌّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ لِضَعْفِهَا عِنْدَهُ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا. فَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَمَا يَصْلُحُهُ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ الِادِّخَارُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ غَلَبَةُ الِادِّخَارِ وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مُقَابِلِهِ فِي الْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَرَبَّبُ فَعَلَى الِادِّخَارِ يَخْرُجُ وَعَلَى غَلَبَتِهِ يَدْخُلُ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ أَوْ التَّفَكُّهُ، وَالِادِّخَارُ وَقِيلَ: الْعِلَّةُ الْمَالِيَّةُ فَلَا يُبَاعُ ثَوْبٌ بِثَوْبَيْنِ، وَنُسِبَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَهَذَا يُوجِبُ الرِّبَا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَلَا يُمْكِنُ قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِلَّةُ مَالِيَّةُ الزَّكَاةِ وَنُسِبَ، لِرَبِيعَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعِلَّةُ الْكَيْلُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الطَّعْمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَا حَدَّ لِلِادِّخَارِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَحَكَى التَّادَلِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ أَنَّ حَدَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ لَا بُدَّ مَعَ الِادِّخَارِ مِنْ شَرْطِ الْعَادَةِ فِيهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا ادِّخَارُهُ نَادِرٌ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجَوْزِ وَالرُّمَّانِ، وَهَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ كَرَاهَةَ التَّفَاضُلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُدَّخَرٌ، وَيَيْبَسُ. (الثَّالِثُ) لَا بُدَّ أَنْ يُقَالَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَفِي مَعْنَى الِاقْتِيَاتِ مَا يَصْلُحُ لِلْقُوتِ لِيَدْخُلَ الْمِلْحُ وَالتَّوَابِلُ. (الرَّابِعُ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلطَّعَامِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ وَأَمَّا الطَّعَامُ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ رِبَا النَّسَاءِ فَقَطْ وَلَا يَحْرُمُ فِيهِ رِبَا التَّفَاضُلِ فَهُوَ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا غَلَبَ اتِّخَاذُهُ لِأَكْلِ آدَمِيٍّ أَوْ لِإِصْلَاحِهِ أَوْ لِشُرْبِهِ فَيَدْخُلُ الْمِلْحُ وَالْفُلْفُلُ وَنَحْوُهُمَا، وَاللَّبَنُ لَا الزَّعْفَرَانُ، وَإِنْ أَصْلَحَ لِعَدَمِ اتِّخَاذِهِ لِإِصْلَاحِهِ وَالْمَاءُ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَعْنِي مَا يَحْرُمَانِ فِيهِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى رِبَوِيًّا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى رِبَوِيًّا، وَإِنْ دَخَلَهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّبَا وَكَأَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الْأَوَّلَ مِنْ نَوْعَيْ الرِّبَا نُسِبَ إلَيْهِ. (الْخَامِسُ) تَخْصِيصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ بِالْبُرِّ عَلَى كُلِّ مُقْتَاتٍ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ وَتَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَبِالشَّعِيرِ عَلَى كُلِّ مَا يُقْتَاتُ فِي حَالِ الشِّدَّةِ كَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الِاقْتِيَاتِ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِصِفَةٍ أُخْرَى لِكَوْنِهِ عَلَفًا وَبِالتَّمْرِ عَلَى كُلِّ مَا يُقْتَاتُ وَفِيهِ حَلَاوَةٌ، وَيُسْتَعْمَلُ فَاكِهَةً فِي بَعْضِ الْأَمْصَارِ كَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَبِالْمِلْحِ عَلَى كُلِّ مُصْلِحِ الْقُوتِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ إلَّا الْقَلِيلُ [فَرْعٌ النُّخَالَة هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الطَّعَامِ أَمْ لَا] (فَرْعٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الطَّعَامِ

وَالشَّرَابِ قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ اُخْتُلِفَ فِي النُّخَالَةِ هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الطَّعَامِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ وَلَا بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَلَا اقْتِضَاءُ الطَّعَامِ مِنْ ثَمَنِهَا وَقِيلَ: يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَالْعَلَفِ انْتَهَى. ص (كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ وَهِيَ جِنْسٌ) ش: لَمَّا كَانَ اتِّحَادُ الْجِنْسِيَّةِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِيَّةِ يُبِيحُ التَّفَاضُلَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» احْتَاجَ إلَى بَيَانِ مَا هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَبْيِينِ الرِّبَوِيَّاتِ مِنْ غَيْرِهَا أَوَّلًا، ثُمَّ بَيَانُ مَا هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ جِنْسَانِ بَلْ جَمَعَ ذَلِكَ لِلِاخْتِصَارِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي اتِّحَادِ الْجِنْسِيَّةِ عَلَى اسْتِوَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَقَارُبِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ كَانَ الطَّعَامَانِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ كَأَصْنَافِ الْحِنْطَةِ أَوْ يَتَقَارَبَانِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ كَانَا جِنْسًا، وَإِنْ تَبَايَنَا كَالتَّمْرِ مَعَ الْقَمْحِ كَانَا جِنْسَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِتَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: إنَّهُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ السُّيُورِيَّ وَتِلْمِيذُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ: هُمَا جِنْسَانِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَعْنِي قَوْلَهُ: " فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ " قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَرَدَّ الْبَاجِيُّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّعِيرِ وَالْقَمْحِ إذْ تَخْتَارُ لُقْمَةُ هَذَا عَلَى لُقْمَةِ هَذَا بِأَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ التَّرَفُّهُ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْأَصَالَةُ فِي الْمَنَافِعِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَنْ لَا يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالثَّانِيَةُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَالثَّالِثَةُ التَّدْمِيَةُ الْبَيْضَاءُ وَأَمَّا السُّلْتُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالْقَمْحِ وَفِي أَحَدِ أَقْوَالِ السُّيُورِيِّ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ جَرْيِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْقَمْحِ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَعْنِي فِي طَعْمِهِ وَلَوْنِهِ وَقَوَامِهِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي خِلْقَتِهِ وَيُعْرَفُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ بِشَعِيرِ النَّبِيِّ وَذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، فَقَالَ: وَلَا يَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلُ السُّيُورِيِّ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ السُّلْتُ: حَبٌّ بَيْنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ السُّلْتُ بِالضَّمِّ: ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ كَأَنَّهُ الْحِنْطَةُ. ص (وَعَلَسٍ وَأُرْزٍ وَدُخْنٍ وَذُرَةٍ وَهِيَ أَجْنَاسٌ) ش: اُخْتُلِفَ فِي الْعَلَسِ فَالْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالثَّلَاثَةِ، وَأَنَّهُ جِنْسٌ مُنْفَرِدٌ وَقِيلَ إنَّهُ يَلْحَقُ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ وَالْعَلَسُ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: حَبٌّ صَغِيرٌ يَقْرُبُ مِنْ خِلْقَةِ الْبُرِّ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: هُوَ حَبٌّ مُسْتَطِيلٌ صَغِيرٌ مُصَوَّفٌ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَلَسُ مُحَرَّكَةٌ ضَرْبٌ مِنْ الْبُرِّ يَكُونُ حَبَّتَانِ فِي قِشْرَةٍ والْإِشْقالِيَّةُ هِيَ الْعَلَسُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الدُّخْنَ وَالذُّرَةَ، وَالْأُرْزَ أَجْنَاسٌ مُتَبَايِنَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَهَا، وَأَنَّهَا لَا تَلْحَقُ بِالْقَمْحِ، وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: أَنَّهَا جِنْسٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْهُ أَنَّهَا تَلْحَقُ بِالْقَمْحِ وَمَا مَعَهُ، وَنَقْلُ ابْنِ بَشِيرٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيّ عَنْ اللَّيْثِ وَمَالَ إلَيْهِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّرْفِ وَالرِّبَوِيَّاتُ، وَالْأُرْزُ مَعْلُومٌ وَالذُّرَةُ قِيلَ الْبَشْنَةُ، وَقِيلَ الْقَطَّانِيَّةُ وَعَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَالدُّخْنُ قِيلَ قَمْحُ السُّودَانِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى دِرْعًا، وَقِيلَ الْقَطَّانِيَّةُ وَسَمِعْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ الْبَشْنَةُ انْتَهَى. وَالْقَطَّانِيَّةُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي مَكَّةَ بِالذُّرَةِ وَالْبَشْنَةُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِ أَهْلِ الطَّائِفِ بِالْأَجْرَشِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَسٌ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ وَالرَّفْعُ فَالْجَرُّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ كَحَبٍّ وَالرَّفْعُ عَلَى الْخَبَرِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: " كَحَبٍّ " خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مِثَالُهُ كَحَبٍّ إلَخْ، وَالْخَبَرُ إنَّمَا هُوَ الْمُتَعَلِّقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقُطْنِيَّةٌ وَمِنْهَا: كِرْسِنَّةٌ وَهِيَ أَجْنَاسٌ) ش: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقُطْنِيَّةَ أَجْنَاسٌ مُتَبَايِنَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ

وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لِاخْتِلَافِ صُوَرِهَا وَأَسْمَائِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا وَمَنَافِعِهَا وَعَدَمِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي اخْتِلَافِ الْأَصْنَافِ إلَى الْعُرْفِ، وَهِيَ فِي الْعُرْفِ أَصْنَافٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ فِي الْقَسْمِ بِالسَّهْمِ وَقِيلَ: إنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الثَّانِي قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَالْقُطْنِيَّةُ أَصْنَافٌ فِي الْبُيُوعِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا قَوْلُهُ: فِي الزَّكَاةِ إنَّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُجَانَسَةُ الْعَيْنِيَّةُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَيْنُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ، وَهُمَا جِنْسَانِ فِي الْبَيْعِ، وَقِيلَ الْحِمَّصُ وَاللُّوبِيَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْبِسِلَّةُ وَالْجُلُبَّانُ جِنْسٌ وَمَا عَدَا ذَلِكَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَنَسَبَهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَالْقُطْنِيَّةُ قَالَ الْجُزُولِيُّ كُلُّ مَا لَهُ مُزَوَّدٌ مِنْ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ وَالْجُلُبَّانِ وَاللُّوبِيَا وَغَيْرِهَا وَسُمِّيَتْ قُطْنِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ فِي الْبُيُوتِ، أَيْ تُدَّخَرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْرِعُ إلَيْهَا الْأَيْدِي. وَقَالَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ الْقُطْنِيَّةُ: كُلُّ مَا لَهُ خَرُّوبَةٌ كَالْفُولِ، وَالْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ وَاللُّوبِيَا وَالْبَسِيلَةِ وَهِيَ الْكِرْسِنَّةُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَهَا خَرُّوبَةٌ انْتَهَى، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ الْقُطْنِيَّةُ ذَوَاتُ الْمَزَاوِدِ انْتَهَى. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ: الْقُطْنِيَّةُ حُبُوبٌ كَثِيرَةٌ تُقْتَاتُ وَتُخْتَبَزُ وَسُمِّيَتْ قُطْنِيَّةً لِقُطُونِهَا فِي بُيُوتِ النَّاسِ مِنْ قَطَنَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَالْحِمَّصُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا قَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ الْفَتْحُ وَمِيمُهُ مُشَدَّدَةٌ، قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَالْعَدَسُ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَاللُّوبِيَا الدَّجْرُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدَّجْرُ مُثَلَّثَةٌ اللُّوبِيَا كَالدُّجُرِ بِضَمَّتَيْنِ، وَيَعْنِي أَنَّهُ مُثَلَّثُ الدَّالِ مَعَ سُكُونِ الْجِيمِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْكِرْسِنَّةِ هَلْ هِيَ مِنْ الْقَطَانِيِّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ هِيَ صِنْفٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى حِدَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقِيلَ: إنَّهَا غَيْرُ طَعَامٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى لَا زَكَاةَ فِيهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا عَلَفٌ، وَلَيْسَتْ بِطَعَامٍ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: الْكِرْسِنَّةُ الْبَسِيلَةُ هَكَذَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ عَنْهُ، وَذَكَرَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ الْبَسِيلَةُ الْمَاشُّ، وَالْمَاشُّ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَهُوَ بِالْعِرَاقِ حَبٌّ صَغِيرٌ يُشْبِهُ الْجُلُبَّانَ، وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ لَا مِرْيَةَ أَنَّ الْمَاشَّ غَيْرُ الْبَسِيلَةِ، وَإِنْ كَانَ يُشْبِهُهَا بَعْضَ شَبَهٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ الْكِرْسِنَّةُ هِيَ اللُّوبِيَا خِلَافُ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ تَفْسِيرُ مَالِكٍ الْقُطْنِيَّةَ بِقَوْلِهِ: الْجُلُبَّانُ وَاللُّوبِيَا وَالْحِمَّصُ وَالْكِرْسِنَّةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ وَعَدَّ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ التُّرْمُسَ مَعَ الْقُطْنِيَّةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي تَفْرِيعِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ) ش: لَا خِلَافَ أَنَّ أَصْنَافَ التَّمْرِ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ، وَأَنَّهُمَا أَعْنِي الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جِنْسَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْجُزُولِيُّ الْقِشَمِّشُ زَبِيبٌ صَغِيرٌ لَا عَظْمَ لَهُ. ص (وَلَحْمِ طَيْرٍ وَهُوَ نَجَسٌ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ كَدَوَابِّ الْمَاءِ وَذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ وَحْشًا وَالْجَرَادِ وَفِي رِبَوِيَّتِهِ خِلَافٌ) ش: قَالَ سَنَدٌ اللُّحُومُ عِنْدَ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ: لَحْمُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ عَلَى اخْتِلَافِ أَسْمَاءِ الْحَيَوَانِ إنْسِيِّهَا وَوَحْشِيِّهَا. وَلَحْمُ الطَّيْرِ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِلَحْمِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى اخْتِلَافِ الطُّيُورِ وَحْشِيِّهَا، وَإِنْسِيِّهَا وَلَحْمُ الْحُوتِ ثَالِثٌ مُخَالِفٌ لِلْجِنْسَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحُوتِ مَا كَانَ لَهُ شَبَهٌ فِي الْبَرِّ، وَقَوَائِمُ يَمْشِي عَلَيْهِ وَمَا لَا شَبَهَ لَهُ وَالْجَرَادُ جِنْسٌ رَابِعٌ فَكُلُّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَيَابِسًا بِطَرِيٍّ وَلَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ تَفَاضُلٌ وَلَا طَرِيٌّ بِيَابِسٍ خَلَا الْجَرَادِ فَإِنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: الْجَرَادُ لَيْسَ بِلَحْمٍ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَلَّابِ أَنَّهُ جِنْسٌ رَابِعٌ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ عِنْدَهُ إلَى الذَّكَاةِ وَيُمْنَعُ مِنْهُ الْمُحْرِمُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ جِنْسٌ رِبَوِيٌّ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ نَحْوَ مَا فِي الْجَلَّابِ لِقَوْلِهِ فِيهَا

يَجُوزُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْحُوتِ يَدًا بِيَدٍ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَرَادَ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَإِلَى مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَا قَالَ سَنَدٌ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: خِلَافٌ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَكُلُّ مَا يَسْكُنُ الْمَاءَ مِنْ التُّرْسِ فَمَا دُونَهُ، وَالطَّيْرِ فَمَا فَوْقَهُ صِنْفٌ لَا يُبَاعُ مُتَفَاضِلًا، وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ " يَعْنِي أَنَّ لَحْمَ الطَّيْرِ إذَا طُبِخَ بِأَمْرَاقٍ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَعْنِي فِي الْمَطْبُوخِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ مِنْهُ بِالنِّيءِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ إنْ طُبِخَ بِإِبْزَارٍ صَارَ جِنْسًا مُسْتَقِلًّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْمَطْبُوخُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ طَبْخِهِ كَقَلْيِهِ بِعَسَلٍ وَأُخْرَى بِلَبَنٍ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ قِلِّيَّةِ الْعَسَلِ، وَقِلِّيَّةِ الْخَلِّ؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا، وَهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِلَحْمِ الطَّيْرِ بَلْ الْحُكْمُ جَارٍ فِي لَحْمِ دَوَابِّ الْمَاءِ، وَلَحْمِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَلَحْمِ الْجَرَادِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ تَشْبِيهِهِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ وَأَمَّا بَيْعُ الْمَطْبُوخِ مِنْ لَحْمِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِالْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهُوَ الْفَرْعُ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ مِنْ جِنْسَيْنِ بِالنِّيءِ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ وَلِذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُ جَمِيعِ الْأَقْسَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ فِي الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا خَيْرَ فِي الصِّيرِ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ مُتَفَاضِلًا وَلَا صِغَارِ الْحِيتَانِ بِكِبَارِهَا مُتَفَاضِلًا، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الصِّيرُ بِكَسْرِ الصَّادِ حِيتَانٌ صِغَارٌ مَمْلُوحَةٌ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا فَرْقَ فِي الْجِنْسِ بَيْنَ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ وَخَشِنِهِ وَنَاعِمِهِ، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمَلِ وَالْجَمَلِ وَلَا بَيْنَ النَّعَامِ وَالْحَمَامِ وَلَا بَيْنَ حُوتِ الْمَاءِ الْعَذْبِ بِحُوتِ الْمَاءِ الْمَالِحِ فَالصِّيرُ بِمِصْرَ سَمَكٌ صَغِيرٌ عَلَى هَيْئَةِ الْأُصْبُعِ يَكُونُ بِبَحْرِ النِّيلِ وَيَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ صَغِيرًا جِدًّا عَلَى هَيْئَةِ فَلْقَةِ نَوَاةِ التَّمْرِ يُسَمَّى الْقِيرَ، وَيُؤْكَلُ مَمْلُوحًا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَلْيٌ وَلَا شَيٌّ، وَالصِّيرُ يَأْكُلُونَهُ مُمَلَّحًا وَمَقْلُوًّا وَالْجَمِيعُ لَهُ حُكْمُ الْحُوتِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ، وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْقِلَّةِ الصِّيرِ بِالْقِلَّةِ الصِّيرِ قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّحَرِّي يُرِيدُ الصِّيرَ بِالصِّيرِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الصِّيرَ بِمَنْزِلَةِ الْجُبْنِ وَاللَّبَنِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِيهَا بِوَزْنٍ جَائِزٍ قِيلَ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مَا لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا حَتَّى لَا يُسْتَطَاعُ تَحَرِّيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا قَلَّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمِيزَانِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَإِنْ عُدِمَ الْمِيزَانُ إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُخْشَى فَسَادُهُ، وَهَذَا فِي الْمُبَايَعَةِ وَالْمُبَادَلَةِ ابْتِدَاءً وَأَمَّا مَنْ وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَزْنٌ مِنْ طَعَامٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ تَحَرِّيًا إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِعَدَمِ الْمِيزَانِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ وَكَبِدُ السَّمَكِ وَدُهْنُهُ وَوَدَكُهُ لَهُ حُكْمُ السَّمَكِ وَلَيْسَ الْبَطَارِخُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ بَيْضُ السَّمَكِ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُودَعِ فِيهِ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْهُ كَبَيْضِ الطَّيْرِ وَلَبَنِ الْأَنْعَامِ وَكَمَا أَنَّ السَّمْنَ مُودَعٌ فِي اللَّبَنِ، وَإِنْ لَمْ يُجَانِسْهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ بِاسْمِ السَّمَكِ بِبَيْضِهِ وَلَا فِي الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ بِاسْمِ الْبَيْضِ وَالْبَطَارِخِ بِالسَّمَكِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا أُضِيفَ إلَى اللَّحْمِ مِنْ شَحْمٍ وَكَبِدٍ وَكَرِشٍ وَقَلْبٍ وَرِئَةٍ وَطِحَالٍ وَكُلًى وَحُلْقُومٍ وَخُصْيَةٍ وَكُرَاعٍ وَرَأْسٍ وَشِبْهِهِ فَلَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ، وَلَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الطِّحَالِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْجِلْدُ لَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ إذَا كَانَ مَأْكُولًا، وَكَذَلِكَ الْعَصَبُ وَالْعَظْمُ وَالْبَيْضُ لَا تَقِفُ اسْتِبَاحَتُهُ عَلَى الذَّكَاةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ اللَّحْمِ كَاللَّبَنِ بِخِلَافِ الْكَبِدِ وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّحْمِ وَزْنًا بِوَزْنٍ لَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ، وَكَذَلِكَ

بَيْعُ الشَّحْمِ بِالشَّحْمِ إذَا كَانَ جَمِيعُهُ طَرِيًّا فَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَيَجْرِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي يَابِسِ اللَّحْمِ بِيَابِسِهِ وَمَالِحِهِ بِمَالِحِهِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي جِنْسِيَّةِ الْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسَيْنِ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي لَحْمِ الْجِنْسَيْنِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ هَلْ يَصِيرَانِ بِالطَّبْخِ جِنْسًا وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ؟ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَمْرَاقَ وَاللُّحُومَ الْمَطْبُوخَةَ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اخْتِلَافِ اللُّحُومِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ مَا تُطْبَخُ بِهِ وَتَعَقَّبَ هَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَرَأَى أَنَّ الزِّيرَبَاجَ مُخَالِفَةٌ لِلطَّبَاهِجَةِ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْمَلُ مِنْ لَحْمِ الصِّيرِ مُخَالِفٌ لِمَا يُعْمَلُ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ أَنَّ اللَّحْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ إذَا طُبِخَا لَا يَصِيرَانِ جِنْسًا وَاحِدًا بَلْ يَبْقَيَانِ عَلَى أَصْلَيْهِمَا اهـ. وَكَانَ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَدْ رُجِّحَ. (تَنْبِيهٌ) حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْبِسَاطِيِّ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا طُبِخَ جِنْسَانِ مِنْ اللَّحْمِ بِمَرَقَةٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ مَقْصُورٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْع الْمَطْبُوخِ وَزْنًا، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَنَدٌ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يُمْنَعُ الْقَدِيدُ بِالْقَدِيدِ وَالْمَشْوِيُّ بِالْمَشْوِيِّ لَا يَجُوزُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَطْبُوخِ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِ النَّارِ وَعَلَى الْجَوَازِ فَهَلْ تُرَاعَى الْمِثْلِيَّةُ فِي الْحَالِ أَوْ كَوْنُ اللَّحْمِ نِيئًا قَوْلَانِ قَالَ سَنَدٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. ص (وَالْمَرَقِ وَالْعَظْمِ وَالْجِلْدِ كَهُوَ) ش: يَعْنِي أَنَّ اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ إذَا بِيعَ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَكَانَ مَعَهُمَا مَرَقٌ فَإِنَّ حُكْمَ الْمَرَقِ كَحُكْمِ اللَّحْمِ، وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ وَالْهَرِيسَةُ بِالْهَرِيسَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا يَتَحَرَّى اللَّحْمَ خَاصَّةً حَيْثُ كَانَ نِيئًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا إلَى مَا مَعَهُ مِنْ الْمَرَقِ كَمَا يَتَحَرَّى الْخُبْزَ بِالْخُبْزِ الرَّقِيقِ، وَقَالَ سَنَدٌ إذَا رَاعَيْنَا الْمُمَاثَلَةَ فِي بَيْعِ الْمَطْبُوخِ بِالْمَطْبُوخِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ اسْتِوَاءُ الْوَزْنِ بِمَا فِي الْمِلْحِ مِنْ رُطُوبَةِ الْمَرَقِ أَوْ يَتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ وَزْنِ اللَّحْمِ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ رُطُوبَةِ الْمَرَقِ يُخْتَلَفُ فِيهِ فَمَنْ جَعَلَ الْمَرَقَ جِنْسًا آخَرَ أَسْقَطَ مَا فِيهِ مِنْ رُطُوبَةِ الْمَرَقِ وَمَنْ جَعَلَ الْمَرَقَ تَابِعًا لِلَّحْمِ اعْتَبَرَهُ بِرُطُوبَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِرُطُوبَتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمَرَقَ جِنْسٌ آخَرُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَا يُطْبَخُ مَعَ اللَّحْمِ فَضَرْبَانِ ضَرْبٌ لَهُ مَعَ الطَّبْخِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَاللِّفْتِ وَالْبَاذِنْجَانِ فَابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَجْعَلُهُ تَابِعًا لِحُكْمِ اللَّحْمِ حَتَّى جَعَلَ الْهَرِيسَةَ بِالْهَرِيسَةِ كَأَنَّهُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ لَحْمًا وَقَمْحًا بِلَحْمٍ وَقَمْحٍ وَغَيْرُهُ يُخَالِفُهُ، وَيَقُولُ: لَا يَبِيعُ ذَلِكَ وَلَا يُبَاعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ وَبَقْلٌ بِلَحْمٍ وَبَقْلٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا إنْ كَانَ مِنْ الْبُقُولِ غَيْرِ الْمُدَّخَرَةِ، وَإِنْ اُدُّخِرَ كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُتَفَاضِلًا وَضَرْبٌ لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ يُعْطِيهِ حُكْمَ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ مَاءُ اللَّحْمِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطِيهِ حُكْمَ الْمَاءِ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلَّحْمِ. ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَجْرِي مَا يُصْنَعُ فِي السَّمَكِ الْمَطْبُوخِ

مِنْ خَرْدَلٍ وَلَيْمُونٍ وَغَيْرِهِ هَلْ لِذَلِكَ حُكْمُ السَّمَكِ أَوْ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ اهـ بِاخْتِصَارٍ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتَصَرَهُ جِدًّا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ مَشَى عَلَى كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فَأَعْطَى الْمَرَقَ حُكْمَ اللَّحْمِ فَإِذَا بِيعَ لَحْمٌ وَمَرَقٌ بِلَحْمٍ وَمَرَقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا بِيعَ لَحْمٌ وَمَرَقٌ بِلَحْمٍ فَقَطْ أَوْ بِيعَ مَرَقٌ فَقَطْ بِمَرَقٍ فَقَطْ وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا بِيعَ لَحْمٌ بِمَرَقٍ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ: وَالْعَظْمُ وَالْجِلْدُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا بِيعَ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا بِالْوَزْنِ أَوْ بِالتَّحَرِّي فَهَلْ يُبَاعُ بِعَظْمِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَيُعَدُّ الْعَظْمُ كَأَنَّهُ لَحْمٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِبَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ نَوَاهُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ فَيَسْقُطُ الْعَظْمُ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا عَلَى اخْتِصَارِ سَنَدٍ قُلْت فَهَلْ يَصْلُحُ الرَّأْسُ بِالرَّأْسِ؟ قَالَ لَا يَصْلُحُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ أَوْ عَلَى التَّحَرِّي قُلْت فَإِنْ دَخَلَ رَأْسٌ فِي وَزْنِ رَأْسَيْنِ أَوْ دَخَلَ ذَلِكَ فِي التَّحَرِّي قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ سَنَدٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَصْلُحُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ أَنَّ الْعَظْمَ لَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ مَا لَمْ يَكُنْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، كَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتَحَرَّى اللَّحْمَ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي عَظْمِ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِي الرُّءُوسِ بِاللَّحْمِ وَفِي الْأَكَارِعِ بِاللَّحْمِ فِي طَرْحِ عَظْمِ الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ يَجْرِي عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَالْجِلْدُ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سَنَدٍ أَنَّهُ كَاللَّحْمِ إذَا كَانَ مَأْكُولًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خَيْرَ فِي شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ تَحَرِّيًا إنْ قَدَرَ عَلَى تَحَرِّيهِمَا قَبْلَ السَّلْخِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: يَنْبَغِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ كُلُّ وَاحِدٍ جِلْدَ شَاتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لَحْمٌ وَسِلْعَةٌ بِلَحْمٍ، وَسِلْعَةٍ قَالَ سَنَدٌ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَحْمٌ يُؤْكَلُ مَسْمُوطًا قَالَ سَنَدٌ وَعَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ يُرَاعَى الصُّوفُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَجْزُورَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. ص (وَيُسْتَثْنَى قِشْرُ بَيْضِ النَّعَامِ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْضَ رِبَوِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يُبَاعُ الْبَيْضُ إلَّا بِالْوَزْنِ أَوْ بِالتَّحَرِّي وَقِشْرُهُ تَابِعٌ لَهُ كَالْعَظْمِ لِلَّحْمِ إلَّا بَيْضَ النَّعَامِ فَإِنَّ قِشْرَهُ كَسِلْعَةٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِبَيْضٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سِلْعَةً وَرِبَوِيٌّ بِرِبَوِيٍّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. ص (وَذُو زَيْتٍ كَفُجْلٍ وَالزُّيُوتُ أَصْنَافٌ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَذُو بِالْوَاوِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَصْنَافٌ وَفِي بَعْضِهَا وَذِي بِالْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَجْرُورَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ

وَالزُّيُوتُ فَهُوَ بِالرَّفْعِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا لَهُ زَيْتٌ كَحَبِّ الْفُجْلِ وَالسِّمْسِمِ وَالْجُلْجُلَانِ وَالْقُرْطُمِ وَالزَّيْتُونِ فَهُوَ رِبَوِيٌّ وَهَذِهِ الْحُبُوبُ أَصْنَافٌ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ مُسْتَقِلٌّ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالصِّنْفِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا (تَنْبِيهٌ) شَمِلَ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِزْرَ الْكَتَّانِ وَزَيْتَ الْكَتَّانِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ بِزْرِ الْكَتَّانِ رِبَوِيًّا رِوَايَةُ زَكَاتِهِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ إذْ لَيْسَ بِعَيْشٍ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. (قُلْت) وَالْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ ثُمَّ قَالَ وَفِيهَا زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَزَيْتُ الْفُجْلِ وَزَيْتُ الْجُلْجُلَانِ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِهَا قَالَ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِي كُلِّ زَيْتٍ يُؤْكَلُ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّفَاضُلَ فِي زَيْتِ الْكَتَّانِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَالْجُلْجُلَانِ وَالْفُجْلِ وَالْقُرْطُمِ وَزَيْتُ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ أَصْنَافٌ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي زَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْأَكْلِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي زَيْتِ اللَّوْزِ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْأَكْلِ غَالِبًا وَإِنَّمَا يُرَادُ لِلْعِلَاجِ وَيَدْخُلُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَكَذَلِكَ زَيْتُ اللَّوْزِ عِنْدَنَا اهـ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِعَ فِي بِزْرِ الْكَتَّانِ وَزَيْتِهِ أَنَّهُمَا غَيْرُ رِبَوِيَّيْنِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنَّهُمَا رِبَوِيَّانِ بِحَسَبِ بَلَدِهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ بِمِصْرَ يَسْتَعْمِلُونَ زَيْتَ الْكَتَّانِ لِقَلْيِ السَّمَكِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخَرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ: إنَّ زَرِيعَةَ الْفُجْلِ وَزَرِيعَةَ الْكَتَّانِ مِنْ الطَّعَامِ لَا تُبَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُتَّخَذُ فِيهِ ذَلِكَ اهـ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الزُّيُوتِ فَمَا كَانَ مِنْهَا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ فَهُوَ عَلَى حُكْمِ الطَّعَامِ وَإِنْ دَخَلَ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ فَزَيْتُ الزَّيْتُونِ جِنْسٌ عَلَى اخْتِلَافِ صِفَاتِهِ فَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَيْلًا إلَّا أَنْ يَجْمُدَ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَنْضَمُّ أَجْزَاؤُهُ وَيُنْتَقَصُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ بَيْعُهُ بِالْجَارِي غَيْرِ الْجَامِدِ لِأَنَّ الْجَارِيَ إذَا جَمُدَ انْتَقَصَ فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا إذَا تَحَقَّقَ نَقْصُ الْجَامِدِ عَنْ الْمَائِعِ وَزَيْتُ الْجُلْجُلَانِ جِنْسٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الزَّيْتِيَّةِ قَالَ وَكَذَلِكَ زَيْتُ الْفُجْلِ لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ وَهُوَ بِأَرْضٍ يُؤْكَلُ بِالطَّبْخِ وَالْقَلْيِ وَهُوَ بِأَرْضِ الصَّعِيدِ صِبْغٌ لِلْآكِلِينَ وَمَنَعَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ جِنْسٌ وَاحِدٌ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ الزَّيْتُونِ زَيْتُ الْبِزْرِ وَهُوَ زَرِيعَةُ الْكَتَّانِ وَيُخْتَلَفُ فِيهِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ الطَّعَامِ وَلَمَّا مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الزَّكَاةَ فِيهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ إذْ لَيْسَ بِعَيْشٍ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِنْ عَمَّتْ مَنْفَعَتُهُ وَهَذَا فِي الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْقَصَبِ وَالشَّمَارِ بَلْ لَا تَجِبُ فِي الْحُبُوبِ وَفِي ثَمَرَةِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ حَتَّى تَرْجِعَ طَعَامًا وَتَطِيبَ أَيْضًا فَإِيجَابُ الزَّكَاةِ وَأَخْذُهَا مِنْ زَيْتِ الْكَتَّانِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَلَى حُكْمِ الطَّعَامِ وَبِزْرُ الْكَتَّانِ يُؤْكَلُ بِأَرْضِنَا عَادَةً وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ كَذَلِكَ كَمَا يُبَاعُ السِّمْسِمُ وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَقْلُوًّا وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَبَعْضُهُمْ لَا رِبَا فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يُسْتَطَابُ وَلَا يُؤْكَلُ بَلْ يُسْتَخْبَثُ رِيحُهُ فَكَيْفَ بِأَكْلِهِ بَلْ يُعَدُّ أَكْلُهُ سَفَهًا فَهُوَ فِي نَفْسِهِ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِ الْمَأْكُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ فِي قَوْلٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي حَبِّهِ وَحَبُّهُ مَأْكُولٌ يُسْتَلَذُّ وَلَا يُسْتَخْبَثُ وَلَمَّا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي حَبِّهِ أُخِذَتْ مِنْ زَيْتِهِ عَلَى قِيَاسِ مَا لَهُ زَيْتٌ وَلِأَنَّ التَّفَاضُلَ لَا يَحْرُمُ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ فِيمَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ أَوْ يَصْلُحُ الْقُوتُ بِهِ، وَزَيْتُ الْكَتَّانِ خَارِجٌ عَنْ

ذَلِكَ فَلَا يُقْتَاتُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ فِي الْعَادَةِ أَمَّا زَيْتُ السَّلْجَمِ فَإِنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ وَيُخَالِفُ زَيْتَ الْفُجْلِ لِأَنَّ زَيْتَ الْفُجْلِ مَأْكُولٌ وَيُخَالِفُ زَيْتَ الْكَتَّانِ لِأَنَّ زَيْتَ الْكَتَّانِ زَيْتُ حَبٍّ مَأْكُولٍ، وَالسَّلْجَمُ لَا يُؤْكَلُ حَبُّهُ لَا زَيْتُهُ. وَمِنْ الزُّيُوتُ زَيْتُ الْخَسِّ وَهُوَ مَأْكُولٌ وَزَيْتُهُ بِأَرْضِنَا مُدَّخَرٌ عَامُّ الْوُجُودِ وَكَذَلِكَ زَيْتُ الْجَوْزِ مَأْكُولٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَهُوَ مُدَّخَرٌ عَامُّ الْوُجُودِ بِخُرَاسَانَ وَأَرْضِ الْعِرَاقِ وَكَذَلِكَ زَيْتُ الْقُرْطُمِ وَزَيْتُ الْبُطْمِ وَهُوَ زَيْتُ الْحَبَّةِ الْخَضْرَاءِ وَهُوَ كَثِيرٌ بِالشَّامِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ زَيْتٍ فَهُوَ يُدَّخَرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ غَالِبًا وَيُؤْكَلُ حَبُّهُ غَالِبًا فَفِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ حَبُّهُ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ يُؤْكَلُ فَفِيهِ الرِّبَا اعْتِبَارًا بِزَيْتِ الْفُجْلِ وَإِنْ كَانَ حَبُّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَهُوَ لَا يُؤْكَلُ فَفِيهِ خِلَافٌ اعْتِبَارًا بِزَيْتِ الْكَتَّانِ انْتَهَى (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبُزُورِ وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ مَا يُطَيَّبُ مِنْ الزُّيُوتِ بِأَشْجَارِ الْأَرْضِ يَخْرُجُ مِنْ صِنْفِهِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ إذَا طُيِّبَ بِصَرِيحِ الطِّيبِ كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْعُودِ وَشَبَهِهِ وَنَحْوِهِ فِي الشَّامِلِ فَمَنْ حَلَفَ عَلَى الزَّيْتِ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ وَلَا يَبِيعَهُ يَحْنَثُ بِالزَّيْتِ الْمُطَيَّبِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ مَا فِيهِ مِنْ الطِّيبِ عَنْ صِنْفِهِ حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ فِيهِ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الزَّيْتَ الْخَالِصَ فَلَا يَحْنَثُ بِالطِّيبِ عَلَى حَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا الْكَعْكَ بِأَبْزَارٍ) ش: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى وَزْنِ أَفْعَالٍ جَمْعُ بِزْرٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَيُجْمَعُ أَبْزَارٌ عَلَى أَبَازِيرَ فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ وَهِيَ التَّوَابِلُ الْآتِي ذِكْرُهَا (فَرْعٌ) وَأَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِالْأَبْزَارِ الدُّهْنَ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُ الْإِسْفَنْجِ بِالْخَلِّ مُتَفَاضِلًا وَالْإِسْفَنْجُ الزَّلَابِيَةُ وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْإِسْفَنْجَةِ وَالْمُسَمَّنَةِ بِالْخُبْزِ مُتَفَاضِلًا ص (وَبَيْضٍ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: بَيْعُ الطَّيْرِ كُلِّهِ صِنْفِ النَّعَامِ وَالطَّاوُوسِ فَمَا دُونَهَا بِمَا يَطِيرُ أَوْ لَا يَطِيرُ يُسْتَحْيَا أَوْ لَا يُسْتَحْيَا صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ لَا يُبَاعُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ تَحَرِّيًا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَعْدَادُ وَالْمَشْهُورُ اسْتِثْنَاءُ بَيْضِ النَّعَامِ لِأَنَّهُ سِلْعَةٌ وَغَيْرُ مُسْتَهْلَكٍ اهـ هَذَا هُوَ الَّذِي فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ قِشْرَهُ سِلْعَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُطْلَقُ لَبَنٍ) ش: شَمِلَ قَوْلُهُ حَتَّى لَبَنِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ لَا بِجِنْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّالِثِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَبَنُ الْآدَمِيِّ عِنْدِي هُوَ كَأَحَدِ الْأَلْبَانِ مِنْ الْأَنْعَامِ فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ وَفِيهَا، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحُلْبَةٍ وَهَلْ إنْ اخْضَرَّتْ تَرَدُّدٌ) ش: اُخْتُلِفَ فِي الْحُلْبَةِ هَلْ هِيَ طَعَامٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ دَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَوْ الْخَضْرَاءُ طَعَامٌ وَالْيَابِسَةُ دَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَرَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ تَفْسِيرٌ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ تَرَدُّدٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْخِلَافُ فِي الْحُلْبَةِ إنَّمَا هُوَ هَلْ هِيَ طَعَامٌ أَوْ دَوَاءٌ لَا فِي أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ

وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ يُوهِمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي الرِّبَوِيِّ، انْتَهَى قُلْت وَقَدْ اعْتَرَضَ الشَّارِحُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمِثْلِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهَا رِبَوِيَّةً أَمْ لَا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَنْ أَثْبَتَ لَهَا الْمَطْعُومِيَّةُ مُطْلَقًا وَبَيْنَ مَنْ قَيَّدَهَا بِالْخَضْرَاءِ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ رِبَوِيَّةٌ لِأَنَّهَا تُدَّخَرُ لِلْإِصْلَاحِ وَعَلَى الثَّانِي الَّذِي قَيَّدَهَا بِالْخَضْرَاءِ لَا تُدَّخَرُ فَلَا تَكُونُ رِبَوِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ طَعَامًا قَالَ: وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَطْعُومٍ وَأَنَّهَا غَالِبُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْأَدْوِيَةِ اهـ. ص (وَتَابِلٍ كَفُلْفُلٍ وَكُزْبَرَةٍ وَكَرَوْيَا وَأَنِيسُونَ وَشَمَارٍ وَكَمُّونَيْنِ) ش: قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالتَّابِلُ وَاحِدُ تَوَابِلَ الْقِدْرِ اهـ يَعْنِي أَنَّهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَهْمِزُهُ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا الْكَعْكَ بِأَبْزَارٍ الْأَبْزَارُ هُوَ التَّوَابِلُ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْأَبْزَارُ التَّوَابِلُ اهـ. وَالْفُلْفُلُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْفُلْفُلُ بِالضَّمِّ حَبٌّ مَعْرُوفٌ اهـ. وَالْكُزْبَرَةُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: هِيَ مِنْ الْأَبَازِيرِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَأَظُنُّهُ مُعَرَّبًا اهـ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ مَكِّيٍّ أَنَّ الصَّوَابَ الْفَتْحُ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ الْكُسْبَرَةِ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ بِالزَّايِ وَنَقَلَ فِي الْمُحْكَمِ: فِيهَا ضَمُّ الْبَاءِ وَفَتْحُهَا مَعَ السِّينِ وَالزَّاي وَالْكَرَوْيَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْكَرَوْيَا مِنْ الْبِزْرِ وَزْنُهَا فَعَوْلَل أَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ، انْتَهَى. فَأَصْلُهَا كَرَوِيِّيٌّ قُلِبَتْ يَاؤُهَا الثَّانِيَةُ أَلِفًا فَصَارَتْ كَرَوِيَّا وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي بَابِ الْمِيمِ فِي فَصْلِ الْقَافِ: قَرْدَمَ الْقُرْدُمَانَى مَقْصُورٌ دَوَاءٌ وَهُوَ كَرَوْيَا اهـ. قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: كَرَوِيَّا مِثْلُ زَكَرِيَّا وَرِوَايَةٌ أُخْرَى كَرَوِيَّا مِثْلُ بَيَعِيَّا اهـ وَالشَّمَارُ، قَالَ فِي تَكْمِلَةِ الصِّحَاحِ لِلصَّاغَانِيِّ: الشَّمَارُ بِالْفَتْحِ الرَّازَيَانْجُ بِلُغَةِ أَهْلِ مِصْرَ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ وَالْكَمُّونُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ بِالتَّشْدِيدِ مَعْرُوفٌ اهـ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ، قَالَهُ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ فِي كَوْنِ التَّوَابِلِ طَعَامًا رِوَايَتُهَا وَرِوَايَةُ ابْنِ شَعْبَانَ وَهِيَ الْكُزْبَرَةُ وَالْقُرْنُبَاذُ وَالْفُلْفُلُ وَشِبْهُهُ قُلْت وَفِيهَا وَالشُّونِيزُ وَالتَّابِلُ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيّ وَشِبْهُ ذَلِكَ الزَّنْجَبِيلُ عِيَاضٌ. الْقُرْنُبَاذُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَنُونٍ بَعْدَهَا سَاكِنَةٍ وَآخِرُهُ ذَالٌ الْكَرَوْيَا وَالشَّونِيزُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ، الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الشَّمَارُ وَالْكَمُّونَانِ وَالْأَنِيسُونُ طَعَامٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَصْبَغُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَتْ طَعَامًا هِيَ دَوَاءٌ إنَّمَا التَّابِلُ الَّذِي هُوَ طَعَامٌ الْفُلْفُلُ وَالْكَرَوْيَا وَالْكُزْبَرَةُ وَالْقَرَفَا وَالسُّنْبُلُ ابْنُ حَبِيبٍ الشُّونِيزُ وَالْخَرْدَلُ مِنْ التَّوَابِلِ إلَّا الْحُرْفُ وَهُوَ حَبُّ الرَّشَادِ دَوَاءٌ لَا طَعَامٌ وَعَزْوُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَوْنَ التَّوَابِلِ غَيْرَ طَعَامٍ لِأَصْبَغَ يَقْتَضِي عُمُومَ قَوْلِهِ فِي جَمِيعِهَا وَاَلَّذِي فِي النَّوَادِرِ لِأَصْبَغَ خِلَافُ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ مَا نَصُّهُ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْمَصْطَكَى نَصٌّ فِي أَنَّهَا غَيْرُ طَعَامٍ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ وَأَلْحَقَ ابْنُ عَرَفَةَ اللِّيمَ بِالطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ بِخِلَافِ النَّارِنْجِ وَالزَّنْجَبِيلِ لِأَنَّهُ مُصْلَحٌ مِثْلُهُ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا نَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي اللِّيمِ وَالنَّارِنْجِ. ص (لَا خَرْدَلٍ إلَى آخِرِهِ)

ش: اعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ بِمَا نَصُّهُ أَمَّا الْخَرْدَلُ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَرَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ أَظْهَرُ عِنْدِي فِي الرِّبَوِيَّةِ مِنْ الْأَنِيسُونَ اهـ فَأَمَّا

فرع بيع التمر بالنوى

الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فَقَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَهْرَامُ وَأَمَّا كَوْنُ الشَّيْخِ رَجَّحَهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا قَوَّى الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ الَّذِي فِي التِّينِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ صَاحِبُ التَّلْقِينِ الْخِلَافَ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ النَّارِنْجُ غَيْرُ طَعَامٍ وَاللِّيمُ طَعَامٌ اهـ. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ مِثْلَهُ عَنْ الرَّمَّاحِ قَالَ: وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِ تُونُسَ أَنَّ اللِّيمَ يَصِيرُ لِلْإِدَامِ وَالنَّارِنْجُ إنَّمَا يُوضَعُ لِلْمَصْبَغَاتِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُؤْكَلُ إلَّا نَادِرًا وَلَوْ عُكِسَ أَوْ جَرَى مَجْرَى اللِّيمِ فِي بَلَدٍ لَكَانَ طَعَامًا. . وَنُقِلَ عَنْ الرَّمَّاحِ أَنَّهُ قَالَ: أَشْرِبَةُ الْحَكِيمِ كُلُّهَا رِبَوِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي رِبَوِيَّتِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ بِطَعَامٍ مُؤَخَّرٍ قُلْت قَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْأَشْرِبَةِ كُلِّهَا شَرَابِ الْوَرْدِ وَشَرَابِ الْبَنَفْسَجِ وَشَرَابِ الْجُلَّابِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ مُتَقَارِبَةٌ وَلَا يَجُوزُ عَسَلُ الْقَصَبِ الْحُلْوِ بِالْقَصَبِ الْحُلْوِ فَإِذَا صَارَ فِيهِ شَرَابٌ جَازَ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ أَبْزَارٌ مِثْلُ الْمَطْبُوخِ بِالنَّيْءِ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَالْمَصْطَكَى لَيْسَتْ بِطَعَامٍ وَالْجُلْبَانُ طَعَامٌ، انْتَهَى. ص (وَقَلْيِ قَمْحٍ) ش: الْقَمْحُ وَشِبْهُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَوِيقٍ وَسَمْنٍ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ السَّمْنَ وَالسَّوِيقَ إذَا صُلِقَا صَارَا جِنْسًا عَنْ السَّوِيقِ غَيْرِ الْمَلْتُوتِ فَتَكُونُ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: السَّوِيقُ جِنْسُ غَيْرِ الْقَمْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَلْيُ وَحْدَهُ نَاقِلًا فَأَحْرَى الْقَلْيُ وَالطَّحْنُ وَأَمَّا السَّمْنُ فَنَاقِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى لَبَنٍ أُخْرِجَ زُبْدُهُ وَإِمَّا بِلَبَنٍ فِيهِ زُبْدٌ فَلَا يُعَدُّ نَاقِلًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا الْأَسْوِقَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِهَا فَجِنْسٌ وَاحِدٌ نَقَلَهُ الْقَبَّابُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَ تَمْرٌ وَلَوْ قَدُمَ بِتَمْرٍ) ش: هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ يُمْنَعُ بَيْعُ الْقَدِيمِ مِنْ التَّمْرِ بِالْجَدِيدِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ إنْ اخْتَلَفَ صِنْفَاهُمَا كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ، كَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحُ بِدُونِ قَوْلِهِ إنْ اخْتَلَفَ صِنْفَاهُمَا وَفِي كِلَا النَّقْلَيْنِ نَقْصٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ اخْتَارَ الْمَنْعَ أَيْضًا مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ بِالْبُسْرِ إذَا كَانَ نَقْصُهُمَا يَخْتَلِفُ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: وَالْمَنْعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَحْسَنُ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ وَمَا يُعْلَمُ أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي النَّقْصِ إذَا صَارَا تَمْرًا لِلْحَدِيثِ اهـ وَصَرَّحَ الْقَبَّابُ بِمُخَالَفَةِ اللَّخْمِيِّ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ. [فَرْعٌ بَيْعُ التَّمْرِ بِالنَّوَى] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: بَيْعُ التَّمْرِ بِالنَّوَى فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ إنْ كَانَ نَقْدًا فَجَائِزٌ وَإِلَّا فَلَا مِنْ فَوَائِدِ الدَّارِمِيِّ وَنَقَلَهَا مِنْ طُرَرِ الْفَخَّارِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ حَالَةَ الْكَمَالِ فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِتَمْرٍ وَنَحْوِهَا بِاتِّفَاقٍ وَذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا خَرْدَلٍ وَزَعْفَرَانٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلِيبٌ) ش: سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَزُبْدٍ وَسَمْنٍ

فرع إذا كان نصف التمرة بسرا ونصفها قد أرطب هل يجوز بيع بعضه ببعض

وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ ص (وَرُطَبٌ) ش: قَالَ الْقَبَّابُ: الرُّطَبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ هُوَ التَّمْرُ الَّذِي دَخَلَهُ إنْضَاجٌ فَإِنْ يَبِسَ فَهُوَ تَمْرٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ. [فَرْعٌ إذَا كَانَ نِصْفُ التَّمْرَةِ بُسْرًا وَنِصْفُهَا قَدْ أَرْطَبَ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ: وَانْظُرْ إذَا كَانَ نِصْفُ التَّمْرَةِ بُسْرًا وَنِصْفُهَا قَدْ أَرْطَبَ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ: قُلْت الْأَظْهَرُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ. [فَرْعٌ بَيْعُ الْبُسْرِ بِالْبُسْرِ] (فَرْعٌ) وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبُسْرِ بِالْبُسْرِ وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ مَنْعَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ. ص (وَمَشْوِيٌّ وَقَدِيدٌ) ش: الْقَدِيدُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِهَا، قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَدَالُهُ مُهْمَلَةٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خَيْرَ فِي يَابِسِ الْقَدِيدِ بِمَشْوِيِّ اللَّحْمِ وَإِنْ تَحَرَّى لِاخْتِلَافِ الْيُبْسِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِيهِمَا قَوْلُ مَالِكٍ فَيَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ تَحَرِّيًا اهـ وَهَذَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَبْزَارٍ أَوْ فِيهِمَا أَبْزَارٌ فَإِنْ كَانَ الْأَبْزَارُ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ مُتَفَاضِلًا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: وَلَمْ يَجُزْ الْمَشْوِيُّ بِالْمَشْوِيِّ وَلَا الْقَدِيدُ بِالْقَدِيدِ مِنْ اللَّحْمِ إلَّا بِتَحَرِّي أُصُولِهِمَا. ص (وَعَفِنٌ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَبَادَلَا قَمْحًا عَفِنًا بِعَفِنٍ مِثْلِهِ فَإِنْ اشْتَبَهَا فِي الْعَفَنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ تَبَاعَدَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَا مَغْشُوشَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا كَثِيرَ التِّبْنِ أَوْ التُّرَابِ حَتَّى يَصِيرَ خَطَرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَبَادَلَا إلَّا فِي الْغَلْثِ الْخَفِيفِ أَوْ يَكُونَا نَقِيَّيْنِ وَكَذَلِكَ سَمْرَاءُ مَغْلُوثَةٌ بِشَعِيرٍ مَغْلُوثٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَيْئًا خَفِيفًا وَلَيْسَ حَشَفُ التَّمْرِ بِمَنْزِلَةِ غَلْثِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْحَشَفَ مِنْ التَّمْرِ وَالْغَلْثَ غَيْرُ الطَّعَامِ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَفَنِ بِالْعَفَنِ، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْعَفَنُ خَفِيفًا وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْغَلْثِ اهـ. (قُلْتُ) لَيْسَ الْعَفَنُ كَالْغَلْثِ فَإِنَّ الْغَلْثَ لَيْسَ مِنْ الطَّعَامِ وَأَمَّا الْعَفَنُ فَهُوَ وَصْفٌ لِلطَّعَامِ وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا زَائِدًا مَعَ الطَّعَامِ فَتَأَمَّلْهُ. [فَرْعٌ مُبَادَلَةُ الْمَأْكُولِ وَالْمَعْفُونَ مِنْ الطَّعَامُ بِالصَّحِيحِ السَّالِمِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ: وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيَجُوزُ مُبَادَلَةُ الْمَأْكُولِ يَعْنِي الْمُسَوَّسَ وَالْمَعْفُونَ مِنْهُ بِالصَّحِيحِ السَّالِمِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَمَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْمَعْفُونُ بِالصَّحِيحِ وَلَا الْكَثِيرُ الْعَفَنِ بِالْخَفِيفِ وَهُوَ دَلِيلُ مَا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّعَامُ الْمَعْفُونُ إلَّا أَنْ يُشْبِهَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَا يَتَفَاوَتُ وَأَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ فِي الْمَعْفُونِ وَكَرِهَهُ فِي الْمَأْكُولِ إذَا كَانَتْ الْحَبَّةُ قَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُهَا وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي رَسْمِ الْقِسْمَةِ وَحَكَى قَوْلَ سَحْنُونٍ بِلَفْظِ: وَأَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ فِي الْمَعْفُونِ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الْمَأْكُولِ اهـ. (قُلْت) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي مُبَادَلَةِ الْمَعْفُونِ بِالسَّالِمِ وَالْمَأْكُولِ أَيْ الْمُسَوَّسِ بِالصَّحِيحِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَنْعُ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالْجَوَازُ فِي الْمَعْفُونِ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَأْكُولِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ مِثْلُ مَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَفَنُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ الْمُكَايَسَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي التَّمَاثُلِ وَإِذَا كَانَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ مَعْرُوفًا مَحْضًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَزُبْدٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ) ش: اللَّبَنُ وَمَا

تَوَلَّدَ عَنْهُ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ حَلِيبٌ وَمَخِيضٌ وَمَضْرُوبٌ وَزُبْدٌ وَسَمْنٌ وَجُبْنٌ وَأَقِطٌ وَالْمَخِيضُ وَالْمَضْرُوبُ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ كِلَاهُمَا قَدْ أُخْرِجَ زُبْدُهُ لَكِنَّ هَذَا عَلَى صِفَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى وَلِعُسْرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَعُدَّهُمَا الزَّنَاتِيُّ قِسْمَيْنِ بَلْ اكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا وَالْأَقِطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَقَدْ تُسَكَّنُ وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَكَسْرُهُ قَالَ عِيَاضٌ وَهُوَ جُبْنُ اللَّبَنِ الْمُسْتَخْرَجِ زُبْدُهُ وَخَصَّهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ بِالضَّأْنِ وَقِيلَ لَبَنٌ مُجَفَّفٌ مُسْتَحْجَرٌ يُطْبَخُ بِهِ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي قَالَ اللَّخْمِيُّ اللَّبَنُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ عَلَى وُجُوهٍ حَلِيبٍ وَمَخِيضٍ وَمَضْرُوبٍ وَزُبْدٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ فَبَيْعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِجِنْسِهِ غَيْرَ الْمَخِيضِ وَالْمَضْرُوبِ مُتَفَاضِلًا مَمْنُوعٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ مُتَمَاثِلًا فَأَجَازَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ الْمَنْعَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ بِالسَّمْنِ مُتَمَاثِلًا وَكَذَلِكَ الْجُبْنُ بِالْجُبْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْيَابِسُ بِالطَّرِيِّ وَلَا يَجُوزُ الْحَلِيبُ بِالزُّبْدِ وَلَا بِالسَّمْنِ وَلَا بِالْجُبْنِ وَلَا بِالْأَقِطِ وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّ الِادِّخَارَ مَوْجُودٌ وَالتَّفَاضُلَ مَمْنُوعٌ وَالْمُمَاثَلَةَ مَعْدُومَةٌ وَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا وَيُخْتَلَفُ فِي بَيْعِ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ وَالْمَضْرُوبِ بِالْمَضْرُوبِ مُتَفَاضِلًا فَمَنْ مَنَعَ التَّفَاضُلَ فِيهِمَا مَنَعَ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْهَا بِحَلِيبٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمَنْ أَجَازَ التَّفَاضُلَ أَجَازَ بَيْعَ أَحَدِهَا بِأَيِّ ذَلِكَ أَحَبَّ مِنْ الْحَلِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالسَّمْنِ بِاللَّبَنِ الَّذِي أُخْرِجَ زُبْدُهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا جَائِزٌ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي الْمَخِيضِ وَالْمَضْرُوبِ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ وَقَالُوا اللَّبَنُ كُلُّهُ رِبَوِيٌّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمُطْلَقُ لَبَنٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ بَيْعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ السَّبْعَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ خِلَافِ نَوْعِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ صُورَةً فَبَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ بِنَوْعِهِ جَائِزٌ إذَا كَانَ مُتَمَاثِلًا وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي هَذِهِ السَّبْعِ صُوَرٍ وَبَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَلِيبِ وَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ بِبَقِيَّةِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لَا يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمَاثُلُ وَأُخِذَ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ جَوَازُ بَيْعِ الْأَقِطِ بِالْجُبْنِ مُتَمَاثِلًا وَفِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ عَشْرُ صُوَرٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا عَلَى الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعَ الْحَلِيبِ بِالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا فَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالْمَخِيضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَضْرُوبَ وَالْمَخِيضَ سَوَاءٌ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ وَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا بَيْعَ السَّمْنِ بِلَبَنٍ قَدْ أُخْرِجَ زُبْدُهُ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أُخْرِجَ زُبْدُهُ يَشْمَلُ الْمَخِيضَ وَالْمَضْرُوبَ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ الزُّبْدِ بِالْمَضْرُوبِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمَخِيضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ كَمَا قَدْ عَلِمْت فَهَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْمَضْرُوبِ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْجَوَازَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا بَيْعُ الْجُبْنِ بِالْمَخِيضِ فَهَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً وَبَقِيَ صُورَتَانِ وَهِيَ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْمَخِيضِ وَبِالْمَضْرُوبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَالْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَالزَّنَاتِيِّ أَنَّ حُكْمَهُمَا الْجَوَازُ كَحُكْمِ بَيْعِ السَّمْنِ وَالزُّبْدِ وَالْجُبْنِ بِالْمَضْرُوبِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْأَبْيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ قَالَ: السَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالْأَجْبَانُ وَالْأَقِطُ ... فَالسَّمْنُ بِالزُّبْدِ كُلٌّ لَا يَجُوزُ مَعَا وَالْجُبْنُ بِالْأَقِطِ الْمَذْكُورِ بَيْعُهُمَا ... مُمَاثِلًا ذَاكَ عِنْدِي لَيْسَ مُمْتَنِعَا إنَّ الْحَلِيبَ بِهَذَا الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ ... وَبِالضَّرِيبِ مُبَاحٌ مَا قَدْ امْتَنَعَا أَمَّا الْحَلِيبُ فَبِالْمَضْرُوبِ بِعْهُ وَلَا ... تَبْغِ الزِّيَادَةَ فِي شَيْءٍ فَيَمْتَنِعَا

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ جَارٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أُخِذَ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْمَضْرُوبِ وَالْمَخِيضِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَضْرُوبَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْأَقِطُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْأَقِطِ نَحْوُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَبِهَذَا يُخَالِفُ الزُّبْدَ وَالسَّمْنَ وَالْجُبْنَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَخِيضِ وَالْمَضْرُوبِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْمَضْرُوبِ: وَانْظُرْ هَلْ الْأَقِطُ مِثْلُهُ أَمْ لَا لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُبَاعُ رَطْبُ الْجُبْنِ بِيَابِسِهِ، وَنَحْوُهُ لِمُحَمَّدٍ، انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ لَمَّا ذَكَرَ جَوَازَ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ حَيْثُ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْيَابِسُ بِالطَّرِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالْحَالُومِ الرَّطْبِ بِيَابِسِهِ وَبِالْمَعْصُورِ الْقَدِيمِ وَبِالْجُبْنِ بِالْحَالُومِ تَحَرِّيًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْوَاضِحَةِ: وَلَا يُبَاعُ رَطْبُ الْجُبْنِ بِيَابِسِهِ وَهُوَ كُلُّهُ صِنْفٌ بَقَرِيُّهُ وَغَنَمِيُّهُ. وَمِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ بِيَابِسِ الْجُبْنِ بِرَطْبِهِ عَلَى التَّحَرِّي إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ بِغَيْرِ تَحَرٍّ مُحَمَّدٌ وَإِنَّمَا جَازَ عَلَى التَّحَرِّي لِدُخُولِ الصَّنْعَةِ فِيهِ، انْتَهَى. ص (وَزَيْتُونٌ وَلَحْمٌ) ش: كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ بِعَطْفِ الزَّيْتُونِ بِالْوَاوِ فَيَحْسُنُ قَوْلُهُ لَا رَطْبِهَا بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الْعَائِدِ إلَى الْمَذْكُورَاتِ جَمِيعِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ بِمِثْلِهَا عَنْ قَوْلِهِ وَزَيْتُونٌ وَلَحْمٌ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَمَّا عَلَى النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ كَزَيْتُونٍ وَلَحْمٍ بِجَرِّ الزَّيْتُونِ بِالْكَافِ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ رَطْبٍ تَكَرَّرَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ وَضُبِطَ الْأَوَّلُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ ص (لَا رَطْبُهُمَا بِيَابِسِهِمَا) ش: هَذَا مُقَيَّدٌ فِي اللَّحْمِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اللَّحْمِ أَبْزَارٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِ أَبْزَارٌ فَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيّ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَشْوِيٌّ وَقَدِيدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَبْلُولٌ بِمِثْلِهِ) ش: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْوِيِّ وَالْقَدِيدِ كَثْرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبْلُولِ؛ وَلِأَنَّ أَسْفَلَهُ لَا يُسَاوِي أَعْلَاهُ بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْغَالِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَبْلُولِ وَالْعَفِنِ أَنَّ الْعَفَنَ لَا صُنْعَ لَهُمَا فِيهِ بِخِلَافِ الْبَلَلِ؛ وَلِأَنَّ الْمَبْلُولَ يَخْتَلِفُ نَقْصُهُ إذَا يَبِسَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ إنْشَافًا مِنْ الْآخَرِ وَالْعَفِنُ لَا يَخْتَلِفُ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْعَفَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ الْمَبْلُولَ يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَيْبَسَ وَالْعَفِنُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاعْتُبِرَ الدَّقِيقُ فِي خُبْزٍ بِمِثْلِهِ) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْخُبْزُ مِمَّا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي

أَحَدِهِمَا كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ أَوْ لَا يَحْرُمُ كَالْقَمْحِ وَالدَّخَنِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا الْقَوْلَ، هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ الْبَاجِيَّ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الْخُبْزَانِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْوَزْنُ فِي الْخُبْزَيْنِ إذَا كَانَ أَصْلُهُمَا مُخْتَلِفًا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْأَخْبَازَ كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ قَالَ: فَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالْمُعْتَبَرُ الدَّقِيقُ إنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَبِوَزْنِ الْخُبْزَيْنِ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَنَصِّ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) إذَا اُعْتُبِرَ الدَّقِيقُ فِي الْخُبْزَيْنِ إذَا كَانَا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ كَيْلِ دَقِيقِهِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّى قَدْرَ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّقِيقِ، قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَيَجُوزُ قِسْمَةُ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى التَّحَرِّي عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَوَازِينِ وَيُسْهَمُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ ص (كَعَجِينٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ دَقِيقٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِسَلَفِ الْحَمِيرَةِ لِلْجِيرَانِ وَيَرُدُّونَهَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى التَّحَرِّي قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَكَرَ أَشْهَبُ الْعَجِينَ بِالْعَجِينِ تَحَرِّيًا، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) نَشَا الْقَمْحِ الَّذِي يُصَفَّقُ بِهِ أَلْوَانُ الثِّيَابِ لَيْسَ فِيهِ رِبًا، قَالَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، انْتَهَى. مِنْ الْأَلْغَازِ ص (وَإِلَّا فَبِالْعَادَةِ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْعَادَةِ وَالْمَنْقُولِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرْعِ فِيهِ مِعْيَارٌ فَالْمُعْتَبَرُ الْعَادَةُ

الْعَامَّةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَادَةُ مَحَلِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ) ش لَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَمَا يَعْرِضُ لَهُ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَجَعَلَ هَذَا الْكَلَامَ مُقَدِّمَةً لَهُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إنَّهُ يَمْضِي وَقَوْلُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَيْ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعًا خَاصًّا لَا يُنْقَضُ اهـ. وَلَعَلَّ مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي بَعْضِ الْبُيُوعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَمْضِي كَمَا فِي تَلَقِّي السِّلَعِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى صِفَةٍ وَلَا يَمْضِي عَلَى أُخْرَى كَتَفْرِيقِ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ إنْ جَمَعَاهُمَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ مَضَى وَنَحْوِ ذَلِكَ ص (كَحَيَوَانٍ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ إنْ لَمْ يُطْبَخْ) ش رَوَى مَالِكٌ فِي مَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدٍ هَذَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ مَيْسِرِ بَيْعِ الْجَاهِلِيَّةِ: بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: قُلْت لِابْنِ الْمُسَيِّبِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا يَشْتَرِي شَارِفًا بِعَشْرَةِ شِيَاهٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِيُسَخِّرَهَا فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَكَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ اهـ. وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي كُلِّ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ لَكِنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى عُمُومِهِ بَلْ مَخْصُوصٌ عِنْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِبَيْعِ اللَّحْمِ بِنَوْعِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ إنَّمَا تَمْتَنِعُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَحَيَوَانٍ بِلَحْمِ جِنْسِهِ وَأَمَّا لَحْمُ الطَّيْرِ بِالْغَنَمِ وَلَحْمُ الْغَنَمِ بِلَحْمِ الطَّيْرِ أَوْ الْحُوتِ فَجَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ الْمُزَابَنَةَ شَرْطُهَا اتِّحَادُ الْجِنْسِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِلَحْمِ جِنْسِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ الْأَكْلِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا عَلَّلَ بِالْمُزَابَنَةِ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحِ الْأَكْلِ لَجَازَ بَيْعُهُ بِاللَّحْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْخَيْلِ بِاللَّحْمِ لِعَدَمِ الْمُزَابَنَةِ حِينَئِذٍ اهـ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ جَوَازُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ اهـ. وَفِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ صُنْعٍ وَاحِدٍ لِمَوْضِعِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَالْمُزَابَنَةِ فَذَوَاتُ الْأَرْبَعِ الْأَنْعَامُ وَالْوَحْشُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ وَيَجُوزُ لَحْمُ طَيْرٍ بِحَيٍّ مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ وَالْحُوتِ بِالطَّيْرِ كُلِّهِ أَحْيَاءً نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ وَمَا كَانَ مِنْ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ وَالْأَنْعَامِ لَا يَحْيَا وَشَأْنُهُ الذَّبْحُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ بِالْحُوتِ وَلَا بِاللَّحْمِ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ اللَّحْمِ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَجَائِزٌ فِيهِ الْحَيُّ بِالْمَذْبُوحِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْأَنْعَامِ بِالْخَيْلِ وَسَائِرِ الدَّوَابِّ نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ لُحُومُهَا وَأَمَّا بِالْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ فَمَكْرُوهٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي أَكْلِهَا وَمَالِكٌ يَكْرَهُ أَكْلَهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَلَا بَأْسَ بِالْجَرَادِ بِالطَّيْرِ وَلَيْسَ هُوَ لَحْمًا وَيَجُوزُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْجَرَادِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْحُوتِ يَدًا بِيَدٍ إذْ لَيْسَ الْجَرَادُ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ اهـ. ثُمَّ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَنْعَ بِأَنْ لَا يُطْبَخَ اللَّحْمُ فَإِنْ طُبِخَ جَازَ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ

فرع باع حيوانا للذبح بدراهم إلى أجل

مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ بِالطَّبْخِ يَنْتَقِلُ عَنْ جِنْسِهِ وَيَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَلَا يَجُوزُ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَجَازَهُ وَأَشْهَبَ كَرِهَهُ [فَرْعٌ بَاعَ حَيَوَانًا لِلذَّبْحِ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَكْرَى أَرْضَهُ بِدَرَاهِمَ إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَا بِهِ كِرَاءَ الْأَرْضِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ بَاعَ حَيَوَانًا لِلذَّبْحِ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَضِيَ مِنْ ثَمَنِهِ طَعَامًا كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ ابْتِدَاءً وَهَذَا إذَا كَانَ يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ فَلَا يَجُوزُ اهـ ص (أَوْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمَ أَوْ قَلَّتْ) ش: فَلَوْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرَ اللَّحْمِ وَلَيْسَتْ قَلِيلَةً كَمَا إذَا كَانَ لَهَا صُوفٌ وَلَبَنٌ فَلَيْسَ كَاللَّحْمِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ يُرِيدُ ذَبْحَ مَا ذَكَرَ فَأَبْدَلَهُ بِحَيَوَانٍ آخَرَ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَرَادَ ذَبْحَ عَنَاقٍ كَرِيمَةٍ أَوْ حَمَامٍ أَوْ دَجَاجٍ فَأَبْدَلَهَا رَجُلٌ مِنْهُ بِكَبْشٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَبْحَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ ص (كَبَيْعِهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ أَوْ رِضَاهُ) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ: كِتَابُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحْكِيمِ الْمُكَارَمَةُ فَيَجُوزُ كَالْهِبَةِ لِلثَّوَابِ اهـ. وَقَبِلَهُ فِي الشَّامِلِ، فَقَالَ: إلَّا بِكَرَامَةِ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ ص (بِإِلْزَامٍ) ش: يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ جَازَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْخِيَارِ وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ جَازَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهَا، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ ص (وَكَمُلَامَسَةِ الْأَثْوَابِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ

فِي كِتَابِ الْغَرَرِ، قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُلَامَسَةُ شِرَاؤُكَ الثَّوْبَ لَا تَنْشُرُهُ وَلَا تَعْلَمُ مَا فِيهِ أَوْ تَبْتَاعُهُ مَثَلًا وَلَا تَتَأَمَّلُهُ أَوْ ثَوْبًا مَدْرَجًا لَا يُنْشَرُ مِنْ جِرَابِهِ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَلَا تَعْلَمُ مَا فِيهِ يَعْنِي وَتَكْتَفِي بِاللَّمْسِ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْأُمَّهَاتِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَوْ فَعَلَا هَذَا عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَيَتَأَمَّلَهَا فَإِنْ رَضِيَ أَمْسَكَ جَازَ اهـ. ص (وَكَبَيْعِ مَا فِي بُطُونِ الْإِبِلِ أَوْ ظُهُورِهَا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اُشْتُهِرَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَلَا أَعْرِفُهُ فِي كِتَابِ حَدِيثٍ إلَّا فِي الْمُوَطَّإِ مُرْسَلًا رَوَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ ثُمَّ قَالَ: وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبَلَةِ» ص (أَوْ إلَى أَنْ يَنْتِجَ النِّتَاجُ) ش: قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: النِّتَاجُ بِكَسْرِ النُّونِ لَيْسَ إلَّا اهـ ص (وَكَبَيْعِهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ) ش يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْبَائِعِ حَيَاتَهُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ وَقَعَ وَقَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ وَاسْتَغَلَّهَا كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ بِضَمَانِهِ وَيَرُدُّ الدَّارَ إلَى الْبَائِعِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الدَّارُ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ فَيَغْرَمُ الْمُبْتَاعُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا اهـ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: تَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الشُّفْعَةِ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الْجِنْسِ قَالَ

الْوَانُّوغِيُّ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّمَا فَسَدَ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِالْعِوَضِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَقَعَتْ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الْبَائِعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَجَازَ إذَا كَانَ يَرْجِعُ إلَى وَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ إنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَنَحْوُهُ لِابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ أَشْهَبَ وَمَعْنَى قِيمَةِ مَا أَنْفَقَ يُرِيدُ إذَا كَانَ فِي جُمْلَةِ عِيَالِ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي مَكِيلَةَ طَعَامٍ أَوْ وَزْنًا مَعْلُومًا مِنْ دَقِيقٍ أَوْ دَرَاهِمَ لَرَجَعَ بِذَلِكَ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ إذَا كَانَ لَا يُحْصِي النَّفَقَةَ أَوْ كَانَ فِي جُمْلَةِ عِيَالِهِ وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ مَكِيلَةً مَعْلُومَةً مِنْ الطَّعَامِ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الدَّارُ إلَخْ وَيَتَقَاصَّانِ قَالَ: وَلَوْ أَسْكَنَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ فَهُوَ كِرَاءٌ فَاسِدٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ وَعَلَيْهِ كِرَاءٌ مَا سَكَنَ وَيَتَقَاصَّانِ أَيْضًا ص (إلَّا أَنْ يَفُوتَ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَمْضِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُفْسَخُ بِالْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَيُقَاصُّهُ الْمُشْتَرِي بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (عَلَى عَقُوقِ الْأُنْثَى) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ عَقُوقَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَعْقَتْ انْفَسَخَتْ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي الزَّمَانَ وَالْمَرَّاتِ وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْمَرَّاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَبَيْعِهَا بِالْإِلْزَامِ) ش: أَيْ بِالْإِلْزَامِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا

فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا مَعًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنَّهَا بِالنَّقْدِ بِدِينَارٍ أَوْ إلَى شَهْرٍ بِدِينَارَيْنِ وَكَذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا إلَى شَهْرٍ بِدِينَارٍ أَوْ إلَى شَهْرَيْنِ بِدِينَارَيْنِ عَلَى الْإِلْزَامِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ تَعْجِيلُ النَّقْدِ لِإِجَازَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ جَازَ اهـ. مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَإِنَّمَا قَالَ بِالْإِلْزَامِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا بَاعَ ذَلِكَ عَلَى خِيَارٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ اهـ، وَنَحْوُهُ فِي الْوَسَطِ وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَكَأَنَّهُ غَرَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوْلُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ عَلَى اللُّزُومِ أَيْ شَرَطَ مَنْعَ النَّوْعَيْنِ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُتَبَايِعَيْنِ مَعًا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى اللُّزُومِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا جَازَ اهـ. فَقَوْلُهُ آخِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى اللُّزُومِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا عَطْفُهُ بِأَوْ يُوهِمُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ غَيْرَ أَنَّ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ مَا يَصْرِفُ هَذَا الْوَهْمَ وَهُوَ أَنَّهُ صَدَّرَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى اللُّزُومِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا مِنْ جُمْلَةِ النَّفْيِ أَيْ شَرْطِ الْجَوَازِ أَنْ يَنْتَفِيَ الْأَمْرَانِ أَعْنِي اللُّزُومَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. ص (وَكَبَيْعِ حَامِلٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ) ش: أَطْلَقَ فِي

الْحَامِلِ لِيَشْمَلَ كُلَّ حَامِلٍ مِنْ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي النَّهْيِ عَنْ شِرَاءِ الْحَامِلِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَ بِالشَّرْطِ الِاسْتِزَادَةَ فِي الثَّمَنِ أَوْ قَصَدَ الْبَرَاءَةَ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَفِي بَيْعِ الْإِمَاءِ وَغَيْرِهِنَّ بِشَرْطِ الْحَمْلِ، الظَّاهِرُ ثَالِثُهَا إنْ قَصَدَ الْبَرَاءَةَ صَحَّ وَإِلَّا فَسَدَ وَقَدْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَصَدَ الْبَرَاءَةَ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ زَرْقُونٍ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْخِلَافَ إذَا قَصَدَ الِاسْتِزَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ فَسَوْقُ الشَّارِحِ كَلَامَ ابْنِ زَرْقُونٍ عَلَى أَنَّهُ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهِ كَمَا فَصَّلَ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) إذَا حَمَلْتَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِزَادَةَ مِنْ الثَّمَنِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ التَّبَرِّي جَازَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا أَمْ خَفِيًّا أَمَّا الظَّاهِرُ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا الْخَفِيُّ فَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْوَخْشِ وَأَمَّا الرَّائِعَةُ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ الْخَفِيِّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا شَرْطُ الْحَمْلِ الْخَفِيِّ فَفَاسِدٌ إلَّا فِي الْبَرَاءَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَلَا يَجُوزُ إذَا قَصَدَ الِاسْتِزَادَةَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ التَّبَرِّي فِي الْحَمْلِ الْخَفِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَخْشِ وَأَمَّا الرَّائِعَةُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهَا كَثِيرًا وَذَلِكَ غَرَرٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ: وَهَذَا مَعَ انْتِقَاءِ السَّيِّدِ مِنْ وَطْئِهَا وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا إذَا لَا خِلَافَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَقَعُ مِنْ حَمْلٍ يَلْزَمُهُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الِاسْتِزَادَةَ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرِّي جَازَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يَدَعْ الِاسْتِبْرَاءَ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا جَازَ فِي الْوَخْشِ لَا فِي الْعَلَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنُحَاسٍ) ش: النُّحَاسُ بِضَمِّ النُّونِ مَعْرُوفٌ وَالدُّخَانُ الَّذِي لَا لَهَبَ فِيهِ قَالَ

فِي الصِّحَاحِ: وَالنُّحَاسُ بِكَسْرِ النُّونِ الطَّبِيعَةُ وَالْأَصْلُ اهـ. ص (أَوْ مَنَافِعِ عَيْنٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ الْآجَالِ: وَمَنْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلَا تَكْتَرِ مِنْهُ دَارِهِ سَنَةً أَوْ أَرْضَهُ الَّتِي رُوِيَتْ أَوْ عَبْدَهُ شَهْرًا أَوْ تَسْتَعْمِلُهُ هُوَ بِهِ عَمَلًا يَتَأَخَّرُ وَلَا تَبْتَاعُ بِهِ مِنْهُ ثَمَرَةً حَاضِرَةً فِي رُءُوسِ النَّخْلِ قَدْ

فرع لو بعت دينك من غير غريمك

أَزْهَتْ أَوْ أَرْطَبَتْ أَوْ زَرْعًا قَدْ أَفْرَكَ لِاسْتِئْجَارِهِمَا وَلَوْ اسْتَجَدَّتْ الثَّمَرَةُ أَوْ اسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَلَا تَأْخِيرَ لَهُمَا جَازَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَهَلَكَتْ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُفْسَخُ وَيَجِبُ لِلْمُكْتَرِي الرُّجُوعُ بِمَا نَابَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَسَافَةِ مِنْ الْكِرَاءِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِذَلِكَ دَابَّةً أُخْرَى غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بِإِجْمَاعٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ بِذَلِكَ دَابَّةً فَرَكِبَهَا كَانَ قَدْ فَسَخَ مَا وَجَبَ لَهُ بِالرُّجُوعِ مِنْ الْكِرَاءِ فِي رُكُوبٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ قَالَ فِيهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُحِلُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي صَحْرَاءَ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ كِرَاءً وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ إنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ دَابَّةً يَبْلُغُ عَلَيْهَا وَأَشْهَبُ يُجِيزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَابَّةً لِمَا بَقِيَ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ضَرُورَةٌ [فَرْعٌ لَوْ بِعْتَ دَيْنَكَ مِنْ غَيْرِ غَرِيمِكَ] اهـ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ: وَلَوْ بِعْتَ دَيْنَكَ مِنْ غَيْرِ غَرِيمِكَ بِمَا ذَكَرْنَا جَازَ وَلَيْسَ كَغَرِيمِكَ؛ لِأَنَّكَ انْتَفَعْتَ بِتَأْخِيرِهِ فِي ثَمَنِ مَا فَسَخْتَهُ فِيهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِجَوَازِهِ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَالْغَائِبِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي أَزْهَتْ وَالزَّرْعِ الَّذِي أَفْرَكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا بَيْعَهُ بِمَنَافِعِ الْعَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَرَاذِعِيِّ جَوَازُهُ لِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ فِي الْعُمُومِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ لَهُ دَيْنٌ فَبَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَنَافِعِ عَيْنٍ أَوْ دَابَّةٍ اهـ. ص (وَحَاضِرٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ، قَالَ فِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ إلَّا بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ أَنْ لَا يَكُونَ طَعَامًا وَأَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مُقِرًّا بِهِ وَأَنْ يُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَأَنْ لَا يُقْصَدَ بِبَيْعِهِ ضَرَرُ الْمِدْيَانِ وَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا اهـ. وَنَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ: رَجُلٌ اشْتَرَى دَيْنًا وَفِيهِ رَهْنٌ أَوْ حَمِيلٌ فَهَلْ يَدْخُلُ الرَّهْنُ وَالْحَمِيلُ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَا وَكَذَلِكَ مَنْ أُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ مَلَكَهُ وَفِيهِ رَهْنٌ أَوْ حَمِيلٌ هَلْ يَدْخُلَانِ أَمْ لَا فَأَخْبَرْتُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَفْتَى فِيهَا بِدُخُولِ الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلَمْ يَنُصَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت وَلَيْسَ مَا أَفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ بِصَوَابٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ رَهْنٌ أَوْ حَمِيلٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ بِالْحَوَالَةِ يَبْرَأُ الْمُحِيلُ وَيَرْجِعُ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الضَّمَانِ: وَإِنْ بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرِئَ يَعْنِي الضَّامِنَ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَشْتَرِطَ دُخُولَهُ أَوْ عَدَمَ دُخُولِهِ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ دَخَلَ وَلِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَجْعَلَهُ بِيَدِ عَدْلٍ غَيْرِهِ وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، وَالتَّوَثُّقُ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَهُ وَالْكُلُّ مِنْهُمَا مُنْفَكٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا لِلْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ بِرِضَاهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْعِ هَلْ وَقَعَ عَلَى دُخُولِ الرَّهْنِ أَوْ لَا، فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَقَاسَمَانِ وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ هَلْ وَقَعَ عَلَى رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْحَمِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ

مسألة باع سلعة على أن يوفيه الثمن من عطائه فيحبس العطاء أو بعضه وله مال غيره

دُخُولَهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَحْضُرَ وَيُقِرَّ بِالْحَمَالَةِ لِئَلَّا يَصِيرَ مِنْ شِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا وُهِبَ الدَّيْنَ أَوْ مَلَكَهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ إلَى أَجَلِ كَذَا إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ وَنَصُّهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرُ مُحِيطٍ فَرَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ وَأَخَّرُوهُ وَأَبْرَءُوا الْوَرَثَةَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْوَرَثَةُ لَهُمْ أَيْ لِلْغُرَمَاءِ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَحَالَ بِالْحَقِّ رَجُلًا فَأَنْظَرَهُ الْمُحَالُ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ بِيَدِهِ التَّأْخِيرَ كَمَا كَانَ لَهُ اهـ. وَذَكَرَ هَذَا التَّقْيِيدَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ ثُمَّ وَقَفْت فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ النَّوَادِرِ فِي بَابِ تَعَدِّي الْمُرْتَهِنِ عَلَى كَلَامٍ يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَنَصُّهُ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ وَإِذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الرَّاهِنِ فَسَأَلَهُ الْمُشْتَرِي دَفْعَ الرَّهْنِ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ اهـ. فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ الرَّهْنِ لِلْمُشْتَرِي مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الرَّهْنَ يَسْقُطُ فَتَأَمَّلْهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ سَنَدًا ذَكَرَ فِي السَّلَمِ شَيْئًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِانْتِقَالِ الدَّيْنِ فَيُنْظَرُ فِيهِ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ الثَّمَنَ مِنْ عَطَائِهِ فَيَحْبِسَ الْعَطَاءَ أَوْ بَعْضَهُ وَلَهُ مَالٌ غَيْرَهُ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ الثَّمَنَ مِنْ عَطَائِهِ فَيُحْبَسُ الْعَطَاءُ أَوْ بَعْضُهُ وَلَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فِيهِ وَقَائِمًا عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَنَقَلَهَا الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ وَنَصُّهُ مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَعَيَّنُ فِي عَطَائِهِ فَيُحْبَسُ الْعَطَاءُ وَلَهُ مَالٌ فِيهِ وَقَائِمًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْغَيْبَةِ أَوْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: تَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ السَّمَاعِ وَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهُ حَكَمَ لِلْعَطَاءِ الْمَأْمُونِ فَإِذَا تَعَيَّنَ هَذَا فِي الْعَطَاءِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِدَيْنٍ عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ عَطَائِهِ إذَا خَرَجَ فَلَمْ يَخْرُجْ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ حَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ السَّمَاعِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْعَطَاءَ فَلَمْ يُخْرِجْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ شَيْءٌ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ فِي عَطَائِهِ أَوْ بَاعَهُ كَانَ ذِكْرُ الْعَطَاءِ كَالْأَجَلِ وَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِذِمَّتِهِ إنْ لَمْ يُخْرِجْ الْعَطَاءَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَأْتِي عَلَى قِيَاسِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ بِدَنَانِيرَ لَهُ آتِيَةٍ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا إنْ تَلِفَتْ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الضَّمَانُ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّعَيُّنُ فِي الْعَطَاءِ إلَّا بِشَرْطِ الْخُلْفِ فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَانِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْعَطَاءُ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَالْحُكْمُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَأَمَّا الْعَطَاءُ الَّذِي لَيْسَ بِمَأْمُونٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ حَقُّ مَنْ ابْتَاعَهُ أَوْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ حَقٌّ بِاتِّفَاقٍ وَيُخْتَلَفُ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْخُلْفِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى الْعَطَاءِ الْمَأْمُونِ وَمَا فِي الْوَاضِحَةِ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى الْعَطَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِمَأْمُونٍ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي آخِرِ السَّمَاعِ هِيَ آخِرُ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ وَنَصُّهَا: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ بِالدَّيْنِ فِي عَطَائِهِ أَوْ إلَى أَوَّلِ عَطَاءٍ يَخْرُجُ لَهُ فَيَكْتُبُ ذَلِكَ فِي دِيوَانِهِ فَيَخْرُجُ لَهُ نِصْفُ الْعَطَاءِ أَيَحِلُّ حَقُّهُ كُلُّهُ عَلَيْهِ قَالَ: إنَّ أَمْثَلَ ذَلِكَ عِنْدِي لَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا خَرَجَ عَنْ عَطَائِهِ فَقَطْ، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَعَيَّنُ فِي عَطَائِهِ فَيُحْبَسُ الْعَطَاءُ وَلَهُ مَالٌ فِيهِ وَقَائِمًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْغَيْبَةِ أَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهَا مُسْتَوْفًى فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. ص (وَكَبَيْعِ الْعُرْبَانِ إلَى آخِرِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمِنْهُ بَيْعُ الْعُرْبَانِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إنْ كَرِهَ الْبَيْعَ أَوْ الْإِجَارَةَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَرْعٌ: فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ الْكِرَاءُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ

عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: يُفْسَخُ فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ بِالْقِيمَةِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَنَصُّهُ وَفُسِخَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَبِالْقِيمَةِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَتَفْرِيقِ أُمٍّ مِنْ وَلَدِهَا فَقَطْ) ش أَيْ وَمِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْبَيْعُ الَّذِي يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ بِلَفْظِ «مَنْ فَرَّقَ فَلَيْسَ مِنَّا» وَقَالَ اللَّخْمِيّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» وَقَوْلُهُ تُوَلَّهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ فِي الْهَاءِ الْإِسْكَانُ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَالْوَلَهُ ذَهَابُ الْعَقْلِ وَالتَّحَيُّرُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَيُقَالُ رَجُلٌ وَالِهٌ وَامْرَأَةٌ وَالِهَةٌ وَوَالِهٌ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ وَحَذْفِهَا وَيُقَالُ وَلَهَ بِفَتْحِ اللَّامِ يَلِهُ بِكَسْرِهَا وَوَلِهَ بِكَسْرِ اللَّامِ يُولَهُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَمَعْنَى الْحَدِيثُ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا فَتُجْعَلُ وَالِهَةً قَالَهُ جَمِيعَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ صَاحِبِ الْإِشْرَافِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْخَبَرِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ طِفْلًا لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّفْرِقَةِ. (فَرْعٌ) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْأُمِّ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ مِنْ زِنًى، قَالَهُ فِي الْعُمْدَةِ وَقَوْلُهُ فَقَطْ يَعْنِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّفْرِقَةِ خَاصٌّ بِالْأُمِّ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّاتِهِ لِأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ مَتَى شَاءَ سَيِّدُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأُمِّ خَاصَّةً قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ مَنْعَ التَّفْرِقَةِ فِي الْأَبِ. (قُلْت) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ وَنَصُّهُ اُخْتُلِفَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَبِ وَوَلَدِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِهِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ مَنْعَهُ وَهُوَ أَحْسَنُ قِيَاسًا عَلَى الْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْجِرَةً فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَبَ يَدْخُلُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْظُمُ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَيُقَارِبُ الْأُمَّ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْآبَاءِ أَشَدَّ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي جَوَازِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ سِوَى هَذَيْنِ مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ وَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَبِ فِي الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: فَإِنْ قُلْتُ رَجُلٌ لَهُ شَاتَانِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ وَاحِدَةٍ وَيَتْرُكُ الْأُخْرَى قُلْت هَذِهِ شَاةٌ وَابْنَتُهَا صَغِيرَةٌ مَعَهَا فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبَهَائِمِ وَأَوْلَادِهَا مِثْلُ أَوْلَادِ بَنِي آدَمَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالتَّفْرِقَةُ جَائِزَةٌ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ وَأَنَّ حَدَّ التَّفْرِقَةِ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ آبَائِهِ بِالرَّعْيِ نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَالْمَغْرِبِيُّ وَأَظُنُّهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَا أَتَحَقَّقُهُ وَقَعَ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ بْنِ اللَّبَّادِ نَحْوُهُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ نَقَلَهُ فِي الرَّاعِي إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ بِرَعْيِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّ عَلَى رَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَ بِرَاعٍ مَعَهُ لِلْأَوْلَادِ لِلتَّفْرِقَةِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّفْرِقَةَ تَعْذِيبٌ لَهَا فَهُوَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَعُمُّ الْعُقَلَاءَ وَغَيْرَهُمْ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ فَمَنْ وَجَدَهُ فَلْيَضُمَّهُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ رَاجِيًا ثَوَابَ اللَّهِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَفِي كِتَابِ التِّجَارَةِ فِي إجَارَةِ الرَّاعِي وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ اهـ وَقَوْلُ ابْنِ نَاجِي وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى رِعَايَةِ الْغَنَمِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ اللَّبَّادِ. (قُلْت) مَعْنَاهُ أَنَّ

التَّفْرِقَةَ تَعْذِيبٌ لَهَا فَهُوَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بِقِسْمَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأُمِّ وَبَيْنَ وَلَدِهَا وَلَوْ كَانَتْ بِالْقِسْمَةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا وَرِثَ أَخَوَانِ أُمًّا وَوَلَدَهَا وَابْنَتَهَا فَلَهُمَا أَنْ يُبْقِيَاهُمَا فِي مِلْكَيْهِمَا أَوْ يَبِيعَاهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَاعَهُمَا رَجُلَانِ مَعًا بَيْنُهُمَا، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: حَتَّى إذَا أَرَادَ الْأَخَوَانِ الْقِسْمَةَ أَوْ الْبَيْعَ جَبْرًا عَلَى أَنْ يَجْمَعَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَخَوَيْنِ وَرِثَا أُمًّا وَوَلَدُهَا صَغِيرٌ فَأَرَادَا أَنْ يَتَقَاوَمَا الْأُمَّ وَوَلَدَهَا فَيَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْأُمَّ وَالْآخَرُ الْوَلَدَ وَشَرَطَا أَنْ لَا يُفَرِّقَا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَخَوَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَتَقَاوَمَا الْأُمَّ وَوَلَدَهَا فَيَأْخُذُهَا أَحَدُهُمَا بِوَلَدِهَا أَوْ يَبِيعَاهُمَا جَمِيعًا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ وَقَعَ الْقَسْمُ فُسِخَ كَالْبَيْعِ كَانَ الشَّمْلُ وَاحِدًا أَوْ مُفْتَرِقًا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهِبَةُ الْوَلَدِ لِلثَّوَابِ كَبَيْعِهِ فِي التَّفْرِقَةِ. (فَرْعٌ) فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ابْتَاعَ أُمًّا وَوَلَدُهَا صَغِيرٌ ثُمَّ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ خَاصَّةً وَلَهُ رَدُّهُمَا جَمِيعًا أَوْ حَبْسُهُمَا جَمِيعًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ص (أَوْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا لِعَبْدِ سَيِّدِ الْآخَرِ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْأُمِّ مِنْ رَجُلٍ وَالْوَلَدِ مِنْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لِذَلِكَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ مَا بِيَدِ الْعَبْدِ مِلْكٌ لَهُ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ إذْ لَوْ رَهَنَهُ دَيْنًا كَانَ فِي مَالِهِ فَإِنْ بِيعَا كَذَلِكَ أُمِرَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ السَّيِّدِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ يَبِيعَاهُمَا مَعًا لِمِلْكٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَعْنَى لَا يَنْبَغِي لَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ فَسْخِهِ الْبَيْعَ اهـ. وَقَوْلُهُ: مَأْذُونٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ لِرَجُلٍ وَوَلَدُهَا لِعَبْدِهِ أُجْبِرَا عَلَى جَمْعِهِمَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ أَوْ يَبِيعَاهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ إنْ عَتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَعَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَاهُمَا فِي حَوْزٍ؛ لِأَنَّ الشَّمْلَ وَاحِدٌ اهـ. (فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِرَجُلٍ وَوَلَدُهَا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ. ص (مَا لَمْ يُثْغِرْ مُعْتَادًا) ش: يَعْنِي أَنَّ حَدَّ الْمَنْعِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا بِيعَتْ أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ الْوَلَدُ عَنْهَا فِي أَكْلِهِ وَشَرَابِهِ وَمَنَامِهِ وَقِيَامِهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَحَدُّ ذَلِكَ الْإِثْغَارُ مَا لَمْ يُعَجِّلْ بِهِ جِوَارِي كُنَّ أَوْ غِلْمَانًا بِخِلَافِ حَضَانَةِ الْحُرَّةِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدُّ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَعَ نَفْسَهُ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ فَوْقَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ يَتَحَدَّدُ بِسَبْعِ سِنِينَ وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَشْرِ سِنِينَ وَرَوَى ابْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَنْتَهِي إلَى الْبُلُوغِ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مَا عَاشَا ص (وَصُدِّقَتْ الْمَسْبِيَّةُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ السَّبْيِ: هَذَا ابْنِي لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ، قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَإِذَا زَعَمَتْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانِ وَلَدُهَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ، قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: وَإِذَا كَبِرَ الْأَوْلَادُ مُنِعُوا مِنْ أَنْ يَخْلُوَا بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ مَحْرَمًا لَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا صُدِّقَتْ فِيمَا لَا تَثْبُتُ حُرْمَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ، قَالَتْ: هَذَا زَوْجِي أَوْ قَالَ: هِيَ زَوْجَتِي لَمْ يُصَدَّقَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْحُرُمِ اهـ ص (وَلَا تَوَارُثَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَلَا يَتَوَارَثَانِ بِذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ بِالشَّكِّ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: أَمَّا إنَّهَا لَا تَرِثُهُ فَبَيِّنٌ إذْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى صِدْقِهِمَا وَأَمَّا إنَّهُ لَا يَرِثُهَا فَهَذَا غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِوَارِثٍ يُورَثُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا نُفِيَ فِي الْكِتَابِ الْمِيرَاثُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ اهـ ص (وَهَلْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَلِكَ أَوْ يَكْتَفِي بِحَوْزٍ كَالْعِتْقِ تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ

تَحْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَتْ التَّفْرِقَةُ بِالْبَيْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكٍ وَإِنْ كَانَتْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِالْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي حَوْزٍ وَذَلِكَ يَكْفِي وَإِنْ كَانَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: إذَا أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا جَازَ بَيْعُ الْآخَرِ وَيَجْمَعَانِهِمَا فِي حَوْزٍ فَإِنْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ أُمِّهِ وَإِنْ بَاعَهَا شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ مَعَهَا أَوْ عِنْدَهَا وَإِنْ سَافَرَ بِالْأُمِّ سَافَرَ بِهِ مَعَهَا وَيَكُونُ الْكِرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ حِينَ الْبَيْعِ نَفَقَتُهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَعْتَقَ الْأُمَّ وَأَخْرَجَهَا عَنْ حَوْزِهِ تَرَكَ الْوَلَدَ فِي حَضَانَتِهَا إنْ كَانَ لَا خِدْمَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ خِدْمَةٌ كَانَ مَبِيتُهُ عِنْدَهَا وَيَأْوِي إلَيْهَا فِي نَهَارِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُهُ السَّيِّدُ لِلْخِدْمَةِ وَإِنْ بَاعَهُ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ عِنْدَهَا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَافِرَ وَتَتْبَعَهُ الْأُمُّ حَيْثُ كَانَ اهـ ص (وَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا لِلْعِتْقِ) ش: قَالَ فِي الْكَبِيرِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي قَوْلِهِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْأَمَةِ دُونَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدِ دُونَهَا لِلْعِتْقِ مَعْنَاهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ لِتُعْتَقَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ عِتْقٍ وَمَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ أَيْ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ اهـ. (قُلْتُ) وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعِتْقِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص. (وَكَبَيْعٍ وَشَرْطٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ) ش: يَعْنِي

أَنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَقِّ وَحَمَلَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا الشَّرْطُ الَّذِي يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَالثَّانِي الشَّرْطُ الَّذِي يَعُودُ بِخَلَلٍ فِي الثَّمَنِ فَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهُوَ الَّذِي لَا يَتِمُّ مَعَهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ مِثْلُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَهَذَا إذَا عَمَّمَ أَوْ اسْتَثْنَى قَلِيلًا كَقَوْلِهِ عَلَى أَنْ لَا تَبِيعَهُ جُمْلَةً أَوْ لَا تَبِيعَهُ إلَّا مِنْ فُلَانٍ وَأَمَّا إذَا خَصَّصَ نَاسًا قَلِيلًا فَيَجُوزُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ وَحْدَهُ جَازَ وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا تَبِيعَهُ جُمْلَةً أَوْ لَا تَبِيعَهُ إلَّا مِنْ فُلَانٍ كَانَ فَاسِدًا ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا تَبِيعَ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ جَازَ اهـ. فَقُيِّدَ بِهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَفِي سَمَاعِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَشَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنَّهُ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يَعْتِقَ حَتَّى يُعْطِيَ الثَّمَنَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ إعْطَاءُ الثَّمَنِ لِأَجَلٍ مُسَمًّى اهـ. وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمُنَاقِضَةِ بَيْعُ الثُّنْيَا وَهُوَ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ قَالَ فِي كِتَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى مَا رَدَّ الثَّمَنَ فَالسِّلْعَةُ لَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ قَالَ سَحْنُونٌ بَلْ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا الَّذِي يُسَمَّى بَيْعَ الثُّنْيَا وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَ هَلْ يُتَلَافَى بِالصِّحَّةِ كَالْبَيْعِ وَالسَّلَفِ أَوْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ اهـ. يَعْنِي إذَا أَسْقَطَ الشَّرْطَ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَاخْتُلِفَ إذَا أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ الثُّنْيَا شَرْطَهُ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ إذَا أَسْقَطَ شَرْطَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُرِيدُ إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ فَسَخَا الْأَوَّلَ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعٌ وَسَلَفٌ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ بَيْعًا وَتَارَةً يَكُونُ سَلَفًا لَا أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ فِي الْفَوَاتِ بَلْ فِيهِ الْقِيمَةُ مَا بَلَغَتْ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ اهـ. وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ قَبْلَ فَصْلِ الْخِيَارِ بِيَسِيرٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثُّنْيَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُكَ هَذَا الْمِلْكَ أَوْ هَذِهِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنِّي إنْ أَتَيْتُكَ بِالثَّمَنِ إلَى مُدَّةِ كَذَا أَوْ مَتَى مَا أَتَيْتُكَ فَالْبَيْعُ مَصْرُوفٌ عَنِّي وَيَفْسَخُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَفُتْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَفَوْتُ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَ فِي وَجْهِ الرُّبْعِ وَمُعْظَمِهِ فَذَلِكَ فَوْتٌ وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلِّهِ وَأَتْفَهِهِ فَلَيْسَ بِفَوْتٍ وَيُرَدُّ الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا وَلَهَا قَدْرٌ فَاتَتْ النَّاحِيَةُ بِقِيمَتِهَا وَرُدَّ الْبَاقِي اهـ. (فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ فِي الْغَلَّةِ فِي هَذَا الْبَيْعِ هَلْ هِيَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا هَلْ هُوَ بَيْعٌ أَوْ رَهْنٌ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْغَلَّةِ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ بَيْعٌ قَالَ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّ الْغَلَّةَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ فَجَعَلَهُ بَيْعًا وَأَنَّهُ ضَامِنٌ وَالْغَلَّةُ لَهُ وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ رَهْنٌ قَالَ يَرُدُّ الْغَلَّةَ وَأَنَّهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَنَقْصٍ يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْمُشْتَرِي وَمَا كَانَ مِنْ سَبَبِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّهَانِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهَا فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ اهـ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَمِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ

تنبيه للمشتري أن يتطوع للبائع بعد العقد أنه إن جاءه بالثمن إلى أجل كذا فالبيع لازم له

وَنَقَلَهُ فِي الْمُعِينِ وَابْنُ سَلْمُونٍ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ تَنْبِيهٌ وَلِلْمُبْتَاعِ مَا اغْتَلَّ فِي الْمِلْكِ قَبْلَ الْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأُصُولِ ثَمَرٌ مَأْبُورٌ وَاشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ مَعَ الْأُصُولِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ مَكِيلَةً إنْ عَلِمَهَا وَجَذَّهُ يَابِسًا وَالْقِيمَةُ إنْ جَهِلَ الْمَكِيلَةَ أَوْ جَذَّهُ رُطَبًا اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَاسْتَغَلَّهُ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي عَصْرِنَا هَذَا وَهُوَ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَنَّ الشَّخْصَ يَشْتَرِي الْبَيْتَ مَثَلًا بِأَلْفِ دِينَارٍ ثُمَّ يُؤَجِّرُهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِبَائِعِهٍ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ أَنْ يُخَلِّيَهُ الْبَائِعُ مِنْ أَمْتِعَتِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ الْبَائِعُ عَلَى سُكْنَاهُ إيَّاهُ إنْ كَانَ عَلَى سُكْنَاهُ أَوْ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَإِحَازَتِهِ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كُلَّ سَنَةٍ أُجْرَةً مُسَمَّاةً يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ انْتِقَالِ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَنْتَقِلْ الضَّمَانُ لِبَقَاءِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْغَلَّةِ بَلْ وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ثُمَّ أَجَّرَهُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا لَغْوٌ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَآلَ الْحَالُ إلَى صَرِيحِ الرِّبَا وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَأَنْصَفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَصْلَ الشِّرَاءِ كَانَ رَهْنًا وَإِنَّمَا عَقَدَا فِيهِ الْبَيْعَ لِتَسْقُطَ الْحِيَازَةُ فِيهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا عِنْدَ الشُّهُودِ حِينَ الصَّفْقَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْمِلْكَ وَاغْتَلَّهُ ثُمَّ عَثَرَ عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيُرَدُّ الْأَصْلُ مَعَ الْغَلَّةِ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ ثَمَنَهُ اهـ [تَنْبِيهٌ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَطَوَّعَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لَهُ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَسْأَلَةُ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَطَوَّعَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لَهُ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي مَتَى مَا جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ وَعِنْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ تَفْوِيتُهُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ فَإِنْ فَعَلَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ نُقِضَ إنْ أَرَادَهُ الْبَائِعُ وَرُدَّ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَّا عَلَى بُعْدٍ مِنْ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبَا فِي ذَلِكَ أَجَلًا فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي قُرْبِ الزَّمَانِ أَوْ بُعْدِهِ مَا لَمْ يُفَوِّتْهُ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ أَفَاتَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ التَّفْوِيتَ فَلَهُ مَنْعُهُ بِالسُّلْطَانِ إذَا كَانَ مَالُهُ حَاضِرًا فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَنْعِ السُّلْطَانِ لَهُ رُدَّ الْبَيْعُ وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ السُّلْطَانُ نَفَذَ بَيْعُهُ اهـ. هَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامِ الْمُتَيْطِيَّةِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ سَلْمُونٍ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي الْأَجَلِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ وَالْقُرْبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَنَحْوُهُ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الطُّولَ كَانَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَأَكْذَبَهُ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الطُّولِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُعْقَدُ الْبَيْعُ قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ اهـ. مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَمَّنْ ذَكَرَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَسَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَانْظُرْ كِتَابَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ الثُّنْيَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْفُرُوعِ فِي التَّأْلِيفِ الَّذِي سَمَّيْتُهُ تَحْرِيرَ الْكَلَامِ فِي مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ فَمَنْ أَرَادَ الشِّفَاءَ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ لَهُ دَارَانِ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَرْفَعَ عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ لَهُ دَارَانِ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَرْفَعَ عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ مَخَافَةَ أَنْ يُظْلِمَ عَلَيْهِ دَارِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِ الشَّمْسِ عَلَيْهِ فِيهَا فَالْتَزَمَهُ أَنَّ الْبَيْعَ مَعَ عَدَمِ الْفَوَاتِ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمُشْتَرِطُ بَيْنَ إسْقَاطِهِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ أَوْ الْفَسْخُ إنْ تَمَسَّكَ بِهِ اُنْظُرْهُ فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ وَذَكَرَهَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ الْأَرْضِ بِزَرْعِهَا وَالشَّجَرَةِ بِثَمَرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا بِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الشُّرُوطِ الْمُنَاقِضَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ تَعَجَّلَ الشَّرْطَ بِمَا وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ غَرَرٌ وَاحْتُرِزَ بِالتَّنْجِيزِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ وَأَنْ تَتَّخِذَ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي

الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِلْغَرَرِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ الْأَمَةِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلِحُدُوثِ دَيْنٍ يَرُدُّ الدُّبْرَ فَإِنْ فَاتَتْ الْمُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تُتَّخَذَ أُمَّ وَلَدٍ بِوَلَدٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ فَاتَتْ الْمُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِتْقُ أَوْ التَّدْبِيرُ بِذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلِلْبَائِعِ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ أَوْ الثَّمَنُ اهـ. (فَرْعٌ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّحْبِيسِ كَاشْتِرَاطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ وَفِي رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يُجْبَرْ إنْ أُبْهِمَ كَالْمُخَيَّرِ بِخِلَافِ الِاشْتِرَاءِ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ كَأَنَّهَا حُرَّةٌ بِالشِّرَاءِ) ش: يَعْنِي أَنَّ لِشَرْطِ الْعِتْقِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ، الْأَوَّلُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ بِالشِّرَاءِ، الثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْتِقَهُ وَيُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَلْتَزِمُهُ، الثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَهُ أَوْ لَا، الرَّابِعُ أَنْ يَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الْأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي صِفَةِ وُقُوعِ الْعَقْدِ وَفِي شَرْطِ النَّقْدِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَفِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهِ فَإِنْ أَبَى عَتَقَهُ الْحَاكِمُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْبَيْعُ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ النَّقْدُ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً بَيْعٌ وَتَارَةً سَلَفٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَعَدَمُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِنْ أَبَى كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتْرُكَ شَرْطَهُ وَيَتِمَّ الْبَيْعُ أَوْ يُرَدُّ الْبَيْعُ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ أَوْ حُكْمُ الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ كَالْعِتْقِ فَإِنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَةٌ لِفُلَانٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ جَازَ الْعَقْدُ دُونَ النَّقْدِ وَيَخْتَلِفُ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْتِزَامٍ وَلَا بِخِيَارٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ امْرَأَتِهِ خَادِمًا بِشَرْطِ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّدَقَةُ بِحُكْمٍ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ هِيَ لَمْ تَتَصَدَّقْ بِهَا إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ اهـ ص (وَصَحَّ إنْ حُذِفَ) ش: أَيْ وَصَحَّ الْبَيْعُ إنْ أَسْقَطَ السَّلَفَ مُشْتَرِطُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ وَإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِسْقَاطُ قَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ أَوْ بَعْدَ فَوَاتِهَا لَكِنْ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ إسْقَاطُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا فِي يَدِ مُشْتَرِيهَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَهُ وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاخِ قَالَ بِالصِّحَّةِ مَعَ إسْقَاطِ الشَّرْطِ وَلَوْ مَعَ الْفَوَاتِ وَاعْتَرَضَهُ وَتَرَكْتُهُ خَوْفَ الْإِطَالَةِ اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ إنْ فَاتَ أَكْثَرُ الثَّمَنِ إلَخْ ص (أَوْ حُذِفَ شَرْطُ التَّدْبِيرِ) ش: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ شَرْطٌ يُنَاقِضُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِأَمَدٍ بَعِيدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِسْقَاطَ إمْضَاءٌ، وَمَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ أَمَةً عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا الْمُبْتَاعُ فَإِنْ فَعَلَ فَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ عَلَيْهِ كَذَا فَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يَمِينٌ. ص (كَشَرْطِ رَهْنٍ وَحَمِيلٍ) ش: قَالَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا وَإِنْ بِعْتَهُ عَلَى حَمِيلٍ لَمْ تُسَمِّيَاهُ وَرَهْنٍ

فروع الأول بعت منه سلعة إلى أجل على أن تأخذ به رهنا ثقة من حقك فلم تجد عنده رهنا

لَمْ تَصِفَاهُ جَازَ وَعَلَيْهِ الثِّقَةُ وَرَهْنٌ وَحَمِيلٌ وَإِنْ سَمَّيْتُمَا الرَّهْنَ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْك إنْ امْتَنَعَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الرَّهْنِ الَّذِي لَمْ يُقْبَضْ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّفَتْ بِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَكَ عَبْدَهُ رَهْنًا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ إلَيْك أُجْبِرَ اهـ. قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الْبَيْعُ عَلَى غَيْرِ رَهْنٍ مُعَيَّنٍ جَائِزٌ وَعَلَى الْغَرِيمِ أَنْ يُعْطِيَكَ الصِّنْفَ الْمُعْتَادَ، وَالْعَادَةُ فِي الْخَوَاصِّ أَنْ تَرْهَنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالدُّورِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَيْسَ الْعَادَةُ الْعَبِيدَ وَالدَّوَابَّ وَلَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ قَبُولُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا فِي تَلَفِهِ؛ لِأَنَّ فِي حِفْظِهِ مَشَقَّةً وَكُلْفَةً وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الثِّيَابَ وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ فِيهِ الضَّمَانَ إنْ أَحَبَّ الرَّاهِنُ أَنْ يُعْطِيَ دَارًا أَوْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ وَأَحَبَّ مَا تَبَيَّنَ تَحْتَ غَلْقِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرْهَنُ وَإِنَّمَا لَهُ مَا فِيهِ وَثِيقَةٌ مِنْ حَقٍّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ صِنْفًا فَيُؤْتَى لَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا مُؤَجَّلًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا فِيهِ وَفَاءً بِعَدَدِهِ لَوْ حَلَّ وَإِنْ كَانَ سَلَمًا طَعَامًا أَوْ زَيْتًا أَوْ عُرُوضًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ السَّلَمِ إذَا حَلَّ فِي الْغَالِبِ وَلَيْسَ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ الْمُسَلِّمِ وَلَا لِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَقُولَ أُعْطَى بِقَدْرِ مَا يَسْوَى الْمُسَلَّمَ عَلَى غَلَائِهِ قَبْلَ الْإِبَّانِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْبَيْعِ عَلَى شَرْطِ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ وَيَجُوزُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا مَضْمُومَتَيْنِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَصِفَاهُ دُونَ لَمْ يُسَمِّيَاهُ اهـ. وَمَا قَالَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ خِلَافُ ظَاهِرِ إطْلَاقِهَا وَصَرِيحِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ ظَاهِرُهُ أَعْطَاهُ رَهْنًا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَلَا حُجَّةَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ لَا آخُذُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ خَوْفَ الضَّمَانِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ وَشَبَهُهُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي التَّوْضِيحِ تَعْنِي مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ رَهْنًا بِهِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ الْمُشْتَرَطُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَأَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ دَفْعِهِ خُيِّرَ الْبَائِعُ وَشَبَهُهُ مِنْ وَارِثٍ وَمَوْهُوبٍ لَهُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيّ وَابْنُ رَاشِدٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ رَهْنٍ يَكُونُ فِيهِ الثِّقَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الدَّيْنِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ. وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ فُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا فَلَوْ عَقَدَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ خُيِّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ أَوْ فَسْخِهِ اهـ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ بِعْتَ مِنْهُ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِهِ رَهْنًا ثِقَةً مِنْ حَقِّكَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ رَهْنًا] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ بِعْتَ مِنْهُ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِهِ رَهْنًا ثِقَةً مِنْ حَقِّكَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ رَهْنًا فَلَكَ نَقْضُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ سِلْعَتَكَ أَوْ تَرْكُهُ بِلَا رَهْنٍ. [الفرع الثَّانِي لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَبْضِهِ أَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ بَعْدَ أَخْذِهِ] (الثَّانِي) فَإِنْ هَلَكَ هَذَا الرَّهْنُ الْمَضْمُونُ بَعْدَ قَبْضِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَبْضِهِ أَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ بَعْدَ أَخْذِهِ فَفِي لُزُومِ بَدَلِهِمَا كَالرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ تَهْلَكُ بَعْدَ قَبْضِهَا قَوْلَا ابْنِ مُنَاسٍ وَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " ابْنِ شَاسٍ " وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنَّمَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مُنَاسٍ وَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَقَوْلُ ابْنِ مُنَاسٍ هُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا وَقَعَ لَهُ فِي سَمَاعِهِ مِنْ الرُّهُونِ. [الفرع الثَّالِثُ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْعَجْزَ عَنْ الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْعَجْزَ عَنْ الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ فَفِي سِجْنِهِ لِذَلِكَ الْحَمِيلِ لَا لِلرَّهْنِ أَوْ فِيهِمَا ثَالِثُهَا إنْ رَأَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا سُجِنَ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ عَاجِزٌ لَمْ يُسْجَنْ لِابْنِ مُنَاسٍ مَعَ ابْنِ شَبْلُونٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ الْمُذَاكِرِينَ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ تُهْمَتَهُ فِي الرَّهْنِ أَقْوَى وَلِتَسْوِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيهِمَا وَاخْتِيَارِهِ اهـ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ مِثْلَ مَا لِابْنِ مُنَاسٍ وَنَصُّهُ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ: (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ إذَا بَاعَهُ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ حَمِيلًا سُجِنَ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِلْأَجَلِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذِمَّتِهِ بِالسُّؤَالِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَتَحَمَّلُ لَهُ ذَلِكَ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ

الفرع الرابع إذا كان الرهن معينا ثم استحق

الْفَاسِدَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي مُوسَى بْنُ مُنَاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرع الرَّابِعُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ] (الرَّابِعُ) إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ غَرَّهُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي إمْضَائِهِ الْبَيْعَ أَوْ رَدِّهِ وَأَخْذِ سِلْعَتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ قِيمَتِهَا إنْ فَاتَتْ سَوَاءٌ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ طَاعَ الْمُشْتَرِي بِرَهْنٍ آخَرَ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَغُرَّهُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْ الرَّهْنَ فَحُكْمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَبَضَهُ فَلَا مَقَالَ لَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَذَكَرَ فِيهَا أَقْوَالًا غَيْرَ هَذَا وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْفَوَاتَ هُنَا يَكُونُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الفرع الْخَامِسُ كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَأَتَى الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ وَرَضِيَهُ الْمُرْتَهِنُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى اسْتَحَقَّ] (الْخَامِسُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَمَّا إنْ كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَأَتَى الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ وَرَضِيَهُ الْمُرْتَهِنُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى اسْتَحَقَّ جُبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُفَهُ وَهُوَ كَمَوْتِهِ وَقِيلَ لَا يَخْلُفُهُ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهَنَ رَهْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا أَعْطَاهُ مَالَ غَيْرِهِ بَقِيَ الرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَالْغُرُورُ فِي الْمَضْمُونِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ اهـ. يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ سَوَاءٌ غَرَّ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَمْ لَمْ يَغُرَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَوْتِهِ أَنَّ سَحْنُونًا يَقُولُ إذَا مَاتَ الرَّهْنُ الْمَضْمُونُ بَعْدَ قَبْضِهِ يَخْلُفُهُ بِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ نَقَلَهُ ابْنُ مُنَاسٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ سَحْنُونٍ فَيَرْجِعُ الْقَوْلُ بِأَنَّ عَلَيْهِ بَذْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرع السَّادِسُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُعَيَّنُ بَعْدَ قَبْضِهِ] (السَّادِسُ) فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُعَيَّنُ بَعْدَ قَبْضِهِ قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فَلَا يَكُونُ لَكَ سِوَاهُ وَلَا رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا اسْتِعْجَالُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ قَدِيمٌ عَقَدَهُ قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ. قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَمْكَنَهُ مِنْهُ وَيَخْتَلِفُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ فَعَلَى الْقَوْلِ إنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْبَائِعِ يَكُونُ لَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْ يَتَرَاضَيَا عَلَى رَهْنٍ آخَرَ وَعَلَى الْقَوْلِ إنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي سَقَطَ فَقَالَ الْبَائِعُ فِي الرَّهْنِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَهُ اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ قَبْضِهِ بَعْدَ إمْكَانِهِ مِنْهُ ابْنُ مُحْرِزٍ لَيْسَ التَّمْكِينُ مِنْ قَبْضِ الرَّهْنِ كَقَبْضِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ اللَّخْمِيُّ وَيَخْتَلِفُ إنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ كَالْمَبِيعِ. (قُلْت) يَرُدُّ شَرْطِيَّةَ الْحَوْزِ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ اهـ. وَالْعَجَبُ مِنْ اللَّخْمِيّ كَيْفَ يَقِيسُهُ عَلَى الْمَبِيعِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَبِيعِ أَنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ كَمَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهَا فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ وَصَرَّحَ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ لِلْبَائِعِ رَدُّهُ إنْ شَاءَ وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي عَدَمِ رَدِّهِ عَلَيْهِ بِنَصِّهَا وَنَصِّهِ وَإِنْ بِعْتَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَرْهَنَك عَبْدَهُ الْغَائِبَ جَازَ كَمَا لَوْ بِعْتَهَا بِهِ وَتُوقَفُ السِّلْعَةُ الْحَاضِرَةُ حَتَّى يَقْبِضَ الْعَبْدَ الرَّهْنَ الْغَائِبَ وَإِنْ هَلَكَ فِي غَيْبَتِهِ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْهَنَك سِوَاهُ لِيَلْزَمكَ الْبَيْعُ وَلَكَ رَدُّهُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ رَهْنَكَ بِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّكَ إنَّمَا بِعْتَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْك رَهْنًا بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْك لَمْ يَكُنْ رَهْنًا وَأَنْتَ مُخَيَّرٌ إذْ لَوْ فَلِسَ صَاحِبُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ وَالْعَبْدُ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ لَكَ قَبْضُهُ وَلَا تَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَتَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَأَمَّا إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَا يَكُونُ لَكَ سِوَاهُ وَلَا رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا اسْتِعْجَالُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ قَدْ تَمَّ عَقْدُهُ قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ. وَكَلَامُهُ وَتَعْلِيلُهُ يَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ أَنَّ التَّمْكِينَ فِي الرَّهْنِ لَيْسَ كَالتَّمْكِينِ فِي الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرع السَّابِعُ لَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الرَّهْنِ] (السَّابِعُ) لَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الرَّهْنِ بَقِيَ الْبَاقِي رَهْنًا بِالْجَمِيعِ قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّهْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنُ قَالَ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالْعُرُوضُ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَبْضِهَا عَلَى أَنْ تَبْقَى فِي يَدِ الْبَائِعِ رَهْنًا إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهَا إلَيْهِ وَكَأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ اهـ. ص (وَإِلَّا فَالْعَكْسُ) ش: يَعْنِي إذَا كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ فَفِيهِ

الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي عَلَى السَّلَفِ مُدَّةً يَرَى أَنَّهَا الْقَدْرُ الَّذِي أَرَادَ الِانْتِفَاعَ بِالسَّلَفِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْعِينَةِ وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ جُعَلِ مِثْلِهِ أَوْ الدِّرْهَمَيْنِ ص (فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الْوُقُوعِ قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُفْسَخُ وَالْمُبْتَاعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِالْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ فِي النَّجْشِ أَوْ يَرُدَّ هَذَا فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ وَأَمَّا فِي فَوَاتِهَا فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهَا مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ وَهُوَ ثَمَنُ النَّجْشِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّهَمَ هَذَا الْقَوْلُ، وَمَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ النَّجْشِ ص (وَكَبَيْعِ حَاضِرٍ لِعَمُودِيٍّ) ش: قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَحْرَمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ لَيْسَ مِنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي بَيْعُ الدَّلَّالِ إنَّمَا هُوَ لِاشْتِهَارِ السِّلْعَةِ فَقَطْ وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ لِرَبِّهَا وَبَيْعُ الْحَاضِرِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَتَوَلَّى الْحَاضِرُ الْعَقْدَ أَوْ يَقِفَ مَعَ رَبِّ السِّلْعَةِ لِيُزْهِدَهُ فِي الْبَيْعِ وَيُعْلِمَهُ أَنَّ السِّلْعَةَ لَمْ تَبْلُغْ ثَمَنَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالدَّلَّالُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَغْبَةً فِي الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ أَنْ يَبْعَثَ الْبَدْوِيُّ سِلْعَةً لِيَبِيعَهَا لَهُ الْحَاضِرُ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «لَا تَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا» ص (وَهَلْ لِقَرَوِيٍّ قَوْلَانِ) ش: يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَكَبَيْعٍ حَاضِرٍ لِبَادٍ عَمُودِيٍّ خَاصَّةً وَقِيلَ وَقَرَوِيٌّ وَقِيلَ كُلُّ وَارِدٍ عَلَى مَحَلٍّ وَلَوْ مَدِينًا وَقُيِّدَ بِمَنْ يَجْهَلُ السِّعْرَ وَلَوْ بَعَثَهُ مَعَ رَسُولٍ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. ص (وَفُسِخَ وَأُدِّبَ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَفُسِخَ إنْ وَقَعَ عَلَى الْأَظْهَرِ فِيهِمَا اهـ أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي وَفِيمَا إذَا بَاعَ لِرَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْأَدَبِ وَقُيِّدَ بِمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَقِيلَ يُزْجَرُ فَقَطْ اهـ. ص (وَكَتَلَقِّي السِّلَعِ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ

الضَّحَايَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إلَى الْأَسْوَاقِ» فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَاضِرَةِ إلَى الْجَلَائِبِ الَّتِي تُسَاقُ إلَيْهَا فَيَشْتَرِيَ مِنْهَا ضَحَايَا وَلَا مَا يُؤْكَلُ وَلَا لِتِجَارَةٍ، انْتَهَى. ص (أَوْ صَاحِبِهَا كَأَخْذِهَا فِي الْبَلَدِ بِصِفَةٍ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَوْ وَرَدَ خَبَرُ السِّلْعَةِ فَاشْتَرَاهَا شَخْصٌ عَلَى الصِّفَةِ فَقَالَ مَالِكٌ هِيَ مِنْ التَّلَقِّي وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَوَصَلَتْ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَصِلْ بَائِعُهَا فَتَلْقَاهُ رَجُلٌ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَهُوَ عِنْدِي مِنْ التَّلَقِّي اهـ. وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ كَأَخْذِهَا فِي الْبَلَدِ بِصِفَةٍ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: أَوْ صَاحِبِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُفْسَخُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يُفْسَخُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا أَوْ يَعْرِضُهُ عَلَى طَالِبِهَا فَيُشَارِكُهُ فِيهَا مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَشُهِرَ رِوَايَتَانِ وَرُوِيَ تُبَاعُ عَلَيْهِمْ فَمَا خَسِرَ فَعَلَيْهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَقِيلَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ اهـ. (فَرْعٌ) مِنْهُ قَالَ وَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ اهـ. ص (وَجَازَ لِمَنْ عَلَى كَسِتَّةِ أَمْيَالٍ أَخْذُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ) ش: قَالَ

فرع اشترى شراء فاسدا فقبضها المشتري ثم ردها إلى البائع على وجه أمانة فهلكت بيد البائع

ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَتَلَقِّي السِّلَعِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ مَرَّتْ عَلَى بَابِهِ فِي الْحَاضِرَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا شَيْئًا وَأَمَّا إنْ مَرَّتْ بِهِ عَلَى قَرْيَةٍ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ الْحَاضِرَةِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا لِتِجَارَةٍ لِمَشَقَّةِ النُّهُوضِ عَلَيْهِ إلَى الْحَاضِرَةِ اهـ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَا يَبْتَاعُهَا مَنْ مَرَّتْ بِهِ وَهُوَ عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي جُلِبَتْ إلَيْهِ وَمِنْ الْوَاضِحَةِ وَمَا بَلَغَ الْحَضَرَ فَلَا يَشْتَرِي مِنْهَا مَا مَرَّ عَلَى بَابِ دَارِهِ لَا لِتِجَارَةٍ وَلَا لِقُوتِهِ إنْ كَانَ لَهَا سُوقٌ قَائِمٌ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ سُوقٌ قَائِمٌ إذَا دَخَلَ بُيُوتَ الْحَاضِرَةِ وَالْأَزِقَّةِ جَازَ شِرَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ السُّوقَ. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ أَنَّ السِّلَعَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَفْسِهَا فَمَرَّتْ بِهِ السِّلْعَةُ فَقَوْلَانِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ أَنَّ السِّلَعَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ قَائِمٌ وَدَخَلَتْ بُيُوتَ الْحَاضِرَةِ وَالْأَزِقَّةِ جَازَ الشِّرَاءُ مِنْهَا لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ السُّوقَ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَجَازَ شِرَاؤُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ فِيهِ أَوْ رَجَعَ رَبُّهَا بِهَا مِنْهُ كَخُرُوجِ بَعْضِ أَهْلِ الْبَلَدِ لِشِرَاءِ حَوَائِطِهِ ثُمَّ يَبِيعُ هُوَ لَهُمْ وَقِيلَ كَالتَّلَقِّي وَإِذَا وَصَلَتْ السِّلَعُ السَّاحِلَ فِي السُّفُنِ وَهُوَ مُنْتَهَى سَفَرِهَا جَازَ الْمُضِيُّ إلَيْهَا وَالشِّرَاءُ مِنْهَا لِمَشَقَّةِ انْتِقَالِهَا. ص (وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا الْمِلْكُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الضَّمَانَ فِي الْبَيْعِ بَيْعًا فَاسِدًا يَنْتَقِلُ بِالْقَبْضِ فَالْمِلْكُ لَا يَنْتَقِلُ بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةِ الْفَوَاتِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ جَازَتْ الْهِبَةُ الْمَازِرِيُّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهَا بَعْدُ: إنَّ الْبَيْعَ بَيْنَكُمَا مَفْسُوخٌ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَفِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ خِلَافُهُ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ إنْ ابْتَعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ اهـ. [فَرْعٌ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ عَلَى وَجْهِ أَمَانَةٍ فَهَلَكَتْ بِيَدِ الْبَائِعِ] (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُعَيَّنًا ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَقُومُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ عَلَى وَجْهِ أَمَانَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهَلَكَتْ بِيَدِ الْبَائِعِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْبَائِعِ وَقَبْضَ الْمُشْتَرِي لَهَا كَلَا قَبْضٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقُولُ كَانَ لِي أَنْ أَرُدَّهَا عَلَيْكَ وَهَا هِيَ فِي يَدِكَ اهـ. وَنَقَلَهَا أَيْضًا فِي كِتَابِ الْغَرَرِ فِي شَرْحِ مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَوَقَعَ الْجَوَابُ فِيهَا أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ اهـ. وَانْظُرْ النَّوَادِرَ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً بَيْعًا فَاسِدًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً بَيْعًا فَاسِدًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ فَذَلِكَ فَوْتٌ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا كَانَتْ مِنْ الْمُرْتَفِعَاتِ أَوْ مِنْ الْوَخْشِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ وَجَبَتْ. [فَرْعٌ حُكْمُ الْجَاهِلِ فِي الْبُيُوعُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَالْبُيُوعُ حُكْمُ الْجَاهِلِ فِيهَا حُكْمُ الْعَامِدِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ. ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِهِ فِيمَا

لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ فِي آخِرِ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ طَلَاقٌ إنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ الْمُجْمَعَ عَلَى فَسَادِهِ لَا يَحْتَاجُ فَسْخُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي فَسْخِهِ فَسْخُ السُّلْطَانِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْ تَرَاضِيهِمَا بِالْفَسْخِ كَفَسْخِ السُّلْطَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الثُّنْيَا مِنْ كِتَابِ الْآجَالِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهَا وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا وَهُوَ الْفَسْخُ بِمُجَرَّدِ إشْهَادِهِمَا عَلَى الْفَسْخِ ذَكَرَهُ فِي الصَّرْفِ قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ مَسَائِلِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ بَابِ اقْتِضَاءِ الطَّعَامِ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْقَوْلِ إنَّهُ يَفْتَقِرُ الْفَسْخُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ أَنَّهُ لَوْ حَكَّمَ الْمُتَبَايِعَانِ بَيْنَهُمَا رَجُلًا فَحَكَمَ بِالْفَسْخِ لَحَلَّ ذَلِكَ مَحَلَّ حُكْمِ الْقَاضِي وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ لَوْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَاجْتَهَدَ فَحَكَمَ بِالْفَسْخِ أَوْ اجْتَهَدَا جَمِيعًا فَفَسَخَاهُ لَأَجْزَأَهُمَا ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي حُكْمِ أَحَدِهِمَا أَوْ حُكْمِهِمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لَا اخْتِلَافَ فِي تَرَاضِيهِمَا بِالْإِشْهَادِ هَلْ يَحِلُّ مَحَلَّ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ، مَشْهُورٌ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اهـ. وَأَمَّا إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْحَاكِمِ وَيَفْسَخُهُ قَالَهُ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْقَبَّابُ قَبْلَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا يَنْظُرُ لَهُ فِي ذَلِكَ إمَّا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوَلِّي النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِعُدُولِ الْمَوْضُوعِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَحِينَئِذٍ يَنْظُرُ هُوَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُخَلِّصُ نَفْسَهُ مِنْ تِبَاعَةِ الْغَيْرِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرُدَّ وَلَا غَلَّةَ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَسْأَلَةُ كُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي مِلْكٍ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ فَلَا يُطَالِبُ بِالْخَرَاجِ اهـ ص (وَإِنْ فَاتَ مُضِيُّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ) ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسِ مِنْ كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلنَّوَوِيِّ عَنْ الْأَنْبَارِيِّ: الْبَيْعُ الصَّحِيحُ يُفِيتُ الْفَاسِدَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَمْضِي عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقُولُهُ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَبِيعَ فَاتَ بِحَيْثُ لَا يُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ الْقِيمَةُ وَلَوْ فَاتَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لَمَضَى بِالثَّمَنِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا وَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ فَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَرَامٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَى بَيْعِهَا لِمُشْتَرِيهَا شِرَاءً فَاسِدًا لَا يَجُوزُ وَشِرَاؤُهَا لِمَنْ عَلِمَ بِفَسَادِ عَقْدِهَا وَعَدَمِ تَغَيُّرِهَا مَعْصِيَةٌ وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ تَمَّ الْبَيْعُ وَصَحَّ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي اهـ ص (وَإِلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ وَمِثْلَ الْمِثْلِيِّ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمِثْلِيُّ مَوْجُودًا وَإِلَّا فَفِيهِ أَيْضًا الْقِيمَةُ كَالْمُقَوَّمِ قَالَ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَمَرًا لَمْ يُؤَبَّرْ فَجَذَّهُ قَبْلَ إزْهَائِهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَرْكُهُ إلَى إزْهَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَجُذَّهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى أَرْطَبَ أَوْ تَمَّرَ فَجَذَّهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَفُسِخَ وَرَدَّ قِيمَةَ الرُّطَبِ أَوْ مَكِيلَةَ التَّمْرِ إنْ جَذَّهُ تَمْرًا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ وَرَدَّ قِيمَةَ الرُّطَبِ يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ قَائِمًا لَرُدَّ بِعَيْنِهِ وَلَوْ فَاتَ وَالْإِبَّانِ كَانَ قَائِمًا وَعَلِمَ وَزْنَهُ أَوْ كَيْلَهُ لَرَدَّ مِثْلَهُ اهـ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا عَدِمَ كَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ. (تَنْبِيهٌ) وَمَحَلُّ رَدِّ مِثْلِهِ إذَا لَمْ يَبِعْ جُزَافًا فَإِنْ بِيعَ جُزَافًا فَفِيهِ الْقِيمَةُ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهَا فِيهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ فَلْيَرُدَّ مِثْلَهُ إذَا كَانَ اشْتَرَاهُ عَلَى الْكَيْلِ

فروع الأول إذا فات المبيع بيعا فاسدا ووجب رد القيمة

وَالْوَزْنِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ جُزَافًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ لَا يَتَأَتَّى، هَذَا لَفْظُ الْجُزُولِيِّ وَلَفْظُ الْآخَرِ هَذَا فِيمَا بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَمَا بِيعَ عَلَى الْجُزَافِ وَفَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَقُومُ عَلَى تَحْدِيدِ الصُّبْرَةِ أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا فَيَغْرَمُ قِيمَةَ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ مَكِيلَةَ التَّمْرِ إنْ جَذَّهُ تَمْرًا قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ إذَا فَاتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَائِمًا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ اُنْظُرْ قَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي جُزَافِ الطَّعَامِ إنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ حَالَ سُوقُهُ وَلَمْ يَقُلْ إنْ عَرَفَ الْمَكِيلَةَ أَدَّى الْمَكِيلَةَ ابْنُ يُونُسَ الَّذِي جَرَى هَاهُنَا إذَا عَرَفَ الْمَكِيلَةَ رَدَّهَا وَأَصْلُهُ بَيْعُ جُزَافٍ فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ إذَا فَاتَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ كَيْلَهُ وَأَمَّا إنْ عَلِمَ كَيْلَهُ فَلْيَرُدَّ مِثْلَ الْمَكِيلَةِ وَلَا يَكُونُ اخْتِلَافُ قَوْلٍ وَرَدُّ الْمَكِيلَةِ أَعْدَلُ وَحَمَلَ اللَّخْمِيُّ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ فَتَأَمَّلْهُ فِي تَبْصِرَتِهِ اهـ. (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) إذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِي الْمُقَوَّمِ لِفَوْتِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى رَدِّ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ مَعَ حُصُولِ الْأَمْرِ الَّذِي فَوَّتَهُ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَكُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ فَإِنْ حَالَ سُوقُهُ أَوْ تَغَيَّرَ فِي بَدَنِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يَرُدُّهُ قَالَ الْجُزُولِيُّ قَوْلُهُ وَلَا يُرَدُّ ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَرَاضَيَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا فَيَجُوزُ ق يُرِيدُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعًا مُؤْتَنِفًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ وَجَبَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَأَخَذَ فِيهَا هَذِهِ السِّلْعَةَ فَهَذَا بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ فَإِذَا عُلِمَتْ الْقِيمَةُ زَالَتْ الْعِلَّةُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَلَعَلَّ الْجُزُولِيَّ أَشَارَ بِالْقَافِ لِعَبْدِ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ جَارِيَةٌ بِجَارِيَتَيْنِ غَيْرِ مَوْصُوفَتَيْنِ وَيَرُدُّ ذَلِكَ فَإِنْ فَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَك بِبَيْعٍ أَوْ نَقْصِ سُوقٍ لَزِمَتْكَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لِبَائِعِهَا مِنْكَ أَخْذُهَا مَعَ مَا نَقَصَهَا وَلَا أَخْذُهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ لِنَقْصِهَا كَمَا لَيْسَ لَكَ رَدُّهَا عَلَيْهِ مَعَ مَا نَقَصَهَا وَلَا بَعْدَ زِيَادَتِهَا فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْبَائِعُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِالْقِيمَةِ الَّتِي لَزِمَتْ الْمُبْتَاعُ بِتَغْيِيرِهَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَفِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّاذُّ أَنَّ دَفْعَ ذَلِكَ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ هَاهُنَا إسْقَاطُ التَّنَازُعِ، ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَخْشًا لَا تَتَوَاضَعُ وَأَمَّا الَّتِي تَتَوَاضَعُ فَلَا يَجُوزُ تَرَاضِيهِمَا بِمَا وَصَفْنَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ دَيْنٌ عَلَى الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْبَائِعُ فِيهَا جَارِيَةً بِمُوَاضَعَةٍ فَهُوَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ اهـ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا وَوَجَبَ رَدُّ الْقِيمَةِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا وَوَجَبَ رَدُّ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يُقَاصُّهُ بِهَا مِنْ الثَّمَنِ نَصَّ عَلَيْهِ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. [الفرع الثَّانِي أُجْرَةُ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] (الثَّانِي) أُجْرَةُ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى الْمُتَبَايِعِينَ جَمِيعًا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَنْ الْقِيمَةِ إذَا وَجَبَتْ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ شُبْهَةٍ عَلَى مَنْ أُجْرَةُ الْمُقَوِّمِينَ فَأَجَابَ هِيَ عَلَى الْبَائِعِ الْآخِذِ لِلْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ طَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَلَا يَرُدُّونَهُ فَعَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ. (قُلْت) ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا لِقَوْلِهِ إنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الْفَسَادِ اهـ. [الفرع الثَّالِثُ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا جُزَافًا بَيْعًا فَاسِدًا] (الثَّالِثُ) إنَّمَا يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي قَبَضَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ إنَّ مِمَّا يُفِيتُ الْمِثْلِيَّ نَقْلَهُ لِبَلَدٍ آخَرَ بِكُلْفَةٍ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِنْ ابْتَاعَ طَعَامًا جُزَافًا بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ تُفِيتُهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهِ الْفَوَاتِ وَلَوْ بِيعَ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ وَلْيَرُدَّ مِثْلَهُ بِمَوْضِعِ قَبْضِهِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِتَغْيِيرِ سُوقٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَمَسْأَلَةُ الْحُلِيِّ إذَا اشْتَرَى فَاسِدًا قَالَ فِيهَا فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَنْ ابْتَاعَ حُلِيًّا بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ جُزَافًا فَإِنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ تُفِيتُهُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَإِنْ

كَانَ عَلَى الْوَزْنِ لَمْ يَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ وَلْيَرُدَّهُ أَوْ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ سَيْفًا مُحَلًّى فِضَّتُهُ الْأَكْثَرُ فَلَا تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَيُفِيتُهُ الْبَيْعُ وَالتَّلَفُ أَوْ قَلَعَ فِضَّتَهُ فَيَرُدُّ قِيمَتَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ اهـ وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ بَيْعِ الشَّيْءِ الْمُحَلَّى لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى نَصْلُهُ تَبَعًا لِفِضَّتِهِ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ نَقْدِ الدَّنَانِيرِ وَقَبْلَ قَبْضِ السَّيْفِ ثُمَّ بَاعَهُ وَأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَائِزٌ وَلِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي قِيمَةُ السَّيْفِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ يَوْمَ قَبْضِهِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يُفِيتُهُ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ فَهَلْ يُفِيتُهُ حَوَالَةُ السُّوقِ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُرَدُّ وَلَا أَجْعَلُهُ مِثْلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَيْسَ فِيهَا تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ وَإِنَّمَا هِيَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ فِيهِ فَوْتٌ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحُلِيِّ يُبَاعُ جُزَافًا بَيْعًا فَاسِدًا إنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ فِيهِ فَوْتٌ وَهَذَا اخْتِلَافُ قَوْلٍ مِنْهُ فَمَرَّةً رَأَى أَنَّ الصَّرْفَ لَا يُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ كَمَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَرَّةً رَأَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ أَثْمَانٌ لَا تَكَادُ تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رَجَعَتْ بِخِلَافِ مَا تُدْخِلُهُ الصَّنْعَةُ مِنْ الْحُلِيِّ وَالْحِلْيَةِ وَتَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِاخْتِلَافِ صَنْعَتِهِ اهـ ص (وَبِطُولِ زَمَانِ حَيَوَانٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَاخْتُلِفَ فِي فَوْتِ الْعَقَارِ بِالطُّولِ فَفِيهَا يَفُوتُ بِهِ وَفِيهَا لَيْسَ السَّنَتَانِ وَالثَّلَاثُ فَوْتًا أَصْبَغُ إلَّا كَعِشْرِينَ سَنَةً وَحُمِلَ عَلَى الْوِفَاقِ وَلَا يُفِيتُ عَرْضٌ بِطُولٍ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِذَاتٍ أَوْ سُوقٍ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ، وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَبِالْوَطْءِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّ فِيهَا الْمُوَاضَعَةَ وَلَا تَمْضِي مُدَّةُ الْمُوَاضَعَةِ إلَّا وَقَدْ تَغَيَّرَتْ اهـ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَطْءُ الْأَمَةِ فَوْتٌ لَا غَيْبَةٌ عَلَيْهَا فَإِنْ قَالَ وَطِئْتُهَا صُدِّقَ وَفِي الْوَخْشِ إنْ أَنْكَرَ صُدِّقَ مُطْلَقًا كَالرَّائِعَةِ إنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَاسْتَبْرَأَهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ تُرَدَّ اهـ. ص (وَاسْتَبْرَأَهَا) ش: يَعْنِي إذَا رُدَّتْ إلَى الْبَائِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَقْفِهَا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ ص (وَبِتَغَيُّرِ ذَاتٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ) ش: قَيَّدَ تَغَيُّرَ الذَّاتِ بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ جَرْيًا عَلَى مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْفَوَاتُ بِتَغَيُّرِ الذَّاتِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ تَغَيُّرَ الذَّاتِ يُفِيتُ الْمِثْلِيَّ وَقَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَاَلَّذِي فِي اللَّخْمِيِّ وَابْنِ شَاسٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى فَوَاتِ الْمِثْلِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ قَدْ صَرَّحُوا بِهِ هُنَا وَإِلَّا فَيُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلًا فَإِنْ فَاتَ مَضَى الْمُخْتَلِفُ وَإِلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَمِثْلَ الْمِثْلِيِّ اهـ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخُرُوجٍ عَنْ يَدٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يَفُوتُ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَشَمِلَ ذَلِكَ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالتَّحْبِيسَ وَهَذَا فِيمَا حَبَسَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِشِرَاءِ دَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ فَاشْتَرَى الْوَصِيُّ ذَلِكَ وَحَبَسَهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الرَّدِّ

فرع اتخذها أم ولد في البيع الفاسد أو باعها كلها أو نصفها أو حال سوقها فقط

بِالْعَيْبِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَهُ مُشْتَرِيهِ لِبَائِعِهِ فَهَلْ ذَلِكَ فَوْتٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَجْنَبِيٌّ أَمْ لَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ رَاشِدٌ فِي كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِأَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْهُ فِي أَوَائِلِهِ. [فَرْعٌ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ بَاعَهَا كُلَّهَا أَوْ نِصْفَهَا أَوْ حَالَ سُوقِهَا فَقَطْ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ بَاعَهَا كُلَّهَا أَوْ نِصْفَهَا أَوْ حَالَ سُوقِهَا فَقَطْ فَذَلِكَ فَوْتٌ فِي جَمِيعِهَا أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ أَوْ بَاعَ نِصْفَهَا مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ عِيَاضٌ وَذَلِكَ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِي غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ فِي مِثْلِ هَذَا قَلِيلٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ فَوْتٌ فِي جَمِيعِهَا هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بَاعَ نِصْفَهَا، انْتَهَى. [فَرْعٌ التَّوْلِيَةُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَجُوزُ التَّوْلِيَةُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَتُرَدُّ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُوَلِّي، انْتَهَى. وَالشَّرِكَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ التَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَوْلِيَةٌ لِبَعْضِ السِّلْعَةِ وَانْظُرْ الْحُكْمَ فِي الْإِقَالَةِ ص (كَرَهْنِهِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى افْتِكَاكِهَا مِنْ الرَّهْنِ لِمِلْئِهِ، انْتَهَى. ص (وَإِجَارَتِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى فَسْخِ الْإِجَارَةِ مُيَاوَمَةً، انْتَهَى. [فَرْعٌ مُكْتَرِي الدَّارَ كِرَاءً فَاسِدًا إنْ أَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ مَكَانَهُ كِرَاءً صَحِيحًا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَعُهْدَةِ مَا فَاتَ مِنْهُ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُكْتَرِي الدَّارَ كِرَاءً فَاسِدًا إنْ أَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ مَكَانَهُ كِرَاءً صَحِيحًا فَذَلِكَ فَوْتٌ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا وَقَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَجُزْ وَرُدَّ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ وَيَرُدُّ الْمُعَمِّرُ الدَّارَ وَإِنْ اسْتَغَلَّهَا رَدَّ غَلَّتَهَا وَعَلَيْهِ إجَارَةُ مَا سَكَنَ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ رَبِّهَا وَيَأْخُذُ عِوَضَهُ اهـ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا خِلَافُ أَصْلِهِ فِي الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُكْتَرِي وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْغَلَّةُ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا فِي السِّنِينَ الَّتِي سَكَنَهَا وَيُفْسَخُ مَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ قَوْلُهُ يَرُدُّ غَلَّتَهَا أَيْ يَرُدُّ كِرَاءَ مِثْلِ الدَّارِ فَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ غَلَّةٍ فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ مَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ خِلَافًا لِلْمُدَوَّنَةِ بَلْ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا الشَّيْخُ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ خِلَافٌ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُمْرَى ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُجْعَلْ صَحِيحٌ عَقْدَ كِرَائِهَا الْفَاسِدِ لَمَّا كَانَ الْعَقْدُ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْهُ مُشْتَرِيهِ اهـ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا ابْتَاعَ بَعْدُ بَيْعًا صَحِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ) ش: قَوْلُهُ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا أَوْ مِثْلِيًّا وَسَوَاءٌ بَاعَهُ مُشْتَرِيهِ

قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَاعَهُ بَائِعُهُ وَهُوَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُفَوَّتٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ فَلَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَقَدْ رَأَى الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نُفُوذِ الْبَيْعِ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِ بَائِعِهِ قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا بَعْدَ قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ وَجَعَلُوا سَبَبَ الْخِلَافِ كَوْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ نَقْلَ شُبْهَةِ الْمِلْكِ أَمْ لَا اهـ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ هَذَا الْخِلَافَ أَيْضًا اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ بِأَنْ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ حَدَثًا مِنْ عِتْقٍ أَوْ عَطَاءٍ أَوْ بَيْعٍ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَلْ يَمْضِي فِعْلُ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ فَوْتًا قَوْلَانِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ هَلْ يَنْقُلُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ أَمْ لَا وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَأَحْدَثَ الْبَائِعُ فِيهِ عَقْدًا وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَفِي مُضِيِّهِ قَوْلَانِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي نَقْلِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْضِي أَوْ عَدَمِ النَّقْلِ فَيَمْضِي اهـ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي فَوْتِهِ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ قَبْلَ قَبْضِهِ قَوْلَانِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَاعَهُ بَائِعُهُ ثَانِيَةً قَبْلَ إقْبَاضِهِ فَالْقَوْلَانِ اهـ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بَائِعُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً قَبْلَ إقْبَاضِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مَاضٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بَائِعُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَهُوَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي يَرُدُّهُ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مُشْتَرِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ وَلَا مَكَّنَهُ مِنْهُ أَنَّهُ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ وَاخْتَلَفُوا إذَا أَمْكَنَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَانْتَقَدَ ثَمَنَهُ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُبْتَاعُ أَبَدًا إلَّا بِالْقَبْضِ وَقَالَ أَشْهَبُ ضَمَانُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ إذَا مَكَّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ أَوْ كَانَ قَدْ نَقَدَ ثَمَنَهُ اهـ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَإِذَا حَكَمَ بِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُنْقَضُ مَا لَمْ يَفُتْ فَلَا يَخْلُو فَوَاتُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ بَائِعِهِ أَوْ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ بَائِعِهِ فَاتَهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُمَكِّنَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْقَبْضِ ثُمَّ يَتْرُكَهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فَإِنْ مَكَّنَهُ فَهَاهُنَا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْبَائِعِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَبْدِيلِ النِّيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَكَّنَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ فَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ مِنْهُ وَتَمْضِي بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ بِإِحْدَاثِ الْمُشْتَرِي وَذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الشَّامِلِ الصُّورَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُ بَائِعُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً قَبْلَ إقْبَاضِهِ وَبَعْدَ تَمْكِينِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْبَائِعِ إذَا أَمْكَنَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ مُشْتَرِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ الْإِمْضَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ وَكُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ فَضَمَانُ مَا يُحْدِثُ بِالسِّلْعَةِ فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا فَذَلِكَ فَوْتٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ اهـ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَأَمَّا إنْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ أَوْ تَغَيُّرُ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ مَوْتٍ وَذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَمَا مَعَهُ فَإِنْ أَحْدَثَهُ الْمُبْتَاعُ فَضَمِنَ بِمَا أَحْدَثَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِهَا وَاخْتُلِفَ إنْ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَوْتٍ بِخِلَافِ

الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّ الْبَيْعَ فَوْتٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُبْتَاعُ كَالصَّدَقَةِ ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أَحْدَثَهُ الْمُبْتَاعُ؛ وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَفْتَقِرُ لِلْقَبْضِ وَالْبَيْعَ لَا يَفْتَقِرُ لِلْقَبْضِ وَإِذَا كَانَتْ فِي الصَّدَقَةِ فَوْتًا فَهِيَ فِي الْبَيْعِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ فَوْتًا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ بَعْدَهُ مَا نَصَّهُ عِيَاضٌ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا فِي التَّنْبِيهَاتِ وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي عِتْقِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجِزْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمَّا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَعَهُ فَوْتًا قَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْل أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَبَاعَهَا بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهَا أَنَّهُ يَرُدُّ عَدَدَ الْمَكِيلَةِ تَمْرًا إنْ جَذَّهَا الثَّانِي وَقِيلَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَهَا أَوْجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ مَنْ اشْتَرَاهَا اشْتِرَاءً صَحِيحًا فَذَلِكَ كَالْعِتْقِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا وَهَبَهَا وَقَدْ اشْتَرَاهَا فَاسِدًا إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ فَإِذَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ فَوْتًا فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَوْتًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ آكَدُ مِنْ الْهِبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ هَاهُنَا وَهُوَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمَوْهُوبُ لَوَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ وَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ جَائِزًا لِلْمَوْهُوبِ اهـ فَفِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا إنَّ الْبَيْعَ أَوْكَدُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِيهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ وَكَوْنِهِ فَوْتًا وَفِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي غَيْرَ أَنَّ مَا عَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَقَدْ تَأَوَّلَهَا غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ مَكِيلُهَا أَيْ إذَا عَلِمَ كَيْلَهَا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذَا جُهِلَتْ الْمَكِيلَةُ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ قَوْلٍ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ حَالٍ كَمَا سَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ وَعَزَا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ مُفِيتٍ لِفَضْلٍ وَابْنِ الْكَاتِبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَعَزَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُفِيتٌ لِابْنِ مُحْرِزٍ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ مُحْرِزٍ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ مُفِيتٌ بِقَوْلِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ إنَّهُمْ مُفَوِّتُونَ وَإِنَّ فَضْلًا قَدْ قَالَ إنَّ الصَّدَقَةَ كَالْبَيْعِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَتَأْوِيلِهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيتٍ أُخِذَ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ الظَّاهِرَ تُؤُوِّلَ وَذَكَرَ تَأْوِيلَهُ وَنَصُّ كَلَامِهِ قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مُشْتَرِي السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ بِجَارِيَةٍ بِشَرْطِ النَّقْدِ لَوْ نَقَدَ الْبَيْعَ وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا وَجَازَ الْبَيْعُ لِمَنْ بَاعَهَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ قَبْضُهَا ظَاهِرٌ هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا قَبَضَهَا وَلَوْ كَانَ بَيْعُهُ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ فَضْلٌ وَابْنُ الْكَاتِبِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَأَنَّهُ تَأْوِيلُ مَا فِي الْكِتَابِ قَالَ فَضْلٌ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُوقَفَةً لَمْ تُقْبَضْ حَتَّى يُنْظَرَ أَمْرُ الْغَائِبَةِ لَمْ يَتِمَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا بَيْعٌ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْكَاتِبِ بِأَنَّهُ بَاعَ مَا ضَمَانُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَذَهَبَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي آخَرِينَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَإِفَاتَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الصَّحِيحِ وَتَأَوَّلُوا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ إذَا قَبَضَهَا عَائِدٌ عَلَى التَّقْوِيمِ أَيْ إنَّمَا تُقَوَّمُ يَوْمَ قَبْضِهَا أَيْ إذَا كَانَ قَبَضَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا فَيَوْمُ عَقْدِ الْبَيْعِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ فِي الصَّدَقَةِ بِأَنَّهَا تُفِيتُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَقَدْ قَالَ فَضْلٌ إنَّ الصَّدَقَةَ كَالْبَيْعِ وَقَدْ احْتَجَّتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهَا بِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَةً قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَقَالَ مَرَّةً عَلَيْهِ مَكِيلَتُهَا وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيتٍ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ اخْتِلَافَ قَوْلِهِ هُنَا لِاخْتِلَافِ الْحَالِ فَإِذَا عَرَفَ الْمَكِيلَةَ لَزِمَهُ مِثْلُهُ وَإِذَا جَهِلَ فَالْقِيمَةُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَعْلُومِ وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَوْتًا، انْتَهَى. فَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِنُفُوذِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ مُفَوَّتٌ وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ بَائِعُهُ وَهُوَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَلَا مَضَاءَ قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ فِي

سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ جَازَتْ الْهِبَةُ إنْ قَامَ بِهَا الْمَوْهُوبُ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ تَغَيُّرِ سُوقِهِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ إيَّاهُ بَطَلَتْ هِبَتُهُ بَعْدَ تَغَيُّرِ سُوقِهِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ الْقِيمَةُ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ جَازَ عِتْقُهُ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا مَفْسُوخٌ مَا لَمْ يَفُتْ الْعَبْدُ اهـ فَأَجَازَ تَصَرُّفَهُ بِالْهِبَةِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِهِبَةِ الثَّوَابِ وَهِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ بَلْ الْبَيْعُ أَحْرَى مِنْ الْهِبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَكَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَكَذَلِكَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ وَلَا شَكَّ فِي أَحْرَوِيَّتِهِمَا عَلَى الْهِبَةِ وَلِلَّخْمِيِّ تَفْصِيلٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَرَاجِعْهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ جَازَتْ هِبَتُهُ إنْ قَامَ بِهَا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ حِينَ الْقِيَامِ أَمْ لَا وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَقَعَتْ فِي وَقْتٍ كَانَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَقَالَ الْقِيَاسُ إنْ تَغَيَّرَ حِينَ الْقِيَامِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَقَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوَّلًا وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ بَيْعُهَا مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا نَقَلَ الضَّمَانَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْبَيْعَ مُفَوَّتٌ أَنَّ الْقِيمَةَ تَعْتَبِرُ فِيهِ يَوْمَ عَقْدِ الْبَيْعِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَيْضًا وَانْظُرْ بَيْعَ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ وَالْأَظْهَرُ الصَّحِيحُ اهـ وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ إنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي. (الثَّانِي) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ تَصَدَّقَ أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الثَّمَنِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ أَيْضًا وَنَصُّهُ وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَعْتَقَهُ الْمُبْتَاعُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَيَصِيرُ ذَلِكَ قَبْضًا وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَيَرُدُّ إلَى بَائِعِهِ لِانْتِقَاضِ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ فَعَجَزَ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى بَائِعِهِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ قَدْ أَفَاتَهُ بِالْعِتْقِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِهِ فِي الْقِيمَةِ اهـ. زَادَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَهُ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا جَازَ عِتْقُ الْبَائِعِ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ مَعَهُ عِتْقٌ إلَّا أَنْ يَعْتِقَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ الْبَائِعِ فَيَكُونُ قَدْ أَتْلَفَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَعْرِفُ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِتْقُهُ مَاضٍ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ صَاحِبِهِ فَإِنْ أَعْتَقَا جَمِيعًا كَانَ الْعِتْقُ لِلْأَوَّلِ فَإِنْ جُهِلَ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْضِيَ عِتْقُ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ الشَّيْخُ هَذَا ضَابِطُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ لَا يُجِيزُ فِيهِ عِتْقَ الْمُبْتَاعِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِتْقَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي اهـ. (الرَّابِعُ) لَوْ أَجَّرَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ رَهَنَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالظَّاهِرُ نُفُوذُ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْبِضْهُ مِنْهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْخِلَافُ، وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ أَحْدَثَ فِيهِ عَقْدًا شَامِلٌ لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَكَانَ فَوْتًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَخُرُوجٌ عَنْ يَدٍ لَكَانَ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا فَلَا يُفِيتُ وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلتَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا إنْ قَصَدَ بِالْبَيْعِ الْإِفَاتَةَ) ش: هَذَا الَّذِي

فصل في البيع الذي فيه تأجيل

ذَكَرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ يَفُوتُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِفَاتَةَ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ وَنَقَلَ قَوْلًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ فَيَفُوتُ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ بَعْدَ قِيَامِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ فَلَا يَفُوتُ بِذَلِكَ وَقَالَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، هَكَذَا حَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَاعْتَرَضَ ابْنُ نَاجِي عَلَى الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي حِكَايَتِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْفَسَادِ وَبَاعَ قَصْدًا لِلتَّفْوِيتِ أَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ مَاضٍ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَأَمَّا إنْ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ السَّيْفَ وَفَارَقَ الْبَائِعَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ ثُمَّ بَاعَ السَّيْفَ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ زَادَ فِي الْأُمِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبَاعَ السَّيْفَ ثُمَّ عَلِمَ قُبْحَ فِعْلِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ أَنْكَرَ سَحْنُونٌ قَوْلَهُ جَازَ بَيْعُهُ وَرَآهُ رِبًا، وَقَوْلُهُ فِي السُّؤَالِ ثُمَّ عَلِمَ قُبْحَ ذَلِكَ فِيهِ إيهَامُ أَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُشْتَرِي تَفْوِيتَهُ وَلَا يَفُوتُ لِقَصْدِهِ ذَلِكَ وَهُوَ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَقَالَ عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِالْفَسَادِ ثُمَّ بَاعَ قَصَدَ التَّفْوِيتَ أَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ مَاضٍ وَمَا ذَكَرَهُ قُصُورٌ مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ إنْ قَصَدَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ التَّفْوِيتَ لِلْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ كَانَ فَوْتًا وَاخْتُلِفَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ الْبَيْعَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ يُفَرَّقُ فِيهِمَا كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّخْمِيُّ حُكْمَ الْهِبَةِ حُكْمَ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْإِفَاتَةَ لَا تَفُوتُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ التَّبْصِرَةِ فَانْظُرْهُ [فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ تَأْجِيلٌ] ص (فَصْلٌ: وَمُنِعَ لِلتُّهْمَةِ مَا كَثُرَ قَصْدُهُ) ش: لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ذِكْرِ الْبُيُوعِ الَّتِي نَصَّ الشَّرْعُ

عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا عَقَّبَهَا بِبُيُوعٍ ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَمْنُوعٍ فَمَنَعَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ وَأَجَازَهَا غَيْرُهُمْ وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِبُيُوعِ الْآجَالِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَلْ كُلٌّ مِنْ لَفْظَتَيْ الْبُيُوعِ وَالْآجَالِ بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ أَوْ سُلِبَتْ دَلَالَةُ كُلِّ وَاحِدِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ اسْمًا لِمَا ذَكَرَ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ وَالثَّانِي أَظْهَرُ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِمَا مَسَائِلُ وَهِيَ مَا تَكَرَّرَ فِيهِ الْبَيْعُ مِنْ الْبَائِعَيْنِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي مُتَعَيِّنٌ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَقَبٌ إلَخْ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أُرِيدَ الْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ تَأْجِيلٌ فَلَا شَكَّ فِي بَقَاءِ كُلِّ لَفَظَّةٍ عَلَى مَعْنَاهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بُيُوعُ الْآجَالِ يُطْلَقُ مُضَافًا، وَلَقَبُ الْأَوَّلِ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ وَمَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرُهَا سَلَمٌ فِي سَلَمِهَا الْأَوَّلِ يَجُوزُ سَلَمُ الطَّعَامِ فِي الْفُلُوسِ وَرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ الْعَيْنُ أَنَّهُ سَلَمٌ بِمَجَازِ التَّغْلِيبِ فِي سَلَمِهَا الْأَوَّلِ، مَنْ أَسْلَمَ ثَوْبًا فِي عَشَرَةِ أَرَادِبَ مِنْ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِشَهْرٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ أَجَلُهُمَا وَرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرُ الْفَاسِدِ الْعَيْنِ أَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْغَرَرِ الْأَوَّلِ مِنْهَا لَا بَأْسَ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ غَائِبَةٍ بِعَيْنِهَا بِسِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ اهـ. وَقَوْلُهُ وَمَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ غَيْرُهَا سَلَمٌ إلَى آخِرِهِ جَعَلَ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ الثَّمَنُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْنُ أَوْ غَيْرُهَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَمَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ فَهُوَ سَلَمٌ وَالْكُلُّ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ ثَمَنٌ وَأَنَّهُ مُثَمَّنٌ كَمَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَرِيءَ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَازُعِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عِيَاضٌ بُيُوعُ الْآجَالِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَا أُجِّلَ ثَمَنُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَثْمُونُ مُؤَجَّلًا وَالثَّمَنُ نَقْدًا كَالسَّلَمِ لَمْ يُطْلِقُوا عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمَ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَوَّلِ فِي الْقَضَايَا الْفِقْهِيَّةِ اهـ. وَقَوْلُهُ لَمْ يُطْلِقُوا يُرِيدُ فِي الْغَالِبِ لِمَا تَقَدَّمَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَجَلِ السَّلَمِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ فَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ يَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ. قَالَ: وَشَرْطُهُ كَالنَّقْدِ مَعَ تَعَيُّنِ الْأَجَلِ نَصَّا فَمَجْهُولُ الْأَجَلِ فَاسِدٌ وَمَعْرُوفُهُ بِالشَّخْصِ وَاضِحٌ وَبِالْعُرْفِ كَافٍ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ عَلَى التَّقَاضِي وَقَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَبَعِيدُ الْأَجَلِ مَمْنُوعٌ وَغَيْرُهُ جَائِزٌ فِي شِرَاءِ الْغَائِبِ مِنْهَا يَجُوزُ شِرَاءُ سِلْعَةٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ وَسَمِعَ أَصْبَغُ جَوَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ يَبِيعُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ قَالَ أَمَّا إلَى ثَلَاثِينَ فَلَا أَدْرِي وَلَكِنْ إلَى عَشَرَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَأَكْرَهُ إلَى عِشْرِينَ وَلَا أَفْسَخُهُ وَلَوْ كَانَ سَبْعِينَ لَفَسَخْتُهُ أَصْبَغُ لَا بَأْسَ بِهِ ابْتِدَاءً إلَى عِشْرِينَ وَقَالَ لِي إنْ وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ إلَى ثَلَاثِينَ لَمْ أَفْسَخْهُ وَكَذَا الْبَيْعُ عِنْدِي قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إلَى سَبْعِينَ الَّتِي نِصْفُهَا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَلِابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ الْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى سِتِّينَ فَسَخْتُهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ وَنَصُّهَا وَيَجُوزُ شِرَاءُ سِلْعَةٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ اهـ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ هَلْ أَرَادَ أَنَّ الثَّمَنَ مُؤَجَّلٌ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَأَنَّ السِّلْعَةَ مَنْقُودَةٌ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْمُؤَجِّلَ إلَى هَذَا الْأَجَلِ السِّلْعَةَ أَنَّهَا تُقْبَضُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ فَيَجُوزُ هَذَا بِشَرْطِ السَّلَمِ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ. اهـ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ عَلَى شُرُوطِ السَّلَمِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَقَوْلُهُ إلَى عِشْرِينَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى عِشْرِينَ وَعَلَيْهِ قَدَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ اهـ وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ الثَّانِي مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا عَلِمْت اتِّفَاقًا مُحْمَلًا فِي النِّكَاحِ يَقَعُ بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ إذَا وَقَعَ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ. (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يُفْسَخُ فِيمَا فَوْقَ

الْعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَامَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ إلَّا فِيمَا فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (وَالثَّالِثُ) لَا يُفْسَخُ إلَّا فِي الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ. (وَالرَّابِعُ) لَا يُفْسَخُ إلَّا فِي السَّبْعِينَ وَالثَّمَانِينَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ. (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَالثَّانِي) يَجُوزُ فِي السَّنَةِ وَيُكْرَهُ فِيمَا جَاوَزَ ذَلِكَ. (وَالثَّالِثُ) يُكْرَهُ فِيمَا جَاوَزَ الْأَرْبَعَ. (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ فِي الْعَشْرِ وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ فِيمَا جَاوَزَهَا. (وَالْخَامِسُ) يَجُوزُ فِي الْعِشْرِينَ ثُمَّ قَالَ وَمُسَاوَاةُ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِيمَا يُكْرَهُ فِيهِمَا مِنْ الْأَجَلِ ابْتِدَاءً وَفِيمَا لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ هُوَ الْقِيَاسُ اهـ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَيُكْرَهُ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، مِثْلُ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقَهَا قِيلَ أَتَفْسَخُهُ قَالَ لَا وَلَكِنْ مِثْلُ ثَمَانِينَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ عِشْرِينَ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مِنْ أَبْنَاءِ السِّتِّينَ أَوْ السَّبْعِينَ قَالُوا مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَلَّ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ سِتِّينَ سَنَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ إلَى عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ اهـ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ بِاعْتِبَارِ صِغَرِ الْبَائِعِ وَكِبَرِهِ عَنْ التُّونُسِيِّ فِيمَا قَيَّدَهُ هُنَا الْمَغْرِبِيُّ وَضَابِطُهُ أَنْ يَبِيعَ إلَى أَجَلٍ يَعِيشُ إلَيْهِ غَالِبًا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ مِائَةٍ أَوْ سِتِّينَ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَى عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجَلِ إلَى الْمَوْتِ. وَانْظُرْ هَلْ تَدْخُلُ السَّنَةُ الْأَخِيرَةُ أَمْ لَا بِالْخِلَافِ فِيمَنْ قَالَ إلَى رَمَضَانَ وَانْظُرْ بَقِيَّتَهُ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْبَيْعَ إلَى الْأَجَلِ الْبَعِيدِ بِالْغَرَرِ كَحُلُولِهِ بِمَوْتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا جَوَازُهُ إلَى الْعَشَرَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَفِي جَوَازِهِ إلَى الْعِشْرِينَ وَكَرَاهَتِهِ دُونَ فَسْخِ قَوْلِهَا مَعَ اخْتِيَارِ أَصْبَغَ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُفْسَخُ إلَى السَّبْعِينَ وَالسِّتِّينَ وَفِي الثَّلَاثِينَ تَوَقَّفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقِيَاسُ أَصْبَغَ عَلَى الصَّدَاقِ وَعَدَمِ الْفَسْخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا بَيْعُ سِلْعَةٍ بِثَمَنِ عَيْنٍ إلَى أَجَلٍ شُرِطَ قَبْضُهُ بِبَلَدٍ لَغْوٌ وَلِذَا إنْ لَمْ يُذْكَرْ الْأَجَلُ مَعَهُ فَسَدَ الْبَيْعُ عِيَاضٌ اتِّفَاقًا اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ أَشْتَرِي بِالْعَيْنِ لِأَقْضِيَ بِمَوْضِعِ كَذَا؛ لِأَنَّ لِي بِهِ مَالًا وَإِنَّمَا مَعِي هُنَا مَا أَتَوَصَّلُ بِهِ. وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أَقْضِي بِهِ هُنَا إلَّا دَارِي أَوْ رَبْعِي وَلَا أُحِبُّ بَيْعَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي سَعَى وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبَا أَجَلًا كَمَنْ بَاعَ عَلَى دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا بِمِائَةٍ وَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْقَبْضَ بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ لِاحْتِيَاجِهِ فِيهِ لِوَجْهِ كَذَا فَجَعَلَهَا الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ قَبُولُهَا لِخَوْفِهِ فِي وُصُولِهَا إلَى هُنَاكَ وَقَدْ شَرَطَ أَمْرًا جَائِزًا فَيُوفَى لَهُ بِهِ اهـ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيُقَيَّدُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَرَضِ كَأَخْذِهِ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ إلَّا الْعَيْنَ. (فَرْعٌ) مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَإِنَّهُ عَلَى الْحُلُولِ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى هَلَاكِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّانِي لَقَبٌ لِمُتَكَرِّرِ بَيْعِ عَاقِدَيْ الْأَوَّلِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ قَبْلَ اقْتِضَائِهِ اهـ. . وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ مُوجِبِ فَسَادَ هَذِهِ الْبُيُوعِ بِطَرِيقٍ إجْمَالِيٍّ فَقَالَ وَمُنِعَ لِلتُّهْمَةِ مَا كَثُرَ قَصْدُهُ أَيْ وَمُنِعَ كُلُّ بَيْعٍ جَائِزٍ فِي الظَّاهِرِ يُؤَدِّي إلَى مَمْنُوعٍ فِي الْبَاطِنِ لِلتُّهْمَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَايِعَانِ قَصَدَا بِالْجَائِزِ فِي الظَّاهِرِ التَّوَصُّلَ إلَى الْمَمْنُوعِ فِي الْبَاطِنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا أَدَّى إلَى مَمْنُوعٍ بَلْ إنَّمَا يُمْنَعُ مَا أَدَّى إلَى مَا كَثُرَ قَصْدُهُ لِلنَّاسِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَصْدًا فَيَكُونُ الْفَاعِلُ ضَمِيرًا مُسْتَتِرًا فِي كَثُرَ عَائِدًا إلَى مَا، وَقَصْدًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ ص (كَبَيْعٍ) وَسَلَفٍ ش: أَيْ وَالْمَمْنُوعُ الَّذِي يَكْثُرُ الْقَصْدُ إلَيْهِ وَيَتَحَيَّلُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ أَشْيَاءُ

مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْ صَرِيحِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَكَذَلِكَ مَا أَدَّى إلَيْهِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ بِمَنْعِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَابِعُوهُ وَغَيْرُهُمْ وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ نَقْدًا، وَقَاعِدَةُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ عَدُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا لَغْوًا وَكَانَ الْبَائِعُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ دِينَارٌ وَسِلْعَةٌ نَقْدًا يَأْخُذُ عَنْهَا عِنْدَ الْأَجَلِ دِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا عِوَضٌ عَنْ السِّلْعَةِ وَهُوَ بَيْعٌ وَالثَّانِي عِوَضٌ عَنْ الدِّينَارِ الْمَنْقُودِ وَهُوَ سَلَفٌ ص (وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ) ش: وَكَذَا مَا أَدَّى أَيْضًا إلَى سَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ لِلْمُسَلِّفِ بِكَسْرِ اللَّامِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا فَإِنَّ ثَوْبَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَدَفَعَ ثَمَانِيَةً يَأْخُذُ عَنْهَا بَعْدَ شَهْرٍ عَشَرَةً وَإِنَّمَا كَانَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ بِالْمَنْفَعَةِ مِمَّا يَكْثُرُ الْقَصْدُ إلَيْهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّهَا وَالْبَاءُ فِي بِمَنْفَعَةٍ بِمَعْنَى مَعَ وَأَتَى الشَّيْخُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ: كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ لِيُدْخِلَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَمْنُوعٍ يَكْثُرُ الْقَصْدُ إلَيْهِ غَيْرِ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ كَمَا لَوْ أَدَّى إلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَوْ إلَى صَرْفٍ مُسْتَأْخَرٍ أَوْ مُبَادَلَةٍ لَا تَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَايِعَانِ قَصَدَا الْمَمْنُوعَ وَتَحَيَّلَا عَلَيْهِ بِالْجَائِزِ فِي الظَّاهِرِ أَوْ لَمْ يَقْصِدَاهُ وَإِنَّمَا آلَ أَمْرُهُمَا إلَى ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُتَّهَمُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْمَدْخُولِ عَلَيْهِ اهـ إلَّا أَنَّ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ آثِمٌ آكِلُ الرِّبَا كَمَا أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ: سَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ عَنْ قَوْلِهِ: بَيْعٍ وَسَلَفٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ إنَّمَا مُنِعَ لِأَدَائِهِ إلَى السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ أَبْيَنُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالْمَظِنَّةِ فَكَانَ أَضْبَطَ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (لِأَقَلَّ كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ) ش: لَمَّا ذَكَرَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ كَثُرَ قَصْدُهُ إنَّ مَا أَدَّى إلَى مَا قَلَّ قَصْدُهُ لَا يُمْنَعُ وَكَانَ ذَلِكَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَمُنْقَسِمًا إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَضْعَفُ مِنْ الْآخَرِ وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَاحِدًا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَقَلَّ أَيْ الْقَصْدُ إلَيْهِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إلَيْهِ بَعِيدًا جِدًّا أَوْ لَا يَكُونُ بَعِيدًا جِدًّا بَلْ يَكْفِي أَنْ يُقْصَدَ فَالثَّانِي الْمُؤَدِّي إلَى ضَمَانٍ بِجُعْلٍ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبَيْنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ ثَوْبًا بِالْعَشَرَةِ فَآلَ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ ثَوْبَيْنِ لِيَضْمَنَ لَهُ أَحَدُهُمَا إلَى أَجَلٍ وَيَكُونُ الثَّانِي جُعْلًا لَهُ عَلَى الضَّمَانِ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَشْهِيرٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ لِبُعْدِهِ وَاقْتَصَرَ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الضَّمَانَ وَالْقَرْضَ وَالْجَاهَ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ سُحْتٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ يَنْبَغِي أَنَّ الْخِلَافَ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَمَتَى ظَهَرَ الْقَصْدُ مُنِعَ وَمَتَى لَمْ يَظْهَرْ جَازَ اهـ بِالْمَعْنَى وَمَا قَالَهُ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ ذَلِكَ لِأَجْلِ حُصُولِ خَوْفٍ أَوْ غَرَرِ طَرِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُكَ) ش: أَيْ وَمِنْ الْمَمْنُوعِ الَّذِي يُبْعِدُ الْقَصْدَ إلَيْهِ جِدًّا أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُكَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ وَضَمِّ هَمْزَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ مِنْهُ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٌ بَعْدَ الْوَاوِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ وَمِثَالُ مَا أَدَّى إلَى أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُكَ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِدِينَارٍ إلَى شَهْرَيْنِ فَالسِّلْعَةُ قَدْ رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا وَدَفَعَ الْآنَ دِينَارًا وَيَأْخُذُ بَعْدَ شَهْرٍ دِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا عِوَضٌ بِمَا كَانَ أَعْطَاهُ، وَالثَّانِي كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ لِيَرُدَّهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَالْمَشْهُورُ إلْغَاءُ هَذَا وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَالشَّاذُّ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ اعْتِبَارُهُ وَالْمَنْعُ مِمَّا أَدَّى إلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُسْلِفَ الْإِنْسَانُ شَخْصًا لِيُسْلِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَضْعَفَ مِمَّا قَبْلَهُ قَالَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ طَلَبُ

الْمُكَافَأَةِ عَلَى السَّلَفِ بِالسَّلَفِ وَأَحْبَبْتُ بِأَنَّ الْمُسْتَبْعَدَ إنَّمَا هُوَ الدُّخُولُ عَلَى أَنْ يُسْلِفَهُ الْآنَ لِيُسْلِفَهُ بَعْدَ شَهْرٍ إذْ النَّاسُ إنَّمَا يَقْصِدُونَ السَّلَفَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَدْخَلَ الشَّيْخُ الْكَافَ فِي قَوْلِهِ كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ لِيُدْخِلَ مَا أَشْبَهَهُ فِي الْبُعْدِ كَبَيْعِ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ مُؤَخَّرَةً مِنْ جِنْسِهَا إذَا كَانَتْ الْأُولَى أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يُبْعِدُ الْقَصْدَ إلَى دَفْعِ كَثِيرٍ لِيَأْخُذَ عَنْهُ قَلِيلًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي ص (فَمَنْ بَاعَ لَأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ ثَمَنِهِ مِنْ عَيْنٍ وَطَعَامٍ وَعَرْضٍ فَإِمَّا نَقْدًا أَوْ لِلْأَجَلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهِيَ مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ) ش لَمَّا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوجِبَ فَسَادِ هَذِهِ الْبُيُوعِ بِالْإِجْمَالِ شَرَعَ يَذْكُرُ الْمَمْنُوعَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ الْمَمْنُوعِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَلِذَا أَتَى بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ بَاعَ لِأَجَلٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ لِأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَائِعُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَسَوَاءٌ غَابَ عَلَيْهِ مُشْتَرِيهِ أَمْ لَمْ يَغِبْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ ثَمَنِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَسَيَأْتِي وَيُرِيدُ وَبِنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. وَقَوْلُهُ مِنْ عَيْنٍ وَطَعَامٍ وَعَرْضٍ بَيَانٌ لِلثَّمَنِ الْمَبِيعِ بِهِ وَالْمُشْتَرَى بِهِ وَالْقَصْدُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الَّتِي يَذْكُرُهَا هِيَ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا إذَا بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ مِنْ نَوْعِهَا وَسِكَّتِهَا أَوْ بَاعَهُ بِذَهَبٍ وَاشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ مِنْ نَوْعِهِ وَسِكَّتِهِ أَوْ بَاعَهُ بِطَعَامٍ وَاشْتَرَاهُ بِطَعَامٍ مِنْ صِنْفِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ بَاعَهُ بِعَرْضٍ وَاشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ بِصِفَتِهِ فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بَائِعُهُ الْأَوَّلُ نَقْدًا أَوْ اشْتَرَاهُ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ لِأَجَلٍ أَقَلَّ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ اشْتَرَاهُ لِأَجَلٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَفِي كُلِّ صُورَةٍ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ فَاضْرِبْ ثَلَاثًا فِي أَرْبَعٍ يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ صُورَةً يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَيَجُوزُ تِسْعٌ وَالْجَائِزَةُ مَا لَمْ يُعَجَّلْ فِيهِ الْأَقَلُّ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ هَذِهِ أَرْبَعٌ وَاشْتَرَاهُ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْمُقَاصَّةِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ اشْتَرَاهُ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ وَالْمَمْنُوعَةُ هَلْ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ وَبِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ يُرِيدُ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُقَاصَّةَ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُعَجَّلُ لِلْأَقَلِّ فِي الْأُولَيَيْنِ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَفِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْبَائِعُ الثَّانِي وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عُجِّلَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالتُّهْمَةُ فِي ذَلِكَ الْخَوْفُ مِنْ سَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ اعْتِبَارُ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَمَا عَادَ إلَيْهَا فَإِنْ جَازَ التَّعَامُلَ عَلَيْهِ مَضَى وَإِلَّا بَطَلَ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا مَثَلًا أَوْ غَيْرَهُ فَاجْعَلْهُ مَلْغِيًّا كَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ عَقْدٌ وَلَا وَقَعَ فِيهِ مِلْكٌ وَاعْتُبِرَ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ خُرُوجًا مُسْتَقِرًّا انْتَقَلَ الْمِلْكُ بِهِ وَمَا عَادَ إلَيْهَا وَقَابِلْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ. فَإِنْ وَجَدْتَ فِي ذَلِكَ وَجْهًا مُحَرَّمًا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُمَا عُقِدَا عَلَيْهِ لَفَسَخْتُ عَقْدَهُمَا فَامْنَعْ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ حِمَايَةِ الذَّرَائِعِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَخَّرْتَ الْبِيَاعَات ثُمَّ تَنْهَمُّ مَعَ إظْهَارِ الْقَصْدِ إلَى الْمُبَاحِ وَتَمْنَعُ وَإِنْ ظَهَرَ الْقَصْدُ إلَيْهِ حِمَايَةَ أَنْ يَتَوَصَّلَا أَوْ غَيْرَهُمَا إلَى الْحَرَامِ وَيُرِيدُ مَا لَمْ تَبْعُدْ التُّهْمَةُ جِدًّا فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا أَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ بِأَقَلَّ لَا أَبْعَدَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِفَ لِشَخْصٍ اثْنَيْ عَشَرَ لِيَأْخُذَ عَنْهَا عَشَرَةً؛ لِأَنَّ

أَمْرَهَا صَارَ إلَى السَّلَفِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ إلَى هَذَا أَعْنِي دَفْعَ الْكَثِيرِ لِيَأْخُذَ عَنْهَا قَلِيلًا بَعِيدًا لَمْ يُتَّهَمَا عَلَى ذَلِكَ وَحُمِلَ أَمْرُهُمَا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ صُورَةِ الْبَيْعِ الْجَائِزِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُنَا شَيْئًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ لِلْأَجَلِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى نَقْدًا وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ الْأُولَى نَقْدًا وَالثَّانِيَةُ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنْ كَانَتَا نَقْدًا حُمِلَ أَمْرُهُمَا عَلَى الْجَوَازِ وَلَا يُتَّهَمَانِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَيُتَّهَمَانِ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَاهُ لِظَاهِرٍ نَقَلَ الْمَازِرِيُّ وَعِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَذَكَرَ اللَّخْمِيّ عَنْ أَصْبَغَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُعَامِلُهُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ أَنْ لَا يَكُونَ الثَّانِي مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عَامَلَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ قَالَ وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ مُحْرِزٍ قَوْلَ أَصْبَغَ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ لَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فَإِنْ كَانَتَا مُؤَجَّلَتَيْنِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فَيُتَّهَمُ سَائِرُ النَّاسِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى مُؤَجَّلَةً فَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ حُكْمُهُمَا حُكْمُ مَا إذَا كَانَتَا مُؤَجَّلَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا وَالثَّانِيَةُ لِأَجَلٍ فَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ قَوْلَيْنِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ إلَّا أَهْلُ الْعِينَةِ وَالشَّاذُّ اتِّهَامُ سَائِرِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا لَمْ يُتَّهَمْ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَهْلُ الْعِينَةِ فِيهِمَا وَقِيلَ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَشَرَحَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَمَّا إذَا كَانَا مَعًا نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمُ إلَّا أَهْلُ الْعِينَةِ بِاتِّفَاقٍ، وَقَوْلُهُ فِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتَّهَمْ إلَّا أَهْلُ الْعِينَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ أَهْلِهِمَا وَقَدْ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ لِمُحَمَّدٍ ثُمَّ ذَكَرَ تَوْجِيهَ اللَّخْمِيِّ وَتَقْيِيدَهُ إيَّاهُ فَظَاهِرُهُ تَضْعِيفِ قَوْلِ أَصْبَغَ مَعَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ وَغَيْرَهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَوْلُنَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَائِعُهُ يُرِيدُ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا وَاشْتَرَاهَا لَهُ بِأَقَلَّ لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ اهـ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِأَنَّ السِّلْعَةَ بَاعَهَا مُوَكِّلُهُ أَمْ لَا سَوَاءٌ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ بِعْتَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا عَبْدُكَ الْمَأْذُونُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا إنْ كَانَ يَتَّجِرُ لَكَ وَإِنْ اتَّجَرَ بِمَالٍ لِنَفْسِهِ فَجَائِزٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ عَبْدُكَ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يُعْجِبْنِي أَنْ تَبْتَاعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَتَّجِرُ لَكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ هُنَا لَمْ يُعْجِبْنِي مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَإِنَّمَا قَالَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا عَبْدُكَ الْمَأْذُونُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ اهـ. (الرَّابِعُ) يُكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ لِأَبِيهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ وَكَّلَهُ عَلَى شِرَائِهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي شِرَاءِ السَّيِّدِ لِمَا بَاعَهُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ أَوْ شِرَائِهِ الْمَأْذُونِ لِمَا بَاعَهُ سَيِّدُهُ إذَا اتَّجَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا الْبَائِعُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا أَكْرَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَوْ نَزَلَ لَمْ أَفْسَخْهُ اهـ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَبْتَاعَهَا لِابْنِكَ الصَّغِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ وَكَّلَكَ عَلَى رَجُلٍ بِأَقَلَّ لَمْ يُعْجِبْنِي قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ لَمْ يُعْجِبْنِي فِيهِمَا عَلَى بَابِهَا وَقَوْلُ أَشْهَبَ وِفَاقٌ وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْمَنْعِ اهـ، وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَإِذَا بَاعَ الْمُقَارَضُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، انْتَهَى مِنْ تَرْجَمَةِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مَنْ هُوَ بِسَبَبِهِ. (الْخَامِسُ) قَوْلُنَا غَابَ عَلَيْهِ مُشْتَرِيهَا أَوْ لَمْ يَغِبْ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْحُكْمُ

بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ عَنْ الدِّمْيَاطِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ مَاتَ مُبْتَاعُهَا إلَى أَجَلٍ قَبْلَهُ جَازَ لِلْبَائِعِ شِرَاؤُهَا مِنْ وَارِثِهِ بِحُلُولِ الْأَجَلِ بِمَوْتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ لِوَارِثِهِ إلَّا مَا جَازَ لَهُ مِنْ شِرَائِهَا اهـ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَيَانِ فِي الرَّسْمِ الْآتِي ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ السَّابِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَوْلُنَا مِنْ مُشْتَرِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي لِثَالِثٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّالِثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ ابْتَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْمَجْلِسِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ ابْتَاعَهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيُمْنَعُ قَالَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِمَّنْ يَبِيعُ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا قَبَضَهَا مِنْهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَرَجُلٍ حَاضِرٍ كَانَ قَاعِدًا مَعَهُمَا فَبَاعَهَا مِنْهُ ثُمَّ إنَّ الَّذِي بَاعَهَا لِلْأَوَّلِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَ لَا خَيْرَ فِي هَذَا وَأَرَاهُ كَأَنَّهُ مُحَلِّلٌ بَيْنَهُمَا وَقَالَ إنَّمَا يُرِيدُونَ إجَازَةَ الْمَكْرُوهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ وَقَالَ هَذَا مِمَّا يُضْرَبُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَرَى أَنْ يُزْجَرَ عَنْهُ وَأَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ فَعَلَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَأَيْتُهَا عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الْمَكْرُوهِ الْبَيِّنِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى طَرْدِ الْقِيَاسِ فِي الْحُكْمِ بِالْمَنْعِ مِنْ الذَّرَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اُتُّهِمَا عَلَى أَنْ يُظْهِرَا إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بَاعَ سِلْعَةً مِنْ صَاحِبِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى اسْتِبَاحَةِ دَفْعِ عَشَرَةٍ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ وَجَبَ أَنْ يُتَّهَمَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اشْتَرَاهَا الَّذِي بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا إنَّمَا أَدْخَلَا هَذَا الرَّجُلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِبُعْدِ التُّهْمَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَلَا تَبْعُدُ عَنْهُمَا بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحَيُّلَ بِهِ يُمْكِنُ بِأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ مِثْلَهُمَا فِي قِلَّةِ الرَّغْبَةِ تَعَالَ فَاشْتَرِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ هَذِهِ السِّلْعَةَ الَّتِي يَبِيعُهَا مِنْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنْكَ بِذَلِكَ أَوْ بِرِبْحِ دِينَارٍ فَتَدْفَعُ إلَيْهِ الْعَشَرَةَ الَّتِي تَأْخُذُ مِنِّي وَلَا نَزْنِ مِنْ عِنْدِكَ شَيْئًا فَيَكُونُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا قَدْ رَجَعْتَ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ سِلْعَتَهُ وَدَفَعَ إلَى الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يَأْخُذُ بِهَا مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ وَيَكُونُ إنْ كَانَ ابْتَاعَهَا مِنْ الثَّانِي بِرِبْحِ دِينَارٍ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ قَدْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ الدِّينَارَ ثَمَنًا لِمَعُونَتِهِ إيَّاهُ عَلَى الرِّبَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ ابْتَاعَهَا لِأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثَالِثٌ بِالْمَجْلِسِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ ابْتَاعَهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مُنِعَ اهـ ص (وَكَذَا لَوْ أَجَّلَ بَعْضَهُ مُمْتَنِعٌ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ أَوْ بَعْضُهُ) ش: الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ بَعْضٌ عَائِدٌ عَلَى الثَّمَنِ الثَّانِي يَعْنِي فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي بَعْضُهُ نَقْدًا أَوْ بَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَتُرَدُّ الْقِسْمَةُ إلَى الْمُؤَجَّلِ فَيُقَالُ إمَّا أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالثَّمَنُ الثَّانِي جَمِيعُهُ إمَّا مُسَاوٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ وَانْتَفَتْ صُوَرُ النَّقْدِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ مُؤَجَّلٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَجَّلًا وَبَيَّنَ الْمُمْتَنِعَ مِنْ هَذِهِ التِّسْعِ بِقَوْلِهِ مُمْتَنِعٌ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ أَوْ بَعْضُهُ فَقَوْلُهُ مُمْتَنِعٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا تَعَجَّلَ فِيهِ مُبْتَدَأٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُمْتَنِعٌ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ فَاعِلٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الِاعْتِمَادَ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَهِيَ الْمَمْنُوعَةُ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَيْ تِسْعَةٍ فَأَقَلَّ عَجَّلَ مِنْهَا خَمْسَةً مَثَلًا وَأَخَّرَ أَرْبَعَةً سَوَاءٌ أَخَّرَهَا إلَى دُونِ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ أَوْ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَعَجَّلَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَأَخَّرَ بَعْضَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِتِسْعَةٍ وَعَجَّلَ مِنْهَا خَمْسَةً فَأَجَّلَ الْأَرْبَعَةَ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ ثَوْبَهُ قَدْ رَجَعَ إلَيْهِ وَدَفَعَ الْآنَ خَمْسَةً وَبَعْدَ أَشْهُرٍ أَرْبَعَةً يَأْخُذُ عَنْهَا عَشَرَةً عِنْدَ تَمَامٍ الشَّهْرِ

الثَّانِي وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ تَعَجَّلَ فِيهَا كُلُّ الْأَقَلِّ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ مُؤَجَّلَةً إلَى الشَّهْرِ الثَّانِي نَفْسِهِ؛ فَلِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ الْعَشَرَةِ قَدْرُهَا لِأَجَلِ الْمُقَاصَّةِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ دَفَعَ الْآنَ خَمْسَةً يَأْخُذُ عَنْهَا بَعْدَ شَهْرٍ سِتَّةً وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ مُؤَخَّرَةً إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الْعَشَرَةِ قَدْرُهَا وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ دَفَعَ خَمْسَةً الْآنَ يَأْخُذُ عَنْهَا بَعْدَ شَهْرٍ سِتَّةً وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ تَعَجَّلَ فِيهِمَا بَعْضُ الْأَقَلِّ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَكَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ عَجَّلَ مِنْهَا خَمْسَةً وَأَجَّلَ السَّبْعَةَ إلَى شَهْرَيْنِ فَإِنَّ الثَّوْبَ قَدْ رَجَعَ إلَيْهِ وَدَفَعَ الْآنَ خَمْسَةً يَأْخُذُ عَنْهَا مِثْلَهَا عِنْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَيَدْفَعُ لَهُ الْمُشْتَرِي خَمْسَةً أُخْرَى حِينَئِذٍ يُعْطِيهِ الْبَائِعُ عِوَضًا عَنْهَا بَعْدَ الشَّهْرِ سَبْعَةً وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ تَعَجَّلَ فِيهَا كُلُّ الْأَقَلِّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَعْضُهُ لِلتَّنْوِيعِ بِتَعْجِيلِ الْأَقَلِّ جَمِيعِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ وَتَعْجِيلِ بَعْضِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَبَقِيَّةِ الصُّوَرِ وَهِيَ خَمْسَةٌ جَائِزَةٌ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ عَجَّلَ بَعْضَهَا وَأَجَّلَ الْبَعْضَ الْآخَرَ إلَى الْأَجَلِ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ أَوْ اشْتَرَاهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ وَعَجَّلَ بَعْضَهَا وَأَجَّلَ الْبَعْضَ الثَّانِيَ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ وَمَنَعَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ الْخَمْسِ الْجَائِزَةِ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ عَجَّلَ مِنْهَا خَمْسَةً وَأَخَّرَ الْخَمْسَةَ الْأُخْرَى إلَى شَهْرٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُكَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ سَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ خَمْسَةً الْآنَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْدَ شَهْرٍ عَشَرَةً خَمْسَةً قَضَاءً وَيُسَلِّفَهُ خَمْسَةً الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفُكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَتَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ إنْ شَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَلِذَلِكَ صَحَّ فِي أَكْثَرَ لِأَبْعَدَ إذَا شَرَطَاهَا) ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ لِيُدْخِلَ فِيهِ مَا أَشْبَهَهُ كَالدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ التُّهْمَةَ عَلَى ذَلِكَ مُعْتَبَرَةٌ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ مُنِعَ مَا أَصْلُهُ الْجَوَازُ وَهِيَ مَا إذَا تَسَاوَى الْأَجَلَانِ إذَا اشْتَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ عِمَارَةِ الذِّمَّتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مُسَاوِيًا لِلثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ شَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا نَفْيَهَا جَازَ سَوَاءٌ شَرْطَاهَا أَوْ سَكَتَا عَنْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهَا، وَوُجُوبُ الْمُقَاصَّةِ يَنْفِي التُّهْمَةَ قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إذَا اشْتَرَطَا الْمُقَاصَّةَ جَازَتْ الصُّوَرُ كُلُّهَا يَعْنِي الِاثْنَيْ عَشَرَ صُورَةً لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ اهـ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِأَجْلِ اعْتِبَارِ هَذِهِ التُّهْمَةِ جَازَ مَا أَصْلُهُ الْمَنْعُ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ إذَا شَرَطَا الْمُقَاصَّةَ لِلسَّلَامَةِ حِينَئِذٍ مِنْ دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ وَالضَّمِيرُ فِي شَرَطَاهَا لِلْمُقَاصَّةِ ص (وَالرَّدَاءَةُ وَالْجَوْدَةُ كَالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ) ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا اتَّحَدَا الثَّمَنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ يَتَّحِدَا فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالسِّكَّةِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ فَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ السَّابِقَ يَجْرِي هُنَا وَأَنَّ الرَّدَاءَةَ كَالْقِلَّةِ وَالْجَوْدَةَ كَالْكَثْرَةِ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَيَأْتِي هُنَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ جَيِّدَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِرَدِيئَةٍ كَانَ فِي ذَلِكَ الِاثْنَا عَشَرَ صُورَةً الْمُتَقَدِّمَةَ وَكَذَلِكَ فِي الْعَكْسِ أَعْنِي إذَا بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ رَدِيئَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِجَيِّدَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْهَا مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ وَالْأَدْنَى، كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي بَعْضِهَا فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ امْتَنَعَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: النُّسْخَةُ الْأُولَى أَوْلَى لِاقْتِضَاءِ هَذِهِ الْمَنْعَ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ نَقْدًا اهـ، وَقَوْلُهُ

يَمْتَنِعُ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ وَالْأَدْنَى يَقْتَضِي أَنَّ مَا انْتَفَى مِنْهُ الْأَمْرَانِ يَجُوزُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ السِّكَّةِ الْآتِيَةِ أَنَّ مَسَائِلَ الْأَجَلِ الثَّمَانِيَةَ عَشْرَ كُلَّهَا مُمْتَنِعَةٌ لِاشْتِغَالِ الذِّمَّتَيْنِ فَيُؤَدِّي لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ حِينَئِذٍ بِالْمُقَاصَّةِ وَأَمَّا مَسَائِلُ النَّقْدِ السِّتِّ فَيَجُوزُ مِنْهَا صُورَتَانِ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِهَا أَجْوَدُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي بَاعَ بِهَا وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ مُمْتَنِعَةٌ بِقَوْلِهِ يَمْتَنِعُ مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ وَالْأَرْدَأُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا أَرْدَأَ مِنْ الَّتِي بَاعَ بِهَا امْتَنَعَ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ أَعْنِي سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَإِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا أَجْوَدُ امْتَنَعَ مِنْهَا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُنِعَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا) ش: لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَا إذَا اتَّفَقَ الْمِثْلَانِ فِي النَّوْعِ ذَكَرَ مِنْهَا حُكْمَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ كَمَا إذَا بَاعَ سِلْعَتَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ تَأَخَّرَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا؛ لِأَنَّ سِلْعَتَهُ رَجَعَتْ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي نَقْدًا فَقَدْ تَأَخَّرَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَقَدْ تَأَخَّرَ النَّقْدَانِ مَعًا وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ الْبَعْضَ وَأَخَّرَ الْبَعْضَ الْآخَرَ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مَا إذَا كَانَ الْمُعَجَّلُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا لِبُعْدِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ عَلَى الصَّرْفِ الْمُتَأَخِّرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ بِعْتَهُ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا إلَى شَهْرٍ يَعْنِي الثَّوْبَ فَلَا تَبْتَعْهُ بِدِينَارٍ نَقْدًا فَيَصِيرُ صَرْفًا مُؤَخَّرًا وَلَوْ ابْتَعْتُهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا جَازَ لِبُعْدِكُمَا مِنْ التُّهْمَةِ وَإِنْ بِعْتَهُ بِأَرْبَعِينَ إلَى شَهْرٍ جَازَ أَنْ تَبْتَاعَهُ بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ لِبَيَانِ فَضْلِهَا وَلَا يُعْجِبُنِي بِدِينَارَيْنِ وَإِنْ سَاوَيَاهَا فِي الصَّرْفِ، انْتَهَى. وَمَنَعَ أَشْهَبُ ذَلِكَ مُطْلَقًا مُبَالَغَةً لِلِاحْتِيَاطِ لِلصَّرْفِ وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا سَاوَى الْمُعَجَّلُ قِيمَةَ الْمُؤَخَّرِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ تَحْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ إنْ كَانَ النَّقْدَانِ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَكَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا وَالنَّقْدُ أَقَلَّ مِنْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَقَوْلَانِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ كَانَ مِثْلَ الْمُؤَخَّرِ أَوْ أَكْثَرَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ إنْ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ جَازَ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ التُّهْمَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَبْعُدَانِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَبِعَشَرَةٍ، انْتَهَى. (قُلْتُ) بَلْ وَبِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَقَوْلُهُ لِبَيَانِ فَضْلِهَا؛ لِأَنَّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا صَرْفُ دِينَارَيْنِ وَيَبْقَى دِينَارٌ وَهَذَا عَلَى مَا جَرَّتْ بِهِ عَادَتُهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ صَرْفَ الدِّينَارِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا. ص (وَبِسِكَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ كَشِرَائِهِ لِأَجَلٍ بِمُحَمَّدِيَّةٍ مَا بَاعَ بِيَزِيدِيَّةٍ) ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَلَامَ أَوَّلًا فِيمَا إذَا اتَّفَقَ الثَّمَنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي السِّكَّةِ فَذَكَرَ أَنَّهُ إنْ تَأَجَّلَ الثَّمَنَانِ مُنِعَ مُطْلَقًا وَذَلِكَ شَامِلٌ لِثَمَانِ عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ إمَّا مُؤَجَّلٌ لِأَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَبْعَدَ إمَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثٍ فِي ثَلَاثٍ بِتِسْعٍ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ الثَّانِيَةُ أَجْوَدَ مِنْ الْأُولَى أَوْ أَرْدَأَ ثُمَّ مَثَّلَ بِصُورَةٍ مِنْ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ فِيهَا الْجَوَازُ مِنْ وَجْهَيْنِ بَلْ مِنْ ثَلَاثٍ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُ السِّلْعَةَ مَثَلًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يَزِيدِيَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ فَيُتَوَهَّمُ الْجَوَازُ فِيهِ مِنْ اتِّفَاقِ الثَّمَنَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَفِي الْأَجَلِ وَمِنْ كَوْنِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَجْوَدَ مِنْ الْيَزِيدِيَّةِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ عَكْسُ مَا فَرَضَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذْ قَالَ وَإِنْ بِعْتَ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُحَمَّدِيَّةٍ إلَى شَهْرٍ فَلَا تَبْتَعْهُ بِعَشَرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ، كَذَا اخْتَصَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ زَادَ ابْنُ يُونُسَ لِرُجُوعِ ثَوْبِكَ وَكَأَنَّكَ بِعْتَ يَزِيدِيَّةً لِمُحَمَّدِيَّةٍ إلَى الْأَجَلِ إنَّمَا قَصْدَ الْمُصَنِّفُ الْعَكْسَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَبَيَّنَ مُخْتَارَهُ مِنْ

الْخِلَافِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ فِي كَوْنِ عِلَّةِ مَنْعِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ اشْتِغَالَ الذِّمَّتَيْنِ بِسِكَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ لِأَنَّ الْيَزِيدِيَّةَ دُونَ الْمُحَمَّدِيَّةِ طَرِيقَيْنِ لِلْأَشْيَاخِ وَعَلَيْهِمَا مُنِعَ عَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَجَوَازُهُ وَعَزَا ابْنُ مُحْرِزٍ الْأُولَى لِأَكْثَرَ الْمُذَاكِرِينَ وَالثَّانِيَةَ لِبَعْضِهِمْ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّتَيْنِ لَا لِأَنَّ الْيَزِيدِيَّةَ دُونَ الْمُحَمَّدِيَّةِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَسَاوَى الْأَجَلَانِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا لَكِنْ تَقَدَّمَ إنَّهُمَا إذَا اشْتَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ مُنِعَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَاخْتِلَافُ السِّكَّتَيْنِ كَاشْتِرَاطِ نَفْيِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إلَى أَجَلٍ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا نَقْدًا جَازَ وَفِي ذَلِكَ سِتُّ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ بِمِثْلِ عَدَدِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ إمَّا أَجْوَدُ سِكَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ أَجْوَدَ سِكَّةً فَيُمْتَنَعُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ كَالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَجْوَدَ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ عَدَدِ الْأَوَّلِ فَيُمْتَنَعُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مِثْلَ عَدَدِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ فَالْجَائِزُ مِنْ مَسَائِلِ النَّقْدِ السِّتِّ ثِنْتَانِ فَقَطْ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِسِكَّةٍ أَجْوَدَ وَكَانَ عَدَدُ الدَّرَاهِمِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ عَدَدِ الْأُولَى أَوْ أَكْثَرَ وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ وَابْنَ يُونُسَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ ثَمَنَهُ جَازَتْ ثَلَاثَةُ النَّقْدِ فَقَطْ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَوَّلًا اخْتِلَافَ نَوْعَيْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً ذَكَرَ هُنَا اخْتِلَافَ جِنْسِهِمَا وَذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ نَقْدًا وَالْآخَرُ عَرْضًا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَرْضٌ لَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ ظَاهِرٌ فَرَاجِعْهُ وَرَأَيْتُ بِخَطِّ الْقَاضِي عَبْدِ الْقَادِرِ الْأَنْصَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حَاشِيَةِ التَّوْضِيحِ لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَا أَيْ الْعَرْضَانِ نَوْعَيْنِ جَازَتْ الصُّوَرُ كُلُّهَا إذْ لَا رِبَا فِي الْعُرُوضِ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مُرَادُهُ بِالصُّوَرِ كُلِّهَا صُوَرُ النَّقْدِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا صُوَرُ الْأَجَلِ التِّسْعُ فَمُمْتَنِعَةٌ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ اهـ، قَالَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ قَالَ شَيْخُنَا الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُرَادُهُ الِاثْنَا عَشَرَ وَلَا أُسَلِّمُ لَهُمْ مَا قَالُوا اهـ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ لِلْبِسَاطِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ سَمِعَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ غَازِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمِثْلِيُّ صِفَةً وَقَدْرًا كَمِثْلِهِ فَيُمْنَعُ مَا قَلَّ لِأَجَلِهِ أَوْ أَبْعَدَ إنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ بِهِ) ش: قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ أَوَّلًا فِيمَا إذَا بَاعَ شَيْئًا يُعْرَفُ

بِعَيْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَتَكَلَّمَ الْآنَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَذَكَرَ أَنَّ مِثْلَهُ فِي الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي مِثْلَ ذَلِكَ الْمِثْلِيِّ فِي الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَهُ فَيُمْتَنَعُ فِي ذَلِكَ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ الْمُتَقَدَّمَةُ وَصُورَتَانِ أُخْرَيَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ فَيُمْتَنَعُ بِأَقَلَّ لِأَجَلِهِ أَوْ أَبْعَدَ وَلِذَلِكَ كَانَتْ الْوَاوُ أَنْسَبَ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَإِنَّ الشَّرْطَ مُخْتَصٌّ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُمْ يَعُدُّونَ الْغَيْبَةَ عَلَى الْمِثْلِيِّ سَلَفًا فَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ أَسْلَفَ الْمُشْتَرِيَ إرْدَبًّا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا بَعْدَ شَهْرٍ وَيُقَاصَّهُ بِالدِّينَارِ عِنْدَ الْأَجَلِ اهـ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بَاعَ إرْدَبًّا بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِدِينَارٍ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ يُرِيدُ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُقَالُ إذَا غَابَ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَقَدْ انْتَفَعَ بِهِ وَالسَّلَفُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ رَدُّ الْمِثْلِ بَلْ يَجُوزُ فِيهِ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْمِثْلِ فَلِمَ لَا يَعُدُّونَهُ سَلَفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا رَجَعَتْ الْعَيْنُ فَكَأَنَّهُمَا اشْتَرَطَا ذَلِكَ فَخَرَجَا عَنْ حَقِيقَةِ السَّلَفِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ صِفَةً وَقَدْرًا أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْقَدْرِ لَكَانَ الْحُكْمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا إذَا خَالَفَهُ فِي الصِّفَةِ فَسَيُصَرِّحُ بِحُكْمِهِ فِي قَوْلِهِ وَهَلْ غَيْرُ صِنْفِ طَعَامِهِ إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا إذَا خَالَفَهُ فِي الْقَدْرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ أَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ اشْتَرَى أَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا بَاعَ سِلْعَتَيْنِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّهُ يُمْتَنَعُ فِيهَا خَمْسُ صُوَرٍ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى أَحَدٌ السِّلْعَتَيْنِ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ سَوَاءٌ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمِثْلِيِّ مِنْ زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَتَمْتَنِعُ الْخَمْسُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَأَمَّا إنْ غَابَ عَلَيْهِ فَتَمْتَنِعُ فِيهِ صُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ إلَى مِثْلِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّ مَا رَجَعَ لِلْبَائِعِ فَهُوَ سَلَفٌ وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَاصَّهُ الْمُشْتَرِي بِمَا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا بَقِيَ ثَمَنًا لِلْمُتَأَخِّرِ وَاخْتُلِفَ فِي صُورَةٍ سَابِعَةٍ وَهِيَ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ مُقَاصَّةً فَإِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِيهَا وَاضْطَرَبَ فِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ اشْتَرَى أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مَعَ سِلْعَةٍ أُخْرَى وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِيهَا سَبْعُ صُوَرٍ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ سَوَاءٌ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ أَمَّا إذَا كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ؛ فَلِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ؛ فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا لِأَبْعَدَ بِأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمِثْلِيِّ مِنْ تَفْصِيلٍ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْغَيْبَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَلَيْهِ فَتَمْتَنِعُ الصُّوَرُ كُلُّهَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ إمَّا لِسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا وَإِمَّا لِلْبَيْعِ وَالسَّلَفِ. ص (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدٌ ثَوْبَيْهِ لِأَبْعَدَ مُطْلَقًا أَوْ أَقَلَّ نَقْدًا امْتَنَعَ لَا بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَوْبَيْنِ مَثَلًا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ كَأَنْ يَشْتَرِيَهُ لِشَهْرَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ بِأَكْثَرَ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ؛ فَلِأَنَّ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ قَدْ رَجَعَ إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ ثَوْبًا لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ بَعْدَ شَهْرٍ عَشَرَةً يَرُدُّهَا إلَيْهِ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَذَلِكَ سَلَفٌ يَجُرُّ نَفْعًا وَإِذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ فَذَلِكَ وَاضِحٌ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ فَفِيهِ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ مَثَلًا إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَالْعَشَرَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا فِي الْأَجَلِ بَعْضُهَا ثَمَنٌ

لِلثَّوْبِ وَبَعْضُهَا سَلَفٌ يَرُدُّهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَقَوْلُهُ أَوْ أَقَلَّ أَيْ وَكَذَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَهُمَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ نَقْدًا لِلْبَيْعِ وَالسَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ رَجَعَ إلَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ يَدِهِ ثَوْبٌ وَدَرَاهِمُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ يَأْخُذُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ شَهْرٍ عَشَرَةً مَعًا فَمَا يُقَابِلُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي دَفَعَهَا سَلَفًا وَالْبَاقِي ثَمَنٌ، كَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النَّقْدَ عَلَى الصُّورَتَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّمَا تَظْهَرُ هَذِهِ التُّهْمَةُ إذَا كَانَ الثَّوْبُ الْبَاقِي قِيمَةَ قَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمُعَجَّلَةِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالتُّهْمَةُ بَعِيدَةٌ وَيَنْبَغِي عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ إذَا اتَّضَحَ ارْتِفَاعُ التُّهْمَةِ كَمَا أَجَازَ فِي الصَّرْفِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُعَجَّلِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا وَقَوْلُهُ لَا بِمِثْلِهِ وَأَكْثَرَ أَيْ لَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إمَّا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ وَبَقِيَ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّلَاثِ الَّتِي لِلْأَجَلِ وَسَكَتَ عَنْهَا لِوُضُوحِ جَوَازِهَا ص (وَامْتَنَعَ بِغَيْرِ صِنْفِ ثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْمُعَجَّلُ) ش: مُرَادُهُ بِغَيْرِ الصِّنْفِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ ذَهَبًا وَالثَّانِي فِضَّةً أَوْ الْأَوَّلُ مُحَمَّدِيَّةً وَالثَّانِي يَزِيدِيَّةً فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ رَجَّعَ إلَيْهِ أَحَدُ ثَوْبَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ يَدِهِ ثَوْبٌ وَذَهَبٌ يَأْخُذُ عَنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ فِضَّةً أَوْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ ثَوْبٌ مُحَمَّدِيَّةٌ يَأْخُذُ عَنْهَا عِنْدَ الْأَجَلِ يَزِيدِيَّةً وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا نَقْدًا أَوْ إلَى دُونِ الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ النَّقْدُ الْمُعَجَّلُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُؤَجَّلِ جِدًّا وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ. ص (وَلَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ سِلْعَةٍ نَقْدًا مُطْلَقًا أَوْ لِأَبْعَدَ بِأَكْثَرَ) ش: يَعْنِي إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ ثَوْبٍ آخَرَ نَقْدًا امْتَنَعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ ثَوْبَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ يَدِهِ عَشَرَةٌ مَثَلًا أَخَذَ عَنْهَا ثَوْبًا ثُمَّ يَأْخُذُهَا بَعْدَ شَهْرٍ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي الْفَسَادِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَالْعَشَرَةُ الْمَرْدُودَةُ سَلَفٌ وَالزَّائِدُ ثَمَنٌ لِلثَّوْبِ الْمَزِيدِ فَجَاءَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ وَحُكْمُ مَا إذَا اشْتَرَاهُ لِأَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ كَذَلِكَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِاثْنَيْ عَشَرَ مَثَلًا فَفِيهِ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ إلَّا أَنَّ الْمُسَلِّفَ هُنَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الْبَائِعِ ثَوْبًا مَعَ ثَوْبِهِ وَبَعْدَ شَهْرٍ يَدْفَعُ لَهُ عَشَرَةً ثُمَّ يَأْخُذُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهَا عَشَرَةٌ قَضَاءً وَاثْنَانِ ثَمَنٌ لِلثَّوْبِ ص (أَوْ بِخَمْسَةٍ وَسِلْعَةٍ) ش: هَذِهِ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّ زِيَادَةَ السِّلْعَةِ فِي الْأُولَى كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهَذِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ وَسِلْعَةٍ أُخْرَى وَصُوَرُهَا اثْنَا عَشَرَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ إمَّا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِمَّا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِخَمْسَةٍ وَسِلْعَةٍ مِثَالٌ

لَمَّا اشْتَرَاهَا بِأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ سِلْعَةٍ وَذِكْرُ الْخَمْسَةِ تَمْثِيلٌ وَيُرِيدُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الثَّمَنِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ وَالْعِلَّةُ فِي الثَّلَاثِ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ وَسِلْعَةٍ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ مِنْ أَجَلِ الْبَيْعِ وَفِي الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِسِلْعَةٍ وَخَمْسَةٍ إلَى أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِ الْمُشْتَرِي وَبَقِيَتْ مِنْ صُوَرِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا إلَى الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَهِيَ جَائِزَةٌ وَلِوُضُوحِهَا سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ص (لَا بِعَشَرَةٍ وَسِلْعَةٍ) ش: إلَى مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ يُرِيدُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ وَأَمَّا لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَامْتَنَعَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ أَوَّلًا يُمْتَنَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهِيَ مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُ السِّلْعَةَ الْمُعَجَّلَةَ وَيُسَلِّفُ الْبَائِعَ عَشَرَةً بَعْدَ شَهْرٍ وَيَأْخُذُهَا بَعْدَ شَهْرٍ آخَرَ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا بِسِلْعَةٍ وَأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِسِلْعَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ وَمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ وَيَمْتَنِعُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا بِعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ إلَّا لِأَبْعَدَ لَوَفَّى بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِالنَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ بِعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ وَسِلْعَةٍ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّ جَعْلَ السِّلْعَةِ الْعَائِدَةِ إلَى يَدِ الْبَائِعِ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ أَوَّلًا مَبِيعَةً بِالثَّانِيَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ يَدِهِ ثَانِيًا وَجَعْلَ الْعَشَرَةِ النَّقْدِ سَلَفًا فِي الْعَشَرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ فَيَكُونُ بَيْعًا وَسَلَفًا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَوَهَمَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَكُونُ مَبِيعًا بِالشَّاةِ إذَا قَدَّرْنَا أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْأُولَى فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْمُعَاوَضَةُ الْأُولَى صَحِيحَةً وَإِذَا صَحَّتْ كَانَتْ الْعَشَرَةُ قَدْ تَقَرَّرَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مَعَ بَيْعٍ صَحِيحٍ وَذَلِكَ مَانِعٌ؛ لَأَنْ يُعَدَّ قَضَاءً عَنْ سَلَفٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ ثَمَنًا وَسَلَفًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُعَلِّلُ بِالضَّمَانِ بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّنَهُ السِّلْعَةَ بِالشَّاةِ وَتَعْجِيلِ الْعَشَرَةِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ وَسِلْعَةٍ لَمْ يَجُزْ، هَذِهِ عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ السِّلْعَةِ كَانَتْ فِي الْأُولَى مِنْ الْمُشْتَرِي وَفِي هَذِهِ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَشَاةٍ وَصُوَرُهَا أَيْضًا اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ إلَى أَبْعَدَ وَلَا يَجُوزُ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ ثَوْبَهُ قَدْ رَجَعَ إلَيْهِ فَصَارَ لَغْوًا وَآلَ أَمْرُهُ إلَى أَنْ دَفَعَ خَمْسَةً وَشَاةً نَقْدًا يَأْخُذُ عَنْهَا عَشَرَةً إلَى شَهْرٍ وَذَلِكَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَدْفَعُ الْخَمْسَةَ إلَى نِصْفِ شَهْرٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَدْفَعُ الْخَمْسَةَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا هُوَ الْمُسَلِّفُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ تَحِلُّ بِحُلُولِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فَلَا مَانِعَ لِوُجُوبِ الْمُقَاصَّةِ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْأَنْصَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ هَذَا كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّوَرِ الِاثْنَيْ عَشْرَ وَيُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ

مِنْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ وَثَوْبٍ أَوْ بِأَكْثَرَ جَازَ (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُرِدْ هَذَا؛ لِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ صَرَّحَ بِجَوَازِ مَا ذُكِرَ إثْرَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَعَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهَا إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَقِيَّةُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخَمْسَةَ وَالشَّاةَ تَارَةً يَكُونَانِ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الشَّاةِ خَمْسَةً وَتَارَةً يَكُونَانِ أَقَلَّ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الشَّاةِ أَرْبَعَةً فَأَقَلَّ وَتَارَةً يَكُونَانِ أَكْثَرَ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الشَّاةِ سِتَّةً فَأَكْثَرَ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْمَنْعِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْدُ الَّذِي مَعَ الشَّاةِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَ وَإِنَّمَا قَالَ: لِأَنَّ الْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ إمَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِهِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. ص (وَإِنْ أَسْلَمَ فَرَسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّ مِثْلَهُ مَعَ خَمْسَةٍ مُنِعَ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ إلَّا أَنْ تَبْقَى الْخَمْسَةُ لِأَجَلِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْمُؤَخَّرَ مُسَلِّفٌ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا لَيْسَتَا مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ وَلَكِنْ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْآجَالِ لِمُشَابَهَتِهِمَا لِمَسَائِلِهِ فِي بِنَائِهِمَا عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ وَتُسَمَّى الْأُولَى مِنْهُمَا مَسْأَلَةَ الْبِرْذَوْنِ؛ لِأَنَّهَا فِي أَصْلِ الْمُدَوَّنَةِ فُرِضَتْ فِي بِرْذَوْنٍ وَفَرَضَهَا الْبَرَاذِعِيُّ فِي فَرَسٍ وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ حِمَارِ رَبِيعَةَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا وَلَكِنَّهَا مُوَافِقَةً لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهَا مَسْأَلَتَا الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ وَمِنْهَا وَالْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ لِإِيهَامِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ أَسْلَمَ فَرَسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّ مِثْلَهُ أَيْ فَرَسًا مِثْلَهُ مَعَ خَمْسَةٍ أَيْ مِنْ الْعَشَرَةِ وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ مُنِعَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ عَجَّلَ الْخَمْسَةَ أَوْ أَخَّرَهَا إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ آلَ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ أَسْلَفَهُ فَرَسًا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، وَكُلُّ مَا يُعْطِيهِ مَعَهُ فَهُوَ زِيَادَةٌ لِأَجْلِ السَّلَفِ فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَمْنَعَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ مُقَوَّمًا إلَى أَجَلٍ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى مِثْلَهُ بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ آلَ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ الْمُقَوَّمَ يَنْتَفِعُ بِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ وَيُعْطِيهِ ثَمَانِيَةً وَيَأْخُذُ عَنْهَا عَشَرَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَهُ كَغَيْرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَقْصِدْ الْمُتَبَايِعَانِ نَقْضَ الْبَيْعَةِ الْأُولَى بَلْ أَبْقَيَاهَا وَاسْتَأْنَفَا بَيْعَةً ثَانِيَةً لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُولَى فَوَجَبَ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهَا فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْفَرَسِ فَكَأَنَّهُمَا قَصَدَا نَقْضَ الْبَيْعَةِ الْأُولَى فَوَجَبَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا كَمَا فِي بِيَاعَاتِ الْأَجَلِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قُصَارَى الْأَمْرِ فِي مَسَائِلِ الْآجَالِ إنْ نَتَّهِمَهُمَا عَلَى نَقْضِ الْبَيْعَةِ الْأُولَى وَهُنَا قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْمُقَوَّمِ لَيْسَ كَعَيْنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ إلَخْ أَيْ وَكَذَلِكَ يُمْتَنَعُ أَيْضًا إذَا اسْتَرَدَّ الْفَرَسَ نَفْسَهُ مَعَ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى لَكِنْ إنَّمَا يُمْتَنَعُ إذَا كَانَتْ الْخَمْسَةُ الْأَثْوَابُ مُعَجَّلَةً أَوْ مُؤَخَّرَةً إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَأَمَّا إذَا أَبْقَاهَا إلَى الْأَجَلِ فَيَجُوزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَبْقَى الْخَمْسَةُ إلَى أَجَلِهَا ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ الْمَنْعِ فَقَالَ: لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْمُؤَخِّرَ مُسْلِفٌ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عَجَّلَهَا صَارَ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ مُسَلِّفٌ لِمَا عَجَّلَهُ لِتَقَضِّيهِ

مِنْ نَفْسِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَقَدْ أَسْلَفَهُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ وَدَفَعَ لَهُ الْفَرَسَ عِوَضًا عَنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَهَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَكَذَا إذَا أَجَّلَهَا إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ وَأَمَّا إذَا أَخَّرَهَا إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَقَدْ صَارَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ آخِذًا الْفَرَسَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَسَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ الْخَمْسَةَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَّرَهُ بِهَا عَنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ صَارَ مُسْلِفًا لَهُ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُعَدُّ مُسْلِفًا أَمْ لَا وَأَمَّا الْمُؤَخِّرُ لِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُسْلِفٌ وَأَمَّا إذَا أَبْقَى الْخَمْسَةَ إلَى أَجَلِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ لِانْتِقَاءِ السَّلَفِ حِينَئِذٍ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَبْقَى الْخَمْسَةُ لِأَجَلِهَا عَائِدٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَكَذَا التَّعْلِيلُ وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِيمَا إذَا أَخَذَ بَعْضَ الْأَثْوَابِ وَأَخَذَ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ شَيْئًا مُخَالِفًا لِلْفَرَسِ فَيُمْتَنَعُ إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُ مِنْ الْأَثْوَابِ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَخَّرًا لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَيَجُوزُ إذَا أَبْقَى إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ تَجْعَلُوهُ إذَا رَدَّ الْفَرَسَ بِمَثَابَةِ مَا إذَا رَدَّ مِثْلَهُ وَكَأَنَّهُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ أَسْلَفَهُ فَرَسًا فَرَدَّهُ وَمَا يَأْخُذُ زِيَادَةً فَإِنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ وَالسَّلَفُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ رَدُّ الْمِثْلِيِّ فَالْجَوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَنْ يُقَالَ لَمَّا رَجَعَتْ الْعَيْنُ فَكَأَنَّهُمَا اشْتَرَطَا ذَلِكَ فَخَرَجَا عَنْ حَقِيقَةِ السَّلَفِ وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ يَقُومُ مَقَامَهُ ص (وَإِنْ بَاعَ حِمَارًا بِعَشَرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ وَدِينَارًا نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا مُنِعَ مُطْلَقًا إلَّا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ لِلْأَجَلِ) ش: أَيْ وَإِنْ بَاعَ حِمَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ أَيْ الْحِمَارَ وَدِينَارًا نَقْدًا يُرِيدُ أَوْ مِثْلَهُ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ مُؤَجَّلًا يَعْنِي أَوْ كَانَ الدِّينَارُ أَوْ صَرْفُهُ مِنْ الْفِضَّةِ مُؤَجَّلًا مُنِعَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَقْدًا فَهُوَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ دَفَعَ عَنْهَا مُعَجَّلًا الْحِمَارَ وَدِينَارًا لِيَأْخُذَ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ عَشَرَةً، تِسْعَةٌ عِوَضٌ عَنْ الْحِمَارِ وَدِينَارٌ عَنْ الدِّينَارِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَهُوَ فَسْخُ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْعَشَرَةُ فِي دَيْنٍ آخَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ بَعْضَ دَيْنِهِ الْوَاجِبَ لَهُ أَوَّلًا بِالدَّيْنِ الَّذِي زَادَهُ مَعَ الْحِمَارِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَزِيدُ مَعَ الْحِمَارِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى مِثْلِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَيَدْخُلُهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ الصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةً فَقَالَ إلَّا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ لِلْأَجَلِ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَعْنِي مِنْ نَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَكَانَ مُؤَخَّرًا لِأَجَلِ نَفْسِهِ كَمَا إذَا بَاعَ الْحِمَارَ بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ وَدِينَارًا مُؤَخَّرًا لِلشَّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا آلَ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْحِمَارَ بِتِسْعَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْقَاضِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْأَنْصَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا قَرَّرُوا وَلَوْ قِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْمَنْعِ كَمَا قِيلَ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ بَاعَ بَعْضَ دَيْنِهِ الْوَاجِبَ لَهُ أَوَّلًا بِالدَّيْنِ الَّذِي زَادَهُ مَعَ الْحِمَارِ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) وَلَا خَفَاءَ فِي بُعْدِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِوَضَيْنِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ إمَّا فِي الْجِنْسِ أَوْ النَّوْعِ أَوْ الْأَجَلِ، وَالْمَزِيدُ هُنَا إنَّمَا هُوَ بَعْضُ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ وَأَجَلِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبَيْعُ وَإِنَّمَا آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ بَاعَ الْحِمَارَ بِتِسْعَةٍ كَمَا قَالُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ زِيدَ غَيْرُ عَيْنٍ وَبَيْعٍ بِنَقْدٍ لَمْ يُقْبَضْ جَازَ إنْ عَجَّلَ الْمَزِيدَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْحِمَارَ

بِعَشَرَةٍ مَثَلًا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ وَزَادَهُ الْمُشْتَرِي مَعَ الْحِمَارِ عِوَضًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا إذَا عَجَّلَ الْمَزِيدَ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ بَاعَ الْعَشَرَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ بِعَرْضٍ وَحِمَارٍ وَلَا مَانِعَ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَزِيدُ غَيْرَ مُعَجَّلٍ فَلَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ أَوْ بِيعَ بِنَقْدٍ لَمْ يُقْبَضْ، كَذَا صَوَابُهُ بِأَوْ وَمُرَادُهُ بِالنَّقْدِ هُنَا الْمُعَجَّلُ لَا النَّقْدُ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْعَرْضِ يَعْنِي فَإِنْ بَاعَ الْحِمَارَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مَثَلًا نَقْدًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْبَائِعُ. وَأَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي الْحِمَارَ وَزِيَادَةً عِوَضًا عَنْ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فَإِنْ عَجَّلَ الزِّيَادَةَ الَّتِي مَعَ الْحِمَارِ جَازَ يُرِيدُ إنْ لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ فِضَّةً وَإِلَّا دَخَلَهُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِيَزِيدِيَّةٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ مَعَ زِيَادَةِ مُحَمَّدِيَّةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ جَازَ إنْ عَجَّلَ الْمَزِيدَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعَجِّلْ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ زِيدَ غَيْرُ عَيْنٍ وَالْمَنْعُ فِيهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ فِيهَا مُؤَجَّلٌ فَقَدْ انْتَقَلَ الْبَائِعُ عَنْهُ إلَى حِمَارٍ مُؤَجَّلٍ وَسَوَاءٌ كَانَ إلَى الْأَجَلِ أَوْ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ وَأَمَّا إذَا بِيعَ بِنَقْدٍ لَمْ يُقْبَضْ وَلَمْ يُعَجَّلْ الْمَزِيدُ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ تَأْخِيرٌ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ بِشَرْطٍ وَذَلِكَ سَلَفٌ اقْتَرَنَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ وَهُوَ مِنْ الْعَيْنِ فَهُوَ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا فَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُقْبَضْ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ بَاعَ حِمَارَهُ بِنَقْدٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ مَعَ زِيَادَةٍ جَازَ سَوَاءٌ عَجَّلَ الْمَزِيدَ أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْبَائِعِ جَازَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُؤَجَّلَةً وَهِيَ مِنْ صِنْفِ الْمَبِيعِ كَمَا إذَا اسْتَرَدَّ الْحِمَارَ عَلَى أَنْ زَادَهُ حِمَارًا مُؤَجَّلًا فَيُمْتَنَعُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَسْلَفَ الْبَائِعَ حِمَارًا يَقْبِضُهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ عَنْهُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ. ص (وَصَحَّ أَوَّلٌ مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الثَّانِي فَيُفْسَخَانِ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ خِلَافٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ بُيُوعَ الْآجَالِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً إلَى شَهْرٍ بِعَشْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ لَمْ يَفُتْ فَإِنَّ الْبَيْعَةَ الْأُولَى صَحِيحَةً وَتُفْسَخُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا جَاءَ مِنْهَا وَهُوَ دَائِرٌ مَعَهَا أَمَّا فَسْخُ الثَّانِيَةِ فَبِاتِّفَاقٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ فِيهِ خِلَافًا ضَعِيفًا وَأَمَّا عَدَمُ فَسْخِ الْأُولَى فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُفْسَخُ الْبَيْعَتَانِ مَعًا قَالَ إلَّا أَنْ يَصِحَّ أَنَّهُمَا يَتَعَامَلَانِ عَلَى الْعِينَةِ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَتُفْسَخُ الْبَيْعَتَانِ مَعًا وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعَتَيْنِ مَعًا مَعَ الْفَوَاتِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعَةِ الْأُولَى أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ إنَّمَا يُفْسَخَانِ مَعًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ الْبَائِعُ أَوَّلًا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يُفْسَخْ إلَّا الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَتَيْنِ لَمَّا ارْتَبَطَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى صَارَا فِي مَعْنَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَصَرَّحَ ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٍ وَتَأَوَّلَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ فُسِخَتْ الثَّانِيَةُ

فصل في بيع أهل العينة

فَقَطْ مَعَ كَوْنِ الْقِيمَةِ أَقَلَّ لَزِمَ دَفْعُهَا مُعَجَّلَةً وَهِيَ أَقَلُّ ثُمَّ يَأْخُذُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَكْثَرَ وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ الَّذِي مَنَعْنَاهُ مِنْهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ إذَا فَسَخْنَا الثَّانِيَةَ وَبَقِيَتْ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا لَمْ يَلْزَمْ مَحْذُورٌ وَهَذَا الثَّانِي ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الثَّانِي هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ فَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْفَوَاتُ بِأَنْ تَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ انْفَسَخَتْ الثَّانِيَةُ خَاصَّةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا اهـ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْعِينَةِ] ص (فَصْلٌ: جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةٌ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فَيَبِيعَهَا بِمَالٍ) ش: لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بُيُوعِ الْآجَالِ الَّتِي لَا تَخُصُّ أَحَدًا عَقَّبَهَا بِبَيْعِ أَهْلِ الْعِينَةِ لِإِتْهَامِ بَعْضِ النَّاسِ فِيهَا وَهَذَا الْفَصْلُ يُعْرَفُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِبَيْعِ أَهْلِ الْعِينَةِ، وَالْعِينَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ فِعْلَةٌ مِنْ الْعَوْنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَعِينُ بِالْمُشْتَرِي عَلَى تَحْصِيلِ مَقَاصِدِهِ وَقِيلَ مِنْ الْعَنَاءِ وَهُوَ تَجَشُّمُ الْمَشَقَّةِ وَقَالَ عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْعَيْنِ وَهُوَ النَّقْدُ لِبَائِعِهَا وَقَدْ بَاعَهَا لِتَأْخِيرٍ وَقَالَ قَبْلَهُ هُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ يَشْتَرِيَهَا بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَبِيعُهَا مِنْ طَالِبِ الْعِينَةِ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبِيعُهَا هَذَا الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ نَقْدًا بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهَا وَخَفَّفَ هَذَا الْوَجْهَ بَعْضُهُمْ وَرَآهُ أَخَفَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعُ أَهْلِ الْعِينَةِ هُوَ الْبَيْعُ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ عَلَى دَفْعِ عَيْنٍ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا اهـ. وَقَسَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ أَوْ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَفِي كِتَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: الْعِينَةُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: جَائِزٌ، وَمَكْرُوهٌ، وَمَمْنُوعٌ وَجَعَلَهَا صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ وَزَادَ وَجْهًا رَابِعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَأَشَارَ إلَى الْجَائِزِ بِقَوْلِهِ جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةٌ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَبِيعَهَا بِمَالٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِنَمَاءٍ أَيْ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ أَحْسَنُ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِينَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْجَائِزُ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ مِنْ الْبَيَانِ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَيَقُولَ هَلْ عِنْدَك سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا أَبْتَاعُهَا مِنْكَ وَفِي الْبَيَانِ تَبِيعُهَا مِنِّي بِدَيْنٍ فَيَقُولَ لَا فَيَنْقَلِبَ عَنْهُ عَلَى غَيْرِ مُرَاوَضَةٍ وَلَا مُوَاعَدَةٍ، فَيَشْتَرِي الْمَسْئُولُ تِلْكَ السِّلْعَةَ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا ثُمَّ يَلْقَاهُ فَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ اشْتَرَى السِّلْعَةَ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا فَيَبِيعُهَا مِنْهُ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِمَا شَاءَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فَيَبِيعُ ذَلِكَ مِنْهُ بِدَيْنٍ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْجَائِزُ لِمَنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَتَرَاوَضُ مَعَ الْمُشْتَرِي كَالرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَعِنْدَكَ سِلْعَةَ كَذَا فَيَقُولُ لَا فَيَنْقَلِبُ عَلَى غَيْرِ مُوَاعَدَةٍ وَيَشْتَرِيهَا ثُمَّ يَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فَيَقُولُ تِلْكَ السِّلْعَةُ عِنْدِي فَهَذَا جَائِزٌ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ بِمَا شَاءَ مِنْ نَقْدٍ وَكَالِئٍ وَنَحْوِهِ لِمُطَرِّفٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا لَمْ يَكُنْ تَعْرِيضٌ أَوْ مُوَاعَدَةٌ أَوْ عَادَةٌ قَالَ وَكَذَلِكَ مَا اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ بَعْدَهُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ كَالِئٍ وَلَا يُوَاعِدُ فِي ذَلِكَ أَحَدًا يَشْتَرِيهِ وَمِنْهُ لَا يَبِيعُهُ لَهُ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَبِيعُهَا أَوْ يَبِيعُ دَارَ سُكْنَاهُ ثُمَّ تَشُقُّ عَلَيْهِ النَّقْلَةُ مِنْهَا فَيَشْتَرِيهَا أَوْ الْجَارِيَةَ ثُمَّ تَتْبَعُهَا نَفْسُهُ فَهَؤُلَاءِ إمَّا اسْتَقَالُوا أَوْ زَادُوا فِي الثَّمَنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ: لَوْ كَانَ مُشْتَرِي السِّلْعَةِ يُرِيدُ بَيْعَهَا سَاعَتَئِذٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْبَائِعِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ أَمْ لَا، قَالَ فَيُلْحَقُ هَذَا الْوَجْهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمَكْرُوهِ اهـ.، فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ هَذَا الْوَجْهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَقَوْلُ ابْنِ مُزَيْنٍ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِي جَوَازِهِ خِلَافًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ

إلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الَّذِي زَادَهُ عِيَاضٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ. قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَالرَّابِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ مَا اُشْتُرِيَ لِيُبَاعَ بِثَمَنٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَبَعْضُهُ مُعَجَّلٌ فَظَاهِرُ مَسَائِلِ الْكِتَابِ وَالْأُمَّهَاتِ جَوَازُهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ كَرَاهَتُهُ لِأَهْلِ الْعِينَةِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ سِلْعَةٌ كَمَا يُوهِمُهُ لَفْظُ عِيَاضٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ يَسْبِقُ لِلْوَهْمِ أَنَّ قَوْلَهُ بِثَمَنٍ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ لِيُبَاعَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرِ وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ مَا اُشْتُرِيَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَبَعْضُهُ مُعَجَّلٌ لِيُبَاعَ فَهِيَ إذًا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مُفَرَّعَةٍ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ سِلْعَةٌ وَذَكَرَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَيَانِ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت: لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَرَّعَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ سِلْعَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَهُ مِنْ الْخِلَافِ الْجَوَازُ وَإِنْ تَرَكَّبَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْوَصْفَيْنِ فَتَكُونُ غَيْرُ الْمُرَكَّبَةِ أَحْرَى بِالْجَوَازِ. قُلْتُ: هَذَا أَبْعَدُ مَا يَكُونُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَلَكِنْ يُقَرِّبُهُ الظَّنُّ الْجَمِيلُ وَيَتَّقِي الْعُهْدَةَ فِي الْتِزَامِ جَوَازِ الْمُرَكَّبَةِ اهـ. (قُلْت) وَقَدْ يُتَلَمَّحُ الْجَوَازُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فَيَبِيعُهَا بِمَا شَاءَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ، وَنَحْوُهُ لِعِيَاضٍ كَمَا تَقَدَّمَ. ص (وَكُرِهَ خُذْ بِمِائَةٍ مَا بِثَمَانِينَ أَوْ اشْتَرِهَا وَيُومِئُ لِتَرْبِيحِهِ وَلَمْ يُفْسَخْ) ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْمَكْرُوهُ قَالَ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ مِنْ الْبَيَانِ: وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يَقُولَ أَعِنْدَكَ كَذَا وَكَذَا تَبِيعُهُ مِنِّي بِدَيْنٍ. فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ ابْتَعْ ذَلِكَ وَأَنَا أَبْتَاعُهُ مِنْك بِدَيْنٍ وَأُرْبِحُكَ فِيهِ فَيَشْتَرِي ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْهُ عَلَى مَا تَوَاعَدَا عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْمَكْرُوهَةُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا وَأَنَا أُرْبِحُكَ فِيهَا كَذَا وَكَذَا أَوْ أَشْتَرِيهَا مِنْك مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاوِضَهُ عَلَى الرِّبْحِ، انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ أُرْبِحُكَ فِيهَا كَذَا وَكَذَا مَعَ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاوِضَهُ عَلَى الرِّبْحِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْمَكْرُوهُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا وَأَنَا أُرْبِحُكَ فِيهَا وَأَشْتَرِيهَا مِنْكَ مِنْ غَيْرِ مُرَاوَضَةٍ وَلَا تَسْمِيَةِ رِبْحٍ وَلَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يُعَرِّضُ بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَهَذَا يُكْرَهُ فَإِنْ وَقَعَ مَضَى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَبْلُغُ بِهِ الْفَسْخَ قَالَ فَضْلٌ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَجِبُ أَنْ يُفْسَخَ شِرَاءُ الْآمِرِ وَلِذَلِكَ كَرِهُوا أَنْ يَقُولَ لَهُ لَا أَحِلُّ أَنْ أُعْطِيكَ ثَمَانِينَ فِي مِائَةٍ وَلَكِنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ قِيمَتُهَا ثَمَانُونَ خُذْهَا بِمِائَةٍ، انْتَهَى. وَقَوْلُ فَضْلٍ يَجِبُ أَنْ يُفْسَخَ شِرَاءُ الْآمِرِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ. ص (وَبِخِلَافِ اشْتَرِهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِخِلَافِ كَذَا فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ أَوْ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْمَمْنُوعُ وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ سِتَّ مَسَائِلَ مِنْهَا مَا يُفْسَخُ وَمِنْهَا مَا لَا يُفْسَخُ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَهُمْ الْمَنْعَ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ تَجُوزُ فَإِنَّ بَعْضَهُ مَكْرُوهٌ أَوْ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَحْظُورُ أَنْ يُرَاوِضَهُ عَلَى الرِّبْحِ فَيَقُولَ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا وَكَذَا وَأَنَا أُرْبِحُكَ فِيهَا كَذَا وَأَبْتَاعُهَا مِنْك بِكَذَا وَنَحْوُهُ فِي الْبَيَانِ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْحَرَامُ الَّذِي هُوَ رِبًا صُرَاحٌ أَنْ يُرَاوِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى ثَمَنِ السِّلْعَةِ الَّتِي يُسَاوِمُهُ فِيهَا لِيَبِيعَهَا مِنْهُ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ عَلَى ثَمَنِهِ الَّذِي يَشْتَرِيهَا بِهِ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَقْدًا أَوْ يُرَاوِضَهُ عَلَى رِبْحِ السِّلْعَةِ الَّتِي يَشْتَرِيهَا لَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَيَقُولُ: أَنَا أَشْتَرِيهَا عَلَى أَنْ تُرْبِحَنِي فِيهَا كَذَا أَوْ لِلْعَشَرَةِ كَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَهَذَا حَرَامٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اشْتَرِهَا لِي وَأَنَا أُرْبِحُكَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا قَالَ وَذَلِكَ كُلُّهُ رِبًا وَيُفْسَخُ هَذَا وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَأْسُ الْمَالِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِهَا لِي وَأَنَا أُرْبِحُكَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ وَلَا يُفْسَخُ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَهُوَ

ظَاهِرٌ بَلْ سَيَأْتِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَالرِّبْحِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَأَنَّهُ فِي بَعْضِهَا جَائِزٌ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي - التَّوْضِيحِ كَلَامَ عِيَاضٍ وَلَمْ يُنَبِّهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَتَأَمَّلْهُ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ سِتُّ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةُ الْأَحْكَامِ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِ لِي وَثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِ لِنَفْسِكِ أَوْ يَقُولُ اشْتَرِ لِنَفْسِكَ أَوْ يَقُولُ اشْتَرِ وَلَا يَقُولُ لِي وَلَا لِنَفْسِكِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ اشْتَرِهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ سَوَاءٌ قَالَ اشْتَرِهَا لِي أَوْ لِنَفْسِكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ لِي أَوْ لِنَفْسِكِ فَهَذَا مَمْنُوعٌ وَلَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ يَخُصُّهُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ص (وَلَزِمَتْ الْآمِرَ إنْ قَالَ لِي وَفِي الْفَسْخِ إنْ لَمْ يَقُلْ لِي إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَالْقِيمَةُ أَوْ إمْضَاؤُهَا وَلُزُومُهُ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنَا آخُذُهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ وَلَفْظُ التَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ فِي مَوْضِعٍ وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْكَ وَلَفْظُ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنْكَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ فَذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَجُلٍ ازْدَادَ فِي سَلَفِهِ. فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ لَهُ وَإِنَّمَا أَسْلَفَهُ الْمَأْمُورُ ثَمَنًا لِيَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ فَيُعْطِيَهُ الْعَشَرَةَ مُعَجَّلَةً وَيُطَوِّعَ عَنْهُ مَا أَرْبَى اهـ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ مِنْ الْجُعْلِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ وَقَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ إنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ فُسِخَ الْبَيْعُ يَعْنِي الْبَيْعَ الْأَوَّلَ الَّذِي بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَرَبِّ السِّلْعَةِ قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بِعِلْمِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي الْفَسْخِ إنْ لَمْ يَقُلْ إلَخْ يَعْنِي بِهِ وَإِنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا لِنَفْسِكِ أَوْ قَالَ اشْتَرِ وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِنَفْسِكِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنَا آخُذُهَا مِنْكَ أَوْ أَشْتَرِيهَا مِنْكَ أَوْ أَبْتَاعُهَا مِنْكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ إذَا وَقَعَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ السِّلْعَةَ لَازِمَةٌ لِلْآمِرِ بِاثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَانَ ضَامِنًا لَهَا وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْآمِرِ زَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَوْ أَرَادَ الْآمِرُ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا بَعْدَ اشْتِرَاءِ الْمَأْمُورِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَتَوَرَّعَ فَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْآمِرِ إلَّا مَا نَقَدَهُ فِي ثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ يُفْسَخُ وَيَرُدُّ السِّلْعَةَ إلَى الْمَأْمُورِ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ إلَيْهِ قِيمَتُهَا مُعَجَّلَةً كَمَا يُصْنَعُ بِالْبَيْعِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لَهُ، فَيَدْخُلُهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَإِلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْفَسْخِ إنْ لَمْ يَقُلْ لِي أَيْ سَوَاءٌ قَالَ لِنَفْسِكِ أَمْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَالْقِيمَةُ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُفْسَخُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُطْلَقًا فَإِنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ رُدَّتْ نَفْسُهَا وَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ قِيمَتُهَا وَيُشِيرُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَالْقِيمَةُ وَلَوْ أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ قَالَ بَدَّلَهُ مُطْلَقًا لَكَانَ أَبْيَنُ وَكَانَ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا فُسِخَ رُدَّتْ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّ قِيمَتُهَا وَيَأْتِي لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَأَشَارَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ: وَإِمْضَاؤُهَا وَلُزُومُهُ الِاثْنَيْ عَشَرَ، يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ فَاتَتْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُورِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَتَوَرَّعَ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا نُقِدَ وَلَا عَلَى أَنَّ ضَمَانَ السِّلْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْآمِرُ مِنْ الْمَأْمُورِ وَعَلَى أَنَّ الْآمِرَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ إنْ أَبَى لِوُضُوحِ ذَلِكَ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ اشْتَرِهَا لِي أَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا آخُذُهَا وَهُوَ بَيِّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا يُبَيَّنُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ اشْتَرِهَا أَيْ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ لَا أَنَّهُ مُفْسَخٌ. ص (وَبِخِلَافِ اشْتَرِهَا بِعَشَرَةٍ

نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا إنْ نَقَدَ الْمَأْمُورَ بِشَرْطٍ) ش: يَعْنِي إذَا قَالَ اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَأَنْ آخُذَهَا مِنْك أَوْ أَشْتَرِيَهَا مِنْك أَوْ أَبْتَاعَهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا قَالَ فِي الْبَيَانِ رَجَعَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى أَنَّ الْآمِرَ اسْتَأْجَرَ الْمَأْمُورَ عَلَى شِرَاءِ السِّلْعَةِ بِدِينَارَيْنِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا لَهُ وَقَوْلُهُ وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْكَ لَغْوٌ لَا مَعْنَى؛ لِأَنَّ لَهُ الْعُقْدَةَ لَهُ وَبِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ النَّقْدُ مِنْ عِنْدِ الْآمِرِ أَوْ مِنْ عِنْدِ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ النَّقْدُ مِنْ عِنْدِ الْمَأْمُورِ بِشَرْطٍ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ الدِّينَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ السِّلْعَةَ وَيَنْقُدَ عَنْهُ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ فَهِيَ إجَارَةٌ وَسَلَفٌ يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ إجَارَةُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارَيْنِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إذَا كَانَ السَّلَفُ مِنْ عِنْدِ الْبَائِعِ وَفَاتَتْ السِّلْعَةُ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَبَضَ السَّلَفَ وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ أَنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ مَا بَلَغَتْ يَلْزَمُ لِلْمَأْمُورِ هُنَا أَنْ يَكُونَ لَهُ إجَارَةٌ مِثْلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّا إنْ أَعْطَيْنَاهُ الْأُجْرَةَ كَانَ ثَمَنًا لِلسَّلَفِ فَكَانَ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلرِّبَا وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِيمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إذَا نَقَدَ الْمَأْمُورَ بِشَرْطٍ وَهَذَا إذَا عَثَرَ عَلَى الْآمِرِ بِحِدْثَانِهِ وَرَدَّ السَّلَفَ عَلَى الْمَأْمُورِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الْآمِرُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْثُرْ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى انْتَفَعَ الْآمِرُ بِالسَّلَفِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُمَا كَانَا قَصَدَاهُ فَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْمَأْمُورِ إجَارَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَوْ عَثَرَ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الِابْتِيَاعِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الْمَأْمُورُ الثَّمَنَ لَكَانَ النَّقْدُ مِنْ عِنْدِ الْآمِرِ وَلَكَانَ فِيمَا يَكُونُ لِلْأَجِيرِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ إجَارَةَ مِثْلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ إجَارَةِ مِثْلِهِ أَوْ الدِّينَارَيْنِ اهـ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ ص (وَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ جُعْلِهِ أَوْ الدِّرْهَمَيْنِ فِيهِمَا وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ لَا جُعْلَ لَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ اشْتَرِهَا لِي بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ. فَقِيلَ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ جُعْلِ مِثْلِهِ وَمِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَقِيلَ لَا جُعْلَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ زَرُّوقٍ غَيْرَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ تَفْصِيلُ ذَلِكَ ص (وَجَازَ بِغَيْرِهِ كَنَقْدِ الْآمِرِ) ش: أَيْ وَجَازَ نَقْدُ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْآمِرُ هُوَ الَّذِي نَقَدَ ص (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي فِي الْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَلَمْ يَقُلْ لِي بَلْ قَالَ لِنَفْسِكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِنَفْسِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ بَلْ قَالَ اشْتَرِهَا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً أَجَازَهُ إذَا كَانَتْ الْبَيْعَتَانِ بِالنَّقْدِ جَمِيعًا وَانْتَقَدَ وَمَرَّةً كَرِهَهُ لِلْمُرَاوَضَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا فِي السِّلْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ فِي مِلْكِ الْمَأْمُورِ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ وَهَذَا مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَنَّ فِي إطْلَاقِهِمْ الْمَنْعَ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ جَمِيعُهُ تَسَامُحٌ وَالْعَجَبُ مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ الْمَكْرُوهَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيُومِئَ لِتَرْبِيحِهِ فَكَيْفَ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ، وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَا إذَا قَالَ اشْتَرِهَا وَأَنَا أُرْبِحُكَ وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَيُفْسَخُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ مَعَ تَسْمِيَةِ الرِّبْحِ وَالْمُرَاوَضَةِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَانْتَقَدَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى النَّقْدِ وَلَمْ يَنْقُدْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَأْتِي الْخِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فِيمَنْ اشْتَرَى بِأَقَلَّ لِأَجَلِهِ ثُمَّ عَجَّلَهُ. ص (وَبِخِلَافِ اشْتَرِهَا لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ وَأَشْتَرِيهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَتَلْزَمُ بِالْمُسَمَّى وَلَا تُعَجَّلُ الْعَشَرَةُ وَإِنْ عُجِّلَتْ أُخِذَتْ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرِهَا لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ وَأَنَا أَبْتَاعُهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ وَمَكْرُوهُهُ إنْ اسْتَأْجَرَ الْمَأْمُورُ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ السِّلْعَةَ بِسَلَفٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ يَنْتَفِعُ بِهَا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ فَإِذَا دَفَعَ ذَلِكَ لَزِمَتْ الْآمِرَ السِّلْعَةُ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَتَعَجَّلُ الْمَأْمُورُ مِنْهُ الْعَشَرَةَ النَّقْدَ وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهَا صَرَفَهَا إلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا عِنْدَهُ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ جُعْلٌ مِثْلُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بِاتِّفَاقٍ اهـ ص (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي فَهَلْ يُرَدُّ الْبَيْعُ إذَا فَاتَ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْعَشَرَةُ وَيُفْسَخُ الثَّانِي مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَالْقِيمَةُ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا وَلَمْ يَقُلْ لِي بِأَنْ قَالَ لِنَفْسِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا بِاثْنَيْ عَشَرَ لِأَجَلٍ وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، فَذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ. رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا فَاتَ لَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْعَشَرَةُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ زَادَهُ الدِّينَارَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا يُصْنَعُ بِالْحَرَامِ الْبَيِّنِ لِلْمُوَاطَأَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّتْ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا الثَّانِي اهـ فَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ نَظَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ إذَا فَاتَ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ بِالْقِيمَةِ يُشِيرُ إلَى الْفَسْخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْبَيَانِ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِالْفَسْخِ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْفَسْخِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَالْقِيمَةُ أَوْ إمْضَاؤُهَا وَلُزُومُهُ الِاثْنَيْ عَشَرَ ذَكَرَ هَذِهِ بَعْدَهَا وَقَالَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَلْزَمُ الْآمِرَ السِّلْعَةُ بِالْعَشَرَةِ نَقْدًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ لَهُ الدِّينَارَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّانِي وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إلَى الْمَأْمُورِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِيَدِ الْآمِرِ فَيَكُونَ عَلَيْهِ فِيهَا الْقِيمَةُ كَمَا يُفْعَلُ بِالْبَيْعِ الْحَرَامِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَآخُذُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَأَشْتَرِيهَا يَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَأٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ وَذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ لِبَعْضِ النَّاسِ دَرَاهِمَ وَيَقُولَ لَهُ: اشْتَرِ بِهَا سِلْعَةً عَلَى ذِمَّتِي فَإِذَا اشْتَرَيْتَهَا بِعْتُهَا مِنْك بِرِبْحٍ لِأَجَلٍ وَلَا إشْكَالَ فِي مَنْعِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَسَأَلَ عَمَّنْ أَبْضَعَ مَعَ رَجُلٍ بِضَاعَةً يَبْتَاعُ لَهُ بِهَا طَعَامًا ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ ابْتَاعَ طَعَامًا وَقَبَضَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ قَالَ مَا أُحِبُّ هَذَا وَمَا يُعْجِبُنِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ أَجَازَهُ فِي رَسْمِ بِيعَ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ لِمَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ أَنْ يَبِيعَهُ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ وَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ إيَّاهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ قَبَضَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كَذَبَ وَلَوْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ لَمَا كُرِهَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمُبْتَاعُ لِلطَّعَامِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ مُوَكِّلُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ وَإِنْ

فصل الأصل في البيع اللزوم والخيار عارض

تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا بِدِينَارٍ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَلَا بِدَرَاهِمَ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَخْسُ فِي الْعُرْفِ عَلَى رَبِّ الطَّعَامِ فَتَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ فِي ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ دَحُونٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. نُقِلَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ بِلَفْظٍ، رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُبْضِعُ مَعَ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ لَهُ طَعَامًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ فَعَلَ وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فَقَالَ مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ اهـ وَقَالَ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا ابْتَعْتُهُ بِعَيْنِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ جُزَافًا أَوْ اشْتَرَيْته مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ جُزَافًا مِنْ عِطْرٍ أَوْ زِئْبَقٍ أَوْ مِسْكٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ تَوَابِلَ وَشِبْهِهِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِكَ أَوْ غَيْرِهِ وَتَحَيُّلِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ابْتَعْتُ اهـ [فَصْلٌ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْخِيَارُ عَارِضٌ] ص (فَصْلٌ: إنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ) ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ مَا يَعْرِضُ لَهُ إلَى أَقْسَامٍ وَأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْعَقْدِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَيُسَمَّى الْأَوَّلُ بَيْعَ بَتٍّ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ خِيَارُ صَاحِبِهِ وَيُسَمَّى الثَّانِي بَيْعَ خِيَارٍ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْخِيَارُ عَارِضٌ وَيَنْقَسِمُ إلَى خِيَارِ تَرَوٍّ وَإِلَى خِيَارِ نَقِيصَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ بِأَنْ يَشْتَرِطَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فَهُوَ خِيَارُ التَّرَوِّي وَيُسَمَّى الْخِيَارَ الشَّرْطِيَّ، وَالتَّرَوِّي النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي الْأَمْرِ وَالتَّبَصُّرُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُ ظُهُورَ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ فَهُوَ خِيَارُ النَّقِيصَةِ وَيُسَمَّى الْخِيَارَ الْحُكْمِيَّ. وَقَدْ يُقَالُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ الْخِيَارِ مُصَاحِبًا لِلْعَقْدِ أَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّرَوِّي؛ لِأَنَّهُ بِشَرْطِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ حِينَ الْعَقْدِ، وَالثَّانِي خِيَارُ النَّقِيصَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْمُوجِبَ لِلْخِيَارِ هُوَ الْقَدِيمُ السَّابِقُ عَلَى الْعَقْدِ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَعْنِي خِيَارَ التَّرَوِّي وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بَيْعُ الْخِيَارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعُ الْخِيَارِ بَيْعٌ وُقِفَ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ فَيَخْرُجُ ذُو الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ لِلتَّرَدُّدِ فِي الْعَقْدِ لَا يُسَمَّى فِي جَانِبِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ لَكِنْ أَجَازَهُ الشَّارِعُ لِيَدْخُلَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى بَصِيرَةٍ بِالثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ وَلِيَنْفِيَ الْغَبْنَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْلَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَازَ الْخِيَارُ لَا فِي ثَلَاثٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَكِنْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِ التَّوْضِيحِ أَجَازَهُ الشَّارِعُ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ فِيهِ فَجَعَلَهُ رُخْصَةً وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَنَصَّهُ الْمَازِرِيُّ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي فِيهِ كَوْنُ الثَّمَنِ يَخْتَلِفُ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ بِحَسَبِ الْبَتِّ وَالْخِيَارِ وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ ذَلِكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومٌ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْدٌ عَلَى ثَمَنٍ لَا يُدْرَى أَيَكْثُرُ أَمْ يَقِلُّ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ عَلَى أَنَّ خِيَارَ التَّرَوِّي إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْطِ أَيْ بِأَنْ يَشْتَرِطَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا لَا بِالْمَجْلِسِ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْخِيَارُ تَرَوٍّ وَنَقِيصَةٌ فَالْخِيَارُ بِالشَّرْطِ لَا بِالْمَجْلِسِ لِلْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ بِالْمَجْلِسِ لِحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ وَمَعْنَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ مُدَّةَ جُلُوسِهِمَا مَعًا حَتَّى يَفْتَرِقَا وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ وَمِثْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَنَسَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْحَدِيثَ لِلْمُوَطَّإِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ

فرع لا يثبت خيار المجلس بالعقد ولا بالشرط

الْحَدِيثُ بَلْ عَلِمَهُ وَرَوَاهُ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ لِمَا هُوَ أَرْجَحُ عِنْدَهُ فَقَدْ قَالَ عَقِبَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ يُرِيدُ أَنَّ فِرْقَتَهُمَا لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ قَالَ. وَهَذِهِ جَهَالَةٌ يَقِفُ الْبَيْعُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ كَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَكَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فَيَكُونُ بَيْعًا فَاسِدًا وَلِهَذَا عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ السَّلَفِ وَأَبُو حَنِيفَةَ. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ وَالْمَازِرِيُّ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ مِنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ كَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَقِيلَ إلَّا ابْنَ الْمُسَيِّبِ وَأَيْضًا قَالَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ فَلَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِقَالَةِ وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَتَى بِأَكْثَرِهَا الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. (تَنْبِيهٌ) وَافَقَ ابْنَ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي حَلَفَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَنْ لَا يُفْتِيَ فِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالثَّانِيَةُ التَّدْمِيَةُ الْبَيْضَاءُ، وَالثَّالِثَةُ جِنْسِيَّةُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ [فَرْعٌ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالْعَقْدِ وَلَا بِالشَّرْطِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالْعَقْدِ وَلَا بِالشَّرْطِ اهـ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ وَلَا بِالشَّرْطِ إذَا شَرْطَاهُ أَوْ أَحَدَهُمَا بَلْ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ إذَا شَرَطَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهٌ فِي مُدَّة خِيَارِ التَّرَوِّي] (تَنْبِيهٌ) وَالنَّظَرُ فِي خِيَارِ التَّرَوِّي فِي مُدَّتِهِ وَفِيهِ الطَّوَارِئُ فَالْمُدَّةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْمَبِيعَاتِ فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ النَّظَرُ الْأَوَّلُ فِي مُدَّتِهِ وَهِيَ مَحْدُودَةٌ لِلْأَوَّلِ بِزَمَنِ الْعَقْدِ وَلَيْسَتْ مَحْدُودَةً لِلْآخَرِ بِزَمَنٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّلْعَةِ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَحْدَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ مِنْ الْأَجَلِ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ الْمَذْكُورِ اهـ ص (كَشَهْرٍ فِي دَارٍ) ش: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ وَالشَّهْرَيْنِ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ تَفْسِيرًا، وَالْأَرْضُونَ كَذَلِكَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَرِقَ حُكْمُ الدَّارِ مِنْ الْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى اخْتِبَارِ الدُّورِ أَكْثَرُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ كَشَهْرٍ فِي دَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ وَشَهْرَيْنِ وَحُمِلَ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقِيلَ وَثَلَاثَةٌ وَالْأَرْضُ وَالرَّبْعُ كَذَلِكَ وَعَنْ مَالِكٍ فِي الضَّيْعَةِ سَنَةٌ اهـ. ص (وَلَا يَسْكُنُ) ش: أَيْ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهَا بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ وَلَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِنَفْسِهِ وَيَبِيتَ بِهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ التُّونُسِيُّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِالدَّارِ لَيْلًا لِخِبْرَةِ جِيرَانِهَا دُونَ سُكْنَى وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَمَّا الدَّارُ فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ عَنْهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ أَوْ بِكِرَاءٍ وَلَمْ يُخْلِهِ لِأَجْلِ انْتِفَاعِهِ بِالْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ بِكِرَاءٍ فَأَخْلَاهَا أَوْ أَكْرَاهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي بِغَيْرِ كِرَاءٍ اهـ فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا بِالْكِرَاءِ وَكَذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ، فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا سَكَنَهَا كَانَ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لِلْبَائِعِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْضَاءَ أَوْ الرَّدَّ قَالَ وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْكُنَهَا بِأَهْلِهِ مُدَّةَ الْخِيَارِ عَلَى أَنْ لَا يُؤَدِّيَ كِرَاءَهَا لَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ اهـ. ص (وَكَجُمُعَةٍ فِي رَقِيقٍ وَاسْتَخْدَمَهُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ وَلَا يَغِيبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْجَارِيَةِ، وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ لِلْمُبْتَاعِ لَغْوٌ وَأَجْرُ مَنْفَعَتِهِ وَخَرَاجُهُ غَلَّةٌ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَحِيلَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْمُتَبَايِعِينَ فِي زَمَنِهِ وَلِلْمُشْتَرِي اسْتِخْدَامُهَا دُونَ غَيْبَةٍ عَلَيْهَا. ص (وَكَثَلَاثَةٍ فِي دَابَّةٍ) ش وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ ص (وَكَيَوْمٍ لِرُكُوبِهَا) ش: هَذَا إذَا أَرَادَ رُكُوبَهَا فِي الْمَدِينَةِ وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ عَلَيْهَا فَالْبَرِيدُ وَالْبَرِيدَانِ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ. [فَرْعٌ هَلْ لِلْمُشْتَرِي رُكُوب الدَّابَّةَ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْخِيَارِ لِيَخْتَبِرَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:

تنبيهات في الخيار

وَاخْتُلِفَ هَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْخِيَارِ لِيَخْتَبِرَ سَيْرَهَا وَحَمْلَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عِمْرَانَ، أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَشْتَرِطَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ وَقَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا الْخِلَافَ هَلْ هُوَ فِي رُكُوبِهَا فِي الْبَلَدِ، أَوْ فِيهِ وَفِي السَّفَرِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ: هُوَ خِلَافُ قَوْلِ عِيَاضٍ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا يَرْكَبُ إلَّا بِشَرْطٍ كَقَوْلِهَا: إنْ شَرَطَ وَقَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ يَرْكَبَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ إنْ كَانَ الرُّكُوبُ عُرْفًا فِي اخْتِبَارِهَا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ فِي الْخِيَارِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) أَتَى بِالْكَافِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا لِيُدْخِلَ مَا قَارَبَهَا فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ: الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ وَالْجُمُعَةُ وَنَحْوُهَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيّ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ مَكْرُوهَةٌ، وَلَا يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ. (الثَّانِي:) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِيَارِ لِاخْتِيَارِ الْمَبِيعِ، أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِيَارِ لِاخْتِيَارِ الْمَبِيعِ، أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ اسْتَوَى فِي ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ، وَكَانَ الْأَجَلُ عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ الْأَمَدُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ دِينَارًا كَالْعِشْرِينَ، وَلَا الْعِشْرُونَ كَالْمِائَةِ، وَلَا الْمِائَةُ كَالْأَلْفِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ التُّونُسِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ الْأَجَلُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَنَصَّهُ. التُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ يَخْتَلِفُ أَمَدُهُ بِحَسَبِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ لِخِبْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ فَقَالَ التُّونُسِيُّ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الدَّارِ شَهْرًا لِلتَّرَوِّي لَمْ يَجُزْ إلَّا ثَلَاثَةٌ اللَّخْمِيُّ: التَّرَوِّي بِحَسَبِ قَدْرِ الثَّمَنِ لَيْسَ الدِّينَارُ كَالْعَشَرَةِ، وَلَا هُمَا كَالْمِائَةِ، وَلَا هِيَ كَالْأَلْفِ اهـ. (قُلْت) مَا نَقَلَهُ عَنْ التُّونُسِيِّ لَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ بَلْ كَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِيَارَ: إنْ كَانَ لِاخْتِبَارِ الْمَبِيعِ دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَا نَصُّهُ: شَرَطَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ شَهْرَيْنِ، وَفِي الْجَارِيَةِ جُمُعَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الِاخْتِبَارَ إذْ الْمَشُورَةُ تَكُونُ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ لَيْسَ كَثْرَةَ السُّؤَالِ وَالْبَحْثَ عَنْ شِرَاءِ دَارٍ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ بَقَاءَهَا لَهُ وَسُكْنَاهَا وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شِرَاءُ مِثْلِهَا وَبَيْعُهَا إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ مِثْلُ شِرَاءِ سِلْعَةٍ يَقْدِرُ عَلَى الِانْفِصَالِ مِنْهَا وَبَيْعِهَا وَشِرَاءِ مِثْلِهَا فِي ثَوْبٍ، وَكَذَلِكَ الْخَادِمُ لَا يُشْبِهُ السِّلْعَةَ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ لَوَجَبَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ ضَرْبِ شَهْرٍ فِي الدَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: بِمَاذَا ضَرَبْتَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ: لِيَخْتَبِرَ جِيرَانَهَا أَجَزْنَاهُ، وَإِنْ قَالَ: لِأَسْتَشِيرَ وَأَنْظُرَ قُلْنَا لَهُ لَا يَجُوزُ هَذَا، وَلَا يُضْرَبُ لَكَ فِي الِاسْتِشَارَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَهُمْ قَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ لَكَ الْخِيَارَ فِي الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ شَهْرَيْنِ إمْكَانَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا اهـ. فَانْظُرْ كَلَامَهُ هَذَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ بَحْثٌ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ صَاحِبِ اللُّبَابِ أَنَّهُ قَوْلٌ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ، وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ عِيَاضٍ، وَمِمَّنْ سَوَّى بَيْنَ الِاخْتِبَارِ وَالْمَشُورَةِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ: وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَشُورَةِ لَا لِلِاخْتِبَارِ هَلْ يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ ذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّهُ يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الِاخْتِبَارِ وَذَهَبَ عِيَاضٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي الْكُلِّ انْتَهَى. (الثَّالِثُ:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مُدَّةَ الْخِيَارِ فِي الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ رُطَبِ الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يُشَاوِرُونَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إلَى رَأْيِهِمْ فَلَهُمْ مِنْ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ، وَلَا فَسَادٌ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ. (الرَّابِعُ:) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَحْدِيدِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَا بَعْدَهَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَمُدَّتُهُ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ حَكَاهُ عِيَاضٌ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ مَا فِي الدَّارِ شَهْرٌ يُرِيدُ فِي سَائِرِ الرِّبَاعِ، وَفِي الرَّقِيقِ الْخَمْسَةُ الْأَيَّامُ

فرع ساوم رجلا سلعة فماكسه المشتري حتى تقف على ثمن

وَالْجُمُعَةُ وَشِبْهُ ذَلِكَ وَالدَّابَّةُ تُرْكَبُ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ، وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلِاخْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَشُورَةِ، فَيَكُونُ الْأَمَدُ مِقْدَارَ مَا يُشَاوِرُ فِيهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ، وَنَصُّهُ: وَلَيْسَ لِأَمَدِهِ عِنْدَنَا حَدٌّ وَقَدْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا بِحُكْمِ السِّلْعَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ الْخِيَارَ مِنْ تَقَصٍّ يَجِبُ عَلَيْهَا وَسُؤَالٍ وَاسْتِشَارَةٍ وَاخْتِبَارٍ وَلِكُلِّ سِلْعَةٍ فِي الِاخْتِبَارِ حَالَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا عَلَيْهِ جَرَى تَقْدِيرُ أَئِمَّتِنَا وَمَشَايِخِنَا فِي أَمَدِ الْخِيَارِ لِعَدَمِ الْمَشُورَةِ وَالرَّأْيِ فَيَسْتَوِي أَمَدُ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ بِقُرْبِ ذَلِكَ، وَتَسَاوِي السِّلَعِ فِيهِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ فِي اللُّبَابِ: وَمُدَّتُهُ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ وَاحِدٌ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ مَحْدُودًا بِزَمَنٍ مُؤَقَّتٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ فَيَطُولُ إنْ اُحْتِيجَ إلَى الطُّولِ وَيَقْصُرُ إذَا أَغْنَى فِي ذَلِكَ الْقِصَرُ (الْخَامِسُ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَوْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ اُعْتُبِرَ أَمَدُ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ إنْ نَقَدَ تَأْوِيلَانِ) ش: سَوَّى بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْأَكْثَرُ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ تَقْيِيدُ الْمُدَوَّنَةِ بِالنَّقْدِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ بَشِيرٍ، وَنَصُّ التَّوْضِيحِ: أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُدَوَّنَةِ بِشَرْطِ انْتِقَادِ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَخَذَ عَنْ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ سِلْعَةٌ بِخِيَارٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي لِلَّخْمِيِّ فَهِمَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَيَّدَ إنْ نَقَدَ بِالدَّالِ، وَفِي بَعْضِهَا وَقِيلَ بِاللَّامِ قَالَ وَالنُّسْخَةُ الْأُولَى أَحْسَنُ لِأَنَّهَا عَلَى طَرِيقِ الْأَكْثَرِ اهـ. فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَهَلْ إنْ نَقَدَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، أَوْ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ اهـ. ص (وَضَمِنَهُ حِينَئِذٍ الْمُشْتَرِي) ش: أَمَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فَالضَّمَانُ مِنْهُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَقَوْلَانِ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَرَوَى الْمَخْزُومِيُّ أَنَّهُ مِنْ الْبَائِعِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُغِيرَةِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَضَمِنَهُ حِينَئِذٍ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ جَعَلَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَاتِ لِلْعُقُودِ هَلْ تُقَدَّرُ وَاقِعَةً فِيهَا، أَوْ لَا. ص (وَفَسَدَ بِشَرْطِ مُشَاوَرَةِ بَعِيدٍ) ش: وَكَذَا بِشَرْطِ خِيَارِهِ وَرِضَاهُ مِنْ بَابِ أَحْرَى قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا كَانَ مَنْ شُرِطَ رِضَاهُ، أَوْ خِيَارُهُ، أَوْ مَشُورَتُهُ غَائِبًا بَعِيدَ الْغَيْبَةِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَسَدَ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَشُورَةَ لِيُجِيزَ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ اهـ. (تَنْبِيهٌ:) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفَسَدَ بِشَرْطِ مُشَاوَرَةِ بَعِيدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءً وُقُوفُ بَتِّ الْبَيْعِ عَلَى مَشُورَةِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَبْعُدْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ. [فَرْعٌ سَاوَمَ رَجُلًا سِلْعَةً فَمَاكَسَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى تَقِفَ عَلَى ثَمَنٍ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْبِيَاعَات، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَاوَمَ رَجُلًا سِلْعَةً فَمَاكَسَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى تَقِفَ عَلَى ثَمَنٍ، فَلَمْ يَرُدُّهُ الْبَائِعُ عَلَى هَذَا، وَلَا قَالَ لَهُ: إنْ رَضِيتَ فَخُذْ، وَإِنَّمَا هِيَ بِكَذَا فَيَقُولُ السَّائِمُ أَذْهَبُ بِهَا وَأُشَاوِرُ، فَيَقُولُ: افْعَلْ فَيَذْهَبُ بِهَا الْمُشَاوِرُ، ثُمَّ يَرْضَى وَيَأْتِي بِالثَّمَنِ فَيَبْدُو لِلْبَائِعِ، أَوْ يَقُولُ بِعْتُهَا مِمَّنْ زَادَ عَلَيْكَ، وَإِنَّمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ سَوْمٌ فَالْبَيْعُ تَامٌّ إنْ رَضِيَهُ الْمُبْتَاعُ، وَلَيْسَ مَنْ سَامَ بِشَيْءٍ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ قَدْ أَخَذْتُهَا فَيَبْدُو لِلْبَائِعِ كَمَنْ وَقَفَ عَلَى ثَمَنِ سِلْعَةٍ وَدَفَعَهَا إلَى الْمُبْتَاعِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُبْتَاعُ، وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ قَبْلَ أَنْ يَرْضَى بِهِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ اهـ. فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ السِّلْعَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا عَقْدُ الْبَيْعِ فَمُصِيبَتُهَا مِنْ رَبِّهَا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُدَّةٍ زَائِدَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَوْ شَرَطَ بَعِيدَ أَمَدٍ فَالنَّصُّ فَسْخُ الْبَيْعِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَ إمْضَاءَهُ مِنْ الْقَوْلِ بِإِمْضَاءِ بُيُوعِ الْآجَالِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِمَا اُتُّهِمَا عَلَيْهِ قَالَ وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ فَسَادَ بَيْعِ الْخِيَارِ مُعَلَّلٌ بِالْغَرَرِ. (فَرْعٌ) وَعَلَى الْفَسْخِ

فرع شرط في عقد ثلاث سنين وبنى المبتاع وغرس في أمد الخيار

فَلَوْ أَسْقَطَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ زَادَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى مَا هُوَ أَمَدُ خِيَارِهَا فِي الْعَادَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِإِسْقَاطِ مُشْتَرِطِهِ لَهُ بِخِلَافِ مُشْتَرِطِ السَّلَفِ إذَا أَسْقَطَهُ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ طُولَ هَذَا الْأَمَدِ فَإِذَا اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ، فَقَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَ قَوْلًا بِالْإِمْضَاءِ إذَا أَسْقَطَ الشَّرْطَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْقَاضِي وَالْمَازِرِيِّ وَرَدَّ تَخْرِيجَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا إذَا أَسْقَطَ بَتَّ الْبَيْعِ، وَلَوْ أَسْقَطَ الزَّائِدَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَأْخَذِهِ. (تَنْبِيهٌ:) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْفَسَادَ بِالْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الشَّامِلِ بِأَنْ تَكُونَ زَادَتْ كَثِيرًا قَالَ: وَإِلَّا كُرِهَ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: وَبِمُدَّةٍ جُهِلَتْ كَقُدُومِ زَيْدٍ، أَوْ زَادَتْ كَثِيرًا وَإِلَّا كُرِهَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ قَالَ: الْأَجَلُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: جَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَمْنُوعٌ، فَإِنْ كَانَ مُدَّةً تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا جَازَ، وَإِنْ زَادَ يَسِيرًا كُرِهَ، وَلَمْ يُفْسَخْ، وَإِنْ بَعُدَ الْأَجَلُ كَانَ مَفْسُوخًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي الْخِيَارِ فِي الرَّقِيقِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَقَعَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لَمْ أَفْسَخْهُ، وَأَفْسَخُهُ فِي الشَّهْرِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأَيَّامِ وَالْخَمْسَةُ لَا أَفْسَخُهُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَفْسَخُهُ فِي الشَّهْرِ اهـ. (فَرْعٌ:) ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ بِالْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ إذَا كَثُرَتْ، فَهَلْ ضَمَانُ الْبَيْعِ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ الصَّحِيحِ، أَوْ حُكْمُ الضَّمَانِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ فِي ذَلِكَ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ لَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ بَيْعِ الْخِيَارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِالْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ: إنَّ مُصِيبَتَهَا مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ، وَالضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، فَكَيْفَ إذَا كَانَ فَاسِدًا؟ . وَالثَّانِيَةُ لِلتُّونُسِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ: وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ طَوِيلًا جِدًّا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي أَمَدِ الْبَيْعِ مِمَّنْ ضَمَانُهَا، فَقِيلَ: مِنْ الْبَائِعِ مَا دَامَ الْخِيَارُ قَائِمًا وَقُيِّدَ لِذَلِكَ حُكْمُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ هَذَا، وَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ وَصَوَّبَ التُّونُسِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَكْفِي فِي تَرْجِيحِهِ اقْتِصَارُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي يَلِيهِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ شُرِطَ فِي عَقْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ وَبَنَى الْمُبْتَاعُ وَغَرَسَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ] (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ سَحْنُونٌ: لَوْ شُرِطَ فِي عَقْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ وَبَنَى الْمُبْتَاعُ، وَغَرَسَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَمْ تَفُتْ بِذَلِكَ وَرُدَّ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا، وَإِنْ بَنَى بَعْدَ أَجَلِ الْخِيَارِ الْمُشْتَرَطِ فَذَلِكَ فَوْتٌ يُوجِبُ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا، وَالْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ بَيْعِ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا خِلَافًا، وَذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَشَرَطَ خِيَارَ سَنَةٍ، أَوْ سَنَتَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ يَوْمِ قَبْضِهَا اهـ. فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ فَوْتًا، وَلَوْ كَانَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ سَنَتَيْنِ فَبَنَى وَغَرَسَ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، فَلَيْسَ فَوْتًا، وَيَكُونُ فِيهِ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا، وَإِنْ بَنَى بَعْدَ أَجَلِ الْخِيَارِ فَهُوَ فَوْتٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الدَّارِ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَ أَيْضًا: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ فِي الشَّامِلِ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الصِّيغَةِ يَجُوزُ إلَى سَنَةٍ، أَوْ فَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُوهِمُ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي بِضَمَانِ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا بَنَى وَغَرَسَ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَيْضًا

الخيار يكون لثلاث

فَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهُ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ بَنَى، أَوْ غَرَسَ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَفُتْ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إلَّا أَنْ يَبْعُدَ أَمَدُ الْخِيَارِ فَلَهُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ يَوْمَ مُضِيِّهِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْقَبْضِ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ مِنْ الْبُعْدِ ضِدُّ الْقُرْبِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى، وَصَوَابُهُ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ أَيْ يَتَجَاوَزَ أَمَدَ الْخِيَارِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (أَوْ مَجْهُولَةٍ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ كَقَوْلِهِمَا إلَى قُدُومِ زَيْدٍ، وَلَا أَمَارَةَ عِنْدَهُمَا إلَى قُدُومِهِ، أَوْ إلَى أَنْ يُولَدَ لِفُلَانٍ، وَلَا حَمْلَ عِنْدَهُ، أَوْ إلَى أَنْ يُنْفِقَ سُوقٌ السِّلْعَةَ، وَلَا أَوَانَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عُرْفًا أَنَّهَا تُنْفَقُ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَجَلَ إذَا كَانَ مَعْلُومًا بِالْعُرْفِ لَهُ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ زَائِدًا عَلَى الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا شَرَطَ خِيَارًا بَعِيدَ الْغَيْبَةِ، أَوْ أَجَلًا مَجْهُولًا فَسَدَ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ اهـ. (فَرْعٌ:) الظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الضَّمَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. ص (أَوْ غَيْبَةٍ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) ش هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْخِيَارِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ: لَمَّا ذَكَرَ الْخِيَارَ فِي الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ فَقَالَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغِيبَ الْمُبْتَاعُ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ مِنْ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ فَيَصِيرُ تَارَةً سَلَفًا وَتَارَةً بَيْعًا، ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ اهـ. وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: لَا يُغَابُ، وَمُرَادُهُ الْغَيْبَةُ بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا، فَلَوْ تَطَوَّعَ الْبَائِعُ بِإِعْطَاءِ السِّلْعَةِ لِلْمُشْتَرِي جَازَ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُرْشِدُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ تَارَةً بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا مَعَ الِاشْتِرَاطِ كَمَا فِي الثَّمَنِ اهـ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ غَيْبَةٍ أَنَّ غَيْبَةَ الْبَائِعِ أَيْضًا مُمْتَنِعَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى امْتِنَاعِ غَيْبَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ قَالَ: وَلْيُجِزْ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ حَاصِلٌ، وَيُقَدَّرُ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْتَزَمَهُ وَأَسْلَفَهُ، فَيَكُونُ بَيْعًا إنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَسَلَفًا إنْ رَدَّهُ، وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَبْقَى بِيَدِ بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ شَيْئِهِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ فَسَادِ الْبَيْعِ بِاشْتِرَاطِ الْغَيْبَةِ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ، وَنَصَّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَسَحْنُونٍ: وَلَا يَغِيبُ مُبْتَاعٌ عَلَى مِثْلِيٍّ. اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يُطَبَّعَ، فَإِنْ غَابَ دُونَهُ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ، وَيَجُوزُ طَوْعًا اهـ. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَاللَّحْمِ جَائِزٌ إلَى مُدَّةٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا، وَلَا يَغِيبُ عَلَيْهَا الْبَائِعُ، وَلَا الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يُطَبَّعَ عَلَيْهَا، أَوْ يَكُونَ الثَّمَرُ فِي شَجَرَةٍ، فَإِنْ غَابَ عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُطَبَّعْ عَلَيْهَا لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ، وَلَا يُتَّهَمُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْبَيْعِ هَذَا، أَوْ مِثْلَهَا وَلِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَسَلَّفَهَا وَيَرُدَّ مِثْلَهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا بِيعَ بِالْخِيَارِ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ، أَوْ الْقَمْحِ وَالزَّيْتِ فَلَا يَغِيبُ عَلَيْهِ بَائِعٌ، وَلَا مُشْتَرٍ، فَإِنْ فَعَلَا مَضَى، وَلَمْ يُفْسَخْ. [الْخِيَارُ يَكُونُ لِثَلَاثٍ] (الثَّانِي:) يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَنَّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ يَجُوزُ الْغَيْبَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهَلْ يُقْضَى بِتَسْلِيمِهِ لِلْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَ ذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْخِيَارُ يَكُونُ لِثَلَاثٍ: لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ وَلِعِلْمِ غَلَائِهِ مِنْ رُخْصِهِ وَالثَّانِي: لِيُؤَامِرَ نَفْسَهُ فِي الْعَزْمِ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِمَوْضِعِ الثَّمَنِ مِنْ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَالثَّالِثُ لِيَخْتَبِرَ الْمَبِيعَ، وَأَيَّ ذَلِكَ قَصَدَ بِالْخِيَارِ جَازَ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِيَتَرَوَّى فِي

كراء اللبس

الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِهِ عِنْدَ بَائِعِهِ، وَإِنْ كَانَ لِيُعَاوِدَ نَظَرَهُ فِي الثَّوْبِ، أَوْ الْعَبْدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ لِيَخْتَبِرَ الْمَبِيعَ كَانَ لَهُ قَبْضُهُ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْخِيَارَ لِمَا أَرَادَهُ كَانَ مَحْمَلُهُ عَلَى غَيْرِ الِاخْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْخِيَارِ أَنَّهُ فِي الْعَقْدِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: سَلِّمْهُ إلَيَّ لِنَخْتَبِرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُخْتَصَرًا مُجْحَفًا فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الْخِيَارُ لِخُبْرَةِ الْمَبِيعِ وَالتَّرَوِّي فِي ثَمَنِهِ، أَوْ كَسْبِهِ لَهُ قَبْضُهُ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُبَيِّنَهُ، وَإِلَّا فَلَا. اللَّخْمِيُّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى وُقُوعِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ قَصْدًا نَقِيضَ الْآخَرِ فُسِخَ اهـ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: الْخِيَارُ إنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَ لِيُعَاوِدَ نَظَرَهُ فِي الثَّوْبِ، أَوْ لِيَخْتَبِرَهُ جَازَ لَهُ قَبْضُهُ اهـ. وَكَذَا قَالَ التُّونُسِيُّ: إنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ إنَّمَا فَهِمْتُ عَنْهُ الْمَشُورَةَ لَا أَنْ أَدْفَعَ إلَيْهِ عَبْدِي فَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَلَا يُدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي لِيَخْتَبِرَهُ إلَّا بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ تَارَةً يَكُونُ لِلْمَشُورَةِ وَتَارَةً لِلِاخْتِبَارِ، وَلَا يَلْزَمُ الِاخْتِبَارُ إلَّا بِشَرْطٍ اهـ. ص (أَوْ لُبْسِ ثَوْبٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ إذَا شَرَطَ الْمُشْتَرِي لُبْسَ الثَّوْبِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِذَا فُسِخَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ لِأَجْلِ اللُّبْسِ. ابْنُ يُونُسَ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إذَا فُسِخَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ الْغَلَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ هَلْ ضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ ابْنُ يُونُسَ فَعَلَى أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُبْتَاعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي اللُّبْسِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ؛ فَإِنَّ حِكَايَتَهُ الْخِلَافَ ثَانِيًا يُخَالِفُ مَا حَكَاهُ أَوَّلًا مِنْ الِاتِّفَاقِ، وَقَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ لُبْسُ الثَّوْبِ يَعْنِي اللُّبْسَ الْكَثِيرَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يَقِيسَهُ عَلَيْهِ وَاخْتَصَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَمَّا الثَّوْبُ فَإِنَّمَا يُشَاوِرُ فِيهِ وَيَقِيسُهُ. [كِرَاءُ اللُّبْسِ] (الثَّانِي:) قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِذَا فَسَخَ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ لِأَجْلِ اللُّبْسِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كِرَاءُ اللُّبْسِ سَوَاءٌ نَقَصَهُ، أَوْ لَمْ يُنْقِصْهُ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ اللُّبْسِ إذَا نَقَصَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ. (الثَّالِثُ:) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ التَّرَافُعِ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ لَيْسَ فِيهِ فِيمَا رَأَيْتُ، وَنَصُّهُ: وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي اشْتِرَاطِ لُبْسِ الثَّوْبِ، وَنَقَصَ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَةُ لُبْسِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ، مِمَّنْ ضَمَانُهَا؟ فَقِيلَ مِنْ الْبَائِعِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي قِيمَةِ اللُّبْسِ مِثْلَ مَا قَدَّمْنَا، وَقِيلَ: مِنْ الْمُبْتَاعِ يَوْمَ قَبَضَهَا كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ كَسَائِرِ الْغَلَّاتِ ابْنُ يُونُسَ، وَلَمْ أَرَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ خِلَافًا أَنَّ الْمُصِيبَةَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ الطَّوِيلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ فَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُهُ: إنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ وَقَعَ فَاسِدًا، وَهَذَا بِخِلَافِ إذَا صَحَّ الْخِيَارُ، وَفَسَدَ الْبَيْعُ لِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِيهِ أَنَّ الضَّمَانَ هَاهُنَا مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هَاهُنَا صَحِيحٌ. ابْنُ يُونُسَ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ قِيمَةُ لُبْسِ الثَّوْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِلَا خِلَافٍ فَانْظُرْهُ اهـ. فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَدَافُعٌ؛ لِأَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي ضَمَانِ الْمَبِيعِ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ، وَأَنَّ الْبَعْضَ الْمَذْكُورَ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ فِي أُجْرَةِ لُبْسِ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَلَا، وَأَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ إذَا فَسَدَ، فَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ مِنْ جِهَةِ الْخِيَارِ لِاشْتِرَاطِ الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ فَاخْتُلِفَ فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْخِيَارِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِذَا

اشتراط الانتفاع بالدار والعبد

عُلِمَ ذَلِكَ عُلِمَ حُكْمُ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمَجْهُولَةَ كَالْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ جِهَةِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبِ وَمَسْأَلَةُ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ فَالضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ حَتَّى تَمْضِيَ أَيَّامُ الْخِيَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ لُزُومِ الْأُجْرَةِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ وَالْغَلَّةَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْعَ خِيَارٍ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ هُوَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ نَحْوَ مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اشْتِرَاطُ الِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ وَالْعَبْدِ] (الرَّابِعُ) : لَا خُصُوصِيَّةَ لِلثَّوْبِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ حُكْمُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ: وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ ثَمَنٌ، وَفِيهِ لَهُ انْتِفَاعٌ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الدَّارِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْكُنُهَا وَيَصْرِفُ عَنْ نَفْسِهِ مَئُونَةَ كِرَاءِ دَارٍ كَانَ يَسْكُنُهَا، وَإِنَّمَا يَمْضِي وَحْدَهُ فَيُقِيمُ فِيهَا لَيْلًا يَخْتَبِرُ أَمْرَ الْجِيرَانِ مِنْ غَيْرِ انْتِفَاعٍ بِذَلِكَ، وَلَا نَقْلِ فَرْشٍ إلَيْهَا وَكُلُّ أَمَدٍ مِنْ هَذَا يَكُونُ لَهُ ثَمَنٌ، وَلَهُ فِيهَا انْتِفَاعٌ فَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ، وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَمَا لَا قَدْرَ لَهُ فَجَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَطَ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لَمْ يُلْزَمْ الْبَائِعُ بِدَفْعِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُبْتَاعِ لِيَخْتَبِرَهُ إلَّا بِشَرْطٍ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ سُكْنَى الدَّارِ مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا الدَّارُ فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ عَنْ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ، أَوْ بِكِرَاءٍ، وَلَمْ يُخْلِهِ لِأَجْلِ انْتِفَاعِهِ بِالْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ فِي كِرَاءٍ فَأَخْلَاهَا، أَوْ أَكْرَاهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي بِغَيْرِ كِرَاءٍ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ إنْ سَكَنَ أَدَّى الْأُجْرَةَ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ إنْ كَانَ اخْتَارَهَا فِيمَا لَا تُسْتَأْجَرُ لَهُ جَازَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ، وَلَمْ تُخْتَبَرْ مُدَّةً لَمْ يَجُزْ إلَّا بِعِوَضٍ. وَالْعَبْدُ عَلَى ثَلَاثَةِ، أَوْجُهٍ: عَبْدُ خِدْمَةٍ وَعَبْدُ صِنَاعَةٍ وَعَبْدُ خَرَاجٍ فَعَبْدُ الْخِدْمَةِ لَا تَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَا صَنْعَةٍ وَيَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَعْرِفَتِهَا، وَهُوَ عِنْدَ سَيِّدِهِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا عَمِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَتَكُونُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِذَلِكَ إلَّا نَحْوًا مِنْ اخْتِبَارِهِ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا تَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخَرَاجِ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي مَعْرِفَةَ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْعَثَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَيَكُونَ مَا يَكْسِبُهُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعِوَضُ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سُكْنَى، أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا، فَإِنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ كَانَ لِلْبَائِعِ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ ذَلِكَ الْأَمَدِ كَانَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ، وَسَقَطَ مَا سِوَاهُ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَدٍّ فِي كَالْغَدِ) ش: هُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْخِيَارِ، أَوْ كَالْغَدِ وَقُرْبِ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي بِالْقَرِيبِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالْبَعِيدِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ شَرَطَ إنْ لَمْ يَأْتِ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْخِيَارِ لَزِمَ الْبَيْعُ لَمْ يَجُزْ. أَرَأَيْتَ إنْ مَرِضَ الْمُبْتَاعُ، أَوْ حَبَسَهُ سُلْطَانٌ كَانَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ؟ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَإِنْ فَاتَ الْأَجَلُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْبَيْعُ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْقَابِسِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً وَشَرَطَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا، وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ قَالَ فِيهَا فِي آخِرِ تَأْوِيلِهِ: إنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ وَرَآهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَاَلَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَارٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الِاخْتِلَافُ كَمَا جَرَى فِي هَذِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتِمَّ فَوَجَبَ فَسْخُهُ، وَفِي تِلْكَ تَمَّ فَوَجَبَ إسْقَاطُ الشَّرْطِ. ابْنُ يُونُسَ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ

طلب البائع وقف الثمن

سَوَاءٌ، وَيَدْخُلُهَا الِاخْتِلَافُ اهـ. (قُلْت) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَسُقُوطُ الشَّرْطِ، فَيَكُونُ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَجُزْ أَيْ ابْتِدَاءً فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِشَرْطِ نَقْدٍ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِشَرْطِ مُشَاوَرَةِ بَعِيدٍ، وَيَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ يَفْسُدُ إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَنْقُدَهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ تَارَةً بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَبِشَرْطِ نَقْدِ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالنَّقْدِ جَائِزٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْخِيَارِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالنَّقْدُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ أَجْلِ الْخِيَارِ أَقْرَبُ، وَلَا يَحِلُّ بِشَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْعُ الْخِيَارِ بِغَيْرِ شَرْطِ النَّقْدِ فَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهِ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ النَّظَائِرَ، وَإِنَّمَا جَازَ النَّقْدُ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُنَا كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ سَلَّفَ الْبَائِعَ بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) إذَا تَوَاطَآ عَلَى النَّقْدِ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ، وَهُوَ وَاضِحٌ بَلْ لَوْ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالشَّرْطِ فَتَأَمَّلْهُ (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَوْ أَسْقَطَ النَّقْدَ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مُسْقِطِ السَّلَفِ، وَقِيلَ مِثْلُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْفَسَادَ فِي اشْتِرَاطِ النَّقْدِ وَاقِعٌ فِي الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فِي الثَّمَنِ؛ إذْ الْمَقْبُوضُ لَا يَدْرِي هَلْ هُوَ ثَمَنٌ أَمْ لَا، وَمَسْأَلَةُ شَرْطِ السَّلَفِ الْفَسَادِ مَوْهُومٌ وَخَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي النُّكَتِ قَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: وَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ فَقِيلَ لَهُمَا: إنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فَقَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أُسْقِطُ تَعْجِيلَ النَّقْدِ وَأُمْضِي الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ فَيَنْبَغِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا فَاسِدًا بِخِلَافِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً وَاشْتَرَطَ أَنْ يُسَلِّفَهُ الْمُشْتَرِيَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أُسْقِطُ السَّلَفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَأُمْضِيَ الْبَيْعَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ أَسْقَطَ شَرْطَ النَّقْدِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَنْصُوصِ اهـ. [طَلَبَ الْبَائِعُ وَقْفَ الثَّمَنِ] (الثَّالِثُ:) لَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ وَقْفَ الثَّمَنِ أَيْ إخْرَاجَهُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَوَضْعَهُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَآلُ أَمْرِ الْبَيْعِ هَلْ يُتِمُّ فَيَأْخُذُهُ الْبَائِعُ، أَوْ لَا؛ فَيَرْجِعُ إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ. قَالَ بَعْضُهُمْ اتِّفَاقًا، وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِيهِ قَوْلًا بِالِاتِّفَاقِ قِيَاسًا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَالْغَائِبِ مِنْ لُزُومِ إيقَافِهِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَالْغَائِبِ قَدْ انْبَرَمَ، وَفِي بَيْعِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْبَرِمْ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَرْضٌ لَمْ يُؤْمَنْ رِيُّهَا) ش: الرِّيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ تَقُولُ: رَوِيتُ مِنْ الْمَاءِ بِالْكَسْرِ

أَرْوِي رَيًّا وَرِوًى مِثْلُ رِضًا اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَكْرَيْت مِنْ رَجُلٍ أَرْضَهُ قَابِلًا، وَفِيهَا زَرْعٌ، أَوْ لِمُكْتَرِي عَامِهِ جَازَ، فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً كَأَرْضِ النِّيلِ جَازَ النَّقْدُ فِيهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بِشَرْطٍ، وَقَالَ الشَّارِحُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالنَّقْدِ جَائِزٌ، وَنَصَّ الْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بِشَرْطٍ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَاسْتَبَدَّ بَائِعٌ، أَوْ مُشْتَرٍ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ) ش: قَالَ

فرع اشترى عبدا بأمة بالخيار ثم أعتقهما قبل انقضائه

فِي الشَّامِلِ عَلَى الْأَصَحِّ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ مَاتَ فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ اهـ. وَالْمَشُورَةُ الشُّورَى، وَكَذَلِكَ الشُّورَةُ بِضَمِّ الشِّينِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ ص (وَرِضَا مُشْتَرٍ كَاتِبٍ) ش: وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ تَصَدَّقَ مُشْتَرٍ، أَوْ وَهَبَ لِغَيْرِ وَلَدٍ صَغِيرٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا، أَوْ بَنَى الْأَرْضَ، أَوْ غَرَسَ، أَوْ أَعْتَقَ، وَلَوْ بَعْضًا، أَوْ لِأَجَلٍ، أَوْ دَبَّرَ فَهُوَ رَاضٍ اهـ. وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي الْعِتْقِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ اشْتَرَى عَلَى خِيَارٍ فَوَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ، أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ دَبَّرَ، أَوْ كَاتَبَ، أَوْ، أَوْلَدَ، أَوْ وَطِئَ، أَوْ قَبَّلَ، أَوْ بَاشَرَ، أَوْ نَظَرَ إلَى الْفَرْجِ كَانَ ذَلِكَ رِضًا وَقَبُولًا لِلْبَيْعِ، ثُمَّ قَالَ: وَعِتْقُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ بَائِعٍ، أَوْ مُشْتَرٍ مَاضٍ، وَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ رَدٌّ، وَمِنْ الْمُشْتَرِي قَبُولٌ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ افْتَرَقَ الْجَوَابُ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْبَائِعُ، وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي كَانَ عِتْقُهُ مَوْقُوفًا، فَإِنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ عِتْقُ الْبَائِعِ، وَإِنْ رَدَّ مَضَى عِتْقُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ رَدَّ الْبَائِعُ سَقَطَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ إنْ مَضَى لَهُ الْبَيْعُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، وَلَا فِي ضَمَانِهِ وَيُفَارِقُ هَذَا الْمُشْتَرِيَ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مَاضٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الْعِتْقِ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى خِيَارٍ فَجَنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَبِلَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ لَهُ مِنْ يَوْمئِذٍ انْتَهَى. [فَرْعٌ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَمَةٍ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا قَبْلَ انْقِضَائِهِ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَمَةٍ بِالْخِيَارِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا قَبْلَ انْقِضَائِهِ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فَقَطْ، وَلَزِمَ مِنْ عِتْقِهَا رَدُّ الْبَيْعِ اهـ. وَهُوَ فِي التَّبْصِرَةِ لِلَّخْمِيِّ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تُبَاعُ عَلَى خِيَارٍ فَوَطِئَهَا مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فَوَلَدَتْ وَاخْتَارَهَا الْآخَرُ فَهِيَ لَهُ دُونَ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ عَلَى الْوَاطِئِ بِالْقِيمَةِ، وَالْأَمَةُ رَدٌّ عَلَى الْآخَرِ فَدَرَأَ الْحَدَّ وَأَلْحَقَ النَّسَبَ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فَلِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَفِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْعَقْدَ شُبْهَةٌ، وَلَمْ يُمْضِ الْأَمَةَ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا لَمْ يَمْضِ عِتْقُهَا لَوْ أَعْتَقَهَا مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْفَرْعَيْنِ وَقَبِلَهُمَا، وَنَصُّهُ: وَعِتْقُ الْبَائِعِ، وَالْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ لَغْوٌ إنْ بُتَّ الْبَيْعُ وَمَاضٍ إنْ رُدَّ. (قُلْت:) لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا، وَهِيَ حُجَّةٌ لِابْنِ رُشْدٍ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ وَالْمَازِرِيِّ فِي أَنَّهُ عَلَى الْحِلِّ، وَعَكْسُهُ الْعِتْقُ لَغْوٌ اللَّخْمِيُّ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُبْتَاعِ، وَإِذْنِ الْبَائِعِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ عِتْقِ الْمُبْتَاعِ مَبِيعًا فَاسِدًا، وَخَرَجَ لُزُومُهُ إنْ بُتَّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْأَرْشُ لِلْمُبْتَاعِ وَالْمَازِرِيِّ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ إنْ حَمَلَتْ مِنْ ذِي الْخِيَارِ مِنْهُمَا وَبُتَّ كَانَتْ لِذِي الْخِيَارِ مَعَ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَلَا حَدَّ اهـ ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ بَنَى، أَوْ غَرَسَ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي فَأَمْضَى الْبَائِعُ لَهُ الْبَيْعَ مَضَى فِعْلُهُ، وَإِنْ رَدَّ كَانَ عَلَى الْبَائِعِ قِيمَةُ ذَلِكَ مَنْقُوضًا، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَنَى بِوَجْهِ شُبْهَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنْ يَدْفَعَ لِلْبَائِعِ قِيمَةَ ذَلِكَ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ عَلَى الْمُشْتَرِي لِمَا عَقَدَ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَنَصُّهُ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ رِضًا مِنْ الْمُشْتَرِي وَرَدٌّ مِنْ الْبَائِعِ، فَإِنْ فَعَلَهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ خِيَارٌ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَأَمْضَى لَهُ الْبَيْعَ مَضَى، أَوْ رَدَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، قَالَهُ سَحْنُونٌ، أَوْ هُوَ الْبَائِعُ، وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ يَدْفَعُ لِلْبَائِعِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ. ص (أَوْ قَصَدَ تَلَذُّذًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ قَرَصَهَا، أَوْ مَسَّ بَطْنَهَا، أَوْ ثَدْيَهَا، أَوْ خَضَبَ يَدَيْهَا

بِحِنَّاءٍ، أَوْ ضَفَّرَ رَأْسَهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ عَلَى فِعْلِهَا ذَلِكَ دُونَ أَمْرِهِ اهـ. وَلِابْنِ غَازِيٍّ هُنَا كَلَامٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ قَصَدَ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فَرَاجِعْهُ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ الْوَطْءِ بِالتَّلَذُّذِ لِدُخُولِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَوَطْءُ ذِي الْخِيَارِ بَائِعًا رَدٌّ وَمُبْتَاعًا بَتٌّ، فَإِنْ كَانَ وَخْشًا عَجَّلَ الثَّمَنَ وَتُوقَفُ الْعَلِيَّةُ لِلِاسْتِبْرَاءِ. اللَّخْمِيُّ اتِّفَاقًا كَبَيْعِ بَتٍّ وَضَمَانُهَا بِيَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْوَقْفِ اهـ. ص (وَهُوَ رَدٌّ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا الْإِجَارَةَ) ش: شَمِلَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَوْ اسْتَثْنَاهُ لَكَانَ حَسَنًا، وَهُوَ إسْلَامُهُ لِلصَّنْعَةِ فَإِنَّ اللَّخْمِيّ اسْتَثْنَاهُ مَعَ الْإِجَارَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ. ص (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ، أَوْ رَدَّ بَعْدَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ش: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ مَضَى أَيَّامُ الْخِيَارِ، وَهُوَ فِي يَدِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اخْتَارَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَرُدَّ فِي كَالْغَدِ ص (وَلَا يَبِعْ مُشْتَرٍ، فَإِنْ فَعَلَ، فَهَلْ يُصَدَّقُ أَنَّهُ اخْتَارَ بِيَمِينٍ، أَوْ لِرَبِّهَا نَقْضُهُ؟ قَوْلَانِ) ش فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَا يَبِعْ عَلَى أَنْ لَا نَاهِيَةٌ وَيَبِعْ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ، أَوْ بِيَاءٍ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَيَبِيعُ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ، عَلَى هَاتَيْنِ النُّسْخَتَيْنِ فَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي رِوَايَةٍ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَخْتَارَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَا يَبِيعُ مُشْتَرٍ عَلَى أَنَّ بَيْعَ مَصْدَرٌ فَجَعَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لَا إنْ جَرَّدَ جَارِيَةً وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ إلَّا الْإِجَارَةَ. وَعَلَى كِلَا الْمَحْمَلَيْنِ فَالْمَعْنَى أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لِلسِّلْعَةِ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لَهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: فَإِنْ بَاعَ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ بِالْخِيَارِ، وَرَبُّ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ جَوَّزَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَذَّبَهُ صَاحِبُهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ

فرع فات بيع المبتاع والخيار للبائع

الرِّوَايَةِ أَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْهَا الْبَائِعُ وَقَيَّدَ الشَّيْخُ سَيِّدِي ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ يُونُسَ قَوْلَهُ: وَكَذَّبَهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَا: يُرِيدُ لِعِلْمٍ يَدَّعِيهِ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يُحَقِّقْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى، فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ: وَكَذَّبَهُ يُنَاسِبُ أَنَّهَا دَعْوَى مُحَقَّقَةٌ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَلَا بَيْعُ مُشْتَرٍ قَبْلَ مُضِيِّهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ، وَهَلْ يُصَدَّقُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَبْلَهُ بِيَمِينٍ إنْ كَذَّبَهُ رَبُّهَا لِعِلْمِ مُدَّعِيهِ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ، أَوْ لِرَبِّهَا رَدُّ الْبَيْعِ، أَوْ لَهُ رَدُّ الرِّبْحِ فَقَطْ، أَقْوَالٌ. (الثَّانِي:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الرِّوَايَةِ مُتَمِّمًا لِهَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي الْقَوْلَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْتَارَ فَالرِّبْحُ لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَصَوَّبَ هَذَا الْقَوْلَ اللَّخْمِيُّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ وَجَدَ رِبْحًا لَا يَدْفَعُهُ لِغَيْرِهِ اهـ. (قُلْت:) وَلِهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ أَخَّرَهُ (الثَّالِثُ:) قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُشْتَرِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيهِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَاعَ وَالْخِيَارُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ الْبَائِعَ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ يُشْهِدَ عَلَى اخْتِيَارِهِ. [فَرْعٌ فَاتَ بَيْعُ الْمُبْتَاعِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ] (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَوْ فَاتَ بَيْعُ الْمُبْتَاعِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنَيْنِ وَالْقِيمَةِ، وَعَكْسُهُ لِلْمُبْتَاعِ الْفَسْخُ، أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْ فَضْلِ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ اهـ. ص (وَلِغَرِيمٍ أَحَاطَ دَيْنُهُ) ش: أَيْ وَانْتَقَلَ الْخِيَارُ لِلْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ دَيْنُهُمْ مُحِيطًا، فَإِنْ اخْتَارُوا الْأَخْذَ فَلَهُمْ ذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ، وَأَوْفَى التَّرِكَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ زَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْمَيِّتِ، وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ اخْتَارُوا التَّرْكَ، وَالْأَخْذُ أَرْجَحُ لَمْ يُجْبَرُوا، وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ حَسَنٍ فَانْظُرْهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصَّهُ الشَّيْخُ الرِّبْحُ لَهُ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ أَخْذِهِمْ مَا ابْتَاعَ يَدْفَعُهُ عَنْهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِبَتِّ عَقْدِهِ، فَإِنْ تَرَكُوا وَالْأَخْذُ أَرْجَحُ لَمْ يُجْبَرُوا بِخِلَافِ هِبَةِ ثَوَابٍ كَذَلِكَ اهـ، وَهَذَا الْقَيْدُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا كَلَامَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا لَهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: وَالرِّبْحُ لِلْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِوَارِثٍ) ش: يُرِيدُ إنْ اتَّحَدَ، أَوْ تَعَدَّدَ، وَلَوْ اتَّفَقُوا. قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالْوَصِيُّ مَعَ الْكَبِيرِ كَالْوَرَثَةِ. (فَرْعٌ:) ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَوْصِيَاءُ فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْفَرْعَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ص (وَهَلْ وَرَثَةُ الْبَيْعِ كَذَلِكَ) ش:. (قُلْت) ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَرَثَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِمْ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فَيُنَزَّلُ الرَّادُّ مِنْ وَرَثَةِ الْبَائِعِ مَنْزِلَةَ الْمُجِيزِ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّادِّ إلَّا نَصِيبُهُ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِ نَصِيبِ الْمُجِيزِ وَرَدِّهِ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ لِلرَّادِّ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَخِيهِ الْمُجِيزِ. وَالتَّأْوِيلُ

الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ رَدَّ أَخْذُ نَصِيبِ الْمُجِيزِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَجَازَ إنَّمَا أَجَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا لِأَخِيهِ. ص (وَإِنْ جُنَّ نَظَرَ السُّلْطَانُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ جُنَّ فَأُطْبِقَ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَالْخِيَارُ لَهُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنْظُرُ فِي الْأَخْذِ، أَوْ الرَّدِّ وَيُوَكِّلُ بِذَلِكَ مَنْ يَرَى مِنْ وَرَثَتِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ، وَيَنْظُرُ فِي مَالِهِ وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى عِيَالِهِ. (فَرْعٌ:) هَلْ الْمَفْقُودُ كَالْمَجْنُونِ، أَوْ الْمُغْمَى؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الشَّامِلِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَانْتُظِرَ الْمُغْمَى) ش:. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ، ثُمَّ هُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ إغْمَاؤُهُ أَيَّامًا فَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ فَإِنْ رَأَى ضَرَرًا

فَسَخَ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. ص (أَوْ يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنْ رَدَّ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَقَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعَ صُدِّقَ الْمُبْتَاعُ مَعَ يَمِينِهِ كَانَ يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا. اهـ. ص (وَإِنْ جَنَى بَائِعٌ، وَالْخِيَارُ لَهُ عَمْدًا إلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ الْأَكْثَرَ) ش:. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجِنَايَةُ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ خَطَأٌ لَغْوٌ، فَإِنْ رَدَّ غَرِمَ نَقْصَ الْقَلِيلِ فِي غُرْمِهِ لِلْمُفْسِدِ ثَمَنَهُ، أَوْ قِيمَتَهُ ثَالِثُهَا: أَقَلُّهُمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ قَائِلًا وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقَوْلُ اللَّخْمِيّ لَوْ قِيلَ لَكَانَ وَجْهًا، ثُمَّ قَالَ: وَجِنَايَةُ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ خَطَأٌ يُوجِبُ تَخْيِيرَ الْمُبْتَاعِ وَعَمْدٌ فِي كَوْنِهَا دَلِيلًا وَرَدَّهُ، الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، ثُمَّ قَالَ التُّونُسِيُّ: وَجِنَايَتُهُ يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ خَطَأٌ كَأَجْنَبِيٍّ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْبَائِعِ أَخْذُ الْجِنَايَةِ، أَوْ الثَّمَنِ لَا أَعْرِفُهُ وَيُنْظَرُ لِلْمُبْتَاعِ وَعَمْدًا لِلْبَائِعِ إلْزَامُهُ الْبَيْعَ، أَوْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْبَائِعِ، وَالْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ بِقَتْلٍ خَطَإٍ فَسْخٌ وَعَمْدًا تَلْزَمُهُ فَضْلُ قِيمَتِهِ عَلَى ثَمَنِهِ وَيَنْقُصُ خَطَأً ضَمَانُهُ وَعَمْدًا لِلْمُبْتَاعِ أَخْذُهُ مَعَ الْأَرْشِ اهـ. ص (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ وَقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَ فَادَّعَى ضَيَاعَهُمَا ضَمِنَ وَاحِدًا بِالثَّمَنِ

وَلَوْ سَأَلَ فِي إقْبَاضِهِمَا، أَوْ ضَيَاعِ وَاحِدٍ ضَمِنَ نِصْفَهُ وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي) ش: هَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا خِيَارٌ وَاخْتِيَارٌ: خِيَارٌ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ وَاخْتِيَارٌ لِأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، فَقَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ يُرِيدُ بِخِيَارٍ، وَقَوْلُهُ: وَقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَ أَيْ، وَقَبَضَهُمَا مَعًا لِيَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمَا إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمَا مَعًا. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ ضَاعَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَاحِدًا بِالثَّمَنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْآخَرِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، أَوْ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ عَلَى أَنْ يَقْبَلَ، أَوْ يَرُدَّ، وَلَهُ الْقَبُولُ فِي مَقَامِهِ وَتَلَفِهِ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُهُ بِالثَّمَنِ لِكَوْنِ الْبَائِعِ سَلَّمَهُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ عِوَضَهُ الثَّمَنُ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي عَلَى الضَّيَاعِ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ضَمِنَ وَاحِدًا بِالثَّمَنِ يُرِيدُ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى التَّلَفِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ سَوَاءٌ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى التَّلَفِ، أَوْ لَمْ تَقُمْ. قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ ضَمَانُهُ ضَمَانُ تُهْمَةٍ، أَوْ ضَمَانُ أَصْلٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ سَأَلَ فِي إقْبَاضِهِمَا، مُبَالَغَةٌ، وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي يُفَرِّقُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الْبَائِعُ بِالدَّفْعِ فَيَضْمَنُ وَاحِدًا وَبَيْنَ أَنْ يَسْأَلَ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمَهَا لَهُ فَيَضْمَنُهَا، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ ضَيَاعُ وَاحِدٍ ضَمِنَ نِصْفَهُ، وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي فَيَعْنِي بِهِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هُوَ حُكْمُ مَا إذَا ضَاعَ الثَّوْبَانِ مَعًا، وَأَمَّا إذَا ضَاعَ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ ثَمَنِ التَّالِفِ، وَهُوَ فِي الثَّوْبِ الْبَاقِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ، أَوْ رَدَّهُ. قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَأَمَّا إنْ ادَّعَى ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا فَلَا يَخْلُو ضَيَاعُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَخْتَارَ الَّذِي ضَاعَ، أَوْ الَّذِي بَقِيَ، أَوْ أَبْهَمَ الْأَمْرَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي ضَاعَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ ثَمَنَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلتَّالِفِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ أَمِينٌ، وَإِنْ أَبْهَمَ فَادَّعَى أَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَيَحْلِفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ نِصْفَ ثَمَنِ التَّالِفِ، وَالْمَذْهَبُ فِي أَخْذِهِ الثَّوْبَ الْبَاقِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الثَّوْبِ الْبَاقِي، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ كُلَّهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبًا وَنِصْفَ ثَوْبٍ وَمَا كَانَ الِاشْتِرَاءُ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ ضَمَانُهُ ضَمَانُ تُهْمَةٍ، أَوْ ضَمَانُ أَصْلٍ اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ ثَمَنَ التَّالِفِ، ثُمَّ لَهُ أَخْذُ الثَّوْبِ الْبَاقِي، أَوْ رَدُّهُ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ قَالَ الْمُبْتَاعُ: إنَّمَا ضَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَنْ أَخَذْت هَذَا الْبَاقِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّالِفِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا ذَهَبَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ قَبْلَ مُضِيِّ الْخِيَارِ. ابْنُ يُونُسَ وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا أَلَا تَشْهَدُ خِلَافَ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَمَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ لِرَفْعِ ضَمَانِ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ أَصْبَغُ: وَلَوْ لَمْ يُخَيَّرْ حَتَّى هَلَكَ وَاحِدٌ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي، وَغَرِمَ نِصْفَ ثَمَنِ التَّالِفِ، فَإِنْ اخْتَارَ حَبْسَ الْبَاقِي فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفَهُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ نِصْفُ التَّالِفِ، وَهُوَ لَمْ يَبِعْهُ

فرع إذا مضت أيام الخيار ولم يختر ثم أراد بعد ذلك الاختيار

ثَوْبًا وَنِصْفًا، وَإِنَّمَا بَاعَهُ ثَوْبًا وَاحِدًا اهـ. (تَنْبِيهٌ:) قَوْلُ الرَّجْرَاجِيِّ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إمَّا أَنْ يَخْتَارَ الَّذِي ضَاعَ، أَوْ الَّذِي بَقِيَ أَيْ وَقَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ الَّذِي ضَاعَ، أَوْ الَّذِي بَقِيَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: وَإِنْ أَبْهَمَ الْأَمْرَ فَادَّعَى أَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ. وَقَوْلُهُ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَهُ اخْتِيَارُ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْبَائِعِ، فَإِنْ اخْتَارَهُ بِبَيِّنَةٍ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ بِقَطْعٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ كَانَ فِي الْبَاقِي أَمِينًا إنْ هَلَكَ فَمِنْ بَائِعِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اخْتَارَ رَدَّ الثَّوْبَيْنِ، ثُمَّ ضَاعَا بِبَيِّنَةٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَفِي ضَيَاعِهِمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي ضَيَاعِ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ لَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَرَدُّ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الضَّائِعُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَ رَدَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَيُؤَدِّي ثَمَنَ الَّذِي اخْتَارَهُ هَذَا الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَالرَّجْرَاجِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَحَدَ عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَضَاعَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ: فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الثَّوْبَيْنِ عَبْدَانِ فَالْهَلَاكُ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ أَخْذُ الْبَاقِي، أَوْ رَدُّهُ قَالَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ كَانَ شِرَاؤُهُ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْإِلْزَامِ فَهَلَكَ وَاحِدٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَالثَّانِي لِلْمُبْتَاعِ لَازِمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْبَاقِي حُرٌّ اهـ. [فَرْعٌ إذَا مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَخْتَرْ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارَ] (فَرْعٌ:) إذَا مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَخْتَرْ، ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارَ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قَرُبَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلِلْمُبْتَاعِ أَخْذُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّيَا فِيمَا قَرُبَ مِنْ أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَتَبَاعَدَتْ، فَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ أَحَدِهِمَا، وَنَقْضُ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ، أَوْ فِيمَا قَرُبَ مِنْهَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَعْنِي بِالْقُرْبِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالْبُعْدِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ اهـ. ص (فَيَكُونُ شَرِيكًا) ش: يَعْنِي لَهُ الثُّلُثُ وَلِرَبِّهَا الثُّلُثَانِ، وَانْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ كَانَ لِيَخْتَارَهُمَا فَكِلَاهُمَا مَبِيعٌ) ش: هَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا خِيَارٌ فَقَطْ يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُمَا، أَوْ يَرُدَّهُمَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَكِلَاهُمَا مَبِيعٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ ضَيَاعِهِمَا، أَوْ ضَيَاعُ أَحَدِهِمَا أَيْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِخِيَارٍ فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُهُمَا إنْ ضَاعَا، أَوْ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا إنْ ضَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَقَطْ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَهُ رَدُّ الْآخَرِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَوْ كَانَ الْهَالِكُ مِنْهُمَا وَجْهَ الصَّفْقَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَا جَمِيعًا كَضَيَاعِ الْجَمِيعِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الضَّيَاعِ، وَأَمَّا إنْ شَهِدَتْ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَلِكَ حُكْمُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ. [فَرْعٌ كَانَ الْخِيَارُ فِي أَحَدِهِمَا وَالثَّانِي لَازِمٌ وَادَّعَى ضَيَاعَهُمَا مَعًا] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ فِي أَحَدِهِمَا وَالثَّانِي: لَازِمٌ وَادَّعَى ضَيَاعَهُمَا مَعًا لَزِمَهُ ثَمَنُهُمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَأَمَّا إنْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ الضَّائِعُ هُوَ اللَّازِمَ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى خِيَارِهِ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ اللَّازِمُ هُوَ الْبَاقِيَ وَاَلَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ هُوَ الَّذِي ضَاعَ لَزِمَهُ ثَمَنُهُ هَذَا حُكْمُ بَيْعِ الْخِيَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَهُمَا فَضَاعَا] (فَرْعٌ:) فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَهُمَا فَضَاعَا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ، أَوْ مَالًا يُغَابُ عَلَيْهِ فَادَّعَى ضَيَاعَ ذَلِكَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ اهـ. إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الضَّائِعُ أَحَدَهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْآخَرِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَاهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَهُمَا بِيَدِهِ) ش: يَعْنِي إذَا مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ إذَا أَخَذَهُمَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِهِمَا وَرَدَّهُمَا فَإِنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى جَمِيعًا بِالْخِيَارِ

فَمَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَتَبَاعَدَتْ، وَهُمَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّوْبَيْنِ اهـ ص (وَفِي اللُّزُومِ لِأَحَدِهِمَا يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ) ش: هَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا اخْتِيَارٌ فَقَطْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِيَارُ مُجَرَّدًا بِأَنْ يَكُونَ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى الْإِيجَابِ وَأَخَذَ ثَوْبَيْنِ لِيَخْتَارَ مِنْهُمَا فَمَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ، وَكَذَا إنْ ضَاعَا، أَوْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى الْإِيجَابِ فَضَاعَا جَمِيعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ؛ فَمَا تَلِفَ بَيْنَهُمَا، وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا اهـ. قَالَ فِي النُّكَتِ: يَعْنِي إذَا ضَاعَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا الْبَائِعَ وَالْآخَرُ الْمُبْتَاعَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَسَوَاءٌ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ، أَوْ لَمْ تَقُمْ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ فِي أَخْذِ الثَّوْبِ الْبَاقِي كُلِّهِ، وَلَوْ ذَهَبَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَتَبَاعَدَتْ وَالثَّوْبَانِ بِيَدِ الْبَائِعِ، أَوْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَزِمَهُ نِصْفُ كُلِّ ثَوْبٍ، وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ ثَوْبًا لَزِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا هُوَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِيهِمَا شَرِيكَيْنِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَصَّ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى أَنَّ مُضِيَّ أَيَّامِ الِاخْتِيَارِ بِمُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ شِرَاءَهُ لِلثَّوْبَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا بِالْخِيَارِ وَحْدَهُ، أَوْ بِاخْتِيَارٍ وَحْدَهُ وَإِمَّا عَلَى خِيَارٍ وَاخْتِيَارٍ فَيَمْضِي أَيَّامَ الْخِيَارِ وَيَنْقَطِعُ خِيَارُهُ وَيَنْقَضِي الْبَيْعُ إذْ بِمُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ يَنْقَطِعُ اخْتِيَارُهُ اهـ. ص (وَفِي الِاخْتِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) ش: يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِيَارٌ وَاخْتِيَارٌ، وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ بِإِثْرِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَنْ لَوْ أَخَذَهُ - يَعْنِي الثَّوْبَ - عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ فَهَذَا إذَا مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ، وَتَبَاعَدَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَا فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ يَنْقَطِعُ اخْتِيَارُهُ، وَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ عَلَى ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَيَلْزَمُهُ أَخْذُهُ، وَلَا عَلَى إيجَابِ أَخْذِهِ، فَيَكُونُ شَرِيكًا فَصَارَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ فِي شِرَائِهِ الثَّوْبَيْنِ يَلْزَمَانِهِ جَمِيعًا، وَفِي أَخْذِهِ أَحَدَهُمَا عَلَى الْإِيجَابِ يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ، وَفِي أَخْذِهِ عَلَى غَيْرِ الْإِيجَابِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ. اهـ. وَتَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ وَأَتَى بِهَا عَلَى مَا تَرَى، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَفِي الِاخْتِيَارِ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ بَدَلَ قَوْلِهِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ تَبِعَ ابْنَ يُونُسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فِي التَّمْثِيلِ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَسْأَلَةَ الثَّوْبَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا خِيَارٌ وَاخْتِيَارٌ، أَوْ خِيَارٌ فَقَطْ وَيُنْظَرُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِي ضَيَاعِ الثَّوْبَيْنِ مَعًا، وَفِي ضَيَاعِ أَحَدِهِمَا، وَفِي مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَهُمَا بَاقِيَانِ بِيَدِهِ فَاشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ أَمَّا الْأُولَى فَأَشَارَ إلَى حُكْمِ ضَيَاعِ الثَّوْبَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فِيهَا بِقَوْلِهِ: وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ يُرِيدُ بِخِيَارٍ وَقَبَضَهُمَا مَعًا لِيَخْتَارَ أَحَدَهُمَا - إلَى قَوْلِهِ: وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي. وَأَشَارَ إلَى مُضِيِّ حُكْمِ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَالِاخْتِيَارِ فِيهَا بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الِاخْتِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، وَهِيَ مَا فِيهَا خِيَارٌ مُجَرَّدٌ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لِيَخْتَارَهُمَا فَكِلَاهُمَا مَبِيعٌ وَلَزِمَاهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَهُمَا بِيَدِهِ وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا فِيهَا اخْتِيَارٌ بِقَوْلِهِ: وَفِي اللُّزُومِ لِأَحَدِهِمَا يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ سَوَاءٌ ضَاعَا مَعًا، أَوْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا، أَوْ بَقِيَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) زَادَ فِي الْجَوَاهِرِ صُورَةً رَابِعَةً، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِي أَحَدِهِمَا فِي الْعَقْدِ وَالتَّعْيِينِ، وَفِي الْآخَرِ فِي التَّعْيِينِ خَاصَّةً دُونَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَكُونَ لَزِمَهُ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي أَخْذِ الْآخَرِ، فَإِنْ ضَاعَا ضَمِنَهُمَا إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ ضَمِنَ وَاحِدًا فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ ضَاعَ أَحَدُهُمَا جَرَى الْأَمْرُ فِي ضَيَاعِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ:) وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَسَاوِي الثَّمَنَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا كَانَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ ضَمَانَ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبَيْنِ قَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا

ابْنُ يُونُسَ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَصَاحِب الذَّخِيرَةِ فَمَنْ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَلْيُرَاجِعْهَا فِيهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرُدَّ بِعَدَمِ مَشْرُوطٍ فِيهِ غَرَضٌ) ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى خِيَارِ النَّقِيصَةِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِسَبَبِ نَقْصٍ يُخَالِفُ مَا الْتَزَمَ الْبَائِعُ شَرْطًا، أَوْ عُرْفًا فِي زَمَانِ ضَمَانِهِ، وَالتَّغْيِيرُ الْفِعْلِيِّ دَاخِلٌ فِي الشَّرْطِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ لَقَبٌ لِتَمْكِينِ الْمُبْتَاعِ مِنْ رَدِّ مَبِيعِهِ عَلَى بَائِعِهِ لِنَقْصِهِ عَنْ حَالَةٍ بِيعَ عَلَيْهَا غَيْرُ قِلَّةٍ كَمِائَةٍ قَبْلَ ضَمَانِهِ مُبْتَاعَهُ فَيَدْخُلُ حَدِيثُ النَّقْصِ فِي الْغَائِبِ وَالْمُوَاضَعَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَتِّ الْخِيَارِ إلَّا الرَّدَّ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَكْثَرِ اهـ. ص (كَثَيِّبٍ لِيَمِينٍ فَيَجِدُهَا بِكْرًا) ش: كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِهِ، وَقَدْ أَعْتَقَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ، وَقَدْ أَغْفَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ فِيمَنْ ابْتَاعَ سَمْنًا فَوَجَدَهُ سَمْنَ بَقَرٍ فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ إلَّا سَمْنَ الْغَنَمِ: إنَّ لَهُ رَدَّهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ أَفْضَلُ، وَكَذَا قَالَ فِي هَذَا الرَّسْمِ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: إنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ وَلَبَنَهَا وَزُبْدَهَا أَطْيَبُ وَأَجْوَدُ مِنْ الْبَقَرِ وَذَلِكَ عَكْسُ مَا عِنْدَنَا وَعَلَى مَا عِنْدَنَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ أَفْضَلَ الصِّنْفَيْنِ، وَهَذَا إذَا كَانَ سَمْنُ الْغَنَمِ هُوَ الْغَالِبَ فِي الْبَلَدِ، أَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ هَذِهِ كُلُّ شَيْءٍ يُبَاعُ مِنْ جِنْسَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْبَلَدِ فَالْبَيْعُ يَقَعُ عَلَى أَفْضَلِهِمَا، فَإِنْ وَجَدَ الْأَدْنَى كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَفْضَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ الْأَدْنَى لِوَجْهٍ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا فَأَرَادَ رَدَّهُ؛؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُزَوِّجَهُ أَمَةً لِي نَصْرَانِيَّةً، أَوْ لِيَمِينٍ عَلَيَّ أَنْ لَا أَشْتَرِيَ مُسْلِمًا، ثُمَّ قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ فَوَجَدَهَا مِنْ جِنْسٍ أَرْفَعَ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إذَا كَانَ لِاشْتِرَاطِهِ وَجْهٌ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَإِنْ كَانَ لِاشْتِرَاطِهِ وَجْهٌ، وَقِيلَ: لَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِهِ وَجْهٌ. (تَنْبِيهٌ:) . قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فِيمَنْ اشْتَرَطَ نَصْرَانِيًّا فَوَجَدَ مُسْلِمًا إذَا قُلْنَا: لَهُ الرَّدُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّزْوِيجَ مِمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِهِ هَذَا إذَا عُرِفَ مَا قَالَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ صُدِّقَ مَا قَالَ، وَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ وَجْهٌ لَمْ أَرَ أَنْ يَرُدَّ، وَلَمْ يُذْكَرْ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ: إنَّ عَلَيْهِ يَمِينًا فَظَاهِرٌ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَاشْتِرَاطُهُ ذَلِكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَتَأَمَّلْهُ. ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا فِي رَسْمِ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ إلَى قَوْلِهِ: فَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ كُلُّ شَيْءٍ يُبَاعُ مِنْ جِنْسَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْبَلَدِ فَالْبَيْعُ يَقَعُ عَلَى أَفْضَلِهِمَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَلِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ خِلَافُهُ قَالَ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً، أَوْ عَبْدًا فَأَلْفَاهُ رُومِيًّا وَشِبْهَهُ مِنْ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَكْرَهُهَا النَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ فَلَا رَدَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَدْنَى مِمَّا اشْتَرَطَهُ بَائِعُهُ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ: وَفِيهَا إنْ شَرَطَهَا - يَعْنِي الْجَارِيَةَ - بَرْبَرِيَّةً فَوَجَدَهَا خُرَاسَانِيَّةً فَلَهُ رَدُّهَا. مُحَمَّدٌ، وَكَذَا الْعَكْسُ لِإِشْكَالِ مَا بَيْنَهُمَا انْتَهَى. ص (وَإِنْ بِمُنَادَاةٍ) ش: يُشِيرُ إلَى مَا فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ. قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ الَّذِي يَبِيعُ الْمِيرَاثَ فَيَبِيعُ الْجَارِيَةَ فَيُصَاحُ عَلَيْهَا، وَيَقُولُ الَّذِي يَصِيحُ: إنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَرْطًا مِنْهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ: إنَّهَا تَزْعُمُ، ثُمَّ يَجِدُهَا غَيْرَ عَذْرَاءَ فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا. قَالَ: أَرَى ذَلِكَ لَهُ قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّا لَمْ نَشْتَرِطْ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَمْرٍ زَعَمَتْهُ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا فَأَمَّا أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا، ثُمَّ يَشْتَرِيَ

فرع إذا شرط شيئ فقال لم أجده

الْمُشْتَرِي، وَهُوَ يَظُنُّ ذَلِكَ فَأَرَى لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا. وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنَّهَا تَنْصِبُ الْقُدُورَ وَتَخْبِزُ، وَيَقُولُونَ: إنَّهَا تَزْعُمُ، وَلَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ، فَإِذًا هِيَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ فَإِنِّي أَرَى لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا أَنْ يُخْبِرُوا شَيْئًا فَلَا أَرَى عَلَيْهِمْ شَيْئًا. قَالَ مُحَمَّدٌ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَ هَذَا فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ بَعْدَ هَذَا، وَفِي رَسْمٍ يُوصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْلَمَهُ، سَوَاءٌ قَالَ فِي الْجَارِيَةِ أَبِيعُهَا مِنْكَ عَلَى أَنَّهَا عَذْرَاءُ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا رَقَّامَةٌ، أَوْ خَبَّازَةٌ، أَوْ وَصَفَهَا بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبِيعُهَا مِنْكَ، وَهِيَ عَذْرَاءُ، أَوْ رَقَّامَةٌ، أَوْ صَبَّاغَةٌ، أَوْ أَبِيعُهَا، وَهِيَ تَزْعُمُ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، أَوْ رَقَّامَةٌ، أَوْ خَبَّازَةٌ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: إنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا عَلَى صِفَةِ كَذَا، وَكَذَا وَقَالَتْ عِنْدَ الْبَيْعِ إنِّي عَلَى صِفَةِ كَذَا، وَلَمْ يُكَذِّبْهَا، وَلَا تَبَرَّأَ مِنْهُ، فَقَدْ، أَوْهَمَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ فِيمَا زَعَمَتْ فَكَأَنَّهُ قَدْ بَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَشَرَطَهُ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الشَّرْطُ مِنْ الْوَصْفِ فِي النِّكَاحِ حَسْبَمَا مَضَى فِي رَسْمِ يُوصَى الْمَذْكُورِ [فَرْعٌ إذَا شَرَطَ شيئ فَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ] (فَرْعٌ:) إذَا شَرَطَ الْبَكَارَةَ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْهَا يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ رَأَيْنَ بِهَا أَثَرًا قَرِيبًا حَلَفَ الْبَائِعُ وَلَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَرَيْنَ شَيْئًا قَرِيبًا حَلَفَ الْمُبْتَاعُ وَرَدَّهَا، فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَ الْبَائِعُ، وَلَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِيهَا تَحَالُفٌ بَلْ تَلْزَمُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِالِاقْتِرَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِنَّ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَقَالَ فِيهَا فِيمَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَقَبَضَهَا بِكْرَةً وَغَابَ عَلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّةً قَالَ: لَمْ أَجِدْهَا عَذْرَاءَ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: أَمَّا أَنَا، فَلَمْ أَبِعْكِ إلَّا عَذْرَاءَ، وَقَدْ غِبْتَ عَلَيْهَا وَلَعَلَّكَ افْتَرَعْتَهَا، أَوْ غَيْرُكَ، ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابَ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجَعَلَ شَهَادَتَهُنَّ إذَا لَمْ يَشْهَدْنَ قَطْعًا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّهَا لَمْ تُفْتَرَعْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَلَا عِنْدَ الْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا قُلْنَ نَرَى أَثَرًا قَرِيبًا مُوجَبُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ شُهِدَ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ كَالشَّاهِدِ فِي الْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ، وَلَوْ كَانَ مَا رَأَى النِّسَاءُ مِنْهَا أَمْرًا بَيِّنًا لَا يَشْكُكْنَ فِي حُدُوثِهِ، أَوْ قِدَمِهِ فَطَعَنَّ عَلَى ذَلِكَ وَبَتَتْنَ الشَّهَادَةَ فِيهِ؛ إذْ ذَلِكَ مِمَّا تُدْرَكُ مَعْرِفَتُهُ بِالنَّظَرِ لَكَانَتْ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ عَامِلَةً دُونَ يَمِينٍ عَلَى مَا فِي رَسْمِ يُدَبِّرُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَقَدْ كَانَ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ، وَمَنْ لَمْ نُدْرِكْهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ يَحْمِلُونَ رِوَايَةَ أَشْهَبَ هَذِهِ عَلَى الْخِلَافِ لِرِوَايَةِ عِيسَى انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الْعَيْبُ. (تَنْبِيهٌ:) هَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الْبَكَارَةِ لَازِمٌ فِي الْعَلِيِّ وَالْوَخْشِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَثُيُوبَةٌ إلَّا فِيمَنْ لَا يُفْتَضُّ مِثْلُهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ أَنَّ شَرْطَ الْبَكَارَةِ فِي وَخْشِ الرَّقِيقِ دُونَ وَسَطِهِ لَغْوٌ. قَالَ، وَكَانَ الْفُتْيَا بِقُرْطُبَةَ أَنَّ بَكَارَةَ الْعَلِيَّةِ عَيْبٌ لِجَهْلِ مَا يَحْدُثُ عِنْدَ افْتِضَاضِهَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: هَذَا يَقْتَضِي قَوْلَ سَحْنُونٍ الَّذِي قَبِلَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ بَاعَ جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ أَبِكْرٌ هِيَ أَمْ ثَيِّبٌ] (فَرْعٌ:) وَقَالَ قَبْلَهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ أَبِكْرٌ هِيَ أَمْ ثَيِّبٌ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَبِيعُكُمُوهَا بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لَا سِيَّمَا فِي الْجَارِيَةِ الدَّنِيَّةِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا قَدْ وُطِئَتْ فَإِنَّمَا يَشْتَرِي الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ سَكَتَ الْبَائِعُ عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ إذَا تَبَرَّأَ مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ ص (لَا إنْ انْتَفَى) ش: كَذَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي قُوبِلَتْ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ بِالْإِفْرَادِ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَالضَّمِيرُ لِلْغَرَضِ، وَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَغْرَاضِ الْمَقْصُودَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا إنْ انْتَفَيَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ، وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ، وَلَا مَالِيَّةَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُلْغَى كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ أُمِّيٌّ فَوَجَدَهُ كَاتِبًا، وَفِي الْأَمَةِ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَيَجِدُهَا بِكْرًا، وَلَا عُذْرَ لَهُ لَكِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا ذِكْرُ الْغَرَضِ فَقَطْ ص (وَبِمَا الْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ) ش: هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمِ

فرع الصبي يأبق من الكتاب ثم يباع كبيرا

خِيَارِ النَّقِيصَةِ، وَهُوَ مَا كَانَ سَبَبُهُ وُجُوبَ نَقْصٍ عُرْفِيٍّ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالسَّلَامَةِ مِنْهُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِعَدَمِ مَشْرُوطٍ، أَيْ وَرُدَّ بِوُجُودِ مَا الْعَادَةُ السَّلَامَةُ مِنْهُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَبِيعِ، أَوْ فِي التَّصَرُّفِ، أَوْ خَوْفٍ فِي الْعَاقِبَةِ فَاَلَّذِي رُدَّ يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الثَّمَنِ دُونَ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ آبِقًا، أَوْ سَارِقًا، وَاَلَّذِي يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ كَالْخِصَاءِ فِي الْعَبْدِ وَاَلَّذِي يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ التَّصَرُّفِ كَالْعُسْرِ وَالتَّخَنُّثِ وَاَلَّذِي يُؤَثِّرُ خَوْفًا فِي الْعَاقِبَةِ كَجُذَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ. [فَرْعٌ الصَّبِيِّ يَأْبِقُ مِنْ الْكُتَّابِ ثُمَّ يُبَاعُ كَبِيرًا] (فَرْعٌ:) . قَالَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ: رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّبِيِّ يَأْبِقُ مِنْ الْكُتَّابِ، ثُمَّ يُبَاعُ كَبِيرًا فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ عَادَةٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي بَابِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَبِهِ عَيْبٌ فَهَلَكَ مِنْهُ رُدَّ بِهِ وَإِبَاقُ الصَّغِيرِ إذَا بِيعَ، وَقَدْ أَبَقَ فِي صِغَرِهِ عَيْبٌ، وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ يُرِيدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى تِلْكَ الْعَادَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّغِيرِ تَجَنُّبُهُ وَاخْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَبِرَ وَانْتَقَلَ عَنْ تِلْكَ الْعَادَةِ هَلْ يَسْقُطُ حُكْمُ الْعَيْبِ، وَأَرَى أَنْ يُرْجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ قِدَمِهِ يُجْتَنَبُ، وَيَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ رُدَّ، وَإِلَّا فَلَا اهـ. (فَائِدَةٌ:) رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ: قَالَ الثَّعَالِبِيُّ فِي سِرِّ اللُّغَةِ: الْآبِقُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا إذَا كَانَ ذَهَابُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا كَدٍّ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ هَارِبٌ قَالَ فِي الْمُتَوَسِّطِ: وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ الْإِبَاقَ عَلَى الِاثْنَيْنِ انْتَهَى. ص (كَعَوَرٍ) ش: فَأَحْرَى الْعَمَى، قَالَ فِي الشَّامِلِ: كَعَمًى وَعَوَرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: عَيْبُ الرَّدِّ مَا نَقَّصَ مِنْ الثَّمَنِ كَالْعَوَرِ، وَبَيَاضٍ بِالْعَيْنِ، وَالصَّمَمِ، وَالْخَرَسِ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُرَدُّ صَغِيرٌ وُجِدَ أَصَمَّ، أَوْ أَخْرَسَ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي صِغَرِهِ ص (وَقَطْعٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا وَالْقَطْعُ، وَلَوْ فِي أُصْبُعٍ اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: وَلَوْ فِي أُصْبُعٍ، ظَاهِرُهُ أَنَّ قَطْعَ الْأُصْبُعِ خَفِيفٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ ذَهَابُ الْأُنْمُلَةِ عَيْبٌ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَقَطْعٍ، وَإِنْ حَضَرَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْصُوصِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ تَخْرِيجٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُقَابِلَهُ نَصٌّ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ ص (وَخِصَاءٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْخِصَاءُ وَالْجَبُّ وَالرَّتْقُ وَالْإِفْضَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: الْخِصَاءُ، وَإِنْ زَادَ فِي ثَمَنِهِ وَالْخِصَاءُ مَمْدُودٌ. ص (وَاسْتِحَاضَةٍ) ش: فِي الْعَلِيِّ وَالْوَخْشِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَقَيَّدَ: إنْ ثَبَتَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَمَّا إنْ حَاضَتْ حَيْضَةَ اسْتِبْرَاءٍ، ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَلَا رَدَّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: رَوَى مُحَمَّدٌ مُدَّةُ الِاسْتِحَاضَةِ الَّتِي هِيَ عَيْبٌ شَهْرَانِ انْتَهَى. ص (وَرَفْعِ حَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَالِكٌ: وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تُرَدُّ فِي الْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ شَهْرًا، وَلَا شَهْرَيْنِ، وَعَنْهُ ارْتِفَاعُهُ شَهْرَيْنِ عَيْبٌ، وَقِيلَ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ، وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى طَالَ طُولًا يُظَنُّ مَعَهُ أَنَّهَا مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَهُوَ عَيْبٌ انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ:) . قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَوْنُهَا لَا تَحِيضُ إلَّا بَعْدَ أَشْهُرٍ عَيْبٌ، وَلَوْ ابْتَاعَهَا فِي أَوَّلِ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ بَاعَهَا لَا يَقْبِضُ ثَمَنَهَا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى. (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَلَا يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَتَحَرَّكُ تَحَرُّكًا بَيِّنًا يَصِحُّ الْقَطْعُ عَلَى تَحْرِيكِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَإِذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ بِهَا حَمْلًا بَيِّنًا لَا يَشُكَّانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ رُدَّتْ فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ تُرَدَّ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ حَادِثًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا شَهِدْنَ أَنَّ بِهَا حَمْلًا يَتَحَرَّكُ رُدَّتْ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَلَمْ تُرَدَّ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ حَادِثًا، فَإِنْ رُدَّتْ، ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ الْحَمْلُ بَاطِلًا لَمْ تُرَدَّ إلَى الْمُشْتَرِي؛ إذْ لَعَلَّهَا أَسْقَطَتْهُ. قَالَ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ

ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ، وَخَرَّجَ فِيهَا قَوْلًا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ حَتَّى تَضَعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَوْلِ فِي عُيُوبِ الرَّقِيقِ فِي أَبْدَانِهِمْ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَادَّعَتْ الْحَمْلَ فَلْيَسْتَأْنِ بِهَا فَإِذَا قَالَ النِّسَاءُ: إنَّهَا حَامِلٌ رُدَّتْ بِذَلِكَ، وَلَا يَنْتَظِرُ بِهَا الْوَضْعَ، ثُمَّ إنْ انْفَشَّ فَلَا تُعَادُ إلَى الْمُبْتَاعِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْت فَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً وَقَالَ: إنَّهَا صَغِيرَةٌ لَمْ تَحِضْ، وَكَانَتْ قَصِيرَةً فَيَطْمَعُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ لَهَا سُوقٌ عِنْدَ حَيْضَتِهَا، فَلَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ إلَّا الِاسْتِبْرَاءَ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ إلَّا عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى حَاضَتْ، قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ بَلَغَ مِثْلُهَا أَنْ تَحِيضَ، وَيَخَافُ أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ أَنَّهَا مَا حَاضَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، فَقَدْ اتَّهَمَهُ عَلَى مَا قَالَ، وَلَا أَرَى أَنْ يُسْتَحْلَفَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ. ص (وَعُسْرٍ) ش: قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَمِنْ الْعُيُوبِ الْفَتَلُ فِي الْعَيْنَيْنِ، أَوْ فِي إحْدَاهُمَا: أَنْ تَمِيلَ إحْدَى الْحَدَقَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى فِي نَظَرِهَا وَالْمَيْلُ فِي الْحَدَقَتَيْنِ يَكُونُ مَائِلًا عَنْ الْآخَرِ إلَى جِهَةِ الْأُخْرَى. وَالصَّوَرُ: أَنْ يَمِيلَ الْعُنُقُ عَنْ الْجَسَدِ إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَالْجَسَدُ مُعْتَدِلٌ. وَالزَّوَرُ فِي الْمَنْكِبِ: أَنْ يَمِيلَ كُلُّهُ إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ. وَالصَّدْرُ: أَنْ يَكُونَ فِي وَسَطِ الصَّدْرِ إشْرَافٌ كَالْحَرْبَةِ. وَالْغَرَزُ فِي الظَّهْرِ، أَوْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ: أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إشْرَافٌ كَالْحَرْبَةِ. وَالسِّلْعَةُ: نَفْخٌ فَاحِشٌ أَيْ مُتَفَاحِشٌ أَمْرُهُ، انْتَهَى، وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. ص (وَزِنًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا الزِّنَا، وَلَوْ فِي الْعَبْدِ الْوَخْشِ عَيْبٌ مُحَمَّدٌ وَوَطْؤُهَا غَصْبًا عَيْبٌ. ص (وَشُرْبٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ وَأَخْذُ الْأَمَةِ، أَوْ الْعَبْدِ فِي شُرْبِهِ، وَلَوْ لَمْ تَظْهَرْ بِهِمَا رَائِحَةٌ عَيْبٌ. ص (وَبَخَرٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا بَخَرُ الْفَمِ عَيْبٌ ابْنُ حَبِيبٍ، وَلَوْ فِي عَبْدٍ دَنِيءٍ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: بَخَرُ فَمٍ، أَوْ فَرْجٍ، وَقِيلَ فِي الْفَرْجِ عَيْبٌ فِي الرَّائِعَةِ فَقَطْ. (فَائِدَةٌ) رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى لِسَانِ الْعَبْدِ وَأَسْنَانِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ. قِيلَ إنَّ تَحْتَ لِسَانِ الْعَبْدِ نُقْطَةَ سَوْدَاءَ يَعْرِفُهَا النَّخَّاسُونَ عَيْبًا انْتَهَى. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ وُجُودَ تِلْكَ النُّقْطَةِ عَيْبٌ يُنْقِصُ الثَّمَنَ وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِأَنَّهَا عَيْبٌ وَيُقْضَى بِالرَّدِّ لِوُجُودِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَزَعَرٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الزَّعَرُ قِلَّةُ الشَّعْرِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُوثَقِينَ: وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَلَمْ يَنْقُلْهُ الشَّارِحُ وَيَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَكَزَعَرٍ، وَإِنْ بِحَاجِبَيْنِ لِتَوَقُّعٍ كَجُذَامٍ، وَقِيلَ لَا يَكُونُ عَيْبًا فِي غَيْرِ الْعَانَةِ، وَسَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. ص (وَظَفَرٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَالظَّفَرُ لَحْمٌ نَابِتٌ فِي شَحْمِ الْعَيْنِ. قَالَ: وَسَمِعَ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَالشَّعْرُ فِي الْعَيْنَيْنِ، وَلَا يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: الظَّفَرُ عِبَارَةٌ عَنْ جِلْدَةٍ تَنْبُتُ عَلَى بَيَاضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَنْفِ أَيْ سَوَادِ الْعَيْنِ انْتَهَى. ص (وَبَجَرٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ، وَهُوَ مَا يَنْعَقِدُ فِي ظَهْرِ الْكَفِّ. ص (وَعَجَرٍ) ش: قَالَ: وَهُوَ مَا يَنْعَقِدُ فِي الْعَصَبِ وَالْعُرُوقِ. ص (وَوَالِدَيْنِ

أَوْ وَلَدٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ عَيْبٌ وَأَحْرَى اجْتِمَاعُهُمَا وَالْوَلَدُ صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا ص (وَجُذَامِ أَبٍ) ش: يُرِيدُ، أَوْ أُمٍّ، أَوْ أَحَدٍ مِنْ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَسُقُوطِ سِنٍّ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ نَقْصُ السِّنِّ فِي الْعَبْدِ وَالْوَصِيفَةِ مِنْ مُؤَخَّرِ الْفَمِ لَغْوٌ، وَنَقْصُ السِّنَّيْنِ وَزِيَادَةُ الْوَاحِدَةِ عَيْبٌ مُطْلَقًا فِيهِمَا. ص (وَشَيْبٍ بِهَا فَقَطْ، وَإِنْ قَلَّ) ش: وَأَمَّا فِي غَيْرِ الرَّائِعَةِ فَلَا يَكُونُ الْيَسِيرُ مِنْهُ عَيْبًا بِلَا خِلَافٍ، وَلَا الْكَثِيرُ عَلَى الْمَشْهُورِ

إلَّا أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الشَّابَّةِ ص (وَصُهُوبَتِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَفِيهِ إنْ خَالَفَ إنْ كَانَ شَعْرُ مِثْلِهَا أَسْوَدَ كَالسَّمْرَاءِ، أَوْ السَّوْدَاءِ إنْ نَقَصَ ثَمَنُهَا ص (وَلَوْ وَخْشًا) ش: الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ أَيْ مَسْأَلَةِ الْجُعُودَةِ وَالصُّهُوبَةِ وَكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَخْشُ الْخَسِيسُ وَالدَّنِيءُ ص (فِي وَقْتٍ يُنْكَرُ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ الَّذِي تَرَعْرَعَ حَدَّ الصِّغَرِ جِدًّا، وَأَمَّا الصِّغَرُ جِدًّا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ. ص (أَوْ أَقَرَّتْ عِنْدَ غَيْرِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ، أَوْ وَضَعَتْ عِنْدَ مَنْ أُخْبِرَ أَنَّ ذَلِكَ بِهَا، أَوْ نَظَرَ رَجُلَانِ مَرْقَدَهَا مَبْلُولًا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُحَلِّفُ الْمُبْتَاعُ بَائِعَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ بَلْ حَتَّى تُوضَعَ بِيَدِ امْرَأَةٍ، أَوْ ذِي زَوْجَةٍ فَيَنْقُلُ خَبَرَ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَلَوْ أَتَى الْمُبْتَاعُ بِمَنْ يَنْظُرُ مَرْقَدَهَا بِالْغَدِ مَبْلُولًا فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ ص (وَهَلْ هُوَ الْفِعْلُ، أَوْ التَّشَبُّهُ؟ تَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي، وَهَلْ الْعَيْبُ هُوَ الْفِعْلُ، وَأَمَّا التَّشَبُّهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَهَذَا تَأْوِيلُ صَاحِبِ النُّكَتِ، وَهُوَ فِي الْوَاضِحَة، أَوْ هُوَ التَّشَبُّهُ فَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ

أَحْرَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ وَالْوَاضِحَةُ بِالْوَخْشِ، وَأَمَّا الْمُرْتَفِعَةُ فَالتَّشَبُّهُ فِيهَا عَيْبٌ؛ إذْ الْمُرَادُ مِنْهَا التَّأْنِيثُ، وَقَالَهُ عِيَاضٌ. ص (وَحَرَنٍ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَتُرَدُّ الدَّابَّةُ مِنْ الْحَرَنِ وَالنِّفَارِ الْمُفْرِطِ، وَإِذَا أَفْرَطَ قِلَّةُ الْأَكْلِ فِي الدَّابَّةِ فَهُوَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ انْتَهَى. ص (وَعَدَمِ حَمْلِ مُعْتَادٍ) ش:. قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: قَالَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ فَتْحُونٍ: مَنْ ابْتَاعَ دَابَّةً، أَوْ نَاقَةً وَحَمَلَ عَلَيْهَا حِمْلَ مِثْلِهَا، وَلَمْ تَنْهَضْ بِهِ، وَلَمْ يُقْعِدْهَا عَنْهُ عَجَفٌ ظَاهِرٌ فَلَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ انْتَهَى. ص (لَا ضَبَطٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ إنْ لَمْ يُنْقِصْ قُوَّةَ الْيَمِينِ، وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ:، وَلَا يُجْبَرُ نَقْصُ الْيَمِينِ بِقُوَّةِ الشِّمَالِ. انْتَهَى ش: (إلَّا فِيمَنْ لَا يُفْتَضُّ مِثْلُهَا) ش: وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَكَثُيُوبَةٍ مَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ رَائِعَةً وَإِلًّا فَلَا، وَقِيلَ إلَّا بِشَرْطٍ انْتَهَى. ص (وَعَدَمِ فُحْشِ ضِيقِ قُبُلٍ) ش: إنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ فُحْشَ ضِيقِهِ عَيْبٌ، وَلَوْ قَالَ: وَضِيقِ قُبُلٍ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ لَكَانَ أَوْضَحَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: صِغَرِ بَدَلَ ضِيقِ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ صِغَرَ الْقُبُلِ عَيْبٌ، وَأَمَّا ضِيقُ الْقُبُلِ فَمِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ، وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: وَالصَّغِيرَةُ الْقُبُلِ لَيْسَ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيَصِيرَ كَالنَّقْصِ انْتَهَى. ص (وَكَوْنِهَا زَلَّاءَ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَزَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةَ الْخِلْقَةِ انْتَهَى. وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى قَيْدِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهَا كَوْنُهَا زَلَّاءَ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَقُيِّدَ بِالْيَسِيرِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الزَّلَّاءُ بِالْمَدِّ صَغِيرَةُ الْأَلْيَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْيَسِيرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إلَخْ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ضِيقِ قُبُلٍ، وَالْمَعْنَى: وَعَدَمِ فُحْشِ كَوْنِهَا زَلَّاءَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَيٍّ لَمْ يُنْقِصْ) ش قَالَ فِي الشَّامِلِ: لَا كَيٍّ خَفَّ، وَلَمْ يُنْقِصْ الثَّمَنَ وَقِيلَ: إلَّا أَنْ يُخَالِفَ لَوْنَ الْجَسَدِ، أَوْ يَكُونَ مُتَفَاحِشًا فِي مَنْظَرِهِ، أَوْ كَثِيرًا مُتَفَرِّقًا، أَوْ فِي الْفَرْجِ، وَمَا وَالَاهُ، أَوْ فِي الْوَجْهِ وَقِيلَ مِنْ الْبَرْبَرِ فَلَا رَدَّ، بِخِلَافِ الرُّومِ. ص (ثُمَّ ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ) ش:. قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تُهْمَةٍ بِسَرِقَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ بِكَوُجُودِهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ص

كَسُوسِ الْخَشَبِ) ش: وَقِيلَ: يُرَدُّ بِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُرَدُّ إنْ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا طَارِئًا كَوَضْعِهِ فِي مَكَان نَدِيٍّ، وَهَلْ قَوْلُهُ: وِفَاقٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَازِرِيُّ؟ ، أَوْ خِلَافٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ؟ تَأْوِيلَانِ وَقِيلَ يُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ فَقَطْ ص (وَالْجَوْزُ وَمَرْقَثَاءُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَثَالِثُهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا يُمْكِنُ اخْتِبَارُهُ بِقِثَّاءَتَيْنِ، أَوْ جَوْزَتَيْنِ دُونَ كَثِيرٍ رُدَّلَا مَا كَثُرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فَاسِدًا، أَوْ أَكْثَرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ يَسِيرًا فِي كَثِيرٍ فَلَا وَالْأَظْهَرُ إنْ شَرَطَ الرَّدَّ مَعَ وُجُودِهِ مُرًّا، أَوْ غَيْرَ مُسَوَّسٍ يُوفَى لَهُ بِشَرْطِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ إلَخْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالرَّدِّ بِذَلِكَ هَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا؟ لِقَوْلِهِ فِي الْأُمِّ: وَأَهْلُ السُّوقِ يَرُدُّونَهُ إذَا وَجَدُوهُ مُرًّا، وَلَا أَدْرِي بِمَا رُدَّ، وَذَلِكَ إنْكَارُ الرَّدِّ اهـ. ص (وَرُدَّ الْبَيْضُ) ش:؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ فَاسِدُهُ قَبْلَ كَسْرِهِ، فَإِنْ كَسَرَهُ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ مَكْسُورًا وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ يَوْمَ بَاعَهُ بَعْدَ كَسْرِهِ، وَإِلَّا رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَهَذَا إذَا كَسَرَهُ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَفَسَدَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَيْبٍ قَلَّ بِدَارٍ) ش: اعْلَمْ أَنَّ عُيُوبَ الدَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَسِيرٌ لَا يُنْقِصُ

مِنْ الثَّمَنِ لَا تُرَدُّ بِهِ الدَّارُ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ لِيَسَارَتِهِ كَالشُّرُفَاتِ، وَقِسْمٌ خَطِيرٌ يَسْتَغْرِقُ مُعْظَمَ الثَّمَنِ، وَيُخْشَى مِنْهُ سُقُوطُهَا، فَهَذَا تُرَدُّ بِهِ، وَقِسْمٌ مُتَوَسِّطٌ يَرْجِعُ بِمَنَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَصَدْعٍ فِي حَائِطٍ فَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ الْمُتَوَسِّطَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: رَجَعَ بِقِيمَتِهِ بِإِضَافَةِ قِيمَتِهِ إلَى ضَمِيرِ الْعَيْبِ الْقَلِيلِ كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَصَدْعِ جِدَارٍ تَشْبِيهًا لَهُ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يُنْقِصُ الثَّمَنَ مِنْ بَابِ أَحْرَى. قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَاغْتُفِرَ سُقُوطُ شُرْفَةٍ وَنَحْوِهَا وَاسْتِحْقَاقُ حَمْلِ جُذُوعٍ، أَوْ جِدَارٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَرْبَعَ جُدْرَانٍ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ كَاسْتِحْقَاقِ الْأَقَلِّ مِنْهَا، وَتُرَدُّ الْعُرُوض بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ وَقِيلَ كَالدُّورِ اهـ. وَقِيلَ: إنَّ الدَّارَ كَالْعُرُوضِ تُرَدُّ بِالْيَسِيرِ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْيَسِيرَ فِيهَا يَصْلُحُ وَيَزُولُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، أَوْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ، فَلَوْ رُدَّتْ بِالْيَسِيرِ لَأَضَرَّ بِالْبَائِعِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدُّورِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْيَسِيرَ فِي الدُّورِ وَالْأُصُولِ لَا يَعِيبُ إلَّا مَوْضِعَهُ وَيَتَهَيَّأُ زَوَالُهُ، وَغَيْرُهَا يَعِيبُ جَمِيعُهُ، وَلَا يَتَهَيَّأُ زَوَالُهُ وَلِعَبْدِ الْحَقِّ الْفَرْقُ أَنَّ الدُّورَ تُشْتَرَى لِلْقِنْيَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَعَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ مَسْأَلَةُ الدُّورِ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ الْبِيَاعَات فِي الْعُيُوبِ وَسَمِعْتُهُ يَذْكُرُ التَّفْرِقَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَيَقُولُ: مَسْأَلَةُ الدُّورِ ضَعِيفَةٌ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ النَّاسُ إلَى تَوْجِيهِهَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى عُيُوبِ الدَّارِ: إنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْيَسِيرِ، وَثَمَرَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا كَانَ يَسِيرًا وَطَلَبَ الْمُبْتَاعُ أَخْذَ الْأَرْشِ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الدَّارِ: رُدَّ عَلَيَّ دَارِي، وَخُذْ مَالَكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ اهـ. وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ، وَنَصُّهُ: فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي، وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي الْعَقَارِ يَسِيرًا فَلَا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ وَلِلْمُبْتَاعِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْبَائِعُ: اصْرِفْ عَلَيَّ مَا بِعْتُ مِنْكَ، وَخُذْ الثَّمَنَ فَمِنْ حَقِّهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الْمَبِيعُ، فَيَكُونَ لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ اهـ. وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْعُيُوبِ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ أَيْضًا، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْتُ تَخْيِيرُ الْبَائِعِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُوجِبُ الرَّدَّ، وَأَمَّا مَا لَا يُوجِبُهُ فَمَنْ اخْتَارَ التَّمَسُّكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الرَّدِّ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَجِدَارٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَرْبَعَ جُدْرَانٍ، وَنَحْوُهُ فِي أَوَاخِرِ الْمُنْتَخَبِ عَنْ أَصْبَغَ، وَهُوَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ بِزِيَادَةِ فَائِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا وَجَّهَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ يَمِينًا أَنَّهُ بَاعَهُ الْحَائِطَ هَلْ تَلْزَمُهُ أَمْ لَا؟ ، وَنَصُّهُ: فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا فَهَدَمَهَا إلَّا حَائِطًا مِنْهَا مَنَعَهُ مِنْهُ جَارُهُ، وَقَالَ: هُوَ لِي وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، قَالَ: لَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ قَالَ السَّائِلُ فَإِنَّهُ يَقُولُ لِلْبَائِعِ: احْلِفْ مَا بِعْتَنِي هَذَا الْحَائِطَ فِيمَا بِعْتَنِي. قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الْحَائِطَ بِعَيْنِهِ وَيُنْكِرُ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَلَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت مِنْكَ جَمِيعَ الدَّارِ، وَهَذَا الْحَائِطُ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لِلدَّارِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ حَقِّهَا اهـ. ص (وَفِي قَدْرِهِ تَرَدُّدٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ بِثُلُثِ الثَّمَنِ، أَوْ رُبْعِهِ ثَالِثُهَا مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ وَرَابِعُهَا عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ، وَخَامِسُهَا: لَا حَدَّ لِمَا بِهِ الرَّدُّ إلَّا بِمَا أَضَرَّ لِابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعِيَاضٍ عَنْ ابْنِ عَاتٍ وَعَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ رُشْدٍ، وَنَقَلَ عِيَاضٌ اهـ. ص (كَصَدْعِ جُدْرَانٍ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ) ش: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خِيفَ

فرع سوء الجار هل هو من العيوب

عَلَى الْحَائِطِ وَحْدَهُ لَمْ تُرَدَّ بِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَبِهِ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَنَصُّهُ: وَفِيهَا فِي الصَّدْعِ فِي الْجِدَارِ وَشِبْهِهِ إنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى الدَّارِ أَنْ تَنْهَدِمَ رُدَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: إنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الدَّارِ أَنَّهُ لَوْ خِيفَ عَلَى حَائِطٍ لَمْ تُرَدَّ، وَبِهِ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ. عِيَاضٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا وَتَأَوَّلُوا أَنَّهُ إنْ خُشِيَ هَدْمُ الْحَائِطِ مِنْ الصَّدْعِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّمَا يُرَدُّ لِخَوْفِ هَدْمِ الْحَائِطِ إذَا كَانَ يُنْقِصُ الدَّارَ كَثِيرًا عِيَاضٌ، وَهُوَ صَحِيحُ الْمَعْنَى، وَاسْتَدَلَّ مَنْ لَمْ يَرَ لَهُ الرَّدَّ بِهَدْمِ الْحَائِطِ أَنَّ الْحَائِطَ لَوْ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ فَكَيْفَ إذَا كَانَ بِهِ صَدْعٌ، وَفَرَّقَ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ قِيمَتَهُ بِخِلَافِ مَا هَاهُنَا فَإِنَّهُ يُضْطَرُّ إلَى بُنْيَانِهِ وَالنَّفَقَةِ فِيهِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ شَهَرَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الرَّدِّ إذَا خِيفَ عَلَى الْحَائِطِ وَحْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ خِيفَ عَلَيْهَا مِنْهُ لَرُدَّتْ مِنْهُ، وَتَأَمَّلْ مَا نَسَبَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِلْمُدَوَّنَةِ مَعَ قَوْلِهَا فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا فَوَجَدَ بِهَا صَدْعًا فَأَمَّا مَا يُخَافُ مِنْهُ سُقُوطُ الْجِدَارِ فَلْيُرَدَّ، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِقَطْعِ مَنْفَعَةٍ) ش: أَكْثَرُ النُّسَخِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ فِي أَوَّلِهِ مُضَارِعُ قَطَعَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْجِدَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص أَوْ (مِلْحِ بِئْرِهَا بِمَحَلِّ الْحَلَاوَةِ) ش: يَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَوْ مِلْحِ بِئْرِهَا بِعَطْفِ مِلْحٍ بِأَوْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمِلْحِ بِكَافِ التَّشْبِيهِ. وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَغْنًى بِقَطْعِ الْمَنْفَعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّوْضِيحِ عَدَّهُ مِنْ جُمْلَةِ قَوَاطِعِ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بِقَطْعِ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ فِي الشَّامِلِ وَفَسَادُ أَسَاسِهَا، أَوْ عَيْنِ مَائِهَا، أَوْ مُلُوحَتِهِ بِمَحَلِّ الْعُذُوبَةِ، أَوْ تَعْفِينُ قَوَاعِدِهَا، أَوْ فَسَادُ حُفْرَةِ مِرْحَاضِهَا كَثِيرٌ اهـ. [فَرْعٌ سُوءِ الْجَارِ هَلْ هُوَ مِنْ الْعُيُوبِ] (فَرْعٌ:) . قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ. قَالَ الْوَانُّوغِيُّ الْبَقُّ عَيْبٌ، وَلَوْ فِي السَّرِيرِ وَكَثْرَةُ النَّمْلِ عَيْبٌ، وَفِي سُوءِ الْجَارِ خِلَافٌ (قُلْت:) الصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمَبِيعِ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَالْخِلَافُ الَّذِي فِي سُوءِ الْجَارِ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ سُوءُ الْجَارِ فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ عَيْبًا فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: تُرَدُّ الدَّارُ مِنْ سُوءِ الْجِيرَانِ، وَلَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْمَشَذَّالِيُّ فِي الْعَاشِرَةِ مِنْ الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجَارِ السُّوءِ فِي دَارِ إقَامَةٍ ابْنُ رُشْدٍ: الْمِحْنَةُ بِالْجَارِ السُّوءِ عَظِيمَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الدَّارَ تُرَدُّ مِنْ سُوءِ الْجَارِ. الْمَشَذَّالِيُّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَيَانِ: مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ جِيرَانَهَا يَشْرَبُونَ أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ. قَالَ الصَّقَلِّيُّ فِي آخِرِ الرَّوَاحِلِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ بِهَا جِيرَانَ سَوْءٍ فَذَلِكَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ الْوَانُّوغِيُّ، وَفِي الشُّؤْمِ وَالْجُنُونِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَيْبٍ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي: أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ قَطْعًا فَإِنَّ كَوْنَ الدَّارِ مَشْهُورَةً بِعَوَامِرِ الْجَانِّ لَا تُسْكَنُ غَالِبًا، وَكَذَا إذَا اشْتَهَرَتْ بِالشُّؤْمِ لَا تُمْلَكُ غَالِبًا الْمَشَذَّالِيُّ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَ صَاحِبُ جَامِعِ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ فِي الشُّؤْمِ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ مِثْلَ مَا حَكَى الْوَانُّوغِيُّ وَقَالَ قِيَاسًا عَلَى سُوءِ الْجِيرَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ سُوءَ الْجِيرَانِ مُحَقَّقٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ وَالشُّؤْمُ فِي الدَّارِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ؛؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، أَوْ تَتَقَدَّمُ تَارَةً وَتَتَأَخَّرُ أُخْرَى، أَوْ يُحْدَثُ فِيهَا وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا ذَمِيمَةٌ. فِي قَوْمٍ حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ فَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الشُّؤْمِ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ. عَلَى رِوَايَةِ إثْبَاتِهِ كُلُّهُ قَدْ يَكُونُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَكِنَّهُ إنْ وَقَعَ جَازَ

فرع ودعوى العبد الحرية

التَّعَلُّقُ بِهِ، وَلَا يُنْكَرُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ لَا طِيَرَةَ فِي الْإِسْلَامِ الْمَشَذَّالِيُّ: وَهَذَا الْفَرْقُ يَقْتَضِي عَكْسَ اخْتِيَارِ الْوَانُّوغِيِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ: إذَا طَالَ مُكْثُ الْمَتَاعِ عِنْدَهُ فَلَا بَيْعَ مُرَابَحَةٍ، وَلَا مُسَاوَمَةٍ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ لَمْ تَحُلَّ أَسْوَاقُهُ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّرِيِّ أَرْغَبُ، وَهُمْ عَلَيْهِ أَحْرَصُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إذَا طَالَ مُكْثُهُ لَبِثَ، وَحَالَ عَلَى حَالِهِ وَتَغَيَّرَ، وَقَدْ يَتَشَاءَمُونَ بِهَا لِثِقَلِ خُرُوجِهَا، وَهَذَا وَجْهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ. (تَنْبِيهٌ:) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْوَانُّوغِيِّ أَنَّ الْبَقَّ عَيْبٌ فِي السَّرِيرِ وَمِثْلُهُ الْقَمْلُ فِي الثَّوْبِ. قَالَ: فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ حُكِيَ عَنْ ابْنِ جَمَاعَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْمَجْلِسِ أَنَّ كَثْرَتَهُ فِي الثِّيَابِ عَيْبٌ خَزًّا كَانَتْ، أَوْ صُوفًا، أَوْ كَتَّانًا انْتَهَى. ص (وَإِنْ قَالَتْ: أَنَا مُسْتَوْلَدَةٌ لَمْ تَحْرُمْ لَكِنَّهُ عَيْبٌ إنْ رَضِيَ بِهِ بَيِّنٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ ادَّعَتْ عَلَى بَائِعِهَا أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِدَامَةُ مِلْكِهَا بِهَذِهِ الدَّعْوَى، وَلَكِنَّهُ عَيْبٌ يَجِبُ لَهُ بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَحَبَّ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ، أَوْ صَالَحَ عَنْهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ الْأَمَةَ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ، وَكَمَا كَانَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى بَائِعِهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ الْوَاضِحَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ وَابْنَ مُزَيْنٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى وَنَظَائِرَهُمْ أَفْتَوْا بِهِ، وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَفْهُومًا وَمَنْطُوقًا كَافٍ فِي ذَلِكَ. [فَرْعٌ وَدَعْوَى الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةَ] (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَدَعْوَى الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةَ تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَكْرَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى مِثْلِ هَذَا لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَلَوْ عُلِمَ كَذِبُهُمَا فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَشْوِيشًا عَلَى مَالِكِهَا وَالتَّعَرُّضَ لِعِرْضِهِ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: إذَا أَقَامَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ شَاهِدًا بِالْحُرِّيَّةِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُمَا بِهَا وَيُقْضَى لِلْمُبْتَاعِ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِمَا إنْ أَحَبَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ عَاتٍ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ. ص (وَتَصْرِيَةُ الْحَيَوَانِ كَالشَّرْطِ) ش: يَعْنِي أَنَّ التَّغْرِيرَ الْفِعْلِيَّ كَالشَّرْطِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ فِعْلًا يَظُنُّ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَالًا

فَلَا يُوجَدُ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ فِعْلًا يَسْتُرُ بِهِ عَيْبَهُ فَيَظْهَرُ فِي صُورَةِ السَّالِمِ اهـ. قَصَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِيمَا يَسْتُرُ الْعَيْبَ فَقَطْ وَشُمُولُ الْفِعْلِ لَا يَسْتُرُ عَيْبًا، وَإِنَّمَا يُظْهِرُ كَمَالًا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ قُلْت: هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ فَعَلَهُ، أَوْ أَمَرَ بِهِ لِاحْتِمَالِ فَعَلَهُ الْعَبْدُ دُونَ سَيِّدِهِ لِكَرَاهَةِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ بِهِ فِي النَّجْشِ، وَمِنْهُ صَبْغُ الثَّوْبِ الْقَدِيمِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ جَدِيدٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: مَنْ ابْتَاعَ ثِيَابًا فَرَقَمَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ وَبَاعَهَا بِرَقْمِهَا، وَلَمْ يَقُلْ: قَامَتْ عَلَيَّ بِكَذَا شَدَّدَ مَالِكٌ كَرَاهَةَ فِعْلِهِ وَاتَّقَى فِيهِ وَجْهَ الْخِلَابَةِ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ إنْ وَقَعَ خُيِّرَ فِيهِ مُبْتَاعُهُ، وَإِنْ فَاتَ رُدَّ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الصَّقَلِّيُّ عَنْ ابْنِ أَخِي هِشَامٍ يُخَيَّرُ فِي قِيَامِهَا، وَفِي فَوَاتِهَا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا وَثَمَنِهَا اهـ. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: الْغَرَرُ بِالْقَوْلِ لَا يُضْمَنُ، وَفِيهِ الْخِلَافُ وَبِالْفِعْلِ يُضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ فَالْأَوَّلُ: كَمَسْأَلَةِ الصَّيْرَفِيِّ يَنْقُدُ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ يَظْهَرُ فِيهَا زَائِفٌ، وَمَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ يَقِيسُ الثَّوْبَ وَيَقُولُ يَكْفِي فَيُفَصِّلُهُ فَيَنْقُصُ، وَالدَّلِيلِ يُخْطِئُ الطَّرِيقَ، وَالْغَارِّ فِي الْأَمَةِ يَقُولُ: إنَّهَا حُرَّةٌ، وَمَنْ أَعَارَ شَخْصًا إنَاءً مَخْرُوقًا، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي رَمَضَانَ: كُلْ فَإِنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَقَدْ عَلِمَ طُلُوعَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ يُؤَدَّبُ وَيَتَأَبَّدُ أَدَبُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَإِذَا ضَمَّنَّاهُ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ بِمَوْضِعِ هَلَكَ. وَالثَّانِي كَمَنْ لَثَمَ شَخْصًا بِيَدِهِ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَمَسَائِلِ التَّدْلِيسِ، وَصَبْغِ الثَّوْبِ الْقَدِيمِ، وَتَلْطِيخِ ثَوْبِ الْعَبْدِ بِالْمِدَادِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. بِاخْتِصَارٍ، وَمِنْهَا أَيْضًا قَالَ فِي مَسَائِلِ أَجْوِبَةِ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْقَائِلِ لِرَجُلٍ: بِعْ سِلْعَتَكَ مِنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَمَلِيءٌ فَوَجَدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا يَغْرَمُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَغُرَّهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ اهـ. التَّصْرِيَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: جَمْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى يَعْظُمَ ثَدْيُهَا لِيُوهِمَ مُشْتَرِيَهَا أَنَّهَا تَحْلِبُ مِثْلَ ذَلِكَ اهـ. (فَرْعٌ:) لَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً وَسَافَرَ قَبْلَ حِلَابِهَا فَحَلَبَهَا أَهْلُهُ زَمَانًا فَقَدِمَ فَعَلِمَ بِتَصْرِيَتِهَا فَلَهُ رَدُّهَا، وَيَرُدُّ صَاعًا فَقَطْ وَغَيْرَ خَرَاجٍ بِالضَّمَانِ. نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ: الْحَيَوَانِ، نَظَرٌ؛ لِشُمُولِهِ الْأَنْعَامَ وَغَيْرَهَا، وَعَيْبُ التَّصْرِيَةِ خَاصٌّ بِالْأَنْعَامِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ التَّصْرِيَةُ فِي غَيْرِ الْأَنْعَامِ، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ الْخَطَّابِيِّ التَّصْرِيَةُ فِي الْآدَمِيَّاتِ كَالْأَنْعَامِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا تُرَدُّ الْأَمَةُ لِذَلِكَ ص (لَا إنْ عَلِمَهَا مُصَرَّاةً) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ عَلِمَ مُشْتَرِيهَا أَنَّهَا

مُصَرَّاةٌ قَبْلَ أَنْ يَحْلِبَهَا فَلَهُ رَدُّهَا قَبْلَ حِلَابِهَا لِيُخْبِرَهَا بِحَالِهَا، وَهَلْ نَقْصُ تَصْرِيَتِهَا يَسِيرٌ أَمْ لَا؟ ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بَعْدَ حَلْبِهَا فَأُصْرِيَتْ بِهِ لَهُ رَدُّهَا وَإِمْسَاكُهَا حَتَّى يَحْلِبَهَا وَيَعْلَمَ عَادَتَهَا (قُلْت) يَجِبُ أَنْ لَا يَرُدَّهَا بَعْدَ إمْسَاكِهَا لِمَا ذُكِرَ إلَّا بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ مَا أَمْسَكَهَا إلَّا لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ بِذَلِكَ قَبْلَ إمْسَاكِهَا. قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَالِمًا أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ فَلَا رَدَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهَا دُونَ مُعْتَادِ مِثْلِهَا. ص (وَمَنَعَ مِنْهُ بَيْعُ حَاكِمٍ) ش: يَعْنِي إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَنَصُّ الشَّامِلِ كَأَنْ بَاعَهُ وَارِثٌ لِقَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ إنْ بَيَّنَ أَنَّهُ إرْثٌ، أَوْ بَاعَهُ حَاكِمٌ عَنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ بَاعَ بِحِدْثَانِ مِلْكِهِ لَمْ يُفِدْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا لَوْ أَعْلَمَهُ، وَلَوْ حَاكِمًا، أَوْ وَارِثًا حَتَّى يُسَمِّيَهُ أَنْ لَمْ يَتَفَاوَتَ كَقَطْعٍ، أَوْ عَوَرٍ، أَوْ يُرِيدُ لَهُ، وَانْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ ص (وَوَارِثٍ) ش: أَيْ إذَا بَاعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّامِلِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى اعْتِبَارِ بَيْعِ الْمِيرَاثِ فَفِي كَوْنِهِ مَا بِيعَ مِنْهُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَطْ وَلِمَا بِيعَ لِقَسْمِ الْوِرَاثَةِ قَوْلَانِ لِلْبَاجِيِّ وَعِيَاضٍ عَنْ غَيْرِهِ. (تَنْبِيهٌ:) بَيْعُ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ هُوَ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمَعْنَى الْبَرَاءَةِ الْتِزَامُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ بِشَيْءٍ مِنْ سَبَبِ عُيُوبِ الْمَبِيعِ الَّتِي لَمْ يَعْلَمْ بِهَا كَانَتْ قَدِيمَةً، أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْبَرَاءَةُ تَرْكُ الْقِيَامِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ فِيهَا، وَفِي عَدَدِهَا اضْطِرَابٌ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ، وَأَطَالَ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يُجْمِلْهُ) ش: يَعْنِي

لَمْ يُجْمِلْ الْعَيْبَ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُجْمِلْ فِي ذِكْرِ الْعَيْبِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: {نُكْتَةٌ} : كَانَ بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ يَتَمَسَّكُ بِظَاهِرِ قَوْلِهِمْ: إذَا أَجْمَلَ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ سَرَقَ دِرْهَمًا مَثَلًا، وَكُنْتُ أُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ، وَأَقُولُ: إنَّهُ يُفِيدُ فِيمَا سُرِقَ عَادَةً وَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ نَقَّبَ، أَوْ أَتَى ذَلِكَ بِالْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ فَلَا يُفِيدُ وَفَاتَ، وَلَمْ يَرْجِعْ، وَأَنَا بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ أَرْجِعْ عَنْهُ اهـ. (قُلْت:) مَا نَقَلَهُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَالنَّوَادِرِ فِي ذَلِكَ كَالصَّرِيحِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَاعَ بَعِيرًا فَتَبَرَّأَ مِنْ دَبَرَاتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً مُفْسِدَةً لَمْ يَبْرَأْ، وَإِنْ أَرَاهُ إيَّاهَا حَتَّى يَذْكُرَ مَا فِيهَا مِنْ تَعَدٍّ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَبَرَّأَ فِي عَبْدٍ مِنْ سَرِقَةٍ، أَوْ إبَاقٍ، وَالْمُبْتَاعُ يَظُنُّ إبَاقَ لَيْلَةٍ، أَوْ إلَى مِثْلِ الْعَوَالِي، أَوْ سَرِقَةَ الرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ أَبَقَ إلَى مِثْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهُ اهـ. فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ يَأْبَقَ لَيْلَةً، أَوْ يَسْرِقُ رَغِيفًا بَرِئَ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ، وَمِنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: وَمَنْ تَبَرَّأَ مِنْ عَيْبٍ فَمِنْهُ فَاحِشٌ وَخَفِيفٌ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ فَاحِشِهِ حَتَّى يَصِفَ تَفَاحُشَهُ مِنْ ذَلِكَ: الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ، وَالدَّبَرَةُ بِالْبَعِيرِ، وَمِثْلُ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ كَيٍّ، أَوْ آثَارٍ بِالْجَسَدِ، أَوْ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ فَيُوجَدُ فِي ذَلِكَ مُتَفَاحِشًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَهُ الرَّدُّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُيُوبِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَهَذَا أَصْرَحُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ بَعْدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَبَرَّأَ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ، فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، وَمِنْهَا الْمُتَفَاحِشُ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يَذْكُرَ أَيَّ عَيْبٍ إلَّا مِنْ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ اهـ. وَهَذَا أَصْرَحُ مِمَّا فِي النَّوَادِرِ وَالْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَكْثَرِ الْعَيْبِ شَاهِدَةً لِمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَزَوَالُهُ إلَّا مُحْتَمِلَ الْعَوْدِ) ش: أَيْ وَمَنَعَ مِنْ خِيَارِ الْعَيْبِ زَوَالُ ذَلِكَ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَيْبُ لَا تُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ فَلَا يَمْنَعُ. (تَنْبِيهٌ:) تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ابْتِدَاءً، وَهِيَ مَا إذَا زَالَ الْعَيْبُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُبَيِّنَهُ أَمْ لَا؟ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَوْلِ فِي عُيُوبِ الرَّقِيقِ فِي أَبْدَانِهِمْ فَقَالَ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا انْقَطَعَ الْبَوْلُ عَنْ الْجَارِيَةِ فَلَا يَعِيبُهَا حَتَّى يَبِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ عَوْدَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْجُنُونُ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْبَوْلِ: فَإِذَا انْقَطَعَ انْقِطَاعًا بَيِّنًا مَضَى لَهُ السُّنُونَ الْكَثِيرَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ، وَأَمَّا انْقِطَاعٌ لَا يُؤْمَنُ فَلَا وَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ اهـ. وَيَأْتِي فِي الْقَوْلَيْنِ الْخِلَافُ هَلْ هُمَا خِلَافٌ، أَوْ وِفَاقٌ. (تَنْبِيهٌ:) قَوْلُهُ وَزَوَالُهُ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ بِالْعَيْبِ، أَوْ بَعْدَ الْقِيَامِ بِهِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا، أَوْ أَمَةً بِهَا عَيْبٌ فَذَهَبَ قَبْلَ أَنْ يُقَوَّمَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَاخْتُلِفَ إذَا عَلِمَ فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّ بِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا رَدَّ لَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ. وَالْأَوَّلُ: أَصْوَبُ اهـ. ص (وَبِالْمَوْتِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ) ش: ظَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ رَائِعَةً أَمْ لَا؟ . وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ وَأَشْهَبَ

إنَّ الْعَيْبَ يَذْهَبُ بِالْمَوْتِ دُونَ الطَّلَاقِ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ رَائِعَةً يَعْنِي فِي الْمَوْتِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. ص (فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ، فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَابْن الْحَاجِبِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي رَدِّهِ، أَوْ فِي سُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ إنْ قَدِمَ بِهِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ تُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ، أَوْ لَهُ وَكِيلٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ لِبُعْدِ غَيْبَةِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ إذَا قَدِمَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ، وَنَصُّهُ: وَغَيْبَةُ بَائِعِ الْمَعِيبِ لَا تُسْقِطُ حَقَّ مُبْتَاعِهِ. اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ أَقَامَ بِيَدِهِ عَبْدٌ اشْتَرَاهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِغَيْبَةِ بَائِعِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْ لِسُلْطَانٍ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ لَهُ الرُّجُوعُ بِعَيْبِهِ وَيُعْذَرُ بِغَيْبَةِ الْبَائِعِ لِثِقَلِ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقُضَاةِ، وَلِأَنَّهُ يَرْجُو - إنْ قَدِمَ الْبَائِعُ - مُوَافَقَتَهُ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا اسْتَشْهَدَ بِشَهِيدَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ إشْهَادَهُ شَرْطٌ فِي رَدِّهِ، أَوْ فِي سُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ إنْ قَدِمَ بِهِ رَبُّهُ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ، وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ وَلَهُ الْقِيَامُ فِي غَيْبَتِهِ

اهـ. فَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَهُ الْقِيَامُ فِي غَيْبَتِهِ أَنَّ لَهُ عَدَمَ الْقِيَامِ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْ: وَلَوْ لَمْ يُحَقِّقْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ إذَا حَقَّقَ عَلَيْهِ الدَّعْوَى بِالرِّضَا، وَقَالَ: إنَّ مُخْبِرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ بِلَا كَلَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ قُدُومَهُ عَلَى الْأَصَحِّ) ش: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ غَازِيٍّ كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ، وَهُوَ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْغَائِبِ الَّذِي جُهِلَ مَوْضِعُهُ وَالْأَصَحُّ هُوَ قَوْلُ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيِّ كَمَا. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ نَسَبَ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ شَعْبَانَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَلَّذِي غَرَّ الشَّارِحَ فِي ذَلِكَ لَفْظُ التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيِّ فَتَصَحَّفْتُ ابْنَ الْقُرْطُبِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ وَالْمُصَحِّحُ لِقَوْلِ مَالِكٍ هُوَ ابْنُ سَهْلٍ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْضًا. وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَيَقَعُ فِي النُّسْخَةِ الْمُصَحَّفَةِ مِنْ ابْنِ غَازِيٍّ مَا نَصُّهُ قَالَ يَعْنِي ابْنَ سَهْلٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ لَهُ مَجَالٌ فِي النَّظَرِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ لَهُ، وَمَجَالٌ بِالْجِيمِ، وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ زِيَادَةٌ وَتَصْحِيفٌ وَاَلَّذِي فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ: مُحَالٌ فِي النَّظَرِ، بِإِسْقَاطِ لَفْظَةِ لَهُ وَمُحَالٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه التَّعْلِيلُ، وَهُوَ نَصُّ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَلَفْظُهُ: وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ غَيْبَةٌ بَعِيدَةٌ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ فَلَا مَعْنَى لَهُ، وَمُحَالٌ فِي النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِمَا) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ يَتِمُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ تِسْعَةِ فُصُولٍ: أَحَدُهَا إثْبَاتُ الشِّرَاءِ. الثَّانِي: إثْبَاتُ أَنَّ الثَّمَنَ كَذَا. الثَّالِثُ إثْبَاتُ أَنَّهُ نَقَدَهُ. الرَّابِعُ إثْبَاتُ أَمَدِ الْمُبْتَاعِ. الْخَامِسُ إثْبَاتُ الْعَيْبِ. السَّادِسُ: إثْبَاتُ كَوْنِ الْعَيْبِ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ. السَّابِعُ: إثْبَاتُ قِدَمِ الْعَيْبِ، وَأَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ الْمُبْتَاعِ. الثَّامِنُ: إثْبَاتُ غَيْبَةِ الْبَائِعِ. التَّاسِعُ: إثْبَاتُ بُعْدِ الْغَيْبَةِ وَأَنَّهُ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْفُصُولُ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا. الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّ الْبَائِعَ مَا تَبَرَّأَ لَهُ مِنْ الْعَيْبِ، وَلَا بَيَّنَهُ لَهُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ، وَرَضِيَهُ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الْفُصُولَ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَهَذِهِ الْفُصُولُ التِّسْعَةُ الَّتِي ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهَا كُلِّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّوْضِيحِ مِنْهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْهُ وَتُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَزَادَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يُثْبِتُ صِحَّةَ مِلْكِ الْبَائِعِ إلَى حِينِ الشِّرَاءِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ فِي إثْبَاتِ أَنَّ الثَّمَنَ كِرَاءٌ وَأَنَّهُ نَقَلَهُ إنْ أَرَادَ أَخْذَهُ فَمَفْهُومُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الثَّمَنِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَيَّدَ إثْبَاتَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِمَا إذَا لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ طُولًا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ: وَذَلِكَ الْعَامُ وَالْعَامَيْنِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْأَوَّلُ: وَالثَّانِي مِنْ الْفُصُولِ الَّتِي ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَيْهَا هُمَا اللَّذَانِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً، وَصِحَّةُ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِمَا يَعْنِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى إثْبَاتِهِمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ، وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَلَفْظُهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَنَّ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَرَضِيَهُ، وَلَا اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ. ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ فَضْلٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ الْبَائِعَ مَا تَبَرَّأَ لَهُ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْبَرَاءَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ الَّذِي حَضَرَتْهُ

فرع قام بعيب مبيع في غيبة بائعه والبائع منه حاضر

الْبَيِّنَةُ، وَأَشَارَ لِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى قَوْلِ فَضْلٍ يَزِيدُ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ يَبِيعُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَيَقْضِي الْمُبْتَاعُ ثَمَنَهُ الَّذِي نَقَدَ بَعْدَ أَنْ تَقُولَ بَيِّنَتُهُ إنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ، وَإِنَّهُ كَذَا، وَكَذَا دِينَارًا فَمَا فَضَلَ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِلْغَائِبِ عِنْدَ أَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ نَقَصَ رَجَعَ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ مَالٌ غَيْرُهُ، أَوْ رَأَى أَنَّهُ أَمْثَلُ مَا يُبَاعُ لَهُ، وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: مَا فِيهَا هُوَ نَصُّ الرِّوَايَةِ. وَأَقْوَالُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَأَهْلِ الشُّورَى كَابْنِ عَتَّابٍ وَابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ مَالِكٍ وَابْنِ سَهْلٍ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا بِأَنَّ السُّلْطَانَ يَبِيعُ بَعْدَ إثْبَاتِ الْفُصُولِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت، فَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى بَيْعِهِ لَهُ دُونَ شَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ اعْتِبَارَ أَوْلَوِيَّةِ مَا يُبَاعُ عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ رِضًا بِبَيْعِ مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْبَيْعُ قَدْ رَضِيَ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ تَوْكِيلَهُ عَلَى بَيْعِهِ انْتَهَى. ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ. ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ. [فَرْعٌ قَامَ بِعَيْبِ مَبِيعٍ فِي غَيْبَةِ بَائِعِهِ وَالْبَائِعُ مِنْهُ حَاضِرٌ] (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: مَنْ قَامَ بِعَيْبِ مَبِيعٍ فِي غَيْبَةِ بَائِعِهِ، وَالْبَائِعُ مِنْهُ حَاضِرٌ فَلَا رَدَّ عَلَيْهِ لِحُجَّتِهِ بِدَعْوَاهُ أَنَّ الْغَائِبَ رَضِيَهُ إلَّا فِي عَدَمِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَهُ وَثَمَنُهُ لَمْ يَفِ بِثَمَنِهِ لَمْ يُقْبَلْ رِضَاهُ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ مِنْ الْآخَرِ فَلَهُ الْقِيَامُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ غَرِيمُ غَرِيمِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَمَا فَضَلَ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِلْغَائِبِ عِنْدَ أَمِينٍ الشَّيْخُ. الْقَاعِدَةُ: أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَعَرَّضُ لِدُيُونِ الْغَائِبِ يَقْبِضُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا، أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ حَاضِرًا يُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ، وَرَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرٌ، أَوْ غَائِبٌ مُلِدٌّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ تَعَدَّى عَلَى مَالِ غَائِبٍ فَأَفْسَدَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ مِنْهُ الْقِيمَةَ وَيَحْبِسُهَا لِلْغَائِبِ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ هُنَا: حَبَسَهُ السُّلْطَانُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ؟ انْتَهَى. ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي النُّكَتِ فِيمَا إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ، وَحُكِمَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الْبَائِعُ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَأْخُذُهُ بَلْ يُبْقِيهِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَحْكُمُ لِلْغَائِبِ فِي أَخْذِ دُيُونِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا، أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ، أَوْ يَقُولَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا أُرِيدُ بَقَاءَهُ فِي ذِمَّتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَوْتُهُ حِسًّا كَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ) ش قَوْلُهُ: كَكِتَابَةٍ لَيْسَ تَمْثِيلًا لِلْفَوْتِ الْحِسِّيِّ؛ لِأَنَّ الْفَوْتَ فِي ذَلِكَ حُكْمِيٌّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَشْبِيهُهُ بِالْفَوْتِ الْمُسَمَّى فِي مَنْعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ حِسًّا فَتَلِفَ، أَوْ حُكْمًا بِعِتْقٍ، أَوْ اسْتِيلَادٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) فَإِنْ وَهَبَهُ الْمُبْتَاعُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ أَيْضًا بِالْأَرْشِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَمُوتَ، أَوْ يَقْتُلَهُ الْمُشْتَرِي خَطَأً، أَوْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ عَمْدًا، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يُعْتِقَهُ، أَوْ يُكَاتِبَهُ وَمَا أَشْبَهَهُ فَرَوَى زِيَادٌ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ تَعَذَّرَ لِعَقْدٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ؛ فَالْأَرْشُ، أَيْ: كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَعْتَقَهُ أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ هَذَا فِي غَيْرِ هِبَةِ الثَّوَابِ، وَأَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَكَالْبَيْعِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَقَالَ سَحْنُونٌ وَعِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ: يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمُتَصَدِّقِ لَا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَ التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ زِيَادًا لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ

فرع أوصى بشراء دار توقف حبسا بمسجد

الْهِبَةِ وَكَلَامُهُ الْمُتَقَدِّمُ ظَاهِرُهُ، أَوْ صَرِيحُهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْهِبَةِ أَيْضًا فِي كَلَامِ ابْنِ زِيَادٍ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ إذَا وَهَبَهُ لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ فَوْتٌ. وَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ: لَيْسَ بِفَوْتٍ أَفَلَهُ الِاعْتِصَارُ؟ انْتَهَى. (قُلْت) : الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ اعْتَصَرَهُ فَلَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِمِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَصِرْ فَلَا رَدَّ لَهُ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَهَبْته مِنْ بَائِعِهِ مِنْك، ثُمَّ اطَّلَعْتُ عَلَى الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ بِهِ رَجَعْتَ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ انْتَهَى. [فَرْعٌ أَوْصَى بِشِرَاءِ دَارٍ تُوقَفُ حَبْسًا بِمَسْجِدٍ] (فَرْعٌ:) وَمِنْ ذَلِكَ الْحَبْسُ قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا فِيمَنْ، أَوْصَى بِشِرَاءِ دَارٍ تُوقَفُ حَبْسًا بِمَسْجِدٍ فَفَعَلَ وَصِيُّهُ بِذَلِكَ وَزَادَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَحَبَسَ الدَّارَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ بِهَا مَفْسَدَةُ عَيْبٍ قَبِيحَةٌ تُوجِبُ رَدَّهَا أَنَّ لِلْوَصِيِّ رَدَّهَا، وَلَيْسَ تَحْبِيسُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يُفِيتُ رَدَّهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّحْبِيسُ فَوْتًا إذَا اشْتَرَاهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ حَبَسَهَا [فَرْعٌ الْإِبَاقُ عَيْبٌ] (فَرْعٌ:) وَالْإِبَاقُ عَيْبٌ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْمَعِيبِ قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْعُمْدَةِ. [فَرْعٌ وَلَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ لِمَرَضِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ أَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ صَحَّ] (فَرْعٌ:) وَلَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ لِمَرَضِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، أَوْ كَاتَبَهُ، ثُمَّ صَحَّ، أَوْ عَجَزَ فَاتَ، قَالَهُ فِي الشَّامِلِ ص (فَيُقَوَّمُ سَالِمًا، أَوْ مَعِيبًا) ش: وَالْمُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَوْمَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا صَحِيحًا، فَلَمْ يَقْبِضْهَا إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ، أَوْ شَهْرَيْنِ، وَقَدْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِقَبْضِهَا وَبَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَالتَّقْوِيمُ فِي قِيمَةِ الْبَيْعِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ وَمُصِيبَتُهُ مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُبْتَاعُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ، وَقَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا؟ فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ احْتَبَسَهَا بِالثَّمَنِ كَالرَّهْنِ هَذَا إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مِمَّا يَتَوَاضَعُ مِثْلُهَا، أَوْ بِيعَتْ عَلَى الْقَبْضِ ص (وَيَأْخُذُ مِنْ الثَّمَنِ النِّسْبَةَ) ش: سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ بَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَوَّمَا بِتَقْدِيمِ الْمَبِيعِ. ص (وَوُقِفَ فِي رَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ لِخَلَاصِهِ) ش حُكْمُ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَهِبَةِ الثَّوَابِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ حَتَّى تَعُودَ لَهُ السِّلْعَةُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْأُمِّ: وَالرَّهْنُ وَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ وَالْإِجَارَةُ إذَا أَصَابَ الْعَيْبَ بَعْدَ مَا رَهَنَ، أَوْ أَجَّرَ فَلَا أَرَاهُ فَوْتًا وَمَتَى مَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ وَانْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ فَأَرَى لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، وَإِنْ دَخَلَهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ رَدَّهَا، وَمَا نَقَصَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا، أَوْ وَهَبَهَا لِلثَّوَابِ، أَوْ رَهَنَهَا، أَوْ أَجَّرَهَا، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ فَإِذَا زَالَتْ مِنْ الْإِجَارَةِ، أَوْ الرَّهْنِ يَوْمًا فَلَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ إنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، وَإِنْ دَخَلَهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا عِنْدَهُ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: قَوْلُهُ: بَاعَهَا بَيْعًا صَحِيحًا، أَوْ فَاسِدًا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا، ثُمَّ بِعْتَهُ فَادَّعَيْتَ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ بِالْعَبْدِ عِنْدَ بَائِعِهِ مِنْكَ فَلَيْسَ لَكَ خُصُومَةٌ الْآنَ؛ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَمْ أُرْجِعْكَ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ فَأَمَّا إنْ رَجَعَ إلَيْك الْعَبْدُ بِشِرَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَكَ الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: إنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ لَكَ الْمُشْتَرِي مِنْكَ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْكَ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَرَجَعَ عَلَيْكَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِعْتَهُ بِهِ مِنْهُ، ثُمَّ لَكَ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِكَ الْأَوَّلِ، وَأَخْذُ جَمِيعِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَلَا كَلَامَ لَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يُحَاسِبُكَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضْتَ مِنْ وَاهِبِكَ بَعْدَ الَّذِي رَدَدْت إلَيْهِ مِنْهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ فِي يَدِكَ إنَّمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا كَلَامَ

لَهُ. (تَنْبِيهٌ:) اُنْظُرْ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَقُلْنَا: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعُودَ إلَيْهِ السِّلْعَةُ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُشْهِدَ الْآنَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِذَلِكَ، أَوْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إلَيْهِ الرَّدُّ فِيمَا إذَا رَجَعَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِشِرَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ إذَا لَمْ يَكُنْ قَامَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُحْكَمْ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ أَمَّا لَوْ قَامَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُجُوعِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ أُصُولِهِمْ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ قَامَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَقُمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِ لِعِلَّةٍ فَارْتَفَعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِارْتِفَاعِهَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ لَهُ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ مِنْهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا اشْتَرَيْته لِأَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يُعْذَرُ فِيمَنْ عَدِمَ الْقِيَامَ بِغَيْبَةِ الْبَائِعِ فَهُنَا أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْإِخْدَامُ كَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ) ش: فَإِذَا أَخْدَمَ الْعَبْدَ، أَوْ الْجَارِيَةَ شَخْصٌ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ قَالَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَالْمُقَدِّمَاتِ ص (فَإِنْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ مُطْلَقًا) ش: أَيْ، فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى بَائِعِهِ حِينَئِذٍ بِشَيْءٍ، وَلَيْسَ لَهُ مُخَاصَمَتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، أَوْ بِأَكْثَرَ، أَوْ بِأَقَلَّ أَمَّا إذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، أَوْ أَكْثَرَ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِأَقَلَّ فَلِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَيَبِيعَهُ رِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّقْصِ لِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ لَا لِلْعَيْبِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ لِأَجْلِ الْعَيْبِ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ بَائِعِهِ، أَوْ بَاعَهُ وَكِيلٌ لَهُ، وَظَنَّ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا نَقَصَهُ الثَّمَنُ وَقِيمَةِ الْعَيْبِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَ عِيَاضٌ وَابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ مُحَمَّدٍ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا لِمُحَمَّدٍ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ بِكَثَمَنِهِ فَأَكْثَرَ فَلَا كَلَامَ لَهُ، وَكَذَا بِدُونِهِ، وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ لِأَجْلِ الْعَيْبِ ظَانًّا هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَهُ قِيمَتُهُ خِلَافٌ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ بَائِعِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ، أَوْ لَهُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إلَخْ، وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَصَوَابُهُ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْإِطْلَاعِ وَتَبِعَهُ الْبِسَاطِيُّ عَلَى هَذَا السَّهْوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَغَيُّرُ الْمَبِيعِ إنْ تَوَسَّطَ فَلَهُ أَخْذُ الْقَدِيمِ وَرَدُّهُ، وَدَفْعُ الْحَادِثِ) ش: اعْلَمْ أَنَّ تَغَيُّرَ الْمَبِيعِ تَارَةً يَكُونُ بِنُقْصَانٍ وَتَارَةً يَكُونُ بِزِيَادَةٍ وَتَارَةً يَكُونُ بِهِمَا فَالنُّقْصَانُ عَلَى خَمْسَةِ، أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ:

فرع ولو حدث عند المشتري موضحة أو منقلة أو جائفة ثم برئت

التَّغَيُّرُ بِنَقْصٍ فِي الْقِيمَةِ لِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. الثَّانِي: النُّقْصَانُ بِتَغَيُّرِ حَالِ الْمَبِيعِ دُونَ بَدَنِهِ كَالزَّوَاجِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَتَزْوِيجُ أَمَةٍ. الثَّالِثُ: التَّغَيُّرُ بِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَهَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَقَسَّمَهُ إلَى خَفِيفٍ وَمُتَوَسِّطٍ وَمُفِيتٍ. الرَّابِعُ: النُّقْصَانُ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ النَّخْلَ بِثَمَرَتِهَا قَبْلَ الْإِبَارِ، أَوْ بَعْدَهُ وَالْعَبْدَ بِمَالِهِ، فَذَهَبَ مَالُ الْعَبْدِ بِتَلَفٍ، أَوْ ثَمَرَةُ النَّخْلِ بِجَائِحَةٍ، ثُمَّ يَطَّلِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ يَتَمَسَّكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ. صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهَا الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى لِعِيسَى بْنِ دِينَارٍ. الْخَامِسُ: النُّقْصَانُ بِمَا أَحْدَثَهُ الْمُبْتَاعُ فِي الْمَبِيعِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مُدَلِّسٍ وَغَيْرِهِ إنْ نَقَصَ ذِكْرُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَوْجُهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَذَكَرَهَا الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَالرَّجْرَاجِيّ وَصَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَأَمَّا النُّقْصَانُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ، أَوْ يُمْسِكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ نَصًّا خِلَافَ أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ لَيْسَتْ بِفَوْتٍ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَبِيعَاتِ لَا بِالزِّيَادَةِ، وَلَا بِالنُّقْصَانِ، وَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْمُشْتَرَى إلَّا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ رَوَاهَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ فَوْتٌ فِي الطَّعَامِ اهـ. وَأَمَّا التَّغَيُّرُ بِالزِّيَادَةِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَهُ إنْ زَادَ بِكَصَبْغٍ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى التَّغَيُّرِ بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجُبِرَ بِهِ الْحَادِثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُوضِحَةٌ أَوْ مُنَقِّلَةٌ أَوْ جَائِفَةٌ ثُمَّ بَرِئَتْ] (فَرْعٌ:) وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُوضِحَةٌ، أَوْ مُنَقِّلَةٌ، أَوْ جَائِفَةً، ثُمَّ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَ لَهَا أَرْشًا، وَلَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ إنْ رَدَّ الْعَبْدَ، وَأَمَّا إنْ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ، فَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ رَدَّ مَعَهُ مَا شَانَهُ نَقَلَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَصَاحِبِ الشَّامِلِ. ص (وَقَوَّمَا بِتَقْوِيمِ الْمَبِيعِ يَوْمَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيُقَوَّمُ الْقَدِيمُ وَالْحَادِثُ بِتَقْوِيمِ الْمَبِيعِ يَوْمَ يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَفِي قِيمَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى قِيمَتِهِمَا مَعًا، أَوْ إلَى قِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَحْدَهُ يَوْمَ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لَا يَوْمَ الْحُكْمِ، وَلَا يَوْمَ الْعَقْدِ، وَلَا يُفْصَلُ فِي ذَلِكَ فَيُقَالُ يُقَوَّمُ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ يَوْمَ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ يَوْمَ الْحُكْمِ كَمَا يَقُولُهُ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَدَّلِ زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ: وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ يُقَوَّمُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى: (يَوْمَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُوَاضَعَةٍ فَإِذَا قِيلَ: يَوْمُ الْبَيْعِ لَمْ يَشْمَلْ هَذِهِ الصُّورَةَ وَشِبْهَهَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيِّ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ ضَمَانِ ذَاتِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْغَائِبِ وَالْمَحْبُوسَةِ بِالثَّمَنِ وَالْفَاسِدِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: فَإِنْ أَمْسَكَ قُوِّمَ صَحِيحًا، أَوْ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي التَّمَسُّكَ بِالْعَيْبِ، وَأَخَذَ قِيمَةَ الْقَدِيمِ حَيْثُ يَكُونُ التَّخْيِيرُ فَإِنَّ الْمَبِيعَ يَكْفِي فِيهِ حِينَئِذٍ تَقْوِيمَانِ يُقَوَّمُ صَحِيحًا، ثُمَّ مَعِيبًا بِالْقَدِيمِ فَمَهْمَا نَقَصَ أَخَذَ نِسْبَةَ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا سَالِمَةً عَشَرَةً، وَبِالْعَيْبِ ثَمَانِيَةً فَيَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْبَ خُمْسُ الثَّمَنِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِخُمْسِهَا، وَذَلِكَ ثَلَاثٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ رَدَّ قَوَّمَ ثَالِثًا بِهِمَا. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ، وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ قَوَّمَ تَقْوِيمًا ثَالِثًا بِالْعَيْبَيْنِ مَعًا الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فَمَا نَقَصَتْهُ الْقِيمَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ الْقِيمَةِ الثَّانِيَةِ نَسَبَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيمَةِ الْأُولَى وَرَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ تِلْكَ النِّسْبَةَ مِنْ الثَّمَنِ، وَهَكَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: فَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ فَإِنَّ الْقِيمَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فَإِذَا تَقَدَّمَا جُعِلَتْ قِيمَةُ

السِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَصْلًا، ثُمَّ يُقَوِّمُهَا قِيمَةً ثَالِثَةً بِالْعَيْبَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فَيَرُدُّ مِنْ ثَمَنِ الْمَعِيبِ بِقَدْرِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قِيلَ فِي مَسْأَلَتِنَا: إنَّ قِيمَتَهَا بِالْعَيْبِ سِتَّةٌ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِعَيْبِهِ الرُّبْعَ فَيَرْجِعُ مِنْ ثَمَنِهِ بِذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ اثْنَا عَشَرَ فَيَرُدُّ مَعَ الْمَعِيبِ رُبُعَ ثَمَنِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، وَذَلِكَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. وَإِنْ شِئْت قُلْت: يُرَدُّ خُمْسُ الثَّمَنِ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْت:) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فَمَا نَقَصَتْهُ الْقِيمَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ الْقِيمَةِ الثَّانِيَةِ نُسِبَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيمَةِ الْأُولَى وَرَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ فَإِنَّ مُؤَدَّى ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّا إذَا نَسَبْنَا الْقِيمَةَ الثَّانِيَةَ، وَهِيَ السِّتَّةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ إلَى الْقِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ الثَّمَانِيَةُ، وَعَرَفْنَا أَنَّ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا اثْنَانِ فَنَسَبْنَا الِاثْنَيْنِ حِينَئِذٍ إلَى الْقِيمَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ الْعَشَرَةُ فَتَكُونُ خَمْسًا فَتَأْخُذُ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ، وَإِنْ شِئْت قُلْتُ يُرَدُّ خُمْسُ الثَّمَنِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَ الْبَاجِيُّ، فَإِنْ عَرَفْنَا أَنَّ الْفَضْلَ بَيْنَ الْقِيمَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّانِيَةِ اثْنَانِ نَسَبْنَا الِاثْنَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ الثَّانِيَةِ، فَيَكُونُ رُبْعًا فَتَأْخُذُ رُبْعَ الثَّمَنِ الْمَبِيعِ بِعَيْبِهِ وَالطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ ثَمَنِهِ بِعَيْبِهِ أَنْ نُسْقِطَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَصْلِيِّ مَا يَنُوبُ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ. فَقَوْلُ الْبَاجِيِّ فَيُرَدُّ مِنْ الْمَعِيبِ بِقَدْرِ ذَلِكَ يَعْنِي الْمَبِيعَ بِعَيْنِهِ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ. (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَدْرُ مَنَابِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ هُوَ الْجَزَاءُ الْمُسَمَّى لِلْخَارِجِ مِنْ نِسْبَةِ قِيمَتِهِ فَضْلُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا عَلَى قِيمَتِهِ مَعِيبًا يَوْمَ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ مِنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ أَوَّلًا فِي الْمُوَاضَعَةِ، وَمَا مَعَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْرُ الْحَادِثِ مِنْهُ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى لِلْخَارِجِ مِنْ تَسْمِيَةِ فَضْلِ قِيمَتِهِ بِالْقَدِيمِ عَلَى قِيمَتِهِ بِهِمَا مِنْ قِيمَتِهِ بِالْقَدِيمِ فَقَطْ اهـ. (قُلْت:) مَا ذَكَرَهُ فِي مَنَابِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ ظَاهِرٌ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَادِثِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا نَسَبْنَا الْفَضْلَ بَيْنَ الْقِيمَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ يَأْخُذُ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْرُ الْحَادِثِ مِنْهُ يَعُودُ إلَى الثَّمَنِ الْأَصْلِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْرُ مَنَابِ الْقَدِيمِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِثَمَنِ الْمَعِيبِ بِعَيْنِهِ ذِكْرٌ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ، وَيَكُونَ مُوَافِقًا لِكَلَامِ الْبَاجِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ قَبْلَ التَّقْوِيمِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ لِلْجَهْلِ بِمَا يَنُوبُهُ بِأَنَّهُ فِي الْعَيْبِ لَمَّا فَاتَ عِنْدَهُ بَعْضُ الْمَبِيعِ وَوَجَبَ أَنْ لَا يَرُدَّ إلَّا بِمَا نَقَصَهُ سُومِحَ فِي أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُ شَيْءٍ إذَا رَدَّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ: لَا يُخَيَّرُ حَتَّى يُقَوَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ التَّمَسُّكَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَحْبِسَهُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ. (قُلْتُ) : وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِعَبْدِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمُنَاقَضَةَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَبَحَثَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمُنَاقَضَةُ خِلَافُ قَوْلِ عَبْدِ الْحَقِّ لَا يُخَيَّرُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَنَابِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ اهـ. وَمِمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ نُصُوصِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ إنْ زَادَ بِكَصَبْغٍ أَنْ يَرُدَّ وَيَشْتَرِكَ بِمَا زَادَ يَوْمَ الْبَيْعِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَجُبِرَ بِهِ الْحَادِثُ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الزِّيَادَةُ عَلَى خَمْسَةِ، أَوْجُهٍ زِيَادَةٌ لِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَزِيَادَةٌ فِي حَالَةِ

الْمَبِيعِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَتَعَلَّمَ الصِّنَاعَاتِ، وَيَتَخَرَّجَ فَتَزِيدَ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا لَا يُعْتَبَرُ، وَلَا يُوجِبُ لِلْمُبْتَاعِ خِيَارًا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ فِي أَوَّلِهِ: وَلَا يُفِيتُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا فَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ، أَوْ صَنْعَةً نَفِيسَةً فَارْتَفَعَ ثَمَنُهُ لِذَلِكَ، أَوْ ابْتَاعَ أَمَةً فَعَلَّمَهَا الطَّبْخَ وَالْغَسْلَ وَنَحْوَهُ فَارْتَفَعَ ثَمَنُهَا لِذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ فَوْتًا، وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ، أَوْ يَرُدَّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: كَانَ يَجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِمَا أَخْرَجَ فِي تَعْلِيمِهَا. اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ نَقْلِ الْمَبِيعِ الْآتِيَةِ، وَبِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا بَاعَهُ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ رَبُّهُ لِدَيْنٍ سَابِقٍ، ثُمَّ أَيْسَرَ، ثُمَّ أَعْسَرَ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ حَبْسَهُ وَالرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَدَّهُ عَلَى رَبِّهِ عَتَقَ لِيُسْرِهِ الطَّارِئِ، وَلَا يَجِدُ ثَمَنًا يَأْخُذُ بِالْعُسْرِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْيُسْرِ الْمَذْكُورِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمَازِرِيَّ أَجَابَ بِأَنَّ ضَرْبَ عَدَمِ الرُّجُوعِ نَاشِئٌ عَنْ الرَّدِّ وَعَدَمِ أَجْرِ الصَّنْعَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. وَزِيَادَةٌ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ بِنَمَاءٍ حَادِثٍ فِيهِ كَالدَّابَّةِ تَسْمَنُ وَالصَّغِيرِ يَكْبَرُ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسَةِ مُضَافٍ إلَيْهِ كَالْوَلَدِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَعَجَفِ دَابَّةٍ وَسِمَنِهَا، وَزِيَادَةٌ مُضَافَةٌ لِلْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ، وَلَا مَالَ لَهُ فَيُفِيدُ عِنْدَهُ مَالًا بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ كَسْبٍ مِنْ تِجَارَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ خَرَاجِهِ، أَوْ يَشْتَرِيَ النَّخْلَ، وَلَا ثَمَرَ فِيهِ فَتُثْمِرَ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَجِدَ عَيْبًا فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُ خِيَارًا، أَوْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ وَالنَّخْلَ وَثَمَرَتَهَا مَا لَمْ يَطِبْ، وَيَرْجِعُ بِالْعِلَاجِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ يُمْسِكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَطِبْ أَيْ مَا لَمْ تَزْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَمْ تَرِدْ كَشُفْعَةٍ وَزِيَادَةٍ أَحْدَثَهَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ مِنْ صَنْعَةٍ مُضَافَةٍ إلَيْهِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّبَدِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ إلَّا بِفَسَادٍ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ أَنْ يَتَمَسَّكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، أَوْ يَرُدَّ، وَيَكُونَ شَرِيكًا اهـ. وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى، وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ الْخَمْسَةَ أَوْجُهٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ الْخَامِسُ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا الرَّابِعُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: كَعَجَفِ دَابَّةٍ وَسِمَنِهَا، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّقْوِيمِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَدَثَتْ زِيَادَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ فَيُقَوَّمُ الْمَبِيعُ تَقْوِيمَيْنِ يُقَوَّمُ سَالِمًا، ثُمَّ مَعِيبًا، وَيَأْخُذُ مِنْ الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ قُوِّمَ تَقْوِيمَيْنِ أَيْضًا فَيُقَوَّمُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ. ثُمَّ يُقَوَّمُ مَصْبُوغًا فَمَا زَادَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَتِهِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ نُسِبَ إلَى قِيمَتِهِ مَصْبُوغًا وَكَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فِي الثَّوَابِ بِنِسْبَتِهِ كَمَا إذَا قُوِّمَ غَيْرَ مَصْبُوغٍ بِثَمَانِينَ وَقُوِّمَ مَصْبُوغًا بِتِسْعِينَ فَيَنْسِبُ الْعَشَرَةَ الزَّائِدَةَ إلَى تِسْعِينَ فَتَكُونُ تِسْعًا، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِالتِّسْعِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا، وَغَيْرَ مَصْبُوغٍ يَوْمَ الْبَيْعِ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ، وَيَوْمَ الْحُكْمِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ وَزِيَادَةٌ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ قُوِّمَ الْمَبِيعُ تَقْوِيمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِ تَقْوِيمَاتٍ يُقَوَّمُ سَالِمًا، ثُمَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ بِالْحَادِثِ، ثُمَّ بِالزِّيَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا حَاجَةَ إلَى تَقْوِيمِهِ سَالِمًا، وَلَا إلَى تَقْوِيمِهِ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ بِالزِّيَادَةِ فَيُشَارِكُ فِي الْمَبِيعِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ تَقْوِيمَاتٍ إذَا شَكَّا فِي الزِّيَادَةِ هَلْ جَبَرَتْ الْعَيْبَ أَمْ لَا؟ فَيُقَوَّمُ سَالِمًا، ثُمَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ بِالزِّيَادَةِ، فَإِنْ جَبَرَتْ الْعَيْبَ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ، فَإِنْ زَادَتْ حَصَلَتْ الْمُشَارَكَةُ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الصَّنْعَةُ عَنْ

فرع نكل البائع عن اليمين

قِيمَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ النَّاقِصُ كَعَيْبٍ مُسْتَقِلٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ هَلْ جَبَرَتْ الصَّنْعَةُ الْعَيْبَ الْحَادِثَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ سَالِمًا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ شَكَّ فِي الزِّيَادَةِ هَلْ جَبَرَتْ الْحَادِثَ أَمْ لَا؟ فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِ تَقْوِيمَاتٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ بِالزِّيَادَةِ قَدْرَ قِيمَتِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَكْفِي ثَلَاثُ تَقْوِيمَاتٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ نَقَصَتْ الصَّنْعَةُ عَنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، فَتَأَمَّلْهُ. وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّ الزِّيَادَةَ جَبَرَتْ الْحَادِثَ كَمَا لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمَيْنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهَذَا عَلِمْت مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُجْبَرُ بِهِ الْحَادِثُ. ص (وَفَرْقٌ بَيْنَ مُدَلِّسٍ وَغَيْرِهِ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَفْتَرِقُ فِيهَا الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ سِتَّ مَسَائِلَ. (قُلْت:) وَيَفْتَرِقُ الْمُدَلِّسُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا الْأُولَى: أَنَّ الْمُدَلِّسَ يُؤَدَّبُ، وَغَيْرُهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا، أَوْ وَلَدَهُ وَبِهِ عَيْبٌ غَرَّ بِهِ، أَوْ دَلَّسَهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ الْبَائِعُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ غَشَّ أَخَاهُ أَوْ غَرَّهُ أَوْ دَلَّسَ لَهُ بِعَيْبٍ أَنْ يُؤَدَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَالْآخَرُ لِلْمُدَلَّسِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي اللُّبَابِ: مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَفْتَرِقُ فِيهَا الْمُدَلِّسُ مِنْ غَيْرِهِ حُكْمُ مَا يَأْخُذُهُ الْمَاكِسُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا فَيُؤَدِّيَ عَلَيْهِ مَكْسًا، ثُمَّ يَحْدُثُ بِهِ عَيْبٌ فَيُرِيدُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَمْ يَحْضُرنِي الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ كَانَ مُدَلِّسًا فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ يُونُسَ إلَى الْخِلَافِ فِي الْمُبْتَاعِ يُؤَدِّي مَكْسًا عَلَى الْمَبِيعِ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ هَلْ يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ دَفْعُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَأَجْرَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ يَدِ لِصٍّ هَلْ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِلَا ثَمَنٍ، أَوْ حَتَّى يَدْفَعَ لِلْمُشْتَرِي مَا دَفَعَ؟ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ ظُلْمٌ، فَيَكُونُ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ: هَلْ يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ صَوَابُهُ: هَلْ يَلْزَمُ الشَّفِيعَ؟ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ، وَفِي الْمَكْسِ تَرَدُّدٌ، وَقَالَ فِي بَابِ الْجِهَادِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ لِصٍّ وَالْأَحْسَنُ فِي الْمُفْدَى مِنْ لِصٍّ أَخْذُهُ بِالْفِدَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ الصَّنْعَةَ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: غُرْمُ قَبَالَةِ السُّلْطَانِ عَلَى شِرَاءِ مَا يَشْتَرِي يُوجِبُ رُجُوعَ الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ، وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى غُرْمِ أَجْرِ الصَّنْعَةِ انْتَهَى. فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغُرْمَ لِلسُّلْطَانِ يُفِيتُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَيَتَعَيَّنُ مَعَهُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا رَدَّ بِالْعَيْبِ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ لِلسُّلْطَانِ إذَا كَانَ مُدَلِّسًا، وَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْبَائِعُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّدْلِيسِ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أَوْ يُقِرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ ادَّعَى يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ لَهُ فَأَنْكَرَهُ حَلَّفَهُ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: عَلِمْت الْعَيْبَ وَنَسِيتُهُ حِينَ الْبَيْعِ حَلَفَ لَهُ أَنَّهُ نَسِيَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ نَسِيَ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ حَلَفَ خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ فَيَخْتَارُ الرَّدَّ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِيَمِينِهِ إذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ وَالرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ انْتَهَى. وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ: إنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْرَى عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ الْآتِي فِي إسْقَاطِ حُكْمِ التَّخْيِيرِ مَعَ التَّدْلِيسِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَحْرَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إثْبَاتِ التَّخْيِيرِ. [فَرْعٌ نَكِلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ] (فَرْعٌ:) فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْلِيسِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ

عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَيْهِمَا رَدَّ السِّمْسَارُ ص (إنْ نَقَصَ) ش: قَالَ الشَّارِحُ الْأَوْلَى فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَفْتَرِقُ فِيهَا حُكْمُ الْمُدَلِّسِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا فَعَلَ الْمُبْتَاعُ فِي الْمَبِيعِ فِعْلًا فَنَقَصَ بِسَبَبِهِ فَمَعَ التَّدْلِيسِ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَهُ إمَّا أَنْ يَرُدَّ وَيُعْطِيَ أَرْشَ الْحَادِثِ، أَوْ يَتَمَسَّكَ، وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْقَدِيمِ انْتَهَى. (قُلْت:) عُمُومُ كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ: إذَا فَعَلَ فِي الْمَبِيعِ فِعْلًا غَيْرَ صَوَابٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ فَعَلَهُ الْمُبْتَاعُ فِي الْمَبِيعِ لَا شَيْءَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَحْدُثَ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّوْبَ فَيَصْبُغَهُ، أَوْ يَقْطَعَهُ فَيُنْقِصَ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنَّ هَذَا بِاتِّفَاقٍ وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ، أَوْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، أَوْ يَرُدَّهُ، وَيَرُدَّ مَا نَقَصَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَلِّسًا، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِلنُّقْصَانِ شَيْءٌ يَرُدُّهُ مِنْ أَجْلِهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ ذَلِكَ لَهُ. وَالثَّانِي قَوْلُ أَصْبَغَ وَابْن الْمَوَّازِ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ فِيمَا كَانَ نَقْصُهُ بِغَيْرِ صِنَاعَةٍ كَالْقَطْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا نَقَصَهُ بِصِنَاعَةٍ كَالصَّبْغِ وَشِبْهِهِ، وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ مِنْ النَّظَرِ، وَنَقَلَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ مَا أُحْدِثَ بِالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَالدُّورِ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ مِنْ عَيْبٍ مُفْسِدٍ فَلَا يَرُدُّهُ إنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا إلَّا بِمَا نَقَصَهُ عِنْدَهُ دَلَّسَ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الثِّيَابِ تُقْطَعُ وَتُصْبَغُ وَتُقَصَّرُ إذْ لِهَذَا تُشْتَرَى فَيَفْتَرِقُ فِيهَا التَّدْلِيسُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَصِيرُ الْمُدَلِّسُ كَالْآذِنِ فِي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الرَّدِّ مِمَّا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَفْعَلَ فِي الثِّيَابِ مَا لَا يُفْعَلُ فِي مِثْلِهَا، أَوْ يَحْدُثَ فِيهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ مِنْ غَيْرِ التَّقْطِيعِ فَلَا يَرُدُّهَا إلَّا بِمَا نَقَصَهَا، فَإِنْ قَطَّعَ الثِّيَابَ قُمُصًا، أَوْ سَرَاوِيلَاتٍ، أَوْ أَقْبِيَةً، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ، فَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ فِي حَبْسِهِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، أَوْ رَدِّهِ، وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ، فَإِنْ دَلَّسَ الْبَائِعُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِمَا نَقَصَ الْقَطْعُ إنْ رَدَّهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَكُونُ لَهُ هُنَا أَنْ يَحْبِسَهُ، وَيَأْخُذَ مِنْ الْبَائِعِ قِيمَةَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِلَا غُرْمٍ لِمَا نَقَصَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ دَخَلَ لَهُ فِيهِ مِنْ صَبْغٍ، أَوْ خِيَاطَةٍ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ كَمَنْ لَمْ يَحْدُثْ بِهِ عِنْدَهُ عَيْبٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ، أَوْ يَحْبِسَ بِلَا شَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ الْجُلُودُ تُقَطَّعُ خُفَافًا، أَوْ نِعَالًا، وَسَائِرُ السِّلَعِ إذَا عُمِلَ بِهَا مَا يُعْمَلُ بِمِثْلِهَا مِمَّا لَيْسَ بِفَسَادٍ فَإِذَا فَعَلَ فِي ذَلِكَ مَا لَا يُفْعَلُ فِي مِثْلِهِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ الرِّشَا خِرَقًا وَقُبَاءَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ وَذَلِكَ فَوْتٌ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ لَبِسَ الثَّوْبَ لُبْسًا يُنْقِصُهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِمَا نَقَصَهُ اللُّبْسُ فِي التَّدْلِيسِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ، أَوْ يَحْبِسُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَلَا يَرُدُّ لِلُّبْسِ الْخَفِيفِ شَيْئًا إذَا لَمْ يُنْقِصْهُ، وَإِنْ صَبَغَهُ صَبْغًا يُنْقِصُهُ، أَوْ قَطَعَهُ، وَالْبَائِعُ مُدَلِّسٌ فَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِلَا غُرْمٍ، أَوْ التَّمَاسُكُ وَالرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ ابْنُ يُونُسَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَطَعَهُ قَطْعًا أَدَّى عَلَيْهِ أُجْرَةً لِصَنْعَةٍ فِيهِ، فَيَكُونُ لَهُ التَّمَاسُكُ وَالرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ كَمَا قَالَ فِي الصَّبْغِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لِقَطْعِهِ قِيمَةٌ فَكَانَ يَجِبُ أَنَّهُ إذَا تَمَاسَكَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِلَا غُرْمٍ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: قَوْلُ مَالِكٍ، أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْطِيعَ يُوجِبُ لَهُ التَّخْيِيرَ فِي غَيْرِ التَّدْلِيسِ فَلَا يَكُونُ الْمُدَلِّسُ أَحْسَنَ حَالًا مِمَّنْ لَمْ يُدَلِّسُ فَهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ فِي التَّدْلِيسِ، ثُمَّ رَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ هُنَا وَفَوْقَهُ هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَوَّلًا أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ تَقْيِيدًا، وَيُفْهَمُ مِنْ آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ جَعَلَهُ خِلَافًا، وَأَنَّهُ رَجَّحَ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ خِلَافٌ وَأَنَّهُ مَاشٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ وَمِمَّنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي

فرع شرط على البائع إن أبق فهو منه

الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ الْبَائِعُ فِي الثِّيَابِ فَرَدَّهَا بِعَيْبٍ، وَقَدْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهَا رَدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ بِأَنَّ الْقَطْعَ غَيْرَ الْمُعْتَادِ يُفِيتُ الرَّدَّ، وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ، وَعَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) إذَا عَلِمْت هَذَا فَعَدُّ الْمُصَنِّفِ الْقَطْعَ الْمُعْتَادَ فِي الْعَيْبِ الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُدَلِّسِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُدَلِّسِ فَالْقَطْعُ الْمُعْتَادُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ الَّذِي يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالرَّدِّ مَعَ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ الْمُعْتَادُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اُنْظُرْ لَوْ عَمِلَ بِهَا مَا لَمْ يُعْمَلْ بِبَلَدِ الْبَائِعِ، وَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ إنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ غَرِيبًا، أَوْ مِمَّنْ يَتَّجِرُ بِمَا يُسَافِرُ بِهِ أَنَّهُ كَمُعْتَادٍ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَهَلَاكِهِ مِنْ التَّدْلِيسِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَحْصُلَ بِسَبَبِ الْعَيْبِ هَلَاكٌ، أَوْ عَطَبٌ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ سَارِقًا فَسَرَقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوُهُ، فَمَعَ التَّدْلِيسِ يَكُونُ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمُشْتَرِي انْتَهَى. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ، كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَبَرَّأَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ) ش: لَوْ قَالَ: وَتَبَرَّأَ، أَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَكَانَ أَبْيَنَ؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَفْتَرِقُ فِيهِ الْمُدَلِّسُ، وَغَيْرُهُ فَالْمُدَلِّسُ لَا يُفِيدُهُ الْبَرَاءَةُ لِعِلْمِهِ بِالْعَيْبِ، وَغَيْرُ الْمُدَلِّسِ يُفِيدُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ، وَأَمَّا إذَا تَبَرَّأَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّدْلِيسُ. [فَرْعٌ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَبَقَ فَهُوَ مِنْهُ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْبَيَانِ إذَا شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَبَقَ فَهُوَ مِنْهُ فَأَبَقَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ فَهُوَ مِنْهُ كَانَ الْعَبْدُ عُرِفَ بِعَيْبِ الْإِبَاقِ أَمْ لَا انْتَهَى. ص (وَرَدُّ سِمْسَارٍ جُعْلًا) ش: أَيْ وَمِمَّا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ رَدُّ السِّمْسَارِ الْجُعْلَ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ رَدَّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ. قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَدَّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ عَلَى الْبَائِعِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُدَلِّسْ يَعْنِي الْبَائِعَ، وَأَمَّا إنْ دَلَّسَ فَالْجُعْلُ لِلْأَجِيرِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَذَكَرَ هَذَا التَّقْيِيدُ عَنْ ابْنِ اللَّبَّادِ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَبِلُوهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: لِلسِّمْسَارِ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ أَنَّهُ لَمْ يُدَلِّسْ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَيَّدَ الْقَابِسِيُّ كَلَامَ ابْنِ اللَّبَّادِ فَقَالَ: هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ السِّمْسَارُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ عَلِمَ فَهُوَ مُدَلِّسٌ أَيْضًا إنْ رَدَّ الْمَبِيعَ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَلَهُ جُعْلٌ مِثْلُهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَاَلَّذِي أَرَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْجُعْلِ كَمَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الْمُدَلِّسِ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ رَبُّ السِّلْعَةِ وَالسِّمْسَارُ عَلَى التَّدْلِيسِ، فَيَكُونَ لَهُ حِينَئِذٍ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ السِّلْعَةِ قَالَ لَهُ: دَلِّسْ بِالْعَيْبِ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ رُدَّ فَلَا شَيْءَ لَكَ فَهُوَ غَرَرٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: يُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْجُعْلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا الْغَرَرُ عَارِضٌ عَنْ شَيْءٍ تَسَبَّبَ فِيهِ بِخِلَافِ الْغَرَرِ النَّاشِئِ عَنْ نَفْسِ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَرْضَ هَذَا التَّقْيِيدَ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ دَلَّسَ لَمْ يَرُدَّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ وَزِيدَ إنْ جُهِلَ التَّدْلِيسُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَقِيلَ: إنْ تَعَامَلَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُ جُعْلُهُ. (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَإِنَّمَا يَرُدُّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ إذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِرَدِّهَا، وَأَمَّا إنْ قَبِلَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْجُعْلِ كَالْإِقَالَةِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَبِلُوهُ، وَذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَقَالَ

وَإِذَا تَفَاسَخَ الْمُتَبَايِعَانِ بِغَيْرِ حُكْمٍ لَمْ يَرُدَّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ كَالْإِقَالَةِ زَادَ أَبُو الْحَسَنِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُخَاصِمَ حَتَّى يَثْبُتَ الْعَيْبُ فَيَرْجِعَ بِالسَّمْسَرَةِ عَلَى السِّمْسَارِ اهـ. (الثَّالِثُ:) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ رَجَعَ بِأَجْرِ السَّمْسَرَةِ (قُلْت:) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِأَنْ لَا يَكُونَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمَبِيعَ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ فَتَأَمَّلْهُ. (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ بِالْقَضِيَّةِ يَعْنِي بِالْقَضَاءِ رَجَعَ أَيْضًا عَلَى السِّمْسَارِ بِمَا يَنُوبُ مَا رَدَّ الْبَائِعُ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ إنْ كَانَ الَّذِي يَنُوبُ الْعَيْبَ عُشْرُ الثَّمَنِ، أَوْ رُبْعُهُ رَجَعَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ السَّمْسَرَةِ، وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ بِطَوْعِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ اهـ. (قُلْت) ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ. ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَإِنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ، فَإِنْ أَمْسَكَ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَكَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ رَدَّ السِّلْعَةَ، وَمَا نَقَصَهَا فَيَرُدُّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ إلَّا قَدْرَ مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَجُزْءٍ احْتَسَبَهُ وَتَمَّ الْبَيْعُ فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ ذَلِكَ، وَقَبِلُوهُ. (الْخَامِسُ:) هَذَا إذَا دَفَعَ الْبَائِعُ الْجُعْلَ لِلسِّمْسَارِ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ بِشَرْطٍ، أَوْ عُرْفٍ، ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ، فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَلَا إشْكَالَ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِهِ، أَوْ لَا؟ ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِهِ الْبَائِعَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْبَائِعُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا عَلَى السِّمْسَارِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الثَّمَنِ، وَهَذَا فِيمَا هُوَ جُعْلٌ عَلَى الْمَبِيعِ، وَأَمَّا مَا أَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي لِلسِّمْسَارِ حَلَاوَةً عَلَى تَحْصِيلِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، أَوْ عَلَى إتْمَامِ الْبَيْعِ فِيهِ فَهَذَا لَا يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ السِّمْسَارُ يَعْلَمُ فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا وَيَكْتُمُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اُنْظُرْ هَلْ الْجُعْلُ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي. (السَّادِسُ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: أُخِذَ مِنْهَا كَوْنُ الْجُعْلِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، أَوْ الْعُرْفِ عَلَى الْبَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَكَلَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَارِحُوهُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ هُنَا عَلَى عُهْدَةِ مَا بَاعَهُ السِّمْسَارُ، أَوْ الْوَكِيلُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَتَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ فَنُؤَخِّرُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ إلَى هُنَاكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَبِيعٌ لِمَحَلِّهِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلٍ كَالْأَدْنَانِ وَالْخَشَبِ فَحَمَلَهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْقَبْضِ فَمَعَ التَّدْلِيسِ يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَخْذُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ رَدُّهُ لِمَوْضِعِ الْقَبْضِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ: أَصْوَبُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْمُدَلِّسَ يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْمَبِيعِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَوْ نَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَقْلُهُ مِنْ دَارِ الْبَائِعِ إلَى دَارِهِ لَا أَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ الْبَلَدِ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْقُلُهُ وَسَيُسَافِرُ بِهِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا نَقَلَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِيمَنْ اشْتَرَى خَشَبًا، أَوْ مَطَاحِنَ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ بَعْدَ أَنْ بَانَ بِهَا: تَنَازَعَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَقَالَ قَائِلُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهَا وَالْكِرَاءُ عَلَى رَدِّهَا وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي مَا نَقَلَهَا، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَرَى عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ لِلْمُشْتَرِي مَا كَانَ نَقَلَهَا بِهِ حِينَ قَبَضَهَا أَيْ، إنْ أَوْصَلَهَا إلَى دَارِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى نَقْلِ السِّلْعَةِ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا وَعَالِمًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْقُلُهُ وَيُسَافِرُ بِهِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى قَبُولِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نَقَلَ إلَيْهِ، وَلَا يُرَاعَى حَمْلٌ، وَلَا خَوْفُ طَرِيقٍ اهـ. فَيُفْهَمُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْقُلُهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَيَانِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذْرِ سُنَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ: لَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَدَ عَيْبًا بِدَابَّةٍ اشْتَرَاهَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي اشْتَرَاهَا فِيهِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهَا إلَّا

أَنْ لَا يَجِدَ السَّبِيلَ إلَى رَدِّهَا عَلَيْهِ حَيْثُ هِيَ لِعَدَمِ بَيِّنَةٍ، أَوْ حُكْمٍ، وَالسِّلْعَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَيْهَا فِي حَمْلِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ رَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ دَعَاهُ صَاحِبُهَا إلَى رَدِّهَا كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا، أَوْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً ثَقِيلَةً لَا بُدَّ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَيْهَا فَلَمَّا حَمَلَهَا مِنْ دَارِ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ لِلْبَيْعِ إلَى دَارِهِ، وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا فِيهِ، أَوْ يُمْسِكَهَا، وَيَرْجِعَ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا حَيْثُ هِيَ وَيَرُدَّ إلَيْهِ مَا غَرِمَ فِي حَمْلِهَا فَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَلَّسَ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ دَارِ الْمُبْتَاعِ وَيَرُدَّ إلَيْهِ مَا غَرَّهُ عَلَى حَمْلِهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِي حَمْلِ السِّلْعَةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ دَلَّسَ لَهُ بِالْعَيْبِ، أَوْ لَمْ يُدَلِّسْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْخَابِيَةَ وَنَحْوَهَا إنَّمَا يَشْتَرِيهَا بِحَمْلِهَا إلَى دَارِهِ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَوَجَبَ أَنْ يُفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَغَيْرِهِ كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الثَّوْبَ فَيُقَطِّعُهُ قِطَعَ مِثْلِهِ، ثُمَّ يَجِدُ عَيْبًا، وَقَدْ نَقَصَهُ الْقَطْعُ اهـ. فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي نَقْلِ السِّلْعَةِ فِي الْبَلَدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْقُلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ كَلَامُ الْمُتَيْطِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ مُطْلَقٌ، وَإِنْ كَانَ يُتَلَمَّحُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ بِالْبَلَدِ فَانْظُرْهُ عَلَى نَحْوِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ ص (وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ وَإِلَّا فَاتَ) ش: هَذَا نَحْوُ مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ، فَإِنْ حَمَلَ الْمَبِيعَ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى حَيْثُ أَخَذَهُ، وَإِنْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ كَانَ فَوْتًا يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ السِّلْعَةِ مَعَ الْقُرْبِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ يُونُسَ. قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ: قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَوْ كَانَتْ سِلْعَةً فَأَدَّى فِي حَمْلِهَا ثَمَنًا، ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ، أَوْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ. قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَحَمَلَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَلِّسٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا فِيهِ لِتَدْلِيسِهِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْإِقَالَةِ اهـ. فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقُرْبِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَيَخْتَلِفُ أَيْضًا إنْ لَمْ يُدَلِّسْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ نَقَلَ إلَى بَلَدٍ مَا فِي نَقْلِهِ لِبَلَدِ الْبَائِعِ غُرْمٌ كَثِيرٌ يَرْفَعُ إلَى سُلْطَانِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ عَلَى شِرَاءِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ يُرِيدُ فِي الْجَارِيَةِ فَيَأْمُرُ بِبَيْعِ ذَلِكَ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَهُ فَضْلُهُ، وَعَلَيْهِ نَقْصُهُ، وَعَلَى هَذَا إنْ نُقِلَتْ فِي الْبَلَدِ قَبَضَهَا حَيْثُ نُقِلَتْ، وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ يَكُونُ نَقْلُهُ إلَى بَلَدِ الْآخَرِ فَوْتًا، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الْعَيْبِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَبْدًا، أَوْ دَابَّةً لَا يَتَكَلَّفُ فِي رُجُوعِهِ

كِرَاءً وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ فَلَا يَكُونُ نَقْلُهُ فَوْتًا، وَيَخْتَلِفُ إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نَقَلَ إلَيْهِ مَالَهُ حُمِلَ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَرَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ عَنْهُ قَدْرَ الْعَيْبِ، وَهُوَ أَحْسَنُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْغَاصِبِ يَنْقُلُ مَالَهُ حَمْلًا هَلْ يَكُونُ لَهُ مَقَالٌ لِأَجْلِ الْحَمْلِ فَالْمُشْتَرِي أَحْرَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمَ مَالِهِ حَمْلٌ بِالْبَلَدِ الَّذِي نُقِلَ إلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي مَقَالًا لِمَا غَرِمَ فِي نَقْلِهِ وَلِلْبَائِعِ مَقَالٌ لِمَا يَغْرَمُ فِي رَدِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَا حَمْلَ لَهُ كَانَ الْمَقَالُ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ مَأْمُونٍ، فَإِنْ كَانَ آمِنًا فَلَا مَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فِي مَسْأَلَةِ التَّدْلِيسِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ هَذَا، وَيَغْرَمَ الْمِثْلَ مَعِيبًا فِي الْبَلَدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ هُنَا، وَيُجْبِرَ الْبَائِعَ عَلَى قَبُولِهِ إنْ كَانَ مُدَلِّسًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا اهـ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ مُخْتَصَرًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. ص (كَعَجَفِ دَابَّةٍ، أَوْ سِمَنِهَا) ش: أَمَّا عَجَفُ الدَّابَّةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ الْمُوجِبِ لِلْخِيَارِ وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: إنَّهُ مِنْ الْمُفِيتِ الَّذِي يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ، وَيَمْنَعُ الرَّدَّ نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هُزَالِ الدَّوَابِّ أَنَّهُ فَوْتٌ يَكُونُ بِهِ الْمُبْتَاعُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ، أَوْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرُدَّ مَا نَقَصَهُ الْهُزَالُ اهـ. وَالْفَوْتُ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ الْمُوجِبِ لِلْخِيَارِ فَتَحَصَّلَ فِي هُزَالِ الدَّوَابِّ طَرِيقَانِ لِابْنِ رَاشِدٍ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا سِمَنُ الدَّابَّةِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي سِمَنِ الدَّوَابِّ فَمَرَّةً رَآهُ فَوْتًا يَكُونُ الْمُبْتَاعُ فِيهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ، أَوْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَمَرَّةً لَمْ يَرَهُ فَوْتًا، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا الرَّدُّ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَزَادَ فِيهَا قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ فَوْتٌ خَرَّجَهُ عَلَى الْكِبَرِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي لَغْوِ السِّمَنِ وَكَوْنِهِ مِنْ الثَّالِثِ، أَوْ الثَّانِي ثَلَاثَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الْكِبَرِ اهـ. وَالثَّالِثُ فِي كَلَامِهِ هُوَ

الْمُتَوَسِّطُ وَالثَّانِي هُوَ الْمَعِيبُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) جَمْعُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ قَدْ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّ السِّمَنَ عَيْبٌ إذَا رَدَّ الدَّابَّةَ رَدَّ مَعَهَا لِذَلِكَ شَيْئًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْبَيَانِ، وَكَذَا لَفْظُ الْمُقَدِّمَاتِ. قَالَ الْبَاجِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْبَدَنِ بِالسِّمَنِ قَالَ: وَمَا ثَبَتَ بِهِ الْخِيَارُ مِنْ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، أَوْ يَرُدَّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ. (الثَّانِي) مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: دَابَّةٍ أَنَّ هُزَالَ الرَّقِيقِ وَسِمَنَهُ لَيْسَ بِفَوْتٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَأَمَّا الْهُزَالُ الْمَذْكُورُ مِنْ الرَّقِيقِ وَسِمَنُهُمْ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِفَوْتٍ، وَرَأَى ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ فَوْتًا، وَأَمَّا سِمَنُ الْجَوَارِي مِنْهُنَّ وَعَجَفُهُنَّ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِفَوْتٍ وَرَأَى ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ فَوْتًا يَكُونُ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ، أَوْ يُمْسِكَ وَيَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ اهـ. (الثَّالِثُ:) . قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَلَاحُ الْبَدَنِ بِغَيْرِ السَّمْن لَغْوٌ اهـ. ص (وَتَزْوِيجُ أَمَةٍ) ش: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: أَمَةٍ، بَلْ الْعَبْدُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ بِتَغَيُّرِ حَالِ الْمَبِيعِ لِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ، أَوْ الْعَبْدِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالشُّرْبُ مِمَّا يُنْقِصُ قِيمَتَهُ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ نُقْصَانٌ، وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مَا نَقَصَهَا النِّكَاحُ مَعْنَاهُ، أَوْ يُمْسِكُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا أَحْدَثَ الْعَبْدُ مِنْ زِنًا، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ سَرِقَةٍ فَلَيْسَ نَقْصًا، وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ يُعْلَمُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ لَا يُدْرَى لَعَلَّهُ كَامِنٌ فِيهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ اهـ. مُخْتَصَرًا. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ بِتَغَيُّرِ حَالِ الْمَبِيعِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَمَةَ فَيُزَوِّجَهَا، أَوْ الْعَبْدَ فَيُزَوِّجَهُ، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَسْرِقَ وَشِبْهَهُ مِمَّا تَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهُ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ فِي الرَّقِيقِ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِي زَوَالِهِ بِالْمَوْتِ وَالْفِرَاقِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ إمَّا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجَةِ عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَإِمَّا بَعْدَ انْصِرَافِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ مَعَ مَا نَقَصَهُ عَيْبُ التَّزْوِيجِ، أَوْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ عُيُوبِ الْأَخْلَاقِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عُيُوبٌ يُرَدُّ مَعَهَا النَّقْصُ إنْ اخْتَارَ الرَّدَّ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي عُيُوبِ الْأَخْلَاقِ أَنَّهَا مِنْ الْعَيْبِ الْمُتَوَسِّطِ وَاقْتَصَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذِكْرِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ جَبْرَهُ بِالْوَلَدِ، وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ خِلَافٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الْإِبَاقُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَقَى وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا ص (وَجُبِرَ بِالْوَلَدِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ الْجَبْرَ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ عَيْبِ النِّكَاحِ فَكَأَنَّهُ بِجَبْرِهِ لَمْ يَكُنْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِهِ غَيْرُ عَيْبِ النِّكَاحِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُجْبَرُ بِهِ عَيْبُ غَيْرِ النِّكَاحِ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَوْتُ الْوَلَدِ كَعَدَمِ وِلَادَتِهِ. (تَنْبِيهٌ:) ، وَهَلْ الْوَلَدُ جَابِرٌ لِعَيْبِ التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ عَيْبِ التَّزْوِيجِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ، أَوْ إنَّمَا يَجْبُرُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ كَقِيمَةِ عَيْبِ التَّزْوِيجِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ أَنْقَصَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرُدَّ مَعَ الْوَلَدِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ. ص (أَوْ يَقِلُّ فَكَالْعَدِمِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اُخْتُلِفَ فِي الْيَسِيرِ فَقِيلَ مَا أَثَّرَ نَقْصًا يَسِيرًا فِي الثَّمَنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي

الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ: مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ نَقْصًا أَصْلًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَبْهَرِيُّ اهـ. وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَلَا يُفِيتُ الرَّدَّ بِالْعُيُوبِ خَوَاءُ سُوقٍ، وَلَا نَمَاؤُهُ، وَلَا عَيْبٌ خَفِيفٌ يَحْدُثُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ كَالرَّمَدِ وَالْكَيِّ وَالدَّمَامِيلِ وَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ، وَإِنْ نَقَصَهُ ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا اهـ. ص (وَذَهَابُ ظُفْرٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَصُّهُ: وَكَذَلِكَ ذَهَابُ الظُّفْرِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا زَوَالُ الْأُنْمُلَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْوَخْشِ خَاصَّةً اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ خَفِيفٌ فِي الْوَخْشِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ. ص (وَقَطْعٌ مُعْتَادٌ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَطْعَ الْمُعْتَادَ مِنْ الْعَيْبِ الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يَرْجِعُ فِيهِ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ مُدَلِّسًا، أَوْ غَيْرَ مُدَلِّسٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُدَلِّسِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ نَقَصَ كَلَامُهُمَا، وَكَلَامُ غَيْرِهِمَا، وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُدَلِّسِ فَقَطْ. ص (وَالْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ مُفِيتٌ بِالْأَرْشِ كَكِبَرِ صَغِيرٍ) ش: أَيْ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِذَهَابِ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ مُفِيتٌ لِلرَّدِّ، وَإِذَا فَاتَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَالْأَرْشُ أَيْ أَرْشُ ذَلِكَ الْعَيْبِ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ مَثَّلَ لِلْعَيْبِ الْمُفِيتِ بِقَوْلِهِ: كَكِبَرِ صَغِيرٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ مُتَوَسِّطٍ، وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا فَاتَ كَعَقَارٍ بِهَدْمٍ، أَوْ بِنَاءٍ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: وَنَفَقَةُ عَشْرِ دَنَانِيرَ فَوْتٌ إذَا كَانَ الثَّمَنُ يَسِيرًا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَيْسَ بِفَوْتٍ إلَّا أَنْ يُنْفِقَ النَّفَقَةَ الْكَثِيرَةَ قَالَ: وَأَمَّا يَسِيرُ الْهَدْمِ فَيُرَدُّ مَعَهُ مَا نَقَصَهُ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَسْأَلَةً فِيهَا خِلَافٌ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ وَغَيْرِهِ فَانْظُرْهُ. ص (وَهَرَمٍ) ش: أَيْ وَهَرَمِ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، وَقِيلَ مُتَوَسِّطٍ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَقِيلَ خَفِيفٍ وَأَنْكَرَ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْهَرَمِ فَنَقَلَ الْأَبْهَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا ضَعُفَ وَذَهَبَتْ قُوَّتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ، أَوْ أَكْثَرُهُمَا، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا هَرَمَا هَرَمًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ فَوْتٌ الْبَاجِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ ضَعُفَ عَنْ مَنْفَعَتِهِ الْمَقْصُودَةِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْإِتْيَانُ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ اهـ. مِنْ التَّوْضِيحِ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ. ص (وَاقْتِضَاضِ بِكْرٍ) ش: بِالْقَافِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ. قَالَ: وَالْقِضَّةُ بِالْكَسْرِ عُذْرَةُ الْجَارِيَةِ، وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ يُقَالُ بِالْفَاءِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَدَّهُ فِي الْمُفِيتِ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمُتَوَسِّطُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَابْنُ غَازِيٍّ وَقَيَّدَهُ الْبَاجِيُّ بِالْعَلِيَّةِ، وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ خِلَافًا حَكَاهُ بِقِيلَ وَنَصُّهُ فِي الْعَيْبِ الْمُتَوَسِّطِ وَكَافْتِضَاضِ بِكْرٍ وَقِيلَ فَوْتٌ وَقِيلَ إلَّا فِي الْوَخْشِ فَكَالْعَدِمِ ص (وَكَقَطْعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ) ش: سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ مُدَلِّسًا، أَوْ غَيْرَ مُدَلِّسٍ كَمَا تَقَدَّمَ. ص (إلَّا أَنْ يَهْلِكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ، أَوْ بِمُسَاوِي زَمَنِهِ كَمَوْتِهِ فِي إبَاقِهِ) ش: هَذَا مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُخْرَجُ عَنْ الْمَقْصُودِ مُفِيتٌ قَالَ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ

مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا دَلَّسَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، أَوْ نَقَصَ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَيُرَدُّ جَمِيعُ الثَّمَنِ كَالتَّدْلِيسِ بِمَرَضٍ فَيَمُوتُ، أَوْ بِالسَّرِقَةِ فَيَسْرِقُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ فَيَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَحْيَى، أَوْ بِالْإِبَاقِ فَيَأْبِقُ فَيَهْلِكُ وَلِابْنِ شِهَابٍ، أَوْ بِالْجُنُونِ فَيُخْنَقُ فَيَمُوتُ. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا بَعْدَ أَنْ يُقِيمَ الْمُبْتَاعُ الْبَيِّنَةَ فِيمَا حَدَثَ مِنْ سَبَبِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ، وَأَمَّا مَا حَدَثَ بِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ التَّدْلِيسِ فَلَا يَرُدُّهُ مَعَ مَا نَقَصَهُ بِذَلِكَ، أَوْ يَحْبِسُهُ وَيَرْجِعُ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ كَمَا فَسَّرْنَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: فَيَأْبِقُ فَيَهْلِكُ؛ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ إذَا دَلَّسَ بِالْإِبَاقِ إلَّا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَضْمَنُ إذَا أَبَقَ فَغَابَ - عُرِفَ هَلَاكُهُ أَمْ لَا - وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْأُمَّهَاتِ وَلَفْظُهَا: أَوْ أَبَقَ، فَلَمْ يَرْجِعْ، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ يُونُسَ: فَهَلَكَ، أَوْ ذَهَبَ، وَلَمْ يَرْجِعْ. وَظَاهِرُ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ بِنَفْسِ إبَاقِهِ يَضْمَنُهُ اهـ. (قُلْت:) وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ أَوَّلِ عَبْدٍ ابْتَاعَهُ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَنَصُّهُ: إذَا دَلَّسَ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ الْعَبْدُ، وَلَمْ يَرْجِعْ كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ وَيَطْلُبَ عَبْدَهُ اهـ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي بَابِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَبِهِ عَيْبٌ فَهَلَكَ مِنْهُ، أَوْ بِهِ فَقَالَ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَبِهِ عَيْبٌ فَهَلَكَ مِنْهُ، أَوْ تَنَامَى إلَى أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إنْ هَلَكَ، وَإِنْ تَنَامَى إلَى أَكْثَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ، أَوْ يَرُدَّ قِيمَةَ مَا تَنَامَى فِيهِ، وَإِنْ دَلَّسَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ مَاتَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ إنْ تَنَامَى وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ دَلَّسَ بِمَرَضٍ فَمَاتَ مِنْهُ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ يُدَلِّسُ بِحَمْلِهَا فَتَمُوتُ مِنْ النِّفَاسِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَوْ عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ النِّفَاسِ لَكَانَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَالْأَوَّلُ: أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ مَعْرِفَتُهُ كَالسُّلِّ، وَالِاسْتِسْقَاءُ يَدُومُ بِصَاحِبِهِ وَالنِّفَاسُ تَمُوتُ بِفَوْرِهِ، وَيَرُدُّ هَذِهِ الْعُيُوبَ إذَا مَاتَتْ، أَوْ تَنَامَتْ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ بِهَا إنْ قَامَ بِقُرْبِ مَا عَلِمَ، وَإِنْ تَرَاخَى يَرَى أَنَّهُ رَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيَامٌ، وَإِنْ أَتَى مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَشْكُلُ أَمْرُهُ هَلْ هُوَ رَاضٍ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَضِيَ وَقَامَ، فَإِنْ دَلَّسَ بِسَرِقَةٍ فَسَرَقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ رَدَّهُ أَقْطَعَ وَيَرُدُّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ لَا قَطْعَ فِيهَا رَدَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَكَانَتْ مُعَامَلَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْجِنَايَةِ مِنْ الْبَائِعِ يَفْتَدِي مِنْهُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ وَيَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ، أَوْ يَرُدَّ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَيَرْجِعَ بِالْعَيْبِ، أَوْ يَفْتَدِيَهُ وَيَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ سَرِقَتُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: فِي رَقَبَتِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ذَلِكَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ حَتَّى يُحْكَمَ بِرَدِّهِ، وَالْأَوَّلُ: أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ مِمَّا دَلَّسَ بِهِ السَّيِّدُ فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ عِنْدَ بَائِعِهِ فَلَا يَسْقُطُ، فَإِنْ سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ ذَهَبَ يَسْرِقُ فَمَاتَ، أَوْ سَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ فَهَلَكَ فِي ذَهَابِهِ، أَوْ رُجُوعِهِ كَانَ مِنْ بَائِعِهِ، وَإِنْ دَلَّسَ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِنَفْسِ إبَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا، وَعَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَطْلُبَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ، وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ مِنْ سَبَبِ الْإِبَاقِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ هَلَكَ بِسَبَبِهِ مِثْلُ أَنْ يَقْتَحِمَ نَهْرًا، أَوْ يَدْخُلَ بِئْرًا فَتَنْهَشَهُ حَيَّةٌ، أَوْ يَتَرَدَّى فِي مَهْوَاةٍ، أَوْ مِنْ جَبَلٍ فَيَهْلِكَ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ مَوْتَةً، أَوْ يَكُونُ سَالِمًا فِي إبَاقِهِ، أَوْ يَجْهَلُ أَمْرَهُ فَلَا يَدْرِي مَا انْتَهَى إلَيْهِ حَالُهُ فَلَا أَرَى أَنْ يَرْجِعَ إلَّا بِقِيمَةِ عَيْبِ الْإِبَاقِ، وَالْأَوَّلُ: أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْإِبَاقِ وَجَبَ رُجُوعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْوَجْهُ الَّذِي دَلَّسَ بِهِ، وَذَهَبَ بِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ اهـ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ وَأَبَقَ الْعَبْدُ، وَمَاتَ فِي إبَاقِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بِقِيمَةِ الْإِبَاقِ فَقَطْ، وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ فِي فَصْلِ الْعُيُوبِ، وَنَحْوُهُ أَيْضًا لِابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَى

تنبيهات الأول أخذ المشتري الأرش للإباق

سَحْنُونٌ أَنَّ السَّبْعَةَ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ قَالُوا فِيمَنْ دَلَّسَ بِعَيْبٍ فِي عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ فَهَلَكَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْأَمَةُ، أَوْ الْعَبْدُ فَهُمَا مِنْ الْبَائِعِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْمُبْتَاعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ. قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: دَلِيلُهُ الْمَرْأَةُ تَغَرُّ مِنْ نَفْسِهَا أَنَّ لِزَوْجِهَا الرُّجُوعَ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ إلَّا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَلِّسَةٌ بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَكَذَلِكَ هَذَا. قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَدَلَّسَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، أَوْ نَقَصَ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَالتَّدْلِيسِ بِالْمَرَضِ فَيَمُوتُ، أَوْ بِالسَّرِقَةِ فَتُقْطَعُ يَدُهُ فَيَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَحْيَى، أَوْ بِالْإِبَاقِ فَيَأْبِقُ فَيَهْلِكُ، أَوْ يَذْهَبُ، فَلَمْ يَرْجِعْ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَوْ بِالْجُنُونِ فَاخْتَنَقَ فَمَاتَ فَهَذَا كُلُّهُ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ يُقِيمَ الْمُبْتَاعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْبِ، وَأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ عِلْمُ الْبَائِعِ بِهَذَا كُلِّهِ حِينَ الْبَيْعِ رَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ لَمْ يُدَلِّسْ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ الْعَيْبَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا قِيمَةُ عَيْبِهِ، وَلَوْ قَالَ: عَلِمْت الْعَيْبَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنْ أَذْكُرَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قِيمَةُ الْعَيْبِ اهـ. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فَعَيْبُهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً، ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ، وَاطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْجَارِيَةِ، فَلَمْ يَحْضُرْ الْبَائِعُ حَتَّى مَاتَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ الْعَيْبِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُثْبِتُ الْعَيْبَ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ إنْ كَانَ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الشِّرَاءِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ مَا لَا يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُرْمُ يَعْنِي غُرْمَ الْأَرْشِ خَاصَّةً لَا غُرْمَ جَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْعَيْبُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَلَا يَعْلَمُ بِهَا عَيْبًا تُرَدُّ بِهِ وَيَثْبُتُ الْعَيْبُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ فَصَرَّحَ بِالرَّدِّ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى يَدِ الْبَائِعِ، فَهَلْ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي؟ . ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا حَاكِمٌ، فَيَكُونَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمُشْتَرِي اهـ. وَهَذَا إذَا لَمْ يُدَلِّسْ، وَأَمَّا الْمُدَلِّسُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ جَمِيعِ الثَّمَنِ إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ فَإِنَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِالنَّقْصِ، أَوْ يُثْبِتَ عِنْدَ حَاكِمٍ وُجُودَ الْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالنَّقْصِ، أَوْ ثَبَتَ عَنْدَ حَاكِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا هَلَكَ مِنْ الْعَيْبِ، فَإِنْ دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ لِلْإِبَاقِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) اُنْظُرْ لَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ لِلْإِبَاقِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدَ الْعَبْدَ هَلْ لَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ الْعَبْدِ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ؟ [الثَّانِي نَسِيَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ حِينَ الْبَيْعِ] (الثَّانِي:) اُنْظُرْ لَوْ نَسِيَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ حِينَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْمُشْتَرِي، فَهَلْ هُوَ كَالْمُدَلِّسِ أَمْ لَا؟ (الثَّالِثُ:) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَإِذَا دَلَّسَ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ الْعَبْدُ فَقَامَ الْمُبْتَاعُ بِذَلِكَ فَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ يَأْبِقْ مِنْكَ وَلَكِنْ غَيَّبْتَهُ، أَوْ بِعْتُهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرُ مِنْ يَمِينِهِ: مَا غَيَّبَ، وَمَا بَاعَ، وَلَقَدْ أَبَقَ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ ثَمَنَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ مِنْهُ اهـ. ص (وَلَا بَائِعٌ أَنَّهُ لَمْ يَأْبِقْ) ش قَالَ فِي الشَّامِلِ

وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِبَائِعِ عَبْدٍ لَهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أَبَقَ، أَوْ سَرَقَ عِنْدَك، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَفِيهَا لَوْ أَبَقَ بِقُرْبِ الْبَيْعِ فَقَالَ: أَخْشَى أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَك فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَك، وَقَدْ أَبَقَ عِنْدِي وَأَثْبَتَ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ، فَقَالَ لَهُ: احْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يَأْبِقْ عِنْدَك لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحّ، وَكَذَا إنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَك اتِّفَاقًا أَوْ عَلِمَ إبَاقَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ قَالَ: أَبَقَ عِنْدَك، أَوْ سَرَقَ، أَوْ زَنَى، أَوْ جُنَّ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ حَلَفَ لَهُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ هُوَ ظَاهِرُهَا اهـ. ص (وَرَدَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ سِلْعَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرُ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً، ثُمَّ وَجَدَ فِي بَعْضِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَيَرْجِعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ كُلُّ سِلْعَةٍ عَلَى حِدَتِهَا، ثُمَّ يُقَسَّمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيَمِ السِّلَعِ فَيَرْجِعَ بِمَا يَنُوبُ السِّلْعَةَ الْمَعِيبَةَ مِنْهُ هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا، أَوْ مِثْلِيًّا، فَإِنْ كَانَ سِلْعَةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَنُوبُ السِّلْعَةَ الْمَعِيبَةَ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَرَجَعَ بِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ سِلْعَةً لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ الَّتِي فِيهَا الْعَيْبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ كَانَتْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا رَدُّ الْجَمِيعِ، أَوْ الرِّضَا بِالْجَمِيعِ، وَوَجْهُ الصَّفْقَةِ هُوَ الَّذِي يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ الْمَعِيبَةُ غَيْرَ وَجْهِ الصَّفْقَةِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا رَدُّهَا فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْجَمِيعَ، أَوْ تَرُدَّ الْجَمِيعَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ التُّونُسِيِّ إنْ. قَالَ الْبَائِعُ إمَّا أَنْ تَأْخُذَهُ كُلَّهُ مَعِيبًا، أَوْ تَرُدَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَإِذَا كَانَتْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا رَدُّ الْجَمِيعِ، أَوْ الرِّضَا بِالْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَالْقَضَاءُ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَالَّتِي فِي بَعْضِهَا عَيْبٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الرِّضَا بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ رَدُّ جَمِيعِ الصَّفْقَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً فَوَجَدَ بِصِنْفٍ مِنْهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ مِثْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الثَّمَنِ سَبْعُونَ، أَوْ سِتُّونَ وَالثَّمَنُ مِائَةٌ فَلْيَرُدَّ الْجَمِيعَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا وَقَعَ الْعَيْبُ فِي نِصْفِ الثَّمَنِ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ هُوَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَلَمْ يَرُدَّ إلَّا الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ. قَالَ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلَا حُجَّةَ لِلْبَائِعِ فِي أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْجَمِيعَ، أَوْ تَرُدَّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ لَهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ غَيْرُ الْمِثْلِيِّ، وَالْعَيْبُ بِأَعْلَاهُ فَرُوِيَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ ابْتَاعَ سِلَعًا فَوَجَدَ بِبَعْضِهَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْمَعِيبِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ كَانَ وَجْهَهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْجَمِيعِ، أَوْ الرِّضَا بِالْمَعِيبِ اهـ. (الثَّانِي) إذَا كَانَ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي التَّمَسُّكُ بِالسَّالِمِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مِثْلِيٍّ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيّ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ ابْتَاعَ عَبْدَيْنِ ظَهَرَ بِأَعْلَاهُمَا عَيْبٌ فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ رَدَّ الْأَعْلَى وَاسْتَحَقَّ أَنْ يَحْبِسَ الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُ كَشِرَاءٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبَيْنِ: إنْ كَانَ الْمَعِيبُ وَجْهَهَا فَلَهُ رَدُّ الْأَدْنَى، وَلَا لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا خِيَارَ لَهُ اهـ. (قُلْت:) صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى

اسْتِحْقَاقِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي الْعُرُوضِ وَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ: وَوُجُودُ هَذَا الْعَيْبِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُصُولِ كَالِاسْتِحْقَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ:) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا زَادَ الْمَعِيبُ عَلَى النِّصْفِ، وَلَوْ يَسِيرًا فَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ابْتَاعَ سِلَعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَسَمَّوْا لِكُلِّ سِلْعَةٍ عَشَرَةً فَأَصَابَ بِأَحَدِهَا عَيْبًا لَمْ يُنْظَرْ إلَى مَا سَمَّوْا لِكُلِّ ثَوْبٍ، وَلَكِنْ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيَمِ الثِّيَابِ، فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ لَيْسَ بِوَجْهِ الصَّفْقَةِ رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ لَمْ يَكُنْ إلَّا الرِّضَا بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ رَدُّ جَمِيعِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْمَعِيبِ خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ قِيمَةُ كُلِّ سِلْعَةٍ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ لَمْ تَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ حَتَّى تَكُونَ حِصَّتُهُ أَكْثَرَ الثَّمَنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْجَمِيعِ مِائَةَ دِينَارٍ وَثَمَنُ هَذَا الْمَعِيبِ سَبْعِينَ، أَوْ ثَمَانِينَ فَهَذَا وَجْهُ الصَّفْقَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ ثَمَنُهُ سَبْعِينَ، أَوْ ثَمَانِينَ بَلْ يَكُونُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ إذَا زَادَ عَلَى خَمْسِينَ، وَلَوْ دِينَارَيْنِ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْتُ:) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ سِلْعَةً يَرْجِعُ بِمَا يَنُوبُ الْعَيْبَ مِنْ الْقِيمَةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ: وَعَلَيْهِ، فَهَلْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ إنَّمَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً يَوْمَ الْحُكْمِ، وَلَمْ تَفُتْ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْمَرْدُودِ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ كَانَ الثَّمَنُ السِّلْعَةَ لَا فِي جُزْئِهَا خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَرَجَعَ لَا سِيَّمَا إنْ تَعَيَّبَ النِّصْفُ مِنْ قِيمَةِ نِصْفِ السِّلْعَةِ، وَلَيْسَ حَقُّ الْبَائِعِ بِأَوْلَى مِنْ حَقِّ الْمُبْتَاعِ، وَعَلَيْهِ فَفِي انْقِلَابِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ قَوْلَانِ اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَرْدُودُ النِّصْفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ وَجْهِ الصَّفْقَةِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، وَأَمَّا إنْ انْتَقَضَ وَظَهَرَ الْعَيْبُ فِي الْبَاقِي فَلَا تَفْرِيقَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا فَاتَ. قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا، وَأَلْفَى الْآخَرَ مَعِيبًا يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَيَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ كَانَ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ أَمْ لَا؟ إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا قَدْ فَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَرَضًا لَمْ يَفُتْ فَهَاهُنَا يَفْتَرِقُ وَجْهُ الصَّفْقَةِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ رَدَّهُ وَقِيمَةَ الْهَالِكِ وَرَجَعَ فِي عَيْنِ عَرَضِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ لَيْسَ بِوَجْهِ الصَّفْقَةِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَرَضِ لَا فِي عَيْنِهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْتَرِقْ وَجْهُ الصَّفْقَةِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كُلِّفَ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْهَالِكِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِوَجْهِ الصَّفْقَةِ رَدَّ قِيمَةَ ذَلِكَ عَيْنًا، وَرَجَعَ فِي عَيْنٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَرَضًا فَكُلِّفَ غُرْمَ قِيمَةِ التَّالِفِ غَرِمَ ثَمَنًا، وَرَجَعَ فِي عَرَضٍ فَهَذَا مُفْتَرِقٌ، وَإِذَا كَانَ عَرَضًا قَدْ فَاتَ صَارَ كَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهِ، وَهُوَ ثَمَنٌ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ خِلَافًا، وَعَزَا هَذَا لِعَبْدِ الْحَقِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَاللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ نَقَلَ قَوْلًا ثَانِيًا بِأَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ مَنَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَعَزَاهُ لِلَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) . قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَصَفَاهُ وَقُوِّمَتْ تِلْكَ الصَّفْقَةُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ انْتَقَدَ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبُغ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ انْتَقَدَ، أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ، وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ. ص (أَوْ أَحَدَ مُزْدَوَجَيْنِ، أَوْ أُمًّا وَوَلَدَهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ خُفَّيْنِ، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مِصْرَاعَيْنِ، أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَفْتَرِقُ فَأَصَابَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ مَا قَبَضَهُمَا، أَوْ قَبْلَ فَإِمَّا رَدَّهُمَا جَمِيعًا، أَوْ قَبِلَهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِأَخٍ لِصَاحِبِهِ، أَوْ كَانَتْ نِعَالًا فُرَادَى فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ عَلَى

مَا ذَكَرْنَا فِي اشْتِرَاءِ الْجُمْلَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْجَمِيعِ، أَوْ حَبْسُهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَحُكْمُ الْأُمِّ تُبَاعُ مَعَ وَلَدِهَا فَيُوجَدُ لِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ حُكْمُ مَا لَا يَفْتَرِقُ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: حُكْمُ الْأُمِّ تُبَاعُ مَعَ وَلَدِهَا الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّفْرِقَةِ فَيُوجَدُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ حُكْمُ مَا لَا يَفْتَرِقُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ مَا هُوَ زَوْجَانِ لَا يُنْتَفَعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ كَالنَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْقُرْطَيْنِ فَوُجُودُ الْعَيْبِ بِأَحَدِهِمَا كَوُجُودِهِ بِهِمَا جَمِيعًا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَعَلَى هَذَا إنْ اسْتَهْلَكَ خُفًّا مِنْ خُفَّيْنِ، أَوْ نَعْلًا مِنْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَفْتَرِقُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ سِفْرًا مِنْ دِيوَانٍ مَنْ سِفْرَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَرُدُّ السَّالِمَ وَمَا نَقَصَ، وَصُورَةُ ذَلِكَ: أَنْ يُقَالَ مَا قِيمَةُ الدِّيوَانِ كَامِلًا؟ فَإِذَا قِيلَ: عِشْرُونَ قِيلَ: مَا قِيمَةُ السَّالِمِ وَحْدَهُ، فَإِنْ قِيلَ: خَمْسَةٌ رَدَّ السَّالِمَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ ذِكْرِ النَّعْلَيْنِ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجَمِيعِ وَانْظُرْ مَنْ اسْتَهْلَكَ عِجْلًا كَانَتْ أُمُّهُ تَحْلُبُ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعِجْلِ، وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ الشَّيْخُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ أَصْبَغَ فِيمَنْ مَلَخَ مِنْ شَجَرَةِ رَجُلٍ فَرْعًا عَلَى وَجْهِ الدَّلَالَةِ فَغَرَسَهُ شَجَرًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْعِ يَوْمَ مَلْخِهِ، وَمَا نَقَصَ الْمَلْخُ مِنْ الشَّجَرَةِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُزْدَوَجَيْنِ: وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ إحْدَى مُزْدَوَجَيْنِ وُجُوبَ قِيمَتِهِمَا، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ سِفْرًا مِنْ دِيوَانٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرُدُّ السَّالِمَ وَمَا نَقَصَ، ظَاهِرُ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْجَمِيعَ اهـ. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ فِي مَسْأَلَةِ الدِّيوَانِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ عَيْبًا فِي أَحَدِ السِّفْرَيْنِ أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَمِيعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اسْتَحَقَّ أَكْثَرَهُ) ش يُرِيدُ إلَّا الْمِثْلِيَّ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِيُفَرِّعَ عَلَيْهَا الْمَسْأَلَةَ الَّتِي بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ انْتَقَضَتْ الصَّفْقَةُ وَتَمَسَّكَ الْمُشْتَرِي بِالْبَاقِي كَإِنْشَاءِ عَقْدِهِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَنُوبُ الْبَاقِيَ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ تَقْوِيمِ أَجْرِ الْمَبِيعِ عَلَى الِانْفِرَادِ، أَوْ نِسْبَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ إلَى مَجْمُوعِ قِيمَةِ الصَّفْقَةِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ جَهَالَةٌ طَارِئَةٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَصَارَتْ كَالْجَهَالَةِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ اهـ. وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَيْبَ يُخَالِفُ الِاسْتِحْقَاقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. ص (وَإِنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِثَوْبٍ فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ، وَفَاتَ الثَّوْبُ فَلَهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِكَمَالِهِ، وَرَدُّ الدِّرْهَمَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ، فَقَدْ اسْتَحَقَّ

الْأَكْثَرَ فَيَرُدُّ الدِّرْهَمَيْنِ، وَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ فَائِتًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ قَائِمًا، أَوْ بِقِيمَتِهَا إنْ فَاتَتْ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَاصَّهُ بِدِرْهَمَيْنِ مِنْهَا وَرَدَّ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَرُدُّ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَنِصْفٌ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ تِسْعَةً قَاصَّهُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَرَدَّ سَبْعَةً عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَرُدُّ سَبْعَةً وَنِصْفًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا رَجَعَ بِعَشَرَةٍ اتِّفَاقًا، وَيُقَاصُّ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَيُكْمِلُهُمَا عَلَى مُقَابِلِهِ بِغَيْرِ مُقَاصَّةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الْعَيْبِ، أَوْ قِدَمِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْعُيُوبُ عَلَى قِسْمَيْنِ: عَيْبٌ يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ، وَعَيْبٌ لَا يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ بِهِ، وَلَا الْقِيَامُ، وَلَا الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ فِي الْفَوَاتِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا: مَا اسْتَوَى الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ فِي الْجَهْلِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَكَانَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا رُجُوعَ بِاتِّفَاقٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِهِمَا عَلَى اخْتِلَافٍ، وَالثَّانِي مَا اسْتَوَى الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ فِي الْمَعْرِفَةِ بِهِ، وَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى اهـ. (فَرْعٌ:) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثَوْبًا، أَوْ حِنْطَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَيُنْكِرُ رَبُّهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَتَاعَهُ فَنَقَلَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكِلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ مَا غَيَّرَ وَلَا بَدَّلَ اهـ. ص (وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْفَسْخِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي إذَا رَدَّ بِالْعَيْبِ إلَى حِينِ فَسْخِ عَقْدِ الْبَيْعِ

تنبيهات اشترى النخل بالثمرة المؤبرة ثم وجد بها عيب

وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَا غَلَّةَ فِيهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَلَا يَوْمَ الرَّدِّ وَاغْتَلَّ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ فِيهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، أَوْ يَوْمَ الرَّدِّ فَلِكُلِّ مَسْأَلَةٍ حُكْمٌ أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: وَثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ وَصُوفٌ تَمَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ص (وَلَمْ تَرِدْ بِخِلَافِ وَلَدٍ وَثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ وَصُوفٍ تَمَّ) ش: قَوْلُهُ: لَمْ تَرِدْ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ بِخِلَافِ وَلَدٍ إلَخْ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ إنَاثِ الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَعْقِلُ، أَوْ لَا، ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا وَلَدَهَا اشْتَرَاهَا حَامِلًا أَوْ حَمَلَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِغَلَّةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ عِنْدَك، ثُمَّ رَدَدْتَهَا بِعَيْبٍ رَدَدْت وَلَدَهَا مَعَهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ، وَكَذَا مَا وَلَدَتْ الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ، وَلَا شَيْءَ لَكَ فِي الْوِلَادَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَهَا ذَلِكَ فَتَرُدُّ مَا نَقَصَهَا. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ، وَكَانَ فِي الْوَلَدِ مَا يُجْبَرُ بِهِ النَّقْصُ جَبَرَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا. قَالَ فِي الْأَمَةِ تَلِدُ، ثُمَّ يَرُدُّهَا بِعَيْبٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ أَيْ، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى نَحْلًا مُؤَبَّرَةً وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَةَ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَرَةَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثَّمَرَةَ؛ لِأَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْمُشْتَرِي لَكَانَتْ لِلْبَائِعِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهَا غَلَّةٌ وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى عَدَمِ اللَّبَنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الضَّرْعِ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إلَّا أَنْ تَكُونَ مُصَرَّاةً يَوْمَ الشِّرَاءِ فَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ الطَّعَامِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ احْتَلَبَهَا لَمْ يَغْرَمْ بِذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ حِينَ الْبَيْعِ مُصَرَّاةً، وَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ الرَّدِّ مُصَرَّاةً كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِبَ، ثُمَّ يَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا احْتِلَابُهُ كَالْخَرَّازِ وَالْحَدَّادِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ يَوْمَ الشِّرَاءِ مُصَرَّاةً فَهُوَ مَبِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَرُدُّ الثَّمَرَةَ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ فَاتَتْ يَرُدُّ مَكِيلَتَهَا إنْ عُلِمَتْ، أَوْ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ تُعْلَمْ، أَوْ الثَّمَنَ إنْ كَانَ بَاعَهَا قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَقَوْلُهُ: وَصُوفٍ تَمَّ أَيْ، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا عَلَيْهَا صُوفٌ تَامٌّ، ثُمَّ جَزَّ الصُّوفَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ، فَإِنْ فَاتَ رَدَّ مِثْلَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَزْنَهُ رَدَّ الْغَنَمَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ كَمُشْتَرِي ثَوْبَيْنِ يَفُوتُ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ يَجِدُ بِالْبَاقِي عَيْبًا، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَزْنَهُ رَدَّ قِيمَتَهُ، وَالْأَشْبَهُ مَا قَدَّمْنَا، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَنْ قَالَ: إذَا فَاتَ الْأَدْنَى مِنْ الثَّوْبَيْنِ رَدَّ قِيمَتَهُ مَعَهُ إلَّا رُبْعَ الْمَعِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا انْقَضَتْ صَفْقَتِي لَمْ يَلْزَمْنِي الْمُعَايَنَةُ فِي الْأَدْنَى انْتَهَى. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ (قُلْت:) الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. (فَرْعٌ:) . قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بَعْدَ أَنْ عَادَ إلَيْهَا الصُّوفُ رَدَّهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلصُّوفِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَالْأَوَّلِ، وَهُوَ أَبْيَنُ فِي هَذَا مِنْ حِينِ الْعَيْبِ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِغَلَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ فَكَانَ جَبْرُهُ بِمَالِهِ حَبْسُهُ أَوْلَى انْتَهَى. [تَنْبِيهَاتٌ اشْتَرَى النَّخْلَ بِالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْب] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ رُدَّتْ الثَّمَرَةُ مَعَ النَّخْلِ كَانَ لَكَ أَجْرُ سَقْيِكَ وَعِلَاجِكَ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى النَّخْلَ بِالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ، ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ قَبْلَ طِيبِهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا بِثَمَرَتِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْعَيْبِ إلَّا بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إذَا جُذَّتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ غَلَّةٌ (الثَّانِي) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ قَدْ طَابَتْ أَنَّهُ يَرُدُّهَا إذَا رَدَّ الْأُصُولَ مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَفُهِمَ مِنْهُ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ لَمْ تُؤَبَّرْ لَمْ تُرَدَّ وَتَكُونُ غَلَّةً لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْ

جَذَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُؤَبَّرْ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ، وَلَكِنَّهَا حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُذَّ الثَّمَرَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ، أَوْ بَعْدَ طِيبِهَا، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ طِيبِهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ أُصُولِهَا سَوَاءٌ أُبِّرَتْ، أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ قَدْ طَابَتْ أَيْ أَزْهَتْ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ يَبِسَتْ، أَوْ لَمْ تَيْبَسْ، أَوْ لَمْ تُجَذَّ (الثَّالِثُ) : لَوْ وَجَدَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَلَا أَذْكُرُ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا نَصًّا، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ عِنْدِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ؛ لِأَنَّ جَذَّ الثَّمَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ يَعِيبُ الْأَصْلَ وَيُنْقِصُ قِيمَتَهُ، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَمَا نَقَصَ، أَوْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا جَذَّهَا بَعْدَ الْإِبَارِ، وَقَبْلَ الطِّيبِ فَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (الرَّابِعُ) . قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ الثَّمَرَةُ الْمَأْبُورَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُشْتَرِي فَعَارَضَ هَذَا بَعْضُهُمْ بِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الثَّمَرَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَرُدُّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُشْتَرَاةٍ، وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ لِلْمُشْتَرِي، وَلِهَذَا مُنِعَ بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ الْمُؤَبَّرَ طَعَامٌ لِكَوْنِ الثَّمَرَةِ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ يَضْمَنُ الثَّمَرَةَ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ الزَّهْوِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى. (قُلْت) وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُعَارَضَةَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ بَعْضِ الْمُذَاكِرِينَ، وَالتَّفْرِقَةَ لِبَعْضِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَذَّ الثَّمَرَةَ لَكَانَ ضَامِنًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا اخْتَلَفَ حُكْمُهَا قَبْلَ جَذِّهَا، وَبَعْدَهُ قَالَ أَيْضًا: لَوْ جَذَّهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ طِيبِهَا، ثُمَّ جَاءَ شَفِيعٌ حَطَّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا يَنُوبُهَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ رَدَّهُ بِأَنَّهَا قَبْلَ الْجَذِّ تَابِعَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَهَذِهِ مُسْتَقِلَّةٌ، فَإِنْ هَلَكَتْ ضَمِنَهَا كَمَالِ الْعَبْدِ يَهْلِكُ قَبْلَ انْتِزَاعِهِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِيهَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ بَيِّنٌ صَحِيحٌ فِي الْمُعَارَضَةِ، وَنَصُّهَا: وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ مَأْبُورَةً فَاشْتَرَاهَا، فَإِنْ رَدَدْتَ النَّخْلَةُ بِعَيْبٍ رَدَدْتَ مَعَهَا الثَّمَرَةَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ، فَإِنْ رَدَدْتَ مَعَهَا كَانَ لَكَ أَجْرُ سَقْيِكَ وَعِلَاجِكَ فِيهَا، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ صَحَّ أَنَّ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةً، وَلَمْ أُلْزِمْهَا لَكَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ كَسِلْعَةٍ ثَانِيَةٍ فَيَصِيرُ بَيْعَ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَهُوَ كَمَالِ الْعَبْدِ إنْ انْتَزَعَهُ رَدَدْتَهُ مَعَهُ حِينَ تَرُدَّهُ بِعَيْبٍ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ انْتِزَاعِكَ لَمْ يَلْزَمْكَ لَهُ نَقْصٌ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ رَدَدْتَهُ بِعَيْبِكَ، وَكَذَلِكَ مَا يَأْتِي عَلَى الثَّمَرَةِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - قَبْلَ جُذَاذِهَا انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَلَوْ انْتَزَعْتُهُ، ثُمَّ هَلَكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ ضَمِنْتُهُ، وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ إذَا جَذَذْتهَا، ثُمَّ هَلَكَتْ فَإِنَّكَ تَضْمَنُهَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطْتَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ الطِّيبِ فَهَذِهِ إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْجُذَاذِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ فَرَدَدْتَ النَّخْلَ بِعَيْبٍ فَلْتَرُدَّ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إنْ جَذَّهَا رُطَبًا فَأَكَلَهَا يُنْظَرُ مَا قِيمَةُ النَّخْلِ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَهَا رَجَعَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ جَذَّهَا تَمْرًا، وَعَرَفَ مَكِيلَتَهَا رَدَّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ رَدَّ مِثْلَهَا مَعَ النَّخْلِ انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ هُوَ ابْنُ يُونُسَ (الْخَامِسُ:) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَصُوفٌ تَمَّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهَا صُوفٌ، أَوْ عَلَيْهَا صُوفٌ غَيْرُ تَامٍّ، ثُمَّ حَصَلَ الصُّوفُ عِنْدَهُ أَوْ تَمَّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا جَزَّهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَكُونُ غَلَّةً بِالتَّمَامِ، أَوْ حَتَّى يَتَعَسَّلَ، أَوْ تُجَزَّ قِيَاسًا عَلَى الثَّمَرَةِ هَلْ

تَكُونُ غَلَّةً بِالطِّيبِ، أَوْ بِالْيُبْسِ، أَوْ بِالْجُذَاذِ فَالتَّمَامُ نَظِيرُ الطِّيبِ، وَالتَّعْسِيلُ كَالْيُبْسِ، وَالْجَزُّ كَالْجُذَاذِ انْتَهَى. (قُلْت:) قَالُوا: إذَا قَالَ يَخْتَلِفُ فَهُوَ تَخْرِيجٌ مِنْهُ، وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ مَا لَمْ يُجَزَّ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْغَنَمِ قَالَ: وَلَوْ جَزَّهُ الْمُبْتَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ النَّخْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْغَنَمَ لَا غَلَّةَ مِنْهَا سِوَى الصُّوفِ، وَلَوْ جَزَّهُ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ أَنْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ لَكَانَ جَزُّهُ لَهَا رِضًا بِالْعَيْبِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَشُفْعَةٍ وَاسْتِحْقَاقٍ وَتَفْلِيسٍ وَفَسَادٍ) ش. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَلَمْ تُرَدَّ لَا إلَى قَوْلِهِ: بِخِلَافِ وَلَدٍ، وَلَوْ قَدَّمَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى قَوْلِهِ: بِخِلَافِ وَلَدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْوَسَطِ، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: بِخِلَافِ وَلَدِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَا يَجْرِي فِي الْأَبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفْلِيسِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُمَّهَاتِ مَعَهَا، وَكَذَلِكَ فِي التَّفْلِيسِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمَّهَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْوَلَدَ مُفَوِّتٌ، وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ: وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَيُوجِبُ الْقِيمَةَ، وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَحُكْمُهَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَحُكْمِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَأَمَّا فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفْلِيسِ فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ. قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا ابْتَاعَ النَّخْلَ، وَالثَّمَرَةُ مَأْبُورَةٌ، أَوْ مُزْهِيَةٌ فَاشْتَرَطَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَاسْتَشْفَعَ فَلَهُ نِصْفُ النَّخْلِ، وَنِصْفُ الثَّمَرَةِ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَعَلَيْهِ لِلْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ قِيمَةُ مَا سَقَى وَعَالَجَ، وَيَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ شَاءَ الْمُسْتَحِقُّ أَخَذَ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرَةِ بِالشُّفْعَةِ مَعَ الْأَصْلِ مَا لَمْ تُجَذَّ، أَوْ تَيْبَسْ، وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْعِلَاجِ أَيْضًا، وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْيُبْسِ، أَوْ الْجُذَاذِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الثَّمَرَةِ كَمَا لَوْ بِيعَتْ حِينَئِذٍ، وَيَأْخُذُ الْأَصْلَ بِالشُّفْعَةِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقِيمَةٍ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ وَقَعَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا مَنْ ابْتَاعَ نَحْلًا لَا ثَمَرَ فِيهَا، أَوْ فِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ، أَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ، ثُمَّ فَلَسَ، وَفِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ حَلَّ بَيْعُهَا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ مَا لَمْ تُجَذَّ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ: وَأَمَّا مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً، أَوْ غَنَمًا، ثُمَّ فَلَسَ فَوَجَدَ الْبَائِعُ الْأَمَةَ قَدْ وَلَدَتْ، وَالْغَنَمَ قَدْ تَنَاسَلَتْ فَلَهُ أَخْذُ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ، أَوْ صُوفٍ جَزَّهُ، أَوْ لَبَنٍ حَلَبَهُ فَذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ، وَكَذَلِكَ النَّخْلُ تُجْنَى ثَمَرَتُهَا فَهُوَ كَالْغَلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَنَمِ صُوفٌ قَدْ تَمَّ يَوْمَ الشِّرَاءِ، أَوْ فِي النَّخْلِ ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَلَيْسَ كَالْغَلَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا كَانَ فِي النَّخْلِ يَوْمَ الِابْتِيَاعِ ثَمَرَةٌ مَأْبُورَةٌ فَطَرَأَ عَلَى الْمُشْتَرِي مُسْتَحِقٌّ، أَوْ شَفِيعٌ، أَوْ فَلَسٌ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَ نَخْلِهِ، فَإِنْ طَرَأَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ أَنْ يُؤَدُّوا السَّقْيَ وَالْعِلَاجَ، وَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ يُبْسِهَا، أَوْ بَعْدَ يُبْسِهَا، وَلَمْ تُجَذَّ، أَوْ بَعْدَ جَذِّهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ، أَوْ فَائِتَةٌ فَفِي ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّفِيعَ وَالْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ جُذَّتْ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ

الْعُيُوبِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تُمْضَى بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تُمْضَى بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ إنَّهَا غَلَّةٌ لِلْمُبْتَاعِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: الطِّيبُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ وَالثَّانِي الْيُبْسُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّالِثُ: الْجُذَاذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَأَمَّا التَّفْلِيسُ فَالْمَنْصُوصُ لَهُمْ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُجَذَّ، فَإِنْ جُذَّتْ كَانَ أَحَقَّ بِالْأُصُولِ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بِالْمَعْنَى اهـ. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ وُجُوهِ الثَّمَرَةِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَأَمَّا الصُّوفُ التَّامُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَيَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ إنْ كَانَ قَائِمًا، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُبْتَاعُ، أَوْ الثَّمَنَ إنْ كَانَ بَاعَهُ، وَفِي التَّفْلِيسِ بَائِعُهُ أَحَقُّ بِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ جَزَّهُ الْمُشْتَرِي الْمُفْلِسُ، وَإِنْ فَاتَ أَخَذَ الْبَائِعُ الْغَنَمَ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِمَا يَنُوبُ الصُّوفَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْغَنَمَ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِمَا يَنُوبُ الصُّوفَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْغَنَمَ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، فَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى رَدٍّ صَرِيحٍ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَرُدَّ بِغَلَطٍ إنْ سَمَّى بِاسْمِهِ) ش: أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بَاعَ مُصَلَّى فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَتَدْرِي مَا هَذَا الْمُصَلًّى؟ هِيَ - وَاَللَّهِ خَزٌّ - فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ خَزٌّ، وَلَوْ عَلِمْتُهُ مَا بِعْتُهُ بِهَذَا الثَّمَنِ. قَالَ مَالِكٌ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ لَوْ شَاءَ اسْتَبْرَأَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مَرْوِيًّا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ إنَّمَا ظَنَنْتُهُ كَذَا وَكَذَا، أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ: مُبْتَاعُهُ مَا اشْتَرَيْته إلَّا ظَنًّا أَنَّهُ خَزٌّ، وَلَيْسَ بِخَزٍّ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَكَذَا مَنْ بَاعَ حَجَرًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ هُوَ يَاقُوتَةٌ، أَوْ زَبَرْجَدَةٌ تَبْلُغُ مَالًا كَثِيرًا لَوْ شَاءَ اسْتَبْرَأَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: أَخْرِجْ لِي ثَوْبًا مَرْوِيًّا بِدِينَارٍ فَأَخْرَجَ لَهُ ثَوْبًا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ أَثْمَانِ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ هَذَا يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: خِلَافُ هَذَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى يَاقُوتَةً، وَهُوَ يَظُنُّهَا حَجَرًا، وَلَا يَعْرِفُهَا الْبَائِعُ، وَلَا الْمُبْتَاعُ فَيَجِدُهَا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يَشْتَرِي الْقُرْطَ يَظُنُّهُ ذَهَبًا فَيَجِدُهُ نُحَاسًا أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُسَمِّ أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ قَوْلُ الْبَائِعِ: أَبِيعُكَ هَذَا الْحَجَرَ، أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي: بِعْ مِنِّي هَذَا الْحَجَرَ فَيَشْتَرِيهِ، وَهُوَ يَظُنُّهُ يَاقُوتَةً فَيَجِدُهُ غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَبِيعُ الْبَائِعُ يَظُنُّ أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُ يَاقُوتَةٍ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ. وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا غَيْرُ يَاقُوتَةٍ وَالْبَائِعَ الْبَيْعُ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: أَبِيعُكَ هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَيَجِدُهَا غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: بِعْ مِنِّي هَذِهِ الزُّجَاجَةَ، ثُمَّ يَعْلَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمُصَلَّى وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْقُرْطُ يَظُنُّهُ الْمُشْتَرِي ذَهَبًا، أَوْ يَشْتَرِطُ أَنَّهُ ذَهَبٌ فَيَجِدُهُ نُحَاسًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا كَانَ قَدْ صُنِعَ عَلَى صِفَةِ أَقْرَاطِ الذَّهَبِ، أَوْ كَانَ مَغْسُولًا بِالذَّهَبِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ إذَا أَبْهَمَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الرَّدَّ كَالتَّصْرِيحِ، وَحَكَى شُرَيْحٌ الْقَاضِي أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلٌ مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ الصَّبْغَ الْهَرَوِيَّ، فَقَالَ: بِكَمْ هَذَا الْهَرَوِيُّ فَقَالَ بِكَذَا فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهَرَوِيٍّ، وَإِنَّمَا صُبِغَ صَبْغَ الْهَرَوِيِّ فَأَجَازَ بَيْعَهُ. قَالَ: وَلَوْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُزَيِّنَ ثَوْبَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الزِّينَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ هَرَوِيَّ الصَّبْغِ حَتَّى يَقُولَ: هَرَوِيٌّ هَرَاةَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرُدُّهُ، وَذَلِكَ عِنْدِي اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُ إذَا بَاعَ الْحَجَرَ فِي سُوقِ الْجَوْهَرِ فَوَجَدَهُ حَجَرًا كَانَ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنَّهُ جَوْهَرٌ، وَإِنْ بَاعَهُ

فِي غَيْرِ الْمِيرَاثِ، أَوْ فِي غَيْرِ سُوقِ الْجَوْهَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيَامٌ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَشِبْهِهِ، وَهَذَا عِنْدِي يَجْرِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي الْأَلْغَازِ وَوَجْهُ تَفْرِقَةِ مَالِكٍ بَيْنَ الَّذِي يَبِيعُ الْيَاقُوتَةَ جَاهِلًا وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ إخْرَاجَ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ فَأَخْرَجَ ثَوْبًا بِأَرْبَعَةٍ أَنَّ الْأَوَّلَ جَهِلَ وَقَصَّرَ إذَا لَمْ يَسْأَلْ مَنْ يَعْلَمُ مَا هُوَ، وَالثَّانِيَ غَلِطَ، وَالْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ. وَيَأْخُذَ ثَوْبَهُ إذَا أَتَى بِدَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ مِنْ رَسْمٍ، أَوْ شَهَادَةٍ وَقَوَّمَ عَلَى حُضُورِ مَا صَارَ بِهِ إلَيْهِ فِي مُقَاسَمَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالرُّجُوعُ بِالْغَلَطِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيَانُ أَنَّ الْبَيْعَ مُرَابَحَةٌ، أَوْ مُكَايَسَةٌ اهـ. بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ، وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْبَزَّازِ يَبِيعُ فَيَأْمُرُ بَعْضَ قَوْمِهِ بِدَفْعِهِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ انْصِرَافِ الْمُبْتَاعِ: إنَّ الثَّوْبَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْك لَيْسَ بِاَلَّذِي بِعْتُك، أَوْ كَانَ هُوَ دَفَعَهُ قَالَ: إنْ كَانَ أَمَرَ بِدَفْعِهِ حَلَفَ وَرُدَّ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ فَأَرَى قَوْلَهُ بَاطِلًا مَا لَمْ يَأْتِ مَعَ قَوْلِهِ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مِنْ رَسْمٍ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ، أَوْ شَهَادَةِ قَوْمٍ قَاسَمُوهُ عَرَفُوهُ مَا قَامَ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ وَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الَّذِي أَمَرَ بَعْضَ قَوْمِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَيْسَ الثَّوْبَ الَّذِي بَاعَهُ، فَإِنْ حَلَفَ رَدَّ الثَّوْبَ، وَدَفَعَ الثَّوْبَ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ بَاعَهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ الْمُبْتَاعُ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَا يُصَدِّقُهُ، وَأَمَّا إنْ كَذَّبَهُ الْمُبْتَاعُ، وَقَالَ: بَلْ هَذَا الَّذِي بِعْتَنِي فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ، فَإِنْ نَكِلَا، أَوْ حَلَفَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَاحِدٌ مِنْ الثَّوْبَيْنِ، وَإِنْ نَكِلَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَالِفِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ أَلْزَمَ الْمُبْتَاعَ الثَّوْبَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْبَائِعُ، وَرَدَّ الْآخَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ أَخَذَ الثَّوْبَ الْمَدْفُوعَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْآخَرُ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ التَّاجِرُ بَعْضَ قَوْمِهِ أَنْ يُرِيَ رَجُلًا ثَوْبًا فَأَرَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ بَاعَهُ عَلَى تِلْكَ الرُّؤْيَةِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ غَيْرُ الثَّوْبِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهُ، الْقَوْلُ قَوْلُ التَّاجِرِ مَعَ يَمِينِهِ يَحْلِفُ، وَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ، فَإِنْ نَكِلَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الثَّوْبَ، وَدَفَعَهُ هُوَ إلَيْهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ غَلِطَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْ رَسْمٍ، وَلَا شَيْءٍ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَكَمَا لَوْ دَفَعَهُ وَكِيلُهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَأَمَّا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ، وَادَّعَى أَنَّ شِرَاءَهُ أَكْثَرُ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ، وَأَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، وَاخْتَلَطَ لَهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْ رَقْمٍ، أَوْ شَهَادَةِ قَوْمٍ عَلَى مَا وَقَّعَ بِهِ عَلَيْهِ فِي مُقَاسَمَةٍ، أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إنْ ادَّعَى الْغَلَطَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ لَهُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ ذُو أَثْوَابٍ كَثِيرَةٍ فَقِيلَ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَابَحَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَمَا فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ مُحْتَمَلٌ، وَقِيلَ: الْبَيْعُ لَازِمٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْحَجَرَ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ يَاقُوتَةٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَمَّا الْجَهْلُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ فَلَا يُعْذَرُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي ذَلِكَ؛ إذْ لَا غَبْنَ فِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثٍ وَأَقَامَ بَعْضُ الشُّيُوخِ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ لَهَا مَعْنًى مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ الرَّدُّ مِنْ الْغَبْنِ انْتَهَى. وَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ بِالْغَلَطِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَقَوْلُهُ: بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ لَا قِيَامَ فِيهِ بِالْغَلَطِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَوَجَدَ فِيهَا بِئْرًا عَاذِبَةً، فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك شَيْئًا لَا أَعْرِفُهُ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَعَلَّ مَسْأَلَةَ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ

دَعْوَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْغَلَطَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ مَا يُنَاسَبُ هَذَا إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهِيَ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ جَمِيعَهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا بِغَبْنٍ، وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ) ش:. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْغَبْنُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعِ السِّلْعَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ

النَّاسَ لَا يَتَغَابَنُونَ بِمِثْلِهِ، أَوْ اشْتَرَاهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَلَا يُوجِبُ رَدًّا بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَارْتَهَنَ رَهْنًا، وَكَانَ مُشْتَرِيهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السَّفَهِ جَازَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي قَوْلِهِ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيَامَ فِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ بِالْغَبْنِ، وَلَا أَعْرِفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلَافٍ، وَكَانَ مِنْ الشُّيُوخِ مَنْ يَحْمِلُ مَسْأَلَةَ سَمَاعِ أَشْهَبَ الْوَاقِعَةَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْهُ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ عَلَى الْخِلَافِ وَيَتَأَوَّلُ مِنْهَا وُجُوبَ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ فِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرَى لَهُ الرَّدَّ بِالْغَبْنِ لَا مِنْ أَجْلِ اضْطِرَارِهِ إلَى الْبَيْعِ مَخَافَةَ الْحِنْثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْتَزِقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ» ، وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ ظُلْمٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا غَبْنَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ظُلْمٌ فَهُوَ حَقٌّ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ «بِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ» «وَبِقَوْلِهِ لِعُمَرَ لَا تَشْتَرِهِ، وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» ، وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى التَّقْلِيلِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْعَقِيقَةِ: «وَلَوْ بِعُصْفُورٍ» ، وَقَوْلِهِ «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا، وَلَوْ بِقَدْرِ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَثِيرٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْجَمَلِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ، وَقَدْ سَاوَمَهُ «أَوَلَا تَبِيعُهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ لَا» ثُمَّ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِخَمْسِ أَوْرَاقٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» وَحَدِيثَ الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ وَحَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ ابْنُ دَحُونٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ضَعِيفَةٌ كَيْفَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ لِلْغَبْنِ وَذَلِكَ جَائِزٌ

بَيْنَ كُلِّ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِالرَّدِّ، وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ مُوَلًّى عَلَيْهِ مَا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَزِمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُفْسَخْ وَلِمَ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ: لَا قِيَامَ لِلْمُبْتَاعِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ بِغَبْنٍ، وَلَا بِغَلَطٍ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَرْجِعُ بِالْغَلَطِ، وَأَمَّا فِي الْغَبْنِ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِقِيمَةِ الْمُبْتَاعِ فَلَا رُجُوعَ بِهِ فِي الْمُسَاوَمَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ، وَلَا أَعْرِفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا كَانَ مِنْ الشُّيُوخِ مَنْ يَحْمِلُ مَسْأَلَةَ أَشْهَبَ مِنْ الرُّهُونِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ لَهَا مَعْنًى أُوجِبَ مِنْ أَجْلِهَا الرَّدُّ بِالْغَبْنِ فَلَيْسَتْ بِخِلَافٍ لِلْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَأَرَاهُ ابْنَ الْقَصَّارِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَتَأَمَّلْهُ وَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا بَيْعُ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: اشْتَرِ مِنِّي سِلْعَتِي كَمَا تَشْتَرِي مِنْ النَّاسِ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ الْقِيمَةَ فَيَشْتَرِي مِنْهُ بِمَا يُعْطِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ الِاسْتِرْسَالَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَ الِاسْتِرْسَالُ. وَالِاسْتِنَامَةُ وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ ظُلْمٌ» وَالِاسْتِنَامَةُ بِالنُّونِ قَبْلَ الْأَلِفِ وَبِالْمِيمِ بَعْدَهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمُرَابَحَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ طُرُقًا: الْأُولَى: طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ لَكِنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَصَّهُ: أَبُو عَمْرٍو فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَنْصِحِ يُوجِبُ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارَ فِيهِ، وَفِي بَيْعِ غَيْرِهِ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ لَا أَعْلَمُ فِي لُزُومِهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ بِأَضْعَفِ الْقِيمَةِ وَسَمِعَهُ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ اهـ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا عَزَاهُ لِكِتَابِ الرُّهُونِ فِي سَمَاعِ عِيسَى إنَّمَا فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَةَ الثَّالِثَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ، وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْقَاضِي فِي لُزُومِ الْبَيْعِ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً، وَأَحَدُهُمَا لَا يَعْلَمُ سِعْرَ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْغَبْنُ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيهِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِنَا فَالْأَوَّلُ: قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَصَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَقَلَهَا بِاخْتِصَارٍ، وَنَصَّهُ، وَلِصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْسَالِ وَالِاسْتِنَامَةِ فَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ وَاجِبٌ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ فَلَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ اتِّفَاقًا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقُ الْمَازِرِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ الْبَائِعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِقِيمَتِهِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: قِيمَتُهَا كَذَا فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْبَيْعِ وَبِثَمَنِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَوْلَانِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ لِغَيْرِ الْعَارِفِ، وَفِي الْعَارِفِ قَوْلَانِ اهـ. (قُلْت) مَا عَزَاهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْمَعُونَةِ عَكْسُ مَا فِيهَا وَنَصُّهَا فِي آخِرِ بَيْعِ الْخِيَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ السِّلْعَةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ وَيَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِأَلْفٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الِاخْتِيَارُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّشَادِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَا، أَوْ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ ا. هـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ: الْخِيَارُ يَثْبُتُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُغَابَنَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَدِّهَا لِتَغَابُنِ النَّاسِ بِمِثْلِهِ فَقِيلَ إنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ، وَلَا خِيَارَ وَقِيلَ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إذَا دَخَلَ عَلَى بَيْعِ النَّاسِ الْمُعْتَادِ اهـ. وَقَالَ فِي الِاشْتِرَاءِ فَإِذَا تَبَايَعَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَخْبُرُ سِعْرَ ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَدَّ الْغَبْنَ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ وَالْمُتَعَارَفِ اهـ. وَكَانَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبِعَ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ فِي عَزْوِ

هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُثْبِتَ الْخِيَارَ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا خِيَارَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّشَادِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَا، أَوْ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ اهـ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَانَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ تَصَحَّفَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ الْمَعُونَةِ قَوْلُهُ نَفْي فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَكَلَامُهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْإِشْرَافِ يُبَيِّنُ كَلَامَهُ فِي الْمَعُونَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا تَوْجِيهُهُ لِلْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَدَأَ بِتَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْخِيَارِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِيهِ إجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ فِي حِكَايَتِهِ طَرِيقَةَ الْمَازِرِيِّ، وَنَصَّهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمَ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ الْخِلَافُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ إلَى بَائِعِهِ، وَيَكُونَ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِقِيمَةِ مَا اشْتَرَاهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْغَبْنِ غَلَطًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ غَالِطٌ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْقِيمَةَ فَزَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ كَالْوَاهِبِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَرَضٍ لَهُ فَلَا مَقَالَ لَهُ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَسْلَمَ لِبَائِعِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِيمَةِ، فَذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ مَا غَرَّهُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطَيْتُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَيُسَمِّيَ لَهُ بَائِعَهَا مِنْهُ قَالَ فَهَذَا مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ اهـ (الثَّانِي) : إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ، أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ تَرَدُّدٌ يَقْتَضِي أَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ: الْأُولَى: لَا قِيَامَ لِلْغَبْنِ، وَلَوْ اسْتَسْلَمَ، وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ إلَّا إذَا اسْتَسْلَمَ وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ وَالثَّالِثَةُ: لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ إلَّا إذَا اسْتَأْمَنَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى إلَّا إذَا حُمِلَتْ طَرِيقَةُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ عَلَى إطْلَاقِهَا، وَجُعِلَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت قَدْ. قَالَ فِي اللَّبَّانِ وَأَسْبَابُ الْخِيَارِ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ: الْغَبْنُ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ الْمُغَابَنَةُ بَيْنَ النَّاسِ مَاضِيَةٌ إنْ كَثُرَتْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ فَكَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْخِلَافِ مُطْلَقًا قُلْتُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِكْمَالِ قَبْلَ الْكَلَامِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ، وَهُوَ الْمُسْتَسْلِمُ لِبَيْعِهِ مَمْنُوعٌ، وَلَهُ الْقِيَامُ إذَا وَقَعَ اهـ. وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْهُ، وَقَدْ اعْتَمَدَ فِي الشَّامِلِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: وَهَلْ لِلْمَغْبُونِ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ مَقَالٌ مُطْلَقًا، أَوْ لِغَيْرِ الْعَارِفِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَالِاسْتِرْسَالِ كَبِعْنِي، أَوْ اشْتَرِ مِنِّي مِثْلَ النَّاسِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ بِالْقِيمَةِ، فَقَالَ لَهُ: هِيَ كَذَا إلَّا إنْ كَانَ عَارِفًا بِهَا، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: خِلَافٌ وَشُهِرَ عَدَمُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا اهـ. فَقَوْلُهُ: وَشُهِرَ عَدَمُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي ذَلِكَ طَرِيقَةً رَابِعَةً فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِطَرِيقَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّوْضِيحِ، ثُمَّ بِطَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ، ثُمَّ بِطَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ الطَّرِيقَةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إثْرَ حِكَايَتِهِ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي اهـ. فَإِنَّهُ أَرَادَ الْمَشْهُورَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ. قَالَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ اهـ. وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَوْ فُهِمَ أَنَّهَا طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَحِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ لِلطَّرِيقَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّانِيَةَ مُنَافِيَةٌ لِلثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ كَمَا

يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ نَعَمْ يَتَخَالَفَانِ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْمَازِرِيِّ تَحْكِي الْخِلَافَ فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ، وَطَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ لَمْ يَنْفِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا بَلْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِضَعْفِهِ عِنْدَهُ فَلَا مُنَافَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ (الثَّالِثُ:) إذَا عُلِمَ هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ مِنْ تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ مُطْلَقًا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصُّ الْعُمْدَةِ: وَمَنْ بَاعَ، أَوْ ابْتَاعَ فَغُبِنَ غَبْنًا فَاحِشًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ: إنْ كَانَ بَصِيرًا بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ اسْتَسْلَمَ لِبَائِعِهِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ، وَنَصُّهُ: قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ: الْخِيَارُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّهُ لَا قِيَامَ بِهِ فِي غَيْرِهِ إمَّا اتِّفَاقًا، أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا بِغَبْنٍ، وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ إلَّا الْمُسْتَرْسِلَ لَكَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ حَكَى مَا تَقَدَّمَ: وَالْغَبْنُ قِيلَ الثُّلُثُ وَقِيلَ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْمَغْبُونِ الرُّجُوعُ بِالْغَبْنِ إمَّا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، أَوْ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ فَقِيلَ قَدْرُ الْغَبْنِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ، وَفِي حَقِّ الْمُشْتَرِي أَنْ تَزِيدَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ، وَقِيلَ لَا يُحَدُّ بِالثُّلُثِ، وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ سِوَى مَا دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهُ غَبْنٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْغَبْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي اعْتِبَارِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْغَبْنَ الْمُتَّفَقَ عَلَى اعْتِبَارِهِ لَا يُوصَلُ فِيهِ إلَى الثُّلُثِ، وَلَا إلَى مَا قَارَبَهُ إذَا خَرَجَ عَنْ الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ صَحَّ الْقِيَامُ بِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا انْتَهَى. ، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَعَطَفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِقِيلَ فَقَالَ: وَالْغَبْنُ مَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ، وَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَعَلَى أَنَّ مَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ لَا قِيَامَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فَقَالَ: إذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِالْغَبْنِ الْمُتَفَاحِشِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَقْدِيرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّهُ بِالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا حَدَّ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَوَائِدُ بَيْنَ التُّجَّارِ فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ التَّغَابُنِ الَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُهُ بَيْنَهُمْ وَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَا مَقَالَ فِيهِ لِلْمَغْبُونِ بِاتِّفَاقٍ، وَمَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فَالْمَغْبُونُ فِيهِ بِالْخِيَارِ (الْخَامِسُ:) مِمَّا اُتُّفِقَ فِيهِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ مَا بَاعَهُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ، أَوْ وَصِيٍّ إذَا بَاعَ مَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ أَنَّهُ مَرْدُودٌ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ مَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ هُوَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ إلَيْهِ وَيُمْضَى فِيهِ اجْتِهَادُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَأَشْبَاهِهِمَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ قَدْرُ الْغَبْنِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ كَقَدْرِهِ فِي بَيْعِ مَنْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ غَبْنُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ مَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ، وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهَا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ، أَوْ ابْتَاعَ بِمَا لَا يُشْبِهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْكَ. (السَّادِسُ:) إذَا قُلْنَا بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ، فَهَلْ لِلْقَائِمِ نَقْضُ الْبَيْعِ، أَوْ الْمُطَالَبَةُ بِتَكْمِيلِ الثَّمَنِ، وَكَيْفَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُبْتَاعُ فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ يَتِيمٍ بَاعَ عَلَيْهِ وَصِيُّهُ حِصَّتَهُ مِنْ عَقَارٍ بِمُوجِبِ بَيْعِهِ لِشَرِيكِهِ فَكَمُلَ لِلشَّرِيكِ جَمِيعُ الْعَقَارِ، ثُمَّ بَاعَ الشَّرِيكُ نِصْفَ جَمِيعِ الْعَقَارِ، ثُمَّ رَشَدَ الْيَتِيمُ فَأَثْبَتَ أَنَّ عَقَارَهُ

يَوْمَ بَيْعِهِ يُسَاوِي أَمْثَالَ ثَمَنِهِ فَأَرَادَ نَقْضَ بَيْعِهِ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا بِيعَ عَلَيْهِ وَالشُّفْعَةَ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ شَرِيكُهُ فَأَفْتَى بِأَنَّ لَهُ نَقْضَ الْبَيْعِ فِيمَا هُوَ قَائِمٌ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ مِنْ الْوَصِيِّ، وَهُوَ نِصْفُ حِصَّتِهِ لَا فِيمَا بَاعَهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْضَى وَلَهُ فِيهِ فَضْلُ قِيمَتِهِ عَلَى ثَمَنِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ لِفَوْتِهِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَائِزٌ فِيهِ غَبْنٌ عَلَى مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ يُرَدُّ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ، فَقَدْ قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُوفِيَ تَمَامَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ، وَقِيلَ يُمْضَى لَهُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ قَائِمَةٌ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ فِي سَمَاعِهِ مِنْ أَبِي زَيْدٍ وَلَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ نَظَائِرُ، وَالنِّصْفُ الْمَرْدُودُ عَلَى الْيَتِيمِ حِصَّتُهُ إنَّمَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ لَا عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ الثَّانِي لَا فِي بَقِيَّةِ حِصَّتِهِ. وَلَا فِيمَا ابْتَاعَهُ مِنْ شُرَكَاءِ الْيَتِيمِ، وَلَا لَهُ عَلَى الْيَتِيمِ شُفْعَةٌ فِي الْحِصَّةِ الْمَرْدُودَةِ؛ إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَحْضَ مَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْحِصَّةُ هُنَا مَغْلُوبٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ، فَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْيَتِيمِ لِأَخْذِهِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَنَقْضُ بَيْعٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَبْنِ يُفِيتُهُ الْبَيْعُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَأَحْرَى بَيْعُ الْغَبْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَنْتَقِضُ جَبْرًا، وَهَذِهِ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِيمَنْ أَخْطَأَ فَبَاعَ سِلْعَةً مُرَابَحَةً بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا فَقَامَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، قَالَ فِيهَا: لَهُ الرُّجُوعُ فِي سِلْعَتِهِ إنْ لَمْ تَفُتْ وَيُفِيتُهَا مَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْغَبْنِ عَنْ الْأَيْتَامِ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ وَبَيْنَ الْغَبْنِ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا بَاعَهُ لِنَفْسِهِ فِيمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ بِالْغَبْنِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَإِنْ خَالَفَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ لِلْقَائِمِ بِالْغَبْنِ نَقْضَ الْبَيْعِ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا فِي فَوَاتِهَا فَلَا نَقْضَ وَأَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ يَفُوتُ بِالْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ:) فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ إنْ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ فَكَانَ إذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ بِالْيَاءِ مَوْضِعَ اللَّامِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَهُ زَادَ بَعْضُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ وَأَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتُهَا عَلَى خِيَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَقَدْ تَجَاذَبَ الْحَدِيثَ مَنْ قَالَ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: قَدْ جُعِلَ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا بِشَرْطٍ، وَلَا حُجَّةَ لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ (الثَّامِنُ:) . قَالَ الْأَبِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ قُلْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْيَوْمَ فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُوجِبُ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يُوجِبُ قَوْلُهَا قِيَامًا بِالْغَبْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ وَيُصَدِّرَ الشَّرْطَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَضًّا عَلَى النَّصِيحَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ قُلْ لَا خِلَابَةَ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَنْ يَبِيعُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فَيَنْظُرُ لَهُ كَمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَالْخِلَابَةُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَدِيعَةُ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَكَانَ إذَا بَايَعَ قَالَ لَا خِيَابَةَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْثَغَ يُخْرِجُ اللَّامَ مِنْ مَخْرَجِ الْيَاءِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالنُّونِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ لَا خِذَابَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: وَهَذَا الرَّجُلُ اسْمُهُ حِبَّانُ بِالْحَاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالِدُ يَحْيَى وَوَاسِعُ بْنُ حِبَّانَ كَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً شُجَّ فِي بَعْضِ الْمَغَازِي مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَصَابَتْهُ مَأْمُومَةٌ تَغَيَّرَ مِنْهَا لِسَانُهُ وَعَقْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَرَدَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِبَرَاءَةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَمَا بِيعَ مِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ، أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ، أَوْ عَيْبٌ، أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاءٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ، أَوْ غَرِقَ، أَوْ سَقَطَ مِنْ حَائِطٍ، أَوْ خَنَقَ نَفْسَهُ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فِي الثَّلَاثِ، وَلَوْ جُرِحَ، أَوْ قُطِعَ لَهُ عُضْوٌ كَانَ مَا نَقَصَهُ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ

الْمُبْتَاعُ فِي قَبُولِهِ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ رَدِّهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثِ، أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ، وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا حَدَثَ فِي الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ مِنْ زِنًا، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ ابْنُ الْمَوَّازِ، أَوْ إبَاقٍ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ حُمَّى، أَوْ عَمْشٌ، أَوْ بَيَاضٌ بِعَيْنِهِ، وَمَا ذَهَبَ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ. قَالَ: أَمَّا الْحُمَّى فَلَا يُعْلَمُ ذَهَابُهَا، وَلْيَتَأَنَّ بِهَا، فَإِنْ عَاوَدَتْهُ بِالْقُرْبِ رَدَّهُ، وَإِنْ بَعْدَ الثَّلَاثِ لَا أَزْيَدَ، وَذَلِكَ فِيهَا انْتَهَى. وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَصَابَتْ الْعَبْدَ حُمَّى فِي الثَّلَاثِ، أَوْ بَيَاضٌ فِي الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُرَدُّ الْعَبْدُ بِذَهَابِ مَالِهِ فِي الثَّلَاثِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي مَالِهِ، وَلَوْ تَلِفَ فِي الْعُهْدَةِ وَبَقِيَ مَالُهُ انْتَقَضَ بَيْعُهُ، وَلَيْسَ لِمُبْتَاعِهِ حَبْسُ مَالِهِ بِثَمَنِهِ انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَانْظُرْهُ. ص (وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عُهْدَةٌ لِثَلَاثٍ، وَالِاسْتِبْرَاءُ الْمُرَادُ بِهِ الْمُوَاضَعَةُ فَإِنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ تَدْخُلُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إذَا أَقَامَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، أَوْ أَزْيَدَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَلَا تَدْخُلُ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي السَّنَةِ إنَّمَا تَكُونُ عُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَبْدَأُ بِالِاسْتِبْرَاءِ، ثُمَّ بِالثَّلَاثِ، ثُمَّ بِالسَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ يَتَدَاخَلْنَ، فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ، وَعُهْدَةُ السَّنَةِ فِي يَوْمِ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَالثَّالِثُ: الِاسْتِبْرَاءُ وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ يَتَدَاخَلَانِ، فَيَكُونَانِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ، وَعُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَدَلِيلُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَعُهْدَةِ السَّنَةِ أَنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ وَالِاسْتِبْرَاءَ يَتَّفِقَانِ فِي الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِخِلَافِ عُهْدَةِ السَّنَةِ. (فَرْعٌ:) وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ وَالسَّنَةِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ بَعْدَ انْبِرَامِهِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ:) وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي عُقِدَ فِيهِ الْبَيْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ. ص (وَالنَّفَقَةُ وَالْأَرْشُ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ النَّفَقَةِ حُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِمَا وُهِبَ لَهُ فَقَطْ كَمَا. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِلْجَمِيعِ، وَلَا يَبْعُدُ مِنْ الرِّوَايَاتِ خِلَافُهُ فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْكِسْوَةِ لِدُخُولِهَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَرْشُ يَعْنِي إذَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِلْبَائِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ الْخِيَارَ فِي قَبُولِهِ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ رَدِّهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَرَأَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَرْشِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْبُرْءِ لَا يُعْلَمُ أَمْرُهُ فَلَا يَتَأَتَّى لِلْمُشْتَرِي انْتِفَاعٌ بِالْعَبْدِ مِنْ أَجْلِ وَقْفِهِ لِلْجِنَايَةِ قَالَ: إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْبَائِعُ عَنْ الْجَانِي الْقِيَامَ بِالْجِنَايَةِ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ لِزَوَالِ الْوَقْفِ؛ إذْ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ مُهْلِكَةً فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَرِيضٍ بِخِلَافِ مَوْتِهِ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَقَدْ كَانَ بَتًّا، وَالْخِيَارُ طَارِئٌ فَهُوَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَتَأَمَّلْهُ، وَحَكَى فِي الشَّامِلِ كَلَامَ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِقِيلَ: وَقَوْلُهُ: كَالْمَوْهُوبِ أَيْ مَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ، أَوْ نَمَا مَالُهُ بِرِبْحٍ فَإِنَّهُ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي اسْتَثْنَى مَالَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ لِلْبَائِعِ يَعْنِي، وَلَوْ

اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي قَالَ: وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ اهـ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشُّيُوخُ بِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى (فَرْعٌ:) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَلَّةِ الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ، وَفِي نَقْلِهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ، أَوْ أَوْصَى بِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُشْتَرِي مَالَهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْقَاضِي أَبَا مُحَمَّدٍ أَشَارَ إلَى ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فِي الْغَلَّةِ، وَأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمَنْصُوصُ مِنْ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْغَلَّةِ: لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا وَيَجْرِي عَلَى نَمَاءِ مَالِهِ بِالْعَطِيَّةِ لِلْبَائِعِ وَلِابْنِ شَاسٍ الْغَلَّةُ لِمُبْتَاعِهِ وَرَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَفِي الْغَلَّةِ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي عُهْدَةِ السَّنَةِ بِجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَجُنُونٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ جُنَّ فِي رَأْسِ شَهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّنَةِ، ثُمَّ لَمْ يُعَاوِدْهُ لَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ ذَهَابُهُ، وَلَوْ جُنَّ عِنْدَهُ فِي السَّنَةِ، ثُمَّ انْقَطَعَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ، وَلَوْ أَصَابَهُ فِي السَّنَةِ جُذَامٌ، أَوْ بَرَصٌ، ثُمَّ بَرِئَ قَبْلَ عِلْمِ الْمُبْتَاعِ بِهِ لَمْ يُرَدَّ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَوْدَتَهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، فَيَكُونُ كَالْجُنُونِ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ مِنْ الْجَرَبِ وَالْحُمْرَةِ، وَإِنْ انْسَلَخَ وَوَرِمَ، وَلَا مِنْ الْبَهَقِ فِي السَّنَةِ، وَلَوْ أَصَابَهُ صَمَمٌ، أَوْ خَرَسٌ لَمْ يُرَدَّ إذَا كَانَ مَعَهُ عَقْلُهُ (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ ظَهَرَ فِي السَّنَةِ مَا شَكَّ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي كَوْنِهِ جُذَامًا كَخِفَّةِ الْحَاجِبَيْنِ، وَرَفَعَ الْمُبْتَاعُ أَمْرَهُ لِلْقَاضِي فَفِي الرَّدِّ بِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ يَحْيَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ يُرِيدُ بِمَا يَقْضِي بَعْدَ السَّنَةِ إذَا شَكَّ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا مَسَّهُ فِي السَّنَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَهَا رَدَّ بِهِ، وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي الْبَرَصِ كَالْجُذَامِ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْكَيِّسِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا، وَكَلَامَ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اشْتَرَطَا، أَوْ اُعْتِيدَ) ش: يُرِيدُ، أَوْ أَمَرَ بِهِمَا الْحَاكِمُ، وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَيْهِمَا، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اكْتَفَى عَنْ ذَلِكَ بِمَا اُعْتِيدَا. (تَنْبِيهٌ:) لَا بُدَّ فِي اشْتِرَاطِهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: اشْتَرَى عَلَى عُهْدَةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ ضَمَانٌ فِي الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِذَا كَتَبَ الشِّرَاءَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعُهْدَةِ، وَلَهُ عُهْدَةُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُجْبَرْ فِيهِمْ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا ص (وَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهُمَا) ش: اُنْظُرْ إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ إسْقَاطَهُمَا حَكَى فِي التَّوْضِيحِ هُنَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَحَكَى بَعْدَ هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى ثِيَابِ مُهِمَّةِ الْعَبْدِ لَا يُوفَى لَهُ بِالشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ هُنَا فَقَالَ: وَهَلْ يُوفَى بِعَدَمِهَا، وَقَدْ بَسَطْتُ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي تَحْرِيرِ الْكَلَامِ عَلَى مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ. ص (لَا فِي مُنْكَحٍ بِهِ

أَوْ مُخَالَعٍ إلَى آخِرِهِ) ش: ذَكَرَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ غَالِبَ هَذِهِ النَّظَائِرِ أَمَّا الْمُنْكَحُ بِهِ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمُكَارَمَةُ وَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمَجْهُولِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ نِحْلَةً، وَالنِّحْلَةُ مَا لَمْ يُتَعَوَّضْ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ: فِيهِ الْعُهْدَةِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ. قَالَ مَالِكٌ: أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبُيُوعِ النِّكَاحُ، وَأَمَّا الْمُخَالَعُ بِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ خِلَافًا بَلْ قَالَ: وَأَمَّا الْمُخَالَعُ بِهِ فَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمُنَاجَزَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا كَانَتْ تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالْخُلْعِ مِلْكًا تَامًّا نَاجِزًا لَا يَتَعَقَّبُهُ رَدٌّ، وَلَا فَسْخٌ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الْعِوَضَ مِلْكًا نَاجِزًا قَالَ: وَأَمَّا الْمُصَالَحُ بِهِ مِنْ دَمِ عَمْدٍ، وَمِثْلُهُ الْمَأْخُوذُ مِنْ دَيْنٍ فَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ لِوُجُوبِ الْمُنَاجَزَةِ فِي ذَلِكَ أَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَرَى الْعُهْدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرًى بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ بِصِفَةٍ فَأَشْبَهَ الْعَرَضَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي الْمُنَاجَزَةَ قَالَ: وَهَذَا قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُقْرَضُ فَقَالَ: لَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِيهِ؛ إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَالْعُهْدَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا اُشْتُرِيَ مِنْ الرَّقِيقِ قَالَ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى عَلَى صِفَةٍ قَائِمَةٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي إسْقَاطَهَا لِاقْتِضَائِهِ التَّنَاجُزَ إذَا كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الْغَائِبَ عَلَى مَا أُدْرِكَتْ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ. فَإِنْ اشْتَرَطَ الصَّفْقَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الصَّفْقَةِ بَيْعٌ مُؤَخَّرٌ قَاطِعٌ لِلضَّمَانِ وَالْعُهْدَةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فَمَرَّةً حَمَلَ مَالِكٌ الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ وَمَرَّةً جَعَلَ السِّلْعَةَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ، فَيَكُونُ قَبْضُهُ لَهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَبْضًا نَاجِزًا لَا عُهْدَةَ فِيهِ اهـ. وَمَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّ الْبَائِعَ إنْ شَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ مِنْهُ أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ فَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ وَالْعُهْدَةِ إذَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُهُ كَانَ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ وَالْعُهْدَةِ قَالَ: وَأَمَّا الْمُقَاطَعُ بِهِ فَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْلَمَ فِيهِ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ فَسَقَطَتْ الْعُهْدَةُ قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِي الْعَبْدِ الْمَوْهُوبِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى الْمُكَارَمَةِ لَا عَلَى الْمُكَايَسَةِ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْعَبْدَ الْمُنْكَحَ بِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ

الِاخْتِلَافِ مَا دَخَلَ فِي الْعَبْدِ الْمُنْكَحِ بِهِ قَالَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعُهْدَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَقَالِ مِنْهُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ فِيهِ الْعُهْدَةُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا عُهْدَةَ فِيهِ. وَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يَنْتَقِدْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتَقَدَ فَالْعُهْدَةُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ دَيْنٍ. ص (وَاسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ، وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمِكْيَالِ إذَا امْتَلَأَ هَلْ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَكَيْفَ لَوْ صَبَّهُ فِي الْقِمْعِ، ثُمَّ أُرِيقَ كُلُّهُ، أَوْ فَضَلَ بَعْضُهُ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي هَلْ فِيهِ الْقَوْلَانِ فَأَجَابَ: ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَحْصُلْ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّوْفِيَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إرَاقَتِهِ مِنْ الْمِكْيَالِ، أَوْ الْقِمْعِ فَقَالَ: السَّائِلُ الْقِمْعُ مِنْ مَنَافِعِ الْمُشْتَرِي تَطَوَّعَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِنَاءُ وَاسِعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى قِمْعٍ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَمَّا الْتَزَمَ صَبَّ الْقِمْعِ لَهُ لَزِمَهُ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ فَقَالَ السَّائِلُ لَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ فِي الْإِنَاءِ الضَّيِّقِ لَا أَصُبُّ حَتَّى تَأْتِيَ بِإِنَاءٍ وَاسِعٍ، أَوْ قِمْعٍ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَ غَيْرُ السَّائِلِ هَذَا الْحُكْمَ الْأَخِيرَ. وَقَالَ: الصَّوَابُ إلْزَامُ الْقِمْعِ لَهُ بِعُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ كَمَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُ الْمِكْيَالِ فِيمَا يُكَالُ إذَا كَانَ عُرْفُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ تَرَتَّبَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ الْكَيْلُ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ، وَأُلْزِمَ الْمُتَعَقِّبُ هَذَا الْقَوْلَ. قَالَ السَّائِلُ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَيْلَ يَلْزَمُ الْمَكِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ} [الأعراف: 85] وَالْقِمْعَ تَفَضُّلٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ فَتَاوَى ابْنِ رُشْدٍ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ التُّونُسِيِّ مَسْأَلَةٌ: لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الزَّيْتَ حَتَّى يَصِيرَ فِي إنَائِهِ، وَلَوْ صَبَّهُ الْبَائِعُ فِي الْقِمْعِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْفِيَةِ، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ: لَا أَصُبُّ إلَّا فِي إنَاءٍ وَاسِعٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِمْعٍ هَلْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا؟ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي مَسْأَلَةِ وُصُولِ الْمَاءِ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ مَسْأَلَةٌ مَنْ بَاعَ زَيْتًا وَأَفْرَغَهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى زَيْتٍ عِنْدَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إنَاءِ الْمُبْتَاعِ فَأْرَةً، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ أَيِّ الزَّيْتَيْنِ هِيَ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِهِ مِنْ زَيْتِ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ فِي وِعَائِهِ انْتَهَى. ص (وَقَبْضُ الْعَقَارِ بِالتَّخْلِيَةِ وَغَيْرُهُ بِالْعُرْفِ) ش: أَيْ وَقَبْضُ غَيْرِ الْعَقَارِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ بِالْعُرْفِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فَقَدْ بَيَّنَ الْقَبْضَ فِيهِ بِمَاذَا يَكُونُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى الْقَبْضِ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ

تَوْفِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ فِيهِ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَقِبَهُ: وَضَمِنَ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ قُدِّمَ فِي آخِرِ فَصْلِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَالِكَ الْقَبْضَ بِمَا هُوَ فِيهِ فَبَيَّنَهُ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) التَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُوَثِّقِينَ: أُنْزِلُهُ فِيهِ مَنْزِلَتَهُ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ إنْزَالُ الْمُبْتَاعِ فِي الْبَيْعِ فَيَقُولُ: وَأُنْزِلُهُ فِيهِ مَنْزِلَتَهُ، فَإِنْ تَأَخَّرَ إنْزَالُهُ عَنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَنْزَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ: مَكَّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ وَحَوْزِهِ إيَّاهُ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا الْمُوَاضَعَةَ فَبِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ) ش: تَبِعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْكَلَامِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَقِيلَ: لَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالشَّيْءِ الْغَائِبِ وَالْمُوَاضَعَةِ فَمَا نَصَّهُ لَيْسَ ذِكْرُ الْمُوَاضَعَةِ هُنَا بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهَا يَنْتَهِي إلَى خُرُوجِ الْأَمَةِ مِنْ الْحَيْضَةِ لَا إلَى قَبْضِ الْمُشْتَرِي انْتَهَى. زَادَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ: بَلْ الَّذِي نَقَلَ الْبَاجِيُّ أَنَّ الضَّمَانَ يَنْتَهِي لِرُؤْيَةِ الدَّمِ. قَالَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَجَازَ لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِمْتَاعَ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ انْتَهَى. وَجَعَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْبَاجِيِّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَعَلَ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَنَصَّهُ فِي الْوَسَطِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا الْمُوَاضَعَةَ أَيْ فَلَا يُزَالُ ضَمَانُ الْبَائِعِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُهَا الْمُبْتَاعُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَنْتَهِي الضَّمَانُ فِي حَقِّ بَائِعِهَا إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَنَحْوُهُ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ (قُلْت) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ أَنَّ الْبَاجِيَّ إنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ بِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، وَنَصُّهَا: وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ وَائْتِمَانَ الْمُبْتَاعِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ فَعَلَا أَجْزَأَهُ إنْ قَبَضَهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي أَوَّلِ دَمِهَا انْتَهَى. وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّهُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَالْمُوَاضَعَةَ يَقَعُ بِانْقِضَاءِ الْمُوَاضَعَةِ وَذَلِكَ بِظُهُورِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ الدَّمِ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَسَقَطَتْ سَائِرُ أَحْكَامِ الْمُوَاضَعَةِ، وَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا، وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ لَهُ بِأَوَّلِ مَا تَدْخُلُ فِي الدَّمِ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ حَيْضَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: وَبِأَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الدَّمِ صَارَتْ إلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَلَّ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ، وَيَتَلَذَّذَ وَخَالَفَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ حَتَّى تَسْتَمِرَّ الْحَيْضَةُ لِإِمْكَانِ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارِهِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ قَوْلًا بِاسْتِمْرَارِ الضَّمَانِ إلَى خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: الْمُوَاضَعَةُ أَنَّ ضَمَانَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُوَاضَعَةً عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيَّامِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ: وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ حَيْضَةٌ، وَنَصَّهُ: فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ وَفِي اسْتِبْرَاءٍ ضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي

فرع الرجل يبيع من الرجل الدابة أو الثوب ويختلفا في التحاكم في العيب

انْتَهَى. ص (وَبُدِئَ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَازُعِ) ش: هَذَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا فِي الصَّرْفِ فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ فَالثَّمَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، وَمَا عَدَاهَا مُثَمَّنَاتٌ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُثَمَّنَاتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَثْمَانِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: إنَّهُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: لَا أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُوبُ التَّسْلِيمِ، وَقِيلَ: لَهُ إنْ تَرَاخَى قَبْضُكُمَا فُسِخَ الصَّرْفُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ فَفِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ عَلَّاقَةَ الْمِيزَانِ وَيَأْمُرُ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَ صَاحِبِهِ، وَفِي الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ يُوَكِّلُ عَدْلًا يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ لَهُمَا فَيَقْبِضُ مِنْ هَذَا فِي وَقْتِ قَبْضِ هَذَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُثَمَّنَاتِ كَعَرَضٍ بِعَرَضٍ، وَتَشَاحَّا فِي الْإِقْبَاضِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إلَّا أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِتَرَاخِي الْقَبْضِ عَنْهُ، وَلَا بِافْتِرَاقِهِمَا مِنْ مَجْلِسِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ الْمَذْكُورُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ مِنْ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمُؤَخَّرٌ، وَلَوْ قَرِيبًا، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصًّا لِمَالِكٍ، وَلَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْقَصَّارِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الزَّوَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا هُوَ نَصٌّ، أَوْ كَالنَّصِّ عَلَى تَبْدِئَةِ الْمُشْتَرِي فَفِي كِتَابِ الْعُيُوبِ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ قَبْضِهِ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ انْتَهَى. وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، فَقَالَ: كَانَ يَجْرِي لَنَا فِي الْبَحْثِ دَفْعُ دَلَالَةِ لَفْظِهَا عَلَى تَبْدِئَةِ الْمُبْتَاعِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَبْدِئَةِ الْبَائِعِ وَعَدَمِ الْمُقَابَضَةِ وَالْإِقْرَاعِ وَالتَّسْلِيمِ لِعَدْلٍ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَبْدِئَةِ الْمُبْتَاعِ، أَوْ الْقَوْلِ لَهُمَا إمَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ أَحَدُكُمَا، أَوْ كُونَا عَلَى مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ (قُلْت) لَفْظُهَا الْمُتَقَدِّمُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ إذَا ضُمَّ لِقَاعِدَةٍ مُقَرَّرَةٍ وَهِيَ: أَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُنَاجَزَةُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ، وَالتَّأْخِيرُ فِيهِمَا، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِشَرْطٍ، أَوْ عَادَةٍ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَإِذَا طَلَبَا الْمُنَاجَزَةَ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَقُلْنَا: إنَّ مُقْتَضَى عَقْدِ الْبَيْعِ الْحُكْمُ بِهَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ كَانَ لَفْظُهَا نَصًّا فِي تَبْدِئَةِ الْمُبْتَاعِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَهَذَا الرَّسْمُ غَيْرُ رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي (تَنْبِيهٌ:) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، وَالْعِوَضُ الثَّانِي شَيْئًا مِنْ الْمُثْمَنَاتِ عَرَضًا، أَوْ نَحْوَهُ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الدَّنَانِيرُ، أَوْ الدَّرَاهِمُ، وَمَا عَدَاهَا مُثَمَّنَاتٌ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَحْكَامَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الثَّمَنِ: وَإِذَا تَقَرَّرَتْ أَحْكَامُ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَثْمُونِ جَارٍ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ هَاهُنَا بَيْنَ ثَمَنٍ وَمَثْمُونٍ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنٌ لِصَاحِبِهِ وَمَثْمُونٌ لَكِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِتَسْمِيَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ أَثْمَانًا وَالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مَثْمُونَاتٍ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ أَوْ الثَّوْبَ وَيَخْتَلِفَا فِي التَّحَاكُمِ فِي الْعَيْبِ] (فَرْعٌ:) . قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ، أَوْ الثَّوْبَ فَزَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَنْقُدَ الثَّمَنَ حَتَّى يُحْكَمَ لَهُ فِي الْعَيْبِ بِمَا يُحْكَمُ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أُحَاكِمُكَ فِيهِ حَتَّى أَقْتَضِيَ الثَّمَنَ ` فَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُقْضَى فِيهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُدُهُ حَتَّى

يُحْكَمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَمَدًا يَتَطَاوَلُ فِيهِ الْأَيَّامُ فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلْبَائِعِ بِأَخْذِ ثَمَنِهِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ الْخُصُومَةَ بَعْدُ إنْ شَاءَ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَبِهِ قَالَ شُيُوخُ الْقَيْرَوَانِ، قَالَ ابْنُ مُغِيثٍ: وَبِهِ مَضَتْ الْفُتْيَا عِنْدَ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَقَدْ رَأَيْتُ مُطَرِّفًا يُفْتِي بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَحَكَاهُ عَنْ خَلَفِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِغْنَاءِ اهـ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ: وَإِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَصَرِ فِي الدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جِيَادٌ، وَبَعْضُهُمْ رَدِيئَةٌ، فَلَا يُعْطَى إلَّا مَا يُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا يُشَكُّ فِيهِ، وَتَصِيرُ مَعِيبَةً بِاخْتِلَافِهِمْ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَعِيبًا اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ السَّلَمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِلَّا فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ لَا الْجَمِيعُ عَلَى الْأَحْسَنِ اهـ. ص (وَاسْتُحِقَّ شَائِعٌ، وَإِنْ قَلَّ) ش: هَذَا إذَا كَانَ لَا يَنْقَسِمُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، وَأَمَّا مَا يَنْقَسِمُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ فَلَا، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ يُوصَى: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا يَنْقَسِمُ كَاسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَعْدُودِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ فَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ اهـ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ: وَهَذَا كَمَا. قَالَ: إنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعُشْرِ مِنْ الدَّارِ قَدْ يَضُرُّ بِبَقِيَّةِ الدَّارِ، وَقَدْ لَا يَضُرُّ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَسِمُ أَعْشَارًا فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ رَدُّ جَمِيعِهَا، وَإِنْ انْقَسَمَتْ فَمَتَى يَحْصُلُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْمَدْخَلِ، وَالدَّارُ وَالسَّاحَةُ مُشْتَرِكَانِ، فَإِنْ كَانَتْ دَارًا جَامِعَةً كَالْفَنَادِقِ الَّتِي تُكْرَى وَيَسْكُنُهَا الْجَمَاعَةُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَرَرٍ فَيَرْجِعُ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يَرُدُّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا لِلسُّكْنَى فَذَلِكَ ضَرَرٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تَنْقَسِمُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَا نُقْصَانٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَصِيرُ لِكُلِّ نَصِيبٍ حَظُّهُ مِنْ السَّاحَةِ، وَبَابٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَرَرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ، وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ فِي هَذَا بِخِلَافِ الدُّورِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدُّورَ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا لَا يَرُدُّ جَمِيعَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْقِسْمَةِ مِنْهَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كَثِيرٌ اهـ. ص (إلَّا الْمِثْلِيَّ) ش: فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ وَلَهُ

فَسْخُ الْعَقْدِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُقَوَّمِ أَنَّ مَا يَنُوبُ الْمِثْلِيَّ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُهُ: إلَّا الْمِثْلِيَّ أَيْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بَاقِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ بَاقِيهِ، وَإِنَّمَا لَهُ الْخِيَارُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ بَلْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اعْتَرَضَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْمِثْلِيِّ بِاسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ابْنُ الْقَاسِمِ يُخَيِّرُهُ بِالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ، وَفِي ابْنِ يُونُسَ يُخَيَّرُ بِالرُّبْعِ اهـ. (تَنْبِيهٌ:) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَ جُلِّ الْمِثْلِيِّ كَوُجُودِ الْعَيْبِ بِجُلِّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ جُلِّهِ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، أَوْ رَدَّهُ، وَوُجُودُ الْعَيْبِ بِجُلِّهِ يُوجِبُ لَهُ الْخِيَارَ فِي الرِّضَا بِالْجَمِيعِ، أَوْ رَدَّ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّمَسُّكُ بِالسَّالِمِ وَرَدُّ الْمَعِيبِ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْتِزَامُهُ بِحِصَّتِهِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى مِائَةَ إرْدَبٍّ قَمْحًا فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا خَمْسُونَ خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ أَخْذِ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ رَدِّهِ، وَإِنْ أَصَابَ بِخَمْسِينَ إرْدَبًّا مِنْهَا عَيْبًا، أَوْ بِثُلُثِ الطَّعَامِ، أَوْ بِرُبْعِهِ فَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ، أَوْ رَدُّهُ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ، وَأَخْذُ الْجَيِّدِ خَاصَّةً اهـ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَإِتْلَافُ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ يُوجِبُ الْغُرْمَ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ

مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا بِعَيْنِهِ فَفَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ فَتَعَدَّى الْبَائِعُ عَلَى الطَّعَامِ فَبَاعَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ فِي أَخْذِ دَنَانِيرَ، وَلَوْ هَلَكَ الطَّعَامُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ، وَلَا ذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَا نَقَلَهُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى (مَسْأَلَةٌ) . قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي ابْنِ زَرْبٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ابْتَاعَ قَمْحًا وَشَعِيرًا، أَوْ رَأَى الطَّعَامَ وَسَاوَمَهُ عَلَيْهِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ عُرْبُونًا، ثُمَّ بَقِيَ الطَّعَامُ عِنْدَ بَائِعِهِ، وَلَمْ يُجِزْهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا كَالَهُ فَلَمَّا كَانَ إلَى أَيَّامٍ ارْتَفَعَ السِّعْرُ، وَغَلَا فَجَاءَ الْمُبْتَاعُ يَطْلُبُ الطَّعَامَ فَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الطَّعَامَ قَالَ: يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فِيمَا عَقَدَ مَعَهُ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ اهـ. وَفِي الْقِبَابِ شَرْحُ مَسَائِلِ ابْنِ جَمَاعَةَ نَحْوُ كَلَامِ ابْنِ زَرْبٍ فَرَاجِعْهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَائِلِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَفِي الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ، وَفِي السَّلَمِ الثَّالِثُ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَيْضًا قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: مَسْأَلَةٌ: مَنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَأَبَى الطَّالِبُ مِنْ قَبْضِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، وَمَكَّنَهُ الْمَطْلُوبُ مِرَارًا فَأَتَى مَنْ جَنَى عَلَى الطَّعَامِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ الْمَكِيلَةُ، وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي هَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ بِمَسَائِلِ الْأَحْكَامِ اهـ. ص (وَجَازَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا مُطْلَقًا كَطَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ

إلَّا الطَّعَامَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رِبَوِيًّا، أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ الْمَأْخُوذَ بِمُعَاوَضَةٍ، وَإِنَّمَا قَرَّرْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَسْلَمَ مِمَّا أَوْرَدَهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَانْظُرْ التَّوْضِيحِ، أَوْ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِي السَّلَمِ: الثَّالِثُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا ابْتَعْتُ مِنْ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا فَلَا تُوَاعِدْ فِيهِ أَحَدًا قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا تَبِعْ طَعَامًا تَنْوِي أَنْ تَقْضِيَهُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ الَّذِي اشْتَرَيْت اهـ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالتِّسْعِينَ وَالْمِائَةِ قَالَ صَاحِب الْجَوَاهِرِ: لَا يَفُتْ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا الْبَيْعِ فَيُمْنَعُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ. (تَنْبِيهٌ:) قَبْضُ الْوَكِيلِ كَقَبْضِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ بِهِ قَالَ فِي رَسْمِ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ، وَفِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَتَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ، وَكَلَامُ السَّمَاعِ فِي آخِرِ فَصْلٍ جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةٌ، وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ. ص (وَإِقَالَةٌ مِنْ الْجَمِيعِ) ش: كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الطَّعَامِ فَقَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الطَّعَامِ مِنْ جَمِيعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ الْإِقَالَةِ مِنْ بَعْضِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَنَحْوُهُ فِي مَسَائِلِ ابْنِ جَمَاعَةَ. قَالَ الْقَبَّابُ فِي بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ: الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ عَلَى جَمِيعِ الطَّعَامِ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الشَّرْطُ بِالطَّعَامِ بَلْ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَسْلَمَ فِيهَا اهـ. وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ: الثَّالِثُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ، أَوْ عَرَضٍ، أَوْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَأَقَالَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، أَوْ قَبْلَهُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَخَذَ بَعْضًا لَمْ يَجُزْ وَدَخَلَهُ فِضَّةٌ نَقْدًا بِفِضَّةٍ وَعَرَضٍ إلَى أَجَلٍ وَبَيْعٍ وَسَلَفٍ مَعَ مَا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ. لَكِنْ إنَّمَا تَمْتَنِعُ الْإِقَالَةُ مِنْ بَعْضِ الطَّعَامِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَكَانَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالْغَيْبَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ الثَّانِي فِي تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ يُسْلِفُ فِي ثَوْبٍ إلَى أَجَلٍ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا، أَوْ طَعَامًا، أَوْ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَهُ الْبَائِعُ وَغَابَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ الْأَجَلِ وَقَبْلَهُ نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ وَنِصْفَ سَلَمِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ مَا ارْتَجَعْتَ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ سَلَفٌ، وَمَا أَمْضَيْتَ فَهُوَ بَيْعٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْتَرِقَا جَازَ أَنْ تَقْبَلَهُ مِنْ بَعْضٍ وَتَتْرُكَ بَقِيَّةَ السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ اهـ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَكَانَ الْبَيْعُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَا بَقِيَ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَأَمَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ إلَّا مَا أَسْلَمْت فِيهِ، أَوْ رَأْسَ مَالِكَ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عُرُوضًا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا أَسْلَمْتُهَا فِي خِلَافِهَا مِنْ عُرُوضٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ طَعَامٍ فَأَقَلْتُهُ مِنْ نِصْفِ مَا أَسْلَمَتْ فِيهِ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَ رَأْسِ مَالِكَ بِعَيْنِهِ بَعْدَ أَنْ تَفَرَّقْتُمَا، أَوْ قَبْلَ، جَازَ ذَلِكَ حَلَّ الْأَجَلُ، أَوْ لَا اهـ. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ: الثَّالِثُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَقَالَهُ مِنْ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغَيْبَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغَيْبَةِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بَعْدَ الْغَيْبَةِ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ اهـ. وَفِي كِتَابِ بُيُوعِ الْآجَالِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بِعْتَ مِنْهُ عَبْدَيْنِ، أَوْ ثَوْبَيْنِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ إنْ نَقَلَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ غَابَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَتَعَجَّلْ مِمَّنْ الْآخَرُ قَبْلَ أَجَلِهِ، أَوْ تُؤَخِّرُهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهِ، وَإِنْ كَانَ طَعَامًا مَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُقِيلَهُ مِنْ بَعْضِهِ إذَا غَابَ عَلَيْهِ حَلَّ الْأَجَلُ، أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ، أَوْ غَابَ بِحَضْرَةِ بَيِّنَةٍ جَازَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْقُدْكَ إلَّا ثَمَنَ بَاقِيهِ، أَوْ يُعَجِّلْهُ لَكَ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَيَصِيرُ قَدْ عَجَّلَ لَكَ دِينَارًا عَلَى أَنْ ابْتَعْتَ مِنْهُ بَيْعًا، وَيَدْخُلُهُ طَعَامٌ وَذَهَبٌ نَقْدًا بِذَهَبٍ مُؤَجَّلٍ اهـ. (فَرْعٌ:) نَقَلَ الْقَبَّابُ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْإِقَالَةَ مِنْ بَعْضِ الطَّعَامِ بَعْدَ قَبْضِهِ جَائِزَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا جَازَتْ فِي الطَّعَامِ فَغَيْرُهُ أَحْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) يُشْتَرَطُ فِي الْإِقَالَةِ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنْ لَا يُقَارِنَهَا بَيْعٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ ابْنُ يُونُسَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْعَرَايَا: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ مَعَهُ بِعَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ (تَنْبِيهٌ:) شَرْطُ الْإِقَالَةِ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالتَّوْلِيَةِ فِيهِ وَالشَّرِكَةِ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا: وَالْأَضْيَقُ صَرْفٌ إلَخْ. (فَرْعٌ:) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْعَارِيَّةِ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي حَمْلِ الْعَارِيَّةِ مَا نَصُّهُ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْعَطَّارِ: إذَا بَاعَ سِلْعَةً لَهَا أَجَلٌ فَحَمَلَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا، فَإِنْ سَأَلَ الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ السَّائِلَ فِي الْإِقَالَةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي حَمْلُهَا حَتَّى يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي حَمَلَهَا مِنْهُ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَعَلَيْهِ تَجْرِي مَسْأَلَةٌ تَقَعُ الْيَوْمَ، وَهُوَ

مَا إذَا أَقَالَهُ فِي أَصْلٍ بَاعَهُ إيَّاهُ، وَقَدْ كَانَ دَفَعَ أُجْرَةَ السِّمْسَارِ فَمَنْ طَلَبَ الْإِقَالَةَ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَحَمْلُهَا أَوَّلًا وَآخِرًا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ دَلَّسَ الْبَائِعُ أَمْ لَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا فِيهِ تَصْحِيفٌ يَدُلُّ عَلَى الْحَمْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمِثْلُ مِثْلَيْكَ إلَّا الْعَيْنَ) ش: هَذَا فِي السَّلَمِ، وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ عَلَى مِثْلِ الْمِثْلَيْ قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ: وَكُلُّ مَا ابْتَعْتَهُ مِمَّا يُوزَنُ، أَوْ يُكَالُ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ عَرَضٍ فَقَبَضْتَهُ فَأَتْلَفْتَهُ فَجَائِزٌ أَنْ تُقِيلَهُ مِنْهُ، وَتَرُدَّ مِثْلَهُ بَعْدَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِهَلَاكِهِ، وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ حَاضِرًا عِنْدَك وَتَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِمَوْضِعِ قَبْضِهِ مِنْهُ، وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ اهـ. ص (وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ إلَّا فِي الطَّعَامِ وَالشُّفْعَةِ وَالْمُرَابَحَةِ) ش: اُخْتُلِفَ فِي الْإِقَالَةِ هَلْ هِيَ حَلُّ بَيْعٍ، أَوْ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إلَّا فِي الطَّعَامِ فَلَيْسَتْ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا هِيَ حِلٌّ لِلْبَيْعِ السَّابِقِ وَلِذَلِكَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِلَّا فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ بَاعَ حِصَّةً مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ فَلِلشَّرِيكِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْبَيْعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَخْذِ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ، وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ فَلَوْ أَقَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَعْنِي مَالِكَ الْحِصَّةِ أَوَّلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُهْدَةِ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ، وَإِنَّمَا عُهْدَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ مَرَّةً: يُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ أَشْهَبَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَقْبِلُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ، أَوْ الْبَائِعَ وَاسْتَشْكَلَ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ إمَّا حَلُّ بَيْعٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ، أَوْ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ فَيُخَيَّرُ الشَّفِيعُ كَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَلَا وَجْهَ لِلْحَصْرِ فِي الْمُشْتَرِي، وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ، وَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي

مسألة باع أرضا ثم استقاله فأقاله على أنه متى باعها كان أحق بها من الثمن

لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ فِي قَطْعِ شُفْعَةِ الشَّفِيعِ قَالَهُ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ التَّوْضِيحِ. (قُلْت:) فَيَكُونُ مَعْنَى مَا اُخْتِيرَ أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّهَا مُلْغَاةٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا، وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا حَلُّ بَيْعٍ، وَلَا ابْتِدَاءُ بَيْعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فِي الْمُرَابَحَةِ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ مُرَابَحَةً، وَكَانَ قَدْ بَاعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَقَالَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ بِخِلَافِ لَوْ بَاعَهَا، ثُمَّ مَلَكَهَا بِاشْتِرَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيَانُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بِزِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ، أَوْ نَقْصٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَمُرَادُهُمْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَهِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِجَانِبِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ الشُّيُوخِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي السَّلَمِ: الثَّالِثُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَرْجَمَةِ الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ: وَإِنْ أَسْلَمْتَ إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ، ثُمَّ سَأَلَكَ أَنْ تُوَلِّيَهُ ذَلِكَ فَفَعَلَتْ جَازَ ذَلِكَ إذَا نَقَدَكَ، وَتَكُونُ إقَالَةً، وَإِنَّمَا التَّوْلِيَةُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: فَأَجَازَ الْإِقَالَةَ بِغَيْرِ لَفْظِهَا، وَهُمْ لَا يُجِيزُونَهَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ ابْنُ مُحْرِزٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّوْلِيَةِ لَفْظُ رُخْصَةٍ، وَلَفْظُ الْإِقَالَةِ مِثْلُهُ فَعَبَّرَ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ أَعْطَاكَ بَعْدَ الْأَجَلِ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا فَقَالَ لَكَ: اشْتَرِ بِهِ طَعَامًا وَكِلْهُ، ثُمَّ اقْبِضْ حَقَّكَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا فَيُعْطِيكَ مِثْلَهُ صِفَةً وَوَزْنًا فَيَجُوزُ بِمَعْنَى الْإِقَالَةِ. قَالَ الشَّيْخُ. قَالَ عَبْد الْحَقّ اُنْظُرْ فِي هَذَا السُّؤَالِ أَجَازَ دَفْعَ مِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الطَّعَامِ، وَجَعَلَهُ كَالْإِقَالَةِ، وَهُنَا لَمْ يَلْفِظْ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ، فَهَلْ هَذَا يُضْعِفُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ: بِعْنِي هَذَا الطَّعَامَ الَّذِي قَبْلِي بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَلْفِظَ بِلَفْظِ الْإِقَالَةَ أَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ لِيَشْتَرِيَ بِهِ طَعَامًا فَيَقْبِضَهُ فَأَيْنَ لَفْظُ الْإِقَالَةِ مِنْ هَذَا، وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ لَمَّا كَانَ مَحْصُولُ ذَلِكَ كَالْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ رَأْسَ الْمَالِ سَوَاءً إلَّا أَنْ يُسَامِحَ هَذَا؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ يُمْسِكُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَا يُمْسِكُهُ فَإِنَّمَا هُوَ بَابُ تُهْمَةٍ، وَلَسْنَا عَلَى حَقِيقَةٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا صَحَّ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَضَى ذَلِكَ وَنَفَذَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ كَتَرْكِهِمَا لَفْظَ الْإِقَالَةِ وَانْفِصَالِهِمَا عَلَى الْبَيْعِ؟ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْكَلَامِ بَيْنَ أَلْفَاظِ حُكْمِ الْعُقُودِ الَّتِي تَفْتَقِرُ لِلصِّيغَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِقَالَةَ، وَذَكَرَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ كَلَامَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ اسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الثَّمَنِ] (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ بَاعَ أَرْضًا، ثُمَّ اسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَاعَهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَبَاعَهَا فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَالْأَخْذَ بِشَرْطِهِ فَأَجَابَ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ شَرْطُهُ، وَالْمَشْهُورُ فَسَادُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّحْجِيرِ، وَهِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، فَإِنْ تَرَكَ فُسِخَتْ الْإِقَالَةُ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَفَاتَتْ الْأَرْضُ بِالْبَيْعِ مَضَى الْبَيْعُ وَفَاتَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَفِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَبَهْرَامٍ الْكَبِيرُ فِي بَابِ الصَّدَاقِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَسْقَطَتْ مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا مِنْ الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. ص (إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ عَنْكَ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَشْرَكْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَ عَنِّي لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، فَإِنْ نَزَلَ فُسِخَ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ السَّلَفَ، فَإِنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ: اشْتَرِ وَأَشْرَكَنِي، ثُمَّ بَعْدَ انْعِقَادِ الشِّرَاءِ نَعْقِدُ عَلَيْهِمَا انْتَهَى. ص (وَاسْتَوَى عَقَدَاهُمَا) ش: أَيْ فِي قَدْرِ ثَمَنٍ وَبَقِيَّةِ أَجَلٍ

وَغَيْرِهِمَا مِنْ رَهْنٍ، أَوْ حَمِيلٍ، وَإِلَّا فَبَيْعٌ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ ص (كَغَيْرِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَلِّيَ، أَوْ تُشْرِكَ أَحَدًا عَلَى أَنْ يَنْقُدَ عَنْكَ، وَفِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَوْلِيَةً وَشَرِكَةً إلَّا إذَا اسْتَوَى الْعَقْدَانِ، وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ ص (وَإِنْ أَشْرَكَهُ حَمَلَ، وَإِنْ أَطْلَقَ عَلَى النِّصْفِ) ش: اُنْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهَا مَبْسُوطَةٌ هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ سَأَلَ سَادِسٌ شَرِكَتَهُمَا. ص (وَالْأَضْيَقُ صَرْفٌ، ثُمَّ إقَالَةُ طَعَامٍ، ثُمَّ تَوْلِيَةٌ وَشَرِكَةٌ فِيهِ، ثُمَّ إقَالَةُ عُرُوضٍ وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ بَيْعُ الدَّيْنِ، ثُمَّ ابْتِدَاؤُهُ) ش: أَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِابْنِ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَعَنْهُ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ قَبْلَ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِقَالَةِ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِقَالَةِ. (قُلْت:) وَأَضْيَقُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا فِي الْقَبْضِ أَمْرُ الصَّرْفِ، ثُمَّ الْإِقَالَةُ مِنْ الطَّعَامِ وَالتَّوْلِيَةُ فِيهِ، ثُمَّ الْإِقَالَةُ مِنْ الْعُرُوضِ وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُتَقَرِّرِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَأَخَّرَ ثَمَنُهُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ حَسْبَمَا يَتَأَخَّرُ رَأْسُ الْمَالِ فِي السَّلَمِ انْتَهَى. ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ جَعَلَ التَّوْلِيَةَ فِي الطَّعَامِ مَعَ الْإِقَالَةِ مِنْهُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمُصَنِّفُ عَطَفَهَا بِثُمَّ وَأَيْضًا، فَلَمْ يَذْكُرْ الشَّرِكَةَ فِي الطَّعَامِ، وَلَكِنَّ أَمْرَ الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَاحِدٌ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ تَبْصِرَتِهِ إلَّا أَنَّهُ عَطَفَ التَّوْلِيَةَ فِي الطَّعَامِ عَلَى الْإِقَالَةِ مِنْهُ بِالْوَاوِ، وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَهُوَ فِي التَّبْصِرَةِ بَاقٍ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي

فصل البيع حال كونه مرابحة

التَّوْضِيحِ بِثُمَّ كَمَا فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَنْهُ الشَّرِكَةَ فِي الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ التَّوْلِيَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الصَّرْفَ أَضْيَقُ الْأَبْوَابِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِقَالَةَ أَوْسَعُ مِنْ الصَّرْفِ، وَأَنَّهُ تَجُوزُ الْمُفَارَقَةُ فِي الْإِقَالَةِ لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ مَا قَارَبَ ذَلِكَ وَالتَّوْلِيَةُ وَبَيْعُ الدَّيْنِ أَوْسَعُ مِنْ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْإِقَالَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ بِشَرْطٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّوْلِيَةِ، وَبَيْعِ الدَّيْنِ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقَالَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالتَّوْلِيَةِ فِيهِ، وَالشَّرِكَةِ فِيهِ، وَإِقَالَةِ الْعُرُوضِ، وَفَسْخِ الدَّيْنِ وَبَيْعِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ فِي كَوْنِ بَعْضِهَا فِيهِ الْخِلَافُ، وَبَعْضِهَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعَمْ هَذِهِ أَخَفُّ مِنْ الصَّرْفِ، وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ فَهُوَ أَوْسَعُ مِنْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ مِنْ الطَّعَامِ أَخَفُّ مِنْ الصَّرْفِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَقَلْتَهُ ثُمَّ أَحَالَكَ بِالثَّمَنِ عَلَى شَخْصٍ فَقَبَضْتَهُ قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَ الَّذِي أَحَالَكَ جَازَ، وَإِنْ فَارَقَتْهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ مَنْ يَدْفَعُ لَكَ الثَّمَنَ أَوْ وَكَّلْتَ مَنْ يَقْبِضُ لَكَ وَذَهَبْتَ وَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ مَكَانَهُ جَازَ انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَسْلَمَتْ إلَى رَجُلٍ فِي حِنْطَةٍ أَوْ عَرَضٍ، ثُمَّ أَقَلْتَهُ أَوْ وَلَّيْتَ ذَلِكَ رَجُلًا أَوْ بِعْتَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لَكَ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ لَكَ أَنْ تُؤَخِّرَ بِالثَّمَنِ مَنْ وَلَّيْتَهُ أَوْ أَقَلْتَهُ أَوْ بِعْتَهُ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً بِشَرْطٍ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي دَيْنٍ وَلَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَقْبِضَ الثَّمَنَ كَالصَّرْفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقِيلَهُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ تُفَارِقَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِض رَأْسَ الْمَالِ وَلَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَكَ بِهِ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا أَوْ يُحِيلُكَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يُؤَخِّرَ بِهِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا فِي دَيْنٍ، وَبَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنْ أَخَّرَكَ بِهِ حَتَّى طَالَ ذَلِكَ انْفَسَخَتْ الْإِقَالَةُ وَبَقِيَ الْبَيْعُ بَيْنَكُمَا عَلَى حَالِهِ وَإِنْ نَقَدَكَ قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِقَالَةَ مِنْ الطَّعَامِ وَمِنْ الْعُرُوضِ، وَالتَّوْلِيَةُ وَبَيْعُ الدَّيْنِ حُكْمُهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ وَالشَّرِكَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ التَّوْلِيَةِ بِلَا إشْكَالٍ، وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ هُوَ أَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْجَمِيعِ وَاحِدًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي الْإِقَالَةِ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْعَرْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ فِيهِ التَّأْخِيرُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَإِنْ ابْتَعْتَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا وَنَقَدْتُهُ ثَمَنَهَا، ثُمَّ أَقَلْتَهُ وَافْتَرَقْتُمَا قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ رَأْسَ مَالِك وَأَخَّرْتَهُ بِهِ إلَى سَنَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَادِثٌ، وَالْإِقَالَةُ تَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ انْتَهَى. [فَصْلُ الْبَيْعُ حَالَ كَوْنِهِ مُرَابَحَةً] ص (فَصْلُ وَجَازَ مُرَابَحَةً وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ حَالَ كَوْنِهِ مُرَابَحَةً وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مُرَتَّبٍ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ إمَّا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ أَوْ بِنَقْصٍ عَنْهُ وَقَدْ

يُسَاوِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعٌ مُرَتَّبٌ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ يَعْقُبُهُ غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ، قَالَ: فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ يَعْنِي قَوْلَهُ: مُرَتَّبٌ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ يَعْقُبُهُ بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُزَايَدَةِ وَالِاسْتِئْمَانِ، وَبِالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ: غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ الْإِقَالَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ، وَالشُّفْعَةُ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ. (قُلْت) وَقَوْلُ الشَّارِحِ: هُوَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ وَزِيَادَةِ رِبْحٍ مَعْلُومٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ مَا بِيعَ بِوَضِيعَةٍ وَنَحْوِهِ، قَوْلُ التَّوْضِيحِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُخْبِرُ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِهِ، ثُمَّ يُفِيدُهُ شَيْئًا انْتَهَى. وَنَحْوُهَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَلَى مَا هُوَ الْأَغْلَبُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَسْمِيَةِ هَذَا الْبَيْعِ مُرَابَحَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ: إذْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعُمُومُ لِكُلِّ النَّاسِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَرَّةً وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّمَا حَكَى عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْعَامَّةِ الْإِكْثَارُ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ الْبَيْعُ عَلَى الْمُكَايَسَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَحْسَنُ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحُسِبَ رِبْحُ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَصَبْغٍ إلَى آخِرِهِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ حَلِّهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي النُّكَتِ

فَإِنْ كَانَ هُوَ يَتَوَلَّى الطَّرْزَ، وَالصَّبْغَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُحْسَبْ، وَيُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ وَظَّفَ ثَمَنًا عَلَى سِلْعَةٍ بِاجْتِهَادِهِ اهـ. وَلَفْظُ النُّكَتِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ يَتَوَلَّى الطَّرْزَ، وَالصَّبْغَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْسِبَهُ، وَيُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ وَظَّفَ عَلَى سِلْعَةٍ بِاجْتِهَادِهِ هـ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَأْجَرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَبْيَنُ فَاعْلَمْهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ فِي أَنَّ الصَّبْغَ وَالْخِيَاطَةَ وَالْقِصَارَةَ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ، وَيُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي عَمِلَ لَكَ أَوْ عَمِلَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُؤَدِّ فِيهِ أُجْرَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْسِبَهُ، وَيُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ وَظَّفَ عَلَى سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا وَثَمَّنَهَا أَوْ رَقَّمَ عَلَى سِلْعَةٍ وَرِثَهَا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ ثَمَنًا اهـ. ص (وَزِيدَ نِصْفُ عُشْرِ الْأَصْلِ، وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ) ش: اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ: " نِصْفُ " وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ: وَزِيدَ عُشْرُ الْأَصْلِ وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا شَرَحَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فَقَالَ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذُكِرَ: هُوَ كَرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ بِزِيَادَةِ عُشْرِ الْأَصْلِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَدْلُولُهَا عُرْفًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا عُرْفًا فَإِنَّ الرِّبْحَ كُلُّ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرَ اهـ. ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ: فَعَلَى هَذَا الْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ أَيْ فَيَأْخُذُ عَنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ

عَشَرَةً اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِوَضِيعَةٍ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ عُشْرَ الْأَصْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَبِوَضِيعَةِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ بِنَقْصِ جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الْأَصْلِ عَلَى الْأَصَحِّ. ص (وَهَلْ هُوَ كَذِبٌ أَوْ غِشٌّ؟ تَأْوِيلَانِ) ش: أَيْ: وَهَلْ هُوَ كَذِبٌ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إنْ حَطَّ الْبَائِعُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ أَوْ غِشٍّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَإِنْ حَطَّ عَنْهُ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ تَأْوِيلَانِ لِلشُّيُوخِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَوَجَبَ تَبْيِينُ مَا يُكْرَهُ كَمَا نَقَدَهُ وَعَقَدَهُ مُطْلَقًا) ش: أَيْ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ مُرَابَحَةُ تَبْيِينِ مَا يُكْرَهُ فِي السِّلْعَةِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمُرَابَحَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: يَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كُلِّ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِهِ لَقَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِي الشِّرَاءِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجِبُ ذَلِكَ مَا لَوْ عَلِمَ قِلَّةَ غِبْطَةِ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَوْ رَضِيَ عَيْبًا اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَكْفِ بَيَانُهُ حَتَّى يَذْكُرَ شِرَاءَهُ عَلَى السَّلَامَةِ وَكَمَا يَجِبُ بَيَانُ ذَلِكَ فَيَجِبُ بَيَانُ مَا نَقَدَهُ أَيْ سَلَّمَهُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ، وَمَا عَقَدَهُ فِيهَا فِي أَصْلِ الْمَبِيعِ، أَيْ اشْتَرَاهَا بِهِ، مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ بَاعَ عَلَى مَا عَقَدَهُ أَوْ عَلَى مَا نَقَدَ كَأَنْ اشْتَرَاهَا بِذَهَبٍ، وَنَقَدَ فِضَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ وَبَاعَ عَلَى عَقْدٍ وَجَبَ بَيَانُ مَا نَقَدَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى صَرْفِ النَّاسِ وَابْتَاعَ عَلَى مَا نَقَدَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؟ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ، وَعَطَفَ الثَّانِيَ بِقِيلِ وَإِنْ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِعَيْنٍ وَنَقَدَ عَرْضًا مُقَوَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ مُطْلَقًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَيْ سَوَاءٌ بَاعَ عَلَى مَا نَقَدَ أَوْ عَلَى مَا عَقَدَ وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَدَ عَنْ الْعَيْنِ عَرَضًا مِثْلَهُ، قَالَ فِيهَا: وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَى فِيهَا مِائَةَ دِينَارٍ أَوْ مَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ ابْتَاعَ بِذَلِكَ ثُمَّ نَقَدَ عَيْنًا أَوْ جِنْسًا سَوَاءٌ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ فَلْيُبَيِّنْ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَيَضْرِبَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا أَنْفَقَا مِمَّا عَقَدَا عَلَيْهِ أَوْ نَقَدَا. وَوَصَفَ ذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ إذَا كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعَ جُزَافًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَكِيلًا فَنَقَدَ غَيْرَهُ دَخَلَهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَكَذَلِكَ إنْ نَقَدَ فِي الْعَيْنِ ثَانِيًا جَازَ أَنْ يَرْبَحَ عَلَى الثِّيَابِ إذَا وَصَفَهَا لَا عَلَى قِيمَتِهَا كَمَا أَجَزْنَا لِمَنْ ابْتَاعَ بِطَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ إنْ بِيعَ مُرَابَحَةً إذَا وُصِفَتْ، وَلَمْ يُجِزْ أَشْهَبُ الْمُرَابَحَةَ عَلَى عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك إلَى غَيْرِ أَجَلِ السَّلَمِ (تَفْرِيعٌ) قَالَ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ مَنْ ابْتَاعَ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَنَقَدَ خِلَافَهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ، وَبَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ رُدَّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَمَاسَكَ الْمُبْتَاعُ

بِبَيْعِهِ. وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ضَرَبَ الْمُشْتَرِي الرِّبْحَ عَلَى مَا نَقَدَ الْبَائِعَ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي أَرْبَحَهُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُبْتَاعِ وَإِلَّا فَلَهُ التَّمَاسُكُ بِمَا عَقَدَ الْبَيْعَ عَلَيْهِ اهـ. ص (وَالْأَجَلِ وَإِنْ بَاعَ عَلَى النَّقْدِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:. وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ فَلْيُبَيِّنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَإِنْ قَبِلَهَا الْمُبْتَاعُ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَيَأْخُذَ الْبَائِعُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ، وَلَا يَضْرِبُ لَهُ الرِّبْحَ عَلَى الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ أَيْ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا اهـ. وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي قَوْلِهِ: فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَقِيلَ أَرَادَ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ، وَقِيلَ: أَرَادَ يَفْسَخُ وَإِنْ رَضِيَ بِالنَّقْدِ وَاسْتُبْعِدَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ اهـ. وَأَمَّا إذَا قَبِلَهَا الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إلَى الْأَجَلِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خَيْرَ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ رَدُّ السِّلْعَةِ إذْ هِيَ قَائِمَةٌ صَارَ التَّأْخِيرُ بِالثَّمَنِ إنَّمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ تَرْكِ الْقِيَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا كَمَنْ وَجَدَ عَيْبًا فِي سِلْعَةٍ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا تَرُدَّهَا، وَأَنَا أُؤَخِّرُهَا بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ أَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا اهـ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً أَوْ فَائِتَةً، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالتَّأْجِيلِ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ حَالَّةً فَإِذَا أَخَّرَهُ صَارَ فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. ص (وَطُولِ زَمَانِهِ) ش: فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلَهُ حُكْمُ الْغِشِّ ص (وَتَجَاوُزِ الزَّائِفَ وَهِبَةٍ اُعْتِيدَتْ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ نَقْدًا، ثُمَّ أَخَّرَ بِالثَّمَنِ أَوْ نَقَدَ وَحَطَّ عَنْهُ مَا يُشْبِهُ حَطِيطَةَ الْبَيْعِ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ دِرْهَمًا زَائِفًا فَلَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أَخَّرَ بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ كَانَ كَمَنْ نَقَدَ غَيْرَ مَا عَقَدَ. ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ فَإِنْ فَاتَتْ فَفِيهَا الْقِيمَةُ كَاَلَّذِي لَمْ يُبَيِّنْ تَأْخِيرَ الْأَجَلِ، ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ حَطَّ عَنْهُ فَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَإِلَّا كَانَ مُخَيَّرًا فَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ مَا لَمْ تُجَاوِزْ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْكَذِبِ فِي الثَّمَنِ، وَقَالَ إنَّ قَوْلَهُ: أَوْ تَجَاوَزَ دِرْهَمًا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ كَمَنْ نَقَدَ غَيْرَ مَا عَقَدَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةٍ فَنَقَدَهَا وَافْتَرَقَا، ثُمَّ وُهِبَتْ لَهُ الْمِائَةُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً وَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً وَوَهَبَهَا لِرَجُلٍ، ثُمَّ وَرِثَهَا مِنْهُ فَلَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً. أَبُو الْحَسَنِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ وَرِثَهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْأُولَى افْتَرَقَا لَيْسَ بِشَرْطٍ. ص (أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: لَيْسَتْ بَلَدِيَّةً وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهَا مِنْ التَّرِكَةِ

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بَلَدِيَّةً أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَمَنْ بَاعَ ثَوْبَهُ فِي تَرِكَةٍ تُبَاعُ فَبَاعَهُ فِيهَا فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ رَدَّهُ إذَا عَلِمَ، وَكَذَلِكَ فِيمَا جَلَبَ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَخَلَطَ إلَيْهَا رَأْسًا أَوْ دَابَّةٍ وَيَصِيحُ عَلَيْهِ الصَّائِحُ فَإِنَّ لِمُبْتَاعِهِ الرَّدَّ إذَا عَلِمَ اهـ. أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَيِّنٌ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْمُرَابَحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِقَالَةُ مُشْتَرِيهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِعِشْرِينَ دِينَارًا، ثُمَّ بَاعَهَا بِثَلَاثِينَ، ثُمَّ أَقَالَ مِنْهَا لَمْ يَبِعْ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا حِينَ اسْتَقَالَهُ اهـ. وَانْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحَ. ص (إلَّا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً مُرَابَحَةً، ثُمَّ ابْتَاعَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْبَيْعُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ حَادِثٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَحَمَلَهُ فُضِّلَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ، كَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ لَمْ يَبِعْ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ، وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ مُرَابَحَةً، ثُمَّ اسْتَقَالَهُ مِنْهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ لَمْ يَبِعْ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اسْتَقَالَ بِأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ جَازَ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَيْعَ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ اسْتَقَالَ مِنْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الثَّانِي اهـ. ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ جَامِعِ مَسَائِلِ الْمُرَابَحَةِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ: رَوَى عِيسَى وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِرِبْحِ دِرْهَمَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً، وَلَا يُبَيِّنُ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَقَالَكَ مِنْ سِلْعَةٍ فَلَا تَبِعْ مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِ الْإِقَالَةِ حَتَّى تُبَيِّنَ، قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: إذَا أَقَالَكَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ اشْتَرَيْتهَا بِرِبْحٍ فَلَا تَبِعْهَا مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْآخَرِ حَتَّى تُبَيِّنَ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ. ص (كَتَكْمِيلِ شِرَائِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ

كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ سُنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً جُمْلَةً أَنْ يَبِيعَ نِصْفَهَا مُرَابَحَةً بِنِصْفِ الثَّمَنِ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَلِمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ سِلْعَةٍ فِي صَفْقَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهَا الثَّانِيَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَهَا جُمْلَةً وَلَا يُبَيِّنُ، وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشْرَةٍ وَظَّفَهَا بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا بِعِشْرِينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا فِي الْقِيَامِ فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ بِالثَّمَنِ وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ رَدُّهَا فِي الْقِيَامِ وَإِذَا رَأَى لَهُ رَدَّهَا فِي الْقِيَامِ وَجَبَ عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ أَنْ يَرُدَّ الْمُبْتَاعَ فِيهَا إلَى قِيمَتِهَا فِي الْفَوَاتِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى حُكْمِ مَسَائِلِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ اهـ ص (وَإِنْ غَلِطَ بِنَقْصٍ وَصُدِّقَ أَوْ أَثْبَتَ رَدَّ) ش: قَوْلُهُ: وَصُدِّقَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ ظَهَرَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِدْقِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي كِتَابِ الْقَسَمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَوْ يَأْتِي فِي رَقْمِ الثَّوْبِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْغَلَطِ فَيُحَلَّفُ الْبَائِعُ وَيُصَدَّقُ، وَزَادَ الْبَاجِيُّ: أَوْ يُرَى مِنْ حَالِ الثَّوْبِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ اهـ. قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ غَلِطَ بِنَقْصٍ وَأَتَى مِنْ رَقْمِ الثَّوْبِ أَوْ مِنْ حَالِهِ مَا يُصَدِّقُهُ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ أَثْبَتَهُ أَوْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ مَا تَبَيَّنَ وَرَبِحَهُ أَوْ يُرَدُّ. ص (وَإِنْ فَاتَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَغَيُّرَ السُّوقِ مُفِيتًا كَمَا فِي الزِّيَادَةِ. ص (بَيَّنَ الصَّحِيحَ وَرِبْحَهُ وَقِيمَتَهُ يَوْمَ بَيْعِهِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِبَائِعِهِ قِيمَتَهُ مَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ

الْغَلَطِ وَرِبْحِهِ وَمَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ اهـ. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خُيِّرَ مُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقِيمَةَ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَخْتَارُهَا. ص (وَفِي الْكَذِبِ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ أَوْ قِيمَتِهَا مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ) ش: قَالَ خُيِّرَ أَيْ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ الصَّحِيحَ وَرِبْحَهُ أَوْ قِيمَتَهَا مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَا لَمْ يُنْتَقَضْ عَلَى الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ اهـ. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إذَا خُيِّرَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ أَنَّهُ لَا يَخْتَارُهَا، وَالْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْقَبْضِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (فَصْلٌ تَنَاوَلَ الْبِنَاءَ، وَالشَّجَرَ، وَالْأَرْضَ وَتَنَاوَلَتْهُمَا) ش: قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الْعَقَارِ وَالْأَرْضِ: وَيَعْقِدُ فِي ذَلِكَ: اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ الْمَوَاضِعِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُنَا وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ لِيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لَكَانَتْ الْأَشْجَارُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ كُلَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ كَرْمًا أَوْ جَنَّةً غَلَبَ عَلَيْهَا السَّوَادُ فَالْأَرْضُ تَبَعٌ لِلشَّجَرِ فَإِنْ كَانَ فِي الشَّجَرِ ثَمَرَةٌ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ أُبِّرَتْ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ اهـ. ص (وَمَدْفُونَةً كَلَوْ جَهِلَ) ش: هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُبْتَاعِ فِيمَا وُجِدَ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ جُبٍّ أَوْ رُخَامٍ أَوْ حِجَارَةٍ قَالَ فِي الْبَيَانِ، وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهُ وَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَمِيرَاثٍ وَإِلَّا كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ اللُّقَطَةِ، وَيُخْبَرُ الْمُبْتَاعُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبِّ وَالْبِئْرِ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ اُنْظُرْ رَسْمَ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاع عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، وَآخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَأَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الضَّوَالِّ وَاللُّقَطَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَلِكَ الْعُلُوُّ يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالسُّفْلُ لِآخَرَ وَبَابُ ذَلِكَ إلَى نَاحِيَةٍ، وَبَابُ ذَاكَ

إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَلَيْسَ بِالْعُلُوِّ يَسْتَحِقُّ السُّفْلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا الشَّجَرَ الْمُؤَبَّرَ) ش: أَيْ: وَلَا يَتَنَاوَلُ الشَّجَرُ الثَّمَرَ الْمُؤَبَّرَ، كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا الثَّمَرَ الْمُؤَبَّرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَالْمُنْعَقِدِ وَمَالِ الْعَبْدِ وَخِلْفَةِ الْقَصِيلِ) ش: أَيْ فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِشَرْطٍ أَمَّا الثَّمَرُ وَمَالُ الْعَبْدِ، فَمُصَرَّحٌ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَأَمَّا خِلْفَةُ الْقَصِيلِ فَصَرَّحَ بِهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِ الْأَرْضِ مَأْمُونَةً، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي

الْكَلَامِ عَلَى مَا لَهُ بُطُونٌ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. ص (وَالدَّارِ الثَّابِتِ) ش قَالَ فِي الْإِرْشَادِ يَتْبَعُ الْعَقَارَ كُلُّ مَا هُوَ ثَابِتٌ مِنْ مَرَافِقِهِ كَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ وَالسَّلَالِيمِ الْمُؤَدِّيَةِ، وَالْإِخْصَاصِ، وَالْمَيَازِيبِ لَا مَنْقُولٌ إلَّا الْمَفَاتِيحُ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَعْطِنِي عَقْدَ شِرَائِكَ فَذَلِكَ لَهُ وَفَائِدَتُهُ إذَا طَرَأَ الِاسْتِحْقَاقُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمَا لِئَلَّا يَدَّعِيَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَطُّ وَلَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعُ عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ، وَكَذَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى أَخْذِ النُّسْخَةِ، وَهُوَ الْحَزْمُ اهـ. وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ عَنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ابْتَاعَ مِلْكًا فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعُ وَثَائِقِهِ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا أَوْ نَسَخَهَا بِخُطُوطِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي فِيهَا وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى وَظَهَرَتْ الْوَثَائِقُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى دَفْعِهَا أَوْ نَسْخِهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فَلِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ لِمَنْ أَحَبَّ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِلَّا رَجَعَ فِي ثَمَنِهِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: نَصَّ عَلَى الْأَصْلِ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الشَّهَادَاتِ لِأَجْلِ تَرْتِيبِ الْعُهْدَةِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا يَنْتَظِمُ بِهَا حَانُوتٌ لَهُ بَابٌ إلَى الدَّارِ، وَبَابٌ آخَرُ يَتَّجِرُ عَلَيْهِ، وَعَقَدَ الْبَيْعَ وَفِيهِ بِمَنَافِعِهَا أَوْ لَمْ يَعْقِدْ، وَآخَرُ بَاعَ دَارًا تَتَّصِلُ بِهَا جَنَّةٌ مُحْدَقٌ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا طَرِيقٌ إلَّا عَلَى الدَّارِ، وَادَّعَى الْمُبْتَاعُ دُخُولَهَا فِي صَفْقَةٍ وَخَالَفَهُ الْبَائِعُ، فَأَجَابَ ابْنُ عَتَّابٍ: أَمَّا الدَّارُ فَإِنْ حَدَّ الْمَبِيعُ فِي عَقْدِ التَّبَايُعِ دَخَلَ الْمَبِيعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، فَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا نَفَذَ الْبَيْعُ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَا خَرَجَ عَنْهُمَا، وَهَذَا لَمَّا ذَكَرْتُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهَا إلَّا عَلَى الدَّارِ، وَالْحَانُوتُ مُخَالِفٌ لِهَذَا عِنْدِي إذْ لَهُ بَابٌ، وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُتَبَايِعَانِ، وَجَوَابُ ابْنِ الْقَطَّانِ: أَمَّا الْحَانُوتُ فَلَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ لَهَا إلَيْهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ إلَّا أَنْ يُحَدَّ وَتَشْتَمِلُ عَلَيْهِ

الْحُدُودُ وَإِلَّا فَالْحَانُوتُ غَيْرُ الدَّارِ، وَكَذَلِكَ الْجَنَّةُ إذَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إنْ كَانَا حَدَّا الدَّارَ فَحَسْبُ الْبَائِعِ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحُدَّاهَا وَيُعَرِّفَاهَا، فَالْحَانُوتُ لَا يُقَالُ لَهَا دَارٌ وَكَذَلِكَ الْجَنَّةُ فَلَا يَدْخُلُهَا، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ إنَّمَا وَقَعَ جَوَابُ الشُّيُوخِ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يُبَيِّنَا وَوَقَعَ التَّبَايُعُ بَيْنَهُمَا مُبْهَمًا وَإِنْ ادَّعَيَا الْبَيَانَ وَاخْتَلَفَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَتِمُّ جَوَابُهَا اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَنْتَهِيَ الْحَيْطُ الْقِبْلِيُّ مِنْهَا إلَى كَذَا وَكَذَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجِهَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ دَاخِلٌ فِي الْمَحْدُودِ وَطَرْفٍ مِنْهُ وَيَزِيدُ فِي ذَلِكَ أَنَّ طُرُقَ الدَّارِ تَنْتَهِي إلَى كَذَا، قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْعَطَّارِ: وَهِيَ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، قَالَ غَيْرُهَا وَرَأَيْتُ كَثِيرًا يَكْتُبُونَ وَحَدُّ هَذِهِ الدَّارِ مِنْ الْقِبْلَةِ دَارُ فُلَانٍ فِي الْبَيْعِ لَكِنَّهُ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: وَسُئِلَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي إذَا كَانَ حَدُّهَا مِنْ الشَّرْقِيِّ الشَّجَرَةَ، هَلْ تَدْخُلُ الشَّجَرَةُ فِي الْمَبِيعِ؟ فَوَقَفَ عَنْ الْجَوَابِ، ثُمَّ قَالَ قَدْ: قَرَأْتُ بَابَ كَذَا مِنْ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ فَدَلَّنِي عَلَى أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ اهـ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: سُئِلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَمَّنْ بَاعَ جَمِيعَ أَمْلَاكِهِ وَفِي قَرْيَةِ كَذَا، وَقَالَ فِي عَقْدِ الِابْتِيَاعِ فِي الدُّورِ: وَالدُّورُ وَالْأَفْنِيَةُ وَالزَّيْتُونُ وَالْكَرْمُ، وَلَمْ يَزِدْ فِي الْوَثِيقَةِ عَلَى هَذَا وَلِلْبَائِعِ فِي الْقَرْيَةِ أَرْحَى لِمُتَذَكِّرٍ فِي الْوَثِيقَةِ، فَقَالَ الْمُبْتَاعُ: هِيَ لِي، وَقَالَ الْبَائِعُ: إنَّمَا بِعْتُ مِلْكِي فِيمَا قَصَصْتُ، وَمَا لَمْ أَذْكُرْهُ وَهِيَ الْأَرْحَى لَمْ تَدْخُلْ فِي الْمَبِيعِ فَكَتَبَ بِخَطِّ يَدِهِ الْأَرْحَى لِلْمُبْتَاعِ، وَجَمِيعُ مَنْ فِي الْقَرْيَةِ مِنْ الْعَقَارِ قَالَ الْقَاضِي بْنُ سَهْلٍ: هَذَا الْجَوَابُ مُوَافِقٌ مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مَا فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَيُخَالِفُ قَوْلَ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: هَكَذَا أَلْفَيْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهَا فِي جَوَابِ ابْنِ زَرْبٍ فِي الْوَصَايَا اهـ. وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى جَوَابِ ابْنِ زَرْبٍ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى فُلَانًا عَلَى أَوْلَادِهِ قَدْ سَمَّى مِنْهُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَتَرَكَ بَاقِيَهُمْ فَتَأَمَّلْهُ، وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ، وَنُقِلَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرُهَا فِي بَابِ بَيْعِ الْأَرْضِ بِزَرْعِهَا، وَالشَّجَرِ بِثَمَرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ سُئِلْتُ عَنْهَا وَهِيَ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ جَمَاعَةٍ دَارًا أَوْ وَصَفَ الدَّارَ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ بِأَوْصَافٍ وَاشْتِمَالَاتٍ وَمَنَافِعَ، وَمَسَاكِنَ، وَبِجَانِبِ الدَّارِ الْغَرْبِيِّ حَوْشٌ مُلَاصِقٌ لَهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْبَرَةٍ هُنَاكَ وَبَيْنَ الْحَوْشِ الْمَذْكُورِ خَوْخَةٌ تَنْفُذُ إلَى الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْمَكْتُوبِ حُدُودَ الدَّارِ الْمَكْتُوبَةِ ذَكَرَ أَنَّ حَدَّهَا الْغَرْبِيَّ يَنْتَهِي إلَى الْمَقْبَرَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي هِيَ بَعْدَ الْحَوْشِ الْمَذْكُورِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ دُخُولَ الْحَوْشِ فِي الْمَحْدُودِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْحَوْشَ فِي اشْتِمَالَاتِ الدَّارِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ التَّبَايُعِ جَارِيًا مَعَ الدَّارِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِينَ الْمَذْكُورِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُشْتَرِي فَبَاعَ وَرَثَتُهُ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ بِجَمِيعِ اشْتِمَالَاتِهَا وَحُدُودِهَا الْمَذْكُورَةِ فِي مَكْتُوبِ شِرَاءِ الْمُتَوَفَّى الْمَذْكُورِ لِشَخْصٍ آخَرَ، فَنَازَعَ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ وَرَثَةَ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَوْشِ الْمَذْكُورِ الدَّاخِلِ فِي التَّحْدِيدِ الَّذِي لَمْ يُنَبَّهْ عَلَيْهِ فِي الِاشْتِمَالَاتِ، وَأَظْهَرَ الْوَرَثَةُ الْمُنَازَعُونَ مُسْتَنَدًا شَرْعِيًّا يَشْهَدُ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى نِصْفَ الْحَوْشِ الْمَذْكُورِ مُشَاعًا مِنْ بَائِعِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَارِيخٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ تَارِيخِ الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ الصَّادِقِ فِي الدَّارِ، فَهَلْ مُشْتَرِي الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِنِصْفِ الْحَوْشِ الْمَذْكُورِ مُقْتَضٍ لِعَدَمِ دُخُولِ الْحَوْشِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَحْدُودِ أَمْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَأَجَبْتُ إنْ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْحَوْشِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ أَوْ خَارِجٌ وَكَانَتْ الْحُدُودُ شَامِلَةً لَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ مُوَرِّثِهِمْ اشْتَرَى نِصْفَ الْحَوْشِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ الْبَائِعِينَ وَالْمُشْتَرِي الْمَذْكُورِ الْبَيَانَ وَتَخَالَفَا تَحَالَفَا

مسألة قال لأقضينك غدا يوم الجمعة وذلك ظنه فإذا هو يوم الخميس

وَتَفَاسَخَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ لَأَقْضِيَنَّكَ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ ظَنُّهُ فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ الْمُوَثِّقُ اشْتَرِ مِنْهُ جَمِيعَ حَظِّهِ فِي الدَّارِ الْكَائِنَةِ بِكَذَا الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَإِذَا لَهُ فِي الدَّارِ أَكْثَرُ مِنْ الْخُمُسِ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ جَمِيعَ حَظِّهِ؟ وَقَوْلُهُ: الْخُمْسُ غَلَطٌ أَمْ لَا؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَالِفِ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ قَالَ لَأَقْضِيَنَّكَ غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ قَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدًا، وَذَلِكَ ظَنُّهُ فَإِذَا هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ غَدًا يَوْمَ الْخَمِيسِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِلَّا حَنِثَ، الشَّيْخُ اُنْظُرْ هَلْ هِيَ مِثْلُ مَا يَقَعُ عِنْدَ التَّوْثِيقِ الْيَوْمَ يَقُولُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ: جَمِيعُ حَظِّهِ فِي الدَّارِ الْكَائِنَةِ بِكَذَا الْخُمُسِ مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَإِذَا لَهُ فِي الدَّارِ أَكْثَرُ مِنْ الْخُمُسِ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ جَمِيعَهُ؟ وَقَوْلُهُ: الْخُمُسُ، غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ أَمْ لَا؟ تَرَدَّدَ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى لَوْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ غَدًا فِي ظَنِّهِ فَإِذَا هُوَ خَمِيسٌ فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ إلَى الْغُرُوبِ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَنِثَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْزِلُ مِثْلُ هَذَا فِي الْوَثَائِقِ اشْتَرَى فُلَانٌ جَمِيعَ مَوْرُوثِ فُلَانٍ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا مَبْلَغُهُ الْخُمُسُ فَإِذَا هُوَ الرُّبْعُ لَزِمَ الْبَيْعُ اهـ. وَانْظُرْ كَلَامَهُ أَيْضًا فِي الْوَصَايَا: الْأَوَّلُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: فَهُوَ وَصِيَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَنْ لَا عُهْدَةَ) ش: ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ إذَا شَرَطَ سُقُوطَهَا وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَاقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ هُنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَدَّرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ بِأَنَّهُ يُوفِي بِالشَّرْطِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلَ بِقِيلَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُهْدَةِ الْقَوْلَيْنِ وَعَزَاهُمَا لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ، وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَّجَ ثَالِثًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي تَحْرِيرِ الْكَلَامِ فِي مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ. (تَنْبِيهٌ) يَلْحَقُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى شَرْطِ عَدَمِ الْمُقَاصَّةِ كَمَا مَرَّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْمُقَاصَّةِ، وَانْظُرْ كَلَامه فِي بَابِ الْمُقَاصَّةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ص

وَصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ وَنَحْوِهِ بَدَا صَلَاحُهُ إنْ لَمْ يَسْتَتِرْ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُنْضَمًّا إلَى الْأَصْلِ، وَمُفْرَدًا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ التَّبْقِيَةِ، لَكِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ فِي أَكْمَامِهِ كَبَزْرٍ مُجَرَّدٍ عَنْ أَصْلِهِ، كَالْحِنْطَةِ مُجَرَّدَةً عَنْ سُنْبُلِهَا، وَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ مُجَرَّدًا عَنْ قِشْرِهِ عَلَى الْجُزَافِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَنَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُفْرَدَ الْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا بِالشِّرَاءِ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ، وَاللَّوْزُ، وَالْبَاقِلَّاءُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرِدَهُ فِي الْبَيْعِ دُونَ قِشْرِهِ عَلَى الْجُزَافِ مَا دَامَ فِيهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ السُّنْبُلِ إذَا يَبِسَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْمَاءُ فَجَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَالْبَاقِلَّاءُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ شِرَاءُ الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ مُجَرَّدًا عَنْ قِشْرِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ قَطْعِهِ عَلَى الْجُزَافِ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ مَعَ قِشْرِهِ فَجَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا فِي شَجَرِهِ لَمْ يُقْطَعْ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ بِيُبْسِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا لَهُ صُوَانٌ يَكْفِي رُؤْيَةُ الصِّوَانِ. ص (وَبُدُوُّهُ فِي بَعْضِ حَائِطٍ كَافٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ أَيْ: فَلَا يُشْتَرَطُ عُمُومُ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كُلِّ

الْحَائِطِ بَلْ يَكْفِي بَعْضُهُ وَلَوْ نَخْلَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الْحَائِطُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ بَعْضِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِ حَائِطٍ مُجَاوِرٍ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَبُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِ حَائِطٍ

كَافٍ فِي الْمُجَاوَرَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ طَيْبُهُ مُتَلَاحِقًا، وَقِيلَ فِي حَوَائِطِ الْبَلَدِ، وَشَرَحَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَقَرَّهُ وَعَزَا الْقَوْلَ بِجَوَازِ بَعْضِ حَوَائِطِ الْبَلَدِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي حَائِطٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُجَاوِرَةً لِابْنِ الْقَطَّانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَقْثَأَة) ش: هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَبِالْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْمَقْثَأَةُ وَالْمَقْثُؤَةُ يَعْنِي بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الْخِيَارُ الْوَاحِدَةُ قِثَّاءَةٌ، وَالْمَقْثَأَةُ وَالْمَقْثُؤَةُ: مَوْضِعُ الْقِثَّاءِ، وَأَقْثَأَ الْقَوْمُ كَثُرَ عِنْدَهُمْ الْقِثَّاءُ، وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ الْقِثَّاءُ: بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَبِالْمَدِّ مَعْرُوفٌ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْجَوْهَرِيِّ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ الْمَقْثَأَةَ: هِيَ الْأَرْضُ الْكَثِيرَةُ الْقِثَّاءِ كَمَا قَالَهُ فِي آخِرِ تَصْرِيفِ الْعَوْفِيِّ، وَقَالَهُ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْعَامَّةُ يَحْمِلُونَ الْمَقْثَأَةَ عَلَى مَنْبَتِ الْقِثَّاءِ وَغَيْرِهِ كَالْبِطِّيخِ، وَيُحَرِّفُونَ اللَّفْظَ وَيَأْتُونَ بِأَلِفٍ مَكَانَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَلَا يُرَاعُونَ مَعَهُ الْكَسْرَةَ اهـ. ص (بِقَبْضِهِ) ش: أَيْ بِقَبْضِ الْحَبِّ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَائِلِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَمَنْ أَسْلَمَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ مَا أَرْطَبَ أَوْ فِي زَرْعٍ بَعْدَمَا

أَفْرَكَ أَوْ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا، فَأَخَذَ ذَلِكَ وَفَاتَ الْبَيْعُ لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ اهـ. عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَبِّ بِالْإِفْرَاكِ، قَالَ فِي الشَّامِلِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَفِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَالْقَطَانِيِّ يُبْسُهَا فَإِنْ بِيعَتْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْإِفْرَاكِ عَلَى السِّكَّةِ كُرِهَ وَمَضَى بِالْقَبْضِ عَلَى الْمُتَأَوَّلِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (يُوفِي عِنْدَ الْجَدَادِ) ش: الْجَدَادُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي بَابِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: وَجَدَّ النَّخْلَ يَجِدَّهُ صَرَمَهُ، وَأَجَدَّ النَّخْلُ حَانَ لَهُ أَنْ يُجَدَّ، وَهَذَا زَمَنُ الْجَدَادِ، وَالْجَدَادُ مِثْلُ: الصِّرَامُ، وَالصَّرَامُ، وَالْقِطَافُ، وَالْقِطَافُ اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي مَادَّةِ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» ، وَقَوْلَهُ: إذَا جَدَّ فِي السَّيْرِ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ جِدَادَاتِ اللَّيْلِ الْجَدَادُ بِالْفَتْحِ، وَالْكَسْرِ: صِرَامُ النَّخْلِ، وَهُوَ قَطْعُ ثَمَرَتِهَا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَجْلِ الْمَسَاكِينِ حَتَّى يَحْضُرُوا فِي النَّهَارِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحْكَمِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ فِي مَادَّةِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، ثُمَّ ذَكَرَهُ أَيْضًا بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ فِي مَادَّةِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. ص (وَخَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ) ش: بِالنَّصْبِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى مِنْ الْعَرِيَّةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ فِي نَفْسِهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَكْثَرَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْمُعْرِي خَمْسَةُ أَوْسُقٍ شِرَاءُ بَعْضِهَا بِالْخَرْصِ فَإِنْ أَعْرَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَهُ شِرَاءُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. ص (إلَّا لِمَنْ أَعْرَى عَرَايَا فِي حَوَائِطَ وَكُلُّ خَمْسَةٍ) ش: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا فَمِنْ كُلِّ خَمْسَةٍ وَهِيَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ خَمْسَةً وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ الْمُعْرَى أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ بِخِلَافِ النُّسْخَةِ الْأُولَى لِإِيهَامِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي كُلِّ حَائِطٍ أَنْ تَكُونَ خَمْسَةً فَتَأَمَّلْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُعْرَى وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا كَمَا صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِالْأَوَّلِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ بِالثَّانِي. ص (وَإِنْ كَانَ بِأَلْفَاظٍ لَا بِلَفْظٍ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش: عِبَارَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُوهِمُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْرَى وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ

ابْنُ يُونُسَ فِيمَا إذَا أَعْرَى رَجُلًا وَاحِدًا كَذَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بِالتَّرْجِيحِ إنَّمَا حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَجَّحُ لَهُ وَسَبَقَهُ إلَى الِاعْتِرَاضِ بِذَلِكَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ. ص (وَجَازَ لَكَ شِرَاءُ أَصْلٍ فِي حَائِطِكَ بِخَرْصِهِ إنْ قَصَدْتَ الْمَعْرُوفَ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْعَرَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا مَلَكَ رَجُلٌ أَصْلَ نَخْلَةٍ فِي حَائِطِكَ فَلَكَ شِرَاؤُهَا مِنْهُ بِالْخَرْصِ إنْ أَرَدْتُ بِذَلِكَ رُفْقَتَكَ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ لِدَفْعِ ضَرَرِ دُخُولِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي وَأَرَاهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرِهِ شَيْئًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذِهِ لَيْسَتْ بِعَرِيَّةٍ وَلَا يُقَالُ انْخَرَمَ أَحَدُ الشُّرُوطِ الَّتِي هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مُعَرِّيهَا اهـ. فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ هَذَا وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَالْعَرِيَّةِ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْعَرِيَّةِ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نَخْلَتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ جَازَ شِرَاءُ ثَمَرَتِهَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ لِدَفْعِ ضَرَرِ دُخُولِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي هَذِهِ لَفْظَةُ كَرَاهَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَنْعُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَرَاهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ اهـ. ص (وَبَطَلَتْ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ) ش: وَمِثْلُهُ لَوْ فَلَّسَ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ص (وَهَلْ هُوَ حَوْزُ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُعْ ثَمَرَتُهَا تَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشُّيُوخَ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي حَوْزِ الْعَرِيَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا حَوْزُ الْأُصُولِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُعْ الثَّمَرُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ مَالِكٍ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّ الْحَوْزَ هُوَ مَجْمُوعُ شَيْئَيْنِ حَوْزُ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُعْ الثَّمَرُ فَلَوْ حَازَ الْأُصُولَ وَلَمْ تَطْلُعْ الثَّمَرَةُ حَتَّى مَاتَ الْمُعْرَى بَطَلَتْ الْعَرِيَّةُ وَلَوْ بَطَلَتْ الثَّمَرَةُ وَلَمْ يَحُزْ الْأُصُولَ وَمَاتَ الْمُعْرَى بَطَلَتْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَطَّانِ وَفَضْلِ وَجَمَاعَةٍ فَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ هُمَا اللَّذَانِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِمَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِأَشْهَبَ أَنَّ الْحَوْزَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا حَوْزُ الْأُصُول أَوْ أَنْ تَطْلُعَ ثَمَرَتُهَا، وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى فِي الشَّامِلِ فَقَالَ وَبَطَلَتْ بِمَوْتِ مُعْرِيهَا قَبْلَ حَوْزِهَا وَهَلْ هُوَ قَبْضُ الرِّقَابِ أَوْ مَعَ طُلُوعِ ثَمَرَتِهَا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ تَأْوِيلَانِ، وَقَالَ أَشْهَبُ أَبَارَّهَا أَوْ قَبَضَ رَقَبَتَهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ طَيَّبَهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْحَوْزُ فِيهِمَا إلَّا بِقَبْضِ الْأُصُولِ وَطُلُوعِ الثَّمَرَةِ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ الْقَطَّانِ وَتَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْمُدَوَّنَةَ أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ بِخِلَافِ الْعَرِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ حَوْزُ الْأُصُولِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَزَكَاتُهَا وَسَقْيُهَا عَلَى الْمُعْرَى وَكَمُلَتْ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ) ش: يَعْنِي

فرع وهب صغيرا يرضع

أَنَّ مَنْ أَعْرَى شَخْصًا نَخْلًا أَوْ نَخَلَاتٍ مِنْ حَائِطِهِ فَإِنَّ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ سَقْيُ تِلْكَ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخَلَاتِ وَعَلَيْهِ زَكَاةُ ثَمَرَتِهَا وَسَوَاءٌ أَعْرَاهُ إيَّاهَا قَبْلَ الزَّهْوِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِنَّ رَبَّ الْحَائِطِ يَضُمُّهَا إلَى بَاقِي حَائِطِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زُكِّيَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَزَكَاةُ الْعَرِيَّةِ وَسَقْيُهَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إلَّا مَعَ بَقِيَّةِ حَائِطِهِ أَعْرَاهُ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ نَخْلًا مُعَيَّنَةً أَوْ جَمِيعَ حَائِطِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَيُعْطِيهِ جَمِيعَ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَاهِبِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَهَبَ لِشَخْصٍ ثَمَرَةَ حَائِطِهِ فَإِنَّ سَقْيَهَا وَزَكَاتَهَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ بَعْدَ الْإِزْهَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْوَاهِبِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ [فَرْعٌ وَهَبَ صَغِيرًا يَرْضِعُ] (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَمِمَّا يَلْحَقُ بِهَذَا الْبَابِ مَنْ وَهَبَ صَغِيرًا يَرْضِعُ قِيلَ رَضَاعُهُ عَلَى الْوَاهِبِ وَقِيلَ عَلَى الْمَوْهُوبِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ بَشِيرٍ اهـ ص (وَالْمَقَاثِئُ) ش: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ مَقْثَأَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ ص (لَا مَهْرَ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ فِي الْبَيَانِ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْجَوَائِحِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ قَالَ وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ بِقِيمَةِ الثَّمَرَةِ إذَا أُجِيحَتْ كُلُّهَا وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَجَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْ أَنْ يُشِيرَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَالظَّاهِرِ وَالْمُسْتَحْسَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ مَكِيلَتِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا بِيعَ مِمَّا يُطْعَمُ بُطُونًا كَالْمَقَاثِئِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَشِبْهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الثِّمَارِ مِمَّا لَا يُخْرَصُ وَلَا يُدَّخَرُ، وَهُوَ مَا يُطْعَمُ فِي كُرَّةٍ إلَّا أَنَّ طِيبَهُ يَتَفَاوَتُ وَيُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى مَا يَتَفَاوَتُ كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالْمَوْزِ وَالْأُتْرُجِّ وَالتِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ اُحْتِيجَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مَا أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ مِنْهُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فِي النَّبَاتِ فَأَكْثَرَ فِي أَوَّلِ مَجْنَاهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ حُطَّ مِنْ الثَّمَرَةِ قَدْرُ قِيمَتِهِ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِيمَةِ بَاقِيهِ كَانَ

فِي الْقِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرُ وَإِنْ كَانَ الْمُجَاحُ مِنْ الْجَمِيعِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَا فِي الْقِيمَةِ فَلَا تُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ نَقَصَتْ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَا بِيعَ مِنْ الثَّمَرَةِ مِمَّا يَنْبَغِي أَوْ يُدَّخَرُ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَجِدَ جَمِيعَهُ مِمَّا يُخْرَصُ أَوَّلًا كَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَصَابَتْ الْجَائِحَةُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فَأَكْثَرَ فِي كَيْلٍ أَوْ مِقْدَارٍ لَا فِي الْقِيمَةِ وَضَعَ الْمُبْتَاعُ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ أُجِيحَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فِي الْمِقْدَارِ لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا تَقْوِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ مِنْ التَّمْرِ بَرْنِيُّ وَصَيْحَانِيٌّ وَعَجْوَةٍ وَشَقَمٌ وَغَيْرِهِ فَأُجِيحَ أَحَدُهَا فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الثُّلُثِ فِي الْكَيْلِ مِنْ الْأَصْنَافِ وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ قِيمَةِ جَمِيعِهَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ الثَّمَنِ أَوْ نَقَصَ وَإِنْ اشْتَرَى أَوَّلَ جَدَّةٍ مِنْ الْقَصِيلِ فَأُجِيحَ ثُلُثُهَا فَثُلُثُ الثَّمَنِ مَوْضُوعٌ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَلَوْ اشْتَرَطَ خِلْفَةً كَانَ كَالْمَقَاثِئِ إنْ أُجِيحَ قَدْرُ الثُّلُثِ مِنْ أَوَّلِهِ وَمِنْ خِلْفَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْوِيمِ اهـ. ص (وَبَرْنِيّ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الثَّانِي مِنْ التَّنْبِيهَاتِ الْبَرْنِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالْجُعْرُورُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَابْنِ حُبَيْنٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ كُلُّ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ التَّمْرِ اهـ. ص (وَبَقِيَتْ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مُحْتَاجَةً إلَى بَقَائِهَا فِي أُصُولِهَا لِيَكْمُلَ طِيبُهَا وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْجَائِحَةِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِتَمَامِ صَلَاحِهِ وَلَا لِنَضَارَتِهِ كَالتَّمْرِ الْيَابِسِ وَالزَّرْعِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الثَّالِثِ أَنْ يَتَنَاهَى طِيبُهَا وَلَكِنْ تَحْتَاجُ إلَى التَّأْخِيرِ لِبَقَاءِ رُطُوبَتِهِ كَالْعِنَبِ الْمُشْتَرَى بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِيهِ قَوْلَيْنِ الْبَاجِيُّ مُقْتَضَى رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُرَاعِي الْبَقَاءَ لِحِفْظِ النَّضَارَةِ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي تَكَامُلَ الصَّلَاحِ قَالَ وَيَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَا كَانَ هَذَا حُكْمُهُ كَالْقَصِيلِ وَالْقَصَبِ وَالْبُقُولِ وَالْقُرْطِ فَلَا تُوضَعُ جَائِحَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ سَحْنُونٍ أَنْ تُوضَعَ الْجَائِحَةُ فِي جَمِيعِهِ وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ إذَا تَنَاهَى الْعِنَبُ وَآنَ نِضَاجُهُ لَا يَتْرُكُهُ تَارِكُهُ إلَّا لِسُوقٍ يَرْجُوهَا، أَوْ لِشُغْلٍ يَعْرِضُ لَهُ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ

فرع شراء شرب يوم أو شهر أو شهرين يسقي به زرعه في أرضه

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَفِي حَمْلِ كَلَامَيْ سَحْنُونٍ عَلَى الْخِلَافِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى انْتَهَى. وَالْبَحْثُ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ: لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي بَقَائِهِ لِحِفْظِ النَّضَارَةِ وَالْكَلَامَ الثَّانِيَ فِي بَقَائِهِ لِشُغْلِ مُشْتَرِيهِ أَوْ لِسُوقٍ يَرْجُوهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَبَقِيَتْ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تُوضَعُ الْجَائِحَةُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى مُقْتَضَى رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (تَنْبِيهٌ) قَدْ يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا خِلَافُ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَدِّ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَقِبَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَأَشَارَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ إلَى إجْرَاءِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا بِيعَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى أَنْ يَجِدَهُ مُشْتَرِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً عَلَى الْجَدَادِ فِيهَا الْجَائِحَةُ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ كَالثِّمَارِ لَا كَالْبَقْلِ وَسَأَلَ ابْنُ عَبْدُوسٍ سَحْنُونًا فَقَالَ لِمَ جُعِلَ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَلَا سَقْيَ عَلَى الْبَائِعِ فَقَالَ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَوْ دَعَاهُ الْبَائِعُ إلَى أَنْ يَأْخُذَهُ فِي يَوْمِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُمْهَلُ، وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الشَّأْنِ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَهَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَيْضًا إنَّمَا اشْتَرَى لِتَبْقَى نَضَارَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ مُخَالِفٌ لِلثَّانِي، وَأَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الْأَوَّلُ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى مُقْتَضَى رِوَايَةِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ فِيهِ الْجَائِحَةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْجَارِيَةُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا اشْتَرَى عَلَى الْجَدِّ بَلْ أَحْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ هِيَ مَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَسَمَاوِيٍّ وَجَيْشٍ أَوْ سَارِقٍ خِلَافٌ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْجَوَائِحُ ثَلَاثَةٌ: النَّارُ وَالرِّيحُ، وَهُوَ السَّمُومُ وَالثَّلْجُ وَالْغَرَقُ بِالسَّيْلِ وَالْبَرَدُ وَالطَّيْرُ الْغَالِبُ وَالْمَطَرُ الْمُضِرُّ وَالدُّودُ وَالْقَحْطُ وَالْعَفَنُ وَالْجَرَادُ وَالْجَيْشُ الْكَثِيرُ وَاللِّصُّ وَالْجَلِيدُ وَالْغُبَارُ الْمُفْسِدُ وَالْعِفَاءُ، وَهُوَ يُبْسُ الثَّمَرَةِ مَعَ تَغَيُّرِ لَوْنِهَا وَالْقِسَامُ، وَهُوَ مِثْلُ الْعِفَاءُ وَالْجَرْشُ، وَهُوَ خَمَدَانِ الثَّمَرَةِ وَالشَّوْبَانِ، وَهُوَ مُتَسَاقِطُ الثَّمَرَةِ وَالشَّمْرَخَةُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجْرِيَ الْمَاءُ فِي الشَّمَارِيخِ وَلَا يُرَطِّبُ حَسَنًا وَلَا يُطَيِّبُ انْتَهَى. وَمِنْهَا أَيْضًا مَسْأَلَةُ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَزَرَعَهَا فَفَسَدَ زَرْعُهَا بِجَائِحَةٍ أَصَابَتْهُ فِي نَفْسِ الزَّرْعِ كَالطَّيْرِ وَالْجَرَادِ وَالْجَلِيدِ وَالْبَرَدِ وَالنَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ جَائِحَةً فَلَا يُحَطُّ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْأَرْضِ كَالدُّودِ وَالنَّارِ وَالْعَطَشِ سَقَطَ الْكِرَاءُ جَمِيعُهُ وَكَذَلِكَ إذَا زَرَعَهَا وَأَمْكَنَهُ مُشْتَرِيهَا فَلَمْ يَنْبُتْ زَرْعُهَا فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ الْمَعُونَةِ اهـ. [فَرْعٌ شِرَاءِ شِرْبِ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ يَسْقِي بِهِ زَرْعَهُ فِي أَرْضِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ شِرْبِ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ يَسْقِي بِهِ زَرْعَهُ فِي أَرْضِهِ دُونَ شِرَاءُ أَصْلِ الْعَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا غَارَ الْمَاءُ فَنَقَصَ فِيهِ ثُلُثُ الشُّرْبِ الَّذِي ابْتَاعَ وَضَعَ عَنْهُ كَجَوَائِحِ الثِّمَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُوضَعُ إنْ نَقَصَ شُرْبُهُ مَا عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا مَا قَلَّ مِمَّا لَا خَطْبَ لَهُ فَلَا يُوضَعُ لِذَلِكَ شَيْءٌ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَفِي حَرِيمِ الْآبَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ سَارِقٍ كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِالْوَاوِ بَعْدَ أَوْ لِيَدْخُلَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يُوَافِقُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ وَيَزِيدُ بِالسَّارِقِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ السَّارِقُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ جَائِحَةً إذَا لَمْ يَعْرِفْ وَأَمَّا إنْ عَرَفَ فَيَتْبَعُهُ الْمُشْتَرِي مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا اهـ. ص (وَنَقْصُهَا كَذَلِكَ) ش: نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْجَوَائِحِ

وَيُفْهَمُ مِنْهُ هُنَا أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَهَا إنْ كَانَ قَدْرُ ثُلُثِ الْقِيمَةِ نَقَصَ وَإِلَّا فَلَا. ص (وَالْقُرْطُ) ش: قَالَ فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ وَالْقَضْبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْفِصْفِصَةُ الَّتِي تُطْعَمُ لِلدَّوَابِّ وَهِيَ الْقَتُّ إذَا كَانَ يَابِسًا، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ إذَا جَفَّتْ هِيَ الْقَضْبُ وَالْقُرْطُ بِضَمِّ الْقَافِ هُوَ الْعُشْبُ الَّذِي تَأْكُلُ الدَّوَابُّ وَأَرَاهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ اهـ. وَهُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْقَرَظُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ الَّذِي يُدْبَغُ بِهِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. ص (كَالْجَزَرِ) ش: قَالَ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ وَالْجَزَرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ

فصل إن اختلف المتبايعان في جنس الثمن

وَالزَّاي الأسفنارية وَيُقَالُ لَهَا الْجِزَرُ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْضًا اهـ ص (وَمُسْتَثْنَى كَيْلٍ مِنْ الثَّمَرَةِ تُجَاحُ بِمَا يُوضَعُ يَضَعُ عَنْ مُشْتَرِيهِ بِقَدْرِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَمَرَةً وَاسْتَثْنَى مِنْهَا كَيْلًا مَعْلُومًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ فَأُجِيحَتْ بِمَا يُوضَعُ أَيْ بِالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحُطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي مُقَابِلَ الْمُجَاحِ مِنْ الثَّمَنِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُحَطُّ مِنْ الْكَيْلِ الْمُسْتَثْنَى بِقَدْرِ مَا أُجِيحَ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ لَا يُحَطُّ مِنْ الْكَيْلِ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ وَمَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَبِهَا صَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَطَفَ الثَّانِيَةَ بِقِيلَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ يَضَعُ عَنْ مُشْتَرِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ يُوضَعُ مِنْ الْكَيْلِ الْمُسْتَثْنَى بِقَدْرِ مَا أُجِيحَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ تُجَاحُ مِمَّا يُوضَعُ مِمَّا لَوْ أُجِيحَ دُونَ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ لَا يُوضَعُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ جَمِيعَ مَا اسْتَثْنَى قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، اخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَكَلَّمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَسَائِلِهِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَالْخِيَارَ وَتَكَلَّمَ عَلَى بَعْضِ مَسَائِلِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ [فَصْلُ إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ] ص (فَصْلُ إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ) ش: يُرِيدُ أَوْ الْمَثْمُونِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَتَمْرٍ وَبُرٍّ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا اهـ. ص (وَفِي قَدْرِهِ كَمَثْمُونِهِ) ش: أَيْ اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ مَثْمُونِهِ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي جِنْسِ الْمَثْمُونِ أَوْ نَوْعِهِ فَدَاخِلٌ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَسْأَلَةُ)

إذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ بِعْتَنِي نِصْفَ جَارِيَتِكَ فَقَالَ بَلْ رُبْعُهَا فَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ بِعْتَنِي نِصْفَ جَارِيَتِكَ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا مَا بِعْتُك إلَّا رُبْعَهَا حَلَفَ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَهَا قَالَ لِصَاحِبِهِ قَدْ بِعْتُك نِصْفَ جَارِيَتِي وَطَلَبَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَقَالَ مَا اشْتَرَيْت مِنْكَ إلَّا رُبْعَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الَّذِي ادَّعَى النِّصْفَ وَاسْتَحَقَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُبْتَاعُ أَوْ اسْتَحَقَّ ثَمَنَهُ إنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ الصَّوَابُ أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا فِي الثَّمَنِ فَمِنْ حُجَّةِ الْمُبْتَاعِ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَرْضَ شِرَاءَ الرُّبْعِ، وَإِنَّمَا رَغِبْتُ فِي النِّصْفِ قَالَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَرَادَتْهُ الرِّوَايَةُ فَيَكُونُ إنَّمَا قَصَدَ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ مُدَّعِيَ النِّصْفِ فِي الرُّبْعِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى تَمَامِ التَّحَالُفِ وَلَمْ يَقُلْ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَ النِّصْفَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَشْتَرِ إلَّا الرُّبْعَ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ فَانْظُرْ هَلْ يَسْتَوِيَانِ عِنْدَهُ أَوْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَدَّعِي أَنَّهُ بَاعَ النِّصْفَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ أَمْ لَا إذَا كَانَ الْمُبْتَاعُ هُوَ يَدَّعِي النِّصْفَ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ قَدْ يُزَادُ فِي ثَمَنِهَا فَمِنْ حُجَّةِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ لَا أَرْضَى أَنْ آخُذَ الرُّبْعَ بِالسَّوْمِ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ النِّصْفَ وَالْبَائِعُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ الرُّبْعَ بِالسَّوْمِ الَّذِي رَضِيَ أَنْ يَبِيعَ بِهِ النِّصْفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ اهـ. ص (أَوْ قَدْرِ أَجَلٍ) ش: أَيْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجَلَ فَقَالَ الْبَائِعُ إلَى شَهْرٍ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ إلَى شَهْرَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ قَالَهُ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَجَلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَصْلِ الْأَجَلِ فَيَدَّعِي الْبَائِعُ الْحُلُولَ وَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي التَّأْجِيلَ (الثَّانِي) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى التَّأْجِيلِ وَيَخْتَلِفَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى التَّأْجِيلِ وَعَلَى قَدْرِ الْأَجَلِ وَيَخْتَلِفَا فِي حُلُولِهِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فَالثَّانِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ: وَقَدْرِ أَجَلٍ. وَالثَّالِثَةُ هِيَ قَوْلُهُ: بَعْدَ هَذَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي انْتِهَاءِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّقَضِّي وَذَكَرَ فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الثَّلَاثَ وَذَكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً

سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِحَوَالَةِ سَوْقِ فَاعِلًا فَالْقَوْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُدَّعِي الْأَجَلِ وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي يُرِيدُ إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَذَكَرَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَعْنِي قَوْلَهُ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّقَضِّي، وَإِنَّمَا قَالَ مُنْكَرُ التَّقَضِّي وَلَمْ يَقُلْ لِلْمُبْتَاعِ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي حُلُولِ الْأَجَلِ (تَنْبِيهٌ) يُقَيَّدُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّقَضِّي بِمَا إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ كَمَا قَالَهُ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ص (وَصُدِّقَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ وَحَلَفَ إنْ فَاتَ) ش: فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ مُشْتَرِي، وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَاَلَّذِي فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ فِي الْأَصْغَرِ وَحَلَفَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ بِلَفْظٍ مِنْ الصَّادِقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذَا كَالْقَيْدِ لِقَوْلِهِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ إذَا ادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ أَوْ ادَّعَيَا مَعًا مَا يُشْبِهُ، أَمَّا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَا يُشْبِهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ لَكِنَّهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنْ يَحْلِفَ، الثَّانِي أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ فَائِتَةً فَقَوْلُهُ: إنْ فَاتَ شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ وَصُدِّقَ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ فَاتَ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ لَمْ يُصَدَّقْ مَنْ ادَّعَى الْأَشْبَهَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي. ص (فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا إلَّا لِعُرْفٍ) ش: قَالَ فِي اللُّبَابِ الْخَامِسُ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْقَبْضِ

وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلِّ عِوَضٍ بِيَدِ صَاحِبِهِ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَوْ ثَبَتَ عُرْفٌ عُمِلَ عَلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِيمَا يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ فِي اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَالْفَاكِهَةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ وَبَانَ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي دَفْعِ الْعِوَضِ وَإِنْ لَمْ يَبِنْ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِيمَا قَلَّ وَفِي الْبَيْعِ فِيمَا كَثُرَ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعَقَارِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَمْضِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ إلَيْهِ كَالْعِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهَا ابْنُ بَشِيرٍ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْعَادَةِ اهـ. وَانْظُرْ ابْنَ بَشِيرٍ فَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَلَحْمٍ كَمَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ فِي غَيْرِ اللَّحْمِ وَالْبَقْلِ طُولًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ إلَيْهِ بِتَرْكِ الْقَبْضِ ص (وَإِلَّا فَلَا إنْ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ) ش: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ السِّلْعَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَيَانِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَثْمُونَ وَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: اهـ. ص (وَإِلَّا فَهَلْ يُقْبَلُ الدَّفْعُ أَوْ فِي مَا هُوَ الشَّأْنُ أَوْ لَا أَقْوَالٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدَّفْعِ أَوْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ يُقْبَلُ فِيمَا هُوَ الشَّأْنُ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ لَا يَدْفَعَ سِلْعَتَهُ لِلْمُبْتَاعِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ فَدَفْعُهُ إلَيْهِ السِّلْعَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَخْذِ الثَّمَنِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُبْتَاعَ مُقِرٌّ بِقَبْضِ الْمَثْمُونِ دَفَعَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَوَجْهُ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ قَبْلَ الْأَخْذِ وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ قَبْلَهُ كَانَ قَبْضُهُ لِلسِّلْعَةِ كَالشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ مَنْعَهُ مِنْهَا حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ بَعْدَ أَخْذِ السِّلْعَةِ فَقَدْ وَافَقَ عَلَى أَنَّهُ قَبَضَ السِّلْعَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مُدَّعٍ لِلدَّفْعِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ ابْنَ مُحْرِزٍ وَالرَّجْرَاجِيّ لَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ دَعْوَاهُ الدَّفْعَ قَبْلَ أَخْذِ السِّلْعَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ مُحْرِزٍ وَعَارَضَ فِيهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ. ص (وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ مُثَمَّنِهِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ يُرِيدُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ مَثْمُونِهِ، وَهُوَ السِّلْعَةُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ (تَنْبِيهٌ) وَفِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ أَنَّ إشْهَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ السِّلْعَةِ إذَا قَامَ بَعْدَ شَهْرٍ فَأَكْثَرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ أَنَّهُ دَفَعَهَا بِيَمِينِهِ قَالَ وَإِنْ قَامَ بِالْقُرْبِ كَالْجُمُعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَعَلَى الْبَائِعِ الْبَيِّنَةُ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ بَاعَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا

إلَى أَجَلٍ وَكَتَبَ بِهِ وَثِيقَةً فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ قَبَضَ السِّلْعَةَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إلَّا إنْ تُعَايِنُ الْبَيِّنَةُ قَبْضَهُ مِنْ الْإِحْكَامِ لِمَسَائِلِ الْأَحْكَامِ. اهـ كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَإِشْهَادِ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ) ش: بِذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْقَرْضِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ رَسْمَ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ. ص (وَفِي الْبَتِّ مُدَّعِيهِ) ش: (فَرْعٌ) فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى خِيَارٍ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْخِيَارَ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ فَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ الْبَيْعُ بَتًّا وَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ فِي السَّلَمِ الثَّانِي ص (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ بِهَا الثَّمَنُ) ش: أَيْ بِالصِّحَّةِ مِثَالُ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ الْأُمَّ دُونَ وَلَدِهَا بِمِائَةٍ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مَعَ وَلَدِهَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ (قُلْت) وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهَا بِمِائَةٍ مَثَلًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمَا تُسَاوِي وَكَانَ قِيمَتُهَا دُونَ ذَلِكَ. ص (وَإِنْ ادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ فَسَلَمٌ وَسَطٌ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ

كتاب السلم

ابْنُ غَازِيٍّ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي تَرْجَمَةِ السَّلَمِ الْفَاسِدِ وَإِنْ تَنَاقَضَا السَّلَمَ وَاخْتَلَفَا فِي مَبْلَغِ رَأْسِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ اهـ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ [كِتَابُ السَّلَمِ] ص (بَابُ شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ السَّلَمُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ غَيْرُ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ فَيَخْرُجُ شِرَاءُ الدَّيْنِ وَإِنْ مَاثَلَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ عُرْفًا وَالْمُخْتَلِفَانِ بِجَوَازِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَالْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ وَالْقَرْضُ وَلَا يَدْخُلُ إتْلَافُ الْمِثْلِيِّ غَيْرِ عَيْنٍ وَلَا هِبَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ انْتَهَى. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي أَوَّلِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشُّرُوطُ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ هِيَ فِي جَوَازِهِ فَحُكْمُهَا أَجْدَرُ بِالْجَوَازِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَلِلْحَدِيثِ: مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ تَسْمِيَتِهِ بِالسَّلَمِ قَالَ: لِأَنَّ السَّلَمَ اسْمُ اللَّهِ فَكَرِهَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَهَاوُنًا قَالَ فِي الْمَدَارِكِ وَكَانَ شَيْخُنَا يَكْرَهُ تَسْمِيَتُهُ بِالسَّلَمِ، ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِالسَّلَمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ لَفْظَةَ السَّلَمِ فِي حَقِيقَتِهِ الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ وَرَأَى أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ السَّلَفِ أَوْ التَّسْلِيفِ صَوْنًا مِنْهُ لِلَفْظِ السَّلَمِ عَنْ التَّبَذُّلِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَرَأَى أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لَا سِيَّمَا وَغَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ إنَّمَا هُوَ صِيغَةُ الْفِعْلِ مَقْرُونَةٌ بِحَرْفِ فِي فَيَقُولُ أَسْلَمَ فِي كَذَا فَإِذَا أَرَادُوا الِاسْمَ أَتَوْا بِلَفْظَةِ السَّلَمِ وَقَلَّ مَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَةَ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي صِفَةِ الْوَثِيقَةِ إنَّكَ تَقُولُ أَسْلَمَ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ إلَى فُلَانٌ مَا نَصُّهُ، قَوْلُنَا فِي أَوَّلِ هَذَا النَّصِّ أَسْلَمَ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ هُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ قُلْت سَلَفَ وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ وَإِنْ شِئْتَ ابْتَدَأْتَ الْعَقْدَ بِدَفْعِ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا سَلَمًا، وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ جَائِزٌ أَنْ يَقُولَ سَلَمَ وَأَسْلَمَ وَفِي وَثَائِقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيِّ جَائِزٌ أَنْ يَقُولَ سَلَّمَ وَأَسْلَفَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ أَسْلَمَ فُلَانٌ وَرَوَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ إنَّمَا الْإِسْلَامُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي كَوْنِ تَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ عَزِيمَةً، وَأَنَّ الْأَصْلَ التَّعْجِيلُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يُرَخَّصُ فِي تَأْخِيرِهِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِفَةَ وَثِيقَةٍ تُكْتَبُ فِيمَا إذَا تَعَاقَدَا السَّلَمَ عَلَى الصِّحَّةِ، ثُمَّ امْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ مِنْ الْقَبْضِ حَتَّى حَلَّ أَجَلُ السَّلَمِ مَا نَصُّهُ فَإِذَا ظَفَرَ الطَّالِبُ مِنْهُمَا بِالْفَارِّ وَأَثْبَتَ هَذَا الْعَقْدَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَأَثْبَتَهُ فِي مَغِيبِهِ قَضَى السُّلْطَانُ عَلَيْهِ بِإِمْضَاءِ الصَّفْقَةِ إنْ كَانَ الْفَارُّ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ وَعَجْزِهِ عَنْ الدَّفْعِ وَأَخْذِهِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حُضُورٍ لِلْمُسَلِّفِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَفِي مَغِيبِهِ يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ إلَى حُضُورِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ هُوَ الطَّالِبُ لِلْمُسَلِّفِ فَلَا يُقْضَى عَلَى الْمُسَلِّفِ بِشَيْءٍ وَيُفْسَخُ السَّلَفُ وَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّفُ هُوَ الْفَارُّ، ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ وَأَبَى الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ مِنْ إمْضَاءِ السَّلَفِ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِذَا وَقَعَ بَيْنَ الْمُتَصَارِفَيْنِ مِثْلُ هَذَا أَوْ فَرَّ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْفَارَّ مِنْهُمَا الصَّرْفُ مَتَى ظُفِرَ بِهِ اهـ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ فَسَادِ السَّلَمِ إذَا تَأَخَّرَ زَمَنًا طَوِيلًا مِنْ غَيْرِ

شَرْطٍ وَانْظُرْ أَيْضًا كَلَامَ الذَّخِيرَةِ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُتَصَارِفَيْنِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِسَنَدٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْخِيَارِ وَبُدِئَ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَازُعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي فَسَادِهِ بِالزِّيَادَةِ أَنْ تَكْثُرَ جِدًّا تَرَدُّدٌ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ وَالْقَوْلَ بِعَدَمِهِ كِلَاهُمَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ سَحْنُونٍ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَالْقَوْلُ بِالْفَسَادِ هُوَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي، وَنَصُّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي التَّهْذِيبِ: وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبَ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا، وَأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ تَأَخَّرَ شَهْرًا بِشَرْطٍ وَأَكْذَبَهُ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ نَقَصَ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ نَصَّهَا فِي الْأُمِّ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ: لَمْ أَقْبِضْ رَأْسَ الْمَالِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ كَانَ شَرْطُنَا ذَلِكَ فَاقْتَصَرَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَسْأَلَةِ الشَّرْطِ وَتَرَكَ الْأُخْرَى وَهِيَ يُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنَّ تَأْخِيرَ رَأْسِ الْمَالِ الْبَعِيدِ يُفْسِدُهُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْفَسَادِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ قَوْلُهُ فِي الثَّالِثِ إنْ تَأَخَّرَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْأَمَدِ الْيَسِيرِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَجُوزُ اهـ. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَحْوُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْحَارِثِ فِي السَّلَمِ، وَنَصُّهُ ابْنُ حَارِثٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ أَخَّرَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَعْنِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهَلْ يَبْطُلُ السَّلَمُ، فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فَسَادُ السَّلَمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالْقَوْلَانِ مَعًا لِمَالِكٍ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْهُمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا إنْ تَأَخَّرَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَجُوزُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ السَّلَمَ فَاسِدٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الْوُقُوعَ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا تَأَخَّرَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَطَالَ الزَّمَانُ الْمُشْتَرَطُ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ يُفْسَخُ إنْ تَرَكَ وَإِنْ قَصَدَ جَازَ وَحَدُّ هَذَا فِي الْكِتَابِ بِالْيَوْمَيْنِ وَفِي كِتَابِ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثَةِ وَإِنْ طَالَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ أَوْ لَا يُعْرَفُ كَالنَّقْدَيْنِ وَإِذَا كَانَ يُعْرَفُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالثِّيَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا أَوْ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا كُرِهَ وَلَمْ يُفْسَخْ إنْ تُرِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَدْ جَعَلَهُ كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالنَّقْدَيْنِ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ إنْ نَزَلَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِحُصُولِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى التَّأْخِيرِ اهـ. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا زَادَ التَّأْخِيرُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَانَ تَأْخِيرًا طَوِيلًا؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَصِيرِ مَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَحَيْثُ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَ بِخِيَارٍ لِمَا يُؤَخَّرُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ: وَلَا بَأْسَ بِالْخِيَارِ فِي السَّلَمِ إلَى أَمَدٍ قَرِيبٍ يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّقْدِ إلَى مِثْلِهِ كَيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ رَأْسَ الْمَالِ فَإِنْ قَدَّمَهُ كَرِهْتُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَإِنْ تَبَاعَدَ أَجَلُ الْخِيَارِ كَشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ لَمْ يَجُزْ قُدِّمَ النَّقْدُ أَمْ لَا وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْبُيُوعِ إلَى هَذَا الْأَجَلِ فَإِنْ عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَارَ مُشْتَرِطُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَجُزْ لِفَسَادِ الْعَقْدِ اهـ. قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا وَاسْتَصْوَبَ أَنْ يَعْتَبِرَ الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ الَّذِي اُشْتُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ فَيُضْرَبُ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ أَجَلٌ مِثْلُهُ عِيَاضٌ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ اخْتِيَارِهِ وَتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ لَهُمَا إجَازَةَ

ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَ رَأْسَ الْمَالِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا اُشْتُرِطَ الْخِيَارُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَيْهِ جَازَ، وَهُوَ أَبْيَنُ؛ وَلِأَنَّا إذَا ضَرَبْنَا مِثْلَ ذَلِكَ الْأَجَلَ فِي السَّلَمِ فَحُشَ وَكَثُرَ فِيهِ الْعُذْرُ وَلَمْ يَدْرِ مُسَلِّمُ الدَّارِ مَتَى يَخْتَارُهَا صَاحِبُ الطَّعَامِ هَلْ السَّاعَةَ فَيَكُونُ انْتِظَارُ قَبْضِ طَعَامِهِ إلَى شَهْرٍ أَوْ هَلْ يَخْتَارُهَا آخِرَ الشَّهْرِ فَيَسْتَأْنِفُ انْتِظَارَ سَلَمِهِ مِنْهُ إلَى شَهْرَيْنِ وَقَدْ تَتَّضِعُ الْأَسْوَاقُ أَوْ تَرْتَفِعُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمَدُ الْخِيَارِ هُنَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ مِمَّا يَجُوزُ الْخِيَارُ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِاتِّفَاقٍ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ تَأْخِيرَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يَجُوزُ الْخِيَارُ فِيهِ وَلَوْ بِيعَ بِالنَّقْدِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ لَا اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ مُحْرِزٍ وَرَدَّهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَنَصُّهُ، ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُ قَوْلِهَا أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَيْنٌ وَرُبَّمَا كَانَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ ثِيَابًا أَوْ دَارًا وَأَمَدُ الْخِيَارِ يَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِيعَتْ بِنَقْدٍ أَوْ تَأْخِيرٍ فَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ فِيهَا فَيَضْرِبُ فِيهَا مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قُلْت) لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِسَعَةِ أَمَدِ الْخِيَارِ فِيمَا بِيعَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ كَوْنُهُ - أَيْ الْخِيَارِ - كَذَلِكَ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ سَلَمًا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْفَسَادِ فِي تَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إنَّمَا هُوَ الْأَجَلُ الَّذِي يَئُولُ بِهِ أَمْرُهُمَا إلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَالْأَجَلُ فِي بَيْعِ الْأَجَلِ بِعَيْنٍ أَضْعَفُ مِنْهُ بِالسَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيْعِ الْأَجَلِ قَابِلٌ لِلسُّقُوطِ بِتَعْجِيلِ الْمَدِينِ الثَّمَنَ وَيُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى قَبْضِهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَأْثِيرِ الْأَجَلِ الْمَعْرُوضِ لِلسُّقُوطِ الْفَاسِدِ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْأَجَلِ الْقَوِيِّ ذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ مَفْهُومُهُ إنْ نَقَدَ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الثَّانِي يَعْنِي مِنْ شَرْطَيْهِ أَنْ لَا يَنْقُدَ وَلَوْ تَطَوُّعًا وَإِلَّا فَسَدَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَبَحَثَ فِيهِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا فَيَجُوزُ فِيهِ التَّطَوُّعُ بِالنَّقْدِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَإِذَا تَطَوَّعَ بِالنَّقْدِ فِي الْخِيَارِ فِي السَّلَمِ فَأُخْبِرَ بِإِفْسَادِ ذَلِكَ فَرَجَعَ فَأَخَذَ مَا نَقَدَ قَبْلَ تَمَامِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهُ صَحَّ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ فِي الْأَصْلِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَفْسَدَهُ مَا أَحْدَثَاهُ فَإِذَا أَبْطَلَا مَا أَحْدَثَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ اهـ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِبَيْعِ الْخِيَارِ وَتَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ أُسْقِطَ شَرْطُ النَّقْدِ فَأَحْرَى هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَبِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ حَلَّ أَجَلُ الطَّعَامِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ رَأْسُ الْمَالِ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِجُزَافٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُجَازَفَةُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ جَائِزَةٌ كَالْبَيْعِ اتِّفَاقًا اهـ، وَقَوْلُهُ: غَيْرُ الْعَيْنِ يُرِيدُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّمَ تِبْرًا أَوْ نَقَّارًا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ جُزَافًا لَا يَعْلَمَانِ وَزْنَهُمَا فِي سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بِجُزَافٍ وَأَطْلَقَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ شُرُوطُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْبَيْعِ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَجَازَ بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ وَجُزَافٍ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَتَأْخِيرِ حَيَوَانٍ بِلَا شَرْطٍ) ش: قَالَ فِي أَوَائِلِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ التَّهْذِيبِ: وَإِذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا بِعَيْنِهِ فَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ إلَى الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ وَكَانَ ذَلِكَ هُرُوبًا مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْبَيْعُ نَافِذٌ مَعَ كَرَاهَةِ مَالِكٍ لَهُمَا فِي ذَلِكَ التَّأْخِيرِ الْبَعِيدِ بِغَيْرِ شَرْطٍ اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ تَأْخِيرَ الْحَيَوَانِ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ أَمَّا تَأْخِيرُهُ فَالشَّرْطُ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَأَمَّا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَفِي الْفَسَادِ قَوْلَانِ فِي الْعَيْنِ خَاصَّةً وَلَا يَفْسُدُ تَأْخِيرُ الْعَرْضِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ اهـ. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ

الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي فَسَادِهِ بِالزِّيَادَةِ وَكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ بِشَرْطٍ مَفْسَدَةٌ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ الطَّعَامُ وَالْعَرْضُ كَذَلِكَ إنْ كِيلَ وَأُحْضِرَ أَوْ كَالْعَيْنِ تَأْوِيلَانِ) ش: يُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ كَالْعَيْنِ أَنَّهُمَا شَبِيهَانِ بِالْعَيْنِ وَإِنْ كِيلَا وَأُحْضِرَا فِي كَوْنِهِمَا يُغَابُ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ فِيهِمَا مَكْرُوهًا لِقُرْبِهِمَا مِنْ الْعَيْنِ الْمَمْنُوعِ فِيهَا التَّأْخِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ فِي مَنْزِلَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُمَا بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِمَا التَّعْجِيلُ كَمَا هُوَ مَطْلُوبٌ فِي الْعَيْنِ وَلَكِنَّ الطَّلَبَ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَرَاهَةُ فِي الطَّعَامِ أَشَدُّ انْتَهَى. وَكَانَ ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ يَرَهُ لِمَنْ هُوَ أَقْدَمُ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ، وَنَصُّهُ، ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا أَوْ رَقِيقًا فَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَالْبَيْعُ نَافِذٌ بِغَيْرِ كَرَاهِيَةٍ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ نَافِذٌ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَتَأَخَّرَ كَثِيرًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فَأَشْبَهَ مَا فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَائِبًا وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا حِينَ الْعَقْدِ لَانْبَغَى أَنْ يَكُونَ كَالْعَبْدِ لَا كَرَاهِيَةَ فِي تَأْخِيرِهِ وَالطَّعَامُ أَثْقَلُ مِنْهُ إذْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَالْعَيْنُ أَشَدُّ مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُشْتَرَى لِعَيْنِهِ وَالْعَيْنُ لَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْعَيْنِ فَتَأْخِيرُهُ يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ انْتَهَى. ص (وَرَدِّ زَائِفٍ) ش: رَدُّ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَيُرِيدُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ مِنْ يَوْمِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَعُجِّلَ) ش: يُرِيدُ بِالتَّعْجِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ الْبَدَلُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْبَدَلِ إلَيْهَا فَجَائِزٌ وَلَوْ بِشَرْطٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ حَصَلَ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ حِسًّا لَمْ يَحْصُلْ مَعْنًى كَمَا لَوْ اطَّلَعَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ نَاقِصٌ أَوْ زَائِفٌ فَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ إذَا جَاءَهُ بِدِرْهَمٍ نَاقِصٍ فَاعْتَرَفَ الْآخَرُ بِهِ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ السَّلَمِ بِقَدْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْبَابَ أَخَفُّ مِنْ الصَّرْفِ فَمَا جَازَ فِي الصَّرْفِ يَجُوزُ هُنَا أَوْلَى وَالْمَشْهُورُ هُنَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ الْبَدَلِ وَتَأْخِيرُهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، انْتَهَى. وَفِي سَلَمِهَا الْأَوَّلِ وَإِذَا أَصَابَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَلَهُ الْبَدَلُ وَلَا يُنْتَقَضُ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ لِيُجِيزَا بَيْنَهُمَا الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ فَيُفْسَخُ ذَلِكَ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِي يُرِيدُ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ إلَى آخِرِهِ وَفِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ الْبَدَلِ وَتَأْخِيرُهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ اهـ. وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ رَدَّهَا عَلَيْكَ فَقُلْت سَأُبَدِّلُهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِشَرْطِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا أَكْثَرَ اهـ. وَهَذَا مُسْتَنَدُ قَوْلِي يُرِيدُ بِالتَّعْجِيلِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ إلَى آخِرِهِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا أَنْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ هِيَ قَوْلُ أَشْهَبَ كَذَا جَعَلَهَا ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَاَلَّذِي قَالَهُ يَعْنِي أَشْهَبَ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَأَمْرُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامَةِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ عَلَى مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَا عِنْدِي لَا يُعْرَفُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى أَصْلِ تَعَاقُدِهِمَا فِي الشِّرَاءِ أَوْ بِإِقْرَارِهِمَا اهـ. (الثَّانِي) جَعَلَ فِي الشَّامِل مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَدَلِ أَنْ لَا يَكُونَ نُحَاسًا وَلَا رَصَاصًا

إذا كان رأس مال السلم شيئا مما يكال أو يوزن

وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ فَسَّرَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مَكْرُوهَةٌ أَوْ زُيُوفٌ وَلَوْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا مَا حَلَّ أَخْذُهَا وَلَا التَّبَايُعُ بِهَا اهـ. وَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ قَالَ فِيهِ أَبُو عِمْرَانَ: إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَكِنْ سَحْنُونٌ هُوَ الْعَالِمُ بِهَا وَبِمُهِمَّاتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ لَا الْجَمِيعُ عَلَى الْأَحْسَنِ) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَجَّلْ بَلْ تَأَخَّرَ أَكْثَرَ مِمَّا قُلْنَا، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَسَدَ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ بِشَرْطٍ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُلْتُ سَأُبَدِّلُهَا إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ لَمْ يَجُزْ إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِشَرْطٍ إلَى هَذَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ إذَا كَانَ عَيْنًا هَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا اهـ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْفَسَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ السَّلَمَ نَفْسُ دُخُولِهَا عَلَى الشَّرْطِ فَإِنَّهُ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ تَرَكَ قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ سَأُبَدِّلُهَا لَكَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَأَدْرَكَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فُسِخَ الشَّرْطُ وَأُخِذَ بِالرَّفْعِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ حَتَّى طَالَ فُسِخَ السَّلَمُ مِنْ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُنْتَقَضُ السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا وَيُنْتَقَضُ مَا أَخَّرَهُ فَقَطْ وَأَرَاهُ قَوْلَ أَبِي عِمْرَانَ، وَهُوَ أَشْبَهُ اهـ. وَقَالَ ابْنِ مُحْرِزٍ: هُوَ الْأَشْبَهُ اهـ. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: كَأَنَّهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِالْأَحْسَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِالْأَحْسَنِ لِاخْتِيَارِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ، وَنَصُّهُ: فَلَوْ أَخَّرَهُ بِبَدَلِ الزُّيُوفِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَيُجْبَرُ عَلَى بَدَلِهَا فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ إلَى الْأَجَلِ فَالْأَشْبَهُ أَنْ يُنْتَقَضَ الْقَدْرُ الَّذِي تَأَخَّرَ وَحْدَهُ وَلَا يُنْتَقَضُ جَمِيعُ السَّلَمِ اهـ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِهِ إلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) جَعَلَ ابْنُ بَشِيرٍ مَحَلَّ هَذَا الْكَلَامِ كُلِّهِ إذَا قَامَ بِالْبَدَلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِالْبَدَلِ إلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ جَازَ تَأْخِيرُهُ مَا شَاءَ وَهَكَذَا قَالَ أَشْهَبُ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الْيَوْمَانِ أَوْ الثَّلَاثَةُ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ تَأْخِيرَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَا يُعَدُّ دَيْنًا بِدَيْنٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ [إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ] (الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ: إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَرَدَّهُ بِعَيْبٍ انْتَقَضَ السَّلَمُ إنْ كَانَ انْعِقَادُ السَّلَمِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَكَانَ مَوْصُوفًا عَلَى مَنْ أَجَازَ الْمَوْصُوفَ عَلَى الْحُلُولِ لَمْ يُنْتَقَضْ السَّلَمُ بِرَدِّهِ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الرُّجُوعَ بِمِثْلِهِ اهـ، وَقَوْلُهُ: عَلَى مَنْ أَجَازَ الْمَوْصُوفَ نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَجَزَمَ بِهِ فَقَالَ: وَإِنْ رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ بِعَيْبٍ، وَهُوَ غَيْرُ عَيْنٍ رَجَعَ بِمِثْلِهِ وَإِلَّا بَطَلَ اهـ. [إذَا وَجَبَ انْتِقَاضُ السَّلَمِ لِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ بِعَيْبٍ] (الثَّالِثُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا وَجَبَ انْتِقَاضُ السَّلَمِ لِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ بِعَيْبٍ وَكَانَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِيَدِ الْمُسَلِّمِ رَدَّهُ وَإِنْ حَالَتْ سُوقُهُ أَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ أَوْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ عُرُوضًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ حَيَوَانًا رَدَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَوْ كَانَ الْآنَ مَوْجُودًا فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ كَالطَّعَامِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ كَانَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا بِيَدِ الْمُسَلِّمِ أَوْ مِثْلَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا أَوْ لَا تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ اهـ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَوَالَةً عَلَى الْمَنْصُوصِ فَإِنَّ اللَّخْمِيَّ خَرَّجَ فِيهِ قَوْلًا بِأَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ تُفِيتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [إذَا شُرِطَ تَعَيُّنُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ] (الرَّابِعُ) إذَا شُرِطَ تَعَيُّنُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَقِيلَ الشَّرْطُ لَازِمٌ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ وَقِيلَ لَازِمٌ إنْ كَانَ مِنْ بَائِعِ الدَّنَانِيرِ وَسَاقِطٌ مِنْ مُشْتَرِيهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى لُزُومِ الشَّرْطِ يَجُوزُ الْخُلْفُ إذَا رَضِيَا جَمِيعًا وَلَا يَدْخُلُهُ الْكَالِئُ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ التَّعَيُّنُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا فَإِذَا رَدَّهَا انْتَقَضَ السَّلَمُ وَمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ سَلَمٌ مُبْتَدَأٌ وَعَلَى الثَّالِثِ إنْ

إذا ظهر على عيب في المسلم فيه بعد قبضه

شَرَطَ ذَلِكَ الْمُسْلَمُ لَهُ جَازَ الْخُلْفُ إذَا رَضِيَ وَحْدَهُ وَإِلَّا فُسِخَ وَإِنْ شَرَطَ السَّلَمَ عَادَ الْجَوَابُ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ بِفَاسِدٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَفَاءِ بِهِ مَنْفَعَةٌ هَلْ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ كَانَ الْمَعْنَى أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ بَائِعُهَا لَا شَيْءَ عِنْدَهُ سِوَاهَا وَيَكُونَ لَهُ شَيْءٌ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ بَيْعَهُ لِخُلْفِهَا أَوْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ مُشْتَرِيهَا لِحِلِّهَا فَيَكُونُ لِكُلٍّ شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ اهـ. بِاخْتِصَارٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ [إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ بَعْدَ قَبْضِهِ] (الْخَامِسُ) إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ بَعْدَ قَبْضِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ السَّلَمُ بِحَالٍ وَسَوَاءٌ كَانَ السَّلَمُ فِي عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَلِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعُ بِالْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ظُهُورُ الْعَيْبِ بَعْدَ حَوَالَةِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ لَا تُفِيتُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيَغْرَمَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَيَرْجِعَ بِمِثْلِ الصَّفْقَةِ الَّتِي كَانَ أَسْلَمَ فِيهَا فَإِنْ أَحَبَّ الْإِمْسَاكَ أَوْ كَانَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِهِبَةٍ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَقِيلَ يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا قَبَضَ مَعِيبًا وَيَرْجِعُ بِالصَّفْقَةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْعَيْبِ شَرِيكًا فِي الصَّفْقَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ الرُّبْعَ رَجَعَ بِمِثْلِ رُبْعِ الصَّفْقَةِ الَّتِي أَسْلَمَ فِيهَا شَرِيكًا لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَقِيلَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ أَسْلَمَ، اللَّخْمِيُّ. وَأَرَى أَنْ يَكُونَ الْمُسَلِّمُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ وَيَرْجِعَ بِالْمِثْلِ وَيَنْقُصَ مِنْ السَّلَمِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ اهـ بِاخْتِصَارٍ أَيْضًا مِنْ اللَّخْمِيِّ [اخْتِلَاف الْمُسْلَمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ] (السَّادِسُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قُلْت لَهُ حِينَ رَدَّهَا إلَيْك: مَا دَفَعْت لَكَ إلَّا جِيَادًا فَالْقَوْلُ قَوْلُكَ وَتَحْلِفُ مَا أَعْطَيْتُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَخَذَهَا مِنْكَ عَلَى أَنْ يَزِنَهَا مِنْكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْكَ بَدَلُهَا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: وَيَحْلِفُ إلَخْ زَادَ فِي الْوَكَالَاتِ وَلَا أَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِي اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ: يُرِيدُ وَيَزِيدُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الدَّفْعِ قَدْ يُعْطَى جِيَادًا فِي عِلْمِهِ، ثُمَّ الْآنَ يَعْرِفُ أَنَّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ. قَوْلُهُ: فِي عِلْمِكَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَيَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ قَابِضُهَا الرَّادُّ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهُ مُوقِنٌ اهـ. كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ فَإِنْ نَكَلَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ إنْ نَكَلَ سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْعِلْمِ إذْ لَا فَرْقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ وَجَدَ الدَّرَاهِمَ زُيُوفًا فَإِنْ قَيَّدَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْطُورِ أَنَّهُ قَبَضَ طَيِّبَةً فَالْبَائِعُ مُدَّعٍ وَالْمُشْتَرِي مُدَّعًى عَلَيْهِ وَلَيْسَ تَحْلِيفُ الْمُبْتَاعِ لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِهَا طَيِّبَةً جِيَادًا أَوْ إنْ سَقَطَ هَذَا مِنْ الْعَقْدِ حَلَفَ لَهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمُبْتَاعُ: مَا عَلِمْت مِنْ دَرَاهِمَ يَحْلِفُ لَقَدْ دَفَعْتُهَا إلَيْكَ جِيَادًا فِي عِلْمِي وَمَا عَلِمْت هَذِهِ مِنْ دَرَاهِمِي فَإِنْ حَقَّقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَرَاهِمِهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا دَرَاهِمُهُ وَمَا خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا وَلَزِمَهُ بَدَلُهَا وَدَعْوَى النَّقْصِ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَ الْبَائِعُ أَنَّهُ قَبْضَهَا تَامَّةً لَمْ يَحْلِفْ لَهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ دَفَعَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّصْدِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ اهـ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ صَيْرَفِيًّا أَوْ غَيْرَ صَيْرَفِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: أَمَّا الصَّرَّافُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي هَذَا عَلَى الْبَتِّ اهـ، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَخَذَهَا مِنْكَ إلَخْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الدَّافِعُ وَالْقَابِضُ فَقَالَ الدَّافِعُ: إنَّمَا أَخَذْتُهَا عَلَى الْمُفَاصَلَةِ، وَقَالَ الْقَابِضُ: إنَّمَا أَخَذْتُهَا عَلَى التَّقْلِيبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ كَالْمُتَبَايِعِينَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْبَتْلِ وَالْخِيَارِ اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ دَفْعِ رَدِيءٍ أَوْ نَاقِصٍ (السَّابِعُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا مَا اتَّفَقَ عَلَى أَنَّهُ جَيِّدٌ فَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ لِرَدَاءَتِهِ فَلَا يُجْبَرُ الدَّافِعُ عَلَى بَدَلِهِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى أَنَّهُ رَدِيءٌ اهـ. وَتَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا عَنْ النَّوَادِرِ فِي بَابِ الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَدْءِ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَازُعِ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ وَمَنْ كَانَ

عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَجَلٍ فَأَحْضَرَهُ لِيَقْضِيَهُ فَقَالَ شَاهِدَانِ: هُوَ رَدِيءٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ جَيِّدٌ لَمْ يَلْزَمْ الَّذِي هُوَ لَهُ قَبْضُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ حَتَّى يُتَّفَقَ عَلَى جَوْدَتِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ الَّذِي هُوَ لَهُ فَلَمَّا قَلَّبَهُ أَلْفَاهُ رَدِيئًا بِزَعْمِهِ أَوْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ وَشَهِدَ غَيْرُهُمَا أَنَّهُ جَيِّدٌ لَمْ يَجِبْ لَهُ رَدُّهُ إلَّا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى رَدَاءَتِهِ اهـ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّيْرَفِيِّ يَقُولُ فِي الرَّدِيءِ إنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ يُغَرُّ مِنْ نَفْسِهِ وَيُظْهِرُ الْمَعْرِفَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَاخِرَ كِتَابِ الْغَصْبِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مَسْأَلَةَ الصَّيْرَفِيِّ يَغُرُّ مِنْ نَفْسِهِ، وَنَصُّهُ: وَكَذَلِكَ الصَّيْرَفِيُّ يَقُولُ فِي دِرْهَمٍ تُرِيهِ إيَّاهُ إنَّهُ جَيِّدٌ فَيُلْفَى رَدِيئًا فَإِنْ غُرَّ مِنْ نَفْسِهِ عُوقِبَ وَلَمْ يَغْرَمْ اهـ وَانْظُرْ مَسْأَلَةَ الِاسْتِئْجَارِ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَغُرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهَلْ لَهُ أَجْرٌ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَإِنْ غُرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَاخْتُلِفَ هَلْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَهُ الْأُجْرَةُ وَيُحَاسِبُهُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالتَّصْدِيقُ فِيهِ كَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ السَّلَمِ الثَّانِي قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ الْكَبِيرِ قَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ فِي الَّذِي أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ الطَّعَامَ عَلَى التَّصْدِيقِ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَصْدِيقُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ لِأَجْلِ تَعْجِيلِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيَدْخُلُهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَهُوَ بِمَعْنَى ضَعْ وَتَعَجَّلَ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ جَازَ إنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَهُ ضَعْ وَتَعَجَّلَ وَيَدْخُلُ مَعَ ذَلِكَ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدَكَ، اهـ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّصْدِيقُ فِي الْمُعَجَّلِ قَبْلَ أَجَلِهِ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ: مَنْ اشْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ شَقَّةً عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا فَقِيلَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ أَشْتَرِي مِنْكَ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا فَإِنْ وَجَدَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا سَمَّى مِنْ الْأَذْرُعِ فَالْبَائِعُ شَرِيكٌ لَهُ بِالزِّيَادَةِ كَالصُّبْرَةِ تُشْتَرَى عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ فَيَجِدُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةٍ فَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ وَجَدَ أَقَلُّ مِمَّا نَقَصَ كَانَ أَقَلَّ كَمُسْتَحَقٍّ إنْ قَلَّ لَزِمَ الْمُبْتَاعُ بِأَقَلَّ بِحِسَابِهِ وَإِنْ كَثُرَ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَخْذِ مَا وَجَدُوهُ أَوْ مَنَابَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ وَقِيلَ ذَلِكَ كَالصِّفَةِ لِمَا ابْتَاعَ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ مِمَّا سُمِّيَ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ وُجِدَ أَقَلُّ خُيِّرَ فِي أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَمِنْ رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ اهـ. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ مُخْتَصَرًا، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى إنَّ الثَّانِيَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا جَمِيعَهُ فِي أَوَاخِرِ بَيْعِ الْخِيَارِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَانْظُرْ نَوَازِلَ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْخِيَارِ وَالشُّقَّةِ وَالْخَشَبِ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، ثُمَّ يُوجَدُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ الزَّائِدُ الْمَعْرُوفُ وَالنَّقْصُ) ش: يُرِيدُ سَوَاءٌ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ الَّتِي لَمْ تُفَارِقْ نَقْصًا أَوْ زِيَادَةً بِنَقْصِ الْكَيْلِ أَوْ زِيَادَتِهِ فَذَلِكَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ انْتَهَى. وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ، ثُمَّ لَكَ عَنْ قَوْلِهِ فَلَا رُجُوعَ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ جَارٍ فِي الطَّعَامِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَفِي الطَّعَامِ الْمَبِيعِ وَهِيَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَوَائِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بَيِّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْ) ش: زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ حِينِ قَبْضِهِ حَتَّى وُجِدَ فِيهِ النَّقْصُ. اهـ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ أَوْ تَكُونُ بَيِّنَةٌ حَضَرَتْ كَيْلَ الْبَائِعِ الطَّعَامَ، وَأَنَّهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ) إذَا زَادَ النَّقْصُ عَنْ الْمُتَعَارَفِ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ رَجَعَ الْمُسْلِمُ عَلَى الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِجَمِيعِ النَّقْصِ وَلَا يَتْرُكُ إلَى الْمُسَلِّمِ إلَيْهِ مِقْدَارَ نَقْصِ الْكَيْلِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ: وَهُوَ كَالْجَوَائِحِ إذَا جَاحَ دُونَ الثُّلُثِ لَا يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ وَإِنْ جَاحَ الثُّلُثُ وُضِعَ عَنْهُ قَدْرُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ لَا يُوضَعُ الثُّلُثُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى فَسَادِ الْيَسِيرِ مِنْ الثَّمَرَةِ اهـ. (الثَّانِي) إذَا ثَبَتَ النَّقْصُ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ سَلَمٍ أَوْ مِنْ بَيْعٍ مَضْمُونٍ رَجَعَ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا رَجَعَ بِحِصَّةِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَ الرَّجْرَاجِيُّ مَحَلَّ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَرَةِ فِيمَا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَأَمَّا إنْ كَانَ كَثِيرًا فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ وَأَمَّا حَدُّ الْقَلِيلِ فَقَالَ: يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْعُيُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى) ش: يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ لِعَدَمِ التَّصْدِيقِ وَالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لَكَ لَقَدْ أَوْفَى إلَخْ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَإِلَّا حَلَفَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْبَائِعُ لَقَدْ أَوْفَى لَهُ جَمِيعَ مَا سَمَّى لَهُ إنْ كَانَ اكْتَالَهُ هُوَ أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ الَّذِي يُذْكَرُ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٍ: لَيْسَ فِي الْأُمَّهَاتِ أَوْ إنَّ الْمُبْتَاعَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ بِأَيِّ اللَّفْظَيْنِ شَاءَ هَذَا فِي الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَقَدْ أَوْفَى إلَخْ وَانْظُرْ قَوْلَهُ لَقَدْ بَاعَهُ إلَخْ كَيْفَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْيَمِينِ كَوْنُهَا عَلَى حَسَبِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ يُوَافِقُ عَلَى ابْتِيَاعِهِ عَلَى مَا فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ لَمْ تُوفِنِي ذَلِكَ فَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ لَقَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ الَّذِي ذُكِرَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّعَامِ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَنَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَالْبَائِعُ صَادِقٌ فِي يَمِينِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَبْدِيلِ هَذَا اللَّفْظِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. ص (وَلَقَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ) ش: هَذَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ الْمَقْبُوضُ مَبْعُوثًا بِهِ إلَى الْبَائِعِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَهَذَا تَصْدِيقُ التَّصْدِيقِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ التَّسْمِيَةُ ظَاهِرًا إلَّا إذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ الشُّيُوخُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا حَلَفْتَ وَرَجَعْتَ) ش قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَنْطَبِقُ عَلَى قَوْلِهِ وَحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى وَعَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ عَلِمَ مُشْتَرِيهِ اهـ. أَمَّا كَوْنُهُ يَنْطَبِقُ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى فَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا إذَا بَعَثَ بِالطَّعَامِ إلَيْهِ وَأَعْلَمَ مُشْتَرِيهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا حَلَفْتَ وَرَجَعْتَ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَنْطَبِقُ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ عَلِمَ مُشْتَرِيهِ فَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُمْ وَقَيَّدُوا بِهِ إطْلَاقَ الْمُدَوَّنَةِ وَصِفَةَ يَمِينِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ وَجَدَهُ كَذَا عَلَى نَحْوِ مَا ادَّعَاهُ، قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ حَاضِرًا عِنْدَهُ أَوْ كَانَ مَبْعُوثًا بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مُشْتَرِيهِ وَقُلْنَا لِلْمُشْتَرِي احْلِفْ وَارْجِعْ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ أَنَّهُ لَقَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَحْلِيفَهُ؛ لِأَنَّ تَبْدِئَةَ الْمُشْتَرِي بِالْحَلِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا هُوَ حَقٌّ لَهُ فَإِذَا تَرَكَهُ يَرْجِعُ الْحَالُ إلَى الْأَصْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) غَالِبُ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا إنَّمَا هِيَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي النَّقْصَ وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَلِطَ فِي الْمَكِيلِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ الْآنَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَسْلَمَتْ عَرْضًا فَهَلَكَ فَهُوَ مِنْهُ إنْ أَهْمَلَ أَوْ أَوْدَعَ أَوْ عَلَى الِانْتِفَاعِ وَمِنْكَ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَوُضِعَ لِلتَّوَثُّقِ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ فِيهَا فَقَالَ عَرْضًا يُغَابُ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: لَا يَخْلُو إبْقَاءُ هَذَا

الْعَرْضِ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَذَكَرَ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَقَوْلُهُ: إنْ أَهْمَلَ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ، وَنَصُّهُ: الرَّابِعُ أَنْ يَبْقَى بِيَدِ الْمُسْلِمِ مُهْمَلًا بِلَا نِيَّةٍ فَهَذَا الْوَجْهُ يُحْمَلُ فِيهِ الْعَرْضُ عَلَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ: قَوْلُ أَنَّهَا كَالْمَحْبُوسَةِ لِلْإِشْهَادِ اهـ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَوْدَعَ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَنَصُّهُ: أَحَدُهَا أَنْ يَبْقَى بِيَدِ الْمُسْلِمِ وَدِيعَةً بَعْدَ أَنْ دَفَعَهُ إلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ وَدِيعَةً فَهَذَا الْوَجْهُ يَكُونُ ضَمَانُ الْعَرْضِ فِيهِ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْوَدَائِعِ اهـ. قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ: فَإِنْ ادَّعَى بَائِعُهُ تَلَفَهُ وَإِنْ أَحَدًا غَصَبَهُ إيَّاهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَحْلِفُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَنَّهُ كَذَبَ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ وَالسَّلَمُ عَلَى حَالِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا جَارٍ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْوَجْهِ: وَإِنْ أَسْلَمَتْ إلَى رَجُلٍ عَرْضًا يُغَابُ عَلَيْهِ فِي حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ فَأَحْرَقَهُ رَجُلٌ فِي يَدِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَهُ وَدِيعَةً بِيَدِكَ بَعْدَ أَنْ دَفَعْتَ إلَيْهِ فَهُوَ مِنْهُ وَيَتْبَعُ الْجَانِيَ بِقِيمَتِهِ وَالسَّلَمُ ثَابِتٌ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى قَوْلِهِ: قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ يَعْنِي الْقَبْضَ الْحِسِّيَّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: بَعْدَ أَنْ دَفَعْتَهُ إلَيْهِ أَيْ قَالَ لَهُ خُذْهُ وَفِي الْأُمَّهَاتِ إنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ دَفَعَهُ إلَى الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَدِيعَةً فَالضَّمَانُ مِنْهُ، عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قَوْلُهُ: ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ قَوْلَهُ خُذْهُ وَاتْرُكْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ اهـ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الِانْتِفَاعِ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ، وَنَصُّهُ: الثَّانِي أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ عَلَى جِهَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ حُكْمُ الْعَرْضِ فِيهِ حُكْمُ الثَّوْبِ الْمُسْتَأْجَرِ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ اهـ. وَقَوْلُهُ لِمَنَافِعَ فَاللَّامُ الْجَرِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَمِنْكَ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَوُضِعَ لِلتَّوَثُّقِ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَنَصُّهُ: الثَّالِثُ أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ عَلَى جِهَةِ التَّوَثُّقِ حَتَّى يُشْهِدَا فَهَذَا الْوَجْهُ حُكْمُ الْعَرْضِ فِيهِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجَرِ يَضْمَنُهُ الْمُسَلِّمُ ضَمَانَ تُهْمَةٍ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ اهـ. وَعَلِمْت مِنْ هَذَا حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَقَوْلُهُ لِلتَّوَثُّقِ أَيْ يَتَوَثَّقُ بِهِ حَتَّى يُشْهِدَا أَوْ يَأْتِي بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ نَفْسَهُ يَتَوَثَّقُ بِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ رَهْنًا عِنْدَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ، وَنَصُّهُ: فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاحْتِبَاسُ بِالثَّمَنِ فِيمَا بِيعَ نَقْدًا وَأَمَّا مَا بِيعَ بِنَسِيئَةٍ فَلَيْسَ لِبَائِعِهِ احْتِبَاسُهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِهِ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا نَاجِزًا لَكِنْ فِي مَعْنَى الِاحْتِبَاسِ بِالثَّمَنِ احْتِبَاسُهُ حَتَّى يُشْهِدُوا هَذَا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ عَلَى النَّقْدِ وَفِي الْبَيْعِ عَلَى النَّسِيئَةِ اهـ. وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وُضِعَ لِلتَّوَثُّقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُضَعْ لِلتَّوَثُّقِ كَانَ الْحُكْمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَهِيَ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّفْصِيلِ فِيهَا بَيْنَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِ قِيَامِهَا وَذَلِكَ بَيِّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَرْضُ حَاضِرًا كَذَا فَرَضَ اللَّخْمِيِّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ الْإِهْمَالُ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ مَا لَمْ يُصَدَّقَ يَعْنِي الْمُسْلِمَ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِهِ، ثُمَّ يُخْتَلَفُ إذَا كَانَ غَائِبًا مَحْبُوسًا فِي الْإِشْهَادِ وَهَلْ تَكُونُ مُصِيبَتُهُ مِنْ بَائِعِهِ أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْبَائِعُ فَأَحْرَقَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَالسَّلَمُ بِحَالِهِ وَلَا يَصْلُحُ فِيهِ الْإِقَالَةُ ص (وَنُقِضَ السَّلَمُ وَحَلَفَ) ش: إذَا وُضِعَ الْعَرْضُ لِلتَّوَثُّقِ وَتَلِفَ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُنْقَضُ السَّلَمُ بَعْدَ حَلِفِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ ضَاعَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ أَخْفَاهُ، وَفِي قَوْلِهِ حَلَفَ الْتِفَاتٌ

مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْأَخِيرُ الْآخَرُ) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُسْلِمُ عَلَى أَنَّهُ تَلِفَ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْأَخِيرُ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ الْمُسْلَمُ قِيمَةَ الْعَرَضِ وَيَثْبُتَ عَلَيْهِ السَّلَمُ أَوْ لَا يَغْرَمُهُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَسْلَمَتْ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا فَالسَّلَمُ ثَابِتٌ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا فَقَتَلَهَا رَجُلٌ بِيَدِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَوْ كَانَتْ دُورًا أَوْ أَرْضِينً فَعَدَا فِيهَا رَجُلٌ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ أَوْ احْتِفَارٍ فَأَفْسَدَهَا فَلِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ طَلَبُ الْجَانِي وَالسَّلَمُ ثَابِتٌ اهـ. زَادَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ احْتِفَارٍ لَفْظَ فَقَالَ أَوْ احْتِفَارِ الْأَرْضِ إلَى آخِرِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُسْلِمُ انْقِلَابَ الدَّوَابِّ وَإِبَاقَ الرَّقِيقِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ قَالَهُ فِي كِتَابِ بَيْعِ الْخِيَارِ اهـ. ص (وَيُتْبَعُ الْجَانِي) ش: قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ: أَيْ الْجَانِي الْأَجْنَبِيُّ فَإِذَا تَعَدَّى عَلَيْهِ فَأَهْلَكَهُ أَتْبَعَهُ مَنْ كَانَ ضَامِنًا لَهُ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِمَا أَبَتْ لَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: مَنْ كَانَ ضَامِنًا يَعْنِي بِهِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعَقَارِ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ مِنْ أَوْجُهِ الْعَرْضِ وَالْمُسْلِمُ بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ أَوْجُهِ الْعَرْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُعْلَمَ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ شَخْصًا أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسَلِّمِ وَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَفَ شَخْصٌ بِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَاَلَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ أَنْ يَتْبَعَ الْجَانِيَ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُتْبَعُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَيَكُونُ رَاجَعَا إلَى مَسْأَلَةِ الْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ إجْمَالٌ وَالْكَلَامُ الْمُفَصَّلُ الْبَيِّنُ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَاعْلَمْ قَبْلَهُ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ ضَمَانُ الْعَرْضِ فِيهَا مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ ضَمَانُهُ مِنْهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُسَلِّمِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ بَعْدَمَا صَارَ فِي ضَمَانِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ هَلَاكُهُ مِنْ اللَّهِ أَوْ بِسَبَبِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ سَبَبِ الْمُسَلِّمِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ عَلَى حَسَبِ تَضْمِينِ الْمُتْلَفَاتِ وَكَذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِسَبَبِهِ وَإِنْ كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُسَلِّمِ انْفَسَخَ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ قَاصِدًا إلَى قَبْضِهِ وَإِتْلَافِهِ فَيَكُونَ السَّلَمُ صَحِيحًا وَإِنْ جُهِلَ مِمَّنْ هَلَاكُهُ فَهَاهُنَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ السَّلَمَ يَنْفَسِخُ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ جُهِلَ مِمَّنْ هَلَاكُهُ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى مَا فِي ضَمَانِ الْمُسَلِّمِ وَإِلَّا فَمَا فِي ضَمَانِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ لَفْظِهِ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِيمَنْ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَإِذَا كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَجُهِلَ مِمَّنْ هَلَاكُهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُسَلِّمُ إنْ كَانَ يُتَّهَمُ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَإِذَا تَرَكَ الثَّوْبَ بِيَدِ الَّذِي لَهُ السَّلَمُ فَأَحْرَقَهُ رَجُلٌ يُشْهِدُ عَلَيْهِ الَّذِي بِيَدِهِ الثَّوْبُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ مَلِيئًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ مُعْدِمًا لَمْ يَجُزْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إذْ يَصِيرُ لَهُ مَا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ سَلَمَهُ وَقَدْ قِيلَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَ فِي عَيْنِهِ وَلَا يَدْرِي مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يُزِيلَ عَيْبَ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَقَدْ يُتَّهَمُ فِي إمْسَاكِهَا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِحَالٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: تَرْكُ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْمُسَلِّمِ عَلَى جِهَةِ الْوَدِيعَةِ وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَعَدَا عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ وَشَهِدَ بِذَلِكَ الْمُسَلِّمُ فَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَوْ لَا، لِلْمُتَأَخِّرِينَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، وَالثَّانِي رَدُّهَا مُطْلَقًا إذْ فِي

الْمَذْهَبِ قَوْلُ إنَّهُ يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ بَرَاءَةَ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْيَمِينُ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ إنْ كَانَ فَقِيرًا لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمَا يَعْمُرُ ذِمَّتَهُ لِيَسْتَحِقَّ طَلَبَهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلَا تُهْمَةَ فَتَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ مَتَى تَبَيَّنَتْ التُّهْمَةُ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ وَمَتَى لَمْ تَتَبَيَّنْ جَازَتْ اهـ. وَنَقَلَهَا فِي الشَّامِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نَقْدَيْنِ) ش: الضَّمِيرُ فِي يَكُونَا عَائِدٌ عَلَى الْعِوَضَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ لَهُمَا ذِكْرٌ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْلُومَانِ وَيَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَمُ طَعَامٍ فِي طَعَامٍ وَلَا نَقْدٍ فِي نَقْدٍ وَتَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نَقْدَيْنِ لِلنَّسَأِ وَالتَّفَاضُلِ وَجَرَى يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي ذِكْرِ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ فِي الشُّرُوطِ عَلَى مَا هُوَ الْمَأْلُوفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالتَّحْقِيقُ إنَّمَا هِيَ مَوَانِعُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ مُنَافٍ لِلسَّلَمِ وَكُلُّ مَا كَانَ وُجُودُهُ مُنَافِيًا لِلْمَاهِيَّةِ فَهُوَ مَانِعٌ اهـ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا إنْ قُلْت لِأَيِّ مَعْنًى ذَكَرَ هَذِهِ الصُّورَةَ فِي شُرُوطِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شُرُوطِ مَا هُوَ خَاصٌّ بِهِ لَا فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ السَّلَمِ، وَهُوَ الْبَيْعُ إذْ الطَّعَامَانِ وَالنَّقْدَانِ يَمْتَنِعُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ السَّلَمِ أَيْضًا فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَا قَبْلَ هَذَا، وَأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ فَأَيُّ وَجْهٍ لِإِعَادَتِهِمَا (قُلْت) لَيْسَ ذِكْرُهُمَا هُنَا مَقْصُودًا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَلِّفُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ السَّلَمُ إلَى بَيْعِ شَيْءٍ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْعِبَارَاتِ فَابْتَدَأَ بِذِكْرِ الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ عَلَى جِهَةِ التَّدْرِيجِ وَتَكْمِيلِ الْفَائِدَةِ اهـ. وَمِثْلُهُ يُقَالُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ فِي سَلَمِ النَّخْلِ الْمُثْمِرَةِ فِي الطَّعَامِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: إنْ أَزْهَى مُنِعَ وَإِلَّا جَازَ اهـ. مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْأَصَحُّ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ أَوْ أَجْوَدَ) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى ضَمِيرِ يَكُونُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ. ص (كَالْعَكْسِ) ش:؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِنَّمَا تَمْتَنِعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يَنُصَّا عَلَى الضَّمَانِ بِالْجُعْلِ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنَّ دَفْعَ كَثِيرٍ فِي قَلِيلٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ غَالِبًا فَلِذَلِكَ تُضَعَّفُ التُّهْمَةُ عَلَيْهِ اهـ. ص (إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ) ش: أَيْ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ مَنَافِعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ سَلَمُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَفِي أَقَلَّ وَفِي أَجْوَدَ وَفِي أَرْدَأَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ تُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَالْجِنْسَيْنِ وَمِثْلُ ذَلِكَ بِالْفَارِهِ مِنْ الْحُمُرِ الْأَعْرَابِيَّةِ فَإِنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَكِنَّ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ صَيَّرَهُمَا جِنْسَيْنِ وَكَذَا السَّبَقُ فِي الْخَيْلِ وَالْحَمْلُ فِي الْإِبِلِ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ وَالْعَمَلِ فِي الْبَقَرِ وَكَثْرَةُ اللَّبَنِ فِي الْغَنَمِ وَالصِّغَرُ وَالْكِبَرُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَالْغَنَمِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَلِكَ رَقِيقُ الْقُطْنِ وَغَلِيظُهُ وَرَقِيقُ الْكَتَّانِ وَغَلِيظُهُ وَكَذَلِكَ الْحَرِيرُ وَالصُّوفُ. ص (كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ جِنْسٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ إلَّا أَنْ يُقَرَّبَ مَا بَيْنَهُمَا هَكَذَا حَكَى الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ اهـ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَلْ الْبِغَالُ مَعَ الْحَمِيرِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَلَا يُسَلَّمُ حِمَارٌ فِي بَغْلٍ وَلَا بَغْلٌ فِي حِمَارٍ حَتَّى يَتَبَايَنَا كَتَبَايُنِ الْحَمِيرِ أَوْ تَبَايُنِ الْبِغَالِ؟ هَذَا

مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ هُمَا جِنْسَانِ وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ إلَى أَنْ يَقْرُبَ مَا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ. ص (وَسَابِقُ الْخَيْلِ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ هَلْ تَخْتَلِفُ الْخَيْلُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ لَا تَخْتَلِفُ الصِّغَارُ مِنْ الْكِبَارِ فِي جِنْسٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ اهـ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَاعْتَبَرَ اللَّخْمِيُّ فِي الْخَيْلِ الْجَمَالَ أَيْضًا ص (لَا كَهِمْلَاجٍ) ش: قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْهِمْلَاجُ بِالْكَسْرِ مِنْ الْبَرَاذِينِ الْهَمْلَجِ وَالْهَمْلَجَةُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَشَاةٌ هِمْلَاجٌ لَا مُخَّ فِيهَا لِهُزَالِهَا وَأَمْرٌ مُهَمْلَجٌ مُذَلَّلٌ مُنْقَادٌ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْهَمْلَجَةُ وَالْهِمْلَاجُ حُسْنُ سَيْرِ الدَّابَّةِ فِي سُرْعَةٍ، وَدَابَّةٌ هِمْلَاجٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. ص (وَبِقُوَّةِ الْبَقَرَةِ وَلَوْ أُنْثَى) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْبَقَرُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا دَخَلَتْهُ التَّاءُ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جِنْسٍ وَالْجَمْعُ الْبَقَرَاتُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَقَرَةُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ الْجَمْعُ بَقَرٌ وَبَقَرَاتٌ وَبُقُرٌ بِضَمَّتَيْنِ اهـ. وَتَصَوُّرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: (تَنْبِيهٌ) وَالْجَوَازُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمُبَايَعَةِ بِأَنْ تُسَلَّمَ الْبَقَرَةُ الْقَوِيَّةُ فِي بَقَرَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا سَلَمُ بَقَرَةٍ قَوِيَّةٍ فِي بَقَرَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ وَعَكْسُهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ لَكِنْ نَصَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ أَجَازَ فِيهَا سَلَمَ فَرَسَيْنِ سَابِقَيْنِ فِي فَرَسَيْنِ لَيْسَا كَذَلِكَ اهـ. (قُلْت) الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ أَجَازَ سَلَمَ فَرَسَيْنِ فِي فَرَسَيْنِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَسَلِمَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْبَقَرَةِ بَلْ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصَحَّحَ خِلَافَهُ) ش: أَيْ صَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَ الشَّارِحُ: حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ: يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّأْنِ كَالتَّابِعِ لِمَنْفَعَةِ الصُّوفِ؛ وَلِأَنَّ لَبَنَهَا غَالِبًا أَقَلُّ مِنْ لَبَنِ الْمَعْزِ وَأَمَّا الْمَعْزُ فَمَنْفَعَةُ شَعْرِهَا يَسِيرَةٌ وَلَبَنُهَا كَثِيرٌ فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا اهـ. (فَإِنْ قُلْت) الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْجَوَازُ وَلِوُضُوحِهِ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَإِنَّهُ حَكَمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْغَنَمِ كُلِّهَا بِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السَّلَمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الْإِبِلَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَيُسَلِّفَ الْبَقَرَ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَيُسَلِّفَ الْغَنَمَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَيُسَلِّفَ الْحَمِيرَ فِي الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُسَلَّفَ الْحَمِيرُ فِي الْبِغَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحُمُرُ الْأَعْرَابِيَّةُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا أَنْ يُسَلَّفَ الْفَارِهُ النَّجِيبُ وَكَذَلِكَ إذَا سُلِّفَتْ الْحَمِيرُ فِي الْبِغَالِ وَالْبِغَالُ فِي الْحَمِيرِ وَاخْتَلَفَتْ كَاخْتِلَافِ الْحِمَارِ الْفَارِهِ النَّجِيبِ بِالْحِمَارِ الْأَعْرَابِيِّ فَجَائِزٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُسَلَّفُ صِغَارُ الْغَنَمِ فِي كِبَارِهَا وَلَا كِبَارُهَا فِي صِغَارِهَا وَلَا مَعْزُهَا فِي ضَأْنِهَا وَلَا ضَأْنُهَا فِي مَعْزِهَا؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا مَنْفَعَتُهَا لِلَّحْمِ لَا لِلْحُمُولَةِ إلَّا شَاةً غَزِيرَةَ اللَّبَنِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُسَلَّمَ فِي مَوَاشِي الْغَنَمِ وَإِذَا

اخْتَلَفَتْ الْمَنَافِعُ فِي الْحَيَوَانِ جَازَ سَلَمُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ اتَّفَقَتْ أَسْنَانُهَا أَوْ اخْتَلَفَتْ اهـ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ هُوَ الْمَنْصُوصُ لَهُمْ وَالْفِقْهُ الْجَلِيُّ هُوَ مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِإِثْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْمَنَافِعُ فِي الْحَيَوَانِ إلَخْ فَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ هُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الِاخْتِلَافُ غَالِبًا عِنْدَ النَّاسِ فَيَرْبِطُ الْحُكْمَ بِهِ وَرُبَّمَا كَانَ غَيْرُ الْفَقِيهِ أَعْرَفَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ الْفَقِيهِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَشَبَهِهَا مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَالرِّوَايَةِ بَلْ يَتْبَعُ مُقْتَضَى الْفِقْهِ حَيْثُمَا وَجَدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَكَصَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ إلَى آخِرِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِهِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ وَيَصِيرُ كَالْجِنْسَيْنِ الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ فِي الْحَيَوَانِ إلَّا فِي جِنْسَيْنِ: الْغَنَمِ وَبَنِي آدَمَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ مُخْتَلِفَانِ إلَّا فِي جِنْسَيْنِ: الْغَنَمِ وَبَنِي آدَمَ اهـ. فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ سَلَمُ صَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وَعَكْسُهُ أَيْ كَبِيرٍ فِي صَغِيرَيْنِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا سَلَمُ كَبِيرٍ فِي صَغِيرٍ وَعَكْسِهِ أَوْ كَبِيرَيْنِ فِي صَغِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ لِلْمُزَابَنَةِ وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى خِلَافِهِ أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَمُ الصَّغِيرِ فِي الْكَبِيرِ وَعَكْسِهِ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ لِلْمُزَابَنَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ هُنَا يَعْنِي الْقِمَارَ وَالْخَطَرَ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الصَّغِيرِ فِي الْكَبِيرِ إلَى أَجَلٍ يَكْبُرُ فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ هَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا فَإِنْ مَاتَ كَانَ فِي ذِمَّتِكَ وَإِنْ سَلِمَ عَادَ إلَيَّ وَكَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لَكَ وَفِيمَا إذَا أَعْطَاهُ الْكَبِيرَ فِي الصَّغِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا الْكَبِيرَ عَلَى صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ اهـ. ص (كَالْآدَمِيِّ وَالْغَنَمِ) ش: أَيْ فَلَا يَجُوزُ مِنْ الصِّنْفَيْنِ صَغِيرٌ فِي كَبِيرٍ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا صَغِيرَانِ بِكَبِيرٍ وَلَا عَكْسُهُ. ص (وَكَجِذْعٍ طَوِيلٍ غَلِيظٍ فِي غَيْرِهِ) ش: أَيْ فِي جِذْعٍ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ مُخَالِفٍ لَهُ فِي الطُّولِ وَالْغِلَظِ وَفِي جِذْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لَيْسَتْ مِثْلَهُ قَالَ فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخَشَبُ لَا يُسَلَّمُ مِنْهَا جِذْعٌ فِي جِذْعَيْنِ مِثْلِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ اخْتِلَافُهُمَا كَجِذْعِ نَخْلٍ كَبِيرٍ غِلَظُهُ وَطُولُهُ كَذَا فِي جُذُوعِ نَخْلٍ صِغَارٍ لَا تُقَارِبُهُ فَيَجُوزُ وَإِنْ أَسْلَمَتْهُ فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَجِنْسًا فَهُوَ قَرْضٌ إنْ ابْتَغَيْتَ بِهِ نَفْعَ الَّذِي أَقْرَضْتَهُ جَازَ ذَلِكَ إلَى أَجَلِهِ وَإِنْ ابْتَغَيْتَ بِهِ نَفْعَ نَفْسِك لَمْ يَجُزْ وَرُدَّ السَّلَفُ وَلَا يُسَلَّفُ جِذْعٌ فِي نِصْفِ جِذْعٍ مِنْ جِنْسِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ جِذْعًا عَلَى ضَمَانِ نِصْفِ جِذْعٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَكَذَلِكَ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ

دُونَهُ أَوْ رَأْسٍ فِي رَأْسٍ دُونَهُ إلَى أَجَلٍ لَا خَيْرَ فِيهِ اهـ. وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَجِذْعٍ طَوِيلٍ أَوْ غَلِيظٍ فِي جِذْعٍ يُخَالِفُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الطُّولِ كَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا سَلَمُ الْغَلِيظِ فِي الرِّقَاقِ فَقَدْ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَسْمُهُ عَلَى جُذُوعٍ وَأُجِيبَ بِوُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ الْكَبِيرُ لَا يُجْعَلُ فِيمَا يُجْعَلُ فِيهِ الصِّغَارُ أَوْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الصِّغَارُ إلَّا بِفَسَادٍ لَا يَقْصِدُهُ النَّاسُ (الثَّانِي) أَنَّ الْكَبِيرَ مِنْ نَوْعٍ غَيْرَ نَوْعِ الصَّغِيرِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِذْعِ الصَّغِيرِ الْمَخْلُوقُ لَا الْمَنْجُورُ؛ لِأَنَّ الْمَنْجُورَ يُسَمَّى جَائِزَةٌ لَا جِذْعًا، وَهَذَا الْجَوَابُ لِعِيَاضٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ (تَنْبِيهٌ) يُفْهَمُ مِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ الْخَشَبَ أَصْنَافٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ سَلَفُ جِذْعٍ لَوْ كَانَ فِي نِصْفِ جِذْعٍ لَوْ كَانَ الْجِذْعُ مِثْلَ الصَّنَوْبَرِ وَالنِّصْفُ مِنْ النَّخْلِ أَوْ مِنْ نَوْعٍ غَيْرِ الصَّنَوْبَرِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْوَاضِحَةِ الْخَشَبُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أُصُولُهُ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنَافِعُ وَالْمَصَارِفُ مِثْلُ الْأَلْوَاحِ وَالْجَوَائِزِ وَشَبَهِهَا وَتَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ هَلْ كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَوْ مُخَالِفٌ لَهُ اهـ. مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَجَعَلَهُ الشَّامِلُ خِلَافًا وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَعَطْفُ الثَّانِي بِقِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا االرَّاجِحِ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ أُصُولُ الْخَشَبِ جَازَ سَلَمُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا جَمَلٌ فِي جَمَلَيْنِ مِثْلِهِ) ش: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَنْبِيهٌ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدِّ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَالْكَبِيرَ. ص (وَكَطَيْرٍ عُلِمَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا يُقْتَنَى مِنْ الطَّيْرِ لِلْفِرَاخِ وَالْبَيْضِ كَالدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَالْحَمَامِ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهُ صِنْفٌ عَلَى حِدَتِهِ صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ ذَكَرُهُ وَأُنْثَاهُ وَإِنْ تَفَاضَلَ بِالْبَيْضِ وَالْفِرَاخِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ جَازَ وَاحِدٌ مِنْهُ بِاثْنَيْنِ لِأَجَلٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يُقْتَنَى لِبَيْضٍ وَلَا فِرَاخٍ إنَّمَا يُتَّخَذُ لِلَّحْمِ فَسَبِيلُهَا سَبِيلُ اللَّحْمِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُرَاعِي حَيَاتَهَا إلَّا مَعَ اللَّحْمِ وَأَشْهَبُ يُرَاعِيهَا فِي كُلِّ حَالٍ فَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِهِ سَلَمُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا بِمَنْزِلَةِ مَا يُقْتَنَى لِبَيْضٍ أَوْ فِرَاخٍ اهـ. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزِّ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَالْحَمَامُ صِنْفٌ وَمَا لَا يُقْتَنَى مِنْ الْوَحْشِ كَالْحَجْلِ وَالْيَمَامِ هُوَ كَاللَّحْمِ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ حَيًّا إلَّا تَحَرَّيَا يَدًا بِيَدٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ

أَنَّ الْإِوَزَّ وَالدَّجَاجَ جِنْسَانِ وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُمَا مَعًا فِي قُطْرِ الْأَنْدَلُسِ اهـ. وَنَقَلَهُ الرَّجْرَاجِيُّ، وَقَالَ: وَأَمَّا سَائِرُ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ مِمَّا لَا يُقْتَنَى لِفِرَاخٍ وَلَا بَيْضٍ مِثْلُ الْحَجَلِ وَالْيَمَامِ مَجْرَاهُ مَجْرَى اللَّحْمِ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَإِنْ حَيًّا إلَّا تَحَرَّيَا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ بِأَوِزٍّ أَوْ دَجَاجٍ أَوْ حَمَامٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ اهـ. ص (وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ) ش: رَدَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأَمْرَ فِيهِ إلَى قَصْدِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ لَوْ كَانَ سَبَبُ الْمَنْفَعَةِ ظَاهِرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ لَمْ يُؤَجَّلْ بِمَعْلُومٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ: سُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَمَّنْ قَالَ: خُذْ دِينَارًا عَلَى قَفِيزَيْنِ قَمْحًا فَأَنْعَمَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا وَلَا صِنْفًا، ثُمَّ قَامَ إلَى نَاحِيَةِ الْمَجْلِسِ فَدَفَعَ لَهُ الدِّينَارَ وَذَكَرَ الْأَجَلَ وَالصِّفَةَ هَلْ يُتِمُّ ذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَابَ إنْ اخْتَلَفَ الْقَمْحُ عِنْدَهُمْ أَوْ الْأَجَلُ فَالْأَوَّلُ فَاسِدٌ وَيُفْسَخُ إذَا كَانَا افْتَرَقَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّقَابُضِ وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَبَاعَدْ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ وَالْقَبْضُ جَائِزٌ وَالسَّلَمُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْقَمْحُ وَصِفَتُهُ مَعْلُومَةٌ عِنْدَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا عَجَّلَ النَّقْدَ أَوْ كَانَ لِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأَمَّا أَبَعْدُ حَدٍّ آجَالِ السَّلَمِ فَحَدُّ مَا يَجُوزُ إلَيْهِ الْبَيْعُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ اهـ. وَهَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي اخْتِصَارِهِ لَهَا مَسْأَلَةُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ أَجَلِ السَّلَمِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: حَدُّهُ مَا يَجُوزُ إلَيْهِ الْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي أَجَلِ الْبَيْعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ، وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينَ: وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ إلَّا إنْ كَانَ مَا يَنْتَهِي الْغَرَرُ لِطُولِهِ اهـ. ص (كَالنَّيْرُوزِ وَالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ) ش: قَالَ فِي الْبُيُوع

فرع باع كرمه على أن ينقده عشرين دينارا يعطيه ثلث الثمن إذا قطف ثلثه

الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ أَوْ الْعَصِيرِ أَوْ إلَى رَفْعِ جُرُونِ بِئْرِ زَرْقُونٍ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَإِنْ كَانَ الْعَطَاءُ مِنْ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَفِصْحِ النَّصَارَى وَصَوْمِهِمْ الْمِيلَادَ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا جَازَ الْبَيْعُ، عِيَاضٌ. الْجَدَادُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَجُرُونُ بِئْرِ زَرْقُونٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ جَمْعُ جَرِينِ، وَهُوَ الْأَنْدَرُ وَكَذَا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَصَوَابُهُ جُرْنٌ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَبِئْرُ زَرْقُونٍ بِفَتْحِ الزَّايِ فَسَّرَهَا فِي الْكِتَابِ بِأَنَّهَا بِئْرٌ عَلَيْهَا زَرْعٌ وَحَصَادٌ، الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَزَرْقُونٍ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْبِئْرُ اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَى اهـ. وَالنَّيْرُوزُ هُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ والسِّرْيانِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَمَعْنَاهُ الْيَوْمُ الْجَدِيدُ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُرْسِ سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ شَهْرِ سَنَتِهِمْ وَيُسَمُّونَ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ نَيْرُوزَ الْخَاصَّةِ وَالسَّادِسَ نَيْرُوزُ الْعَامَّةِ وَالنَّيْرُوزُ الْكَبِيرُ وَالْمِهْرَجَانُ وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْعَنْصَرَةُ، وَهُوَ مَوْلِدُ يَحْيَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ عِيدٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ عِنْدَ الْفُرْسِ، وَهُوَ الْيَوْمُ السَّادِسُ مِنْ شَهْرِ مُهْرَمَاهُ سَابِعُ أَشْهُرِ السَّنَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَآخِرِ يَوْمٍ مِنْ بَئُونَةَ مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ سَادِسَ عَشَرَ مَهْرُ مَا يُسَمَّى مِهْرَجَانَ الْعَامَّةِ وَالْيَوْمُ السَّادِسُ الَّذِي هُوَ حَادِي عِشْرِينِهِ يُسَمَّى الْمِهْرَجَانَ الْكَبِيرَ لِلْخَاصَّةِ وَالْفِصْحُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْحَاءِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْفِصْحُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِهْمَالِ الصَّادِ وَالْحَاءِ يَوْمُ فِطْرِ النَّصَارَى مِنْ صَوْمِهِمْ اهـ. وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَرَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ ضَبْطَهُ فِي أَوَّلِ بُيُوعِ الْآجَالِ بِفَتْحِ الْفَاءِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ عِيَاضٍ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَمَّا صَوْمُ النَّصَارَى وَالْأَشْهُرُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ فَمَعْلُومَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَةِ دُخُولُهُ فِيهَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ فَدُخُولُهُ فِي الْأَشْهُرِ الْقِبْطِيَّةِ دَائِرٌ مَا بَيْنَ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَمْشِيرَ إلَى رَابِعِ يَوْمٍ مِنْ بَرْمَهَاتٍ وَفِي الْعَجَمِيَّةِ هُوَ أَقْرَبُ اثْنَيْنِ إلَى الِاجْتِمَاعِ الْكَائِنِ فِيمَا بَيْنَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شُبَاطَ إلَى الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ آذَارَ وَلَهُ طُرُقٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ الْيَوْمِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمَذْكُورَةِ وَأَيَّامُ صَوْمِهِمْ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَالْيَوْمُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ هُوَ فِطْرُهُمْ الْمُسَمَّى بِالْفِصْحِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَالْمِيلَادُ هُوَ اللَّيْلَةُ الَّتِي صَبِيحَتُهَا الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ كَانُونَ الْأَوَّلِ وَيَنْجَبِرُ وَالتَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ كِيَهْكَ وَيُسَمَّى عِيدَ الْمِيلَادِ وَيَعْنُونَ بِهِ مِيلَادَ الْمَسِيحِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ إلَى النَّيْرُوزِ وَمَا مَعَهُ إنْ عَلِمَا مَعًا حِسَابَ الْعَجِّ وَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ اهـ. [فَرْعٌ بَاعَ كَرْمَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَهُ عِشْرِينَ دِينَارًا يُعْطِيهِ ثُلُثَ الثَّمَنِ إذَا قَطَفَ ثُلُثَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمِ سَلَفَ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ كَرْمَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَهُ عِشْرِينَ دِينَارًا يُعْطِيهِ ثُلُثَ الثَّمَنِ إذَا قَطَفَ ثُلُثَهُ، ثُمَّ يُعْطِيهِ الْبَقِيَّةَ إذَا قَطَفَ الثُّلُثَيْنِ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي هَذَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ حَتَّى يَقْطِفَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ وَلَكِنْ إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ إذَا قَطَفَهُ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَكَأَنَّهُ جُعِلَ مِثْلَ الْحَطِّ وَالْجَدَادِ فِيمَا رَأَيْتُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وُجِدَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ إذَا سَمَّى الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ فَقَدْ صَرَّحَ أَنَّهُ أَرَادَ ثُلُثَ ذَلِكَ الْكَرْمِ بِعَيْنِهِ وَثُلُثَيْهِ وَذَلِكَ غَرَرٌ إذْ لَا يُعْرَفُ مَتَى يَقْطِفُ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَجِّلُ قِطَافَهُ وَقَدْ يُؤَخِّرُهُ وَإِذَا لَمْ يُسَمِّ ثُلُثًا وَلَا جُزْءًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ إذَا قَطَفَهُ كَانَ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ إلَى قِطَافِ ذَلِكَ الْكَرْمِ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ إذَا قَطَفَهُ حَتَّى يَقْطِفَ النَّاسُ فَجَازَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ كَمَنْ بَاعَ إلَى الْحَصَادِ وَإِلَى الْجَدَادِ وَلَوْ بَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ إذَا قَطَفَهُ بِعَيْنِهِ عَجَّلَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لَمَا جَازَ الْبَيْعُ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْبَغُ أَنَّ أَشْهَبَ أَجَازَهُ فِيمَا شَرَطَ إذَا جَدَّ ثُلُثَهُ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَ الثَّمَنِ وَإِذَا جَدَّ الْبَقِيَّةَ دَفَعَ إلَيْهِ الْبَقِيَّةَ، وَقَالَ مَالِكٌ: النِّصْفُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ قِيلَ إنَّهُ يُعْرَفُ

بِالْفَدَادِينِ قَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَالْبَيْعَةُ إلَى فَرَاغِهِ فَحَمَلَ أَشْهَبُ أَمْرَهُمَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا فِيمَا ظَهَرَ إلَيْهِ مَنْ قَصْدَهُمَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَ الثَّمَنِ إذَا جَدَّ ثُلُثَهُ وَالْبَقِيَّةَ إذَا جَدَّ الْبَقِيَّةَ عَلَى أَنْ يَتَعَجَّلَ عَمَّا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْجَدَادِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَإِلَى هَذَا نَحَا مَالِكٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ إلَّا أَنَّهُ رَأَى النِّصْفَ وَالثُّلُثَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْخَرْصِ وَالتَّحَرِّي إذَا تَنَازَعَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُجِزْهُ وَأَجَازَهُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ لَا يَخْفَى، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونِسِيُّ: إذَا جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ إلَى فَرَاغِ جَدَادِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ إلَى جَدَادِ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مُقَدَّرٌ مَعْرُوفٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى وَقَوْلُ مَالِكٍ عِنْدِي أَصَحُّ وَأَوْلَى فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ إذَا بَاعَهُ إلَى قِطَافِهِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُمَا إذَا أَرَادَا إلَى قِطَافِ النَّاسِ لَا إلَى قِطَافِ ذَلِكَ الْكَرْمِ بِعَيْنِهِ وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي عَلَى أَنَّهُمَا إذَا أَرَادَا إلَى قِطَافِ ذَلِكَ الْكَرْمِ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَجَّلَ عَنْ قِطَافِ النَّاسِ وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ وَلَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ: أَيْضًا فِي أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ إلَى قِطَافِ نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَرَادَا إلَى قِطَافِ نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَجَّلَ عَنْ قِطَافِ النَّاسِ وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ فَالنِّصْفُ وَالثُّلُثُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَلَا مَعْرُوفٍ فَرُبَّمَا تَنَازَعَا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْخَرْصِ وَالتَّحَرِّي الَّذِي يَجِبُ بِهِ حُكْمٌ وَأَجَازَ أَشْهَبُ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَهُ إلَى قِطَافِهِ أَوْ بَاعَهُ إلَى قِطَافِ نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ إذَا كَانَ لَا يَتَعَجَّلُ عَنْ قِطَافِ النَّاسِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ التُّجَّارِ يَخْرُجُونَ فِي إبَّانِ الْحَصَادِ يَشْتَرُونَ مِنْ الزَّرَّاعِينَ وَالْحَصَّادِينَ وَهُمْ عَلَى حَصَادِهِمْ وَيَنْقُدُونَهُمْ ذَهَبَهُمْ وَهُمْ يُقِيمُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا قَالَ: أَرْجُو إذَا كَانَ قَرِيبًا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَكَرِهَ أَنْ يُحَدَّ فِيهِ حَدًّا وَكَأَنِّي رَأَيْتُهُ يُخَفِّفُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا اشْتَرَى مِنْهُ كَيْلًا مُسَمًّى اشْتَرَاهُ كُلَّهُ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا عَلَى مَا فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذَلِكَ أَيْ هَذَا الْمِقْدَارَ لِحَاجَةِ الْبَائِعِ إلَى الْمُهْلَةِ فِي عَمَلِهِ وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بَعْدَ دَرْسِ الطَّعَامِ وَتَصْفِيَتِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْكَيْلُ وَالْقَبْضُ فِيهِ إلَّا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوَهُمَا وَلَمْ يَجُزْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ ص (وَفَسَدَ فِيهِ عَلَى الْمَنْقُولِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يُدْفَعُ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَفَضْلٌ اهـ. زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ، وَهُوَ وَسَطُ الشَّهْرِ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ رَجَّحَهُ وَكَذَا ابْنُ سَهْلٍ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي رَسْمِ شَكَّ مِنْ سَمَاع ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِي مَسْأَلَةِ شَهْرِ كَذَا وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ إلَى الصَّيْفِ مَثَلًا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَحِلُّ بِأَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ مَعْلُومٌ كَالشَّهْرِ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ: قِيلَ لَهُ إنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ كَذَا وَلَمْ يُسَمَّ فِي شَهْرٍ مِنْهَا قَالَ: أَرَى أَنْ يُعْطِيَهَا يَعْنِي الدِّيَةَ فِي وَسَطِهَا يَعْنِي السَّنَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ الثَّمَنَ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي سَنَةِ كَذَا أَنَّهُ بَيْعٌ جَائِزٌ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ وَفِي وَسَطِ السَّنَةِ خِلَافُ مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْبَيْعُ عَلَى هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ مَجْهُولٌ وَقَدْ أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْبَيْعَ إلَى الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ وَجَعَلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا يَحِلُّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي عِظَمِ الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ أَوْ بَاعَهُ إلَى الْجَدَادِ وَالْحَصَادِ يَحِلُّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي عِظَمِ الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ إذْ لَيْسَ لِأَوَّلِ الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ مِنْ آخِرِهِ حَدٌّ مَعْلُومٌ مَحْصُورٌ

فَيُحْمَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى عِظَمِهِ بِخِلَافِ الشَّهْرِ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فِي شَهْرِ كَذَا جَازَ الْبَيْعُ وَحَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي وَسَطِهِ بِدَلِيلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ لَمَّا كَانَ أَوَّلُهُ مَعْلُومًا مِنْ آخِرِهِ كَانَ وَسَطُهُ مَعْرُوفًا فَقَضَى بِحُلُولِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ وَإِذَا بَاعَهُ إلَى شَهْرِ كَذَا وَكَذَا حَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِحُلُولِهِ؛ لِأَنَّهُ إلَى غَايَةٍ، وَهَذَا بَيِّنٌ اهـ. فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ الثَّمَنَ فِي الصَّيْفِ فَلَا إشْكَالِ أَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي وَسَطِ الصَّيْفِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ لُبَابَةَ يُفْسِدُ السَّلَمُ بِذَلِكَ وَإِذَا بَاعَهُ إلَى الصَّيْفِ فَإِذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ يَعْرِفَانِ الْحِسَابَ وَيَعْرِفَانِ أَوَّلَ الصَّيْفِ وَآخِرَهُ فَيَحِلُّ بِأَوَّلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِمَّنْ يَعْرِفَانِ الْحِسَابَ، وَإِنَّمَا الصَّيْفُ عِنْدَهُمَا شِدَّةُ الْحَرِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ صَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ فَيَحِلُّ فِي مُعْظَمِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَيَرْجِعُ فِي أَوَّلِ الصَّيْفِ إلَى الْحِسَابِ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجُرُزَةٌ) ش: الْجُرُزَةُ وَاحِدَةُ الْجُرُزِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْجُرُزُ رَوَيْنَاهُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْضًا وَآخِرُهُ زَاي وَهِيَ الْقَبْضُ اهـ. ص (وَأَنْ يُبَيِّنَ صِفَاتِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ فِي السَّلَمِ عَادَةً) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَاتُ مَعْلُومَةً لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَصَّ الْمُتَعَاقِدَانِ بِعِلْمِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نُدْرِهَا وَالنُّدُورُ يَقْتَضِي عِزَّةَ الْوُجُودِ وَأَيْضًا فَاخْتِصَاصُهُمَا بِهَا يُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ بَيْنَهُمَا اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَأَنْ تُبَيَّنَ صِفَاتُهُ الْمَعْلُومَةُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّلَمْ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِهِ عَادَةً أَوْ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِسَبَبِهَا اهـ. . ص (كَالنَّوْعِ

وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَبَيْنَهُمَا) ش: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ نَوْعَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَجَوْدَتَهُ وَرَدَاءَتَهُ أَوْ كَوْنَهُ بَيْنَ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ يُطْلَبُ بَيَانُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُسْلَمُ فِيهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ تَفْتَقِرُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَشَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَذْكُرُ ذَلِكَ. ص (وَاللَّوْنُ فِي الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ وَالْعَسَلِ) ش يَعْنِي أَنَّ اللَّوْنَ يُطْلَبُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ الْحَيَوَانُ وَالثِّيَابُ وَالْعَسَلُ وَفِيمَا يَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا وَيُرِيدُ مَعَ بَيَانِ النَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ وَضِدَّيْهِمَا. ص (وَمَرْعَاهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَسَلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَرْعَى نَحْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَا أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَ الْمَرْعَى فِي الْعَسَلِ وَالْمُصَنِّفُ مُطَّلِعٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَعَ كَثْرَةِ اطِّلَاعِهِ اهـ. (قُلْت) ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، وَنَصُّهُ: وَالْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الرَّابِعِ أَنْ يُقَالَ أَمَّا الْعَسَلُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَرْعَاهُ لِأَجَلِ اخْتِلَافِ طَعْمِ الْعَسَلِ وَحَلَاوَتِهِ وَقِوَامِهِ وَلَوْنِهِ بِاخْتِلَافِ مَرَاعِيهِ وَهَذِهِ مَقْصُودَةٌ فِيهِ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا كَالنَّحْلِ الَّذِي مَرْعَاهُ السَّعْتَرُ وَآخَرَ مَرْعَاهُ الْوَرْدُ وَالْأَشْيَاءُ الطَّيِّبَةُ وَالْخَرِيفِيَّةُ كَالسَّعْتَرِ وَغَيْرُ الْخَرِيفِيَّةِ كَالْوَرْدِ وَآخَرَ مَرْعَاهُ الأسفنارية وَشَبَهُهَا اهـ. ص (وَفِي التَّمْرِ وَالْحُوتِ وَالنَّاحِيَةِ وَالْقَدْرِ) ش لَا بُدَّ فِي التَّمْرِ وَالْحُوتِ مَعَ بَيَانِ النَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ وَضِدَّيْهِمَا وَاللَّوْنُ مِنْ بَيَانِ النَّاحِيَةِ أَيْ بَلَدِهِ الَّتِي يُجْلَبُ مِنْهَا وَالْقَدْرُ أَيْ كِبَرُ التَّمْرَةِ وَصِغَرُهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: فَيُحْتَاجُ فِي التَّمْرِ إلَى ذِكْرِ النَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ قَالَ: وَزَادَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبَلَدَ وَاللَّوْنَ وَكِبَرَ الثَّمَرَةِ وَصِغَرَهَا وَكَوْنَهُ جَدِيدًا أَوْ قَدِيمًا اهـ. فَيُحْتَاجُ إلَى سِتَّةِ أَوْصَافٍ، خَمْسَةٌ مَفْهُومَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ النَّوْعُ وَالْجَوْدَةُ وَضِدَّاهُمَا وَالْبَلَدُ وَاللَّوْنُ وَالْقَدْرُ وَبَقِيَ السَّادِسُ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَدِيمًا أَوْ جَدِيدًا وَلَوْ

قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ وَالْبُرُّ لَكَانَ حَسَنًا فَإِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ الْجِدَّةَ وَالْقِدَمَ إنَّمَا يُطْلَبُ بَيَانُهُ فِي الْبُرِّ. ص (وَفِي الْبُرِّ وَجِدَّتِهِ وَمِلْئِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْبُرَّ يُطْلَبُ فِيهِ الْأَوْصَافُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَيُطْلَبُ فِيهِ أَيْضًا بَيَانُ جِدَّتِهِ وَمِلْئِهِ إنْ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِسَبَبِهِمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَمْحِ وَصْفًا سَابِعًا، وَهُوَ كَوْنُ الْقَمْحِ ضَامِرًا أَوْ مُمْتَلِئًا وَرَأَى أَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ وَرَأَى أَنَّ الضَّامِرَ يَقِلُّ رِيعُهُ اهـ. ص (وَلَوْ بِالْحَمْلِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْبَلَدَ إذَا كَانَتْ فِيهِ السَّمْرَاءُ وَالْمَحْمُولَةُ فَإِنْ كَانَا يَنْبُتَانِ بِهِ وَجَبَ بَيَانُهُمَا وَإِنْ كَانَا يُجْلَبَانِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَسَدَ السَّلَمُ فِي الصُّورَتَيْنِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَإِلَى قَوْلِهِ أَشَارَ بِلَوْ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ وَطَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ عَكْسُهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا حَكَى قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْبُتَانِ بِهِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى اخْتِلَافِ الطَّرِيقَيْنِ اهـ. (قُلْت) نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: السَّابِعُ مَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ، اسْتَطْرَدَ إلَى ذِكْرِ مَسْأَلَةِ الْمَحْمُولَةِ وَالسَّمْرَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْكَلَامُ فِيهَا طَوِيلٌ فَعَلَيْكَ بِكَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَقَابِلْهُ بِنَقْلِ ابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَوَافَقَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْأَنْوَاعِ الْبَدِيعَةِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاسْتَتْبَعَ الْكَلَامَ فِي الْأَنْوَارِ اهـ. ص (وَفِي الْحَيَوَانِ وَسِنِّهِ) ش: لَمَّا كَانَ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ يُوهِمُ أَنَّ الْحَيَوَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ فِيهِ بَيَانُ النَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ وَضِدَّيْهِمَا وَاللَّوْنِ نَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّهُ يُطْلَبُ فِيهِ أَيْضًا سِنُّهُ وَالذُّكُورَةُ وَالسِّمَنُ وَضِدَّاهُمَا، وَهُوَ الْأُنُوثَةُ وَالْهُزَالُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَيُذْكَرُ فِي الْحَيَوَانِ اللَّوْنُ وَالنَّوْعُ وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَالسِّمَنُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالنَّوْعِ حَقِيقَتَهُ كَنَوْعِ الْإِنْسَانِ وَالْإِبِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالنَّوْعِ الصِّنْفَ كَالرُّومِيِّ وَالتُّرْكِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا قَالَ: وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ اللَّوْنَ مُعْتَبَرًا فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَنَصَّ فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الطَّيْرِ وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْجِنْسِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ اللَّوْنِ فِي الرَّقِيقِ فَجِنْسُ النُّوبَةِ السَّوَادُ وَالرُّومِ الْبَيَاضُ وَالْحَبَشِ السُّمْرُ لَكِنْ يُحْتَاجُ عَلَى هَذَا إلَى بَعْضِ عَرْضِيَّاتِ اللَّوْنِ كَالذَّهَبِيِّ وَالْأَحْمَرِ وَالْبَيَاضِ الشَّدِيدِ، وَذِكْرُ سَنَدٍ اللَّوْنَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الرَّقِيقِ وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى الْمَازِرِيِّ، وَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اللَّوْنَ فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْخَيْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ وَحَظُّ الْفَقِيهِ الْمُفْتِي فِي هَذَا أَنْ يُحِيلَ عَلَى الْعَارِفِينَ فَمَا حَكَوْا أَنَّ الْأَثْمَانَ وَالْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِهِ يَجِبُ ذِكْرُهُ. ص (وَفِي الرَّقِيقِ وَالْقَدِّ) ش: اقْتَصَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذِكْرِ الْقَدِّ عَلَى الرَّقِيقِ

اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَنَدٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقَدِّ فِيمَا عَدَا الْإِنْسَانِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُزَادُ فِي الرَّقِيقِ الْقَدُّ وَكَذَا الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ وَشَبَهُهُمَا قَالَ: فَانْظُرْ ذَلِكَ اهـ. ص (وَكَوْنُهُ دَيْنًا) ش: أَيْ فِي الذِّمَّةِ يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ السَّادِسَ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَخُصُوصِيَّتِهِ بَلْ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ حَقِيقَةِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا وَالذِّمَّةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ وَلَيْسَ ذَاتًا وَلَا صِفَةَ لَهَا فَيُقَدَّرُ الْمَبِيعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَثْمَانِ كَأَنَّهُ فِي وِعَاءٍ عِنْدَ مَنْ هُوَ مَطْلُوبٌ بِهِ فَالذِّمَّةُ هِيَ الْأَمْرُ التَّقْدِيرِيُّ الَّذِي يَحْوِي ذَلِكَ الْمَبِيعَ أَوْ عَرْضَهُ، وَإِنَّمَا شَرَطُوا ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ مُعَيَّنًا وَذَلِكَ مَلْزُومٌ لِبَيْعٍ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَالْغَرَرُ ظَاهِرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مَنْ هُوَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَالْغَرَرُ أَيْضًا لَازِمٌ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِيَضْمَنَهُ لَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَعْرِيفِهِ الذِّمَّةَ بِمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُ مَعْنَى قَوْلِنَا إنْ قَامَ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ ذِمَّةٌ وَالصَّوَابُ فِي تَعْرِيفِهَا أَنَّهَا مِلْكٌ مُتَمَوَّلٌ كُلِّيٌّ حَاصِلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ وَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا أَمْكَنَ حُصُولُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ وِلَايَةٍ أَوْ وُجُوبِ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مُتَمَوِّلًا إذْ لَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ ذِمَّةً اهـ. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: الذِّمَّةُ مَعْنًى فِي الْمُكَلَّفِ قَابِلٌ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ وَقِيلَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ إلَخْ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَانْظُرْ آخِرَ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَنْ الذِّمَّةِ أَيْضًا وَانْظُرْ أَيْضًا الْقَوَاعِدَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوُجُودُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْوِجْدَانِ كَوْنَهُ مَقْدُورًا عَلَى تَحْصِيلِهِ عِنْدَ حُلُولِ السَّلَمِ (قُلْت) وَهُوَ كَذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِقَيْدٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَحْصِيلِهِ غَالِبًا وَقْتَ حُلُولِهِ لِئَلَّا يَكُونَ تَارَةً سَلَفًا وَتَارَةً ثَمَنًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ: غَالِبًا أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُهُ نَادِرًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الشَّرْعِ كَالْمُحَقَّقِ. ص (وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَهُ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَضُرُّهُ

الِانْقِطَاعُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ قَبْلَ حُلُولِهِ وَلَا بَعْدَهُ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا إبَّانٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ مِنْ حِينِ السَّلَمِ فِيهِ إلَى حِينِ وُجُودِهِ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ النَّادِرَةِ (فَرْعٌ) فَلَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِبَّانِ وَقَفَ قَسْمَ التَّرِكَةِ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يُوقَفُ إنْ خِيفَ أَنْ يَسْتَغْرِقَهَا مَا عَلَيْهِ مِنْ السَّلَمِ وَإِنْ قَلَّ وَكَثُرَتْ وَقَفَ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَفِي بِالسَّلَمِ وَقَسَّمَ مَا سِوَاهُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَسْمَ لَا يَجُوزُ إلَّا وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا اهـ. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ ضُرِبَ لِلْمُسْلِمِ بَقِيَّةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي وَقْتِهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي أَغْلِبْ الْأَحْوَالِ مِنْ غَلَاءٍ أَوْ رُخْصٍ وَتَمَّمَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْكَلَامَ فَقَالَ: وَيُوقَفُ مَا صَارَ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِبَّانُ فَيَشْتَرِيَ لَهُ مَا أَسْلَمَ فِيهِ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ أَتْبَعَ بِالْقِيمَةِ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ إنْ طَرَأَ لَهُ مَالٌ وَإِنْ زَادَ لَمْ يَشْتَرِ لَهُ إلَّا قَدْرَ حَقِّهِ وَتَرَكَ الْبَقِيَّةَ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْ وَارِثٍ أَوْ مِدْيَانٍ قَالَ: وَلَوْ هَلَكَ مَا وَقَفَ لَهُ فِي حَالِ الْوَقْفِ لَكَانَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ نَمَاؤُهُ فَعَلَيْهِ ثَوَاؤُهُ وَحَقُّ هَذَا غَيْرُ مَا وَقَفَ لَهُ (قُلْت) وَلَمْ يَحْكِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا لِلْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّسَلُّمِ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فِيهَا لِكَوْنِ الْإِبَّانُ لَمْ يَأْتِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ حَقِّهِ بِوَجْهٍ وَلَوْ حَلَّ الْأَجَلُ فَيَجْرِي فِيهَا حُكْمُ مَا وَقَفَ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ اهـ. ص (وَشُرِطَ إنْ سُمِّيَ سَلَمًا لَا بَيْعًا إزْهَاؤُهُ) ش: اُنْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَائِلِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَانْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِهِ سَلَمًا أَوْ مَبِيعًا إلَّا فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي التَّأْجِيلَ وَإِنْ سَمَّاهُ بَيْعًا فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) إنْ قِيلَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ إذَا سَمَّاهُ سَلَمًا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ رَأْسِ الْمَالِ لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَلَوْ بِشَرْطٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَذَلِكَ أَوْ لَا فِي وُجُوبِ تَعْجِيلِ النَّقْدِ فِيهَا ص (وَكَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ) ش: أَيْ فَيَذْكُرُ الْقَدْرَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ

عَدَدٍ وَمَا يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَهَلْ الْأَيَّامُ مُتَوَالِيَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ مَا شَاءَ وَلَوْ شَرَطَ أَخْذَ الْجَمِيعِ فِي يَوْمٍ لَجَازَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَإِنْ انْقَطَعَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ وَهَلْ عَلَى الْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ الْمَكِيلَةُ تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اشْتَرَطَ أَخْذَهُ رُطَبًا وَقَبَضَ بَعْضَ

سَلَمِهِ، ثُمَّ انْقَطَعَ ثَمَرُ ذَلِكَ الْحَائِطِ لَزِمَهُ مَا أَخَذَ بِحِصَّتِهِ وَرَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ انْتَهَى. وَإِلَى مَا تَقَدَّمَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَهَلْ عَلَى الْقِيمَةِ إلَخْ إلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ

وَأَبُو الْحَسَنِ بَعْدَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَنَصُّ مَا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ قُلْت كَيْفَ يَتَحَاسَبَانِ إذَا انْقَطَعَ اللَّبَنُ وَالثَّمَرَةُ عَلَى قِيمَةِ مَا قَبَضَ وَمَا بَقِيَ أَمْ عَلَى الْكَيْلِ الَّذِي قَبَضَ وَالْكَيْلِ الَّذِي بَقِيَ قَالَهُ بَلْ عَلَى كَيْلِ مَا قَبَضَ وَمَا بَقِيَ وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا أَنَّهُ إلَى الْقِيمَةِ فِي الَّذِي يَبْتَاعُ لَبَنَ غَنَمٍ جُزَافًا أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَيَحْلُبُهَا أَيَّامًا، ثُمَّ تَمُوتُ أَوْ يَمُوتُ بَعْضُهَا وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يُحْسَبُ عَلَى الْقِيمَةِ لَا عَلَى الْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَجِدَهُ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مُسَمًّى فَهَذَا يَجِبُ عَلَى الْكَيْلِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَهَلْ عَلَى الْمَكِيلَةِ أَوْ الْقِيمَةِ إلَّا بِشَرْطِ جَدِّهِ فِي يَوْمٍ فَعَلَى الْمَكِيلَةِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَرُجِّحَ تَأْوِيلَانِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهُ مَثَلًا فِي عَشْرَةِ آصُعٍ مِنْ الرُّطَبِ وَقَبَضَ خَمْسَةً مَثَلًا، ثُمَّ انْقَطَعَ ثَمَرُ الْحَائِطِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى حَسَبِ الْمَكِيلَةِ فَيُقَالُ قَبَضَ النِّصْفَ وَيَرْجِعُ بِمَا يَنُوبُ النِّصْفَ الثَّانِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ يُقَالُ الْخَمْسَةُ الَّتِي قَبَضَهَا تُسَاوِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَقِيمَتُهَا أَغَلَا فَيَرْجِعُ بِرُبْعِ رَأْسِ الْمَالِ قِيمَةُ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ (تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قُلْتُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ جَدُّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ (قُلْت) إنَّمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ جَدَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ، وَهُوَ بَيْعٌ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ فَسَلَمٌ) ش: هَذِهِ تُسَمَّى بَيْعَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِاشْتِهَارِهَا بَيْنَهُمْ وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَوَائِلِ السَّلَمِ قَالَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ: وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ اللَّحْمَ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ أَخَذَ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا وَيَشْرَعُ فِي الْأَخْذِ وَيَتَأَخَّرُ الثَّمَنُ إلَى الْعَطَاءِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ يُسَمَّى مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ وَكَانَ الْعَطَاءُ يَوْمَئِذٍ مَأْمُونًا وَلَمْ يَرَوْهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَاسْتَخْفَوْهُ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ الشُّرُوعُ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامُ وَنَحْوُهَا، وَقَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: وَحَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِجْمَرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَبْتَاعُ اللَّحْمَ مِنْ الْجَزَّارِينَ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ نَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ رِطْلًا أَوْ رِطْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْفَعُوا الثَّمَنَ مِنْ الْعَطَاءِ قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ حَسَنًا قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَأْمُونًا وَكَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كُنَّا إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ مَشْهُورٌ وَلِاشْتِهَارِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ سُمِّيَ بَيْعَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا أَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ اتِّبَاعًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أَخْذِ مَا أُسْلِمَ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عِنْدَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ السَّلَمِ وَالْآجَالِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحْضُ سَلَمٍ وَلِذَلِكَ جَازَ تَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حَقِيقَةً وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُ جَمِيعِهِ إذَا شَرَعَ فِي قَبْضِ أَوَّلِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ وَرَآهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَقَالَ: تَأْوِيلُ حَدِيثِ الْمِجْمَرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْعَطَاءِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ سَائِغٌ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَمَّى فِيهِ السَّوْمَ وَمَا يَأْخُذُ كُلُّ يَوْمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ الْأَرْطَالِ الَّتِي اشْتَرَى مِنْهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ عَلَى عَدَدٍ مُسَمًّى مِنْ الْأَرْطَالِ فَكُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ إلَى الْعَطَاءِ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا التَّمَادِي عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْقِدَا بَيْعَهُمَا عَلَى عَدَدٍ مَعْلُومٍ مُسَمًّى مِنْ الْأَرْطَالِ فَكُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ إلَى الْعَطَاءِ وَإِجَازَةُ ذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَةِ الْأَرْطَالِ الَّتِي يَأْخُذُ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ رِطْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ عَلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورِينَ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَنَا أَرَاهُ حَسَنًا مَعْنَاهُ وَأَنَا أُجِيزُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا اتِّبَاعًا لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يُخَالِفُهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ أَسْلَمَ فِي لَحْمِ ضَأْنٍ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ وَزْنًا مَعْلُومًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي يَوْمِهِ لَحْمًا يُقَدِّرُهُ وَلَا يَتَعَجَّلُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ شَرْطِهِ وَمَنْ الْوَاضِحَةِ

وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ اللَّحْمِ كَذَا فَأَخَذَ يَوْمًا أَكْثَرَ مِنْ الشَّرْطِ وَأَدَّى ثَمَنَ الزَّائِدِ فَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَ مِثْلَ صِفَةِ شَرْطِهِ فَجَائِرٌ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الصِّفَةِ مِنْ ثَمَنِ اللَّحْمِ أَوْ عَظْمِ الْحِيتَانِ أَوْ وَصْفًا مِنْ اللَّحْمِ غَيْرَ مَا لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ زِيَادَةً فِي الْوَزْنِ وَلَوْ جَاءَهُ بِمِثْلِ الْوَزْنِ دُونَ الصِّفَةِ أَوْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَيُعْطِيهِ مَعَهُ عَرْضًا أَوْ عَيْنًا لَمْ يَجُزْ وَلَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَأَدْنَى صِفَةٍ ثَمَنًا وَلَوْ سَأَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ شَرْطَ الْيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ جَازَ مَا لَمْ يُعْطِهِ أَدْنَى صِفَةً أَوْ أَعْلَى فَلَا يَجُوزُ اهـ. ص (كَاسْتِصْنَاعِ سَيْفٍ أَوْ سَرْجٍ وَفَسَدَ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ أَوْ الْعَامِلِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَصْنَعَ طَسْتًا أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفًّا

أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْمَلُ فِي الْأَسْوَاقِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا إلَى مِثْلِ أَجَلِ السَّلَمِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ يَعْمَلُهُ مِنْهُ جَازَ ذَلِكَ إذَا قَدَّمَ رَأْسَ الْمَالِ مَكَانَهُ أَوْ إلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ ضَرَبَ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا بَعِيدًا لَمْ يَجُزْ وَصَارَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَإِنْ اشْتَرَطَ عَمَلَهُ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَوَاهِرِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَمَلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ نَقَدَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّرَ لَا يَدْرِي أَسَلَّمَ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَا يَكُونُ السَّلَفُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ اهـ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَابْنُ غَازِيٍّ قَالُوا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْكِتَابِ أَحَدُهَا قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا إلَى مِثْلِ أَجَلِ السَّلَمِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأَقْسَامُ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ اشْتَرَطَ عَمَلَهُ مِنْ نُحَاسٍ بِعَيْنِهِ يَعْنِي وَالرَّجُلُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَقَوْلُهُ: رَجُلٍ بِعَيْنِهِ يَعْنِي وَالْمَصْنُوعُ مِنْهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهَيْنِ لَمْ تَجُزْ وَلَوْ عَيَّنَ كُلًّا مِنْهُمَا لَكَانَ أَحْرَى فِي الْمَنْعِ إلَّا أَنَّهُ اُنْظُرْ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ النَّقْدِ أَعْنِي فِيمَا عَدَا الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَجَاءَ بِهِ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْأَجَلِ اهـ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَصْنُوعُ مِنْهُ مَضْمُونًا وَالصَّانِعُ مُعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ وَجَعَلَهُ مُعَارِضًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِ الْمَعْمُولَ مِنْهُ، وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ يَفْسُدُ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ، وَالصَّانِعَ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ وَاسْتَأْجَرَهُ جَازَ وَلِهَذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنْ شَرَعَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ إذَا لَمْ يَشْرَعْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ هُنَا مِنْ بَيْعِ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْجُزَافِ) ش: يُشِير إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَسَلَفُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ حَاشَا أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا مَا لَا يَصِحُّ الِانْتِقَالُ بِهِ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالثَّانِي مَا لَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ مِثْلُ تُرَابِ الْمَعَادِنِ وَالْجُزَافِ فِيمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ جُزَافًا وَالثَّالِثُ مَا لَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُهُ مِنْ الصِّفَةِ وَالرَّابِعُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحَالٍ مِثْلُ تُرَابِ الصَّيَّاغِينَ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ وَجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ اهـ. ص (وَحَرِيرٍ فِي سُيُوفٍ) ش:؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ الْمُفَارِقَةَ

لَغْوٌ بِخِلَافِ اللَّازِمَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالصَّنْعَةُ الْمُفَارِقَةُ فِي أَصْلِهِ كَأَصْلِهِ بِخِلَافِ اللَّازِمَةِ كَالنَّسْجِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. ص (وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِهِ فَقَطْ) ش: هَذَا إذَا قَضَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ فِي صِفَتِهِ لَا أَدْنَى وَلَا أَعْلَى وَأَمَّا لَوْ قَضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقْتَضَى الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ الْآتِيَةُ فِيمَا إذَا قَضَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَشَرْطٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضَى مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَى أَجَلٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَعَلَا وَلَا أَدْنَى؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حَطُّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُكَ أَوْ ضَعْ وَتَعَجَّلَ اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الرَّابِعَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ يَجُوزُ سَلَمٌ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ فَتَأَمَّلْهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ فَقَطْ وَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ بَعْدَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَقَبْلِ مَحَلِّهِ فِي الْعَرْضِ مُطْلَقًا وَفِي الطَّعَامِ إنْ حَلَّ) ش: هَذَا مُشْكِلٌ اسْتَشْكَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ التُّونُسِيُّ وَابْنُ الْكَاتِبِ وَابْنُ مُحْرِزٍ. ص (وَجَازَ أَجْوَدُ وَأَرْدَأُ) ش: أَيْ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ: وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي مَحْمُولَةٍ أَوْ سَمْرَاءَ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سَلَّمْت وَأَقْرَضْت ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ قَضَاءً مِنْ بَعْضٍ مِثْلُ الْمَكِيلِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَهُوَ بَدَلٌ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ أَجْنَاسُ التَّمْرِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ أَوْ فِي

الْقَرْضِ وَإِنْ أَسْلَمْت فِي حِنْطَةٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ دَقِيقَ حِنْطَةٍ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ قَرْضٍ بَعْدَ مَحِلِّهِ وَإِنْ أَسْلَمْت فِي لَحْمِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَنْ يَأْخُذَ لَحْمَ بَعْضِهَا أَوْ شَحْمَهَا قَضَاءً مِنْ بَعْضٍ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَلَيْسَ هُوَ بَيْعُ طَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّفَاضُلَ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَخْذُ مَا سُلِّفَ فِيهِ اهـ. ص (لَا أَقَلُّ إلَّا عَنْ مِثْلِهِ) ش: أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْوَدَ وَالْأَرْدَأَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، ثُمَّ يُبْرِئَهُ الْمُسَلِّمُ مِمَّا أَدَّى إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمُصَالَحَةِ عَنْ الْجَمِيعِ بِالْمَأْخُوذِ قَالَ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَرْجَمَةِ اقْتِضَاءِ الطَّعَامِ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ: وَهَلْ تُرَاعَى هَذِهِ التُّهْمَةُ فِي أَخْذِهِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ بِعَيْنِهِ أَمْ لَا؟ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ اللَّبَّادِ اعْتِبَارُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا دَقِيقٌ عَنْ قَمْحٍ وَعَكْسُهُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ. ص (وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ إنْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) ش:

تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمْ فِي قَضَاءِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَضَى الْأَجَلُ قَبْلَهُ مَا يَكُونُ أَجَلًا فِي السَّلَمِ قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ لِأَجَلِ السَّلَمِ قَدْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَ بَعْدَ أَجَلِهِ الزِّيَادَةُ لِيَزِيدَهُ طُولًا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ عَلَى طُولٍ مُعَيَّنٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ زَادَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا أَطْوَلَ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الثَّوْبِ الْمَأْخُوذِ قَالَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فَزِدْتَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَكَ ثَوْبًا أَطْوَلَ مِنْهُ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ جَازَ إذَا تَعَجَّلْتَ ذَلِكَ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ هَذَا إمَّا تَعَجَّلَهُ وَإِمَّا لَمْ يَتَعَجَّلْهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلزِّيَادَةِ وَسَلَفٌ لِتَأْخِيرِ الثَّوْبِ الْأَوَّلِ اهـ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: كَأَنَّكَ أَعْطَيْتَ فِي الثَّوْبِ الْمَأْخُوذِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي رَدَدْتَهَا وَالثَّوْبَ أَسْلَمْتَ فِيهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ كَانَ بَيْعًا وَسَلَفًا تَأْخِيرُهُ لِمَا عَلَيْهِ سَلَفٌ وَالزِّيَادَةُ بَيْعٌ وَلَوْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ مُؤَخَّرٍ كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَزِيدُهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي طَيِّ الثَّوْبِ الَّذِي بَانَ يَزِيدُ فِي نَسْجِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَعَجَّلْتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إذَا أَعْجَلَ لَهُ الثَّوْبَ الْمَأْخُوذُ ص (كَقَبْلِهِ إنْ عَجَّلَ دَرَاهِمَهُ وَغَزْلٍ يَنْسِجُهُ لَا أَعْرَضَ وَلَا أَصْفَقَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ

فَزِدْتُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ دَرَاهِمَ نَقْدًا عَلَى أَنْ يَزِيدَكَ فِي طُولِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ وَلَوْ كَانَتْ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ مَا جَازَ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَأَمَّا إنْ زَادَهُ الدَّرَاهِمَ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَوْبًا أَطْوَلَ مِنْهُ مِنْ صِنْفِهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُمَا صَفْقَتَانِ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ مَا جَازَ يُرِيدُ أَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَنِّي أَزِيدُكَ دَرَاهِمَ بَعْدَ مُدَّةٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي ثَوْبًا أَطْوَلَ لَمْ يَجُزْ قَالَ: وَلَوْ زَادَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَوْبًا أَصْفَقَ أَوْ أَرَاك لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي إخْرَاجِهِ إيَّاهُ عَنْ الصَّفْقَةِ يَدْخُلُهُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَإِذَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّفْقَةِ، وَإِنَّمَا زَادَهُ فِي الطُّولِ فَإِنَّمَا هِيَ صَفْقَةٌ ثَانِيَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْأَذْرُعَ الْمُشْتَرَطَةَ قَدْ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا وَاَلَّذِي اسْتَأْنَفُوهُ صَفْقَةً أُخْرَى وَرَآهُ سَحْنُونٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ اهـ. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ إذَا زَادَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ زَادَهُ فِي الطُّولِ فَكَأَنَّ الثَّوْبَ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ وَزَادَهُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ زَادَهُ أَذْرُعًا أُخْرَى فَهُوَ صَفْقَةٌ ثَانِيَةٌ وَأَمَّا إذَا زَادَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَعْرَضَ أَوْ أَصْفَقَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَبْدِيلِ ذَلِكَ الثَّوْبِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَوْ لَا يَشْتَرِطَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ لَا يُزَادُ وَكَذَا الصَّفَاقَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلِتَحَقُّقِ أَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ شَرَطُوا أَنْ يَبْقَى لِلْأَجَلِ مِثْلُ أَجَلِ السَّلَمِ فَأَكْثَرُ وَلَزِمَ تَعْجِيلُ الدَّرَاهِمِ الْمَزَادَةِ اهـ بِالْمَعْنَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ زَادَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ خِلَافَ الصَّفْقَةِ لَمْ يَجُزْ وَيَدْخُلُهُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ عَمَّا أَسْلَمَ فِيهِ اهـ. وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ يُوهِمُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَزِيدَهُ دَرَاهِمَ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَوْبًا مِنْ خِلَافِ صَفْقَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ الْأَجَلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ مَنَعَ التَّأْخِيرَ بَعْدَهُ لِعِلَّةِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ وَأَجَازَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَمْ يُعَجِّلْ لَهُ ثَوْبًا مُؤَجَّلًا وَدَرَاهِمَ نَقْدًا بِثَوْبٍ مُؤَجَّلٍ أَطْوَلَ مِنْهُ فَيَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ قِيلَ الْفَرْقُ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَلِّمِ تَعْجِيلُ الثَّوْبِ حَتَّى يُعَدُّ تَأْخِيرُهُ سَلَفًا وَأَمَّا بَعْدُ فَقَدْ مَلَكَ تَعْجِيلَهُ فَيَكُونُ تَأْخِيرُهُ بِهِ سَلَفًا وَالزِّيَادَةُ بَيْعًا فَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ اهـ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا شَرْحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا أَعْرَضَ وَأَصْفَقَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَغَزْلٍ يَنْسِجُهُ فَإِشَارَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ لِإِجَازَتِهِ الزِّيَادَةَ فِي طُولِ الثَّوْبِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَأَنْ ذَلِكَ صَفْقَتَانِ فَإِنَّهُ قَالَ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: كَمَا لَوْ دَفَعْتَ إلَيْهِ غَزْلًا يَنْسِجُهُ ثَوْبًا سِتَّةً فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ زِدْتُهُ دَرَاهِمَ وَغَزْلًا عَلَى أَنْ يَزِيدَكَ فِي طُولٍ أَوْ عَرْضٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهُمَا خَفِيفَتَانِ وَهَذِهِ إجَارَةٌ وَالْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ اهـ فَمَسْأَلَةُ الْغَزْلِ الَّذِي يَنْسِجُهُ لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ وَلِذَا جَازَ فِيهَا أَنْ يَزِيدَهُ غَزْلًا وَدَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ هُنَا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَزِيدُهُ مِنْ غَزْلِهِ وَلَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْعَرْضِ إنَّمَا تُمْكِنُ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْسِجَ لَهُ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ) ش: يَعْنِي وَلَا يَلْزَمُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ دَفْعُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِغَيْرِ مَحِلِّهِ وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ إلَى الْمُسَلِّمِ إذَا طَلَبَهُ وَيُرِيدُ إلَّا الْعَيْنَ وَعَكْسُ هَذَا إذَا طَلَبَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ إلَى الْمُسَلِّمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَهُنَا فِي غَيْرِ الْعَيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّنْبِيهِ: وَإِذَا لَقِيَ الْمُسَلِّمُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي اشْتَرَطَ فِيهِ الْقَضَاءَ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرِّضَا بِالْأَخْذِ إذَا طَلَبَهُ الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ عُرُوضًا لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَمْ يُجْبَرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ إلَّا بِالتَّرَاضِي فَإِنْ كَانَ عُرُوضًا لَا حَمْلَ لَهَا كَالْجَوَاهِرِ مَثَلًا فَهَلْ تَكُونُ كَالْعَيْنِ أَوْ كَالنَّوْعِ الْآخَرِ فِيهِ قَوْلَانِ وَهُمَا خِلَافٌ فِي حَالٍ فَإِنْ كَانَ الْأَمْنُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا كَالْعَيْنِ أَوْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا كَالْعَرْضِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كَالْعُرُوضِ مَعَ الْخَوْفِ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ فَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِهِ وَكَانَ فِي الْحَمْلِ مُؤْنَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ

فصل قرض ما يسلم فيه

الْقَضَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْمُسَلَّمَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ مَا طَلَبَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ فَقَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ اهـ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ ظَفِرَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالطَّالِبِ وَأَرَادَ الْمِدْيَانُ التَّعْجِيلَ فَامْتَنَعَ الطَّالِبُ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا وَجَبَ الْقَبُولُ قَالَ فِي أَنْوَارِهِ: إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ أَنَّ لِلطَّالِبِ فَائِدَةٌ فِي التَّأْخِيرِ كَمَا لَوْ حَصَلَ فِي الزَّمَنِ خَوْفٌ أَوْ فِيمَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عُرُوضًا لَهَا حَمْلٌ أَوْ طَعَامًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَمْلٌ كَالْجَوَاهِرِ فَقَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَالْعَرْضِ وَقِيلَ كَالْعَيْنِ، وَهُوَ خِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ فَإِنْ كَانَ الْأَمْنُ فِي الطَّرِيقِ فَكَالْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ الْبَيْعِ وَأَمَّا الْقَرْضُ فَيُقْبَلُ عَلَى قَبُولِهِ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِي مَعْنًى، الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَنَصَّ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ جَبْرُ الْمَطْلُوبِ مُطْلَقًا اللَّخْمِيُّ وَلِأَشْهَبَ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ سِعْرُ الْبَلَدَيْنِ سَوَاءً أَوْ هُوَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ أَرْخَصُ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ مَحِلُّهُ أَيْ الْمَحِلُّ الَّذِي شَرَطَهُ الْمُسَلِّمُ وَالْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لِقَبْضِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا فَهُوَ بِوَضْعِ الْعَقْدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (الثَّانِي) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَلْزَمْ دَفْعُهُ وَكَذَا أَطْلَقَ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا نَقَلَهُ فِي قَوْلِهِ فَنَصَّ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ جَبْرُ الْمَطْلُوبِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ الْعَيْنِ، وَأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ نَقَلَهُ وَقَبِلَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَنْوَارِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمِدْيَانُ التَّعْجِيلَ وَامْتَنَعَ الطَّالِبُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ مُطْلَقًا، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَرْضِ وَلَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةً كَأَخْذِهِ بِغَيْرِ مَحِلِّهِ إلَّا الْعَيْنَ اهـ وَلِقَوْلِ ابْنِ الْجَلَّابِ وَمَنْ أَقْرَضَ رَجُلًا شَيْئًا إلَى أَجَلٍ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ الْمُقْرِضُ قَبْلَ أَجَلِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَرْضًا كَانَ أَوْ عَيْنًا إذَا رَدَّهُ إلَيْهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي اقْتَرَضَهُ مِنْهُ فِيهِ أَوْ رَدَّهُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّهُ قَبُولُهُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْإِرْشَادِ وَعَكْسُهُ فِي الْقَرْضِ أَعْنِي إذَا طَلَب الْمُقْرِضُ حَقَّهُ مِنْ الْمُقْرَضِ فِي غَيْرِ مَحِلِّ السَّلَفِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ اقْتَرَضَ قَرْضًا لَمْ يَشْتَرِطْ لِلْقَضَاءِ مَوْضِعًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُقْرِضَ الْقَضَاءُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَقْرَضَهُ فِيهِ فَطَالَبَهُ بِالْقَضَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي اقْتَرَضَهُ مِنْهُ وَلَوْ اصْطَلَحَا عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ الْبَلَدِ الَّذِي تَقَارَضَا فِيهِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا إذَا كَانَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ حُلُولِهِ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَأَجَازَ فِي الْجَلَّابِ هَذَا مُطْلَقًا وَأَبْقَاهُ التِّلِمْسَانِيِّ وَالْقَرَافِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْعَيْنِ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَهُ أَخْذُهُ حِينَ مَا لَقِيَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْآجَالِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلُ قَرْضُ مَا يُسَلَّمُ فِيهِ] ص (فَصْلُ يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسَلَّمُ فِيهِ فَقَطْ) ش: مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ هُنَا أَصْلُ مَعْنَاهُ الشَّامِلُ لِلنَّدْبِ وَالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ إذْ قَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلَوْ قَالَ: جَازَ وَنُدِبَ قَرْضُ مَا يُسَلَّمُ فِيهِ لَكَانَ أَتَمَّ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَحُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ ذَاتِهِ النَّدْبُ وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُهُ أَوْ كَرَاهِيَتُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ وَإِبَاحَتُهُ تَعْسُرُ اهـ. وَهَذَا نَحْوُ مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الْمُقَاصَّةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَيْعِ الْآجَالِ وَهِيَ جَائِرَةٌ فَيَجِبُ تَفْسِيرُهُ بِالْجَوَازِ الْأَعَمِّ مِنْ الْوُجُوبِ لَا بِقِسْمَيْهِ وَإِلَّا كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ كَالْإِمْكَانِ إذْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ وَمِنْ نَحْوِ هَذَا فَقَالَ: يَقَعُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا هُوَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُشَارِكَةِ فِي عُلُومِهَا أَوْ فِطْرَةٍ سُنِّيَّةٍ اهـ. ص (إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُقْرِضِ) ش:

اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةً ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ، وَنَقَلَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْمُرَهُ يَبْتَاعُ لَكَ عَبْدَ فُلَان بِطَعَامِكَ هَذَا وَتُرِيهِ هَذَا وَذَلِكَ قَرْضٌ وَعَلَيْكَ الْمِثْلُ فِيهِمَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: أَوْ بِجَارِيَتِي هَذِهِ وَيَكُونُ عَلَيْكَ مِثْلُهَا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ عَارِيَّةُ الْفُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِلُ لِلْمُسْتَقْرِضِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَرُبَّمَا أُلْقِيَتْ فَيُقَالُ أَيْنَ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَحْرَمِ مِنْهَا فَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْ تَقْضِي عَنْهُ فِي الدَّيْنِ اهـ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ مَنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ إمَّا لِمَحْرَمِيَّةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهَا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الصَّغِيرُ يَقْتَرِضُ لَهُ وَلِيُّهُ وَالْجَارِيَةُ الصَّغِيرَةُ أُنْثَى لَا تُشْتَهَى تَحِلُّ أَنْ تُسْتَقْرَضَ وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَقْتَرِضْنَ الْجَوَارِيَ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَرُمَ هَدِيَّةٌ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ طَلْقِ، ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمَاشِيَةِ: لَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ هَدِيَّةٌ وَلَا أَنْ يُطْعِمَهُ طَعَامًا رَجَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ غَرَضِهِ وَجَائِزٌ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَلَا رَآهُ وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ فِيهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ شِهَابٍ وَيُكْرَهُ لِذِي الدَّيْنِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ صِحَّةُ نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِاسْتِجَازَةِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اهـ. ص (أَوْ جَرَّ مَنْفَعَةً) ش: يُرِيدُ أَنَّ السَّلَفَ إذَا جَرَّ مَنْفَعَةً لِغَيْرِ الْمُقْتَرِضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ

سَوَاءٌ جَرَّ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ فِي رَسْمِ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرُ حَلَّ أَجَلُهَا فَيُعْسِرُ بِهَا فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ أَخِّرْهُ بِالْعَشَرَةِ وَأَنَا أُسْلِفُكَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الَّذِي يُعْطِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَضَاءً عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَلَفًا لَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفًا مِنْهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَفَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ لِغَرَضٍ لَهُ فِي مَنْفَعَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا إذْ لَا يَحِلُّ السَّلَفُ إلَّا إلَى مُرِيدٍ بِهِ السَّلَفَ مَنْفَعَةَ الَّذِي أَسْلَفَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ خَاصَّةً لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْفَعَةِ مَنْ سِوَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سَنَدٌ: وَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أُقْرِضُكَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي مِثْلَهَا وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ يَقْتَضِي إعْطَاءَ الْمِثْلِ لِإِظْهَارِ صُورَةِ الْمُكَايَسَةِ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ قَصَدَ بِالْمِثْلِ عَدَمَ الزِّيَادَةِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَإِنْ قَصَدَ الْمُكَايَسَةَ كُرِهَ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ النَّفْعِ لِلْمُقْرِضِ اهـ. ص (كَسَفْتَجَةٍ) ش: قَالَ فِي

التَّوْضِيحِ قَالَ السَّفَاتِجُ وَالسَّفْتَجَاةُ عَلَى جَمْعِ السَّلَامَةِ وَاحِدُهُ سَفْتَجَةٌ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَبِالْجِيمِ وَهِيَ كِتَابُ صَاحِبِ الْمَالِ لِوَكِيلِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ لِيَدْفَعَ لِحَامِلِهِ بَدَلَ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ لِلنَّوَوِيِّ وَزَادَ وَهِيَ لَفْظَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: السَّفْتَجَةُ كَقُرْطَقَةٍ يَعْنِي بِضَمِّ السِّينِ أَنْ يُعْطِيَ مَالًا لِآخَرَ وَلِلْآخَرِ مَالٌ فِي بَلَدِ الْمُعْطَى فَيُوفِيَهُ إيَّاهُمْ، ثُمَّ يَسْتَفِيدَ أَمْنَ الطَّرِيقِ، وَفِعْلُهُ السَّفْتَجَةُ بِالْفَتْحِ اهـ. وَالسَّفَاتِجُ بِكَسْرِ التَّاءِ عَلَى وَزْنِ فَعَالِلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ضَمُّ التَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صِيَغِ الْجَمْعِ فَعَالُلُ بِضَمِّ اللَّامِ. ص (كَفَدَّانٍ مُسْتَحْصَدٍ) ش: أَيْ بَلَغَ الْحَصَادَ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ. ص (وَلَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ كَأَخْذِهِ بِغَيْرِ مَحِلِّهِ إلَّا الْعَيْنَ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فُرُوعٌ، الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَإِذَا وَعَدْتَ غَرِيمَكَ بِتَأْخِيرِ الدَّيْنِ لَزِمَكَ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَازِمٌ لِلْحَقِّ سَوَاءٌ قُلْت لَهُ أُؤَخِّرُكَ أَوْ أَخَّرْتُكَ اهـ. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا شَيْئًا فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا يَقُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ افْتِقَارُ الْقَرْضِ لَأَنْ يَكُونَ بِلَفْظٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمِقْدَارَ يُوجِبُهُمَا الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَرْضِ وَاخْتُلِفَ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ بِهِ إنْ وَقَعَ وَشُرِطَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا يَمْتَنِعُ فِي الطَّعَامِ فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ اهـ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

فصل المقاصة في دين العين

وَلِلْمُقْرِضِ رَدُّ عَيْنِ الْقَرْضِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَبِهِ اتَّضَحَ مَنْعُهُ فِي الْإِمَاءِ بِأَنَّهُ عَارِيَّةُ الْفُرُوجِ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِنَقْصٍ فَوَاضِحٌ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِقَبُولِهِ وَلَوْ تَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِقَبُولِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَهُوَ عَرْضٌ لِانْتِفَاءِ الْمِنَّةِ عَنْ الْمُقْرِضِ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ مَعْرُوفِهِ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ بِمَحِلِّ قَبْضِهِ، وَهُوَ غَيْرُ عَيْنٍ وَيَجُوزُ بِغَيْرِهِ تَرَاضَيَا الْخِلَافَ إنْ حَلَّ أَجَلُهُ وَإِلَّا فَلَا ابْنُ عَتَّابٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ مَنْ أَقْرَضَ طَعَامًا بِبَلَدٍ فَخَرِبَ وَانْجَلَى أَهْلُهُ أَوْ أَيِسَ مِنْ عِمَارَتِهِ بَعْدَ طُولٍ فَلَهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ فِي مَوْضِعِ السَّلَفِ وَإِنْ رَجَى قُرْبَ عِمَارَتِهِ تَرَبَّصَ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَمٍ خُيِّرَ فِي الْإِيَاسِ بَيْنَ تَرَبُّصِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ (قُلْتُ) الْأَظْهَرُ إنْ لَمْ تُرْجَ عِمَارَتُهُ عَنْ قُرْبِ الْقَضَاءِ بِالدَّفْعِ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ عِمَارَةٌ لِمَحِلِّ الْقَرْضِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الطَّعَامَ مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ بَيْعٍ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا أَرَادَ الْمِدْيَانُ دَفْعَ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ هَلْ يُجْبَرُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى قَبْضِهِ أَمْ لَا فَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ: لَا يُجْبَرُ وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَيُجْبَرُ اتِّفَاقًا اهـ وَعَزَا الْجُزُولِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِمَالِكٍ وَعَطَفَ الثَّانِيَ بِقِيلَ وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّانِي وَفِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَجَاءَهُ بِبَعْضِهِ فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ إلَّا كُلَّهُ فَأَرَى أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَخْذِ مَا جَاءَ بِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا لَمْ يُجْبَرْ رَبُّ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِ مَا جَاءَ بِهِ اهـ. وَانْظُرْ رَسْمَ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ وَانْظُرْ هَلْ هُوَ إذَا جَاءَ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلُ الْمُقَاصَّةُ فِي دَيْنِ الْعَيْنِ] ص (فَصْلُ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِي دَيْنِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا) ش: قَالَ فِي الصِّحَاحِ: تَقَاصَّ الْقَوْمُ إذَا قَاصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي حِسَابٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُقَاصَّةُ مُتَارَكَةُ مَطْلُوبٍ بِمُمَاثِلٍ صِنْفَ مَا عَلَيْهِ لِمَالِهِ عَلَى طَالِبِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَلَيْهِمَا وَلَا يُنْتَقَضُ طَرْدُهُ بِمُتَارَكَةِ مُتَقَاذِفَيْنِ حَدَّيْهِمَا أَوْ طَلَبَيْهِمَا عَلَى شَرْطِ ثُبُوتِ الْحَدِّ بِالْحُكْمِ بِهِ وَلَا بِمُتَارَكَةِ مُتَجَارِحَيْنِ جُرْحَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عُرْفًا لَا لُغَةً مَا صَحَّ قِيَامُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ، وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا طَلَبِهِمَا وَلَا عَلَى الْجُرْحَيْنِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَصِحُّ بَدَلَ الْآخَرِ بِحَالٍ وَإِلَّا زِيدَ فِي الرَّسْمِ مَالِيًّا وَقَوْلِنَا مَا عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ لَفْظِ الدَّيْنِ لِتَدْخُلَ الْمُقَاصَّةُ فِيمَا حَلَّ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ اهـ. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ: وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْمُقَاصَّةِ وَرَوَى زِيَادٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ خِلَافُ مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَالسَّلَمِ الثَّانِي مِنْهَا وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ لَا مُقَاصَّةَ فَفِي لَغْوِ الشَّرْطِ وَأَعْمَالِهِ سَمَاعُ الْقَرِينَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَأَوَّلَ مَا فِي الصَّرْفِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّرْطِ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ كَشَرْطِ تَرْكِهَا وَتَعْلِيلُهُ يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَقِيلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَرْكِهَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًا فَيَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: هُوَ حَقِيقٌ أَنْ تَضْرِبَ لِلدَّيْنِ أَجَلًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ إلَّا أَنْ لَا يَقْبِضَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ اهـ وَالْفَرْعُ الْأَوَّلُ فِي التَّوْضِيحِ وَبَهْرَامُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي أَوَّلِ الْمُقَاصَّةِ: جَازَ اتِّفَاقًا وَالْجَوَازُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِذْنِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِ مَنْ دَعَا مِنْهُمَا إلَيْهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ الْقَوْلُ لِمَنْ دَعَا مِنْهُمَا إلَى عَدَمِهَا رَوَاهُ زِيَادُ عَنْ مَالِكٍ وَأَخَذَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ الثَّانِي وَالنِّكَاحِ الثَّانِي الْقَوْلَانِ اهـ، وَقَالَ بَهْرَامُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ وَالْجَوَازُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ حَتَّى يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ دَعَا إلَيْهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ قَوْلَ مَنْ دَعَا إلَى

عَدَمِهَا، وَهُوَ رِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ اهـ، وَقَوْلُهُ: فِي دَيْنَيْ الْعَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ الدَّيْنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا فَإِنْ اخْتَلَفَ الدَّيْنَانِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: كَعُرُوضٍ فِي ذِمَّةٍ وَعَيْنٍ فِي ذِمَّةٍ أُخْرَى أَوْ عَرَضٍ وَطَعَامٍ أَوْ عَيْنٍ وَطَعَامٍ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَلَّ الدَّيْنَانِ أَمْ لَمْ يَحِلَّا اتَّفَقَتْ آجَالُهُمَا أَمْ اخْتَلَفَتْ اهـ. وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ. ص (وَإِنْ اخْتَلَفَا صِفَةً مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ) ش: كَمُحَمَّدِيَّةٍ وَيَزِيدِيَّةٍ. ص (أَوْ اخْتِلَافِهِ) ش: كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. ص (كَإِنْ اخْتَلَفَا زِنَةً) ش: سَوَاءٌ اتَّفَقَا فِي الصِّفَةِ أَوْ اخْتَلَفَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَشِيرٍ ص (مِنْ بَيْعٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَا مِنْ الْقَرْضِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَالْمُقَاصَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْوَزْنِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْقَرْضِ مُمْتَنِعَةٌ إلَّا الْيَسِيرَةَ كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ بَشِيرٍ وَالْمَازِرِيُّ: وَالْقَرْضُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْبَيْعِ وَيُغْتَفَرُ فِي الْقَرْضِ فَالزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ لَا الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ فِي الْقَرْضِ مُنِعَ مُطْلَقًا قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَرْضِ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ جَازَتْ مَا لَمْ يَكُنْ الَّذِي حَلَّ أَوَّلُهُمَا حُلُولَ الْأَقَلِّ وَمَا لَمْ يَعُدْ إلَى الْمُقْرِضِ أَكْثَرُ اهـ. ص (وَيَجُوزُ فِي الْعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا إنْ اتَّفَقَا جِنْسًا وَصِفَةً) ش: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: فَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ اتَّفَقَتْ الْآجَالُ أَوْ اخْتَلَفَتْ حَلَّا أَوْ لَمْ يَحِلَّا اهـ. ص (وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسًا وَالصِّفَةُ مُتَّفِقَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ جَازَتْ إنْ اتَّفَقَ الْأَجَلُ وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا) ش: هَكَذَا يَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) قَدْ قُدِّمَ حُكْمُ مَا إذَا اتَّفَقَ الْعَرْضَانِ فِي صِفَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ هُنَا (الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَّفِقْ الْأَجَلَانِ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الصِّفَةِ وَالْجِنْسِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ اتَّفَقَا فِي الْأَجَلِ أَوْ اخْتَلَفَا حَلَّا أَوْ لَمْ يَحِلَّا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَيْضًا (الثَّالِثُ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إنْ اتَّفَقَ الْأَجَلُ وَحَلَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحُلُولِ حُكْمُ اتِّفَاقِ الْأَجَلِ وَقَدْ يُقَالُ سَكَتَ عَنْ هَذَا الثَّالِثِ لِوُضُوحِهِ وَإِنْ كَانَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْأَوَّلِ (الرَّابِعُ) دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا مَا إذَا كَانَا مِنْ قَرْضٍ وَالْحَالُّ مِنْهُمَا أَوْ الْأَقْرَبُ حُلُولًا أَجْوَدُ، وَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا مَانِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا كَانَا مِنْ بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ حَطُّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُكَ وَلَا ضَمَانَ فِي الْقَرْضِ وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ وَكَانَ أَقْرَبُهُمَا حُلُولًا هُوَ الْبَيْعُ وَالْأَفْضَلُ جَازَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَصَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِالْجَوَازِ فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ سَلِمَ كَلَامُهُ فِي الشَّامِلِ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ اتَّفَقَا جِنْسًا دُونَ صِفَةٍ جَازَ إنْ حَلَّا وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا اهـ. وَيَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ كَعِبَارَةِ الشَّامِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) إذَا اتَّحَدَا فِي الْجِنْسِ وَاخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ وَحَلَّا أَوْ اتَّفَقَا أَجَلًا جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَرْضِ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَشِيرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرْضَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْجِنْسِ إنَّمَا هُوَ إذَا اتَّفَقَ عَدَدُهُمَا فَإِنْ اخْتَلَفَا وَهُمَا مِنْ الْقَرْضِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمَشْهُورِ مَنْ مَنَعَ الزِّيَادَةَ فِي الْقَرْضِ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلَانِ فَيَجُوزُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ أَكْثَرَهُمَا لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْقَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الرهن

[بَابُ الرَّهْنِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ص (بَابٌ) (بَابُ الرَّهْنِ) الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ: مَعْنَاهُ الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ. يُقَالُ مَاءٌ رَاهِنٌ أَيْ: رَاكِدٌ وَنِعْمَةٌ رَاهِنَةٌ أَيْ: دَائِمَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ: مَحْبُوسَةٌ بِمَا قَدَّمَتْهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» فَمَعْنَى مَرْهُونَةٌ: مَحْبُوسَةٌ فِي قَبْرِهَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَبْسَ يَسْتَلْزِمُ الثُّبُوتَ بِالْمَكَانِ، وَعَدَمَ مُفَارَقَتِهِ، أَمَّا فِي الشَّرْعِ: فَهُوَ جَعْلُ عَيْنٍ لَهَا قِيمَةٌ مَالِيَّةٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَيْ مَا جَازَ بَيْعُهُ فَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ إلَّا مَا سَنَعْرِفُهُ وَأَمَّا دَلِيلُهُ فَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَلِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ» . ص (بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ) ش: أَيْ مَنْ يَحِقُّ لَهُ بَيْعُ الْعَيْنِ

تنبيه رهن الدار الغائبة والشيء الغائب

وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ مَدِينًا فَإِنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَنَقَلَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّفْلِيسِ لَا بَعْضُهُ - وَرَهْنِهِ وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَا يُبَاعُ أَوْ غَرَرًا عَلَى أَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْمَرْهُونِ مَا يَشْتَرِطُهُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ الْغَرَرُ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَرَرًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مَا يُبَاعُ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ عُقْدَةَ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَارَنَهَا فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ. ص (وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ) ش: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ لِلرَّهْنِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُهُ: وَثِيقَةٌ بِحَقِّ فَصْلٍ. خَرَجَ بِهِ مَا دُفِعَ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّوَثُّقِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالِانْتِفَاعِ كَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُعَارِ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ مَا، وَالْبَاءُ فِي بِحَقٍّ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهَذَا الْحَدُّ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إعْطَاءُ امْرِئٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الرَّهْنَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَالْإِعْطَاءُ مَصْدَرٌ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ اهـ يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا وَلَكِنَّ الْأَغْلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقُهُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُعْطَى أَوْ مَا أَشْبَهَهُ. وَحَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مَالٌ قَبَضَهُ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ قَالَ فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ وَالْمَصْنُوعُ فِي يَدِ صَانِعِهِ وَقَبْضُ الْمَجْنِيِّ عَبْدًا جَنَى عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بِلَفْظِ مَالٍ قُبِضَ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الرَّهْنَ كَمَا يُطْلَقُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يُطْلَقُ عَلَى الرَّهْنِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ كَمَا إذَا قَالُوا يَصِحُّ الرَّهْنُ أَوْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ أَوْ يَصِحُّ رَهْنُ كَذَا أَوْ لَا يَصِحُّ رَهْنُ كَذَا فَاسْتِعْمَالُ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ شَائِعٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ؛ فَلِذَلِكَ عَرَّفَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَوَلِيٍّ) ش: أَبًا كَانَ أَوْ وَصِيًّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ الْيَتِيمِ رَهْنًا فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ طَعَامٍ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ عُرُوضَ الْيَتِيمِ بِمَا أَسْلَفَهُ رَهْنًا. اهـ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مِنْ مَتَاعِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَلَدُ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَالِ وَلَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. ص (وَمُكَاتَبٍ) ش: قَيَّدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِمَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الرَّهْنِ وَنَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ ص (وَآبِقٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَرَهْنُ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ إنْ قُبِضَ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: يَجُوزُ رَهْنُ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَقَوْلُهُ: إنْ قُبِضَ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ فَلَسِهِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ رَهْنَ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضَا قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِمَا وَإِنَّمَا الْقَبْضُ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الِاخْتِصَاصِ اهـ. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ كَذَلِكَ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ فِي تَرْجَمَةِ الْعَيْنِ وَمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَالْمَعْرُوفُ لِمَالِكٍ أَنَّهُ لَا تُرْهَنُ الْأَجِنَّةُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا يُرْتَهَنُ الْعَبْدُ الْآبِقُ وَالْبَعِيرُ الشَّارِدُ وَيَصِحُّ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْجَنِينِ. [تَنْبِيه رَهْنِ الدَّارِ الْغَائِبَة وَالشَّيْءِ الْغَائِبِ] (تَنْبِيهٌ) سُئِلَتْ عَنْ رَهْنِ الدَّارِ الْغَائِبَةِ، وَالشَّيْءِ الْغَائِبِ فَأَجَبْتُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ فِي اخْتِصَاصِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ أَنْ يَقْبِضَهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ قَبْلَ مَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ فَلَسِهِ وَهُوَ كَالْآبِقِ وَالشَّارِدِ بَلْ أَحْرَى بِالْجَوَازِ فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ فَلَّسَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَوْ جَدَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَقُولُ: وَبِمَوْتِ رَاهِنِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ وَلَوْ جَدَّ فِيهِ وَأَيْضًا فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ وَهَبَ دَارًا غَائِبَةً وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْهِبَةِ إذَا جَدَّ فِي طَلَبِهَا لَا تَبْطُلُ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هُنَا فِي التَّوْضِيحِ: بِأَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا كَانَ بَاقِيًا عَلَى

مِلْكِ رَاهِنِهِ لَمْ يَكْتَفِ بِالْجَدِّ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ وَاهِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَهْنَ الدَّيْنِ يَصِحُّ وَلَوْ عَلَى غَائِبٍ وَيَكْفِي فِي حَوْزِهِ الْإِشْهَادُ وَالظَّاهِرُ هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخِدْمَةُ مُدَبَّرٍ) ش: أَيْ، وَجَازَ رَهْنُ خِدْمَةِ مُدَبَّرٍ سَوَاءٌ رَهَنَ مِنْهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا أَوْ رَهَنَ جَمِيع خِدْمَتَهُ، أَمَّا إنْ رَهَنَ مِنْهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا إنْ رَهَنَ الْجَمِيعَ فَيَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَخْتَلِفُ فِيهِ إذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْخِلَافِ فِي رَهْنِ الْغَرَرِ فِي عُقْدَةِ الْبَيْعِ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَاحْتَرَزَ بِالْخِدْمَةِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَرَهْنُ الرَّقَبَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَرْتَهِنَ رَقَبَتَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَلَا مَالَ لَهُ بِيعَ لَهُ الْمُدَبَّرُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي رَهْنِ الْغَرَرِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يَمُوتُ السَّيِّدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّقَبَةَ عَلَى أَنَّهُ تُبَاعُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لَا رَقَبَتَهُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ يَعُودُ الرَّهْنُ إلَى الْمَنْفَعَةِ أَوْ لَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ قَوْلَانِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) ش: يُرِيدُ وَقَدْ خُلِقَتْ الثَّمَرَةُ الْمَازِرِيُّ وَأَمَّا إذَا لَمْ تُخْلَقْ فَذَلِكَ كَرَهْنِ الْجَنِينِ اهـ. مِنْ التَّوْضِيحِ ص (وَانْتَظَرَ لِيُبَاعَ) ش: أَيْ فَإِنْ حَلَّ أَجَلُ

فرع راهن المغصوب من غاصبه يسقط عنه ضمانه

الدَّيْنِ أَوْ مَاتَ رَاهِنُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ انْتَظَرَ بُدُوَّ الصَّلَاحِ لِتُبَاعَ، وَإِنَّمَا انْتَظَرَ بُدُوَّ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا. أَمَّا إنْ كَانَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ رَبِّ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمِدْيَانِ اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ كُلُّهُ بِاللَّفْظِ إلَّا الْقَلِيلَ فَظَهَرَ لَكَ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ فَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ أَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَلَا مَالَ لَهُ انْتَظَرَ لِيُبَاعَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الْفَلَسِ حُكْمُ الْمَوْتِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسَاقِي وَحَوْزُهُمَا الْأَوَّلُ كَافٍ) ش: هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسَاقِي هُوَ الْمُرْتَهِنُ. [فَرْعٌ رَاهِنُ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: الطُّرْطُوشِيُّ رَاهِنُ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُهُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْغَصْبِ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ وَالْجَامِعُ الْإِذْنُ فِي الْإِمْسَاكِ. ص (وَالْمِثْلِيُّ وَلَوْ عَيْنًا إنْ طُبِعَ عَلَيْهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُ الْمِثْلِيِّ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا بِشَرْطِ أَنْ يُطْبَعَ عَلَى ذَلِكَ الْمِثْلِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَوْ عَيْنًا أَنَّ الْعَيْنَ فِيهَا خِلَافٌ كَمَا هِيَ قَاعِدَتُهُ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إذَا لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ فَأَشْهَبُ يَقُولُ يَصِحُّ رَهْنُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَاتِّفَاقًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهَا إلَّا مَطْبُوعًا عَلَيْهَا فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَأَمَّا الْبَاجِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ شَاسٍ فَلَمْ يَنْقُلُوا عَنْ أَشْهَبَ إلَّا أَنَّ الطَّبْعَ فِي النَّقْلِ مُسْتَحَبٌّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ كُلَّهَا لَا تُرْتَهَنُ إلَّا مَطْبُوعًا عَلَيْهَا قَالَ فِي رُهُونِهَا: وَلَا تُرْهَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالْفُلُوسُ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ إدَامٍ أَوْ مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ إلَّا أَنْ يُطْبَعَ عَلَى ذَلِكَ لِيُمْنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ النَّفْعِ بِهِ وَرَدِّ مِثْلِهِ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَلَا يُطْبَعُ عَلَيْهِ حَذَرَ اللُّبْسِ كَمَا لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِسَائِرِ

الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. اهـ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ: لَا أُحِبُّ ارْتِهَانُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا مَطْبُوعَةً لِلتُّهْمَةِ فِي سَلَفِهَا فَإِنْ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهَا لَمْ يَفْسُدْ الرَّهْنُ وَلَا الْبَيْعُ وَيُسْتَقْبَلُ طَبْعُهَا إنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ وَمَا بِيَدِ أَمِينٍ فَلَا يُطْبَعُ عَلَيْهِ وَمَا أَدْرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَجْرِي مَجْرَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مَا يُخَافُ فِي الْعَيْنِ اهـ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمِثْلِيُّ إنْ طُبِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ لَكَانَ مُشِيرًا لِخِلَافِ أَشْهَبَ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى فَالْعَيْنُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فَلَا يَتَأَتَّى فِي أَحَدِهِمَا إغْيَاءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) مَحَلُّ الطَّبْعِ إذَا لَمْ يُوضَعْ ذَلِكَ عَلَى يَدِ أَمِينٍ أَمَّا إذَا وُضِعَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى طَبْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَالْمُرَادُ بِالطَّبْعِ طَبْعٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَكِّهِ فِي الْغَالِب، وَأَمَّا الطَّبْعُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى فَكِّهِ أَصْلًا فَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِمَا، وَالطَّبْعُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى فَكِّهِ كُلُّ أَحَدٍ كَلَا طَبْعٍ اهـ. (الرَّابِعُ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا اُنْظُرْ لَوْ قَامَتْ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يُطْبَعَ عَلَى الرَّهْنِ فَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَلَيْسَ هَذَا بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّ هَذَا رَهْنٌ يَجُوزُ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ اهـ. ص (وَفَضَلْتَهُ إنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ وَرَضِيَ) ش قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَإِذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَلَى الْعَدَدِ الْوَاقِعِ فِيهِ فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهُ وَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَ دَيْنًا آخَرَ، وَيَكُونُ رَهْنًا بِهَا إلَى أَجَلِ دَيْنِ الرَّهْنِ، وَلَا يَجُوزُ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ وَلَا إلَى دُونِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ فَضْلَةَ الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَرِضَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ وَمَعْنَى الْفَضْلَةِ: أَنَّ الرَّهْنَ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ فَيَرْهَنُهُ عِنْدَ آخَرَ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ يَسْتَوْفِي مِنْهُ دَيْنَهُ وَفَضْلَةَ ثَمَنِهِ لِلثَّانِي. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ ارْتَهَنْت ثَوْبًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فِي خَمْسِينَ، ثُمَّ رَهَنَ رَبُّ الدَّيْنِ فَضْلَته لِغَيْرِكِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِكَ فَيَجُوزُ وَيَكُونُ جَائِزًا لِلثَّانِي فَإِنْ هَلَكَ الثَّوْبُ بِيَدِكَ بَعْدَ مَا ارْتَهَنَ الثَّانِي فَضْلَتَهُ ضَمِنْتَ مِنْ مَبْلَغِ دَيْنِكَ، وَكُنْتَ فِي الثَّانِي أَمِينًا وَيَرْتَجِعُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ فَضْلَةَ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْأَوَّلِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِهِ قَالَ فِي الْبَيَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَالِاعْتِبَارُ إنَّمَا هُوَ بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ الْمُرْتَهِنِ اهـ. أَيْ عِلْمِ الْعَدْلِ (الثَّانِي) : وَهَذَا إذَا رَهَنَهُ الثَّوْبَ جَمِيعَهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا لَوْ رَهَنَ نِصْفَ الْعَبْدِ أَوْ رُبْعَهُ ثُمَّ رَهَنَ النِّصْفَ الثَّانِي لِآخَرَ فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: ارْتِهَانُ فَضْلَةِ الرَّهْنِ لَا تَخْلُو تِلْكَ الْفَضْلَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَضْلَةً فِي عَيْنِ الرَّهْنِ أَوْ تَكُونَ فَضْلَةً فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمَعْنَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْهَنَهُ نِصْفَ الثَّوْبِ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُرْتَهَنٌ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ الثَّوْبِ لِيَتِمَّ لَهُ

الْحَوْزُ وَمَعْنَى الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنْ يَرْهَنَهُ الثَّوْبَ فِي خَمْسَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً. وَفَائِدَةُ اخْتِلَافِ الصُّورَتَيْنِ مَعْرِفَةُ مَا يَصِحُّ لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ إذَا صَحَّ لَهُ الْقَبْضُ وَالْحَوْزُ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ أَحَقَّ بِنِصْفِ الثَّوْبِ مِنْ الْغُرَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي يَفِي بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي أَحَقَّ بِمَا نَابَ عَنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَفَافَ دَيْنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِهِ أَوْ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَدِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَيَّنَ الرَّهْنَ أَوْ صِفَتَهُ، وَهُوَ مِمَّا يَزِيدُ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ رَهْنَ الْقَدْرِ لَا يَجُوزُ فَيَمْنَعُ فِي رَهْنِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَيَجْرِي فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا نَذْكُرهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَإِنْ رَضِيَ بِالْحَوْزِ الثَّانِي فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ أَوْ سَخِطَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِرِضَاهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ فَفِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ أَمْ كَرِهَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي وَغَيْرِهِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَكُونُ حَوْزُهُ حَوْزًا لِلثَّانِي وَإِنْ رَضِيَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَحَوْزَهُ أَوَّلًا إنَّمَا كَانَ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ أَيْضًا، وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ بِالْحَوْزِ الثَّانِي فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَا يَجُوزُ. وَهُوَ نَصُّ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ أَحْوَالٍ وَأَنَّ مَعْنَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ أَجَلُ الدَّيْنَيْنِ سَوَاءً أَوْ كَانَ الْأَخِيرُ أَبْعَدَ طُولًا فَلِذَلِكَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ حُلُولًا وَدَيْنُ الْأَوَّلِ عِوَضٌ مِنْ بَيْعٍ وَدَخَلَ الثَّانِي عَلَى أَنْ يَقْبِضَ حَقَّهُ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْدِرُ عَلَى تَقْدِيمِ حَقِّهِ قَبْلَ أَجَلِهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْأَوَّلِ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا مِنْ قَرْضٍ جَازَ إذَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ حَقَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ اهـ. (الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَرَضِيَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَعَلِمَ الْأَوَّلُ. ص (قُسِّمَ إنْ أَمْكَنَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَسَّمَهُ إنْ انْقَسَمَ لَا أَعْرِفُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا فِي الْجَلَّابِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلَّفُ وَمَا وَقَعَ الْحُكْمُ بِقَسْمِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَّابُ هُوَ فِي آخِرِ بَابِ الرَّهْنِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي قُسِّمَ الرَّهْنُ عَلَى الدَّيْنِ إنْ أَمْكَنَ قَسْمُهُ فَيُدْفَعُ لِلْأَوَّلِ قَدْرُ مَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ لَا أَزْيَدُ، وَالْبَاقِي لِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ الثَّانِي فَلَا يُدْفَعُ مِنْهُ لِلثَّانِي إلَّا مِقْدَارُهُ، وَتَكُونُ بَقِيَّةُ الرَّهْنِ كُلُّهَا لِلدَّيْنِ الْأَوَّلِ . ص (وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ هَلَكَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَهِيَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهَا لَاتَّبَعَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ بِقِيمَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسْتَعِيرُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ اهـ. زَادَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِقِيمَتِهَا أَوْ قَاصَّ الْمُسْتَعِيرُ الْمُرْتَهِنَ اهـ قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ اتَّبَعَ رَبُّهُ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا إذَا ضَاعَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ ضَاعَ بِيَدِ عَدْلٍ جَعَلَهُ عِنْدَهُ رَاهِنُهُ وَرَبُّهُ الْمُعِيرُ لَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ) ش: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا ضَمَانَ

الرِّهَانِ وَالْعَوَارِيِّ بَلْ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِ مُطْلَقًا قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَبِدَلِيلِ فَرْضِهِمْ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ ص (وَهَلْ مُطْلَقًا إلَى آخِرِهِ) ش: أَيْ سَوَاءٌ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ التَّعَدِّي أَمْ لَا وَهُوَ تَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَوْ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ بِالتَّعَدِّي وَلَمْ يَحْلِفْ الْمُعِيرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِالتَّعَدِّي أَوْ حَلَفَ الْمُعِيرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ وَيَصِيرُ الرَّهْنُ فِيمَا قَالَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ كَأَنْ لَا يُقْبَضَ) ش: مِنْ الشَّرْطِ الْمُنَافِي مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ: " وَمَنْ رَهَنَ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَضَتْ سَنَةٌ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ رُهُونِ النَّاسِ وَلَا يَكُونُ هَذَا رَهْنًا ". ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ فَلَّسَ دَخَلَ فِيهِ الْغُرَمَاءُ اهـ. وَلَيْسَ مِنْهُ مَسْأَلَةُ غَلْقِ الرَّهْنِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ظُنَّ فِيهِ اللُّزُومُ إنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ، وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْبِضَ حَقَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الْمَشَذَّالِيَّ فِي مَسْأَلَةِ: غَلِقَ الرَّهْنُ غَلَقًا إذَا اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُفْتَكَكْ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» اهـ. وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» . قَالَ مَالِكٌ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ، وَفِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَمَّا رَهَنَ بِهِ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ بِمَا فِيهِ قَالَ: فَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَحِلُّ وَهَذَا الَّذِي نَهَى وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بِاَلَّذِي رَهَنَ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ لَهُ، وَأَرَى هَذَا الشَّرْطَ مَفْسُوخًا قَالَ الْبَاجِيُّ غَلْقُ الرَّهْنِ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يُفَكُّ يُقَالُ غَلِقَ الرَّهْنُ إذَا لَمْ يُفَكَّ وَمَعْنَى التَّرْجَمَةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ الرَّهْنُ عَلَى وَجْهٍ يَئُولُ إلَى الْمَنْعِ فِي فَكِّهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَا يُمْنَعُ مِنْ فَكِّهِ وَذَلِكَ نَهْيٌ عَنْ عَقْدٍ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وَعَنْ اسْتِدَامَتِهِ إنْ عُقِدَ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُهُ اهـ. مِنْ الْبَاجِيِّ. ص (وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ظُنَّ فِيهِ اللُّزُومُ) ش: قَبِلَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ وَالنُّوَيْرِيُّ فِي تَكْمِلَتِهِ عَلَى الْبِسَاطِيِّ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَهْنًا فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ وَظَنَّ لُزُومَ الْوَفَاءِ بِهِ فَرَهَنَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَدَّاهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ فَإِنَّهُ يُسْتَرَدُّ اهـ. وَهُوَ نَصُّ مَا وَقَفْتَ عَلَيْهِ فِي وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ وَقَدْ أَصَابَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي إضْرَابِهِ عَنْهُ صَفْحًا، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَعْمَلُ لَهُ، وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ بِقَبُولٍ وَلَا رَدٍّ خِلَافَ الْمَأْلُوفِ مِنْ عَادَتِهِ وَأَنَا مَا أُرَاهُ إلَّا مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَبْلُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ إنْ كَانَ الرَّهْنُ بِدِينَارَيْنِ قَضَى أَحَدَهُمَا أَوْ بِثَمَنِ عَبْدَيْنِ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ بِمِائَةٍ ثَمَنُ عَبْدٍ بِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسِينَ فَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِمَا بَقِيَ وَتَأَمَّلْهُ أَيْضًا مَعَ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ابْتَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا عَلَى أَنْ يَرْتَهِنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَقَبَضَهُ: فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ وَقَعَ الْبَيْعُ. وَكَذَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ صَحِيحًا وَالْبَيْعُ فَاسِدًا عَلَى أَنَّ اللَّخْمِيَّ

وَابْنَ يُونُسَ لَمْ يَتَنَازَلَا لِظَنِّ اللُّزُومِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فِي: بَابِ مَنْ رَهَنَ رَهْنًا بِدِينَارَيْنِ فَقَضَى أَحَدَهُمَا أَوْ بِعَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا أَوْ كَانَ عَبْدًا وَاحِدًا بِيعَ بِمِائَةٍ بَيْعًا فَاسِدًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسِينَ فَقِيلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الرَّهْنُ رَهْنٌ بِالْبَاقِي وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي حُقُوقٍ ثَلَاثَةٍ فَقُضِيَ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِهِ. فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةٌ عَلَى إنْ رَهَنَهُ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلَانِ فَقِيلَ يَقْبِضُ الرَّهْنَ وَيَسْقُطُ نِصْفُهُ وَهُوَ مَا قَابَلَ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ رَهْنًا بِالثَّانِي مِثْلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى هَذَا يُفَضُّ الرَّهْنُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إذَا اُسْتُحِقَّ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ، وَفِي الطَّلَاقِ إذَا رَهَنَ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَضِّ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَةً أَنَّهُ يَبْقَى رَهْنًا فِي الْبَاقِي. وَمَنْ أَسْلَمَ دِينَارًا فِي ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَأَخَذَ بِهَا رَهْنًا ثُمَّ فَسَخَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الدِّينَارُ وَالدَّرَاهِمُ سَوَاءً كَانَ أَحَقَّ بِهِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ دِينَارُهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الدِّينَارِ أَرْبَعِينَ كَانَ أَحَقَّ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الرَّهْنِ وَالْبَاقِي هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ يُسَلَّمُ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عِشْرِينَ هَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِجَمِيعِهِ أَوْ بِثُلُثَيْهِ وَيَسْقُطُ مِنْ الرَّهْنِ مَا يَنُوبُ الْعَشَرَةَ الزَّائِدَةَ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُسْتَحَقَّةِ اهـ. وَكَلَامُ ابْنِ يُونُسَ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَلْنَذْكُرْ أَوَّلًا كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ نَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهُ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَمَنْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ فَرَهَنَك بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ مِنْكَ إلَى الْأَجَلِ فَالرَّهْنُ لَكَ بِدَيْنِكَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَيَنْقَضِ هَذَا الرَّهْنُ وَلَا يُنْظَرُ بِهِ إلَى الْأَجَلِ وَلَكَ أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّكَ وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ وَيَصِيرُ السَّلَفُ حَالًّا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ السَّلَفِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَصِحُّ لَهُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ الثَّمَنُ أَوْ الرَّهْنُ وَكَذَلِكَ فِي السَّلَفِ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَا سَلَّفَ أَوْ الرَّهْنُ فَإِنْ عَثَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَسَخَ الْبَيْعَ إنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى فَتَكُونُ فِيهَا الْقِيمَةُ حَالَّةً، وَيَصِيرُ السَّلَفُ حَالًّا وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِالرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَأْخُذَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ وَقَعَ الْبَيْعُ. وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّهْنُ بَعْدَ أَنْ صَحَّ الْبَيْعُ أَوْ السَّلَفُ لَمْ يُفْسَخْ إلَّا الرَّهْنُ وَحْدَهُ وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِهِ وَيَبْقَى الْبَيْعُ، وَالسَّلَفُ بِلَا رَهْنٍ إلَى أَجَلِهِ وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهَذَا الرَّهْنِ فِي فَلَسٍ وَلَا مَوْتٍ كَقَوْلِهِمْ فِيمَنْ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ رَهْنًا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِنَفْعٍ قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِهِ رَهْنًا، وَإِنْ قُبِضَ فِي فَلَسِ الْغَرِيمِ أَوْ مَوْتِهِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَحَمَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ يُونُسَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُمَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَقَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّهْنَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي ثَمَنٍ حَالٍّ فَأَخَّرَهُ بِهِ لِأَجَلِ الرَّهْنِ فَاسْتَوَى هُنَا فِيهِ الْبَيْعُ وَالْقَرْضُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ تَأْخِيرُهُ عَلَى هَذَا الرَّهْنِ كَالسَّلَفِ عَلَيْهِ وَصَارَ بَيْعًا فَاسِدًا بَاعَ مِنْهُ هَذَا الرَّهْنَ بِهَذَا الدَّيْنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ بِشَرْطِ إنْ لَمْ يُوفِهِ دَيْنَهُ فَإِنْ وَفَّاهُ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَصَارَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْبَيْعُ وَالسَّلَفُ مَرَّةً بَيْعًا وَمَرَّةً سَلَفًا فَيُرَدُّ وَيُفْسَخُ هَذَا الشَّرْطُ وَلَا يَنْتَظِرُ بِهِ الْأَجَلَ فَيَأْخُذُ صَاحِبُ السَّلَفِ سَلَفَهُ وَالْبَائِعُ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ صَحَّ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْفَسَادُ فِي الرَّهْنِ فِي ثَمَنِهِ وَيَكُونُ هُنَا أَحَقُّ بِرَهْنِهِ حَتَّى يَأْخُذَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الرَّهْنِ أَخَذَهُ اهـ. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ فِيمَا إذَا وَقَعَ الرَّهْنُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ لَا فِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ عِيَاضًا إنَّمَا قَالَ: إنَّهُ يَكُونُ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ أَنَّ الثَّمَنَ وَالسَّلَفَ حَالَّانِ

فرع رهنه في بيع فاسد رهنا صحيحا أو فاسدا فقبضه

وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ بِهِ لِأَجَلِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُ ابْتَدَأَ حِينَئِذٍ سَلَفًا عَلَى رَهْنٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ السَّلَفَ إذَا وَقَعَ عَلَى رَهْنٍ فَاسِدٍ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَيَصِيرُ السَّلَفُ حَالًّا وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَأَمَّا ابْنُ يُونُسَ: فَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ وَالثَّمَنَ مُؤَجَّلَانِ، وَتَطَوَّعَ لَهُ بِالرَّهْنِ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يُوفِهِ حَقَّهُ فَالرَّهْنُ لَهُ بِحَقِّهِ فَهَذَا رَهْنٌ فَاسِدٌ وَقَعَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ فَيُرَدُّ وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ عِيَاضٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَتَأَمَّلْهُ وَيُؤْخَذُ هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُعَارِضَهَا عَلَى مَا قَالَ عِيَاضٌ بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ التَّفْلِيسِ فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَأَخَّرَهُ بِرَهْنٍ إلَى أَبْعَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِهِ رَهْنًا وَهَذِهِ الْمُعَارَضَةُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ عِيَاضًا قَالَ مِنْ ثَمَنٍ حَالٍّ فَأَخَّرَهُ بِهِ لِأَجَلِ الرَّهْنِ الشَّيْخُ وَقَوْلُ عِيَاضٍ أَنَّهُ بَعْدَ الْعَقْدِ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فَرَهْنُكَ بِهِ وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَمِنْ قَوْلِهِ وَيُنْقَضُ هَذَا الرَّهْنُ وَلَوْ كَانَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لَقَالَ يُنْقَضُ الْبَيْعُ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَكَلَامُ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا وَقَعَ الرَّهْنُ فَاسِدًا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الرَّهْنِ بَيْعًا فَلَا يَكُونُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ يَدِهِ بِهَذَا الرَّهْنِ شَيْئًا، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ: أَوْ قَرْضٍ مِنْ بَيْعٍ وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى مَا فِي الْكِتَابِ عِنْدِي عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ لِأَجَلِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ كَالسَّلَفِ سَوَاءٌ. وَقَدْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ الِانْتِفَاعُ بِنَقْدِ ثَمَنِهِ وَأَخَذَهُ لِأَجَلِ الرَّهْنِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ أَخَذَ بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ إلَى أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهِ عَلَى أَنْ يُعْطَى حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا أَنَّهُ تَسْقُطُ الْحَمَالَةُ وَيُرَدُّ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْأَجَلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أُدْخِلَ فِي الْأَجَلِ الثَّانِي فَهُوَ كَسَلَفٍ لَمْ يَحِلَّ فِيهِ رَهْنٌ مَقْبُوضٌ فَالرَّهْنُ بِهِ ثَابِتٌ. وَمَعْنَى مَسْأَلَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُؤَجَّلًا فَهَاهُنَا إذَا فَسَخْنَا الرَّهْنَ لَزِمَهُ بِحَقِّهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ إذْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا لِأَجَلِ الرَّهْنِ وَلَمْ يُفْسَخْ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ لَكَانَ بَيْعًا فَاسِدًا اهـ. ثُمَّ لَمَّا أَنْ تَمَّمَ ابْنُ يُونُسَ الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ كَلَامَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَكَرَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَزَادَ بَعْدَهُ تَتِمَّةً لِلْكَلَامِ السَّابِقِ مَا نَصُّهُ: كَمَنْ قَالَ إنْ جِئْتُكَ بِالثَّمَنِ إلَى سَنَةٍ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ بِالثَّمَنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ. ابْنُ يُونُسَ جَعَلَ هَذَا بَيْعًا صَحِيحًا وَهُوَ لَا يَدْرِي مَا يَصِحُّ لَهُ فِي ثَمَنِ سِلْعَتِهِ الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ، أَوْ الرَّهْنُ وَهَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ كَمَا بَيَّنَّا اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ. [فَرْعٌ رَهَنَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ رَهْنًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَقَبَضَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَإِذَا رَهَنَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ رَهْنًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَقَبَضَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إذَا كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ صَحِيحَةً وَالرَّهْنُ فَاسِدًا مِثْلَ أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ السَّلَفُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ رَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَضَتْ السَّنَةُ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ فَهَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ بِالرَّهْنِ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَإِذَا كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً وَالرَّهْنُ صَحِيحًا مِثْلَ أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى نَعْتِ الْفَسَادِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَيَرْهَنُهُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا صَحِيحًا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ مَعَ الْقِيَامِ وَيُرَدُّ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْبِضَ الْقِيمَةَ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُؤَلِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا تَبِعَ ابْنَ شَاسٍ وَأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَلِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ. (تَنْبِيهَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْمُؤَلَّفِ وَبِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ الْأَوَّلُ) قَدْ عُلِمَ أَنَّ السَّلَفَ الْفَاسِدَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (الثَّانِي) : إذَا قُلْنَا أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَتَارَةً يُفْسَخُ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ قَبْلَ فَوَاتِهَا فَهَذَا ظَاهِرٌ، وَتَارَةً يُفْسَخُ فِي الْقِيمَةِ بَعْدَ

وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع ولم يشترط في البيع رهنا

فَوَاتِ السِّلْعَةِ وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ فَمَعَ التَّسَاوِي الْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَهَلْ يَكُونُ الرَّهْنُ جَمِيعُهُ رَهْنًا بِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ أَوْ لَا قَوْلَانِ: تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إلَيْهِمَا فِي كَلَام اللخمي وَإِنَّ كَانَتْ الْقِيمَة أَكْثَر كَانَ الرَّهْن رَهْنًا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْهُمَا فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : لَا يُقَالُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ النُّقُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الرَّهْنِ مَنْعُ التَّوَثُّقِ بِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِعَيْنِ شَيْئِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مَعْنَى لِلرَّهْنِ إلَّا ذَلِكَ وَلَا مَعْنَى لِعَدَمِهِ إلَّا بُطْلَانُ ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [وَقَعَ الرَّهْنُ فَاسِدًا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا] (الرَّابِعُ) : قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا وَقَعَ الرَّهْنُ فَاسِدًا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا فَلَا يَكُونُ أَوْلَى بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ يَدِهِ بِهَذَا الرَّهْنِ شَيْئًا اهـ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ وَيُرِيدُ وَكَذَلِكَ السَّلَفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حُلُول الْأَجَل] (الْخَامِسُ) : قَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ مُتَمِّمًا لِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا إنْ حَلَّ الْأَجَلُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ ثَمَنَهُ أَوْ أَسْلَفَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ بَاعَهُ الرَّهْنَ بَيْعًا فَاسِدًا، فَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَتَسْتَوِي حِينَئِذٍ هَذِهِ وَاَلَّتِي الرَّهْنُ فِيهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ قَالَ مَالِكٌ فِيهَا يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَالرَّهْنُ بِيَدِكَ أَوْ بِيَدِ أَمِينٍ فَقَبَضْتَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطُكَ لَمْ يَتِمَّ لَكَ مِلْكُكَ الرَّهْنَ فِيمَا شَرَطْتَ فِيهِ وَلَكِنْ تَرُدُّهُ إلَى رَبِّهِ وَتَأْخُذُ دَيْنَكَ، وَلَكَ أَنْ تَحْبِسَهُ حَتَّى تَأْخُذَ دَيْنَكَ يُرِيدُ أَوْ قِيمَةَ سِلْعَتِكَ الَّتِي بِعْتَ أَوَّلًا إذَا فَاتَتْ قَالَ وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّكَ، فَإِنْ فَاتَ الرَّهْنُ بِيَدِكَ بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ مِنْ حَوَالَةِ سُوقٍ فَاعِلًا فِي الْحَيَوَانِ وَالسِّلَعِ، وَأَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ فَلَا يُفِيتُهَا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ، وَلَا طُولُ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا يُفِيتُهَا الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ سَوَاءٌ هَدَمْتَهَا أَنْتَ أَوْ تَهَدَّمَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ فَحِينَئِذٍ لَا تَرُدُّ الرَّهْنَ وَيَلْزَمُكَ قِيمَتُهُ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَقَعَ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ، وَأَنْتَ لِلسِّلْعَةِ قَابِضٌ يَوْمَئِذٍ وَتَقَاصُّهُ بِدَيْنِكَ وَتَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: وَبِحُلُولِ الْأَجَلِ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَقَعَ يَوْمَ الْأَجَلِ وَهُوَ قَابِضٌ لِلسِّلْعَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ بِيَدِ أَمِينٍ فَقِيلَ يَضْمَنُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ يَدَ رَبِّهَا ارْتَفَعَتْ عَنْهَا، وَيَدُ الْأَمِينِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَوَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُهَا، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهَا الْمُرْتَهِنُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ عِنْدِ الْأَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ كَانَ حَائِزًا لِلْبَائِعِ فَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحَوْزِ اهـ. ابْنُ يُونُسَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَنَقَدَ ثَمَنَهَا وَدَعَا إلَى قَبْضِهَا فَهَلَكَتْ بِيَدِ الْبَائِعِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ضَمَانُهَا مِنْهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَائِعَ وَإِنْ قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَيَدُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَهَاهُنَا السِّلْعَةُ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ إلَى يَدِ وَكِيلٍ لَهُمَا إلَى وَقْتِ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَصِيرُ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَأْتِ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ فَيَدُ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي كَيَدِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ اهـ. ص (وَحَلَّفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنَ أَنَّهُ ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَةِ وَرَجَعَ) ش: وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِلُزُومِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَرَهَنَ عَلَى ذَلِكَ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجُوزُ الرَّهْنُ فِي دَمِ الْخَطَإِ إذَا عَلِمَ الرَّاهِنُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَهُ رَدُّ الرَّهْنِ، أَبُو الْحَسَنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ اهـ. مِنْ أَوَائِلِ كِتَابِ الرُّهُونِ. ص (أَوْ فِي قَرْضٍ مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي أَثْنَاءِ كِتَابِ التَّفْلِيسِ مِنْهَا وَنَصُّهَا

فِيهِ: وَإِنْ أَسْلَفْتَ رَجُلًا مُسْلِمًا بِلَا رَهْنٍ أَوْ بِرَهْنٍ ثُمَّ أَسْلَفْتَهُ سَلَفًا آخَرَ عَلَى أَنْ أَخَذْتَ مِنْهُ رَهْنًا بِالسَّلَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَجَهِلْتُمَا أَنَّ الثَّانِيَ فَاسِدٌ فَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ فِي فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي السَّلَفِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي فِي الثَّانِي وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ الثَّانِي رَهْنًا فِي شَيْءٍ مِنْ السَّلَفِ الْأَوَّلِ اهـ. وَقَوْلُهُ مَعَ دَيْنٍ يُرِيدُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الدَّيْنُ الْقَدِيمُ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ قَرْضٍ بَلْ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ وَشَرَطَ أَنَّ الْأَوَّلَ دَاخِلٌ فِي رَهْنِ الثَّانِي وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّا لَوْ اطَّلَعْنَا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ لَرَدَدْنَا الرَّهْنَ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَكَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ نَصٌّ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ لِغَيْرِهِ بَلْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَانْظُرْ لَوْ عَثَرْنَا عَلَى هَذَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ هَلْ يَرُدُّ السَّلَفَ، أَوْ يُقَالُ إذَا أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ مَضَى اهـ. (الثَّانِي) : قَيَّدَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا قَالَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَالًّا أَوْ حَلَّ أَجَلُهُ لَصَحَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيًّا؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ قَدْ مَلَكَ أَخْذَهُ فَتَأْخِيرُهُ كَابْتِدَاءِ سَلَفٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَكَذَا عِنْدِي لَوْ كَانَ عَدِيمًا وَكَانَ الرَّهْنُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَلِيِّ اهـ. وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ جَدَّ فِيهِ) ش: وَكَذَا لَوْ كَانَ مُشْتَرَطًا فِي الْعَقْدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَارِثٍ: اخْتَلَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ فِي الْمُشْتَرَطِ فِي الْبَيْعِ بِعَيْنِهِ يَدَعُ الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغُرَمَاءُ أَوْ حَتَّى يَبِيعَهُ رَبُّهُ فَأَبْطَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ: يُنْقَضُ بَيْعُهُ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ مُحَمَّدٌ فَجَعَلَ سَحْنُونٌ قَبْضَهُ لِلِارْتِهَانِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ اهـ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَآبِقًا عَنْ التَّوْضِيحِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ فِي كَوْنِ الْجَدِّ فِي طَلَبِهَا وَتَزْكِيَةِ شُهُودِهَا حِيَازَةً إنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ رَبِّهِ فَلَمْ يَكْتَفِ فِيهِ بِالْجَدِّ بِخِلَافِهَا وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ نَصُّ قَوْلِهَا وَإِنْ بِعْتَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَرْهَنَك عَبْدَهُ مَيْمُونًا بِحَقِّك فَفَارَقَك قَبْلَ قَبْضِهِ، لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ وَلَكَ أَخْذُهُ مِنْهُ رَهْنًا مَا لَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ فَيَكُونُ أُسْوَتَهُمْ فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مَضَى بَيْعُهُ وَلَيْسَ لَكَ أَخْذُهُ بِرَهْنٍ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَكَ إيَّاهُ حَتَّى بَاعَهُ كَتَسْلِيمِكَ لِذَلِكَ، وَبَيْعُكَ الْأَوَّلُ غَيْرُ مُنْتَقَضٍ اهـ. ص (وَبِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ أَوْ إسْكَانٍ أَوْ إجَارَةٍ وَلَوْ لَمْ يَسْكُنْ) ش: يُرِيدُ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ وَلَوْ لَمْ يُؤَجِّرْ وَلَمْ يَطَأْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ حَرِيمِ الْبِئْرِ: وَلِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّاهِنِ أَنْ يَسْقِيَ زَرْعَهُ بِمَا ارْتَهَنَ مِنْهُ مِنْ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهَا زَرْعَهُ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ. وَكَذَلِكَ مَنْ ارْتَهَنَ دَارًا فَأَذِنَ لِرَبِّهَا أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُكْرِيَ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ حِينَ أَذِنَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يُكْرِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْهَا: وَكَذَلِكَ إنْ ارْتَهَنْتَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا بِإِذْنِكَ وَهِيَ فِي يَدِكَ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ يَدِكَ كَأَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ زَرَعَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ

فرع ترك المرتهن كراء الدار التي لها قدر أو العبد الكثير الخراج حتى حل الأجل

مَنْ لَمْ يَزْرَعْ وَلَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يُكْرِ كَمَا قَالَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ اهـ. وَكَذَلِكَ الْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي وَطْءٍ بَطَلَ الرَّهْنُ وَكَذَا فِي إسْكَانٍ وَإِجَارَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ كَافٍ فِي الْبُطْلَانِ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى خِلَافِ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالسُّكْنَى وَالْكِرَاءِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ ثَالِثًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَيَبْطُلُ بِالْإِذْنِ أَوْ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِذْنِ لِوُجُودِ صُورَةِ الْحَوْزِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ تَفْسِيرًا جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ؟ وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا حَازَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ وُجِدَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ افْتَاتَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَوَلَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ. [فَرْعٌ تَرَكَ الْمُرْتَهِنُ كِرَاء الدَّارَ الَّتِي لَهَا قَدْرٌ أَوْ الْعَبْدَ الْكَثِيرَ الْخَرَاجِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: إنْ تَرَكَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُكْرِيَ الدَّارَ الَّتِي لَهَا قَدْرٌ أَوْ الْعَبْدَ الْكَثِيرَ الْخَرَاجِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ ضَمِنَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِتَضْيِيعِهَا عَلَى الرَّاهِنِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَمَّا الْحَقِيرُ فَلَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَالْوَكِيلِ عَلَى الْكِرَاءِ لَا يَضْمَنُ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ قَالَ: فَضْلٌ وَقَوْلُ أَصْبَغَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ قَالَ أَصْبَغُ: وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُكْرِيَهَا وَقَالَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: إنَّهُ يَضْمَنُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْمُرْتَهِنِ لِقِلَّةِ الرَّهْنِ: وَإِذَا رَهَنَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَأَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ دَيْنِهِ فَفَرَّطَ حَتَّى حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ حَاضِرًا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهَا وَلَمْ يُنْكِرْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِلَّا فَفِي تَغْرِيمِهِ كِرَاءَ الْمِثْلِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ فَضْلٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يُكْرِ الْأَرْضَ. [فَرْعٌ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أُجْرَةً عَلَى تَوَلِّيهِ] (فَرْعٌ) فَإِنْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أُجْرَةً عَلَى تَوَلِّيهِ لِذَلِكَ فَانْظُرْ ذَلِكَ فِي رَسْمِ طَلْقٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الرُّهُونِ وَنَقَلْتُ كَلَامَهُ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ. ص (أَوْ فِي بَيْعٍ وَسَلَمٍ) ش: أَيْ وَسَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ ص (وَإِلَّا حَلَفَ وَبَقِيَ) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ بَلْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ سَلَّمَهُ لِلْمُبْتَاعِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ إلَى آخِرِهِ قَالَهُ فِي أَوَّلِ رُهُونِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِعَارِيَّةٍ أُطْلِقَتْ وَعَلَى الرَّدِّ أَوْ اخْتِيَارٍ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِفَوْتِهِ بِكَعِتْقٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِسَبَبِ إعَادَتِهِ لِرَاهِنِهِ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ رَدُّهَا فِيهِ وَلَا تَبْقَى لَهُ فِيهِ مُطَالَبَةٌ بِرَدِّهِ إلَى الرَّاهِنِ حَصَلَ فِيهِ فَوْتٌ أَمْ لَا، قَامَتْ الْغُرَمَاءُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ أَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَعَادَ الرَّهْنَ إلَى رَاهِنِهِ بِاخْتِيَارِهِ يَعْنِي بِاخْتِيَارٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ فِيهِ إمَّا بِأَنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ أَوْ أَجَّرَهُ مِنْهُ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِتَحْبِيسٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ أَوْ مَوْتِهِ

فرع كان الرهن مصحفا أو كتبا وقرأ فيها الراهن عند المرتهن دون أن يخرجها من يده

ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ أَوْ يَرْهَنَهُ عِنْدَ غَرِيمٍ آخَرَ نَصَّ عَلَيْهِ الرَّجْرَاجِيُّ فَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إذَا كَانَتْ عَلَى الرَّدِّ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِهَا وَذَلِكَ شَامِلٌ لِصُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُؤَجَّلَةً، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ لَا تَكُونَ مُؤَجَّلَةً وَلَكِنْ إعَارَةً عَلَى رَدِّ الرَّهْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَإِنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَجَّلَةً ارْتَجَعَهَا إذَا انْقَضَى الْأَجَلُ وَيَخْتَلِفُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَبَ أَجَلًا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا أَمَدَ لَهَا وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا الْأَصْلِ: أَنَّهُ يَبْقَى إلَى مُدَّةٍ يَرَى أَنَّهُ يُعِيرُ لِمِثْلِهَا. خَلِيلٌ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُهُ هُنَا التَّأْخِيرُ إلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ بَقَاءَ الرَّهْنِ بِيَدِ الرَّاهِنِ يُضْعِفُ حِيَازَةَ الْمُرْتَهِنِ اهـ. وَقَوْلُهُ أَوْ اخْتِيَارٍ يَعْنِي: إذَا رَدَّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِاخْتِيَارِهِ يَعْنِي بِغَيْرِ الْعَارِيَّةِ لِتَقَدُّمِ حُكْمِهَا بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اللَّخْمِيُّ: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْإِجَارَةِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهَا فَإِذَا قَامَ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ جَهِلْتُ أَنَّ ذَلِكَ نَقْضٌ لِرَهْنِي، وَأَشْبَهَ مَا قَالَ حَلَفَ وَرَدَّهُ مَا لَمْ تَقُمْ الْغُرَمَاءُ (فَإِنْ قُلْت) : كَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْإِجَارَةُ وَالْغَلَّاتُ إنَّمَا هِيَ لِلرَّاهِنِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ نَفْسِهِ قِيلَ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ اكْتَرَاهُ ثُمَّ اكْتَرَاهُ لِلرَّاهِنِ اهـ. [فَرْعٌ كَانَ الرَّهْنُ مُصْحَفًا أَوْ كُتُبًا وَقَرَأَ فِيهَا الرَّاهِنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ دُونَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ] (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُصْحَفًا أَوْ كُتُبًا وَقَرَأَ فِيهَا الرَّاهِنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ دُونَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِذَلِكَ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ فِيهِ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَهَنَهُ عَلَى ذَلِكَ اهـ. مِنْ رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ. ص (وَغَصْبًا فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا) ش: قَالَ الشَّارِحُ: سَوَاءٌ فَاتَ بِمَا ذُكِرَ أَمْ لَا قَامَ غُرَمَاؤُهُ أَمْ لَا وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَلَوْ عَادَ اخْتِيَارًا وَانْظُرْ قَوْلَهُمَا فَاتَ بِمَا ذُكِرَ أَمْ لَا كَيْفَ يَأْخُذُهُ إذَا فَاتَ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ وَكَانَ الرَّاهِنُ مَلِيًّا فَإِنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا عَتَقَ الرَّاهِنُ وَهُوَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَسَيَأْتِي إنْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَكِتَابَتُهُ تَمْضِي فَكَذَلِكَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْأَبْقَى) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاطِئُ مَلِيًّا بَقِيَ الرَّهْنُ إلَى أَصْلِهِ ثُمَّ بِيعَتْ الْأَمَةُ الرَّهْنُ بَعْدَ الْوَضْعِ وَحُلُولِ الْأَجَلِ فَإِنْ وَفَّى ثَمَنَهَا بِالدَّيْنِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهَا عَنْ الدَّيْنِ اتَّبَعَ الْمُرْتَهِنُ السَّيِّدَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَتَقَ مَا بَقِيَ وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِي عِتْقِ مَا بَقِيَ وَإِيقَافُهُ بَعْضَ أُمِّ وَلَدٍ خِلَافًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَبْتَاعُ الْبَعْضَ بِيعَتْ كُلُّهَا وَقَضَى الْمُرْتَهِنُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلرَّاهِنِ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي حَبَلِ الْحَبَلَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ أَمْ وَلَدٌ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا تُبَاعُ كُلُّهَا وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَبْتَاعُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ أَجْلِ الضَّرَرِ الَّذِي عَلَيْهَا فِي تَبْعِيضِ الْعِتْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) إذَا بِيعَتْ يَكُونُ لَهَا حَضَانَةُ وَلَدِهَا مَا لَمْ يُسَافِرْ بِهَا مُبْتَاعُهَا أَوْ يُرِيدُ أَبُو الْوَلَدِ السَّفَرَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَضَانَةِ وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلُ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا أُمُّ الْوَلَدِ وَهِيَ سِتٌّ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِوَجْهِ آخَرَ فَيُقَالُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: تَكُونُ الْأَمَةُ حَامِلًا بِحُرٍّ. (قُلْت) وَيُضَافُ إلَى ذَلِكَ الْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ، وَالْأَمَةُ الْغَارَّةُ وَأَمَةُ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَفِيهَا وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ وَلَهُ وَلَدٌ فَإِنَّهُ يَبِيعُ أُمَّهُ وَيُوَفِّي الْكِتَابَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ هُنَا الْمَسَائِلَ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا أُمُّ الْوَلَدِ وَذَكَرَ عَكْسَهَا وَذَلِكَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ وَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ وَحَمَلَتْ وَأَعْتَقَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِعِتْقِهِ لَهَا حَتَّى أَعْتَقَهُ فَإِنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ أَمَتَهُ مَاضٍ وَتَكُونُ حُرَّةً، وَالْوَلَدُ الَّذِي فِي بَطْنِهَا رَقِيقٌ؛ لِأَنَّهُ لِلسَّيِّدِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ تُعْتَقْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَبِلَهُ شَيْخُنَا

فرعان الأول حوز القيم بأمور الرهن والمتصرف في ماله

أَبُو مَهْدِيٍّ قَائِلًا هُوَ الْمَذْهَبُ وَمَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ وَضَعَتْهُ قَبْلَ عِتْقِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ حِينَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُعْتَقُ وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ وَأَمَتُهُ حَامِلٌ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْجَلَّابِ وَنَصُّهُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَأْذُونُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ لَمْ أُعَجِّلْ لَهَا ذَلِكَ وَكَانَتْ حُدُودُهَا حُدُودَ أَمَةٍ تَضَعُ فَيُرَقَّ الْوَلَدُ لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى وَتُعْتَقُ هِيَ بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ فِيهَا بِغَيْرِ إحْدَاثِ عِتْقٍ اهـ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْعَبْدُ بَعْدَ عِتْقِهِ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَهَا إذَا أَعْتَقَهَا فِي حَالِ رَقِّهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ أَقْوَى مِنْ عِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ عَتَقَ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِالْحُرِّيَّةِ حَتَّى تَضَعَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ إنَّهَا حُرَّةٌ حَامِلَةٌ بِعَبْدٍ فِيهِ مُسَامَحَةٌ، وَبِهَذَا تُعْلَمُ صِحَّةُ قَوْلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَا تُوجَدُ حُرَّةٌ حَامِلَةٌ بِعَبْدٍ وَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ابْنِ نَاجِي عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا مَحْجُورِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ وَلَدًا كَبِيرًا وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ نَظَرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الِابْنِ وَالْبِنْتِ اهـ. وَنَحْوَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) وَكَذَا زَوْجَتُهُ مِثْلَ مَحْجُورِهِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الشَّامِلِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اكْتَفَى بِذِكْرِ مَحْجُورِهِ عَنْهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَحْجُورِ؛ لِأَنَّهَا مَحْجُورَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا فِي الِاصْطِلَاحِ. ص (وَرَقِيقِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ مَأْذُونًا لَهُ. [فَرْعَانِ الْأَوَّلُ حَوْزُ الْقَيِّمِ بِأُمُورِ الرَّهْنِ وَالْمُتَصَرِّفِ فِي مَالِهِ] (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَازِرِيُّ وَأَمَّا حَوْزُ الْقَيِّمِ بِأُمُورِ الرَّهْنِ وَالْمُتَصَرِّفِ فِي مَالِهِ مِنْ شُئُونِهِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إنْ حَازَ جَمِيعَ الرَّهْنِ كَدَارٍ؛ رَهَنَ الرَّاهِنُ جَمِيعَهَا فَحَازَهَا الْقَائِمُ بِشُئُونِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِهِ. فَذَلِكَ حَوْزٌ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ؛ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَهَنَ الرَّاهِنُ نِصْفَهَا وَأَبْقَى النِّصْفَ الْآخَرَ بِيَدِ الْقَائِمِ بِشُؤُونِهِ فَلَا يَصِحُّ لِكَوْنِ الْجُزْءِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يُرْتَهَنْ بِحَوْزِهِ هَذَا الْقَائِمِ نِيَابَةً عَنْ الرَّاهِنِ وَهُوَ غَيْرُ مُمَيَّزٍ مِنْ الْجُزْءِ الْمُرْتَهَنِ، فَكَأَنَّ يَدَ الرَّاهِنِ عَلَى جَمِيعِ الرَّهْنِ اهـ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَزَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَيِّمُ عَبْدًا فَلَا يَحُوزُ يَعْنِي لِمَا رَهَنَ؛ لِأَنَّ حَوْزَ الْعَبْدِ مِنْ حَوْزِ سَيِّدِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ أَمْ لَا انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ وَلِيَّانِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا لِلْيَتِيمِ دَيْنًا وَرَهَنَ فِيهِ رَهْنًا وَوَضَعَ عَلَى يَدِ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِحَوْزٍ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا وَلَا يَحُوزُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. ص (وَإِنْ أَسْلَمَهُ دُونَ إذْنِهِمَا لِلْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلِلرَّاهِنِ ضَمِنَهَا أَوْ الثَّمَنَ) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لِرَاهِنِهِ قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَقَبْلَ حُصُولِ مَانِعٍ يَمْنَعُ مِنْ الرَّهْنِ فِي تَفْلِيسِهِ أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ فَإِنْ حَصَلَ، أَوْ هَلَكَ فَهُوَ مَحَلُّ الضَّمَانِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ فَيَسْكُتُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِلرَّاهِنِ ضَمِنَهَا أَوْ الثَّمَنَ كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَصَوَابُهُ أَوْ الدَّيْنَ أَيْ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ لِلرَّاهِنِ ضَمِنَ لِلْمُرْتَهِنِ قِيمَةَ الرَّهْنِ أَوْ الدَّيْنَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّ مَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الرَّاهِنِ ضَمِنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ

فرع متى تعتبر القيمة في الرهن

أَقَلَّ ثُمَّ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ فَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِغَيْرِهِ اهـ. [فَرْعٌ مَتَى تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي الرَّهْن] (فَرْعٌ) مَتَى تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَالظَّاهِرُ إنَّهَا يَوْمَ هَلَاكِهِ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْعَدْلُ الْأَمَةَ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ وَوَطِئَهَا الرَّاهِنُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْوَطْءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَرْخُ نَخْلٍ) ش: الْمَعْنَى صَحِيحٌ سَوَاءٌ قُرِئَ بِالْحَاءِ أَوْ بِالْخَاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْفَرْخُ وَلَدُ الطَّائِرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ النَّبَاتِ وَالْجَمْعُ أَفْرَاخٌ، وَأَفْرُخٌ، وَفِرَاخٌ، وَفُرُوخٌ وَأَفْرِخَةٌ وَفِرْخَانٌ، وَالزَّرْعُ الْمُتَهَيِّئُ لِلِاشْتِقَاقِ، وَفَرْخُ الزَّرْعِ نَبْتُ أَفْرَاخِهِ اهـ. ص (وَإِنْ فِي جُعْلٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ فِي الدَّيْنِ اللَّازِمِ أَوْ الْآيِلِ لِلُّزُومِ كَالْجُعْلِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَكِنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ. ص (لَا فِي مُعَيَّنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمَرْهُونِ بِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَازِمًا لَهُ، قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَعَرْت مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْكَ لَمْ تَضْمَنْهَا وَإِنْ رَهَنْتَهُ بِهَا فَمُصِيبَتُهَا مِنْ رَبِّهَا وَالرَّهْنُ فِيهَا لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَنْفُذُ وَلَا يَلْزَمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: هُوَ رَهْنٌ إنْ أُصِيبَتْ الدَّابَّةُ بِمَا يَضْمَنُهَا بِهِ فَهُوَ رَهْنٌ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا إذْ لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْعَارِيَّةِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَعِيرُكَ إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي رَهْنًا عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الْعَارِيَّةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ أَخَذَ رَهْنًا بِقِرَاضٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنَّهُ إنْ ضَاعَ ضَمِنَهُ إذْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى الْأَمَانَةِ وَفِيهَا أَيْضًا مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ وَأَعْطَاهُ بِالْإِجَارَةِ رَهْنًا جَازَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِثَمَنِ الْمَنَافِعِ كَمَا يَجُوزُ بِثَمَنِ الْأَعْيَانِ اهـ. ص (وَنَجْمُ كِتَابَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) ش: فَرَّقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ. ص (وَجَازَ شَرْطُ

مَنْفَعَتِهِ إنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ لَا قَرْضٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ إذْ لَا يَدْرِي كَيْفَ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَلِمَالِكٍ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَأَشْهَبُ اهـ. مِنْ التَّوْضِيحِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الثِّيَابِ وَمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ إذَا اشْتَرَطَ الْمَنْفَعَةَ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ وَاسْتَعْمَلَهُ مَا يَلْزَمُهُ. ص (وَفِي ضَمَانِهِ إذَا تَلِفَ تَرَدُّدٌ) ش ذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَالَ: الصَّوَابُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الرَّاهِنِ اهـ. فَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: وَضَمَانُهُ كَالرَّهْنِ عَلَى الْأَظْهَرِ. ص (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ إنْ شُرِطَ بِبَيْعٍ وَعَيْنٍ وَإِلَّا فَرَهْنُ ثِقَةٍ) ش: اُنْظُرْ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَشَرْطِ رَهْنٍ، أَوْ حَمِيلٍ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ. ص (وَهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وَبِهِ عُمِلَ، أَوْ التَّحْوِيزِ، وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا) ش: أَشَارَ بِذَلِكَ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَنَصُّهُ: وَلَا يَقْضِي بِالْحِيَازَةِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحَوْزِهِ فِي حَبْسٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُعْطِي فِي صِحَّتِهِ أَنَّ الْمُعْطَى قَدْ حَازَ وَقَبَضَ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُقْضَ بِذَلِكَ إنْ أَنْكَرَ وَرَثَتُهُ حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ اهـ. وَوَجْهُ كَوْنِ كَلَامِهَا الْمَذْكُورِ دَالًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إذَا وُجِدَ بِيَدِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ سِلْعَةٌ لِلْمَدِينِ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ فَلَسِهِ، وَادَّعَى أَنَّهَا رَهْنٌ عِنْدَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ وَلَوْ وَافَقَهُ الْمُرْتَهِنُ خَشْيَةَ أَنْ يَتَقَارَرَا لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ. عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: وَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. مُحَمَّدٌ صَوَابٌ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا مُعَايَنَةُ الْحَوْزِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي

مسألة اختلاف المفلس مع غرمائه

كِتَابِ الرَّهْنِ قَوْلَيْنِ أَعْنِي عَلَى يُكْتَفَى بِمُعَايَنَةِ الْحَوْزِ، أَوْ التَّحْوِيزِ، وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ الْحَوْزَ قَالَ: وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ خِلَافُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ إذَا وُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ حَازَهُ كَانَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْحِيَازَةَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ: بِمُعَايَنَةٍ أَنَّهُ حَازَ يَحْتَمِلَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمُعَايَنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّحْوِيزِ اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ بِمُعَايَنَةٍ أَنَّهُ حَازَ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحَوْزِهِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا، وَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ وَابْنُ غَازِيٍّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي: أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَآخِرُهُ يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَى الْحَوْزِ فَقَطْ، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُجَرَّدَ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِحُصُولِ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ كَافٍ فِي الْحَوْزِ سَوَاءٌ كَانَ بِتَحْوِيزٍ مِنْ الرَّاهِنِ لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عِنْدِي صَحِيحٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ اهـ. وَذُكِرَ عَنْ الْبَاجِيِّ مِثْلُ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اخْتَارَ الْحَوْزَ فَتَأَمَّلْهُ. وَبَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ ابْنُ عَاتٍ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ هُوَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّامِنِ فِي تَرْجَمَةِ قَرْضٍ، وَكَلَامُهُ فِيهَا أَتَمُّ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ، وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ إنْ كَانَتْ الْحِيَازَةُ بِالْمُعَايَنَةِ جَازَ وَيَخْرُجُ مِنْ إرَادَتِهِ إلَى إرَادَةِ الْمُرْتَهِنِ وَمِلْكِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بِيَدِهِ وَقَدْ حَازَهُ كَانَ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْحِيَازَةَ وَلَا عَايَنُوهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْبُوضًا وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ عُمِلَ أَشَارَ بِهِ لِكَلَامِ صَاحِبِ الطُّرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ رَسْمَ الرُّهُونِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هُنَاكَ فَإِنَّ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. [مَسْأَلَةٌ اخْتِلَاف الْمُفْلِس مَعَ غُرَمَائِهِ] (مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ ابْنَ رُشْدٍ عَنْ مُفْلِسٍ وَجَدَ بِيَدِ بَعْضِ غُرَمَائِهِ مَتَاعٌ زَعَمَ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَهُ وَصَدَّقَهُ الْمُفْلِسُ وَنَازَعَهُ الْغُرَمَاءُ فَسَأَلَهُمْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ هُوَ عِنْدِي فَقَالُوا: لَا يَلْزَمُنَا، وَلَا نَدْرِي وَكَيْفَ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ عِلْمَ الرَّهْنِ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْعِلْمُ وَكَيْفَ إنْ خَاصَمَهُ بَعْضُهُمْ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا (فَأَجَابَ) لَا يُصَدَّقُ الْمُفْلِسُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّذِي عِنْدَهُ الْمَتَاعُ فِي أَنَّهُ عِنْدَهُ رَهْنٌ رَهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ، وَيَتَحَاصُّ فِيهِ الْغُرَمَاءُ وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي مَا يَدَّعِي مِنْ أَنَّهُ رَهْنٌ رَهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَى ارْتِهَانِهِ إيَّاهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ، وَلَا يَجْتَزِئُ بَعْضُهُمْ بِيَمِينِ بَعْضٍ، وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ أَخَذَ مَا وَجَبَ لَهُ بِالْمُحَاصَّةِ وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ رَجَعَ حَظُّهُ فِيهِ إلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ اهـ. مِنْ نَوَازِلِهِ، وَمِنْ النَّوَازِلِ الْمَذْكُورَةِ وَسَأَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ابْنَ رُشْدٍ عَنْ مُفْلِسٍ قَامَ بَعْضُ غُرَمَائِهِ بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ رَهْنَهُ لِدَارِ سُكْنَاهُ قَبْلَ تَفْلِيسِهِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِتَحْوِيزِ الْمِدْيَانِ الرَّاهِنِ لِلْغَرِيمِ، وَقَالَ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ: لَمْ يَزَلْ الرَّاهِنُ عِنْدَهُ وَلَا فَارَقَهَا وَإِنَّهُ الْآنَ سَاكِنٌ فِيهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَحَيُّلٌ لِإِبْطَالِ حَقِّهِمْ وَشَهِدَ لَهُمْ جَمَاعَةُ الْجِيرَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمِدْيَانَ الْمَذْكُورَ لَمْ يُفَارِقْ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ إلَّا حِينَ تَفْلِيسِهِ، وَكَشَفَ الْقَاضِي عَنْ الدَّارِ فَوَجَدَهَا مَشْغُولَةً بِأَهْلِ الرَّاهِنِ، وَأَثَاثِهِ فَوَقَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَأَنَا حُزْتُ رَهْنِي بِحَضْرَةِ بَيِّنَتِي، وَأَخَذْتُ الْمِفْتَاحَ وَأَكْرَيْتهَا مِنْ مُكْتَرٍ وَأَثْبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي الْكِرَاءَ الْمَذْكُورَ، وَإِنْ كَانَ الْمِدْيَانُ قَدْ رَجَعَ إلَيْهَا فَقَدْ افْتَاتَ عَلَيَّ، وَلَمْ أَعْلَمْ بِهِ وَجَهَالَتُهُ بِذَلِكَ تَبْعُدُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَصُورَةُ الْحَالِ وَشَهَادَةُ بَعْضِ الْجِيرَانِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَالِمٌ بِكَوْنِ الْمِدْيَانِ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاجْتِمَاعِهِ بِهِ فِيهَا فَهَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْحِيَازَةِ (فَأَجَابَ) مَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ مُوهِنٌ لِلْحِيَازَةِ قَادِحٌ فِيهَا وَمُؤَثِّرٌ فِي

صِحَّتِهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ الرَّهْنُ إلَّا بِالْحِيَازَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا عِلَّةَ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: إنَّ رَهْنَ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهٍ لَا يَجُوزُ وَمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ مَالِكٍ فَإِذَا حَكَمْتُ بِإِبْطَالِ هَذِهِ الدَّارِ وَقَضَيْتُ بِمُحَاصَّةِ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ فِيهَا كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ بِالثِّقَةِ، وَلَمْ تَحْكُمْ بِالشَّكِّ وَوَافَقْتَ الْحَقَّ اهـ. مِنْ مَسَائِلِ الْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمٍ: بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ، مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ مَسْأَلَةُ إذَا عَادَ الرَّهْنُ لِرَاهِنِهِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا إذَا عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ، وَفِيهَا مَسَائِلُ، وَفَوَائِدُ فَانْظُرْهَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَ الرَّهْنَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ مَضَى الْبَيْعُ يُرِيدُ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ بِرَهْنٍ آخَرَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَضَى يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يُفَرِّطْ وَإِنَّمَا بَادَرَ الرَّاهِنُ إلَى الْبَيْعِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: فِيهِ تَأْوِيلَانِ: يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ تَأْوِيلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَتَأْوِيلِ ابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَأَوَّلَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ فَرَّطَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَكَ إيَّاهُ إلَخْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ تَفْرِيطٌ وَلَا تَوَانٍ لَكَانَ لَهُ مَقَالٌ فِي رَدِّ الْبَيْعِ فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا وَتَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ تَرَاخَى فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاخَ فَبَادَرَ الرَّاهِنُ لِلْبَيْعِ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ وَمَضَى الْبَيْعُ وَكَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ تَأْوِيلَ غَيْرَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ بِلَفْظٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُعْتَقُ غَيْرَ أَبِي مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ هُنَا بَيْعُهُ، وَيُرَدُّ وَيَبْقَى رَهْنًا فَإِنْ فَاتَ بِبَيْعِ مُشْتَرِيهِ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا اهـ. فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَفِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ كَمَا فِي التَّفْرِيطِ وَعَدَمِ إمْضَائِهِ تَأْوِيلَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ فِي تَأْوِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ: هُوَ الَّذِي يُلَائِمُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ وَبَاعَ الْوَرَثَةُ مَتَاعَ الْمَيِّتِ مُبَادَرَةً لِلْغُرَمَاءِ فَلَهُمْ أَخْذُ عُرُوضِهِ، وَنَقْضُ الْبَيْعِ اهـ. وَلْنَذْكُرْ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ لِيَظْهَرَ لَكَ التَّأْوِيلَانِ قَالَ: وَإِنْ بِعْتَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَرْهَنَكَ عَبْدَهُ مَيْمُونًا بِحَقِّكَ فَفَارَقَكَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ، وَلَكَ أَخْذُهُ مِنْهُ رَهْنًا مَا لَمْ تَقُمْ الْغُرَمَاءُ فَتَكُونُ أُسْوَتَهُمْ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْهُ مَضَى الْبَيْعُ وَلَيْسَ لَكَ أَخْذُهُ بِرَهْنٍ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَكَ إيَّاهُ حَتَّى بَاعَهُ كَتَسْلِيمِكَ لِذَلِكَ وَبَيْعُكَ الْأَوَّلُ غَيْرُ مُنْتَقَضٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي رَسْمِ الرُّهُونِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ، وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ السَّمَاعِ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ قَالَ فِي السَّمَاعِ: وَكُلُّ رَهْنٍ لَمْ يُقْبَضْ مِنْ الرَّاهِنِ وَيُحَازُ عَنْهُ فَأَمْرُ الرَّاهِنِ فِيهِ جَائِزٌ إنْ أَعْتَقَ، أَوْ وَطِئَ، أَوْ بَاعَ، أَوْ وَهَبَ، أَوْ نَحَلَ، أَوْ تَصَدَّقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُعْطَى صَاحِبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا لَمْ يَجُزْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ فَتَحْمِلَ، أَوْ شَيْئًا يَبِيعُهُ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ فَأَمَّا عِتْقٌ، أَوْ هِبَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَلَيْسَ هُوَ بِرَهْنٍ، وَأَمَّا إنْ فَلَّسَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ قَالَ

تنبيهات إذا تتطوع بالرهن الراهن للمرتهن بعد عقد البيع

ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ لَا إشْكَالَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِهَا. ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إذَا طَاعَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ بَعْدَ عَقْدِ السَّلَفِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بَيْعًا أَوْ أَسْلَفَهُ سَلَفًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدًا سَمَّاهُ فَبَاعَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ رَهْنَهُ بِتَفْرِيطِهِ فِي قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُ، أَوْ بَاعَهُ بِفَوْرِ رَهْنِهِ إيَّاهُ دُونَ أَنْ يَطُولَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ تَفْرِيطٌ فِي قَبْضِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ فَلَمَّا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ كَانَ أَحَقَّ بِسِلْعَتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ فَائِتَةً هَذَا مَعْنَى مَا فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الثَّمَنَ يُوضَعُ لَهُ رَهْنًا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الرَّاهِنِ يُكَاتِبُ الْعَبْدَ الرَّهْنَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُوضَعُ لَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ هَذَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَلَمْ يُجِبْهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ دَفَعَ السِّلْعَةَ، أَوْ السَّلَفَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ سِلْعَتُهُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ وَلَا سَلَّفَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ وَسَلَفِهِ سَوَاءٌ فَرَّطَ فِي الْقَبْضِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ اهـ. كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُبْتَاعِ يَعْنِي الَّذِي ابْتَاعَ السِّلْعَةَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْعَبْدَ الْمُسَمَّى فَبَاعَهُ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ غَيْرُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اُسْتُحِقَّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ إذَا تَتَطَوَّع بِالرَّهْنِ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُشْتَرَطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَوْ السَّلَفِ، وَأَمَّا إذَا طَاعَ بِهِ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ السَّلَفِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَيْعِ الْهِبَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَنُقِلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَنَصَّهُ عِيَاضٌ وَأَشَارَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُشْتَرَطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا مَا تُطُوِّعَ بِهِ مِنْ الرَّهْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَحُكْمُهُ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ حُكْمُ بَيْعِ الْهِبَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَيَّدَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إمْضَاءِ بَيْعِ الرَّهْنِ وَلَا طَلَبَ لَهُ بِرَهْنٍ آخَرَ بِمَا إذَا أَسْلَمَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ وَلَوْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا فَرَّطَ أَمْ لَا حَتَّى يَأْتِيَهُ بِرَهْنٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ عِيَاضٍ بِلَفْظِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِلَفْظِ وَأَشَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [هَلْ لِلْمُرْتَهِنِ رَدُّ الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَفُتْ وَأَخْذُ الرَّهْنِ] (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ شُيُوخَ الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَفُتْ وَأَخَذَ الرَّهْنِ، وَإِنْ فَاتَ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا، أَوْ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا، وَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَيُوضَعُ لَهُ رَهْنٌ مَكَانَهُ اهـ. [إذَا اُسْتُحِقَّ الرَّاهِن الرَّهْنُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْقَبْضِ] (الرَّابِعُ) إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ الْمُعَيَّنَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَمْ يُفَرِّطْ الْمُرْتَهِنُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ وَلَوْ أَتَاهُ الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ آخَرَ قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الرَّهْنَ الْمُشْتَرَطَ قَدْ ذَهَبَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ لَهُ عِوَضٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ أَخْذُ رَهْنٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ وُجِدَ شَيْءٌ نَاشِئٌ عَنْهُ مُعَوَّضٌ بِهِ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. [بَاعَهُ عَلَى رَهْنٍ مَضْمُونٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ سَمَّى لَهُ رَهْنًا ثُمَّ بَاعَهُ] (الْخَامِسُ) قَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الرَّهْنِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ عَلَى رَهْنٍ مَضْمُونٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ سَمَّى لَهُ رَهْنًا، ثُمَّ بَاعَهُ فَلَا كَلَامَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِبَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى رَهْنٍ مَضْمُونٍ وَكَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ كَشَرْطِ رَهْنٍ، أَوْ حَمِيلٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِبَدَلِهِ وَكَلَامُهُمْ هُنَا إنَّمَا يَفْرِضُونَهُ فِي رَهْنٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتُهُ وَعُجِّلَ)

ش أَفَادَ بِقَوْلِهِ مَضَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَكَذَلِكَ تَدْبِيرُهُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ نَاقِلًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَوْزِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَوْلُهُ: وَعُجِّلَ ظَاهِرُهُ يُعَجَّلُ جَمِيعُ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ تَأْوِيلِ ابْنِ يُونُسَ. ص (وَالْمُعْسِرُ يَبْقَى) ش: يَعْنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرَ يَبْقَى إلَى الْأَجَلِ وَظَاهِرُهُ فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ فَأَمَّا الْعِتْقُ فَظَاهِرٌ كَمَا صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْكِتَابَةُ كَذَلِكَ. قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَإِنَّهُ يَبْقَى رَهْنًا إلَى أَجَلِ الدَّيْنِ مُكَاتَبًا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ تَعَجُّلٌ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ يَبْقَى فَيُحَازُ رَهْنًا قَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مَضَى، وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ كَبَيْعِ كُلِّهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ إلَّا بِإِذْنٍ، وَتُقَوَّمُ بِلَا وَلَدٍ حَمَلَتْ أَمْ لَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَطِئَهَا يَعْنِي الْأَمَةَ الرَّهْنَ الْمُرْتَهِنُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ حُدَّ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ مَعَ الْأَمَةِ رَهْنًا وَعَلَيْهِ لِلرَّاهِنِ مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا إذَا أَكْرَهَهَا إنْ طَاوَعَتْهُ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا شَيْءَ وَالْمُرْتَهِنُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ اهـ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَالصَّوَابُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ زَانِيَةً، وَفِي الطَّوْعِ هِيَ زَانِيَةٌ فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى سَيِّدِهَا عَيْبًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ، وَنَحْوُ هَذَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مَا نَقَصَهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِمَّا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا وَهُوَ مَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الرُّهُونِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً مِثْلَهَا يُخْدَعُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُغْتَصَبَةِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي وَطْءِ الْغَالِطِ فِي النِّكَاحِ، وَذَكَرَهَا فِي الشَّامِلِ هُنَا فَقَالَ: وَيَغْرَمُ مَا نَقَصَهَا إنْ أَكْرَهَهَا وَإِلَّا فَثَالِثُهَا الْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ بِكْرًا انْتَهَى وَكَذَا ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ هُنَا فَيَتَحَصَّلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا

فِي الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا وَفِي الطَّوْعِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا أَيْضًا وَذَكَرَ فِي الشَّامِلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَوَلَدَتْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ وَكَذَا إنْ لَمْ تَلِدْ يَعْنِي عَلَيْهِ الْحَدُّ سَوَاءٌ حَمَلَتْ أَمْ لَا، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اشْتَرَى الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْأَمَةَ وَوَلَدَهَا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَفْسَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَنُوقِضَ قَوْلُهَا لَا يُعْتَقُ الْوَلَدُ بِقَوْلِهَا آخِرَ كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ جَارِيَةً لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا وَرُبَّمَا أَخَذَ مِنْ عَدَمِ عِتْقِهِ إبَاحَةَ وَطْئِهَا كَقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: وَجَوَابُ بَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ لَا يَخْفَى سُقُوطُهُ عَلَى مُنْصِفٍ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ تَأْثِيرَ مَانِعِ احْتِمَالِ الْبُنُوَّةِ فِي حِلْيَةِ الْوَطْءِ أَخَفُّ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي رَفْعِ الْمِلْكِ بِالْوَطْءِ وَقَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنٍ وَتُقَوَّمُ بِلَا وَلَدٍ حَمَلَتْ أَمْ لَا أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ: فِي الْجَلَّابِ، وَمَنْ ارْتَهَنَ أَمَةً فَوَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَوَلَدُهَا رَهْنٌ مَعَهَا يُبَاعُ بِبَيْعِهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَإِحْلَالِهَا لَهُ، وَلَمْ تَحْمِلْ لَزِمَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتُهَا وَقَاصَّهُ الْمُرْتَهِنُ بِهَا مِنْ حَقِّهِ الَّذِي لَهُ، وَإِنْ حَمَلَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا دُونَ قِيمَةِ وَلَدِهَا، وَيُقَاصَّ بِقِيمَتِهَا مِنْ حَقِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا الْحُكْمُ حُكْمُ كُلِّ أَمَةٍ مُحَلَّلَةٍ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الزِّنَا وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ وَهِيَ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْمَحَلَّ، وَأَمَّا كَوْنُ الْأُمِّ تُقَوَّمُ بِدُونِ وَلَدِهَا فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ: غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَصَوَابُهُ وَهُوَ لَاحِقٌ بِهِ كَمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ) ش: يَعْنِي يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ إذَا أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ وَهَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يَسْتَقِلُّ الْمُرْتَهِنُ بِالْبَيْعِ إلَّا بِإِذْنٍ بَعْدَ الْأَجَلِ اعْتَرَضَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِإِذْنٍ بَعْدَ الْأَجَلِ بِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَقَبْلَ الْأَجَلِ جَازَ لَهُ بِذَلِكَ الْبَيْعُ كَبَعْدِ الْأَجَلِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَابْنُ زَرْقُونٍ لَكِنْ نَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثِّقِينَ مَنْعَهُ؛ لِأَنَّهُ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ اهـ. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ بَعْدَ أَنَّ نَقَلَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةُ اضْطِرَارٍ لِحَاجَتِهِ إلَى ابْتِيَاعِ مَا اشْتَرَى، أَوْ اسْتِقْرَاضِ مَا اسْتَقْرَضَ قَالَ، وَأَمَّا لَوْ طَاعَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا وَيُوَكِّلَهُ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ أَجَلِ الدَّيْنِ لَجَازَ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ الرَّاهِنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ وَالتَّوْكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ انْتَهَى الْقَصْدُ مِنْهُ فَقِفْ عَلَيْهِ كُلَّهُ فِي أَصْلِهِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ. وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، وَنَصُّهُ : وَاخْتُلِفَ إنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعَكَهُ بِكَذَا بِأَصْلِ كَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي كَذَا، وَأَنَا مُوَكَّلٌ عَلَى بَيْعِهِ دُونَ مُؤَامَرَةِ سُلْطَانٍ. عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ بَيْعِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ إسْقَاطُ الْعَنَاءِ عَنْهُ فِي الرَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ إنْ أَلَدَّ بِهِ، وَإِسْقَاطُ الْإِثْبَاتِ عَنْهُ إنْ أَنْكَرَ، أَوْ كَانَ غَائِبًا وَهُوَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَابْنِ الْقَصَّارِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْوَهَّابِ. (وَالثَّانِي) أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ بَاعَ قَبْلَ أَنْ يَعْزِلَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَذَكَرهَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا: وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي تَوْكِيلِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةِ سُلْطَانٍ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةُ اضْطِرَارٍ لِحَاجَتِهِ إلَى ابْتِيَاعِ مَا اشْتَرَى أَوْ اسْتَقْرَضَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُبَاعُ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا إنْ أَلَدَّ فِي بَيْعِهِ أَوْ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ يَقْضِي مِنْهُ

تعدى المرتهن فباع الرهن أو وهبه

الدَّيْنَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ قُرْبِ غَيْبَتِهِ مِنْ بُعْدِهَا وَذِكْرِ مَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْقَاضِي فَأَشْبَهَ ذَلِكَ حُكْمَهُ عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ غَازِيٍّ. ص (وَإِلَّا مَضَى فِيهِمَا) ش: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهِمَا رَاجِعٌ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إذَا كَانَ الْإِذْنُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ فَإِنْ بَاعَهُ مَضَى وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ آتِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ لَمْ آتِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمِينِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنْ بَاعَهُ مَضَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فَبَاعَ الرَّهْنَ أَوْ وَهَبَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فَبَاعَ الرَّهْنَ، أَوْ وَهَبَهُ فَلِرَبِّهِ رَدُّهُ حَيْثُ وَجَدَهُ فَيَأْخُذُهُ وَيَدْفَعُ مَا عَلَيْهِ فِيهِ وَيَتْبَعُ الْمُبْتَاعُ بَائِعَهُ فَيَلْزَمُهُ بِحَقِّهِ. اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إذَا بِيعَ بَعْدَ الْأَجَلِ فَيَدْفَعُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ مَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ رَهْنَهُ وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِي الْمُرْتَهِنَ بِالثَّمَنِ. وَإِنْ كَانَ وَهَبَهُ دَفَعَ الدَّيْنَ لِلْمُرْتَهِنِ وَأَخَذَهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ، وَإِنْ غَابَ الْمُرْتَهِنُ وَاخْتَلَفَ الدَّيْنُ وَالثَّمَنُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ دَفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ وَوَقَفَ السُّلْطَانُ الْفَضْلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ أَخَذَ الدَّيْنَ وَاتُّبِعَ الْبَائِعُ بِالْفَضْلِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِعَرْضٍ، أَوْ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ، ثُمَّ غَابَ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَقْبِضُ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الرَّهْنَ وَيَشْتَرِي مِنْ الدَّيْنِ مِثْلَ مَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَضَلَ لِلْغَائِبِ شَيْءٌ وُقِفَ لَهُ، وَإِنْ فَضَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ اُتُّبِعَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِعَرَضٍ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا يُرِيدُ أَنَّهُ بَاعَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ، وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَلَا يَرُدُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَيَجْعَلُهُ بِيَدِ عَدْلٍ رَهْنًا إلَى أَجَلِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنِ ثِقَةٍ فَلَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَيُوقَفُ لَهُ الرَّهْنُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ الْبَيْعَ فَإِنَّ الرَّهْنَ يُوقَفُ بِيَدِ عَدْلٍ لِئَلَّا يَبِيعَهُ ثَانِيَةً اهـ. بِالْمَعْنَى وَانْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا غَابَ وَكَانَ الرَّهْنُ مَوْجُودًا وَحَلَّ الْأَجَلُ فَيَقْبِضُ السُّلْطَانُ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَدْفَعُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُعْزَلُ الْأَمِينُ) ش: إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ فَهَلْ لَهُ فَسْخُ الْوَكَالَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ عَنْ الْبَاجِيِّ وَالْقَرَافِيِّ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَاعَ الْحَاكِمُ إنْ امْتَنَعَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا رَفَعَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ أَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: أَوْ أَلَدَّ، أَوْ غَابَ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ الرَّهْنَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ قَالَ فِي الْبَيَانِ: اُخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ يَتَخَرَّجَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُشْبِهْ كَرَهْنِ الرَّجُلِ حُلِيًّا أَوْ ثَوْبًا لَا يُشْبِهُ لِبَاسَهُ، وَكَرَهْنِ الْمَرْأَةِ سِلَاحًا فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا السُّلْطَانُ بَعْدَ إثْبَاتِ الْمِلْكِ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ فِي رَسْمِ شَكٍّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ ابْنُ عَاتٍ: أَفْتَيْت فِي الرَّهْنِ يَسْأَلُ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ يَأْمُرُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّاهِنِ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ وَأَفْتَى أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِبَيْعِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ الرَّاهِنُ مِلْكَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَشَنَّعَهُ فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ دَارًا فَقَالَ: الْأُصُولُ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَمْرِهِ بِبَيْعِهَا اهـ. وَفِي

فروع هل يتوقف بيع الحاكم على إثبات أن الثمن الذي سومه قيمة مثله

سَمَاعِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ أَشْهَبُ عَنْ رَجُلٍ أَتَى بِمَكَّةَ إلَى زَمْزَمَ فَوَجَدَ رَجُلًا مَعَهُ قَدَحٌ فَقَالَ نَاوِلْنِي قَدَحَك هَذَا فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا كِسَائِي عِنْدَكَ حَتَّى أَعُودَ إلَيْكَ بِهِ فَوَضَعَ الْكِسَاءَ وَأَخْرَجَ الْقَدَحَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجِدْ الرَّجُلَ قَالَ لَوْ أَتَى السُّلْطَانَ حَتَّى يَأْمُرَهُ إنْ كَانَ صَادِقًا أَنْ يَبِيعَ الْقَدَحَ، وَيَقْبِضَ ثَمَنَهُ مِنْ الثَّوْبِ قِيلَ لَهُ: هُوَ صَادِقٌ وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَا يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ دُونَ السُّلْطَانِ قِيلَ لَهُ وَيَأْمُرُهُ السُّلْطَانُ قَالَ: نَعَمْ يَأْمُرُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ عَلَى الْغَائِبِ وَيَقُولُ لَهُ: إنْ كُنْتَ صَادِقًا فَافْعَلْ فَإِنْ جَاءَ الرَّجُلُ كَانَ عَلَى خُصُومَتِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ وَعَلَى مَعْنَى مَا فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى مَا قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ فَإِنْ بَاعَ الْقَدَحَ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ ثَمَنِ كِسَائِهِ أَيْ مِنْ قِيمَتِهِ فَقَدِمَ صَاحِبُ الْقَدَحِ بِالْكِسَاءِ، وَأَقَرَّ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْقَدَحِ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَا بَاعَ بِهِ الْقَدَحَ لِبَيْعِهِ إيَّاهُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَلَوْ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكَانَتْ لَهُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الْقَدَحَ وَأَنْكَرَ الْكِسَاءَ حَلَفَ فِي الْكِسَاءِ وَأَخَذَ قِيمَةَ قَدَحِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْكِسَاءِ وَادَّعَى الْقَدَحَ وَأَنْكَرَ الرَّهْنَ فِيهِ حَلَفَ عَلَى إنْكَارِ الرَّهْنِ فِيهِ وَرَدَّ الْكِسَاءَ وَأَخَذَ قِيمَةَ قَدَحِهِ أَيْضًا، وَهَذَا خِلَافُ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ الرَّهْنُ وَالدَّيْنُ وَمِلْكُ الرَّاهِنِ لَهُ وَيُحَلِّفُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا وَهَبَ دَيْنَهُ وَلَا قَبَضَهُ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَإِنَّهُ لِبَاقٍ عَلَيْهِ إلَى حِينِ قِيَامِهِ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ مِنْ هَذَا هُوَ أَصْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مَسْأَلَةِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَثْبُتُ اسْتِمْرَارُ مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى حِينِ حَوْزِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ وَصِحَّةِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَازَهُ بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ نَقَلَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مِنْ شَرْحِ وَالِدِهِ وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَحْكَامٍ تَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَيْهَا آخِرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إلَى قَوْلِهِ حِينَ قِيَامِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَتَحْصُلُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّهْنِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَفَتْوَى بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ عَاتٍ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، (وَالثَّالِثُ) اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ (وَالرَّابِعُ) : فَتْوَى ابْنِ عَتَّابٍ وَكَذَا حَصَّلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ. [فُرُوعٌ هَلْ يَتَوَقَّفُ بَيْعُ الْحَاكِمِ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي سَوَّمَهُ قِيمَةُ مِثْلِهِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) هَلْ يَتَوَقَّفُ بَيْعُ الْحَاكِمِ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي سَوَّمَهُ قِيمَةُ مِثْلِهِ، اخْتِيَارُ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ بِخِلَافِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ مَا ذُكِرَ لِأَخْذِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ وَعَلَى مُوَافَقَةِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فَرَاجِعْهُ. (الثَّانِي) اُنْظُرْ هَلْ يُبَاعُ الرَّهْنُ جَمِيعُهُ، أَوْ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُوَفِّي الدَّيْنَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ بَيْعُ بَعْضِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي الْبَاقِي فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ وَإِلَّا فَيُبَاعُ جَمِيعُهُ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي مَسْأَلَةِ رَهْنِ فَضْلَةِ الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الثَّانِي أَوَّلًا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ قَسْمُهُ قُسِمَ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّجُلَيْنِ يَرْهَنَانِ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا فَيُؤَخِّرُهُ أَحَدُهُمَا سَنَةً، وَيَقُومُ الْآخَرُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَنْقَسِمُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي قَامَ بِحَقِّهِ بِيعَ لَهُ نِصْفُ الرَّهْنِ فَإِنْ خِيفَ أَنْ يَنْقُصَ بِيعَ كُلُّهُ وَأَعْطَى حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ ذَكَرَهَا فِي الْمُوَطَّإِ وَاللَّخْمِيِّ فِي آخِرِ الرُّهُونِ وَالْبَاجِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِي الْمُنْتَقَى: وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَبِيعَ بِغَيْرِ الْعَيْنِ مِنْ عَرْضٍ، أَوْ طَعَامٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ

المرتهن إذا باع الرهن ثم أثبت الراهن أنه قضاه

فِيهِ فَضْلٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ تِلْكَ الْفَضْلَةِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِيمَا بَقِيَ إنْ شَاءَ تَمَسَّكَ، أَوْ يَرُدَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ بَاعَ الْمَأْمُورُ الرَّهْنَ بِحِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ عَرْضٍ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ إنْ ضَاعَ مَا قَبَضَ مِنْهُ ضَمِنَهُ الْمَأْمُورُ بِتَعَدِّيهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَا بَاعَهُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهِ فَضْلٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ الشَّيْخُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا وَيُحْتَمَلُ الْخِلَافُ اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمُرْتَهِنَ إذَا بَاعَ الرَّهْنَ ثُمَّ أَثْبَتَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ قَضَاهُ] (الثَّالِثُ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ فِيمَنْ أَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ وَبِيعَتْ فِيهِ دَارُهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ قَضَاهُ. عَنْ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ إنَّ الْبَيْعَ نَافِذٌ، وَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا بَاعَ الرَّهْنَ، ثُمَّ أَثْبَتَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ قَضَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي مَسَائِلِ الدُّيُونِ وَالتَّفْلِيسِ فَانْظُرْ كَلَامَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَبِيعُ الرَّهْنَ إلَّا بِجُعْلٍ] (الرَّابِعُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَبِيعُ الرَّهْنَ إلَّا بِجُعْلٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْجُعْلُ عَلَى طَالِبِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَاجَةِ وَالرَّاهِنُ يَرْجُو دَفْعَ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ، وَقَالَ عِيسَى: عَلَى الرَّاهِنِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ اهـ. ص (فَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ. ص (وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ

بِكَحَرْقِهِ) ش: قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فِي الْبَحْرِ فِي الْمَرْكَبِ فَيَغْرَقُ الْمَرْكَبُ، أَوْ يَحْتَرِقُ مَنْزِلُهُ، أَوْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ لُصُوصٌ بِمُعَايَنَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَلَا) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ مَأْكُولًا، أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَأُخِذَ مِمَّا رَوَاهُ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ارْتَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ وَقَبَضَهُ كُلَّهُ، ثُمَّ تَلِفَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا نِصْفُهُ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَأَرَى أَنْ يَضْمَنَ مَا يُسْتَخَفُّ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَحَكَى ابْنُ بَزِيزَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْأَكْلُ كَالْغَنَمِ انْتَهَى. وَدَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَلَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ كَانَ بِيَدِ عَدْلٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَدْلِ وَلَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا مَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِحَرْقِهِ، أَوْ تَلَفِهِ أَوْ ضَيَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُرْتَهِن كَمَا إذَا

فروع يصدق المرتهن في دعوى الإباق

ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي مَخْزَنِهِ، أَوْ بَيْتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ بَيْتَهُ احْتَرَقَ، أَوْ مَخْزَنَهُ أَوْ أَنَّهُ كَانَ الِارْتِهَانُ فِي الْبَحْرِ وَغَرَقَ الْمَرْكَبُ، أَوْ انْتَهَبَتْ اللُّصُوصُ جَمِيعَ الْحَوَائِجِ، أَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَلَكِنْ عَلِمَ احْتِرَاقَ مَحَلِّهِ وَجَاءَ بِبَعْضِهِ مُحْرَقًا [فُرُوعٌ يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مُطْلَقًا فِي الْحَيَوَانِ انْتَهَى. (الثَّانِي) إذَا سَافَرَ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضَامِنٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَأَعَارَهُ لِرَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُعَارِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَضْمَنْ هُوَ وَلَا الْمُسْتَعِيرُ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَوْدَعَهُ رَجُلًا إلَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ الْمُودَعُ، أَوْ الْمُسْتَعِيرُ عَمَلًا أَوْ يَبْعَثَهُ مَبْعَثًا يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ مَا نَصُّهُ: " فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنَّكَ تَسَبَّبْت فِي هَلَاكِهِ فَتَضْمَنُ " انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونٌ: الْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ لِتَعَدِّيهِ ابْنُ يُونُسَ وَقِيلَ: الْأَشْبَهُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ الرَّقَبَةَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَتَعَدِّيهِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمِيلَ وَنَحْوَهُ فَعَطِبَتْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ الْمِيلَ لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا فِي الْبُعْدِ لَيْسَ نَقْلُ رَقَبَةٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُسَيِّرَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذِنْ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ فَصَارَ إنَّمَا يَضْمَنُ لِلِاسْتِعْمَالِ، قِيلَ نَقْلُهُ إلَى دَارِ غَيْرِهِ يَسْتَعْمِلُهُ تَعَدٍّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذِنْ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ فَصَارَ الْمُرْتَهِنُ إلَى نَقْلِ رَقَبَتِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْعَثَهُ فِي حَاجَةٍ خَفِيفَةٍ فَأَمَّا بَعْثُهُ فِي حَاجَةٍ لِيَسْتَعْمِلَهُ فَذَلِكَ تَعَدٍّ وَالْمُتَعَدِّي عَلَى الْمَنَافِعِ إنْ كَانَ لَا يُوصَلُ إلَيْهَا إلَّا بِنَقْلِ الرِّقَابِ يَضْمَنُ كَمَا قُلْنَا فِي الَّذِي تَعَدَّى عَلَى الْمَنْفَعَةِ الْمِيلَ وَنَحْوَهُ فَهَلَكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ انْتَهَى، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ فِي تَرْجَمَةِ تَعَدِّي الْمُرْتَهِنِ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فَأَوْدَعَ الْعَبْدَ الرَّهْنَ، أَوْ أَعَارَهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ هَلَكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَمَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَأَوْدَعَهُ غَيْرَهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي آخِرِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي تَرْجَمَةِ مَسْأَلَةِ الْمِنْدِيلِ: أَنَّهُ إذَا سَافَرَ الْمُرْتَهِنُ وَتَرَكَ الرَّهْنَ فِي بَيْتِهِ مُهْمَلًا، وَلَمْ يُودِعْهُ أَنَّهُ ضَامِنٌ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ عِنْدَ سَفَرِهِ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ أَمِينٍ فَلِذَلِكَ ضَمِنَهُ. [تَنْبِيهٌ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ الرَّهْنَ] (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ الرَّهْنَ فِيمَا خَفَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَالدِّيَاتِ، وَالْإِجَارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجَرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) مَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا وَشَرَطَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، ثُمَّ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الرَّهْنَ ضَاعَ عِنْدَ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَضَعَهُ إلَّا قَوْلُهُ، وَقَوْلُ الْعَدْلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ عَدْلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَالَهُ فِي رَسْمٍ أَوْصَى مَنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرُّهُونِ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ ضَامِنٌ قَالَ: إنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِ عَدْلٍ ضَمِنَهُ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِهِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَدْلٌ صُدِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ مَشْهُورًا بِهِ، وَمِثْلُهُ مَنْ دُفِعَ لَهُ شَيْءٌ لِيَدْفَعَهُ إلَى ثِقَةٍ قَالَ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ عَلَى يَدَيْهِ كَانَ عَدْلًا، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ فِي غُلَامٍ ادَّعَى يَهُودِيٌّ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَالْغُلَامُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ وَإِنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى التَّهَوُّدِ فَوَضَعَهُ الْقَاضِي عِنْدَ أَمِينِ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ أَمْرِهِ، وَيَأْخُذَ رَأْيَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ فَقَالَ الْأَمِينُ: أَبَقَ مِنِّي الْغُلَامُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي الِاحْتِرَاسِ، وَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إنَّهُ كَانَ سَبَبُ الْإِبَاقِ أَنَّ الْأَمِينَ خَرَجَ بِهِ مَعَ نَفْسِهِ إلَى ضَيْعَتِهِ وَطَلَبَ إغْرَامَ الْأَمِينِ قِيمَةَ الْغُلَامِ وَسَأَلَ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَمِينِ قِيمَةُ الْغُلَامِ. فَأَجَابَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ وَلِيدٍ تَوْقِيفُ الْقَاضِي الْغُلَامَ لِاسْتِبْرَاءِ أَمْرِهِ حَزْمٌ مِنْ النَّظَرِ وَصَوَابٌ فِي الْفِعْلِ وَاَلَّذِي يَطْلُبُهُ الْيَهُودِيُّ مِنْ إغْرَامِ الْأَمِينِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ

باع المرتهن الدين الذي على الراهن فسأله المشتري دفع الرهن إليه

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى أَمِينٍ غُرْمٌ» ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى وَلَوْ ثَبَتَ خُرُوجُ الْأَمِينِ بِالْغُلَامِ، ثُمَّ ثَبَتَ رُجُوعُهُ بِهِ وَأَبَقَ لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا، وَقَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَقَالَ مِثْلَهُ: ابْنُ لُبَابَةَ أَيْضًا، وَقَالَ: لَوْ أَبَقَ لَهُ مِنْ الْبَادِيَةِ وَثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ كَانَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مَوْضِعِ أَمَانَتِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ: خُرُوجُ الْغُلَامِ مَعَ الْأَمِينِ مُحْتَرَسًا عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا حَتَّى يَثْبُتَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ خَرَجَ بِهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ، وَإِنْ رَجَعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا فِي كُلِّ حَالٍ، وَقَالَ: يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِثْلَهُ انْتَهَى فَهَذَا قَوْلُنَا: فِيمَا سُئِلْنَا: عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ وَلِيدٍ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ [بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الرَّاهِنِ فَسَأَلَهُ الْمُشْتَرِي دَفْعَ الرَّهْنِ إلَيْهِ] (الرَّابِعُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الرَّاهِنِ فَسَأَلَهُ الْمُشْتَرِي دَفْعَ الرَّهْنِ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ الرَّهْنَ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ لَهُ الرَّهْنَ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَإِنْ دَفَعَهُ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [ادَّعَيْت دَيْنًا فَأَعْطَاهُ بِهِ رَهْنًا يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَاعَ عِنْدَك ثُمَّ تَصَادَقْتُمَا عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَاه] (الْخَامِسُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ادَّعَيْت دَيْنًا فَأَعْطَاكَ بِهِ رَهْنًا يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَاعَ عِنْدَكَ، ثُمَّ تَصَادَقْتُمَا عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَاكَ، وَأَنَّهُ قَضَاكَ ضَمِنْت الرَّهْنَ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْهُ عَلَى الْأَمَانَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَ بَعْدَهُ بِأَرْبَعَةِ أَوْرَاقٍ، وَنَحْوِهَا فَرْعًا آخَرَ، وَنَصُّهُ: " قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا اعْتَرَفَ الْمُرْتَهِنُ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ الَّتِي قَضَى لَهُ بِهَا عَلَيْكَ وَالرَّهْنُ حَيَوَانٌ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عُدْوَانًا وَلَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِبُطْلَانِهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْعُدْوَانِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَجْحَدُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ فَتَقُومُ الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ " انْتَهَى. [إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ وَقَبَضَ الدَّيْنَ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ] (السَّادِسُ) إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ وَقَبَضَ الدَّيْنَ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الرَّدَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الرُّهُونِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ وَهَبَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ بِرَهْنٍ، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ وَهَبَ الدَّيْنَ لِلْمَدِينِ، ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ ضَامِنٌ لَهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ، وَقَالَهُ: ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ:

أَشْهَبُ وَتَرْجِعُ أَنْتَ فِيمَا وَضَعْتَهُ مِنْ حَقِّكَ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَضَعْ لِتَتْبَعَ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ فَتَقَاصُّهُ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَضْلٌ وَدِيَتُهُ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَكَ فِيهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يُوَافِقُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَشْهَبَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ، أَوْ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا تَلِفَ الرَّهْنُ وَوَجَبَتْ لِصَاحِبِهِ الْقِيمَةُ فَهَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الْقِيمَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ أَمْ لَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَقَّ بِالْقِيمَةِ وَعَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا. ص (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْيَ الرَّهْنِيَّةِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ وَكَانَ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ شَيْءٌ لِلْمِدْيَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ رَهْنٌ فِي الدَّيْنِ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَيْسَ بِرَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى نَفْيَ الرَّهْنِيَّةِ (فَإِنْ قُلْت) لِمَ حَمَلْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا، وَلَمْ تَحْمِلْهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ رَهْنٌ وَأَنْكَرَ الْمِدْيَانُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمِدْيَانِ يَدَّعِي الرَّهْنِيَّةَ وَرَبُّ الدَّيْنِ يُنْكِرُهَا فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّنْبِيهِ وَلَا إلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الدَّيْنِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ. (قُلْت) يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِيمَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَادَّعَى الْمِدْيَانُ أَنَّ الْمَتَاعَ كَانَ رَهْنًا لِيَضْمَنَ الْمُرْتَهِنُ الْقِيمَةَ وَأَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ الرَّهْنِيَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَقَدْ نُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِذَا كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَبْدَانِ فَادَّعَى أَنَّهُمَا رَهْنٌ بِأَلْفٍ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَأَوْدَعْتُكَ الْآخَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى فِي سِلْعَةٍ بِيَدِهِ، أَوْ عَبْدٍ أَنَّ ذَلِكَ رَهْنٌ، وَقَالَ: رَبُّهُ بَلْ عَارِيَّةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ صُدِّقَ رَبُّهُ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَلَوْ كَانَ نَمَطًا وَجُبَّةً فَهَلَكَ النَّمَطُ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَوْدَعَنِي النَّمَطَ وَالْجُبَّةَ رَهْنًا، وَقَالَ الرَّاهِنُ: النَّمَطُ رَهْنٌ، وَالْجُبَّةُ هِيَ الْوَدِيعَةُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا هَلَكَ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْجُبَّةَ رَهْنٌ وَيَأْخُذُهَا رَبُّهَا اهـ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَيَحْلِفَانِ وَلِهَذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْيَ الرَّهْنِيَّةِ وَأَيْضًا فَفِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُسَامَحَةٌ أُخْرَى مُرِيبَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ: الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ رَاهِنٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ يُرِيدُ عَلَى دَعْوَى خَصْمِهِ وَإِلَّا فَالْفَرْضُ أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَثْبُتْ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي نَفْيَ الرَّهْنِيَّةِ مَعَ يَمِينِهِ (الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مُتَّحِدًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا وَسَلَّمَ الرَّاهِنُ كَوْنَ الرَّهْنِيَّةِ فِي بَعْضِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَصُدِّقَ نَافِي الرَّهْنِيَّةِ كَبَعْضٍ مُتَعَدِّدٍ، وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمُتَّحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ تُصَدِّقُ الْعَادَةُ الْمُرْتَهِنَ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَبَيَّاعِ الْخُبْزِ وَشِبْهِهِ يُدْفَعُ لَهُ الْخَاتَمُ وَنَحْوُهُ وَيَدَّعِي الرَّهْنِيَّةَ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ صَاحِبِهِ: أَنَّهُ وَدِيعَةٌ خَلِيلٍ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ اهـ. وَاعْتَمَدَ التَّقْيِيدَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ كَخَبَّازٍ يَتْرُكُ عِنْدَهُ الْخَاتَمَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ خِلَافٌ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ قَوْلًا ثَالِثًا وَنَصُّهُ: " وَلَوْ ادَّعَى حَائِزُ شَيْءٍ ارْتِهَانَهُ وَرَبُّهُ إيدَاعَهُ

فرع ادعى المرتهن أن مال العبد أو ثمرة النخل رهن وأنكر الراهن

الْمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ " اللَّخْمِيُّ إنْ شَهِدَ عُرْفٌ لِحَائِزِهِ صُدِّقَ كَالْبَقْلِ فِي الْخَاتَمِ وَنَحْوِهِ ابْنُ الْعَطَّارِ وَلَوْ ادَّعَى حَائِزُ عَبْدَيْنِ أَنَّهُمَا رَهْنٌ، وَقَالَ: رَبُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا صُدِّقَ وَلَوْ ادَّعَى حَائِزُ عَبْدٍ رَهْنَ جَمِيعِهِ، وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ نِصْفُهُ صُدِّقَ حَائِزُهُ اهـ. [فَرْعٌ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ أَوْ ثَمَرَةَ النَّخْلِ رَهْنٌ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ، أَوْ ثَمَرَةَ النَّخْلِ رَهْنٌ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا اهـ. ص (كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ) ش: يَعْنِي إذَا اتَّفَقَا عَلَى الرَّهْنِيَّةِ وَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ إلَى مَبْلَغِ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ فِيهِ قَدْرُ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمَا جَاوَزَ قَدْرَ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَسَوَاءٌ أَنْكَرَ الرَّاهِنُ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى أَنَّ الرَّهْنَ فِي دُونِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: ارْتَهَنْتُهُ فِي مِائَةِ دِينَارٍ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: الْمِائَةُ لَكَ عَلَيَّ، وَلَمْ أَرْهَنْك إلَّا بِخَمْسِينَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إلَى مَبْلَغِ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ لَمْ يُسَاوِ إلَّا خَمْسِينَ فَعَجَّلَ الرَّاهِنُ خَمْسِينَ قَبْلَ الْأَجَلِ لِيَأْخُذَ رَهْنَهُ. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى آخُذَ الْمِائَةَ فَلِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ إذَا عَجَّلَ الْخَمْسِينَ قَبْلَ أَجَلِهَا وَتَبْقَى الْخَمْسُونَ بِغَيْرِ رَهْنٍ كَمَا أَنْكَرَهَا لَا يَلْزَمُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ بَقَاءُ رَهْنِهِ فِي الْخَمْسِينَ اهـ. وَلِأَشْهَبَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَانْظُرْ ابْنَ يُونُسَ. ص (لَا الْعَكْسِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَكُونُ شَاهِدًا عَلَى الرَّهْنِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ قَدْرِ الرَّهْنِ مَثَلًا بَعْدَ هَلَاكِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: إنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ ادَّعَى صِفَةً دُونَ مِقْدَارِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالْغَارِمُ مُصَدَّقٌ. ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا فِي قَوْلَةٍ شَاذَّةٍ لِأَشْهَبَ فَقَالَ: إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبَ الْمُرْتَهِنِ لِقِلَّةِ مَا ذُكِرَ جِدًّا فَيَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ أَشْهَبَ: إنَّمَا أَعْرِفُ يَنْحُو

تنبيه اختلفا أي الراهن والمرتهن عند القاضي في أي الحقين يبدأ بالقضاء

إلَى هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَسَطِ وَزَادَ فِي الْكَبِيرِ صُورَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ: " وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ أَيْضًا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَلَكُنَّ، 00 أَتَى بِرَهْنٍ يُسَاوِي عُشْرَ الدَّيْنِ مَثَلًا، وَقَالَ: " هُوَ الَّذِي ارْتَهَنْت مِنْك بِذَلِكَ الدَّيْنِ هَلْ يَكُونُ الدَّيْنُ شَاهِدًا لِلرَّاهِنِ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ الدَّيْنُ شَاهِدًا " اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِشَاهِدٍ، وَلَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ قَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِلرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَشْبَهَ قَوْلَهُ، أَوْ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَذَكَرَهُمَا أَيْضًا فِي رَسْمِ الرُّهُونِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي النَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ) ش:؛ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ فَيَسْأَلُ الرَّاهِنَ عَنْ قِيمَةِ سِلْعَتِهِ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ، أَوْ مَا يَدَّعِيهِ. ثُمَّ يُوقَفُ عَلَيْهِ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ مُنْتَهَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ تِلْكَ فِي قَدْرِهَا وَجِنْسِهَا فَيَصِحُّ تَوْقِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يُنْكِرُ. ص (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ: عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وُزِّعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا كَالْحَمَالَةِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ مِائَتَانِ فَرَهَنَك بِمِائَةٍ مِنْهَا رَهْنًا، ثُمَّ قَضَاك مِائَةً، وَقَالَ: هِيَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ وَقُلْت لَهُ أَنْتَ هِيَ الَّتِي لَا رَهْنَ فِيهَا وَقَامَ الْغُرَمَاءُ، أَوْ لَمْ يَقُومُوا فَإِنَّ الْمِائَةَ يَكُونُ نِصْفُهَا بِمِائَةِ الرَّهْنِ وَنِصْفُهَا لِلْمِائَةِ الْأُخْرَى ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا إنْ ادَّعَيَا الْبَيَانَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَضِي ظَاهِرُهُ: أَنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْبَيَانِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَالَةِ، وَنَصُّهَا فِي الْحَمَالَةِ مِنْهَا، وَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ كَفَالَةٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا الْقَرْضُ، وَقَالَ: الْمُقْتَضِي بَلْ هِيَ الْكَفَالَةُ قَضَى بِنِصْفِهَا عَنْ الْقَرْضِ وَنِصْفِهَا عَنْ الْكَفَالَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَضِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَوَرَثَةُ الدَّافِعِ فِي قَوْلِهِمَا كَالدَّافِعِ اهـ، وَقَالَ مَالِكٌ: مِثْلَهُ فِي حَقَّيْنِ أَحَدُهُمَا بِحَمَالَةٍ، وَالْآخَرُ بِغَيْرِ حَمَالَةٍ وَكَذَلِكَ حَقٌّ بِيَمِينٍ وَحَقٌّ بِلَا يَمِينٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ لَيَقْضِيَنَّهُ مَالَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي رَسْمِ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ الرُّهُونِ فَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا، أَوْ نَكَلَا جَمِيعًا قُسِّمَ مَا اقْتَضَى بَيْنَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَالِفِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ: فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الْأَوَّلُ سِتِّينَ وَالثَّانِي ثَلَاثِينَ وَاقْتَضَى ثَلَاثِينَ كَانَ لِلْحَقِّ الْأَوَّلِ عِشْرُونَ وَلِلثَّانِي عَشَرَةٌ، وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَزِّعْ. وَانْظُرْ كَلَامَ الرَّجْرَاجِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَمَالَةِ. [تَنْبِيه اخْتَلَفَا أَيْ الرَّاهِن وَالْمُرْتَهِن عِنْدَ الْقَاضِي فِي أَيِّ الْحَقَّيْنِ يَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَكَذَا: لَوْ اخْتَلَفَا عِنْدَ الْقَاضِي فِي أَيِّ الْحَقَّيْنِ يَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ يَجْرِي الْأَمْرُ فِيهِ عِنْدِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ فَرَّقَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ بَيْنَ اخْتِلَافِهِمَا عِنْدَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى اخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ اهـ. وَمَا عَزَاهُ لِسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ لَيْسَ هُوَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ قَبَضَتْهُ مُبْهَمًا] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ:) إذَا

كان لرجل على آخر عشرة ولرجل آخر عليه عشرة ووكلا من يقضي منه العشرين فاقتضى عشرة

ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ قَبَضْته مُبْهَمًا فَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي آخِرِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مُبْهَمٌ مَعَ يَمِينِهِ وَيُفْضِ عَلَى الْمَالَيْنِ أَوْ الْأَمْوَالِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِبْهَامِ فَيُفْضِ ذَلِكَ عَلَى الْمَالَيْنِ مِنْ بَابِ أَوْلَى اهـ. بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) قَالَ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ دَنَانِيرُ، أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ وَعَلَى ابْنِهِ فَدَفَعَ الْأَبُ مَا عَلَيْهِ إلَى ابْنِهِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْغَرِيمِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا مَا لَكَ عَلَى أَبِي، ثُمَّ ادَّعَى الْغَرِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَهُ مِنْ الِابْنِ قَضَاءً عَنْهُ، وَأَنَّهُ مَا قَالَ الِابْنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَرِيمِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الِابْنُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: هَذَا الْحَقُّ عَنْ أَبِي (قُلْت) : فَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَمْرِ أَبِيهِ أَنَّهُ يَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ كَانَ عَلَى الْأَمْرِ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَ عِيسَى: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي قُضِيَ شَيْءُ أَبِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الِابْنَ مُدَّعٍ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ قَضَاهُ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ، وَقَدْ حَكَمَتْ السُّنَّةُ أَنَّ «الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ. [كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةٌ وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَوَكَّلَا مَنْ يَقْضِي مِنْهُ الْعِشْرِينَ فَاقْتَضَى عَشَرَةً] (الثَّالِثُ) حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِيمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةٌ، وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ وَوَكَّلَا مَنْ يَقْضِي مِنْهُ الْعِشْرِينَ فَاقْتَضَى عَشَرَةً، ثُمَّ فَلَّسَ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: هِيَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْغَرِيمُ: لِلْآخَرِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: قَبُولُ قَوْلِ الْوَكِيلِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَشَرَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابٌ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ] ص (بَابٌ) (لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ) ش: هَذَا بَابُ التَّفْلِيسِ قَالَ: فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ النُّقُودِ كَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ شَيْءٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا التَّافِهُ مِنْ مَالِهِ اهـ. وَفِي أَبِي الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: التَّفْلِيسُ: الْعَدَمُ وَأَصْلُهُ مِنْ الْفُلُوسِ أَيْ أَنَّهُ صَاحِبُ فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنْ عَدِمَ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ أَفْلَسَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ مُفْلِسٌ اهـ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ التَّفْلِيسُ: الْعَدَمُ وَالتَّفْلِيسُ خَلْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ وَالْمُفْلِسُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَلَسِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ اهـ. (فَوَائِدُ الْأُولَى) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: 282] ، وَقَالَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ التَّدَايُنِ وَذَلِكَ إذَا تَدَايَنَ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا فَسَادٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذِمَّتَهُ تَفِي بِمَا يُدَانُ، ثُمَّ قَالَ: «وَقَدْ اسْتَعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدَّيْنِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرَبٌ وَحَرَبٌ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَرُوِيَ سُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: نِزَاعٌ. (الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آثَارًا فِي التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآثَارُ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيمَنْ تَدَايَنَ فِي سَرَفٍ، أَوْ فَسَادٍ غَيْرِ مُبَاحٍ، أَوْ فِيمَنْ تَدَايَنَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَفِي بِمَا تَدَايَنَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَصَدَ اسْتِهْلَاكَ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّيْنِ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ وَنُزُولِ آيَةِ الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَكُلُّ مَنْ ادَّانَ فِي مُبَاحٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذِمَّتَهُ تَفِي بِمَا ادَّانَ فَغَلَبَهُ الدَّيْنُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ، أَوْ مِنْ الصَّدَقَاتِ مَحَلُّهَا إنْ رَأَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الزَّكَاةَ كُلَّهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا يُؤَدِّي الْإِمَامُ دَيْنَ

مَنْ مَاتَ مِنْ الْفَيْءِ اهـ. وَقَوْلُهُ ادَّانَ يَعْنِي اسْتَدَانَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ الْأَبْقَعِ: «فَادَّانَ مُعْرِضًا» أَيْ اسْتَدَانَ مُعْرِضًا عَنْ الْوَفَاءِ اهـ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ: فِيهَا أَيْضًا وَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يُوصِيَ بِأَدَائِهِ فَإِذَا فَعَلَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَيْسَ بِمَحْبُوسٍ عَنْ الْجَنَّةِ لِدَيْنِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلَيْسَ بِمَحْبُوسٍ عَنْ الْجَنَّةِ وَعَلَى الْإِمَامِ وَفَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهِ فِي حَيَاتِهِ وَأَوْصَى بِهِ اهـ.، وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِعَ عَشَرَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: فَالدَّيْنُ الَّذِي يُحْبَسُ بِهِ صَاحِبُهُ عَنْ الْجَنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً، وَلَمْ يُوصِ بِهِ، أَوْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَمْ يُوفِ أَوْ أَدَانَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ فِي سَرَفٍ وَمَاتَ، وَلَمْ يُوصِ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ ادَّانَ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ لِفَاقَتِهِ وَعُسْرِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْبِسُهُ بِهِ عَنْ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ دَيْنَهُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّدَقَاتِ، أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ الْفَيْءِ الرَّاجِعِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ صُنُوفِ الْفَيْءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ» أَيْ فَعَلَيَّ قَضَاءُ دَيْنِهِ، وَإِلَيَّ كَفَالَةُ عِيَالِهِ وَهَذَا مِمَّا يَلْزَمُ الْأَئِمَّةَ فِي مَالِ اللَّهِ، فَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ، وَيَقْضِي دُيُونَهُمْ ذَكَرَهُ فِي أَحَادِيثِ الْجُمُعَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَبْسِ عَنْ الْجَنَّةِ فِي الدَّيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى السُّلْطَانِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ الْفُتُوحَاتُ اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخَصَائِصِ كَلَامُ ابْنِ بَطَّالٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: وَقَدْ كَانَ الْحُكْمُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَيْعُ الْمِدْيَانِ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَذَكَرَ قَصَصًا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . وَقَوْلُهُ لِلْغَرِيمِ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ غَارِمٌ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَدِينِ وَعَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْغُرْمِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْغَرِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُقَالُ: خُذْ مِنْ غَرِيمِ السُّوءِ مَا سَنَحَ بِالنُّونِ، وَقَدْ يَكُونُ الْغَرِيمُ أَيْضًا الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ قَالَ كَثِيرٌ: قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنًّى غَرِيمُهَا ص (مِنْ تَبَرُّعِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهٍ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِالْمَالِ وَمُرَادُهُ قَبْلَ

التَّفْلِيسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَفَلَسٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لِمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فِعْلُهَا وَعَدَمُ فِعْلِهَا فَمُرَادُهُ بِهَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَوْلُهُ: أَحَاطَ

الدَّيْنُ بِمَالِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: أَحَاطَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ أَحَاطَ بِمَالِهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّبَرُّعِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي أَوَّلِ التَّفْلِيسِ ابْنُ هِشَامٍ: لَوْ وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدْرِي هَلْ يَفِي مَالُهُ بِهِمَا أَمْ لَا جَازَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرَّضَاعِ فِيمَنْ دَفَعَ لِمُطَلَّقَتِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ فَلَّسَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ يَوْمَ دَفْعِ النَّفَقَةِ قَائِمُ الْوَجْهِ لَمْ يَظْهَرْ فِي فِعْلِهِ سَرَفٌ وَلَا مُحَابَاةٌ، فَذَلِكَ جَائِزٌ ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: قَائِمُ الْوَجْهِ: جَائِزُ الْأَمْرِ. أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ مَأْمُونًا عَلَيْهِ مَعَ كَثْرَةِ دُيُونِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهَا مُغْتَرِقَةٌ لِجَمِيعِ مَالِهِ فَيَقُومُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا: أَنَّ مَنْ وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِقَوْمٍ إلَّا أَنَّهُ قَائِمُ الْوَجْهِ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَلَسُ، أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَحْصُرْ الشُّهُودُ قَدْرَ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ وَالدَّيْنِ وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي ابْنُ زَرْبٍ وَيَحْتَجُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَقُولُ: لَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَاسْتِدْلَالُهُ حَسَنٌ. وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَغْتَرِقُ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَيُؤَدِّي مِنْهُ عَنْ عَقْلِ جُرْحِ خَطَإٍ، أَوْ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ جُرْحٍ فِيهِ قِصَاصٌ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (قُلْت) وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الدِّيَاتِ مَا نَصُّهُ: " إذَا كَانَ الرَّجُلُ قَائِمَ الْوَجْهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ فَحَمَالَتُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ مَاضِيَةٌ كَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ دُيُونًا كَثِيرَةً بَقِيَ الْجَوَازُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ لَا وَفَاءَ لَهُ بِمَا فَعَلَ مِنْ الْمَعْرُوفِ ". (قُلْت) وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ

أَوْ بَعْضِهِ فَيَتَحَمَّلُ حَمَالَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْدَمُ لَا يَسْعَهُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَحَمَالَتُهُ مُرُودَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي عَنْ الدَّيْنِ لَا يَفِي بِمَا تَحَمَّلَ بِهِ وَلَوْ كَانَ يَفِي صَحَّتْ حَمَالَتُهُ. (قُلْت) وَأَخَذُوا مِنْ هَذَا، وَمِنْ نَظَائِرِهِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ فَرْضٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ، وَأَنَّ أَصْحَابَ الْمُكُوسِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ عِتْقٌ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا بِمُحَابَاةٍ، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ قُبَالَةِ أَحْبَاسٍ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ بِالْمُحَابَاةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَالْمُبْتَاعُ أَوْلَى بِهَا وَيَحْلِفُ مَا كَانَ تَوْلِيجًا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ وَاقِدٍ: إنْ أَثْبَتَ صَاحِبُ الْحَبْسِ الْمُحَابَاةَ فِي الدَّارِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَالدَّيْنُ أَحَقُّ بِالزَّائِدِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمِدْيَانِ لَا تَصِحُّ الْمَشَذَّالِيُّ اُنْظُرْ ابْنَ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْمِدْيَانِ فِي مَسْأَلَةِ رَجُلٍ لَزِمَتْهُ قُبَالَةُ أَحْبَاسٍ فَاعْتَقَلَتْ دَارِهِ اهـ. ص (وَسَفَرَهُ إنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَدِينَ مِنْ السَّفَرِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ بِغَيْبَتِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا الْكَلَامُ فِي الْمَدِينِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِ الدَّيْنِ أَحَاطَ بِمَالِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الثَّانِي) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ إذَا حَلَّ بِغَيْبَتِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِوَفَاءِ الْحَقِّ فَإِنْ وَكَّلَ فَلَا مَنْعَ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَابْنِ شَاسٍ وَنَصُّهُ: " وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَا طَلَبُ كَفِيلٍ وَلَا الْإِشْهَادُ إلَّا أَنْ يَحِلَّ فِي غَيْبَتِهِ فَلْيُوَكِّلْ مَنْ يَقْبِضَهُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ " اهـ. وَكَذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ الْبَعِيدِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْوَكِيلُ فَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ هُنَا بِعَدَمِ التَّوْكِيلِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا نَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْ نَقْلِ هَذَا الِاسْتِظْهَارِ فِي التَّوْضِيحِ اهـ. وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ كُلَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِهَذَا التَّقْيِيدِ. (الثَّالِثُ) فَإِذَا وَكَّلَ فَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ؟ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَرَدَّدَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ إلَى بَدَلٍ لَا مُطْلَقًا، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ لِأَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ اهـ. (الرَّابِعُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَدِينَ مِنْ السَّفَرِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ إذَا كَانَ لَا يَحِلُّ بِغَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَا تَحْلِيفُهُ وَنَصَّ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الْفِرَارَ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَنْوِي الرُّجُوعَ عِنْدَ الْأَجَلِ لِقَضَاءِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ وَجَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا تَقْيِيدًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ. بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ: يُرِيدُ وَيَحْلِفُ نَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْهُ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْمَذْهَبَ، وَنَصُّهُ: " وَلِذِي الدَّيْنِ مَنْعُ الْمِدْيَانِ مِنْ سَفَرٍ يَحِلُّ فِيهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُوَفِّيهِ. لَا إنْ كَانَ يَحِلُّ بَعْدَهُ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ فِرَارًا، وَأَنَّ نِيَّتَهُ الْعَوْدُ لِقَضَائِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ وَقِيلَ إنْ اُتُّهِمَ وَإِلَّا فَلَا " اهـ. وَكَذَلِكَ اللَّخْمِيُّ ذَكَرَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ " وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ السَّفَرَ قَبْلَ حُلُولِهِ لَمْ يُمْنَعْ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأَجَلِ قَدْرُ سَيْرِهِ وَرُجُوعِهِ وَكَانَ مِمَّا لَا يُخْشَى لَدَدُهُ وَمُقَامُهُ، وَإِنْ خَشِيَ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِاللَّدَدِ مُنِعَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ لَهُ عَقَارٌ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا بِالْقَضَاءِ، أَوْ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَيَكُونُ النِّدَاءُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِمِقْدَارِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُكْمِلُ الْإِشْهَادَ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ هَلْ

فرع له دين مؤجل فزعم رب الدين أن الغريم يريد السفر وأنكر الغريم ذلك

يُرِيدُ بِسَفَرِهِ تَغْيِيبًا، أَمْ لَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا يُسَافِرُ فِرَارًا، وَأَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعَوْدَةِ لِمَحِلِّ الْأَجَلِ وَتُرِكَ " اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ. الْكَبِيرِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَيَكُونُ النِّدَاءُ إلَخْ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ عَلَى الْبَيْعِ يَكُونُ ابْتِدَاءُ بَيْعِهِ وَنِدَائِهِ عَلَى الْعَقَارِ بِمِقْدَارِ مَا يَرَى إلَخْ. (السَّادِسُ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي الْمِدْيَانِ الْمُوسِرِ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَلَيْسَ لِلْعَدِيمِ مَنْعُهُ صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي بَابِ الْحَجِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مَوَانِعِ الْحَجِّ ابْنُ شَاسٍ: " لِمُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ مَنْعُ الْمُحْرِمِ الْمُوسِرِ مِنْ الْخُرُوجِ وَيَجِبُ أَدَاؤُهُ وَيَمْتَنِعُ تَحَلُّلُهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، أَوْ مُؤَجَّلًا لَمْ يُمْنَعْ " (قُلْت) إنْ كَانَ إيَابُهُ قَبْلَ حُلُولِهِ اهـ. [فَرْعٌ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَزَعَمَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّ الْغَرِيمَ يُرِيدُ السَّفَرَ وَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ ذَلِكَ] (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ سُئِلَ أَبُو إبْرَاهِيمَ عَمَّنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ قَرُبَ الْأَجَلُ أَمْ بَعُدَ فَزَعَمَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّ الْغَرِيمَ يُرِيدُ السَّفَرَ وَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنْ قَامَ الطَّالِبُ بِشُبْهَةٍ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً حَلَفَ الْمَطْلُوبُ مَا يُرِيدُ سَفَرًا، أَوْ إنْ نَكَلَ كَلَّفَ حَمِيلًا ثِقَةً يَغْرَمُ الْمَالَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ سَافِرْ إنْ شِئْت اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لَا يُمْنَعُ الْخَصْمَانِ مِنْ السَّفَرِ وَلَا مَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمَا وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَعَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَا اسْتَعْمَلَ السَّفَرَ لِيُوَكِّلَ فَإِنْ نَكَلَ مُنِعَ مِنْ التَّوْكِيلِ إلَّا إنْ شَاءَ خَصْمُهُ ابْنُ الْفَخَّارِ وَلَا يَحْلِفُ وَلَهُ التَّوْكِيلُ إنْ كَانَ خَصْمُهُ قَدْ أَحْرَجَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ فَحَلَفَ لَا خَاصَمَ بِنَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: إنْ حَلَفَ لَا يُخَاصِمُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الزَّيْزِيُّ فِي تَكْمِيلِهِ.: وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى نِهَايَةِ سَفَرِهِ قَوْلَانِ اهـ. وَأَصْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكَفَالَةِ، وَنَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَرَاجِعْ أَيَّهُمَا شِئْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَنْ الْتَزَمَ لِإِنْسَانٍ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا] (فَرْعٌ) مَنْ الْتَزَمَ لِإِنْسَانٍ أَنَّهُ إنْ سَافَرَ فَلَهُ عَلَيْهِ كَذَا، وَكَذَا فَأَرَادَ السَّفَرَ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ وَفِي تَحْمِيلِ حَوَائِجِهِ فَهَلْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالِالْتِزَامِ أَجَابَ الْوَالِدُ: بِأَنَّهُ يُطَالَبُ بِدَفْعِ الْمَالِ الْمُلْتَزِمِ بِهِ، أَوْ بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ يَدْفَعُ عَنْهُ إذَا سَافَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُوبُ الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ إلَّا بَعْدَ سَفَرِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ وَلَوْ عِنْدَ رُكُوبِهِ، أَوْ حُصُولِ عَائِقٍ يَمْنَعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأُخِذَ مِنْ هُنَا مَسْأَلَةُ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِالنَّفَقَةِ عِنْدَ سَفَرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بَعْضُهُ وَرَهْنُهُ) ش: هَذَا إذَا كَانَ صَحِيحًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا فَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَلَا رَهْنُهُ فِي مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَنَقَلَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَنَصُّهُ: " وَإِذَا كَانَ الْمُقِرُّ مَرِيضًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِدْيَانًا، أَوْ غَيْرَ مِدْيَانٍ فَإِنْ كَانَ مِدْيَانًا فَتَصَرُّفُهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ جَائِزٌ قَوْلًا وَاحِدًا مَا لَمْ يُحَابِ وَتَصَرُّفُهُ فِي الْمَعَارِفِ مَمْنُوعٌ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَفِي قَضَائِهِ وَرَهْنِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْجَوَازُ لِلْغَيْرِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرَّهْنِ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ " اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: الْمَعَارِفِ. الْمَعْرُوفَ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، ثُمَّ اسْتَحْدَثَ فِي مَرَضِهِ دَيْنًا بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ وَرَهَنَ فِيهِ رَهْنًا فَلَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ حِينَ الرَّهْنِ مَرِيضًا فَلَيْسَ بِضَارٍّ لَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ جَائِزٌ مَا لَمْ يُحَابِ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَالْبَيْعِ وَسَبَبُهُ كَانَ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ. ص (وَفِي تَطَوُّعِهِ بِالْحَجِّ تَرَدُّدٌ)

فرع لو حضر الغريم وغاب المال

ش قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: يَجُوزُ إنْفَاقُهُ الْمَالَ عَلَى عِوَضٍ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ كَالتَّزَوُّجِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ مِنْ الْكِرَاءِ فِي الْحَجِّ، وَالتَّطَوُّعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ أَمْوَالِ الْغُرَمَاءِ، أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَجِّ هَلْ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ وَتَدَبَّرْ ذَلِكَ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهَا وَالْعَجَبُ مِنْ تَرَدُّدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ، وَقَدْ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحُجُّ الْفَرِيضَةَ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِطَاعَةِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ قَضَاءٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحُجَّ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَأَنْ يَغْزُوَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ، أَوْ كَانَ يَرْجُو قَضَاءَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحُجَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِقْدَارُ دَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ يُرِيدُ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ، أَوْ يَتْبَعَ وَحْدَهُ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ الِاسْتِطَاعَةِ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِيَدِهِ مَالٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ الْحَجِّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: عِنْدَ ابْنِ عَبْدُوسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحُجَّ قَالَ سَحْنُونٌ: وَأَنْ يَغْزُوَ يُرِيدُ أَنَّ الْمُعْسِرَ يَجِبُ إنْظَارُهُ فَإِذَا تَحَقَّقَ فَلَسُهُ وَكَانَ جَلْدًا فِي نَفْسِهِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ عَائِقُ الدَّيْنِ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِقُوَّتِهِ عَلَيْهِ أَمَّا مَنْ لَهُ مَالٌ فَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ. فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حُكْمِ الْحَجِّ الْفَرْضِ فَمَا بَالُكَ بِالتَّطَوُّعِ فَقَدْ سَقَطَ التَّرَدُّدُ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ لِوُجُودِ النَّصِّ عَنْ مَالِكٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ. ص (أَوْ غَابَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْغَيْبَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَرِيبَةٌ وَحَدَّهَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْوَاضِحَةُ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ فَلَا يُفَلَّسُ بَلْ يُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَغَيْبَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَحَدَّهَا ابْنُ رُشْدٍ بِالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ فُلِّسَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ عُلِمَ لَمْ يُفَلَّسْ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَغَيْبَةٌ بَعِيدَةٌ وَحَدَّهَا ابْنُ رُشْدٍ بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَفْلِيسِهِ، وَإِنْ عُلِمَ مَلَاؤُهُ قَالَهُ جَمِيعَهُ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَأَطْلَقُوا فِي الْغَيْبَةِ التَّعْمِيمَ وَحَكَوْا الْخِلَافَ فِيهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ جَمِيعُهُ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَنَصُّهُ: " وَفُلِّسَ ذُو غَيْبَةٍ بَعُدَتْ كَشَهْرٍ، أَوْ تَوَسَّطَتْ كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَجُهِلَ تَقْدِيمُ يُسْرِهِ لَأَنْ قَرُبَتْ وَكُشِفَ عَنْهُ كَأَنْ عُلِمَ تَقْدِيمُ يُسْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ " [فَرْعٌ لَوْ حَضَرَ الْغَرِيمُ وَغَابَ الْمَالُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَمَّا لَوْ حَضَرَ الْغَرِيمُ وَغَابَ الْمَالُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ تَفْلِيسَ الْغَرِيمِ إذَا كَانَتْ غَيْبَةُ الْمَالِ بَعِيدَةً اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَاسْتُؤْنِيَ بِبَيْعِ سِلَعِ مَنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ كَإِنْ قَرُبَتْ عَلَى الْأَظْهَرِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (بِطَلَبِهِ، وَإِنْ أَبَى غَيْرَهُ دَيْنًا حَلَّ) ش: الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ فُلِّسَ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِي بِطَلَبِهِ عَائِدٌ عَلَى الْغَرِيمِ وَهُوَ فَاعِلُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ طَلَبًا وَدَيْنًا مَفْعُولُهُ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فُلِّسَ بِطَلَبِ الْغَرِيمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْقَاضِي تَفْلِيسُ الْمِدْيَانِ إلَّا بِطَلَبِ الْغَرِيمِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمَدِينُ تَفْلِيسَ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفُهِمَ مِنْ إفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي طَلَبِهِ وَفِي الْأَبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ التَّفْلِيسَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَأَكْثَرُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي أَوَّلِ التَّفْلِيسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا قَامَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمِدْيَانِ فَلَهُ أَنْ يُفَلِّسَهُ كَقِيَامِ الْجَمَاعَةِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شُرُوطِ التَّفْلِيسِ: أَحَدُهَا أَنْ يَقُومَ مِنْ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ اهـ. وَقَالَهُ: غَيْرُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرْت عِبَارَتَهُ مَعَ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهَا أَصْرَحُ فِي ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ

فرع لو قال بعض الغرماء لا أريد حلول عروضي

لَا فِي ذِمَّتِهِ) ش: يَعْنِي فَبِسَبَبِ الْحُكْمِ بِتَفْلِيسِهِ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأَمَّا بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا أَخْذٌ وَلَا عَطَاءٌ اهـ. وَقَالَ: الشَّارِحُ فِي حِلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِهَذِهِ الْقَوْلَةِ وَلَا يَبِيعُ بِمُحَابَاةٍ اهـ. فَتَقْيِيدُهُ بِالْمُحَابَاةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ مَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُطْلَقًا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَوْلُهُ يُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ يُرِيدُ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ: قَالَ الشَّيْخُ احْتِرَازًا مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ كَالْتِزَامِهِ عَطِيَّةَ شَيْءٍ إنْ مَلَكَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهُ وَدَيْنُهُمْ بَاقٍ عَلَيْهِ فَلَهُمْ حِينَئِذٍ الْمَنْعُ اهـ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ النِّكَاحُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ لَا فِي ذِمَّةٍ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ذِمَّتِهِ وَيُشِيرُ لِقَوْلِ: ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَصَرُّفُهُ شَارِطًا أَنْ يَقْبِضَ مِنْ غَيْرِ مَا حُجِرَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُرِيدُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَالْمَسْأَلَةُ أَبْيَنُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِلشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ قِيلَ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقْتَضِيهِ لَمَّا كَانَ بَعِيدًا، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي إذَا اشْتَرَى شَيْئًا، وَشَرَطَ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ غَيْرِ مَا حُجِرَ عَلَيْهِ مِمَّا سَيْطَرَ أَجَازَ خَلِيلٌ وَانْظُرْ فِي هَذَا فَإِنَّ فِيهِ الْبَيْعَ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ وَقَابَلَهُ بِمَا قَالُوا لَوْ تَزَوَّجَهَا إلَى مَيْسَرَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ شَيْخَنَا أَخَذَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنَهَا إذَا فَتَحَ اللَّهُ فَانْظُرْ ذَلِكَ اهـ. وَلَا يَلْزَمُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ فَقَدْ يُؤَجَّلُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَيَرْبَحَ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَرِوَايَتُهُ فِي تَبْصِرَتِهِ مَا نَصُّهُ: " وَإِنْ اشْتَرَى بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِ الَّذِي فِيهِ رَدٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَيَقْرَبُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يُبَاعَ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَقْبِضَ مِنْ غَيْرِ مَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ جَازَ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ إنْ كَانَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ مَصْرُوفًا لِذِمَّتِهِ كَسَلَمٍ يُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ لِأَجَلٍ بَعِيدٍ يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَيْهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَ هُوَ مَحَلُّهُ إنَّمَا مَحَلُّهُ حَيْثُ ذَكَرْتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَبِعَهَا مَالُهَا إنْ قَلَّ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي اتِّبَاعِهَا مَالَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ يَسِيرًا قَوْلَانِ قَالَ: فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ إمْضَاءِ الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ السَّيِّدُ مَالَهَا فَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَتْبَعُهَا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ بِاعْتِبَارِهَا غَيْرُ مُفْلِسٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتْبَعُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا اهـ. وَقَدْ صَدَرَ فِي الشَّامِلِ بِقَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِانْتِزَاعِ أُمِّ وَلَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . [فَرْعٌ لَوْ قَالَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ لَا أُرِيدُ حُلُولَ عُرُوضِي] ص (وَحَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ لَا أُرِيدُ حُلُولَ عُرُوضِي، وَقَالَ الْمُفْلِسُ: بَلْ حُكِمَ بِحُلُولِ مَا عَلَيَّ وَلَا أُؤَخِّرُهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُفْلِسِ وَيُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَاعْتَرَضَهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ الْحُلُولَ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ رَبِّ السِّلَعِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَنَصُّهُ: " فَلَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ تَأْخِيرَ سِلْعَةٍ مُنِعَ وَجُبِرَ عَلَى قَبْضِهَا، وَرَجَحَ قَوْلُهُ " اهـ. يُشِيرُ بِرُجْحٍ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ حُلُولُ دَيْنِ الْمُفْلِسِ الْمُؤَجَّلِ بِتَفْلِيسِهِ كَالْمَوْتِ مُطْلَقًا، وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ وَبَعْضُ الْمَغَارِبَةِ لِعَدَمِ حُلُولِهِ فِيهَا خِلَافَ الْمَذْهَبِ. ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْقِيَاسُ إنْ أَتَى الْمُفْلِسُ بِحَمِيلٍ أَنْ يَبْقَى مَا عَلَيْهِ لِأَجَلِهِ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَهُ إنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ شَيْءٌ وَلِابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَلَا يُحَاصِصُ ذُو الدَّيْنِ الْعَرْضَ الْمُؤَجَّلَ بِقِيمَتِهِ حَالًّا بَلْ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهُ لِأَجَلِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي حُلُولِ الْأَجَلِ بِتَفْلِيسِهِ، ثَالِثُهَا إنْ لَمْ يَأْتِ بِحَمِيلٍ بِهِ وَرَابِعُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَرْضًا لِلْمَعْرُوفِ وَقَوْلُ السُّيُورِيِّ فِيهِ وَفِي الْمَوْتِ وَاللَّخْمِيِّ وَسَحْنُونٍ اهـ. [فَرْعٌ طَلَبَ الْوَارِثُ تَأْخِيرَهُ لِلْأَجَلِ بِحَمِيلٍ مَلِيءٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ قَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَأْتِي بِحَمِيلٍ مَلِيءٍ وَنُؤَدِّي عِنْدَ الْأَجَلِ وَمَكِّنُونَا مِنْ قَسْمِ التَّرِكَةِ

كُلِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ قَالَهُ: ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ طَلَبَ الْوَارِثُ تَأْخِيرَهُ لِلْأَجَلِ بِحَمِيلٍ مَلِيءٍ وَيُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ التَّرِكَةِ مُنِعَ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ الضَّمَانِ: وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ وَتَرِكَتُهُ مَجْهُولَانِ فَضَمِنَهُ وَارِثُهُ لِيُمَكَّنَ مِنْ التَّرِكَةِ جَازَ إنْ انْفَرَدَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ النَّقْصُ عَلَيْهِ وَالْفَاضِلُ بَيْنَهُمْ لَا عَلَى أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي فِي الضَّمَانِ ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ فِي الضَّمَانِ وَابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا فِي الضَّمَانِ وَهُوَ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَقَدْ نَقَلْت كَلَامَهُ فِي بَابِ الضَّمَانِ فِي شَرْحِ قَوْلِ: الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ جَهِلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ هُنَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُ الْغُرَمَاءَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ) ش: يُشِيرُ لِقَوْلِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الْعِوَضِ فِيهِ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُ مَا يُسْتَوْفَى فِيهِ مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ الرَّجُلُ دَارًا بِالنَّقْدِ أَوْ يَكُونُ الْعُرْفُ فِيهِ النَّقْدُ فَيُفَلِّسُ الْمُكْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الدَّارَ أَوْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ وَسَكَنَ بَعْضَ السُّكْنَى فَأَوْجَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْمُكْرِي الْمُحَاصَّةَ بِكِرَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ السُّكْنَى إذَا شَاءَ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَلَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إنْ فَلَّسَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الدَّارَ فَلِلْمُكْرِي أَنْ يُسَلِّمَهَا وَيُحَاصِصَ بِجَمِيعِ كِرَائِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الَّذِي يَرَى قَبْضَ أَوَائِلِ الْكِرَاءِ قَبْضًا لِجَمِيعِ الْكِرَاءِ، فَيُجِيزُ أَخْذَ الدَّارِ لِلْكِرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ: أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِكِرَاءِ مَا مَضَى، وَيَأْخُذَ دَارِهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا وَيُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْكِرَاءِ النَّقْدُ وَلَا كَانَ الْعُرْفُ فِيهِ النَّقْدُ لَوَجَبَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا حَاصَّ أَنْ يُوقِفَ مَا وَجَبَ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ فَكُلَّمَا سَكَنَ شَيْئًا أَخَذَ بِقَدْرِهِ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَاسْتَوْفَى ابْنُ رُشْدٍ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ نَكَلَ الْمُفْلِسُ حَلَفَ كُلٌّ كَهُوَ) ش فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْمُفْلِسُ أَنَّ الْمَدِينَ إذَا لَمْ يُفْلِسْ فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ الْحَلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ، وَإِنْ نَكَلَ مَدِينٌ

تنبيه إذا قام للميت أو المفلس شاهد بقضاء دينه

عَنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الضَّرْبِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِغُرَمَائِهِ الْحَلِفُ عَلَيْهِ وَبَعْدَهُ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ. وَمِثْلُ الْمُفْلِسِ الْمَيِّتُ. [تَنْبِيهٌ إذَا قَامَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْمُفْلِسِ شَاهِدٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ] (تَنْبِيهٌ) إذَا قَامَ لِلْمَيِّتِ، أَوْ الْمُفْلِسِ شَاهِدٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَهَلْ يَحْلِفُ غُرَمَاؤُهُ مَعَهُ أَمْ لَا ذَكَرَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: " وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يَهْلِكُ فَتَقُومُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِصَدَاقٍ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ بِبَيِّنَةٍ وَقَامَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَشَهِدَ لَهُمْ عَلَيْهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ صَالَحَتْ زَوْجَهَا عَلَى: إنْ وَضَعَتْ لَهُ ذَلِكَ الصَّدَاقَ، قَالَ يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ مَعَ شَاهِدِهِمْ وَيَسْتَحِقُّونَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا حَلَفَ مَنْ رَضِيَ وَاسْتَحَقُّوا حُقُوقَهُمْ " قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ إنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ مَعَ شَاهِدِهِمْ عَلَى إبْرَاءِ الْمَيِّتِ مِنْ الصَّدَاقِ، وَيَسْتَحِقُّونَ حُقُوقَهُمْ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَيَخْتَصُّونَ بِهَا دُونَ الْمَرْأَةِ صَحِيحٌ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَيِّتِ يَقُومُ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ لَهُ دَيْنٌ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ: إنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الدَّيْنِ فَيَسْتَحِقُّونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ دُيُونِهِمْ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مَعَ الشَّاهِدِ يَصِلُونَ بِهَا إلَى اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا فَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى وَالْقِيَاسِ بَيْنَ أَنْ يُبَرِّئُوا الْمَيِّتَ مِنْ الصَّدَاقِ بِحَلِفِهِمْ مَعَ الشَّاهِدِ فَيَسْتَحِقُّونَ تَرِكَتَهُ فِي دُيُونِهِمْ، وَبَيْنَ أَنْ يُثْبِتُوا لَهُ الدَّيْنَ بِحَلِفِهِمْ عَلَيْهِ مَعَ الشَّاهِدِ بِهِ فَيَسْتَحِقُّونَهُ فِي دُيُونِهِمْ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ فِي إبْرَاءِ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا يَحْلِفُونَ فِي دَيْنٍ لَهُ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُمْ عَلَى الدَّيْنِ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ إذْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ قَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَإِنَّمَا يَحْلِفُونَ بِخَبَرِ مُخْبِرٍ كَمَا يَحْلِفُونَ عَلَى إثْبَاتِ دَيْنٍ لَهُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمَسْأَلَةَ، وَالْخِلَافَ فِي الْمُفْلِسِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ. [فَرْعٌ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ مَعَ شَاهِدِهِمْ وَيَسْتَحِقُّونَ حُقُوقَهُمْ] (فَرْعٌ) وَهَلْ يَبْدَأُ الْوَرَثَةُ، أَوْ الْغُرَمَاءُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ مَعَ شَاهِدِهِمْ وَيَسْتَحِقُّونَ حُقُوقَهُمْ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ الْغُرَمَاءُ بِالْأَيْمَانِ عَلَى الْوَرَثَةِ: وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ أَمَّا إنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ الْمُتَوَفَّى فَضْلٌ عَنْ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْوَرَثَةَ يَبْدَءُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا بَطَلَ دَيْنُ الْمَرْأَةِ وَاسْتَحَقُّوا مَا فَضَلَ عَنْ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ أَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْغُرَمَاءُ، وَيَأْخُذُونَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فَتَرَكُوهَا إلَّا أَنْ يَقُولُوا: لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْضُلُ لِصَاحِبِنَا فَضْلٌ، أَوْ يُعْلَمُ أَنَّ نُكُولَهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَيَحْلِفُونَ وَيَأْخُذُونَ مَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ، وَإِنْ نَكَلَ الْغُرَمَاءُ أَيْضًا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ وَاسْتَحَقَّتْ دَيْنَهَا وَحَاصَّتْ الْغُرَمَاءَ فِي جَمِيعِ مَا يَخْلُفُهُ الْمُتَوَفَّى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ فَضْلٌ عَنْ دُيُونِ الْمُتَوَفَّى فَاخْتَلَفَ قَوْلُ: مَالِكٍ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَبْدَءُونَ بِالْيَمِينِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ يَبْدَءُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ سَحْنُونٍ وَعَلَيْهِ تُؤُوِّلَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ فَقَالَ إنَّمَا بَدَأَ الْوَرَثَةُ بِالْيَمِينِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَمْ يَحْلِفُوا وَلَوْ كَانُوا حَلَفُوا لَكَانُوا هُمْ الْمُبْدِئِينَ بِالْيَمِينِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، ثُمَّ وَجَّهَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ. [فَرْعٌ ادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فَأَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَوْ عَرْصَةٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ] (فَرْعٌ) إذَا ادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ فَأَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ، أَوْ عَرْصَةٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي آخِرِ التَّبْصِرَةِ فِي فَصْلِ مَسَائِلِ الْمِدْيَانِ مَسْأَلَةً فِي بَيْعِ مِلْكِ الْغَرِيمِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا أَثْبَتَ الطَّالِبُ مَالًا لِلْغَرِيمِ تُعَيِّنُهُ الْبَيِّنَةُ وَقَفَ الْغَرِيمُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ فَإِنْ أَبَى ضَيَّقَ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ حَتَّى يَبِيعَ وَلَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي كَبَيْعِهِ عَلَى الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ ضُرِبَ عَلَى يَدَيْهِ وَمُنِعَ مِنْ مَالِهِ فَلِذَلِكَ بِيعَ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الْمِلْكَ وَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فِي شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْمِلْكِ فَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ

عِنْدِي: أَنَّهُ يَبِيعُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْطَرُّهُ إلَى مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ اهـ. وَكَلَامُ الْمُتَيْطِيَّةِ هَذَا ذَكَرَهُ فِيهَا فِي الْبُيُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ السُّلْطَانِ لِهَلَاكِ الْغَرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقُبِلَ تَعْيِينُهُ الْقِرَاضَ وَالْوَدِيعَةَ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ) ش: هَذَا إذَا كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَأَمَّا قَبْلَ التَّفْلِيسِ فَجَائِزٌ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ بِدَيْنٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ قِرَاضٍ، أَوْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مَعَ يَمِينِ الْمُقَرِّ لَهُمْ وَقِيلَ بِلَا يَمِينٍ اهـ. ص (وَبَيْعُ مَالِهِ بِحَضْرَتِهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ: فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَيُبَاعُ مَالُهُ مِنْ الدُّيُونِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الْغُرَمَاءُ عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى تُقْبَضَ عِنْدَ حُلُولِهَا اهـ. ص (وَأُوجِرَ رَقِيقُهُ بِخِلَافِ مُسْتَوْلَدَتِهِ) ش مُرَادُهُ بِرَقِيقِهِ مَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ وَهُوَ

فرع بيع الورثة قبل قضاء الدين أو قسمتهم

وَاضِحٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنْ ادَّعَى فِي أَمَةٍ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ مِنْ النِّسَاءِ، أَوْ يَكُونُ قَدْ فَشَا ذَلِكَ قَبْلَ ادِّعَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ قَائِمٌ فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ أَنَّهُ مِنْهُ اهـ. ص (وَاسْتُؤْنِيَ بِهِ إنْ عُرِفَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ) ش: فِي قَوْلِهِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِينَاءِ فِي الْحَاضِرِ وَالْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِينَاءِ بِهِ إذَا خُشِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ بَيْعُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ قِسْمَتِهِمْ] (فَرْعٌ) وَأَمَّا بَيْعُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ قِسْمَتِهِمْ فَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ: وَمُنِعَ وَارِثٌ مِنْ بَيْعٍ قَبْلَ وَفَاءِ دَيْنٍ فَإِنْ فَعَلَ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْغُرَمَاءُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِالْفَسْخِ فَلَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ كَمَا لَوْ أَسْقَطُوا دَيْنَهُمْ اهـ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ عَارِفِينَ بِالدَّيْنِ، أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مَشْهُورًا بِالدَّيْنِ وَإِلَّا لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ قَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا بَاعَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ فَأَكَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَهْلَكُوا، ثُمَّ طَرَأَتْ دُيُونٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ فَبَاعُوهُ مُبَادَرَةً لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمْ وَلِلْغُرَمَاءِ انْتِزَاعُ عُرُوضِهِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِي الْوَرَثَةَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمَيِّتُ بِالدُّيُونِ، وَبَاعُوهُ عَلَى مَا يَبِيعُ النَّاسُ اتَّبَعَ الْغُرَمَاءُ الْوَرَثَةَ بِالثَّمَنِ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا تَبَاعَةَ عَلَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ لِلْغُرَمَاءِ انْتِزَاعُ عُرُوضِهِ مِنْ يَدِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ أَيْ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُشْتَرُونَ قِيمَةَ السِّلَعِ يَوْمَ قَبَضُوهَا عَلَى مَا هِيَ مِنْ نَمَاءٍ أَوْ نَقْصٍ وَقَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمَيِّتُ بِالدَّيْنِ هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ يُعْرَفُ بِالدَّيْنِ وَبَاعُوا مُبَادَرَةً فَظَاهِرُهُ لَا يَنْتَفِي عَنْهُمْ الْغُرْمُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بِالدَّيْنِ سَوَاءٌ بَاعُوا مُبَادَرَةً أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِينَاءِ وَقَوْلُهُ لَا تَبَاعَةَ عَلَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يُحَابُوا، وَإِنْ كَانُوا عُدْمًا اتَّبَعَهُمْ دُونَ الْمُشْتَرِي اهـ. وَانْظُرْ الْمَشَذَّالِيَّ فِي بَيْعِ الْوَرَثَةِ أَوْ قِسْمَتِهِمْ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَكَلَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا عَلَى حُكْمِ بَيْعِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ الْأَرْضِ وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ فِي تَبْصِرَتِهِ فَإِنَّهُ فَصَّلَ فِي بَيْعِ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقُوِّمَ مُخَالِفُ النَّقْدِ) ش: اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ وَجْهِ التَّحَاصُصِ كَمَا قَالَ: فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنْ

يُصْرَفَ مَالُ الْغَرِيمِ مِنْ جِنْسِ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ دَنَانِيرَ إنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ إنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ دَرَاهِمَ، أَوْ طَعَامًا إنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ طَعَامًا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ عُرُوضًا إنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ عُرُوضًا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مُخْتَلِفَةً صُرِفَ مَالُ الْغَرِيمِ عَيْنًا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ تُحْصَرُ جَمِيعُ دُيُونِهِمْ إنْ كَانَتْ صِفَةً وَاحِدَةً، أَوْ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً حَلَّتْ، أَوْ لَمْ تَحِلَّ اهـ. ص (وَمَضَى إنْ رَخُصَ أَوْ غَلَا) ش: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا صَارَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ حَقِّهِ فَيُرَدُّ الْفَضْلُ لِلْغُرَمَاءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ تَأَخَّرَ الشِّرَاءُ حَتَّى غَلَا أَوْ رَخُصَ فَلَا تَرَاجُعَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا صَارَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ حَقِّهِ فَيُرَدُّ الْفَضْلُ إلَى الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّحَاسُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ، وَقَالَ الْمَازِرِيِّ وَلَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ حَتَّى صَارَ يَشْتَرِي لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَشْتَرِي لَهُ يَوْمَ قِسْمَةِ الْمَالِ فَالزَّائِدُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فِيهِ كَمَالٍ طَرَأَ لِلْمُفْلِسِ وَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ الَّذِي حَدَثَ بِمُقْتَضَى اخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ يَسْتَبِدُّ بِهِ هَذَا الْغَرِيمُ الْمَوْقُوفُ لَهُ الْمَالُ وَيَشْتَرِي لَهُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إنَّ مُصِيبَةَ مَا وُقِفَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ الدَّيْنُ اهـ. وَقَدْ حَكَى فِي الشَّامِلِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَنَصُّهُ: " وَمَضَى وَإِنْ غَلَا، أَوْ رَخُصَ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَصِيرَ لَهُ أَكْثَرُ فَيَرُدُّ الْفَاضِلَ لِلْغُرَمَاءِ وَقِيلَ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ أَيْضًا مِمَّا بَقِيَ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ " اهـ. وَكَأَنَّهُ غَرَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ حَيْثُ حَكَى عَنْ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَمْضِي غَلَا السِّعْرُ، أَوْ رَخُصَ، ثُمَّ حَكَى عَنْ الْمَازِرِيِّ قَوْلَيْنِ فَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ أَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِكَلَامِ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مُخَالِفٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَنَصَّ كَلَامُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ الْمُفْلِسِ وَعَلَيْهِ طَعَامٌ وَعُرُوضٌ فَإِنْ حَالَ السِّعْرُ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ لَهُمْ الثَّمَنَ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ بِغَلَاءٍ اتَّبَعُوا الْغَرِيمَ بِالْفَضْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا صَارَ لَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ حُقُوقِهِمْ فَيَرُدُّوا الْفَضْلَ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ حُكْمٌ نَازِلٌ يُحْكَمُ فِيهِ فَيَمْضِي عَلَيْهِمْ وَلَا يُحَوَّلُ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا يُحَوَّلُ عَنْ الْغَرِيمِ وَلَهُ، وَإِنْ اعْتَقَبَتْهُ الْأَسْعَارُ بِالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ فَكُلٌّ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ اخْتِصَاصٌ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ اهـ. وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ غَلَا السِّعْرُ أَوْ رَخُصَ فَاشْتَرَى لَهُ بِذَلِكَ أَقَلَّ مِمَّا صَارَ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ لِغَلَاءِ السِّعْرِ، أَوْ أَكْثَرَ لِرُخْصِ السِّعْرِ فَلَا تَرَاجُعَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا صَارَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ حَقِّهِ فَيَرُدُّ الْفَضْلَ إلَى الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا التَّحَاسُبُ فِي زِيَادَةِ ذَلِكَ وَنُقْصَانِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ يَتْبَعُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ قَلَّ لِرُخْصِ السِّعْرِ، أَوْ كَثُرَ لِغَلَائِهِ اهـ. وَلَفْظُ الْبَاجِيِّ: فَإِنْ تَأَخَّرَ الشِّرَاءُ حَتَّى غَلَا السِّعْرُ وَرَخُصَ فَإِنَّهُ لَا تَرَاجُعَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا التَّحَاسُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْلِسِ فِي زِيَادَةِ ذَلِكَ وَنُقْصَانِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَرَى الْغُرَمَاءُ اهـ. فَظَهَرَ مِنْ هَذَا مُوَافَقَةُ كَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَلَامَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ قَوْلَيْنِ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَنَحْوَهُ لِلْبَاجِيِّ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ

لِلْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ وَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا لِكَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَكَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ مُشْكِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا حِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي التَّوْضِيحِ إنْ كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى ذَلِكَ. الثَّانِي: جَعْلُهُ بَقِيَّةَ قَوْلِ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ قَوْلًا ثَانِيًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَصِيرَ لَهُ أَكْثَرُ فَيَرُدُّ الْفَضْلَ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهَا وَكَلَامِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. الثَّالِثُ: عَدَمُ ذِكْرِهِ لِلْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلْمَشْهُورِ الَّذِي حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ، وَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا نَابَهُ بِالْحِصَاصِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَيَدْخُلَ هُوَ مَعَهُمْ فِيهِ، فَالثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلَى مَا تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ تَرْجِعُ لِقَوْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِهِمْ هُوَ تَتِمَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِهِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى تَتِمَّةِ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا نَابَهُ بِالْحِصَاصِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ دُونَ الْغُرَمَاءِ إذَا رَخُصَ السِّعْرُ بِمَا إذَا لَمْ يَزِدْ مَا صَارَ لَهُ عَلَى جَمِيعِ حَقِّهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَرُدُّ الْفَضْلَ لِلْغُرَمَاءِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الْبَاجِيِّ شَامِلٌ لَهُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ، أَوْ اُسْتُحِقَّ مَبِيعٌ، وَإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رَجَعَ بِالْحِصَّةِ كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ)

فرع مات الذي عليه الحق فقسم ورثته ميراثه وهو حاضر أي الغريم

فَلَوْ بِيعَ بَعْضُ مَالِ الْمُفْلِسِ وَبَعْضُ الْغُرَمَاءِ حَاضِرٌ، وَقُسِمَتْ التَّرِكَةُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ حَاضِرٌ، فَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ، وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الذَّكَرِ الْحَقُّ فَلَا يَقُومُ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَاقْتَسَمَ وَرَثَتُهُ مَالَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ يَنْظُرُ، ثُمَّ قَامَ بَعْدُ بِذِكْرِ الْحَقِّ قَالَ: فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ الْقِيَامَ، أَوْ يَكُونَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَمْتَنِعُونَ بِهِ، أَوْ نَحْوُ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُونَ بِهِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ أَبَدًا، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِمَّا وَصَفْنَا «؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: إنَّ السُّلْطَانَ إذَا بَاعَ مَالَ الْمَيِّتِ فَقَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ، وَبَقِيَّتُهُمْ حُضُورٌ، ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِمْ أَنَّ لَهُمْ الدُّخُولَ وَلَا يَضُرُّهُمْ عِلْمُهُمْ بِمَوْتِ صَاحِبِهِمْ، وَأَنَّ مَالَهُ بِيعَ لِمَنْ قَامَ طَالِبًا لِحَقِّهِ مِنْ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: كُنَّا عَلَى حُقُوقِنَا، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا عَنَّا قِيَامُ أَصْحَابِنَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ يُبَاعُ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ وَبَعْضُهُمْ حُضُورٌ لَا يَقُومُونَ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَهُ ذِمَّةٌ تُتْبَعُ فَيُحْمَلُ سُكُوتُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ رَضُوا بِاتِّبَاعِ ذِمَّتِهِ، وَالْمَيِّتُ لَا ذِمَّةَ لَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا غَيْرَ رَاضِينَ بِتَرْكِ حُقُوقِهِمْ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ وَلَوْ قِيلَ فِي هَذَا الْفَرْقِ بِالْعَكْسِ لَكَانَ أَشْبَهَ فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لَا قِيَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْقِيَامُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى عَكْسِهِ حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ بِلَفْظِهِ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَقَوْلُهُ: لَا قِيَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ إذَا قَضَى السُّلْطَانُ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ: لَمَّا ذَكَرَ مَسَائِلَ يَكُونُ فِيهَا السُّكُوتُ إقْرَارًا وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى تَرِكَةٍ فَقُسِمَتْ التَّرِكَةُ وَهُوَ حَاضِرٌ سَاكِتٌ فَذَلِكَ يُبْطِلُ دَعْوَاهُ فِي الدَّيْنِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ قَالَ مُطَرِّفٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ، أَوْ لَمْ يَجِدْ عَقْدًا، أَوْ خَوْفَ سُلْطَانٍ، أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ إنَّمَا كَانَ تَرْكُهُ لِلْقِيَامِ إلَّا لِمَا ذُكِرَ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ هِيَ الَّتِي فِيهَا السُّكُوتُ كَالْإِقْرَارِ اهـ. وَقَوْلُهُ، أَوْ لَمْ يَجِدْ عَقْدًا كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إذَا قَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِالدَّيْنِ إلَّا حِينَ وَجَدْت الْعَقْدَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ، وَقَالَ إنَّمَا أَخَّرْت الْكَلَامَ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ الْعَقْدَ، أَوْ الْبَيِّنَةَ فَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُهُ وَصَوَّبَهُ أَيْضًا ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي مَهْدِيٍّ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى الْحِيَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ: ابْنِ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْخَمْسِينَ مِنْ التَّبْصِرَةِ فِي الْقَضَاءِ لِلْإِقْرَارِ أَرْبَعَةٌ أَرْكَانٍ: الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ وَهِيَ لَفْظٌ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالسُّكُوتِ، ثُمَّ قَالَ: وَالسُّكُوتُ مِثْلُ الْمَيِّتِ تُبَاعُ تَرِكَتُهُ وَتُقْسَمُ وَغَرِيمُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَقُمْ فَلَا قِيَامَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْوَثِيقَةِ وَالرَّهْنِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ [فَرْعٌ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَقَسَمَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ أَيْ الغريم] (فَرْعٌ) وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْحِيَازَاتِ قَالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ لَوْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَقَسَمَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ يَنْظُرُ إلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ يَذْكُرُ حَقَّهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْرِفْ شُهُودَهُ أَوْ كَانُوا غُيَّبًا، أَوْ لَمْ يَجِدْ ذِكْرَ حَقِّهِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِهِ، أَوْ يَكُونَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَمْتَنِعُونَ بِهِ وَنَحْوُ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُ فِيهِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ تَرْكُهُ الْقِيَامَ إلَّا لِلْوَجْهِ الَّذِي عُذِرَ بِهِ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» قَالَا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الْوَرَثَةُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُونَ لَهُ حَقًّا فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا، وَإِنْ نَكَلُوا غَرِمُوا، أَوْ مَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ قَالَ: فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ اُنْظُرْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَانْظُرْ فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى حَقٍّ لَهُ عَلَى مَيِّتٍ وَنَكَلَ إنْ كَانَ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ هَذَا الْحَقَّ مِثْلَ مَا قَالَ هَذَا فَتَدَبَّرْهُ اهـ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَكِتَابِ التَّفْلِيسِ: وَإِذَا اسْتَظْهَرَتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِمُدَّةِ الْعَشْرِ سِنِينَ، وَنَحْوِهَا وَمَا يَخْلُفُهُ الْمَيِّتُ بِحَالِهِ لَمْ يُقْسَمْ وَلَا فَوْتَ فَلَهَا الْقِيَامُ بِذَلِكَ وَيُقْضَى لَهَا بِهِ وَلَا يَضُرُّهَا سُكُوتُهَا وَتَحْلِفُ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مَا فِي نَوَازِلِ عِيسَى وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الشَّهَادَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحِيَازَةِ الْمُدَّةُ الْمُسْقِطَةُ لِلدَّيْنِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ صَاحِبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ يَعْنِي مَا يُنْفِقُهُ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَاتِهِ وَوَلَدِهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَالِدَيْنِ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الزَّكَاةِ: الْأَوَّلُ يَتْرُكُ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَزْوَاجُ الْمُفْلِسِ، وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ رَقِيقِهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَالِدَيْنِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَالْأَهْلُ هُنَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ عَامَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةَ بِالْمَظَالِمِ وَالتَّبَاعَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ إلَّا مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَمْوَالِ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ اهـ. ص (وَكِسْوَتُهُمْ كُلٌّ دَسْتًا مُعْتَادًا) ش: يَعْنِي بِالدَّسْتِ: الْقَمِيصَ، وَالْعِمَامَةَ، وَالسَّرَاوِيلَ، وَالْمُكَعَّبَ، وَهُوَ الْمَدَاسُ وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ الْجُبَّةُ هَكَذَا فَسَّرَ الدَّسْتَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ وَزَادَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ الدُّرَّاعَةَ الَّتِي تُلْبَسُ فَوْقَ الْقَمِيصِ إنْ كَانَ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِ، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ الطَّيْلَسَانُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ تَرْكَهُ لَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَمَنَعُوا قَوْلَهُ: لَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ. قَالَ الشَّارِحُ وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْمِقْنَعَةَ وَالْإِزَارَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهَا اهـ. ص (وَحُبِسَ لِثُبُوتِ عُسْرِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: وَيُحْبَسُ الْأَخْرَسُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَيَكْتُبُ وَيُشِيرُ وَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَيُحْبَسُ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ، وَمَنْ لَا يَدَانِ لَهُ وَلَا رِجْلَانِ وَجَمِيعُ مَنْ بِهِ وَجَعٌ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الْحَبْسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى، وَمَنْ بِهِ وَجَعٌ إلَخْ أَنَّ مَنْ بِهِ مَرَضٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ حَبْسِهِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ تَلَقَّى الْأَشْيَاخُ بِالْقَبُولِ مَا فِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُسْجَنُ فِي الْحَدِيدِ إلَّا

مَنْ سُجِنَ فِي دَمٍ (قُلْت) : وَكَذَا مَنْ لَا يُؤْمَنُ هُرُوبُهُ. (فَرْعٌ) وَانْظُرْ أُجْرَةَ الْحَبَّاسِ عَلَى مَنْ لَمْ أَرَ الْآنَ فِيهَا نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَأُجْرَةِ أَعْوَانِ الْقَاضِي تَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَتَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ يَلِدْ الْمَطْلُوبُ وَيَخْتَفِي. كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (يَغْرَمُ إنْ لَمْ يَأْتِ وَلَوْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ وَإِذَا قَبِلَ مِنْهُ الْحَمِيلُ لِيُثْبِتَ عَدَمَهُ، فَغَابَ الْغَرِيمُ وَأَثْبَتَ الْحَمِيلُ عَدَمَ الْغَرِيمِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَغْرَمُ لِتَعَذُّرِ الْيَمِينِ اللَّازِمَةِ لِلْغَرِيمِ

فرع إذا وجبت عليه دعوى أي من سجنه الإمام هل يخرج ليسمعها

وَقَالَ اللَّخْمِيَّ لَا يَغْرَمُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْفَقْرِ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا اسْتِظْهَارٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكْتُمُ اهـ. وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الضَّمَانِ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَازِرِيَّ قَالَ يَجْرِي فِيهَا قَوْلَانِ، وَجَزَمَ هُنَاكَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَقَالَ: إلَّا إنْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَبَّهَ عَلَى هَذَا ابْنُ غَازِيٍّ. [فَرْعٌ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى أَيْ مِنْ سِجْنه الْإِمَام هَلْ يَخْرُجُ لِيَسْمَعَهَا] ص (وَأُخْرِجَ لِحَدٍّ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى هَلْ يَخْرُجُ لِيَسْمَعَهَا أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَطَّالٍ أَوْ صَرِيحُهُ فِي كِتَابِ الْمُقْنِعِ فِي بَابِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَسْجُونِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ، وَنَصُّهُ: " قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِيمَنْ سَجَنَهُ الْإِمَامُ وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ دُيُونٌ هَلْ يَسْمَعُ الْإِمَامُ بَيِّنَةَ خَصْمِهِ، وَمَنْ يُزَكِّيهِمْ، وَيَقْضِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: يَأْمُرُ الْإِمَامُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُخَاصِمُ لَهُ وَيَعْذِرُ إلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُوَكِّلَ يَقْضِي عَلَيْهِ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ، وَزَكُّوا بَعْدَ أَنْ يَعْذِرُوا إلَيْهِ، فَإِنْ حَضَرَ خُرُوجَ خَصْمِهِ إلَى سَفَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ خَشِيَ فِرَاقَهُمْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ " اهـ. وَأَصْلُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ حَضَرَ إلَخْ يَعْنِي قَبْلَ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَسْجُونِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ نَظَرِ الْقَاضِي فِي مَالِ الْغُيَّبِ، وَالْحَبْسِ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ يُخْرَجُ، وَنَصُّهُ: " وَيُخْرِجُ الْقَاضِي الْمَحْبُوسَ فِي الدَّيْنِ إذَا خُوصِمَ فِي مَالِ الْآخَرِ حَتَّى يَثْبُتَ، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ وَكُتِبَ بِهِ عَلَيْهِ كَتَبَهُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِذَلِكَ أَيْضًا " اهـ. وَنَحْوُهُ لِلْمَازِرِيِّ، وَنَصُّهُ: " لَوْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْغَرِيمَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي حَبْسِ الْقَاضِي، فَإِنَّ هَذَا التَّسْلِيمَ يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ لِكَوْنِ الْمُتَكَفَّلِ لَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ طَلَبِهِ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ، وَمُحَاكَمَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ حَتَّى يُمَكِّنَهُ مِنْ حَقِّهِ، وَيَقْضِيَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَحْبُوسِ، وَإِنْ وُجِدَ حَبَسَهُ زَادَ فِي مِقْدَارِ أَمَدِ الْحَبْسِ لِأَجْلِ هَذَا الطَّلَبِ الثَّانِي بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الِاجْتِهَادُ " اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ حُبِسَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي دَيْنٍ فَأَقَرَّ الْمَحْبُوسُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَجَّرَ نَفْسَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي بَابِ نَظَرِ الْقَاضِي وَإِذَا حُبِسَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي دَيْنٍ فَأَقَرَّ الْمَحْبُوسُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ إلَى مَكَّةَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَبْسِ بِإِقْرَارِهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَيُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَبْسِ فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَجَّرَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْبَسَ فِي حَضَرٍ

فرع أراد رجل أن يخرج إلى بلد ينتقل إليه فأقام رجل عليه البينة بدين

أَوْ سَفَرٍ يُسَافِرُهُ أَوْ كَانَ صَانِعًا فِي شَيْءٍ يَصْنَعُهُ كَانَ مِمَّا يَعْمَلُهُ فِي الْحَبْسِ، أَوْ يَعْمَلُهُ خَارِجًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَبْس فَإِنْ أَوْفَى وَخَرَجَ طُولِبَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْأُجْرَةِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ فَذَلِكَ لَهُ إذَا حُبِسَ. [فَرْعٌ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَأَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِدَيْنٍ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَيْضًا وَإِذَا أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَأَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِدَيْنٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهَا إنْ أَقَرَّتْ بَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ ابْتَاعَتْ مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا لَزِمَهَا بِهِ بِدَيْنٍ فَأَرَادُوا حَبْسَهَا فِي الْحَبْسِ، وَقَالَ الزَّوْجُ، بَلْ أُخْرِجُهَا وَتَتْبَعُونَهَا حَيْثُ كَانَتْ، أَوْ قَالَ إنَّمَا أَقَرَّتْ أَوْ ابْتَاعَتْ لِئَلَّا أَخْرُجَ بِهَا فَأَمَّا مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ بِذَلِكَ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يُخْرِجُهَا الزَّوْجُ إلَّا بَعْدَ دَفْعِ الْحَقِّ، وَأَمَّا إنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ لِأَبٍ، أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ يُتَّهَمُ، أَوْ يَرَى أَنَّهَا إنَّمَا أَرَادَتْ أَنْ تُعَوِّقَ بِذَلِكَ الزَّوْجَ عَنْ الْخُرُوجِ بِهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَيَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى حِينَ يَنْزِلُ، أَوْ يُشَاوِرُ فِي ذَلِكَ اهـ. ص (وَلِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ الْمُحَازِ عَنْهُ فِي الْفَلَسِ لَا الْمَوْتِ) ش: مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمُحَازِ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا فِي الْفَلَسِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَيْضًا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَا أَسْلَمَهُ مَا أَلْفَاهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِاخْتِلَافِهِمْ مِنْ أَيِّ قِسْمٍ هِيَ اهـ. وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ قُيِّمَ عَلَى الْمُفْلِسِ فَوَجَدَ بَعْضُ النَّاسِ سِلْعَةً لَهُ فَأَرَادَ أَخْذَهَا فَخَاصَمَهُ الْمُفْلِسُ] (فَرْعٌ) إذَا قُيِّمَ عَلَى الْمُفْلِسِ فَوَجَدَ بَعْضُ النَّاسِ سِلْعَةً لَهُ فَأَرَادَ أَخْذَهَا فَخَاصَمَهُ الْمُفْلِسُ فِي عَيْنِهَا فَوُقِفَتْ السِّلْعَةُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُفْلِسُ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ رَبَّهَا أَحَقُّ بِهَا إنْ ثَبَتَتْ بَيِّنَةٌ اهـ. [فَرْعٌ حَيْثُ يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِسِلْعَتِهِ هَلْ يُفْتَقَرُ أَخْذُهَا إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ حَيْثُ يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِسِلْعَتِهِ هَلْ يُفْتَقَرُ أَخْذُهَا إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ يُسْتَبَدُّ بِأَخْذِهَا لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا نَصًّا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْدَادِ اهـ. (قُلْت) إنْ سَلَّمَ الْغُرَمَاءُ لَهُ أَخْذَهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَآبِقًا وَلَزِمَهُ إنْ لَمْ يَجِدْهُ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ أَصْبَغُ: لَيْسَ لَهُ إلَّا الْمُحَاصَّةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَتْبَعُ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَخِطَارٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اهـ. وَنَقَلَهُ أَيْضًا بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ، وَنَقَلَهُ كَذَلِكَ أَيْضًا فِي رَسْمِ: إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ اهـ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُحَاصَّةِ وَبَيْنَ أَنْ يَطْلُبَ الْعَبْدَ فَإِنْ وَجَدَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ رَجَعَ فَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ قَالَهُ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ السَّلَمِ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِعَيْبِ الْإِبَاقِ، أَوْ تَبَرَّأَ مِنْهُ الْبَائِعُ وَبَيَّنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَذِي حَانُوتٍ فِيمَا بِهِ) ش: لَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُ عَلَيْهِ وَيُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَرْبَابُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ وَلَيْسَ أَحَقَّ بِمَا فِيهَا، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي: مُكْرِي الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِمَا حَمَلَتْ. ص (وَرَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَرَدَّهَا بِعَيْبٍ، فَفَلَّسَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي بِهِ الثَّمَنَ، فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ الَّتِي رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَائِمَةً بِيَدِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضُ بَيْعٍ، وَقِيلَ هُوَ أَحَقُّ بِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ كَذَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَقَالَ الشَّارِحُ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً، ثُمَّ اطَّلَعَ بِهَا عَلَى عَيْبٍ فَأَرَادَ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ فَوَجَدَهُ قَدْ فَلَّسَ فَإِنَّ لَهُ رَدَّهَا وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَالرَّادُّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا فِي الثَّمَنِ وَهَذَا الْفَرْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ بَابِ أَحْرَى وَالْمُوجِبُ لِحَمْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى هَذَا

الْمَعْنَى: أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَفِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ تُفْسَخُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ثَالِثُهَا فِي النَّقْدِ دُونَ الْعَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ، هَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَا دَفَعَهُ أَمْ لَا؟ نَاسَبَ أَنْ تُحْمَلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ وَيَتَمَسَّكَ بِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَا دَفَعَهُ، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَمْ يَجْرِ فِي هَذِهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا جَرَى فِي الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هَاهُنَا مُخْتَارٌ لِلرَّدِّ بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهَذَا عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضُ بَيْعٍ وَعَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ يَكُونُ أَحَقَّ اهـ. وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا قَالَهُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَا إذَا رَدَّ، ثُمَّ فَلَّسَ، وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ بِالْفَلَسِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْمُفْلِسِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ، فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ أُخِذَتْ بِالنَّقْدِ كَانَ أَبَيْنَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالدَّيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَقُولُ: إذَا بِيعَتْ بِالنَّقْدِ يَكُونُ أَحَقَّ وَإِذَا بِيعَتْ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ أَحَقَّ عَلَى أَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا التَّفْرِقَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ أَنَّ الرَّادَّ لِلسِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَيَكُونُ التَّشْبِيهُ فِي كَلَامِهِ رَاجِعًا لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَتَحْسُنُ الْمُبَالَغَةُ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ الرَّادَّ لِلسِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَلَوْ كَانَ أَخَذَهَا عَنْ دَيْنٍ، وَلَمْ يَشْتَرِهَا بِالنَّقْدِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ حَلِّ ابْنِ غَازِيٍّ لِلْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بِفِدَاءِ الْجَانِي) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُحَاصُّ بِفِدَاءِ الْجَانِي إذْ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى عِنْدَ الْمُشْتَرِي جِنَايَةً، ثُمَّ فَلَّسَ الْمُشْتَرِي فَالْحُكْمُ فِي هَذَا الْعَبْدِ كَالْحُكْمِ إذَا كَانَ رَهْنًا، ثُمَّ جَنَى وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي مُحَاصَّةِ السَّيِّدِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُحَاصُّ هُنَا وَيُحَاصُّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي أَرَادَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَالْجِنَايَةَ لَمْ تَكُنْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُحَاصُّ إلَخْ اهـ. ص (وَنَقَضَ الْمُحَاصَّةَ إنْ رَدَّ بِعَيْبٍ) ش: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ مُسْتَقِلَّةً، وَيَكُونَ قَوْلُهُ: " وَرَدَّهَا " مِنْ تَعَلُّقَاتِ قَوْلِهِ: " وَالْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ " كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ التَّكْرُورِيُّ وَابْنُ الْفُرَاتِ وَابْنُ غَازِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَدَّهَا وَالْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ) ش: يُرِيدُ وَلَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ

عِنْدَ الْفَلَسِ نَصَّ عَلَى هَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَارِحَاهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ أَخَذَهَا فَوَجَدَ عَيْبًا حَادِثًا فَلَهُ رَدُّهَا، وَيُحَاصُّ إنْ حَبَسَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي فَلَوْ وَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَةً بِيَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ رَدُّ السِّلْعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيُحَاصُّ بِثَمَنِهَا وَلَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَعَلَّ هَذَا كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ فِي الْوَسِيطِ يَعْنِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَخَذَ سِلْعَتَهُ فَوَجَدَهَا قَدْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَ الْمُفْلِسِ عَيْبًا سَمَاوِيًّا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَحَاصَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَمَشَى فِي شَامِلِهِ عَلَى مَا فِي شَرْحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَدَّ بَعْضَ ثَمَنٍ وَأَخَذَهَا) ش: أَيْ إذَا قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ فَلَّسَ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْبَعْضَ الَّذِي قَبَضَهُ وَيَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَلَهُ أَنْ يُحَاصَّ بِالْبَاقِي، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَاقْتَضَى مِنْ ثَمَنِهِمَا عَشَرَةً وَبَاعَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا، وَبَقِيَ الْآخَرُ عِنْدَهُ وَفَلَّسَ فَأَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَ الْعَبْدِ الثَّانِي مِنْهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا خَمْسَةً؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْأُولَى كَانَتْ مَقْبُوضَةً عَلَيْهِمَا وَهَذَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا بِعَدَاءٍ وَإِلَّا فَضَّ الْعَشَرَةَ الْمُقْتَضَاةَ أَوَّلًا عَلَيْهِمَا، وَرَدَّ حِصَّةَ الْبَاقِي وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. ص (وَأَخَذَ بَعْضَهُ وَحَاصَّ بِالْفَائِتِ) ش: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لَهُ ثَمَنَ الْبَاقِي وَلَوْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا يَكُونُونَ أَحَقَّ بِقَدْرِ الْعَدَاءِ عَلَى الْأَرْجَحِ قَالَهُ: فِي الشَّامِلِ وَظَاهِرُ التَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ الثَّانِي. ص (كَبَيْعِ أُمٍّ وَلَدَتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ بَاعَهَا دُونَ وَلَدِهَا، ثُمَّ فَلَّسَ فَقَامَ الْبَائِعُ يَطْلُبُ الثَّمَنَ فَوَجَدَ الْوَلَدَ دُونَ أُمِّهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّلْعَتَيْنِ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِمَا أَصَابَ الْأُمَّ مِنْهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَفُضَّ الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ بَيْعِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ أَنْ يَدْفَعُوا لَهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْوَلَدَ وَيُحَاصَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنَ عَرَفَةَ. ص (وَأَخَذَ الثَّمَرَةَ وَالْغَلَّةَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الَّذِي هُوَ الْمُفْلِسُ يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ الَّتِي أَثْمَرَتْ عِنْدَهُ وَالْغَلَّةَ بِخِلَافِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْخَرَاجِ، وَالْخَرَاجُ لِلْبَائِعِ لِلضَّمَانِ، وَعَطْفُ الْغَلَّةِ عَلَى الثَّمَرَةِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْغَلَّةِ مَا لَيْسَ قَائِمَ الْعَيْنِ. (تَنْبِيهٌ) إنَّمَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي غَلَّةً إذَا جُذَّتْ، وَأَمَّا إنْ دَامَتْ فِي أُصُولِهَا فَإِنَّهَا تُرَدُّ وَيَأْخُذُهَا الْبَائِعُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ إنَّهَا تَفُوتُ بِالْأَبَّارِ، وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الصُّوفَ يُرَدُّ مَعَ الْغَنَمِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (إلَّا صُوفًا تَمَّ أَوْ ثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً) ش: أَيْ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُمَا

لَا يَكُونَانِ غَلَّةً وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُمَا فَإِنْ فَاتَا حَاصَّ بِمَا يَنُوبُهُمَا مِنْ الثَّمَنِ قَالَهُ فِي

الشَّامِلِ وَأَصْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَفِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ تُفْسَخُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوَّلًا، أَوْ فِي النَّقْدِ أَقْوَالٌ) ش: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: بِأَنَّهُ أَحَقُّ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ غَلْقِ الرَّهْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقَضَى بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ، أَوْ تَقْطِيعِهَا لِإِصْدَاقٍ قُضِيَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمِدْيَانَ إذَا دَفَعَ الْحَقَّ لِصَاحِبِهِ، وَأَرَادَ أَخْذَ الْوَثِيقَةَ، أَوْ تَقْطِيعَهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ إنْ امْتَنَعَ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا يَدْفَعُ إلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: عَنِّي، أَوْ لَمْ يَقُلْ، ثُمَّ قَالَ الْآمِرُ كَانَتْ لِي دَيْنًا عَلَى الْمَأْمُورِ وَأَنْكَرَ الْمَأْمُورُ، وَقَالَ: بَلْ أَسْلَفْتُهُ إيَّاهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَمْلِكُ هَذَا الْقَدْرَ لِعَدَمِهِ وَفَلَسِهِ، يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ اقْتَضَى دَيْنًا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَثِيقَةَ لِغَرِيمِهِ الْمَطْلُوبِ خَوْفَ دَعْوَى السَّلَفِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ دِينَارٍ: يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا وَتُقْطَعُ، قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَلَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهَا إلَى الْغَرِيمِ إذَا قَامَ الطَّالِبُ عَلَيْهِ وَاسْتَظْهَرَ الْمَطْلُوبَ فِي الْوَثِيقَةِ أَنَّهُ يَقُولُ: سَقَطَتْ مِنِّي فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِرَدِّهَا لِلطَّالِبِ وَبِالْغُرْمِ بَعْدَ يَمِينِ الطَّالِبِ اهـ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ يُوصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَقِيَ رَجُلًا قَالَ: أَشْهَدْك أَنِّي قَدْ تَقَاضَيْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَإِنَّهُ أَحْسَنَ قَضَائِي فَلَيْسَ لِي عَلَيْهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ فَلَقِيَ الرَّجُلُ الَّذِي أُشْهِدَ الرَّجُلَ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ قَضَاهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ قَالَ: كَذَبَ إنَّمَا أَسْلَفْتُهُ ذَلِكَ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ أَسْلَفَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ تَقَاضَاهَا فِي دَيْنِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَهَا: وَيَأْتِي عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِعَيْنِهَا. وَيَقُومُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ بِوَثِيقَةٍ فَدَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَدَعَا إلَى قَبْضِ الْوَثِيقَةِ مِنْهُ، أَوْ تَحْرِيقِهَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ وَتَبْقَى الْوَثِيقَةُ بِيَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ إذْ لَعَلَّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَسْتَدْعِيَ بَيِّنَةً قَدْ سَمِعُوا إقْرَارَ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ، أَوْ حَضَرَ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الدَّفْعُ فَيَدَّعِي أَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْمَالَ سَلَفًا، أَوْ وَدِيعَةً وَيَقُولُ: هَاتِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَكَ إنَّمَا قَبَضْت ذَلِكَ

طلب المصالح أخذ الوثيقة التي صالح عليها

مِنِّي مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ لَكَ فَبَقَاءُ الْوَثِيقَةِ وَقِيَامُهُ بِهَا يُسْقِطُ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي تَلْزَمُهُ، وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقِيمُ ذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمَا أَشُكُّ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامٍ سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ مُحَمَّد بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرَى لَهُ مِنْ الْحَقِّ أَخْذُ الْوَثِيقَةِ وَقَطْعُهَا وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: وَلِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَخْذُ وَثِيقَةِ الدَّيْنِ مِنْ صَاحِبِهَا، أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتَقْطِيعِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَنَحْوُهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَكِتَابِ الْحُدَّانِيِّ وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَقْطَعُ وَثِيقَةَ الدَّيْنِ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّهَا عَلَى إعْطَائِهَا، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بَرَاءَةً فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ فِي وَثَائِق ابْنِ الْهِنْدِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى كَاذِبَةً. وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: فِي امْرَأَةٍ قَامَتْ بِصَدَاقٍ لَمْ تُثْبِتْهُ فَحَلَفَ الزَّوْجُ وَدَعَا إلَى قَطْعِهِ، وَأَرَادَتْ الزَّوْجَةُ حَبْسَ الصَّدَاقِ بِيَدِهَا فَأَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ أَنَّهُ يُجَابُ إلَى تَقْطِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ بِيَمِينِهِ لِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ، وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ فَلْيُقْطَعْ، ثُمَّ قَالَ: إذَا دَفَعَ إلَى الْمُطَلَّقَةِ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَالِئُهَا لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ كِتَابَ صَدَاقِهَا إلَى الزَّوْجِ وَلَا إلَى وَرَثَتِهِ لِمَا فِي حَبْسِ صَدَاقِهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِسَبَبِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَهَا فِيهِ إنْ كَانَتْ وَلِأَجْلِ لُحُوقِ النَّسَبِ، أَوْ الْحَمْلِ إنْ كَانَ حَمْلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي حَيَاتِهِ إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِدَفْعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِذَلِكَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ؛ لِأَنَّ بِهِ ثَبَتَ نِكَاحُهَا وَبِهِ تَأْخُذُ مِيرَاثَهَا وَتَدْفَعُ بَعْدَ الْيَوْمِ مِنْ دَافِعِهَا عَمَّا وَرِثَ، أَمَّا لَوْ قَامَتْ بِبَاقِي الْمَهْرِ فِي كِتَابٍ غَيْرِ كِتَابِ نِكَاحِهَا فَأَخَذَتْ بِهِ مَا كَانَ لَهَا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا وَيُقْطَعُ عَنْ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ أَخَذَتْ بِهِ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا مِنْ عَقَارِهِ لَمْ يُؤْخَذْ ذَلِكَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ بِهِ تَدْفَعُ الْيَوْمَ مِنْ دَافِعِهَا عَنْ ذَلِكَ وَمَا يُشْبِهُهُ مِمَّا يُلْتَمَسُ التَّوَثُّقُ بِهِ وَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يَسْتَوْثِقُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِالْإِشْهَادِ وَذِكْرِ الْكِتَابِ الَّذِي بِيَدِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ أَقُولُ وَهَذَا أَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ أَخْذِهِ وَتَقْطِيعِهِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فِيمَنْ مَاتَ وَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بِكِتَابِ مَهْرِهَا فَأَخَذَتْ بِهِ بَاقِيهِ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ تَقْطِيعَهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَتْ: بِهِ أَدْفَعُ بَعْدَ الْيَوْمِ مَنْ دَافَعَنِي عَمَّا أَخَذْت. ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ، وَقَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الزَّوْجُ بِالْمَرْأَةِ وَأَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَلَا وَطِئَهَا فَإِنَّ الصَّدَاقَ يُقْطَعُ اهـ. نَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ بِرُمَّتِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَزَادَ بَعْدَهُ قُلْت سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ بِصَكٍّ وَتَنَازَعَ الْمِدْيَانُ وَرَبُّ السِّلْعَةِ فِي تَقْطِيعِهِ، أَوْ تَبْطِيلِهِ وَبَقَائِهِ عِنْدَ رَبِّهِ فَمَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؟ قَالَ: عَلَى الثَّانِي خَوْفٌ لَوْ قَطَعْنَاهُ أَنْ يَسْأَلَ الْمِدْيَانُ رَبَّ الدَّيْنِ هَلْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: قَبَضْت وَلَكِنْ مِنْ دَيْنٍ كَانَ لِي عَلَيْكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ حَلَفَ يَمِينَ غَمُوسٍ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَقَضَى بِأَخْذِ الْمَدِينِ يُرِيدُ بَعْدَ خَصْمِهِمَا، ثُمَّ تُدْفَعُ لِلْمَدِينِ، قَالَ فِي الشَّامِلِ وَصَوَّبَ خَصْمَ الْوَثِيقَةِ مَعَ الدَّفْعِ اهـ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَذَّالِيِّ أَوْ تَبْطِيلُهُ. [طَلَبَ الْمُصَالِحُ أَخْذَ الْوَثِيقَةِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا] (الثَّانِي) قَالَ: فِي الذَّخِيرَةِ إذَا طَلَبَ الْمُصَالِحُ أَخْذَ الْوَثِيقَةِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ بِمَالِ الصُّلْحِ لِثُبُوتِ أَصْلِ الْحَقِّ وَيَكْتُبُ الْآخَرُ وَثِيقَةً بِتَارِيخٍ مُتَأَخِّرٍ يَشْهَدُ لَهُ بِصُلْحِهِ. قَالَهُ: مُطَرِّفٌ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَانْظُرْ تَبْصِرَةَ ابْنِ فَرْحُونٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَبَى الَّذِي بِيَدِهِ الْوَثِيقَةُ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: وَأَمَّا إذَا أَبَى الَّذِي بِيَدِهِ الْوَثِيقَةُ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِ مَا فِيهَا، وَقَالَ لِلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ: خُذْ الْوَثِيقَةَ، أَوْ قَطِّعْهَا فَتِلْكَ بَرَاءَتُك فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ يَقُومُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا مَسْأَلَةُ رَسْمِ الْعَرِيَّةِ اهـ. ص (وَلِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ) ش: هَذَا

باب المجنون محجور عليه للإفاقة

إذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ لَهُ وَسَقَطَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا طَالَ الْأَمْرُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ اهـ. وَهَكَذَا نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَنَصُّهُ: " فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ رَهْنًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ الرَّهْنَ، وَلَمْ يُوفِهِ الْغَرِيمُ حَقَّهُ، وَقَالَ الْغَرِيمُ: لَمْ يَدْفَعْ لِي رَهْنِي إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ دَيْنَهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ الرَّاهِنُ، وَيَسْقُطَ عَنْهُ مَا ادَّعَى بِهِ رَبُّ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ، وَقَالَ: دَفَعْت إلَيْهِ الرَّهْنَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَنِي بِحَقِّي فَلَمْ يَفْعَلْ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ خِلَافَ مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا طَالَ الْأَمْرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ لَهُ، أَوْ سَقَطَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ اهـ. فَجَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ سَحْنُونٍ وَقَوْلِ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ لَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُوَفِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ] ص (بَابٌ) (الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ) ش: عَقَّبَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْلِيسَ بِالْحَجْرِ تَكْمِيلًا لِبَيَانِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَالْحَجْرُ مَصْدَرُ: حَجَرَ يَحْجُرُ وَيَحْجُرُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةً حَصْرُ الْإِنْسَانِ وَالْمَنْعُ وَالْحَرَامُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138] وَتُثَلَّثُ حَاؤُهُ فِي الْمَعَانِي الثَّلَاثِ قَالَهُ: فِي الْقَامُوسِ وَقُرِئَ بِهِنَّ فِي الْآيَةِ وَتَقُولُ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا رَأَوْا مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] أَيْ حَرَامًا مُحَرَّمًا يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ كَمَا يَقُولُونَهُ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ يَخَافُونَهُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْكَسْرَ فِي الْحَجْرِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ أَفْصَحُ، وَالْحَجْرُ مُثَلَّثٌ أَيْضًا مَا بَيْنَ يَدَيْ الْإِنْسَانِ مِنْ ثَوْبِهِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَحَكَاهُ فِي الْقَامُوسِ بِالْكَسْرِ فَقَطْ، وَالْحِجْرُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَقْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] وَعَلَى حِجْرِ الْكَعْبَةِ الْمُدَارُ بِهَا مِنْ الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ، وَكُلُّ مَا حَجَرْتَهُ مِنْ حَائِطٍ فَهُوَ حِجْرٌ، وَعَلَى دِيَارِ ثَمُودَ بِالشَّامِ عِنْدَ وَادِي الْقُرَى قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] وَعَلَى الْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ، وَقَوْلُ الْعَامَّةِ: حُجْرَةٌ بِالْهَاءِ لَحْنٌ اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ وَهُوَ فِي الْجَمِيعِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَمْنَعُ مِنْ الرَّذَائِلِ جَمِيعِهَا، وَالْحَائِطَ يَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ إلَيْهِ، وَكَذَا دِيَارُ ثَمُودَ، وَالْأُنْثَى تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنْ الْعَدْوِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا بِالْكَسْرِ عَلَى الْقَرَابَةِ، وَعَلَى فَرْجِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَالْحَجْرُ فِي الشَّرْعِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ، نَقَلَهُ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَنْعُ الْمَالِكِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَفِي الْجَمِيعِ إجْمَالٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ فِي الْحُدُودِ إذْ لَمْ يُبَيَّنْ هَلْ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالتَّبَرُّعِ أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ وَهَلْ فِي الْكُلِّ، أَوْ فِي الْبَعْضِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ، أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ قَالَ: وَبِهِ دَخَلَ حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَالِهِ كُلِّ مَالِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَجْرُ عَلَيْهِمَا فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَكَانَ دُونَ الْمَالِ كُلِّهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَبَيِّنٌ فَسَادُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ الْحَجْرُ عَلَى الْمَرْهُونِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي الرَّهْنِ، وَمَنْ جَنَى عَبْدُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَمَّلَ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ [تَنْبِيهٌ أَسْبَابُ الْحَجَر] (تَنْبِيهٌ) قَالَ

ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ: ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ: أَسْبَابُهُ سَبْعَةٌ: الصِّبَا، وَالْجُنُونُ وَالتَّبْذِيرُ، وَالرِّقُّ، وَالْفَلَسُ، وَالْمَرَضُ وَالنِّكَاحُ فِي الزَّوْجَةِ اهـ. وَقُدِّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى ابْنِ شَاسٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ شَاسٍ هُوَ الَّذِي حَصَرَهَا فِي سَبْعَةٍ وَهُوَ فِي النُّسْخَةِ سَبْعٌ بِإِسْقَاطِ التَّاءِ، وَالصَّوَابُ سَبْعَةٌ بِإِثْبَاتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُذَكَّرٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: الْحَصْرُ اسْتِقْرَائِيٌّ وَهُوَ فِي الْأُمُورِ الْمَذْهَبِيَّةِ لِلْعَالِمِ بِالْمَذْهَبِ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ عِدَّةٌ مِنْهُ لِمَوْجُودٍ عِنْدَهُ. وَتَعَقَّبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ تَرَكَ سَبَبًا ثَامِنًا وَهُوَ الرِّدَّةُ، وَبِأَنَّهُ قَدَّمَ حُكْمَ الْفَلَسِ عَلَى ذِكْرِ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ عَدَّ الْفَلَسَ فِي الْأَسْبَابِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى أَحْكَامِ التَّفْلِيسِ، وَيُرَدُّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْحَجْرَ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا يَمْلِكُهُ لَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَحَجْرُ الْمُرْتَدِّ لَيْسَ مِنْ حَجْرِ الْمَالِكِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَا وَرِثَ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ تَبِعَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَسْبَابُهُ ثَمَانِيَةٌ فَعَدَّ فِيهَا الرِّدَّةَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: قَدَّمَ الْفَلَسَ إلَخْ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّعَقُّبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ سَبَبُهُ إنْ أَرَادَ مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الْفَلَسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدَّمَ حُكْمَ الْفَلَسِ عَلَى ذِكْرِ سَبَبِ الْفَلَسِ وَلَا تَعَقُّبَ فِي هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ تَرْكِ الْأَوْلَى وَلَا مَدْخَلَ لِهَذَا فِي الْحَجْرِ، وَإِنْ أَرَادَ مَا الْفَلَسُ سَبَبٌ لَهُ وَهُوَ الْحَجْرُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ حُكْمَ الْفَلَسِ قَبْلَ ذِكْرِ كَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْحَجْرِ، وَهَذَا لَا تَعَقُّبَ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: الْأَسْبَابُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ سِتَّةٌ. وَهْمٌ، بَلْ هِيَ سَبْعَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَبِعَ الشَّيْخَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الِاعْتِرَاضِ بِالرِّدَّةِ وَزَادَ هُوَ الْحَجْرَ عَلَى الْمَرْهُونِ فَقَالَ: وَذَكَرَ لَهُ الْمُصَنِّفُ سَبْعَةَ أَسْبَابٍ، وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِيهَا وَيُنْتَقَضُ بِالْحَجْرِ عَلَى الرَّاهِنِ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَبِالْحَجْرِ عَلَى الْمُرْتَدِّ اهـ. وَيُزَادُ أَيْضًا الْحَجْرُ عَلَى مَنْ جَنَى عَبْدُهُ قَبْلَ مَحْمَلِهِ الْجِنَايَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ. يَعْنِي أَنَّ الْمَجْنُونَ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إلَى إفَاقَتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ بِالْإِفَاقَةِ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْ الْمَجْنُونِ بِإِفَاقَتِهِ إنْ كَانَ الْجُنُونُ طَارِئًا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الرُّشْدِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَبَعْدَ إثْبَاتِ الرُّشْدِ اهـ. وَكَذَا لَوْ كَانَ بَلَغَ سَفِيهًا، ثُمَّ جُنَّ فَلَا يَنْفَكُّ بِالْإِفَاقَةِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي الْحَجْرِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْجُنُونِ وَذَكَرَ أَنَّ حَدَّهُ الْإِفَاقَةُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ آخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّارِحُ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ بِصَرْعٍ، أَوْ وَسْوَاسٍ اهـ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ اللَّخْمِيِّ: فَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقِيلَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ لِضَرْبَةٍ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ «إذَا تَبَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» خَرَّجَهُ الصَّحِيحَانِ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُحْجَرُ عَلَيْهِ صَوْنًا لِمَالِهِ كَالصَّبِيِّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَأَرَى إنْ كَانَ يُخْدَعُ بِالْيَسِيرِ أَوْ الْكَثِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدُ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ الْغَبْنُ لَهُ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَيُؤْمَرُ بِالِاشْتِرَاطِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَيُشْهِدُ حِينَ الْبَيْعَ فَيُسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ لَهُ ذَلِكَ وَيَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْزَعُ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ إلَّا أَنْ لَا يَنْزَجِرَ عَنْ التَّجْرِ اهـ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ لَهُ ذَلِكَ وَيَكْثُرُ نُزُولُ ذَلِكَ بِهِ أُمِرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ التَّجْرِ، وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْزَعْ الْمَالُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَفْعَلُ بَعْدَ الْحَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ إمْسَاكِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ أَوْلَى بِإِمْسَاكِهِ مَالَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ عَنْ التَّجْرِ اُنْتُزِعَ ذَلِكَ مِنْهُ اهـ. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ الْقَوْلَيْنِ فِي آخِرِ الْبَقَرَةِ، وَقَالَ وَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، ثُمَّ قَوَّى الْقَوْلَ بِالْحَجْرِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِدُخُولِهِ فِي ضَابِطِ مَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَحْفَظُ الْمَالَ كَمَا سَيَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَيَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْ هَذَا وَيُدْفَعُ لَهُ مَالُهُ إذَا عُلِمَ مِنْهُ دُرْبَةُ الْبَيْعِ وَمَعْرِفَةُ وُجُوهِ الْخَدِيعَةِ اهـ. وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ النِّسَاءِ: اسْتَحْسَنَ مَالِكٌ أَنْ لَا يُحْجَرَ عَلَيْهِ لِسُرْعَةِ زَوَالِ مَا بِهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص

تنبيه علامة البلوغ

(بِثَمَانِ عَشَرَةَ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: اُخْتُلِفَ فِي السِّنِّ فَفِي رِوَايَةٍ: ثَمَانِ عَشَرَةَ، وَقِيلَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، وَزَادَ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ سِتَّةَ عَشَرَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ خَمْسَةَ عَشْرَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ اهـ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا فِيمَنْ عُرِفَ مَوْلِدُهُ، وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ مَوْلِدُهُ وَعَلِمَ سِنَّهُ أَوْ جَحَدَهُ فَالْعَمَلُ فِيهِ عَلَى مَا رَوَى رَافِعٌ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ لَا يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ إلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ سِنِّهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَصُدِّقَ إنْ لَمْ يُرِبْ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي السِّنِّ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ حَيْثُ يُجْهَلُ التَّارِيخُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهٌ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ: سُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: عَلَامَةُ الْبُلُوغِ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ، فَأَجَابَ النِّسْبَةُ إلَى السَّنَةِ بِالدُّخُولِ، وَمَنْ أَكْمَلَ سَنَةً وَخَرَجَ مِنْهَا وَلَوْ بِيَوْمٍ لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي النِّسْبَةَ إلَى السَّنَةِ الْكَامِلَةِ، لِحَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ حِينَ قَالَ: أَجَازَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ» . ص (أَوْ الْحَيْضِ، أَوْ الْحَمْلِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَا قَائِلَ بِاعْتِبَارِ التَّنْهِيدِ فِي الْأُنْثَى اهـ. ص (أَوْ الْإِنْبَاتِ) ش: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمَشْهُورُ كَوْنُ الْإِنْبَاتِ عَلَامَةً اهـ. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْإِنْبَاتِ: الْإِنْبَاتُ الْخَشِنُ عَلَى الْمَذَاكِرِ، وَمَا حَوْلَهُ دُونَ الزَّغَبِ الضَّعِيفِ اهـ. مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى. ص (وَهَلْ إلَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى تَرَدُّدٌ) ش: صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ عَلَامَةٌ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا كَذَلِكَ لِتَصْوِيرِهِ بِهِ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ مُطْلَقَ الْإِنْبَاتِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَصْفُهُ فَلَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْبَالِغِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: زَادَ الْقَرَافِيُّ فِي الْعَلَامَاتِ نَتِنَ الْإِبْطِ، وَزَادَ غَيْرُهُ فَرْقَ الْأَرْنَبَةِ مِنْ الْأَنْفِ، وَبَعْضُ الْمَغَارِبَةِ يَأْخُذُ خَيْطًا وَيَثْنِيهِ، وَيُدِيرُهُ بِرَقَبَتِهِ وَيَجْمَعُ طَرَفَيْهِ فِي أَسْنَانِهِ فَإِنْ دَخَلَ رَأْسُهُ مِنْهُ فَقَدْ بَلَغَ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا فَقَدْ رَأَيْت فِي كِتَابِ التَّشْرِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَلِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْإِنْسَانُ تَغْلُظُ حَنْجَرَتُهُ، وَيُمْحِلُ صَوْتُهُ، فَتَغْلُظُ الرَّقَبَةُ كَذَلِكَ وَجَرَّبَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ فَصَدَقَ لَهُ اهـ. ص (وَصُدِّقَ إنْ لَمْ يَرِبْ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: فَأَمَّا الِاحْتِلَامُ وَالْحَيْضُ وَالْحَمْلُ فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا عَلَامَاتٌ وَيُصَدَّقُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهَا نَفْيًا، أَوْ إثْبَاتًا طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا، وَكَذَا عَنْ الْإِنْبَاتِ وَلَا تُكْشَفُ عَوْرَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَنْظُرُ إلَيْهِ فِي الْمِرْآةِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَيُصَدَّقُ فِي السِّنِّ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ حَيْثُ يُجْهَلُ التَّارِيخُ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَالَتْ عَمَّةُ صَبِيَّةٍ تَزَوَّجَتْ ابْنَةُ أَخِي قَبْلَ الْبُلُوغِ وَقَالَ وَلِيُّهَا زَوَّجْتُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا قَالَتْ عَمَّةُ صَبِيَّةٍ: تَزَوَّجَتْ ابْنَةُ أَخِي قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقَالَ وَلِيُّهَا زَوَّجْتُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الصَّبِيَّةِ اثْنَتَانِ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنْ شَهِدَتَا أَنَّ بِهَا أَثَرَ الْبُلُوغِ مَضَى نِكَاحُهَا. زَادَ غَيْرُهُ: وَأَنَّهَا أَنْبَتَتْ (قُلْت) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ وَعَلَى أَصْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْإِصَابَةَ إذَا كَانَتْ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ وَأَشَارَ إلَى هَذَا فِي الطُّرَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نِكَاحَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُنْتِجُ الْفَسَادَ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ اهـ. وَأَظُنُّ أَنَّ فِي الْكَلَامِ نَقْصًا فَتَأَمَّلْهُ وَمِنْهُ أَيْضًا وَنَزَلَتْ. [مَسْأَلَةٌ وَقَعَ عَقْدٌ عَلَى يَتِيمَةٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رِضَاهَا وَاعْتِرَافِهَا بِالْبُلُوغِ فَلَمَّا دَخَلَتْ أَنْكَرَتْ] مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ وَقَعَ عَقْدٌ عَلَى يَتِيمَةٍ مُهْمَلَةٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى

رِضَاهَا وَاعْتِرَافِهَا بِالْبُلُوغِ فَلَمَّا دَخَلَتْ أَنْكَرَتْ الزَّوَاجَ، وَادَّعَتْ أَنَّهَا غَيْرُ بَالِغٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا فَصَدَّقَهَا عَلَى عَدَمِ الْمَسِيسِ، وَرَفَعَ أَمْرَهَا لِلْقَاضِي فَيُنْظِرُهَا الْقَوَابِلَ فَوُجِدَتْ كَمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْبُلُوغِ، فَحَكَمَ بِفَسْخِ نِكَاحِهَا بِطَلَاقٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَسْتَوْفِ شَرَائِطَ تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَسَأَلَ الْقَاضِي شَيْخَنَا الْإِمَامَ عَنْ لُزُومِ الصَّدَاقِ؟ فَأَفْتَى بِعَدَمِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا مَغْلُوبَانِ عَلَى الْفَسْخِ، وَمِنْهُ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ. وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ تُرِيدُ النِّكَاحَ وَتَدَّعِي الْبُلُوغَ أَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، أَوْ تُكْشَفُ فَأَجَابَ يُقْبَلُ قَوْلُهَا اهـ. ص (وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ وَلَهُ إنْ رَشَدَ، وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، أَوْ وَقَعَ الْمَوْقِعَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ سَوَاءٌ كَانَ وَصِيًّا أَوْ وَصِيَّ وَصِيٍّ، أَوْ مُقَدَّمَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُمَيِّزُ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَيُرِيدُ الْمُصَنِّفُ الْمُمَيِّزَ الْمَحْجُورَ وَسَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ بَالِغًا سَفِيهًا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَتَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ مَحْجُورٍ لَكَانَ أَبْيَنَ، وَهَذِهِ اللَّامُ يَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهَا لَامُ الْإِبَاحَةِ، وَأَنَّ لَهُ الرَّدَّ، وَلَهُ الْإِمْضَاءُ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لَا بِحَسَبِ شَهْوَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ إلَّا بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] ، فَهُوَ مَعْزُولٌ بِظَاهِرِ النَّصِّ عَنْ غَيْرِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ لَهُ الْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْ عِوَضٍ، وَأَمَّا التَّبَرُّعَاتُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّهَا. وَلْنَذْكُرْ بَعْضَ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ لِيَتَّضِحَ الْمَقْصُودُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي بَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمَحِيضَ مِنْ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ مِنْ

هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا عَطِيَّةٍ وَلَا عِتْقٍ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ، أَوْ الْوَصِيُّ إنْ كَانَ ذَا أَبٍ، أَوْ وَصِيٍّ فَإِنْ بَاعَ، أَوْ اشْتَرَى، أَوْ فَعَلَ مَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِمَّا يَخْرُجُ عَنْ عِوَضٍ وَلَا يَقْصِدُ فِيهِ إلَى مَعْرُوفٍ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ فَإِنْ رَآهُ سَدَادًا أَوْ غِبْطَةً أَجَازَهُ وَأَنْفَذَهُ. وَإِنْ رَآهُ بِخِلَافِهِ رَدَّهُ وَأَبْطَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ قُدِّمَ لَهُ وَلِيٌّ نَظَرَ بِوَجْهِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى وَلِيِّ أَمْرِهِ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي إجَازَةِ إنْفَاذِ ذَلِكَ أَوْ رَدِّهِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ فِعْلُهُ سَدَادًا نَظَرًا مِمَّا كَانَ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَنْقُضَهُ إنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ بِحَوَالَةٍ، أَوْ نَمَاءٍ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ نُقْصَانٍ فِيمَا ابْتَاعَهُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ مَا أَفْسَدَ أَوْ كَسَرَ مِمَّا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا أَفْسَدَ وَكَسَرَ مِمَّا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ عِتْقُ مَا حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهِ، وَحَنِثَ بِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا حَلَفَ بِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ وَحَنِثَ بِهِ فِي حَالِ رُشْدِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يَلْزَمُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَا يَمِينَ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَإِنْ حَلَفَ بَرَزَ إلَى الْبُلُوغِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ حَلَفَ وَأَخَذَ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينٌ ثَانِيَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْأَحْكَامِ «لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ مِنْهُمْ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ قَدْ أَتَيْنَا بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنْ بَيَانِ الْحُدُودِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ مَنْ يَجُوزُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَجُوزُ فِي الْأَبْكَارِ وَغَيْرِهِنَّ فَنَرْجِعُ الْآنَ إلَى ذِكْرِ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ مَنْ لَا تَجُوزُ أَفْعَالُهُ مِنْ السُّفَهَاءِ الْبَالِغِينَ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ أَفْعَالِ الصِّبْيَانِ فَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ عَلَى شَرْطِ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ: اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ السَّفِيهَ الْبَالِغَ تَلْزَمُهُ جَمِيعُ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي بَدَنِهِ وَمَالِهِ وَيَلْزَمُهُ مَا وَجَبَ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ كَانَ بِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا، أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَيَنْظُرُ لَهُ وَلِيُّهُ فِيهِ بِوَجْهِ النَّظَرِ فَإِنْ رَأَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ، وَيُمْسِكَ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَعَلَ. وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يُعْتِقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ آلَ ذَلِكَ إلَى الْفِرَاقِ بَيْنَهُمَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ وَلَا الْإِطْعَامُ إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَحْمِلُ الْعِتْقَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا لَمْ يَرَ لَهُ وَلِيُّهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ فَلَهُ هُوَ أَنْ يَصُومَ فَلَا يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ ابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ ضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ إنْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَطْلُقُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرْبِ أَجَلٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَإِنْ عَادَ إلَى الظِّهَارِ لَمْ يُعْتِقْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ تَأْتِي عَلَى الْحَلِيمِ وَالسَّفِيهِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَأَمَّا الْإِيلَاءُ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ يَمِينٍ بِالطَّلَاقِ هُوَ فِيهَا عَلَى حِنْثٍ، أَوْ بِسَبَبِ امْتِنَاعِ يَمِينِهِ عَلَى أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ فِي الظِّهَارِ لَزِمَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فَيُنْظَرُ إلَى يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِعِتْقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، وَيَحْجُرُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلِيُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ إيلَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِصِيَامٍ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ لَزِمَهُ بِهِ الْإِيلَاءُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ،. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا يَلْزَمُهُ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا عَطِيَّةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يُعْتِقَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا كَالزَّوْجَةِ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِالْوَطْءِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَالِهَا هَلْ يَتْبَعُهَا أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَتْبَعُهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا، وَهُوَ رِوَايَةُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّالِثُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَأَرَاهُ قَوْلَ أَصْبَغَ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ نَافِعٍ

لَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهَا وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ فَيَكُونُ فِي ثُلُثِهِ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَصْبَغُ مَا لَمْ يُكْثِرْ جِدًّا، وَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَنِكَاحُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي عَلَى عِوَضٍ، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ قَصْدَ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قَدَّمَ لَهُ الْقَاضِي نَاظِرًا لَهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ نَظَرَ الْوَصِيِّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَلَكَ أَمْرَهُ كَانَ هُوَ مُخَيَّرًا فِي رَدِّ ذَلِكَ وَإِجَازَتِهِ اهـ. وَلَا تَظُنُّ أَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ. لَا ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ حُكِمَ لَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِجَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَهَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ حُكِمَ لَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَجُوزُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ بِلَفْظٍ لَا يَخْتَلِفُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ، وَإِنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ، وَأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَتَصَرُّفُ الْمُعَاوَضَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً وَإِلَّا رَدَّهُ اهـ. قَالَ فِي اللُّبَابِ وَقِسْمٌ مِنْ أَفْعَالِهِ لَا يَمْضِي، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ، وَهُوَ الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " مُمَيِّزٍ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَلَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ كَمَا قَالَ فِي الْبَيْعِ: شَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ نَبَّهَ بِالْمُمَيِّزِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ أَحْرَى بِالرَّدِّ غَيْرُ بَيِّنٍ فِي أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ رَدُّ تَصَرُّفِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُمَيِّزِ السَّفِيهِ صَغِيرًا كَانَ، أَوْ بَالِغًا كُلَّمَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ وَمَا كَانَ بِعِوَضٍ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ: " وَإِنْ رَشَدَ " عَائِدٌ إلَى السَّفِيهِ الْمُمَيِّزِ بَالِغًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَهُ الرَّدُّ إذَا رَشَدَ وَقَوْلُهُ: " أَوْ وَقَعَ الْمَوْقِعَ " ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ وَلَوْ كَانَ وَقَعَ الْمَوْقِعَ يَوْمَ عَقَدَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ، أَوْ كَانَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِتَصَرُّفِهِ حَتَّى رَشَدَ فَالنَّظَرُ لَهُ فِيهِ دُونَ الْوَلِيِّ وَلَوْ كَانَ سَدَادًا اهـ. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ: " وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ " لَوْ قَالَ بَعْدَ رُشْدِهِ لَكَانَ أَبَيْنَ وَأَوْضَحَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي الصِّغَرِ وَالسَّفَهِ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ، وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجْبِرَهُ الْآنَ وَأَنَا أَسْتَحِبُّ إمْضَاءَهُ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ اهـ. عِيَاضٌ لَهُ رَاجِعٌ لِلْعِتْقِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَعَلَى الْجَمِيعِ اخْتَصَرَهُ الْمُخْتَصِرُونَ، وَأَنَا أَسْتَحِبُّ لَهُ إمْضَاءَ جَمِيعِ مَا فَعَلَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ سِوَاهُ، وَلَا أَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ قُرْبَةٌ، وَأَمَّا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ مِمَّا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ فَأَيُّ اسْتِحْبَابٍ فِي هَذَا وَهَكَذَا جَاءَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ. الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ قُرْبَةٌ بِإِسْعَافِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِإِمْضَاءِ عُقْدَتِهِ لِغِبْطَةٍ بِهَا كَمَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ اهـ. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ: أَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ بِهِ فِي حَالِ سَفَهِهِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَشَدَ، وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي آخِرِ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ الْأَظْهَرُ خِلَافُ مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ النُّذُورِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَرُدَّ الْوَلِيُّ عَلَى الْمُوَلِّي حَتَّى مَلَكَ أَمْرَهُ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ هُنَا وَكَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ يُرَجِّحُ مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي السَّفَهِ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَلَكَ أَمْرَهُ كَانَ هُوَ مُخَيَّرًا فِي إجَارَةِ ذَلِكَ، أَوْ رَدِّهِ فَإِنْ رَدَّ بَيْعَهُ، أَوْ ابْتِيَاعَهُ وَكَانَ قَدْ أَتْلَفَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ، أَوْ السِّلْعَةَ الَّتِي ابْتَاعَهَا لَمْ يُتْبَعْ مَالُهُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ اهـ. (السَّابِعُ) : قَالَ فِيهَا أَيْضًا وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ

أَمَةً فَأَوْلَدَهَا فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ وَلَا يُرَدُّ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِفَوْتٍ كَالْعِتْقِ وَيُرَدُّ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْءٌ اهـ. (الثَّامِنُ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ أَنْفَقَ الثَّمَنَ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا يَلْزَمُهُ إقَامَتُهُ هَلْ يُتْبَعُ مَالُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ: قُلْت الَّذِي فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ لِلْأَخَوَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلِابْنِ فَتُّوحٍ اتِّبَاعُهُ اهـ. فَتَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِالِاتِّبَاعِ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي مَصَالِحِهِ، وَقَالَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ: يَتَحَصَّلُ فِيمَا بَاعَ الْيَتِيمُ دُونَ إذْنِ وَصِيِّهِ، أَوْ الصَّغِيرُ مِنْ عَقَارِهِ وَأُصُولِهِ بِوَجْهِ السَّدَادِ فِي نَفَقَتِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا إذَا كَانَ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ الَّذِي بَاعَ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا بَاعَهُ مِنْ أُصُولِهِ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَضْعَفُ الْأَقْوَالِ. (وَالثَّانِي) : أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ إنْ رَأَى ذَلِكَ الْوَصِيُّ وَلَا يَبْطُلُ الثَّمَنُ عَنْ الْيَتِيمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَيْعَ يَمْضِي وَلَا يُرَدُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، أَوْ بَاعَ مَا غَيْرَهُ أَحَقُّ بِالْبَيْعِ فِي نَفَقَتِهِ فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ الثَّمَنُ عَنْ الْيَتِيمِ لِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ الْيَتِيمُ وَأَنْفَقَ فِي شَهَوَاتِهِ الَّتِي يُسْتَغْنَى عَنْهَا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يُرَدُّ الْبَيْعُ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ كَانَ الَّذِي بَاعَ مِنْ مَالِهِ كَثِيرًا، أَوْ يَسِيرًا أَصْلًا، أَوْ عَرَضًا اهـ. وَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ الْأَقْوَالَ: إنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَعْنِي قَوْلَ أَصْبَغَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَاخْتَارَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ قَالَ: وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ بِالِاتِّبَاعِ هُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صُرِّحَ بِأَنَّهُ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ لَمْ يَعُزْهُ، وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ، وَتَرَجَّحَ أَيْضًا بِتَصْدِيرِ ابْنِ رُشْدٍ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَتَرْجِيحِ ابْنِ عَرَفَةَ لَهُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِمَا وَصَرَّحَ الْمُتَيْطِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ: بِأَنَّ الْمَحْجُورَ إذَا أَفَاتَ الثَّمَنَ، وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَهُ فِي مَصَالِحِهِ، فَالْمَشْهُورُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ، وَنَصُّهُ: " وَلَوْ أَفَاتَهُ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ فِي مَصَالِحِهِ فَفِي أَخْذِهِ مِنْ مَالِهِ لِلْمَشْهُورِ وَنَقَلَ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. وَقَالَ عَنْهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يُفَوِّتْهُ: فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ وَكَانَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ فَيَشْتَرِكُ عَدَمُ مُفَارَقَةِ الْبَيِّنَةِ لَهُ قَالَ: وَإِقْرَارُ السَّفِيهِ بِتَعْيِينِهِ لَغْوٌ اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَوَّلَ الْكَلَامِ: الْيَتِيمُ، أَوْ الصَّغِيرُ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الْبَالِغُ السَّفِيهُ، وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهَا فِي الْبِكْرِ السَّفِيهَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعُ) قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ اهـ. (الْعَاشِرُ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْمُشْتَرِي أَمَةً فَأَوْلَدَهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، أَوْ غَنَمًا فَتَنَاسَلَتْ، أَوْ بُقْعَةً فَبَنَاهَا، أَوْ شَيْئًا لَهُ غَلَّةٌ فَاغْتَلَّهُ كَانَ حُكْمُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حُكْمَ مَنْ اشْتَرَى مِنْ مَالِكٍ فِيمَا يَرَى فَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ مَا اشْتَرَى بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِيهَا مَا ذَكَرْت، يَرُدُّ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ الْأَمَةَ الَّتِي أُعْتِقَتْ، وَيُنْتَقَضُ الْعِتْقُ فِيهَا، وَتَأْخُذُ الْأَمَةُ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْلُومِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِتَزْوِيجِ أَحَدِهِمْ مَعَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ يَأْخُذُ الْغَنَمَ وَنَسْلَهَا وَكَانَ لَهُ فِيمَا بَنَاهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا وَكَانَتْ الْغَلَّةُ الَّتِي اغْتَلَّ لَهُ بِالضَّمَانِ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ مُتَعَدٍّ فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لِسَفَهٍ يَقْصِدُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ يَرُدُّ الْغَلَّةَ وَكَانَ لَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَقْلُوعًا اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ حُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْبَيَانِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ فِيمَا بَاعَ وَقَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ أَنَّهُ إنْ أَنْفَقَهُ فِيمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ اهـ. (الثَّانِي عَشَرَ) قَالَ فِي التَّلْقِينِ مَنْ اسْتَدَانَ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دَيْنًا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، ثُمَّ فُكَّ حَجْرُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِيمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالسَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ وَلَزِمَ فِيمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ

يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يَفْسَخَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ اهـ. وَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ: إذَا أَوْلَدَ السَّفِيهُ جَارِيَةً ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ اسْتَسْلَفَهُ، أَوْ بِثَمَنِ سِلْعَةٍ ابْتَاعَهَا فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلَّذِي أَسْلَفَهُ، أَوْ بَاعَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَمْوَالِهِمَا فَلَيْسَتْ عَيْنَ أَمْوَالِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَوْلَدَ الْأَمَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا فَقِيلَ: إنَّهُ فَوْتٌ لَا سَبِيلَ لِلَّذِي بَاعَهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْهَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ أَرَى أَنْ تُرَدَّ الْأَمَةُ إلَى بَائِعِهَا وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ عَلَى السَّفِيهِ، وَيَكُونُ الْوَلَدُ وَلَدَهُ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْءٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ بَيِّنٌ (الثَّالِثَ عَشَرَ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ: إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَأْخُذُ وَيُعْطِي بِرِضَا حَاجِرِهِ وَسُكُوتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ، وَوَقَعَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ بِتُونُسَ انْتَهَى. وَذَكَرَهَا فِي مَسَائِلِ الْمَحْجُورِ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ: وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدٌ، أَوْ يَتِيمٌ سِلْعَةً، أَوْ بَاعَهَا فَأَرَادَ السَّيِّدُ أَوْ الْوَصِيُّ فَسْخَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُمَا، فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا أَوْ الْبَائِعُ أَنْ يَخْلُفَ السَّيِّدَ أَوْ الْوَصِيَّ مَا أَذِنَا لَهُ فِي ذَلِكَ؛ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي فَصْلِ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا تُوجِبُ الْيَمِينَ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) إذَا أَفْسَدَ الصَّبِيُّ مَالًا لِغَيْرِهِ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِيمَةُ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ فِي مَسْأَلَةِ نِكَاحِ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَالْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالسَّيِّدُ اُنْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي فَصْلِ نِكَاحِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ فَسْخِ الْوَلِيِّ نِكَاحَ يَتِيمِهِ مِنْ الْجُزْءِ الثَّانِي فِي تَرْجَمَةِ تَسْجِيلِ الْقَاضِي بِوِلَايَةٍ عَلَى مَنْ ثَبَتَ سَفَهُهُ مِنْ الْجُزْءِ التَّاسِعِ وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ حُكْمُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَحْجُورِ هَلْ تُسْمَعُ أَمْ لَا؟ وَفِي بَابِ الْعِتْقِ شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ) ش: هَذَا حَدُّ الرُّشْدِ الَّذِي لَا يُحْجَرُ عَلَى صَاحِبِهِ بِاتِّفَاقٍ وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَجْرِ هَلْ هُوَ ذَلِكَ أَيْضًا؟ وَيُزَادُ فِيهِ اشْتِرَاطُ حُسْنِ التَّنْمِيَةِ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: اشْتِرَاطُ الشَّرْطِ الثَّانِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّشِيدِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي فَصْلِ الْوِلَايَاتِ وَالْمَحْجُورِ وَإِذَا كَانَ الْيَتِيمُ فَاسِقًا مُبْرِزًا وَكَانَ مَعَ هَذَا نَاظِرًا فِي مَالِهِ ضَابِطًا لَهُ وَجَبَ إطْلَاقُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ نَاظِرًا فِي مَالِهِ لَمْ يَجِبْ إطْلَاقُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَصِفَةُ مَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْرَارِ إنْ كَانَ يُبَذِّرُ مَالَهُ سَرَفًا فِي لَذَّاتِهِ مِنْ الشَّرَابِ وَالْفِسْقِ، وَغَيْرِهِ وَيَسْقُطُ فِيهِ سُقُوطَ مَنْ لَمْ يَعُدَّ الْمَالَ شَيْئًا، وَأَمَّا مَنْ أَحْرَزَ الْمَالَ وَأَنْمَاهُ، وَهُوَ فَاسِقٌ فِي حَالِهِ غَيْرُ مُبَذِّرٍ لِمَالِهِ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عِنْدَ وَصِيٍّ قَبَضَهُ، وَيُحْجَرُ عَلَى الْبَالِغِ السَّفِيهِ مَالُهُ، وَإِنْ كَانَ شَيْخًا وَلَا يَتَوَلَّى الْحَجْرَ إلَّا الْقَاضِي قِيلَ: وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ قَالَ الْقَاضِي: أَحَبُّ إلَيَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلَدِهِ أَتَى الْإِمَامَ لِيَحْجُرَ عَلَيْهِ، وَيُشْهَرُ ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ وَالْأَسْوَاقِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ بَاعَهُ، أَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَقَالَ عِيَاضٌ وَقَوْلُهُ: " أَحَبُّ " لِلْوُجُوبِ، وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ الْحَجْرَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْقُضَاةُ دُونَ سَائِرِ الْحُكَّامِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ انْتَهَى. وَالسَّفَهُ ضِدُّهُ فَهُوَ عَدَمُ حِفْظِ الْمَالِ فِي اللَّذَّاتِ

الْمُحَرَّمَةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ قَوْلَهُ: " وَغَيْرُهُ " يُفِيدُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ " أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجْرِ بِبُلُوغِهِ بَلْ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إلَى ظُهُورِ رُشْدِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجْرِ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ فَإِذَا بَلَغَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ أَمْ لَا أَمَّا إنْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ كَمَنْ لَزِمَتْهُ الْوِلَايَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَإِنْ عُلِمَ رُشْدُهُ، أَوْ سَفَهُهُ عَمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ جُهِلَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ. وَرَوَى زِيَادُ بْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّشْدِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ الْوَلَدُ مَحْمُولٌ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَلَى الرُّشْدِ أَوْ السَّفَهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ حَتَّى يُعْلَمَ رُشْدُهُ انْتَهَى. ص (وَفَكِّ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، أَوْ الْقَاضِي هَلْ لَهُ فَكُّ الْحَجْرِ دُونَ الْقَاضِي انْتَهَى. وَقَالَ فِي وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ وَإِذَا أَرَادَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ

إطْلَاقَ هَذَا الْمَحْجُورِ مِنْ الْوِلَايَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَيُعْقَدُ فِي ذَلِكَ: لَمَّا تَبَيَّنَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ رُشْدُ مَحْجُورِهِ، أَوْ وَلَدِهِ فُلَانٍ الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ، وَحُسْنِ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ، وَضَبْطُهُ لِمَالِهِ أَطْلَقَهُ مِنْ حُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَرَشَّدَهُ لِرُشْدِهِ، وَمَلَّكَهُ أَمْرَ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ وَالشُّمُولِ وَالِاسْتِغْرَاقِ، وَلَمْ تَبْقَ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، وَقُبِلَ ذَلِكَ مِنْ تَرْشِيدِهِ الْمُرَشَّدَ الْمَذْكُورَ قَبُولًا تَامًّا وَاعْتَرَفَ بِرُشْدِهِ، وَأَنَّهُ بِالْأَحْوَالِ الْمَوْصُوفَةِ شَهِدَ عَلَى أَحْوَالِ الْمُرْشِدِ وَالْمُرَشَّدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا فِي صِحَّةٍ وَجَوَازٍ وَطَوْعٍ مِنْ الْمُرْشِدِ مُطْلَقًا، وَمِنْ الْمُرَشَّدِ مِنْ الْآنِ وَعَرَّفَهُمَا. وَفِي كَذَا، وَإِنْ ضَمِنَ الشُّهُودُ مَعْرِفَةَ رُشْدِ الْمَحْجُورِ كَانَ أَتَمَّ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْعَقْدِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَقَوْلُ الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ سَقَطَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَبَاعَ مَالَهُ وَأَفْسَدَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سَفِيهًا قَدْ بَلَغَ إلَى وَقْتِهِمْ هَذَا لَزِمَتْهُ الْوِلَايَةُ، أَوْ إنْ طَلَبَ تَرْشِيدَ نَفْسِهِ كَلَّفَهُ الْقَاضِي إثْبَاتَ رُشْدِهِ قَالَ: فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ أُعْذِرَ لِلْأَبِ وَرَدَّ فِعْلَهُ، وَعَزَلَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ، وَجَعَلَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِمَّا أَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَالْوَصِيُّ أَوْ الْمُقَدَّمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِدْفَعٌ أَشْهَدْت عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَى خِلَافَ الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّفَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أُعْذِرَ فِيهِ الْمَشْهُودُ فِيهِ. فَإِنْ وَافَقَ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ، وَعَجَزَ عَنْ الْمِدْفَعِ فِيهِ مِنْ تَجْرِيحٍ، أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالسَّفَهِ أَعْمَلُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: يُنْظَرُ إلَى أَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ وَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سَفِيهًا هَلْ يُمْضِي أَفْعَالَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِتَرْشِيدِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ التَّرْشِيدِ أَعْدَلَ فَيَكُونُ قَدْ وَافَقَ نَقْلَ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوْ يَرُدُّ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ السَّفَهِ أَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِخَطَإٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَانْظُرْ أَجْوِبَةَ ابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي بَابِ الْوَصَايَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى بِهِ أَبُوهُ إلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ، وَلَمْ تُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ فَتَزَوَّجَ، وَمَاتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّ فِي مِيرَاثِ زَوْجَتِهِ وَصَدَاقِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا صَدَاقَ الثَّانِي لَهَا الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ الثَّالِثُ: لَهَا الْمِيرَاثُ فَقَطْ، وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ نِكَاحُهُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ، أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَفْسَخْهُ كَانَ لَهَا الصَّدَاقُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا الصَّدَاقُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ نِكَاحُهُ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي رُشْدُهُ فَقَضَى بِتَرْشِيدِهِ فَالنِّكَاحُ مَاضٍ وَلَهَا الصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْحُكْمُ نَافِذٌ لَا يُرَدُّ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِلَ السَّفَهِ، وَإِنْ كَانُوا أَعْدَلَ مِنْ الشُّهُودِ الَّذِينَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ إذْ قَدْ فَاتَ مَوْضِعُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الشُّهُودِ وَبِنُفُوذِ الْحُكْمِ فَإِنَّمَا تُوجِبُ شَهَادَتُهُمْ الْحُكْمَ بِتَسْفِيهِهِ، وَتَكُونُ أَفْعَالُهُ مِنْ يَوْمِ حُكِمَ بِتَرْشِيدِهِ إلَى يَوْمِ حُكِمَ بِتَسْفِيهِهِ جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ انْتَهَى. ص (وَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِمَا الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ إذَا رَشَدَ بَعْدَهُ وَزِيدَ فِي الْأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا) . ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى السَّفِيهِ الْبَالِغِ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ وَلَا مُقَدَّمَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي وَمَا عَزَاهُ لِمَالِكٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ سَيَأْتِي ذِكْرُهُمَا فِي كَلَامِ

ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَعُلِمَ مِنْ كَوْنِ الضَّمِيرِ عَائِدًا عَلَى السَّفِيهِ الْبَالِغِ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ أَنَّ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا تُرَدُّ أَفْعَالُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمُقَدِّمَاتِ اتِّفَاقًا: وَإِنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَالِغِ السَّفِيهِ الْمُهْمَلِ الذِّكْرِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ دُونَ الْبُلُوغِ، فَأَفْعَالُهُ مَرْدُودَةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَأَمَّا الْأُنْثَى الْمُهْمَلَةُ السَّفِيهَةُ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا بِمَاذَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَجْرِ، وَذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّانِي أَنَّ أَفْعَالَهَا مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ تُعَنِّسْ، أَوْ تَتَزَوَّجْ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا وَتُقِيمُ مَعَهُ مُدَّةً يُحْمَلُ أَمْرُهَا فِيهَا عَلَى الرُّشْدِ قِيلَ أَقْصَاهَا الْعَامُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ الْعَمَلَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَتَّى يَمُرَّ بِهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مِثْلُ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَفْعَالَهَا مَرْدُودَةٌ قَبْلَ هَذَا وَانْظُرْ هَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ؟ وَزِيدَ فِي الْأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ إلَخْ وَيَكُونُ الْمُؤَلِّفُ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَيَكُونُ قَوْلُهُ شَهَادَةَ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا فِي هَذِهِ بِأَنْ تُقِيمَ مُدَّةً يُحْمَلُ أَمْرُهَا فِيهَا عَلَى الرُّشْدِ، أَوْ نَقُولُ لَيْسَتْ دَاخِلَةً وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ خَاصٌّ بِذَاتِ الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ، وَأَمَّا الْمُهْمَلَةُ فَحُكْمُهَا مَا تَقَدَّمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ذَاتِ الْأَبِ وَالْمُهْمَلَةِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ وَذَكَرَ الْمَشْهُورَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَاتَيْنِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقِيلَ فِي ذَاتِ الْأَبِ: إنَّهَا تَخْرُجُ بِالْحَيْضِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا، وَقِيلَ: إنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَيَمُرَّ بِهَا عَامٌ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقِيلَ: عَامَانِ، وَقِيلَ: سَبْعَةٌ. وَقِيلَ: لَا تَخْرُجُ، وَإِنْ طَالَتْ إقَامَتُهَا مَعَ زَوْجِهَا حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا وَقِيلَ: تَخْرُجُ بِالتَّعْنِيسِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ تَعْنِيسِهَا فَقِيلَ: أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ مِنْ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ، وَقِيلَ: أَفْعَالُهَا جَائِزَةٌ بَعْدَ التَّعْنِيسِ إذَا أَجَازَهَا الْوَلِيُّ فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ، وَقِيلَ فِي الْيَتِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ: إنَّ أَفْعَالَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ جَائِزَةٌ، وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ حَتَّى يَمُرَّ بِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الْعَامُ وَنَحْوُهُ، أَوْ الْعَامَانِ وَنَحْوُهُمَا، وَقِيلَ: الثَّلَاثَةُ الْأَعْوَامُ وَنَحْوُهَا، وَقِيلَ: حَتَّى تَدْخُلَ، وَيَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا، وَقِيلَ: إذَا عَنَّسَتْ، وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ مِنْ الثَّلَاثِينَ سَنَةً وَمِمَّا دُونَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ سَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ تَجُوزَ أَفْعَالُهَا بِمُرُورِ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ دُخُولِهَا وَالْمَشْهُورُ فِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ: أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا انْتَهَى. وَلَا تَجُوزُ أَفْعَالُهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ أَمْرِهَا وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهَا جَائِزَةً إذَا مَرَّتْ بِهَا سَبْعَةُ أَعْوَامٍ مِنْ دُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا عَلَى رِوَايَةٍ مَنْسُوبَةٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهَا جَائِزَةً إذَا عَنَّسَتْ وَمَضَى لِدُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا الْعَامُ، وَهُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فَإِنْ عَنَّسَتْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا جَازَتْ أَفْعَالُهَا بِاتِّفَاقٍ إذَا عُلِمَ رُشْدُهَا، أَوْ جُهِلَ حَالُهَا، وَرُدَّتْ إنْ عُلِمَ سَفَهُهَا هَذَا الَّذِي أَعْتَقِدُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مِنْهَاجِ قَوْلِهِمْ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ جَازَتْ أَفْعَالُهَا بِاتِّفَاقٍ إذَا عُلِمَ رُشْدُهَا، أَوْ جُهِلَ حَالُهَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْمُهْمَلَةِ أَنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ إذَا عَنَّسَتْ أَوْ مَضَى لِدُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا الْعَامُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ سَفَهُهَا وَالْأَقْوَالُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي ذَاتِ الْأَبِ جَمِيعُهَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ سَفَهُهَا، وَأَمَّا إنْ عُلِمَ سَفَهُهَا فَأَفْعَالُهَا مَرْدُودَةٌ هَكَذَا قَيَّدَ جَمِيعَهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمُهْمَلَةُ إذَا عُلِمَ سَفَهُهَا فَلَا تَجُوزُ أَفْعَالُهَا إلَّا قَوْلَ سَحْنُونٍ، وَهُوَ شَاذٌّ كَمَا

فرع إذا مات الوصي وتصرف السفيه بعد موته

سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِخِلَافِ الذَّكَرِ إذَا عُلِمَ سَفَهُهُ وَكَانَ مُهْمَلًا فَإِنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا الْبِكْرُ الْمُهْمَلَةُ دُونَ أَبٍ وَلَا وَصِيٍّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ خُلْعَهَا لَا يَجُوزُ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَفْعَالِهَا، وَهُوَ نَصُّ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي نَوَازِلِهِ. مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَمِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَذَهَبَ سَحْنُونٌ هُنَا إلَى: أَنَّ خُلْعَهَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَفْعَالِهَا قِيَاسًا عَلَى السَّفِيهِ الْيَتِيمِ الَّذِي لَا وَصِيَّ لَهُ فَعَلَى قَوْلِهِ تَجُوزُ أَفْعَالُهَا، وَإِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً مَعْلُومَةَ السَّفَهِ، وَهُوَ شُذُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ غَيْرَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ السَّفِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ جَائِزَةٌ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَفْعَالَهُ لَا تَجُوزُ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْيَتِيمِ الْمُهْمَلِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ رَشِيدًا كَانَ، أَوْ سَفِيهًا مُعْلَنًا بِالسَّفَهِ، أَوْ غَيْرَ مُعْلَنٍ بِهِ اتَّصَلَ سَفَهُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ، أَوْ سَفِهَ بَعْدَ أَنْ أُنِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. الثَّانِي لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلَ السَّفَهِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَتْ وَلَزِمَتْهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ بَيْعَ سَفَهٍ وَخَدِيعَةٍ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ مَا بِأَلْفٍ بِمِائَةٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ إنْ أَفْسَدَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُعْلَنِ السَّفَهِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّالِثُ لِأَصْبَغَ إنْ كَانَ مُعْلَنًا فَلَا تَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَنْ جَازَتْ اتَّصَلَ سَفَهُهُ أَمْ لَا، وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّابِعُ إلَى أَنَّهُ يَنْظُرُ يَوْمَ بَيْعِهِ إنْ كَانَ رَشِيدًا جَازَتْ أَفْعَالُهُ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ تَجُزْ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ فِي الْبَيَانِ: أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ غَيْرَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ السَّفَهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَأَمَّا الْيَتِيمَةُ ذَاتُ الْوَصِيِّ مِنْ أَبِيهَا وَمُقَدَّمٍ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: لَا تَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَإِنْ عَنَّسَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا، وَطَالَ زَمَانُهَا وَحَسُنَتْ حَالَتُهَا مَا لَمْ تُطْلَقْ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ الَّذِي لَزِمَهَا بِمَا يَصِحُّ إطْلَاقُهَا مِنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولِ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ حَالَهَا مَعَ الْوَصِيِّ كَالْأَبِ فِي خُرُوجِهَا بِالتَّعْنِيسِ، أَوْ النِّكَاحِ يُرِيدُ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَتَبَيُّنِ الرُّشْدِ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الذَّكَرِ: إذَا كَانَ ذَا أَبٍ فَيَخْرُجُ بِالْبُلُوغِ مَعَ حِفْظِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ بِوَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ فَيَخْرُجُ بِالْبُلُوغِ مَعَ حِفْظِ الْمَالِ، وَالْبُلُوغُ دُخُولُ زَوْجٍ بِهَا وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا أَنْ يُطْلِقَهَا الْأَبُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَاتُ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ يُرَادُ لَهَا مَعَ الْبُلُوغِ وَحِفْظِ الْمَالِ وَفَكِّ الْوَصِيِّ، أَوْ الْمُقَدَّمِ دُخُولُ زَوْجٍ، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا، وَلَهُمَا أَنْ يُطْلِقَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَتَصَرَّفَ السَّفِيهُ بَعْدَ مَوْتِهِ] (فَرْعٌ) إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَتَصَرَّفَ السَّفِيهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ كَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ فِيهِ وَجْهَ الصَّوَابِ، ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا وَفِي مَسَائِلِ الْمَحْجُورِ، وَفِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ. . ص (وَلَوْ جَدَّدَ أَبُوهَا حَجْرًا عَلَى الْأَرْجَحِ) ش: كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى قَوْلِ الْمَازِرِيِّ عَلَى الْأَرْجَحِ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَمِثْلُهُ لَوْ

أَوْصَى عَلَيْهَا بَعْدَ دُخُولِهَا وَقَبْلَ ظُهُورِ الْمُرْسَلِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ حَتَّى ظَهَرَ رُشْدُهَا اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ وَفِيهَا خِلَافٌ حَكَاهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الطُّرَرِ. ص (وَفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي خِلَافٌ) ش: مَشَى فِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ عَدَمُ الْعِلْمِ بِرُشْدِهَا قَالَ: وَلَوْ سَقَطَ هَذَا الْفَصْلُ يَعْنِي ذَكَرَ مَنْ يَعْرِفُ رُشْدَ الْيَتِيمَةِ لَنَفَذَ إطْلَاقُ وَكِيلِ الْقَاضِي، وَمُؤَامَرَتُهُ أَحْسَنُ كَانَ الَّذِي قَدَّمَهُ، أَوْ غَيْرَهُ بَعْدَهُ اهـ. مِنْ فُصُولِ الْمَحْجُورِ. ص (وَلَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَى وَلَدِهِ الْمَحْجُورِ الرُّبْعَ وَغَيْرَهُ لِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ، أَوْ غَيْرَهَا، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاعَ لِوَلَدِهِ فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِلِابْنِ إذَا رَشَدَ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَالثَّمَانِيَةِ فَإِنْ بَاعَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فُسِخَ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَحُمِلَ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ أَنَّهُ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يُثْبِتَ غَيْرَهُ إلَّا فِيمَا يَشْتَرِيهِ لَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَالْعَكْسُ وَلَوْ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقُلْ لِوَلَدِي فَلَا مَقَالَ لِلْوَلَدِ. ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَاعَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْأَبُ فِي مَالِ وَلَدِهِ مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ، وَالْمَأْذُونِ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ مَا نَصُّهُ: " قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَا بَاعَ الْأَبُ، أَوْ رَهَنَ مِنْ مَتَاعِ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُهُ لِوَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَهُوَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِوَلَدِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا فِي عَدَمِهِ، وَأَمَّا، وَهُوَ مَلِيءٌ فَذَلِكَ مَاضٍ، وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ قَالَ وَمَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ مِنْ رَقِيقِهِمْ وَعَقَارِهِمْ فَذَلِكَ نَافِذٌ إلَّا بِالنَّجِسِ الْبَيِّنِ فَيُرَدُّ كُلُّهُ وَمَتَى قَارَبَ الْأَثْمَانَ مَضَى وَمَا بَاعَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مُحَابًى فِيهِ، فَإِنْ صَغُرَتْ الْمُحَابَاةُ مَضَى وَكَانَ فِي مَالِ الْأَبِ كَالْعَطِيَّةِ وَمَا عَظُمَ رُدَّ كُلُّهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِتْقَهُ وَأَصْبَغُ يُجِيزُ هَذَا كُلَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَبِ مِنْ هِبَتِهِ، وَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ وَأَصْدِقَةِ النِّسَاءِ مَلِيًّا كَانَ أَوْ مُعْدَمًا، قَائِمًا كَانَ أَوْ فَائِتًا، طَالَ أَمَدُ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَطُلْ، بَنَى بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَمْ يَبْنِ، كَانَ الْبَيْعُ لَهُ أَوْ لِنَفْسِهِ، فَهَذَا كُلُّهُ نَافِذٌ وَيَلْزَمُ الْأَبَ قِيمَةُ ذَلِكَ لِبَنِيهِ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَنَهَاهُ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ فِعْلُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ اهـ. وَانْظُرْ النَّوَادِرَ أَيْضًا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْعِتْقِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُمْنَعُ الرَّجُلُ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ إلَّا بِالنَّظَرِ لَهُ وَالتَّنَمِّي فِي مَالِهِ وَالتَّوْفِيرِ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِشَيْءٍ نُظِرَ فِيهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَمَا أَعْطَى مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَمَتَاعِهِ وَرَقِيقِهِ وَعَقَارِهِ فَسَائِغٌ لِلْمُعْطَى، وَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ عِوَضًا مِمَّا أَعْطَى شَرَطَ الْأَبُ الْعِوَضَ يَوْمَ أَعْطَى، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْطَى أَوْ مُعْسِرًا، ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا سَبِيلَ لِلْوَلِيِّ إلَى الْمُعْطَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قَدْ أَعْسَرَ مِنْ بَعْدِ يُسْرِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا فَإِنَّ الِابْنَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْطَى بِسَبَبِهِ

ذَلِكَ إنْ كَانَ قَائِمًا، أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ فَاتَ عِنْدَهُ بِسَبَبٍ كَعِتْقٍ أَوْ إيلَادٍ، أَوْ بَلِيَ الثَّوْبُ، أَوْ تَغَيَّرَ الطَّعَامُ، أَوْ بِيعَ، وَيَأْكُلُ الثَّمَنَ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ الْمُعْطَى عَلَى الْأَبِ وَيَتْبَعُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ كَانَ جَائِزًا لَهُ إذَا كَانَ ذَا مَالٍ وَلَمَّا أَيْسَرَ صَارَ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ لِوَلَدِهِ فَسَاغَتْ لِلْمُعْطَى قَالَ، وَمَا كَانَ مِنْ فَوَاتِهِ مِنْ أَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَوْمَ أَعْطَى مُعْسِرًا فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، شَرَطَ الْأَبُ الْعِوَضَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُعْطَى وَكَانَ الْأَبُ مُتَّصِلَ الْعَدَمِ رَدَّ وَإِنْ فَاتَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ الْمُعْطَى، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إعْطَاؤُهُ حِينَ كَانَ مُعْسِرًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا أَعْطَى مِنْ مَالِ غَيْرِ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْطَى فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُعْطَى قَالَا: وَمَا بَاعَ الرَّجُلُ أَوْ رَهَنَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَإِنْ جُهِلَ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، أَوْ وَلَدِهِ فَهُوَ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ يَلِي وَلَدَهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِمْ إنْ شَاءَ وَيَرْهَنُ لَهُمْ وَيَبِيعُ لَهُمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَفِي مَنْفَعَتِهِ بِخَاصِّ، أَوْ لِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ لِوَلَدِهِ ذَلِكَ الْمَالُ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَيُرَدُّ وَذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَأَمَّا إنْ كَانَ ذَا مَالٍ، أَوْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ بِثَمَنِ مَا بَاعَ فَبَيْعُهُ مَاضٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْطَى فِيمَا فَسَّرْت لَكَ. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا أَصْدَقَ النِّسَاءَ مِنْ رَقِيقِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِهِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَهُوَ مَاضٍ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ لِلْوَلَدِ مَا لَمْ يَبْنِ الْأَبُ بِهَا فَيَمْضِي، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِمَالِ وَلَدِهِ، أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ وَهَبَ أَوْ بَاعَ قَالَ: إنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَجُزْ وَأَخَذَ الِابْنُ مَالَهُ كُلَّهُ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ سَمِعْت أَصْبَغَ يُجِيزُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَبِ بَيْعَهُ وَعِتْقَهُ وَهِبَتَهُ وَإِصْدَاقَ النِّسَاءِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا قَائِمًا ذَلِكَ كُلُّهُ أَوْ فَائِتًا طَالَ أَمَدُ الْبُعْدِ أَمْ لَمْ يَطُلْ، بَنَى بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَمْ يَبْنِ، كَانَ الْبَيْعُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَهُ مَاضٍ وَيَلْزَمُ الْأَبَ قِيمَةُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَصْدَقَ الْمَرْأَةَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَنَهَاهُ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ قَضَائِهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَا أَقُولُ بِهِ وَقَوْلِي فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَدْ رَجَعَ أَصْبَغُ عَنْ بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُجِزْهُ وَرَدَّهُ مِثْلَ قَوْلِهِمَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَاجْتَمَعُوا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ تَقَدَّمَ إلَى الْأَبِ أَنْ لَا يُصْدِقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ امْرَأَةً، ثُمَّ إنْ فَعَلَ فَلَا يَمْضِي ذَلِكَ عَلَى الْوَلَدِ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِشَيْئِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ بَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوْ لَمْ يَبْنِ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، عَلِمَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ جَهِلَتْهُ، وَهَذَا مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ: وَحُكْمُ مَا بَاعَهُ الْأَبُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فِي مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، أَوْ حَابَى فِيهِ حُكْمُ مَا بَاعَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَيُفْسَخُ فِي الْقِيَامِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ فِي الْفَوَاتِ حُكْمَ مَا ذَكَرْتُهُ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ مُطَوَّلَةٌ فِيهِ وَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْبَيَانِ وَفِي رَسْمِ الْجَوَازِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ، وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ ابْنِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاعَ عَلَى ابْنِهِ فَالْبَيْعُ مَاضٍ عَلَى الِابْنِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْوَثِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِأُمُورِهِ وَالنَّاظِرُ لَهُ وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ إذَا قَالَ: أَكْرَيْت، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى ابْنِي اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ مِنْ الذَّخِيرَةِ: وَمَنْ بَاعَ، أَوْ رَهَنَ مِنْ مَتَاعِ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ جُهِلَ هَلْ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ؟ لَا يُرَدُّ لِإِمْكَانِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَهَذَا فِي عَدَمِهِ، وَأَمَّا فِي مُلَائِهِ فَيَمْضِي وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ فِيمَا بَاعَ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ اهـ. وَقَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَبُ أَنَّهُ بَاعَ عَلَى ابْنِهِ، أَوْ لِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ لِلِابْنِ مَضَى الْبَيْعُ عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ لِنَفْسِهِ

بِخَاصٍّ فَيُرَدُّ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ الْعَدِيمِ مَالَ ابْنِهِ إنْ كَانَ تَافِهًا، وَإِنْ كَانَ غَبِيطًا بَاعَ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يَكْفِيهِ مُدَّةً لَا تَكُونُ طَائِلَةً إذْ قَدْ يُوسِرُ الْأَبُ، وَلَمْ يَحُدُّوا الْمُدَّةَ إذْ هِيَ مَصْرُوفَةٌ إلَى الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ. حَالُ الْأَبِ وَيَفْتَرِقُ حُكْمُ مَنْ يُرْجَى لَهُ مِمَّنْ لَا يُرْجَى، وَيُعْقَدُ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ بَاعَ عَلَيْهِ كَذَا لِيُنْفِقَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُقَيَّدُ بَعْدَ جَوَازِ أَمْرِ مَنْ يَعْرِفُ عُدْمُ الْأَبِ، وَأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا فِي عِلْمِهِ، وَالسَّدَادُ فِي الْبَيْعِ وَصِغَرُ الِابْنِ، وَإِنْ بَاعَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَانَ أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ، ذُكِرَ كَيْفِيَّةُ كِتَابَةِ ذَلِكَ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: وَلَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ مِنْ رَقِيقِهِمْ وَعَقَارِهِمْ فَذَلِكَ نَافِذٌ إلَّا بِالنَّجِسِ الْبَيِّنِ فَيُرَدُّ كُلُّهُ وَمَا قَارَبَ الْأَثْمَانَ مَضَى اهـ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَقَارًا كَانَ الْمَالُ، أَوْ سِوَاهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ سُوءُ النَّظَرِ وَالْغَبَنُ الْفَاحِشُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ ضَمِنْت الْعَقْدَ: أَنَّ الثَّمَنَ ثَمَنُ مِثْلِهِ فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ الْغَبَنُ اهـ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ: إنَّهُ يَحْتَاجُ فِي شِرَاءِ مَالِ وَلَدِهِ إلَى مَعْرِفَةِ السَّدَادِ لِلِابْنِ لِئَلَّا يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهُوَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ السَّدَادِ قَالَ: وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي شِرَاءِ الْأَبِ لِنَفْسِهِ الرَّأْسَ يُسَاقُ إلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فِي صَدَاقِهَا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا بِبَيِّنَةٍ وَأَمْرٍ مَعْرُوفٍ اهـ. وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي تَرْجَمَةِ نَزْوِ الْفَحْلِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَوْ أَجَّرَ الْوَصِيُّ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ يَتِيمٍ فِي حَجْرِهِ فَإِنْ فَعَلَهُ يَتَعَقَّبُهُ الْإِمَامُ فَمَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَمْضَاهُ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِي ابْنِهِ الصَّغِيرِ اهـ. وَفِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِجَارِيَةٍ فَتَبِعَتْهَا نَفْسُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَيُشْهِدَ وَيَسْتَقْصِيَ لِلِابْنِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ، أَوْ عَبْدٍ لِلضَّرُورَةِ وَيُسْتَقْصَى وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ حُكْمُ مَا إذَا بَاعَ مَا وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْأُمَنَاءُ مُصَدَّقُونَ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: الْوَالِدُ فِي مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَأُمَنَاءُ الْحُكَّامِ وَالْمَوْضُوعُ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ الْأَمْوَالُ، وَالْمُسْتَوْدِعُ، وَالْمُقَارِضُ، وَالْأَجِيرُ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، وَالْكَرِيُّ فِي جَمِيعِ مَا اسْتَحْمَلَهُ غَيْرَ الطَّعَامِ، وَالصَّانِعُ غَيْرَ الصَّائِغِ، وَالرَّاعِي مَا لَمْ يَبْعُدْ فَيَكُونُ كَالصُّنَّاعِ، وَالْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُرْتَهِنُ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَالْوَكِيلُ فِيمَا وُكِّلَ عَلَى النَّظَرِ، وَالْمَأْمُورُ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَالدَّلَّالُ، وَالشَّرِيكُ مُفَاوِضًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالرَّسُولُ فِيمَا أُرْسِلَ بِهِ، وَالْمُبْضِعُ مَعَهُ الْمَالُ لِلشِّرَاءِ وَالتَّبْلِيغِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّبُ عَلَيْهَا كُلُّهُمْ مُصَدَّقُونَ، وَمَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ مِمَّا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينٍ إلَّا أَنْ يُتَّهَمُوا فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ اهـ. ص (ثُمَّ وَصِيُّهُ وَإِنْ بَعُدَ وَهَلْ كَالْأَبِ، أَوْ إلَّا الرُّبْعُ فَيُبَيِّنَانِ السَّبَبَ خِلَافٌ) ش ثُمَّ وَصِيُّهُ، أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ كَالْأَبِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَبِيعُ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ وَلِغَيْرِهَا كَمَا فِي الْأَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ: أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَبِيعُ إلَّا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يَصْدُقُ فِي أَنَّهُ بَاعَ لِسَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَأَنَّ أَفْعَالَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ كَالْأَبِ لَا فِي أَنَّهُ يَبِيعُ بِغَيْرِ الْوُجُوهِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ

إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِ أَفْعَالِهِ مَحْمُولَةً عَلَى السَّدَادِ كَالْأَبِ لَا فِي أَنَّهُ يَبِيعُ بِغَيْرِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ فِعْلُهُ فِي الرُّبَاعِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَهُوَ أَنْقَصُ رُتْبَةً مِنْ الْأَبِ يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ إلَّا بَعْدَ ذِكْرِ سَبَبٍ بِخِلَافِ الْأَبِ وَفِعْلُ الْوَصِيِّ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَانْظُرْ حُكْمَ مُقَدَّمِ الْقَاضِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمٌ لِوَصِيٍّ قَالَ فِي فَصْلِ تَقْدِيمِ الْقَاضِي عَلَى حَوْزِ أُصُولِ الْيَتِيمِ: وَالتَّقْدِيمُ عَلَى حَوْزِ الْأُصُولِ خَاصَّةً إنَّمَا هُوَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي وَلَا أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُقَدَّمُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْجَمِيعِ اهـ. وَذُكِرَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى إيصَاءِ الْوَصِيِّ عَنْ بَعْضِ الْمُوَثَّقِينَ أَنَّ حُكْمَ مُقَدَّمِ الْقَاضِي كَحُكْمِ الْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَقَالَ فِي فَصْلِ تَقْدِيمِ الْقَاضِي عَلَى الْأَيْتَامِ: وَيُعْقَدُ فِي ذَلِكَ مَا نَصُّهُ: " قَدَّمَ الْقَاضِي بِمَدِينَةِ كَذَا أَبُو فُلَانٍ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَسَدَّدَهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَالتَّنَمِّي لِمَالِهِ وَضَبْطِهِ وَتَثْقِيفِهِ، وَإِجْرَاءِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ تَقْدِيمًا أَقَامَهُ فِيهِ مَقَامَ الْوَصِيِّ التَّامِّ الْإِيصَاءِ الْجَائِزِ الْفِعْلِ، بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ يُتْمِ الْيَتِيمِ، وَأَنَّهُ لَا وَصِيَّ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَلَا مُقَدَّمَ مِنْ حَاكِمٍ مَا أَوْجَبَ التَّقْدِيمَ وَقَبِلَ فُلَانٌ التَّقْدِيمَ إلَخْ. ثُمَّ قَالَ قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: كَانَ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِبَلَدِنَا يَشْتَرِطُ عَلَى مَنْ قَدَّمَهُ عَلَى الْيَتِيمِ أَنْ لَا يَبِيعَ لَهُ مِلْكًا وَلَا عَقَارًا إلَّا عَنْ مَشُورَتِهِ، أَوْ مَشُورَةِ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْقُضَاةِ قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ لِمَنْ أَخَذَ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْوَصِيِّ وَتُعْقَدُ فِي ذَلِكَ: " هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْبَائِعِ عَلَى الْيَتِيمِ الصَّغِيرِ، أَوْ الْكَبِيرِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الَّذِي إلَيَّ نَظَرُهُ بِإِيصَاءِ أَبِيهِ فُلَانٍ بِهِ إلَيْهِ فِي عَهْدِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ بِغَيْرِهِ فِي عِلْمِ مَنْ شَهِدَ بِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، أَوْ بِتَقْدِيمِ الْفَقِيهِ الْقَاضِي بِمَوْضِعِ كَذَا إلَى فُلَانٍ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَسَدَّدَهُ إيَّاهُ عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَعْزُولًا أَوْ مَيِّتًا، زِدْت أَيَّامَ كَوْنِهِ قَاضِيًا بِكَذَا ". ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي بَيْعِهِ وَهَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ نَظَرٍ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ نَظَرٍ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ عَلَى النَّظَرِ، وَذَكَرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي فَرْقًا بَيْنَ وَصِيِّ الْأَبِ وَوَصِيِّ الْقَاضِي فَإِنَّهُ أَجَازَ لِوَصِيِّ الْأَبِ بَيْعَ عَقَارِ الْمَحْجُورِ لِوَجْهِ النَّظَرِ وَمَنَعَهُ لِوَصِيِّ الْقَاضِي إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي، قَالَ: لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَالْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ اهـ. وَفِي إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطِّفْلِ الْيَتِيمِ وَصِيٌّ فَأَقَامَ لَهُ الْقَاضِي خَلِيفَةً كَانَ كَالْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ: كَانَ كَالْوَصِيِّ فِي النِّكَاح وَغَيْرِهِ وَيَقُومُ مِنْ هُنَا أَنَّ مُقَدَّمَ الْقَاضِي لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ كَالْوَصِيِّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ اهـ. وَقَدْ حَكَى الْمُتَيْطِيُّ الْخِلَافَ فِي تَوْكِيلِهِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَالْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الرُّشْدِ فِي قَوْلِهِ: وَفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي خِلَافٌ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ هَلْ هُوَ كَالْوَصِيِّ فِي إنْكَاحِ الْبِكْرِ، أَمْ لَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (وَلَيْسَ لَهُ هِبَةٌ لِلثَّوَابِ) ش: يَعْنِي: وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ لِلثَّوَابِ بِخِلَافِ الْأَبِ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لِلثَّوَابِ وَيُعَوِّضَ عَنْهُ وَاهِبَهُ لِلثَّوَابِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَ تَرْجَمَةِ هِبَةِ الْمُكَاتَبِ بِأَسْطُرٍ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا

فرع باع القاضي تركة قبل ثبوت موجبات البيع

مِنْ دَارٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى عِوَضٍ جَازَ، وَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَلَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهُ فِي قَبُولِ الثَّوَابِ، وَلَا مَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ أَعْتَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَيَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ لِمَالِ ابْنِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ، وَهِبَةُ الْوَصِيِّ لِشِقْصِ الْيَتِيمِ كَالْبَيْعِ لِرُبْعِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِنَظَرٍ لِثَمَنٍ يَرْغَبُهُ فِي مِلْكٍ يُجَاوِرُهُ، أَوْ مَلِيءٍ يُصَاحَبُ، أَوْ لَيْسَ فِي غَلَّتِهِ مَا يَكْفِيهِ وَفِيهِ الشُّفْعَةُ اهـ. أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ جَعَلَ لِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى عِوَضٍ غَيْرِ مُسَمًّى مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَتَغَيَّرُ الْهِبَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِيمَةُ كَمَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَ ابْنِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ إلَّا بِأَزْيَدَ وَقَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهُ فِي قَبُولِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَا حَابَى فِيهِ هِبَةٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي الْبُيُوعِ، قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا رَاجِعٌ لِلْعِتْقِ، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ يُونُسَ، فَقَالَ: وَلَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهُ فِي قَبُولِ الثَّوَابِ وَلَا مَا وَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَيَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا بِخِلَافِ عِتْقِهِ فِي مَلَائِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ وَيَضْمَنُ فِي مَالِهِ اهـ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُ التَّشَفُّعِ صَرِيحًا فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ. [فَرْعٌ بَاعَ الْقَاضِي تَرِكَةً قَبْلَ ثُبُوتِ مُوجِبَاتِ الْبَيْعِ] ص (وَبَاعَ بِثُبُوتِ يُتْمِهِ إلَخْ) ش: (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ الْقَاضِي تَرِكَةً قَبْلَ ثُبُوتِ مُوجِبَاتِ الْبَيْعِ فَأَفْتَى السُّيُورِيُّ: أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَيُنْقَضُ فَإِنْ فَاتَ لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ، وَقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ يَوْمَ تَعَدَّى بِسِكَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ التَّرِكَةَ وَفَرَّطَ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ حَتَّى غَابَ الْمُشْتَرُونَ وَهَلَكُوا فَإِنَّهُ ضَامِنٌ اهـ. مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ اهـ. ص (وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُ التَّشْفِيعِ إلَى قَوْلِهِ كَأَبِيهِ إنْ أَيْسَرَ) ش: كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ كَافٍ فِي

فرع أعتق عبد ابنه الذي هو في ولايته وحجره

ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَالِفَةِ: لَتُقَاسِمُنَّ إخْوَتَهَا مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا قَسَمَ الْأَبُ عَلَى الصَّغِيرِ مُحَابًى لَمْ تَجُزْ مُحَابَاتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَةُ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَيُرَدُّ ذَلِكَ إنْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ قَالَ وَتُرَدُّ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُعْطَى وَتَلِفَ ضَمِنَهُ الْأَبُ إنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ دُونَ الْمُعْطَى وَإِذَا غَرِمَ الْأَبُ فِي مَلَائِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلِابْنِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا رَجَعَ الِابْنُ عَلَى الْمُعْطَى فَإِنْ كَانَا عَدِيمَيْنِ اتَّبَعَ أَوَّلَهُمَا يَسَارًا بِالْقِيمَةِ، وَمَنْ أَدَّى مِنْهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ أَيْسَرَ الْأَبُ أَوَّلَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ تَرْكُهُ وَاتِّبَاعُ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي مَلَائِهِمَا، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ غُلَامَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ جَازَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَوْمَ الْعِتْقِ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَرُدَّ، قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ زَمَانُ ذَلِكَ وَيَنْكِحَ الْحَرَائِرَ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيُتْبَعُ الْأَبُ بِقِيمَتِهِ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ لِمَا يَلْحَقُ فِي نَقْضِ عِتْقِهِ فِي النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ مِنْ الضَّرَرِ، وَقَالَ فَضْلٌ فِيمَا أَظُنُّ إذَا طَالَ الزَّمَانُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَخَلَّلَهُ يُسْرٌ فَيَكُونُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ اهـ. قَالَ هُنَا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ قَوْلُهُ: أَعْتَقَ الْأَبُ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ يُرِيدُ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ عَنْ الصَّبِيِّ لَرُدَّ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُ عَنْ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ أَطْلَقَ الثَّمَنَ عَلَى الْقِيمَةِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ: وَوَقْتُ قِيمَتِهِ يَوْمَ أَعْتَقَ، وَقَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمِنْهُ قَبْلَهُ بِأَسْطُرٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الذَّبِّ عَنْ الْمَذْهَبِ. : الْفَرْقَ بَيْنَ عِتْقِ الْوَالِدِ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَنْ نَفْسِهِ وَبَيْنَ صَدَقَتِهِ بِمَالِهٍ وَهِبَتِهِ لِلنَّاسِ إنَّ الْعِتْقَ أَدْخَلَ بِهِ الْأَبُ عَلَى نَفْسِهِ تَمْلِيكَ شَيْءٍ يَتَعَجَّلُهُ، وَهُوَ مِلْكُ الْوَلَاءِ، وَإِنْفَاذِهِ الْعِتْقَ عَنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ مَالَ وَلَدِهِ وَلَهُ تَمْلِيكُ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمُعَاوَضَةِ فَأَجَزْنَا ذَلِكَ وَأَلْزَمْنَاهُ الْقِيمَةَ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَإِنَّمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ لِمَنْ مَلَكَ وَلَدُهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِ وَلَدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِوَلَدِهِ وَلَا لِنَفْسِهِ اهـ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَقَالَ فِيهِ بَعْد الشَّيْخِ وَلَوْ قِيلَ فِيهِ إنَّمَا جَازَ الْعِتْقُ وَلَزِمَ لِحُرْمَتِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَكَانَ ذَلِكَ وَجْهًا اهـ. [فَرْعٌ أَعْتَقَ عَبْدَ ابْنِهِ الَّذِي هُوَ فِي وِلَايَتِهِ وَحِجْرِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَ ابْنِهِ الَّذِي هُوَ فِي وِلَايَتِهِ وَحِجْرِهِ، وَأَمَّا الِابْنُ الْكَبِيرُ الْخَارِجُ مِنْ وِلَايَتِهِ فَلَا يَجُوزُ عِتْقُهُ فِي عَبْدِهِ اهـ.، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي كِفَايَةِ اللَّبِيبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا وَانْظُرْ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي الْعِتْقِ وَالْمُثْلَةِ. [فَرْعٌ حَلَفَ رَجُلٌ بِعِتْقِ عَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْكَبِيرِ وَهُوَ ذُو مَالٍ فَحَنِثَ فِيهِمْ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمُنْتَخَبِ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ قَالَ أَصْبَغُ إنْ حَلَفَ رَجُلٌ بِعِتْقِ عَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْكَبِيرِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ فَحَنِثَ فِيهِمْ أُعْتِقُوا عَلَيْهِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُمْ وَسَوَاءٌ حَنِثَ فِيهِمْ، أَوْ نَذَرَ عِتْقَهُمْ اهـ. ص (وَإِنَّمَا يَحْكُمُ فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ الْقُضَاةُ) ش: ضِدُّ الرُّشْدِ السَّفَهُ وَتَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي وَثَائِق الْجَزِيرِيِّ وَلَا يُجَدِّدُ السَّفَهَ عَلَى ابْنِهِ الذَّكَرِ الْبَالِغِ إلَّا فِي فَوْرِ بُلُوغِهِ فَإِنْ تَرَاخَى قَلِيلًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ بِاتِّصَالِ سَفَهِهِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً خَرَجَ مِنْ وِلَايَتِهِ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ عِنْدَ الْقَاضِي سَفَهَهُ، وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفَعٌ وَلَّى عَلَيْهِ أَبَاهُ، أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ إذَا خَرَجَ مِنْ حَجْرِ وَالِدِهِ، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ مُوجِبُ السَّفَهِ لَا يَعُودُ النَّظَرُ لِوَلِيِّهِ بَلْ يَعُودُ لِلْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ مَجْنُونٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَعَلَى الشَّيْخِ إذَا أَنْكَرَ عَقْلَهُ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَيُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ ظَهَرَ سَفَهُهُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ مَنْ انْطَلَقَ مِنْ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ سَفَهٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ثَانِيَةً، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَصَايَا وَالْمَحَاجِيرِ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَبْسَطُ مِنْهُ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّكَاحِ مَنْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ إنَّ حَجْرَ الْأَبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يُسَفِّهَهُ فِي حَالِ

الْحُلُمِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ وَيَضْرِبَ عَلَى يَدَيْهِ (وَالْآخَرُ) إذَا غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى بَعُدَ عَنْ سِنِّ الِاحْتِلَامِ، وَمَلَكَ أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ تَسْفِيهُهُ إلَّا عِنْدَ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ السَّفَهُ فَإِنَّهُ يُثْبِتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَيُقَدِّمُهُ لِلنَّظَرِ لَهُ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ. ص (أَوْ غِبْطَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَوْ: كَثْرَةُ الثَّمَنِ، قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ عَنْ سَحْنُونٍ: وَيَكُونُ مَالُ الْمُبْتَاعِ حَلَالًا طَيِّبًا، وَنَقَلَ عَنْهُ الْمُتَيْطِيُّ إنْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. (قُلْت) الْأَخْذُ بِظَاهِرِ هَذَا يُوجِبُ تَعَذُّرَهُ قَالَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: فَإِنْ عَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّ الْمَالِكَ خَبِيثٌ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلِلِابْنِ إلْزَامُهُ ثَمَنًا حَلَالًا، أَوْ تُبَاعُ الدَّارُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ إنْ لَمْ يَعْلَمْ زَادَ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَيَرْجُو أَنْ يُعَوَّضَ مَا هُوَ أَفْيَدُ اهـ. ص (وَحَجْرٌ عَلَى الرَّقِيقِ إلَّا بِإِذْنٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَوْنُ الرِّقِّ سَبَبًا فِي الْحَجْرِ يُوجِبُ أَصَالَتَهُ فِي كُلِّ ذِي رِقٍّ إلَّا مَا ارْتَفَعَ بِإِذْنٍ نَصًّا كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ لُزُومًا كَالْمُكَاتَبِ ثُمَّ، قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ: وَلِلسَّيِّدِ الْحَجْرُ عَلَى رَقِيقِهِ لَفْظٌ يُوهِمُ أَصَالَةَ جَوَازِ فِعْلِهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا وَصِيغَةُ الْإِذْنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ ظَاهِرًا وَالْفِعْلُ الدَّالُّ كَالْقَوْلِ اهـ. وَمَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمَا لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ: " الرَّقِيقِ " شَمِلَ الْقِنَّ، وَمَنْ فِيهِ عَقْدُ جَرِيَّةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ، وَوَهِمَ بَعْضُ الشُّيُوخِ شُهُودُ تُونُسَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْقَرْنِ فَشَهِدُوا عَلَى بَيْعِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ إنْصَافِ أَكْثَرِ قُضَاتِهَا مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الطَّلَبَ فَضْلًا عَنْ الْفِقْهِ لِأَهْوَاءٍ اللَّهُ يَعْلَمُهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: " إلَّا بِإِذْنٍ " قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ: هُنَا سُؤَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْإِذْنُ يَتَقَرَّرُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ مَأْذُونٌ لَكَ صَحَّ كَأَنْتَ وَصِيِّي، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَذْكُرَ الْمُتَعَلِّقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ فَرْقًا وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ مَأْذُونٌ لَك، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي الْوَكَالَةِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَقْعَدَ ذَا صَنْعَةٍ مِثْلَ قَصَّارَةٍ، وَنَحْوِهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ، وَلَا فِي الْمُدَايَنَةِ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ: أَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. (تَنْبِيهٌ) هَلْ يُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِذْنِ، وَهُوَ الَّذِي فِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ فِي رَسْمِ مَسَائِلَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ. ص (وَلَوْ فِي نَوْعٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ

وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا خَصَّهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بَعْضُ الصَّقَلِّيِّينَ بِأَنْ لَا يُشْهِرَ ذَلِكَ وَلَا يُعْلِنَهُ، وَأَمَّا إنْ أَشْهَرَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا جَازَ أَنْ يَتَّجِرَ بِالدَّيْنِ وَالنَّقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ وَلَزِمَهُ مَا دَايَنَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ، أَوْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي التَّحْجِيرِ فِي الدَّيْنِ وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِالدَّيْنِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ بِهِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ إلَّا أَنْ يُشْهِرَ ذَلِكَ وَيُعْلِنَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَلَا يَلْزَمُهُ، قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ صِقِلِّيَّةَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي النَّاسُ لِأَيِّ نَوْعِ التِّجَارَةِ أَقْعَدَهُ، قَالَ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَبَهُ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْلَمُونَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: دَلِيلُ قَوْلِ أَصْبَغَ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ أَعْلَنَ، وَأَشْهَرَ بِقَصْرِ إذْنِهِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ اتَّجَرَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي مَالِهِ مَا دَايَنَ بِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ اخْتِلَافٌ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْجِيرِ فَعَلَى قَوْلِهَا: لَا يَحْجُرُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا السُّلْطَانُ لَمْ يَنْفَعْهُ الْإِعْلَانُ بِقَصْرِ إذْنِهِ، وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى عَبْدِهِ أَنَّ الْإِشْهَارَ يَنْفَعُهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِ مَا تَقَدَّمَ: يُرَدُّ تَخْرِيجُهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ لَغْوِ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ ثَبَتَ الْإِذْنُ فِيهِ وَعَمِلَ بِهِ لِغَيْرِهِ الْإِذْنَ فِيمَا قَارَنَ إذْنَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ الدَّيْنَ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالٍ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَفِي لُزُومِ تَخْصِيصِ السَّيِّدِ تَحْجِيرَ عَبْدِهِ بِنَوْعٍ وَلَغْوِهِ، فَيَعُمُّ ثَالِثُهَا إنْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ لِسَحْنُونٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَتَخْرِيجِ ابْنِ رُشْدٍ وَالسَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَرَابِعُهَا لِلَّخْمِيِّ إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَرَى أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا حُدَّ لَهُ بِهِ وَإِلَّا فَالثَّانِي اهـ. وَاحْتَجَّ سَحْنُونٌ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَالَهُ بِمَا نَصُّهُ: " أَلَا تَرَى أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ دَفَعَ لِلْعَبْدِ قِرَاضًا أَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مَأْذُونًا لَهُ وَحُكْمُ الْقِرَاضِ لَا يُبَاعُ بِالدَّيْنِ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِطُ عَلَى عَبْدِهِ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ فَإِذَا بَاعَ بِهِ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَوْلَاهُ عَدَاؤُهُ " قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَسْأَلَةُ الْقِرَاضِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا لَا تَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ الْحُجَّةُ بِهَا إذْ يُخَالِفُهُ فِيهَا وَيَقُولُ إذَا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ قِرَاضًا فَدَايَنَ فِيهِ النَّاسَ يَكُونُ فِيهِ دُيُونُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ قِرَاضٌ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا عَلِمَ غُرَمَاؤُهُ الَّذِينَ عَامَلُوهُ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ قِرَاضٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَاتَّبَعُوا ذِمَّتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَيَفْتَرِقُ الْحُرُّ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمَالِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ مُحَاصَّةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ وَالْعَبْدُ لَا يَضْمَنُ لِسَيِّدِهِ فَيَنْفَرِدُ الْغُرَمَاءُ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ حِينَ لَمْ يُعْلِمْهُمْ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الرُّعَيْنِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهُ لَوْ طُلِبَ مِنْ سَيِّدِ الْعَبْدِ الْيَمِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيُؤَخَّرُ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْحُرِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِالْأَثْمَانِ طَلَبًا لِمَحْمَدَةِ الثَّنَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِغَيْرِ مَنْ أُذِنَ لَهُ الْقَبُولُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ.

مسألة تصدق على محجور بمال وشرط في صدقته أن يترك بيد المحجور

[مَسْأَلَة تَصَدَّقَ عَلَى مَحْجُورٍ بِمَالٍ وَشَرَطَ فِي صَدَقَتِهِ أَنْ يُتْرَكَ بِيَدِ الْمَحْجُورِ] مَسْأَلَةٌ) مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى مَحْجُورٍ بِمَالٍ وَشَرَطَ فِي صَدَقَتِهِ أَنْ يُتْرَكَ بِيَدِ الْمَحْجُورِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ فَذَلِكَ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ هَذَا وَضَعَّفَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] قَالَهُ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ وَهَبَ هِبَةً لِصَغِيرٍ، أَوْ يَتِيمٍ وَشَرَطَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِوَصِيِّهِ فِيهَا فَعَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ اهـ. مِنْ كِتَابِ الْهِبَةِ. ص (لَا غَلَّتَهُ) ش: التَّوْضِيحِ قَالَ فِيهَا وَمَا وُهِبَ لِلْمَأْذُونِ، وَقَدْ اغْتَرَقَهُ دَيْنٌ فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ وَلَا يَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ شَيْءٌ وَلَا مِنْ خَرَاجِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي مَالٍ وُهِبَ لِلْعَبْدِ، أَوْ تُصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ الْعَبْدُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ: مَعْنَاهُ عِنْدِي فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَفِيمَا لَزِمَ ذِمَّتَهُ مِمَّا لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُسْقِطَهُ عَنْهُ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَكُونُ مَا لَزِمَ ذِمَّتَهُ فِيمَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ عَمَلِهِ بَعْدَ خَرَاجِهِ إنْ كَانَ سَيِّدُهُ اسْتَعْمَلَهُ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ فَيُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ عَزَاهُ لِسَمَاعِ عِيسَى وَلَيْسَ

فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ الدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ الدَّيْنَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى مَرِيضٍ حَكَمَ الطِّبُّ بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَيُرْجَعُ إلَى مَعْرِفَةِ الطَّبِيبِ بِأَنَّ الْهَلَاكَ بِهِ كَثِيرٌ اهـ. (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ مَنْ تَصَرَّفَ زَمَنَ الطَّاعُونِ لَمْ أَرَ فِيهِ الْآنَ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ الطَّاعُونُ. ص (كَسِلٍّ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ السِّلُّ بِكَسْرِ السِّينِ اهـ. ص (وَقُولَنْجَ) ش: قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ اللَّامِ، وَيُقَالُ فِيهِ: قُولُونُ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ اهـ. ص (وَمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ) ش: وَأَمَّا رَهْنُهُ إذَا كَانَ مَدِينًا وَقَضَاؤُهُ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّفْلِيسِ. ص (وَعَلَى الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا) ش: تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَفِي ثُلُثِهَا عَنْ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ

باب الصلح

عَنْ النَّوَادِرِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إنَّهَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ فِي الْجِهَازِ الْكَثِيرِ أَنَّهُ لِأَهْلِهَا جَمَّلُوهَا بِهِ، وَالزَّوْجُ يُكَذِّبُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهَا بِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ نَفَذَ، وَبِمَعْنَى الْعَطِيَّةِ رُدَّ إلَى الثُّلُثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَعِتْقِ الْعَبْدِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا مُدَبَّرٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ كَفَالَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ فَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ، وَإِنْ أَعْتَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى عَتَقُوا لَزِمَهُمْ ذَلِكَ عَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ إلَّا مَا جَرّ إلَى التِّجَارَةِ فَأَمَّا هِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ فَمَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ، أَوْ رَدِّهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُعْتِقَ مَضَى وَلَزِمَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرُدَّهُ انْتَهَى. [بَابُ الصُّلْحِ] ص (بَابُ الصُّلْحِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ النَّوَوِيُّ: الصُّلْحُ وَالْإِصْلَاحُ، وَالْمُصَالَحَةُ: قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ صَلَحَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا إذَا كَمُلَ، وَهُوَ خِلَافُ الْفَسَادِ يُقَالُ: صَالَحْتُهُ مُصَالَحَةً، وَصِلَاحًا بِكَسْرِ الصَّادِ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالصُّلْحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصُّلْحُ: انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاع، أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ قَبْضُ الشَّيْءِ عَنْ عِوَضٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَحْضُ الْبَيْعِ. وَقَوْلُ عِيَاضٍ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَنْ دَعْوَى يَخْرُجُ عَنْهُ صُلْحُ الْإِقْرَارِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ حَدَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ الْمُقَرِّ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ

تنبيه الصلح على المجهول

رُوِيَ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ تَقَاضَى مِنْ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا كَعْبُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ فَاقْضِهِ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَامَّةُ مِنْ قَوْلِهَا: " خَيْرُ الصُّلْحِ الشَّطْرُ وَلَا صُلْحَ إلَّا بِوَزْنٍ " اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ مَصْلَحَةٍ وَحُرْمَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ لِاسْتِلْزَامِهِ مَفْسَدَةً وَاجِبَةَ الدَّرْءِ، أَوْ رَاجِحَتُهُ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ ابْنُ رُشْدٍ لَا بَأْسَ بِنَدْبِ الْقَاضِي الْخَصْمَيْنِ إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا؛ لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى: احْرِصْ عَلَى الصُّلْحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكَ فَصْلُ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ فِي بَعْضِ الْمُذَاكَرَاتِ: لَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَ الْبَيِّنَتَيْنِ إنْ كَانَ أَرْفَقَ بِالضَّعِيفِ مِنْهُمَا كَالنَّدْبِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ ثُبُوتَ الْحَقِّ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ، أَوْ سُقُوطَهُ لَهُ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَبَاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا يُلِحُّ عَلَيْهِمَا إلْحَاحًا يُوهِمُ الْإِلْزَامَ. (قُلْت) وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ قُضَاةِ طَرَابُلُسَ جَبْرُهُ عَلَيْهِ فَعُزِلَ اهـ. ص (عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي بَيْعٌ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالْخَمْسِينَ: وَالصُّلْحُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إنْ وَقَعَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَكَذَا إنْ وَقَعَ عَلَى الْإِنْكَارِ عِنْدَ مَالِكٍ لِاشْتِرَاطِهِ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ اهـ. وَقَالَهُ فِيهَا أَيْضًا وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُصَالِحِ، وَالْمُصَالَحِ أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ اهـ. [تَنْبِيه الصُّلْحُ عَلَى الْمَجْهُولِ] (تَنْبِيهٌ) يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْمَجْهُولِ إذَا جُهِلَ الْقَدْرُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَا عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ فَإِنْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَرَفَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ مِنْهَا فَلْيُسَمِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَالزَّوْجَةُ إنْ صَالَحَتْ الْوَرَثَةَ عَلَى مِيرَاثِهَا فَإِنْ عَرَفَتْ هِيَ وَجَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَبْلَغَ التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ لَمْ يَجُزْ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ قَالَ هُنَا إنْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا جَازَ وَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمِيلِ قَالَ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَعْلَمَا مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَفِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ قَالَ: مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَوْرُوثَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَإِنْ عَرَفَا جَمِيعًا مَبْلَغَهُ جَازَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: وَمَنْ لَكَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ نَسِيتُمَا مَبْلَغَهَا جَازَ أَنْ تُصَالِحَا عَلَى مَا شِئْتُمَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ فَمَسْأَلَةُ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَمَسْأَلَةُ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ مُخَالِفَةٌ لِهَذِهِ النَّظَائِرِ، وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ لَا يَعْرِفَانِ كَيْلَهَا، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُتَجَاعِلَيْنِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إنْ جَهِلَا مَعًا صِفَةَ الْأَرْضِ جَازَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَقْدِرَانِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَلَى مَعْنَى التَّحَلُّلِ إذْ هُوَ أَكْثَرُ الْمَقْدُورِ. وَقَوْلُهُ: وَالزَّوْجَةُ إذَا صَالَحَتْ الْوَرَثَةَ عَلَى مِيرَاثِهَا فَإِنْ عَرَفَتْ هِيَ وَالْوَرَثَةُ مَبْلَغَ التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ: وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ إلَخْ، وَعَرَفَاهُ جَمِيعًا. (قُلْت) قَالَ فَضْلٌ: إنَّمَا يَجُوزُ إذَا جَهِلَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّحَلُّلِ وَمِثْلُهُ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى دَرَاهِمَ لَا يَعْرِفَانِ عَدَدَهَا وَمِثْلُهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ لَا يَعْرِفَانِ كَيْلَهَا. وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُتَجَاعِلَيْنِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إنْ جَهِلَا جَمِيعًا الْأَرْضَ جَازَ قِيلَ وَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِنَا أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْقَسْمِ، قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَوْرُوثَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَإِنْ عَرَفَا مَبْلَغَهُ جَازَ، وَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ كِلَاهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَ الْمِيرَاثِ اخْتِيَارِيٌّ يَقْدِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْغَرَرِ مِنْهَا وَيَتَوَصَّلَانِ إلَى مَعْرِفَةِ النَّصِيبِ وَمَا هُنَا مَعَ مَا نَظَرُهُ بِهِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْغَرَرِ فَصَارَتْ صُورَةُ ضَرُورَةٍ فَيَتَحَلَّلُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: " وَالزَّوْجَةُ

فرع صالح على عبد ادعى عليه أنه سرقه ثم ظهر العبد

إذَا صَالَحَتْ الْوَرَثَةَ " إلَخْ أَتَى بِهَا فِي الْأُمِّ عَلَى وَجْهِ الدَّلِيلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى تَصَوُّرِهِ حَائِزًا بِالْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ مَعْرِفَةِ مَا يُصَالَحُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يَجُزْ وَلِذَلِكَ شُرِطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي صُلْحِ الْوَلَدِ لِلزَّوْجَةِ عَنْ إرْثِهَا مَعْرِفَتُهَا لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَحُضُورُ أَصْنَافِهَا وَحُضُورُ مَنْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَإِقْرَارُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ فَيُقَيَّدُ قَوْلُهُمَا، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا بِمَا إذَا لَمْ يَجْهَلَاهُ جَمِيعًا لِيُوَافِقَ كَلَامُهُمَا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْدِرَا عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ سَرَقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ] (فَرْعٌ) فَإِنْ صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ سَرَقَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَلَا رُجُوعَ لِصَاحِبِهِ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا رَدُّهُ إنْ وُجِدَ مَعِيبًا إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا سَرَقَ عَبْدَهُ، وَأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ بَاطِلًا، قَالَهُ فِي رَسْمِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَالصُّلْحِ قَالَ فِي الْكَافِي فِي الصَّانِعِ تَضِيعُ عِنْدَهُ السِّلْعَةُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ثُمَّ تُوجَدُ إنَّهَا لِلصَّانِعِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ عَبْدَهُ فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ وَجَدَ الْعَبْدَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى: هُوَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ مَعِيبًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ عِنْدَهُ قَدْ أَخْفَاهُ فَيَكُونُ لِرَبِّهِ، وَفِي التَّهْذِيبِ فِي الْمُكْتَرِي يَتَعَدَّى فِي الدَّابَّةِ فَتَضِلَّ فَيَغْرَمَ قِيمَتَهَا، ثُمَّ تُوجَدُ هِيَ لِلْمُكْتَرِي اهـ. مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى هُوَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَمَسْأَلَةِ التَّهْذِيبِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ. [تَنْبِيهٌ صُلْحُ الْفُضُولِيِّ] (تَنْبِيهٌ) صُلْحُ الْفُضُولِيِّ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُصَالِحَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَيَلْزَمُ الْمُصَالِحَ مَا صَالَحَ بِهِ اهـ. وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الصُّلْحِ، وَنَصُّهُ: " وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ هَلُمَّ أُصَالِحُك مِنْ دَيْنِك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ، أَوْ أَتَى رَجُلٌ رَجُلًا فَصَالَحَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَزِمَ الزَّوْجَ الصُّلْحُ، وَلَزِمَ الْمُصَالِحَ مَا صَالَحَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَنَا ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ " اهـ. ص (أَوْ إجَارَةٍ) ش: لَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُ عَلَى هَذِهِ الْقَوْلَةِ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ مِثَالُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَيُصَالِحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ، أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ ضَبَطَهُ إجَازَةً بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا دَائِرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أُمُورٍ: الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ فِيهِ عَنْ أَعْيَانٍ، وَالصَّرْفِ إنْ كَانَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَالْإِجَارَةِ إنْ كَانَتْ عَنْ مَنَافِعَ، وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْإِحْسَانِ وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْمُصَالِحُ مِنْ غَيْرِ إلْحَاحٍ فَمَتَى تَعَيَّنَتْ أَحَدُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ رُوعِيَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعَزَاهُ غَيْرُهُ لِابْنِ حِبَّانَ. قَالَ الْمَازِرِيُّ فَأَمَّا تَحْلِيلُ الصُّلْحِ لِلْحَرَامِ فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: كَمَنْ صَالَحَ عَلَى دَارٍ ادَّعَاهَا بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا "، فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي ادَّعَاهَا عَلَى أَمَةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ بِثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْبَسَهُ أَوْ لَا يَبِيعَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّحْجِيرِ الْمَمْنُوعَةِ مَعَ مَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمُحَلَّلِ اهـ. مِنْ أَوَّلِ شَرْحِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ التَّلْقِينِ. ص (وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ) ش: هَذَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا إذَا أُخِذَ عَنْ دَيْنٍ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ

أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ. ص (كَمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَنْ مِثْلِهِمَا) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَسَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ الدِّرْهَمَ نَقْدًا، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا، أَوْ أَخَّرَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُبَايَعَةَ هُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَحَطِيطَةٌ فَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ الدِّينَارُ، أَوْ الْمِائَةُ الدِّرْهَمُ لَمْ تَحِلَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ وَضْعٌ وَتَعَجُّلٌ اهـ. ص (وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الصُّلْحَ يَجُوزُ عَلَى أَنْ يَفْتَدِيَ الشَّخْصُ مِنْ يَمِينٍ لَزِمَتْهُ بِالشَّيْءِ الْمُصَالَحِ بِهِ لِيَمِينٍ هُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فَافْتَدَى مِنْهَا بِمَالٍ جَازَ ذَلِكَ اهـ. وَظَاهِرُ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ سَوَاءٌ كَانَ يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ أَمْ لَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: دَفَعْت عَنِّي الظُّلْمَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مَنْ افْتَدَى، وَمِنْهُمْ مَنْ حَلَفَ اهـ. وَجَعَلَ الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بَرَاءَتَهُ، وَلَمْ يَحْلِفْ وَافْتَدَى أَنَّهُ آثِمٌ تَقْيِيدًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي شَامِلِهِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا يُعَارِضُ هَذَا الْإِطْلَاقَ بَلْ رَأَيْت مَا يُقَوِّيهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرُّبْعِ عَلَى عَدَمِ يَمِينِ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَلَى يَمِينِهِ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الرُّبْعِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ اهـ. وَفِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ مَنْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى حَقٍّ وَاحْتَفَّتْ بِهِ قَرَائِنُ يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ وَلَوْ تَرَكَ الْحَلِفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلَيْسَ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ اهـ. وَمَسَائِلُ الْبُيُوعِ مِنْهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ: لَا يَجُوزُ صُلْحُ الْوَصِيِّ عَنْ الْأَيْتَامِ فِي يَمِينِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَرَى الْعَزِيمَةَ مِنْ الْمُصَالِحِ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ عَلَى أَنَّ الْغَرِيمَ لَا يَحْلِفُ فَلَا يُصَالِحُ لِذَلِكَ لَعَلَّهُ لَا يَحْلِفُ وَتُعْرَفُ عَزِيمَتُهُ وَعَدَمُهَا بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَالْإِشَارَاتِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وَفِي مَسَائِلِ الصُّلْحِ وَالْمُعَاوَضَةِ وَالرُّهُونِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ سَأَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْمُصَالَحَةِ عَنْ الْغَائِبِ هَلْ أَجَازَهَا أَحَدٌ فَقَالَ: رَأَيْت

لِبَعْضِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ إذَا شَهِدَ فِيهَا بِالسَّدَادِ لِلْغَائِبِ مِثْلَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَيَلْزَمُ مُثْبِتَهُ يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ فَيَدْعُو إلَى الْمُصَالَحَةِ عَنْهَا بِمَا يَشْهَدُ بِهِ بِالسَّدَادِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْجُورِ الَّذِي يَتَّفِقُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْهُ بَيِّنٌ، إذْ الْمُصَالَحَةُ مُبَايَعَةٌ، وَمُعَاوَضَةٌ، وَذَلِكَ سَائِغٌ لِلْمَحْجُورِ دُونَ الْغَائِبِ (الْجَوَابُ) تَصَفَّحْت سُؤَالَك هَذَا أَعَزَّكَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ وَوَقَفْت عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ الْغَائِبِ الْمُصَالَحَةُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُفَوِّضْ ذَلِكَ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَاتِ عَلَى عِلْمِكَ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَمُصَالَحَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ فِي تَلْخِيصِ الْعُقُودِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ صَاحِبِ الْمَوَارِيثِ: وَذَكَرَ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ زَوْجَةٌ لَهَا كَالِئٌ أَنَّهَا تَأْخُذُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَجَعْلِهَا يَمِينَ الْقَضَاءِ، ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَالَحَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى إسْقَاطِ يَمِينِ الْقَضَاءِ. (قُلْت) بَعْدَ قَوْلِكَ وَأَمَرَ بِيَمِينِهَا فِي ذَلِكَ وَاصْطَلَحَتْ فُلَانَةُ مَعَ فُلَانٍ صَاحِبِ الْمَوَارِيثِ، وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْوَارِثِينَ الْمَذْكُورِينَ عَلَى إسْقَاطِ يَمِينِ الْقَضَاءِ بِإِسْقَاطِهَا النِّصْفَ الْكَالِئَ، أَوْ ثُلُثَهُ، وَكَذَا صُلْحًا صَحِيحًا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي السَّدَادُ وَالنَّظَرُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. ص (أَوْ السُّكُوتِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَإِنْ وَقَعَ الْحُكْمُ عَلَى السُّكُوتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْإِقْرَارِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي أَوَّلِ الْإِنْكَارِ اهـ. (قُلْت) : إذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْإِنْكَارِ فَقَدْ اُعْتُبِرَ فِيهِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ مُعْتَبَرٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَيَزِيدُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ) ش: يَعْنِي إذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمُنْكِرُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلِلْمُدَّعِي نَقْضُ الصُّلْحِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَدَلَّ قَوْلُهُ فَلَهُ نَقْضُهُ عَلَى أَنَّ لَهُ إمْضَاءَهُ وَنَصَّ سَحْنُونٍ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مَسْأَلَةٌ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الصُّلْحُ، وَنَصُّهَا: " وَسُئِلَ عَنْ الْحَمِيلِ يُنْكِرُ الْحَمَالَةَ وَالْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ غَائِبٌ فَيُصَالِحُهُ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ بِبَعْضِ الْحَقِّ، ثُمَّ يَقُومُ الْمُحْتَمَلُ عَنْهُ أَيَرْجِعُ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ بِبَقِيَّةِ الْحَقِّ أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ لِرِضَاهُ بِالصُّلْحِ؟ قَالَ: بَلْ يَرْجِعُ فَيَأْخُذُ مَا نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ، وَيَدْفَعُ الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ إلَى الْحَمِيلِ مَا صَالَحَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا صَالَحَ الْغَرِيمَ رَضِيَ بِالصُّلْحِ مِنْ جَمِيعِ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ الْحَمِيلَ لِإِنْكَارِهِ الْحَمَالَةَ، وَأَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ عَلَى الْغَرِيمِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ يَمِينُ تُهْمَةٍ فَيَجْرِي الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي لُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ

فرع إذا كان الصلح حراما أو مكروها

الدَّعْوَى فَيَحْلِفُ قَوْلًا وَاحِدًا " اهـ. [فَرْعٌ إذَا كَانَ الصُّلْحُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا] (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الصُّلْحُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي الصُّلْحِ الْحَرَامِ أَوْ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ الصُّلْحُ حَرَامًا صِرَاحًا فُسِخَ أَبَدًا فَيُرَدُّ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ فَائِتًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَكْرُوهَةِ مَضَى، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ حَرَامًا فُسِخَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فُسِخَ بِحِدْثَانِ وُقُوعِهِ، فَإِنْ طَالَ أَمَدُهُ مَضَى، وَقَالَ أَصْبَغُ: بِجَوْزِ حَرَامِهِ وَمَكْرُوهِهِ، وَإِنْ كَانَ بِحِدْثَانِ وُقُوعِهِ خَلِيلٌ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَامِ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَبِالْمَكْرُوهِ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَصْبَغَ مِنْ عَدَمِ الْفَسْخِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فَوْقَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى فَسْخِهِ، وَنَصُّهُ: " فَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ وَطَعَامًا مِنْ بَيْعٍ فَاعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِالطَّعَامِ وَأَنْكَرَ الدَّرَاهِمَ فَصَالَحَ عَلَى طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ، أَوْ اعْتَرَفَ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ وَصَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَفَسْخِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ " اهـ. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهٌ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ وَأَرَادَ نَقْضَهُ وَالرُّجُوعَ إلَى الْخُصُومَةِ] (تَنْبِيهٌ) ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ وَأَرَادَ نَقْضَهُ وَالرُّجُوعَ إلَى الْخُصُومَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِانْتِقَالِ عَنْ الْمَعْلُومِ إلَى مَجْهُولٍ اهـ. مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْقَلَشَانِيِّ. ص (أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ) ش: يُرِيدُ، وَقَدْ ذَكَرَ ضَيَاعَهَا عِنْدَ صُلْحِهِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ يُقِرَّ سِرًّا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [تَنْبِيهٌ إذَا أَشْهَدَ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ] (تَنْبِيهٌ) إذَا أَشْهَدَ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ وَالِاسْتِرْعَاءُ فِي الِاسْتِرْعَاءِ وَكَانَ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ فَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي اللُّبَابِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ هُنَا وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ نَحْوُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ التَّبْصِرَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَانْظُرْهُ. ص (وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرْضٍ إلَخْ) ش: كَذَا

فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مُصَالَحَةِ الزَّوْجَةِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا بَابُ صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَذَكَرَ هُنَا صُلْحَ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تُصَالَحُ الْبِنْتُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّوْجَةَ؛ لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ الَّتِي تُصَالِحُ؛ لِأَنَّ رَابِطَتَهَا بِالسَّبَبِ وَغَيْرِهَا بِالنَّسَبِ، وَمَسْأَلَةُ مُصَالَحَةِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْفَسَادُ مِنْ جِهَتَيْ الرِّبَا وَالْغَرَرِ وَلَهُ طُرُقٌ اهـ. ص (إنْ عَرَفَا جَمِيعَهَا) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ عَرَفَتْ هِيَ وَجَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَبْلَغَ التَّرِكَةِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَظَاهِرُ قَوْلِهَا: مَبْلَغَ التَّرِكَةِ، يَتَنَاوَلُ أَنَّهُمْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ اطَّلَعُوا عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهَا بِالتَّسْمِيَةِ أَنَّهُ كَافٍ وَأَفْتَى شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ مَرَّةٍ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ اهـ. ص (لَا غَرَرَ) ش: لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَا قَلَّ، أَوْ كَثُرَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَا فِيهِ غَرَرٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ نَافِعٍ قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ عَلَى ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ ارْتَفَعَ الْقِصَاصُ، وَمَضَى بِالدِّيَةِ كَمَا لَوْ وَقَعَ النِّكَاحُ بِذَلِكَ وَفَاتَ بِالْبِنَاءِ قَضَى بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَمْضِي ذَلِكَ إذَا وَقَعَ، وَهُوَ بِالْخُلْعِ أَشْبَهَ؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ مِنْ يَدِهِ بِالْغَرَرِ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَيْسَ كَمَنْ أَخَذَ بِضْعًا وَدَفَعَ فِيهِ غَرَرًا اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْغَيْرُ هُنَا ابْنُ نَافِعٍ وَقَوْلُهُ: " عَمْدًا " لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَمْدَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَالٍ فَيَجُوزُ فِيهِ الْغَرَرُ مِنْ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ وَالْجَنِينِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَاعْتَرَضَ عَلَى تَعْلِيلِ ابْنِ نَافِعٍ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَتَاعَهُ بِلَا عِوَضٍ اهـ. بِالْمَعْنَى وَحُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ بِغَرَرٍ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ إنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ. ص (وَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّاةُ حَيَّةً، أَوْ مَذْبُوحَةً وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ يُخَالِفُهُ لِتَقْيِيدِهِ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَتْ حَيَّةً اهـ. وَتَبِعَ فِي

الشَّامِلِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ صَوَابٌ، وَقَدْ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمَذْبُوحَةِ: " حَيَّةً " لَا مَفْهُومَ لَهُ لِمَنْعِهِ بَيْعَهَا قَبْلَ السَّلْخِ فِي التِّجَارَةِ وَالْإِجَارَةِ اهـ. وَأَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَنَصُّهُ: " اُنْظُرْ قَوْلَهُ حَيَّةً مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ جَازَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا شِرَاءُ لَحْمِ هَذِهِ الشَّاةِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْعَهُ رِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ قَبْلَ ذَبْحِهَا وَسَلْخِهَا، وَقَالَ فِي الْجُعْلِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَ لَحْمَ شَاةٍ حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً، أَوْ لَحْمَ بَعِيرٍ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا مِنْ حَاضِرٍ، أَوْ مُسَافِرٍ " اهـ. ص (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ) ش: وَالْقِيمَةُ يَوْمَ الصُّلْحِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ. ص (وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ، ثُمَّ نَزَّى فَمَاتَ إلَى قَوْلِهِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعُ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ، ثُمَّ نَزَّى فِيهَا فَمَاتَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَيُرَدُّ الْمَالُ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقْسِمُوا كَانَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذُوا فِي قَطْعِ الْيَدِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةَ خَطَإٍ فَلَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَيَرْجِعُ الْجَانِي فَيَأْخُذُ مَالَهُ وَيَكُونُ فِي الْعَقْلِ كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَلَوْ قَالَ قَاطِعُ الْيَدِ لِلْأَوْلِيَاءِ حِينَ نَكَلُوا عَنْ الْقَسَامَةِ: قَدْ عَادَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَاقْتُلُونِي وَرُدُّوا الْمَالَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَالَحَ، وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ وَشَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَطْعَ الْيَدِ وَلَا يَقْسِمُوا فَذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا قَسَمُوا وَقَتَلُوهُ اهـ. وَإِلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ قَالَ الْقَاطِعُ إلَى آخِرِهِ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَا لَهُ، وَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: نَزَّى، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْ تَزَايَدَ وَتَرَامَى إلَى الْهَلَاكِ، وَأَصْلُهُ مِنْ زِيَادَةِ جَرَيَانِ الدَّمِ، وَقَدْ أَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ فَقَالَ: فَإِنْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ، أَوْ صَالَحَ فَمَاتَ فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقَسَامَةُ وَالْقَتْلُ، وَيَرْجِعُ الْجَانِي فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ، وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ مَا تَرَامَى إلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِالصُّلْحِ لَا فِي الْخَطَإِ وَلَا فِي الْعَمْدِ، وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ فَيُخَيَّرُونَ فِيهِ وَالْخَطَإِ فَلَا يُخَيَّرُونَ وَلَيْسَ لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِهِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَعَزَا الثَّالِثَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ كَلَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ فِي الْجِنَايَاتِ (قُلْت) وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ كَالْمَقُولِ لَهَا خِلَافُ مَا عَزَا لَهَا ابْنُ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ: وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ فَقَلَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَمَّا جُرْحِ الْخَطَإِ الَّذِي دُونَ الثُّلُثِ كَالْمُوضِحَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا عَلَى مَا تَرَامَتْ إلَيْهِ مِنْ مَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَهُوَ لَا يَدْرِي يَوْمَ صَالَحَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ وَاتَّبَعَ فِيهِ مُقْتَضَى حُكْمِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ فَإِنْ بَرَأَ كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ وَإِنْ بَلَغَ الْجُرْحُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ

الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَائِزٌ، وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ فَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ فَالْمُصَالَحَةُ فِيهِ عَلَى وَضْعِ الْمَوْتِ جَائِزَةٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ خِلَافُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْجَوَازُ فِيهَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ دَمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْمَوْتِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصَّ خِلَافٍ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ دُونَ الْمَوْتِ فَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا لَهُ دِيَةٌ مُسَمَّاةٌ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالْجَائِفَةِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: إنَّ الصُّلْحَ فِيهَا جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا بِعَيْنِهِ لَا عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ زِيَادَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ فِيمَا لَا دِيَةَ لَهُ مُسَمَّاةً إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ فَهَذَا تَحْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ بِرُمَّتِهِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ هُنَاكَ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ هُنَاكَ أَيْضًا مُخْتَصَرًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جُرِحَ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ وَلَزِمَ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ لَا مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ تَأْوِيلَانِ لَيْسَ مُعَارِضًا لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ. ثُمَّ نَزَّى فِيهِ وَمَاتَ مِنْهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى جُرْحِهِ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا مِنْ الْجُرْحِ إنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ لَازِمٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا صُلْحٌ وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ فَيُنْظَرُ فِيهِ هَلْ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَمْ لَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هَلْ هُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ صَالَحَ الْمَرِيضُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ، أَوْ إنَّمَا يَجُوزُ صُلْحُهُ إذَا كَانَ عَلَى الْجَرْحِ فَقَطْ، وَأَمَّا إنْ صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ وَعَلَى مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ تَأْوِيلَانِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الثَّانِي إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ جَازَ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ، وَإِنْ تَرَامَى فِي الْجُرْحِ فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ الصُّلْحُ مُطْلَقًا إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ، وَإِنْ تَرَامَى فِيهِ فَكَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ لَزِمَ الصُّلْحُ، وَإِنْ نَزَّى فِيهِ، وَمَاتَ مِنْهُ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ، ثُمَّ نَزَّى فِيهِ وَمَاتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوَّلًا، وَإِذَا وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جِرَاحَةٌ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ مِنْ أَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ وَأَنْ يَدَعَ مَالًا اهـ. قَالَ عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا عَلَى الْمَوْتِ وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى مَآلِ الْمَوْتِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ وَسَقَطَ الْقَتْلُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلِلْوَلِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا صَالَحَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ وَيَضُمَّهُ إلَى مَا صَالَحَ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَقْتَسِمُونَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُصَالَحُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُصَالِحِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيَتْبَعَ الْقَاتِلَ بِحِصَّتِهِ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ مَنْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ اخْتَصَّ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ فِيهَا، وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ

وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَرْضٍ، أَوْ قَرْضٍ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ صَالَحَ بِحِصَّتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ عَلَى عَرْضٍ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا بِحِسَابِ دِيَتِهِ اهـ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ عَفَا الْبَعْضُ عَنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فَلِلْبَاقِينَ نَصِيبُهُمْ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ عَمْدٍ، ثُمَّ يَضُمُّونَ كُلُّهُمْ مَا حَصَلَ لَهُمْ وَيَقْتَسِمُوهُ كَأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى الصُّلْحِ بِهِ اهـ. ص (وَإِنْ صَالَحَ مُقِرٌّ بِخَطَإٍ بِمَالٍ لَزِمَهُ وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ مَا دَفَعَ تَأْوِيلَانِ) ش: اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلِ خَطَإٍ عَلَى أَرْبَعِ رِوَايَاتٍ ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ وَحَكَاهَا فِي الْجَلَّابِ الْأُولَى مِنْهَا: أَنَّهُ إنْ اُتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ غِنَى وَلَدِ الْمَقْتُولِ كَالْأَخِ وَالصَّدِيقِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَبَاعِدِ صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا، وَلَمْ يَخَفْ أَنْ يُرْشَى عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ فَإِنْ لَمْ يَقْسِمُوا فَلَا

شَيْءَ لَهُمْ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ بِقَسَامَةٍ الثَّالِثَةُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ، الرَّابِعَةُ: تُفَضُّ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فَمَا أَصَابَهُ غَرِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ سَقَطَ عَنْهُ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ بِقَسَامَةٍ لَيْسَ فِي الْجَلَّابِ فِيهَا ذَكَرَ الْقَسَامَةَ وَاَلَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الدِّيَةَ كُلَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ هَذَا لَفْظُهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ أَيْضًا بِغَيْرِ لَفْظِ الْقَسَامَةِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ نَقْلِهِ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ الْمُقِرُّ بِالْخَطَإِ بِمَالِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْخَطَإِ لَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ إذَا لَمْ يُتَّهَمْ الْمُقِرُّ بِأَنَّهُ أَرَادَ غِنَى وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي دِيَاتُ الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِقَتْلِ خَطَإٍ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَصَالَحَ الْأَوْلِيَاءَ عَلَى مَالٍ قَبْلَ أَنْ تَلْزَمَ الدِّيَةُ الْعَاقِلَةَ بِقَسَامَةٍ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَقِيلَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اهـ. وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَأْوِيلِ الْمُدَوَّنَةِ فَتَأَوَّلَهَا أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيمَا قَبَضَ وَفِيمَا لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا قَبَضَ دُونَ مَا لَمْ يَقْبِضْ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ مَا دَفَعَ تَأْوِيلَانِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ) . ش ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ إلَّا فِي الطَّعَامِ فَفِي دُخُولِهِ مَعَهُ تَرَدُّدٌ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادُهُ بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اسْتَثْنَى الطَّعَامَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي وَجْهِ اسْتِثْنَائِهِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ آخِرِ الْمَسْأَلَةِ، وَخَالَفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِجَلْبِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِهِمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ خُلْطَةٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ أَنَّ لِأَبِيهِ قِبَلَ خَلِيطِهِ مَالًا فَأَقَرَّ لَهُ، أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى حَظِّهِ مِنْ ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرْضٍ جَازَ وَلِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا أَخَذَ وَكُلٌّ ذَكَرَ حَقٌّ لَهُمَا بِكِتَابٍ، أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ إلَّا أَنَّهُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَبَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ بِمَالٍ، أَوْ عَرْضٍ أَوْ بِمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ وَرِثَ هَذَا الذَّكَرُ الْحَقَّ فَإِنَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَشْرَاكِهِ إلَّا أَنْ يُشَخِّصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى أَشْرَاكِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ فَامْتَنَعُوا فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا اقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُمْ إلَى الْإِمَامِ لَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ، أَوْ التَّوْكِيلِ. فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اقْتِضَاءِ حَقِّهِ، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيمَا اقْتَضَى اهـ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُشَخِّصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى شُرَكَائِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ فَامْتَنَعُوا فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا اقْتَضَى. قَالَ: فَإِذَا كَانَ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْذَنَ لِصَاحِبِهِ فِي الْخُرُوجِ لِاقْتِضَاءِ حَقِّهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْخُرُوجِ مُقَاسَمَةٌ لَهُ، وَالْمُقَاسَمَةُ لَهُ كَبَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي اسْتِثْنَاؤُهُ الْإِدَامَ وَالطَّعَامَ إنَّمَا هُوَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ، أَوْ وَصُلْحَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي لَهُمَا طَعَامًا، أَوْ إذَا مَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا بَيْعُ نَصِيبِهِ، أَوْ مُصَالَحَتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا الَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ يَكُونُ بِكِتَابَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ بِكِتَابَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا اقْتَضَى، وَإِنْ كَانَ

باب شرط الحوالة

ذَلِكَ ثَمَنَ شَيْءٍ وَاحِدٍ أَصْلُهُ بَيْنَهُمَا وَبَاعَهُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ كَعَبْدٍ، أَوْ ثَوْبٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْحَقُّ إذَا كَانَ بِكِتَابَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى، وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ فِيهِ شُرَكَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَصْلُهُ بَيْنَهُمْ أَوْ بَاعَهُ فِي صَفْقَةٍ. ص (وَفِيمَا لَيْسَ لَهُمَا وَكُتِبَ فِي كِتَابٍ قَوْلَانِ) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا إذَا جَمَعَا سِلْعَتَهُمَا فِي الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ سِلْعَةُ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُمَا فِي الِاقْتِضَاءِ حُكْمَ الشَّرِيكَيْنِ اهـ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ: لَا تُوجِبُ الْكِتَابَةُ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى اهـ. (قُلْت) إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِقُرْعَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهَا بِقُرْعَةٍ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَعَبْدٍ أَبَقَ) ش: لَيْسَ هَذَا مِثَالًا لِمَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُشَبَّهٌ بِهِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ أَيْ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَكَ أَنْ تُصَالِحَ مَنْ غَصَبَكَ عَبْدًا وَأَبَقَ مِنْهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ، أَوْ الدَّرَاهِمُ كَالْقِيمَةِ فَأَقَلَّ جَازَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْآبِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب شَرْطُ الْحَوَالَةِ] ص (بَابٌ) (شَرْطُ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ فَقَطْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ تَحَوَّلَ مِنْ طَلَبِهِ لِغَرِيمِهِ إلَى غَرِيمِ غَرِيمِهِ اهـ. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَوَالَةُ طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةٍ بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى لِامْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَا هُوَ لَهُ اهـ. وَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا، ثُمَّ أَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَإِنَّهَا حَوَالَةٌ كَمَا نَقَلَهُ

فرع هل يشترط حضور المحال عليه وإقراره

فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَفْظُ الدَّيْنِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا عُرْفًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ عِيَاضٌ قَالَ الْأَكْثَرُ: لِأَنَّهَا مُبَايَعَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ، وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبَيْعِ وَلَا هِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَلْ مِنْ بَابِ النَّقْدِ. (قُلْت) لَفْظُهُ لَيْسَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ فَهِيَ مِنْ بَابِ النَّقْدِ عِيَاضٌ فِي حَمْلِ الْحَوَالَةِ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ الْإِبَاحَةِ قَوْلَا الْأَكْثَرِ، وَبَعْضُهُمْ الْبَاجِيُّ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ رِضَا الْمُحِيلِ أَوْ الْمُحَالِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ أَنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِهَا، وَلَمْ يَعُدَّهُمَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْهَا، وَهُوَ أَحْسَنُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا جُزْءَانِ؛ لِأَنَّهُمَا كُلَّمَا وُجِدَا وُجِدَتْ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ كَمَا قَالَ لَا جُزْءَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَعَقُّلِهَا وَوُجُودِهَا عَلَيْهِمَا وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ رِضَا الْمُحَالِ، وَإِنَّمَا أَرْكَانُهَا: رِضَا الْمُحِيلِ، وَالْمُحَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ وَالْمُحَالُ بِهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ كُلَّمَا وُجِدَ، أَوْ وُجِدَتْ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يُوجَدَانِ وَلَا تُوجَدُ؛ كَمَا إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَحَالَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ قِبَلَهُ دَيْنٌ فَلَيْسَتْ حَوَالَةٌ، وَهِيَ حَمَالَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ نَصَّ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ عَلَى أَنَّ حَدَّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لَا جُزْءَانِ إذْ لَمْ يُذْكَرَا فِي الْحَدِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَقَطْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَدَاوَةِ قَالَهُ مَالِكٌ الْمَازِرِيُّ. وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِشْكَالُ لَوْ اسْتَدَانَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ دَيْنًا، ثُمَّ حَدَثَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ، هَلْ يُمْنَعُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مِنْ اقْتِضَاءِ دَيْنِهِ وَيَرْضَى عَدُوُّهُ فَيُؤْمَرُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ أَوْ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ؟ تَرَدَّدَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي هَذَا وَإِشَارَتُهُ تَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ بِنَفْسِهِ اهـ. وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ هَذَا هُوَ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ الْحَوَالَةِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَوْ كَانَ الْمُحَالُ عَدُوًّا لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ اُشْتُرِطَ رِضَاهُ وَاخْتُلِفَ عَلَى ذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ الْعَدَاوَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ هَلْ يَجِبُ التَّوْكِيلُ أَمْ لَا كَمَا قَالُوا فِيمَنْ لَهُ عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ وَتَجَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ هَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ كَمَا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلِلْمُوَثَّقِينَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَيْضًا الْقَوْلَانِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةُ الْحَوَالَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَهَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيْنَ الشُّيُوخِ؟ هَلْ الْحَوَالَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَنَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْبُيُوعِ، أَوْ هِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ؟ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ، وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَحُضُورُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ. لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ حَتَّى يَحْضُرَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ لِلْغَائِبِ بَرَاءَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُشْتَمِلِ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا عَلَى حَاضِرٍ مُقِرٍّ اهـ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ اقْتَصَرَ الْوَقَارُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَنَصُّهُ: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ أَحَدٌ بِحَقٍّ لَهُ قَدْ حَلَّ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا حَالُهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بِهِ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ قَدْ فَاتَتْ، وَذِمَّةَ الْحَيِّ مَوْجُودَةٌ " وَعَلَيْهِ أَيْضًا اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدَهُ، أَوْ دَارِهِ بِدَيْنٍ لَكَ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مُقِرٍّ حَاضِرٍ مَلِيءٍ وَتُحِيلَهُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْت فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اشْتَرَطَ هُنَا حَاضِرًا مُقِرًّا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا ذَلِكَ الشَّيْخُ

فَحَيْثُ ذُكِرَ يُقَيِّدُ بِهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ قَوْلُهُ: مُقِرٍّ حَاضِرٍ. مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ تَجُزْ الْحَوَالَةُ قَالَ فِي الطُّرَرِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْقُرْطُبِيُّ: لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى غَائِبٍ فَإِنْ وَقَعَ لَمْ تَجُزْ وَفُسِخَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْغَائِبِ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ اهـ. ص (وَثُبُوتُ دَيْنٍ لَازِمٍ) ش: احْتَرَزَ بِاللَّازِمِ مِنْ دَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: كَالدَّيْنِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اهـ. (قُلْت) وَمِنْ ذَلِكَ الْكِتَابَةُ فَلَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ عَلَى الْكِتَابَةِ إلَّا إذَا كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُحَالُ كَمَا إذَا أَحَالَهُ مُكَاتَبُهُ بِمَا حَلَّ عَلَيْهِ عَلَى مُكَاتَبٍ لِلْمُكَاتَبِ كَمَا سَيَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصِيغَتُهَا) ش: اُنْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ بِصِيغَتِهَا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ وَلَكِنَّهُ أَتَى بَعْدَهُ بِكَلَامِ الْبَيَانِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، أَوْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْحَوَالَةِ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَالِ دَيْنَهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ قَالَ: يَحْيَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَطْلُبُ الرَّجُلَ فِي حَقِّهِ فَيَذْهَبُ بِهِ إلَى غَرِيمٍ لَهُ فَيَقُولُ لَهُ: خُذْ حَقَّكَ مِنْ هَذَا، وَيَأْمُرُهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَيَتَقَاضَاهُ إيَّاهُ فَيَقْضِيَهُ. بَعْضَ حَقِّهِ، أَوْ لَا يَقْضِيهِ. فَيُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ هَذَا بِوَجْهِ الْحَقِّ اللَّازِمِ لِمَنْ أَحَالَ بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَحْتَلْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَكْفِيَكَ التَّقَاضِيَ، وَأَمَّا وَجْهُ الْحَوْلِ اللَّازِمِ أَنْ يَقُولَ أُحِيلُكَ عَلَى هَذَا بِحَقِّك وَإِبْرَاءِ ذِمَّتِكَ مِمَّا تَطْلُبُنِي، وَأَنْ لَا أَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يَنْتَقِلُ بِهَا الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: خُذْ مِنْ هَذَا حَقَّكَ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِكَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: اتَّبِعْ فُلَانًا بِحَقِّكَ فِي حَوَالَةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» قَالَ: فَلَمَّا أَتَى بِلَفْظٍ يُشْبِهُ النَّصَّ كَانَ حَوَالَةً إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنِ وَإِنَّمَا الْبَيِّنُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ أَتْبَعْتُكَ عَلَى فُلَانٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ اتْبَعْ فُلَانًا فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ فَذَكَرَهُمَا فِي آخِرِ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَهُوَ الْأَمْرُ مِنْ الْآمِرِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ عَلَيْهِ أَمْ لَا اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. وَالْقَوْلَانِ اللَّذَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا هُمَا الرِّوَايَتَانِ فِي قَوْلِ الْبَائِعِ: خُذْ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا هَلْ هُوَ إيجَابٌ لِلْبَيْعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ أَمْ لَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَالِ دَيْنَهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ اهـ. نَعَمْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْحَوَالَةِ أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَأَطْلَقَ، وَنَصُّهُ: " وَلِلْبَرَاءَةِ بِالْحَوَالَةِ أَرْبَعُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ بِرِضَا الْمُحِيلِ، وَالْمُحَالِ وَأَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ، وَأَنْ لَا يَغُرَّ مَنْ عَدِمَ بِعِلْمِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْحَوَالَةَ وَيَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ كَمَا إذَا قَالَ: خُذْ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْمُحَالِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَيَقُولَ إنَّمَا طَلَبْت مِنْهُ نِيَابَةً عَنْكَ لَا عَلَى أَنَّهَا حَوَالَةٌ أَبْرَأْتُكَ مِنْهَا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ

تنبيه إحالة القطع

وَإِنْ كِتَابَةً) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ حَالًّا وَوَقَعَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ خِلَافَهُ، وَنَصُّهَا: " وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِثْلَ طَعَامِكَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَأَلَهُ أَنْ يُوَفِّيَكَ أَوْ أَحَالَكَ بِهِ، وَلَمْ تَسْأَلْ أَنْتَ الْأَجْنَبِيَّ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ فَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حِينَ إقْرَائِهِ هَذَا الْمَحَلَّ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فِي اشْتِرَاطِ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ فَلَمْ يَحْضُرْهُ وَلَا غَيْرَهُ جَوَابٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ثُمَّ بَانَ لِي سِرُّهُ بِأَنْ شَرَطَ الْحُلُولَ فِي الْحَوَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَهَذِهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ أَصْلِ دَيْنٍ فِي حَمَالَةٍ اهـ. مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِابْنِ نَاجِي، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كِتَابَةً يُرِيدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ فِي الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ كِتَابَةٍ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ. [تَنْبِيه إحَالَةُ الْقَطْعِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ: الْحَوَالَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ إحَالَةُ قَطْعٍ وَإِحَالَةُ إذْنٍ فَأَمَّا إحَالَةُ الْقَطْعِ فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ قَدْ حَلَّ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ مُسَاوِيًا لِلْمُحَالِ فِيهِ فِي الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ، وَأَمَّا الْإِذْنُ فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ عَلَى الْقَبْضِ وَالْإِقْطَاعِ فَيَجُوزُ بِمَا حَلَّ وَبِمَا لَمْ يَحِلَّ وَلَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُحَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَالَهُ وَيَجُوزُ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَعْزِلَ الْمُحَالَ فِي الْإِذْنِ عَنْ الْقَبْضِ وَلَا يَعْزِلُهُ فِي حَالَةِ الْقَطْعِ اهـ. ص (لَا عَلَيْهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَانَ كِتَابَةً، أَوْ غَيْرَهَا نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ هُوَ السَّيِّدُ كَمَا إذَا أَحَالَهُ مُكَاتَبُهُ بِمَا حَلَّ عَلَيْهِ عَلَى مُكَاتَبٍ لِلْمُكَاتَبِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحِيلَ السَّيِّدُ أَجْنَبِيًّا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مُكَاتَبِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ التُّونُسِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطَ حُلُولِ الْكِتَابَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهَا السَّيِّدُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا مَا حَكَيَاهُ مِنْ شَرْطِ حُلُولِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ الْمُحَالُ عَلَيْهَا فَلَا يَشْتَرِطُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَغَيْرُهُ فِيهَا الْحُلُولَ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ قَالَ بِهِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ أَحَالُكَ مُكَاتِبُك بِالْكِتَابَةِ عَلَى مُكَاتَبٍ لَهُ وَلَهُ عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا عَلَى الْأَعْلَى فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَبُتَّ أَنْتَ عِتْقَ الْأَعْلَى فَيَجُوزُ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ، وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ كِتَابَةُ الْأَعْلَى فَيَجُوزُ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ كَمَا لَا تَجُوزُ الْحَمَالَةُ بِالْكِتَابَةِ إلَّا عَلَى شَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ إنْ عَجَزَ الْأَسْفَلُ كَانَ لَكَ رِقًّا وَلَا تَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْبَيْعِ، وَقَدْ تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ وَهَذَا كُلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ السَّيِّدَ لَا الْأَجْنَبِيَّ. التُّونُسِيُّ: وَالْمُكَاتَبُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُحِيلَ سَيِّدَهُ بِمَا حَلَّ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَحِلَّ، وَإِنْ كَانَ الْمُحَالُ أَجْنَبِيًّا لَمْ تَجُزْ قَالَ: وَهُوَ لَوْ حَلَّتْ لَمْ تَجُزْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا أُجِيزَتْ فِي الْأَجْنَبِيِّ إذَا أُحِيلَ عَلَى مِثْلِ الِابْنِ وَهَهُنَا قَدْ يَعْجَزُ الْمُكَاتَبُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَتَصِيرُ الْحَوَالَةُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ حَلَّ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَأَرَادَ أَنْ يُحِيلَهُ بِذَلِكَ عَلَى مُكَاتَبِهِ مَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ فَتَكُونُ الْحَوَالَةُ قَدْ خَالَفَتْ مَا رَخُصَ فِيهِ مِنْهَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُحَالِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: أَنْتُمْ تُجِيزُونَ بَيْعَ الْكِتَابَةِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ كِتَابَتَهُ تَارَةً وَرَقَبَتَهُ أُخْرَى، قِيلَ: أَصْلُ الْحَوَالَةِ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّهَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى بِهَا مَا خَلَفَ مِنْهَا اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ بِرُمَّتِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ، وَنَصُّهُ: " وَحُلُولُ مُحَالٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا حُلُولَ مُحَالٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُحِيلَ سَيِّدَهُ إلَّا أَجْنَبِيًّا فَمَا حَلَّ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى نُجُومِ مُكَاتَبٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ " اهـ. ص (وَفِي تَحَوُّلِهِ عَلَى الْأَدْنَى تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَشْيَاخَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَرَدَّدُوا فِي جَوَازِ تَحَوُّلِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْأَعْلَى

إلَى أَدْنَى مِنْهُ يُرِيدُ، أَوْ مِنْ الْكَثِيرِ إلَى أَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى الْجَوَازِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ: أَنَّ التَّرَدُّدَ جَارٍ فِي التَّحَوُّلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَى الْقَلِيلِ بَلْ كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ الْقَائِلِ بِالْمَنْعِ شَرْطُهَا تَمَاثُلُهُمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ اهـ. (قُلْت) هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُجْمَلَةً كَمَا إذَا كَانَ قَالَ لَهُ: أُحِيلُكَ بِالْمِائَةِ الَّتِي لَكَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ بِعَشَرَةٍ لِي عِنْدَهُ أَمَّا إذَا قَالَ لَهُ: أُسْقِطُ عَنْهُ التِّسْعِينَ، وَأَحْتَالُ بِالْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى فُلَانٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّرَدُّدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ مِنْ جَوَازِ التَّحْوِيلِ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى مُوَافِقٌ لِلَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ شَاسٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقْوَى فِي الْمَعْرُوفِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ: لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا التَّحَوُّلُ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: فَيَجُوزُ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى مَوْضِعُ " عَلَى ": " عَنْ " فَتَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً عَلَى مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُشْتَرَطُ تَمَاثُلُ صِنْفِ الدَّيْنَيْنِ وَفِي شَرْطِ تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ مُطْلَقًا وَجَوَازُ كَوْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَقَلَّ أَوْ أَدْنَى، قَوْلُ الْمُقَدِّمَاتِ: شَرْطُهَا تَمَاثُلُهُمَا فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ. وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ مَعَ الْمَازِرِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ، وَقَالَ: شُرُوطُهَا سِتَّةٌ: كَوْنُهَا عَلَى دَيْنٍ، وَاتِّحَادُ جِنْسِ الدَّيْنَيْنِ، وَاتِّحَادُ قَدْرِهِمَا وَصِفَتِهِمَا، أَوْ كَوْنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَقَلَّ أَوْ أَدْنَى اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي الْجَوَاهِرِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُجَانِسًا لِمَا عَلَى الْمُحِيلِ قَدْرًا وَوَصْفًا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَفْتَقِرُ فِي أَدَائِهِ عَنْهُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ، أَوْ الرِّضَا دُونَ الْمُعَاوَضَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ بَلْ كَانَ مِمَّا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَأَدَاءِ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ فَيَتَحَوَّلُ عَنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى وَعَنْ الْأَكْثَرِ إلَى الْأَقَلِّ اهـ. يَعْنِي: وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَلَا إلَى الرِّضَا بَلْ كَانَ مِمَّا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَأَدَاءِ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ فَيَجُوزُ فِيهِ اخْتِلَافُ الدَّيْنَيْنِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، أَوْ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى الْأَقَلِّ فَتَأَمَّلْهُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى مَنْ لَهُ أَدْنَى أَعْلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَقَالَ فِي السَّلَمِ مِنْ التَّوْضِيحِ: إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ فَاعْلَمْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَحَيْثُ حُكِمَ بِالْمَنْعِ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقَعْ التَّقَابُضُ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا لَوْ قَبَضَهُ لَجَازَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّنْفِ، أَوْ فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنْفِ وَأَحَدُهُمَا طَعَامٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ حَلَّا، مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَيَجُوزُ إلَّا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبِضَهُ إلَّا صَاحِبُهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا، وَالْآخَرُ وَرِقًا فَلَا يُحِيلُهُ بِهِ، وَإِنْ حَلَّا إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مَكَانَهُ قَبْلَ افْتِرَاقِ الثَّلَاثَةِ وَطُولِ الْمَجْلِسِ اهـ. ص (لَا كَشْفُهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) ش: تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي الْقَوْلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَالَ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةُ الْحَوَالَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ اهـ. وَيَعْنِي بِهَذَا أَنَّ الْحَوَالَةَ مُخَالِفَةٌ لِبَيْعِ الدَّيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ مَالِكٍ جَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبَ، وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ: " فَصْلٌ وَإِجَازَةُ مَالِكٍ الْحَوَالَةَ مَعَ الْجَهْلِ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَمُوسِرٌ هُوَ أَوْ مُعْسِرٌ انْتَهَى. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: لَا كَشْفُهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفْلَسَ أَوْ جَحَدَ) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَحَالَك غَرِيمُك عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَضِيت بِاتِّبَاعِهِ فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي غَيْبَةِ

فرع أفلس المحال عليه قبل الإحالة

الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عَدَمِهِ، أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَإِنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَسْأَلَةُ الْفَلَسِ صَحِيحَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَيَّدَهَا الْمُغِيرَةُ فَقَالَ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحَالُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا فَلَّسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ شَرْطُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَحُدُوثُ فَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَغْوٌ يُوجِبُ فِيهِ نَقْضًا، وَسَمِعَ سَحْنُونٌ الْمُغِيرَةَ أَنَّ شَرْطَ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحِيلِ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِعَقْدِ الْحَوَالَةِ وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ فِي الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِلْعَقْدِ أَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَفِي بَعْضِهَا يَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا جَائِحَةَ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. [فَرْعٌ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحَالَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَإِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحَالَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْمُحَالُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْحَوَالَةُ فَإِنْ انْعَقَدَ فِي الْوَثِيقَةِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُحَالِ بِمَلَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَمَوْضِعِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِوَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ إفْلَاسُهُ بَعْدَ الْإِحَالَةِ فَلَا كَلَامَ لِلْمُحَالِ انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ كَلَامُهُ هَذَا. [فَرْعٌ دَفَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ بَعْدَ الْإِحَالَةِ لِلْمُحِيلِ] (فَرْعٌ) فَلَوْ دَفَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الدَّيْنَ بَعْدَ الْإِحَالَةِ لِلْمُحِيلِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْحَوَالَةِ لَزِمَهُ غُرْمُهُ لِلْمُحْتَالِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَالَ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ فِي دَفْعِ الدَّيْنِ الْمَوْهُوبِ لِلْوَاهِبِ. ص (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلَاسِهِ فَقَطْ) ش: أَمَّا إذَا عَلِمَا جَمِيعًا بِفَلِسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فَأَحْرَى إذَا عَلِمَ وَحْدَهُ فَإِنْ جَهِلَا فَلَسَهُ جَمِيعًا فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَدْ اعْتَرَضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَإِنْ فَلِسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ حِينَ الْحَوَالَةِ إنْ كَانَ عَيْبًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِفَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ مُطْلَقًا قَالَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَيْبٌ مَعَ عِلْمِ الْمُحِيلِ لِغُرُورِهِ، وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَعْرُوفٌ فَسَهُلَ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يُغَرَّ انْتَهَى. فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ السَّابِقُ بِهَذَا. ص (فَلَوْ أَحَالَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ، ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ وَاخْتِيرَ خِلَافُهُ) ش: يَعْنِي إذَا أَحَالَهُ بِثَمَنِ مَا بَاعَهُ، ثُمَّ رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَنْفَسِخُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَنْفَسِخُ عِنْدَ أَشْهَبَ وَاخْتَارَهُ الْأَئِمَّةُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ مَادَّةَ

تنبيه باع ما يعلم أنه لا يملكه

الِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ وَإِذَا كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلَّخْمِيِّ هُنَا اخْتِيَارٌ، وَالْخِلَافُ مَنْصُوصٌ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالْمُخْتَارُ لِقَوْلِ أَشْهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ. [تَنْبِيه بَاعَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ] (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا الْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ بَاعَ مَا ظَنَّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يَبِيعَهَا مِنْ ثَانٍ وَيُحِيلَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَوَالَةَ بَاطِلَةٌ وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَابْنُ سَلْمُونٍ وَنَصُّ كَلَامِهِ: " سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ بَاعَ حِصَّةً لَهُ مِنْ كَرْمٍ وَأَحَالَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَأَثْبَتَ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْتَاعَ الْحِصَّةَ مِنْ الْمُحِيلِ قَبْلَ بَيْعِهِ وَاسْتَحَقَّ الْحِصَّةَ، وَفَسْخَ الْبَيْعِ، قَالَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَتُنْتَقَضُ الْإِحَالَةُ، وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ بِدَيْنِهِ الَّذِي أَحَالَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ قِبَلَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِسُقُوطِ الثَّمَنِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَارِجَةٌ عِنْدِي مِنْ الِاخْتِلَافِ لِكَوْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمُحِيلِ بِخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ كُنْتُ سُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مُدَّةٍ فَأَجَبْت فِيهَا بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي اللَّفْظِ " انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب الضَّمَانُ] ص (بَابٌ) (الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ) ش قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الْحَمَالَةُ فِي اللُّغَةِ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانَةُ وَالزَّعَامَةُ كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَتَقُولُ الْعَرَبُ هَذَا كَفِيلٌ وَحَمِيلٌ وَضَمِينٌ وَزَعِيمٌ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَيْضًا قَبِيلٌ بِمَعْنَى ضَمِينٍ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بَعْدُ بِدَيْنٍ لَازِمٍ أَوْ آيِلٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَنْ السَّفِيهِ إلَّا بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ مَا أَخَذَ السَّفِيهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ أَوْ بَاعَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرَفَهُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ فِيمَا هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلِ وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الضَّامِنُ فِي مَالِهِ إذَا أَدَّى عَنْهُ، وَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُ الْمَحْجُورَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ ضَمِنَهُ فِيهِ إنْسَانٌ رَشِيدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الضَّامِنَ غُرْمٌ أَمْ لَا؟ لَا يَخْلُو الضَّامِنُ لِلْمَحْجُورِ وَالْمَضْمُونُ لَهُ الْمَحْجُورَ بِأَنْ يَعْلَمَا أَنَّهُ مَحْجُورٌ، أَوْ لَا يَعْلَمَا، أَوْ يَعْلَمَ الضَّامِنُ دُونَ الْمَضْمُونِ لَهُ، أَوْ يَعْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ دُونَ الضَّامِنِ فَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ مَا ضَمِنَ اتِّفَاقًا، وَيَخْتَلِفُ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ، وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَلْزَمُهُ هَذَا مَا حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا أُلْزِمَ الضَّامِنُ غُرْمَ مَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَحْجُورِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ شَخْصًا لِشَخْصٍ آخَرَ ثُمَّ ضَمِنَ الْمَحْجُورَ الضَّامِنَ شَخْصٌ آخَرُ رَشِيدٌ فَضَمَانُ الْمَحْجُورِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَلْ يَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَى الرَّشِيدِ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ الْمَحْجُورَ أَوْ لَا يَأْتِي التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ (قُلْت) : وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الضَّامِنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِذَلِكَ الْحَقِّ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ خِلَافًا آخَرَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْقَرَافِيُّ وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي بَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ: الْكَفَالَةُ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ تَلْزَمُ فِي ثَلَاثَةٍ وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ وَيُخْتَلَفُ فِي السَّادِسِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَالْحَامِلُ وَالْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَالِمَانِ بِأَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ عَالِمًا كَانَتْ الْحَمَالَةُ لَازِمَةً، وَإِنْ كَانَ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ عَالِمًا دُونَ الْحَمِيلِ كَانَتْ الْحَمَالَةُ سَاقِطَةً، وَإِنْ كَانَا يَجْهَلَانِ وَالْكَفَالَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَتْ سَاقِطَةً أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ مُوَلَّى عَلَيْهِ جَرَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: الْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا يَكُونُ لِلْحَامِلِ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ

فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الصَّبِيِّ يُنْظَرُ هَلْ كَانَتْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ وَهَلْ يَجْهَلَانِ أَنَّ مُبَايَعَةَ الصَّبِيِّ سَاقِطَةٌ أَمْ لَا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَعْلَمُ وَالْآخَرُ يَجْهَلُ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ وَالْمُطَالَبَةُ مِمَّا يَلْزَمُ السَّفِيهَ، أَوْ الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي غَيْرِ مُغَابَنَةٍ وَصَرَفَاهَا فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ، أَوْ كِسْوَةٍ، أَوْ إصْلَاحِ مَتَاعٍ، أَوْ عَقَارٍ جَرْيًا عَلَى حُكْمِ الْبَالِغِ، أَوْ الرَّشِيدِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَانْظُرْ مَا فِي النَّوَادِرِ، وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا) ش: لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْمَأْذُونِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ لَا تَجُوزُ كَفَالَتُهُ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا وَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يُقَالُ تَخْصِيصُهُ الْمُكَاتَبَ وَالْمَأْذُونَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْقِنِّ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ ضَمَانٌ، وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ مَعَ أَنَّ ضَمَانَهُمْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ جَائِزٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا قَصَدَ رَفْعَ تَوَهُّمِ أَنَّهُمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَالْمَأْذُونَ قَدْ أُذِنَ لَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَوْعُودُ بِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأُتْبِعَ ذُو الرِّقِّ بِهَا إنْ عَتَقَ. ص (وَزَوْجَةٌ) ش: فَإِذَا تَكَفَّلَتْ الْمَرْأَةُ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثٍ فَلِزَوْجِهَا رَدُّ الْجَمِيعِ قَالَ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَاتَبَتْ، أَوْ تَكَفَّلَتْ، أَوْ أَعْتَقَتْ، أَوْ تَصَرَّفَتْ، أَوْ وَهَبَتْ، أَوْ صَنَعَتْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ حَمَلَ ذَلِكَ ثُلُثُهَا وَهِيَ لَا يُوَلَّى عَلَيْهَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ، وَإِنْ جَاوَزَ الثُّلُثَ فَلِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ وَإِجَازَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ إلَّا أَنْ تَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ كَالدِّينَارِ وَمَا خَفَّ فَهُنَا يُعْلِمُ أَنَّهَا لَمْ تَرِدْ فَيُمْضِي الثُّلُثَ مَعَ مَا زَادَتْ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَإِذَا أَجَازَ الزَّوْجُ كَفَالَةَ زَوْجَتِهِ الرَّشِيدَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ تَكَفَّلَتْ عَنْهُ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَكَفَّلَتْ عَنْهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهَا فَلَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَا ثُلُثٌ وَلَا غَيْرُهُ اهـ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِنْ تَكَفَّلَتْ لِزَوْجِهَا فَفِيهَا قَالَ مَالِكٌ: عَطِيَّتُهَا لِزَوْجِهَا جَمِيعَ مَالِهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهَا عِنْدَ الْبَاجِيِّ يُرِيدُ بِإِذْنِهِ، وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ فَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فَكَيْفَ يَنْقُلُهُ عَنْ الْبَاجِيِّ؟ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَى تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا حُرَّةً وَغَيْرَ مُوَلَّى عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا إلَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهَا لَمْ تَضْمَنْهُ فَإِنْ ضَمِنَتْهُ جَازَ، وَإِنْ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا بِيَدِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِإِذْنِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ: فَإِنْ تَكَفَّلَتْ عَنْهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهَا فَلَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَا ثُلُثٌ وَلَا غَيْرُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ وَغَيْرَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ نَعَمْ يُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ لَا تَكُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ يَسِيرَةً كَالدِّينَارِ وَمَا خَفَّ فَيُمْضِي ذَلِكَ كُلَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأُتْبِعَ بِهِ ذُو الرِّقِّ إنْ أَعْتَقَ) ش: هَذَا إذَا لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ السَّيِّدُ وَأَمَّا إذَا رَدَّهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّيِّدِ رَدُّ إبْطَالٍ لَا رَدُّ إيقَافٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا مُدَبَّرٍ وَلَا أُمِّ الْوَلَدِ كَفَالَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ فَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ أُعْتِقُوا، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى عَتَقُوا لَزِمَهُمْ ذَلِكَ عَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ جَعَلَ رَدَّ السَّيِّدِ هُنَا رَدَّ إبْطَالٍ وَمِثْلُهُ فِي الْعِتْقِ وَجَعَلَهُ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ رَدَّ إيقَافٍ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَعِتْقِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ) ش: قَالَ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ فَصْلٌ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَ عَبْدَهُ عَلَى الْكَفَالَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ بِقَدْرِهَا وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَيْسَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ لَا يُجْبَرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْبَرُ اهـ وَكَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ أَشْهَدَ سَيِّدُهُ أَنَّهُ أَلْزَمَهُ الْكَفَالَةَ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا بِرِضَاهُ اهـ. ص (وَعَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْحَمَالَةُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ تَجُوزُ عَلَى الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَحَمَّلَ عَنْ الْحَيِّ فَأَدَّى عَنْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ

عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ وَاتِّبَاعُهُ بِهِ إنْ كَانَ مُعْدِمًا كَأَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ تَحَمَّلَ عَنْ مَيِّتٍ لَا وَفَاءَ لَهُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى عَنْهُ فِي مَالِهِ إنْ طَرَأَ لَهُ اهـ وَفِي السُّؤَالِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ التَّلْقِينِ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْحَمَالَةِ عَنْ الْحَيِّ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا وَلَا فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الْحَمَالَةِ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ فَمَنَعَا ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي أَنَّهُ دَفَعَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ إلَّا لِقَرِينَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إذَا أَدَّى رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ دَيْنًا ثُمَّ قَامَ الدَّافِعُ يَطْلُبُ الْمَالَ، وَقَالَ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ إنَّمَا دَفَعْت عَنِّي عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ احْتِسَابًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ مِلْكِهِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الدَّافِعِ كَمَا إذَا دَفَعَ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَطَلَبَ الرُّجُوعَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنْ تَقْوَى الْقَرِينَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ الدَّافِعُ، وَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ مَا دَفَعَ اهـ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ لَصَدَقَ بِلَا يَمِينٍ وَإِذَا قَوِيَتْ الْقَرِينَةُ لَا يَصْدُقُ أَصْلًا وَفِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَتَبَرَّعَ رَجُلٌ فَضَمِنَ دَيْنَهُ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ رَجَعَ فِيهِ بِمَا أَدَّى إنْ قَالَ إنَّمَا أَدَّيْت لِأَرْجِعَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالضَّامِنُ عَالِمٌ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي مَالٍ إنْ ثَابَ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحِسْبَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّبَرُّعُ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَالنَّظَرُ مَا كَانَ عَنْ سُؤَالٍ. ص (وَالضَّامِنُ عَالِمٌ) ش: جَعَلَ لَهُ الرُّجُوعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَقَالَ ثَابَ أَيْ ظَهَرَ اهـ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَمَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَالَهُ عَلَى مَيِّتٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقْدٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى إذَا ضَمِنَ الْقَضَاءَ عَنْ مَيِّتِ وَكَانَ ظَاهِرُهُ الْيُسْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّمَا تَحَمَّلْت لِأَرْجِعَ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَمْ أَضْمَنْ اهـ ص (وَالضَّامِنُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الضَّامِنِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ كَفِيلًا لَزِمَهُ مَا لَزِمَ الْكَفِيلَ اهـ قَالَ فِي الشَّامِلِ، وَإِنْ كَانَا مَعًا بِحَالِ غُرْمِهِ الْأَوَّلِ إنْ حَلَّ وَغَابَ غَرِيمُهُ فَإِنْ أَعْدَمَ فَالثَّانِي فَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فَأَحْضَرَ الثَّانِي أَحَدَهُمَا مُوسِرًا بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ فَإِنْ غَابَ الْكُلُّ بَرِئَ بِمَالِ غَرِيمِهِ إنْ وَجَدَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَا مَعًا بِوَجْهٍ فَغَابَ غَرِيمُهُ أَحْضَرَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا غَرِمَ فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا بَرِئَ الثَّانِي لِحُضُورِ مَنْ ضَمِنَهُ، وَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا أَحْضَرَ الثَّانِي أَحَدَهُمَا وَإِلَّا غَرِمَ، وَإِنْ غَابَ الْكُلُّ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي إنْ لَمْ يَثْبُتْ فَقْدُ غَرِيمِهِ مَعَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بِمَالٍ دُونَ الثَّانِي فَغَابَ غَرِيمُهُ غَرِمَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي إنْ كَانَ غَرِيمُهُ فَقِيرًا فَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فَأَحْضَرَ الثَّانِي غَرِيمَهُ مُوسِرًا وَالْأَوَّلُ مُطْلَقًا وَإِلَّا غَرِمَ، وَإِنْ غَابَ الثَّانِي وَوُجِدَ لَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فَقْرُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِوَجْهٍ دُونَ الثَّانِي فَغَابَ غَرِيمُهُ أَحْضَرَ الْأَوَّلُ وَإِلَّا غَرِمَ فَإِنْ أَعْدَمَ غَرِمَ الثَّانِي، وَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا بَرِئَ الثَّانِي إنْ أَحْضَرَ غَرِيمَهُ مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ مُوسِرٌ فَإِنْ مَاتَ الْغَرِيمُ بَرِئَ الثَّانِي لِبَرَاءَةِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ مَاتَ الثَّانِي جَرَى عَلَى حُكْمِ حَمْلِ الْمَالِ إذَا مَاتَ عَلَى الْأَظْهَرِ اهـ. وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الشَّامِلِ أَخْصَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِدَيْنٍ لَازِمٍ، أَوْ آيِلٍ) ش: هَذَا مِنْ أَرْكَانِ

الضَّمَانِ وَهُوَ الْمَالُ الْمَضْمُونُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَضْمُونُ مَا يَتَأَتَّى عَلَيْهِ مِنْ الضَّامِنِ، أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَدَخَلَ الْوَجْهُ وَكُلُّ كُلِّيٍّ إلَّا الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ كَالْمُعَيَّنِ، وَلِذَا جَازَتْ بِعَمَلِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّهُ كُلِّيٌّ حَسْبَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَجْوِبَتُهَا مَعَ غَيْرِهَا وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُفْتِينَ. ص (وَدَايَنَ فُلَانًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ تَحَمَّلَ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ قِبَلَ فُلَانٍ فِي لُزُومِ غُرْمِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ بِإِقْرَارِهِ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ نَقَلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ فِي الْبَزَّازِ وَمَا الْعَادَةُ الْمُدَايِنَةُ فِيهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَسَمِعَ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ أَنَا حَمِيلٌ بِمَا بُويِعَ بِهِ فُلَانٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِمَّا بُويِعَ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إلَّا بِإِقْرَارِهِ وَكَذَا مَنْ شُكِيَ إلَيْهِ مَطْلُ رَجُلٍ فَقَالَ مَا عَلَيْهِ عَلَيَّ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ إلَّا مَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُهُ قَوْلُهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بَايِعْ فُلَانًا فَمَا بَايَعْته بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَا ضَامِنٌ ثَمَنَهُ لَزِمَهُ إذَا ثَبَتَ مَا بَايَعَهُ بِهِ زَادَ غَيْرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُدَايِنَ بِمِثْلِهِ الْمَحْمُولُ عَنْهُ وَلَا خِلَافَ عِنْدِي فِيهِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّكْوَى. وَقَالَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ: هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ خِلَافُ دَلِيلِ قَوْلِهَا فِيمَنْ قَالَ: لِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا بِهِمَا كَفِيلٌ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْ جَحَدَهُ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَدْ جَحَدَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُفْتَرِقَتَانِ مَنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ: لِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِينَارٍ أَنَا بِهَا كَفِيلٌ لَزِمَتْ الْكَفَالَةُ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَى فُلَانٍ حَقٌّ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا بِهِ كَفِيلٌ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَالَةُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَنَا ضَامِنٌ لِمَا بَايَعْت بِهِ فُلَانًا، أَوْ لِمَا بُويِعَ بِهِ وَمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ فِي قَوْلِهَا: مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْحَمَالَةُ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلِ قَوْلِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ يَجْحَدُهُ. وَأَنَّ عِيسَى سَمِعَ مِثْلَهُ خِلَافًا لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ وَفِي دَعْوَى ابْنِ رُشْدٍ الْفَرْقَ دُونَ تَبْيِينِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَدَّ مُسْتَدَلٍّ عَلَيْهِ بِدَعْوَى عَارِيَّةٍ عَنْ دَلِيلٍ لَغْوٌ اهـ وَنَصُّ كَلَامِ عِيَاضٍ الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فِيمَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ حَقًّا وَهُوَ مُنْكِرٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا كَفِيلٌ لَك بِهِ إلَى غَدٍ فَإِنْ لَمْ آتِك بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِلْمَالِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ فِي غَدٍ فَلَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ شَيْءٌ حَتَّى يَثْبُتَ الْحَقُّ بِبَيِّنَةٍ فَيَكُونُ حَمِيلًا، ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ إقْرَارَ الْمُنْكِرِ بَعْدُ لَا يُلْزِمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ إلَّا بِثَبَاتِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ نَصُّ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَعَلَى هَذَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ مَذْهَبَ الْكِتَابِ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ بَايِعْ فُلَانًا وَقِيلَ بِإِقْرَارِهِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ دَلِيلُ الْكِتَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ إنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَدْ جَحَدَهُ فَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَيْضًا اهـ. وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يُعَارِضْ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلِاتِّفَاقِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الثَّمَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكَفَالَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ بَقِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَهُ عَلَى فُلَانٍ غَرِمَهَا الْكَفِيلُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ ثَالِثَهَا إنْ كَانَ عَدِيمًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ غُرْمٌ لِلْحَمِيلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِسَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ مَعَ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَرِوَايَةِ أَشْهَبَ وَمَا يَقُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ (قُلْت) : وَفِي الشُّفْعَةِ مِنْهَا مَنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا عَلَيْهِ جَازَ فَإِنْ غَابَ الْمَطْلُوبُ قِيلَ لِلطَّالِبِ أَثْبِتْ حَقَّك بِبَيِّنَةٍ وَخُذْهُ مِنْ الْكَفِيلِ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْكَفِيلَ عَلَى عِلْمِهِ فَإِنْ

مسألة كيفية الضمان

نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَاسْتَحَقَّ (قُلْت) : اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لَمْ تَلْزَمْ الْكَفَالَةُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. وَقَالَ فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ لَا مُطَالَبَةَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لِلْحَمِيلِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فَإِنْ عَجَزَ وَزَعَمَ أَنَّ الْحَمِيلَ يَعْرِفُ الدَّيْنَ حَلَفَ الْحَمِيلُ عَلَى عِلْمِهِ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ، أَوْ أَقَرَّ حَلَفَ الطَّالِبُ أَنَّ الْحَمِيلَ يَعْرِفُ حَقَّهُ قَبْلَ الْغَرِيمِ وَغَرِمَ الْحَمِيلُ فَإِذَا، أَوْجَدَ الْحَمِيلُ الْغَرِيمَ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ غَرِمَ وَإِلَّا حَلَفَ وَبَرِئَ وَحُبِسَ الْحَمِيلُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الطَّالِبِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي عَقْدِ الْوَثِيقَةِ فِي الضَّمَانِ مَا نَصُّهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الضَّامِنِ فُلَانٍ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ قَبْلَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ثُمَّ قِيلَ فَإِنْ حَضَرَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ ضَمِنْتُهُ فِي عَقْدِ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَتَكْتَفِي بِمَا ذَكَرْنَا فِي النَّصِّ مِنْ مَعْرِفَةِ الضَّامِنِ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ لَهُ قَبْلَ الْغَرِيمِ فُلَانٍ بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ بَيِّنَةٌ وَحُضُورُهُ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ اهـ. [مَسْأَلَة كَيْفِيَّة الضَّمَان] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ شَخْصٌ عَامِلْ فُلَانًا فَهُوَ ثِقَةٌ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْحَمَالَةِ فِيهِ خِلَافًا هَلْ هُوَ ضَامِنٌ؟ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغُرُورِ بِالْقَوْلِ. ص (وَهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامِلُ بِهِ؟ تَأْوِيلَانِ) ش التَّقْيِيدُ بِمَا يُعَامِلُ بِهِ هُوَ قَوْلُ الْغَيْرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِلشُّيُوخِ كَلَامٌ فِي قَوْلِ الْغَيْرِ هَلْ هُوَ تَقْيِيدٌ، أَوْ خِلَافٌ؟ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ؟ لَا أَذْكُرُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ بَلْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ وَالصَّقَلِّيُّ عَلَى أَنَّهُ وِفَاقٌ اهـ وَعُمْدَةُ الْمُصَنِّفِ فِي ذِكْرِ التَّأْوِيلَيْنِ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَبِهِ فَسَّرَ الشَّارِحَانِ التَّأْوِيلَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَهُ تَقْيِيدًا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِخِلَافِ احْلِفْ وَأَنَا ضَامِنٌ) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ احْلِفْ فِي أَنَّ الَّذِي تَدَّعِي قِبَلَ أَخِي حَقٌّ وَأَنَا ضَامِنٌ ثُمَّ رَجَعَ: إنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ الطَّالِبُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَا غَرِمَ الْحَمِيلُ غَرِمَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ كَانَ لِلْحَمِيلِ أَنْ يُحَلِّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْحَمِيلَ إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الطَّالِبَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ أَوَّلًا وَأَشْبَهَتْ يَمِينُهُ يَمِينَ التُّهَمِ الَّتِي بِالنُّكُولِ عَنْهَا يَغْرَمُ اهـ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ. ص (وَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ فِيمَا إذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ: وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلِ رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ آخَرُ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ مَرِضَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ غَابَ اهـ. ص (وَإِنْ جَهِلَ) ش: مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا: ذَابَ لَك قِبَلَ فُلَانٍ الَّذِي تُخَاصِمُ فَأَنَا لَك بِهِ حَمِيلٌ فَاسْتَحَقَّ قِبَلَهُ مَالًا كَانَ هَذَا الْكَفِيلُ ضَامِنًا لَهُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ ذَابَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَلِفٍ سَاكِنَةٍ وَمَعْنَاهُ مَا ثَبَتَ لَك وَصَحَّ اهـ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا إشْكَالَ إنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ الضَّمَانِ فَقَوْلَانِ وَاسْتَقْرَأَهُمَا عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَابْن الْمَوَّازِ وَأَمَّا مَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْحَمَالَةِ فَيَلْزَمُهُ غُرْمُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ سَحْنُونٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مُعْسِرًا وَأَمَّا الْمُوسِرُ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ اهـ. وَهَذَا أَيْضًا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَأَصْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصُّهُ قَالَ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ

الحمالة بالمال المجهول

كِتَابِ الْمِدْيَانِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ هَلَكَ وَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا أَلْفًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا إلَّا ابْنًا لَهُ فَيَقُولُ ابْنُهُ لِغُرَمَائِهِ: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَلْفِ دِينَارٍ الَّتِي تَرَكَ أَبِي وَأَنْظِرُونِي بِدَيْنِ أَبِي إلَى سَنَتَيْنِ وَأَنَا ضَامِنٌ لَكُمْ جَمِيعَ دَيْنِ أَبِي قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَتَرَكَ مَالًا لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ وَفَاءٌ أَمْ لَا قُلْت: لَهُ قَدْ سَمِعْت مِنْك قَوْلًا قَالَ: مَا هُوَ قُلْت لَهُ قُلْت: إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ كَانَ لَهُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ النُّقْصَانِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ: نَعَمْ قُلْت لَهُ: إنَّمَا أَرَدْت مِنْهُ أَنَّهُ وَارِثٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا أَلْفًا وَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ. وَسُئِلَ أَنْ يُؤَخِّرُوهُ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَقَالَ: أَمَّا مِثْلُ هَذَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ مِثْلُ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ رَأَيْت لِابْنِ دَحُونٍ أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ رَدِيَّةٌ قَالَ لَوْ أَنَّهُ تَبِعَ فِيهَا ابْنَ هُرْمُزَ مَا أَجَازَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنًا لِيُعْطِيَ أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ وَلِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا عَلَى أَبِيهِ مِنْ دَيْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ إذْ لَوْ قَدِمَ غَرِيمٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَلَزِمَهُ دَيْنُهُ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَّا لِمَنْ حَضَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إذَا قَدِمَ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَكُلُّهُ غَرَرٌ وَقَوْلُ ابْنِ دَحُونٍ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى مَالِكٍ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَجَازَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ اتِّبَاعًا لِهُرْمُزَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَمَنْ أَخَذَ عَيْنًا لِيُعْطِيَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلِيَضْمَنَ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْمُتَوَفَّى مِنْ دَيْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ إذْ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُقَلِّدَ الْعَالِمَ فِيمَا يَرَى بِاجْتِهَادِهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ النَّظَرَ فِي نَازِلَةٍ إذَا وَقَعَتْ وَيُقَلِّدَ مَنْ نَظَرَ فِيهَا وَاجْتَهَدَ أَمْ لَا؟ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ مَسَائِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِمَ يُتَابِعُ مَالِكٌ ابْنَ هُرْمُزَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ نَظَرٍ بَلْ رَآهَا جَائِزَةً وَحَكَى إجَازَةَ ابْنِ هُرْمُزَ اسْتِظْهَارًا، وَاحْتِجَاجًا عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَلْفَ دِينَارٍ الَّتِي تَرَكَ الْمَيِّتُ لَمْ تَدْخُلْ بَعْدُ فِي ضَمَانِ الْغُرَمَاءِ فَيَكُونُونَ قَدْ دَفَعُوهَا فِي أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ ثُمَّ طَرَأَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ لَكَانَتْ دُيُونُهُمْ فِيهِ، وَكَانَتْ مُصِيبَةُ الْأَلْفِ مِنْ الْوَارِثِ فَلَمَّا كَانَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ جَازَ أَنْ يَحِلَّ الْوَارِثُ فِيهَا مَحَلَّهُ وَيَعْمَلَ مَعَ الْغُرَمَاءِ مَا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَهُ مَعَهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَلِسَ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا الْأَلْفُ دِينَارٍ وَلِلْغُرَمَاءِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ لَجَازَ أَنْ يَتْرُكُوا لَهُ الْأَلْفَ، وَيُؤَخِّرُوهُ بِحُقُوقِهِمْ حَتَّى يَتَّجِرَ بِهَا، وَيُوَفِّيهِمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُونُوا إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَعْطُوا أَلْفًا فِي أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ مَلَكُوا أَخْذَ الْأَلْفِ إذْ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدُ فِي ضَمَانِهِمْ فَلِذَلِكَ خُيِّرَ الْوَارِثُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إرَادَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً إلَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ تِجَارَتَهُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَهَذَا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. وَزَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا طَرَأَ غَرِيمٌ لَزِمَ الِابْنَ ضَمَانُ مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْحَمَالَةَ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمَالَةَ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ الْحَمَالَةُ بِالْمَالِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَائِزَةٌ، وَيَضْرِبُ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا يَرَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ لَمْ يُوَفِّك فُلَانٌ حَقَّك فَهُوَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا تَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى ثُمَّ لَزِمَهُ الْمَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مَلِيًّا، وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك فُلَانٌ حَقَّك حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَيَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ يُرِيدُ يَمُوتُ عَدِيمًا ابْنُ يُونُسَ، وَلَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ مِنْ مَالِهِ قَدْرُ الدَّيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَحْمُولُ عَنْهُ عَدِيمًا أَخَذَ الْمَحْمُولُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالَ الْمَوْقُوفَ اهـ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ إلَى الْغَرِيمِ إلَى خُرُوجِ الْعَطَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إنْ كَانَ فِي قَرْضٍ، أَوْ فِي تَأْخِيرٍ بِثَمَنِ بَيْعٍ صَحَّتْ عُقْدَتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَجْهُولًا اهـ. وَفِي اللَّخْمِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَسَيَقُولُ

الْمُؤَلِّفُ: أَوْ إنْ مَاتَ. ص (كَأَدَائِهِ رِفْقًا) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَبَّ الدَّيْنِ قَبُولُهُ وَلَا كَلَامَ لَهُ وَلَا لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا دَعَا أَحَدُهُمَا إلَى الْقَضَاءِ فَإِنْ امْتَنَعَا مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمَا حِينَئِذٍ ثُمَّ وَقَفْت عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ إنْ أَمَرَهُ بِهِ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ. ص (لَا عَنَتًا) ش: أَيْ لَا إنْ أَدَّى عَنْهُ الدَّيْنَ لِيُعْنِتَهُ أَيْ لِيُتْعِبَهُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إلَّا أَنْ يَغِيبَ الطَّالِبُ بِالْمَالِ، فَيُقِيمَ الْقَاضِي وَكِيلًا يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرِيمِ اهـ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ. ص (كَشِرَائِهِ) ش: أَيْ لِقَصْدِ الضَّرَرِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَدَاؤُهُ عَنْهُ عَنَتًا وَشِرَاؤُهُ لِقَصْدِ الضَّرَرِ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، وَهَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ بِقَرَائِنَ تَدُلُّ الشُّهُودَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ اهـ. ص (. إنْ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ وَهَلْ بِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: الشَّرْطُ وَمَا بَعْدَهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ اُنْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْحَمَالَةِ، وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا مِنْهُ ذَلِكَ. ص (كَقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ أُوَفِّك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ حَقٌّ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُهُ أُوَفِّك بِأَلِفٍ بَعْدَ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنْ الْمُوَافَاةِ وَهِيَ الْمُلَاقَاةُ وَيُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ وَمِنْ كِتَابِ الْجِدَارِ وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ يُوَفِّهِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَى أَجَلٍ سَمَّيَاهُ، فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا، أَوْ دَعْوَى صَاحِبُهُ حَقٌّ إنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَخْلُفُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ هَذَا الشَّرْطُ، فَقَالَ: لَا يُوجِبُ هَذَا الشَّرْطُ حَقًّا لَمْ يَجِبْ وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا قَدْ وَجَبَ، وَهَذَا بَاطِلٌ. وَسُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا لِيَوْمٍ يُسَمِّيَانِهِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنِّي أَخَافُ أَنْ تُخْلِفَنِي فَأَنْقَلِبُ وَأُغَرِّمُك دَابَّتِي فَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُهُ إنْ أَخْلَفْتُك فَعَلَيَّ كِرَاءُ الدَّابَّةِ ثُمَّ يُخْلِفُهُ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ اهـ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ أُوَفِّك بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ، وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ الْوَفَاءِ وَنَحْوُهُ فِي الْحَمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا، وَإِنْ أَنْكَرَ مُدَّعًى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِلطَّالِبِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ أُوَفِّك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلِي حَقٌّ فَهَذَا مُخَاطَرَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةً اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إذْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَوْ شَرَطَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّوْبِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ الشَّيْخُ، وَكَذَلِكَ مَا يَقُولُهُ النَّاسُ

فرع قال لغريمه إن عجلت لي من حقي كذا وكذا فبقيته موضوعة عنك

الْيَوْمَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَقْتَ كَذَا فَالْحَقُّ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ اهـ. [فَرْعٌ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ عَجَّلْت لِي مِنْ حَقِّي كَذَا وَكَذَا فَبَقِيَّتُهُ مَوْضُوعَةٌ عَنْك] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ عَجَّلْت لِي مِنْ حَقِّي كَذَا وَكَذَا فَبَقِيَّتُهُ مَوْضُوعَةٌ عَنْك إمَّا السَّاعَةَ، أَوْ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ فَيُعَجِّلُ ذَلِكَ فِي السَّاعَةِ، أَوْ فِي الْأَجَلِ إلَّا الدِّرْهَمَ، أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ هَلْ يَلْزَمُهُ الْوَضِيعَةُ فَقَالَ عِيسَى فِي كِتَابِ الْجِدَارِ مَا أَرَى الْوَضِيعَةَ تَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يُعَجِّلْ جَمِيعَ حَقِّهِ اهـ بِالْمَعْنَى. ص (وَرَجَعَ بِمَا أَدَّى وَلَوْ مُقَوَّمًا) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ: أَمَّا إذَا اشْتَرَى الْكَفِيلُ الْعَرْضَ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ فَلَا اخْتِلَافَ أَعْرِفُهُ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَا لَمْ يُحَابِ الْبَائِعَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ اهـ. ص (إنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ) ش: وَالدَّفْعُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ الْمُعَايِنَةِ لِلدَّفْعِ، أَوْ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَأَمَّا إقْرَارُ الْمَطْلُوبِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الدَّفْعُ فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْحَمِيلَ لَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ بِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ لِلطَّالِبِ إذَا أَنْكَرَ الطَّالِبُ الْقَبْضَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إذَا ادَّعَى الضَّامِنُ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْغَرِيمِ وَأَمَّا بِحَضْرَتِهِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْإِشْهَادِ. وَلَهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ كَانَ مِنْ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ الْحَمِيلَ أَدَّاهَا عَنْهُ بِحَضْرَتِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلضَّامِنِ فَهُوَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَفْعِهِ أَحَقُّ اهـ يُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَلَوْ أَنَّ الْحَمِيلَ دَفَعَهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ثُمَّ جَحَدَ الَّذِي قَبَضَهَا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ شَيْئًا، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ يَشْهَدُ أَنَّهُ دَفَعَهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أُخِذَتْ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْحَمِيلُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي دَفَعَ، وَكَانَ مُصِيبَةُ الْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الْحَمِيلِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا دَفَعَ عَشَرَةً مِنْ مَالِهِ إلَى الطَّالِبِ بِحَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ، وَلَمْ يُشْهِدْ فَجَحَدَ الْقَابِضُ، فَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّ مُصِيبَةَ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ الْحَمِيلِ الدَّافِعِ وَتُؤْخَذُ الْعَشَرَةُ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَإِنْ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَأُخِذَتْ مِنْ الْحَمِيلِ ثَانِيَةً رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: إنَّهُ إنْ أُخِذَتْ مِنْ الْحَمِيلِ ثَانِيَةً بِحَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ فَإِنْ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ ثَانِيَةً عَلَى قَوْلِهِ، وَأُخِذَتْ مِنْ الْمَطْلُوبِ رَجَعَ بِالْعَشَرَةِ الْأُولَى عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ هَذِهِ أَنَّهُ رَأَى التَّقْصِيرَ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَى الدَّافِعِ كَانَ مِنْ الْمَطْلُوبِ إذَا أَدَّاهَا الْحَمِيلُ عَنْهُ بِحَضْرَتِهِ إلَى الطَّالِبِ فَجَحَدَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ بِتَضْيِيعِهِ الْإِشْهَادَ فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا وَرَأَى فِي رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّ التَّقْصِيرَ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَى الدَّافِعِ كَانَ مِنْ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَالُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِشْهَادِ لَا مِنْ الْمَطْلُوبِ الْحَاضِرِ فَلَمْ يَرَ لَهُ بِهَا عَلَيْهِ رُجُوعًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ هُوَ أَتْلَفَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَالُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَفْعِهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهَذَا مَعْنَى اخْتِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ مَعْنَى اخْتِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ غَيْرُ هَذَا ثُمَّ ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بَلْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا إذَا دَفَعَ الْحَامِلُ الْمَالَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ دَفَعَهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْحَامِلِ لِيَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ فَدَفَعَهَا لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ فَإِنْ دَفَعَهَا بِحَضْرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَامِلِ الدَّافِعِ وَيَغْرَمُهَا الْمَطْلُوبُ ثَانِيَةً بَعْدَ يَمِينِ الطَّالِبِ الْجَاحِدِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ عَدِيمًا، أَوْ غَائِبًا، وَأُخِذَتْ مِنْ الْحَمِيلِ ثَانِيَةً لِعَدَمِ الْمَطْلُوبِ، أَوْ غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا، وَإِنْ دَفَعَهَا الْحَمِيلُ مِنْ مَالِ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ فَهَذَا ضَامِنٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَيَسُوغُ لِرَبِّ الْمَالِ تَضْمِينُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ جَحَدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى دَفْعِهِ اهـ مِنْ رَسْمِ، أَوْصَى لِمُكَاتَبِهِ مِنْ سَمَاعِ

فرع تكفل بوجه رجل فغاب الرجل فأخذ به الكفيل

عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ. ص (وَجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ) ش تَعَقَّبَهُ الْبِسَاطِيُّ بِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ صُلْحُ الْكَفِيلِ بَعْدَ مَحِلِّ أَجَلِ السَّلَمِ عَلَى مِثْلِ الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ أَجْوَدُ صِفَةً، أَوْ أَدْنَى وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ مِثْلَ الْكَيْلِ أَجْوَدُ صِفَةً، أَوْ أَرْدَأُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلٌ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَفِي الْكَيْلِ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ مَا أَدَّى، أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ اهـ. قَالُوا: وَالْقِيَاسُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. ص (أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ مَشْرُوطٌ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا حُضُورُ الْغَرِيمِ مُوسِرًا، أَوْ غَيْبَتُهُ إذَا لَمْ يَبْعُدْ عَلَى الطَّالِبِ إثْبَاتُ حَقِّهِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُعْدَى فِيهِ وَعَلَى النَّظَرِ فِيهِ [فَرْعٌ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ فَغَابَ الرَّجُلُ فَأَخَذَ بِهِ الْكَفِيلُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ رَجَزِ ابْنِ عَاصِمٍ لِوَلَدِ الْمُصَنِّفِ مَا نَصُّهُ وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ هُنَا مَا إذَا سَبَقَ عَقْدٌ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ عَلَى عَقْدِ الْكَفَالَةِ يَتَعَارَضُ طَلَبُ صَاحِبِهَا الْعَقْدَ السَّابِقَ مَعَ طَلَبِ الْمُتَحَمِّلِ لَهُ بِالْحَمَالَةِ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ إعْمَالُ الْعَقْدِ السَّابِقِ فَفِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ فَغَابَ الرَّجُلُ فَأَخَذَ بِهِ الْكَفِيلُ، فَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارِهِ، أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ فَالْإِجَارَةُ، أَوْلَى وَلَا يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي الدَّيْنِ مَعْرُوفٌ تَطَوَّعَ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ ظِئْرًا اُسْتُؤْجِرَتْ لِرَضَاعٍ قَبْلَ الْكَفَالَةِ لَمْ تُحْبَسْ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا وَالرَّضَاعُ أَوْلَى، فَإِذَا انْقَضَتْ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ طُولِبَتْ بِالْحَمَالَةِ اهـ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ اللَّخْمِيِّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مِلَائِهِ) ش: هَذَا خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ

ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْحَمِيلُ بَيِّنَةً بِمِلَاءِ الْغَرِيمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَوَجَبَ أَنْ يَغْرَمَ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ اسْتَظْهَرَ الْقَوْلَ الْآخَرَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْحَمِيلِ. (تَنْبِيهٌ) مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ هَلْ بِيَمِينٍ، أَوْ لَا لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ الْعِلْمَ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِيهَا: قَالَ سَحْنُونٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَحَمَّلِ لَهُ وَعَلَى الْكَفِيلِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْغَرِيمَ مَلِيءٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لِلْغَرِيمِ مَالٌ ظَاهِرٌ، فَالْحَمِيلُ غَارِمٌ. ص (وَإِنْ مَاتَ) ش: قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك حَقَّك حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ فَهُوَ عَلَيَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ جَهِلَ وَأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ يَمُوتُ عَدِيمًا وَلَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَحْمُولُ عَنْهُ عَدِيمًا أَخَذَ الْمَحْمُولُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالَ الْمَوْقُوفَ انْتَهَى. وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي هَذَا، وَنَصُّهُ اُنْظُرْ لَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ هَهُنَا هَلْ يُؤْخَذُ الْحَقُّ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْعَلُ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ كَالْحَمِيلِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَوَرَثَتُهُ يَقُولُونَ إنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ حَمَالَةً إلَّا بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ فَيَجِبُ أَنْ يُوقَفَ قَدْرُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ أَنَا حَمِيلٌ بِفُلَانٍ وَالدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ مَعْنَاهُ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَهُوَ عَدِيمٌ فَهُوَ إذَا مَاتَ أَيْضًا قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَأْتِ الْوَقْتُ الَّذِي تَحَمَّلَ إلَيْهِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. ص (وَلَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحَقِّ بِتَخْلِيصِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ) ش: كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرِيحٌ فِي طَلَبِ الضَّامِنِ رَبَّ الدَّيْنِ بِأَنْ يَتَخَلَّصَ دَيْنَهُ مِنْ الْغَرِيمِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَلَبَ الْكَفِيلُ بِمَا عَلَى الْغَرِيمِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ طَلَبٌ فِي حُضُورِ الْغَرِيمِ وَلِيُسْرِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ لَا يُلَائِمُهُ كُلَّ الْمُلَاءَمَةِ لَكِنْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمُعْسِرِ إلَخْ، وَيَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ

ابْنِ الْحَاجِبِ: لِلضَّامِنِ الْمُطَالَبَةُ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ يَعْنِي أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا تَوَجَّهَ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى غَرِيمِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ، أَوْ نَصَّ عَلَى تَأْخِيرِهِ فَلِلْحَمِيلِ أَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ، وَيَقُولُ لِرَبِّ الدَّيْنِ إمَّا أَنْ تَطْلُبْ حَقَّك مِنْ الْغَرِيمِ مُعَجَّلًا وَإِلَّا أَسْقِطْ عَنِّي الْحَمَالَةَ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ وُجُوبِهِ ضَرَرًا بِالْحَمِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا الْآنَ وَيَعْسُرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا مَقَالَ لِلْحَمِيلِ؛؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَى الْغَرِيمِ فِي هَذَا الْحَالِ انْتَهَى وَأَمَّا طَلَبُ الضَّامِنِ الْمِدْيَانَ بِأَنْ يُخَلِّصَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لِلْكَفِيلِ إجْبَارُ الْأَصْلِ عَلَى تَخْلِيصِهِ إذَا طَلَبَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ (قُلْت) وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهَا فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ الطَّعَامِ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ لِيُوصِلَهُ إلَى رَبِّهِ وَلَهُ طَلَبُهُ حَتَّى يُوصِلَهُ إلَى رَبِّهِ وَيَبْرَأُ مِنْ حَمَالَتِهِ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ طَلَبُ الْمِدْيَانِ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ لَكَانَ حَسَنًا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ: وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ انْتَهَى وَكَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْت الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنَّمَا يَسْتَقِيمُ كَذَلِكَ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَطْلُبَ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الْغَرِيمُ بِالدَّيْنِ إذَا طُولِبَ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَمَّا كَوْنُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ فَلِأَنَّ لَفْظَ الْأَصْلِ إنَّمَا يُطْلَقُ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى الْغَرِيمِ وَأَمَّا كَوْنُ الصَّوَابِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ فَلِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَرِيمَ مُعْسِرٌ، وَإِذَا كَانَ مُوسِرًا فَلَا يُطَالِبُ الْحَمِيلَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ لَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَعَلَّ صَاحِبَ التَّوْضِيحِ فَهِمَ الْأَصْلَ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ (الثَّانِي) حَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلًا كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ طَلَبُ الضَّامِنِ الْمِدْيَانَ بِأَنْ يُخَلِّصَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ بِرُمَّتِهِ، وَقَالَ إثْرَهُ وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْفَهْمِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) حَمْلُ الشَّارِحِ كَلَامَ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ عَلَى الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ طَلَبُ الضَّامِنِ رَبَّ الدَّيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ دَيْنَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَلَامُهُ إنَّمَا هُوَ فِي طَلَبِ الضَّامِنِ الْمَدِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضَمِنَهُ إنْ اقْتَضَاهُ لَا أَرْسَلَ بِهِ) ش تَصَوُّرُهُ مِنْ الشَّارِحِ وَضَحَ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَطْلُبَ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَأَخَذَ كَفِيلًا. وَنَصُّ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ: لَا يَخْلُو قَبْضُ الْكَفِيلِ الطَّعَامَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِنْ خَمْسَةِ، أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَلَا يَخْلُو الطَّعَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِيَدِهِ، أَوْ فَائِتًا فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالطَّالِبُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْكَفِيلَ، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْأَصْلَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ فَاتَ الطَّعَامُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِتَلَفٍ، أَوْ إتْلَافٍ فَإِنْ كَانَ بِتَلَفٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ خَاصَّةً، ثُمَّ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْهُودِ فِي الْحَمَالَةِ هَلْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى التَّبْدِئَةِ، أَوْ التَّخْيِيرِ؟ وَإِنْ كَانَ بِإِتْلَافٍ مِنْ الْكَفِيلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْأَصْلِ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامُ فَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصْلِ فَإِنْ غَرِمَهُ لِلْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمِثْلِ طَعَامِهِ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ إنْ بَاعَهُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ مَا أَخَذَ مِنْ الْأَصْلِ غَرِمَهُ لِلْأَصْلِ فَأَرَادَ الْأَصْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ الطَّعَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ

الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (الثَّانِي) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ فَإِذَا قَبَضَهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْوَكِيلِ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الطَّالِبَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِقَبْضِ الْكَفِيلِ فَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بَعْدَ صِحَّةِ قَبْضِهِ فَالْعَدَاءُ عَلَى الطَّالِبِ وَقَعَ بِلَا إشْكَالٍ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ إمَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ كَمَا إذَا غَابَ الطَّالِبُ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَخَافَ الْكَفِيلُ إعْدَامَ الْأَصْلِ وَإِحْدَاثَ الْفَلَسِ لِيُؤَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَبَضَهُ بِحُكْمِ قَاضٍ، أَوْ يَكُونُ قَبْضُهُ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَالْكَفِيلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ضَامِنٌ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الطَّعَامِ وَذِمَّتُهُ بِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ عَامِرَةٌ حَتَّى يُوصِلَهُ إلَى الطَّالِبُ، وَلِلطَّالِبِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا مَعَ قِيَامِ الطَّعَامِ بِيَدِ الْكَفِيلِ وَفَوَاتِهِ فَإِنْ غَرِمَ الْأَصْلُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامِهِ، أَوْ مِثْلِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهُ، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ إنْ شَاءَ أَخْذَ الثَّمَنِ وَلَا يَجُوزُ لِلطَّالِبِ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا أَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الطَّالِبُ مِثْلَ طَعَامِهِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ مَا اقْتَضَاهُ كَانَ الثَّمَنُ سَائِغًا لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَصْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ الطَّعَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (الرَّابِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْقَبْضِ الْوَكِيلُ يَدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالْأَصْلُ يَقُولُ: بَلْ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ الْقَابِضُ قَبَضْتُهُ عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ قِرَاضًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ لِلدَّافِعِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْقَابِضِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْأُصُولُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْحَظْرِ، وَالْكَفِيلُ هَهُنَا قَدْ ادَّعَى قَبْضًا صَحِيحًا، وَالْأَصْلُ قَدْ ادَّعَى قَبْضًا فَاسِدًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ الَّذِي هُوَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَشْبَهَ، وَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مُبَاحًا وَالْأَصْلُ قَدْ ادَّعَى الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُ لِيَدْفَعَ إلَى الطَّالِبِ لِكَيْ يَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مَحْظُورًا، فَيُوجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ (الْخَامِسُ) إذَا أُبْهِمَ الْأَمْرُ وَعَرَا الْقَبْضُ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَقَدْ مَاتَ الْكَفِيلُ، أَوْ الْأَصْلُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الرِّسَالَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْقَبْضُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ حَتَّى تَثْبُتَ الرِّسَالَةُ؟ فَهَذَا مِمَّا يَتَخَرَّجُ بِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَادَّعَى التَّلَفَ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَإِنْ قَبَضَ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَالضَّمَانُ مِنْ الدَّافِعِ، وَالْمُصِيبَةُ مِنْهُ بَعْدَ يَمِينِ الْقَابِضِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّلَفِ وَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَمِيلِ فِي ضَيَاعِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنْ اُتُّهِمَ أُحْلِفَ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي: إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ التَّلَفِ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ اُتُّهِمَ كَالْمُودِعِ وَإِذَا صُدِّقَ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ التَّلَفِ وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الطَّالِبِ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الِاخْتِلَافُ بِالْمَعْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ مِنْ كِتَابِ

الْوَكَالَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ إذَا غَرِمَ الدَّافِعُ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مُطَرِّفٌ: وَيَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ إلَى الَّذِي وَكَّلَهُ حَتَّى تَلِفَ، وَقَالَ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ، وَهَذَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَأَمَّا إنْ ادَّعَاهَا الْوَكِيلُ فَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ إنَّ الْكَفِيلَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ قَبَضَهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ بِقَضَاءِ سُلْطَانٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: إنَّ سَحْنُونًا أَنْكَرَ هَذَا اللَّفْظَ، وَقَالَ: لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ هُنَا حُكْمٌ قَالَ: وَرَأَيْت فِيمَا أَمْلَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَحَلَّ الْأَجَلُ فَقَامَ الْكَفِيلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ تُعْدِمَ إلَى أَنْ يَقُومَ الَّذِي عَلَيْهِ، فَأَغْرَمُ أَنَا فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَلِيًّا فَلَا يَكُونُ لِلْحَمِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، أَوْ كَانَ مُلِدًّا قَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْحَقِّ وَأَبْرَأهُ مِنْهُ وَجُعِلَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ عَدْلٍ، أَوْ عَلَى يَدِ الْكَفِيلِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَنَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ فَضْلِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ الشَّيْخُ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا إحَالَةً لِلْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهِهَا إذْ لَا ضَمَانَ فِي هَذَا الْفَرْضِ الَّذِي ذَكَرَ. وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فِيهَا الضَّمَانُ فَتَأَمَّلْ هَذَا اهـ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْحُكْمِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَإِذَا أَرَادَ الْحَمِيلُ أَخْذَ الْحَقِّ بَعْدَ مَحِلِّهِ، وَالطَّالِبُ غَائِبٌ، وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عَدَمُهُ قَبْلَ قُدُومِ الطَّالِبِ، أَوْ لَا يَخَافُ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ اللَّدَدِ وَالْمَطْلِ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْحَمِيلُ أَمِينًا أُقِرَّ عِنْدَهُ وَإِلَّا أُودِعَ لِبَرَاءَةِ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ، وَضَمَانُ الْمَالِ مِنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ لَهُ بِالْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَلِيًّا وَفِيهَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَوْ قَضَاهُ الْغَرِيمُ مُتَبَرِّعًا، أَوْ بِاقْتِضَاءٍ مِنْ الْكَفِيلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: مَعْنَى تَبَرُّعًا أَنَّهُ اقْتَضَاهُ فَدَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ تَبَرُّعًا وَلَمْ يُكَلِّفْهُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِهِ سُلْطَانٌ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَتَبَرَّعَ لِلْغَرِيمِ بِدَفْعِ ذَلِكَ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الرِّسَالَةِ عَبْدُ الْحَقِّ إنْ قِيلَ إذَا قَبَضَهُ الْكَفِيلُ بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْلَمُ قَبْضُهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ عَلَى الرِّسَالَةِ وَهُوَ قَدْ قَالَ سَوَاءٌ تَبَرَّعَ بِدَفْعِهِ، أَوْ اقْتَضَى عِنْدَ الْكَفِيلِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُحْمَلُ قَبْضُهُ إيَّاهُ إذَا وَقَعَ مُجْمَلًا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ الرِّسَالَةِ فَهَهُنَا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ قَدْ تَبَرَّعَ بِدَفْعِهِ لِلْكَفِيلِ حُمِلَ عَلَى الرِّسَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ اقْتَضَاهُ فِيهِ فَهُوَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَيَضْمَنُهُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ خُذْ عَلَيَّ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ فَهَذِهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَيَضْمَنُهُ قَابِضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْكَفِيلُ بَدَأَ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ الِاقْتِضَاءِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ لِيَبْرَأَ مِنْ حَمَالَتِهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا أَجِيرُ الْمَطْلُوبِ دُونَك فَهَذَا كُلُّهُ أَبْرَأَ ذِمَّةَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَصَارَ هُوَ الْمَطْلُوبَ اهـ. (الثَّانِي) قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَقَّ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ مِنْ الْغَرِيمِ فَاعْلَمْهُ (الثَّالِثُ) قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ عِبَارَةِ التَّهْذِيبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا بِكَمَالِهَا هُنَا وَإِذَا قَبَضَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَيْك فَتَلِفَ عِنْدَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ ضَمِنَهُ قَامَتْ بِهَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا قَضَاهُ ذَلِكَ الْغَرِيمُ مُتَبَرِّعًا، أَوْ بِاقْتِضَاءٍ مِنْ الْكَفِيلِ بِقَضَاءِ سُلْطَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا إنْ أَقْبَضَهُ الْكَفِيلُ بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ لَمْ يَضْمَنْ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّمَا ضَمِنَهُ إذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فَهُوَ ضَامِنُ عَدَاءٍ فَلِذَلِكَ ضَمِنَهُ وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. ص (وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمُعْسِرِ) ش: الْهَاءُ مِنْ لَزِمَهُ عَائِدَةٌ عَلَى الضَّامِنِ فِي

مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ وَتَأْخِيرُ هُوَ فَاعِلُ لَزِمَهُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ رَبُّهُ وَهَاءُ رَبِّهِ عَائِدَةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَالْمُعْسِرُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ وَهُوَ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَقُولُ لِلْغَرِيمِ: لَمَّا أَنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَوَجَدْت الْغَرِيمَ مُوسِرًا كَانَ حَقُّك أَنْ تَطْلُبَنِي فَتَأْخِيرُك لِلْغَرِيمِ إسْقَاطٌ لِلْكَفَالَةِ عَنِّي فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّأْخِيرَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَالَةُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ الْمُوسِرُ إنْ سَكَتَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ سَكَتَ الْحَمِيلُ، وَقَدْ عَلِمَ بِالتَّأْخِيرِ لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ اهـ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقَايِيدِ سَكَتَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ، وَانْظُرْ مَا فِي التَّقَايِيدِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَسْكُتَ قَدْرَ مَا يُرَى أَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا قَالَ فِي الْعُيُوبِ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي دَلَّسَ الْبَائِعُ بِحَمْلِهَا قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِالطَّلَبِ وَلَمْ يُفَرِّطْ عِنْدَمَا ظَهَرَ بِهَا الطَّلْقُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ، وَانْظُرْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلِمَ وَسَكَتَ هَلْ يُحَلِّفُهُ أَمْ لَا. ص (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطًا) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَمِيلُ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ حَلَفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ لِيُسْقِطَ الْكَفَالَةَ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَحْمَلُ قَوْلِهِ أَنَّ ذِمَّةَ الْغَرِيمِ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ ثُمَّ أَعْسَرَ الْآنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي حَقِّهِ حَتَّى تَلِفَ مَالُ غَرِيمِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْكَفِيلُ فَيُعَدُّ رَاضِيًا اهـ. فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ، وَانْظُرْ لَوْ أَشْهَدَ رَبُّ الدَّيْنِ وَقْتَ التَّأْخِيرِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْمَدِينَ غَيْرَ مُسْقِطٍ لِلْحَمَالَةِ هَلْ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَلِفِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَلِفِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ وَلَزِمَهُ) ش: أَيْ، وَإِنْ أَنْكَرَ الضَّامِنُ التَّأْخِيرَ حِينَ عَلِمَ بِهِ حَلَفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَمَالَةَ وَلَزِمَ الضَّمَانُ الضَّامِنَ وَسَقَطَ التَّأْخِيرُ وَيَبْقَى الْحَقُّ حَالًّا فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ حَلَفَ، أَوْ نَكَلَ وَقِيلَ: إنَّهَا لَازِمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَإِنْ أَخَّرَهُ مَلِيًّا فَأَنْكَرَ حَمِيلُهُ فَفِي سُقُوطِ حَمَالَتِهِ وَبَقَائِهَا. (ثَالِثُهَا) إنْ أَسْقَطَ الْحَمَالَةَ صَحَّ تَأْخِيرُهُ وَإِلَّا حَلَفَ مَا أَخَّرَ إلَّا عَلَى بَقَائِهَا وَسَقَطَ تَأْخِيرُهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ لِلْغَيْرِ فِيهَا وَغَيْرُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا اهـ. غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْ الْبَيَانِ إثْرَ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَالْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ: بِكُلِّ حَالٍ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ مَعَ حَلِفِهِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي. وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظِ وَالْكَفَالَةُ ثَابِتَةٌ بِكُلٍّ حَالٍ إثْرَ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي غَالِبِ نُسَخِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ لُزُومُ الْكَفَالَةِ إذَا نَكَلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَصُّ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَذْكُورِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْبَيَانِ الْأَوَّلِ أَنْ يَعْلَمَ فَيُنْكِرَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ الطَّالِبِ وَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُسْقِطَ الْكَفَالَةَ وَإِلَّا فَاحْلِفْ أَنَّك مَا أَخَذْته إلَّا عَلَى أَنْ يَبْقَى الْكَفِيلُ

فروع الأول باع مولى وأخذ حميلا بالثمن فرد ذلك السلطان وأسقطه عن المولى

عَلَى كَفَالَتِهِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَالْكَفَالَةُ ثَابِتَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ سَكَتَ فِيهَا عَنْ الْيَمِينِ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَقِيلَ إنَّهَا لَازِمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ اهـ. هَكَذَا فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ التَّوْضِيحِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْبِسَاطِيُّ أَعْنِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَالثَّانِي سَاقِطَةٌ، وَالثَّالِثُ لَازِمَةٌ وَاسْتَشْكَلَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَنَصُّ كَلَامِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلَ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ (قُلْت) : فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ كَانَتْ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِالتَّأْخِيرِ الْكَفَالَةَ فَإِذَا نَكَلَ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَسْقُطَ الْكَفَالَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَاسْتِشْكَالُهُ هَذَا يَرْتَفِعُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِيهِ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لَا ثَابِتَةٌ وَيَبْقَى الْإِشْكَالُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ لَكِنَّ مَا فِي الْبَيَانِ يُبْقِي الْقَوْلَ الثَّانِيَ كَأَنَّهُ الْأَوَّلُ لَا كَمَا اسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ وَلَكِنْ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ بِزَوَالِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِي الْبَيَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ كَذَلِكَ نَقَلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ فَلَا تَسْقُطُ الْكَفَالَةُ وَيَسْقُطُ التَّأْخِيرُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْكُلَ فَتَسْقُطَ الْكَفَالَةُ وَلَا يَسْقُطُ التَّأْخِيرُ وَالْقَوْلُ الَّذِي لِلْغَيْرِ يَقُولُ: الْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ بِمُجَرَّدِ التَّأْخِيرِ وَالثَّالِثُ يَقُولُ ثَابِتَةٌ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَبَطَلَ إنْ فَسَدَ مُتَحَمِّلٌ بِهِ) ش: هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَهِيَ فِي الْبَيَانِ قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكَفَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَهِيَ سَاقِطَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا هَذَا تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ فِي اللُّزُومِ إذَا وَقَعَ الْفَسَادُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ عِلْمِ الطَّالِبِ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ اهـ. وَهَذَا الْأَخِيرُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ فَسَدَ بِكَجُعْلٍ. [فُرُوعٌ الْأَوَّلُ بَاعَ مَوْلًى وَأَخَذ حَمِيلًا بِالثَّمَنِ فَرَدَّ ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَأَسْقَطَهُ عَنْ الْمَوْلَى] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: فَرْعٌ فِي النَّوَادِرِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذَا بِعْت مَوْلًى وَأَخَذْت حَمِيلًا بِالثَّمَنِ فَرَدَّ ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَأَسْقَطَهُ عَنْ الْمَوْلَى فَإِنْ جَهِلْت أَنْتِ وَالْحَمِيلُ لَزِمَتْ الْحَمَالَةُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَك فِيمَا لَوْ شِئْت كَشَفْته، وَإِنْ دَخَلْت فِي ذَلِكَ بِعِلْمٍ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ عَلِمَ الْحَمِيلُ أَمْ لَا لِبُطْلَانِ أَصْلِهَا. [الفرع الثَّانِي نَصْرَانِيّ تَحْمِل عَنْ نَصْرَانِيّ سلفا فِي خَمْر أَوْ خِنْزِير ثُمَّ أسلم وَأَعْدَم الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ] (الثَّانِي) قَالَ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَسُئِلَ عَنْ النَّصْرَانِيِّ سَلَّفَ نَصْرَانِيًّا خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا وَتَحَمَّلَ لَهُ نَصْرَانِيٌّ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَأَسْلَمَ الْحَمِيلُ وَأَعْدَمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَالَ: فَلَيْسَ عَلَى الْحَمِيلِ الَّذِي أَسْلَمَ شَيْءٌ، وَيَتْبَعُ النَّصْرَانِيُّ غَرِيمَهُ النَّصْرَانِيَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُلُّ حَمَالَةٍ كَانَ أَصْلُ شِرَائِهَا حَرَامًا فَلَيْسَ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ مِمَّا تَحَمَّلَ شَيْءٌ اهـ. [الفرع الثَّالِث حَمَالَةُ الْمُكَاتَبِ] (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَبْلَ تَرَاجُعِ الْحُمَلَاءِ ابْنُ حَارِثٍ لَا تَجُوزُ حَمَالَةُ الْمُكَاتَبِ اتِّفَاقًا وَلَوْ تَحَمَّلَ مَعَ حُرٍّ بِحَقٍّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَمِيلٌ بِالْآخَرِ فَفِي لُزُومِ كُلِّ الْحَقِّ، أَوْ شَرْطِهِ قَوْلَا ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنَقَلَهُ اهـ. [الفرع الرَّابِع أبرأ الْحَمِيل ثُمَّ ادَّعَى كَرَاهَة ذَلِكَ] (الرَّابِعُ) قَالَ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ فِي رَجُلٍ أَسَلَفَ رَجُلًا دِينَارًا إلَى أَجَلٍ وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلًا، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ جَعَلَا الدِّينَارَ فِي عَشَرَةِ أَرَادِبَ إلَى الْغَلَّةِ فَلَقِيَ الْحَمِيلَ فَقَالَ قَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُك مِنْ الدِّينَارِ الَّذِي تَحَمَّلْت لِي بِهِ وَأَشْهَدَ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هَذَا مَكْرُوهٌ وَلَمْ أَعْلَمْ وَتَعَلَّقَ بِالْحَمِيلِ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْحَمِيلِ، وَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْحَمَالَةِ وَلَا يَنْفَعُهُ مَا جَهِلَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُهُ الْحَرَامُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْحَمِيلُ بَرِيءٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا بَطَلَتْ الْحَمَالَةُ بِالدِّينَارِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَبْرَأَ مِنْهَا بِمَا ظَنَّ مِنْ جَوَازِ فَسْخِ الدِّينَارِ فِي الشَّعِيرِ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ يَعْذُرْهُ بِالْجَهَالَةِ وَهُوَ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِهَا إذَا

كَانَ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا أَبْرَأَهُ إلَّا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الدِّينَارَ قَدْ بَطَلَ، وَهَذَا نَحْوُ مَا يَحْكِي ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِي الْحَمِيلِ بِمَا عَلَى الْغَرِيمِ إذَا أَخَذَ لَهُ الْحَقَّ مِنْ الْغَرِيمِ عَبْدًا بِالْحَقِّ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ مِنْ يَدِهِ فَرَجَعَ إلَى الْغَرِيمِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْحَمِيلِ، وَقَدْ بَرِئَ الْحَمِيلُ حِينَ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ بِالْحَقِّ مَا أَخَذَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. ص (أَوْ فَسَدَتْ بِكَجُعْلٍ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النُّسَخِ وَمَعْنَاهَا فَاسِدٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ فَالنُّسْخَةُ

الصَّحِيحَةُ هِيَ النُّسْخَةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ غَازِيٍّ وَنَصُّ كَلَامِهِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ غَيْرَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ وَالرَّاءِ وَكَمَدِينِهِ بِالْكَافِ الَّتِي لِلتَّشْبِيهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ: لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، أَوْ مِنْ الْمَدِينِ، أَوْ غَيْرِهِمَا وَفِي بَعْضٍ، وَإِنْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ بِلَفْظِ عِنْدَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالدَّالِ وَلِمَدِينِهِ بِاللَّامِ وَصَوَابُهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ: لَا مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ بِلَا النَّافِيَةِ حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ أَعْطَى الْمِدْيَانَ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَغَيْرُهُ الْجَوَازُ أَبْيَنُ انْتَهَى. وَهَاتَانِ النُّسْخَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا غَيْرُ مَشْهُورَتَيْنِ وَالنُّسْخَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا بِإِسْقَاطِ وَإِنْ وَغَيْرَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ وَالرَّاءِ وَلِمَدِينِهِ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ مَعْنَاهَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ يَفْسُدُ إذَا دَفَعَ غَيْرُ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ لِرَبِّ الدَّيْنِ حَمِيلًا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْجُعْلَ لَوْ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ لَصَحَّ فَأَحْرَى إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ بَدَلَ اللَّامَ كَافٌ لَصَحَّتْ؛ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُ يَدَّعِي فِيهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجُعْلُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ أَحْرَوِيًّا فَأَوْلَى النُّسَخِ وَأَحْسَنُهَا النُّسْخَةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ غَازِيٍّ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ بِكَجُعْلٍ جَمِيعُ الصُّوَرِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا الْحَمَالَةُ لِدُخُولِ الْفَسَادِ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالطَّالِبِ، أَوْ الْمَطْلُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. (تَنْبِيهٌ)

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الضَّمَانَ سَقَطَ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ خِلَافَهُ وَفَصَّلَ فِيهِ وَنَصُّهُ: وَالضَّمَانُ بِجُعْلٍ لَا يَجُوزُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ صَاحِبِ الْأَنْبَاءِ إجْمَاعًا اللَّخْمِيُّ مَنْ جَعَلَ لِرَجُلٍ دِينَارًا لِيَتَحَمَّلَ لَهُ بِثَمَنِ مَا بَاعَهُ لِأَجَلٍ بَطَلَتْ الْحَمَالَةُ، وَالْجُعْلُ لَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا فَعَلَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَتْ الْحَمَالَةُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ حَتَّى أَخْرَجَ سِلْعَتَهُ وَلَوْ عَلِمَ الْبَائِعُ فَفِي سُقُوطِ الْحَمَالَةِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ قَائِلًا: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ سَبَبٌ اللَّخْمِيُّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ دُونَ حَمَالَةٍ وَفَسْخِهِ وَلَوْ جَهِلَا حُرْمَتَهُ فَلَا صَبْغَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَمِيلِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُ الْحَمَالَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ سَبَبٌ وَيُخْتَلَفُ عَلَى هَذَا إنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَزِنَ عَنْهُ فُلَانٌ ثَمَنَهَا بِجُعْلٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَطْلُبَ فُلَانًا بِالثَّمَنِ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ وَلَهُ أَخْذُ سِلْعَتِهِ إنْ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ ثَمَنِهَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَمْضِي وَيَلْزَمُ فُلَانًا يُرِيدُ وَيَسْقُطُ الْجُعْلُ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَغَيْرِهِمْ مَنْ قَالَ: لِرَجُلٍ ضَعْ مِنْ دَيْنِك عَنْ فُلَانٍ وَأَتَحَمَّلُ لَك بِبَاقِيهِ لِأَجَلٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَخْذُهُ بِحَقِّهِ حَالًا رَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ جَوَازَهُ، وَكَرَاهَتَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَصْلُحُ كَمَنْ قَالَ أَعْطِنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَتَحَمَّلُ لَك فَالْحَمَالَةُ عَلَى هَذَا حَرَامٌ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ تَقُولَ: خُذْ هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَأَعْطِنِي بِمَا عَلَيْك حَمْلًا وَرَهْنًا وَعَلَى أَحَدِ أَقْوَالِ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ: أَتَحَمَّلُ لَك عَلَى أَنْ تُعْطِيَ فُلَانًا غَيْرَ الْغَرِيمِ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ مَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ لِأَجَلٍ فَأَسْقَطَ عَنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ دِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ بِالْبَاقِي رَهْنًا، أَوْ حَمِيلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ اللَّخْمِيُّ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ الْحَمِيلَ خَوْفُ عُسْرِ الْغَرِيمِ عِنْدَ الْأَجَلِ فَيَجِبُ تَأْخِيرُهُ فَأَخَذَهُ الْحَمِيلُ بِمَا وَضَعَ مِثْلُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ انْتَهَى وَسَيَأْتِي لَفْظُ اللَّخْمِيِّ وَفِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْبَيَانِ خِلَافُهُ أَيْضًا وَنَصُّهُ: إذَا تَحَمَّلَ الرَّجُلُ بِجُعْلٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الطَّالِبِ، أَوْ مِنْ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ عِلْمِ الطَّالِبِ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَرَدَّ الْجُعْلَ وَأَمَّا إنْ تَحَمَّلَ بِجُعْلٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ عَلِمَ الطَّالِبُ فَالْجُعْلُ سَاقِطٌ وَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَكَذَا إذَا الْتَزَمَ الْعُهْدَةَ عَنْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِجُعْلٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ مِنْ الْبَائِعِ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي، فَالْجُعْلُ مَرْدُودٌ، وَالِالْتِزَامُ سَاقِطٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ فَالْجُعْلُ لَازِمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ غَيْرِ فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا كَانَ الْجُعْلُ تَصِلُ مَنْفَعَتُهُ لِلْحَمِيلِ رُدَّ الْجُعْلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي ثُبُوتِ الْحَمَالَةِ وَسُقُوطِهَا وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَتَارَةً تَسْقُطُ الْحَمَالَةُ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ، وَتَارَةً تَثْبُتُ الْحَمَالَةُ وَالْبَيْعُ، وَالثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْحَمَالَةِ وَالْبَيْعِ جَمِيعًا فَإِذَا كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْبَائِعِ جَعَلَ لِرَجُلٍ دِينَارًا لِيَتَحَمَّلَ لَهُ بِمَا يَبِيعُ بِهِ سِلْعَتَهُ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ الْحَمَالَةُ سَاقِطَةً؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا مَحَلُّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا حَمَالَةٌ بِعِوَضٍ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ لِلْحَمِيلِ الْعِوَضُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْحَمَالَةُ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا فَعَلَهُ الْبَائِعُ مَعَ الْحَمِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لَهُ: تَحَمَّلَ عَنِّي بِمَا أَشْتَرِي بِهِ هَذِهِ السِّلْعَةَ وَلَك دِينَارٌ، وَالْبَائِعُ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا فَعَلَاهُ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَالْحَمَالَةُ لَازِمَةً؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ حَتَّى أَخْرَجَ سِلْعَتَهُ وَاخْتُلِفَ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِعِلْمِ صَاحِبِ الْحَقِّ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ يُرِيدُ: وَيَكُونُ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَهُ بِغَيْرِ حَمِيلٍ، أَوْ يَرُدَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ سَبَبٌ انْتَهَى. ، وَقَدْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْحَمَّالَةَ تَبْطُلُ مُطْلَقًا، وَعَطَفَ عَلَيْهِ بِقِيلِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ، أَوْ لَا يَعْلَمَ مَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ الْأَوْسَطِ وَالْأَصْغَرِ وَفِي الشَّامِلِ بَلْ كَلَامُهُ فِي

فرع المبارأة بضمان الأب

الشَّامِلِ مُضْطَرِبٌ لَا يُفْهَمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مُشَبِّهًا فِي الْفَسَادِ: كَجُعْلٍ مِنْ غَيْرِ ذِي دَيْنٍ لِغَرِيمٍ وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ رَبُّ الدَّيْنِ وَإِلَّا لَزِمَ وَالْجُعْلُ مَرْدُودٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ دَفَعَ الطَّالِبُ لِلْغَرِيمِ شَيْئًا لِيَأْتِيَهُ بِحَمِيلٍ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَثَالِثُهَا يُكْرَهُ انْتَهَى، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَلَا تَسْقُطُ الْحَمَالَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ الْمُبَارَأَةُ بِضَمَانِ الْأَبِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي تَرْجَمَةِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا لَهُ وَلَدٌ، وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ إذَا: انْعَقَدَتْ الْمُبَارَأَةُ بِضَمَانِ الْأَبِ، أَوْ غَيْرِهِ بِالْحَقِّ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ دَرْكٍ فَثَبَتَتْ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يُسْقِطُ عَنْهَا الِالْتِزَامَ لَزِمَ ذَلِكَ الضَّامِنَ وَقَضَى عَلَيْهِ بِهِ وَأَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَخَّارُ قَوْلَهُ هَذَا، وَقَالَ: إذَا سَقَطَ الِالْتِزَامُ عَنْ الْمَضْمُونِ بِثُبُوتِ ضَرَرٍ سَقَطَ عَنْ الضَّامِنِ إذَا لَمْ يَرْتَبِطْ بِذِمَّتِهَا حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مَا أُسْقِطَ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ الضَّامِنُ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا ظَنَّهُ لَازِمًا لِلْمَضْمُونِ عَنْهَا وَإِذَا سَقَطَ الْأَصْلُ فَالْفَرْعُ، أَوْلَى بِالسُّقُوطِ انْتَهَى وَكَأَنَّ ابْنَ الْفَخَّارِ أَنْكَرَ عُمُومَ قَوْلِهِ، أَوْ غَيْرِهَا فَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتَ الضَّرَرِ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ وَيُقَيَّدُ بِمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِمُوجِبِ السُّقُوطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلزَّوْجِ رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ) ش: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي عَلَى الْمَضْمُونِ دُونَ ثُلُثِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالشَّامِلِ وَابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَبِلُوهُ وَزَادَ: وَلَوْ شَرَطَتْ عَدَمَ الْغُرْمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ تَكَفَّلَتْ ذَاتُ زَوْجٍ بِوَجْهِ رَجُلٍ عَلَى أَنْ لَا مَالَ عَلَيْهَا فَلِزَوْجِهَا رَدُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولَ: قَدْ تُحْبَسُ وَأَمْتَنِعُ مِنْهَا وَتَخْرُجُ لِلْخُصُومَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا فَيَمْتَنِعُ أَيْضًا تَحَمُّلُهَا بِالطَّلَبِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بِسَجْنٍ) ش: قَالَ الْمَازِرِيُّ: " فِي وَعَلَى " أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْغَرِيمَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي حَبْسِ الْقَاضِي فَإِنَّ هَذَا التَّسْلِيمَ يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ لِكَوْنِ الْمُتَكَفَّلِ لَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ طَلَبِهِ، وَهُوَ فِي الْحَبْسِ بِمُحَاكَمَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ حَتَّى يُمَكِّنَهُ مِنْ حَقِّهِ وَيَقْضِيَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَحْبُوسِ، وَإِنْ وَجَبَ حَبْسُهُ زَادَ فِي مِقْدَارِ أَمَدِ الْحَبْسِ لِأَجْلِ هَذَا الطَّلَبِ الثَّانِي بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الِاجْتِهَادُ اهـ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ: وَأَخْرَجَ لَحَدٍّ بِمَعْنًى آخَرَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: وَلَوْ كَانَ حَبْسُهُ فِي دَمٍ، أَوْ دَيْنٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَيَكْفِي قَوْلُهُ بَرِئْت مِنْهُ إلَيْك وَهُوَ بِالسِّجْنِ فَشَأْنُك بِهِ كَأَنْ سَجَنَهُ فِي حَقٍّ، أَوْ تَعَدِّيًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْت) : فِي التَّعَدِّي نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِإِخْرَاجِهِ بِدَفْعِ التَّعَدِّي عَنْهُ اهـ. ص (إنْ أَمَرَهُ بِهِ) ش: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: فَهَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ الطَّالِبُ قَبُولَهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ الْحَمِيلُ وَلَوْ قَبِلَهُ بَرِئَ كَمَنْ دَفَعَ دَيْنًا عَنْ أَجْنَبِيٍّ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَرِيمِ وَلَهُ قَبُولُهُ فَيَبْرَأُ، زَادَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَمِيلُ أَمَرَهُ بِدَفْعِ نَفْسِهِ إلَيْهِ فَإِنْ أَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ أَحَدًا بَرِئَ الْحَمِيلُ اهـ. وَفِي الشَّامِلِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَمْرَهُ لَهُ بَرِئَ إنْ أَشْهَدَ لَهُ أَحَدًا اهـ. ص (وَبِغَيْرِ بَلَدِهِ) ش: يَصِحُّ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى

الِاشْتِرَاطِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ: إنَّهُ يُلَاحَظُ فِيهِ مَسْأَلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تُفِيدُ وَكَوْنُهُ قَدْ يُفِيدُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ لَا تُرَاعَى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الطَّالِبُ عَلَى الْحَمِيلِ أَنْ يُحْضِرَ لَهُ الْمِدْيَانَ بِبَلَدِهِ فَأَحْضَرَهُ فِي غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي أَحْضَرَهُ فِيهِ تَأْخُذُهُ فِيهِ الْأَحْكَامُ وَإِذَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ مَفْهُومَةً مِنْهُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ إحْضَارَهُ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَأَحْضَرَهُ الْحَمِيلُ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهَا الضَّمَانُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (. وَلَا يَسْقُطُ بِإِحْضَارِهِ إنْ حَكَمَ) ش: أَيْ إنْ حَكَمَ بِالْغُرْمِ وَلَوْ لَمْ يَغْرَمْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ قَبْلَ إحْضَارِهِ مَضَى اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَأَصْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَرَبُّ الدَّيْنِ مُخَيَّرٌ فِي اتِّبَاعِ الْغَرِيمِ الْحَاضِرِ، أَوْ الْحَمِيلِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص. (وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ) ش: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَمَالَةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمِدْيَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَاتَ فِي بَلَدِهِ، أَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. ص (وَرَجَعَ بِهِ) ش: يَعْنِي إذَا غَرِمَ الْحَمِيلُ ثُمَّ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ رَجَعَ الْحَمِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ إذَا غَرِمَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ هَلْ يَرْجِعُ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَغَرِمَ إنْ فَرَّطَ، أَوْ هَرَّبَهُ وَعُوقِبَ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّغْرِيمِ وَالْعُقُوبَةِ، وَاَلَّذِي فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُحْبَسُ إذَا حَصَلَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي الطَّلَبِ حَتَّى يَجْتَهِدَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ تَفْرِيطُهُ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ لَقِيَهُ وَتَرَكَهُ، أَوْ غَيَّبَهُ وَهَرَّبَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ عُقُوبَةً ص (وَأَذِينٌ) ش: هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْأَذِينُ

مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 167] وَمِنْ قَوْلِهِ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] قَالَ الشَّاعِرُ: فَقُلْت قَرِّي وَغُضِّي اللَّوْمَ إنِّي ... أَذِينٌ بِالتَّرَحُّلِ وَالْأُفُولِ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: وَإِنِّي أَذِينٌ إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكًا ... بِسَيْرٍ تَرَى فِيهِ الْفُرَانِقَ أَزْوَرَا ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذِينُ بِمَعْنَى الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَذِينَ وَالْأَذَانَ وَالْإِذْنَ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا بِمَعْلُومٍ مُتَيَقَّنٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ بِخِلَافِهِ إذْ هُوَ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَكَانَ قَوْلُ الرَّجُلِ: أَنَا أَذِينٌ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ إيجَابٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَدَاءَ الْمَالِ إلَيْهِ إذْ لَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ اللَّفْظُ إلَّا فِي الْوَاحِدِ الْمُتَيَقَّنِ اهـ. ص. (وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِخُصُومَةٍ) ش: أَيْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ. ص (إلَّا بِشَاهِدٍ) ش: الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْكَفِيلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ يَجِبُ الْكَفِيلُ بِالْوَجْهِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَاهِدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَذَكَرَ كَلَامَ الشُّيُوخِ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ خِلَافٌ، أَوْ وِفَاقٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الشركة

[بَابُ الشَّرِكَةِ] ش: ضَبَطَهَا فِي التَّوْضِيحِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَكَذَا الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا إلَّا كَسْرُ الشِّينِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَى وَضَبَطَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَصَدَّرَ الْجَلَالُ الْأَسْيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ بِالثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالشَّرِكَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَاءُ، وَقَدْ يُحْذَفُ أَوَّلُهُ مَعَ ذَلِكَ فَتِلْكَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَهِيَ مَا يَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَقَدْ يَحْصُلُ بِغَيْرِ قَصْدٍ كَالْإِرْثِ انْتَهَى. ص (إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا) ش يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ هِيَ إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، أَوْ بِبَدَنِهِ لَهُمَا أَيْ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ أَيْ أَنْ يَتَصَرَّفَ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ مَعَ أَنْفُسِهِمَا أَيْ مَعَ تَصَرُّفِهِمَا أَنْفُسِهِمَا أَيْضًا فَمَعْنَى الْحَدِّ أَنَّ الشَّرِكَةَ هِيَ إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ، أَوْ بِبَدَنِهِ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ مَعَ تَصَرُّفِهِمَا أَنْفُسِهِمَا أَيْضًا فَقَوْلُهُ: إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَشْمَلُ الْوَكَالَةَ وَالْقِرَاضَ وَقَوْلُهُ: لَهُمَا فَصْلٌ يَخْرُجُ بِهِ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إذْنٌ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ لِلْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ، وَقَوْلُ الشَّارِحَيْنِ إنَّ الْوَكَالَةَ خَرَجَتْ بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ مَعَ أَنْفُسِهِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ: أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي وَقَوْلُ الْآخَرِ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَأْذَنْ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِمَالِكِهِ نِيَابَةً عَنْهُ فَبَطَلَ بِهَذَا اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَذِنَ لَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ مَعَ أَنْفُسِهِمَا قَبِلُوهُ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ: أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي وَقَوْلِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِشَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْآخَرُ وَهُوَ لَازِمُ الشَّرِكَةِ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَنْفِي الْمَلْزُومَ انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِي هَذَا الشَّيْءِ لِي وَلَك لَكَانَتْ شَرِكَةً ثُمَّ تَجْرِي عَلَى أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَمَا يَفْسُدُ بِسَبَبِ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ الضَّمَانُ وَمَا لَا يَثْبُتُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنْفُسِهِمَا فَصْلٌ ثَانٍ خَرَجَ بِهِ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ تَصَرَّفْ فِي هَذِهِ الْمِائَةِ وَنَحْوِهَا: أَنْتَ وَحْدَك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي وَلَك بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرِكَةٍ فَقَوْلُهُ: لَهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالتَّصَرُّفِ وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنْفُسِهِمَا حَالٌ مِنْ الْإِذْنِ أَيْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ تَصَرُّفِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا. وَعَلَّقَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَهُ لَهُمَا بِالْإِذْنِ فَأَوْرَدَ مَا، أَوْرَدَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِخُرُوجِ شَرِكَةِ الْجَبْرِ كَالْوَرَثَةِ، وَشَرِكَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْنَهُمْ شَيْئًا، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ إذْ لَا إذْنَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا، وَلِذَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ تَصَرُّفِ أَحَدِهِمَا كَغَاصِبٍ أَمْ لَا ثُمَّ اُسْتُبْدِلَ بِمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ضَرْبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَنَظَائِرَ ذَلِكَ فَقَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ عَبْدٍ ضَرْبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ إلَّا فِي ضَرْبٍ لَا يَعِيبُ مِثْلَهُ، أَوْ ضَرْبِ أَدَبٍ قَالَ سَحْنُونٌ نُضَمِّنُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَأَجْنَبِيٍّ ابْنُ رُشْدٍ رَأَى مَالِكٌ شَرِكَتَهُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الضَّمَانَ فِي ضَرْبِ الْأَدَبِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ ضَرْبَهُ أَدَبًا يُفْسِدُهُ، وَعَلَيْهِ زَرْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَبِنَاؤُهُ فِي أَرْضٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِي كَوْنِهِ كَغَاصِبٍ يُقْلَعُ بِنَاؤُهُ، أَوْ زَرْعُهُ، أَوْ لَا لِشُبْهَةِ الشَّرِكَةِ فَيَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْإِبَّانُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ فِي نِصْفِ شَرِيكِهِ وَيَكُونَ لَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا، وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إيلَادِ الْعَبْدِ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرٍّ نِصْفُ قِيمَتِهَا جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: هَذَا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِمَا نَقَصَ نِصْفَ

ثَمَنِهَا عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا انْتَهَى وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ (قُلْت) وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ مَا ذُكِرَ بِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إنَّمَا هُوَ حَدُّ شَرِكَةٍ فِي التَّجْرِ إنَّهَا هِيَ الْمَعْقُودُ لَهَا التَّرْجَمَةُ، وَإِنْ ذَكَرَ غَيْرَهَا مَعَهَا فَبِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّرِكَةُ الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرُ مُتَمَوِّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مِلْكًا وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مِلْكِ كُلٍّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كُلُّ الْآخَرِ مُوجِبٌ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ فَيَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ شَرِكَةُ الْإِرْثِ، وَالْغَنِيمَةِ لَا شَرِكَةُ التَّجْرِ يُرِيدُ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ مِلْكًا فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ التَّصَرُّفِ قَالَ: وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ، وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي عِوَضِهِ فِي الْأُولَى، وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ شَرِكَةُ الشَّرِيكِ فَالْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَمْنُوعَةٌ فِيهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَاوِضَ شَرِيكًا دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ إذْنِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى تَسْمِيَةِ الْأُولَى أَعَمِّيَّةٌ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ مِنْهَا كَمَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ عَاقِدَيْ الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَكُلُّهُمْ تَبِعُوا الْوَجِيزَ وَيُرَدُّ بِوُجُوبِ زِيَادَةِ وَأَهْلِيَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَائِعٌ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَالِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا أَهْلِيَّةُ الْوَكَالَةِ لِجَوَازِ تَوْكِيلِ الْأَعْمَى اتِّفَاقًا وَتَوَكُّلِهِ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ بَائِعًا انْتَهَى وَذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ كَالْمُنَكِّتِ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ (قُلْت) : وَلَا يَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ إلَى زِيَادَةِ أَهْلِيَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْمَى جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا يُفَرِّعُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَقَالُوا: مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ، أَوْ قَالُوا: مِنْ أَهْلِ الْوَكَالَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ بِالِاخْتِصَارِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: مَنْ جَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ وَأَنْ يَتَوَكَّلَ إلَّا لِمَانِعٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ، وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت) : قَدْ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ كَالذِّمِّيِّ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى مُسْلِمٍ وَكَالْعَدُوِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ بِقَوْلِهِمَا: إلَّا لِمَانِعٍ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ إخْرَاجَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرِكَةِ أَيْضًا (قُلْت) : أَمَّا أَوَّلًا فَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَكَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ عَلَى مَا قَرَرْتُمْ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذِّمِّيَّ وَالْعَدُوَّ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُمَا إنَّمَا يَمْتَنِعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ فَقَطْ، وَأَيْضًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي مُشَارَكَةِ الْعَدُوِّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَأَمَّا مُشَارَكَةُ الذِّمِّيِّ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِحُّ ابْتِدَاءً قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ: وَلَا يَصِحُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُشَارِكَ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ، وَلَا شِرَاءٍ، وَلَا قَضَاءٍ، وَلَا اقْتِضَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ اللَّخْمِيُّ: فَإِنْ وَقَعَ اُسْتُحِبَّ صَدَقَتُهُ بِرِبْحِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِالرِّبَا وَبِجَمِيعِ مَالِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِهِ فِي خَمْرٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَيْ وَإِنْ عَلِمَ سَلَامَتَهُ مِنْ عَمَلِ الرِّبَا، وَتَجْرِ الْخَمْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ مُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ فِي التَّصْدِيقِ بِالرِّبْحِ كَذَلِكَ، وَانْظُرْ إذَا تَحَقَّقَ عَمَلَهُ بِالرِّبَا، أَوْ فِي الْخَمْرِ مَا الْحُكْمُ هَلْ يَجِبُ التَّصَدُّقُ أَوْ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا؟ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الشَّرِكَةَ صَحِيحَةٌ بَلْ وَجَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَغِبْ الذِّمِّيُّ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَكَرِهْت مُشَارَكَةَ ذِمِّيٍّ وَمُتَّهَمٍ فِي دِينِهِ إنْ تَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ تَكُونُ مُشَارَكَةُ الذِّمِّيِّ غَيْرَ

صَحِيحَةٍ، وَكَذَلِكَ مُشَارَكَةُ الْعَدُوِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا إنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُوَكَّلُ عَلَى مُسْلِمٍ فَهَلْ يَأْتِي هُنَا أَيْ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ؟ قِيلَ: لَا يَبْعُدُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَنْبَغِي لِلْحَافِظِ لِدِينِهِ أَنْ يُشَارِكَ إلَّا أَهْلَ الدِّينِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالتَّوَقِّي لِلْخِيَانَةِ، وَالرِّبَا، وَالتَّخْلِيطِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يُشَارِكُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا مُسْلِمًا فَاجِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَإِنَّمَا لِلْآخَرِ فِيهِ الْبَطْشُ وَالْعَمَلُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قُلْت) : وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَيُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَلْزُومَةٌ لِلْبَيْعِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ شَيْئًا أَنْ لَا يَبِيعَهُ الذِّمِّيَّ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ قَالَ: وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ عَدَمِ غَيْبَتِهِ عَلَى الْبَيْعِ مُعْتَبَرٌ وُقُوعُهُ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ، وَإِنْ سُلِّمَ اشْتِرَاطُهُ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَا لِكَوْنِهِ مُبْتَاعًا انْتَهَى. بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) قَالَ بَعْضُهُمْ كَيْفَ أَجَازَ مَالِكٌ شَرِكَةَ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَغِيبَ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَمَنَعَ الشَّرِكَةَ إذَا شَرَطَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُمْسِكَ رَأْسَ الْمَالِ؟ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ لَمْ يَخْرُجْ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: إلَّا لِمَانِعٍ أَيْ مِنْ الْمَوَانِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْحَجْرِ انْتَهَى. وَلَيْسَ هَذَا مُرَادُهُ؛ لِأَنَّ مَوَانِعَ الْحَجْرِ قَدْ دَخَلَتْ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ، أَوْ يَتَوَكَّلَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ الْمَانِعُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ إثْرَهُ مِنْ كَوْنِ الْوَكِيلِ ذِمِّيًّا، وَمِنْ كَوْنِهِ عَدُوًّا لِلْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فَرُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْحَجْرِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَانِعِ فِي الْوَكَالَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: وَفِيهَا لَا يُوَكَّلُ الذِّمِّيُّ إلَى آخِرِهِ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَقَالَ إلَّا: لِمَانِعٍ احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَانِعَ مَا هُوَ؟ إلَخْ كَلَامِهِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمُوَكِّلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ نَحْوَ الْخَمْسَةِ أَسْطُرٍ ثُمَّ قَالَ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْوَكِيلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلِاسْتِنَابَةِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ فَقَدْ مَنَعَ فِي الْكِتَابِ تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ إلَى آخِرِهِ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ: إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، أَوْ شَابَّةً وَلَا تُبَاشِرُهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ مُحَادَثَةِ الشَّابَّةِ لِلرَّجُلِ يُتَّقَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ وَاسِطَةً مَأْمُونَةً الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا صَالِحَيْنِ مَشْهُورَيْنِ بِالْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَوْ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ شَرِكَةُ الْعَبِيدِ إذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ وَوُلِّيَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لَمْ يَضْمَنْ الْحُرُّ وَضِيعَةَ الْمَالِ وَلَا تَلَفَهُ، وَكَذَا إنْ وُلِّيَا مَعًا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَوَزَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَابَهُ، وَأَغْلَقَا عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَنْفَرِدْ الْحُرُّ بِهَا، وَإِنْ انْفَرَدَ الْحُرُّ بِتَوَلِّي ذَلِكَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ هَلَكَ وَخَسِرَ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ عَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَبْدِ فِي ضَيَاعِ مَالِ الْحُرِّ، وَانْظُرْ لَوْ غَرَّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) اقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ وَتَوَكُّلَهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بَلْ أُخِذَ بِجَوَازِ تَوْكِيلِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي تَوْكِيلِهِ خِلَافٌ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهُ

كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا انْتَهَى. بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا قِيَامٌ فِي ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَصِيِّ الْقِيَامُ عَمَّنْ فِي نَظَرِهِمَا مِنْ ابْنَةٍ، أَوْ يَتِيمَةٍ إذَا أَضَرَّ بِهَا زَوْجُهَا فِي نَفْسِهَا إلَّا بِتَوْكِيلِهَا ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَقَامَتْ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرَادَ أَبُوهَا أَنْ يُطَالِبَ زَوْجَهَا بِالْكَالِئِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلِهَا إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ سَفَهُهَا انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ خِلَافٌ اُنْظُرْهُ فِي بَابِ الصَّدَاقِ، وَقَالَ فِي اللُّبَابِ وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَى الْخُصُومَةِ، وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَقِّ مَحْجُورِهِ مَنْ يَطْلُبُ حُقُوقَهُ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ الْإِقْرَارَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيلِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي بَابِ الْوَصَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا: مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ لِلْمَحْجُورِ طَلَبُ حُقُوقِهِ عِنْدَ قَاضٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي حُضُورِ وَصِيِّهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ شَاسٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَمَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ وَبِامْتِنَاعِ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ جَائِزَ الْأَمْرِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي تَوْكِيلِ بِكْرٍ مَنْ يُخَاصِمُ لَهَا، تَوْكِيلُهَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِي مِثْلَ هَذَا مِنْ أَمْرِهَا إنَّمَا يَلِيهِ وَصِيُّهَا، أَوْ مَنْ يُوَكِّلُهُ السُّلْطَانُ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ صِحَّةَ وَكَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَفِي عِتْقِهَا الثَّانِي إنْ دَفَعَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيُعْتِقَهُ فَفَعَلَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، فَإِنْ اسْتَثْنَى مَالَهُ لَمْ يَغْرَمْ الثَّمَنَ ثَانِيًا وَإِلَّا غَرِمَهُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدَ، وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْعِتْقِ مَا هُوَ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ قَالَ فِيهِ: إنْ دَفَعَ عَبْدٌ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَالَ لَهُ اشْتَرِنِي لِنَفْسِي فَاشْتَرَاهُ لِنَفْسِ الْعَبْدِ وَاسْتَثْنَى مَالَهُ كَانَ حُرًّا، وَلَا رُجُوعَ لِبَائِعِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ وَوَلَاؤُهُ لِبَائِعِهِ ابْنُ رُشْدٍ. مَرَّضَ الْأَصِيلِيُّ هَذَا الشِّرَاءَ بِأَنَّ وَكَالَةَ الْعَبْدِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلْعَبْدِ كَانَ لَهُ رَدُّ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ فَلَا كَلَامَ لَهُ (قُلْت) : كَانَ يَجْرِي لَنَا الْجَوَابُ عَنْ تَعَقُّبِ الْأَصِيلِيِّ بِأَنَّ حَجْرَ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ وَهُوَ بِبَيْعِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَصَحَّ تَوْكِيلُهُ، وَلَزِمَ عِتْقُهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهَا فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ: مَضَى نِكَاحُهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ فَسْخُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِمِلْكِهِ بِرَدِّهِ مُبْتَاعَهُ بِعَيْبٍ فِي نِكَاحِهِ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ لَمْ أَجِدْهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَمَسْأَلَةُ وَكَالَةِ الْبِكْرِ فِي الْخُصُومَةِ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبِكْرَ لَا تَلِي ذَلِكَ يَعْنِي الْمُخَاصَمَةَ قَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ مُعِينِ الْحُكَّامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي جَوَابِ الْأَصِيلِيِّ وَهُوَ بِبَيْعِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَصَحَّ تَوْكِيلُهُ وَلَزِمَ عِتْقُهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بَاطِلٌ عَلَى مَا يَقُولُ الْأَصِيلِيُّ قَبْلَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ، فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ بِالشِّرَاءِ الْوَاقِعِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا صَحَّ الْبَيْعُ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ فَلَا حَاجَةَ إذًا إلَى تَصْحِيحِ التَّوْكِيلِ، أَوْ عَدَمِ تَصْحِيحِهِ وَفِي قِيَاسِهِ، أَوْ تَشْبِيهِهِ بِمَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْعَبْدِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَذَلِكَ بَيِّنٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ الْأَصِيلِيُّ بِأَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا أَنَّ تَوْكِيلَهُ لَا يَجُوزُ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ وَهُوَ جَائِزٌ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِذَا أَمْضَاهُ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَضِيَهُ مَضَى وَصَحَّ الْعِتْقُ وَفَاعِلُ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: وَاسْتَثْنَى مَالَهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدُ الْمِائَةَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا مَنْعُ كَوْنِ الْوَكِيلِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ (قُلْت) : وَعَلَيْهِ عَمِلَ أَهْلُ بَلَدِنَا، وَظَاهِرُ كِتَابِ الْمِدْيَانِ جَوَازُهُ فِيهَا مِنْهُ مَا نَصُّهُ قُلْت: إنْ دَفَعَ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ بِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ثُمَّ

لَحِقَهُمَا دَيْنٌ أَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ فِي الْمَالِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِمَا وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ سَاقِطٌ لَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا (قُلْت) : ظَاهِرُهُ جَوَازُ تَوْكِيلِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَخْذِ الْمَشَايِخِ مِنْ مَفْهُومَاتِ الْمُدَوَّنَةِ الْأَحْكَامَ وَيُؤَيِّدُهُ سَمَاعُ أَصْبَغَ فِي الْعِتْقِ أَنَّ مَنْ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ مَا أَعْتَقَ ابْنِي، أَوْ أَحْدَثَ رَقِيقِي فَأَمْرُهُ جَائِزٌ وَابْنُهُ سَفِيهٌ ثُمَّ بَاعَ ابْنُهُ مِنْ رَقِيقِ أَبِيهِ عَشَرَةً جَازَ بَيْعُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كُرِهَ إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ مُحَابَاةٍ بَيِّنَةٍ وَوَكَالَةُ السَّفِيهِ كَغَيْرِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا إشْكَالَ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَالِ وَلَدِهِ لَا تَجُوزُ لِسَفِيهٍ بِخِلَافِ وَصِيَّةٍ بِتَنْفِيذِ ثُلُثِهِ إلَى سَفِيهٍ، أَوْ غَيْرِ عَدْلٍ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ثُلُثَهُ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ دُيُونٍ لَهُ صَبِيًّا قَبْلَ بُلُوغِهِ فَقَبْضُهُ بَرَاءَةٌ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ رَضِيَهُ وَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ انْتَهَى. وَلَفْظُ التَّهْذِيبِ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ الْمُتَقَدِّمَةِ: فَمَا لَحِقَهُمَا مِنْ دَيْنٍ فِيهِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ خَاصَّةً، وَلَا يَلْزَمُ ذِمَّتَهُمَا، وَلَا ذِمَّةَ الدَّافِعِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي الْعِتْقِ إنَّمَا رَأَيْته فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورُ فِيهِ وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ هَذَا بَيِّنٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ مَنْ رَضِيَ تَوْكِيلَهُ مِنْ رَشِيدٍ، أَوْ سَفِيهٍ، فَيَلْزَمُهُ مِنْ فِعْلِ السَّفِيهِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ فِعْلِ الرَّشِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ سَلْمُونٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ وَكَّلَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ لِيُسْلِمَ لَهُ فِي طَعَامٍ فَفَعَلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَوَّضَ قَوْلَ التَّوْضِيحِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ، وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِإِذْنِ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ وَأَنْ يُوَكِّلَ عَلَى السَّلَمِ بِإِذْنِهِ انْتَهَى. وَعِبَارَتُهُ، أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ؛ فَلِذَلِكَ ذَكَرْتهَا وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ مِنْ الْجَوَابِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ رَأَيْت مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: أَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا أَجْرَ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ الْخَفِيفِ مِنْ الْعَمَلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُودَعُ فَيَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُ أُجْرَةٌ يَدْفَعُهَا مَنْ وَكَّلَهُ إلَى سَيِّدِهِ الشَّيْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ ذَلِكَ لَا خَطْبَ لَهُ لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَتَى إلَى مَنْزِلِ الْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي مُنَاوَلَةِ الْقَدَحِ وَالنَّعْلِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمَشَذَّالِيِّ قَالَ: قَوْلُهُ " أَوْ مَحْجُورٌ " لَمْ يَتَكَلَّمْ هُنَا هَلْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُوَكِّلَ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إنْ كَانَ عَمَلٌ لَهُ بَالٌ فَلَهُ قِيمَةُ عَمَلِهِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فَلَا انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ مَنْ وَكَّلَ عَبْدًا فَأَسْلَمَ لَهُ فِي طَعَامٍ مَضَى وَالسَّلَمُ لِلْآمِرِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا كَانَ لِسَيِّدِهِ إجَارَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُصْلِحَ بِهِ وَجْهَهُ فِي تِجَارَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي إجَارَتِهِ ذَلِكَ يَسِيرَةٌ انْتَهَى. مِنْ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْخِصَامِ فِي تَخْلِيصِ مَالِهِ، وَطَلَبِ حُقُوقِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَنَقَلَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّ غَيْرَهُ خَالَفَهُ فِيهِ، وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَالِهِ

فَلَا يَجُوزُ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الْبَحْثِ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا. وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا فَيَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ بَلْ لَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَكِيلًا فَيَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشَيْدٍ فِي اللُّبَابِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الْحَاجِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ، وَتَابِعِيهِ كَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ. طَرِيقَانِ، وَإِنَّمَا أَطَلْت الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا الْمَنْعُ مِنْ تَوْكِيلِهِ وَتَوَكُّلِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا عَدَا تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا) ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الشَّرِكَةِ ابْتِدَاءً الْجَوَازُ، فَإِذَا انْعَقَدَتْ لَزِمَتْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ كَجُزْأَيْهَا الْبَيْعِ، وَالْوَكَالَةِ وَعُرُوضُ مَا يُوجِبُهَا بَعِيدٌ بِخِلَافِ مُوجِبِ حُرْمَتِهَا، وَكَرَاهَتِهَا، وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَصَحَّحَهُ بِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَاللَّخْمِيُّ وَشُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ آيَاتٍ، وَأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى الْأَصْلِ فِي الشَّرِكَةِ كَآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَقَوْلِهِ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ} [الزمر: 29] وَقَوْلِهِ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] وَحَدِيثِ «أَيُّمَا دَارٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» وَحَدِيثِ «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ» وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: 19] ، وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَحَدِيثُ السَّفِينَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا كَمِثْلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيُضَيِّقُونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّنَا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ لِلتِّرْمِذِيِّ مَعَ أَنَّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَكَأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ عَبْدَ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا لُزُومُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ: الْمَذْهَبُ لُزُومُهَا بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ، وَاخْتُلِفَ فِي شَرِكَةِ الْحَرْثِ هَلْ هِيَ كَشَرِكَةِ الْأَمْوَالِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، أَوْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْمَذْهَبَ لُزُومُ الشَّرِكَةِ بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَفْهُومِ السَّمَاعِ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ شَرِيكِهِ مَتَى شَاءَ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ تَجُزْ إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ وَالِاعْتِدَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَضَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا يُخْرِجُهُ فَإِنَّمَا يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ رَجَاءَ بَقَائِهِ مَعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ فَصَارَ غَرَرًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَصِلَ مَتَى شَاءَ إلَّا الشَّرِكَةَ فِي الزَّرْعِ فَفِي لُزُومِهَا خِلَافٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ

اللَّخْمِيُّ وَخَرَّجَ قَوْلًا بِعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَوَّلٍ نَصُّهُ مِنْ الشَّاذِّ فِي كِرَاءِ الْمُشَاهَرَةِ قَالَ: وَأَمَّا إنْ أَخْرَجَا شَيْئًا لِيَشْتَرِيَا بِهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ كُلَّ وَاحِدٍ اشْتِرَاؤُهُ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ وَلَكِنَّ اشْتِرَائَهُمَا أَرْخَصُ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِ مَا لَا يُفِيدُ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ الشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ، وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْجُعْلِ وَالْقِرَاضِ وَلِعِيَاضٍ نَحْوُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمْ وَمُرَادُ ابْنِ يُونُسَ وَنَحْوُهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الضَّمَانِ أَيْ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْهُمَا خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْخَلْطِ انْتَهَى. (قُلْت) : بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ وَصَاحِبِ الْمُعِينِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهَا تَفْسُدُ إذَا عَقَدَاهَا عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ، أَوْ الْعَمَلِ، أَوْ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي رُءُوسِ الْأَمْوَالِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ صَحَّ عَقْدُ الْمُتَفَاضِلَيْنِ فِي الْمَالِ ثُمَّ تَطَوَّعَ الَّذِي لَهُ الْأَقَلُّ فَعَمِلَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْ بِالْعَقْدِ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَطَوَّعَ رَجَاءَ الْبَقَاءِ مَعَهُ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ فَصَارَ ذَلِكَ غَرَرًا الشَّيْخُ، كَأَنَّهُ نَوْعُ رِشْوَةٍ وَيَقُومُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ انْتَهَى. فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ التَّبَرُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الْعَقْدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا أَيْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ عُرْفًا، وَسَوَاءٌ كَانَ لَفْظًا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَمِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الشَّرِكَةِ قَوْلُهُمَا اشْتَرَكْنَا إذَا فُهِمَ مِنْهُ مَقْصُودُهُمَا عُرْفًا قَالَ فِي اللُّبَابِ الصِّيغَةُ لَفْظٌ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَى إذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي التَّصَرُّفِ لِصَاحِبِهِ، وَيَكْفِي قَوْلُهُمَا: اشْتَرَكْنَا إذَا فُهِمَ الْمَقْصُودُ عُرْفًا انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمِثْلُ الْفِعْلِ الدَّالِّ لَوْ خَلَطَا مَالَيْهِمَا وَبَاعَا انْتَهَى. وَاعْتِرَاضُ الْبِسَاطِيِّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ كَوْنَهُ لَمْ يَقُلْ لُغَةً، أَوْ عُرْفًا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِذَهَبَيْنِ) ش: أَرْكَانُ الشَّرِكَةِ أَرْبَعَةٌ الْعَاقِدَانِ وَالصِّيغَةُ وَالْمَحَلُّ فَلَمَّا ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ أَتْبَعَهَا بِالرَّابِعِ وَهُوَ الْمَحَلُّ وَهُوَ الْمَالُ، أَوْ الْعَمَلُ فَبَدَأَ بِالْمَالِ فَقَالَ: بِذَهَبَيْنِ، أَوْ وَرِقَيْنِ. ص (اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا) ش: يُرِيدُ وَوَزْنَهُمَا وَيُغْتَفَرُ التَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا قَصْرُ اعْتِبَارِ التَّسَاوِي بَيْنَ النَّقْدَيْنِ فِي الْوَزْنِ، وَالْقِيمَةِ لَا السِّكَّةِ وَيَسِيرُ اخْتِلَافِهِمَا فِي الصَّرْفِ لَغْوٌ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ هَاشِمِيَّةً وَأَخْرَجَ الْآخَرُ مِثْلَ وَزْنِهَا دَنَانِيرَ دِمَشْقِيَّةً، أَوْ أَخْرَجَ هَذَا دَرَاهِمَ يَزِيدِيَّةً وَالْآخَرُ وَزْنَهَا مُحَمَّدِيَّةً وَصَرْفُهُمَا مُخْتَلِفٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي الِاخْتِلَافِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ فَيَجُوزُ وَهُمَا فِيمَا كَثُرَ كَتَفَاضُلِ الْمَالَيْنِ، وَلَوْ جَعَلَا الرِّبْحَ وَالْعَمَلَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ لَمْ يَجُزْ إذَا صَرَفَاهُمَا إلَى الْقِيَمِ وَحُكْمُهُمَا الْوَزْنُ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصَّرْفُ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَلَوْ جَعَلَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ صَرْفِ كُلِّ دِينَارٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَصُورَةُ قَدْرِ الْقِيمَةِ أَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَةُ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَيُقَالُ: عَشَرَةٌ وَمَا قِيمَةُ الْيَزِيدِيَّةِ فَيُقَالُ: خَمْسَةٌ فَيَشْتَرِكَانِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ نَزَلَ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ بِعَيْنِهِ فِي سِكَّتِهِ، وَكَانَ الرِّبْحُ بِقَدْرِ وَزْنِ رَأْسِ مَالِهِ لَا عَلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ لَعَلَّ مُحَمَّدًا يُرِيدُ إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ سُوقُ السِّكَّتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الشَّرِكَةِ إلَى يَوْمِ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَيَظْلِمُ الَّذِي زَادَ سُوقُ سِكَّتِهِ صَاحِبَهُ إذَا أَعْطَاهُ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا دَفَعَ انْتَهَى. ، وَانْظُرْ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّرِكَةِ

فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّتَانِ مُتَّفِقَتَيْ الصَّرْفِ يَوْمَ الشَّرِكَةِ جَازَ فَإِنْ افْتَرَقَا، وَقَدْ حَالَ الصَّرْفُ لَمْ يُنْظَرْ إلَى ذَلِكَ وَيَقْتَسِمَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا عَرْضًا كَانَ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ عَيْنًا انْتَهَى. ص (وَبِعَيْنٍ وَبِعَرْضٍ) ش: يُرِيدُ: وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ طَعَامًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ، أَوْ بِعَيْنٍ وَعَرْضٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِيَمِ، وَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُونُ الرِّبْحُ وَالْعَمَلُ انْتَهَى. ص (وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أَحْضَرَ لَا فَاتَ) ش هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْعَرْضَيْنِ، وَإِلَى مَسْأَلَةِ الْعَيْنِ، وَالْعَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَعْنَى وَكُلُّ مَنْ أَخْرَجَ عَرْضًا فَهُوَ شَرِيكٌ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ أَحْضَرَ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْفَوْتِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْيَنُ مِنْهَا إذْ قَالَ فَلَوْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِهِ مَا بِيعَ بِهِ عَرْضُهُ، وَقَالَ الصَّقَلِّيَّانِ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُس: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَا بِيعَتْ بِهِ سِلْعَتُهُمَا

فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ عَرْضِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا بَعِيدٌ انْتَهَى. وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ خَلَطَا الطَّعَامَيْنِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ بِالطَّعَامِ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا بِيعَ بِهِ طَعَامُهُ إذْ هُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَبِيعَ، وَلَوْ خَلَطَاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ جَعَلْتُ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةَ طَعَامِ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمَ خَلَطَاهُ انْتَهَى. ص (إنْ خَلَطَا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّبْحِ، وَإِلَى الْخَسَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي الِانْعِقَادِ فِي التَّوَى أَيْ الْهَلَاكِ لَا فِي النَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَمَا ضَاعَ فَهُوَ مِنْ صَاحِبِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي شَرْطِ ثُبُوتِ لَازِمِهَا وَهُوَ ضَمَانُ الْمُشْتَرَكِ مِنْهُمَا بِالْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ فَضْلًا عَنْ الْحِسِّيِّ، أَوْ بِالْحِسِّيِّ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فِيهَا وَالْحُكْمِيُّ كَوْنُ الْمَالَيْنِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ، وَلَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ، أَوْ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ لَهُ تَرَدُّدٌ) ش: الْأَلْيَقُ بِاصْطِلَاحِهِ أَنْ يَقُولَ

تَأْوِيلَانِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَقِيَتْ كُلُّ صُرَّةٍ بِيَدِ رَبِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ بِهَا أَمَةً عَلَى الشَّرِكَةِ وَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى وَالْمَالَانِ مُتَّفِقَانِ فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا وَالصُّرَّةُ مِنْ رَبِّهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُهُ فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا عَلَى الشَّرِكَةِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ اشْتَرَى الْأَمَةَ بَعْدَ التَّلَفِ عَالِمًا بِهِ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهَا، أَوْ يَدَعَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ حَتَّى اشْتَرَى فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثُمَّ تَلِفَتْ صُرَّةُ الْأَخِيرِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلِابْنِ رُشْدٍ عَكْسُ هَذَا قَالَ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ التَّلَفِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ، أَوْ يَنْفَرِدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْت تَلَفَهُ لَمْ أَشْتَرِ إلَّا لِنَفْسِي، وَمَا اشْتَرَى بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِتَلَفِ مَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً اهـ. فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ وَاَلَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى بِالسَّالِمِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّالِفِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِالتَّالِفِ فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ قُلْت: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلشَّرِكَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ فَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَأَنَّهُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْهُ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، أَوْ مُطْلَقًا هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ اشْتَرَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ، أَوْ قَبْلَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ يُخَيِّرُ الشَّرِيكَ الَّذِي تَلِفَتْ صُرَّتُهُ فِي أَنَّهُ يُشَارِكُهُ، أَوْ يَدَعُهَا لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ لَا يُفْسِدُهَا أَنْ يُعَيِّنَ كُلٌّ صِنْفًا لِلْآخَرِ يَعْمَلُ فِيهِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي غَيْرِهِمَا فِي الْعَمَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ إنْ عَمِلَ كُلٌّ فِي مَالٍ لِنَفْسِهِ لَا يُفْسِدُهَا إذَا اسْتَوَيَا فِي عَمَلِ الشَّرِكَةِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ الْمُنْفَرِدَانِ قَرِيبَيْنِ فَإِنْ قُلْت: ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قُلْت: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ كُلًّا انْفَرَدَ لِيُوَافِقَ النَّقْلَ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَيْءٍ وَأَنَّ النَّقْلَ كَذَلِكَ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ نَصُّهَا قَالَ فِيهَا: وَيَكُونَانِ مُتَفَاوِضَيْنِ، وَلِأَحَدِهِمَا عَيْنٌ، أَوْ عَرْضٌ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمُعَاوَضَةَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يُفْسِدُهَا عِنْدَنَا وُجُودُ مَالٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى حِدَتِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ إنْ اسْتَأْلَفَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا غَرِيمًا بِدَيْنٍ، أَوْ وَضَعَ لَهُ مِنْهُ نَظَرًا، أَوْ اسْتِئْلَافًا فِي التِّجَارَةِ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ وَمَا صَنَعَهُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ مِنْ شَرِيكٍ، أَوْ وَكِيلٍ لَمْ يَلْزَمْ وَلَكِنْ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فِي حِصَّتِهِ وَيَرُدُّهُ صَنِيعُ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ مَا صَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَضْمَنُهُ انْتَهَى. ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: تَأْخِيرُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا يَجُوزُ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَرُدَّ التَّأْخِيرَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَأَمَّا نَصِيبُ صَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ مَضَى التَّأْخِيرُ فِي نَصِيبِ مَنْ أَخَّرَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقَالَ مَنْ أَخَّرَ: لَمْ أَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ رَدَّ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِتَأْخِيرِهِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ أَخَّرَ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ فَإِنْ أَعْسَرَ الْغَرِيمُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ ضَمِنَ الشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُ إرَادَةَ الِاسْتِئْلَافِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى

فرع هل لأحد الشريكين أن يستأجر من ينوب عنه

شَرِيكِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ إذَا أَعْسَرَ الْغَرِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مِمَّنْ يُخْشَى عَدَمُهُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْأَدَاءِ فَيَرُدُّ التَّأْخِيرَ وَيُعَجِّلُ جَمِيعَ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى أَعْسَرَ ضَمِنَ الشَّرِيكُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَقِبَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِإِرَادَةِ الِاسْتِئْلَافِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ وَلِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَرْجُو بِهِ حُسْنَ الْمُعَامَلَةِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَقَدْ يُعَامِلُهُ هَذَا الْغَرِيمُ، أَوْ لَا يُعَامِلُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَشْهَدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا قَالَهُ فِي الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا أَخَّرَهُ اسْتِئْلَافًا وَنَصُّهُ: وَمَنَعَ سَحْنُونٌ مِنْ التَّأْخِيرِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ لِمَنْفَعَةِ الِاسْتِئْلَافِ فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مُحَقَّقَةِ الْحُصُولِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْحُرِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِالْأَثْمَانِ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ مَحْمَدَةِ الثَّنَاءِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَدُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى سَحْنُونٍ يُرَدُّ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِنَفْيِ تَحَقُّقِ الْمَنْفَعَةِ نَفْيَ ظَنِّهَا مُنِعَ، وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ عِلْمِهَا لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ كَافٍ وَقَوْلُهُ بِجَوَازِهِ فِي الْحُرِّ طَلَبًا لِلثَّنَاءِ مَمْنُوعٌ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ إنَّ الظَّنَّ كَافٍ فِي الْمَنْعِ يَرُدُّهُ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَقَوْلُهُ إنَّهُ فِي الْحُرِّ مَمْنُوعٌ لِطَلَبِ الثَّنَاءِ يَرُدُّهُ أَيْضًا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ يَرْجُو بِهِ حُسْنَ الْمُعَامَلَةِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ وَضَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي التَّأْخِيرِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ ثُمَّ يُنْظَرُ هَلْ يُمْضِي نَصِيبَ الَّذِي وَضَعَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَجُوزُ إنْ أَرَادَ الِاسْتِئْلَافَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ فِيهَا حَطٌّ فَيَرِدُ الزَّائِدَ عَلَى مَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِئْلَافُ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ مِقْدَارَ التَّبَرُّعِ لِأَجْلِ الِاسْتِئْلَافِ يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ خَفَّ كَإِعَارَةِ آلَةٍ، أَوْ دَفْعِ كِسْرَةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُعِيرَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يُوَسِّعَ لَهُ فِي ذَلِكَ شَرِيكُهُ، أَوْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا كَعَارِيَّةِ غُلَامٍ لِيَسْقِيَ دَابَّةً، وَنَحْوَهُ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَالْعَارِيَّةُ مِنْ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَفْعَلَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ اسْتِئْلَافَ التِّجَارَةِ، وَإِنْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا، أَوْ أَعَانَ عَلَى الْمَعْرُوفِ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِلِاسْتِئْلَافِ فَلَا يَضْمَنُ انْتَهَى. ص (وَيُبْضِعُ وَيُقَارِضُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ وَيُقَارِضَ دُونَ إذْنِ الْآخَرِ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ وَاسِعًا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْهُمَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ نَظَرِهِ إلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ بَارَ عَلَيْهِمَا، وَبَلَغَهُ عَنْ بَلَدٍ نَفَاقٌ، وَلَا يَجِدُ إلَى السَّفَرِ بِهِ سَبِيلًا، أَوْ يَبْلُغُهُ عَنْ سِلَعٍ نَفَاقٌ بِبَلَدٍ فَيَبْعَثُ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُبْعَثَ بِهِ مِنْ مِثْلِ مَا بِأَيْدِيهِمَا وَمِثْلُ هَذَا يُعْرَفُ عِنْدَ النُّزُولِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وِفَاقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ. (تَفْرِيعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَبْضَعَ أَحَدُهُمَا مَعَ رَجُلٍ دَنَانِيرَ مِنْ الشَّرِكَةِ ثُمَّ عَلِمَ الرَّجُلُ بِمَوْتِ الَّذِي أَبْضَعَهَا مَعَهُ، أَوْ بِمَوْتِ شَرِيكِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الشَّرِكَةِ فَلَا يَشْتَرِي بِهَا شَيْئًا وَلْيَرُدَّهَا عَلَى الْبَاقِي، وَإِنْ بَلَغَهُ افْتِرَاقُهُمَا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُمَا بَعْدُ وَفِي الْمَوْتِ يَقَعُ بَعْضُهُ لِلْوَرَثَةِ وَهُمْ لَمْ يَأْمُرُوهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَلَا يَشْتَرِي بِنَصِيبِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُشَاعٌ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلْمُبْضَعِ مَعَهُ أَنْ يُقَسِّمَ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ عَلِمَ فِي الْمَوْتِ أَنَّ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إنْ مَاتَ الْمُبْضِعُ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ لَمْ يُبْضِعْ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ، أَوْ مِمَّا يَخُصُّهُ لَمْ يَشْتَرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْكَشْفِ بَعْدَ الْوُصُولِ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا الْأَخِيرَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ هَلْ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ] (فَرْعٌ) يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَنُوبُ

عَنْهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ: فَصْلٌ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخْرَجَ مِائَتَيْ دِينَارٍ يُشَارِكُ بِهَا رَجُلًا لَهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَكَانَ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ ضَمَّ غُلَامَيْنِ لَهُ يَعْمَلَانِ عَنْهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا نُقْصَانٌ: إنَّ النَّقْصَ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَلَا يَكُونُ لِلشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَدَلُوا فِي الْأَبْدَانِ قَدْ أَقَامَ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ رَجُلَيْنِ مَقَامَهُ قَالَ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ إذَا كَانَ الْغُلَامَانِ يُحْسِنَانِ الْإِجَارَةَ، وَإِنْ كَانَا يَخْدُمَانِ كَانَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الْمِائَتَيْنِ، وَعَلَى إجَارَةِ الْغُلَامَيْنِ فِيمَا يَنُوبُهُ مِنْ خِدْمَتِهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ أَيْضًا، وَنَصُّهَا فِي رَسْمِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ قِيلَ لِأَشْهَبَ: إنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلَانِ أَجِيرَيْنِ فَاشْتَرَكَا فِيمَا يَكْسِبَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَأْجِرٌ لِأَجِيرِهِ عَلَى حِدَةٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَجِيرَانِ يَعْمَلَانِ جَمِيعًا عَمَلًا وَاحِدًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَيَدِ مُسْتَأْجِرٍ فَإِذَا تَعَاوَنَ أُجَرَاؤُهُمَا فِي الْعَمَلِ كَانَ كَتَعَاوُنِهِمَا أَنْفُسِهِمَا فِيهِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ وَإِذَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأُجْرَةَ لِشَرِيكِهِ عَلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ جَمِيعَهُ؟ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيُودِعُ لِعُذْرٍ وَإِلَّا ضَمِنَ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُودِعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْوَدِيعَةَ اخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ مَاتَ الْمُودِعُ وَلَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ شَرِيكًا، أَوْ مُفَاوِضًا انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا إيدَاعُهُ فَإِنْ كَانَ لِوَجْهِ عُذْرٍ لِنُزُولِهِ بَلَدًا يَرَى أَنْ يُودِعَ إذْ مَنْزِلُهُ الْفَنَادِقُ، فَذَلِكَ لَهُ وَأَمَّا إنْ، أَوْدَعَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ ضَمِنَهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ فَذَلِكَ لَهُ أَيْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُ لِيَرْفَعَ إيهَامَ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلَا إذْنٍ، وَإِنْ لِلشَّرِكَةِ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا مَا حَمَلَ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِمَالِ الشَّرِكَةِ فَتَلِفَ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ يَقُولُ كُنْتَ اسْتَأْجَرْتَ لَأَنْ لَا أَضْمَنَ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ فِي الْعَارِيَّةِ إلَّا بِالتَّعَدِّي قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ تَكَلَّمَ فِي الدَّابَّةِ، وَهَذَا خِلَافُ أَصْلِهِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ

استعار أحد الشريكين ما يحمل عليه طعام فحمل عليه شريكه

أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْعَارِيَّةِ إلَّا بِالتَّعَدِّي فَذَهَبَ حَمْدِيسٌ إلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إلَّا كَافٍ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ فِي الْحَيَوَانِ فَقَوْلُ الْغَيْرِ تَفْسِيرٌ وَذَكَرَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ رَأْيُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَانَ الْقَاضِي بِمِصْرَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى اسْتِبْدَادِهِ بِالْخُسْرِ هُنَا أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّعَدِّي، أَوْ بِأَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ، أَوْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ، وَأَمَّا اسْتِبْدَادُهُ بِالرِّبْحِ هُنَا فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَانْظُرْ هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُطَالِبُ شَرِيكَهُ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ كِرَائِهَا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ، فَتَأَمَّلْهُ. [اسْتَعَارَ أَحَد الشَّرِيكَيْنِ مَا يَحْمِل عَلَيْهِ طَعَام فَحَمَلَ عَلَيْهِ شَرِيكه] (فَرْعٌ) قَالَ فِيهَا: وَإِنْ اسْتَعَارَهَا أَحَدُهُمَا لِحَمْلِ طَعَامٍ مِنْ الشَّرِكَةِ فَحَمَلَهُ شَرِيكُهُ الْآخَرُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ فَعَلَ بِهَا مَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ، وَشَرِيكُهُ كَوَكِيلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ) ش: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْعِلْمِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ بِهَا بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرِّضَا أَخُصُّ مِنْ الْعِلْمِ، فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَكُلٌّ وَكِيلٌ) ش: أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ لَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ قَالَهُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بِمَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ فَلَيْسَ لَهُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ لِكُلٍّ نِصْفُ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا بِرُبْعِ دِينَارٍ فَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ كَفِيلٌ بِنِصْفِ الَّذِي عَلَى صَاحِبِهِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَشَفَعَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ التَّبَرُّعُ وَالسَّلَفُ وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ

وَابْنِ غَازِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَاهَا عَلَى شَرْطِ التَّفَاوُتِ تَفْسُدُ مَا نَصُّهُ وَلَوْ صَحَّ عَقْدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فِي الْمَالِ ثُمَّ تَطَوَّعَ الَّذِي لَهُ الْأَقَلُّ فَعَمِلَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا. ص (وَلِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ إنْ شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ) ش يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ أَقَامَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بَيِّنَةً بِأَنَّ صَاحِبَهُ أَخَذَ مِائَةً أَنَّ الْمِائَةَ بَاقِيَةٌ إنْ شَهِدَ

بِهَا عِنْدَ أَخْذِهِ لَهَا سَوَاءٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ قَصُرَتْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ إنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَقَامَ صَاحِبُهُ بَيِّنَةً أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ الشَّرِكَةِ كَانَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَلَمْ تُوجَدْ، وَلَا عَلِمَ مُسْقِطَهَا فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَرِيبًا مِنْ أَخْذِهَا فِيمَا يَظُنُّ أَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يُشَغِّلْهَا فِي تِجَارَةٍ فَهِيَ فِي حِصَّتِهِ وَمَا تَطَاوَلَ وَقْتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ أَرَأَيْت لَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: إنَّهُ قَبَضَهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَهُمَا يَتَّجِرَانِ أَيَلْزَمُهُ أَيْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ نَحْوَ هَذَا، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمَوَّازِ قَيَّدَهُ بِمَا نَصَّهُ مُحَمَّدٌ إنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِ الْمِائَةِ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ رَدَّهَا، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَأَمَّا إقْرَارُهُ بِغَيْرِ تَعَمُّدِ إشْهَادٍ، وَلَا كِتَابٍ فَكَمَا قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَقْيِيدُ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ قَوْلَهُ، وَلَا كِتَابٍ ظَاهِرُهُ إنْ كَانَ بِكِتَابٍ لَمْ يَبْنِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا فَقَدْ وَثَّقَ أَخْذَهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الْبَرَاءَةِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَقْيِيدُ مُحَمَّدٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ وَأَمَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِ الْمِائَةِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِإِشْهَادٍ أَنَّهُ رَدَّهَا طَالَ ذَلِكَ، أَوْ قَصُرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ أَشْهَدَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ قُصِدَ بِهَا التَّوَثُّقُ كَمَا قَالُوا فِي الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْمُودِعِ مَعَهَا الرَّدَّ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِشُهُودٍ يُشْهِدُهُمْ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ بِشَهَادَتِهِمْ فَلَا وَلِأَنَّهُ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ إقْرَارُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إشْهَادٍ فَكَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ أَشْهَدَ بِهَمْزَةٍ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ أَيْ أَشْهَدَ بِهَا قَاصِدًا لِلتَّوَثُّقِ كَمَسْأَلَةِ الْمُودِعِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ هُوَ الْإِشْهَادُ بِأَخْذِهَا بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ، وَأَنَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ الْإِشْهَادِ بِكِتَابٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِذَا حَصَلَ الْإِشْهَادُ الْمَقْصُودُ بِهِ التَّوَثُّقُ فَلَا يَسْقُطُ بِطُولِ الزَّمَانِ، وَلَوْ زَادَ عَلَى عِشْرِينَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ إلَّا كَعَشْرٍ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ مَقْصُودٌ بِهِ التَّوَثُّقُ وَأَمَّا مَعَ الْإِشْهَادِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهَا فَإِذَا مَاتَ الشَّرِيكُ وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَشْهَدَ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، أَوْ إشْهَادٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّوَثُّقَ فَيَكْفِي فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِهَا مُضِيُّ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الشَّرِيكَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ حَيْثُ يَكُونُ الْمَالُ الَّذِي لِلشَّرِكَةِ تَحْتَ يَدِهِ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّ الْبَعْضَ الَّذِي أَخَذَهُ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مِائَةٍ، أَوْ جَمِيعِ مَالِ الشَّرِكَةِ أَعْنِي إذَا أَشْهَدَ بِأَنَّهُ حَبَسَهُ تَحْتَ يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِشْهَادُ مَقْصُودًا مِنْهُ التَّوَثُّقُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ إلَّا بِإِشْهَادٍ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِشِرَاءِ الْجَارِيَةِ ثَلَاثَةَ، أَوْجُهٍ كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ لِلْوَطْءِ، أَوْ لِلْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا يَعْنِي أَنَّ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهَا لِلشَّرِكَةِ وَلَهُ أَنْ يُمْضِيَهَا لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَطَأْهَا الْمُشْتَرِي فَإِنْ وَطِئَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ وَطِئَ أَمَةَ الشَّرِكَةِ وَسَيَأْتِي. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ: فَإِنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا لِلشَّرِكَةِ فَفَعَلَ، ثُمَّ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ خَالِصًا مِنْ مَالِهِ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ قَالَ: أَرَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا أَمَرَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ جَحَدَهُ

دَلِيلٌ هُوَ كَالنَّصِّ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ لَمْ أُرِدْ أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ شَيْئًا فَاشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ مَعَهُ شَرِيكًا شَاءَ، أَوْ أَبَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ: فَإِنْ قَالَ: إنِّي أَشْرَكْتُكَ فِيهِ فُلَانًا وَفُلَانًا عِنْدَ الِاشْتِرَاءِ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ قَالَ: أَرَى ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا أَمَرَهُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ أَشْرَكَ فِيهِ " فُلَانًا وَفُلَانًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّذَانِ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَشْرَكَهُمَا بِذَلِكَ عَلَى اللَّذَيْنِ أَقَرَّ لَهُمَا إنْ كَانَ أَقَرَّ لَهُمَا بِالنِّصْفِ كَانَ لَهُمَا نِصْفُ مَا فِي يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ فَلَهُمَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ، أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرُ فَعَلَى هَذَا يَحْسِبُ، وَلَا يُؤْخَذُ مَا فِي يَدَيْهِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُمَا بِهَذَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ، وَاَلَّذِي صَارَ لِصَاحِبِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ أَشْرَكَ فِيهِ فُلَانًا وَفُلَانًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَشْرَكَهُمَا فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا أَحَقَّ بِالنِّصْفِ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُمَا إلَّا نِصْفُ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَشْرَكَهُمَا فِي مَالِهِ، وَمَالِ غَيْرِهِ فَهُوَ يَقُولُ لَهُمَا إنِّي أَشْرَكْتُكُمَا فِي حَقِّي وَحَقِّ غَيْرِي فَلَيْسَ لَكُمَا إلَّا نِصْفُ مَا بِيَدِي وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ لَهُ اشْتَرَكْنَا فِي نِصْفِ ذَلِكَ وَلَك نِصْفُهُ وَأَسْلِمْهُ إلَيْنَا، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي مُخَرَّجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَانُوتِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ) ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ شَرِيكَهُ أَسْلَفَهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا وَأَنَّ رِبْحَهَا لَهُ وَعَلَيْهِ نَقْصُهَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَقَوْلُهُ: يَشْتَرِيَهَا لِلْوَطْءِ فِيهِ إجْمَالٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِلْوَطْءِ، أَوْ غَيْرِهِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا إنْ هَلَكَتْ فَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهَا، وَهَذَا قَدْ أَسْلَفَ شَرِيكَهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا فَلَهُ النَّمَاءُ، وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ انْتَهَى. وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِيَطَأَهَا وَعَلَى أَنَّهَا لِلشَّرِكَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْخَسَارَةَ عَلَى الْمَالِ فَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْمُحَلَّلَةِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا رُدَّتْ لِلشَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَهَذَا الْوَجْهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ اشْتَرَكَا فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ، وَافْتَرَقَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَالثَّانِيَ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: إنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا لِوَطْءٍ، أَوْ بِإِذْنِهِ بِجَرِّ اللَّفْظَيْنِ بِالْبَاءِ وَعَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَوْ قَبْلَ قَوْلِهِ: إلَّا لِلْوَطْءِ أَتَمُّ فَائِدَةً حَسْبَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ تُفِيدُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَفِي الثَّانِي بِإِذْنِهِ، وَيُفِيدُ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَطَأْ. ص (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشَّرِكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ) ش: هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ لِلشَّرِكَةِ ثُمَّ يَطَؤُهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَطَأَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَهَذِهِ مُحَلَّلَةٌ يَلْزَمُ الْوَاطِئَ قِيمَتُهَا حَمَلَتْ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِإِذْنِهِ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ قُوِّمَتْ سَوَاءٌ حَمَلَتْ، أَوْ لَمْ تَحْمِلْ وَمِثْلُهُ مَا إذَا اشْتَرَاهَا لِيَطَأَهَا عَلَى أَنَّ رِبْحَهَا وَخُسْرَهَا عَلَى الْمَالِ وَوَطِئَهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَالثَّانِي أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَتَحْمِلُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ فَقَوْلُهُ وَحَمَلَتْ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَيْدٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي. (تَنْبِيهٌ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْدَمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَحَمَلَتْ الْأَمَةُ لَمْ تُبَعْ وَأُتْبِعَ بِالْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَحْمِلْ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْأَمَةِ الْمُحَلَّلَةِ، وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الشَّرِيكَ مُخَيَّرٌ فَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ بِنَصِيبِهِ وَأَتْبَعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ وَيُبَاعُ ذَلِكَ النِّصْفُ عَلَى

الْوَاطِئِ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا فَيَأْخُذُهُ الشَّرِيكُ إنْ كَانَ كَفَافًا بِمَا لَزِمَ مِنْ نِصْفِ نَصِيبِ الْوَاطِئِ، وَتَبِعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ دَيْنًا، وَإِنْ نَقَصَتْ مَا بِيعَتْ بِهِ عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ أَتْبَعَهُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. ص (وَإِلَّا خُيِّرَ الْآخَرُ فِي إبْقَائِهَا وَتَقْوِيمِهَا) ش: أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَمْ تَحْمِلْ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ مِنْهَا أَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَطَأْ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَى الْوَاطِئِ، أَوْ يَتَمَاسَكَ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي كِتَابِ الْقَذْفِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ: هَذَا قَوْلٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. ، وَقَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُفَسَّرُ فِيهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ سَيِّدَهَا بِالْخِيَارِ فِي التَّقْوِيمِ، وَالتَّمَاسُكِ، وَقَدْ جَاءَ لَفْظَانِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ ظَاهِرُهُمَا خِلَافُ هَذَا انْتَهَى. وَصَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِهَذَا الْقَوْلِ فَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ فِي إبْقَائِهَا عَلَى الشَّرِكَةِ، أَوْ إمْضَائِهَا بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَمَدَ مَا حَكَى فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ يَطَؤُهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلتِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ وَطْءٍ، ثُمَّ يَطَأَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَطَأَهَا وَعَلَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْخَسَارَةَ فِيهَا عَلَى الْمَالِ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا الْخِلَافُ وَأَمَّا الْأُولَى فَيُخَيَّرُ شَرِيكُهُ بَيْنَ مُطَالَبَتِهِ بِالْقِيمَةِ، أَوْ تَرْكِهَا بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ تَحْمِلْ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ حَمَلَ مَا فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْقَذْفِ عَلَى الْأُولَى وَمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَاَلَّذِي فِي التَّنْبِيهَاتِ وَالْبَيَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِيهِمَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِنَصِيبِهِ، أَوْ يُقَوِّمَهَا عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَمَشَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ فِي إبْقَائِهَا، وَتَقْوِيمِهَا بِصِيغَةِ التَّفْعِيلِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَيَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَمُقَاوَمَتِهَا بِصِيغَةِ الْمُفَاعِلَةِ، وَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ بِتَكَلُّفٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُقَاوَاتُهَا، وَالْمُقَاوَاةُ الْمُزَايَدَةُ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ لِمَالِكٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ وَطْءٍ ثُمَّ يَطَأَهَا، أَوْ يَشْتَرِيَهَا لِلْوَطْءِ، وَعَلَى أَنَّ الرِّبْحَ وَالْخَسَارَةَ لِلْمَالِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا إذَا اشْتَرَى الْأَمَةَ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَوَطِئَهَا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِذَا تَمَسَّكَ الشَّرِيكُ بِنَصِيبِهِ وَلَمْ يُقَوِّمْهَا عَلَى شَرِيكِهِ مُنِعَ الشَّرِيكُ مِنْ الْغَيْبَةِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَعُودَ إلَى وَطْئِهَا وَيُعَاقَبَ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلِهِ إلَّا أَنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ مِنْ عُقُوبَةِ الْعَالِمِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ انْتَهَى. (قُلْتُ:) هُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ: وَإِذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَمَةً بَيْنَهُمَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ التَّوْضِيحِ: وَيُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهَالَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. ص (وَإِنْ اشْتَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ عِيَاضٌ عِنَانٌ ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ فَتْحُهَا وَلَمْ أَرَهُ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مِنْهُمْ مَنْ يَضْبُطُهَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ

يَضْبُطُهَا بِالْكَسْرِ انْتَهَى. وَهِيَ جَائِزَةٌ وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ شَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ، وَتُسَمَّى شَرِكَةُ الْعِنَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ، فَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، وَمُوَافَقَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى نَفْيِ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ الشَّرْطُ وَتُسَمَّى شَرِكَةُ عِنَانٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا الِاسْمِ حُصُولُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي نَوْعٍ مِنْ الْمَتَاجِرِ، أَوْ لَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ الشَّرِكَةُ فِي نَوْعٍ مَخْصُوصٍ سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ الشَّرْطُ، أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ الشَّرِكَةُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَعْنِي كَثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي الِاشْتِقَاقِ مِمَّاذَا هُوَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا شَرِكَةُ عِنَانٍ فَلَا نَعْرِفُهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَعْرِفُهُ (قِيلَ) إنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ بِبَلَدِهِمْ (قُلْتُ:) وَقَدْ عَلَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحُكْمَ عَلَى شَرِكَةِ الْعِنَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْهَا اهـ. ص (وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرَةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ) ش: قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَسُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى عَنْ الرَّجُلِ يَجْعَلُ دِيكًا، وَيَجْعَلُ الْآخَرُ دَجَاجَةً، وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْفَلَالِيسِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْحَضَانَةِ قَالَ فَإِنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا حَمَامَةً أُنْثَى وَالْآخَرُ ذَكَرًا جَازَتْ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْحَضَانَةِ انْتَهَى. ، وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي الشَّرِكَةِ. ص (إنْ لَمْ يَقُلْ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك) ش: فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعُثِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّقْدِ أُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ وَيَتَوَلَّى بَيْعَهَا، وَإِنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ النَّقْدِ أُمِرَ الْمَنْقُودُ عَنْهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا نَقَدَهُ عَنْهُ مُعَجَّلًا، وَلَوْ شَرَطَ تَأْجِيلَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ حَظِّ الْمُسَلِّفِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِئْجَارًا صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ. ص (وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي جَازَ إلَّا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي) ش: أَيْ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَلَفًا بِمَنْفَعَةٍ قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْبَيَانِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ دَعَا أَخًا لَهُ إلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ ذَهَبًا وَيُخْرِجَ مِثْلَهَا وَيُشَارِكَهُ فِيهَا وَيَتَّجِرَانِ جَمِيعًا بِهَا فِي مَوْضِعِهِمَا، أَوْ يُسَافِرَانِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَالْمَعْرُوفِ مِنْهُ إلَى أَخِيهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَصَرٍ فِي الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ، أَوْ إنْفَاذِهِ فِي التِّجَارَةِ وَلِعَمَلِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا خَيْرَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَتَفْسِيرُهُ الْأَوَّلُ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَالْمَعْرُوفِ مِنْهُ إلَيْهِ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الرِّفْقَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِارْتِفَاقِهِ بِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَصَدَ بِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا

الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ فَمَرَّةً رَأَى مَالِكٌ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلَةً فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَصَدَّقَهُ فِيهَا وَمَرَّةً رَآهَا بَعِيدَةً، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ سُؤَالِهِ إيَّاهُ الشَّرِكَةَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ وَيُشَارِكَهُ لَوَجَبَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُؤْمَرُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَيُنْهَى عَنْهُ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِسَلَفِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا إنْ كَانَ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَفَاتَ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً، وَيُنْهَى عَنْ الْفِعْلِ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَأْخُذُ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَتْ الشَّرِكَةُ، وَعَمِلَا فَلِلْمُقْرِضِ رِبْحُ الْمِائَةِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادَ فِي الْعَمَلِ فَلَهُ رِبْحُ الْمِائَةِ الْقَرْضِ، وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِي مِائَةِ صَاحِبِهِ هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ. فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي مَالٍ لَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ، وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْمِائَةِ دَعَا صَاحِبَ الْخَمْسِينَ إلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي يَفْضُلُهُ بِهَا حَتَّى يَسْتَوِيَا فِي الشَّرِكَةِ قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ شَرْطِ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا لِحَاجَةٍ مِنْ الْمُسَلِّفِ الَّذِي أَسْلَفَهُ فِي بَصَرٍ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ لِي مِائَةُ دِينَارٍ فَأَنَا أُسْلِفُك مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى أَنْ تُشَارِكَنِي بِأَنْ أُخْرِجُ أَنَا بِالْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الْبَاقِيَةِ لِي وَتُخْرِجُ أَنْتَ مِثْلَهَا بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي أَسْلَفْتُك فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسَلِّفَ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فَكَانَ ذَلِكَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ هَذَا مِائَةً، وَهَذَا خَمْسِينَ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ لَمَا جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ إذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ غَيْرِ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَ أُسْلِفُكَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَتُضِيفُهَا إلَى الْخَمْسِينَ الَّتِي لَك فَأُخْرِجُ أَنَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ مِثْلَهَا فَنَشْتَرِكُ فِيهَا، أَوْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ هُوَ مِائَتَهُ، وَهَذَا خَمْسِينُهُ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ابْتِدَاءً كَانَ الْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَاهُ حَسْبَمَا مَضَى فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَإِذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ إذْ قَدْ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ، وَاشْتَرَيَا بِهَا عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ مَبْلَغُ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا جَائِزًا، أَوْ إنْ سَمَّيَاهُ سَلَفًا؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ سُدُسَ الْعُرُوضِ بِالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّيَاهُ سَلَفًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ) ش يُرِيدُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ

فَقَطْ. فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ دُخُولٌ مَعَهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (قُلْتُ:) وَالْمُرَادُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِتُجَّارِ تِلْكَ السِّلْعَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مُشَارَكَتَهُ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ قَالَ مَا نَصُّهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مُتَوَلِّي الشِّرَاءِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ زَادَ، فَإِذَا بَيَّنَ لَهُمْ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَضَرَ دُخُولٌ مَعَهُ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ. ص (وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ قَوْلَانِ) ش: صَدَّرَ فِي الشَّامِلِ بِأَنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَهُ إذَا اشْتَرَى فِي الزُّقَاقِ وَعَطَفَ الْقَوْلَ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ بِقِيلِ. ص (إنْ اتَّحَدَا، أَوْ تَلَازَمَا) ش: يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالتَّلَازُمِ أَنْ يَكُونَ صَنْعَةُ أَحَدِهِمَا لَا تُنْفَقُ إلَّا بِنَفَاقِ الْأُخْرَى

(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي النُّكَتِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ شَرِكَةُ ذَوِي صَنْعَتَيْنِ مَتَى كَانَا يَعْمَلَانِ بِأَيْدِيهِمَا، فَأَمَّا إنْ كَانَا يَتَّجِرَانِ فِي صَنْعَتَيْنِ بِأَمْوَالِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ رَأَيْت لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا مُتَسَاوِيًا عَلَى أَنْ يَقْعُدَ هَذَا بَزَّازًا، وَهَذَا قَطَّانًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلٍّ آلَةً وَاسْتِئْجَارِهِ مِنْ الْآخَرِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ، أَوْ كِرَاءٍ تَأْوِيلَانِ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى مِنْهُمَا هَلْ يَكْفِي فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَتُؤَوَّلُ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْآلَةِ بِمِلْكٍ، أَوْ كِرَاءٍ، وَلَوْ بِأَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ شَرِيكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ صَرِيحُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَى وَالْبَيْتِ، وَالدَّابَّةِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ وَقَعَ مَضَى، وَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ كَذِي رَحًى وَذِي بَيْتٍ وَذِي دَابَّةٍ وَعَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ فَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ الشَّرِكَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ الثَّانِيَةُ هَلْ يَكْفِي فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْآلَةِ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمَا، وَيَسْتَأْجِرُ الْآخَرُ مِنْهُ نِصْفَهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ وَالْكِرَاءِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (قُلْتُ:) كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَطَوُّعِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِكَثِيرِ الْآلَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَالرَّحَى صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، وَسَيَأْتِيَانِ فَفِي تَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْآلَةِ الَّتِي لَهَا قِيمَةٌ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْآلَةِ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى آلَةٍ لَا قَدْرَ لَهَا كَالْخِيَاطَةِ فَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ التَّوْضِيحِ. ص (وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ وَهَلْ، وَإِنْ افْتَرَقَا رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا) ش: مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي شَرِكَةِ

الصَّائِدَيْنِ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْبَازَيْنِ ثُمَّ هَلْ تَجُوزُ، وَإِنْ افْتَرَقَا، أَوْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ يَتَبَادَرُ هَذَا إلَى الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهَاتِ لَكِنْ إذَا تَأَمَّلْتَهُ وَجَدْتَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُدَوَّنَةِ رُوِيَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ، وَأَنْ لَا يَفْتَرِقَا بَلْ يَكُونُ طَلَبُهُمَا وَاحِدًا، وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ فَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ افْتَرَقَا، أَوْ يَجْتَمِعَا فِي الطَّلَبِ فَتَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي رِقَابِ الْبَازَيْنِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَصِيدَا بِبَازَيْهِمَا، أَوْ كَلْبَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا، أَوْ يَكُونَ الْبَازَانِ، أَوْ الْكَلْبَانِ طَلَبُهُمَا وَاحِدٌ لَا يَفْتَرِقَانِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: كَذَا فِي رِوَايَتِي عَنْ شُيُوخِي يَعْنِي بِأَوْ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَيَكُونُ الْبَازَانِ فَعَلَى هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الصَّائِدَانِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِيهِمَا كَالصَّانِعَيْنِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ، أَوْ فَاسْتَدَلَّ مِنْهُ الْأَشْيَاخُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ إذَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَلْزَمْ اجْتِمَاعُهُمَا، وَجَازَ الِافْتِرَاقُ، وَيُسْتَدَلُّ مِنْهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ التَّسَاوِي فِي الْآلَةِ يَجُوزُ مَعَ الِاشْتِرَاكِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِيهَا انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، فَآخِرُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ، فَتَأَمَّلْهُ وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الْبُزَاةُ، أَوْ الْكِلَابُ مُشْتَرَكَةً جَازَ، وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الِاصْطِيَادِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْبُزَاةِ وَالْكِلَابِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ بِهِمَا مَعًا يَتَعَاوَنَانِ، وَلَا يَفْتَرِقَانِ فَيَكُونُ مَضْمُونُ الشَّرِكَةِ عَمَلًا بِعَمَلٍ، وَلَا يَجُوزُ إذَا افْتَرَقَا انْتَهَى. فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَصَائِدَيْنِ وَهَلْ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْبَازَيْنِ: وَلَمْ يَفْتَرِقَا، أَوْ أَحَدُهُمَا كَافٍ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا لَكَانَ مُوَفِّيًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَوْ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَوْلًا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ التُّونُسِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَازٍ وَلِلْآخَرِ كَلْبٌ وَكَانَا يَتَعَاوَنَانِ فِي الصَّيْدِ لَجَازَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ، وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ) ش: قَوْلُهُ بَقِيَّتُهُ أَيْ بَقِيَّةُ الْمَعْدِنِ، وَقَوْلُهُ: وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ أَيْ وَقُيِّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ النَّيْلِ، وَأَمَّا مَا بَدَا فَلِوَرَثَتِهِ، وَالْمُقَيِّدُ بِذَلِكَ الْقَابِسِيُّ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ: وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ لَمْ يُوَرَّثْ حَظُّهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ لِمَنْ رَأَى، وَيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. قَالَ فِي النُّكَتِ: ذَكَرَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَنْ الشَّيْخِ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَدْرَكَا نَيْلًا أَنَّهُمَا أَخْرَجَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ، فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ التَّمَادِي عَلَى الْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْدِنِ إلَّا بِقَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ يَقْطَعُهُ لَهُمْ، أَوْ لِغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا شَيْئًا انْتَهَى. فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ يُرِيدُ بِهِ الْأَنْيَالَ الَّتِي لَمْ تَبْدُ وَأَمَّا النَّيْلُ الَّذِي بَدَا، أَوْ عَمِلَ فِيهِ وَقَارَبَ أَنْ يَبْدُوَ فَلِوَرَثَتِهِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وَضَمَانُهُ، وَإِنْ تَفَاصَلَا) ش: يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ إذَا قَبِلَا شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ لَزِمَ شَرِيكَهُ الْآخَرَ أَنْ يَعْمَلَهُ مَعَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْقِدَا مَعًا، وَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا الضَّمَانُ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ افْتَرَقَا كَمَا لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ فَتَلِفَ ثُمَّ تَفَرَّقَا فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَطْلُبُ بِهِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا مَعًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا يَقْبَلُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلصَّنْعَةِ لَزِمَ الْآخَرَ عَمَلُهُ، وَضَمَانُهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ، وَإِنْ افْتَرَقَا. ص (وَأُلْغِيَ مَرَضٌ كَيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا لَا إنْ كَثُرَ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ إذَا مَرِضَ أَحَدُهُمَا يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ غَابَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ وَعَمِلَ صَاحِبُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَيُلْغَى مَرَضُ الْيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا، وَأَمَّا مَا كَثُرَ فَلَا يُلْغَى وَهُوَ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ، أَوْ غَابَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا

مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ فَإِنَّ لِلْعَامِلِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا، أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمَل الْآخَرُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. فَاخْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ مُطَابِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَنْبِيهَاتٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَالَ: كَيَوْمَيْنِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا قَارَبَ الْيَوْمَيْنِ لَهُ حُكْمُهُمَا، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ذِكْرِ الْيَوْمَيْنِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَكَأَنَّهُ أَحَالَ عَلَى الْعُرْفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَا بَاعَهُ صَاحِبُهُ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَأَنَّ الْقُرْبَ الْيَوْمَانِ، وَالثَّلَاثَةُ وَالْبُعْدَ الْعَشَرَةُ قَالَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَسَائِطِ يُرَدُّ مَا قَارَبَ الْقُرْبَ إلَى الْقُرْبِ وَمَا قَارَبَ الْبُعْدَ إلَى الْبُعْدِ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَا شَابَهُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ (الثَّانِي) الضَّمِيرُ فِي غَيْبَتِهِمَا رَاجِعٌ إلَى الْيَوْمَيْنِ وَتَحَيَّرَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ فِي الْكَبِيرِ وَرَدَّهُ إلَى الشَّرِيكَيْنِ، وَتَكَلَّفَ لَهُ بِأَنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا وَأَنَّ الْمُرَادَ غَيْبَةُ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا قَالَ غَيْبَتُهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْغَيْبَةَ لَوْ حَصَلَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ حَصَلَتْ مِنْ الْآخَرِ لَمْ تُغْتَفَرْ فَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِمَا فَلَأَنْ يُغْتَفَرَ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمَا مِنْ بَابِ، أَوْلَى وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) لَمْ يُفْهَمْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ كَثُرَ كَيْفَ يُعْمَلُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُلْغَى، وَاقْتَصَرَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ أَنَّ الْعَامِلَ يَخْتَصُّ بِأُجْرَةِ ذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَيْ فَإِنْ كَثُرَ اخْتَصَّ بِهِ الْعَامِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا وَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمَرِيضِ أَجْرُ عَمَلِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَإِذَا عَقَدَ الشَّرِيكَانِ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا، أَوْ غَابَ، أَوْ مَاتَ كَانَ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُوفِيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ عَلَى أَعْيَانِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ يَشْتَرِكَانِ، وَعَلَيْهِ يَدْخُلُ الَّذِي يَسْتَأْجِرُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَفَاوِضَانِ فَلَزِمَ أَحَدَهُمَا مَا لَزِمَ الْآخَرَ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا مَرَضًا خَفِيفًا، أَوْ طَوِيلًا، أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ، أَوْ بَعِيدٍ كَانَ عَلَى الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى شَيْءٍ فِي أَوَّلِ الْمَرَضِ ثُمَّ بَرِئَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ، أَوْ فِي سَفَرِ أَحَدِهِمَا إلَى قُرْبٍ مِنْ الْمَكَانِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ إنْ بَعُدَ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَاضِرِ الْقِيَامَ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ هَذَا فِي حَقِّ الَّذِي لَهُ الْعَمَلُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُسَمَّى الَّذِي عَقَدَا عَلَيْهِ هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي رُجُوعِ الَّذِي عَمِلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ الْخَفِيفُ، وَالسَّفَرُ الْقَرِيبُ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَوْلَا الْعَادَةُ لَرَجَعَ، فَإِنْ طَالَ الْمَرَضُ، أَوْ السَّفَرُ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِإِجَارَةِ الْمِثْلِ انْتَهَى. وَيَكُونُ رِبْحُ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَنَحْوُهُ لِلرَّجْرَاجِيِّ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ يَسِيرًا مِمَّا الْغَالِبُ فِيهِ التَّسَامُحُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَافَى عَلَى الْمَئُوفِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهَلْ يَكُونُ الْمُعَافَى مُتَطَوِّعًا أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالثَّانِي لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَيُطَالِبُهُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الرِّبْحَ عَلَى الْأُجْرَةِ، وَيَعْنِي بِالْمَئُوفِ الْمَرِيضَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) اُنْظُرْ هَلْ يُلْغَى مِنْ الْكَثْرَةِ يَوْمَانِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُلْغَى مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى. (قُلْت:) وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا (الْخَامِسُ) عُلِمَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ، أَوْ غَابَ أَنَّ

الْمَوْتَ كَالْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ عَمِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ أُلْغِيَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَثُرَ لَمْ يُلْغَ كَمَا تَقَدَّمَ (السَّادِسُ) عُلِمَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا أَخَذَا الشَّيْءَ الَّذِي يَعْمَلَانِ فِيهِ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ بَعْدَ مَرَضِ أَحَدِهِمَا، أَوْ سَفَرِهِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ شَرِيكَهُ عَمَلُهُ، وَضَمَانُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: هَذَا فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِكَةِ بِالْمَالِ فَلِلَّذِي عَمِلَ نِصْفُ أُجْرَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالْفَضْلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَجْرُهُ انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ مَالِيَّةً فَالرِّبْحُ بَيْنَ الْمُعَافَى وَالْمَئُوفِ، وَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ سَبَبُ الرِّبْحِ وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَوْ عَقَدَ أَحَدُهُمَا إجَارَةً بَعْدَ طُولِ الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ السَّفَرِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ حِينَئِذٍ قَدْ انْقَطَعَتْ، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ مَا هَلَكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَنْقَطِعْ الشَّرِكَةُ كَانَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ انْقَطَعَتْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ صَدْرَ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَأَقَرَّهُ (التَّاسِعُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ طُولِ الْغَيْبَةِ وَطُولِ الْمَرَضِ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْهُمَا وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (الْعَاشِرُ) الْفَرْقُ بَيْنَ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ وَبَيْنَ الْأَجِيرَيْنِ إذَا اسْتَأْجَرَهُمَا أَحَدٌ عَلَى عَمَلٍ فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا فَعَمِلَ الْآخَرُ جَمِيعَ الْعَمَلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِلْمَرِيضِ نَصِيبُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَاحِبُهُ مُتَطَوِّعٌ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّ الشَّرِيكَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ضَامِنٌ عَنْهُ مَا يَقْبَلَاهُ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُضْمَنُ فَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ الصَّحِيحُ مُتَطَوِّعًا وَأَمَّا الْأَجِيرَانِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا ضَمِينًا، وَلَا حَمِيلًا فَلِهَذَا صَارَ الْحَافِرُ مُتَطَوِّعًا انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجِيرَيْنِ لَا يَجْرِي عَلَى الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ بِالْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ بَلْ الْجَارِي عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَرِيضَ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ عَمَلُ ذَلِكَ بِأَجِيرِهِ، أَوْ بِنَفْسِهِ إذَا صَحَّ فَصَاحِبُهُ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فَالْعَامِلُ لَهُ أَجْرُهُ، وَرَاجِعْ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِ كَكَثِيرِ الْآلَةِ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّرِكَةَ تَفْسُدُ إذَا شُرِطَ فِيهَا أَنَّ مَرَضَ أَحَدِهِمَا الْكَثِيرَ وَغَيْبَتَهُ مُغْتَفِرَانِ لِلْغَرَرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ قَوْلِهِ السَّابِقِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إنْ لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا، أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَقَدَا عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ كَانَ مَا اجْتَمَعَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَهُ خَاصَّةً انْتَهَى. زَادَ الْقَرَافِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ لِلْغَرَرِ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ يُرِيدُ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الَّذِي لَوْ صَحَّ هَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونَ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ، وَيُسْمَحُ فِي الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ التَّفَاضُلِ الْيَسِيرِ، وَأَمَّا إذَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ لَمْ يُسْمَحْ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَخَالَفَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ لَهُ، وَهَذَا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى الشَّيْخُ، وَالْخِلَافُ يُبْنَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْجُمْلَةِ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا كَمَنْ يَسْجُدُ عَلَى أَنْفِهِ بَدَلًا مِنْ الْإِيمَاءِ انْتَهَى. ، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فِي لَغْوِ الْيَوْمَيْنِ مِنْ

الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ فِي الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا نَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ لِلَّخْمِيِّ لَا يُلْغَى أَيْضًا وَلَيْسَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ صَرِيحًا فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَلِهَذَا قَالَ: - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -، وَهَذَا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى وَجَعَلَ الشَّارِحَانِ هَذَا الْكَلَامَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ يُلْغَى، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يُلْغَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ وَنَحْوُهُ فِي الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ شَرَطَ عَدَمَهُ فِي الْعَقْدِ، أَوْ كَثِيرَ آلَةٍ فَسَدَتْ، وَلَا يُلْغَى الْيَوْمَانِ فِيهَا عَلَى الْأَظْهَرِ انْتَهَى. (قُلْت:) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْفَاسِدَةَ لَا يُسَامَحُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُسَامَحُ بِالْيَسِيرِ فِي الصَّحِيحَةِ، فَكَلَامُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ: وَلَوْ اشْتَرَكَا عَلَى الْعَفْوِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ كَانَتْ شَرِكَةً فَاسِدَةً، وَلَوْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ التَّرَاجُعُ بَيْنَهُمَا فِي قَرِيبِ ذَلِكَ وَبَعِيدِهِ انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الْيَوْمَيْنِ فِي الْفَاسِدَةِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالْقَصِيرَةِ تَرَدُّدٌ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ مِنْ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ كَمَا يُلْغَيَانِ فِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ، أَوْ لَا يُلْغَيَانِ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ لِلَّخْمِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَكَثِيرِ الْآلَةِ فَيُشِيرُ بِهِ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ كَمَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ إلْغَاءِ الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ فَكَذَلِكَ تَفْسُدُ الشَّرِكَةُ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ الْكَثِيرَةَ مِنْ عِنْدِهِ يُرِيدُ: وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ يَسِيرِ الْآلَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَفَضَّلَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَا تَفْسُدُ الشَّرِكَةُ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَسَادِ الشَّرِكَةِ بِالْآلَةِ الْكَثِيرَةِ، وَلَوْ كَانَ بِلَا شَرْطٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ فَسَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَقَيَّدَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ تَطَاوَلَ أَحَدُ الْقَصَّارِينَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ تَافِهٍ مِنْ الْمَاعُونِ لَا قَدْرَ لَهُ فِي الْكِرَاءِ كَالْقَصْرِيَّةِ وَالْمِدَقَّةِ جَازَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ تَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَدَاةٍ لَا يُلْغَى مِثْلُهَا لِكَثْرَتِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي مِلْكِهَا وَيَكْتَرِيَ مِنْ الْآخَرِ نِصْفَهُ انْتَهَى. (قُلْت:) وَانْظُرْ إذَا تَطَوَّعَ بِهَا أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقَصْرِيَّةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ هِيَ الصَّحْفَةُ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ وَالْمِدَقَّةُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالدَّالِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَهِيَ الْإِرْزَبَّةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الَّتِي يُكْمَدُ بِهَا الثِّيَابُ انْتَهَى. وَيُقَال فِيهَا مِرْزَبَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّخْفِيفِ وَتُشَدَّدُ مَعَ الْهَمْزَةِ وَالْأَدَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْآلَةُ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ وَهُوَ بَيْنَهُمَا) ش: أَيْ وَفَسَدَتْ الشَّرِكَةُ بِسَبَبِ اشْتِرَاكِ الْمُتَشَارِكَيْنِ بِالذِّمَمِ، وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْوُجُوهِ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِأَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ يَعْنِي أَنْ يَدْخُلَا عَلَى أَنْ يَبِيعَا وَيَشْتَرِيَا عَلَى ذِمَّتِهِمَا فَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِمَا مَعًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اشْتِرَاكُهُمَا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا الِاشْتِرَاكُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ وَعَلَى عَمَلِ الْأَبْدَانِ إذَا كَانَتْ صَنْعَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا بِالذِّمَمِ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَا مَا ابْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَلَدَيْنِ يُجْهِزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ تَفَاوُضًا كَذَلِكَ فِي تِجَارَةِ الرَّقِيقِ، وَفِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ، أَوْ بَعْضِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: تَحَمَّلْ عَنِّي بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ أَتَحَمَّلَ عَنْك بِنِصْفِ مَا اشْتَرَيْت إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَاضِرَةٍ، أَوْ غَائِبَةٍ فَيَبْتَاعَاهَا بِدَيْنٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَذَلِكَ

فرع الشريك يقول لصاحبه اقعد في هذا الحانوت تبيع فيه وأنا آخذ المتاع بوجهي والضمان علي وعليك

جَائِزٌ انْتَهَى. ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا فِي بَابِ الضَّمَانِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا فِي اشْتِرَاءِ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ: فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ إلَخْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَ فِيمَا يَأْتِي وَأَكْرَهُ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا عَلَى أَنْ يَتَّجِرَا بِهِ وَبِالدَّيْنِ مُفَاوَضَةً فَإِنْ فَعَلَا فَمَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَيْنَهُمَا، وَإِنْ جَاوَزَ رَأْسَ مَالِهِمَا انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْعُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهُوَ بَيْنَهُمَا بَيَانٌ لِلْحُكْمِ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَوْ بَاعَ وَاشْتَرَى بِنَسِيئَةٍ إلَخْ بَعْدً ذِكْرِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَصْبَغُ وَإِذَا وَقَعَتْ بِالذِّمَمِ فَمَا اشْتَرَيَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عَقَدَا، وَتُفْسَخُ الشَّرِكَةُ مِنْ الْآنَ أَبُو الْحَسَنِ، وَالْفَسْخُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْعُ انْتَهَى. فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا أَيْ وَمَا اشْتَرَيَاهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ الشَّرِيك يَقُولُ لِصَاحِبِهِ اُقْعُدْ فِي هَذَا الْحَانُوتِ تَبِيعُ فِيهِ وَأَنَا آخُذُ الْمَتَاعَ بِوَجْهِي وَالضَّمَانُ عَلَيَّ وَعَلَيْك] (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اُقْعُدْ فِي هَذَا الْحَانُوتِ تَبِيعُ فِيهِ وَأَنَا آخُذُ الْمَتَاعَ بِوَجْهِي، وَالضَّمَانُ عَلَيَّ، وَعَلَيْك قَالَ: الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَعَامَلَا عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ أُجْرَةَ مَا يَفْضُلُهُ بِهِ فِي الْعَمَلِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلضَّمَانِ إذَا عَمِلَا بِمَا تَدَايَنَا بِهِ كَمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْمَالِ بِمَا أَخْرَجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمَالِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَقْعَدْت صَانِعًا فِي حَانُوتٍ عَلَى أَنْ تَنْقُلَ عَنْهُ الْمَتَاعَ، وَيَعْمَلَ هُوَ فَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ انْتَهَى. قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْعُدْ فِي حَانُوتٍ وَأَنَا آخُذُ لَك مَتَاعًا تَبِيعُهُ وَلَك نِصْفُ مَا رَبِحْت، أَوْ ثُلُثَهُ: لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ فَإِنْ عَمِلَا عَلَيْهِ كَانَ لِلَّذِي فِي الْحَانُوتِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلَّذِي أَجْلَسَهُ فِي الْحَانُوتِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلضَّمَانِ فَإِذَا كَانَ ضَمَانُ السِّلَعِ مِنْ الَّذِي أَجْلَسَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ انْتَهَى. ص (وَكَبَيْعِ وَجِيهٍ مَالَ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ) ش: هَذَا تَفْسِيرٌ ثَانٍ لِشَرِكَةِ الذِّمَمِ. ص (وَكَذِي رَحًى وَذِي بَيْتٍ وَذِي دَابَّةٍ لِيَعْمَلُوا إنْ لَمْ يَتَسَاوَى الْكِرَاءُ وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ وَتَرَادُّوا الْأَكْرِيَةَ) ش: أَيْ، وَمِمَّا يُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَسَادِ أَنْ يَشْتَرِكَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ صَاحِبُ رَحًى، وَالْآخَرُ صَاحِبُ بَيْتٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ دَابَّةٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا وَكِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّحَى، وَالْبَيْتِ، وَالدَّابَّةِ غَيْرُ مُتَسَاوٍ، وَشَرَطُوا أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِمْ عَمَلُ أَيْدِيهِمْ، وَقَدْ تَكَافَئُوا فِيهِ، وَيَتَرَادُّونَ فِي الْأَكْرِيَةِ فَمَنْ لَهُ فَضْلٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا وَإِنْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ بِرَحًى وَالْآخَرُ بِدَابَّةٍ وَالْآخَرُ بِبَيْتٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا بِأَيْدِيهِمْ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَعَمِلُوا عَلَى ذَلِكَ وَجَهِلُوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّ مَا أَصَابُوهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ كِرَاءُ الْبَيْتِ، وَالرَّحَى وَالدَّابَّةِ مُعْتَدِلًا وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحَى وَالْبَيْتَ وَالدَّابَّةَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمْ فَأَكْرَى ثُلُثَيْ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبَيْهِ وَعَمِلُوا جَازَتْ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَ كِرَاءُ مَا أَخْرَجُوهُ مُخْتَلِفًا قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ عَمَلُ أَيْدِيهِمْ، وَقَدْ تَكَافَئُوا فِيهِ وَيَرْجِعُ مَنْ لَهُ فَضْلُ كِرَاءٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَتَرَادُّونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَا أَخْرَجُوهُ مِمَّا يُكْرَى قَدْ أُكْرِيَ كِرَاءً فَاسِدًا وَلَمْ يَتَرَاجَعُوا فِي عَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِتَسَاوِيهِمْ فِيهِ انْتَهَى. فَظَاهِرُهَا أَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً حَتَّى يُكْرِيَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ لَكِنَّهَا إنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ إذَا تَسَاوَتْ الْأَكْرِيَةُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ وَتَأَوَّلَ سَحْنُونٌ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَمْتَنِعُ إذَا كَانَ كِرَاءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلِفًا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَى قَوْلِهِ: تَصِحُّ أَنَّهَا تَئُولُ إلَى الصِّحَّةِ لَا أَنَّهَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً وَعَلَى تَأْوِيلِ

سَحْنُونٍ مَشَى الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا تَسَاوَى الْكِرَاءُ جَازَتْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ قَابِلٌ لَأَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ تَقْرِيرًا لِحُكْمِهَا بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَصِفَةُ التَّرَادِّ ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَنَقَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَنَقَلَهَا الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ. ص (وَإِنْ شُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ فَالْغَلَّةُ لَهُ وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهَا) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ كَذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الرَّحَى فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ لَهُ مَا أَصَابَ وَعَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ لِلْآخَرَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا أُصِيبَ مَفْضُوضًا عَلَى قَدْرِ إجَارَةِ الرَّحَى وَالدَّابَّةِ فَمَا نَابَ الرَّحَى مِنْ الْعَمَلِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ فِيهِ بِإِجَارَةِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الرَّحَى لَمْ يَبِعْ مَنَافِعَهُمَا مِنْ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ آجِرُهَا وَلَك أَجْرُ مَا تُؤَاجِرُهَا بِهِ فَإِنَّمَا يُؤَاجِرُهَا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا ثُمَّ يَغْرَمَانِ جَمِيعًا أُجْرَةَ الْبَيْتِ انْتَهَى. ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ رَبَّ الْبَيْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ تَابِعَةٌ لِلْعَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعْمَرَ، أَوْ يُبَاعَ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَابْنِ غَازِيٍّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَيْنُ، أَوْ الْبِئْرُ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً قَدْ قُسِّمَتْ

فروع إذا كان أحد الشريكين غائبا

أَرَاضِيهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا زَرْعٌ، وَلَا شَجَرٌ مُثْمِرٌ يُخَافُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْآبِيَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُلْزَمُ بِهِ وَيُقَالُ لِصَاحِبِهِ: اعْمَلْ وَلَك الْمَاءُ كُلُّهُ وَمَا زَادَ بِعَمَلِك إلَى أَنْ يَأْتِيَك صَاحِبُك الْآبِي بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السَّدَادِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ ظَاهِرُ كَلَامِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ، أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ، وَإِنْ كَانَ مَقْسُومًا انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهَا زَرْعٌ، أَوْ شَجَرٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيُّ إنَّ الشَّرِيكَ فِي الْعَيْنِ، أَوْ الْبِئْرِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمُرَ مَعَهُ، أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِمَّنْ يَعْمُرُ كَالْعُلُوِّ يَكُونُ لِرَجُلٍ وَالسُّفْلُ لِآخَرَ فَيَنْهَدِمُ وَهُوَ تَنْظِيرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ عُلُوَّهُ حَتَّى يَبْنِيَ صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ وَيَقْدِرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّقْيَ بِمَاءِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا إذَا انْهَدَمَتْ أَنْ يَصِلَ إلَى مَا يُرِيدُ مِنْ السَّقْيِ بِأَنْ يُصْلِحَ الْبِئْرَ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِجَمِيعِ الْمَاءِ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. ، وَقَدْ نَصَّ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمَّرَ أَحَقُّ بِالْمَاءِ وَنَصُّهَا: وَإِذَا كَانَتْ بِئْرٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَانْهَارَتْ، أَوْ عَيْنٌ فَانْقَطَعَتْ فَعَمِلَهَا أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يَعْمَلَ لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي لَمْ يَعْمَلْ مِنْ الْمَاءِ قَلِيلٌ، وَلَا كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ شَرِيكَهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ، وَإِذَا احْتَاجَتْ بِئْرٌ، أَوْ قَنَاةٌ بَيْنَ شُرَكَاءَ لِسَقْيِ أَرْضِهِمْ إلَى الْكَنْسِ لِقِلَّةِ مَائِهَا فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ الْكَنْسَ وَأَبَى الْآخَرُونَ وَفِي تَرْكِ الْكَنْسِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَاءِ وَانْتِقَاصٌ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَوْ لَا يَكْفِي إلَّا الَّذِينَ شَاءُوا الْكَنْسَ خَاصَّةً فَلِلَّذِينَ شَاءُوا الْكَنْسَ أَنْ يَكْنِسُوا ثُمَّ يَكُونُوا، أَوْلَى بِاَلَّذِي زَادَ فِي الْمَاءِ كَنْسُهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يَكْنِسْ حَتَّى يُؤَدُّوا حِصَّتَهُمْ مِنْ النَّفَقَةِ فَيَرْجِعُوا إلَى أَخْذِ حِصَّتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ إذَا قَلَّ مَاؤُهَا فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ الْكَنْسَ وَأَبَى الْآخَرُ فَهِيَ كَبِئْرِ الزَّرْعِ، فَإِنْ كَنَسَهُ بَعْضُهُمْ كَانَ جَمِيعُهُمْ فِيمَا كَانَ مِنْ الْمَاءِ قَبْلَ الْكَنْسِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ فِيهِ ثُمَّ يَكُونُ الَّذِينَ كَنَسُوا أَحَقَّ بِمَا زَادَ الْمَاءُ بِكَنْسِهِمْ فَإِذَا رَوَوْا كَانَ النَّاسُ وَأُبَاةُ الْكَنْسِ فِي الْفَضْلِ سَوَاءً حَتَّى يُؤَدُّوا حِصَصَهُمْ مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِذَا أَرَادُوا كَانَ جَمِيعُ الْمَاءِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لَهُمْ ثُمَّ النَّاسُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ عَدَمُ الْجَبْرِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ، أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ وَبِهَذَا فَارَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ الرَّحَى الْآتِيَةَ فَإِنَّ الْآبِيَ مِنْ الْعَمَلِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمُرَ، أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمُرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَائِبًا] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَائِبًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا يَعْمُرُ بِهِ نَصِيبَهُ نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ الْقِسْمِ (الثَّانِي) إذَا كَانَ الْمُشْتَرَكُ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَالْفُرْنِ ثُمَّ إنَّهُ خَرِبَ حَتَّى صَارَ أَرْضًا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي الْقِسْمَةِ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة: إذَا صَارَتْ الْأَرْضُ بَرَاحًا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ بِنَائِهَا فُرْنًا صَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْأَرْضِ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ شَرِيكِهِ بِنَاءَهَا فُرْنًا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إلَى بِنَاءِ عَرْصَةٍ تُقَسَّمُ فَإِذَا قُسِّمَتْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ مَا أَحَبَّ فَإِذَا رُفِعَ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي بِسَبَبِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَهُوَ الْوَاجِبُ فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ مَالِهِ مَا يَعْمُرُ بِهِ نَصِيبَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ كَلَامًا فِي الْقِسْمَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى حَدِّ مَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ، أَوْ لَا؟ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَمَحَلُّهُ كِتَابُ الْقِسْمَةِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعَاوَى فِي دَارٍ بَيْنَ وَرَثَةٍ لِيَسْكُنَهَا بَعْضُهُمْ وَبَاقِيهِمْ يَسْأَلُ إخْلَاءَهَا لِبَيْعِهَا وَدَعَا سَاكِنِيهَا إلَى غُرْمِ كِرَائِهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ لِلتَّسْوِيقِ فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْقِسْمَةُ فَإِنَّهَا تُخْلَى مِنْ جَمِيعِهِمْ لِتُسَوَّقَ خَالِيَةً إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَنْ يَكْتَرِيهَا مِنْ غَيْرِ الْوَرَثَةِ عَلَى شَرْطِ التَّسْوِيقِ فَتُكْرَى مِنْهُ إذَا أُمِنَ مِنْهُ الْمَيْلُ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ نَاحِيَةِ أَحَدِهِمْ، وَلَا مِنْ سَبَبِهِمْ وَأَجَابَ ابْنُ الْقَطَّانِ: بَقَاءُ الدَّارِ هَكَذَا ضَرَرٌ عَلَى

مَنْ يَذْهَبُ إلَى الِارْتِفَاقِ بِنَصِيبِهِ إنْ كَانَتْ دَارًا يُكْرَى مِثْلُهَا فَوَجْهُ الْعَمَلِ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إنْ اتَّفَقْتُمْ الْآنَ عَلَى التَّقَاوُمِ فِي الْكِرَاءِ إلَى أَنْ يَنْفُذَ الْبَيْعُ فِيهَا فَتَقَاوَمُوهَا ثُمَّ يَسْكُنُهَا مَنْ أَرَادَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ أُخْلِيَتْ مِنْكُمْ ثُمَّ شُيِّدَتْ لِلْكِرَاءِ كَمَا تُشَيَّدُ لِلْبَيْعِ فَإِذَا بَلَغَ كِرَاؤُهَا ثَمَنًا مَا كَانَ لِمَنْ أَرَادَ السُّكْنَى أَنْ يَضُمَّ حِصَصَ أَصْحَابِهِ بِمَا بَلَغَتْ، وَيَسْكُنَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُهُ فَالزَّائِدُ أَحَقُّ وَالْإِشَادَةُ لِلْكِرَاءِ عَلَى شَرْطِ التَّسْوِيقِ لِلْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْ السَّاكِنِ فِيهَا مِنْ الْوَرَثَةِ يُخِلُّ بِالْبَيْعِ فَإِنْ أَثْبَتَ أُكْرِيَتْ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّ التَّسْوِيقَ لِلْبَيْعِ خَالِيَةً أَفْضَلُ وَأَوْفَرُ لِلثَّمَنِ أُخْلِيَتْ وَأَجَابَ ابْنُ مَالِكٍ: إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا أَجِدُ فِيمَا أَظْهَرَ اللَّهُ لِي مِنْ الْعِلْمِ عَلَى مَذْهَبِنَا إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَعْرِفُ أَنَّهُ الْحَاصِلُ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا يَعْرِفُ النَّاسُ أَبْنَاءَهُمْ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: كَانَ جَوَابُ ابْنِ عَتَّابٍ مُقْنِعًا لَوْ كَانَ إنْصَافٌ وَائْتِلَافٌ وَلَمْ يَكُنْ تَنَافُرٌ، وَلَا اخْتِلَافٌ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ مَا أَطَالَ فِيهِ ابْنُ الْقَطَّانِ الْكَلَامَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَيْ إبَاحَةِ نَظَرِهَا لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُرِيدُوا بَيْعَهَا لَكَانَ الْحُكْمُ أَنْ يَتَقَاوَمُوا كِرَاءَهَا، فَتَأَمَّلْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَبْسًا فَقَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ وَاسِعَةً فَقَالَ الْأَغْنِيَاءُ نَحْنُ لَا نَحْتَاجُ لِلسُّكْنَى، وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى قَدْرِ مَا يَصِيرُ لَنَا مِنْ السُّكْنَى فَنُسْكِنُهُ مَنْ أَحْبَبْنَا، أَوْ نَكْرِيهِ لَهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلَمْ تَسَعْهُمْ السُّكْنَى أَكُرِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقُسِّمَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمْ شَرْعًا سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَا يَصِيرُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَيَسْكُنُ فِيهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَائِلِ كِرَاءِ الدُّورِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ شَرِكَةً فَأَكْرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ وَدَعَا إلَى الْبَيْعِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَتْ لَا تَنْقَسِمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُ إلَى الْبَيْعِ وَرَضِيَ بِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ وَطَلَبَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، وَكَانَ الْكِرَاءُ فِي نِصْفٍ شَائِعٍ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَمَرَّةً قَالَ: فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَسْكُنَ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لِيُكْرِيَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ لِيَبِيعَ، وَكَذَلِكَ الْحَانُوتُ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَيَكْرِي أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ شَائِعًا فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَكَانَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ لِيُكْرِيَ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَجْلِسَ فِيهِ لِلْبَيْعِ جَازَ فَإِنْ كَانَ يُكْرِيهِ مِمَّنْ يَجْلِسُ فِيهِ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى كِرَاءِ السُّفُنِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ: قَالَ سَحْنُونٌ فِي رَجُلَيْنِ لَهُمَا سَفِينَةٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ مَتَاعًا وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ فَقَالَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ لِلْآخَرِ لَا أَدَعُك تَحْمِلُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا بِكِرَاءٍ، وَقَالَ الْآخَرُ إنَّمَا أَحْمِلُ فِي نَصِيبِي قَالَ: فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا يُقْضَى لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ بِكِرَاءٍ فَإِمَّا أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ مَا حَمَلَ صَاحِبُهُ مِنْ الشَّحْنَةِ وَالْمَتَاعِ وَإِلَّا بِيعَ الْمَرْكَبُ عَلَيْهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَزَادَ بَعْدَهُ، وَلَوْ، أَوْسَقَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَا يُوسِقُ لَكَانَ لِهَذَا أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَرْكَبِ، وَلَا مَقَالَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ فِي كِرَاءٍ، وَلَا بَيْعٍ؛ لِأَنَّ وَسْقَهُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ رِضًا بِتَسْفِيرِهِ تِلْكَ الطَّرِيقَ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا حِينَ، أَوْسَقَ فَلَمَّا قَدِمَ أَنْكَرَ، وَلَمْ يَجِدْ كِرَاءً لَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوسِقُ فِيهِ فَإِنْ صَارَ لِمَنْ، أَوْسَقَهُ أَقَرَّ وَسْقَهُ إنْ شَاءَ، وَإِنْ صَارَ لِلْغَائِبِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أُمِرَ أَنْ يَحُطَّ وَسْقَهُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى كِرَاءٍ فَيُتْرَكُ، وَهَذَا إذَا كَانَ يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِ الْمَرْكَبِ تَحْتَ الْمَاءِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِكَمَالِهِ فِي كِرَاءِ السُّفُنِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَرْكَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ أَحَدُهُمَا فِي حِصَّتِهِ إلَى الْعُدْوَةِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مَا يَحْمِلُ فِي نِصْفِهِ، وَلَا وَجَدَ مَنْ يُكْرِيهِ فَهَلْ لَهُ نِصْفُ مَا حَمَلَ شَرِيكُهُ مِنْ الْكِرَاءِ فَأَجَابَ: لِلَّذِي لَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُ فِي نَصِيبِهِ

فرع إصلاح أحد الشريكين الشيء المشترك إذا تلف بدون إذن الشريك

أَنْ يَأْخُذَ شَرِيكَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ حَتَّى يُعَامِلَهُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يَنْفَصِلَا مِنْ الْمَرْكَبِ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ وَذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْت: وَالدَّوَابُّ وَالْعَبِيدُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْكَبِ وَذَكَرَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ مِثْلَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُ بِكِرَاءٍ عَلَى الْآخَرِ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ مُطْلَقًا، وَلَا يُقْضَى لِلْآخَرِ بِأَنْ يُسَافِرَ بِهِ مُطْلَقًا بَلْ إمَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى كِرَاءٍ، أَوْ شَيْءٍ وَإِلَّا بِيعَ الْمَرْكَبُ عَلَيْهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ مَسْأَلَةَ زَرْعِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي بَعْضِ الْأَرْضِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَذَكَرَهَا فِي الْبَيَانِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ، وَذَكَرَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ: إذَا كَانَ الشَّرِيكُ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ تَرْكُهُ إيَّاهُ رِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ [فَرْعٌ إصْلَاح أَحَد الشَّرِيكَيْنِ الشَّيْء الْمُشْتَرَك إذَا تلف بِدُونِ إِذْن الشَّرِيك] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ فِي مَرْكَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ خَرِبَ أَسْفَلُهُ حَتَّى لَا يُنْتَفَعَ بِهِ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَطَلَبَ مِنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ النَّفَقَةِ فَأَبَى قَالَ: لِأَنَّك أَنْفَقْت بِغَيْرِ إذْنِي قَالَ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ وَيَكُونُ الْمَرْكَبُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتَهُ خَرَابًا إنْ شَاءَ ذَلِكَ شَرِيكُهُ فَإِنْ أَبَيَا فَالْمَرْكَبُ بَيْنَهُمَا يَكُونُ لِلَّذِي أَنْفَقَ بِقَدْرِ مَا زَادَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ مَعَ حِصَّتِهِ الْأُولَى مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ خَرَابًا مِائَةً وَقِيمَتُهُ مَصْلُوحًا مِائَتَيْنِ فَيَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِشَرِيكِهِ رُبُعُهُ ابْنُ يُونُسَ، وَاَلَّذِي أَرَى أَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ مَا أَنْفَقَ وَمِنْ نِصْفِ مَا زَادَتْ نَفَقَتُهُ فِي الْمَرْكَبِ وَيَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا زَادَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْهُ الْآنَ وَخُذْ مَا زَادَتْ نَفَقَتُك فِي الْمَرْكَبِ فَلَمَّا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا زَادَتْ نَفَقَتُهُ وَيَكُونُ الْمَرْكَبُ بَيْنَهُمَا، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمِثْلُهُ إذَا كَانَتْ دَارًا لَا تَنْقَسِمُ وَأَصْلَحَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ يَكُونُ شَرِيكًا بِمَا زَادَتْ النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ تَنْقَسِمُ لَكَانَ الْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْأَرْضِ يَبْنِيَ فِيهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْقَسْمِ إنَّهَا تُقَسَّمُ، فَإِنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْنِ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا، وَإِنْ وَقَعَ لِمَنْ بَنَاهُ كَانَ لَهُ مُسَلِّمًا انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَعَنْ اللَّخْمِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ نَفْسِهِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ طَلَب أَحَد الشركين الْبَيْع فِي الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تنقسم] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي آخِرِ بَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ: وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا تَنْقَسِمُ، أَوْ فِي قَسْمِهَا ضَرَرٌ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ إذَا طَلَبَ الْبَيْعَ أَحَدُهُمَا، وَإِنَّمَا جُبِرَ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مُفْرَدًا نَقَصَ ثَمَنُهُ، وَإِذَا قُلْنَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى الْبَيْعَ فَإِنَّهُ إذَا وَقَفَ الْمَبِيعُ عَلَى ثَمَنٍ وَأَرَادَ طَالِبُ الْبَيْعِ أَخْذَهُ بِمَا وَقَفَ عَلَيْهِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَتَحَايَلُونَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ إلَى إخْرَاجِ النَّاسِ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ، وَأَمَّا إنْ طُلِبَ الشِّرَاءُ مَنْ آبَى الْبَيْعَ فَلَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا فِيمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْعِمَارَةِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ وَقُلْنَا إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِ مَا يَخُصُّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ أَرَادَ الْعِمَارَةَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يُفْهَمُ مِنْهُ إرَادَةُ ذَلِكَ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَذِي سُفْلٍ إنْ وَهِيَ وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ وَالسَّقْفُ) ش: قَالَ فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ فِي الْمَنْزِلِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ

لِأَحَدِهِمَا الْعُلُوُّ وَلِلْآخَرِ السُّفْلُ فَيَنْكَسِرُ سَقْفُ الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ: إنَّ عَلَيْهِ إصْلَاحَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ انْهَدَمَ جِدَارُهُ الْأَسْفَلُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَهُ حَتَّى يَسْقُفَهُ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] فَلَمَّا أَضَافَ السَّقْفَ إلَى الْبَيْتِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِالسَّقْفِ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ مَعَ صَاحِبِ الْأَعْلَى فَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ فَيَلْزَمُ بِنَاؤُهُ إذَا بَنَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ فَيَلْزَمُ بِنَاؤُهُ إذَا نَفَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ لِيُوجِبَ عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ سَبَبُ الِانْهِدَامِ وَهَاءَ الْعُلُوِّ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السُّفْلِ حَاضِرًا عَالِمًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ صَاحِبُ السُّفْلِ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ وَهَاءُ الْعُلُوِّ مِمَّا لَا يُخَافُ سُقُوطُهُ هَلْ يَضْمَنُ، أَوْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَبَبُ الِانْهِدَامِ وَهَاءَ السُّفْلِ، وَصَاحِبُ الْعُلُوِّ حَاضِرٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ، أَوْ كَانَ غَائِبًا انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَتَعْلِيقُ الْغُرَفِ عَلَيْهِ: الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيقِ حَمْلُهُ عَلَى خَشَبٍ وَنَحْوِهَا، وَالْغُرَفُ جَمْعُ غُرْفَةٍ وَهِيَ مَا لَهُ نَفْعٌ مِنْ بُيُوتِ الْمَنْزِلِ وَمَعْنَى وَهِيَ ضَعُفَ ضَعْفًا شَدِيدًا انْتَهَى. ص (وَبِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ وَتَنَازَعَا فِيهَا فَذَكَرَ

الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَرَبُّ الدَّابَّةِ، أَوْلَى بِمُقَدَّمِهَا عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلْمُقَدَّمِ مِنْ الرَّاكِبَيْنِ وَذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ وَذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ نَقَلْت كَلَامَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَرَبُّ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدَّمِهَا. ص (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًا إنْ أَبَيَا فَالْغَلَّةُ لَهُمْ وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَا أَنْفَقَ) ش: هَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّدَادِ وَالْأَنْهَارِ وَنَصُّ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا انْهَدَمَتْ الرَّحَى الْمُشْتَرَكَةُ فَأَقَامَهَا أَحَدُهُمْ إذَا أَبَى الْبَاقِي فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِمُقِيمِهَا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَصِيبِهِمْ خَرَابًا، وَعَنْهُ أَيْضًا يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْغَلَّةِ بِمَا زَادَ بِعِمَارَتِهِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا عَشَرَةً، وَبَعْدَ الْعِمَارَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ بِعِمَارَتِهِ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ ثُمَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فَلْيَدْفَعْ مَا يَنُوبُهُ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ يَوْمَ يَدْفَعُهُ وَقِيلَ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ، وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَا أَنْفَقَ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ: فَيَتَحَصَّلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُحَاصُّ بِالنَّفَقَةِ فِي الْغَلَّةِ كَانَتْ الرَّحَى مَهْدُومَةً، أَوْ انْخَرَقَ سَدُّهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُحَاصُّ بِالنَّفَقَةِ فِي الْغَلَّةِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلَانِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَالثَّالِثُ فِي الْمَبْسُوطَةِ فَإِذَا قُلْت: إنَّهُ لَا يُحَاصُّ بِالنَّفَقَةِ فِي الْغَلَّةِ فَفِي حُكْمِ الْغَلَّةِ ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا كُلُّهَا تَكُونُ لِلْعَامِلِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّرِيكُ الدُّخُولَ مَعَهُ فَيَأْتِيهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ يَغُورُ مَاؤُهَا، أَوْ يَنْهَدِمُ مِنْهَا نَاحِيَةٌ، فَيُرِيدُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْعَمَلَ، وَيَأْبَى صَاحِبُهُ فَيُقَالُ لِمَنْ أَبَى: اعْمَلْ مَعَهُ، أَوْ بِعْ فَإِنْ أَبَى وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمَلِ وَحْدَهُ كَانَ الْمَاءُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ نَصِيبَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ الرَّحَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى أَنَّ الرَّحَى مَهْدُومَةٌ لَا كِرَاءَ لَهَا، وَإِنَّمَا صَارَ لَهَا كِرَاءٌ بِبِنَائِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ كِرَاءٌ، وَالثَّانِي أَنَّ الْغَلَّةَ تَكُونُ لِلْعَامِلِ أَيْضًا، وَيَكُونُ عَلَيْهِ كِرَاءُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكِرَاءَ فِيهَا مَوْجُودٌ إذَا أُكْرِيَتْ عَلَى أَنْ تُبْنَى، وَقَدْ بَنَاهَا الْعَامِلُ، وَانْتَفَعَ بِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَيْسَ قَوْلُ عِيسَى بِخِلَافٍ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ لِلَّذِي لَمْ يَبْنِ كِرَاءُ نَصِيبِهِ مِنْ قَاعَةِ الرَّحَى؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يَرَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كِرَاءً، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْغَلَّةَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لِلَّذِي لَمْ يَعْمَلْ مِنْهُمَا بِقَدْرِ قِيمَةِ حَظِّهِ مِنْ الرَّحَى عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَلِلَّذِي عَمِلَ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنْهَا أَيْضًا، وَبِقَدْرِ عَمَلِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّرِيكُ الدُّخُولَ مَعَهُ فَيَأْتِيَهُ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ انْتَهَى. كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ بِتَقْدِيمٍ، وَتَأْخِيرٍ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ رُشْدٍ بِرُمَّتِهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْت: لَا يَخْفَى مِنْ فَهْمِ هَذَا التَّحْصِيلِ إجْمَالُ نَقْلِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَنَقَلَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَاعْتَمَدَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَبِالْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالثَّالِثُ أَقْوَى الْأَقَاوِيلُ عِنْدِي، وَفِي الثَّانِي إلْزَامُهُمْ الشِّرَاءَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، أَوْ يَنْفَرِدُ بِأَكْثَرِ الْغَلَّةِ عَنْهُمْ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْأَوَّلَ الَّذِي حَجَرَ عَلَيْهِمْ مِلْكَهُمْ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ فِيهِ إلَّا أُجْرَةُ الْخَرَابِ (فَإِنْ قِيلَ) : وَالثَّالِثُ ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُتَوَلِّيَ النَّفَقَةِ أَخْرَجَ مَا أَنْفَقَ مِنْ يَدِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَيَأْخُذُهُ مُقَطَّعًا مِنْ الْغَلَّةِ (قِيلَ) هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَلَوْ شَاءَ لَرَفَعَهُمْ إلَى الْقَاضِي فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِمَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ إمَّا إنْ يُصْلِحُوا، أَوْ يَبِيعُوا مِمَّنْ يُصْلِحُ انْتَهَى. ص (وَبِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ

فرعان أراد أن يطين داخل داره ولجاره حائط فيها

لِإِصْلَاحِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي نَحْوِهِ عَلَى الْجِدَارِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَهُ الدُّخُولُ لِإِصْلَاحِ الْجِدَارِ وَنَحْوِ الْجِدَارِ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْوَسَطِ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى إصْلَاحٍ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُ الدُّخُولَ لِإِصْلَاحِ الْجِدَارِ وَكَنَحْوِ إصْلَاحِ الْجِدَارِ كَمَا إذَا وَقَعَ ثَوْبٌ فِي دَارِ جَارِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ لِأَخْذِهِ، أَوْ يُخْرِجَهُ إلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْجَارِ بَلْ كُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي دَارِ رَجُلٍ حُكْمُهُ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ: لَوْ قَلَعَتْ الرِّيحُ ثَوْبَ رَجُلٍ فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِ آخَرَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ أَنْ يَدْخُلَ فَيَأْخُذُهُ، أَوْ يُخْرِجُهُ لَهُ انْتَهَى. وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ مِثْلَ هَذَا إذَا دَخَلَتْ دَابَّةٌ دَارَ رَجُلٍ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَخْذَهَا إلَّا مَالِكُهَا، وَهُوَ وَاضِحٌ وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى إصْلَاحٍ أَحْسَنُ لِشُمُولِهِ لِمَا ذُكِرَ وَلِلْأَوَّلِ أَيْضًا، فَتَأَمَّلْهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: " لِإِصْلَاحٍ " أَنْ لَا يَدْخُلَ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِصْلَاحِ، وَلَا يَدْخُلُ لِتَفَقُّدِ جِدَارِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ فَتُّوحٍ، وَقَالَ الْمُشَاوِرُ: لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ: لِمَنْ لَهُ حَائِطٌ بِدَارِ رَجُلٍ لَهُ الدُّخُولُ إلَيْهِ لِافْتِقَادِهِ كَمَنْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي دَارِ رَجُلٍ ابْنُ فَتُّوحٍ مَنْ ذَهَبَ إلَى طُرِّ حَائِطِهِ مِنْ نَاحِيَةِ دَارِ جَارِهِ فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَاجُ إلَى الطُّرِّ كَانَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ كَانَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ (قُلْت:) وَهَذَا كَالْمُخَالِفِ لِقَوْلِ الْمُشَاوِرِ لَهُ الدُّخُولُ لِافْتِقَادِهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَقْرُبُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَتُّوحٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُشَاوِرِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْجِدَارِ الَّذِي فِي دَارِ الرَّجُلِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ إلَّا مِنْ دَارِ جَارِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَشْبِيهُهُ لَهُ بِالشَّجَرَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ فَتُّوحٍ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطُرَّ جِدَارَهُ مِنْ جِهَةِ جَارِهِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْجِدَارِ أَنْ يُطَيِّنَهُ مِنْ دَارِ جَارِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي غِلَظِ الْجِدَارِ زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ أَغْلَظَ مِمَّا كَانَ فِي جِهَةِ الْجَارِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي النَّوَادِرِ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ فِي جَوَابِهِ حَبِيبًا: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَيِّنَ حَائِطَهُ مِنْ دَارِ جَارِهِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ أَنْ يَدْخُلَ دَارِهِ فَيُطَيِّنَ حَائِطَهُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ فَتُّوحٍ الْمُتَقَدِّمُ ثُمَّ قَالَ إثْرَهُ ابْنُ حَارِثٍ: وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطُّرَّ يَقَعُ فِي هَوَاءِ جَارِهِ إلَّا أَنْ يَنْحِتَ بِحَائِطِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطُّرُّ انْتَهَى. فَكَانَ الرَّاجِحُ عِنْدَ ابْنِ حَارِثٍ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَتُّوحٍ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعَانِ أَرَادَ أَنْ يُطَيِّنَ دَاخِلَ دَارِهِ وَلِجَارِهِ حَائِطٌ فِيهَا] (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَيِّنَ دَاخِلَ دَارِهِ وَلِجَارِهِ حَائِطٌ فِيهَا فَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَفْعًا، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى جَارِهِ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ لِإِصْلَاحِ جِدَارِهِ مِنْ جِهَتِهِ يَعْنِي أَنَّ الْجَارَ يُجْبَرُ عَلَى إدْخَالِ جَارِهِ لِدَارِهِ لِإِصْلَاحِ جِدَارِهِ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَالُوا: وَكَذَا لِإِخْرَاجِ مَا سَقَطَ لَهُ عِنْدَهُ، أَوْ يُخْرِجُهُ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْإِصْلَاحِ الْهَدْمُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ الدُّخُولَ لِيُطَيِّنَ جِدَارَهُ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إدْخَالِهِ الْجَصَّ وَالطِّينَ وَيَفْتَحُ فِي حَائِطِهِ كُوَّةً لِأَخْذِ ذَلِكَ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: فَإِنْ أَرَادَ طُرَّ حَائِطِهِ فَذَهَبَ جَارُهُ إلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْبَنَّاءَ وَالْأُجَرَاءَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ صِفْ لَهُمْ مَا تُرِيدُ وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا تَتَوَلَّى ذَلِكَ، وَقَدْ يَكْرَهُ جَارُك دُخُولَك دَارِهِ، فَإِنْ مَنَعَ الطِّينُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْبَابِ أَمَرَ صَاحِبَهُ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ فِي حَائِطِهِ لِيُدْخِلَ مِنْهُ الطِّينَ وَالطُّوبَ وَالصَّخْرَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَائِطُ وَيَعْجِنُ الطِّينَ فِي دَارِهِ وَيُدْخِلُ إلَى دَارِ جَارِهِ فَإِذَا تَمَّ الْعَمَلُ أَغْلَقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَحَصَّنَهُ. ص (وَبِقِسْمَتِهِ إنْ طُلِبَتْ لَا بِطُولِهِ عَرْضًا) ش:

مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَافٍ فِي بَيَانِهَا وَمُلَخَّصُ النُّقُولِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ قَسْمُهُ بِالتَّرَاضِي قُسِّمَ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِنْ الطُّولِ، أَوْ الْعَرْضِ، وَإِنْ أُرِيدَ قَسْمُهُ بِالْقُرْعَةِ فَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ يُقَسَّمُ طُولًا وَطُولُهُ هُوَ امْتِدَادُهُ بَيْنَهُمَا، وَعَرْضُهُ هُوَ سُمْكُ طُرِّهِ فَإِذَا كَانَ الْجِدَارُ مَثَلًا طُولُهُ جَارِيًا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ وَعَرْضُهُ جِهَةَ الشِّمَالِ إلَى أَحَدِهِمَا وَجِهَةُ الْجَنُوبِ إلَى الْآخَرِ قُسِّمَ طُولُهُ نِصْفَيْنِ نِصْفٌ يَلِي الْمَشْرِقَ، وَنِصْفٌ يَلِي الْمَغْرِبَ، وَلَا يُقَسَّمُ عَرْضًا بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ عَرْضِ الْجِدَارِ كَمَا إذَا كَانَ عَرْضُهُ مَثَلًا شِبْرَيْنِ فَلَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا شِبْرًا مَعَ طُولِ الْجِدَارِ، وَيَأْخُذُ الْآخَرُ شِبْرًا مَعَ طُولِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِأَحَدِهِمَا الْجِهَةُ الَّتِي تَلِي الْآخَرَ فَيَفُوتُ الْمُرَادُ مِنْ الْقِسْمَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: وَلَا تَصْلُحُ الْقُرْعَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ ذَلِكَ لَهُ يَكُونُ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ الْحَمْلُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَإِذَا كَانَ حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَانْهَدَمَ، فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَهُ مَعَ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ مِنْ ذَلِكَ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الَّذِي أَبَى مِنْهُمَا عَلَى الْبُنْيَانِ، وَيُقَالُ لِطَالِبِ ذَلِكَ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك، وَابْنِ إنْ شِئْت وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُ عَرْضَ الْجِدَارِ وَيَبْنِيَ لِنَفْسِهِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْبُنْيَانِ مَعَ شَرِيكِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا انْتَهَى. مِنْ الْكَافِي انْتَهَى. كَلَامُ صَاحِبِ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَنَقَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَلَّابِ فِي بَابِ الْبُنْيَانِ وَالْمَرَافِقِ وَنَفَى الضَّرَرِ وَصَدَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَالٍ مُشْتَرَكٍ وَإِذَا انْهَدَمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ وَكَانَ سُتْرَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَهُ وَأَبَى الْآخَرُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُجْبَرُ الَّذِي أَبَى عَلَى بُنْيَانِهِ مَعَ شَرِيكِهِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ يَقْسِمَانِ عَرْصَةَ الْحَائِطِ وَنَقْضَهُ ثُمَّ يَبْنِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ، وَلَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ حَائِطًا بَيْنَ دَارَيْنِ، وَلَا بَيِّنَةَ حُكِمَ بِهِ لِمَنْ إلَيْهِ وُجُوهُ الْآجُرِّ وَاللَّبِنِ وَالطَّاقَاتِ وَمَعَاقِدِ الْقُمُطِ فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ أَمَارَةٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَدْمٍ، أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ، أَوْ كُوَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ سُتْرَةٌ بَيْنَهُمَا فَانْهَدَمَ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إصْلَاحَهُ فَهَلْ يُجْبَرُ الْآخَرُ رِوَايَتَانِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ تُقَسَّمُ الْعَرْصَةُ لِيَبْنِيَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَلَوْ هَدَمَهُ أَحَدُهُمَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَلَزِمَهُ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ تَنْهَارُ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ فِي فَصْلِ الِاتِّفَاقِ: وَإِذَا تَدَاعَيَا جِدَارًا، وَلَا بَيِّنَةَ فَهُوَ لِمَنْ إلَيْهِ وُجُوهُ الْآجُرِّ، وَالطَّاقَاتِ فَإِنْ

فرعان تصرف أحد الشريكين في شيئ بدون إذن شريكه

اسْتَوَيَا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ، فَمَنْ هَدَمَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ فَإِنْ انْهَدَمَ فَإِنْ أَمْكَنَ قَسْمُ عَرْصَتِهِ وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَى إعَادَتِهِ فَإِنْ بَنَى أَحَدُهُمَا فَلَهُ مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ الِانْتِفَاعِ لِيُؤَدِّيَ مَا يَنُوبُهُ انْتَهَى. فَكَلَامُهُ فِي الْإِرْشَادِ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْجَلَّابِ وَالْعُمْدَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَلَا يَقْسِمُ مَعَهُ الْحَائِطَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْكَافِي أَيْضًا بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ؛ وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَهُ شَارِحُهُ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ بِأَنَّ الْقَسْمَ إنَّمَا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِعَدَمِ الْجَبْرِ، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ الْمُتَقَدِّمِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لَهُ بِاخْتِصَاصِهِ حُكِمَ فِيهِ بِشَهَادَةِ الْعَوَائِدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ تَوْجِيهَ الْجِدَارِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَكَذَلِكَ مَغَارِزُ الْأَخْشَابِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْقُمُطُ هِيَ الْخَشَبُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْبُنْيَانِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ أَمَارَةٌ عَلَى اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِهِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا قَالَهُ فِي الْعُمْدَةِ، وَقَالَ بَهْرَامُ فِي الشَّامِلِ: وَحَلَفَا عِنْدَ عَدَمِ تَرْجِيحٍ وَاشْتَرَكَا فَلَا يُفْتَحُ فِيهِ بَابًا، وَلَا رَوْزَنَةً، وَلَا يَضَعُ عَلَيْهِ خَشَبَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ ذَلِكَ فَإِنْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ بِنَفْسِهِ، أَوْ هَدَمَهُ الشَّرِيكَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا لِمَصْلَحَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُمْكِنَ انْقِسَامُ عَرْصَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، أَوْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ قَسْمُهَا قُسِمَتْ وَإِلَّا بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْإِصْلَاحَ وَأَبَى الْآخَرُ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ مَعَ شَرِيكِهِ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَاَلَّذِي فِي الْجَلَّابِ: وَإِنْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ وَذَكَرَ كَلَامَ الْجَلَّابِ الْمُتَقَدِّمَ بِلَفْظِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا جَعَلَ قِسْمَةَ الْعَرْصَةِ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَى الْبِنَاءِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْعُمْدَةِ وَشَرْحِهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مُسْتَنَدٍ لِمَا قَالَهُ فِي إرْشَادِهِ فِي كَلَامِهِ، وَلَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ والتِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى الْقَائِلَةُ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ مَنْ أَبَاهُ مِنْهُمَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ الْبُحَيْرِيِّ بِلَفْظِهِ (قُلْتُ:) فَسَّرَ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى بِأَنَّهُ إمَّا بَنَى مَعَهُ، أَوْ قَاسَمَ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَنْقَسِمُ، أَوْ يَبِيعُ مِمَّنْ يَبْنِي مَعَ الشَّرِيكِ قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْيَسُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى صَاحِبِ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ: لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى بِنَائِهِ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقَالُ لِمَنْ أَبَى إمَّا أَنْ تَبْنِيَ، أَوْ تَبِيعَ، أَوْ تُقَاسِمَ وَلِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُجْبَرُ الْآبِي مِنْهُمَا عَلَى الْبِنَاءِ، وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَ مَوْضِعِ الْجِدَارِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَصَاحِبِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ قَسْمُهُ قُسِمَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ فَإِمَّا بَنَى مَعَهُ، أَوْ بَاعَ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ والتِّلِمْسَانِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَقَضَى عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَنْ يَعْمُرَ، أَوْ يَبِيعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ التَّتَّائِيُّ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ، وَنَصُّهُ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْ، وَإِنْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ قَسْمُ عَرْصَةٍ بَيْنَهُمَا قُسِمَتْ وَإِلَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَهُ أَيْ مَعَ الشَّرِيكِ وَالطَّالِبِ لِذَلِكَ، وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ: وَقَضَى عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَنْ يَعْمُرَ، أَوْ يَبِيعَ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَلَّابِ ذَاتُ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَى الْجَبْرُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ شَرِيكِهِ وَالْأُخْرَى عَدَمُ الْجَبْرِ لَكِنْ يَقْسِمَانِ عَرْصَةَ الْحَائِطِ وَنَقْضَهُ، ثُمَّ يَبْنِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، وَإِنَّ ابْنَ الْجَلَّابِ إنَّمَا جَعَلَ قِسْمَةَ الْعَرْصَةِ مُفَرَّعَةً عَلَى الرِّوَايَةِ بِعَدَمِ الْجَبْرِ عَلَى الْبِنَاءِ سَهْوًا وَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا ذَكَرَ الْجَبْرَ مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ الْقَسْمِ وَابْنَ الْجَلَّابِ مَعَ إمْكَانِهِ وَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعَانِ تَصْرِف أَحَد الشَّرِيكَيْنِ فِي شيئ بِدُونِ إِذْن شَرِيكه] (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَنْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ فِي شَيْءٍ تَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ لِمَلْزُومِيَّتِهِ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ

بِغَيْرِ إذْنِهِ الشَّيْخُ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ جِدَارٍ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ حَمْلِ مِثْلِهِ عَلَيْهِ إنْ احْتَاجَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مِثْلَ سَقْفِ بَيْتٍ، أَوْ غَرْزِ خَشَبِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلِكُلٍّ الْمَنْعُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَنْعُ شَرِيكِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ شَرِيكُهُ كَسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي الْمَعُونَةِ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَلَا أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينَ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ وَصَاحِبِ الْعُمْدَةِ والتِّلِمْسَانِيُّ نَحْوُ ذَلِكَ فَانْظُرْ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ هَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْإِطْلَاقِ، أَوْ مُقَيِّدٌ لَهُ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مِنْ سُؤَالِ ابْنِ حَبِيبٍ سَحْنُونًا عَنْ الْحَائِطِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَهُمَا مُقِرَّانِ بِذَلِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَشَبٌ، وَخَشَبُ أَحَدِهِمَا أَسْفَلُ مِنْ الْآخَرِ فَأَرَادَ رَفْعَهَا إلَى حِذَاءِ خَشَبِ صَاحِبِهِ فَمَنَعَهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ أَنْكَرَ الَّذِي خَشَبُهُ أَعْلَى أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الْخَشَبِ السُّفْلِيِّ مِنْ فَوْقِ خَشَبِهِ شَيْءٌ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِمَا فَوْقَ خَشَبِ الْأَسْفَلِ، يُرِيدُ وَلَا عَقْدَ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ الْأَسْفَلِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ أَنْكَرَ الَّذِي خَشَبُهُ أَعْلَى إلَى آخَرِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَشَبِ الْأَعْلَى ادَّعَى أَنَّ مَا فَوْقَ خَشَبِ الْأَسْفَلِ خَاصٌّ بِهِ وَلَيْسَ ثَمَّ مَا يَشْهَدُ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ الْأَسْفَلِ مِنْ عَقْدِ جِدَارٍ، أَوْ رَبْطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمُرَادُهُ بِالزَّائِدِ الْأَسْفَلِ مَا تَحْتَ خَشَبِ الْأَعْلَى إلَى خَشَبِ الْأَسْفَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ اقْتَطَعَ سَبِيلًا مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَزَيَّدَهُ وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا يَزِيدُهُ مِنْ الطَّرِيقِ وَأَدْخَلَ فِي بِنَائِهِ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا جِدًّا لَا يَضُرُّهُ مَا اقْتَطَعَهُ مِنْهُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا اقْتَطَعَهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ هُدِمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِلَوْ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مُضِرًّا بِالطَّرِيقِ لَهُدِمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُلَقَّبِ بِزُونَانَ وَسَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَيَّدُ فِي دَارِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ذِرَاعًا، أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَإِذَا بَنَى جِدَارًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ بَيْتًا قَامَ عَلَيْهِ جَارُهُ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُهُ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ، وَرَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَأَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ وَزَعَمَ أَنَّ سَعَةَ الطَّرِيقِ كَانَ رِفْقًا بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِنَاءً لَهُ وَمَرْبِطًا لِدَابَّتِهِ وَفِي بَقِيَّةِ الطَّرِيقِ مَمَرٌّ

لِلنَّاسِ وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ سَعَةِ الطَّرِيقِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ، أَوْ تِسْعَةٌ هَلْ لِذَلِكَ الْجَارِ إلَى هَدْمِ بُنْيَانِ جَارِهِ الَّذِي بَنَى سَبِيلٌ، أَوْ رَفَعَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَسْلُكُ تِلْكَ الطَّرِيقَ وَفِي بَقِيَّةِ سَعَتِهِ مَا قَدْ أَعْلَمْتُك فَقَالَ يَهْدِمُ مَا بَنَى، وَإِنْ كَانَ فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ، أَوْ تِسْعَةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ التَّزَيُّدُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ. وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ فِي ذَلِكَ إلَى النَّاسِ، وَيَنْهَى إلَيْهِمْ أَنْ لَا يُحْدِثَ أَحَدٌ بُنْيَانًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ الْحَكَمِ الْجُذَامِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ حَدَّادًا ابْتَنَى كِيرًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَآهُ فَقَالَ: لَقَدْ انْتَقَصْتُمْ السُّوقَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَهَدَمَهُ قَالَ أَشْهَبُ: نَعَمْ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِهَدْمِهِ رَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ مَنْ كَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ، أَوْ رَفَعَ ذَلِكَ جِيرَانُهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ التَّزَيُّدُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِي الطَّرِيقِ سَعَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، كَانَ مُضِرًّا مَا تَزَيَّدَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا يُؤْمَرُ بِهَدْمِهِ، وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ إلَى النَّاسِ أَنْ لَا يَتَزَيَّدَ أَحَدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَطِعَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَيَتَزَيَّدَهُ فِي دَارِهِ وَيُدْخِلَهُ فِي بُنْيَانِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا جِدًّا لَا يَضُرُّهُ مَا اقْتَطَعَ مِنْهُ، وَاخْتَلَفُوا إنْ تَزَيَّدَ فِي دَارِهِ مِنْ الطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ جِدًّا مَا لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ وَتُعَادُ إلَى حَالِهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْأَبْرِجَةِ يَبْنِيهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مُلْصَقَةً بِجِدَارِهِ وَاخْتِيَارُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى ظَاهِرِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْكِيرِ الَّذِي أُنْشِئَ فِي السُّوقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الطَّرِيقَ حَقٌّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحَبْسِ فَوَجَبَ أَنْ يُهْدَمَ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَزَيَّدَهُ فِي دَارِهِ مِنْهَا كَمَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ مِلْكِ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَهُ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِهَا لِسَعَتِهَا لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ إذْ هُوَ بِنَاؤُهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكِرَاؤُهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ، وَأَفْنِيَتُهَا مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهَا فَلَمَّا كَانَ أَحَقَّ بِالِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا إذَا اسْتَغْنَى هُوَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُهْدَمَ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ فَيَذْهَبُ مَالُهُ هَدْرًا وَهُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بَلْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُتَوَصَّلْ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَدْمِ بُنْيَانِهِ وَتَلَفِ مَالِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا سِيَّمَا وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فِي الطَّرِيقِ يُرِيدُ أَهْلُهَا بُنْيَانَ عَرْصَتِهَا أَنَّ الْأَقْرَبِينَ إلَيْهَا يَقْتَطِعُونَهَا عَلَى قَدْرِ مَا شُرِعَ فِيهَا مِنْ رِبَاعِهِمْ بِالْحِصَصِ فَيُعْطَى صَاحِبُ الرُّبُعِ الْوَاسِعِ بِقَدْرِهِ، وَصَاحِبُ الصَّغِيرِ بِقَدْرِهِ وَيَتْرُكُونَ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنَّمَا قَالُوا ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ احْتِيَاطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لِيَسْتَوْفِيَ فِيهَا السَّبْعَةَ الْأَذْرُعَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى زِيَادَةِ الذِّرَاعِ وَنُقْصَانِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ وَالْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَقَدْ نَزَلْت بِقُرْطُبَةَ قَدِيمًا وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا فَأَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ وَأَبُو صَالِحٍ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَهُ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِهَا وَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَابْنُهُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَحْمَدُ بْنُ بَيْطِيرٍ بِأَنْ يُهْدَمَ مَا تَزَيَّدَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِهَا أَفْتَى بِهِ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ، وَرَجَّحَهُ فِي سُؤَالٍ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَسْأَلُهُ عَنْ شَخْصٍ بَنَى حَائِطًا بِجَنَّتِهِ فِي بَطْنِ وَادٍ، وَقَدْ كَانَ حَائِطُهُ دُونَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ الَّذِي بَنَاهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، أَوْ بِجَارِهِ

فَيُهْدَمُ مَا بَنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، وَلَا بِجَارِهِ لَمْ يُهْدَمْ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ تَزَيَّدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يُهْدَمُ بُنْيَانُهُ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي الْبِنَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُبِيحُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَيْضًا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ، وَالْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ: قَالَ أَصْبَغُ: سَأَلْت أَشْهَبَ عَنْ رَجُلٍ يَهْدِمُ دَارِهِ وَلَهُ الْفِنَاءُ الْوَاسِعُ فَيَزِيدُ فِيهَا مِنْ الْفِنَاءِ يُدْخِلُهُ بُنْيَانَهُ، ثُمَّ يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ: لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ وَاسِعًا وَبَرَاحًا لَا يَضُرُّ الطَّرِيقَ، وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَنَا أَكْرَهُهُ، وَلَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَقْضِيَ عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا وَبَرَاحًا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يُقَارِبُهُ الْمَشْيُ قَالَ أَصْبَغُ فِي الرَّجُلِ يَبْنِي دَارًا لَهُ فَيَأْخُذُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يَزِيدُهُ فِيهَا كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَا يَضُرُّ أَتَرَى ذَلِكَ جَائِزًا وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِثْلِ هَذَا قَالَ أَصْبَغُ: إنْ كَانَ اقْتَطَعَهُ اقْتِطَاعًا فَمَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ وَكَانَ إدْخَالُهُ فِيمَا يُرَى بِمَعْرِفَةٍ لَا بِجَهَالَةٍ، أَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُبَالِ فَلَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ، وَيُهْدَمُ بُنْيَانُهُ إذَا أَضَرَّ جِدًّا، وَإِنْ كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً جِدًّا كَبِيرَةً وَكَانَ الَّذِي أَخَذَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ جِدًّا الَّذِي لَا يَضُرُّ، وَلَا يَكُونُ فَسَادًا فِي صَغِيرِ مَا أَخَذَ وَسَعَةِ الطَّرِيقِ وَكَثْرَتِهِ فَلَا أَرَى أَنْ يُهْدَمَ بُنْيَانُهُ، وَلَا يُعْرَضَ لَهُ، وَقَدْ سَأَلْت أَشْهَبَ عَنْهَا بِعَيْنِهَا وَنَزَلَتْ عِنْدَنَا فَكَانَ هَذَا رَأْيِي فِيهَا فَسَأَلْته عَنْهَا فَقَالَ لِي مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ وَرِوَايَتِهِ عَنْ أَشْهَبَ خِلَافُ مَا مَضَى قَبْلَ هَذَا فِي سَمَاعِ زُونَانَ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ مُجَوَّدًا مُسْتَوْفًى فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ هُنَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِكَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ مُخْتَصِرًا فَقَالَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يُبَاحُ لِذِي الْفِنَاءِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ هُدِمَ عَلَيْهِ وَرُدَّ كَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَفِي هَدْمِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ زُونَانَ ابْنُ وَهْبٍ مَعَ أَشْهَبَ وَأَصْبَغُ مَعَ سَمَاعِهِ مِنْ أَشْهَبَ، وَالْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ أَكْثَرُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَوْفَى ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسَائِلِ الِاحْتِسَابِ فِي تَرْجَمَةِ الِاحْتِسَابِ عَلَى ابْنِ السَّلِيمِ فِيمَا اقْتَطَعَهُ مِنْ الْمَحَجَّةِ وَضَمَّهُ إلَى جَنَّتِهِ وَذَكَرَ النَّازِلَةَ بِقُرْطُبَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَكَرَ فَتَاوَى الْمَشَايِخِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ، وَقَدْ نَقَلَ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَّ أَبَاهُ أَصْبَغَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا لَا يَضُرُّ إلَى أَنَّهُ يُهْدَمُ. وَنَصُّهُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ أَنَّ أَبَاهُ أَصْبَغَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِيمَنْ اقْتَطَعَ مِنْ أَفْنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، وَأَدْخَلَهُ فِي دَارِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا رَحْرَاحًا أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: وَيُهْدَمُ وَيُرَدُّ إلَى حَالَتِهِ، وَقَالَ: إنَّ الْأَفْنِيَةَ، وَالطَّرِيقَ كَالْأَحْبَاسِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا حَدَثًا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ غَالِبٍ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِهِ مَا نَصُّهُ: وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَدْ ذَهَبَ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ أَصْبَغَ: إنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَى الْمُقْتَطِعِ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مَا اقْتَطَعَ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا رَحْرَاحًا فَاخْتَارَ بِرَأْيِهِ مَا رَآهُ صَوَابًا. وَاَلَّذِي نَرَاهُ، وَاَللَّهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ اتِّبَاعُ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَعْنِي الْهَدْمَ وَهُوَ إلَى التَّوْفِيقِ أَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْعَجَبُ مِنْ الَّذِي اخْتَارَ قَوْلَ أَصْبَغَ كَيْفَ فَارَقَ قَوْلَ عُمَرَ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ وَمَا عَلِمْتَهُ أَرْخَصَ فِيهَا لِأَحَدٍ قَطُّ وَمَا أَظُنُّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ اجْتَهَدَ، وَاَللَّهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ ثُمَّ قَالَ فِي آخَرِ كَلَامِهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَجْوِبَتِهِمْ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِهِ بِأَحْسَنِ مَسَاقٍ وَأَقْرَبِ أَلْفَاظٍ وَأَبْيَنِ مَعَانٍ مِمَّا وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ كُلُّ

وَاحِدٍ، وَلَا خَرَجُوا عَمَّا فِي الْعُتْبِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى مَغِيبِ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُمْ وَعُزُوبِهِ عَنْ ذِكْرِهِمْ وَرَأَيْت نَقْلَهُ إذْ فِيهِ تَتْمِيمٌ لِمَسْأَلَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَأَلْت مُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ عَنْ الرَّجُلِ يَبْنِي أَبْرِجَةً فِي الطَّرِيقِ مُلْصَقَةً بِجِدَارِهِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤْمَرُ بِهَدْمِهَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَا لِي: نَعَمْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا يَنْتَقِصُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَبْقَى مِنْ الطَّرِيقِ وَاسِعًا لِمَنْ سَلَكَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَأَلْت أَصْبَغَ بْنَ الْفَرَجِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي: إنَّ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ الطَّرِيقِ وَاسِعًا قَالَ لِي أَصْبَغُ: وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ. وَقَالَ لِي: فَالْأَفْنِيَةُ دُونَ الدُّورِ كُلِّهَا مُقْبِلُهَا وَمُدْبِرُهَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا مَا لَمْ تُضَيِّقْ طَرِيقًا، أَوَيُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ لَهُمْ الِاتِّسَاعُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَمَوْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَنْ أَدْخَلَ مِنْهُمْ فِي بُنْيَانِهِ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَهُ بِبُرْجٍ يَسُدُّ دَارِهِ، أَوْ حَظَرَ حَظِيرَةً وَزَادَهُ فِي دَارِهِ لَمْ يُرَ أَنْ يُعْرَضَ لَهُ، وَلَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَرَاءَهُ وَاسِعَةً مُنْبَسِطَةً لَا تُضَرُّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَا تُضَيَّقُ قَالَ: وَأَكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاءً أَنْ يَحْظُرَهُ، أَوْ يُدْخِلَهُ فِي بُنْيَانِهِ مَخَافَةَ الْإِثْمِ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَعْرِضْ عَلَيْهِ فِيهِ بِحُكْمٍ وَلَمْ أَمْنَعْهُ مِنْهُ وَقَلَّدْته مِنْهُ مَا تَقَلَّدَ. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لَهُ الْبُنْيَانَ، وَأَنَا أَكْرَهُ لَهُ بَدْءًا فَإِذَا فَاتَ عَلَى مَا وَصَفْنَا لَمْ أَرَ أَنْ يُعْرَضَ لَهُ فِيهِ قَالَ أَصْبَغُ: وَقَدْ نَزَلَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَنَا، وَاسْتَشَارَنِي فِيهِ السُّلْطَانُ وَسَأَلَنِي النَّظَرَ إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ، فَنَظَرْت فَرَأَيْت أَمْرًا وَاسِعًا جِدًّا فَجًّا مِنْ الْفِجَاجِ وَكَانَ لَهُ مُحِيطٌ مَحْظُورٌ عَنْ الطَّرِيقِ يَجْلِسُ فِيهِ الْبَاعَةُ فَكَسَرَهُ، وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ فَرَأَيْت ذَلِكَ وَاسِعًا، وَأَشَرْت بِهِ عَلَى السُّلْطَانِ فَحَكَمَ بِهِ، وَسَأَلْت عَنْهُ أَشْهَبَ يَوْمئِذٍ فَذَهَبَ مَذْهَبِي، وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيهِ أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِصَ الطَّرِيقَ وَالْفِنَاءَ بِبِنَاءٍ يَسُدُّ بِهِ جِدَارَهُ، أَوْ يُدْخِلُهُ فِي دَارِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً صَحْرَاءَ فِي سَعَتِهَا؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَقِصَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَقًّا لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا أَنْ يَنْتَقِصَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَإِنَّمَا يُفَسَّرُ قَضَاءُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ بِالِانْتِفَاعِ لِلْمَجَالِسِ، وَالْمَرَابِطِ وَالْمَسَاطِبِ وَجُلُوسِ الْبَاعَةِ فِيهِ لِلْبِيَاعَاتِ الْخَفِيفَةِ، وَالْأَفْنِيَةِ وَلَيْسَ بِأَنْ تُحَازَ لِلْبُنْيَانِ، وَالتَّحْظِيرِ، وَكَذَلِكَ سَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ خَبَرَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَدْمِ كِيرِ الْحَدَّادِ وَأَثَرًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اقْتِطَاعِ الْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ وَالْوَعِيدَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فِي الطَّرِيقِ يُرِيدُ أَهْلُهَا بُنْيَانَ عَرْصَتِهَا أَنَّ الْأَقْرَبِينَ يَقْتَطِعُونَهَا بِالْحِصَصِ عَلَى قَدْرِ مَا شُرِعَ فِيهَا مِنْ رِبَاعِهِمْ فَيُعْطَى صَاحِبُ الرِّبْعَةِ الْوَاسِعَةِ بِقَدْرِ مَا شَرَعَ فِيهَا مِنْ رِبَاعِهِمْ وَصَاحِبُ الصَّغِيرَةِ بِقَدْرِهَا وَيَتْرُكُونَ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ سَهْلٍ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا أَنْكَرَهُ مُنْكِرُهُمْ مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ؛ لِأَنَّ أَصْبَغَ كَرِهَهُ ابْتِدَاءً وَرَأَى أَنَّ تَرْكَهُ لِمَنْ فَعَلَهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا رَحْرَاحًا فَجًّا مِنْ الْفِجَاجِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ يَزِيدُ فِي بُنْيَانِهِ مِنْ الْفِنَاءِ الْوَاسِعِ لَا يَضُرُّ فِيهِ بِأَحَدٍ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلِابْنِ وَهْبٍ عَنْ رَبِيعَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي طَائِفَةٍ مِنْ دَارِهِ فَلَا يَتَزَيَّدُ فِيهِ مِنْ الطَّرِيقِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَسَأَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ أَدْخَلَ فِي دَارِهِ مِنْ زُقَاقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذِ شَيْئًا فَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ الْجِيرَانُ إلَّا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ إذَا صَحَّتْ الْبَيِّنَةُ فَلْيَرُدَّ ذَلِكَ إلَى الزُّقَاقِ، وَلَا تُحَازُ الْأَزِقَّةُ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ كَانَ ضَرَرُ ذَلِكَ بَيِّنًا، وَلَا عُذْرَ لِلْبَيِّنَةِ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فَهِيَ

جُرْحَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ لَمْ يَقِفْ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَلَا بَلَغَهُمْ مُطَالَعَتُهُ، وَلَوْ عَلِمُوهُ لَنَقَلُوهُ وَآثَرُوا ذِكْرَهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ: وَالْعَجَبُ مِنْ الَّذِي اخْتَارَ قَوْلَ أَصْبَغَ كَيْفَ فَارَقَ قَوْلَ عُمَرَ هُوَ أَعْجَبُ مِمَّا تَعَجَّبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ تَدَبُّرٍ وَأَنْكَرَ قَبْلَ أَنْ يُفَكِّرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَصْبَغَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَشْهَبَ فَصَارَ ذَلِكَ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِمَا وَقَوْلُ أَصْبَغَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَشْهَبَ يَنْضَافُ إلَيْهَا مَا ذُكِرَ لِابْنِ سَمْعَانَ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ التَّابِعِينَ مَعَ اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَمَنْ اسْتَظْهَرَ بِهَذَا كُلِّهِ فِي جَوَابِهِ لَا يَتَّسِعُ عَلَيْهِ فِي مُخَالَفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوهُ إلَّا إلَى أَصْلٍ اجْتَمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إلَّا عَنْ عِلْمٍ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ وَجَوَابَ أَصْبَغَ وَمَنْ وَافَقَهُ مُخْتَلِفُ الْمَعْنَى فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي طَرِيقِ الْأَسْوَاقِ أَنَّ فِيهَا الضَّيِّقَ فِي سَاحَتِهَا عَلَى أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْهَا وَهِيَ مُجْتَمَعُ النَّاسِ فَهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى حَيْثُ يَجُولُونَ وَيَتَصَرَّفُونَ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ أَمَرَ بِهَدْمِ الْكِيرِ: يُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ وَالطَّرِيقُ فِي مَسْأَلَةِ أَصْبَغَ كَانَ وَاسِعًا ظَاهِرَ الِاتِّسَاعِ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْمَارَّةِ، وَكَانَ الِاسْتِحْسَانُ عِنْدَهُ لِمَنْ تَزَيَّدَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ أَنْ يُتْرَكَ لِئَلَّا يَفْسُدَ عَلَيْهِ مَا بَنَى وَيَذْهَبَ إنْفَاقُهُ بَاطِلًا وَلَعَلَّهُ كَانَ مُضْطَرًّا إلَى ذَلِكَ لِضِيقِ سَاحَةِ دَارِهِ وَتَقْصِيرِهَا عَمَّا يَقُومُ بِهِ فِي مَسْكَنِهِ، فَالْمُخْتَارُ عَلَى هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ بَلْ هُوَ مُجْتَهِدٌ فِي النَّظَرِ وَاضِعٌ لِلِاسْتِحْسَانِ فِي مَوْضِعِهِ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ بِلَفْظِهِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ ابْتِدَاءً أَنْ يَقْتَطِعَ مِنْ الطَّرِيقِ شَيْئًا وَيُدْخِلَهُ فِي بُنْيَانِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا جِدًّا لَا يَضُرُّهُ مَا اقْتَطَعَ مِنْهُ فَإِنْ اقْتَطَعَ مِنْهَا شَيْئًا وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَضُرُّ بِهَا وَيُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ هُدِمَ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهَا وَأُعِيدَتْ إلَى حَالِهَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهَا وَتُعَادُ إلَى حَالِهَا وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ لَسِعَتِهَا، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَرَجَّحَهُ فِي نَوَازِلِهِ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِلَوْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) إنْ قِيلَ: قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَطِعَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا إلَى آخَرِ كَلَامِهِ السَّابِقِ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ فِي آخَرِ كَلَامِهِ فِي الْبَيَانِ بَعْدَ اسْتِظْهَارِهِ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الْهَدْمِ لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَاسْتِشْهَادُهُ عَلَى الْجَوَازِ ابْتِدَاءً بِمَا فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِمَا قَالُوهُ فِي الطَّرِيقِ يُرِيدُ أَهْلُهَا بُنْيَانَ عَرْصَتِهَا إذْ مُقْتَضَى ذَلِكَ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي الْبِنَاءِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي نَوَازِلِهِ بَعْدَ تَرْجِيحِهِ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الْهَدْمِ إذْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ بِأَهْلِ الْعِلْمِ خَارِجُ الْمَذْهَبِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُ أَصْبَغَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَشْهَبَ يَنْضَافُ إلَيْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَمْعَانَ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ التَّابِعِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ إنْ خَفَّ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِنَاءُ الدَّارِ هُوَ مَا بَيْنَ يَدَيْ بِنَائِهَا فَاضِلًا عَنْ مَمَرِّ الطَّرِيقِ الْمُعَدِّ لِلْمُرُورِ غَالِبًا كَانَ بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا، أَوْ غَيْرِهِ وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُشِيرُ لِأَنَّهُ الْكَائِنُ بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْقَسْمِ: وَإِنْ قَسَمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً فَمَنْ صَارَتْ لَهُ الْأَجْنِحَةُ فِي حَظِّهِ فَهِيَ لَهُ، وَلَا يُعَدُّ مِنْ الْفِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي هَوَاءِ الْأَفْنِيَةِ وَفِنَاءِ الدَّارِ لَهُمْ أَجْمَعِينَ الِانْتِفَاعُ بِهَا انْتَهَى. (قُلْت:) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي تَفْسِيرِ الْفِنَاءِ إلَّا مَا أَخَذَهُ مِنْ كِتَابِ الْقَسْمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ فَقَالَ الْأَفْنِيَةُ دُورُ الدُّورِ

كُلِّهَا مُقْبِلُهَا وَمُدْبِرُهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْأَفْنِيَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الطَّرِيقِ يُكْرِيهَا أَهْلُهَا أَذَلِكَ لَهُمْ وَهِيَ طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَمَّا كُلُّ فِنَاءٍ ضَيِّقٍ إذَا وُضِعَ فِيهِ شَيْءٌ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي طَرِيقِهِمْ فَلَا أَرَى أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَأَنْ يُمْنَعُوا وَأَمَّا كُلُّ فِنَاءٍ إنْ انْتَفَعَ بِهِ أَهْلُهُ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَمَرِّهِمْ - لِسِعَتِهِ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِأَرْبَابِ الْأَفْنِيَةِ أَنْ يَكْرُوهَا - مِمَّنْ يَصْنَعُ فِيهَا مَا لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ عَلَى الْمَارَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَكَانُوا أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَكْرُوهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ، وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى. ، وَقَالَ قَبْلَهُ فِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ لَهُ دَارَانِ وَهُمَا فِي رَحْبَةٍ، وَأَهْلُ الطَّرِيقِ رُبَّمَا ارْتَفَقُوا بِذَلِكَ الْفِنَاءِ إذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنْ الْأَحْمَالِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ نِجَافًا وَبَابًا حَتَّى تَكُونَ الرَّحْبَةُ لَهُ فِنَاءً، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّحْبَةِ بَابٌ، وَلَا نِجَافٌ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الرَّحْبَةِ نِجَافًا وَبَابًا لِيَخْتَصَّ بِمَنْفَعَتِهَا وَيَقْطَعَ مَا لِلنَّاسِ مِنْ الْحَقِّ فِي الِارْتِفَاقِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَفْنِيَةَ لَا تُحْجَرُ إنَّمَا لِأَرْبَابِهَا الِارْتِفَاقُ بِهَا وَكِرَاؤُهَا فِيمَا لَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فِيهِ مِنْ النَّاسِ، وَلَا يَضُرُّ بِهِمْ فِيهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ هَذَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ تَحَجَّرَ مِنْ الْفِنَاءِ الْوَاسِعِ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَضُرُّ تَحْجِيرُهُ بِمَنْ يَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ هَلْ يُقَرُّ ذَلِكَ أَمْ يُهْدَمُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ زُونَانَ وَسَمَاعِ أَصْبَغَ بَعْدَ هَذَا انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِرَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِكَلَامِهِ الَّذِي فَوْقَ هَذَا وَبِسَمَاعِ زُونَانَ وَسَمَاعِ أَصْبَغَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُهْدَمُ بِنَاءٌ بِطَرِيقٍ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ، وَالنِّجَافُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْعَتَبَةُ وَهِيَ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالطُّرُقِ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ مَا نَصُّهُ (قُلْت:) وَهَذِهِ الْكُلِّيَّةُ غَيْرُ صَادِقَةٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَبَيْتِ الْمَدْرَسَةِ لِلطَّالِبِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِنَقْلٍ يَرُدُّهُ لَكِنْ قَالَ قَبْلَهُ بِنَحْوِ السَّبْعَةِ الْأَوْرَاقِ ابْنُ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ: وَالْمَحْفُوفَةُ بِالْمِلْكِ لَا تَخْتَصُّ وَلِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِهِ وَحَرِيمِهِ (قُلْت:) فِي تَسْوِيَةِ الِانْتِفَاعِ بِحَرِيمِهِ وَمِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى حَرِيمِهِ الْمُغَايِرَ لِمُسَمَّى مِلْكِهِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْفِنَاءِ وَلَيْسَ انْتِفَاعُهُ بِهِ كَانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ لِجَوَازِ كِرَائِهِ مِلْكَهُ مُطْلَقًا وَأَمَّا فِنَاؤُهُ فَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَنُقِلَ كَلَامُ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَكَلَامُهُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ انْتِفَاعُهُ بِفِنَائِهِ كَانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَقْضِيَةِ: أَفَنِيَةُ الدُّورِ الْمُتَّصِلَةِ بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِأَرْبَابِ الدُّورِ كَالْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ الَّتِي لِأَرْبَابِهَا تَحْجِيرُهَا عَلَى النَّاسِ لِمَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الِارْتِفَاقِ بِهَا فِي مُرُورِهِمْ إذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنْهُمْ بِالْأَحْمَالِ وَشِبْهِهَا إلَّا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الرَّحَى وَغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْعِ الَّذِي فِي آخَرِ الْقَوْلَةِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ نَحْوُ هَذَا وَرَأَيْت فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَا نَصُّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَيْ رَبَّ الْفِنَاءِ مُقَدَّمٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْفِنَاءِ فِي رَبْطِ دَابَّتِهِ وَإِلْقَاءِ كُنَاسَتِهِ وَحَفْرِ بِئْرِ مِرْحَاضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ حَتَّى ادَّعَى ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ لَهُ كِرَاءَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ جَازَ لَهُ كِرَاؤُهَا وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ التَّامُّ انْتَهَى. (قُلْت:) فِي قَوْلِهِ: ادَّعَى ابْنُ رُشْدٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ: الْفِنَاءُ مَا يَلِي الْجُدْرَانَ

فرع لقوم فناء وغابوا عنه واتخذ مقبرة

مِنْ الشَّارِعِ الْمُتَّسِعِ النَّافِذِ فَلَا فِنَاءَ لِلشَّارِعِ الضَّيِّقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ الْمَارَّةِ وَكَذَا لَا فِنَاءَ لِغَيْرِ النَّافِذَةِ؛ وَلِأَنَّ لِلْأَفْنِيَةِ حُكْمَ الطَّرِيقِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ، وَإِنَّمَا لِأَرْبَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُمْ أَنْ يَكْرُوهَا انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ لَهُمْ خُصُوصًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَلِلسَّابِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ إنْ خَفَّ هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يُمْنَعُ الْبَاعَةُ مِنْهَا فِيمَا خَفَّ، وَلَا غَيْرُهُمْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فِيمَا خَفَّ مِمَّا يُسْتَدَامُ خَلِيلٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَغْرِزُونَ الْخَشَبَ فِي الشَّوَارِعِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ غُصَّابٌ لِلطَّرِيقِ، وَقَالَهُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالطُّرُقِ الشَّيْخُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَاضِحَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَفْنِيَتِهِمْ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَقَضَى عُمَرُ بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ ابْنُ حَبِيبٍ تَفْسِيرُهُ يَعْنِي بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَجَالِسِ وَالْمَرَابِطِ وَالْمَسَاطِبِ وَجُلُوسِ الْبَاعَةِ لِلْبَيْعِ الْخَفِيفِ وَمَرَّ عُمَرُ بِكِيرِ حَدَّادٍ فِي الطَّرِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ، وَقَالَ: يُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ السُّوقَ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَالْمَسَاطِبِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الدِّكَكُ الَّتِي تُبْنَى إلَى جَانِبِ الْأَبْوَابِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَسَأَلَ ابْنُ حَبِيبٍ سَحْنُونًا عَمَّنْ بَنَى عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي السِّكَّةِ دُكَّانًا وَهِيَ لَا تَضُرُّ بِالزُّقَاقِ غَيْرَ أَنَّهَا قُبَالَةُ دَارِ رَجُلٍ وَهِيَ تَضُرُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ عَلَيْهَا وَيَقْعُدُ نَاسٌ فَقَالَ: يُمْنَعُ مِنْ بِنَائِهَا إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالْآخَرِ انْتَهَى. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَضُرَّ بِالْآخَرِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بِنَائِهَا، وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ [فَرْعٌ لِقَوْمٍ فِنَاءٌ وَغَابُوا عَنْهُ وَاُتُّخِذَ مَقْبَرَةً] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَقْضِيَةِ إثْرَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ: أَفْنِيَةِ الدُّورِ الْمُتَّصِلَةِ بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِأَرْبَابِ الدُّورِ كَالْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ فَإِذَا كَانَ لِقَوْمٍ فِنَاءٌ وَغَابُوا عَنْهُ وَاُتُّخِذَ مَقْبَرَةً فَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَعُودُوا إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلرَّمْيِ فِيهَا إذَا قَدِمُوا إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ لَهُمْ مَالِكٌ دَوْسَهَا إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً مُسَنَّمَةً لَمْ تُدَسْ، وَلَا عَفَتْ لِمَا جَاءَ فِي دَوْسِ الْقُبُورِ فَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ عَلَى الرَّضْفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ» ، وَقَالَ «إنَّ الْمَيِّتَ يُؤْذِيهِ فِي قَبْرِهِ مَا يُؤْذِيهِ فِي بَيْتِهِ» ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إنَّمَا كَرِهَ لَهُمْ دَوْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْنِيَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَارُوا وَانْتَفَعُوا بِظَهْرِهَا ابْنُ رُشْدٍ لَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ وَدُفِنَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَانَ مِنْ حَقِّهِمْ نَبْشُهَا وَتَحْوِيلُهُمْ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ إجْرَاءَ الْعَيْنِ انْتَهَى. [فَرْعٌ اقْتِطَاعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَالتَّحْوِيزِ عَلَيْهِ بِبِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ] (فَرْعٌ) وَأَمَّا اقْتِطَاعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَالتَّحْوِيزِ عَلَيْهِ بِبِنَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَا يُبَاحُ لِذِي الْفِنَاءِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ هُدِمَ عَلَيْهِ وَيُقَرُّ كَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَفِي هَدْمِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ زُونَانَ ابْنَ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَأَصْبَغَ مَعَ سَمَاعِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ فِي سُؤَالٍ كَتَبَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَسْأَلُ عَنْ شَخْصٍ بَنَى حَائِطًا بِجَنْبِهِ فِي بَطْنِ وَادٍ، وَقَدْ كَانَ حَائِطُهُ دُونَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ الَّذِي بَنَاهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، أَوْ بِجَارِهِ فَيُهْدَمُ مَا بَنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ، وَلَا بِجَارِهِ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ تَزَيَّدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يُهْدَمُ بُنْيَانُهُ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي الْبُنْيَانِ، وَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَهُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. ص (وَلِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَامَ مِنْ الْبَاعَة مِنْ الْمَجْلِسِ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي غَدٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ

عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُتِمَّ غَرَضَهُ وَقِيلَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ فَمَنْ سَبَقَ كَانَ، أَوْلَى بِهِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: وَلِلْبَاعَةِ وَغَيْرِهِمْ الْجُلُوسُ فِيمَا خَفَّ، وَالسَّابِقُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ كَمَسْجِدٍ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ إنْ قَامَ لَا بِنِيَّةِ عَوْدِهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ انْتَهَى. ، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَامَ مِنْ الْبَاعَةِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي غَدٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُتِمَّ غَرَضَهُ وَقِيلَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ فَمَنْ سَبَقَ كَانَ، أَوْلَى بِهِ ثُمَّ قَالَ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَضَى لِلسَّابِقِ لِلْأَفْنِيَةِ بِهَا ثُمَّ شَبَّهَ بِهِ السَّابِقَ لِلْمَسْجِدِ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَجَّحَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ شَيْخِهِ الْقُورِيِّ عَنْ الْعَوْفِيَّةِ أَنَّ مَنْ وَضَعَ بِمَحَلٍّ مِنْ الْمَسْجِدِ شَيْئًا يَحْجُرُهُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ إلَيْهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ هَلْ مِلْكُ التَّحْجِيرِ إحْيَاءٌ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا (قُلْت:) سَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وَنَصَّ فِي الْمَدْخَلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَقَ فِي الْمَسْجِدِ بِإِرْسَالِ سَجَّادَتِهِ، وَأَنَّهُ غَاصِبٌ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ فِي ذَمِّ الطَّوْلِ فِي ذَلِكَ، وَالتَّوَسُّعِ فِيهِ بِأَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَضَمَّ ثَوْبَهُ حَصَلَ فِي النَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّهُ انْفَرَشَ عَلَى الْأَرْضِ وَأَمْسَكَ بِهِ مَكَانًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا مَوْضِعُ قِيَامِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا بَسَطَ شَيْئًا يُصَلِّي عَلَيْهِ احْتَاجَ أَنْ يَبْسُطَ شَيْئًا كَثِيرَ السَّعَةِ لِثَوْبِهِ فَيُمْسِكُ بِذَلِكَ مَوْضِعَ رَجُلَيْنِ، أَوْ نَحْوَهُ فَإِنْ هَابَهُ النَّاسُ لِكُمِّهِ وَثَوْبِهِ وَتَبَاعَدُوا مِنْهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُرْبِ فَيُمْسِكُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ بَعَثَ سَجَّادَةً إلَى الْمَسْجِدِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، أَوْ قَبْلَهُ فَفُرِشَتْ لَهُ هُنَاكَ وَقَعَدَ إلَى أَنْ يَمْتَلِئَ الْمَسْجِدُ بِالنَّاسِ ثُمَّ يَأْتِي يَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ، فَيَقَعُ فِي مَحْذُورَاتٍ جُمْلَةٍ مِنْهَا غَصْبُهُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عُمِلَتْ فِيهِ السَّجَّادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْجُرَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَمَنْ سَبَقَ كَانَ، أَوْلَى، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ إنَّ السَّبَقَ لِلسَّجَّادَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَنِي آدَمَ، فَيَقَعُ فِي الْغَصْبِ لِكَوْنِهِ مَنَعَ ذَلِكَ الْمَكَانَ مِمَّنْ سَبَقَهُ، وَمِنْهَا تَخَطِّيهِ لِرِقَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مُؤْذٍ، وَقَدْ وَرَدَ " كُلُّ مُؤْذٍ فِي النَّارِ " انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّبَقَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا أَمَرَ إنْسَانٌ إنْسَانًا أَنْ يُبَكِّرَ إلَى الْجَامِعِ فَيَأْخُذَ لَهُ مَكَانًا يَقْعُدُ فِيهِ، فَإِذَا جَاءَ الْآمِرُ يَقُومُ لَهُ الْمَأْمُورُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يُرْسِلُ غُلَامَهُ إلَى مَجْلِسٍ لَهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَجْلِسُ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ قَامَ لَهُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ وَعَلَى هَذَا مَنْ أَرْسَلَ بِسَاطًا، أَوْ سَجَّادَةً فَتُبْسَطُ لَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرْحُونٍ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ مُحْتَجًّا بِهِ (قُلْت:) وَتَخْرِيجُهُ إرْسَالَ السَّجَّادَةِ عَلَى إرْسَالِ الْغُلَامِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ، وَأَنَّ السَّبَقَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا، وَهَذَا أَسْلَمُ مِنْ تَخْطِي رِقَابَ النَّاسِ إلَيْهَا وَأَمَّا مَعَ ذَلِكَ فَلَا يُشَكُّ فِي الْمَنْعِ (فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إذَا قَعَدَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يَقْعُدَ مَكَانَهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إذَا قَامَ الْقَاعِدُ فِي مَكَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَقْعُدَ غَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي قَامَ إلَيْهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي سَمَاعِ الْإِمَامِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ حَظِّهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي وَالْعَالِمِ وَالْمُفْتِي اتِّخَاذُ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَيْهِ مَنْ أَرَادَهُمْ وَبِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَنُقِلَ فِي الْمَدَارِكِ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَكَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَ يُوضَعُ فِيهِ فَرْشُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ ثُمَّ قَالَ: وَفِي إقْلِيدِ التَّقْلِيدِ لِابْنِ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّ اتِّخَاذَ الْعُلَمَاءِ الْمَسَاطِبَ وَالْمَنَابِرَ فِي الْمَسْجِدِ جَائِزٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّذْكِيرِ، وَهُمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَمَا فِي جَوَامِعِ مِصْرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَهْلُ

الْعِلْمِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا مَوْضِعٌ لِطَلَبِ الْأُجْرَةِ كَالْمُعَلِّمِينَ فَلَا يَكُونُونَ أَحَقَّ بِذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي إزَالَتُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ وُضِعَ لِلْعَالِمِ فِي مَوْضِعٍ حَصِيرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ حَتَّى سَبَقَهُ غَيْرُهُ وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ حَقُّ مَنْ يَقْصِدُ الْعُلَمَاءَ فَيَجِدُهُمْ فِي مَكَانِهِمْ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِسَدِّ كَوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَدُّهَا خَلْفَهَا) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاقِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الصِّحَاحِ وَعَلَى الْفَتْحِ فَجَمْعُهَا كُوًى بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَكِوَاءٌ بِالْمَدِّ وَعَلَى الضَّمِّ فَجَمْعُهَا كُوًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ فَتَحَ كَوَّةً عَلَى جَارِهِ فَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ أَرَادَ أَنْ يَسُدَّ خَلْفَهَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَدِّهَا، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فُتِحَتْ أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِسَدِّهَا عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ فَتَحَ فِي جِدَارِهِ كَوَّةً، أَوْ بَابًا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي الشَّرَفِ عَلَيْهِ مِنْهُ مُنِعَ فَأَمَّا كَوَّةٌ قَدِيمَةٌ، أَوْ بَابٌ قَدِيمٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ وَفِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى جَارِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ فُقَهَائِنَا يُفْتِي وَيَسْتَحْسِنُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّكَشُّفِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً، وَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ لَمْ يَتْرُكَا؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ النُّصُوصِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُحْدِثُ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى. يَعْنِي الْمُحْدِثَ لِلْبُنْيَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَالْقِدَمُ الَّذِي أَرَادَ إنَّمَا هُوَ طُولُ الْمُدَّةِ وَلَيْسَ أَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ بِنَاءِ جَارِهِ انْتَهَى. وَمِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَقَالَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ: وَالْقِدَمُ إمَّا سُكُوتُ هَذَا الثَّانِي، أَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى بِنَائِهِ وَسُكُوتُهُ مُدَّةَ حِيَازَةِ الضَّرَرِ فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ عَلَى هَذَا أَنَّ الضَّرَرَ يُحَازُ انْتَهَى. ، وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا مَهْدِيٍّ يَحْكِي عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّ الْكَوَّةَ الْقَدِيمَةَ تُسَدُّ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ كَانَ سَيِّئَ الْحَالِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ ابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا أَفْتَى بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْجَارِ كَانَ سَيِّئَ الْحَالِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالسَّدِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْجَارِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَوَّى ابْنُ عَبْدِ النُّورِ فِي الْحَاوِي الْقَوْلَ بِسَدِّهَا. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ كَوَّةٌ قَدِيمَةٌ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ فَلَا قِيَامَ لِلْجَارِ فِيهَا وَيَجِبُ فِي التَّحَفُّظِ بِالدِّينِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِغَلْقِهَا مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَأَنْ يَكُونَ التَّحَفُّظُ بِالدِّينِ، أَوْكَدَ مِنْ حُكْمِ السُّلْطَانِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَضَاءَ بِسَدِّ الْكَوَّةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ مِنْهَا قَالَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ رَفَعَ بِنَاءَهُ فَفَتَحَ كَوَّةً يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ مُنِعَ وَكَتَبَ عُمَرُ فِي هَذَا أَنْ يُوقَفَ عَلَى سَرِيرٍ فَإِنْ نَظَرَ إلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ مُنِعَ، وَإِلَّا لَمْ يُمْنَعْ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَأَمَّا مَا لَا يَنَالُ مِنْهُ النَّظَرَ إلَيْهِ فَلَا يُمْنَعُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْمُرَادُ بِالسَّرِيرِ السَّرِيرُ الْمَعْلُومُ وَمِثْلُهُ الْكُرْسِيُّ وَشِبْهُهُ لِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ السُّلَّمُ؛ لِأَنَّ فِي وَضْعِ السُّلَّمِ إيذَاءً وَالصُّعُودُ عَلَيْهِ تَكَلُّفًا لَا يُفْعَلُ إلَّا لِأَمْرٍ مُهِمٍّ، وَلَيْسَ يَسْهُلُ صُعُودُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ السَّرِيرُ فُرُشُ الْغُرْفَةِ وَكَذَا سَمِعْت بَعْضَ مَشَايِخِنَا يُفَسِّرُهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْلَى لِقَوْلِهِ يُوضَعُ وَرَاءَهَا؛ لِأَنَّ الْغُرْفَةَ لَا تُسَمَّى غُرْفَةً إلَّا إذَا كَانَتْ بِفُرُشٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَفَهِمَ عِيَاضٌ أَنَّهُ أَرَادَ أَرْضَ الْغُرْفَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْفُرُشَ الْمَعْلُومَ عِنْدَ النَّاسِ، وَانْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَكِتَابِهِ إجَازَةُ رَفْعِ الْبُنْيَانِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَظَرَ إلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ مُنِعَ مَعْنَاهُ إذَا اطَّلَعَ مِنْ هَذِهِ الْكَوَّةِ وَاسْتَبَانَ مِنْهَا مِنْ دَارِ الْآخَرِ الْوُجُوهُ فَإِنْ لَمْ تَسْتَبِنْ الْوُجُوهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِاطِّلَاعُ ضَرَرًا انْتَهَى. ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ يَعْنِي الِاطِّلَاعَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسَرِيرٍ، وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَلَا يَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ مِنْ فَتْحِ كَوَّةٍ قَرِيبَةٍ

فرع أحدث على غيره ضررا وعلم بذلك ولم ينكره

يَكْشِفُ جَارَهُ مِنْهَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَإِنْ كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى بُسْتَانِ جَارِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ وَهُوَ أَحَدُ نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى الْمَزَارِعَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الدُّورِ وَأَمَّا الْفَدَادِينُ وَالْمَزَارِعُ فَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ الْبِنَاءِ الَّذِي يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَيْهَا وَالْجِنَانُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أُخْبِرْت بِهِ عَنْ ابْنِ الطَّلَّاعِ وَالْكُرُومُ الْقَرِيبَةُ كَالْجِنَانَاتِ لَا سِيَّمَا عِنْدَنَا لِكَثْرَةِ تَكْرَارِ أَهْلِهَا بِعِيَالِهِمْ إلَيْهَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِيمَا سُدَّ بِالْحُكْمِ أُزِيلَتْ شَوَاهِدُهُ فَلْيَقْلَعْ عَتَبَةَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهَا إنْ تُرِكَتْ وَطَالَ الزَّمَانُ وَنُسِيَ الْأَمْرُ كَانَتْ حُجَّةً لِلْمُحْدِثِ وَيَقُولُ: إنَّمَا أَغْلَقْته لِأُعِيدَهُ مَتَى شِئْت، وَقَالَ بَعْدَهُ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي كَيْفِيَّةِ قَطْعِ ضَرَرِ الِاطِّلَاعِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا وُجُوبُ الْحُكْمِ بِسَدِّهِ وَإِزَالَةِ أَثَرِهِ خَوْفَ دَعْوَى قِدَمِهِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ (الثَّانِي) عَدَمُ وُجُوبِ سَدِّهِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِجَعْلِ أَمَامَ ذَلِكَ مَا يَسْتُرُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ إنَّ الْبَابَ إذَا حُكِمَ بِسَدِّهِ أُزِيلَتْ أَعْتَابُهُ وَعَضَائِدُهُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ [فَرْعٌ أَحْدَثَ عَلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ مَنْ أَحْدَثَ عَلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا مِنْ اطِّلَاعٍ، أَوْ خُرُوجِ مَاءٍ مِرْحَاضٍ قُرْبَ جِدَارِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِحْدَاثَاتِ الْمُضِرَّةِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَلَا عَارَضَ فِيهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ بِهِ فَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهُوَ كَالِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَابْنُ الْعَطَّارِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَنْقَطِعُ الْقِيَامُ فِي إحْدَاثِ الضَّرَرِ إلَّا بَعْدَ سُكُوتِ عِشْرِينَ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي آخِرِ نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: اُخْتُلِفَ فِي حِيَازَةِ الضَّرَرِ الْمُحْدَثِ فَقِيلَ إنَّهُ لَا يُحَازُ أَصْلًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقِيلَ إنَّهُ تُحَازُ بِهِ الْأَمْلَاكُ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامِ وَنَحْوَهَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا لَا يُحَازُ إلَّا بِالْعِشْرِينَ سَنَةٍ، وَنَحْوِهَا وَكَانَ ابْنُ زَرْبٍ يَسْتَحْسِنُ فِي ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: إنَّهُ يُحَازُ بِالْأَرْبَعِ سِنِينَ وَالْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الْجَارَ قَدْ يَتَغَافَلُ عَنْ جَارِهِ فِيمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَقِيلَ إنْ كَانَ ضَرَرُهُ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَهُوَ الَّذِي يُحَازُ بِالسُّكُوتِ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ يَتَزَايَدُ كَالْمَطْمُورَةِ إلَى جَنْبِ الْحَائِطِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَا حِيَازَةَ فِيهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَجَعَلَ كَلَامَهُ مُتَضَمِّنًا لِسِتَّةِ أَقْوَالٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: قُلْت هَذَا يَعْنِي الْقَوْلَ الْأَخِيرَ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ مَا يَتَزَايَدُ وَمَا لَا يَتَزَايَدُ عَزَاهُ ابْنُ سَهْلٍ لِنَقْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ فَتْوَى يَحْيَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُزَيْنٍ وَمَثَّلَ لِمَا لَا يَزِيدُ بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَالْكُوَى وَمَا يَزِيدُ كَالْكُنُفِ وَسَابِعُهَا أَيْ الْأَقْوَالِ مُطْلَقُ مَا زَادَ عَلَى عَشَرَةٍ وَثَامِنُهَا مُطْلَقُ مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ لِمَفْهُومِ نَقْلِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ قَوْلَهُ الْعِشْرِينَ قَلِيلٌ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ سَمِعْت بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمُفْتِينَ يَقُولُ لَا يَسْتَحِقُّ الضَّرَرَ بِالْعِشْرِينَ سَنَةٍ إلَّا بِمَا زَادَ وَذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ الْفَتْوَى بِالثَّانِي لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى وَابْنِ لُبَابَةَ وَأَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَابْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِأَصْبَغَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَنْ أَحْدَثَ كَوَّةً، أَوْ بَابًا عَلَى دَارِ غَيْرِهِ، أَوْ أَنْدَرًا عَلَى جِنَانِهِ، أَوْ مَيَازِيبَ عَلَى حَائِطِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ، وَلَا يُنْكِرُ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةٍ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ عَنْ رِضًا، وَلَا تَسْلِيمٍ إلَّا أَنْ يَطُولَ بِالدُّهُورِ الْكَثِيرَةِ جِدًّا فَيَسْتَحِقُّهُ (قُلْتُ:) وَالْأَظْهَرُ عِنْدَهُ تَاسِعُهَا انْتَهَى. [فَرْعٌ أَحْدَثَ مِنْ الْبُنْيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِيهِ بِالضَّرَرِ فَقَامَ جَارُهُ عَلَيْهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي آخِرِ تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِنَفْيِ الضَّرَرِ إذَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ مِنْ الْبُنْيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِيهِ بِالضَّرَرِ فَقَامَ جَارُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ مِنْ الْفَرَاغِ مِنْ الْبُنْيَانِ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ سُكُوتَهُ حَتَّى كَمُلَ الْبُنْيَانُ لَمْ يَكُنْ عَنْ إسْقَاطِ حَقِّهِ الْوَاجِبِ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ بِقَطْعِ الضَّرَرِ انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْ تَرَتُّبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إذَا قَامَ بِقُرْبِ

فرع أحدث عليه ضرر في ملكه فباعه بعد علمه فهل ينتقل للمشتري

الْفَرَاغِ مِنْ الْأَحْدَاثِ تَرَتُّبُهَا مِنْ بَابِ، أَوْلَى إذَا قَامَ بِهِ بَعْدَ طُولٍ وَقُلْنَا: إنَّ لَهُ الْقِيَامَ بِهِ، وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْقِيَامَ بِالضَّرَرِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ سَنَةٍ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ سُكُوتُهُ عَنْ رِضًا، وَلَا تَسْلِيمٍ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْحَلِفِ بِالْقِيَامِ بِالْقُرْبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَنَصُّهُ فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ سَنَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْت فَلَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَيْ الضَّرَرَ الْمُحْدَثَ، وَلَا يُوجَبُ عَلَيْهِ بَعْدُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ سُكُوتُهُ بِذَلِكَ رِضًا لِلْأَبَدِ، وَلَا تَسْلِيمًا ثُمَّ يُصْرَفُ عَنْهُ إذَا حَلَفَ إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَانُ ذَلِكَ جِدًّا فَلَا أَرَى لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى، وَلَا تَبِعَةً انْتَهَى. [فَرْعٌ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي مِلْكِهِ فَبَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ لِلْمُشْتَرِي] (فَرْعٌ) مَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي مِلْكِهِ فَبَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ لِلْمُشْتَرِي مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَمْ لَا، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ بَعْدَ أَنْ خَاصَمَ فَلِلْمُشْتَرِي الْقِيَامُ وَإِلَّا فَلَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ انْتَهَى. مِنْ بَهْرَامَ الْكَبِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي النِّكَاحِ وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ بَائِنَةٍ إنْ لَمْ يَبِعْهُ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْجَلَّابِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَنْ بَاعَ دَارِهِ، وَقَدْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ جَارُهُ مَطْلَعًا، أَوْ مَجْرَى مَاءٍ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الضَّرَرِ فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقُمْ فِي ذَلِكَ حِينَ بَاعَهَا فَلَا قِيَامَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ قَدْ قَامَ يُخَاصِمُ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ الْحُكْمُ حَتَّى بَاعَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُومَ وَيَحِلَّ مَحَلَّهُ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاكِمَ قَضَى بِهِ وَأَعْذَرَ وَبَقِيَ التَّسْجِيلُ وَالْإِشْهَادُ، وَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَدَافِعِ وَالْحُجَجِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ، وَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ اقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَحَلَّ مُبْتَاعٌ مَحَلَّ بَائِعٍ خَاصَمَ وَبَاعَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَا قَبْلَ قِيَامِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ أَيْ بِالْإِحْدَاثِ فَهُوَ رِضًا مِنْهُ، وَلَا كَلَامَ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا لَهُ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ مَا فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامَ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَقَالَ فِي مَسَائِلِ حَبِيبِ بْنِ نَصْرَانَ إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْمُبْتَاعِ ذَلِكَ فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ إنْ كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْقِيَامُ عَلَى مُحْدِثِ الضَّرَرِ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ الْبَائِعُ عَلَى الضَّرَرِ حَتَّى بَاعَ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَجَبَ لِلْبَائِعِ الْقِيَامُ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ رِضًا بِتَرْكِ الْقِيَامِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِرِضًا وَأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامَ بِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ الْقِيَامُ بِهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرِضًا مِنْ الْبَائِعِ، وَلَا قِيَامَ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ فَلِلْبَائِعِ الْقِيَامُ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ أَرْضًا بَرَاحًا فَاقْتَسَمَهَا الْوَرَثَةُ ثُمَّ بَاعُوهَا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَقَامَتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ بَاعَ حَظَّهُ مِنْ شَخْصٍ وَعَلَيْهِ فِي حَظِّهِ مَجْرَى مَاءٍ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ مَنْ لَهُ مُرُورُ الْمَاءِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ يَمُرَّ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يَدْعُوَهُمْ الْقَاضِي بِأَصْلِ قَسْمِ مَا قَسَمُوا عَلَيْهِ فَإِنْ أَتَوْا بِهِ حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَا هُمْ عَلَيْهِ أُقِرُّوا عَلَى ذَلِكَ وَمَا أَرَى شَيْئًا الْآنَ أَمْثَلَ مِنْ أَنْ يُقَرُّوا عَلَى حَالِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ قَسْمُهُمْ مَعْرُوفًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ أَرَى أَنْ يَدْعُوَهُمْ الْقَاضِي بِأَصْلِ قَسْمِ مَا قَسَمُوا عَلَيْهِ فَإِنْ أَتَوْا بِهِ حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ يُرِيدُ إنْ كَانَ فِي أَصْلِ مَا اقْتَسَمُوا عَلَيْهِ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَى الْبَائِعِ لَزِمَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ كَلَامٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَيَكُونُ عَيْبًا فِيمَا اشْتَرَى إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ مَا اقْتَسَمُوا عَلَيْهِ أَنْ يَمُرَّ الْمَاءُ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ فَلَمْ يُرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَى الْبَائِعِ فِي أَرْضِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً حِيَازَةً عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُحَازُ وَلَمْ يُجْعَلْ بَيْعُهُ لِلْأَرْضِ رِضًا مِنْهُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَى

الْمَارِّ بِمَائِهِ فِيهَا وَذَلِكَ خِلَافُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ فِي أَنَّ مَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ حَتَّى بَاعَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ قِيَامٌ وَأَحَلَّ الْمُشْتَرِيَ مَحَلَّ الْبَائِعِ فِي الْقِيَامِ عَلَيْهِ بِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُومَ بِهِ عَلَيْهِ إذْ قَالَ: إنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ لَهُ بِمَا كَانَ يَنْظُرُ بِهِ لِلْبَائِعِ بِأَنْ يَدْعُوَ بِأَصْلِ الْقَسْمِ فَيَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْعَلْ بَيْعُهُ رِضًا بِتَرْكِ الْقِيَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إذَا بَاعَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَا أُحْدِثَ عَلَيْهِ، أَوْ بَاعَ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ فِي حَالِ الْخِصَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ، وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ عَبْدُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ، أَوْ يَرُدَّ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ فِي التَّفْرِقَةِ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ فِي حَالِ الطَّلَبِ، وَالْخِصَامِ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ لَهُ الْقَضَاءُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ، وَيَكُونُ لَهُ مِنْ الطَّلَبِ مَا كَانَ لَهُ فَمَا كَانَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مُعَارِضٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلِمَا فِي الْوَاضِحَةِ وَيَتَحَصَّلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِرِضًا، وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي بِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُومَ بِهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرِضًا مِنْ الْبَائِعِ، وَلَا قِيَامَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ كَانَ لِلْبَائِعِ الْقِيَامُ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الَّذِي تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِتَزَوُّجِهِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ الْبَاجِيُّ: فَمَنْ بَاعَ دَارِهِ، وَقَدْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ مَطْلَعٌ، أَوْ مَجْرَى مَاءٍ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الضَّرَرِ فَقَالَ الْأَخَوَانِ وَأَصْبَغُ: إنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى بَاعَ فَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ خَاصَمَ فِيهِ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ الْحُكْمُ فَبَاعَ فَلِلْمُشْتَرِي الْقِيَامُ وَيَحِلُّ مَحَلَّهُ ابْنُ زَرْقُونٍ فِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاكِمَ قَضَى بِهِ، وَأَعْذَرَ وَبَقِيَ التَّسْجِيلُ وَالْإِشْهَادُ، وَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَدَافِعِ وَالْحُجَجِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ، وَهَذَا أَصْلٌ فِيهِ تَنَازُعٌ وَفِيهَا مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً غَيْرَ قَاطِعَةٍ فِي أَرْضٍ فَلِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ بَيْعُهَا. وَقَالَ سَحْنُونٌ: بَيْعُهَا حِينَئِذٍ غَرَرٌ، وَهَذَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَامَ عَلَى مُحْدِثِ الضَّرَرِ، وَإِنْ بَاعَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ فَفِي صِحَّةِ قِيَامِ الْمُبْتَاعِ عَلَى الْمُحْدِثِ وَتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَيَقُومُ قِيَامَهُ ثَالِثُهَا إنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لِحَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْأَخَوَيْنِ وَقَوْلُهَا فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِمُشْتَرِيهِ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ فَإِنْ رَدَّهُ فَلِبَائِعِهِ الْقِيَامُ بِهِ كَذَا أَخَذْته عَمَّنْ أَرْضَى مِنْ شُيُوخِنَا أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَتَأَمَّلْت قَوْلَ الْأَخَوَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِإِحْدَاثِ الضَّرَرِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ، وَهَذَا لَا يُخْتَلَفُ فِي سُقُوطِ الْقِيَامِ فِيهِ، فَتَأَمَّلْهُ ابْنُ سَهْلٍ نَزَلَ أَنَّ رَجُلًا فَتَحَ بَابًا فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَسَكَتَ عَنْهُ أَهْلُ دُورِهِ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَبَاعُوا دُورَهُمْ فَأَرَادَ مُبْتَاعُوهَا سَدَّ الْبَابِ الْمُحْدَثِ فَأَجَابَ ابْنُ عَتَّابٍ لَا كَلَامَ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِيهِ لِلْبَائِعِينَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى بَاعُوا فَهُوَ رِضًا مِنْهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ رَشِيقٍ فَقِيهُ الْمُرِّيَّةِ مِثْلَهُ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ لَا قِيَامَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُونَ بَاعُوا، وَقَدْ خَاصَمُوا فِي ذَلِكَ وَعَلَى أَنَّ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ يَدُلُّ مَا فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ سَهْلٍ يُرِيدُ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَكَذَا فِي وَثَائِقِ الْمَعْرُوفِ بِالْمُكْوَى لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ عَلَى مُحْدِثِ الضَّرَرِ كَوَكِيلِ الْبَائِعِ عَلَى ذَلِكَ (قُلْت) : وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ فِيهِ سُكُوتُ ذِي أَرْضٍ عَلَى إحْدَاثِ مُرُورِ مَاءٍ عَلَى أَرْضِهِ أَرْبَعِينَ عَامًا ثُمَّ بَاعَ أَرْضَهُ تِلْكَ لَا يُمْنَعُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَزَعَمَ ابْنُ زَرْقُونٍ أَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْإِحْدَاثِ مَعَ عَدَمِ قِيَامِهِ بِهِ يُسْقِطُ الْقِيَامَ اتِّفَاقًا يُرِيدُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَ ضَرَرُ الْإِحْدَاثِ يُحَازُ بِالْعِلْمِ بِهِ

مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ اتِّفَاقًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ زَرْقُونٍ هَذَا مَعَ كَثْرَةِ اعْتِمَادِهِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى. ص (وَأَنْدَرُ قِبَلَ بَيْتٍ) ش: الْأَنْدَرُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا ضَبَطَهُ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ قِبَلَ بَيْتٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ، وَكَذَلِكَ إذَا أُحْدِثَ الْأَنْدَرُ إلَى جَنْبِ بَيْتٍ وَأَضَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا أَضَرَّ بِالْجِنَانِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُضِرٌّ بِجِدَارٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِنَفْيِ الضَّرَرِ: قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَإِنْ قَامَ رَجُلٌ عَلَى جَارِهِ فِي شَيْءٍ يُرِيدُ إحْدَاثَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ ضَرَرٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِأَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ إلَى إحْدَاثِهِ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى جَارِهِ مِنْ اطِّلَاعٍ، وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ يُمْنَعُ جَارُهُ مِنْ عَمَلِ مَا يُرِيدُ فَإِذَا تَمَّ عَمَلُهُ وَثَبَتَ الضَّرَرُ هُدِمَ عَلَيْهِ إذَا اخْتَارَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ مَدْفَعٌ انْتَهَى. ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِصْطَبْلٌ) ش: قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ هَمْزَةٌ أَصْلِيَّةُ فَكُلُّ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ أَصْلِيَّةٌ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بَيْتُ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ عَلَيْهِ حَسَنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَانُوتٌ قُبَالَةَ بَابٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ هَذَا فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ لِقَوْلِهِ فِي مُقَابِلِهِ: وَبَابٌ بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ آخِرًا إلَّا بَابًا أَنْ نُكِبَ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ انْتَهَى. (قُلْت:) كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْحَانُوتِ وَالْبَابِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ الضَّرَرِ: وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَانُوتِ وَبَابِ الدَّارِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَحَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ مِنْ الشَّرْحِ وَرَأَيْت فِي التَّعْلِيقَةِ الْمَنْسُوبَةِ لِلْمَازِرِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ السُّيُورِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْحَانُوتَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ الْبَابِ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ الْجُلُوسِ فِيهِ، وَأَنَّهُ يُمْنَعُ بِكُلِّ حَالٍ وَوَقَعَتْ بِتُونُسَ فَأَفْتَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ بِالتَّسْوِيَةِ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) ش: أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الشَّجَرَةُ مُتَجَرِّدَةً فَقَوْلَانِ نَقَلَ

فتح الباب في السكة النافذة

ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَظْهَرُ قَطْعُ مَا أَضَرَّ مَا طَالَ مِنْ أَغْصَانِهَا يَعْنِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الشَّجَرَةُ مُتَجَرِّدَةً قَالَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَصُّ كَلَامِهِ: وَسَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنَ وَهْبٍ مَنْ شَكَا شَجَرَةً بِدَارٍ جَارِهِ لِإِشْرَافِ مَنْ يَطْلُعُهَا لِاجْتِنَائِهَا عَلَى دَارِهِ وَخَوْفِ أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطْعُهَا، وَلَهُ قَطْعُ مَا دَخَلَ مِنْ أَغْصَانِهَا فِي أَرْضِهِ ابْنُ رُشْدٍ لَهُ قَطْعُ مَا طَالَ مِنْ الْحَادِثَةِ فَأَضَرَّ حَائِطَهُ، أَوْ دَخَلَ هَوَاءَ حَقِّهِ وَقَلْعُهَا إنْ أَضَرَّتْ حَائِطَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ قَدِيمَةً قَبْلَ دَارِ الْجَارِ فَلَيْسَ لِلْجَارِ قَلْعُهَا، وَلَوْ أَضَرَّتْ بِجِدَارِهِ، وَفِي قَطْعِهِ مَا أَضَرَّ بِهِ مِمَّا طَالَ مِنْ أَغْصَانِهَا قَوْلَا أَصْبَغَ مَعَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ حَالِ الشَّجَرَةِ فَقَدْ حَازَ ذَلِكَ مِنْ حَرِيمِهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ انْتَهَى. ص (لَا مَانِعُ ضَوْءِ شَمْسٍ وَرِيحٍ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إحْدَاثُ مَا يُنْقِصُ الْغَلَّةَ فَلَا يُمْنَعُ اتِّفَاقًا كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ قُرْبَ فُرْنٍ آخَرَ، أَوْ إحْدَاثِ حَمَّامٍ قُرْبَ حَمَّامٍ آخَرَ قَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَفِي التَّبْصِرَةِ. [فَتْح الْبَابَ فِي السِّكَّة النَّافِذَةِ] ص (وَبَابٌ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ

مَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ لِدَارِهِ بَابًا فِي سِكَّةٍ نَافِذَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً، أَوْ ضَيِّقَةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالسِّكَّةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الزُّقَاقُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالنَّافِذَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الَّتِي يُخْرَجُ مِنْهَا مِنْ طَرَفَيْهَا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: نَفَذَتْ عَنْ السِّكَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ مُنْسَدَّةً مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالطَّرِيقُ الْمُنْسَدَّةُ الْأَسْفَلِ كَالْمِلْكِ لِأَرْبَابِ دُورِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّمَا جَعَلَ الْجَانِبَ الْمُنْسَدَّ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ أَعْلَاهَا فِي الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ تِلْكَ الطَّرِيقِ فَشَبَّهَ أَوَّلَهَا بِالْأَعْلَى وَأَقْصَاهَا بِالْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهَا كَالْوِعَاءِ لِمَنْ دَخَلَ فِيهَا انْتَهَى. فَإِذَا كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا بَابًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ السِّكَّةِ إلَّا إذَا كَانَ مُنَكِّبًا عَنْ بَابِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ لَهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَك أَنْ تَفْتَحَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بَابًا يُقَابِلُ بَابَ جَارِك، أَوْ يُقَارِبُهُ، وَلَا تُحَوِّلُ بَابًا لَك هُنَالِكَ إذَا مَنَعَك؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ فِيهِ بَابَك لِي فِيهِ مِرْفَقٌ أَفْتَحُ فِيهِ بَابِي وَأَنَا فِي سُتْرَةٍ، وَلَا أَدَعُك تَفْتَحُ قُبَالَةَ بَابِي، أَوْ قُرْبَهُ فَتَتَّخِذُ عَلَيَّ فِيهِ الْمَجَالِسَ وَشِبْهَ هَذَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا ضَرَرًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْدِثَ عَلَى جَارِك مَا يَضُرُّهُ، وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْت، وَتُحَوِّلَ بَابَك حَيْثُ شِئْت مِنْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُلَقَّبِ بِزُونَانَ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: فَيَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الْبَابِ وَتَحْوِيلِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الزُّقَاقِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الدَّارِ الْكَبِيرَةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ فِيمَا لَمْ يُقَابِلْ بَابَ جَارِهِ، وَلَا قَرُبَ مِنْهُ، فَقَطَعَ بِهِ مِرْفَقًا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ هَهُنَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ لَهُ تَحْوِيلَ بَابِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إذَا سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا لَمْ يَكُنْ قَبْلُ بِحَالٍ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ أَشْهَبَ هَهُنَا وَيَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا، أَوْ حَانُوتًا فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فِي الزُّقَاقِ النَّافِذِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ هَهُنَا، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَّا أَنْ يُنَكِّبَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ هَهُنَا، وَالسِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ مَا كَانَ فِيهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فَأَكْثَرُ لِمَا جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطَّرِيقُ الْمِيتَاءُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ» وَقَعَ ذَلِكَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدَّ سَعَةِ الطَّرِيقِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ، وَقَالَ فِيهِ: إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الزَّنْقَةِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ يَسْتَعْمِلُهَا الْمَغَارِبَةُ بِمَعْنَى الزُّقَاقِ وَلَيْسَتْ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الزَّنْقَةُ السِّكَّةُ الضَّيِّقَةُ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الَّذِي عَزَاهُ لِابْنِ زَرْبٍ فِي السِّكَّةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ عَزَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْبُنْيَانِ لِسَحْنُونٍ وَنَصُّهُ: قَالَ فِي كِتَابِ الْبُنْيَانِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لَك فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَنْ تَفْتَحَ بَابًا، أَوْ تُقَدِّمَهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَفْتَحْ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ شَيْئًا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْجَمَاعَةُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً، أَوْ ضَيِّقَةً، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ عَزَا الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ لِابْنِ وَهْبٍ كَمَا

تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: إنَّ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ يُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ إذْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ سَعَةَ السِّكَّةِ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا يُمْنَعُ مِنْهَا: وَلَا مِنْ بَابٍ بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ، وَإِنْ ضَاقَتْ عَنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَثَالِثُهَا إنْ نَكَّبَ عَنْ بَابِ جَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا الْمُتَيْطِيُّ فَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مُقَيِّدًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَأَمَّا فَتْحُ الْأَبْوَابِ فِي الْمَحَاجِّ النَّافِذَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا مُجْمَلًا أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لِمَنْ شَاءَ وَيُؤْمَرُ أَنْ يُنَكِّبَ قَلِيلًا عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ دَارِ جَارِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ السِّكَّةُ وَاسِعَةً جِدًّا حَتَّى لَا يَرَى مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ إلَّا مَا يَرَى مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَهُ كَيْفَ شَاءَ، وَقَالَ قَبْلَهُ مَنْ فَتَحَ بَابًا فِي سِكَّةٍ نَافِذَةٍ فَمَنَعَهُ جَارُهُ وَزَعَمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى جَارِهِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الزُّقَاقَ ضَيِّقٌ وَأَنَّ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ أَحَدِهِمَا يَنْظُرُ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِغَلْقِ الْبَابِ الْمُحْدَثِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ فِي الزُّقَاقِ النَّافِذِ، وَلَوْ كَانَ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ إحْدَاهُمَا يَنْظُرُ مَنْ فِي أُسْطُوَانِ الْأُخْرَى وَجَوَابُ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَاعَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ مِنْ نَوَازِلِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ بَيْنَهُمَا زُقَاقٌ نَافِذٌ فَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بَابًا، أَوْ حَانُوتَيْنِ يُقَابِلُ ذَلِكَ بَابَ جَارِهِ، وَلَا يَكَادُ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا عَلَى نَظَرٍ مِنْ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي الْحَانُوتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِعَمَلِ صِنَاعَتِهِمْ وَذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ، وَعِيَالِهِ فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَيُؤْمَرُ أَنْ يُنَكِّبَ بَابَهُ، وَحَانُوتَيْهِ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا تُرِكَ وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِغَلْقِهَا انْتَهَى. فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ سَبِيلًا لِتَنْكِيبِ الْبَابِ، وَالْحَانُوتَيْنِ عَنْ بَابِ جَارِهِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَى جَارِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا فَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَارِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ، وَالْحَانُوتَ قُبَالَةَ بَابِ جَارِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جَارِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنَهُ التَّنْكِيبُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَالْأُسْطُوَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ هُوَ الدِّهْلِيزُ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَرَأَيْته فِي الْمُتَيْطِيَّةِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ لُغَةٌ فِيهِ (الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي السِّكَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَابُ الَّذِي يَفْتَحُهُ مُنَكَّبًا عَنْ بَابِ جَارِهِ الَّذِي يُقَابِلُهُ جَازَ فَتْحُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِقُرْبِ بَابِ دَارِ جَارِهِ الْمُلَاصِقِ لَهُ بِحَيْثُ إنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَابِهِ وَيَقْطَعُ ارْتِفَاقَهُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ، وَلَمْ يَضُرَّ بِجَارٍ مُلَاصِقٍ لَوَفَّى بِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَبِمَا فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. (الثَّالِثُ) يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ لَهُ حَائِطٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا بَابٌ وَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِهِ بَابًا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مُنَكَّبًا عَنْ بَابِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْ بَابِ جَارِهِ الْمُلَاصِقِ لَهُ لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الشَّامِلِ بِمَا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الِارْتِفَاقَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ جَعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْ بَابِ دَارِهِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمُحْدَثِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِيَةِ وَنَصُّ مَا فِي الشَّامِلِ: وَغَيْرُ النَّافِذَةِ كَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ فَبِالْإِذْنِ إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَثَالِثًا إنْ سَدَّ بَابَهُ الْأَوَّلَ وَنَكَّبَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا مَنْ فَتَحَ بَابًا آخَرَ بِظَهْرِ دَارِهِ لِيَرْتَفِقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ طَرِيقًا انْتَهَى. (الرَّابِعُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ، وَلَا غَيْرُهُ قَدْرَ مَا يُنَكَّبُ الْبَابُ عَنْ بَابِ جَارِهِ فِي السِّكَّةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ

ابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ إلَّا أَنْ يُنَكِّبَهُ، وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ ثُمَّ قَالَ: قِيلَ لَهُ: يُنَكِّبُهُ قَدْرَ ذِرَاعٍ، أَوْ ذِرَاعَيْنِ قَالَ: قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يُزَالُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ الَّذِي قُبَالَتُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ نَاقِلًا عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ حَائِطٌ مُصِمَّةٌ فِي سِكَّةٍ فَكَانَ ابْنُ الْعَطَّارِ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ فَتْحَ بَابٍ فِي السِّكَّةِ حِذَاءَ حَائِطِهِ، وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ يَقُولُ: لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت: هَذَا الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْحَقِّ فِي الْفِنَاءِ هَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْفَعَتِهِ، فَيَكُونُ لَهُ حَقٌّ فِي الزُّقَاقِ، أَوْ لَا فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ انْتَهَى. (قُلْت:) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ بِقُرْبِ جِدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ أَيْضًا فِي جِدَارِي فَلَا تَقْرَبْ مِنِّي حَتَّى لَا تُضَيِّقَ عَلَيَّ، فَإِمَّا أَنْ يَفْتَحَا جَمِيعًا، أَوْ يَمْنَعَا جَمِيعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقَ مَا نَصُّهُ: وَلَمْ يَحْكِ الْمُتَيْطِيُّ إلَّا مَنْعَ إحْدَاثِ الْبَابِ، أَوْ تَحْوِيلِ الْقَدِيمِ لِقُرْبِ بَابِ جِدَارِهِ بِحَيْثُ يَضُرُّهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ حَوَّلَهُ عَلَى بُعْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ قِيَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْهُمْ شَيْئًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْت:) مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ هُوَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَكَرَّرَ الْكَلَامَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْبَاجِيُّ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ ثُمَّ كَتَبَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ رَاعَى الضَّرَرَ فِي ذَلِكَ وَكُتِبَ عَلَيْهِ أَصْلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السِّكَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي السِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ ظَاهِرُهُ طَوِيلَةً كَانَتْ، أَوْ قَصِيرَةً، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ النَّافِذَةِ وَغَيْرِ النَّافِذَةِ إنَّمَا هُوَ بِعُذْرِ كَثْرَةِ الْمُرُورِ فَإِذَا كَانَتْ السِّكَّةُ طَوِيلَةً كَانَتْ كَالنَّافِذَةِ، سُئِلَ الشَّيْخُ يَعْنِي نَفْسَهُ عَمَّنْ لَهُ فِي أَقْصَى هَذِهِ السِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ قَاعَةٌ هَلْ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَبْنِيهَا، أَوْ لِأَهْلِ السِّكَّةِ مَنْعُهُ فَقَالَ لَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ كَمَا لَهُ هُوَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا وَيُسْكِنَ مَعَهُ مَنْ شَاءَ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ بَطَّالٍ (الثَّامِنُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ يَقُولُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَفْتَحُ فِيهِ بَابَك لِي فِيهِ مِرْفَقٌ وَأَفْتَحُ فِيهِ بَابِي وَأَنَا فِي سُتْرَةٍ الشَّيْخُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَابَ كَانَ هُنَاكَ مَفْتُوحًا لَا أَنَّهُ أَرَادَ إنْشَاءَ الْبَابَ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَحِلُّ فِيهِ بَابِي وَأَنَا فِي سُتْرَةٍ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ الْإِنْشَاءَ لَكَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا، أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَإِمَّا أَنْ يُمْنَعَا جَمِيعًا، أَوْ يَفْتَحَا جَمِيعًا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَحِلُّ فِيهِ بَابِي هَذَا اللَّفْظُ يَسْتَعْمِلُهُ الْمَغَارِبَةُ بِمَعْنَى أَفْتَحُ بَابِي الْمَغْلُوقَ (التَّاسِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي تَحْدِيدِ الطَّرِيقِ قَالَ: الْمِيتَاءُ الْوَاسِعَةُ انْتَهَى. (قُلْت:) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ بَلْ رَأَيْت فِي هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْهَا: تَأَمَّلْ الْمِيتَاءَ مَا هِيَ، وَتَفْسِيرُ الْمِيتَاءِ بِالْوَاسِعَةِ قَوْلٌ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَغَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْهَمْزَةِ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ: وَالْمِيتَاءُ الطَّرِيقُ الْعَامِرَةُ وَمُجْتَمَعُ الطَّرِيقِ أَيْضًا مِيتَاءُ وَسِيَرَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُقَرَّبِ: وَطَرِيقٌ مِيتَاءُ تَأْتِيهِ النَّاسُ كَثِيرًا وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ وَنَظِيرُهُ دَارٌ مِحْلَالٌ الَّتِي تُحَلُّ كَثِيرًا اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْمِيمِ مَعَ التَّاءِ وَفِي حَدِيثِ اللُّقَطَةُ مَا وَجَدْت فِي طَرِيقٍ مِيتَاءَ فَعَرِّفْهُ سَنَةً أَيْ طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ وَبَابُهُ الْهَمْزَةُ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمِيمِ تَسْهِيلًا عَلَى الطَّالِبِ عَلَى عَادَتِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي بَابِ الْمِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ طَرِيقٌ مِيتَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ

وَبِالْمَدِّ وَتُسَهَّلُ فَيُقَالُ مِيتَاءُ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَعْنَاهُ كَثِيرُ السُّلُوكِ عَلَيْهِ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ الْمِيتَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَ مُثَنَّاةٍ وَمَدٍّ بِوَزْنِ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ الْمِيتَاءُ أَعْظَمُ الطُّرُقِ وَهِيَ الَّتِي يَكْثُرُ مُرُورُ النَّاسِ بِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعَةُ وَقِيلَ الْعَامِرَةُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّشْدِيدِ سَهْوٌ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ بِوَزْنِ مِفْعَالٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَرَأَيْته فِي الْبَيَانِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ عَرَفَةَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْمِيمِ مِنْ بَابِ التَّاءِ الْمِيتَاءُ الْأَرْضُ السَّهْلَةُ وَالْجَمْعُ مَيِّتٌ مِثْلَ هَيْفَاءَ وَهِيفٍ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا هُنَا. (الْعَاشِرُ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهِنْدِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ: وَإِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى ضِيقِ الطَّرِيقِ مُجْمَلًا دُونَ تَحْدِيدٍ يُذْرَعُ مَا حَدَّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ الضِّيقِ وَالسَّعَةِ، وَأَمَّا أَنْ يَشْهَدُوا فِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا تَعْمَلُ شَهَادَتُهُمْ شَيْئًا، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقْضَى بِهَا وَرُوِيَ فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَمَا نَقَصَ مِنْهَا فَهِيَ ضَيِّقَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الطَّرِيقُ الْمِيتَاءُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ» قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَقَدْ حَضَرَتْ الْفُتْيَا بِذَلِكَ وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: الْوَاسِعَةُ ثَمَانِيَةُ أَشْبَارٍ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ انْتَهَى. ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ ابْنُ أَبِي حَمْرَاءَ فِي وَثَائِقِهِ: الزُّقَاقُ الْوَاسِعَةُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فَأَكْثَرُ، وَالضَّيِّقُ مَا دُونَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ الْهِنْدِيِّ الْأَخِيرَ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَقَدْ: حَضَرْت الْفُتْيَا بِذَلِكَ وَذَكَرَ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ حَدِيثُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ: فِي سَنَدِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَلَمْ يَزِدْ، وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ هُوَ مِنْ أَكْبَرِ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ وَثَّقَهُ شُعْبَةُ وَتَرَكَهُ جَمَاعَةٌ وَرَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَالسُّفْيَانَانِ انْتَهَى. (قُلْت:) قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَقْرِيبِهِ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ الْجُعْفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ مِنْ الْخَامِسَةِ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَخْرَجَ لَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ وَهِيَ الرَّحْبَةُ تَكُونُ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ ثُمَّ يُرِيدُ أَهْلُهَا الْبُنْيَانَ فَيُتْرَكُ مِنْهَا لِلطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي هُوَ مُصَيَّرٌ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ الْبُخَارِيِّ إلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَقَدْ وَافَقَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: لَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَعْنًى أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي يُرَادُ ابْتِدَاؤُهَا إذَا اخْتَلَفَ مَنْ يُرِيدُ ابْتِدَاءَهَا فِي قَدْرِهَا كَبَلَدٍ يَفْتَحُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ فِيهَا طَرِيقٌ مَسْلُوكٌ، وَكَمَوَاتٍ يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ لِمَنْ يُحْيِيهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا طَرِيقًا لِلْمَارَّةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مُرَادُ الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ الطَّرِيقِ إذَا تَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ تَشَاجَرُوا تَفَاعَلُوا مِنْ الْمُشَاجَرَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ أَيْ تَنَازَعُوا وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ: إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّرِيقِ وَلِمُسْلِمٍ إذَا اخْتَلَفْتُمْ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» وَزَادَ الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَتِهِ الْمِيتَاءَ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ مَحْفُوظَةً فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي التَّرْجَمَةِ مُشِيرًا بِهَا إلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ فَاجْعَلُوهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: " قَضَى

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ " فَذُكِرَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَلِابْنِ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَرْضِ الْمِيتَاءِ الَّتِي تُؤْتَى مِنْ كُلِّ مَكَان " فَذَكَرَهُ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ مَقَالٌ وَقَوْلُهُ: سَبْعَةَ أَذْرُعٍ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ قَدْرُ ذِرَاعِ الْآدَمِيِّ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالْمُعْتَدِلِ وَقِيلَ ذِرَاعُ الْبُنْيَانِ الْمُتَعَارَفِ انْتَهَى. وَالْمُسْتَمْلِي أَحَدُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ (قُلْت:) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ السَّابَاطِ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْبَانِيَانِ الْمُتَقَابِلَانِ فِي الْفَحْصِ فِيمَا يُجْعَلُ لِلطَّرِيقِ، أَوْ تَشَاحَّا فَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقَرِّبَ جِدَارَهُ مِنْ جِدَارِ صَاحِبِهِ جَعَلَا الطَّرِيقَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ بِالذِّرَاعِ الْمَعْرُوفَةِ بِذِرَاعِ الْبُنْيَانِ فَإِذَا بَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا بَنَى مِيزَابًا لِلْمَطَرِ عَلَى الطَّرِيقِ لَمْ يُمْنَعْ انْتَهَى. (الْحَادِيَ عَشَرَ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إثْبَاتُ التَّاءِ فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ حَذْفُهَا؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: ذِرَاعُ الْيَدِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. (الثَّانِيَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَتْ دَارٌ لِرَجُلَيْنِ، وَلِأَحَدِهِمَا دَارٌ تُلَاصِقُهَا فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ فِي الْمُشْتَرَكَةِ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ إلَى دَارِهِ فَلِلشَّرِيكِ مَنْعُهُ لِشَرِكَتِهِ مَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْفَتْحِ فَإِنْ قَسَمَا فَقَالَ اجْعَلُوا نَصِيبِي إلَى جَنْبِ دَارِي حَتَّى أَفْتَحَ فِيهَا بَابًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَقُسِّمَتْ الدَّارُ بِالْقِيمَةِ فَحَيْثُ وَقَعَ سَهْمُهُ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ قَسَّمَا هَذِهِ الدَّارَ فَاشْتَرَى أَحَدَ النَّصِيبَيْنِ رَجُلٌ يُلَاصِقُ دَارِهِ فَفَتَحَ إلَى النَّصِيبِ مِنْ دَارِهِ بَابًا وَجَعَلَ يَمُرُّ مِنْ دَارِهِ إلَى طَرِيقِ هَذَا النَّصِيبِ هُوَ وَمَنْ اكْتَرَى مِنْهُ، أَوْ سَكَنَ مَعَهُ فَذَلِكَ لَهُ إنْ أَرَادَ ارْتِفَاقًا، وَلَا يُمْنَعُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ كَسِكَّةٍ نَافِذَةٍ لِمَمَرِّ النَّاسِ يَدْخُلُونَ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَيَخْرُجُونَ كَالزُّقَاقِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فَلِلشَّرِيكِ مَنْعُهُ لِشَرِكَتِهِ مَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْفَتْحِ مَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِيهِ شَرِيكٌ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ فَتَحَ فِي حَائِطِ نَفْسِهِ لِيَدْخُلَ مِنْهُ فِي دَارِ الشَّرِكَةِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَقَبِلَهُ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ عَلَى دَارِ الشَّرِكَةِ بَابًا مِنْ دَارِهِ فَقَدْ يَطُولُ الْأَمْرُ فَيَظُنُّ أَنَّ فَتْحَ الْبَابِ حَقٌّ عَلَى دَارِ الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ يَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا حَقُّ فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارٍ أُخْرَى انْتَهَى. (قُلْت:) مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَالظَّاهِرُ إبْقَاءُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا لِشَرِكَتِهِ مَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْفَتْحِ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ لَهُ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ وَقُسِّمَتْ الدَّارُ بِالْقِيمَةِ فَحَيْثُ وَقَعَ سَهْمُهُ أَخَذَهُ زَادَ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ وَقَعَ بِجَنْبِ دَارِهِ فَتَحَ فِيهِ بَابًا إنْ شَاءَ ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فَاشْتَرَى أَحَدَ النَّصِيبَيْنِ رَجُلٌ يُلَاصِقُ دَارِهِ فَذَلِكَ لَهُ إنْ أَرَادَ ارْتِفَاقًا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مَا لَمْ يُغْلِقْ بَابَ الدَّارِ الْأُخْرَى فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت:) لَفْظُ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ إذَا أَحْدَثَ بَابًا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى بَابِ دَارِهِ فَقَدْ خَفَّفَ عَنْ صَاحِبِ النَّصِيبِ الْآخَرِ بَعْضَ الْمُرُورِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ سُكْنَى النَّصِيبِ الَّذِي صَارَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ بِأَهْلِهِ ثُمَّ يَمُرُّ مِنْهُ عَلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَصَارَ يَمُرُّ عَلَيْهِ تَارَةً وَتَارَةً يَخْرُجُ مِنْ بَابِ دَارِهِ فَذَلِكَ أَخَفُّ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَمَّا لَوْ عَطَّلَ الْخُرُوجَ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَجَعَلَ عِيَالَهُ وَحَشَمَهُ الَّذِينَ فِي الدَّارَيْنِ جَمِيعًا يَمُرُّونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الَّذِي عَلَى شَرِيكِهِ لَكَانَ لِشَرِيكِهِ فِي ذَلِكَ مُتَكَلَّمٌ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ عِيَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ مِثْلَ ضَرَرِ دَارَيْنِ إذَا قَطَعَ الْمَمَرَّ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَيَصِيرُ شَبِيهًا بِمَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ السِّكَّةِ النَّافِذَةِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) فِيمَنْ فِي أَرْضِهِ طَرِيقٌ فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا أَرْفَقُ بِهِ وَبِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَضَاءِ فِي الطَّرِيقِ يَشُقُّ أَرْضَ رَجُلٍ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَالطَّرِيقُ يَشُقُّهَا فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ الطَّرِيقَ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ أَرْضِهِ هُوَ أَرْفَقُ بِهِ وَبِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَقَالَ لَيْسَ

ذَلِكَ لَهُ، وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُحَوِّلَ طَرِيقًا عَنْ مَوْضِعِهَا إلَى مَا هُوَ دُونَهَا، وَلَا إلَى مَا فَوْقَهَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فِي السُّهُولَةِ وَأَسْهَلَ مِنْهُ، وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ اشْتَرَى، أَوْ وَرِثَ، أَوْ وُهِبَ لَهُ، وَإِنْ رَضِيَ لَهُ بِذَلِكَ مَنْ جَاوَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى إذَا كَانَ ذَلِكَ طَرِيقَ عَامَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إذْنُ بَعْضِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طَرِيقَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَأْذَنُونَ لَهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَرَى أَنْ يُرْفَعَ أَمْرُ تِلْكَ الطَّرِيقِ إلَى الْإِمَامِ فَيَكْشِفُ عَنْ حَالِهَا فَإِنْ رَأَى تَحْوِيلَهَا عَنْ حَالِهَا مَنْفَعَةً لِلْعَامَّةِ وَلِمَنْ جَاوَرَهَا وَحَوَّلَهَا فِي مِثْلِ سُهُولَتِهَا، أَوْ أَسْهَلَ وَفِي مِثْلِ قُرْبِهَا، أَوْ أَقْرَبَ فَأَرَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَضَرَّةً بِأَحَدٍ مِمَّنْ جَاوَرَهَا، أَوْ بِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَوَّلَ الطَّرِيقَ دُونَ رَأْيِ الْإِمَامِ وَإِذْنِهِ نَظَرَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أَمْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ رَدَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ النَّاظِرُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مَكَانُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِثْلَهُ أَيْضًا، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي الْمَرَافِقِ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُنْتَخَبِ: قَالَ سَحْنُونٌ: قُلْت لَهُ: فَلَوْ أَنَّ دَارًا فِي جَوْفِ دَارٍ، الدَّاخِلَةُ لِقَوْمٍ وَالْخَارِجَةُ لِغَيْرِهِمْ وَمَمَرُّ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْخَارِجَةِ فَأَرَادَ أَهْلُ الْخَارِجَةِ أَنْ يُحَوِّلُوا بَابَ دَارِهِمْ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَقَالَ: إنْ كَانُوا أَرَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوهُ إلَى جَنْبِ الْبَابِ الْقَدِيمِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُ الدَّاخِلَةِ رَأَيْت أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوهُ فِي غَيْرِ قُرْبِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ (قُلْت:) فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الدَّارِ الْخَارِجَةِ أَنْ يُضَيِّقُوا بَابَ الدَّارِ فَقَالَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الزُّقَاقُ غَيْرُ النَّافِذِ الَّذِي فِيهِ أَزِقَّةٌ فَكُلُّ زُقَاقٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَذِنَ أَهْلُ زُقَاقٍ فِي فَتْحِ بَابٍ بِزُقَاقِهِمْ الْمُسْتَقِلِّ بِهِمْ فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ كَلَامٌ بِذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي الْقَدِيمِ عَلَى مَا بَلَغَنِي مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ وَبِهِ أَقُولُ انْتَهَى. وَقَاعِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُشِيرُ بِهِ إلَى ابْنِ عَرَفَةَ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ أَنَّ حَبِيبًا سَأَلَ سَحْنُونًا عَنْ دَرْبٍ كَبِيرٍ غَيْرِ نَافِذٍ فِيهِ زَابِعَةٌ فِي نَاحِيَةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَلِرَجُلٍ فِي أَقْصَاهَا بَابٌ فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَهُ إلَى طَرَفِ الزَّابِعَةِ فَمَنَعَهُمْ أَهْلُ الدَّرْبِ قَالَ: لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ، وَلَا يُحَرِّكُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَّا بِرِضَا أَهْلِ الدَّرْبِ، وَقَالَ نَحْوَهُ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى فِي الدَّرْبِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ، وَالزَّوَابِعُ وَكُلُّ مُشْتَرَكٍ مَنَافِعُهُ بَيْنَ سَاكِنِيهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا فِي ظَاهِرِ الزُّقَاقِ، وَلَا بَاطِنِهِ حَدَثًا إلَّا بِاجْتِمَاعِ أَهْلِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَصْوَبُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُشَاعَةِ لَا يَتَمَيَّزُ حَظُّ أَحَدِهِمْ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا يُفْتَحُ بِهِ مُشْتَرَكٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ وَالدُّورُ فِي الزَّوَابِعِ وَالدُّرُوبِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ مُتَمَيِّزَةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَصْنَعَ فِي مِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يَعْنِي بِالزَّابِعَةِ الزُّقَاقَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنَّ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ يُرْشِدُ لِذَلِكَ وَنَصُّهُ: قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: الدَّرْبُ الْكَبِيرُ غَيْرُ النَّافِذِ مِثْلُ الزَّنْقَةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّرْبِ الْكَبِيرِ زَنْقَةٌ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ غَيْرُ نَافِذَةٍ، وَلِرَجُلٍ فِي أَقْصَاهَا بَابٌ فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَهُ إلَى طَرَفِ الزَّنْقَةِ قَالَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ أَنْ يَمْنَعُوهُ، وَلَا يُحَرِّكُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَّا بِرِضَا جَمِيعِ أَهْلِ الدَّرْبِ فَمَا ذَكَرَهُ سَحْنُونٌ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ فِي مَنْعِ فَتْحِ الْبَابِ إلَّا بِرِضَا جَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الدَّرْبِ لَهُمْ الْمَنْعُ، وَلَوْ رَضِيَ أَهْلُ الزَّنْقَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي، فَتَأَمَّلْهُ وَسَيَأْتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ عَنْ الْوَقَارِ مَا يُوَافِقُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ. (السَّادِسَ عَشَرَ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ: سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ

لِرَجُلٍ فِيهَا دَارٌ نَقْضُهَا لَهُ وَقَاعَتُهَا لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ أَهْلُ السِّكَّةِ أَنْ يُقِيمُوا فِيهَا سِرْبًا فَمَنَعَهُمْ صَاحِبُ النَّقْضِ فَلَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَعِيبُ الْمَوْضِعَ، وَلِصَاحِبِ الْقَاعَةِ ذَلِكَ أَيْضًا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَ عَشَرَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَسَدُّ كَوَّةٍ فُتِحَتْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَالْمَشَذَّالِيِّ أَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِسَدِّ بَابٍ فُتِحَ لِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَنْ تُقْلَعَ الْعَتَبَاتُ، وَالْعَضَائِدُ حَتَّى لَا يَبْقَى هُنَاكَ أَثَرُ بَابٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَنَصُّهُ تَنْبِيهٌ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: وَإِذَا سُدَّ بَابٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يَكُونُ سَدُّهُ بِغَلْقِهِ، وَتَسْمِيرِهِ وَلَكِنْ يُنْزَعُ الْبَابُ، وَعَضَائِدُهُ وَعَتَبَتُهُ وَتُغَيَّرُ آثَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ وَسُدَّ بِالطُّوبِ، وَبَقِيَتْ الْعَضَائِدُ، وَالْعَتَبَةُ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى مَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ بِقُرْطُبَةَ، وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ يَكُونُ لَهُ شَاهِدًا وَحُجَّةً وَلَعَلَّهُ يَقُولُ إنَّمَا سَدَدْته لِأَفْتَحَهُ مَتَى شِئْت فَلِذَلِكَ أَلْزَمُوهُ بِتَغَيُّرِ مَعَالِمِهِ وَرُسُومِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَوْشَنٌ وَسَابَاطٌ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ) ش: قَوْلُهُ: لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ رَاجِعٌ إلَى السَّابَاطِ وَحْدَهُ لَا إلَى الرَّوْشَنِ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْعَسَاكِرِ، وَالرَّوَاشِنِ، وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ السَّابَاطِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ دَارٌ مُجَاوِرَةٌ لِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ أَنْ يُخْرِجَ فِي أَعْلَى الْحَائِطِ خَشَبًا وَيُسَقِّفَهَا، وَيَبْنِيَ عَلَيْهَا مَتَى شَاءَ إذَا رَفَعَ ذَلِكَ عَنْ رُءُوسِ الْمَارَّةِ رَفْعًا بَيِّنًا وَهُوَ الَّذِي عَنَى بِالرَّوْشَنِ، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَهُ دَارَانِ الطَّرِيقُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُلْقِيَ عَلَى حَائِطِهِ خَشَبًا كَذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي عَنَى بِالسَّابَاطِ فَقَوْلُهُ: لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّابَاطِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ نَفَذَتْ مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَنْفُذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْبَاقِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَصْلُ التَّفْصِيلِ بَيْنَ النَّافِذَةِ، وَغَيْرِهَا لِأَبِي عُمَرَ فِي كَافِيهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُتَيْطِيُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ وَالْمُصَنِّفُ وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ لِأَقْدَمَ مِنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَظَاهِرُ سَمَاعِ أَصْبَغَ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْأَقْضِيَةِ خِلَافُهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالطَّرِيقِ النَّافِذَةِ، فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ أَجِدْهَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ بَلْ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي الْكَلَإِ وَالْآبَارِ وَالْأَوْدِيَةِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ إحْدَاثِ الْعَسَاكِرِ وَالرَّوَاشِنِ وَنَصُّهُ: قَالَ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى فِي الدُّرُوبِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ وَالزَّوَابِعِ الَّتِي لَا تَنْفُذُ: ذَلِكَ كُلُّهُ مُشْتَرَكٌ مَنَافِعُهُ بَيْنَ سَاكِنِيهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا فِي ظَاهِرِ الزُّقَاقِ، وَلَا بَاطِنِهِ حَدَثًا إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي فَتْحِ بَابٍ، أَوْ إخْرَاجِ عَسَاكِرَ، أَوْ حُفْرَةٍ يَحْفِرُهَا وَيَرْدِمُهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي التَّنْبِيهِ الْمَذْكُورِ، وَنَصُّهُ: قَالَ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى فِي الدُّرُوبِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ وَشِبْهِهَا: إنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ مَنَافِعُهُ بَيْنَ سَاكِنِيهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا فِي ظَاهِرِ الزُّقَاقِ، وَلَا بَاطِنِهِ حَدَثًا إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي فَتْحِ بَابٍ، أَوْ إخْرَاجِ عَسَاكِرَ، أَوْ حُفْرَةٍ يَحْفِرُهَا، أَوْ يُوَارِيهَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ أَبِي بَكْرٍ الْوَقَارِ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ أَبِي عُمَرَ فَإِنَّهُ تَفَقَّهَ بِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَنَصُّهُ: وَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُشْرِعَ فِي الزُّقَاقِ بَابًا، أَوْ سَقِيفَةً، أَوْ عَسْكَرًا فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَذِنَ بَعْضُهُمْ، وَأَبَى بَعْضٌ فَإِنْ كَانَ مَنْ أَذِنَ لَهُ هُمْ آخِرُ الزُّقَاقِ وَمَمَرُّهُمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ مَا يُحْدِثُ، فَإِذْنُهُمْ جَازَ، وَلَا حَقَّ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ مَمَرٌّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُرِيدُ أَنْ يُحْدِثَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بِطَرِيقٍ مَسْلُوكَةٍ فِي حَظٍّ لِلْمَارَّةِ نَافِذٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ بَابٍ يُشْرِعُهُ، وَلَا مِنْ قَنَاةِ كَنِيفٍ يُنْشِئُهَا إذَا كَانَ بِئْرُهَا

مُغَيَّبَةً فِي حَائِطِهِ، وَلَا مِنْ سَقِيفَةٍ يُعَلِّيهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُضِرَّةٍ بِمَا يَمُرُّ تَحْتَهَا مِنْ مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ وَنَحْوُهَا، وَلَا مِنْ عَسْكَرٍ يُشْرِعُهُ إذَا أَعْلَاهُ وَلَمْ يَنَلْ الْمَارَّةَ مِنْهُ أَذًى، وَإِنْ كَانَ لَهُ جَارٌ مُحَاذِيهِ وَشَاحَّهُ فِي الْعَسْكَرِ قُسِّمَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْهَوَاءِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْوَقَارُ وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ فِي الْبَابِ إذَا أَرَادَ فَتْحَهُ فِي الزُّقَاقِ غَيْرِ النَّافِذِ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنَكَّبًا فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الزُّقَاقِ فَيُوَافِقُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ، فَتَأَمَّلْهُ فَقَدْ وُجِدَ النَّصُّ لِأَقْدَمَ مِنْ أَبِي عُمَرَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ أَبِي عُمَرَ لِذَلِكَ وَقَبُولَ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ لَهُ كَافٍ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) لَوْ سَقَطَ الرَّوْشَنُ، أَوْ السَّابَاطُ عَلَى أَحَدٍ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ بَنَاهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَسَاكِرِ، وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهِيَ تُعْمَلُ بِالْمَدِينَةِ فَلَا يُنْكِرُونَهَا، وَاشْتَرَى مَالِكٌ دَارًا لَهَا عَسْكَرٌ قَالَ مَالِكٌ فِي جَنَاحٍ خَارِجٍ فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ بَنَاهُ قِيلَ فَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُضَمِّنُونَهُ قَالُوا: لِأَنَّهُ جَعَلَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَأَنْكَرَ قَوْلَهُمْ قَالَ: وَمَنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أَسْفَلَ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمُنْتَخَبِ فِي أَوَاخِرِ الدِّيَاتِ نَاقِلًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَفَرَ شَيْئًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي دَارِهِ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ حَفْرُهُ فَعَطِبَ فِيهِ إنْسَانٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قُلْت:) وَمَا الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَحْفِرُهُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: مِثْلُ بِئْرِ الْمَطَرِ، وَالْمِرْحَاضِ يَحْفِرُهُ إلَى جَنْبِ حَائِطِهِ هَذَا، وَمَا أَشْبَهُهُ انْتَهَى. ، وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجِرَاحِ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ لِابْنِ أَبِي زَمَنَيْنِ فِي بَابِ مَا يُحْدَثُ فِي الطُّرُقِ، وَالْأَفْنِيَةِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قُلْت لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَالْكُنُفُ الَّتِي تُتَّخَذُ فِي الطَّرِيقِ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ بِلَصْقِ جِدَارِهِ ثُمَّ يُوَارِيهَا أَلَهُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ لَا إذَا وَارَاهَا وَغَطَّاهَا وَأَتْقَنَ غِطَاءَهَا وَسَوَّاهَا بِالطَّرِيقِ حَتَّى لَا يَضُرَّ مَكَانُهَا بِأَحَدٍ فَلَا أَرَى أَنْ يُمْنَعَ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ بِأَحَدٍ مُنِعَ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ حَفَرَ بِلَصْقِ جِدَارِهِ كَنِيفًا فَلْيُغَطِّهِ وَيُتْقِنْ غِطَاءَهُ وَيُسَوِّهِ بِأَرْضِ الطَّرِيقِ حَتَّى لَا يَضُرَّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مُنِعَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ: قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَا يُحْدِثُ النَّاسُ مِنْ آبَارِ الْكُنُفِ فِي الْأَفْنِيَةِ فِي الطَّرِيقِ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْحِيطَانِ إلَى دَاخِلِ الدَّارِ، وَيُخْرِجُ مِنْهَا إلَى الطَّرِيقِ قَدْرَ مَا يُدْخِلُ فِيهِ الْقُلَّةَ لِلِاسْتِقَاءِ وَيَرَى غَيْرُهُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ: قَالَ سَحْنُونٌ فِي زَنْقَةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فِيهَا أَبْوَابٌ لِقَوْمٍ، وَدُبُرُ دَارِ رَجُلٍ إلَيْهَا، وَلَا بَابَ لَهُ فِيهَا وَبِلَصْقِ دَارِهِ فِي الزَّنْقَةِ كَنِيفٌ مَحْفُورٌ قَدِيمٌ مَطْوِيٌّ وَتَخْرُجُ إلَيْهِ مِنْ دَارِهِ قَنَاةٌ مَبْنِيَّةٌ إلَّا أَنَّهَا لَمْ يَجْرِ فِيهَا شَيْءٌ مُنْذُ زَمَانٍ فَأَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ فِيهَا الْعَذِرَةَ إلَى هَذَا الْبِئْرِ فَمَنَعَهُ أَهْلُ الزَّنْقَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَّعُوا فِي رَقَبَةِ الْبِئْرِ فَيَكْشِفُ عَنْ دَعْوَاهُمْ وَإِلَّا فَالْبِئْرُ لِصَاحِبِ الدَّارِ بِهَذِهِ الرُّسُومِ الظَّاهِرَةِ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا مُشْتَرًى مِنْ غَيْرِهِ لَكَانَ مِنْ ذَلِكَ لَهُ مَا كَانَ لِبَائِعِهِ انْتَهَى. (اسْتِطْرَادٌ) سُئِلْت عَنْ رَجُلَيْنِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ، وَمَخْزَنًا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَالدِّهْلِيزَ الَّذِي بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ، وَأَخَذَ الْآخَرُ بَقِيَّةَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَعُلُوَّ الْمَخْزَنِ الَّذِي فِي الْجَانِبِ الَّذِي أَخَذَهُ صَاحِبُ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَيْسَرِ أَنْ يُرَكِّبَ عَلَى جِدَارِ الْمَخْزَنِ الَّذِي لَهُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بُسْتَلًّا لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ جِدَارًا، وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِبِنَاءِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَبْت بِمَا صُورَتُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ الْأَسْفَلِ أَنْ يُرَكِّبَ عَلَى جِدَارِ مَخْزَنِهِ

فرع غرس في فناء رجل وردا واستغله فقام صاحب الفناء يطلب زوال الورد وقيمة ما اغتل

بُسْتَلًّا لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ جِدَارًا وَكَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِبِنَاءِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْجِدَارِ سُتْرَةٌ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَدَّعِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي الْبُنْيَانِ مَا نَصُّهُ فِي جَوَابِ سَحْنُونٍ لِحَبِيبٍ إذَا كَانَ عَقْدُ الْحَائِطِ إلَى أَحَدِهِمَا، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ حِمْلُ خَشَبِ سَقْفٍ مَعْقُودَةٍ، فَالْحَائِطُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ وَلِلْآخَرِ حِمْلُ السُّقُوفِ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْعَقْدِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَائِطِهِ غُرْفَةً، أَوْ غَيْرَهَا فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِحِمْلِ الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ مَا لَا يَضُرُّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَكَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ إلَّا بَابًا إنْ نُكِّبَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَبَابٌ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ [فَرْعٌ غَرَسَ فِي فِنَاءِ رَجُلٍ وَرْدًا وَاسْتَغَلَّهُ فَقَامَ صَاحِبُ الْفِنَاءِ يَطْلُبُ زَوَالَ الْوَرْدِ وَقِيمَةَ مَا اغْتَلَّ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الضَّرَرِ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ غَرَسَ فِي فِنَاءِ رَجُلٍ وَرْدًا، وَاسْتَغَلَّهُ فَقَامَ صَاحِبُ الْفِنَاءِ يَطْلُبُ زَوَالَ الْوَرْدِ وَقِيمَةَ مَا اغْتَلَّ فَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْقَائِمِ عَلَى غَارِسِ الْوَرْدِ فِي الْفِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَفْنِيَةَ لَيْسَتْ فِيهَا حَقِّيَّةُ الْأَمْلَاكِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَدَّمٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا إنْ احْتَاجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْجَارَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَهُ إذَا قَامَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْلَعَ الْوَرْدَ عَنْ الْفِنَاءِ وَيَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ أَضَرَّ الْوَرْدُ بِجِدَارِهِ، أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُ عَلَى مَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. ص (وَأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ لِمَوْضِعِ حَقِّ الْجِوَارِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ فَتَاوَى ابْنِ زَرْبٍ انْتَهَى. ص (وَنُدِبَ إعَارَةُ جِدَارِهِ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ: سُئِلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ

عَمَّنْ أَذِنَ لِجَارِهِ بِغَرْزِ خَشَبٍ فِي جِدَارِهِ فَسَقَطَ جِدَارُ الْآذِنِ، وَأَقَامَهُ فَطَلَبَ جَارُهُ أَنْ يَرُدَّ خَشَبَهُ عَلَى مَا كَانَ فِي الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَجَابَ إنْ كَانَ سُقُوطُ الْجِدَارِ بِتَوَهُّلِهِ لَا بِسَبَبٍ زِيدَ اخْتِيَارًا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِعَوْدِ الْغَرْزِ وَإِثْبَاتُ كَوْنِهِ لِتَوَهُّلِهِ إنْ تَنَازَعَا عَلَى رَبِّهِ، وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِعَوْدِ الْغَرْزِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ نَحْوَ هَذَا فِي الْوَاضِحَةِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَلْ لِجَارِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ؟ لِلشُّيُوخِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ ابْنُ سَهْلٍ: أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِجَوَازِ التَّعْلِيقِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالدُّورِ وَلَمْ يَضُرَّهَا وَجَوَازِ غَرْزِ جَارِهَا خَشَبَهُ بِحَائِطِهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ الشُّيُوخِ قَالَ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الدُّورِ بِهِ، وَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ جَازَ عِنْدِي وَأَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ بِمَنْعِ الْغَرْزِ وَابْنُ مَالِكٍ بِمَنْعِهِ وَمَنْعِ التَّعْلِيقِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: هُوَ الصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى حَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ الشَّرِكَةِ وَابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْوَقْفِ (فَرْعٌ) فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ فِي الْمَسْجِدِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ) ش: ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا قَصَدَ الضَّرَر أَمْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَرْصَةِ الْمُعَارَةِ لِمَنْ يَبْنِي فِيهَا لَكِنْ جَمَعَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَابْنِ زَرْقُونٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ وَالْعَرْصَةِ وَحَكَيَا الْخِلَافَ فِيهِمَا وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ. ص (وَفِيهَا إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ، أَوْ قِيمَتَهُ) ش إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا أَيْضًا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرْصَةِ الْمُعَارَةِ لِمَنْ يَبْنِي فِيهَا وَلَكِنَّ ابْنَ رُشْدٍ وَابْنَ زَرْقُونٍ جَمَعَا مَسْأَلَةَ الْجِدَارِ وَالْعَرْصَةِ وَحَكَيَا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ هُنَا، وَفِي الْعَارِيَّةِ. ص (وَفِي مُوَافَقَتِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) ش: يَأْتِي هَذَا فِي الْعَارِيَّةِ مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فصل المزارعة

[فَصْلُ الْمُزَارَعَةِ] ص (فَصْلُ الْمُزَارَعَةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ فِي الْحَرْثِ وَبِالثَّانِي عَبَّرَ اللَّخْمِيُّ، وَغَيْرُهُ وَعَبَّرَ بِالْأَوَّلِ كَثِيرٌ، سَمِعَ عِيسَى سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا عَلَى مُزَارَعَةٍ وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ زَرَعْت وَلْيَقُلْ حَرَثْت» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ، وَلَا دَابَّةٌ، وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ» انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ زَرَعْت، وَلْيَقُلْ حَرَثْت فَإِنَّ الزَّارِعَ هُوَ اللَّهُ» أَبُو هُرَيْرَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَ الْحَرْثِ مِنْ أَعْلَى الْحِرَفِ الْمُتَّخَذَةِ لِلْمَكَاسِبِ وَيَشْتَغِلُ بِهَا الْعُمَّالُ، وَلِهَذَا ضَرَبَ اللَّهُ بِهَا الْمَثَلَ قَالَ: وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ» يَعْنِي الزَّرْعَ وَفِي حَدِيثِ مَدْحِ النَّخْلِ مِنْ الرَّاسِخَاتِ فِي الْوَحْلِ وَالْمُطْعِمَاتِ فِي الْمَحْلِ قَالَ: وَالْمُزَارَعَةُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ غَرْسِ الْأَشْجَارِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَقِيَ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى مَالٍ أُعَالِجُهُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: أَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ لَقِيتُهُ ... وَقَدْ شَدَّ أَحْلَاسَ الْمَطِيِّ مُشَرِّقَا تَتَبَّعْ خَبَايَا الْأَرْضِ وَادْعُ مَلِيكَهَا ... لَعَلَّك يَوْمًا أَنْ تُجَابَ فَتُرْزَقَا. ص (لِكُلٍّ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يَبْذُرْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُزَارَعَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ الشَّرِكَةِ

وَالْإِجَارَةِ فَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ فَقِيلَ تَلْزَمُ بِهِ تَغْلِيبًا لِلْإِجَارَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَقِيلَ لَا تَلْزَمُ تَغْلِيبًا لِلشَّرِكَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَبْذُرْ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقِيلَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَبِهِ جَرَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا بِقُرْطُبَةَ وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجَاعِلَ يَلْزَمُهُ الْجُعْلُ بِشُرُوعِ الْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعَمَلِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَقِيقَةً، إلَّا أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ، وَالْأَعْمَالِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ، أَوْ الشُّرُوعِ ثَالِثُهَا بِالْبَذْرِ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا بِقُرْطُبَةَ وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ رِوَايَةٍ عَلَى مَا فِي لُزُومِ الْجُعْلِ بِالشُّرُوعِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مَعَ سَمَاعِهِ أَصْبَغَ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ اتَّفَقُوا عَلَى انْعِقَادِهَا بِابْتِدَاءِ الْعَمَلِ انْتَهَى. ص (وَتَسَاوَيَا) ش: لَا شَكَّ فِي إغْنَائِهِ عَمَّا تَقَدَّمَ فَشَرْطُهَا شَيْئَانِ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ لَا تَصِحُّ

الشَّرِكَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَسْلَمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَأَنْ يَعْتَدِلَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ. ص (وَخَلْطُ بَذْرٍ إنْ كَانَ، وَلَوْ بِإِخْرَاجِهِمَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي خَلْطِ الْبَذْرِ أَنْ يُخْرِجَاهُ، وَلَوْ زُرِعَ هَذَا فِي نَاحِيَةٍ، وَهَذَا فِي نَاحِيَةٍ وَزَرْعُ أَحَدِهِمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا إلَى آخِرِهِ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خَلْطِهِمَا فِي الْمُزَارَعَةِ حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْبَذْرُ الْمُشْتَرَكُ شَرْطُهُ الْخَلْطُ كَالْمَالِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا كَانَ الْخَلْطُ ظَاهِرًا فِي عَدَمِ تَمْيِيزِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَالْمَالِ فَأَشَارَ إلَى مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَاللَّخْمِيُّ وَاخْتَلَفَ عَنْ سَحْنُونٍ فَقَالَ مَرَّةً بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَقَالَ مَرَّةً إنَّمَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إذَا خَلَطَا الزَّرِيعَةَ، أَوْ جَمَعَاهَا فِي بَيْتٍ، أَوْ حَمَلَاهَا إلَى فَدَّانٍ وَنَصُّ هَذَا الثَّانِي عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَإِذَا صَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَأَخْرَجَا الْبَذْرَ جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَخْلِطَا فَزَرَعَ هَذَا فِي فَدَّانٍ، أَوْ فِي بَعْضِهِ وَزَرَعَ الْآخَرُ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَنْعَقِدُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَنْبَتَ حَبُّهُ، وَيَتَرَاجَعَانِ فِي فَضْلِ الْأَكْرِيَةِ وَيَتَقَاصَّانِ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ الشَّرِكَةُ إذَا خَلَطَا مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ الزَّرِيعَةِ، أَوْ جَمَعَاهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ حَمَلَاهَا جَمِيعًا إلَى الْفَدَّانِ وَبَذَرَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرَفِهِ فَزَرَعَا وَاحِدَةً ثُمَّ زَرَعَا الْأُخْرَى فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ جَمَعَاهَا فِي بَيْتِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّرِكَةَ جَائِزَةٌ خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا سَكَتَ لِاحْتِمَالِهِ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً، أَوْ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، أَوْ لَا لَكِنَّهُ إذَا وَقَعَ مَضَى وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَفْرِيعِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: فَصْلٌ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِمَا هَلْ مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ أَنْ يَخْلِطَاهُ مِنْ قَبْلِ الْحَرْثِ فَأَجَازَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرِكَةَ إذَا أَخْرَجَا قَمْحًا، أَوْ شَعِيرًا، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَاهُ وَهُوَ أَيْضًا أَصْلُهُمَا فِي الشَّرِكَةِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاخْتَلَفَ عَنْ سَحْنُونٍ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْخَلْطَ يَكْفِي فِيهِ إخْرَاجُهُمَا الْبَذْرَ، وَلَوْ لَمْ يَخْلِطَاهَا كَمَا هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ وَأَشَارَ إلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الثَّانِي بِلَوْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَحَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ مَشَى عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلَا يَتَأَتَّى عَلَيْهِ مَا فَرَّعَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ إلَى آخِرِهِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: وَالْبَذْرُ الْمُشْتَرَكُ شَرْطُهُ الْخَلْطُ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ (تَنْبِيهٌ) بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَرْطٌ آخَرُ فِي الْبَذْرِ وَهُوَ تَمَاثُلُهُمَا جِنْسًا فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا قَمْحًا، وَالْآخَرُ شَعِيرًا، أَوْ سُلْتًا، أَوْ صِنْفَيْنِ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ فَقَالَ سَحْنُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَنْبَتَ بَذْرُهُ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الْأَكْرِيَةِ ثُمَّ قَالَ: يَجُوزُ إذَا اعْتَدَلَتْ الْقِيمَةُ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ وَالْمَكِيلَةُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ وَزَادَ بَعْدَهُ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ مَنْ لَمْ يُجِزْ الشَّرِكَةَ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَمْ يُجِزْ الْمُزَارَعَةَ بِطَعَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَوْ اعْتَدَلَتْ قِيمَتُهُمَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمُنَاجَزَةِ لِبَقَاءِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى طَعَامِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَنْبَتَ طَعَامُهُ، وَلَا يَكُونُ التَّمْكِينُ قَبْضًا كَالشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْعُرُوضِ لَا يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ سِلْعَةَ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ بِأَثْمَانِ السِّلَعِ الَّتِي وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهَا فَاسِدَةً انْتَهَى. ص (وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَذْرُ أَحَدِهِمَا وَعَلِمَ لَمْ يَحْتَسِبْ بِهِ إنْ غُرَّ إلَخْ) ش: قَالَ فِي

الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إذَا شُرِطَ فِي الْحَبِّ الزِّرَاعَةُ فَلَمْ يَنْبُتْ وَالْبَائِعُ عَالِمٌ، أَوْ شَاكٌّ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَرَّهُ وَالشِّرَاءُ فِي أَنَّ الزِّرَاعَةَ بِثَمَنِ مَا يُزْرَعُ كَالشَّرْطِ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ لِلْأَكْلِ فَزَرَعَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُنْقِصُ مِنْ طَعْمِهِ، أَوْ فِعْلِهِ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ النَّقْصِ لَوْ اشْتَرَاهُ لِلزِّرَاعَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ شَارَكَ بِهَذَا غَيْرَهُ فَنَبَتَتْ زَرِيعَةُ الْغَيْرِ دُونَهُ فَإِنْ دَلَّسَ الْبَائِعُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَكِيلَةِ وَنِصْفِ كِرَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي أَبْطَلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَمَا يَنْبُتُ فِي الْوَجْهَيْنِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ إلَّا فِي الْكِرَاءِ سَكَتَ عَنْهُ وَزَادَ إنْ دَلَّسَ دَفَعَ نِصْفَ الْمَكِيلَةِ زَرِيعَةً صَحِيحَةً وَدَفَعَ إلَيْهِ شَرِيكُهُ نِصْفَ مَكِيلَةٍ لَا تَنْبُتُ، وَهَذَا إذَا زَالَ الْإِبَّانُ وَإِلَّا أَخْرَجَ زَرِيعَتَهُ صَحِيحَةً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ سَكَتَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ رُجُوعِ الْمَغْرُورِ عَلَى الْغَارِّ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْعَمَلِ فِيمَا لَمْ يَنْبُتْ إنْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى الْمَغْرُورِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ بِالْفِعْلِ قَالَ بَعْدَهُ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ كِرَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي غُرَّ فِيهَا انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: قُلْت: قَوْلُهُ سَكَتَ فِي الرِّوَايَةِ هُوَ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ هُنَا وَلَكِنْ ذَكَرَ الصَّقَلِّيُّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ زَرَعَ بِمَا لَا يَنْبُتُ فَنَبَتَ شَعِيرُ صَاحِبِهِ دُونَ شَعِيرِهِ فَإِنْ دَلَّسَ رَجَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنِصْفِ مَكِيلَتِهِ مِنْ شَعِيرٍ صَحِيحٍ وَبِنِصْفِ كِرَاءِ الْأَرْضِ الَّذِي أَبْطَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ إلَّا الْكِرَاءَ لَمْ يَذْكُرْهُ (قُلْت:) ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ سُقُوطُ الْكِرَاءِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا فِيمَنْ غَرَّ فِي إنْكَاحِ غَيْرِهِ أَمَةً أَنَّهُ يَغْرَمُ لِلزَّوْجِ الصَّدَاقَ، وَلَا يَغْرَمُ لَهُ مَا يَغْرَمُهُ الزَّوْجُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا سَارِقًا دَلَّسَ فِيهِ فَسَرَقَ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَرَدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ بِالْعَيْبِ فَذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ يَوْمًا وَأَظُنُّ فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ مَنْ بَاعَ مَطْمُورَةً دَلَّسَ فِيهَا بِعَيْبِ التَّسْوِيسِ

فَخَزَّنَ فِيهَا الْمُبْتَاعُ فَاسْتَاسَ مَا فِيهَا أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا اسْتَاسَ فِيهَا قَالَ، وَلَوْ أَكْرَاهَا مِنْهُ لَرَجَعَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ عَدَمِ نَبَاتِ الْبَذْرِ ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ فِي الْعُيُوبِ وَالْبَرْزَلِيُّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. ص (كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ وَتَسَاوَيَا غَيْرَهَا) ش: يُرِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَافِهَةً لَا خَطْبَ لَهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وَعَمِلَ عَلَى الْأَصَحِّ) ش: لَيْسَ مُرَادُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا التَّنْبِيهَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَرْضِ التَّافِهَةِ الَّتِي لَا خَطْبَ لَهَا، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهِ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازَ إلْغَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا خَطْبَ لَهَا: قَالَ سَحْنُونٌ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبَذْرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْضًا لَا كِرَاءَ لَهَا، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيمَا سِوَاهَا فَأَخْرَجَ هَذَا الْبَذْرَ، وَهَذَا الْعَمَلَ وَقِيمَةُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا كِرَاءَ لَهَا وَأَنْكَرَ هَذَا ابْنُ عَبْدُوسٍ،، وَقَالَ إنَّمَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ إذَا تَسَاوَيَا فِي إخْرَاجِ الزَّرِيعَةِ وَالْعَمَلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُخْرِجُ الْبَذْرِ غَيْرَ مُخْرِجِ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ لَا كِرَاءَ لَهَا وَيَدْخُلُهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَلَا تَرَى لَوْ أُكْرِيَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ) ش: يَعْنِي وَكَذَا تَفْسُدُ الشَّرِكَةُ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَالْبَذْرِ وَالْعَمَلِ مِنْ عِنْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ عَلَى وَاحِدٍ فَتَكُونُ الْمُزَارَعَةُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ فَقَطْ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: الزَّرْعُ لِرَبِّ الْبَذْرِ ثُمَّ يَقُومَانِ بِمَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مَكِيلَةِ الْبَذْرِ وَأُجْرَةِ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ دَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهَا تَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ لِلْأَرْضِ وَمِنْ الْآخَرِ الْعَمَلُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَتَكُونُ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ، وَالْبَذْرُ لِآخَرَ، وَالْعَمَلُ لِآخَرَ وَتَكُونُ الشَّرِكَةُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ. وَلَا إشْكَالَ فِي فَسَادِ الْوَجْهِ الثَّانِي لِمُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِنْ الْبَذْرِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ يُقَالُ فِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الزَّرْعُ لِلْعَامِلِ يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَنَصُّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الزَّرْعَ كُلَّهُ فِي فَسَادِ الشَّرِكَةِ لِمَنْ تَوَلَّى الْقِيَامَ بِهِ كَانَ مُخْرِجُ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ، أَوْ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ هُوَ مُخْرِجَ الْبَذْرِ كِرَاءُ أَرْضِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُخْرِجَ الْبَذْرِ عَلَيْهِ لَهُ مِثْلُ بَذْرِهِ وَهَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا الْقَوْلَ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ، وَقَالَ لَمْ نَجِدْ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الزَّرْعَ لِلْعَامِلِ دُونَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: قَالَ سَحْنُونٌ ظَاهِرُهُ أَيْضًا فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ أَرَ النَّصَّ عَنْ سَحْنُونٍ إلَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنَّ ابْنَ يُونُسَ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّ الزَّرْعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَذَكَرَ عَنْهُ صُورَةً أُخْرَى فَقَالَ سَحْنُونٌ

باب الوكالة

وَإِذَا اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمْ الْأَرْضَ وَنِصْفَ الْبَذْرِ وَالْآخَرُ نِصْفَ الْبَذْرِ فَقَطْ وَالثَّالِثُ الْعَمَلَ عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ نَزَلَ فَالزَّرْعُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ وَيَغْرَمَانِ لِمُخْرِجِ نِصْفِ الْبَذْرِ مَكِيلَةَ بَذْرِهِ وَمَذْهَبُ سَحْنُونٍ أَنَّ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الزَّرِيعَةِ وَعَلَيْهِمَا كِرَاءُ الْأَرْضِ وَالْعَمَلُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَدْ أَخْطَئُوا وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الزَّرْعَ لِمَنْ وَلِيَ الْعَمَلَ إذَا أُسْلِمَتْ الْأَرْضُ إلَيْهِ يُؤَدِّي مِثْلَ الْبَذْرِ لِمُخْرِجِهِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا انْتَهَى [بَابُ الْوَكَالَةِ] ش (بَابُ الْوَكَالَةِ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي إمْرَةٍ وَلَا عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِمَوْتِهِ فَتَخْرُجُ نِيَابَةُ إمَامِ الطَّاعَةِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا وَصَاحِبِ صَلَاةٍ وَالْوَصِيَّةِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ النُّسْخَةِ الْمَنْقُولِ مِنْهَا بَعْدَ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ فِيهِ إمَّا لَهُ أَوْ التَّصَرُّفُ كَمَالِهِ كَمَا يَظْهَرُ هَذَا بِتَأَمُّلِ الْكَلَامِ الْآتِي مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إثْرَ مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُقَالُ إنَّ النِّيَابَةَ فِي حَقِّ ذِي إمْرَةٍ وَكَالَةٌ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ مُجَرَّدُ فِعْلٍ لَا إمْرَةَ فِيهِ هَذَا ظَاهِرُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ وِلَايَةَ الْأُمَرَاءِ وَكَالَةً وَنَحْوُهُ قَوْلُ عِيَاضٍ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْوَكَالَةِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي النِّيَابَةِ خِلَافَ ذَلِكَ وَمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ عَلِمَ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ عُرْفًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ النِّيَابَةُ مُسَاوِيَةٌ لِلْوَكَالَةِ فِي الْمَعْرِفَةِ فَتَعْرِيفُهَا بِهَا دَوْرٌ، فَيُقَالُ هِيَ جَعْلُ ذِي أَمْرٍ غَيْرَ إمْرَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُوجِبِ لُحُوقَ حُكْمِهِ لِجَاعِلِهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ فَتَخْرُجُ نِيَابَةُ إمَامِ الطَّاعَةِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ إمَامِ صَلَاةٍ لِعَدَمِ لُحُوقِ فِعْلِ النَّائِبِ فِي الصَّلَاةِ الْجَاعِلَ وَالْوَصِيَّةِ لِلُحُوقِ حُكْمِ فَاعِلِهَا غَيْرَ الْجَاعِلِ انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ وَحُكْمُهَا لِذَاتِهَا الْجَوَازُ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمْت عَلَيْهِ وَقُلْت أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ فَقَالَ إذَا أَتَيْت وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإِنْ ابْتَغَى مِنْك آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ» وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِسُكُوتِهِ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ رَمَاهُ مَالِكٌ بِالْكَذِبِ وَقَالَ نَحْنُ نَفَيْنَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَيَعْرِضُ لَهَا سَائِرُ الْأَحْكَامِ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا كَقَضَاءِ دَيْنٍ تَعَيَّنَ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِهَا وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ وَالْحَرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَعْمَالِ الْأَبْدَانِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَيُنْقَضُ قَوْلُهُ فِي أَعْمَالِ الْأَبْدَانِ الْمَحْضَةِ بِقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الرَّمْيِ لِمَرَضِهِ فِي الْحَجِّ يَرْمِي عَنْهُ انْتَهَى. ص (وَحَوَالَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ

تنبيهات الخصمين إذا فرغا من الخصومة واتفقا على أمر وأرادا أن يثبتاه عند الحاكم

يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُحِيلُ غَرِيمَهُ عَلَى مَدِينِهِ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَتَجُوزُ فِي الْكَفَالَةِ كَالْحَوَالَةِ وَالْبَيْعِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ فِي حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ (قُلْت) : فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَا يَصِحُّ لِلْمُوَكِّلِ مُبَاشَرَتُهُ، وَكَفَالَةُ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ مُمْتَنِعَةٌ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: هُوَ أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِمَا عَلَى فُلَانٍ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفِعْلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ: كَأَنْ الْتَزَمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِكَفِيلٍ بِهِ عَنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِالْكَفِيلِ حَقًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى. ص (وَإِبْرَاءٍ وَإِنْ جَهِلَهُ الثَّلَاثُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِبْرَاءِ لَا يَسْتَدْعِي عِلْمَ الْمُوَكِّلِ بِمَبْلَغِ الدَّيْنِ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ وَلَا عِلْمَ الْوَكِيلِ وَلَا عِلْمَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ. (قُلْت) : وَهَذَا كَضَرُورِيٍّ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَرْكٍ وَالتَّرْكُ لَا مَانِعِيَّةَ لِلْغَرَرِ فِيهِ وَلِذَا قَالَ الْغَيْرُ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ: لِأَنَّهُ يُرْسِلُ مِنْ يَدِهِ بِالْغَرَرِ وَلَا يَأْخُذُ بِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَوَاخِرَ رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ بِالْوَصَايَا. ص (أَوْ وَاحِدٌ فِي خُصُومَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ عَلَى الدَّعْوَى: وَلَيْسَ لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخِصَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيلٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ وَكِيلَيْنِ، وَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ وَكِيلُهُ كَانَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي نَصِّ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخِصَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيلٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ وَكِيلَيْنِ. [تَنْبِيهَاتٌ الْخَصْمَيْنِ إذَا فَرَغَا مِنْ الْخُصُومَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ وَأَرَادَا أَنْ يُثْبِتَاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ] (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : هُنَا مَسْأَلَةٌ وَاقِعَةٌ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى وَهِيَ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ إذَا فَرَغَا مِنْ الْخُصُومَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ وَأَرَادَا أَنْ يُثْبِتَاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الرَّوَاحِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ تَكَبُّرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ لِعُذْرٍ فَيَشْهَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ وَكَّلَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الدَّعْوَى وَالْإِعْذَارِ وَالثُّبُوتِ وَطَلَبِ الْحُكْمِ فَيَأْتِي الشُّهُودُ عَلَى الْوَكَالَةِ إلَى رَجُلٍ مِنْ النَّاسِ وَيَشْهَدُونَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ وَشَخْصٌ آخَرُ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْآخَرِ وَيُكْمِلُونَ أَمْرَهُمْ فَهَلْ هَذَا التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُوَكِّلُ بِقَوْلِهِ وَكَّلْت كُلَّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي إثْبَاتِ كَذَا إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ يُوَكِّلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا بِعَيْنِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَلَا مِرْيَةَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْوَكِيلِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْكِتَابِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَحْكَامٍ يَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى إثْبَاتِ فُصُولِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْوَكَالَةِ: لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي مِنْ أَحَدٍ دَعْوَى الْوَكَالَةِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِ الْمُوَكِّلِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ أَيْضًا عَيْنُ الْوَكِيلِ إمَّا بِالشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا وَإِذَا حَضَرَ الْوَكِيلُ وَالْخَصْمُ وَتَقَارَرَا عَلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ، فَلَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِمَا يُتَّهَمَانِ عَلَى التَّوَاطُؤِ وَلَوْ صَدَّقَ الْخَصْمُ الْوَكِيلَ فِي الدَّعْوَى، وَاعْتَرَفَ بِالْمُدَّعَى بِهِ لَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَى دَفْعِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ انْتَهَى. وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وُكَلَاءُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَيُمْكِنُ هُنَا الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ تَوْكِيلَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْخِصَامِ لَا يَجُوزُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ وَكَالَةٌ فِي دَعْوَى وَإِنْكَارٍ وَإِثْبَاتٍ وَبَحَثَ سَيِّدِي الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ فِي كَوْنِ ذَلِكَ وَكَالَةً فِي خُصُومَةٍ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ شَرَطَ فِي ذِكْرِ حَقِّهِ وَمَنْ قَامَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ فَلَا يَجُوزُ هَذَا وَلَا يُقْضَى لَهُ إلَّا بِوَكَالَةٍ انْتَهَى.

وَمَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ عَدَمِ جَبْرِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الدَّفْعِ فِيمَا إذَا صَدَرَ، وَالْخَصْمُ الْوَكِيلُ عَلَى الدَّعْوَى فَاعْتَرَفَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمَعُونَةِ وَتَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ وَمُخَالِفٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ فِي الْمَطْلُوبِ يُوَافِقُ عَلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَإِذَا قَامَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ أَوْ دَيْنِ رَجُلٍ وَادَّعَى وَكَالَةَ صَاحِبِ ذَلِكَ الْحَقِّ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ أَوْ الْمَهْرِ وَاعْتَرَفَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى الْمَطْلُوبِ يَطْلُبُهُ بِذَلِكَ قَضَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي عَلَيْهِ أَوَّلًا بِإِقْرَارِهِ، وَالْمُصِيبَةُ مِنْهُ انْتَهَى. وَلَهُ فِي الْبَابِ السَّبْعِينَ فِي الْقَضَاءِ بِالْأَمَارَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُوَافِقُ مَا لَهُ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَعَزَاهُ لِلْمُتَيْطِيَّةِ وَنَصُّهُ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ حَكَى عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا قَالَهُ لِرَجُلٍ وَكَّلَنِي فُلَانٌ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْك وَعَدَدُهُ كَذَا فَصَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّفْعُ إلَيْهِ فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ غَرِمَ الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بِإِقْرَارِهِ انْتَهَى. وَفِيهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ هَذَا، وَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ ادَّعَى شَرِيكَانِ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَقَالَا لِلْقَاضِي مَنْ حَضَرَ مِنَّا خَاصِمْهُ فَلَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ مَنْ قَاعَدَ خَصْمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ وَقَالَ فِي وَرَثَةٍ ادَّعَوْا مَنْزِلًا فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يُخَاصِمُهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يُقَدِّمُونَ رَجُلًا يُخَاصِمُهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ يُوَكِّلُ وَكِيلَيْنِ يُخَاصِمَانِ عَنْهُ إنْ غَابَ أَحَدُهُمَا خَاصَمَ لَهُ الْآخَرُ وَكَذَا لَمْ يَجُزْ لِمَنْ قَاعَدَ خَصْمَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ إسَاءَةِ خَصْمِهِ لَهُ، فَحَلَفَ لَا خَاصَمَهُ أَوْ يَظْهَرُ مِنْ وَكِيلِهِ مَيْلٌ لِخَصْمِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا انْتَهَى هَذَا السَّمَاعُ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَعْرِفَةِ الْوَكَالَةِ وَلَمْ يُبَيِّنَا فِي شَهَادَتِهِمَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَشْهَدَهُمَا بِهَا فَشَهَادَتُهُمَا سَاقِطَةٌ وَلَا يُعْمَلُ بِهَا انْتَهَى. (الرَّابِعُ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ فِي الدَّعْوَى: مَسْأَلَةٌ وَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ فِي قَضِيَّةٍ فَخَاصَمَ عَنْهُ وَانْقَضَتْ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ وَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْهُ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ الْخِصَامِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُبْهَمَةً لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى مُخَاصَمَةِ فُلَانٍ أَوْ فِي أَمْرِ كَذَا وَكَذَا إنْ اتَّصَلَ بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضٍ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَيَّامٌ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ التَّوْكِيلِ إذَا لَمْ يُقْصِرْهُ عَلَى مَطْلَبٍ سَمَّاهُ كَمَا قَدَّمْنَا فَأَمَّا إذَا قَصَرَهُ عَلَى مَطْلَبٍ مُعَيَّنٍ، وَكَانَ بَيْنَ الْمَطْلَبَيْنِ الْأَشْهَرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْهُ إلَّا فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ وَيُسْتَحْسَنُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ التَّوْكِيلَ، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى مُخَاصَمَةِ رَجُلٍ فَلَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ وَقَدْ أُنْشِبَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ أَوْ لَمْ يُنْشِبْ الْخُصُومَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي شَيْءٍ حَتَّى مَرَّتْ السَّنَتَانِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُمَا: يَطْلُبُ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ الْقَدِيمَةِ أَلَهُ ذَلِكَ أَمْ يُجَدِّدُ الْوَكَالَةَ؟ قَالَ سَحْنُونٌ: يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إلَى الْمُوَكِّلِ لِيَسْأَلَهُ أَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ أَوْ خَلَعَهُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: رَأَيْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَسْتَكْثِرُ إمْسَاكَهُ الْوَكَالَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوَهَا وَيَرَى تَجْدِيدَ الْوَكَالَةِ إنْ أَرَادَ الْخُصُومَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنَاصَفِ: أَمَّا إذَا خَاصَمَ وَاتَّصَلَ خِصَامُهُ، وَطَالَ سِنِينَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتْهُ الْأُولَى انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الِانْعِزَالِ بِطُولِ مُدَّةِ التَّوْكِيلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَبَقَائِهِ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ رَأَيْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَسْتَكْثِرُ إمْسَاكَ الْوَكِيلِ عَلَى الْخُصُومَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَنَحْوَهَا، وَيَرَى تَجْدِيدَ

فرع الإعذار إلى الموكل

التَّوْكِيلِ مَعَ قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى الْإِنْكَاحِ إنْ سَقَطَ مِنْ رَسْمِهِ لَفْظُ دَائِمَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ وَطَالَ أَمْرُ التَّوْكِيلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ سَقَطَتْ إلَّا بِتَوْكِيلٍ ثَانٍ. وَنَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْ قَامَ بِتَوْكِيلٍ عَلَى خُصُومَةٍ بَعْدَ سِنِينَ وَقَدْ أَنْشَبَ الْخُصُومَةَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُنْشِبْهَا بَعْدَ مُضِيِّ سِنِينَ سَأَلَ الْحَاكِمُ مُوَكِّلَهُ عَلَى بَقَاءِ تَوْكِيلِهِ أَوْ عَزَلَهُ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ ابْنُ فَتُّوحٍ إنْ خَاصَمَ وَاتَّصَلَ خِصَامُهُ سِنِينَ لَمْ يَحْتَجْ لِتَجْدِيدِ تَوْكِيلٍ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْوَكِيلِ تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ لَمْ يُنْشِبْ خُصُومَةً، ثُمَّ يَقُومُ بِهَا فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا سُئِلَ أَهْوَ عَلَى وَكَالَتِهِ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ قَالَ الْقَاضِي يَعْنِي نَفْسَهُ وَرَأَيْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَسْتَكْثِرُ إمْسَاكَهُ عَنْ الْخُصُومَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَيَرَى تَجْدِيدَ الْوَكَالَةِ إنْ أَرَادَ الْخُصُومَةَ انْتَهَى وَلَعَلَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ هُوَ الْغَرْنَاطِيُّ فَإِنَّ الْبُرْزُلِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْقُلْ كَلَامَ سَحْنُونٍ وَلَا غَيْرَهُ وَنَصُّهُ قَالَ يَعْنِي الْغَرْنَاطِيَّ: وَإِذَا مَضَى لِتَارِيخِ الْخِصَامِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ مُتَكَلِّمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ اتَّصَلَ خِصَامُهُ مَعَهُ وَلَوْ طَالَتْ سَنِيُّهُ (قُلْت) : أَوْ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِتَمَامِهَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ كَرِهَ خَصْمُهُ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارُ بِرِضَا الْخَصْمِ وَبِغَيْرِ رِضَاهُ فِي حُضُورِ الْمُسْتَحِقِّ وَفِي غَيْبَتِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: أَيْضًا، وَكَمَا لَا يُفْتَقَرُ إلَى حُضُورِ الْخَصْمِ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ لَا يُفْتَقَرُ إلَى حُضُورِهِ فِي إثْبَاتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ انْتَهَى. بَلْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُكَ لِمُخَاصَمَةِ خَصْمٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَاصَمَةَ لَا تُعْلَمُ غَايَتُهَا فَاعْتُبِرَ جِنْسُهَا خَاصَّةً انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي تَبْصِرَتِهِ مَسْأَلَةً وَلَيْسَ فِي التَّوْكِيلِ أَعْذَارٌ وَلَا آجَالٌ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ فِيمَنْ طَلَبَ أَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ فِي تَوْكِيلِ خَصْمِهِ قَالَ: لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ الْقُضَاةِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَاطِينِ ضَرَبَ لِأَحَدِهِمْ أَجَلًا فِي تَوْكِيلٍ وَإِنَّمَا السِّيرَةُ عِنْدَ الْقُضَاةِ أَنْ يَثْبُتَ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ يَسْمَعَ مِنْ الطَّالِبِ، وَيَنْظُرَ فِيمَا جَاءَ بِهِ، فَأَمَّا إذَا دَعَا إلَى أَنْ يُؤَجَّلَ فِي الدَّفْعِ أَجَّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ فِيمَنْ طَلَبَ أَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ فِي تَوْكِيلِ خَصْمِهِ السِّيرَةُ أَنْ يُثْبِتَ الْوَكَالَةَ، ثُمَّ يَنْظُرَ فِي الْمَطْلَبِ انْتَهَى [فَرْعٌ الْإِعْذَارُ إلَى الْمُوَكِّلِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: إثْرَ كَلَامِ ابْنِ زِيَادٍ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيُّ: فِي وَثَائِقِهِ وَالْإِعْذَارُ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ تَمَامِ الْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْذِرْ إلَيْهِ جَازَ قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: كَانَ الْإِعْذَارُ بِالشَّأْنِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ تُرِكَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْقَاضِي وَإِنَّمَا تَرَكَ الْإِعْذَارَ مَنْ تَرَكَهُ فِي الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ عِنْدَ إرَادَةِ الْحُكْمِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ أَوَّلًا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَهَذِهِ نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ انْتَهَى. وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الْإِعْذَارَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَنَصُّهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ وَالْإِعْذَارُ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ تَمَامِ التَّوْكِيلِ وَإِنْ لَمْ يُعْذِرْ إلَيْهِ جَازَ ابْنُ عَتَّابٍ كَانَ الشَّأْنُ فِي الْقَدِيمِ الْإِعْذَارُ، ثُمَّ تُرِكَ قَالَ وَيُعْذِرُ أَيْضًا فِي الْمَوْتِ وَالْوِرَاثَةِ ابْنُ مَالِكٍ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُقِرُّ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَيَلْزَمُهُ ابْنُ بَشِيرٍ إنَّمَا تُرِكَ الْإِعْذَارُ فِي الْمَوْتِ وَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْذِرَ إلَيْهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ قَالَ أَبُو الْأَصْبَغِ هَذِهِ نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ إذْ لَا بُدَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ أَبَقِيَتْ لَكُمَا حُجَّةٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي كِتَابِ الْمُقْنِعِ وَيُوَكِّلُ عَلَى الْخِصَامِ عِنْدَ الْقَاضِي إنْ شَاءَ وَحَيْثُمَا وَكَّلَ، فَهُوَ جَائِزٌ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَقَالَ حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ: عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الشُّهُودِ عَلَى الْوَكَالَةِ لَا يَكُونُونَ إلَّا عُدُولًا، وَيُحْتَاطُ فِيهِمْ بِمَا يُحْتَاطُ فِي الشُّهُودِ عَلَى غَيْرِ الْوَكَالَةِ، وَمَا سَمِعْت أَحَدًا أَرْخَصَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا وَكَالَةُ الْفَاسِقِ فَتَصِحُّ كَمَا يُؤْخَذُ

فرع عزل الوكيل

ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ يَحْصُلُ الْإِبْرَاءُ بِالدَّفْعِ لِلْوَكِيلِ الْفَاسِقِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ: قَبَضْت (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إذَا وَقَعَ التَّوْكِيلُ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَصَرَّحَ الْمُوَكِّلُ فِي التَّوْكِيلِ بِاسْمِ الْحَاكِمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّكَلُّمُ عِنْدَ حَاكِمٍ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مُجْمَلًا، فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ حَيْثُ شَاءَ انْتَهَى. [فَرْعٌ عَزْل الْوَكِيل] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَمَنْ عَزَلَ وَكِيلَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِخَصْمِهِ فَأَبَى الْأَوَّلُ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ عَوْرَاتِهِ وَوُجُوهِ خُصُومَاتِهِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ، وَيَتَوَكَّلُ لَهُ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ انْتَهَى. زَادَ فِي شَرْحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَعَدُوِّهِ وَلَا يُوَكَّلُ عَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَلَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ عَلَى الْمُتَّهَمِ يَدَّعِي الْبَاطِلَ وَلَا الْمُجَادَلَةَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] إنَّ النِّيَابَةَ عَنْ الْمُبْطِلِ الْمُتَّهَمِ فِي الْخُصُومَةِ لَا تَجُوزُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106] انْتَهَى. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَيَنْبَغِي لِلْوَكِيلِ عَلَى الْخُصُومَةِ أَنْ يَتَحَفَّظَ بِدِينِهِ وَأَنْ لَا يَتَوَكَّلَ إلَّا فِي مَطْلَبٍ يَقْبَلُ فِيهِ يَقِينُهُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ فِيهِ عَلَى حَقٍّ فَقَدْ جَاءَ فِي جَامِعِ السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ وَمَنْ تَوَكَّلَ فِي خُصُومَةٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا لَمْ يَزَلْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَلَى الْخُصُومَةِ وَقَالَ إنَّ لِلْخُصُومَةِ قَحْمًا يَعْنِي اقْتِحَامَ الْمَهَالِكِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِمَا لَا يَصْلُحُ عِنْدَ شِدَّةِ الْخِصَامِ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْخُصُومَاتِ لِذِي الْهَيْئَاتِ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ لِذِي الْهَيْئَاتِ الْخُصُومَاتِ قَالَ مَالِكٌ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ الْخُصُومَةَ وَيَتَنَزَّهُ عَنْهَا وَكَانَ إذَا نَازَعَهُ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ قَالَ لَهُ: إنْ كَانَ هَذَا الشَّيْءُ لِي فَهُوَ لَكَ وَإِنْ كَانَ لَك فَلَا تَحْمَدْنِي عَلَيْهِ قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ شَيْءٌ لَمْ يُخَاصِمْهُ وَكَانَ يَقُولُ الْمَوْعِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلِمَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسَبُ فِيهِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَيَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ يُوَفَّوْنَ حُقُوقَهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيَطِبْ بِذَلِكَ نَفْسًا فَإِنَّ الْأَمْرَ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَك وَبَيْنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إلَّا خُرُوجَ رُوحِكَ حَتَّى تَنْسَى ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى كَأَنَّك مَا كُنْتَ فِيهِ وَلَا عَرَفْتُهُ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُخَاصِمُ رَجُلُ سُوءٍ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَفَى بِك ظَالِمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُخَاصِمًا وَقَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: قَالَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ: وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَكِّلَ أَبَاهُ لِيَطْلُبَ لَهُ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِهَانَةٌ بِالْأَبِ ص (لَا إنْ قَاعَدَ خَصْمَهُ كَثَلَاثٍ إلَّا لِعُذْرٍ وَحِلْفٍ فِي كَسَفَرٍ) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِذَا خَاصَمَ الرَّجُلَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَاعَدَ خَصْمَهُ أَيْضًا ثَلَاثَ مَجَالِسَ وَانْعَقَدَتْ الْمَقَالَاتُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَ خَصْمًا يَتَوَكَّلُ عَنْهُ إذَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يُسَافِرَ سَفَرًا وَيَعْرِفَ ذَلِكَ، وَلَا يُمْنَعُ الْخَصْمَانِ مِنْ السَّفَرِ، وَلَا مَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَتَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا اسْتَعْمَلَ السَّفَرَ لِيُوَكِّلَ غَيْرَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يُبَحْ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ خَصْمُهُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْن الْفَخَّارِ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُوَكِّلَ إذَا شَاتَمَهُ خَصْمُهُ، وَأَحْرَجَهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُخَاصِمَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ ابْن الْفَخَّار: فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُخَاصِمَهُ دُونَ عُذْرٍ يُوجِبُ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَهُوَ حَاوٍ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ لِلسَّفَرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ. قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّهَا كَأَيْمَانِ التُّهَمِ وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: قُلْت فِي عَطْفِ شَاتَمَهُ عَلَى أَحْرَجَهُ بِالْوَاوِ أَوْ بِأَوْ اخْتِلَافُ نُسَخٍ

انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَثَلَاثٍ يَعْنِي فَأَكْثَرُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي كَسَفَرٍ مَا مِثْلُ السَّفَرِ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: مَنْ وَكَّلَ ابْتِدَاءً ضَرَرًا لِخَصْمِهِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِيهَا أَيْضًا: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ لُبَابَةَ: كُلُّ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ عِنْدَ الْقَاضِي لَدَدٌ وَتَشْغِيبٌ فِي خُصُومَةٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ فِي وَكَالَةٍ وَلَا يَحِلُّ إدْخَالُ اللَّدَدِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ النَّاسُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ قَبُولُ الْوُكَلَاءِ إلَّا مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَشْغِيبٌ وَلَدَدٌ فَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إبْعَادُهُ وَأَنْ لَا يَقْبَلَ لَهُ وَكَالَةً عَلَى أَحَدٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْوَكَالَةُ عَلَى الْخِصَامِ لِمَرَضِ الْمُوَكِّلِ أَوْ سَفَرِهِ أَوْ كَوْنِهِ امْرَأَةً لَا يَخْرُجُ مِثْلُهَا جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا الْمُتَيْطِيُّ وَكَذَا الْعُذْرُ يَشْغَلُ الْأَمِيرَ أَوْ خُطَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ مُفَارَقَتَهَا كَالْحِجَابَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي جَوَازِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ ثَالِثُهَا لِلطَّالِبِ لَا لِلْمَطْلُوبِ لِلْمَعْرُوفِ مَعَ قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَنَقَلَهُ عَنْ سَحْنُونٍ فِي رِسَالَتِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَاضِي قُرْطُبَةَ وَفَعَلَهُ وَعَلَى الْمَعْرُوفِ فِي جَوَازِهَا مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَ أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْنَهُمَا مَا يَكُونُ مِنْ دَعْوَى إقْرَارٍ نَقْلًا ابْنِ سَهْلٍ قَائِلًا وَذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ قَبْلَ الْمُجَاوَبَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّدَدَ فِيهِ ظَاهِرٌ وَمُرَادُهُ أَنْ يُحَدِّثَ عَنْهُ مَا فِيهِ تَشْغِيبٌ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَمِنْ الْمُحَاضِرِ لِابْنِ حَارِثٍ وَإِنْ أَرَادَ الْخَصْمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ مَجْلِسٍ جَلَسَا فِيهِ التَّوْكِيلَ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ لَهُمَا أَوْ لَأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْعَطَّارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، ثُمَّ يُوَكِّلُ بَعْدُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى: وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: مَسْأَلَةٌ وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى خَصْمِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَهَلْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَ عَنْ تِلْكَ الدَّعْوَى بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ؟ فَقِيلَ إنَّهُ لَا يُمَكَّن مِنْ التَّوْكِيلِ حَتَّى يُجِيبَ فَإِنْ لَمْ يُجِبْ حَمَلَهُ الْحَاكِمُ عَلَى جَوَابٍ بِالْأَدَبِ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يُوَكِّلَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّدَدَ فِيهِ ظَاهِرٌ وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ قَبْلَ الْمُجَاوَبَةِ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ بِالْحَضْرَةِ فَيُجَاوِبُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ بَعْدَ الْأَدَبِ قُلْ الْآنَ مَا كُنْتَ تَأْمُرُ بِهِ وَكِيلَكَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ عَنْكَ فَإِنْ أَبَى عَلِمَ أَنَّهُ مُلِدٌّ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْمُتَيْطِيَّةِ أَتَمُّ وَنَصُّهُ وَإِذَا سَأَلَ الْخَصْمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا الْقَاضِيَ فِي أَوَّلِ مَجْلِسٍ تَقَدَّمَا إلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ فِي الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ فِي مُحَاضَرَةٍ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ رَأْيِ الْفُقَهَاءِ وَعَمَلِ الْقُضَاةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَاهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مَا يَكُونُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ فِي مَجْلِسِهِ إذَا كَانَ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ قَرِيبَ الْمَعْنَى يَتَبَادَرُ فَهْمُهُ فِي وَقْتِهِ، ثُمَّ يُوَكِّلُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَتَكَلَّمَ حَمَلَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْأَدَبَ حَتَّى يَتَكَلَّمَ قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ أَصَحُّ أَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ لِلْحَاضِرِ التَّوْكِيلُ، فَإِذَا أُجِيزَ لِلْحَاضِرِ التَّوْكِيلُ فَخَصْمُهُ مَكَانَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْأَصْبَغِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّدَدَ فِيهِ ظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُحْدِثَ كَلَامًا يَكُونُ فِيهِ تَشْغِيبٌ عَلَى صَاحِبِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْعَطَّارِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي آخِرِ كَلَامِهِ، ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهَذَا إذَا لَمْ يُوَكِّلَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حَتَّى حَضَرَا عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا لَوْ وَكَّلَا أَوَّلًا، فَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ مُرَادَهُمْ مَا لَمْ يَجْلِسَا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ عِنْدَ الْحَاكِمِ انْتَهَى. ص (وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ عَزْلُهُ) ش: يَعْنِي لَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ بَعْدَ

مُنَاشَبَتِهِ لِلْخِصَامِ وَمُقَاعَدَةِ خَصْمِهِ ثَلَاثًا وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا أَعْلَنَ بِعَزْلِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي تَأْخِيرِ إعْلَامِ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ عَزَلَهُ سِرًّا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جَعَلَ لَهُ الْإِقْرَارَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِمَا وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْوَكِيلِ إذَا قُيِّدَتْ عَلَيْهِ مَقَالَةٌ بِإِقْرَارِهِ عَلَى وَكِيلِهِ الَّذِي وَكَّلَهُ فَلَمَّا طَلَبَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ اسْتَظْهَرَ مُوَكِّلُهُ بِعُزْلَةِ عَزْلِهِ إيَّاهَا قَبْلَ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ الْوَكِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَسْقُطُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ مَا يُقَيَّدُ عَلَى الْوَكِيلِ لَازِمٌ لِمُوَكِّلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَهُ قَبْلَ مُنَاشَبَةِ الْخِصَامِ عَزْلًا أَعْلَنَ بِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي تَأْخِيرِ إعْلَامِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ مُنَاشَبَةِ الْخِصَامِ أَوْ قَبْلَهُ سِرًّا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَشْهَدَ فِي السِّرِّ بِعَزْلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ مَعَ إشْهَادِهِ سِرًّا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ فَقَطْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَبَقِيَّةُ الْجَوَابِ فِي نَوَازِلِهِ مَا نَصُّهُ: إذْ لَا يَجُوزُ لِمَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْخِصَامِ أَنْ يَعْزِلَهُ بَعْدَ أَنْ نَاشَبَ خَصْمَهُ فِي الْخِصَامِ وَقَاعَدَهُ فِيهِ وَلَا قَبْلَ ذَلِكَ سِرًّا إذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَشَأْ أَحَدٌ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا عَنْ الْمُخَاصَمَةِ عَنْهُ وَيُشْهِدُ فِي السِّرِّ عَلَى عَزْلِهِ إلَّا فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى لَهُ سَكَتَ وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ كُنْتُ عَزَلْتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: هَذَا الَّذِي أَقُولُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ سِوَاهُ عَلَى أُصُولِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافٍ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُ الْيَتِيمَ إقْرَارُ وَكِيلِ وَصِيِّهِ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا يَلْزَمُهُ فِيهِ إقْرَارُ الْوَصِيِّ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَكَّلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَمَا يُقَيَّدُ عَلَى وَكِيلِ الْخِصَامِ مِنْ الْمَقَالَاتِ لَازِمٌ لِمَنْ وَكَّلَهُ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الَّذِي وَكَّلَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْخِصَامِ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ وَيُفَاصِلَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَذَهَبَ الْوَكِيلُ بِالتَّوْكِيلِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَفَاصَلَ وَبَاعَ، ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ اسْتَظْهَرَ بِأَنْ عَزَلَهُ بَعْدَ أَنْ وَكَّلَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذِهِ الْعُزْلَةِ، وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ مَا عَمِلَهُ الْوَكِيلُ إلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِعُزْلَتِهِ أَوْ بِعَزْلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يَمْضِي عَلَيْهِ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ فِي السِّرَّ مِنْ الْخُدْعَةِ وَالْقَصْدِ إلَى الْغِشِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورِينَ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَزْلِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ وَإِنَّمَا يَنْعَزِلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ انْعِزَالِهِ بِعَزْلِهِ سِرًّا وَيُبَيِّنُ هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا شَرَعَ فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَلَوْ بِحُضُورِهِمَا قَالَ لَمَّا ذَكَرَ الْعَزْلَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلَ بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَوْ أَصْرَحُ مِنْهُ وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَلَّابِ إذَا وَكَّلْت وَكِيلًا فِي بَيْعِ رَهْنٍ لَيْسَ لَكَ عَزْلُ الْوَكِيلِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَكَ الْعَزْلُ كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى فَإِذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ فَسْخَ وَكَالَةِ الْوَكِيلِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: لَهُ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَرْعٌ: وَاخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ أَوْ اشْتِرَائِهَا أَوْ سَمَّى لَهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا هَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ؟ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ أَوْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَازِرِيُّ وَعَدَّهَا الْأَشْيَاخُ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُشْتَرِيَ وَسَمَّى لَهُ الثَّمَنَ وَقَالَ لَهُ: شَاوِرْنِي أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ وَلَا قَالَ لَهُ: شَاوِرْنِي فَهَذَا مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ وَالِاضْطِرَابِ وَاخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا فَهَلْ لَهُ

أَنْ يَعْزِلَهُ؟ فَرَأَى اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا: بِخِلَافِ أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَرَأَى غَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ كَالطَّلَاقِ وَاسْتَشْكَلَ الْمَازِرِيُّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا جَعَلَ لَهُ تَمْلِيكَ زَوْجَتِهِ صَارَ كَالْمُلْتَزِمِ لِذَلِكَ الْتِزَامًا لَا يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ بَعْدَ مُنَاشَبَةِ الْخِصَامِ وَمُقَاعَدَةِ خَصْمِهِ ثَلَاثًا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ فَفِي مَنْعِ الْعَزْلِ بِمُجَرَّدِ انْتِشَاب الْخِصَامِ أَوْ بِمُقَاعَدَتِهِ ثَلَاثًا ثَالِثُهَا بَعْدَ مُقَاعَدَتِهِ مُقَاعَدَةً يَثْبُتُ فِيهَا الْحُكْمُ وَرَابِعُهَا مَا لَمْ يُشْرِفْ عَلَى تَمَامِ الْحُكْمِ وَخَامِسُهَا عَلَى الْحُكْمِ لِابْنِ رُشْدٍ مَعَ اللَّخْمِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَهُ عَنْ أَحَدِ قَوْلَيْ أَصْبَغَ وَثَانِيهمَا مُحَمَّدٍ انْتَهَى (تَنَبُّهَات الْأَوَّلُ) : مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ بَعْدَ مُنَاشَبَةِ الْخِصَامِ وَمُقَاعَدَةِ خَصْمِهِ ثَلَاثًا إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ غِشٌّ أَوْ تَدْخِيلٌ فِي الْخُصُومَةِ وَمَيْلٌ مَعَ الْمُخَاصِمِ لَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَلَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ مُنَاشَبَتِهِ لِلْخِصَامِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يُنَاشِبْ الْخُصُومَةَ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ قَدْ نَاشَبَ خَصْمَهُ وَجَالَسَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ غِشٌّ أَوْ تَدْخِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ وَمَيْلٌ مَعَ الْمُخَاصَمِ لَهُ، فَلَهُ عَزْلُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِأَمْرٍ فَظَهَرَ غِشُّهُ كَانَ عَيْبًا، وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْوَكَالَةَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ الْوَكِيلِ تَفْرِيطٌ أَوْ مَيْلٌ مَعَ الْخَصْمِ أَوْ مَرِضَ فَلِمُوَكِّلِهِ عَزْلُهُ انْتَهَى (الثَّانِي) : مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الْخِصَامِ لَكَانَ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ وَلِلْوَكِيلِ عَزْلُ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِابْنِ رُشْدٍ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَنْخَلَّ عَنْ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ أَحَدُهُمَا اتِّفَاقًا إلَّا فِي وَكَالَةِ الْخِصَامِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ انْتَشَبَ الْخِصَامُ وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهِ وَالْمَخْصُوصُ سَوَاءً انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَهِيَ مَعْرُوفٌ مِنْ الْوَكِيلِ يَلْزَمُهُ إذَا قَبِلَ، وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ فِي الْخِصَامِ، وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي غَيْرِ الْخِصَامِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَا مُوَكِّلِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ، وَيَكُونُ فِي عَزْلِهِ نَفْسَهُ إبْطَالٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّعَ بِمَنَافِعِهِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَهِيَ إجَارَةٌ تَلْزَمُهُمَا بِالْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ التَّخَلِّي وَتَكُونُ بِعِوَضٍ مُسَمًّى وَإِلَى أَجَلٍ مَضْرُوبٍ وَفِي عَمَلٍ مَعْرُوفٍ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ لَا تَلْزَمُ أَوْ إنْ وَقَعَتْ بِإِجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ، فَلَهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ، تَرَدُّدٌ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْوَكَالَةُ بِأُجْرَةٍ لَازِمَةٌ كَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ دِينَارٌ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَآجَرَ رَجُلًا فِي تَقَاضِيهِ الْخَمْسَةَ الدَّرَاهِمَ، وَقَالَ لَهُ فَإِذَا قَبَضْت ذَلِكَ فَتَصَدَّقْ بِالدِّينَارِ فَلَمَّا قَدِمَ كَلَّمَهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَا خُصُومَةٍ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِالدِّينَارِ وَيُرْسِلُ بِالْخَمْسَةِ دَرَاهِمَ إلَى رَبِّهَا انْتَهَى. ص (وَلَا الْإِقْرَارُ إنْ لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ أَوْ يَجْعَلْ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْإِقْرَارُ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مُفَوِّضًا إلَيْهِ أَوْ يَكُونَ قَدْ جَعَلَ لَهُ مُوَكِّلَهُ أَنْ يُقِرَّ عَنْهُ وَنَصَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى الْخِصَامِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ: أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى الْخِصَامِ فَقَطْ لَا تَشْمَلُ صُلْحًا وَلَا إقْرَارًا وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْوَكِيلِ أَحَدُهُمَا إلَّا بِنَصٍّ مِنْ مُوَكِّلِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْكَافِي: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا عَنْ الْكَافِي وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: وَلَك أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ حَضَرْت أَوْ غِبْت وَلَا يَلْزَمُكَ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ تُفَوِّضَ إلَيْهِ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّكَ سَلَّمْتَهَا، فَهُوَ كَشَاهِدٍ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفْت أَنْتَ وَأَخَذْت فَإِنْ أَقَامَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ عَلَى طَلَبِ شُفْعَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ النَّوَادِرِ وَإِذَا وَكَّلْتُهُ عَلَى طَلَبِ شُفْعَةٍ فَسَلَّمَ الْوَكِيلُ فَإِنَّ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ بِذَلِكَ يُلْزِمُكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفَوَّضًا لَمْ يُلْزِمْك قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَا: وَإِنْ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِكَ فَهُوَ شَاهِدٌ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمُبْتَاعُ، وَيَلْزَمُكَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفْت أَنْتَ وَبَرِئْت قِيلَ لِأَشْهَبَ فَيَطْلُبُ لِي شُفْعَتِي وَقَدْ شَهِدَ عَلَيَّ بِالتَّسْلِيمِ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْوَكِيلِ أَنْ يَطْلُبَ لَكَ شُفْعَةً يَزْعُمُ أَنَّ طَلَبَهَا لَا يَجُوزُ فَإِنْ تَمَادَى فَلْيَسْمَعْ مِنْهُ الْإِمَامُ وَيَقْضِي بِهِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ قَالَ فِيهِ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ قَالَ مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ فَهُوَ لَازِمٌ لِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَبْلَهُ ابْنُ عَاتٍ وَقَالَ قَبْلَهُ وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ نَصًّا وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ خِلَافًا، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إثْرَ نَقْلِهِ قَوْلَ أَصْبَغَ هَذَا مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إلَى آخِرِ كَلَامِ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ الْمُتَقَدِّمِ إنَّهُ خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ أَصْبَغَ نَصَّ فِيهَا عَلَى تَوْكِيلِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَلْزُومٌ لَجَعْلِهِ قَوْلَهُ وَمَسْأَلَةَ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ فَهُوَ لَازِمٌ فَصَارَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَى فُلَانٍ حَقٌّ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ حَسْبَمَا يَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) إنَّمَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ فِيمَا كَانَ مِنْ مَعْنَى الْخُصُومَةِ الَّتِي وَكَّلَهُ عَلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ الْمُتَيْطِيِّ قَالَ فُقَهَاءُ طُلَيْطِلَة: مَنْ وَكَّلَ عَلَى طَلَبِ حُقُوقِهِ وَالْمُخَاصِمَةِ عَنْهُ وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَإِقْرَارُ مُوَكِّلِهِ بِأَنَّهُ وَهَبَ دَارِهِ لِزَيْدٍ أَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ مِائَةُ دِينَارٍ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِمُوَكِّلِهِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَتَّابٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُ إقْرَارُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ مَعْنَى الْمُخَاصَمَةِ الَّتِي وَكَّلَ عَلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْأَصْبَغِ بْنُ سَهْلٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مَنْ وَكَّلَ عَلَى قَبْضِ شُفْعَتِهِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ سَلَّمَهَا فَهُوَ شَاهِدٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُضَعِّفًا لِاسْتِدْلَالِهِ بِمَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ لَغْوِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ عَلَى الشُّفْعَةِ لَغْوُ إقْرَارِ مَنْ جُعِلَ لَهُ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ صِدْقِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ عَلَى إقْرَارِهِ بِإِسْقَاطِهَا وَصِدْقِ مُطْلَقِ الْإِقْرَارِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ انْتَهَى. (قُلْت) : لَا شَكَّ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ هُوَ الظَّاهِرُ وَأَنَّ أَخْذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ ضَعِيفٌ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَخَصَّصُ وَتَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ مَنْ وَكَّلَ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ وَجَعَلَ لِوَكِيلِهِ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ إنَّمَا أَرَادَ الْإِقْرَارَ فِيمَا هُوَ مِنْ مَعْنَى الْخُصُومَةِ الَّتِي وَكَّلَ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ قَالَ أَقَرَّ عَنِّي بِأَلْفٍ فَإِقْرَارٌ) ش: هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ شَاسٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ: أَقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَفِي كَوْنِهِ إقْرَارًا مِنْ الْآمِرِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَطَقَ بِهِ الْوَكِيلُ كَالنُّطْقِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِقَوْلِهِ أَقِرَّ عَنِّي فَأَضَافَ قَوْلَ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا وَجَعَلَهُ فِي الْإِقْرَارِ عَنْهُ كَنَفْسِهِ فَمَا أَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ يَلْزَمُ بِهِ مُوَكِّلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي أَقِرَّ عَنِّي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ كَبِيرُ شَاهِدٍ يَرُدُّ بِأَنَّهُ

مَحْضُ دَعْوَى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فِي مُقَابَلَةِ مُسْتَدِلٍّ عَلَيْهِ وَاسْتِشْهَادُ الْمَازِرِيِّ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ بِفِعْلِ شَيْءٍ وَبَيْنَ جَعْلِهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِيَدِهِ كَقَوْلِهِ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ جَعَلْت بَيْعَهُ بِيَدِكَ هَذَا إنْ حَمَلْنَا قَوْلَ الْمَازِرِيِّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْوَكِيلِ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ حَاصِلُهُ لُزُومَ إقْرَارِ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ مَا وَكَّلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَطَقَ بِهِ الْوَكِيلُ كَالنُّطْقِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِقَوْلِهِ أَقِرَّ عَنِّي وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ شَاسٍ مِنْهُ إنَّ قَوْلَهُ أَقِرَّ عَنِّي بِكَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِذَلِكَ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ كَبِيرُ شَاهِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَعْصِيَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْوَكَالَةُ نِيَابَةٌ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبْطَلَهُ ابْنُ هَارُونَ بِالنِّيَابَةِ فِي الْمَعَاصِي كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَقَتْلِ الْعُدْوَانِ وَغَرَّهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: وَلَا تَصِحُّ فِي الْمَعَاصِي كَالسَّرِقَةِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَيُرَدُّ بِمَنْعِ صِدْقِيَّةِ النِّيَابَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ وَالِاسْتِعْمَالَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَابَةِ اسْتِحْقَاقُ جَاعِلِهَا فِعْلَ مَا وَقَعَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ إنَّ الْوَكَالَةَ تَعْرِضُ لَهَا الْحُرْمَةُ، وَمَثَّلَهُ بِالْبَيْعِ الْحَرَامِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا) ش: اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الْوَكَالَةِ أَرْبَعَةٌ: الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شُرُوطِهِمَا فِي بَابِ الشَّرِكَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ وَالثَّالِثُ مَا فِيهِ التَّوْكِيلُ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ وَالرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَأَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ وَتَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا فِي الْعُرْفِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِهَا لَفْظٌ مَخْصُوصٌ قَالَ فِي اللُّبَابِ: مِنْ أَرْكَانِ الْوَكَالَةِ الصِّيغَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى التَّوْكِيلِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ الصِّيغَةُ كَقَوْلِهِ وَكَّلْتُكَ أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَقَوْلِهِ تَصَرَّفْ عَنِّي فِي هَذَا أَوْ كَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. (قُلْت) ، وَهَذَا مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَيُطْلَبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ التَّوْكِيلِ فَإِنْ تَرَاخَى قَبُولُهُ بِالتَّوْكِيلِ الطَّوِيلِ فَيُخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِلْمَازِرِيِّ وَنَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ فِيهِ عَنْ الْجَوَاهِرِ عَنْ الْمَازِرِيِّ قَالَ وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ هَلْ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ جَوَابُهُ

عَلَى الْفَوْرِ أَمْ لَا؟ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا بُدَّ فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْقَبُولِ فَإِنْ وَقَعَ بِالْفَوْرِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَفِي لَغْوِهِ قَوْلَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي لَغْوِ التَّخْيِيرِ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ الْمَازِرِيُّ التَّحْقِيقُ الرُّجُوعُ لِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ وَالْعَادَةُ هَلْ الْمُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ اسْتِدْعَاءُ الْجَوَابِ عَاجِلًا؟ أَوْ وَلَوْ كَانَ مُتَأَخِّرًا؟ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْبِسَاطِيُّ وَحَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ مَعْلُومًا بِالْعُرْفِ، وَهَذَا مُسْتَغْنًى بِقَوْلِهِ حَتَّى يُفَوِّضَ، ثُمَّ قَوْلُهُ أَوْ يُعَيِّنَ بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ وَتُخَصَّصُ وَتُقَيَّدُ بِالْعُرْفِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَلْجَأَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُجَرَّدِ وَكَّلْتُكَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَعْنَاهُ مَعَ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَالتَّقْدِيرُ، وَصَحَّتْ الْوَكَالَةُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عُرْفًا وَلَيْسَ مُطْلَقُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا كَافِيًا فِي ذَلِكَ إذْ قَدْ يَصْدُقُ الْمُطْلَقُ مَعَ التَّفْوِيضِ وَالتَّعْيِينِ وَالْأَعَمُّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ انْتَهَى. بَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا أَيْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْوَكَالَةِ وَعَلَى الْمُوَكِّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالرُّكْنِ الثَّالِثِ أَعْنِي الْمُوَكَّلَ فِيهِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالرُّكْنِ الرَّابِعِ الَّذِي هُوَ الصِّيغَةُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى وَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى الْوَكَالَةِ وَعَلَى الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ لَا بِمُجَرَّدِ وَكَّلْتُكَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: يَعْنِي لَيْسَ لِلْوَكَالَةِ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ بَلْ كُلُّ مَا دَلَّ لُغَةً أَوْ عُرْفًا، فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِهِ فَإِنْ خَالَفَ الْعُرْفُ اللُّغَةَ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ انْتَهَى. وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) مِنْ الْعُرْفِ فِي الْوَكَالَةِ الْوَكَالَةُ بِالْعَادَةِ كَمَا إذَا كَانَ رُبْعٌ بَيْنَ أَخٍ وَأُخْتٍ وَكَانَ الْأَخُ يَتَوَلَّى كِرَاءَهُ وَقَبْضَهُ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ دَفَعَهُ لِأُخْتِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْعَادَةِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَصَدَقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ وَتَصَرُّفُ الرَّجُلِ فِي مَالِ امْرَأَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَكَالَةِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّعَدِّي قَالَهُ مَالِكٌ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَرَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ. (الثَّالِثُ) : عَدَّ بَعْضُهُمْ أَرْكَانَ الْوَكَالَةِ ثَلَاثَةً، وَجَعَلَ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ رُكْنًا وَاحِدًا مِنْهُمْ الْمَشَذَّالِيُّ وَنَصُّهُ وَأَرْكَانُ الْوَكَالَةِ ثَلَاثَةٌ: الْعَاقِدَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةُ فَالْعَاقِدَانِ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ، وَشَرْطُ الْمُوَكِّلِ: جَوَازُ تَصَرُّفِهِ فِيمَا وَكَّلَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ مِنْ الرَّشِيدِ مُطْلَقًا وَمِنْ الْمَحْجُورِ فِي الْخُصُومَةِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) : تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ أَنَّ وَكَالَةَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ جَائِزَةٌ، وَفِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ طَرِيقَانِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الرَّابِعِ فِي تَرْجَمَةِ عِتْقِ عَبْدِهِ عَلَى مَالٍ: وَإِذَا وَكَّلَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ لَزِمَتْهُ الْوَكَالَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ انْتَهَى. ص (بَلْ حَتَّى يُفَوِّضَ فَيُمْضِيَ النَّظَرَ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَغَيْرُ نَظَرٍ إلَّا الطَّلَاقَ وَإِنْكَاحَ بِكْرِهِ وَبَيْعُ دَارِ سُكْنَاهُ وَعَبْدِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمُوَكَّلُ فِيهِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالنَّصِّ أَوْ بِالْقَرِينَةِ أَوْ بِالْعَادَةِ، فَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ لَمْ يُفِدْ حَتَّى يُقَيَّدَ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ بِأَمْرٍ فَلَوْ قَالَ: بِمَا لِي مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مَضَى فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إذَا كَانَ نَظَرًا إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَغَيْرُ نَظَرٍ قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ إطْلَاقَ التَّوْكِيلِ لَا يُفِيدُ حَتَّى يُقَيَّدَ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ بِأَمْرٍ، وَهَذَا الْفَرْعُ مِثَالٌ لِلتَّفْوِيضِ وَشَرَطَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْمِيمِ فَيَقُولَ أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ وَبِهَا يَتِمُّ تَعْمِيمُ الْوَكَالَةِ وَقَدْ جَرَى عَمَلُ النَّاسِ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ الْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي بَيْعِ دَارِ سُكْنَى مُوَكِّلِهِ وَطَلَاقِ زَوْجَتِهِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ

قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا الطَّلَاقَ وَمَا بَعْدَهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَغَيْرَ نَظَرٍ وَجَعَلَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ رَاشِدٍ وَغَيْرِهِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ مُطْلَقِ الْوَكَالَةِ الْمُفَوَّضَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا اُسْتُثْنِيَتْ مِنْهَا مَعَ وُجُوبِ هَذَا الْقَيْدِ فِيهَا، فَأَحْرَى أَنْ تُسْتَثْنَى مَعَ عَدَمِهِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَاهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ قَوْلِهِ فَيَمْضِي النَّظَرُ اقْتَضَى قَوْلُهُ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ نَظَرٍ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ هَذَا الْقَيْدُ لَا تَكُونُ مُسْتَثْنَاةٌ وَإِنَّمَا تَمْضِي وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَأَمَّلْهُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَظَرًا أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ فَقَالَ: شَرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ غَيْرِهِ بِالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ لَهُ بِذَلِكَ فَيَقُولَ نَظَرًا وَغَيْرَ نَظَرٍ خَلِيلٍ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَأْذَنُ الشَّرْعُ فِي السَّفَهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ إذْ لَا يَحِلُّ لَهُمَا ذَلِكَ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ تَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ بَشِيرٍ وابْنَ شَاسٍ، ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مُقْتَضَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ مَنْعُ التَّوْكِيلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ وَفِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ تَقْيِيدُ بَيْعِ التَّمْرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَسَادًا، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ مَنْعَ تَوْكِيلِ السَّفِيهِ انْتَهَى. وَفَهِمَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ إثْرَهُ هَذَا مِثَالٌ لِوَكَالَةِ التَّفْوِيضِ، وَلَفْظُ مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُكَ بِمَا إلَيَّ تَعَاطِيهِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَقَلِيلِ الْأَشْيَاءِ وَكَثِيرِهَا جَازَ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ، وَعَكْسُهُ هُوَ مَعْزُولٌ عَنْهُ بِالْعَادَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ افْعَلْ مَا رَأَيْت كَانَ نَظَرًا عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ افْعَلْ مَا شِئْت وَإِنْ كَانَ سَفَهًا كَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ انْتَهَى. (قُلْت) : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ تَوْكِيلِ السَّفِيهِ، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْحَقُّ أَنَّ النَّظَرَ هَهُنَا فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا جَوَازُ التَّوْكِيلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالثَّانِي: مُضِيُّ أَفْعَالِ الْوَكِيلِ وَعَدَمُ تَضْمِينِهِ، فَأَمَّا جَوَازُ التَّوْكِيلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِذْنُ بِمَا هُوَ سَفَهٌ عِنْدَ الْوَكِيلِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِذْنُ فِيمَا يَرَاهُ الْوَكِيلُ صَوَابًا وَإِنْ كَانَ عِنْدَ النَّاسِ سَفَهًا فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَعْلُومَ السَّفَهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ جَازَ، وَأَمَّا مُضِيُّ أَفْعَالِ الْوَكِيلِ، وَعَدَمُ تَضْمِينِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَفْعَالَهُ مَاضِيَةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّل أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ فِيمَنْ أَذِنَ لِإِنْسَانٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَقَطَعَهَا أَنَّهُ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ لَإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَالْمَالُ أَحْرَى، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ مَضَى أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، فَتَأَمَّلْهُ نَعَمْ هُنَا وَجْهٌ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَعَهُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ ابْتِدَاءً، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا صَنَعَهُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ مِنْ شَرِيكٍ أَوْ وَكِيلٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَمْ يَلْزَمْ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فِي حِصَّتِهِ وَيُرَدُّ صَنِيعُ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ مَا صَنَعَ الْوَكِيلُ، فَيَضْمَنُهُ الْمُوَكِّلُ انْتَهَى. فَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مَمْنُوعًا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يُمْضِي النَّظَرَ أَيْ مَا فِيهِ مُصْلَحَةٌ تَعُودُ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ لَا التَّبَرُّعَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُكَ وَكَالَةً مُفَوَّضَةً وَأَذِنْت لَكَ أَنْ تَفْعَلَ جَمِيعَ مَا تَرَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةً تَعُودُ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَتَمْضِي التَّبَرُّعَاتُ وَلَا يُقْضَى فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا سَفَهٌ أَوْ فَسَادٌ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ الْحَدِّ وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ وَالتَّوَكُّلِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُفَوَّضَ مَمْنُوعٌ

مِنْ التَّبَرُّعِ فَأَحْرَى غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كَافِيهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ، وَأَنْ يُؤَخِّرَ وَأَنْ يَهْضِمَ الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ، وَيَنْفُذُ فِعْلُهُ فِي الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ إذَا كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ وَفِعْلُهُ كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَإِذَا بَانَ تَعَدِّيهِ أَوْ فَسَادُهُ ضَمِنَ وَمَا خَالَفَ فِيهِ الْوَكِيلَ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلِمُوَكِّلِهِ تَضْمِينُهُ إنْ شَاءَ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) : يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ فِعْلُهُ فِي الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ إذَا كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ يَعُودُ بِتَنْمِيَةِ الْمَالِ كَمَا قَالُوا فِي الشَّرِيكِ إنَّ ذَلِكَ يَمْضِي إذَا قُصِدَ بِهِ الِاسْتِئْلَافُ وَإِلَّا كَانَ كَلَامُ الْكَافِي مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ لَا يُنَافِيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَكَالَةِ الْمُفَوَّضَةِ بَيْعُ دَارِ السُّكْنَى وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَبَيْعُ الْعَبْدِ الْقَائِمِ بِأُمُورِ الْوَكِيلِ وَزَوَاجُ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ الْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْمُوَكِّلُ بِإِذْنٍ خَاصٍّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ إنْ وَكَّلَهُ عَلَى الطَّلَاقِ مُعَيَّنًا لَزِمَهُ قَالَ وَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ جَمِيعَ أُمُورِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ مَعْزُولٌ عُرْفًا عَنْ طَلَاقِ الزَّوْجَةِ وَبَيْعِ دَارِ السُّكْنَى وَتَزْوِيجِ الْبِنْتِ وَعِتْقِ الْعَبْدِ انْتَهَى (الْخَامِسُ) قَالَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَزَوَّجَ أُخْتَهُ الْبِكْرَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَبِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْأَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنًا فَوَّضَ إلَيْهِ جَمِيعَ أَمْرِهِ وَجَمِيعَ شَأْنِهِ، فَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْأَبِ، وَكَذَلِكَ فِي أَمَةِ الْأَبِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَخِ وَالْجَدِّ يُقِيمُهُ هَذَا الْمَقَامَ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ: وَإِنْ أَجَازَ مُجْبَرٌ فِي ابْنٍ وَأَخٍ وَجَدٍّ فَوَّضَ لَهُ أُمُورَهُ بِبَيِّنَةٍ جَازَ انْتَهَى فَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ هُنَا أَنَّ الْوَكَالَةَ الْمُفَوَّضَةَ لَا تَشْمَلُ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا هُنَا أَنَّهُ لَا يَمْضِي بَلْ يُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ اتَّفَقَا نَعَمْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ: قَوْلُهُ فَوَّضَ لَهُ يَعْنِي بِالْعَادَةِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِالصِّيغَةِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْأَبِ لِأَنَّ الْوَكِيلِ لَهُ أَنْ يُنْكِحَ وَيُطَلِّقَ وَيُقِرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ انْتَهَى فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالُوهُ هُنَا إنَّ الْوَكَالَةَ الْمُفَوَّضَةَ لَا تَشْمَلُ تَزْوِيجًا وَلَا طَلَاقَ الزَّوْجَةِ، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ اللُّبَابِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَأَمَّا إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ، فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مُوَكِّلُهُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (السَّادِسُ) : إذَا اُبْتُدِئَتْ الْوَكَالَةُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ قَالَ فِي تَوْكِيلِهِ إنَّهُ وَكَّلَهُ وَكَالَةً مُفَوَّضَةً أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَتَهُ، وَجَعَلَ لَهُ النَّظَرَ بِمَا يَرَاهُ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ التَّفْوِيضُ لِمَا سَمَّاهُ وَلَا يَتَعَدَّى الْوَكِيلُ مَا سَمَّى لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا سَمَّاهُ، وَيُعَادُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَكَّلْته وَكَالَةً مُفَوَّضَةً، فَهَذَا تَوْكِيلٌ تَامٌّ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْوَكَالَةِ، وَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَاتِ قَالَ: وَإِنْ قَالَ: وَكَالَةٌ مُفَوَّضَةٌ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ وُجُوهِ التَّوْكِيلِ وَمَعَانِيهِ كَانَ أَبْيَنَ فِي التَّفْوِيضِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، فَهُوَ وَكِيلٌ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ سَمَّى بَيْعًا أَوْ ابْتِيَاعًا أَوْ خِصَامًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا إلَّا فِيمَا سَمَّى وَإِنَّمَا قَالَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ: وَكَالَةً مُفَوَّضَةً لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَرْجِعُ لِمَا سَمَّى خَاصَّةً، وَهَذَا قَوْلُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ إذَا طَالَتْ قَصُرَتْ، وَإِذَا قَصُرَتْ طَالَتْ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: قَالَ ابْنُ عَاتٍ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، وَأَفْتَى بِهِ الشُّيُوخُ أَنَّهُ

مَتَى انْعَقَدَ فِي وَثِيقَةِ التَّوْكِيلِ تَسْمِيَةُ شَيْءٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّفْوِيضَ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ لِمَا سَمَّى وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَذَكَرَ التَّفْوِيضَ التَّامَّ، فَهُوَ تَفْوِيضٌ تَامٌّ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْوَكَالَةِ وَكُلَّمَا فُعِلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى مِنْ مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ. ص (وَتَعَيَّنَ بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّفْوِيضِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ أَوْ يُعَيِّنُ الْمُوَكِّلُ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَعَدَّاهُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ وَكَّلْت رَجُلًا يَقْبِضُ مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَجَحَدَهُ فَحَلَّفَهُ الْوَكِيلُ، ثُمَّ لَقِيتَهُ أَنْتَ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تُحَلِّفَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ يَمِينَهُ لِوَكِيلِكَ يَمِينٌ لَكَ، وَقَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى خِصَامٍ أَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْوَكَالَةَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُوَكَّلًا عَلَى الْقَبْضِ مُجَرَّدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ بَعْدَ خِصَامِهِ وَتَحْلِيفِهِ انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَفُهِمَ مِنْهُ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى الْقِيَامِ بِعَيْبٍ فِي سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، فَرَدَّهَا عَلَى الْغَائِبِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ السِّلْعَةَ أَوْ سَمَّى رَجُلًا غَائِبًا بُعَيْدَ الْغَيْبَةِ، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ لَدَدُهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حَمِيلٌ بِالثَّمَنِ إلَى أَنْ يَكْتُبَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَيَحْلِفُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعِيدَهَا، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ عَلَى قَبْضِ الدَّيْنِ يُقِرُّ بِهِ الْغَرِيمُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَضَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقِرٌّ لِلْغَائِبِ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ أَوْ إيقَافُهُ، فَلَا أَرَاهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ بَعْدَ شَيْءٍ انْتَهَى. ص (وَتَخَصَّصَ وَتَقَيَّدَ بِالْعُرْفِ) ش: فَاعِلُ تَخَصَّصَ وَتَقَيَّدَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَوْ عَلَى لَفْظِ الْمُوَكِّلِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَفْظُ الْوَكِيلِ عَامًّا، فَإِنَّهُ يَتَخَصَّصُ بِالْعُرْفِ كَمَا إذَا قَالَ: وَكَّلْتُكَ عَلَى بَيْعِ دَوَابِّي وَكَانَ الْعُرْفُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الدَّوَابِّ، فَإِنَّهُ يَتَخَصَّصُ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لَهُ وَكَّلْتُكَ عَلَى بَيْعِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ عَامٌّ فِي بَيْعِهَا فِي كُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ، فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ إنَّمَا تُبَاعُ فِي سُوقٍ مَخْصُوصٍ أَوْ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّ الْعُرْفَ يُخَصِّصُ ذَلِكَ الْعُمُومَ، وَكَذَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مُطْلَقًا أَوْ لَفْظُ الْمُوَكَّلِ، فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدِي، فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ. وَالْعَامُّ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ الصَّالِحُ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ. ص (إلَّا عَلَى بَيْعٍ فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ) ش: هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ وَقَبْضَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّ التَّوْكِيلَ عَلَى الْبَيْعِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ وَقَبْضُهُ لِذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ ضَمِنَهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَوْلُهُ: فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ تَرْكَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلِذَلِكَ، لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ ضَمِنَهُ (الثَّانِي) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ التَّرْكَ فَقَدْ نَصَّ أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ فِي الرِّبَاعِ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَهُ قَبْضُ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ إلَّا لِعَادَةٍ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى لَهُمْ: مَسْأَلَةٌ وَالْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِ الدَّارِ وَالْعَقَارِ إذَا أَرَادَ قَبْضَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَلَى الْبَيْعِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ فِي الدَّارِ وَالْعَقَارِ لَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ خَاصٍّ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ بَلَدٍ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّ مُتَوَلِّيَ الْبَيْعِ يَتَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ فَيُجْزِئُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ عَلَى الْبَيْعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ عَلَى بَيْعِ السِّلَعِ فَإِنَّ لَهُ قَبْضَ الثَّمَنِ وَالْمُطَالَبَةَ بِهِ انْتَهَى

(الثَّالِثُ) لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَلَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ لَا غِنَى عَنْ قَوْلِهِ فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ اشْتِرَاءٍ فَلَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَبِيعِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ وَفِي قَبُولِهِ مُطْلَقًا نَظَرٌ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ التَّفْصِيلِ، فَحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ يَجِبُ لَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ، وَحَيْثُ لَا يَجِبُ لَا يَجِبُ لِلنُّكْتَةِ الَّتِي فَرَّقُوا بِهَا بَيْنَ وُجُوبِ قَبْضِ الْوَكِيلِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ، وَعَدَمِ صِحَّةِ قَبْضِ وَلِيِّ الْبِنْتِ نَقْدَ وَلِيَّتِهِ دُونَ تَوْكِيلٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي الْبَيْعِ هُوَ مُسَلِّمُ الْمَبِيعِ لِمُبْتَاعِهِ وَلَيْسَ الْوَلِيُّ كَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِيهِ قَبْضُ الثَّمَنِ. ص (وَرَدُّ الْمَعِيبِ إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ) ش إذَا عَيَّنَ الْمُوَكِّلُ السِّلْعَةَ الْمُشْتَرَاةَ، فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ اتِّفَاقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَوْ يَغْتَفِرُهُ عِنْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ لِغَرَضِهِ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ بِمُخَالَفَةِ الصِّفَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ رَدَّ، فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ لَا يُجِيزَ الرَّدَّ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا إنْ فَاتَتْ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَإِذَا كَانَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بِإِمْسَاكِهِ السِّلْعَةَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَرُدُّهُ لَهَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَالْحِيلَةُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْهُ أَنْ يَرْفَعَ لِلْحَاكِمِ فَيَحْكُمَ لَهُ بِأَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا قَالَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَخْفَى، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا التَّقْيِيدَ وَلَا صَاحِبُ الشَّامِلِ. ص (إلَّا الْمُفَوِّضَ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا لِأَشْتَرِيَ مِنْك) ش: أَيْ فَالثَّمَنُ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ فَلْيَتْبَعْ أَيَّهمَا شَاءَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْآمِرُ أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْمَأْمُورِ فَيَحْلِفَ وَيَبْرَأَ وَيَتْبَعَ الْمَأْمُورَ. ص (وَبِالْعُهْدَةِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا أَقْرَرَتْ أَنَّ وَكِيلًا لَك بَاعَ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِمِائَةٍ وَفُلَانٌ مُصَدِّقٌ وَالْوَكِيلُ مُنْكِرٌ، فَالْعَبْدُ يَلْزَمُ فُلَانًا بِمِائَةٍ وَالْعُهْدَةُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ قَوْلُ سَيِّدِ الْعَبْدِ انْتَهَى. ص (وَتَعَيَّنَ فِي الْمُطْلَقِ نَقْدُ الْبَلَدِ إلَى آخِرِهِ) ش: هَذَا

كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ وَتَخَصَّصَ وَتَقَيَّدَ بِالْعُرْفِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ وَالْأَخِيرُ. ص (وَثَمَنُ الْمِثْلِ) ش: أَيْ وَتَعَيَّنَ أَيْضًا ثَمَنُ الْمِثْلِ إذَا أَطْلَقَ لَهُ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ، وَأَمَّا إنْ سَمَّى لَهُ ثَمَنًا، فَيَتَعَيَّنُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَفِي كَوْنِ التَّسْمِيَةِ لِلثَّمَنِ مُسْقِطَةً عَنْ الْوَكِيلِ النِّدَاءَ وَالشُّهْرَةَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الِاجْتِهَادِ أَمْ لَا ابْنُ بَشِيرٍ لَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ، فَبَاعَهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إمْضَاؤُهُ وَالثَّانِي: رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ عَدَمُ نَقْصِ الثَّمَنِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ ثَبَتَ أَحَدُ الْقَصْدَيْنِ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ انْتَهَى. ص (أَوْ بَيْعُهُ بِأَقَلَّ أَوْ اشْتِرَاؤُهُ بِأَكْثَرَ كَثِيرًا) ش: أَيْ، وَكَذَا يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الشَّيْءَ الْمُوَكَّلَ عَلَى بَيْعِهِ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ أَوْ اشْتَرَى مَا وُكِّلَ عَلَى شِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَإِلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَالرِّضَا بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ، وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ هُنَا أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَكِيلُ الزَّائِدَ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ: عَنْ أَشْهَبَ إذَا وَضَعَ الْوَكِيلُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَالْآمِرُ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُجِيزَ أَوْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ قَالَ: وَلَوْ تَحَاكَمَا لِبَعْضِ قُضَاةِ الْمَشْرِقِ فَحَكَمَ بِالْوَضِيعَةِ عَلَى الْوَكِيلِ لَأَنْفَذْت ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عَلَى الْمُبْتَاعِ شَيْئًا وَنَزَلْت بِأَشْهَبَ وَهُوَ الْمُبْتَاعُ فَحُكِمَ لَهُ بِالْوَضِيعَةِ عَلَى الْوَكِيلِ فَصَالَحَ أَشْهَبُ الْبَائِعَ عَلَى نِصْفِ الْوَضِيعَةِ وَصَارَ لَهُ انْتَهَى وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَاتِ. ص (إلَّا كَدِينَارَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا خَالَفَ فِي الِاشْتِرَاءِ فَإِنَّهُ يُخَيِّرُ

الْمُوَكِّلَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ بِزِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ زِيَادَةً يَسِيرَةً كَالدِّينَارَيْنِ فِي الْأَرْبَعِينَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا كَدِينَارَيْنِ بِلَا النَّافِيَةِ بَدَلَ إلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّة وَهِيَ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَتَخْصِيصُهُ اغْتِفَارَ الْمُخَالَفَةِ بِالْيَسِيرِ بِالِاشْتِرَاءِ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظَائِرِ اغْتِفَارَ الْمُخَالَفَةِ بِالْيَسِيرِ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَنُصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اغْتِفَارِ الْيَسِيرِ إلَّا فِي الشِّرَاءِ وَمِثْلُهُ كَالثَّلَاثَةِ فِي الْمِائَةِ، وَكَالِاثْنَيْنِ فِي الْأَرْبَعِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اغْتِفَارِ الْيَسِيرِ فِي الشِّرَاءِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ السِّلْعَةُ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُذَاكِرِينَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ: وَالْيَسِيرُ فِي الْمِائَةِ الدِّينَارَانِ وَالثَّلَاثَةُ التُّونُسِيُّ لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي قَلِيلِ الثَّمَنِ مَقْصُورَةً عَلَى هَذَا الْحِسَابِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا زَادَ فِي مِثْلِهِ عَادَةً، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هَذَا إذَا زَادَهُ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَلَوْ اشْتَرَى السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ لَمَّا لَمْ يَبِعْهَا رَبُّهَا بِالْمُسَمَّى كَانَتْ لَهُ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُسَلِّفَ مَنْ وَكَّلَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمَأْمُورِ لِلْآمِرِ مَا يَدْفَعُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ بِهَا فَلَا يَتِمُّ لَهُ شِرَاؤُهَا لِنَفْسِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مَالِكًا لِقَدْرِ الزِّيَادَةِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ التَّوْكِيلَ عَلَى شِرَائِهَا الْتِزَامٌ مِنْهُ لِلَوَازِمِ شِرَائِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَنْ أَمَرَ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَاشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَقَالَ أَبَى الْبَائِعُ بَيْعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَاشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي بِسِتَّةَ عَشَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَكَانَتْ لَهُ قَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَحْلِفَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي أَخْذِهَا بِالْخِيَارِ. ابْنُ رُشْدٍ اسْتِحْسَانُهُ بَعِيدٌ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ الزِّيَادَةَ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَيْثُ خَالَفَ فِي اشْتِرَائِهِ لَزِمَهُ إنْ لَمْ يَرْضَهُ مُوَكِّلُهُ) ش: تَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْمُوَكِّلَ مُخَيَّرٌ فِي الرِّضَا بِالشَّيْءِ الْمُشْتَرَى، وَعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ، وَهَذِهِ مِنْ هُنَا اُسْتُفِيدَتْ وَأَتَى الْمُؤَلِّفُ بِهَذَا الْكَلَامِ لِأَجْلِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ فَاشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ اُتُّهِمَ وَإِنْ دَفَعَ لَهُ الْآمِرُ الثَّمَنَ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّانِي السِّلْعَةُ لِلْآمِرِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ، وَهُوَ رِوَايَةُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ أَصْبَغَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ أَمْ لَمْ يُشْهِدْ حَتَّى يَرْجِعَ الْأَمْرُ إلَى الْآمِرِ فَيَبْرَأُ مِنْ وَعْدِهِ بِالشِّرَاءِ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ أَمْ لَا وَالرَّابِعُ أَنَّهَا لِلْآمِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ. وَكَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْهُ. ص (كَذِي عَيْبٍ إلَّا أَنْ يَقِلَّ وَهُوَ فُرْصَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشِرَاؤُهُ مَعِيبًا تَعَمُّدًا عَدَاءٌ إلَّا مَا يُغْتَفَرُ عُرْفًا فِيهَا إنْ أَمَرْتَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ فَابْتَاعَهَا مَعِيبَةً فَإِنْ كَانَ عَيْبًا خَفِيفًا يُغْتَفَرُ مِثْلُهُ، وَقَدْ يَكُونُ شِرَاؤُهَا بِهِ فُرْصَةً لَزِمَتْكَ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا مُفْسِدًا لَمْ تَلْزَمْكَ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْمَأْمُورِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مُغْتَفَرًا بِعُمُومِ النَّاسِ وَحَالُ الْآمِرِ لَا يَقْتَضِي اغْتِفَارَهُ هَلْ يَلْزَمُ الْآمِرَ أَمْ لَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْغَصْبِ فِي أَثَرِ الْعَدَاءِ إذَا كَانَ يَسِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ النَّاسِ، وَغَيْرُ يَسِيرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ هَلْ يُحْكَمُ فِيهِ بِحُكْمِ الْيَسِيرِ أَوْ الْكَثِيرِ؟ وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ وَلَا رَدَّ إلَّا فِي الْيَسِيرِ. (قُلْت) : اسْتِثْنَاؤُهُ إلَّا فِي الْيَسِيرِ يَسْتَحِيلُ رَدُّهُ لِمَنْطُوقِ مَا قَبْلَهُ، وَلَهُمَا يَسْتَقِيمُ رَدُّهُ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ لَا يَنْبَغِي فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ مَعَ يُسْرِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ لَا الْآمِرُ إلَّا فِي الْيَسِيرِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَاقْتَصَرَ

الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ التَّعَدِّي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْكَثِيرِ. ص (أَوْ فِي بَيْعٍ فَيُخَيَّرُ مُوَكِّلُهُ) ش: هَذَا مُسْتَفَادٌ مِمَّا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيُكْمِلَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رِبَوِيًّا، وَبِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْوَكِيلُ الزَّائِدَ، فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَغَيْرُهُ وَالْمَعْنَى، وَحَيْثُ خَالَفَ فِي بَيْعٍ فَيُخَيَّرُ مُوَكِّلُهُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ وَرَدِّهِ وَأَخْذِهِ سِلْعَتَهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَهَذَا بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ السِّلْعَةَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ، وَيَحْلِفُ عَلَى التَّعَدِّي كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي اخْتِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا بَيْعَ بِعَرَضٍ وَلَا نَسِيئَةٍ. (تَنْبِيهٌ) : وَلَا يُعَدُّ الْوَكِيلُ بِتَعَدِّيهِ مُلْتَزِمًا لِمَا سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ رِبَوِيًّا يُمَثِّلُهُ) ش: هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ الْوَكِيلُ الزَّائِدَ عَلَى الْأَحْسَنِ) ش: هَذَا رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ مَعْنَاهُ مُخْتَلِفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ الزَّائِدُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّى لَهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الزَّائِدُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ. ص (أَوْ اشْتَرِ بِهَا فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَهَا وَعَكْسُهُ) ش: هَكَذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِشَرْطٍ مَا لَا يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ أَمَّا إنْ ظَهَرَ لِاشْتِرَاطِ الْمُوَكِّلِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا إشْكَالٍ، وَقَدْ نَصَّ الْمَازِرِيُّ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَهَكَذَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ لِلشَّافِعِيَّةِ فِيهَا كَلَامًا، ثُمَّ قَالَ النُّكْتَةُ عِنْدِي غَرَضُ الْمُوَكِّلِ إنْ ظَهَرَ فِيمَا رَسَمَ غَرَضٌ فَمُخَالَفَتُهُ عَدَاءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضُهُ إلَّا تَحْصِيلَ السِّلْعَةِ فَلَيْسَ بِعَدَاءٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ دَفَعَ لَهُ الدَّنَانِيرَ وَدِيعَةً فَدَفَعَهَا الْوَكِيلُ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا إذَا قِيلَ بِتَعْيِينِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذْ قَدْ يَتَعَلَّقُ لِلْآمِرِ بِعَيْنِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ إمَّا لِشُبْهَةٍ فِيهَا، فَلَا يَجِبُ فَوْتُهَا بِالشِّرَاءِ بِهَا حَتَّى يَنْظُرَ فِي إصْلَاحِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ أَوْ لِتَحْقِيقِ طِيبِ كَسْبِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا لِقُوتِهِ لَا لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْصِدُهُ النَّاسُ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِحُكْمِ التَّعَدِّي بِقَيْدِ كَوْنِ

الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا، فَمُسْلَمٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ التَّعَدِّي مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ رُدَّ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِالتَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِتَعَدِّيهِ غُرْمُ مِثْلِ دَنَانِيرِ الْآمِرِ وَيَجِبُ عَلَى الْآمِرِ غُرْمُ مِثْلِهَا، وَهَذَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَالْأَخِيرُ فِي الثَّانِيَةِ) ش: يَعْنِي وَإِنْ أَمْكَنَ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَتَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَيُخَيَّرُ فِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَهَا أَوْ يَرُدَّهَا، وَيَأْخُذَ مَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ هَذَا إنْ اشْتَرَاهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ اشْتَرَاهُمَا فِي عَقْدَيْنِ فَالْأَوْلَى لِلْمُوَكِّلِ وَيُخَيَّرُ فِي الثَّانِيَةِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ خُيِّرَ فِي الثَّانِيَةِ شَامِلٌ لِلصُّورَتَيْنِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. ص (وَفِي ذَهَبٍ فِي بِدَرَاهِمَ وَعَكْسِهِ قَوْلَانِ) ش: قَالَ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْقَوْلُ بِالْإِمْضَاءِ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَتَأَوُّلُ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ وَأَشَارَ فِي الشَّامِلِ لِتَصْحِيحِهِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَنَصُّ الشَّامِلِ وَمَضَى فِي بَيْعِهِ بِذَهَبٍ فَبَاعَ بِوَرِقٍ وَعَكْسِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْمُؤَوَّلِ ص (وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ فِي لَا أَفْعَلُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَدُ الْوَكِيلِ كَيَدِ مُوَكِّلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ عَلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا، فَوَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فَوَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ، فَقَدْ بَرِئَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ يَلِيَ هُوَ الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَفِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُدْخِلَ دَارِهِ سِلْعَةَ كَذَا فَأَدْخَلَهَا أَخُوهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهَا انْتَهَى. ص (وَمُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ) ش: كَذَا فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ قَالَ: كَذَلِكَ عَبْدُك النَّصْرَانِيُّ ابْنُ يُونُسَ لَا تَأْمُرُهُ بِبَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا اقْتِضَاءٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : مُنَاقَشَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ لِابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ فِيهَا لَا يُوَكَّلُ الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ فِي عَزْوِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ بِلَفْظِ عَلَى مُسْلِمٍ لَا فِي تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَازِرِيُّ لَوْ وَقَعَ تَفَاوُضُ الذِّمِّيِّ بِوَكَالَتِهِ فِي خَمْرٍ تَصَدَّقَ الْمُوَكِّلُ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ، وَفِي الرِّبَا بِالزِّيَادَةِ فَقَطْ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَعْلَمُ حُرْمَتَهُ وَعَدَمَ إرَادَةِ الْمُسْلِمِ ذَلِكَ غَرِمَ لَهُ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا عَمِلَ

فِي الْخَمْرِ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ، وَإِذَا عَمِلَ بِالرِّبَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالزَّائِدِ، وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الشَّرِكَةِ يَعْنِي إذَا شَارَكَ الذِّمِّيُّ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ عَمِلَ بِالرِّبَا أَوْ فِي الْخَمْرِ، وَأَمَّا إنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ قَالَهُ فِي الشَّرِكَةِ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَةِ وَقَالَ فِي الشَّرِكَةِ: وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِالرِّبَا وَلَا فِي الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُبَاحُ لِأَحَدٍ تَوْكِيلُ عَدُوِّ خَصْمِهِ عَلَى الْخِصَامِ وَلَا عَدُوِّ الْمُخَاصِمِ عَلَى خَصْمِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي الْوَجْهَيْنِ بَيِّنٌ اهـ. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْخِصَامِ فَوَكَّلَ وَكِيلُهُ وَكِيلًا آخَرَ وَبَيْنَ أَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ وَاَلَّذِي وَكَّلَ الْآخَرُ عَدَاوَةٌ هَلْ يَمْنَعُ مِنْ تَوْكِيلِهِ فَقَالَ: الَّذِي أَرَاهُ فِي هَذَا أَنْ لَا يُبَاحَ لِأَحَدٍ تَوْكِيلُ عَدُوِّ خَصْمِهِ عَلَى الْخِصَامِ وَلَا عَدُوِّ الْمُخَاصِمِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي الْوَجْهَيْنِ بَيِّنٌ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَزَادَ عَلَى مَا ذَكَرْت أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ دَعْوَاهُ الْبَاطِلَ لِأَجْلِ عَدَاوَتِهِ لِخَصْمِهِ ابْنُ الْحَاجِّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ نَفْسِهِ عَدُوَّهُ بِخِلَافِ تَوْكِيلِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إلَّا أَنْ يُسْرِعَ لِأَذَاهُ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُقَالُ لَهُ وَكِّلْ غَيْرَك بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْيَهُودِيِّ مُخَاصَمَةُ الْمُسْلِمِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ أَشَدُّ عَدَاوَةً انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : اُنْظُرْ هَلْ الْمَنْعُ مِنْ تَوْكِيلِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لِأَجْلِ حَقِّهِ فَإِذَا رَضِيَ الْعَدُوُّ بِذَلِكَ جَازَ لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ مُصَنِّفُ الْإِرْشَادِ فِي شَرْحِ الْمُعْتَمَدِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ الْعَدُوُّ؛ لِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فِي أَذَاهُ، فَلَا يَجُوزُ وَنَصُّ كَلَامِ الشَّيْخِ سُلَيْمَانَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ قَالَ مُصَنِّفُهُ فِي

شَرْحِ الْمُعْتَمَدِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي مُخَاصَمَةٍ جَازَ ذَلِكَ كَانَ خَصْمُهُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخَصْمِ وَالْوَكِيلِ عَدَاوَةٌ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ عَنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ انْتَهَى. فَصَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ تَوْكِيلِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ حَقِّهِ، فَإِذَا رَضِيَ الْعَدُوُّ بِذَلِكَ جَازَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ الْعَدُوُّ؛ لِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فِي إذَايَةٍ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ غَيْرِ مَا لِصَاحِبِ الْإِرْشَاد فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَوْكِيلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ بِهِ أَوْ يُكْثِرَ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ إلَّا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُوَكَّلُ فِيهِ لَا يَلِيقُ بِالْوَكِيلِ تَعَاطِيهِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَتَعَاطَاهُ أَوْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ كَثِيرًا يَعْلَمُ بِقَرِينَةِ الْعَادَةِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُعِينُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ تُسَوِّغُ لَهُ الِاسْتِعَانَةَ بِوَكِيلٍ وَلَا تُسَوِّغُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَكِيلًا أَوْ وُكَلَاءَ يَنْظُرُونَ فِيمَا كَانَ يَنْظُرُ فِيهِ وَالْقَرِينَةُ الْأُولَى تُسَوِّغُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ الْأَعْلَى النَّظَرُ عَلَى مَنْ تَحْتَهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي الْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ أَمَّا الْمُفَوَّضُ فَلَهُ التَّوْكِيلُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْوَكِيلُ بِالتَّعْيِينِ لَا يُوَكِّلُ إلَّا فِيمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَلَا يَسْتَقِلُّ لِكَثْرَتِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اُحْتُرِزَ بِالتَّعْيِينِ مِنْ الْمُفَوَّضِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ قَوْلًا إنَّهُ لَا يُوَكِّلُ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَحَلَّهُ مَحَلَّ نَفْسِهِ فَكَانَ كَالْوَصِيِّ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَنَصُّهُ: لَا اخْتِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا أَحْفَظُ فِي أَنَّهُ هَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ لَا؟ قَوْلًا مَنْصُوصًا لِأَحَدِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَكَانَ الشُّيُوخُ الْمُتَأَخِّرُونَ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالُوا لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِلَا خِلَافٍ، وَيُوَكِّلَ، الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ وَمُقَدِّمُ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا بِلَا خِلَافٍ وَالْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ بِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا شَكَّ فِيهِ زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الشُّيُوخِ إذَا عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِجَلَالَةِ الْوَكِيلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا الْتِفَاتَ إلَى عِلْمِهِ وَقَالَ التُّونُسِيُّ: اُنْظُرْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَشْهُورًا بِأَنَّهُ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ فَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ فَرِضَاهُ بِالْوَكَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي حَتَّى يَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُوصِيَ بِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ فَإِنْ فَعَلَ وَتَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَلَا ضَمَانَ انْتَهَى. وَمَشَى فِي الْبَيَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ التُّونُسِيِّ وَنَصُّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَاخْتُلِفَ إنْ فَعَلَ هَلْ يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَلِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْوَكَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَوَلِّي حَتَّى يَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ، وَأَمَّا الْمَشْهُورُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ

فرع قبض وكيل الوكيل من مال موكل موكله

عَلِمَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُفَوَّضَ يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلِي مَا وُكِّلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِأَنَّهُ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا قَدْ عُرِفَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِذَلِكَ فَرِضَاهُ بِالْوَكَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَوَلِّي حَتَّى يَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى، وَهَذَا مُتَعَدٍّ بِالْوَكَالَةِ وَضَامِنٌ لِلْمَالِ وَرَبُّ الْمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى الْوَكِيلُ وَوَكَّلَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَإِنْ عَلِمَ وَكِيلُهُ بِالتَّعَدِّي، فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْبَيْعِ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ ضَعْ الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِ عَدْلٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَيْرِ وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ الْوَكَالَةِ. (تَنْبِيهٌ) : حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: لَا يُوَكِّلُ إلَّا أَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الْأَوَّلِ) ش: يَعْنِي فَإِذَا أَجَزْنَا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْوَكِيلِ عَنْ الْأَصْلِ إذْ أَنَّا لَا نُجِيزُ لَهُ الْوَكَالَةَ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَنَحْوُهُ لِلْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا فَلَا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِمَوْتِ الْأَوَّلِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَزْلِهِ وَمَوْتِهِ وَرَآهُ مَنْصُوصًا وَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ لَا يَنْعَزِلُ إذَا عَزَلَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَتَخَرَّجُ فِي هَذَا الْفَرْعِ خِلَافٌ مِنْ وَكِيلِ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا هَلْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي أَوْ عَنْ وَالِدِ الْمَيِّتِ؟ وَتَقْدِيمُ الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ جُبْرَانٌ لِمَا أَهْمَلَهُ الْمَيِّتُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي قَدَّمَ نَاظِرًا عَلَى الْمَيِّتِ لَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ عَزْلًا لِذَلِكَ النَّاظِرِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ: (قُلْت) : فِي هَذَا الْكَلَامِ تَنَافٍ بَيَانُهُ أَنَّهُ نَقَلَ أَوَّلًا الْقَوْلَ بِأَنَّ نَاظِرَ الْيَتِيمِ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي لَا عَنْ الْأَبِ وَلَازِمُ هَذَا انْعِزَالُ النَّاظِرِ بِمَوْتِ الْقَاضِي، ثُمَّ قَالَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ: بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْقَاضِي لَمْ يَنْعَزِلْ النَّاظِرُ وَظَاهِرُهُ اتِّفَاقًا، وَهُوَ خِلَافٌ لَازِمٌ، كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي، وَالْقَوْلُ بِانْعِزَالِ نَاظِرِ الْيَتِيمِ بِمَوْتِ الْقَاضِي ثَابِتٌ فِي الْمَذْهَبِ حَسْبَمَا يُذْكَرُ فِي الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَعْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْ هَذَا التَّنَافِي، فَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ فَرْقٌ مَانِعٌ مِنْ التَّخْرِيجِ كَمَا زَعَمَ هُوَ أَنَّ نَاظِرَ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ فِي قَوْلٍ وَوَكِيلُ الْوَكِيلِ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ لَا عَنْ الْوَكِيلِ، وَهَذَا يُرَدُّ بِمَنْعِ انْحِصَارِ نِيَابَةِ وَكِيلِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ وَاسْتِقْلَالُهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَائِبًا عَنْهُ لَمَا صَحَّ عَزْلُهُ إيَّاهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ نِيَابَةَ الْقَاضِي عَنْ الْأَبِ إنَّمَا هِيَ بِأَمْرٍ عَامٍّ، وَهُوَ وِلَايَتُهُ الصَّالِحَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَدَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَنِيَابَةُ الْوَكِيلِ عَنْ الْمُوَكِّلِ إنَّمَا هِيَ بِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ، فَهِيَ كَدَلَالَةِ الْخَاصِّ عَلَى نَفْسِ مَدْلُولِهِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْعَامِّ اتِّفَاقًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْصِ أَثَرِ الْأَضْعَفِ نَقْصُ أَثَرِ الْأَقْوَى اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَرْعٌ: وَهُوَ أَنَّ لِلْوَكِيلِ عَزْلَ وَكِيلِهِ اتِّفَاقًا وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ فَرْعًا آخَرَ وَنَصُّهُ: (فَإِنْ قُلْت) : رَجُلٌ غَيْرُ الْحَاكِمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَ رَجُلٍ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي عَزْلِهِ، وَلَا عَلَّقَ عَزْلَهُ عَلَى شَيْءٍ. (قُلْت) : إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا فَلِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ عَزْلُ وَكِيلِ وَكِيلِهِ اهـ. وَهَذَا الْفَرْعُ وَفَرْعُ ابْنِ عَرَفَةَ فَرْعَانِ عَزِيزَانِ (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِ الَّذِي وَكَّلَهُ، وَيَنْعَزِلَانِ مَعًا بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَبَضَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِ مُوَكِّلِهِ] (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: مَا قَبَضَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ

مِنْ مَالِ مُوَكِّلِ مُوَكِّلِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ أَرَادَ قَبْضَهُ مِنْهُ مِنْ مُوَكِّلِهِ وَمِنْ صَاحِبِ الْمَالِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَالَ لَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْوَكِيلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْهُمَا، يُبَيِّنُ هَذِهِ مَسْأَلَةُ كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهِيَ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُسْلِمَ لَهُ فِي طَعَامٍ، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَتَى الْآمِرُ، وَأَرَادَ قَبْضَ السَّلَمِ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةُ سَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِيهَا: وَلَك قَبْضُ سَلَمِهِ لَكَ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي رِضَاهُ إنْ تَعَدَّى بِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: أَيْ، وَفِي جَوَازِ رِضَا الْمُوَكِّلِ يُرِيدُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ الثَّانِي إنْ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِتَوْكِيلِهِ تَأْوِيلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يُسْلِمُ لَهُ فِي طَعَامٍ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ لِلْآمِرِ فَسْخَهُ وَإِجَازَتَهُ، وَحَمَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ رِضَا الْآمِرِ بِمَا يَعْمَلُ وَكِيلُ وَكِيلِهِ، إذْ بِتَعَدِّيهِ صَارَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ دَيْنًا لِلْآمِرِ فَلَا يَفْسَخُهُ فِي سَلَمِ الْوَكِيلِ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَلَّ وَقَبَضَهُ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ انْتَهَى فَيُقَيِّدُ ذَلِكَ بِالسَّلَمِ كَمَا قَيَّدَهُ ابْنُ غَازِيٍّ ص (كَرِضَاهُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إنْ دَفَعَ الثَّمَنَ بِمُسَمَّاهُ) ش: الْبَاءُ فِي بِمُسَمَّاهُ بِمَعْنَى فِي، أَيْ وَمَنَعَ رِضَاهُ فِي السَّلَمِ بِمُخَالَفَتِهِ فِي الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ، فَالْمُخَالَفَةُ هُنَا فِي الْمُسَمَّى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَقَالَ فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَإِنْ وَقَعَتْ إلَيْهِ دَرَاهِمُ لِيُسْلِمَهَا لَكَ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فَأَسْلَمَهَا فِي بِسَاطِ شَعْرٍ أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَك بِهَا ثَوْبًا فَأَسْلَمَهَا لَكَ فِي طَعَامٍ أَوْ فِي غَيْرِ مَا أَمَرْتَهُ بِهِ أَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ مَا لَا يُزَادُ عَلَى مِثْلِهِ، فَلَيْسَ لَك أَنْ تُجِيزَ فِعْلَهُ وَتُطَالِبَ بِمَا أَسْلَمَ فِيهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَرْفَعَ إلَيْهِ مَا زَادَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمَّا تَعَدَّى عَلَيْهَا الْمَأْمُورُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا فَفَسَخَتْهَا فِيمَا لَا تَتَعَجَّلُهُ، وَذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، وَيَدْخُلُ فِي أَخْذِك لِلطَّعَامِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ أَيْضًا مَعَ مَا ذَكَرْنَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ وَجَبَ لِلْمَأْمُورِ بِالتَّعَدِّي، فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَسَلَمُ الْمَأْمُورِ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا لَهُ وَلَا لَك فَسْخُهُ، وَلَا شَيْءَ لَكَ أَنْتَ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا لَكَ عَلَى الْمَأْمُورِ مَا دَفَعْت إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ لَمْ تَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَأَمَرْتَهُ أَنْ يُسْلِمَ لَكَ مِنْ عِنْدِهِ فِي قَمْحٍ أَوْ فِي جَارِيَةٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ وَلَمْ تَصِفْهَا لَهُ فَإِنْ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ مَا أَمَرْتَهُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ فِيمَا لَا يُشْتَرَى لِمِثْلِك مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ، فَلَكَ أَنْ تَتْرُكَهُ وَلَا يَلْزَمُك الثَّمَنُ أَوْ تَرْضَى بِهِ وَيَدْفَعُ إلَيْكَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّكَ لَمْ يَجِبْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَفَسَخْتَهُ وَكَأَنَّهُ وَلَّاك، وَلَا يَجُوزُ هَهُنَا أَنْ يُؤَخِّرَكَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ تَرَاضَيْتُمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْكَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ إلَّا بِرِضَاكَ، فَكَأَنَّهُ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ لِدَيْنٍ لَهُ وَتَوْلِيَةٍ فَتَأْخِيرُ الثَّمَنِ فِيهِ دَيْنٌ بِدَيْنٍ انْتَهَى، وَتَفْرِيقُ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ مُشَوَّشٌ، فَلَوْ جَمَعَهُمَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَالرِّضَا بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِدَيْنٍ إنْ فَاتَ) ش هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمُخَالَفَتِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى قَوْلِهِ بِمُسَمَّاهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ بِالنَّقْدِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ نَقْدًا وَلَا مُؤَجَّلًا فَبَاعَهَا بِدَيْنٍ فَإِنَّ الْوَكِيلَ مُتَعَدٍّ فِي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَسَوَاءٌ سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّلُ قَدْرَ رَأْسِ الثَّمَنِ أَمْ لَا، ثُمَّ لَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ أَوْ قَبْلَ فَوَاتِهَا، فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرْضَى بِالثَّمَنِ

الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ التَّسْمِيَةُ إنْ كَانَ سَمَّى لَهُ ثَمَنًا أَوْ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ فَرِضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَوْ التَّسْمِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَهُوَ الْغَالِبُ لَزِمَ مِنْهُ بَيْعُ قَلِيلٍ بِأَكْثَرَ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ وَهُوَ عَيْنُ الرِّبَا، وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِالْمُؤَجَّلِ، وَقِيلَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُلْزِمَ الْوَكِيلَ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ يُسَمِّ أَوْ التَّسْمِيَةَ إنْ سَمَّى، وَيَبْقَى الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ لِأَجَلِهِ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ إنْ فَاتَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَمْتَنِعْ رِضَاهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ حِينَئِذٍ كَإِنْشَاءِ عُقْدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَفِي إجَازَتِهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَفِي رَدِّ الْمَبِيعِ وَأَخْذِ سِلْعَتِهِ وَسَوَاءٌ سَمَّى لَهُ الثَّمَنَ الْوَكِيلُ أَمْ لَا وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْوَكِيلَ لَمَّا بَاعَ بِالدَّيْنِ مُتَعَدِّيًا، فَإِذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَالْمُوَكِّلُ مُخَيَّرٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَجَازَ لَهُ الرِّضَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَإِنْشَاءِ عُقْدَةٍ. ص (وَبَيْعٌ فَإِنْ وَفَّى بِالْقِيمَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا غَرِمَ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْوَكِيلَ الْقِيمَةَ أَوْ التَّسْمِيَةَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُبَاعَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ، فَإِذَا بِيعَ فَإِنْ وَفَّى بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ إنْ كَانَ سَمَّى لَهَا ثَمَنًا فَلَا كَلَامَ وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا غَرِمَ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوفِ مَا بِيعَ بِهِ الدَّيْنُ بِالْقِيمَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَغْرَمُ لِلْمُوَكِّلِ مَا نَقَصَ فَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ أَخَذَ الْمُوَكِّلُ الْجَمِيعَ إذْ لَا رِبْحَ لِلْمُتَعَدِّي ص (وَإِنْ سَأَلَ غُرْمَ التَّسْمِيَةِ وَيَصْبِرَ لِيَقْبِضَهَا أَوْ يَدْفَعُ الْبَاقِي جَازَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَهَا فَأَقَلَّ) ش: يَعْنِي فَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَنَا أَغْرَمُ جَمِيعَ التَّسْمِيَةِ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ سَمَّى لَهَا ثَمَنًا، وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ أَغْرَمُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ وَأَصْبَرَ فِي الصُّورَتَيْنِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ، فَآخُذَ مِنْهُ التَّسْمِيَةَ أَوْ الْقِيمَةَ الَّتِي دَفَعْتُهَا وَمَا زَادَ عَلَى مَا دَفَعْتَهُ أَعْطِهِ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الدَّيْنِ إذَا بِيعَ الْآنَ مِثْلَ التَّسْمِيَةِ، فَأَقَلَّ إذَا لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلْمُوَكِّلِ إذَا بِيعَ بِالدَّيْنِ مَا بِيعَ بِهِ إنْ وَفَّى بِالْقِيمَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ أَوْ تَكْمِلَةُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوَفِّ، فَإِذَا طَاعَ الْوَكِيلُ بِدَفْعِ ذَلِكَ الْآنَ مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ بِدَفْعِ مَا كَانَ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ زِيَادَةٍ، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَهَا، فَأَقَلَّ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ التَّسْمِيَةِ إنْ كَانَ سَمَّى أَوْ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ قِيمَةَ الدَّيْنِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِنْ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ، فَكَأَنَّهُ فَسَخَ الزَّائِدَ فِي بَقِيَّةِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ اثْنَيْ عَشَرَ وَالتَّسْمِيَةُ أَوْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ عَشْرَةً وَالدَّيْنُ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَسَأَلَ الْوَكِيلُ أَنْ يَدْفَعَ الْعَشَرَةَ الَّتِي هِيَ التَّسْمِيَةُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَيَصْبِرَ حَتَّى يَحِلَّ الدِّينُ الْمُؤَجَّلُ الَّذِي هُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَأْخُذَ مِنْهُ الْعَشَرَةَ الَّتِي دَفَعَهَا، وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْآنَ قِيمَةَ الدَّيْنِ الَّتِي هِيَ اثْنَا عَشَرَ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الدِّينَارَيْنِ؛ لِيَأْخُذَ عَنْهُمَا خَمْسَةً، وَقِيمَةُ الدَّيْنِ تَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ أَقَلَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَسَأَلَ الْوَكِيلُ غَرِمَ أَحَدُهُمَا، وَيَصْبِرَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَيْ الدَّيْنُ مِثْلَهَا أَيْ مِثْلَ التَّسْمِيَةِ، فَأَقَلَّ، وَقَوْلُهُ وَيَصْبِرَ لِيَقْبِضَهَا مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٌ بَعْدَ الْوَاوِ وَالْعَاطِفَةِ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْفِعْلِ وَيَقْبِضَهَا بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الْمُضَارِعِ وَتُفْتَحُ فِي الْمَاضِي وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِيَقْبِضَهَا رَاجِعٌ لِلتَّسْمِيَةِ الَّتِي عَرَفَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ

أَمَرَ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ وَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ أُغْرِمَ التَّسْمِيَةَ أَوْ الْقِيمَةَ وَاسْتُؤْنِيَ فِي الطَّعَامِ لِأَجْلِهِ وَغَرِمَ النَّقْصَ وَالزِّيَادَةُ لَكَ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَمَرْتَهُ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً فَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ أَغْرَمْتُهُ الْآنَ التَّسْمِيَةَ أَوْ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ تُسَمِّ، ثُمَّ اُسْتُؤْنِيَ بِالطَّعَامِ فَإِذَا حَلَّ أَجَلُهُ اسْتَوْفَى، ثُمَّ بِيعَ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ لَكَ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَانْظُرْ مَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمَأْمُورِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الطَّعَامِ مِقْدَارَ الْقِيمَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ الَّتِي لَزِمَتْهُ وَالزَّائِدُ لَيْسَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ لِلْآمِرِ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِمَّا حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ هُوَ الْوَكِيلُ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ أَمَرْتَهُ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَأَسْلَمَهَا فِي عَرَضٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ بَاعَهَا بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ فَإِنْ أَدْرَكَ الْبَيْعَ فُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ بِيعَ الْعَرَضِ بِعَيْنٍ نَقْدًا أَوْ بِيعَتْ الدَّنَانِيرُ بِعَرَضٍ نَقْدًا، ثُمَّ بِيعَ الْعَرَضُ بِعَيْنٍ نَقْدًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الْقِيمَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ، فَأَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ لَكَ، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ الْمَأْمُورُ، وَلَوْ أَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ هَذَا لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضَمِنَ إنْ أَقْبَضَ الدَّيْنَ، وَلَمْ يُشْهِدْ) ش: يَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ مَفْعُولِ أَقْبَضَ، فَيَعُمُّ الدَّيْنَ وَالْمَبِيعَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذِهِ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الرَّجْرَاجِيِّ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ: فَإِنْ جَحَدَهُ الثَّمَنَ جُمْلَةً هَلْ يُصَدَّقُ أَمْ لَا؟ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْوَكِيلِ فِي الْمَبْعُوثِ مَعَهُ الْمَالُ لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ إلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْيَوْمَ تَرْكُ الْإِشْهَادِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَابْنُ الْقَاسِمِ يُضَمِّنُهَا فِي الْجَمِيعِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ، وَلَمْ يُشْهِدْ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ ضَمِنَ، وَلَوْ أَقْبَضَ الدَّيْنَ، فَكَذَلِكَ وَقِيلَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ التَّرْكَ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ قَوْلٌ ثَانٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ انْتَهَى. وَالطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِالْأَمْرَيْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ عَادَةً، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ طَرِيقَةَ اللَّخْمِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَرْكَ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا الْإِشْهَادَ وَعَدَمَهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ عَادَةً انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الْوَكِيلَ ضَامِنٌ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الدَّفْعِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ فَفِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْهَا، وَإِذَا دَفَعَ الْعَامِلُ ثَمَنَ سِلْعَةٍ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَجَحَدَهُ الْبَائِعُ، وَحَبَسَ السِّلْعَةَ فَالْعَامِلُ ضَامِنٌ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا يَدْفَعُ الثَّمَنَ، فَجَحَدَهُ الْبَائِعُ، فَهُوَ ضَامِنٌ وَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَغْرَمَهَا وَإِنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ بِقَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَهُ، ثُمَّ جَحَدَهُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَطِيبُ لَهُ مَا يُقْضَى لَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَضْمَنُ انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَا فِي نُسَخِ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ هُنَا فِي التَّوْضِيحِ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الْبَيَانِ نَحْوُهُ. ص (أَوْ بَاعَ بِكَطَعَامٍ نَقْدًا مَا لَا يُبَاعُ بِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فَنُوزِعَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ الَّتِي وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهَا بِطَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَانَتْ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا تُبَاعُ بِذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ

وَنَازَعَهُ الْمُوَكِّلُ فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَمْ يُبَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا الَّذِي يَضْمَنُهُ وَهَلْ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ أَوْ مَعَ فَوَاتِهَا؟ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً خُيِّرَ الْمُوَكِّلُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَأَخَذَ مَا بِيعَتْ بِهِ أَوْ نُقِضَ الْبَيْعُ وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ وَإِنْ فَاتَتْ خُيِّرَ فِي أَخْذِ مَا بِيعَتْ بِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْوَكِيلِ قِيمَتَهَا قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَاعَ الْمَأْمُورُ سِلْعَةً بِطَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا، وَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرْتَنِي وَأَنْكَرَ الْآمِرُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُبَاعُ بِذَلِكَ ضَمِنَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ وَخُيِّرَ الْآمِرُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا بِيعَتْ بِهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ قِيمَتَهَا وَيُسْلِمُ ذَلِكَ إلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ ضَمِنَ ظَاهِرُهُ فَاتَتْ السِّلْعَةُ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ فَقَوْلُ الْغَيْرِ وِفَاقٌ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ضَمِنَ أَيْ ضَمِنَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يُرِيدُ مَعَ فَوَاتِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً. فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ، وَرَدِّهِ وَذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ الْآتِي هُنَا وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَقْدًا اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا بَاعَ بِذَلِكَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ، وَلَا أَخْذُ الْقِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَاحْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ وَالْخِصَامُ فِيهِ هَلْ هُوَ فَوْتٌ؟ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ فَوْتٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ وَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا الَّذِي لَا إشْكَالَ فِيهِ إذَا أَعْلَمَ الْمَأْمُورُ الْمُشْتَرِيَ بِتَعَدِّيهِ انْتَهَى، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَادَّعَى الْإِذْنَ فَنُوزِعَ فَأَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مُنَازَعَتَهُ فِي الْإِذْنِ وَمُخَاصَمَتَهُ فِي ذَلِكَ وَتَوْجِيهُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَوْتٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَلْ السِّلْعَةُ قَائِمَةٌ أَوْ فَاتَتْ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَائِدَةٌ فَإِنَّهَا: مُسْتَفَادَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لِلْمُوَكِّلِ رَدُّ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ انْتَهَى. مِنْ الْجَزِيرِيِّ انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ فَرْعٌ: قَالَ عَلِيٌّ الْبَصْرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ رَدَّ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِعَزْلِهِ عَنْ ذَلِكَ عَادَةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ، وَجَوَابُهُ عُمُومُهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَادَةِ، كَذَلِكَ مَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْعَهُ بِالدَّيْنِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. . ص (وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بِالتَّلَفِ كَالْمِدْيَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ أَوْ قَبَضَ ثَمَنَ مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ، فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ قَالَ: تَلِفَ أَوْ رَدَدْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ كَالْمِدْيَانِ يُنْكِرُ الدَّيْنَ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ، وَادَّعَى الْقَضَاءَ هُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَنْكَرَ حَقًّا فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَادَّعَى الْقَضَاءَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ فِي هَذَا: الْأَصْلُ إنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا أَعْنِي فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَسَائِلَ وَجَزَمَ فِيهَا بِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ هَذَا الْأَصْلَ وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَ ابْنُ زَرْقُونٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ تَنْفَعُهُ وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْتَمِدْ تَشْهِيرَهُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ وَفِي بَابِ الْقِرَاضِ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَا الْخِلَافَ فِيمَنْ أَنْكَرَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ مِنْ قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَمَّا إنْ أَنْكَرَ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ أَوْ أَنْكَرَ الدَّعْوَى فِي الرَّبْعِ أَوْ فِيمَا يُفْضِي إلَى الْحُدُودِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إنْكَارِهِ لِأَمْرٍ ادَّعَاهُ أَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ لِابْنِ نَافِع يُقْبَلُ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الثَّانِي لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. الثَّالِثُ: لِابْنِ الْمَوَّازِ يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا الرَّابِعُ: يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُدُودِ وَالْأَمْوَالِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ مِنْ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْمُتَمَوِّلَاتِ وَهُوَ قَوْلُ

ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ. وَنَصُّهُ أَمَّا إنْ أَنْكَرَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ رُبَعٍ أَوْ مَا يُفْضِي إلَى حَدٍّ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إنْكَارِهِ لِأَمْرٍ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَنْفَعُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالثَّانِي مُقَابِلُهُ قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْحُدُودِ الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَأَحْرَى غَيْرُهَا، الثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ كِنَانَةَ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ إلَّا فِي الرُّبَعِ وَالْحُدُودِ. الرَّابِعُ: لِابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ إلَّا فِي الْحُدُودِ ا. هـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَنَصُّهُ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا فَجَحَدَهُ، ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ قَالَ: لَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِوَجْهٍ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ قَالَ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَرْضًا فِي يَدَيْهِ قَدْ حَازَهَا عَشْرَ سِنِينَ، فَأَنْكَرَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهَا لَهُ فَأَثْبَتَ الْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا لَهُ، فَجَاءَ هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ رَجَوْت أَنَّ حِيَازَتِي تَكْفِينِي، وَلَيْسَ هَذَا كَالدَّيْنِ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْقِرَاضِ وَفِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَفِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَفِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ: قِيلَ إنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَقِيلَ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْأُصُولِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُقُوقِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى أَرْضًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ: مَا لَكَ عِنْدِي أَرْضٌ، وَمَا عَلِمْت لَك أَرْضًا قَطُّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَرْضُهُ وَأَثْبَتَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ فَقَالَ: نَعَمْ هِيَ وَاَللَّهِ أَرْضُكَ وَلَكِنْ قَدْ اشْتَرَيْتُهَا مِنْك وَأَقَامَ بِشِرَائِهِ بَيِّنَةً فَإِنَّ اشْتِرَاءَهُ لِذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَتَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ كَانَ وَاَللَّهِ حَوْزِي يَنْفَعُنِي أَصْنَعُ بِالْأَرْضِ مَا شِئْت فَأَبَيْت أَنْ أُقِرَّ أَنَّهَا لَهُ فَيَكُونُ عَلَيَّ الْعَمَلُ فَكَرِهْت أَنْ أُعَنَّتَ فِي ذَلِكَ فَإِذْ قَدْ احْتَجْت إلَى شِرَائِي بَعْدَ أَنْ أَثْبَتهَا فَهَذَا شِرَائِي قَالَا فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ مِثْلَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ الْحَقَّ، فَجَحَدَهُ وَأَدْخَلَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ. وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ: وَسَوَاءٌ أَقَامَ بَيِّنَةً بِشِرَاءٍ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ مِنْ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ رَجَوْت أَنَّ حِيَازَتِي تَكْفِينِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْمَدِينِ، وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا فِي اللِّعَانِ إنْ ادَّعَى رُؤْيَةً بَعْدَ إنْكَارِهِ الْقَذْفَ، وَأَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ اللِّعَانَ مِنْ الْحُدُودِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي اللِّعَانِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ الْجُحُودِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ فِي اللِّعَانِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَقْبَلَهُ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الدُّيُونِ وَالْأُصُولِ وَالثَّانِي: أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ الْجُحُودِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالثَّالِثُ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُدُودِ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ فِي الْأُصُولِ أَوْ الْحُدُودِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ مِنْ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُبِلَ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ الْجُحُودِ فِي الْأَمْوَالِ، فَأَحْرَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَقَالَ تَمَامُهَا فِي الْوَدِيعَةِ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْقِرَاضِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ الشَّيْخُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالْأَخَوَيْنِ مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ جَحَدَهَا، ثُمَّ أَقَامَ بِرَدِّهَا بَيِّنَةً أَنَّهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ بِجَحْدِهَا يُرِيدُ إنْ قَالَ مَا أَوْدَعْتَنِي شَيْئًا وَلَوْ قَالَ مَا لَك عِنْدِي مِنْ هَذِهِ الْوَدِيعَةِ شَيْءٌ نَفَعَتْهُ بَيِّنَتُهُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَنْ

اللَّخْمِيِّ وَإِنْ قَالَ أَوْدَعْتنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهَا لَمْ يُصَدَّقْ وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ أَوْدَعْتَنِي يَدُلُّ عَلَى الْقَبْضِ وَالشِّرَاءُ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا أَوْدَعْتَنِي شَيْئًا، فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَا لَك عِنْدِي مِنْ هَذِهِ الْوَدِيعَةِ شَيْءٌ فَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَالْخَمْسِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَتِهِ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا مِنْ سَلَفٍ أَوْ قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا خَافَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَقَرَّ، وَادَّعَى فِيهِ وَجْهًا مِنْ الْوُجُوهِ يُرِيدُ إسْقَاطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا زَعَمَ أَخِيرًا؛ لِأَنَّ جُحُودَهُ أَوَّلًا أَكْذَبَ الْبَيِّنَةَ فَلَا تُسْمَعُ وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا. (تَنْبِيهٌ) : وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَكِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَأَقَامَ هُوَ بَيِّنَةً أَيْضًا عَلَى رَدِّ السَّلَفِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْقِرَاضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ أَوْ الرِّسَالَةِ أَوْ عَلَى هَلَاكِ ذَلِكَ فَلَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِهِ مُكَذِّبٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ هَذَا قَوْلُ الرُّوَاةِ أَجْمَعِينَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. (فَرْعٌ) : وَأَمَّا إنْ قَالَ: مَا لَكَ عَلَيَّ سَلَفٌ وَلَا ثَمَنُ سِلْعَةٍ وَلَا لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَلَا قِرَاضٌ وَلَا بِضَاعَةٌ فَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ قَبْلَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ وَالسِّلْعَةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ ادَّعَى هَلَاكَهُ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً، فَهَهُنَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا لَكَ شَيْءٌ يُرِيد فِي وَقْتِي هَذَا، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذَا قَالَ: مَا أَسْلَفْتَنِي وَلَا أَوْدَعْتَنِي فَلَيْسَ مِثْلَ قَوْلِهِ هُنَا مَا لَكَ عَلَيَّ سَلَفٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ الرُّوَاةِ إلَّا أَنِّي رَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ السَّمَاعِ شَيْئًا يُخَالِفُ هَذَا وَأَظُنُّ لَهُ وَجْهًا يُصَحِّحُ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بُعِثَ مَعَهُ رَجُلٌ بِعِشْرِينَ دِينَارًا يُبْلِغُهَا إلَى الْجَارِ وَالْجَارُ مَوْضِعٌ وَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِ فَحَمَلَ الْكِتَابَ وَبَلَّغَهُ إلَى مَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَلَمَّا قَرَأَهُ سَأَلَهُ عَنْ الذَّهَبِ، فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ إنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَهُ الَّذِي أَرْسَلَ مَعَهُ الذَّهَبَ، وَقَالَ لَهُ إنِّي أَشْهَدْت عَلَيْكَ فَقَالَ لَهُ: إنْ كُنْتَ دَفَعْت إلَيَّ شَيْئًا فَقَدْ ضَاعَ فَقَالَ مَالِكٌ مَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا يَمِينَهُ وَأَرَى هَذَا مِنْ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ أَنَّ الْإِنْكَارَ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْعَالِمُ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ، ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُعْذَرُ مِنْ كِتَابِ الرُّعَيْنِيِّ انْتَهَى كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ. وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الرُّعَيْنِيِّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ غَيْرَ أَنَّ الرُّعَيْنِيَّ زَادَ بَعْدَهُ وَرَأَيْت لِابْنِ مُزَيْنٍ لَفْظَةَ أَنَّهُ قَبِلَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ جَحَدَهُ وَقَالَ مَا أَسْلَفْتَنِي قَطُّ شَيْئًا وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي مَسَائِلِ الْعُيُوبِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِيمَنْ قُيِّمَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، فَأَنْكَرَ الْبَيْعَ فَلَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ زَعَمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اعْتَمَرَ، وَعَرَضَ لِلْبَيْعِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فَقَالَ هَاشِمُ بْنُ مُحَمَّدٌ هَذَا تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ بَيِّنَتَهُ قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ طُولِبَ بِشَيْءٍ فَأَنْكَرَهُ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَأَتَى بِحُجَّةٍ تُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ اللِّعَانِ وَالتَّخْيِيرِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. (قُلْت) : فَيَتَحَصَّلُ مِمَّا تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ أَصْلَ الْمُعَامَلَةِ، ثُمَّ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَادَّعَى مَا يُسْقِطُ ذَلِكَ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةً عَادِلَةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا لَكَ عَلَيَّ سَلَفٌ وَلَا وَدِيعَةٌ أَوْ لَا قِرَاضٌ أَوْ قَالَ مَا لَكَ عِنْدِي حَقٌّ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَادَّعَى مَا يُسْقِطُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَوْ بَيِّنَتُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ، فَقَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبٌ الْمُعَامَلَةَ فَالْبَيِّنَةُ، ثُمَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ لَا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا قَالَهُ الرُّعَيْنِيُّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْرِفُ أَنَّ الْإِنْكَارَ

يَضُرُّهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَجْهَلُ ذَلِكَ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا أَسْلَفْتَنِي وَمَا أَوْدَعْتَنِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَا لَكَ عِنْدِي سَلَفٌ وَلَا وَدِيعَةٌ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ إلَّا إذَا حُقِّقَ عَلَيْهِ، وَقُدِّرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ تُنْكِرُ هَذَا أَصْلًا، فَإِذَا قَامَتْ عَلَيْكَ الْبَيِّنَةُ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُك فَإِذَا اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ النَّوَادِرِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الرُّعَيْنِيُّ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُرْسَلِ مَعَهُ إلَى الْجَارِ هُوَ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا وَمَا قَالَهُ الرُّعَيْنِيُّ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ فِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ ابْتِدَاءِ الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَقَدْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ قَبَضْت وَتَلِفَ بَرِئَ وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ش: كَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَلَا يُعَارِضُهَا مَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ وَلَا مَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَرْعٌ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى خُرُوجِ السَّاعِي: يَحْصُلُ الْإِبْرَاءُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ الْفَاسِقِ وَإِنْ لَمْ يُوَصِّلْ الْحَقَّ لِمُسْتَحِقِّهِ انْتَهَى. وَمُرَادُهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَا وُكِّلَ فِيهِ أَوْ كَانَ وَكِيلًا مُفَوَّضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ ادَّعَى وَكَالَةَ رَجُلٍ فَقَبَضَ لَهُ مَالَهُ وَادَّعَى تَلَفَهُ، فَقِيلَ يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ الْوَكَالَةِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ الدَّافِعَ إلَيْهِ قَدْ صَدَّقَهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ لِلْغَرِيمِ بَيِّنَةٌ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى هَذِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْوَكَالَةِ بِيَمِينِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ أَقَرَّ بِهَا صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى مَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَّطَ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى تَلِفَ عِنْدَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَهُ مُطَرِّفٌ عَلَى التَّفْرِيطِ، فَأَوْجَبَ لِلْغَرِيمِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَصْدُقُ وَهُوَ ضَامِنٌ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْمَالِ مَا وَكَّلَهُ وَيَرْجِعُ بِمَالِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ يَأْتِي عَلَى مَا فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَاهُ يَحْلِفُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَكَالَةِ، فَيَلْزَمُ الْغَرِيمَ بَعْدَ يَمِينِ صَاحِبِ الْمَالِ أَنَّهُ مَا وَكَّلَهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ عَبْدًا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ قَدْ صَدَّقَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ صَدَّقَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَكَالَةِ وَدَفَعَ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْعَدَاءِ انْتَهَى ص (وَصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ

فَلَا يُؤَخَّرُ لِلْإِشْهَادِ) ش: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ مُودَعٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الدَّفْعَ إذَا طُولِبَ بِدَفْعِ مَا عِنْدَهُ، وَيَعْتَذِرَ بِالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ صُدِّقَ فِي الرَّدِّ أَيْ مَعَ يَمِينِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ أَوْ طَالَ سَوَاءٌ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ أَمْ لَا هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَاتِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَكَالَاتِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الْوَكِيلِ يَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ إلَى مُوَكِّلِهِ مَا قَبَضَ لَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَوْ مَا بَاعَ بِهِ مَتَاعَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رَسْمِ الْبِزِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ وَفِي آخِرِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ شَيْئًا، وَعَلَى الْوَكِيلِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ تَبَاعَدَ الْأَمْرُ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ جِدًّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَكِيلِ بَيِّنَةٌ فَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ. وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ فِي الْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ صُدِّقَ الْوَكِيلُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ جِدًّا صُدِّقَ دُونَ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالرَّابِعُ: تَفْرِقَةُ أَصْبَغَ بَيْنَ الْوَكِيلِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ غَارِمٍ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ وَالْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ يَصْدُقُ فِي الْقُرْبِ مَعَ يَمِينِهِ وَفِي الْبُعْدِ دُونَ يَمِينٍ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ صُدِّقَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُصَدَّقُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ قَالَ رَدَدْت إلَيْكَ مَا وَكَّلْتَنِي عَلَيْهِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُودَعَ وَالرَّسُولَ مُؤْتَمَنُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْمُودَعِ وَالْمُرْسَلِ فَإِذَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ رَدُّوا مَا دَفَعَ إلَيْهِمْ إلَى أَرْبَابِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ قَدْ ائْتَمَنُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ قَوْلُهُمْ مَقْبُولًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ مُؤْتَمَنٌ فِي رَدِّ الْقِرَاضِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَخَذَ الْمَالَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا تُبْرِئُهُ دَعْوَى رَدِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ حِينَئِذٍ لَمْ يَأْتَمِنْهُ لَمَّا اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزَّنَاتِيُّ وَهُوَ نَصُّ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا الْوَكِيلَ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْفَاكِهَانِيُّ وَالْمَشَذَّالِيُّ، وَأَمَّا الْعَارِيَّةُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إنَّ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُعِيرِ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِلَا إشْهَادٍ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ، الْوَدِيعَةُ لَا تُضْمَنُ اهـ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْمُودَعِ يُشِيرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي رَدِّ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ إلَى رَبِّهِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، وَأَمَّا مَا قَبَضَهُ بِإِشْهَادٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي رَدِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْفَاكِهَانِيُّ وَالزَّنَاتِيُّ وَغَيْرُهُمْ (الثَّانِي) : يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مُطْلَقًا طَالَ الزَّمَانُ أَوْ لَمْ يَطُلْ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْيَمِينَ تَسْقُطُ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ (الثَّالِثُ) : الْوَكِيلُ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ إلَى مُوَكِّلِهِ وَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَكِّلِهِمْ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوِكَالَاتِ. وَكَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْوِكَالَاتِ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَيْسَ خَاصًّا بِالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا كَانَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ وَكِيلٌ أَوْ مُودِعٌ إذَا ادَّعَى إيصَالَ ذَلِكَ إلَى الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّافِعُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا وَاضِحٌ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَطْلَعْتُهُ عَلَى النَّصِّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) : قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَك بِغَيْرِ أَمْرَك

فَإِمَّا وَلَدُك أَوْ بَعْضُ عِيَالِك فَمَنْ فَعَلَهُ لِيَكْفِيَك مُؤْنَتَهَا فَذَلِكَ مُجْزِئٌ يَقُومُ مِنْهَا إذَا كَانَ رَبْعٌ بَيْنَ أَخٍ وَأُخْتٍ وَكَانَ الْأَخُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى عَقْدَ كِرَائِهِ وَقَبَضَهُ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً فَجَاءَتْ أُخْتُهُ تُطَالِبُ بِمَنَابِهَا مِنْ الْكِرَاءِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَزَعَمَتْ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا، وَادَّعَى هُوَ دَفْعَهُ لَهَا أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إذْ هُوَ وَكِيلُهَا بِالْعَادَةِ، وَوَقَعَتْ بِالْمَدِينَةِ الْمُهْدِيَةِ، وَأَفْتَى فِيهَا بَعْضُ شُيُوخِنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ دُونَ اسْتِنَادٍ لِدَلِيلٍ أَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ يَعْنِي الْمُفْتِي، وَهُوَ ابْنُ عَرَفَةَ فَأَفْتَى فِيهَا شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ بِعَكْسِهِ وَجِيءَ لِقَاضِيهَا بِالْفَتْوَتَيْنِ فَتَوَقَّفَ حَتَّى وَصَلَ تُونُسَ فَنَاوَلَ شَيْخَنَا أَبَا مَهْدِيٍّ مَا أَفْتَى بِهِ فَقَالَ: نَعَمْ هَذَا خَطِّي، ثُمَّ نَاوَلَهُ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ فَكَتَبَ تَحْتَهُ رَأَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْعَادَةِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ وَبِهِ أَقُولُ وَقَطَعَ مَا أَفْتَى بِهِ وَأَرَاهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَفْتَى الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ وَكَانَ يَقُولُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا خَالَفْتَهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا أُخَالِفُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَبَعْضِ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ. ص (وَلِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الِاسْتِبْدَادُ إلَّا لِشَرْطٍ) ش: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ هُنَا كَافٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَنَحْوِ عِبَارَتِهِ لِصَاحِبِ الْإِرْشَادِ فِي إرْشَادِهِ وَفِي مُعْتَمَدِهِ وَشَرْحِهِ وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بِمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بِعْتَ وَبَاعَ فَالْأَوَّلُ إلَّا لِقَبْضٍ) ش قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : إنَّمَا يَكُونُ الثَّانِي أَحَقَّ إذَا قَبَضَ السِّلْعَةَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِبَيْعِ الْأَوَّلِ لَا هُوَ وَلَا الَّذِي بَاعَهُ أَمَّا إنْ بَاعَ الثَّانِي مِنْهُمَا، وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي السِّلْعَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي وَقْتِ قَبْضِهِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَهُ فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ. (الثَّانِي) : إذَا أَكْرَى الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ مَنْ قَبَضَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَكَ قَبْضُ سَلَمِهِ لَك إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) ش قَالَ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَكَ قَبْضُ مَا أَسْلَمَ لَكَ فِيهِ وَكِيلُك بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَيَبْرَأُ إذَا دَفَعَهُ إلَيْكَ إنْ كَانَتْ لَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ لَك وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْكَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَالْمَأْمُورُ أَوْلَى بِقَبْضِهِ مِنْك قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: حُكِيَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّ الطَّعَامَ لِلْمُقِرِّ لَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا، وَلَا يَكُونُ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِ مَنْفَعَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفْرِغَ ذِمَّتَهُ. قَالَ: وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَقَرِّ لَهُ فَإِنْ جَاءَ الْمَأْمُورُ فَصَدَّقَهُ بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ لَهُ ثَانِيَةً وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: إنَّ مَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ مِنْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يَكُونُ شَاهِدًا نَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: شَهَادَتُهُ فِي هَذَا جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا وَيَحْلِفُ الْمُقِرُّ مَعَهُ: وَيَسْتَحِقُّ وَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ فَهَلْ يَكُونُ شَاهِدًا؟ قَوْلَانِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي جَبْرِ مُسْلِمٍ إلَيْهِ عَلَى الدَّفْعِ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمُسْلِمُ الْغَائِبُ قَوْلَانِ وَفِي كَوْنِهِ كَشَاهِدٍ إنْ كَانَ عَدْلًا يَحْلِفُ مَعَهُ الْمُسْتَحِقُّ، وَيَأْخُذُ ذَلِكَ قَوْلَانِ أَمَّا إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَلَهُ قَبْضُهُ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقَابِسِيِّ مِنْ عَدَمِ جَبْرِهِ عَلَى الدَّفْعِ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ فَقَالَ: إذَا وَكَّلَهُ عَلَى قَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَوْ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ فَصَدَّقَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بَيِّنَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ الْغَرِيمُ عَلَى دَفْعِ الشَّيْءِ لِلْوَكِيلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ

لَا يَلْزَمُ الْغَرِيمَ أَنْ يَدْفَعَ إلَّا مَا يَبْرَأُ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ بِبَيِّنَةٍ، فَطَالَبَ صَاحِبُهُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يُحْضِرَ الْوَثِيقَةَ، وَتَسْقُطَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ وَالدَّفْعُ بِالْإِقْرَارِ لَا يَبْرَأُ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إنْ جَحَدَ الْوَكَالَةَ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ثَانِيَةً وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ وَتَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَنْ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِلْمُ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ بِتَسْلِيمِ مَا فِي يَدِهِ إلَى الْوَكِيلِ انْتَهَى. ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْكِتَابِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَحْكَامٍ تَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى إثْبَاتِ فُصُولٍ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَنَصُّهُ، وَلَوْ صَدَّقَ الْخَصْمُ الْوَكِيلَ فِي الدَّعْوَى، وَاعْتَرَفَ بِالْمُدَّعَى بِهِ لَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَى دَفْعِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَوَاحِدٌ فِي خُصُومَةٍ وَقَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ عَلَى الدَّعْوَى: إنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ أُلْزِمَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ فِي الْمَطْلُوبِ يُوَافِقُ عَلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَإِذَا قَامَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ أَوْ دَيْنِ رَجُلٍ وَادَّعَى وَكَالَةَ صَاحِبِ ذَلِكَ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْمَهْرِ وَاعْتَرَفَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى الْمَطْلُوبِ يَطْلُبُهُ بِذَلِكَ قَضَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْضَى عَلَيْهِ أَوَّلًا بِإِقْرَارِهِ وَالْمُصِيبَةُ مِنْهُ انْتَهَى. وَلَهُ فِي الْبَابِ السَّبْعِينَ فِي الْقَضَاءِ بِالْأَمَارَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَعَزَاهُ لِلْمُتَيْطِيَّةِ وَنَصُّهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَكَّلَنِي فُلَانٌ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْك وَعَدَدُهُ كَذَا فَصَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ. فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ غَرِمَ الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بِإِقْرَارِهِ انْتَهَى. وَفِيهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ هَذَا وَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الدَّفْعِ جَارٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَرْجَحُ، وَيَكْفِي فِي تَرْجِيحِهِ اقْتِصَارُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيِّ عَلَيْهِ وَتَشْهِيرُ ابْنِ فَرْحُونٍ لَهُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي شَهَادَتِهِ عَدَمُ قَبُولِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ الثَّانِي الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّ مَفْهُومَهُ لَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمَعُونَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَصْلٌ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ، فَمَتَى دَفَعَ إلَى مَنْ يَعْتَرِفُ لَهُ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْوَكَالَةِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ لَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، فَقَدْ بَرِئَ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ، وَأَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْحَقَّ بَرِئَ الْغَرِيمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَكَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِبْرَاءِ كَمَا لَوْ بَعَثَ بِهِ الْغَرِيمُ عَلَى يَدِ رَسُولٍ ابْتِدَاءً، وَاعْتَرَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِقَبْضِهِ لَبَرِئَ الْغَرِيمُ فَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَوْ إنْكَارِهِ وَلَزِمَ الْغَرِيمَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ غَرِمَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ حِينَ دَفَعَ إلَى مَنْ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِبَيِّنَةٍ، فَدَفَعَ الْغَرِيمُ إلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَغْرَمُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوَكِّلِهِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَغْرَمُ الْمَالَ ثَانِيَةً وَلَهُ إحْلَافُ صَاحِبِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِدَفْعِهِ الْحَقَّ إلَى وَكِيلِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَأَقَامَهَا فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ شَهِدَتْ بِقَبْضِ صَاحِبِ الْحَقِّ لِحَقِّهِ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِغَيْرِ

بَيِّنَةٍ، فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ صَاحِبَ الْحَقِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا انْتَهَى. بِلَفْظِهِ. ص (وَالْقَوْلُ لَكَ إنْ ادَّعَى الْإِذْنَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ بَاعَ الْوَكِيلُ السِّلْعَةَ وَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرْتَنِي وَقَالَ رَبُّهَا: بَلْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْهَنَهَا صُدِّقَ رَبُّهَا وَلَوْ فَاتَتْ يُرِيدُ وَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْآمِرَ ثَابِتٌ مِلْكُهُ لَهَا، وَحَقُّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِدَعْوَى الْوَكَالَةِ انْتَهَى اُنْظُرْ تَمَامَهَا. (فَرْعٌ) : وَإِذَا اشْتَرَى لِفُلَانٍ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ، فَالشِّرَاءُ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. ص (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ، فَزَعَمْت أَنَّك أَمَرْتَهُ بِغَيْرِهِ وَحَلَفَ) ش: هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ نَكَلَ الْمَأْمُورُ عَنْ الْيَمِينِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَهَذَا إذَا فَاتَ الثَّمَنُ أَمَّا إذَا كَانَ بَاقِيًا بِيَدِ الْبَائِعِ، وَكَانَ الْوَكِيلُ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي لِفُلَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ اتِّفَاقًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَحْوُهُ فِي الرَّجْرَاجِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَقَوْلِهِ أَمَرْتُ بِبَيْعِهِ بِعَشْرَةٍ وَأَشْبَهَتْ وَقُلْت بِأَكْثَرَ وَفَاتَ الْمَبِيعُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ) ش: أَيْ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا قَالَ لِمُوَكِّلِهِ أَمَرْتَنِي بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْمُوَكِّلِ عَلَى بَيْعِهِ بِعَشَرَةٍ، وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ تُشْبِهُ قِيمَتَهُ وَقُلْت أَنْتَ بِأَكْثَرَ وَفَاتَ الْمَبِيعُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ، فَإِنْ نَكَلَ الْوَكِيلُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ غُرْمُ مَا قَالَهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُوَكِّلُ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَزِمَ الْوَكِيلَ الْغُرْمُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ، وَأَشْبَهَتْ مِمَّا إذَا ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَفَاتَ الْمَبِيعُ مِمَّا إذَا لَمْ يَفُتْ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ، وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ، وَيَأْخُذَ الْعَشَرَةَ وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَيُلْزِمَ الْوَكِيلَ الزَّائِدَ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّجْرَاجِيُّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَاخْتُلِفَ إذَا اعْتَرَفَ الْوَكِيلُ بِالتَّعَدِّي هَلْ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْيَمِينُ عَنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْيَمِينَ، وَقِيلَ لَا يُسْقِطُهَا لِحَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِتَصْدِيقِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي انْتَهَى بِالْمَعْنَى (قُلْت) : وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا قَالَ الْمُوَكِّلُ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُوَكِّلُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْيَمِينِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُمْضِي الْبَيْعَ بِالْعَشْرَةِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا نَكَلَ

الْمُوَكِّلُ كَانَتْ لَهُ بِالْعَشْرَةِ بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إنْ أَرَادَ دُونَ يَمِينِ الْوَكِيلِ كَانَ خِلَافَ الْمَذْهَبِ، وَإِلَى مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَلَمْ يَحْلِفْ فَإِنْ نَكَلَ الْوَكِيلُ بَعْدَ نُكُولِ الْمُوَكِّلِ لَزِمَ غُرْمُ مَا قَالَ الْمُوَكِّلُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ. ص (فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرْت فِي أَخْذِهَا بِمَا قَالَ) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ بَعْدَ يَمِينِ الْمَأْمُورِ لَقَدْ اشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ إنْ قُبِضَتْ تَأْوِيلَانِ) ش: قَيَّدَ الرَّجْرَاجِيُّ الْخِلَافَ بِغَيْرِ الْمُفَوَّضِ قَالَ: لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا وَكَّلَ مَعْزُولٌ قَالَ: وَأَمَّا الْمُفَوَّضُ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا قَبْلَهُ مَقْبُولٌ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ الْبَدَلُ (تَكْمِيلٌ) : قَالَ عِيَاضٌ ثُمَّ إذَا أَبْدَلَهَا الْآمِرُ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَأْمُورِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْآمِرُ أَنَّهُ أَبْدَلَهَا، فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُودَعِ وَحَكَى أَشْهَبُ أَنَّهُ يُبْدِلُهَا بَعْدَ يَمِينِ الْبَائِعِ أَنَّهَا هِيَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ أَمِينِهِ وَغَابَتْ عَنْهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَعَلَّ قَوْلَ أَشْهَبَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَمِينِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَهَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ بَعْدَ يَمِينِ الْبَائِعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَابَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْآمِرُ أَنَّهُ قَدْ أَبْدَلَهَا انْتَهَى. ص (وَفِي الْمَبْدَإِ تَأْوِيلَانِ) ش: ذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ تَبْدِئَةُ الْآمِرِ وَتَبْدِئَةُ الْمَأْمُورِ وَتَخْيِيرُ الْبَائِعِ قَالَ: وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَقْوَالِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا التَّأْوِيلَيْنِ الْأَوَّلِينَ بِتَبْدِئَةِ الْمَأْمُورِ، وَهُوَ الَّذِي فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَتَأَوَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ، وَاخْتَصَرَهَا عَلَيْهِ، وَتَبْدِئَةُ الْآمِرِ، وَلَمْ يُعْزِهِ الرَّجْرَاجِيُّ لِأَحَدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ. وَقَالَ: تُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ (تَكْمِيلٌ) : فَإِنْ بُدِئَ بِالْآمِرِ فَنَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَغَرِمَ الْآمِرُ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَأْمُورِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ بِبَدَلِهَا، فَيُحَلِّفُهُ وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ هُنَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَأْمُورَ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ عَنْ يَمِينِ الْآمِرِ نُكُولٌ عَنْ يَمِينِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ بُدِئَ بِالْمَأْمُورِ، وَنَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَأَبْدَلَهَا الْمَأْمُورُ، ثُمَّ هَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْآمِرِ قَوْلَانِ قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ. ص (وَانْعَزَلَ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ) ش: جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي الْمَوْتِ وَالْعَزْلِ سَوَاءً

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْعَزْلِ قَبْلَ بُلُوغِ الْعِلْمِ فِي الْعَزْلِ وَالْمَوْتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَهَذَا إذَا أَعْلَنَ بِالْعَزْلِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي تَأْخِيرِ إعْلَامِهِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ عَزَلَهُ سِرًّا، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ عَزْلُهُ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ، فَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا شَرَعَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَا يَنْعَزِلُ وَقَالَهُ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ لَا تَلْزَمُ أَوْ إنْ وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعِلَ فَكَّهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ تَرَدُّدٌ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ

كتاب الإقرار

فَرْعٌ) : إذَا وَكَّلَ عَبْدًا عَلَى عَمَلٍ وَطَلَبَ سَيِّدُهُ الْأُجْرَةَ فَقَالَ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ وَكَّلَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ يُسْلِمُ لَهُ فِي طَعَامٍ فَفَعَلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ أَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ الْخَفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُودَعُ فَيَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْأُجْرَةُ يَدْفَعُهَا مَنْ وَكَّلَهُ إلَى سَيِّدِهِ الشَّيْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ ذَلِكَ لَا خَطْبَ لَهُ لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَتَى إلَى مَنْزِلِ هَذَا الْعَبْدِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ كَمُنَاوَلَةِ الْقَدَحِ وَالنَّعْلِ انْتَهَى. وَفِي شَرْحِ الْمَازِرِيِّ عَلَى التَّلْقِينِ فِي آخِرِ السُّؤَالِ الثَّالِثِ مِنْ فَصْلِ الْوَكَالَةِ، وَقَدْ أَجَازَ فِي الْكِتَابِ وَكَالَةَ الْعَبْدِ لَكِنْ لَوْ وَكَّلَ عَبْدًا أَجْنَبِيٌّ وَالْعَبْدُ الْوَكِيلُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَكَانَ لِسَيِّدِهِ طَلَبُ إجَارَتِهِ فِيمَا تَوَلَّى مِنْ سَعْيٍ فِي الْعَقْدِ لِكَوْنِ سَعْيِهِ وَمَنَافِعِهِ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا، وَلَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا دُونَ سَيِّدِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالسَّعْيِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَالنِّيَابَةُ فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ تِجَارَتِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَضَمَّنَهُ إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ انْتَهَى وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ. [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ص (كِتَابُ الْإِقْرَارِ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذِهِ الْمَادَّةُ وَهِيَ الْإِقْرَارُ وَالْقَرَارُ وَالْقَرُّ وَالْقَارُورَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ السُّكُونِ وَالثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُثْبِتُ الْحَقَّ وَالْمُقِرُّ أَثْبَتَ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْقَرَارُ السُّكُونُ وَالْقَرُّ الْبَرْدُ وَهُوَ يُسْكِنُ الدِّمَاءَ وَالْأَعْضَاءَ وَالْقَارُورَةُ يَسْتَقِرُّ فِيهَا مَائِعٌ انْتَهَى. وَمِنْهَا قَاعِدَةُ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كُلُّهَا إخْبَارَاتٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْإِخْبَارَ إنْ كَانَ يَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَى قَائِلِهِ، فَهُوَ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ، فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُخْبِرِ فِيهِ نَفْعٌ وَهُوَ الشَّهَادَةُ أَوْ يَكُونَ وَهُوَ الدَّعْوَى انْتَهَى وَقَالَ السُّبْكِيُّ: فِي نُكَتِهِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [البقرة: 84] يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ انْتَهَى وَفِيهِ خِلَافٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ شَهَادَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقْرَارُ لَمْ يُعَرِّفُوهُ وَكَأَنَّهُ عِنْدَهُمْ بَدِيهِيٌّ وَمَنْ أَنْصَفَ لَمْ يَدَّعِ بَدَاهَتَهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى حَالِ مُدَّعِيهَا أَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ حَقًّا عَلَى قَائِلِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ فَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ خَبَرٌ يُوجَبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ بِلَفْظِهِ أَوْ بِلَفْظِ نَائِبِهِ فَيَدْخُلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ وَتَخْرُجُ الْإِنْشَاءَاتُ كَبِعْت وَطَلَّقْت وَنُطْقِ الْكَافِرِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَازِمِهِمَا عَنْهَا لَا الْإِخْبَارُ كَكُنْتُ بِعْت وَطَلَّقْت وَأَسْلَمْت وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ وَقَوْلُهُ زَيْدٌ زَانٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ حُكْمًا عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ، فَلَيْسَ لَهُ هُوَ حُكْمُ مُقْتَضَى صِدْقِهِ. ص (يُؤَاخَذُ الْمُكَلَّفُ بِلَا حَجْرٍ بِإِقْرَارِهِ) ش: خَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِي آخِرِ بَابِ الدِّيَاتِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يَكُونَ بِإِكْرَاهٍ، وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ وَالْمُتَهَدِّدُ فَاخْتُلِفَ فِي أَخْذِهِ بِإِقْرَارِهِ وَاضْطَرَبَ الْمَذْهَبُ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ الْحَبْسِ وَالتَّهْدِيدِ هَلْ يُقْبَلُ جُمْلَةً أَوْ لَا يُقْبَلُ جُمْلَةً أَوْ الْفَرْقُ فَيُقْبَلُ إذَا عَيَّنَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَسَرِقَةٍ أَوْ لَا يُقْبَلُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ وَعَنْ الْإِمَامِ

مَالِكٍ إنَّ الْمَذْعُورَ لَا يَلْزَمُهُ مَا صَدَرَ مِنْهُ فِي حَالِ ذُعْرِهِ مِنْ بَيْعٍ وَإِقْرَارٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ (مَسْأَلَةٌ) امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى أَخِيهَا بِمِيرَاثِهَا مِنْ أَبِيهَا فِي أَمْلَاكٍ سَمَّتْهَا فَقَالَ وَكِيلُ الْأَخِ: إنَّ أَخَاهَا قَدْ قَاسَمَهَا جَمِيعَ الْأَمْلَاكِ وَقَبَضَتْ حِصَّتَهَا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: إنْ كَانَ الْأَخُ جَعَلَ لِوَكِيلِهِ الْإِقْرَارَ فَقَوْلُهُ إنَّ مُوَكِّلَهُ قَدْ قَاسَمَ أُخْتَهُ فِي جَمِيعِ الْأَمْلَاكِ الَّتِي وُقِفَ عَلَيْهَا إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَيْهِ بِمُشَارَكَةِ أُخْتِهِ لَهُ فِي جَمِيعِهَا، فَيُقْضَى لَهَا بِمِيرَاثِهَا فِي سَائِرِهَا إنْ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مَنْ طَلَبَتْ مِنْهُ أُخْتُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ أَمْلَاكِ أَبِيهَا فَقَالَ: بِيَدَيَّ رَبْعٌ مَلَكْتُهُ مِنْ أَبِي وَرَبْعٌ مَلَكْتُهُ بِكَسْبِي وَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ إنَّ عَلَى وَرَثَتِهِ إثْبَاتَ مَا ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَفَادَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَإِلَّا حَلَفَتْ مَا عَلِمَتْ بِمَا اسْتَفَادَهُ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْكَافِي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَقَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ قَالَ: مَا أُقِرَّ بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ لَازِمٌ لِي إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ قَالَ فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ فِي إقْرَارِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ وَالسَّيِّدُ لِأُمِّ وَلَدِهِ يَقُولُ: أَشْهَدَ فُلَانٌ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ فُلَانَةُ أَوْ مَعَ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ الْوِطَاءِ وَالْغِطَاءِ وَالثِّيَابِ وَالتَّوَابِيتِ وَالْمَوَاعِينِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَثَاثِ لِزَوْجَتِهِ فُلَانَةَ مَالُهَا، وَمِنْ كَسْبِ يَدِهَا لَا حَقَّ لِي مَعَهَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ يَجُوزُ إقْرَارُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ وَالسَّيِّدِ لِأُمِّ وَلَدِهِ، فَإِنْ سَمَّى مَا أَقَرَّ بِهِ كَانَ أَتَمَّ، وَإِنْ أَجْمَلَ جَازَ، فَإِنْ مَاتَ وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لِلْمَيِّتِ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَقْطَعُوا أَنَّهُ اكْتَسَبَ شَيْئًا مَعْلُومًا يُسَمُّونَهُ بَعْدَ تَارِيخِ الْإِشْهَادِ فَلَهُمْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَلَهَا رَدُّهَا عَلَيْهِمْ انْتَهَى. قَالَهُ فِي بَابِ الْوَصَايَا فَصَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُجْمَلِ يَصِحُّ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ الثَّانِي مَا يُخَالِفُهُ وَنَصُّ السَّمَاعِ مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ عَنْ الَّذِي يَشْهَدُ لِامْرَأَتِهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ بَيْتِهَا، فَهُوَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى لَهَا مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ شَيْئًا وَأَشْهَدَ لَهَا، فَقَالَ سَوَاءٌ أَشْهَدَ لَهَا أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَهَا مَا فِي الْبَيْتِ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ مَتَاعُ النِّسَاءِ، فَهُوَ لَهَا أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لَهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْهِدَ لِامْرَأَتِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ تُوُفِّيَ، فَقَامَتْ تَدَّعِي مَا فِي الْبَيْتِ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَلَمْ يَرَ لَهَا فِيمَا أَشْهَدَ لَهَا بِهِ مَنْفَعَةً إذَا لَمْ يَشْهَدْ لَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ لَهَا، وَإِنَّمَا أَشْهَدَ لَهَا بِمَا فِي بَيْتِهَا، وَلَعَلَّ مَا تَدَّعِيهِ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا يَوْمَ الْإِشْهَادِ، فَقَالَ سَوَاءٌ أَشْهَدَ لَهَا، أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَهَا مَا فِي الْبَيْتِ مِمَّا يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لَهَا يُرِيدُ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى لَهَا مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ شَيْئًا فَأَشْهَدَ لَهَا أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لَهَا وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى لَهَا إلَى آخِرِ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ لَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ أَنَّهُ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَ الْمِلْكِ لَهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَصْلَ الْمِلْكِ لَهُ كَانَ إقْرَارُهُ هِبَةً تَصِحُّ لَهَا بِحِيَازَتِهَا إيَّاهَا لِكَوْنِهَا فِي بَيْتِهَا، وَتَحْتَ يَدِهَا إلَّا مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْحِيَازَةِ إنَّ هَذَا آلَ إلَى الضَّعْفِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ يَدَ الزَّوْجِ عِنْدَهُ هِيَ الْمُغَلَّبَةُ عَلَى يَدِ الزَّوْجَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا هُوَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَوْ قَامَتْ فِي حَيَاتِهِ تَدَّعِي مَا فِي بَيْتِهَا مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَتَحْتَجُّ بِمَا أَشْهَدَ لَهَا بِهِ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي بَيْتِهَا لَهَا فَنَاكَرَهَا فِي ذَلِكَ. وَادَّعَى لِنَفْسِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا يَوْمَ أَشْهَدَ لَهَا بِمَا أَشْهَدُوا أَنَّهُ إنَّمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْفَعَهَا الْإِشْهَادُ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ هُوَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اكْتَسَبَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَشْهَدَ لَهَا بِذَلِكَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ فِي بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ إشْكَالٌ وَلَا فِي أَنَّهَا لَا يَكُونُ لَهَا مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ إلَّا مَا أَشْهَدَ عِنْدَ اشْتِرَائِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لَهَا فَلَا كَلَامَ

انْتَهَى فَقَوْلُهُ فَلَمْ يَرَ لَهَا فِيمَا أَشْهَدَ لَهَا بِهِ مَنْفَعَةً إذْ لَمْ يُشْهِدْ لَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُجْمَلِ لَا يَصِحُّ وَنَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ فِي بَابِ الْوَصَايَا فِيهِ الْخِلَافَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ هَذِهِ وَلَدَتْ مِنِّي وَلَا وَلَدَ لَهَا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ إقْرَارُهُ وَعَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ وَرَقَّتْ، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا، وَقَدْ كَانَ أَقَرَّ لَهَا فِي صِحَّتِهِ بِجَمِيعِ مَا فِي بَيْتِهَا مِنْ الثِّيَابِ وَالْمَاعُونِ وَالْحُلِيِّ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَشْهَدَ لَهَا بِهِ مُجْمَلًا وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَهَا بِذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ لَهَا إلَّا الشَّيْءُ الْخَفِيفُ مِثْلُ كِسْوَتِهَا وَشِبْهُ ذَلِكَ وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَكَانَ مِنْ زِيِّهَا وَهِيَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ وَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ عَقْدًا أَشْهَدَ فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ فُلَانَةَ مِنْ عَلَقِهِ كُلِّهَا وَتَبِعَاتِهِ أَجْمَعْهَا وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا مَرْفُوعَ لَهُ عِنْدَهَا وَلَا مُودَعَ وَلَا فِي ذِمَّتِهَا، وَلَا فِي أَمَانَتِهَا وَأَنَّ مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ مَوْضِعُ سُكْنَاهَا مَعَهُ مِنْ الْأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ وَمَا بِيَدِهَا مِنْ الْحُلِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ شَاكِلَةُ النِّسَاءِ، فَهُوَ مَالُهَا وَمَتَاعُهَا لَا حَقَّ لَهُ مَعَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِدَعْوَى أَوْ طَالَبَهَا بِمَطْلَبٍ بِسَبَبِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَمَطْلَبُهُ بَاطِلٌ وَدَعْوَاهُ كَاذِبَةٌ أَوْ قَصَدَ تَحْلِيفَهَا أَوْ تَحْنِيثَهَا، فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَسَائِلُهُ إشْهَادًا صَحِيحًا، وَكَذَلِكَ تُعْقَدُ لِلزَّوْجَةِ إنْ نَسَبَهَا إلَى ذَلِكَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مُوجِبِ هَذِهِ الْوَثِيقَةِ فَقَالَ ابْن زَرْبٍ ذَلِكَ لَهَا، وَيَصِحُّ إشْهَادُهُ بِذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ كَانَ يُفْتِي بِأَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يُحَقِّقَ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ الْيَمِينُ قَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْيَمِينِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: عَقْدُ مِثْلِ هَذِهِ الْوَثِيقَةِ لَا يَجُوزُ وَإِقْرَارُهُ لَا يَصِحُّ وَإِشْهَادُهُ وَعَدَمُ إشْهَادِهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْإِشْهَادُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِشْهَادُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَسُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ زِيِّهَا أَوْ زِيِّهِ فَلَا تَأْخُذُهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ زِيِّهَا فَإِنَّهَا تَأْخُذُهُ بِلَا يَمِينٍ وَأَفْتَى ابْنُ وَضَّاحٍ الْمُرْسِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ زِيِّهِ أَوْ عُرُوضٍ أَوْ طَعَامٍ، فَهُوَ مَوْرُوثٌ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَيُعَيِّنَهُ الشُّهُودُ انْتَهَى. ص (لِأَهْلٍ لَمْ يُكَذِّبْهُ) ش: اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُكَذِّبْهُ مِمَّا إذَا قَالَ: لَا أَعْلَمُ لِي عَلَيْكَ شَيْئًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: نَعَمْ لِي عَلَيْكَ فَأَنْكَرَ الْمُقِرُّ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ. نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَنَصُّ النَّوَادِرِ مَنْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: مَا لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ فَقَدْ بَرِئَ بِذَلِكَ فَإِنْ أَعَادَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ بِالْأَلْفِ فَقَالَ الْآخَرُ أَجَلْ هِيَ لِي عَلَيْكَ أَخَذْتُهُ بِهَا قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا قَالَ لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْآخَرُ: مَا لِي عَلَيْك شَيْءٌ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: هِيَ لِي عَلَيْكَ فَأَنْكَرَهَا الْمُقِرُّ فَالْمُقِرُّ مُصَدَّقٌ، وَلَا شَيْءَ لِلطَّالِبِ، وَلَكِنْ إنْ قَالَ الطَّالِبُ: مَا أَعْلَمُ لِي عَلَيْكَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ هِيَ لِي عَلَيْكَ فَأَنْكَرَ الْمُقِرُّ، فَهَهُنَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ، وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ غَصَبْتُهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ: لَيْسَتْ لِي لَمْ يَلْزَمْ الْمُقِرَّ شَيْءٌ فَإِنْ أَعَادَ الْإِقْرَارَ فَادَّعَاهَا الطَّالِبُ دُفِعَتْ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لَكَ فَقَالَ الْآخَرُ هُوَ لَيْسَ لِي، ثُمَّ قَالَ هُوَ لِي قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَبْدُ وَلَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ إنْ أَقَامَهَا؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْهُ انْتَهَى. وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَنَصَّهُ إثْرَ قَوْلِ الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ يُوصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ الْمِائَةُ دِينَارٍ الَّتِي اسْتَوْدَعْتُكَهَا فَيَقُولُ مَا اسْتَوْدَعْتنِيهَا وَلَكِنْ

أَعْطَيْتَنِيهَا قِرَاضًا، وَهَذِهِ مِائَةُ دِينَارٍ رَبِحْت فِيهَا فَلَكَ مِنْهَا خَمْسُونَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ قَالَ: إنْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا حَبَسَهَا وَاسْتَأْنَى سِنِينَ لَعَلَّهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا تَصَدَّقَ بِهَا قِيلَ لَهُ إنْ مَاتَ فَأَحَبَّ وَرَثَتُهُ أَنْ يَأْخُذُوهَا قَالَ: يَأْخُذُونَهَا إنْ شَاءُوا إذَا أَحَبَّ الْمُقِرُّ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ قُلْت وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا إلَى وَرَثَتِهِ قَالَ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَيَرْجِعَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْهَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى تَصْدِيقِهِ، وَكَذَّبَ نَفْسَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَهُنَا، وَفِي وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الْإِنْكَارِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يَأْخُذَهَا إنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ وَرَجَعَ إلَى تَصْدِيقِ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ صَاحِبُهُ بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِهِ وَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ فَتَحَصَّلَ مِنْ الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ كَانَتْ لَهُ الْخَمْسُونَ دُونَ يَمِينٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَانْظُرْ آخِرَ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ فُلَانًا وَكَذَّبَهُ، وَمَسْأَلَةُ إرْخَاءِ السُّتُورِ وَالنِّكَاحِ الثَّالِثِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْوَطْءِ وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ وَمَسْأَلَةُ كِتَابِ الرُّهُونِ فِي اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فِي الْأَجَلِ وَالثَّمَنِ (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فَرْعٌ: قَالَ أَشْهَبُ إنْ قُلْت بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَدَبَّرْتُهُ وَأَنْكَرَ لَزِمَكَ التَّدْبِيرُ وَتَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ خِدْمَتِهِ الَّتِي تَدَّعِي إلَّا أَنْ يُقِرَّ فَتُعْطِيَهُ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَإِنْ اسْتَوْفَيْت بَقِيَ مُدَبَّرًا مُؤَاخَذَةً لَك بِإِقْرَارِك فَإِنْ مِتَّ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْك دَيْنٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَالْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ) ش: وَأَمَّا فِي الْمَالِ. فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي ثَوْبٍ بِيَدِ الْعَبْدِ يَقُولُ فُلَانٌ أَوْدَعَنِيهِ وَسَيِّدُهُ يَدَّعِيهِ فَالسَّيِّدُ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ فُلَانٌ الْبَيِّنَةَ انْتَهَى. قَالَ فِي النُّكَتِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيَحْلِفُ فَإِنْ قَالَ هُوَ لِي حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِعَبْدِي أَعْلَمُ أَصْلَ شِرَائِهِ أَوْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا إنْ قَالَ هُوَ بِيَدِ عَبْدِي أَوْ حَوْزِهِ فَيَحْلِفُ مَا أَعْلَمُ لَكَ فِيهِ حَقًّا انْتَهَى، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا حَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ فِيمَا بِيَدِهِ وَمَا جَاوَزَ ذَلِكَ، فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ أَمَانَةٍ فَاسْتَهْلَكَهُ، فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ وَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ السَّيِّدُ أَوْ السُّلْطَانُ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ. ص (وَمَرِيضٌ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَرِيضُ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَيَكُونُ مِيرَاثًا وَإِنْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا كَانَتْ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ وَصِيَّتِهِ لَمْ تَدْخُلْ الْوَصَايَا فِي شَيْءٍ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ انْتَهَى قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْعِتْقِ لَا يَلْزَمُ فِي ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَنُفِذُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَتَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ بِالْكَفَالَةِ فِي الصِّحَّةِ فِيهِ كَلَامُ الشُّيُوخِ فَانْظُرْ ابْنَ يُونُسَ وَأَبَا الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ لِمُلَاطِفِهِ أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرِثْهُ) ش: يَعْنِي لِقَرِيبٍ لَا يَرِثُهُ، وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَرِثَهُ وَلَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَلَدٌ

أَوْ لَمْ يَكُنْ وَعَلِمَ ذَلِكَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْوَلَدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ لِغَيْرِ الْمُلَاطِفِ وَالْقَرِيبِ الَّذِي لَمْ يَرِثْهُ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِمَنْ يَتَّهِمُ عَلَيْهِ إذَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ. ص (أَوْ مَجْهُولٍ حَالُهُ) ش سَوَاءٌ أَوْصَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ يُوقَفَ هَكَذَا قَالَ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنْ أَوْصَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ يُوقَفَ لَهُمْ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِلْمَجْهُولِ وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَنَقَلَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَلَيْسَ فِيهَا قَوْلٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلِ أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ إنْ أَوْصَى أَنَّهُ يُوقَفُ حَتَّى يَأْتِيَ لَهُ طَالِبٌ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ لَا مِنْ الثُّلُثِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مِنْ الثُّلُثِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ فِيهَا قَوْلًا بِالْبُطْلَانِ، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ص (كَزَوْجٍ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا أَوْ جُهِلَ إلَى آخِرِهِ) ش: سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِ زَوْجَتِهِ مِنْ قُمَاشٍ وَكَذَا وَكَذَا مِلْكٌ لَهَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَكَتَبَ بِذَلِكَ خَطَّهُ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ حَيًّا إلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي صَفَرَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَانْحَصَرَ إرْثُهُ فِي زَوْجَتِهِ وَبِنْتٍ وَبَيْتِ الْمَالِ فَوَضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْمَذْكُورَةُ يَدَهَا عَلَى أَعْيَانٍ كَثِيرَةٍ مِمَّا كَانَ لِلْمُقِرِّ مِنْ كُتُبٍ وَمَصَاغٍ وَكَذَا وَكَذَا وَادَّعَتْ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَشْمَلُهُ الْإِقْرَارُ، فَإِذَا ادَّعَى وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ وَارِثٌ أَوْ مُدَّعٍ شَرْعِيٌّ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ أَعْلَاهُ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهَا حِينَ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ وَإِذَا قُلْتُمْ تُسْمَعُ فَإِذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى بِذَلِكَ فَهَلْ عَلَيْهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَوْ يَمِينٍ شَرْعِيَّةٍ فَأَجَبْت تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا ذَكَرَهُ، وَعَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهَا وَضَعَتْ يَدَهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ الْبَيِّنَةُ، فَلَهُ تَحْلِيفُهَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اتَّهَمَهَا فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرَهُ، فَلَهُ تَحْلِيفُهَا عَلَى ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ بَاطِلٌ إذَا عُلِمَ مَيْلُهُ لَهَا، وَإِنْ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا، فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ وَكَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا عَدَا الدُّيُونِ السَّابِقَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي الْبُيُوعِ فِي بَيْعِ التَّوْلِيجِ وَالتَّصْيِيرِ وَفِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصَايَا. ص (وَمَعَ الْإِنَاثِ وَالْعَصَبَةِ قَوْلَانِ) ش

مسألة باع من بعض ولده دارا أو ملكا وذكر في العقد أنه باعه ذلك بيعا صحيحا

يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِلزَّوْجَةِ الَّتِي جُهِلَ بُغْضُهُ لَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا ابْنٌ وَلَا بَنُونَ وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا بَنَاتٌ وَعَصْبَةٌ فَفِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ لَهَا قَوْلَانِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْبَنَاتُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا إذَا كُنَّ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ كِبَارًا مِنْهَا، وَأَمَّا إنْ كُنَّ صِغَارًا مِنْهَا، فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا إلَّا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالصَّغِيرِ وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ لِأَمَةٍ) ش: هَذَا كَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِلزَّوْجَةِ الَّتِي جُهِلَ بُغْضُهُ لَهَا إذَا كَانَ لَهَا ابْنٌ أَوْ بَنُونَ كَمَا قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عَاقًّا فَفِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ لِلزَّوْجَةِ قَوْلَانِ صَرَّحَ بِهِمَا ابْنُ رُشْدٍ، وَنَقَلَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأُمِّهِ وَابْنُ رُشْدٍ فَرَضَهُ فِي الزَّوْجَةِ كَانَتْ أَمَهُ أَمْ لَا. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ مِنْ بَعْضِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ مِلْكًا وَذَكَرَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ بَيْعًا صَحِيحًا] ص (لَا الْمُسَاوِي وَالْأَقْرَبُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ بَاعَ مِنْ بَعْضِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ مِلْكًا وَذَكَرَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ بَيْعًا صَحِيحًا بِثَمَنٍ قَبَضَهُ، فَقَامَ بَاقِي الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَذَكَرُوا أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ فِيهِ ثَمَنًا وَأَنَّهُ تَوْلِيجٌ مِنْ الْأَبِ إلَيْهِ، فَلَا وَجْهَ لِدَعْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ الْأَبَ كَانَ يَمِيلُ إلَيْهِ، فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ (تَنْبِيهٌ) : قَالُوا وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ لَمْ تَتَرَتَّبْ يَمِينٌ عَلَى الِابْنِ، وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَيْلِ الْأَبِ إلَيْهِ وَانْحِرَافِهِ عَنْ سَائِرِ وَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّوْلِيجِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الِابْنَ انْتَهَى. مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ وَفِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ وَلَا يَثْبُتُ التَّوْلِيجُ إلَّا بِإِقْرَارِ الْمُولَجِ إلَيْهِ انْتَهَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. (فَرْعٌ) : فِي حُكْمِ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي صِحَّتِهِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ فَيُقَدَّمُ الْمُقِرُّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ قَالَ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يُقِرُّ لِوَلَدِهِ وَلِامْرَأَتِهِ وَلِبَعْضِ مَنْ يَرِثُهُ بِدَيْنٍ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ يَمُوتُ الرَّجُلُ بَعْدَ سِنِينَ فَيَطْلُبُ الْوَارِثُ الدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ قَالَ ذَلِكَ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ فِي الصِّحَّةِ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ وَلَدًا فَمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فِي الصِّحَّةِ فَذَلِكَ لَهُ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَوَقَعَ فِي الْمَبْسُوطِ لِابْنِ كِنَانَةَ وَالْمَخْزُومِيِّ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ فِي صِحَّتِهِ إذَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةً حَتَّى هَلَكَ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ سَبَبَ ذَلِكَ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَ لَهُ أَصْلًا أَوْ أَخَذَ مِنْ مَوْرُوثِ أُمِّهِ شَيْئًا فَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ لَهُ وَجْهٌ مِنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُتَّهَمُ أَنْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ فِي صِحَّتِهِ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ عَلَى أَنْ لَا يَقُومَ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَيَكُونَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمُوتُ فَيَتْرُكُ عَمَّهُ وَأُمَّهُ وَتَقُومُ الْأُمُّ بِدَيْنٍ لَهَا كَانَ أَقَرَّ لَهَا بِهِ فِي الصِّحَّةِ قَالَ: لَا كَلَامَ لِلْعَمِّ قُلْت أَرَأَيْت إنْ طَلَبَ مِنْهَا الْيَمِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَوْلِيجًا؟ قَالَ أَصْبَغُ أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ لِوَارِثِهِ بِالدَّيْنِ فِي الصِّحَّةِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ لَهَا فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لِذَلِكَ سَبَبٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَاعَ لَهُ رَأْسًا أَوْ أَخَذَ لَهُ مَوْرُوثًا وَبِهِ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْيَمِينِ إنَّهَا لَا تَلْزَمُهَا فِي الْحُكْمِ يُرِيدُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ فَقَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَالْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لُحُوقُ الْيَمِينِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ لَمْ يُعْمِلْ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَصَرَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ بِلُزُومِ الْيَمِينِ إنْ ثَبَتَ مَيْلُ الْمَيِّتِ لِلْمُقِرِّ لَهُ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ التَّصْيِيرِ فِي تَرْجَمَةِ الْبُيُوعِ وَمِثْلُ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ مَا إذَا صَيَّرَ الْأَبُ لِابْنِهِ دَارًا أَوْ عَرَضًا فِي دَيْنٍ أَقَرَّ بِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ سَبَبَ ذَلِكَ الدَّيْنِ جَازَ لَهُ التَّصْيِيرُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) : إنَّهُ نَافِذٌ وَيَأْخُذُهُ مِنْ

تَرِكَتِهِ فِي الْمَوْتِ وَيُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ (وَالثَّانِي) : أَنَّهُ لَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ، وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ انْتَهَى مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ إذَا قَامَ بِهِ الْمُقِرُّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ وَشَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ وَجْهُ ذَلِكَ أَوْ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَجْهُهُ، وَلَا سَبَبُهُ وَكَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) : إنَّهُ نَافِذٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي الْمَوْتِ وَيُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ (وَالثَّانِي) : أَنَّهُ لَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ، وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْمَوْتِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُحَاصُّ بِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا مَعَ الدَّيْنِ الَّذِي اسْتَدَانَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا الْقَدِيمُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ ثَبَتَ مَيْلُهُ إلَيْهِ، فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى صِحَّةِ تَرَتُّبِ ذَلِكَ قَبْلَهُ، وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ إبْطَالَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ وَلَّاهُ مَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ أَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ بَاعَهُ مَنْزِلَهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، وَهُوَ يُسَاوِي شَيْئًا كَثِيرًا، فَذَلِكَ تَوْلِيجٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَفِي رَسْمِ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ الثَّانِي الْوَاقِعِ بَعْدَ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ مُطْلَقًا؟ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ هِبَةً فَيَكْفِي فِيهِ الْحَوْزُ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ يَكُونُ كَالْهِبَةِ إنْ حَازَهُ الْأَبُ لَهُ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ مَتَاعٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْهِبَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا إقْرَارُ الرَّجُلِ بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَتَاعِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مِلْكُهُ لَهَا إنَّهَا لِابْنِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ فِي أُمِّهِ كَإِقْرَارِهِ لَهُ فِي مَرَضِهِ بِالدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُشْبِهَ قَوْلَهُ وَيُعْرَفَ وَجْهُ إقْرَارِهِ أَنَّهُ كَانَ لِأُمِّهِ مِنْ الْمَالِ نَحْوُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِالدَّيْنِ لِابْنِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ أَوْ سَبَبٌ يَدُلُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا، وَلَوْ كَانَتْ الدُّورُ الَّتِي أَقَرَّ أَنَّهَا لِابْنِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ فِي أُمِّهِ يَعْرِفُ مِلْكَهُ لَهَا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لِابْنِهِ بِهَا فِي مَرَضِهِ عَلَى حَالٍ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فِي صِحَّتِهِ لَكَانَ إقْرَارُهُ لَهُ بِهَا كَالْهِبَةِ تَصِحُّ لَهُ إنْ حَازَهَا بِيَدِ تَحْوِيزِ الْآبَاءِ لِمَنْ يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْأَبْنَاءِ عَلَى مَا فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ خِلَافُ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ أَصْبَغَ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِلِابْنِ، وَلَوْ حَازَهُ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ هِبَةً وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا إقْرَارُ الرَّجُلِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ بِمَا يَعْرِفُ مِلْكَهُ لَهُ مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَفُلَانٌ وَارِثٌ أَوْ غَيْرُ وَارِثٍ يَجْرِي مَجْرَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَحِلُّ مَحَلَّهَا، وَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهَا إنْ حَازَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ لَهُ بِهِ فِي صِحَّةِ الْمُقِرِّ جَازَ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَحْفَظُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ، فَلَا يَلْزَمُهُ حَسْبَمَا مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَفِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَالصُّلْحِ وَانْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ وَالْمَشَذَّالِيُّ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَأَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مَا نَصُّهُ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِرَجُلٍ هُوَ كَالْهِبَةِ إنْ قَامَ فِي صِحَّتِهِ أَخَذَهُ وَإِنْ قَامَ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ هُوَ مِيرَاثٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إذَا قَالَ رَجُلٌ أَوْ وُجِدَ بِخَطِّهِ لِفُلَانٍ قِبَلِي كَذَا وَثَبَتَ إقْرَارُهُ أَوْ خَطُّهُ بِلَفْظِهِ قِبَلِي، وَقَدْ مَرَّتْ قَبْلَ هَذَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْهِبَةِ يُشِيرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ فِي مَسَائِلِ الْقِرَاضِ وَفِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَيْضًا وَنَصُّهُ إذَا قَالَ

لِرَجُلٍ أَوْ وَجَدَ بِخَطِّهِ لِفُلَانٍ قِبَلِي كَذَا وَثَبَتَ إقْرَارُهُ أَوْ خَطُّهُ فَلَفْظَةُ قِبَلِي مُحْتَمِلَةٌ أَنْ يَكُونَ أَوْجَبَ لَهُ قِبَلَهُ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً فَمَوْتُهُ أَوْ فَلَسُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُهَا بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ بِيَمِينِ الْوَرَثَةِ فِي الْمَوْتِ لَا يَعْلَمُونَ مَوْرُوثَهُمْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَلَا أَوْجَبَهَا قِبَلَهُ وَلَا أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظَةُ قِبَلِي يَسْتَوْجِبُ بِهَا الْحُكْمَ بِالدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي حَالِ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنْ قَالَ قِبَلِي مَنْ سَلَفٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِهِ هُنَا انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَعَلَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ الدِّيَانَةُ، ثُمَّ جَاءَ بِشُهُودٍ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَشْهَدَهُ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ بِهَذِهِ الدَّارِ وَحَازَهَا لَهُ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلَكَهَا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ كُلَّهَا مَوْرُوثَةٌ إلَّا هَذِهِ الدَّارَ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهَا دُونَ الْوَرَثَةِ، وَاعْتَذَرَ بِإِخْبَارِ الْبَيِّنَةِ لَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ بَلْ أَقَرَّ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيُقْبَلُ عُذْرُهُ وَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ وَقَادِحًا فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ عَادِيٌّ يُسْمَعُ مِثْلُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْقَرَافِيِّ بِلَفْظِهِ. وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَانْظُرْ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ مَعَ مَا نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي تَرْجَمَةِ الْمُدَّعِي يُكَذِّبُ بَيِّنَتَهُ وَنَصُّهُ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَسَأَلَهُ شَجَرَةُ عَمَّنْ ادَّعَى دَارًا بِيَدِ امْرَأَةِ ابْنِهِ أَنَّهَا لِابْنَةٍ تَرَكَهَا بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَسَمَّاهُمْ، ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَ لَهُ فِي صِحَّتِهِ بِنِصْفِهَا صَيَّرَهُ إلَيْهِ فِي حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ مِنْ قِبَلِ مِيرَاثِهِ لِأُمِّهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ مَخْرَجِهِ إلَى الْحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَ فَسَكَنَهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ الْحَاكِمُ قَدْ ادَّعَيْتَهَا أَوَّلًا مِيرَاثًا وَالْآنَ لِنَفْسِكَ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ بَيِّنَتَهُ بِدَعْوَاهُ الْأُولَى انْتَهَى. فَعُلِّلَ عَدَمُ قَبُولِ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةِ بِأَنَّهُ كَذَّبَ بَيِّنَتَهُ بِدَعْوَاهُ الْأُولَى فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَتْ وَلَهَا زَوْجٌ وَإِخْوَةٌ وَأَبٌ فَادَّعَى بَعْضُ الْإِخْوَةِ أَنَّ بَعْضَ مُتَخَلِّفِهَا مِلْكٌ لِأُمِّهِمْ فَأَثْبَتَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مِلْكٌ لِزَوْجَتِهِ، فَادَّعَى بَقِيَّةُ الْإِخْوَةِ أَنَّهَا أَوْصَتْ لَهُ بِتِلْكَ الْحَوَائِجِ فَهَلْ دَعْوَاهُمْ الْأُولَى مُكَذِّبَةٌ؟ لِدَعْوَاهُمْ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا فَأَجَبْت بِمَا صُورَتُهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي الْوَصِيَّةَ مِنْ الْإِخْوَةِ الْمُدَّعِينَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّ الْحَوَائِجَ مِلْكٌ لِأُمِّهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُكَذِّبٌ لِدَعْوَاهُمْ الْوَصِيَّةَ فَلَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِمِلْكِيَّةِ الْأُمِّ غَيْرُهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَدَعْوَاهُ مَسْمُوعَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلْت أَيْضًا عَمَّنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُزْلَةِ الَّتِي هِيَ وَقْفٌ مِنْ قِبَلِ فُلَانَةَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ جَارِيَةً فِي مِلْكِهَا إلَى حِينِ وَقْفِهَا، ثُمَّ مَاتَ شَخْصٌ قَرِيبٌ لِلْمُقِرِّ، فَادَّعَى أَنَّ لِمُوَرِّثِهِ فِيهَا حِصَّةً فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت إقْرَارُ الشَّخْصِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُزْلَةِ الَّتِي هِيَ وَقْفٌ قِبَلَ فُلَانَةَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ جَارِيَةً فِي مِلْكِهَا إلَى حِينِ وَقْفِهَا مُبْطِلٌ لِدَعْوَاهُ أَنَّ لِمُوَرِّثِهِ فِيهَا حِصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَ لِحَمْلٍ) ش: سَوَاءٌ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ كَقَوْلِهِ لِحَمْلِ فُلَانَةَ أَلْفٌ أَوْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ أَلْفٌ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَلَا إشْكَالَ إذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ يَصِحُّ لِلْجَنِينِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إنْ قَالَ أَقْرَضَنِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَالَ: وَخَرَجَ عَدَمُ اللُّزُومِ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ وَخَرَجَ عَدَمُ اللُّزُومِ أَيْضًا فِيمَا إذَا طَلَّقَ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ فِي الْإِقْرَارِ لِحَمْلٍ إنْ قَيَّدَهُ بِمَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ لِهَذَا الْحَمْلِ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْصَى لَهُ بِهَا أَوْ مِيرَاثٍ صَحَّ وَإِنْ قَيَّدَهُ بِمَا يَمْتَنِعُ بَطَلَ كَقَوْلِهِ لِهَذَا الْحَمْلِ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ مُعَامَلَةٍ عَامَلَنِي بِهَا وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: يَلْزَمُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِمَا ذُكِرَ نَدَمُ ذِكْرٍ، ثُمَّ عَنْ الْمَازِرِيِّ التَّخْرِيجُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ فَتَحَصَّلَ فِيمَا إذَا قَيَّدَهُ بِوَجْهٍ لَا يَصِحُّ لِلْجَنِينِ قَوْلَانِ لِسَحْنُونٍ مَعَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِقْرَارَ

لِصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ لِمَجْنُونٍ صَحِيحٌ مِنْ بَابِ أَحْرَى وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَا أُقِرَّ بِهِ لِمَجْنُونٍ أَخَذَهُ وَلِيُّهُ أَوْ السُّلْطَانُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ انْتَهَى. ص (وَوُضِعَ لِأَقَلِّهِ) ش: كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِب وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ وَالْمُصَنِّفُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّ حُكْمَ السِّتَّةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَا زَادَ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَصَوَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ تَعَقُّبَهُمْ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّ لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ عُذْرًا، وَهِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَذَكَرَ لَفْظَ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ قَالَ فَالتَّعَقُّبُ عَلَيْهِمَا فِي لَفْظِهِمَا بِمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَخَفُّ مِنْ التَّعَقُّبِ عَلَيْهِمَا فِي لَفْظٍ هُوَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمَا انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَتَأَخَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، وَيَلْزَمُ الْإِقْرَارُ لِلْحَمْلِ كَمَا قَالُوهُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَلِأَكْثَرِهِ) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ مَوْطُوءَةً فَإِنَّ الْإِقْرَارَ يَلْزَمُ لِمَا تَضَعُهُ لِأَكْثَرِ الْحَمْلِ، وَهُوَ أَرْبَعُ سِنِينَ أَوْ خَمْسٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ، وَانْظُرْ هَلْ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمَ وُطِئَتْ أَوْ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْحَمْلِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ، وَهُوَ وَضْعُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ، وَهُوَ وَضْعُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ قَالَ وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَلَيْسَتْ بِذَاتِ زَوْجٍ وَلَا سَيِّدٍ يَطَؤُهَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَخْلُوقًا لَا تَحِلُّ إضَافَتُهُ لِلزِّنَا انْتَهَى. (قُلْت) : أَوَّلُ كَلَامِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ وَآخِرُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ يَوْمِ وُطِئَتْ لِقَوْلِهِ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَخْلُوقًا لَا تَحِلُّ إضَافَتُهُ لِلزِّنَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ وَهَبَتْهُ لِي) ش:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَمْ لَا قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَلَعَلَّهُمَا

جَارِيَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ هَلْ تَتَوَجَّهُ عَلَى دَعْوَى الْمَعْرُوفِ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. ص (لَا أُقِرُّ) ش: هُوَ بِلَا النَّافِيَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُثْبَتِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الشَّارِحِ (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ بَلْ قَالَ عَقِبَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَأَنَا أَيْضًا لِي عَلَيْكَ مَالٌ أَوْ شَيْءٌ سَمَّاهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّاتِ (مَسْأَلَةٌ) : اُخْتُلِفَ فِي السُّكُوتِ هَلْ هُوَ كَالْإِقْرَارِ أَمْ لَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ الْعَرِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ: مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ جَاءَ قَوْمًا فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: أَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَفُلَانٌ ذَلِكَ مَعَ الْقَوْمِ فِي الْمَجْلِسِ فَسَكَتَ، وَلَمْ يَقُلْ نَعَمْ وَلَا لَا، وَلَمْ يَسْأَلْهُ الشُّهُودُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُ ذَلِكَ قِبَلَهُ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ لَازِمٌ إذَا سَكَتَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي السُّكُوتِ هَلْ هُوَ يُعَدُّ إذْنًا فِي الشَّيْءِ وَإِقْرَارًا بِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ. (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ إذْنٌ (وَالثَّانِي) : أَنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْمُدَبَّرِ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» دَلِيلًا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبِكْرِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ فِي الصَّمْتِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَاسَ مَا عَدَاهُ عَلَيْهِ إلَّا مَا يَعْلَمُ بِمُسْتَقِرِّ الْعَادَةِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْكُتُ عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَا مِنْهُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ السُّكُوتَ عَلَيْهِ إقْرَارٌ كَاَلَّذِي يَرَى حَمْلَ امْرَأَتِهِ فَيَسْكُتُ وَلَا يُنْكِرُهُ، ثُمَّ يُنْكِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَسْأَلَةَ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ وَقُسِّمَتْ تَرِكَتُهُ بِحَضْرَتِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَنَّ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِحَقِّهِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ عِيسَى وَكَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ وَالْمُتَيْطِيِّ زَادَ ابْنُ فَرْحُونٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ مَسْأَلَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِيمَنْ سُئِلَ عِنْدَ مَوْتِهِ هَلْ لِأَحَدٍ عِنْدَك شَيْءٌ فَقَالَ لَا قِيلَ لَهُ وَلَا لِامْرَأَتِك وَالْمَرْأَةُ سَاكِتَةٌ وَلَمْ تَتَكَلَّمْ، وَهِيَ تَسْمَعُ فَإِنَّهَا تَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهَا عَلَيْهِ يُرِيدُ إلَى الْآنِ، وَتَأْخُذُهُ إنْ قَامَتْ لَهَا بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا يَضُرُّهَا سُكُوتُهَا مِنْ الْمَذْهَبِ لِابْنِ رَاشِدٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ الْمَذْكُورَةَ هُنَا، وَلَمْ يَنْقُلْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: فَرْعٌ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فُلَانٌ السَّاكِنُ فِي مَنْزِلِك لِمَ أَسْكَنْتَهُ فَقَالَ أَسْكَنْتُهُ بِالْكِرَاءِ وَالسَّاكِنُ يَسْمَعُ وَلَا يُنْكِرُ وَلَا يُغَيِّرُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ فَقَالَ لَا يَقْطَعُ سُكُوتُهُ دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: ظَنَنْت أَنَّهُ يُدَاعِبُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ سَلْمُونٍ أَيْضًا إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ وَزَادَ بَعْدَهُ وَكَتَبَ شَجَرَةُ إلَى سَحْنُونٍ رَجُلٌ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ سَاكِتَةٌ تَسْمَعُ وَلَا تَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ، فَلَمَّا مَاتَ الْمُوصِي قَالَتْ إنَّهَا حُرَّةٌ، فَلَا يَضُرُّهَا سُكُوتُهَا انْتَهَى، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ الْقِسْمَةِ عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ إذَا قَسَمَ بَعْضَ الْعَقَارِ، وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ حِينَ الْقِسْمَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْكَلَامَ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الرَّبْعِ لَمْ يُقْسَمْ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ انْتَهَى (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ فِي مَسَائِلِ

الْإِقْرَارِ إذَا دَفَعَ وَدِيعَةً لِرَسُولٍ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فَسَكَتَ، ثُمَّ طَالَبَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا أَمَرَ فُلَانًا بِقَبْضِهِ وَمَا كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا بِقَبْضِهِ، ثُمَّ يَغْرَمُهُ وَلَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقَالَ لِلدَّافِعِ: كَلِّمْ فُلَانًا الْقَابِضَ يَحْتَالُ لِي فِي الْمَالِ كَانَ رِضًا بِقَبْضِهِ فَلْيَطْلُبْهُ بِهِ وَالدَّافِعُ بَرِيءٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْمُودَعِ يَأْتِيهِ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ رَبَّهَا أَمَرَهُ بِأَخْذِهَا فَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ فِي الَّذِي قَالَ لِلْمُودَعِ بَعَثَنِي رَبُّهَا لِآخُذَهَا مِنْك فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ مَعَ رَبِّهَا فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَسَكَتَ، ثُمَّ طَالَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَمَرَ فُلَانًا بِقَبْضِهَا وَمَا كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا بِقَبْضِهِ، ثُمَّ يَغْرَمُهُ وَلَوْ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ عَلِمَ بِقَبْضِ الْقَابِضِ، فَجَاءَ إلَى الْمُودَعِ فَقَالَ لَهُ كَلِّمْ فُلَانًا الْقَابِضَ يَحْتَالُ لِي فِي الْمَالِ فَقَالَ هَذَا رِضَا بِقَبْضِهِ فَلْيَطْلُبْهُ بِهِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ قَالَ وَلَوْ طَلَبَهَا رَبُّهَا فَجَحَدَ الدَّافِعُ فَقَالَ رَبُّهَا احْلِفْ مَا أَوْدَعْتُكَ قَالَ يَحْلِفُ لَهُ مَا لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيَعْنِي أَيْضًا أَنَّ الدَّافِعَ أَيْقَنَ بِأَمْرِ رَبِّ الْوَدِيعَةِ لَهُ انْتَهَى. ص (وَلَزِمَ إنْ نُوكِرَ فِي أَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ) ش: يُرِيدُ وَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ. ص (أَوْ عَبْدٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ) ش هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ أَصْبَغُ وَلَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَهُوَ يُؤْخَذُ مِنْ فَصْلِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. ص (أَوْ اشْتَرَيْت عَبْدًا بِأَلْفٍ وَلَمْ أَقْبِضْهُ) ش فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقُولُوا بِتَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، وَلَمْ أَقْبِضْهُ، وَيُعَدُّ قَوْلُهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ نَدَمًا فَالْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَيْت عَبْدًا بِأَلْفٍ يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّتِهِ بِالْأَلْفِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَيْك انْتَهَى. (قُلْت) : كَأَنَّهُ يُشِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إلَى مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الضَّمَانَ يَنْتَقِلُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ بِالْعَقْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالتَّسْلِيمِ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ مِنِّي وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ السَّابِعِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ نَشْهَدَ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ حَتَّى يَقُولَا وَقَبَضَ السِّلْعَةَ انْتَهَى. ص (أَوْ أَقْرَرْت بِكَذَا وَأَنَا صَبِيٌّ) ش: قَالَ فِي الْعُمْدَةِ وَإِنْ أَقَرَّ بَالِغًا عَاقِلًا

أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالًا فِي جُنُونِهِ أَوْ فِي صَبْوَتِهِ لَزِمَهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بَالِغًا فَقَالَ بَلْ أَقْرَرْت غَيْرَ بَالِغٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَظُنُّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُدَّعِي، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ مَجْنُونًا، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ سَبْقُ جُنُونٍ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ؟ رِوَايَتَانِ وَلَوْ قَالَ لَا أَدْرِي هَلْ كُنْتُ بَالِغًا أَمْ لَا أَوْ كُنْتُ عَاقِلًا أَمْ لَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى الْقَوْلِ الْمَظْنُونِ يُشْبِهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ انْتَهَى. (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الصِّبَا وَالْجُنُونِ فَإِذَا قَالَ لَا أَدْرِي أَكُنْتُ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ بَالِغٌ وَإِذَا قَالَ: لَا أَدْرِي أَكُنْتُ بَالِغًا عَاقِلًا أَمْ لَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَقْلُ حَتَّى يَثْبُتَ انْتِفَاؤُهُ فَتَأَمَّلْهُ. ص (أَوْ بِقَرْضٍ شُكْرًا عَلَى الْأَصَحِّ) ش: كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ عَلَيْهَا حَسَنٌ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِقَرْضٍ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِغَيْرِ الْقَرْضِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالشُّكْرُ إنَّمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي قَضَاءِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ يُوجِبُ شُكْرًا وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مِنْ غَيْرِ قَرْضٍ وَادَّعَى قَضَاءَهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَسَوَاءٌ قَالَ كَانَ عِنْدِي عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ أَوْ لَا انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ وَزَادَ فِيهِ إذْ لَيْسَ بِمَوْضِعِ شُكْرٍ عَلَى مَا مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي رَسْمِ تَوَضَّأَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَشْهَدَ رَجُلًا أَنَّهُ تَقَاضَى مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَإِنَّهُ أَحْسَنَ قَضَائِي فَلَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَالَ الْمَشْهُودُ لَهُ: قَدْ كَذَبَ إنَّمَا أَسْلَفْته الْمِائَةَ سَلَفًا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَشْهُودِ لَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِثْلُ مَا فِي آخِرِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا وَمَا فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ لَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ اقْتَضَاهُ مِنْ حَقٍّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَلَفٍ وَادَّعَى قَضَاءَهُ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ لَا يَلْزَمُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ أَنَّ السَّلَفَ مَعْرُوفٌ يَلْزَمُهُ شُكْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] وَقَوْلِهِ {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] . وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَزْكَتْ عَلَيْهِ يَدُ رَجُلٍ فَلْيَشْكُرْهَا» فَحُمِلَ الْمُقِرُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ إلَى أَدَاءِ مَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ الشُّكْرِ لِفَاعِلِهِ لَا إلَى الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ السَّلَفِ عَلَيْهِ إذْ قَدْ قَضَاهُ إيَّاهُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَحُسْنُ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقْتَضِي أَنْ يَشْكُرَهُ فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الدَّعْوَى، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ فِي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقْتَضِي وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ نَصٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا ص (وَقَبْلَ أَجَلِ مِثْلِهِ إلَخْ) ش:

مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَرْضِ الْحُلُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا فِي غَصْبٍ فَقَوْلَانِ) ش: كَذَا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَشْهَبَ عَدَمُ لُزُومِ الْغَصْبِ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ اللُّزُومُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْهَا وَنَصُّهَا مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْخَاتَمَ، ثُمَّ قَالَ: وَفَصُّهُ لِي أَوْ أَقَرَّ لَك بِجُبَّةٍ، ثُمَّ قَالَ وَبِطَانَتُهَا لِي أَوْ أَقَرَّ لَك بِدَارٍ وَقَالَ بِنَاؤُهَا لِي لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ نَسَقًا انْتَهَى. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ نَحْوَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ نَحْوُهُ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ ضَعِيفٌ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَصَحُّ وَأَوْلَى انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَفَى عَلَى الْأَحْسَنِ) ش: كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي قَوْلِهِ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ حَقٌّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ حَقٌّ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ سَحْنُونًا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ إذَا قَالَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ حَقٌّ أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ حَقٌّ فَقَالَ مَرَّةً: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَالَ: " مِنْ " لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ: " فِي " قُبِلَ وَالْخِلَافُ فِي قَوْلِهِ " فِي " وَفِي قَوْله " مِنْ " لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقَوْلُ بِقَبُولِ تَفْسِيرِهِ فِي " مِنْ " إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى أَنَّ الْقَوْلَ بِقَبُولِ تَفْسِيرِهِ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ، فَصَارَ كَالْعَدَمِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ إلَّا فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِشَاةٍ فِي غَنَمِهِ أَوْ بَعِيرٍ فِي إبِلِهِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَمَنْ بِيَدِهِ صُبْرَةُ قَمْحٍ فَقَالَ إنَّ لِفُلَانٍ مِنْهَا خَمْسِينَ إرْدَبًّا فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا دُونَ ذَلِكَ فَجَمِيعُهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى خَمْسِينَ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقِرِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ بِيعَ لَهُ مِنْهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْمَقَرِّ وَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنَهَا بِالْعَشَرَةِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُقِرِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ سُئِلَ مَا أَرَادَ فَإِنْ أَرَادَ كَانَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا إذَا اشْتَرَيْت سُئِلَ كَمْ كَانَ ثَمَنُهَا فَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ شَرِيكًا فِيهَا بِعَشَرَةٍ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت مِنْ ثَمَنِهَا إذَا بِيعَتْ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ طُلِبَتْ مِنْهُ الْيَمِينُ حَلَفَ عَلَى مَا يَقُولُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فَكَذَلِكَ أَيْ فَكَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُبَاعُ لَهُ مِنْهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ. ص

وَسُجِنَ لَهُ) ش: أَيْ لِلتَّفْسِيرِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ تَفْسِيرُهُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. ص (وَجُلُّ الْمِائَةِ أَوْ قُرْبُهَا أَوْ نَحْوُهَا الثُّلُثَانِ فَأَكْثَرُ بِالِاجْتِهَادِ) ش: هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَالتَّفْلِيسِ

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَا نَصُّهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَيِّتِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ سُؤَالُهُ عَنْ مُرَادِهِ، وَأَمَّا الْمُقِرُّ الْحَاضِرُ فَيُسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ مَا أَرَادَ وَيُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ إنْ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ الْمُقَرُّ لَهُ إنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَحَقَّقَ الدَّعْوَى فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُحَقِّقْ الدَّعْوَى، فَعَلَى قَوْلَيْنِ فِي إيجَابِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ إنْ فَسَّرَهُ الْمُقِرُّ بِأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَأَمَّا إنْ فَسَّرَهُ بِالنِّصْفِ أَوْ دُونَهُ، فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَأَنْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى) ش: هَذَا جَمْعُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ نَقْلَيْ سَحْنُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَنَصُّ كَلَامِ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ أَوْ حِينَ يَحْلِفُ أَوْ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ فِي يَمِينِهِ أَوْ بَعْدَ يَمِينِهِ، فَحَلَفَ فُلَانٌ عَلَى ذَلِكَ، وَنَكَلَ الْمُقِرُّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي إجْمَاعِنَا. وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَائِلًا: وَإِنْ حَلَفَ مُطْلَقًا إنْ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ إنْ أَعَارَنِي دَابَّتَهُ أَوْ دَارِهِ فَأَعَارَهُ ذَلِكَ أَوْ إنْ شَهِدَ بِهِ عَلَى فُلَانٍ، فَشَهِدَ وَلَوْ قَالَ إنْ حُكِمَ بِهَا عَلَى فُلَانٍ فَتَحَاكَمَا إلَيْهِ فَحَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ لَزِمَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ مَنْ أَنْكَرَ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعِي احْلِفْ وَأَنْتَ بَرِيءٌ أَوْ مَتَى حَلَفْت أَوْ أَنْتِ بَرِيءٌ مَعَ يَمِينِك أَوْ فِي يَمِينِك فَحَلَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَلَوْ قَالَ لَهُ الطَّالِبُ لَا تَحْلِفْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ وَأَنَا أَغْرَمُ لَك فَحَلَفَ لَزِمَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَنُوقِضَ قَوْلُ سَحْنُونٍ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي قَوْلِهِ إنْ حَلَفَ فَحَلَفَ بِقَوْلِهِ احْلِفْ وَأَنَا أَغْرَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ حَمَالَتِهَا احْلِفْ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلَ أَخِي حَقٌّ وَأَنَا ضَامِنٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِ الشَّيْءِ إمْكَانُهُ، وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ إنْ حَلَفَ وَأَخَوَاتُهُ لِمَا عُلِمَ أَنَّ مَلْزُومِيَّةَ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ لَا تَدُلُّ عَلَى إمْكَانِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ إتْيَانِهِ فِي لَفْظِهِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِمْكَانُ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ احْلِفْ لِإِتْيَانِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ شَرْطِ اللُّزُومِ، وَهُوَ الْإِمْكَانُ لِدَلَالَةِ صِيغَةِ افْعَلْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَطْلُوبٍ عَادَةً مُمْكِنٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. ص (أَوْ شَهِدَ فُلَانٌ غَيْرُ الْعَدْلِ) ش: مَفْهُومُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا لَزِمَهُ

مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ فَقَطْ وَاَلَّذِي حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى التَّبْكِيتِ لِصَاحِبِهِ وَالْإِنْزَاهِ لِلشَّاهِدِ عَنْ الْكَذِبِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّبْكِيتِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ كَانَ يُحَقِّقُ عِلْمَ مَا نَازَعَهُ فِيهِ خَصْمُهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا يُحَقِّقُهُ إلَّا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ أَوْ يَمِينِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَالثَّانِي إنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ كَانَ يُحَقِّقُ عِلْمَ مَا نَازَعَهُ فِيهِ خَصْمُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُحَقِّقُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ دُونَ يَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ لَا يُحَقِّقُ مَعْرِفَةَ مَا نَازَعَهُ فِيهِ خَصْمُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ يُحَقِّقُ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دِينَارٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَاخْتِيَارُ سَحْنُونٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّاهِدُ فِي هَذَا كُلِّهِ عَدْلًا أَوْ مَسْخُوطًا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَقَدْ قِيلَ لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ بِخِلَافِ الْمَسْخُوطِ، وَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ صُورَةِ تَرَاجُعِهِمَا التَّبْكِيتُ مِنْ غَيْرِ التَّبْكِيتِ فَهُوَ فِيمَا نَازَعَهُ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ قَالَهُ أَوْ فِعْلٍ فَعَلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّبْكِيتِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ الرِّضَا وَالْتِزَامُ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِيمَا نَازَعَهُ مِنْ حُدُودِ أَرْضٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ التَّبْكِيتِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ التَّبْكِيتُ وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرِّضَا بِقَوْلِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ وَذَلِكَ بِخِلَافِ الرِّضَا بِالتَّحْكِيمِ إذْ لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْزِعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَيَخْتَلِفُ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْحُكْمِ انْتَهَى فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّاهِدَ إنْ كَانَ عَدْلًا لَمْ يَلْزَمْ مَا شَهِدَ بِهِ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَيْرِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُؤَثِّرُ أَصْلًا لِأَحَدِهِمَا وَلَا مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ أَوْ يَمِينٍ وَأَوَّلُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَا شَهِدَ بِهِ الْعَدْلُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَنَصَّ مَالِكٌ فِي مَسْأَلَةِ إنْ شَهِدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، وَأَمَّا الْعَدْلُ فَيُقْبَلُ عَلَيْهِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَا شَهِدَ بِهِ الْعَدْلُ وَنَحْوُهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ، فَيُقْبَلُ عَلَيْهِ أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ النَّوَادِرِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ لَمَّا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَكِنْ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا قُبِلَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَالتَّبْكِيتِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ كَالتَّقْرِيعِ وَالتَّعْنِيفِ وَبَكَّتَهُ بِالْحُجَّةِ أَيْ غَلَبَهُ انْتَهَى. ص (وَلَك أَحَدُ ثَوْبَيْنِ عُيِّنَ إلَخْ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ، وَانْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ مَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ أَقَرَّ بِعَدَدٍ مِنْ صِنْفَيْنِ لَمْ يَذْكُرْ كَمْ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ دَنَانِيرُ وَدَرَاهِمُ فَإِنْ أَمْكَنَ مَسْأَلَتُهُ سُئِلَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَيُجْبَرُ حَتَّى يُبَيِّنَ فَإِنْ مَاتَ فَوَرَثَتُهُ بِمَثَابَتِهِ يُقِرُّونَ بِمَا شَاءُوا مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَيَحْلِفُونَ فَإِنْ أَنْكَرَ، وَأَعْلَمَ ذَلِكَ جُعِلَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بَعْدَ أَيْمَانِ

الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ شَيْئًا وَبَعْدَ يَمِينِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى الْعِلْمِ انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي أَحْكَامِهِ فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ. ص (وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ قِبَلَهُ أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ أَوْ أَبْرَأَهُ بَرِئَ مُطْلَقًا وَمِنْ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ فُلَانٍ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَفُلَانٌ بَرِيءٌ فِي إجْمَاعِنَا مِنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ كَفَالَةً أَوْ غَصْبًا أَوْ قَرْضًا أَوْ إجَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى قِبَلَهُ قَذْفًا أَوْ سَرِقَةً فِيهَا قُطِعَ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُولَ الْبَيِّنَةُ إنَّهُ جَعَلَهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَهُ بِقِصَاصٍ وَلَا حَدٍّ وَلَا أَرْشٍ وَلَا كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ وَلَا بِمَالٍ وَلَا دَيْنٍ وَلَا مُضَارَبَةٍ وَلَا شَرِكَةٍ وَلَا مِيرَاثٍ وَلَا دَارٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رَقِيقٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِنْ عُرُوضٍ وَغَيْرِهَا إلَّا مَا يَسْتَأْنِفُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فِي إجْمَاعِنَا انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ سَحْنُونٌ: فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِ: إذَا قَالَ: فُلَانٌ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِي عَلَيْهِ أَوْ قَالَ مِمَّا لِي عَلَيْهِ أَوْ مِمَّا لِي عِنْدَهُ أَوْ قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمَانَةٍ أَوْ ضَمَانٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ قَوْلَهُ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ حَقِّهِ قِبَلَهُ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ جَمِيعِ حَقِّهِ، ثُمَّ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ بَعْضِ حَقِّي وَبَقِيَ الْبَعْضُ، فَلَا يُصَدَّقُ وَالْبَرَاءَةُ جَائِزَةٌ فِي إجْمَاعِنَا فِي جَمِيعِ حَقِّهِ انْتَهَى. وَهُوَ مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ: وَهَذَا آخِرُ حَقٍّ لِي عَلَيْهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِرَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَأَنَّهُ أَخَّرَ كُلَّ حَقٍّ لَهُ مَطْلَبٌ مِنْ جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ غَلِطَ أَوْ نَسِيَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ حَقٍّ مُسَمًّى، وَفِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا قِبَلَهُ حَقٌّ، وَلَا عِنْدَهُ أَوْ شَهِدُوا لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ غَيْرُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلَيْسَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يُرِيدُ مِمَّا قَبْلَ تَارِيخِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الَّذِي أَقَرَّ بِالْحَقِّ لَيْسَ هَذَا الَّذِي أَدَّيْت عَلَيَّ وَغَلَطْت فِي الْحِسَابِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ رَبَّ الْحَقِّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَا نَفَعَتْ الْبَرَاءَةُ وَلَا انْقَطَعَتْ الْمُعَامَلَةُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : ذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي تَرْجَمَةِ مُبَارَأَةِ الْوَصِيِّ عَنْ الْيَتِيمَةِ مَا يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَالْمُؤَلِّفُ وَنَصُّهُ اُنْظُرْ لَوْ انْعَقَدَ بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَى وَلَا حُجَّةٌ وَلَا يَمِينٌ وَلَا عُلْقَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، ثُمَّ قَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِحَقٍّ قَبْلَ تَارِيخِ الْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ، وَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدَا فِيهِ لِإِسْقَاطِ الْبَيِّنَةِ قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فَعَلَى هَذَا يُفْتَقَرُ إلَى ذِكْرِ إسْقَاطِ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ وَمَنْ أَقَامَ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَهِيَ زُورٌ وَإِفْكٌ لَا عَمَلَ عَلَيْهَا انْتَهَى مِنْ آخِرِ مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ وَمَا قَالَهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ الْحَاجِّ (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بَلْ صَرِيحُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَشْمَلُ الْأَمَانَاتِ وَهِيَ مُعَيَّنَاتٌ وَفِي كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعَاوَى تَنْبِيهٌ: الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمُعَيَّنِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ بَرَّأْتُكَ مِنْ دَارِي الَّتِي تَحْتَ يَدِك؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ الْإِسْقَاطُ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَسْقُطُ نَعَمْ يَصِحُّ فِيهِ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَبْرَأْتُك مِنْ دَارِي الَّتِي تَحْتَ يَدِك أَيْ أَسْقَطْت مُطَالَبَتِي بِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَقْتَضِي الْإِسْقَاطَ، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْإِسْقَاطِ فِي الْمُعَيَّنِ وَأَنَّ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ أَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى

الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) : قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ بَرِئَ مُطْلَقًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَبْرَأَهُ مِنْهُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا كَمَا قَالَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَأَبْرَأَ وَإِنْ جَهِلَهُ الثَّلَاثَةُ وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ لَا يُفْسِدُهَا الْجَهْلُ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُشَارَ إلَيْهِ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَكَالَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي بَابِ الْحَمَالَةِ نَظَائِرُ قَالَ الْعَبْدِيُّ يَجُوزُ الْمَجْهُولُ فِي الْحَمَالَةِ وَالْهِبَةِ زَادَ غَيْرُهُ الْوَصِيَّةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ وَالصُّلْحَ وَالْخُلْعَ وَالصَّدَاقَ فِي النِّكَاحِ وَالصَّدَقَةَ وَالْقِرَاضَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْمُغَارَسَةَ فَتَكُونُ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً. (الرَّابِعُ) : مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ لَفْظَةَ عِنْدِي تَقْتَضِي الْأَمَانَةَ وَلَفْظَةُ عَلَيْهِ تَقْتَضِي الذِّمَّةَ نُقِلَ مِثْلُهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ الْغَرْنَاطِيِّ وَنَصُّهُ وَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ بَرِئَ مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالدُّيُونِ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالْأَمَانَاتِ انْتَهَى. مِنْ وَثَائِقِ أَبِي إِسْحَاقَ الْغَرْنَاطِيِّ. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) : إذَا عَمَّمَ الْمُبَارَآتِ بَعْدَ عَقْدِ الْخُلْعِ فَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ الدَّعَاوَى كُلِّهَا مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِالْخُلْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَحْكَامِ الْخُلْعِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْخُلْعِ وَهِيَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ، وَذَكَرْتُهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الِالْتِزَامِ الَّذِي أَلَّفْتُهُ (الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ تَعْلِيقَةِ التُّونُسِيِّ مَا نَصُّهُ وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا قَامَ بِعَقْدِ اسْتِرْعَاءٍ وَطَلَبَ إثْبَاتَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ: هَذَا الرَّجُلُ إنَّهُ سَاقِطٌ عَنِّي بِإِشْهَادِ هَذَا الْقَائِمِ عَلَى نَفْسِهِ بِقَطْعِ دَعْوَاهُ عَنِّي، وَإِنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ مُسْتَرْعَاةٍ قَدِيمَةٍ أَوْ حَدِيثَةٍ فَهِيَ سَاقِطَةٌ، فَقَالَ الْقَائِمُ إنِّي لَمْ أَفْهَمْ هَذِهِ الْوَثِيقَةَ الْمُنْعَقِدَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَهِيَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الْكَمَالِ جَوَابُهَا إنْ شَهِدَ بِهَا، فَإِنَّهَا تَمْضِي عَلَى الْقَائِمِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَفْهَمْهَا إبْطَالٌ لَهَا، وَتَزْوِيرٌ لِشُهُودِهَا، وَهَذَا بَابٌ عَظِيمٌ إنْ فُتِحَ لِلْخِصَامِ بَطَلَتْ بِهِ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ وَبَيِّنَاتٌ مُحَقَّقَةٌ، وَسَدُّ هَذَا الْبَابِ وَاجِبٌ انْتَهَى، وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مَسَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ: مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُبْرِئَ عَنْ الْمَحْجُورِ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّةَ، وَإِنَّمَا يُبْرِئُ عَنْهُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ، وَكَذَلِكَ الْمَحْجُورُ يَقْرَبُ رُشْدُهُ لَا يُبْرِئُهُ إلَّا مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ، وَلَا تَنْفَعُهُ الْمُبَارَأَةُ الْعَامَّةُ حَتَّى يَطُولَ رُشْدُهُ كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْمُتَيْطِيُّ وَمِنْ هَذَا لَا يُبْرِئُ الْقَاضِي النَّاظِرَ فِي أَحْبَاسِ الْمُبَارَآتِ الْعَامَّةِ وَإِنَّمَا يُبْرِئُهُ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ وَإِبْرَاؤُهُ عُمُومًا جَهْلٌ مِنْ الْقُضَاةِ، وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ لِقَاضٍ يَزْعُمُ الْمَعْرِفَةَ، وَلَا يَعْلَمُ صِنَاعَةَ الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ رَأَيْت تَقْدِيمَ قَاضٍ آخَرَ لِنَاظِرٍ فِي حَبْسٍ مُعَيَّنٍ، وَجَعَلَ بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرَ التَّامَّ الْعَامَّ وَجَعَلَهُ مُصَدَّقًا فِي كُلِّ مَا يَتَوَلَّى دَخْلَهُ وَخَرْجَهُ دُونَ بَيِّنَةٍ لِثِقَتِهِ بِالْقِيَامِ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا جَهْلٌ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْأَحْبَاسِ كَأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] يَقُولُ لِئَلَّا تَضْمَنُوا وَيَقُولُ الْآخَرُ لِئَلَّا تَحْلِفُوا فَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُصْرَفُ الْأَمْرُ إلَيْهِمْ عَلَى حَدِّ مَا يَصْرِفُهُ الْإِنْسَانُ فِي مَالِ نَفْسِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ التَّامِّ انْتَهَى. ص (فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَإِنْ بِصَكٍّ إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ بَعْدَهُ) ش: قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذَا الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ عِنْدَنَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ أَنْ لَيْسَ لَهُ قِبَلَ فُلَانٍ شَيْءٌ وَلَا يَدْرِي الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَا عَلَى الْحَقِّ قَبْلَ هَؤُلَاءِ أَمْ بَعْدُ قَالَ أَرَى أَنْ يَقْضِيَ بِشَاهِدَيْ الْمَطْلُوبِ ابْنُ رُشْدٍ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَقَرَّ بِالْعِشْرِينَ وَادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِنْهَا وَاسْتَظْهَرَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ بِإِقْرَارِ الطَّالِبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ، فَالطَّالِبُ يَقُولُ إنَّمَا أَقْرَرْت قَبْلَ أَنْ تَجِبَ الْعِشْرُونَ وَالْمَطْلُوبُ يَقُولُ إنَّمَا أَقْرَرْت بَعْدَ وُجُوبِهَا فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَقْضِي بِشَاهِدَيْ الْمَطْلُوبِ مَعْنَاهُ يَقْضِي بِأَنْ

يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْهِ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ قَدِيمٌ غَيْرُ هَذَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ قَوْلًا وَاحِدًا بِدَلِيلِ مَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْوَدِيعَةِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُ حَقٌّ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ عَلَى الطَّالِبِ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْعِشْرِينَ، وَأَتَى بِبَرَاءَةٍ مِنْهَا وَقَالَ: هِيَ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا وَقَالَ الطَّالِبُ: غَيْرُهَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ إنْ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ غَيْرُهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا قِبَلَهُ وَلَا بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَيَخْتَلِفُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلِسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ الْمِدْيَانِ ثَالِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ تَفْرِقَتُهُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَطْلُوبُ بِبَرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ تَسْتَغْرِقُ الْعَدَدَ أَوْ بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مُنْكِرًا لِلْعِشْرِينَ الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهَا، فَلَا إشْكَالَ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ إذْ لَا تَسْقُطُ بَيِّنَتُهُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ إذَا أَتَى بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ الْعِشْرِينَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى هُوَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ، وَنَصُّهُ وَسَأَلْت ابْنَ وَهْبٍ عَنْ الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَيْهِ رَجُلٌ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَيَدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَضَاهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَعِشْرِينَ وَيَأْتِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا تَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِائَةِ الدِّينَارِ بِعَيْنِهَا أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيَقُولُ الطَّالِبُ إنَّمَا لِي عَلَيْكَ مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ عِطْرٍ بِعْتُكَهُ وَثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ لَهُ الطَّالِبُ هَاتِ الْبَيِّنَةَ إنَّك قَضَيْتنِي ثَمَنَ الْعِطْرِ بِعَيْنِهِ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قَضَيْتُكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ ثَمَنَ الْعِطْرِ فِيهَا فَهَلْ يَبْرَأُ الْمَطْلُوبُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْهَا فَقَالَ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلَتْ الْمِائَةُ دِينَارٍ ثَمَنُ الْعِطْرِ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي قَضَاهُ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَتَى بِذِكْرِ حَقٍّ، فَأَتَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَرَاءَةٍ مَنْ أَلْفَيْ دِينَارٍ قَالَ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَبْرَأُ، وَهَذَا أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا. قَالَ يَحْيَى: وَسَأَلْتُ ابْنَ نَافِعٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَمُلَابَسَةٌ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ ثَمَنَ الْعِطْرِ دَخَلَتْ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَإِلَّا غَرِمَ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَامَلَهُ فِي غَيْرِ الْعِطْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَقَطَ جَوَابُ ابْنِ وَهْبٍ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَثَبَتَ فِي بَعْضِهَا؟ قَالَ نَعَمْ فَقَوْلُهُ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ، فَهُوَ خِلَافٌ لَهُمْ إذْ لَا فَرْقَ فِي مَذْهَبِهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ لَا يَكُونَ، الْقَوْلُ عِنْدَهُمْ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَأْتِيَ الطَّالِبُ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَاهُ وَلَا اخْتِلَافَ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ، وَلَا فِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُهُ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ وَمُلَابَسَةٌ انْتَهَى. وَلَهُ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ نَحْوُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَقَامَ بِهِ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَزَعَمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ، فَتَأْتِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ مُنْذُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِهَا وَيَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ مُنْذُ سِنِينَ فَبِأَيِّ الشَّاهِدَيْنِ يُؤْخَذُ قَالَ: يُؤْخَذُ بِأَحْدَثِهِمَا وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي يُوجِبُهُ الْحُكْمُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَهُ بِالْحَقِّ بَعْدَ أَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْقَضَاءِ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقٍّ

تنبيه إنما يلزم المطلوب اليمين إذا حقق الطالب الدعوى

آخَرَ قِبَلَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ آخَرُ فَقَضَاهُ فَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِحَقٍّ قَدِيمٍ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِحَقٍّ آخَرَ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ، وَأَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِبَلَهُ سِوَى هَذَا الَّذِي قَدْ قَضَاهُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ قَدِيمَةٌ وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَلِسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ ثَالِثٌ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ أَوْ الطَّالِبِ، فَذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَالصُّلْحِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاتَّضَحَ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ قَدِيمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي مَسْأَلَةِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِالْبَرَاءَةِ بَلْ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْبَرَاءَةِ سَقَطَ كُلُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِالْقَضَاءِ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ، فَيَدَّعِي الطَّالِبُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقَّيْنِ وَأَنَّ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَقَامَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ غَيْرُ الَّذِي شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ بِقَضَائِهِ، وَيَدَّعِي الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَضَاهُمَا جَمِيعًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ يَحْلِفُ، وَيَأْخُذُ حَقَّهُ، وَهُوَ بَيِّنٌ أَيْضًا، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الشَّرِيكَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ فَيَكْتُبُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ آخِرِ حَقٍّ قِبَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ بِذِكْرِ حَقٍّ قِبَلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي أَصْلِ الْبَرَاءَةِ اسْمُهُ فَادَّعَى صَاحِبُ الْبَرَاءَةِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ قَالَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلَ فِي حِسَابِنَا، وَيَبْرَأُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ إذَا تَحَاسَبُوا دَخَلَ أَشْبَاهُ هَذَا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ كَانَ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ فِيهِ شُهَدَاءُ أَخَذَ بِمَا فِيهِ لَمْ يَتَحَاسَبُوا لِيَبْرَأَ بَعْضُهُمْ مِنْ تَبَاعَةِ بَعْضٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَافَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ الَّذِي قَامَ بِهِ الطَّالِبُ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ إذَا كَانَتْ بِتَوَارِيخَ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْبَرَاءَةُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهَذَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَكْرَى دَارًا مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَاةً إنْ دَفَعَ كِرَاءً شَهْرًا وَسَنَةً بَرَاءَةً لِلدَّافِعِ مِمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، وَمِثْلُ مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فِي الَّذِي يُبَارِئُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنْ تَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ تَطْلُبُهُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعَ أَوْ يُعْطِيهَا هَذَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ إذَا قَامَ بِذِكْرِ حَقٍّ، فَزَعَمَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَزَعَمَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ، وَأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَضَى تَحْصِيلُهَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ إنَّمَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ إذَا حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى] (تَنْبِيهٌ) : إنَّمَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ إذَا حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى وَإِنَّهَا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَلَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ كَانَتْ الْيَمِينُ يَمِينَ تُهْمَةٍ وَتَجْرِي عَلَى أَيْمَانِ التُّهَمِ قَالَ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ أَيْضًا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَضَاهُ وَاكْتَتَبَ مِنْهُ بَرَاءَةً فِيهَا، وَهُوَ آخِرُ حَقٍّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيَأْتِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ أَرَى بَرَاءَتَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ دَخَلَ هَذَا الذِّكْرُ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ، وَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطَّالِبَ لَمَّا أَتَى بِذِكْرِ الْحَقِّ أُشْكِلَ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا إمَّا لِكَوْنِهِمَا مُؤَرَّخَيْنِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ عَارِيَّيْنِ مِنْ التَّارِيخِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَوَقَعَ قَوْلُهُ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ مُعَرًّى مِنْ الضَّبْطِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ الطَّالِبَ لَا يَعْلَمُ أَكَانَ ذِكْرُ الْحَقِّ الَّذِي قَامَ بِهِ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فَإِيجَابُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَقَدْ دَخَلَ هَذَا الذِّكْرُ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ دَعْوَى، فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْلُومِ فِي لُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَصَرْفِهَا وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ

الطَّالِبَ ادَّعَى أَنَّ ذِكْرَ حَقِّهِ الَّذِي قَامَ بِهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَحَقَّقَ الدَّعْوَى بِذَلِكَ، وَلَمْ يَعْلَمْ صِحَّةَ قَوْلِهِ لِالْتِبَاسِ التَّوَارِيخِ فَلَا اخْتِلَافَ وَلَا إشْكَالَ فِي لُحُوقِ الْيَمِينِ وَلَا فِي وُجُوبِ صَرْفِهَا إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ أَوْ الْمَطْلُوبِ؟ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا لِسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت إنْ أَتَى بِذِكْرِ حَقٍّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ، فَأَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِبَرَاءَةِ أَلْفَيْ دِينَارٍ يَزْعُمُ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَ دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الْمُحَاسَبَةِ وَالْقَضَاءِ قَالَ: يَحْلِفُ وَيَبْرَأُ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ أَتَى بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الذِّكْرِ الْحَقِّ أَوْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَنْسُوبًا أَنَّهُ مِنْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَاتُ مُتَفَرِّقَةً وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَتْ فِيهَا جَمِيعُ هَذِهِ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ أَوْ الذِّكْرِ الْحَقِّ فَإِنِّي لَا أَرَاهَا بَرَاءَةً مِمَّا ثَبَتَ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا جَمِيعُ هَذَا الْحَقِّ وَصَارَتْ بَقِيَّةُ الْبَرَاءَاتِ زِيَادَةً عَلَى مَا ثَبَتَ قَبْلَهُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفَ وَيَبْرَأَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ تَفْرِقَةُ سَحْنُونٍ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ لَا وَجْهَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يُقْضَى مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنْ يَبْرَأَ بِالْبَرَاءَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَتْ كَفَافًا بِالذِّكْرِ الْحَقِّ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ إنْ كَانَ الْبَرَاءَةُ أَوْ الْبَرَاءَاتُ إذَا اجْتَمَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ لَمْ تَكُنْ بَرَاءَةً لَكَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ بِأَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْكَرَ الْمُخَالَطَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْهُ سِوَى هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْحَقِّ وَادَّعَاهَا الطَّالِبُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْبَرَاءَاتِ أَكْثَرُ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُخَالَطَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى ذِكْرِ الْحَقِّ وَتَكُونُ الْبَرَاءَةُ أَوْ الْبَرَاءَاتُ بَرَاءَةً لَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْبَرَاءَاتِ زِيَادَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْحَقِّ كَانَ فِي ذَلِكَ لِلطَّالِبِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُخَالَطَةِ، وَأَنَّهُ عَامَلَهُ غَيْرَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَدْ عَامَلَهُ فِيمَا سِوَى هَذَا الْحَقِّ، وَأَنَّ الْبَرَاءَةَ أَوْ الْبَرَاءَاتِ الَّتِي اسْتَظْهَرَ بِهَا الْمَطْلُوبَ إنَّمَا هِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةً لِلْمَطْلُوبِ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ انْتَهَى. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَرَاءَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ وَأَنَّ هَذَا آخِرُ حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ بِيَمِينٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ التَّارِيخَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَدُونَ يَمِينٍ إنْ كَانَ ذَكَرَ الْحَقَّ الَّذِي بِيَدِ الطَّالِبِ تَارِيخَهُ مُقَدَّمًا عَلَى تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ: وَسَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ. وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي بِذِكْرِ حَقٍّ فِيهِ شُهُودٌ عَلَى رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَيَأْتِي الْمَطْلُوبُ بِبَرَاءَةٍ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَدْرِي شُهُودَهَا أَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ الذِّكْرِ بِحَقٍّ أَوْ بَعْدَهُ لَيْسَ فِيهَا تَارِيخٌ قَالَ: يَحْلِفُ، وَيَبْرَأُ يَعْنِي صَاحِبَ الْبَرَاءَةِ قُلْت: يَعْنِي يَحْلِفُ أَنَّهُ قَضَاءٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ، وَيَبْرَأُ وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَهَذَا هُوَ الْقَضَاءُ وَصَوَابُهُ، وَلَا يَجْعَلُ لَهُ مَالَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ لِلْحَقِّ تَارِيخٌ وَالْبَرَاءَةُ بَعْدَهُ بِمَالٍ دَفَعَهُ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ غَيْرُهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ بَرِيءٌ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَتَى بِذِكْرِ حَقٍّ عَلَى رَجُلٍ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ فَأَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِبَرَاءَتِهِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، فَزَعَمَ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَ دَخَلَتْ فِي هَذِهِ الْمُحَاسِبَةِ وَالْقَضَاءِ، وَأَتَى بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا اجْتَمَعَتْ اسْتَوَتْ مَعَ الذِّكْرِ الْحَقِّ أَوْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ أَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَنْسُوبٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الذُّكُورَاتِ الْحَقِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ فِي الْأَكْثَرِ قَدْ دَخَلَ فِيهِ عِنْدَ الْحِسَابِ وَالْقَضَاءِ مَعَ غَيْرِهِ، فَرَأَى ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءً وَأَنَّهُ لَهُ بَرَاءَةٌ، وَيَحْلِفُ فِي ذَلِكَ إنْ ادَّعَى الْآخَرُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ لَفْظًا ثَابِتًا، وَيَتِمُّ لَهُ بَقِيَّةُ الذُّكُورَاتِ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَاتُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَهُوَ الَّذِي أَرَى وَأَسْتَحْسِنُ. قَالَ أَصْبَغُ: رَدَدْتُهَا عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ

وَهُوَ كَالطَّلَاقِ وَلِلطَّلَاقِ تَفْسِيرٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُسَاوَاتُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَرَاءَةُ الْوَاحِدَةُ أَوْ الْبَرَاءَاتُ أَقَلَّ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ لِلْمَطْلُوبِ، هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَظْهَرِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ بَرَاءَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ لَهُ بَرَاءَةٌ انْتَهَى، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ كَالطَّلَاقِ إلَخْ وَنَقَلْت كَلَامَهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَرَاجِعْهُ وَاسْتِظْهَارُ ابْنِ رُشْدٍ هُنَا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ اسْتِظْهَارِ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ، فَلَعَلَّهُ رَجَعَ إلَى اسْتِظْهَارِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْوَدِيعَةِ هُوَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ. وَنَصُّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ فَقِيلَ لَهُ كَانَتْ لِي عِنْدَ رَجُلٍ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَدِيعَةً فَكُنْتُ آخُذُ مِنْهُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ حَتَّى بَقِيَتْ لِي عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَسَأَلْتُهُ إيَّاهَا، فَقَالَ دَفَعْتُهَا فِي بَعْضِ حَاجَتِي، وَلَكِنْ اُكْتُبْهَا عَلَيَّ فَكَتَبْتُهَا عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ وَالْبَيِّنَةِ مُؤَرَّخَةً فَغِبْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَتَقَاضَيْتُهُ إيَّاهَا، فَجَاءَ بِبَرَاءَةٍ مَكْتُوبٍ فِيهَا بَرَاءَةٌ لِفُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ مِنْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ الْأَرْبَعَةُ مُؤَرَّخَةً وَلَا مَنْسُوبَةً مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَلَا مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهُوَ يَقُولُ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقُولُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي كَانَتْ لِي عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَكْتُبَ عَلَيْكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقَالَ أَيُقِرُّ لَك بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَكَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَقَالَ: لَا فَأَطْرَقَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا حَلَفْت بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَكَانَتْ لَكَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنَّ الْبَرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنَّهَا مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ، وَلَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ إنَّهَا مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بِاتِّفَاقٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ تَرْجَمَةِ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا وَكَتَبَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ آخِرُ حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، فَقَالَ هُوَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَقَالَ الْآخَرُ: قَبْلَهَا فَكُلَّمَا أُشْكِلَ مِنْ هَذَا أَهُوَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَمْ بَعْدَهَا، فَلَا يُقْضَى بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ هَذَا ذِكْرَ حَقٍّ لَا تَارِيخَ فِيهِ، وَبِيَدِ الْآخَرِ بَرَاءَةٌ لَا تَارِيخَ فِيهَا فَالْبَرَاءَةُ أَحَقُّ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا تَارِيخٌ حُكِمَ بِاَلَّذِي فِيهِ التَّارِيخُ، وَبَطَلَ الْآخَرُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي يَقُومُ بِهِ قَبْلَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَهُ أَوْ غَلِطَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ مُقَنَّعِهِ كَلَامَ النَّوَادِرِ بِرُمَّتِهِ، وَقَبْلَهُ، وَرَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الَّتِي بِيَدِهِ مَا صُورَتُهُ فِي هَذَا خِلَافٌ فِي لُحُوقِ الْيَمِينِ وَبِلُحُوقِهَا الْعَمَلُ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ الْحَاجِّ وَالْمُفِيدِ وَالْفَتْحُونِيَّة فَانْظُرْهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَاتٍ فِي تَرْجَمَةِ مُبَارَأَةِ الْوَصِيِّ، فَهُوَ بَعِيدٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي يَقُومُ بِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ بَعْدَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ بَلْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ أَكَانَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا إمَّا لِكَوْنِهِمَا مُؤَرَّخَيْنِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ عَارِيَّيْنِ مِنْ التَّارِيخِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُؤَرَّخٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُؤَرَّخٍ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ الطَّالِبُ أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ أَوْ يَقُولَ لَا عِلْمَ لِي فَإِنْ حَقَّقَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ

وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْأَقْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا وَالثَّالِثُ تَفْرِقَةُ سَحْنُونٍ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَطْلُوبُ بِبَرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْعَدَدِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَطْلُوبِ أَوْ يَأْتِيَ بِبَرَاءَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إذَا جُمِعَتْ كَانَتْ مِثْلَ الْحَقِّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَبْرَأُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا وَجْهَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُحَقِّقْ الطَّالِبُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي قَامَ بِهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا عِلْمَ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ. ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ خِلَافًا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَإِجْرَائِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ قَالَهُ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَإِنْ بِصَكٍّ شَامِلٍ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ وَلِمَا جُهِلَ، وَأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا جَهِلَ التَّارِيخَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَفِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ تَارِيخِ الْبَرَاءَةِ. فَفِي لُحُوقِ الْيَمِينِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَادِرِ وَابْنِ رُشْدٍ وَمَا رَأَيْتُهُ عَلَى هَامِشِ النُّسْخَةِ الَّتِي مِنْ كِتَابِ ابْنِ بَطَّالٍ (الثَّانِي) : ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِظْهَارَ ابْنِ رُشْدٍ لِقَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَشْهِيرَهُ لِلْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ وَاسْتِظْهَارَهُ إيَّاهُ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمَا، فَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَأَنَّ ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْكَلَامِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الِاسْتِلْحَاقُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ ادِّعَاءُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَبٌ لِغَيْرِهِ فَيَخْرُجُ قَوْلُهُ هَذَا أَبِي، وَهَذَا أَبُو فُلَانٍ انْتَهَى. . ص (فَصْلٌ إنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ مَجْهُولَ النَّسَبِ) ش: أَتَى بِأَدَاةِ الْحَصْرِ لِيُنَبِّهَ أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَبِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْجَدَّ يَسْتَلْحِقُ، وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ قُلْت فَإِنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدَ وَلَدٍ فَقَالَ: هَذَا ابْنُ ابْنِي وَابْنُهُ مَيِّتٌ هَلْ يُلْحَقُ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ كَمَا يُلْحَقُ بِهِ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخِ وَالْعَصْبَةِ وَلَا وَلِيَّ لَا يَجُوزُ اسْتِلْحَاقُهُ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَهُ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُلْحِقَ بِوَلَدِهِ وَلَدًا هُوَ لَهُ مُنْكِرٌ، وَقِيلَ إذَا اسْتَلْحَقَ الْجَدُّ وَلَدَ وَلَدِهِ لَحِقَ بِهِ حَكَاهُ التُّونُسِيُّ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فَإِنْ قَالَ: هَذَا ابْنُ وَلَدِي أَوْ وَلَدُ ابْنِي لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ أَبُو هَذَا ابْنِي أَوْ وَالِدُ هَذَا ابْنِي صُدِّقَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي إلْحَاقِ وَلَدٍ بِفِرَاشِهِ لَا فِي إلْحَاقِهِ بِفِرَاشِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَزَادَ بَعْدَهُ قُلْت قَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْجَدِّ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَبِ سَحْنُونٌ مَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ وَالْجَدُّ انْتَهَى. وَنَقَلَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ كَالْمُنَكِّتِ بِهِ

عَلَى ابْنِ رُشْدٍ، وَخَرَجَ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ اسْتِلْحَاقُ الْأُمِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَاسْتِلْحَاقُ الْأُمِّ لَغْوٌ وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ فِي رَجُلٍ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَهُ وَلَدٌ فَتَزْعُمُ الْمَرْأَةُ أَنَّ الْغُلَامَ وَلَدُهَا مِنْ زَوْجٍ غَيْرِهِ، وَيَزْعُمُ الرَّجُلُ أَنَّ الْغُلَامَ وَلَدُهُ مِنْ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالزَّوْجِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ابْنُ رُشْدٍ لَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا اسْتِلْحَاقُ وَلَدِهَا بِخِلَافِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَسِبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ وَلَوْلَا مَا أَحْكَمَ الشَّرْعُ لَكَانَ نِسْبَتُهُ إلَى أُمِّهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَخَصُّ بِهِ مِنْ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْمَاءِ وَاخْتَصَّتْ بِالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الْقَذْفِ مِنْهَا إنْ نَظَرَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ: ابْنِي وَمِثْلُهُ يُولَدُ لَهَا، وَصَدَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهَا إذْ لَيْسَ هُنَا أَبٌ يُلْحَقُ بِهِ وَفِي الْوَلَاءِ مِنْهَا إنْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ بِغُلَامٍ مَفْصُولٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ وَلَدُهَا لَمْ يُلْحَقُ بِهَا فِي مِيرَاثٍ وَلَا يُحَدُّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا بِهِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ هُوَ أَيْضًا مِمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَصْرِ أَيْ إنَّمَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْأَبِ وَلَدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَمَّا مَنْ كَانَ نَسَبُهُ مَعْلُومًا، فَلَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ قَالَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ هُمْ مِنْ الْمَحْمُولِينَ مِنْ بَلَدٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ قَطُّ كَالزِّنْجِ وَالصَّقَالِبَةِ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ أُمَّ هَذَا الصَّبِيِّ لَمْ تَزَلْ زَوْجَةً لِغَيْرِ هَذَا الْمُدَّعِي حَتَّى مَاتَتْ، فَإِنْ قَالُوا: لَمْ تَزَلْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَلَعَلَّهُ تَزَوَّجَهَا انْتَهَى. قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ: قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ أُمَّ الصَّبِيِّ لَمْ تَزَلْ زَوْجَةً لِفُلَانٍ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَكَذَلِكَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا إذَا عُرِفَ لِلْوَلَدِ نَسَبٌ، وَادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ يُحَدُّ الْمُدَّعِي وَكَأَنَّهُ نَفَاهُ مِنْ نَسَبِهِ، وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ وَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ نَفَاهُ مِنْ نَسَبِهِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ. (تَنْبِيهٌ) : ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَلْحَقَ مَحْمُولًا مِنْ بَلْدَةٍ دَخَلَهَا لَحِقَ بِهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَمْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُعْتَبَرُ شَرْطًا فِي الِاسْتِلْحَاقِ أَمْ لَا، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ تَقَدُّمَ مِلْكِ أُمِّ هَذَا الْوَلَدِ أَوْ نِكَاحِهَا لِهَذَا الْمُقِرِّ قَالَ سَحْنُونٌ يُعْتَبَرُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ قَوْلٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي هَذَا الْبَابِ الْإِمْكَانَ وَحْدَهُ مَا لَمْ يُقِرَّ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِ الْمُقِرِّ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ بَلَدٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ قَطُّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَخَلَهُ قَطُّ وَعَلَيْهَا اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ فَعَلَى رِوَايَةِ الْبَرَاذِعِيِّ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الصِّدْقِ مَعَ الْإِشْكَالِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ يُونُسَ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِ الصِّدْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) : وَكَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ ذَلِكَ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ لَحِقَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ مَلَكَ أُمَّهُ بِشِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَلْحَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ لَحِقَا بِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ سَحْنُونًا يَشْتَرِطُ عِلْمَ تَقَدُّمِ النِّكَاحِ أَوْ التَّسَرِّي وَابْنَ الْقَاسِمِ لَا يَشْتَرِطُهُ أَمَّا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ نِكَاحٌ، وَلَا تَسَرٍّ أَبَدًا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ عَدَمُهُمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْوَلَدُ عَقْلًا لَكِنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي عَسِيرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَكُنْ رِقًّا لِمُكَذِّبِهِ أَوْ مَوْلَى لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ) ش: كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَهُوَ كَلَامٌ مُتَدَافِعٌ؛ لِأَنَّ

أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِلْحَاقِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ رِقًّا لَمْ يَكْذِبْ الْمُسْتَلْحِقُ أَوْ مَوْلَى لَهُ، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِلْحَاقُ، وَقَوْلُهُ آخِرًا لَكِنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ مُنَاقِضٌ، فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: وَمَنْ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا كَذَّبَهُ الْحَائِزُ لِرِقِّهِ وَوَلَائِهِ وَلَا يَرِثُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ لِابْنِ يُونُسَ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا وُلِدَ عِنْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا بِمِثْلِ مَا تُلْحَقُ فِيهِ الْأَنْسَابُ، وَلَمْ يَطْلُبْهُ الْمُبْتَاعُ وَلَا زَوْجٌ وَلَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ. فَهَذَا يُلْحَقُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا لَمْ يُولَدْ عِنْدَهُ وَلَا عُلِمَ أَنَّهُ مَلَكَ أُمَّهُ بِشِرَاءٍ وَلَا نِكَاحٍ، فَهَذَا يُلْحَقُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ عِنْدَ سَحْنُونٍ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا وُلِدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ، فَهَذَا لَا يُلْحَقُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُلْحَقُ بِهِ، وَيَكُونُ ابْنًا لَهُ وَمَوْلَى لِمَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ عَبْدًا لِمَنْ مَلَكَهُ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ لِيَكُونَ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ وَأَنْ يُلْحَقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ مَعَ بَقَاءِ رِقِّهِ وَوَلَائِهِ لِحَائِزِهِمَا لِيَكُونَ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ بَلْ وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ نَحْوُهُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لِلْمُقِرِّ بِهِ الْمُسْتَلْحَقِ لَهُ وَعَبْدًا لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ وَقَالَ: إنَّهُ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ كَلَامِهِ قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُسْلِمُونَ جَمَاعَةً وَيَسْتَلْحِقُونَ أَوْلَادًا مِنْ زِنَا قَالَ: إذَا كَانُوا أَحْرَارًا، وَلَمْ يَدْعُهُمْ أَحَدٌ لِفِرَاشِهِ، فَإِنَّهُمْ يُلْحَقُونَ بِهِ وَقَدْ نَاطَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ وُلِدَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ زَوْجُ الْحُرَّةِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَإِذَا ادَّعَاهُ مَعَ سَيِّدِ الْأَمَةِ أَوْ زَوْجِ الْحُرَّةِ، فَهُوَ أَحَقُّ قُلْت وَالنَّصَارَى يُسْلِمُونَ فَيَدَّعُونَ أَوْلَادًا مِنْ زِنَا كَانُوا فِي نَصْرَانِيَّتِهِمْ قَالَ يُلْحَقُونَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ فِي دِينِهِمْ الزِّنَا وَغَيْرَهُ. (قُلْت) فَإِنْ اسْتَلْحَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَلَدَ أَمَةٍ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ قَالَ إذَا أَلْحَقهُ بِهِ فَإِنْ عَتَقَ يَوْمًا مَا كَانَ وَلَدَهَا وَوَرِثَتْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: إذَا كَانُوا أَحْرَارًا وَلَمْ يَدْعُهُمْ لِفِرَاشٍ، فَهُمْ وَلَدُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا عَبِيدًا لَا يُلْحَقُونَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُهُمْ أَحَدٌ لِفِرَاشٍ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَلْحَقَهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ يَوْمًا مَا كَانَ وَلَدَهُ وَوَرِثَهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لِلْمُقِرِّ بِهِ الْمُسْتَلْحَقُ لَهُ وَعَبْدًا لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ وَقَوْلُهُ إذَا أَلْحَقهُ بِهِ فَإِنْ أُعْتِقَ إلَخْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَقِيقَتُهُ إذَا أُلْحِقَ بِهِ وَيَكُونُ وَلَدَهُ فَإِنْ عَتَقَ يَوْمًا وَرِثَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. بِلَفْظِهِ وَفِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ فِي دِينِهِمْ الزِّنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِلُّونَ الزِّنَا لَا يُلْحَقُ بِهِمْ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَصَّهُ أَبُو عُمَرَ كَانَ عُمَرُ يُنِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِرَاشٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُلْحَقُ وَلَدُ الزِّنَا بِمُدَّعِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَانَ هُنَاكَ فِرَاشٌ أَمْ لَا الْبَاجِيُّ كَانَ النِّكَاحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ: الِاسْتِبْضَاعُ وَهُوَ أَنْ يُعْجِبَ الرَّجُلَ نَجَابَةُ الرَّجُلِ وَسَلْبُهُ فَيَأْمُرُ مَنْ تَكُونُ لَهُ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ أَنْ تُبِيحَ لَهُ نَفْسَهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ رَجَعَ هُوَ إلَى وَطْئِهَا حِرْصًا عَلَى

نَجَابَةِ الْوَلَدِ وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَا زَوْجَ لَهَا، فَيَغْشَاهَا جَمَاعَةٌ، فَإِذَا حَمَلَتْ دَعَتْهُمْ وَقَالَتْ لِأَحَدِهِمْ هَذَا مِنْك فَيُلْحَقُ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ، وَالثَّالِثُ: الْبَغَايَا كُنَّ يَجْعَلْنَ الرَّايَاتِ عَلَى مَوَاضِعِهِنَّ فَيَغْشَاهَا مَنْ شَاءَ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ قَالَتْ لِأَحَدِهِمْ هُوَ مِنْك فَيُلْحَقُ بِهِ، وَالرَّابِعُ: النِّكَاحُ الصَّحِيحُ أَبْطَلَ الْإِسْلَامُ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَشْرَحْ الشَّارِحَانِ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَأَمَّا ابْنُ غَازِيٍّ فَقَالَ: ظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ رِقِّهِ أَوْ وَلَائِهِ لِحَائِزِهِمَا، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ هُنَا، وَإِنَّمَا نَسَبَهُ ابْنُ يُونُسَ لِأَشْهَبَ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَحْوَ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِيمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، فَادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُبْتَاعِ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ قَالَ: هُنَاكَ أُلْحِقَتْ بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَلَمْ أَزِلْ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَلَائِهِمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْ أُمَّهُ، فَلَيْسَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ بِخِلَافِ هَذِهِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ وَهُوَ كَالْحَشْوِ اهـ. ص (وَفِيهَا أَيْضًا يُصَدَّقُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ إنْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بَعْدَ نَصِّهَا الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَابٍ آخَرَ أَرَأَيْت مَنْ بَاعَ صَبِيًّا وُلِدَ عِنْدَهُ، فَأَعْتَقَهُ الْمُبْتَاعُ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْبَائِعُ أَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَالْعِتْقُ قَالَ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ سَحْنُونٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعْدَلُ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْأَصْلِ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّهَا الْمُتَقَدِّمِ أَيْ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي قَوْلِهَا وَمَنْ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُ إلَخْ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ اسْتَلْحَقَهُ بَائِعُهُ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي أَوَّلِ الْبَابِ إنْ كَذَّبَهُ مَنْ أَعْتَقَهُ لَمْ يُصَدَّقْ، وَقَالَ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الْبَائِعِ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَشْهَبُ وَرَجَّحَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ هُوَ أَعْدَلُ قَوْلِهِ انْتَهَى. وَفَرَّقَ أَبُو الْحَسَن بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَمْلِكْ أُمَّهُ فَلَيْسَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ بِخِلَافِ هَذِهِ اهـ. وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يَدْخُلْ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ، وَالثَّانِيَةُ كَانَ فِي مِلْكِهِ كَانَ أَبَيْنَ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ كَانَ الْعَبْدُ أَوْ أُمُّهُ فِي مِلْكِهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَكْثَرِ مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ بَاعَ صَبِيًّا وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُولَدْ عِنْدَهُ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ لَحِقَ بِهِ وَرَدَّ الثَّمَنَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ اهـ. فَظَاهِرُ هَذَا سَوَاءٌ مَلَكَ أُمَّهُ أَوْ لَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ أَوْ بَاعَ وَنَقَضَ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَلَمْ يَدَّعِهِ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيَرُدُّ الْبَيْعَ، وَتَعُودُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا، وَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُبْتَاعِ لِلْأُمِّ وَالْوَلَدِ أُلْحِقَتْ بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ الْمُبْتَاعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَلَائِهِمَا، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَلَوْ عَتَقَتْ الْأُمُّ خَاصَّةً لَمْ أَقْبَلْ قَوْلَهُ فِيهَا وَقَبِلْتُهُ فِي الْوَلَدِ، وَلَحِقَ بِهِ وَرَدَّ الثَّمَنَ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ ثَمَنُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ خَاصَّةً هُوَ الْمُعْتَقُ لَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ وَأَلْحَقَتْ الْوَلَدَ بِمُسْتَلْحِقِهِ، وَأَخَذَ الْأُمَّ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا لِدَنَاءَتِهَا، وَرَدَّ الثَّمَنَ، وَإِنْ اُتُّهِمَ فِيهَا لَمْ تُرَدَّ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إذَا بَاعَ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فِيمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بَاعَهَا، فَوَلَدَتْ فَاسْتَلْحَقَهُ إلَخْ وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَعْتَقَ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ أَوْ لَمْ يَعْتِقْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَلْحَقْنَا بِهِ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَلَمْ أَزِلْ عَنْ الْبَائِعِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَلَائِهِمَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إنَّهُ يَنْقُضُ الْبَيْعَ وَالْعِتْقَ

فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اسْتَلْحَقَ مَنْ هُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ وَلَائِهِ هَلْ يُصَدَّقُ، وَيُلْحَقُ بِهِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَصْدِيقِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي مِلْكِ مَالِكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ لَهُ، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَإِذَا اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ الَّذِي بَاعَ أُمَّهُ، وَكَانَ وُلِدَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ، وَهُوَ حَيٌّ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَيُرَدُّ إلَيْهِ وَلَدٌ أَوْ أُمُّهُ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ أُعْتِقَ، وَيُنْقَضُ الْعِتْقُ، وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُنْقَضُ اهـ. وَلِابْنِ رُشْدٍ كَلَامٌ يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ اشْتَرَى مُسْتَلْحِقُهُ. ص (وَوَرِثَهُ إنْ وَرِثَهُ ابْنٌ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي إرْثِهِ مِنْهُ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَلَا حَقَّ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرِثُهُ إذَا وَرِثَهُ ابْنٌ ذَكَرٌ وَأَنَّهُ إذَا وَرِثَهُ بِنْتٌ أَوْ غَيْرُهَا لَمْ يَرِثْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي اللِّعَانِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَوَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ الْمَيِّتَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَقَلَّ الْمَالُ وَمَا قَالَهُ فِي اللِّعَانِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبِي الْحَسَنِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ، وَنَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ، ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَحِقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي مِيرَاثِهِ وَحُدَّ وَلَا يَرِثُهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ يَسِيرًا قَالَ غَيْرُهُ: أَوْ يَكُونَ وَلَدُهُ عَبْدًا، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمِيرَاثِ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَلَا حَقَّ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ النَّسَبِ يَنْفِي كُلَّ تُهْمَةِ الشَّيْخُ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَرِثَ وَلَكِنْ سَبَقَ النَّفْيُ إلَى هَذَا الْوَلَدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ اللِّعَانِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا لَمْ يَرِثْ مَعَهَا بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ إنْ تَرَكَ بِنْتًا صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ قَدْرُ إرْثِهَا ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِيمَنْ لَاعَنَ، وَنَفَى الْوَلَدَ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ، وَوَلَدٍ فَأَقَرَّ الْمُلَاعِنُ بِهِ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيُحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمِيرَاثِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِتُهْمَتِهِ فِي الْإِرْثِ، وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَسَبٌ يَلْحَقُ بِهِ وَرَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْمِيرَاثَ قَدْ تُرِكَ لِمَنْ تَرَكَ، وَلَا يَجِبُ لَهُ مِيرَاثٌ وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا وَذَكَرَ أَبُو إبْرَاهِيمَ عَنْ فَضْلٍ إنْ كَانَ الْمَالُ يَسِيرًا قُبِلَ قَوْلُهُ، ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَارِثٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اسْتِلْحَاقِهِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ مَاتَ مِثْلُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْفَاسِيِّينَ: إنَّمَا يُتَّهَمُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فِي مِيرَاثِهِ فَقَطْ، وَأَمَّا نَسَبُهُ، فَثَابِتٌ بِاعْتِرَافِهِ انْتَهَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ ابْنَةً وَعَصَبَةً، ثُمَّ يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ ابْنَةَ الْمَيِّتِ قَالَ تُلْحَقُ ابْنَةُ الْمَيِّتِ بِجَدِّهَا وَيَرْجِعُ الْجَدُّ عَلَى الْعَصَبَةِ بِالنِّصْفِ الَّذِي أَخَذُوا مِنْ مِيرَاثِ وَلَدِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَهُ لِابْنَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَاعَنَ بِهِ اسْتِلْحَاقٌ مِنْهُ لِابْنَتِهِ، فَهِيَ تَلْحَقُ بِجَدِّهَا، وَهِيَ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الْمُلَاعِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدَهُ الَّذِي لَاعَنَ بِهِ بَعْدَ أَنْ مَاتَ، وَلَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَلْحَقَهُ لِيَرِثَهُ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَكَمَا لَا يُتَّهَمُ مَعَ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ يَرِثُ مَعَهُ السُّدُسَ، فَكَذَلِكَ لَا يُتَّهَمُ مَعَ الِابْنَةِ، وَإِنْ كَانَ يَرِثُ مَعَهَا النِّصْفَ إذْ قَدْ يَكُونُ مَالُ الَّذِي تَرَكَ الْوَلَدَ الذَّكَرَ كَثِيرًا، فَيَكُونُ السُّدُسُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَالِ الَّذِي تَرَكَ الِابْنَةَ انْتَهَى. فَحَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ لَفْظَ الْوَلَدِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الذَّكَرِ لَكِنَّهُ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِابْنَةِ فِي الْحُكْمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي

بَابِ اللِّعَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا، وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) : وَلَوْ وَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ غَيْرَ الِابْنِ وَالِابْنَةِ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ أَنَّ اسْتِلْحَاقَهُ الْمَيِّتَ اسْتِلْحَاقٌ لِمَنْ تَرَكَ مِنْ الْأَوْلَادِ، وَذَلِكَ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَأَقَامَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مَاتَ مِنْهَا، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْبَائِعُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَيَرِثُ مِنْهُ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْمَيِّتِ حُرًّا وَرِثَ مَعَهُ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ حَظَّهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَرِثَ جَمِيعَ الدِّيَةِ قَالَ: لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَهُ لِوَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتِلْحَاقٌ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَاسْتِلْحَاقُ النَّسَبِ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ فِي الْمِيرَاثِ انْتَهَى. وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: مِنْهُمَا أَنَّ وُجُودَ وَلَدٍ لِلْمَيِّتِ كَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُوبًا مِنْ الْمِيرَاثِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اللِّعَانِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ فِي ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ سَحْنُونٍ مُوَافِقٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَجَعَ بِنَفَقَتِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خِدْمَةٌ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ، وَفِي رُجُوعِ مُبْتَاعِهِ بِنَفَقَتِهِ ثَالِثُهَا الْأَرْجَحُ إنْ كَانَتْ لَهُ خِدْمَةٌ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِلَّا رَجَعَ انْتَهَى. وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَسْأَلَةٌ وَيُحْكَمُ عَلَى الْبَائِعِ بِنَفَقَتِهِ الَّتِي اعْتَرَفَ أَنَّهُ بَاعَهَا وَكِسْوَتِهَا إلَى حِينِ رَدِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا الْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَائِهَا عِنْدَهُ انْتَهَى. ص (وَلَمْ يُصَدَّقْ فِيهَا إنْ اُتُّهِمَ بِمَحَبَّةٍ أَوْ عَدَمِ ثَمَنٍ أَوْ وَجَاهَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ هَذَا إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فِي الْجَارِيَةِ بِمَيْلٍ إلَيْهَا أَوْ زِيَادَةٍ فِي حَالِهَا أَوْ يَكُونَ مُغْرَمًا، فَتَمْضِيَ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيَرُدُّ الِابْنَ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْهُ وَيَتْبَعُ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ انْتَهَى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ وَجَاهَةٍ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ أَوْ زِيَادَةٍ فِي حَالِهَا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْفُرَاتِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجَاهَةِ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ وَجِيهَةً أَيْ جَمِيلَةً حَسَنَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اشْتَرَى مُسْتَلْحَقَهُ وَالْمِلْكُ لِغَيْرِهِ عَتَقَ) ش: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ حَيْثُ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ، وَلَوْ عَلَى قَوْلٍ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَالَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ فِي رَجُلٍ فَارِسِيٍّ لَهُ غُلَامٌ هِنْدِيٌّ قَالَ هُوَ ابْنِي هَلْ يَصِيرُ حُرًّا قَالَ مَالِكٌ: مَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَقِدُ النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ وَلَا وَلَدِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إذَا اسْتَلْحَقَ مَنْ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ، وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اسْتَلْحَقَ مَنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يَدَّعِي مِنْ مِلْكِهِ لِأُمِّ الْمُسْتَلْحِقِ أَوْ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا فَإِنْ عَرَفَ مِلْكَهُ إنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ تَزْوِيجَهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَأَتَتْ لِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحُزْهُ غَيْرُهُ بِنَسَبٍ لَحِقَ بِهِ بِاتِّفَاقٍ، فَوَجْهٌ يُلْحَقُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَوَجْهٌ لَا يُلْحَقُ بِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَوَجْهٌ يَخْتَلِفُ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْتَلِفُ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَبْدًا لَهُ انْتَهَى. ص (كَشَاهِدٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ

عَبْدَهُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ ابْتَاعَهُ مِنْهُ أَوْ شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي وَصِيَّةٍ، فَصَارَ الْعَبْدُ لَهُ فِي قِسْمِهِ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ شَهِدَ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ أَوْ قَالَ: كُنْتُ بِعْت عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ، فَأَعْتَقَهُ وَفُلَانٌ يَجْحَدُ ذَلِكَ، فَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حُرٌّ بِالْقَضَاءِ وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ انْتَهَى. ص (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ وَلَدٍ لَمْ يَرِثْهُ إنْ لَمْ يَكُ وَارِثٌ، وَإِلَّا فَخِلَافٌ) ش: اعْلَمْ أَنَّ النُّسَخَ اخْتَلَفَتْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، فَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ يَكُنْ بِلَفْظِ

الْمُضَارِعِ وَإِسْقَاطِ لَمْ وَكَتَبَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا إنَّهَا كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ مُقَابَلَةٍ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ كَانَ وَارِثٌ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا مُوَافِقَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ، وَلِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ لَمْ يَكُ بِثُبُوتِ لَمْ وَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي عَكْسَ الْمُرَادِ وَالْمَعْنَى عَلَى النُّسْخَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ وَلَدٍ لَمْ يَرِثْ الْمُسْتَلْحَقُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ وَلَدٍ هَذَا الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ، فَخِلَافُ هَذَا الَّذِي فَرَضَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَكْسَ هَذَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّمَا هَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ ذَا مَالٍ وَمَسْأَلَةُ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِالْعَكْسِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ انْتَهَى، وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا أَخِي وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ وَلَدٍ، وَلِهَذَا تَرَكُوا الْكَلَامَ عَلَيْهَا، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَارِثٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْتَلْحَقُ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ الْمَعْرُوفُ غَيْرَ مُحِيطٍ بِإِرْثِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إقْرَارُ مَنْ يُعْرَفُ لَهُ وَارِثٌ مُحِيطٌ وَلَوْ بِوَلَاءٍ بِوَارِثٍ لَغْوٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مُحِيطٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يُحِطْ كَذِي بِنْتٍ فَقَطْ فَفِي إعْمَالِ إقْرَارِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ الِاسْتِلْحَاقِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ قَوْلِهِ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا وَسَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ وَالْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَصْبَغَ وَأَوَّلُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ وَثَانِيهمَا مَعَ أَشْهَبَ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَيْطِيُّ جَعَلَهُ شَاذًّا؛ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا عَزَا مُقَابِلَهُ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ الثَّانِي: مَعَ أَشْهَبَ وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْإِرْثِ لِلْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ قَبْلَهُ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَقَالَ بِهِ الْعَمَلُ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهُوَ شَاذٌّ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ فِي زَمَانِهِ قَائِلًا لَيْسَ ثَمَّ بَيْتُ مَالٍ انْتَهَى. وَنَصُّ الْمُتَيْطِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ النَّسَبِ ذَا فَرْضٍ لَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ فَرْضَهُ وَمَا بَقِيَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ رُدَّ عَلَى الْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ مَنْ يَذْهَبُ إلَى الرَّدِّ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي قَوْلَةِ شَاذَّةٌ وَهِيَ إحْدَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا بَقِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إذَا كَانَ مِنْ الْعَصْبَةِ انْتَهَى. (الثَّانِي) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْوَارِثِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ يَوْمُ مَوْتِ الْمُقِرِّ لَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي نَوَازِلِهِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَهُ انْتَهَى وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَارِثُهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ مَعْرُوفُونَ فَلَمْ يَمُتْ الْمُقِرُّ حَتَّى مَاتَ وَرَثَتُهُ الْمَعْرُوفُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَدْفَعُونَ الْمُقِرّ لَهُ أَيُجْعَلُ الْمَالُ لِهَذَا الْمُقِرِّ لَهُ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ يَدْفَعُهُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ السَّاعَةَ، وَلَا وَارِثَ لَهُ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ دُونَ يَمِينٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ: قَدْ قِيلَ إنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُتَوَفَّى حَقٌّ وَيَقُومُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ وَذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُفْتِي بِهِ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَصَلَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَفْصِلُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُقِرُّ وَجْهَ اتِّصَالِهِ بِالْمُقَرِّ لَهُ فِي جَدٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَمِينَ أَوْ لَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْيَمِينُ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَبُولِ، فَعَلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِقْرَارِ وِفَاقًا لِابْنِ الْعَطَّارِ وَابْنِ مَالِكٍ وَخِلَافًا لِابْنِ عَتَّابٍ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَفْتَى فِيمَنْ أَقَرَّتْ بِابْنِ عَمِّ أَبِيهَا فِي عَقْدٍ، وَلَمْ يَرْفَعْ الْعَاقِدُ نَسَبَهَا لِجَدٍّ وَاحِدٍ بِيَمِينِ الْمُقَرِّ لَهُ. (الرَّابِعُ) : إذَا بَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ وَجْهَ نِسْبَةِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ هَذَا أَخِي شَقِيقِي أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَجْمَلَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَفِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ

إذَا قَالَ فُلَانٌ: وَارِثِي وَلَمْ يُفَسِّرْ حَتَّى مَاتَ إنَّ لَهُ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ يَرِثُهُ مِمَّنْ لَا يَرِثُهُ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَنْ يَرِثُهُ مِمَّنْ لَا يَرِثُهُ فَقَوْلُهُ فُلَانٌ وَارَثَى حَتَّى يَقُولَ: ابْنُ عَمِّي أَوْ ابْنُ ابْنِ عَمِّي أَوْ مَوْلَايَ أَوْ أَعْتَقَنِي أَوْ أَعْتَقَ أَبِي أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَنِي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ قَالَ: فُلَانٌ أَخِي قَاصِدًا لِلْإِشْهَادِ لَهُ بِالْمِيرَاثِ كَقَوْلِهِ أُشْهِدُكُمْ أَنَّ هَذَا يَرِثُنِي أَوْ يُقَالُ لَهُ هَلْ لَك وَارِثٌ فَقَالَ: نَعَمْ هَذَا أَخِي وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ هَذَا أَخِي أَوْ فُلَانٌ أَخِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَرِثُ مِنْ مَالِهِ إلَّا السُّدُسَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَخًا لِأُمِّهِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ فُلَانٌ أَخِي أَوْ هَذَا أَخِي، وَإِنَّمَا سَمِعُوهُ يَقُولُ: يَا أَخِي يَا أَخِي لَمْ يَجِبْ لَهُ بِذَلِكَ مِيرَاثٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَقُولُ أَخِي أَخِي لِمَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ السِّنِينَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَدْعُو صَاحِبَهُ بِاسْمِ الْأُخُوَّةِ أَوْ الْعُمُومَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) : فَإِنْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ، ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ وَقَامَ أَوْلَادُ الْمُقَرِّ لَهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بِهِ مِيرَاثُ الْمُقِرِّ إذَا لَمْ يُقِرَّ إلَّا لِلْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فِي حِينِ مَوْتِهِ فَوَلَدُهُ الْمَذْكُورُ بَنُو ابْنِ عَمِّهِ وَوَرِثَهُ الْمُحِيطُونَ بِمِيرَاثِهِ قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ فِي الِاسْتِلْحَاقِ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ قَائِلًا أَفْتَى أَكْثَرُ أَهْلِ بَطْلَيُوسَ أَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ الْمُقِرَّ وَإِنْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَطْلَيُوسَ وَابْنِ مَالِكٍ وَابْنِ عَتَّابٍ أَفْتَوْا بِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ: لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفُ النَّسَبِ أَوْ وَلَاءٌ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ الْإِقْرَارُ بِوَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ زَوْجَةٍ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِوَلَدٍ، فَيُلْحَقُ بِهِ نَسَبُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى اتِّفَاقٍ وَاخْتِلَافٍ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِوَلَدِ وَلَدٍ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ الْوَلَدُ، فَيَكُونُ هُوَ مُسْتَلْحِقَهُ أَوْ يَكُونُ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ وَلَدُهُ، فَيَكُونُ إنَّمَا اسْتَلْحَقَ هُوَ الْوَلَدَ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ إذَا أَقَرَّ بِأَبٍ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ، وَيَرِثُهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ الْأَبُ، فَيَكُونُ الْأَبُ هُوَ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِجَدٍّ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْجَدُّ بِابْنِهِ، وَيُقِرُّ أَبُوهُ بِهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ اسْتَلْحَقَ ابْنَهُ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ لَهَا وَلَدٌ أَقَرَّ بِهِ فَإِقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ بِالزَّوْجَةِ، فَتَرِثُهُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ وَلَا عُرِفَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَمُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ لِابْنِ عَرَفَةَ. (السَّابِعُ) : فَإِنْ أَقَرَّ هَذَا الْمَشْهُودُ لِآخَرَ أَنَّهُ وَارِثُهُ أَوْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ بَطَلَ الْآخَرُ أَيْ الْإِقْرَارُ الثَّانِي قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ (الثَّامِنُ) : إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، وَدَفَعَ لِلْمُسْتَلْحِقِ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورِينَ الْمِيرَاثَ، ثُمَّ جَاءَ شَخْصٌ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُسْتَلْحِقِ الْمَذْكُورِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَإِنْ قَالَ لِأَوْلَادِ أَمَتِهِ أَحَدُهُمْ وَلَدِي عَتَقَ الْأَصْغَرُ وَثُلُثَا الْأَوْسَطِ وَثُلُثُ الْأَكْبَرِ) ش: هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا أَنَّ الْأَصْغَرَ حُرٌّ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْأَوْسَطِ وَالْأَكْبَرِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ: هُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ قَالَ:؛ لِأَنَّا لَا نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَالثَّانِي الْقُرْعَةُ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ أَيْضًا لِلشَّكِّ، وَخَرَّجَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ مَيِّتٌ بِأَنَّ فُلَانَةَ إلَخْ وَاسْتَظْهَرَهُ (قُلْت) : وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِيهَا أَيْضًا، وَلَا مِيرَاثَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ حَظُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ

يُعْتَقُونَ جَمِيعًا عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ قَدْ صَحَّ الْمِيرَاثُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَدْرِي مَنْ هُوَ مِنْهُمْ، فَإِنْ ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ إنْ حَلَفُوا جَمِيعًا أَوْ نَكَلُوا، وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ اخْتَصَّ بِهِ دُونَ النَّاكِلِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا عِلْمَ عِنْدَنَا كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ أَرَادَهُ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي لُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِهِ كَانَ لَهُ حَظُّهُ مِنْ الْإِرْثِ، وَيُوقَفُ حَظُّ مَنْ لَمْ يُعْتَقْ، فَإِنْ عَتَقَ أَخَذَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ رُدَّ إلَى الْوَرَثَةِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ افْتَرَقَتْ أُمَّهَاتُهُمْ فَوَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِذَا وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ وَأَمَةُ آخَرَ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَفَرَضَهَا كَمَا فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ فِي زَوْجَةِ رَجُلٍ وَأَمَةِ آخَرَ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَبِيًّا بِعَيْنِهِ غَيْرَ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ، وَيُلْحِقُهُ بِنَفْسِهِ وَيَنْفِي الْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَلْحَقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ ادَّعَاهُ وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا وَلَدِي، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُدْعَى الْقَافَةُ وَلَوْ أَرَادَا فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدًا يَكُونُ ابْنَهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَدَّعِي عِلْمَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ بَلْ تُدْعَى الْقَافَةُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَدَّعِيَا جَمِيعًا صَبِيًّا وَاحِدًا مِنْهُمَا يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا ابْنِي، وَيَتَنَازَعَانِ فِيهِ، وَيَنْفِيَانِ الْآخَرَ عَنْهُمَا قَالَ: وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا عِنْدِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ تُدْعَى لَهُ الْقَافَةُ أَيْضًا إذْ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَنْفِيَا الْآخَرَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ ابْنُ أَحَدِهِمَا، وَاَلَّذِي ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ صَاحِبِهِ انْتَهَى. وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْقَافَةَ لَا يُحْكَمُ بِهَا فِي أَوْلَادِ الْحَرَائِرِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ هُوَ قُوَّةُ الْفِرَاشِ فِي النِّكَاحِ، فَيُلْحَقُ الْوَلَدُ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الْفِرَاشَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِصِحَّتِهِمَا جَمِيعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ: إذَا فُرِضَ عَدَمُ الْقَافَةِ، فَإِنَّهُ إذَا كَبِرَ الْوَلَدُ وَالَى أَيَّهُمَا شَاءَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أُشْكِلَ الْأَمْرُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَرِثَاهُ، وَإِنْ مَاتَا وَرِثَهُمَا مَعًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَجَدَتْ مَعَ ابْنَتِهَا أُخْرَى لَا تُلْحَقُ بِهِ وَاحِدَةٌ) ش: كَذَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى أَتَى بَعْدَهَا بِهَذِهِ، وَنَسَبَهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنَّهُ زَادَ بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: الْقَافَةُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَأَنَّهُ أَتَى بِهَذَا الْفَرْعِ إثْرَ الْأَوَّلِ إشَارَةً إلَى التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى التَّخْرِيجِ يَعْنِي تَخْرِيجَ الْخِلَافِ مِنْ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى كَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ تَخْرِيجٌ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ

لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنَّمَا تَعْتَمِدُ الْقَافَةُ عَلَى أَبٍ لَمْ يُدْفَنْ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَصْرِ الْقَافَةِ عَلَى الْوَلَدِ الْحَيِّ وَعُمُومِهَا فِيهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي قَصْرِهَا عَلَى الْوَلَدِ حَيًّا، وَعُمُومِهَا فِيهِ حَيًّا وَمَيِّتًا سَمَاعُ أَصْبَغَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَضَعَتْهُ تَمَامًا مَيِّتًا لَا قَافَةَ فِي الْأَمْوَاتِ، وَنَقَلَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ مَاتَ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا دُعِيَ لَهُ الْقَافَةُ. (قُلْت) وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُمَا إلَى وِفَاقٍ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِيمَنْ وُلِدَ مَيِّتًا وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: فِيمَنْ وُلِدَ حَيًّا، وَلَمْ أَقِفْ لِابْنِ رُشْدٍ عَلَى نَقْلِ خِلَافٍ فِيهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَائِفِ الْوَاحِدِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ. ص (وَإِلَّا فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ كَالْمَالِ) ش: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُقِرُّ عَدْلًا، فَإِنَّمَا يَرِثُ هَذَا الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ فَقَطْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَأْخُذُ مِنْهَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَيَقُولُهُ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ حَيْثُ يَقُولُ: وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَقَطْ بِوَارِثٍ، فَلَهُ مَا نَقَصَهُ الْإِقْرَارُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا أَقَرَّ بِوَارِثٍ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ إلَّا مَا زَادَ نَصِيبُهُ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى نَصِيبِهِ فِي الْإِقْرَارِ وَإِنْ نَقَصَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ فِي الْإِنْكَارِ أَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى نَصِيبِهِ فِي الْإِقْرَارِ مِثْلَ أَنْ تُقِرَّ الزَّوْجَةُ بِأَخٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى، وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ إقْرَارَ الْعَدْلِ بِالْوَارِثِ كَإِقْرَارِ غَيْرِ الْعَدْلِ لَا يَأْخُذُ الْمُقَرَّ بِهِ إلَّا مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ فَقَطْ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ رَشِيدًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَفِيهًا، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ حِصَّتِهِ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَالْمَالِ) ش: تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ بِمَالٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ثَبَتَ، وَإِنْ شَهِدَ عَدْلٌ حَلَفَ مَعَهُ، وَثَبَتَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فَفِي صِحَّةِ الشَّاهِدِ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ الْوَارِثَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، وَإِنْ شَهِدَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ حَلَفَ مَعَهُ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْ شَاهِدِهِ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ

الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فِي حِصَّتِهِ بِشَيْءٍ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الرُّشْدِ فِي الْعَدَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ لَا تَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ، وَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَفِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا وَتَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هُنَا، وَفِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْمِدْيَانِ وَفِي الْوَصَايَا الْأُوَلِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: عَدْلٌ رَشِيدٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ بِشَهَادَتِهِ عَكْسُهُ سَفِيهٌ مَسْخُوطٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَفِيهٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْخُوطٌ عَدْلٌ سَفِيهٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَهَلْ يُؤْخَذُ بِهِ قَوْلَانِ. رَشِيدٌ غَيْرُ عَدْلٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى. كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ لَا تَجُوزُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَخَذَ مِنْ شَاهِدِهِ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَقُولُ يَأْخُذُ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ نَصِيبِ الْمُقِرِّ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا مَعَ الْوَرَثَةِ إذَا حَلَفَ وَإِنْ نَكَلَ كَانَ شَرِيكًا لِلْمُقِرِّ وَهَذَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْجُزْءِ وَأَمَّا بِالْعَدَدِ فَكَالدَّيْنِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كِتَابَ الْوَصَايَا مِنْ النَّوَادِرِ وَآخِرَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ عَقَدَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَوْصَى بِكَذَا أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ. ص (فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَهُنَّ أَحْرَارٌ) ش يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ إنْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَالَ: إحْدَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ابْنَتِي، وَلَمْ يُسَمِّهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا، ثُمَّ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ، فَلَا يَرِثُهُ وَوَقَفَ مَالِهِ) ش: هَكَذَا قَالَ فِي رَسْمِ يُوصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي قَوْلِهِ، وَوَقَفَ نَظَرٌ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَهُمْ لَا حَقَّ لَهُ مَعَهُمْ فِيهِ؛ وَهُمْ لَا يُكَذِّبُونَهُ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيفِهِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقْبَلَ رُجُوعُهُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى اسْتِلْحَاقِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ثُبُوتُهُ عَلَى إنْكَارِهِ إلَى أَنْ مَاتَ (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ قَبْلَ الِابْنِ وَرِثَهُ الِابْنُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي سَبَقَ، وَلَا يَسْقُطُ نَسَبُهُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ، ثُمَّ إنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرِثَهُ عَصَبَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ الْمُسْتَلْحِقِ لَهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَنَصُّ ابْنِ بَطَّالٍ: وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَلْحِقُ الْأَبُ قَبْلَ الْمُسْتَلْحَقِ، وَوَرِثَهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي سَبَقَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ بَعْدَ الِاسْتِلْحَاقِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ الْمُسْتَلْحِقُ الْأَبُ لَوْ قَدَّمَ الْأَبَ، فَقَالَ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ لَكَانَ أَوْضَحَ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: وَإِنْ اسْتَلْحَقَ الرَّجُلُ رَجُلًا لَحِقَ بِهِ نَسَبًا أَوْلَادُ الْمُسْتَلْحِقِ، وَمَنْ نَفَى وَلَدَهُ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ انْتَهَى. (فَائِدَتَانِ الْأُولَى) : يَجْتَمِعُ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَالْحُرِّ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْأَمَةُ، فَتَلِدُ مِنْهُ، فَيُقِرُّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَنَّهُ غَصَبَهَا، فَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى قَطْعِ نَسَبِهِ وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ، الثَّانِيَةُ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِحُرِّيَّةٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حُرَّةً وَوَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الثَّالِثَةُ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي إحْدَاهُمَا، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اخْتَارَ وَاحِدَةً، ثُمَّ وَطِئَ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الرَّابِعَةُ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً، وَوَطِئَهَا فَخَاصَمَهُ رَبُّهَا، فَقَالَ ادْفَعْ ثَمَنَ جَارِيَتِي الَّتِي بِعْت مِنْك، فَيَقُولُ الْوَاطِئُ إنَّمَا تَرَكْتهَا عِنْدِي أَمَانَةً وَدِيعَةً، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الْخَامِسَةُ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَتَلِدُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ انْتَهَى مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ.

باب الإيداع

وَذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَيُحَدُّ الْوَاطِئُ الْعَالِمُ وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ، وَلَا نَسَبَ لَهُ. وَقَالَ بَعْدَهَا: وَلَيْسَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ بَلْ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ حَدٍّ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَيَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ، فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْهُ، وَكُلُّ حَدٍّ لَازِمٌ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ فَالنَّسَبُ مَعَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ انْتَهَى. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَصْلُهَا لِابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْخَمْسَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا مَا تَقَدَّمَ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَهُ فِي الرَّجْمِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا مُخْتَصَرًا فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَزَادَ بَعْدَهُ مَا نَصَّهُ الشَّيْخُ فِي مَحَلِّ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ وَهُوَ سِيَاقُ كَلَامِهِ انْتَهَى، وَزَادَ أَيْضًا هَذَا الْكَلَامَ فِي كِتَابِ الرَّجْمِ، وَعَدَّهَا فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ ثَمَانِيَةً نَاقِلًا لَهَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْهَا الْخَمْسَ الْمَذْكُورَةَ وَالسَّادِسَةُ الرَّجُلُ يَشْتَرِي جَارِيَةً فَيُوَلِّدُهَا، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهَا مِمَّنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَوَقْتَ الْوَطْءِ. السَّابِعَةُ: الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَتَلِدُ مِنْهُ، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ الثَّامِنَةُ: الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيُوَلِّدُهَا، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّ لَهُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ سِوَاهَا، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ حَرَامٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ: وَهِيَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ أُمَّ امْرَأَتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَتَلِدُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدِي إذَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ إلَّا بَعْدَ تَزْوِيجِهَا، وَأَمَّا لَوْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ قَبْلَ نِكَاحِهِ إيَّاهَا، فَهُوَ زِنًا مَحْضٌ لَا يُلْحَقُ مَعَهُ الْوَلَدُ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْهَا سِتَّ مَسَائِلَ: نَاقِلًا لَهَا عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ عَدَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالْخَامِسَةَ وَالثَّامِنَةَ وَالسَّادِسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَكْسَ الرَّابِعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُهَا، وَالسَّيِّدُ مُنْكِرٌ، وَلَا بَيِّنَةَ قَالَ: فَيُحَدُّ هُوَ وَالْجَارِيَةُ إنْ أَقَامَ السَّيِّدُ عَلَى إنْكَارِهِ وَعَبَّرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيُقِرَّ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا عَالِمًا أَنَّهَا ذَاتُ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ (الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) : قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ السِّيرَةِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَمُرُورِهِ عَلَى النِّسَاءِ اللَّاتِي أَدْخَلْنَ عَلَى الرِّجَالِ مَا لَيْسَ مِنْهُمْ مِنْ الْأَوْلَادِ، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَتَابَتْ أُمُّهُ فَأَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ لِغَيْرِ رُشْدَةٍ لِيَسْتَعْفِفَ عَنْ مِيرَاثِهِمْ وَيَكُفَّ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ حَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ شَرَّ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فِي ابْنِ الزِّنَا أَنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ يُؤَوَّلُ عَلَى وُجُوهٍ هَذَا أَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ انْتَهَى. وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ أَيْ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ وَفِي آخِرِ بَابِ الزِّنَا مِنْ النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَلَدُ الزِّنَا خَيْرُ الثَّلَاثَةِ إذَا اتَّقَى اللَّهَ قِيلَ لَهُ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ شَرُّ الثَّلَاثَةِ قَالَ هَذَا شَيْءٌ قَالَهُ كَعْبٌ لَوْ كَانَ شَرَّ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَنْتَظِرْ بِأُمِّهِ وِلَادَتُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إنَّمَا قِيلَ شَرُّهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ شَرَّهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَا انْتَظَرَ بِأُمِّهِ أَنْ تَضَعَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَكْرِمُوا وَلَدَ الزِّنَا وَأَحْسِنُوا إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ إنْ أَحْسَنَ جُوزِيَ وَإِنْ أَسَاءَ عُوقِبَ وَقَالَ عُمَرُ: أَعْتِقُوا أَوْلَادَ الزِّنَا، وَأَحْسِنُوا إلَيْهِمْ، وَاسْتَوْصُوا بِهِمْ اهـ. وَانْظُرْ حَاشِيَتِي عَلَى مَنَاسِكِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحُجَّ بِثَمَنِ وَلَدِ الزِّنَا [بَابٌ الْإِيدَاعُ] ص (بَابٌ) الْإِيدَاعُ تَوْكِيلٌ بِحِفْظِ مَالٍ ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَدِيعَةُ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ، فَيَدْخُلُ إيدَاعُ الْوَثَائِقِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَيَخْرُجُ حِفْظُ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لِأَزْيَدَ مِنْهُمَا وَحِفْظُ

الرَّبْعِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَابْنِ شَاسٍ تَابِعَيْنِ لِلْغَزَالِيِّ اسْتِنَابَةً فِي حِفْظِ مَالٍ كَخُرُوجِهِ وَيَبْطُلُ عَكْسُهُ مَا دَخَلَ وَطَرْدُهُ مَا خَرَجَ وَبِمَعْنَى لَفْظِهَا مُتَمَلَّكٌ: نُقِلَ مُطْلَقُ حِفْظِهِ، يُنْقَلُ، وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ ابْنِ شَاسٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ يُنْقَلُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ مُتَمَلَّكٌ وَلَوْ قُدِّمَ إلَيْهِ لَكَانَ أَبْيَنَ وَيَدْخُلُ فِي حَدِّهِ اسْتِئْجَارُ حَارِسٍ لِمَتَاعٍ، وَنَحْوِهِ وَإِخْرَاجُهُ حِفْظَ الرَّبْعِ مِنْ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا قُلْت قَبَضْت وَبِعْت فِي الْأَرْضِ الْغَائِبَةِ لَمْ يَكُنْ حَوْزًا وَذَلِكَ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْحَوْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي يَدَيْك أَرْضٌ أَوْ دَارٌ أَوْ رَقِيقٌ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، وَذَلِكَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَوَهَبَك ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَكَ قَبِلْت حَوْزٌ انْتَهَى. وَبِهَذَا رَدَّ الْوَانُّوغِيُّ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ فَقَالَ هَذَا يَنْقُضُ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ رَدَّا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ حِفْظَ الرَّبْعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَنْتَقِلُ يَبْطُلُ طَرْدُ حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَدَعْوَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَعِيدٌ اهـ. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَجْهُ النَّقْضِ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوْ وَدِيعَةٍ رَاجِعٌ إلَى الْأَرْضِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا فَصَحَّ كَوْنُ الرَّبْعِ عِنْدَهُ مِمَّا يَصِحُّ إيدَاعُهُ، فَبَطَلَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُودَعِ مِمَّا يُنْقَلُ، فَيَكُونُ إذْ ذَاكَ مُرَادُ الدُّخُولِ لَا مُرَادَ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَدَعْوَى الرَّدِّ إلَى آخِرِهِ، فَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لِدَفْعٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ النَّقْضِ، وَقَوْلُكُمْ إنَّ وَدِيعَةً رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْكَلَامُ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ فَقَوْلُهُ عَارِيَّةٍ رَاجِعٌ إلَى الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ أَوْ وَدِيعَةٍ رَاجِعٌ إلَى الرَّقِيقِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَا دَلِيلَ يَصْرِفُ عَنْهُ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ إخْرَاجَ الْعَقَارِ مِنْ حُكْمِ الْوَدِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَحُكْمُهَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لِلْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ مُبَاحَةٌ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهَا كَخَائِفٍ فَقْدَهَا لِمُوجِبِ هَلَاكِهِ أَوْ فَقْدِهِ إنْ لَمْ يُودِعْهَا مَعَ وُجُودِ قَابِلٍ لَهَا يَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهَا وَحُرْمَتِهَا كَمُودِعِ شَيْءٍ غَصَبَهُ، وَلَا يَقْدِرُ الْقَابِلُ عَلَى جَحْدِهَا أَوْ رَدِّهَا لِرَبِّهَا أَوْ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ الْمُودِعُ مُسْتَغْرِقَ الذِّمَّةِ وَلِذَا ذَكَرَ عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرِقِ ذِمَّةٍ، ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَهَا لِلْفُقَرَاءِ ابْنُ شَعْبَانَ مَنْ سَأَلَ قَبُولَ وَدِيعَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ (قُلْت) : مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ قَبُولُهَا بِهَلَاكِهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا كَرُفْقَةٍ فِيهَا مَنْ يَحْتَرِمُهُ مَنْ أَغَارَ عَلَيْهَا أَوْ ذِي حُرْمَةٍ بِحَاضِرَةٍ تَعَرَّضَ ظَالِمٌ لِبَعْضِ أَهْلِهَا وَنَدَبَهَا حَيْثُ يُخْشَى مَا يُوجِبُهَا دُونَ تَحَقُّقِهِ وَكَرَاهَتُهَا حَيْثُ يُخْشَى مَا يُحَرِّمُهَا دُونَ تَحَقُّقِهِ انْتَهَى، وَانْظُرْ الذَّخِيرَةَ وَفِي مَسَائِلِ الْقَابِسِيِّ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُمِيسِيِّ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِهِ يُشَاوِرُهُ أَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ يَعْنِي الْوُلَاةَ أَوْ الْغُصَّابَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْدِعَهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُمِيسِيِّ يَا أَخِي إنْ كُنْتَ تَقْدِرُ عَلَى غُرْمِهَا فَتَأْخُذْهَا مِنْهُ وَتَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ سَأَلَك فِيهَا غَرَمْتَهَا لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَصْحَابَ سَحْنُونٍ سُئِلُوا فِي كَائِنَةِ تُونُسَ أَنَّ رَجُلًا ذَهَبَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ، وَذَهَبَ لَهُ فِيهَا ذَهَبٌ وَثَوْبٌ دِيبَاجٌ فَرَآهُ يَوْمًا فِي يَدِ جُنْدِيٍّ فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِسَبْعِ دَنَانِيرَ، ثُمَّ مَضَى بِالثَّوْبِ، فَلَمَّا فَتَحَهُ إذَا هُوَ غَيْرُ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَرَجَعَ إلَى الْجُنْدِيِّ فَقَالَ: يَا هَذَا إنَّمَا ظَنَنْت أَنَّهُ ثَوْبِي، فَلِذَلِكَ اشْتَرَيْتُهُ فَقَالَ لَهُ لَا عَلَيْك وَرَدَّ الْجُنْدِيُّ يَدَهُ إلَى مِنْطَقَتِهِ فَصَبَّ مِنْهَا دَنَانِيرَ فَعَدَّ مِنْهَا سَبْعَةً فَأَعْطَاهَا لَهُ وَانْصَرَفَ قَالَ: فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّنَانِيرِ وَبِقِيمَةِ الثَّوْبِ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ:؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : يَجِبُ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ مِنْ التَّلَفِ، وَلَوْ أَذِنَ رَبُّهَا فِي التَّلَفِ، وَيَضْمَنُ إنْ فَعَلَ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ إذَا قَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ: أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ أَوْ فِي النَّارِ فَفَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي أَوْ وَلَدِي انْتَهَى. وَلَا شَكَّ فِي

تنبيه أركان الوديعة

الْحُرْمَةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ دُخُولُ الْخِلَافِ فِيهِ لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ كَمَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا، ثُمَّ أَوْدَعَهُ، فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُودَعِ، فَلَيْسَ لِرَبِّهِ تَضْمِينُ الْمُودَعِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ أَرْكَان الْوَدِيعَة] (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي اللُّبَابِ: أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ الصِّيغَةُ وَالْمُودِعُ وَالْمُودَعُ أَمَّا الصِّيغَةُ، فَهِيَ لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي حِفْظِ الْمَالِ انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَفْتَقِرُ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَالْوَكَالَةِ وَأَصْلُنَا يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ فِيهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ انْتَهَى. قَوْلُهُ فِيهِمَا أَيْ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَنَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ جَالِسًا، فَجَاءَ إنْسَانٌ، فَوَضَعَ أَمَامَهُ مَتَاعًا، ثُمَّ ذَهَبَ فَقَامَ الْجَالِسُ وَتَرَكَهُ، فَذَهَبَ الْمَتَاعُ فَالظَّاهِرُ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ حِينَ وُضِعَ الْمَتَاعُ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ لِلْوَدِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُودِعُ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ بِمِلْكٍ أَوْ تَفْوِيضٍ أَوْ وِلَايَةٍ كَالْقَاضِي فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُودَعُ مَنْ يُظَنُّ حِفْظُهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ شَرْطَهَا بِاعْتِبَارِ جَوَازِ فِعْلِهَا وَقَبُولِهَا حَاجَةَ الْفَاعِلِ، وَظَنِّ صَوْنِهَا مِنْ الْقَابِلِ، فَتَجُوزُ مِنْ الصَّبِيِّ الْخَائِفِ عَلَيْهَا إنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُودِعَا مَا خِيفَ تَلَفُهُ بِيَدِ مُودِعِهِ إنْ ظَنَّ صَوْنَهُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لِاحْتِرَامِهِمَا وَثِقَتِهِمَا كَأَوْلَادِ الْمُحْتَرَمِينَ وَعَبِيدِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ بَعْضِ الظَّلَمَةِ بِبَعْضِ الْبِلَادِ وَلِقَاءِ الْأَعْرَابِ الْقَوَافِلَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ الرَّأْفَةُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ وَالنَّهْيُ عَنْ إضَاعَتِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ انْتَهَى. ص (إلَّا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ وَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ) ش: قَوْلُهُ كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ شَامِلٌ لِحِفْظِ كُلِّ جِنْسٍ بِجِنْسِهِ الْمُمَاثِلِ لَهُ حَتَّى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِمِثْلِهَا، وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمُسْتثْنتَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ بِخَلْطِ الْوَدِيعَةِ وَالثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَهِيَ إذَا خَلَطَ الْجِنْسَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ مَيْزُهُ بِسُهُولَةٍ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ فِي الْوَدِيعَةِ خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُمَاثِلٍ لَهُ كَخَلْطِ الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ وَشِبْهِهِ فَأَمَّا خَلْطُهَا بِجِنْسِهَا الْمُمَاثِلِ لَهَا جُودَةً وَرَدَاءَةً كَحِنْطَةٍ بِمِثْلِهَا أَوْ ذَهَبٍ بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ وَلَا يَخْتَلِطُ بِهِ كَذَهَبٍ بِوَرِقٍ فَلَا يَضْمَنُ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَوْدَعْتَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا، ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ ضَاعَ بَعْضُهُ كَانَ مَا ضَاعَ وَمَا بَقِيَ بَيْنَكُمَا؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَكَ لَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِهِ وَلَوْ عُرِفَتْ بِعَيْنِهَا كَانَتْ مُصِيبَةُ دَرَاهِمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَلَا يُغَيِّرُهَا الْخَلْطُ وَإِنْ أَوْدَعْتَهُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِحِنْطَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ بِهَا عَلَى الْإِحْرَازِ وَالدَّفْعِ، فَهَلَكَ الْجَمِيعُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إنْ خَلَطَ حِنْطَتَكَ بِشَعِيرٍ، ثُمَّ ضَاعَ الْجَمِيعُ، فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفَاتَهَا بِالْخَلْطِ قَبْلَ هَلَاكِهَا انْتَهَى. ص (لِلْإِحْرَازِ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيهَا أَصْلًا انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: وَهُوَ خَاصٌّ أَيْضًا بِبَعْضِ أَفْرَادِ الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَمُشَابِهَاتُهَا، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْإِحْرَازُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَخَلَطَهَا يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ وَالدَّفْعِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي الطَّعَامِ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَيُعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَوْلِهِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي الطَّعَامِ بَعْدَهُ أَنَّ أَبَا عِمْرَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الطَّعَامِ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِهَا عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ كَذَلِكَ فَعَلَ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَنَصُّهُ: قَوْلُهُ فِي خَلْطِ الْحِنْطَةِ إذَا خَلَطَهَا عَلَى وَجْهِ الدَّفْعِ لِلْإِحْرَازِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ) : إنْ خَلَطَهُ بِمَا يُخْلَطُ إنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا كَانَ لِهَذَا وَشِبْهِهِ مِنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ جَمْعَهَا أَحْرَزُ لَهَا مِنْ تَفْرِيقِهَا وَأَرْفَقُ بِهَا مِنْ شُغْلِ مَخْزَنَيْنِ بِذَلِكَ وَكِرَائِهِمَا وَحِفْظِهِمَا، وَهُوَ الْمُرَادُ

بِالدَّفْعِ وَإِنَّ الْخَلْطَ إذَا كَانَ لِغَيْرِ هَذَا مِنْ تَعَدٍّ أَوْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ أَنَّهُ فِيهِ ضَامِنٌ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الطَّعَامِ وَالدَّرَاهِمِ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَ هَذَا تُعْرَفُ مِنْ دَرَاهِمِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ خَلَطَ الدَّرَاهِمَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا يَضْمَنُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَمَيَّزُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ لَوْ خَلَطَ دَنَانِيرَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً بِدَرَاهِمَ فِي كِيسٍ لَمْ يَضْمَنْ، فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَازَ قَيْدٌ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَيْنَكُمَا إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ) ش يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا خَلَطَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ ضَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْبَاقِي عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَتَّفِقُ فِي هَذَا مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ قَبْلَ الضَّيَاعِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَخِلَافُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمُشَارُ لَهُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَنَصُّهُ قَالَ وَمَنْ اخْتَلَطَ لَهُ دِينَارٌ مَعَ مِائَةِ دِينَارٍ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ ضَاعَ مِنْ الْجُمْلَةِ دِينَارٌ، فَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ صَاحِبُ الدِّينَارِ بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَجُزْءٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ سَلَمَةَ: لِصَاحِبِ الْمِائَةِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقْتَسِمَانِ الدِّينَارَ الْبَاقِيَ ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا دِينَارٌ وَاحِدٌ لَقُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى قَوْلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ

فرع خلط الوديعة بما لا يجوز خلطها به

الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: وَكَذَلِكَ الشَّاةُ تَخْتَلِطُ بِغَنَمٍ فَتُبْهَمُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَالثَّانِيَةُ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً مِنْ أَلْغَازِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا يَجُوزُ خَلْطُهَا بِهِ] (فَرْعٌ) : إذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا يَجُوزُ خَلْطُهَا بِهِ وَقُلْنَا يَضْمَنُ، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا تَلِفَتْ بَلْ يَضْمَنُهَا بِمُجَرَّدِ الْخَلْطِ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَصُّهُ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَتَانِ قَمْحٌ وَشَعِيرٌ، فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَ مَا خَلَطَ لَهُ انْتَهَى. ص (وَبِانْتِفَاعِهِ بِهَا) ش: اُنْظُرْ إذَا انْتَفَعَ بِهَا، وَرَدَّهَا سَالِمَةً هَلْ يَلْزَمُهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا أَمْ لَا؟ وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ فَرَاجِعْهُ. ص (وَحَرُمَ سَلَفُ مُقَوَّمٍ وَمُعْدَمٍ وَكُرِهَ النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ وَكَالْمُقَوَّمِ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا كَانَ يَكْثُرُ اخْتِلَافُهُ، وَلَا يَتَحَصَّلُ أَمْثَالُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمُودِعِ فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُودَعِ أَوْ مَعَهُ كَرْمُ طَبْعٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ مِنْهُ الْكَرَاهِيَةُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُجِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ الدَّفْعِ أَوْ قَالَ لَا حَرَجَ عَلَيْكَ إنْ تَسَلَّفْتَهَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ كُرِهَ ذَلِكَ انْتَهَى [فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ عَرَضٌ] (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَإِنْ بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ عَرَضٌ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمِثْلِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ: وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ طَعَامًا أَوْ سِلْعَةً فَرَبُّ الْوَدِيعَةِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَغْرَمَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ وَقِيمَةَ سِلْعَتِهِ إنْ فَاتَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا أَخَذَ فِيهَا مِنْ ثَمَنٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَالتِّجَارَةِ وَالرِّبْحِ لَهُ) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ: أَيْ وَكَذَا تَحْرُمُ التِّجَارَةُ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا فَإِنْ تَجِرَ فَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَحْوُهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا هُوَ الْكَرَاهَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ فِي الْكَبِيرِ وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَسَطِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ مَالًا فَتَجِرَ بِهِ فَالرِّبْحُ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ، وَيُكْرَهُ التِّجَارَةُ الْوَدِيعَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَتَّجِرُ بِمَالِ الْأَيْتَامِ إنَّ الرِّبْحَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُبْضِعِ مَعَهُ وَالْمُقَارِضِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ وَالْمُقَارِضُ إنَّمَا دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِمَا عَلَى طَلَبِ الْفَضْلِ فِيهِ، فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَجْعَلَا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمَا دُونَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُودِعُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى طَلَبِ الْفَضْلِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حِفْظَهَا لَهُ، فَلَهُ أَصْلُ الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ صَحَّ مِنْ النُّكَتِ الشَّيْخُ وَالْوَصِيُّ أَيْضًا إنَّمَا عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ يَشْتَرِي بِهَا شَيْئًا، فَتَجِرَ فِيهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ طَلَبَ الرِّبْحَ فَلَيْسَ لِلْمُبْضِعِ مَعَهُ قَطْعُهُ عَنْهُ وَنَقْلُهُ إلَى مِلْكِهِ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ بِتَعَدِّيهِ وَالْمُودِعُ إنَّمَا قَصَدَ الْحِفْظَ فَقَطْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُنْتَقَى مَا نَصُّهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ الْمَالُ يَبْتَاعُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا ابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ يُضَمِّنَهُ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي عَرَضِهِ وَابْتِيَاعِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِمَا ابْتَاعَهُ، وَهَذَا إذَا ظَفِرَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ بَيْعِ مَا ابْتَاعَهُ فَإِنْ فَاتَ مَا ابْتَاعَهُ بِهِ، فَإِنَّ رِبْحَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَخَسَارَتَهُ عَلَى الْمُبْضِعِ مَعَهُ انْتَهَى. ص (وَبَرِئَ إنْ رَدَّ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ) ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِذَا تَسَلَّفَ مَالًا يَحْرُمُ تَسَلُّفُهُ، ثُمَّ رَدَّ مَكَانَهَا مِثْلَهَا، فَتَلِفَ الْمِثْلُ بَرِئَ عَلَى الْمَشْهُورِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا لَا يَحْرُمُ تَسَلُّفُهُ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَكْرُوهُ، وَيَخْرُجَ مِنْهُ الْعَرَضُ، وَتَسَلُّفُ الْمُعْدَمِ لِلْعَيْنِ، وَفِي خُرُوجِ الْمُعْدَمِ

مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا إنَّمَا يَكْرَهُ تَسَلُّفَهَا لِلْمُعْدَمِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَرُدَّهَا أَوْ يَرُدَّهَا بِعُسْرٍ فَإِنْ رَدَّهَا، فَقَدْ انْتَفَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا مُنِعَ مِنْ تَسَلُّفِهَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ كَانَتْ أَيْ الْوَدِيعَةُ ثِيَابًا فَلَبِسَهَا حَتَّى بَلِيَتْ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ مَفْهُومُهُ لَوْ رَدَّ الْقِيمَةَ لَبَرِئَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ سَوَاءٌ أَوْقَفَ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ انْتَهَى، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ ثَالِثُهَا: يَبْرَأُ إنْ رَدَّهَا بِإِشْهَادٍ وَرَابِعُهَا: يَبْرَأُ إنْ كَانَتْ مَنْثُورَةً وَلَوْ كَانَتْ مَصْرُورَةً ضَمِنَهَا وَلَوْ رَدَّهَا. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ قَالَهُ أَشْهَبُ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى بَرَاءَتِهِ فِي تَصْدِيقِهِ فِي رَدِّهَا دُونَ يَمِينٍ أَوْ بِهَا ثَالِثُهَا: إنْ تَسَلَّفَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ صُدِّقَ دُونَ يَمِينٍ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ لِقَوْلِ الشَّيْخِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَمِينًا مَعَ قَوْلِ الْبَاجِيُّ ظَاهِرُهَا نَفْيُهَا وَالشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَنْثُورَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الثَّالِثَ اخْتِيَارًا لَهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ نَصَّ عَلَى إخْرَاجِ الْمُعْدَمِ مِنْ الْبَرَاءَةِ إذَا تَلِفَ النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ، وَرَدَّهُ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُ. ص (إلَّا إنْ زَادَ قُفْلًا) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاقْفِلْ وَاحِدًا فَقَفَلَ اثْنَيْنِ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَوْلُ بِنَفْيِ الضَّمَانِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَزَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِهِ إغْرَاءٌ لِلِصٍّ فَيَضْمَنُ، وَالْقَوْلُ بِالضَّمَانِ مَالَ إلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ، وَلَا أَعْلَمُهُ مَنْصُوصًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَبِقُفْلٍ نَهَاهُ عَنْهُ وَاخْتِيرَ سُقُوطُهُ لَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ أَوْ زَادَ قُفْلًا إلَّا فِي حَالِ إغْرَاءِ اللِّصِّ ص (وَبِنِسْيَانِهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا إلَى قَوْلِهِ لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ فَوَقَعَتْ) ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقِيلَ سَوَاءٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُحْتَمَلُ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى مَنْصُوصًا نَعَمْ خَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمُودِعِ مِائَةَ دِينَارٍ، فَيَدَّعِيهَا رَجُلَانِ، وَنَسِيَ أَيُّهُمَا أَوْدَعَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِالْخِيَارِ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَاخْتَلَطَا، وَلَمْ يَدْرِ لِمَنْ الْجَيِّدُ مِنْهُمَا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ يَضْمَنُ لَهُمَا أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؟ اللَّخْمِيُّ وَالْعُذْرُ بِالنِّسْيَانِ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِالنِّسْيَانِ مُفْرِطًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ أَيْ فِي الضَّمَانِ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ بِالضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرَّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمُتَقَدِّمَ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ بِالطَّرِيقِ فَمَضَى لِحَاجَةٍ قَبْلَ إحْرَازِهَا، فَضَاعَتْ ضَمِنَ وَلَوْ جَعَلَهَا فِي كُمِّهِ

مُلْقَاةً لَمْ يَكُنْ حَوْزًا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِهَا مِنْ كُمِّهِ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّاهِي وَبِهِ يُفَسَّرُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَحَلِّ إيدَاعِهَا ضَمِنَ عَلَى الْمَنْصُوصِ، ثُمَّ قَالَ: لَا إنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ، فَسَقَطَتْ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لَمَّا عَدَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُوجِبُ الضَّمَانَ، السَّابِعُ: النِّسْيَانُ فَلَوْ نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي أَخَذَهَا فِيهِ ضَمِنَ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَسِيَهَا، فَجَعَلَهَا فِي كُمِّهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا لَهُ، فَتَلِفَتْ، فَهُوَ ضَامِنٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا نَسِيَهَا فِي مَجْلِسِهِ، فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ قَالَ: وَهَذَا الْأَصْلُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ نِسْيَانَهُ جِنَايَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ اُنْظُرْ الْجَوَاهِرَ انْتَهَى كَلَامُهُ وَنَظَرْت الْجَوَاهِرَ فَلَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِإِيدَاعِهَا وَإِنْ بِسَفَرٍ) ش: يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهَا مَحْمَلًا مَعَهُ إلَّا أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهَا أَنَّهُ لَا يَجِدُ لَهَا مَحْمَلًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ لَهَا مَحْمَلًا مَعَهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَفِيهِ مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَوْدَعَ مَعَهُ وَدِيعَةً لِبَلَدٍ، فَعَرَضَتْ لَهُ إقَامَةٌ فِي الطَّرِيقِ قَصِيرَةٌ كَالْأَيَّامِ أَوْ طَوِيلَةٌ كَالسَّنَةِ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ كَالشَّهْرَيْنِ، فَإِنْ بَعَثَهَا فِي الْقَصِيرَةِ ضَمِنَهَا وَإِنْ حَبَسَهَا فِي الطَّوِيلَةِ ضَمِنَهَا، وَهُوَ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ مُخَيَّرٌ هَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَجَمَعَ فِيهِ بَيْنَ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَرَاجِعْهَا وَانْظُرْ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ وَابْنَ يُونُسَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ لَمْ أَجِدْ الرَّجُلَ فَرَدَدْت إلَيْك الْمَالَ صُدِّقَ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا لَمْ يَجِدْهُ إيدَاعُهَا اُنْظُرْ بَقِيَّةَ الْمَسْأَلَةِ وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ، وَلَا أَنْ يَبْعَثَ بِهَا مَعَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَحْدُثَ لَهُ إقَامَةٌ فِي بَلَدٍ، وَلَا يَجِدَ صَاحِبَهَا وَيَجِدَ مَنْ يَخْرُجُ إلَى حَيْثُ أَمَرَ صَاحِبُهَا فَلَهُ تَوْجِيهُهَا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ قَالَ الْآمِرُ: قَدْ أَمَرْتُكَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ يَدِكَ، وَلَا تَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِكَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ فَالْمَأْمُورُ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَقَالَ: قَالَ مُطَرِّفٌ فِيهِ: وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي أَنَّهُ أَمِينٌ، فَإِذَا هُوَ غَيْرُ أَمِينٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ انْتَهَى، وَنَصَّ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرُّهُونِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْمَأْمُورَ مُصَدَّقٌ، فَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَالْقَوْلُ لَكَ إنْ ادَّعَى الْإِذْنَ أَوْ صِفَةً لَهُ، وَقَدْ نَصَّ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْوَدِيعَةِ. وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ اُعْتِيدَتَا بِذَلِكَ) ش: يَعْنِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعَكْسُ الْمَسْأَلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ

الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ، فَدَفَعَهُ لِزَوْجَتِهِ اُنْظُرْ الْعَكْسَ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ: قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يُفْتِي بِعَدَمِ ضَمَانِهَا إذَا ضَاعَتْ عِنْدَهُ كَمَا لَا يَضْمَنُ هُوَ مَا ضَاعَ عِنْدَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ تَضْمَنُ هِيَ وَلَا يَضْمَنُ هُوَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَشَذَّالِيُّ مَا حَكَاهُ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ عِيَاضٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَدَارِكِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد الصَّوَّافُ مِنْ عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ انْتَهَى، وَأَشَارَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إلَى هَذَا (فَرْعٌ) : رَجُلٌ طَلَعَ إلَى سَقْفٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الْحَانُوتِ: احْبِسْ لِي هَذَا الْفَرْوَ حَتَّى أَهْبِطَ، فَاحْتَاجَ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إلَى الْقِيَامِ، فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ اُنْظُرْ الْحَانُوتَ وَالْفَرْوَ حَتَّى آتِيَ فَضَاعَ الْفَرْوُ فَأَجَابَ الْفَقِيهُ أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ عَلَى صَاحِبِ الْحَانُوتِ الضَّمَانُ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى الْوَدِيعَةِ إذَا أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ أَنَّهُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ إرَادَةِ سَفَرٍ قَالَهُ فِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْهَا. (فَرْعٌ) : مِنْهَا رَجُلٌ حَمَلَ بِضَاعَةً لِرَجُلٍ، فَجَاءَ إلَى مَوْضِعِ خَوْفٍ فِي الطَّرِيقِ، فَحَبَسَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ نَزَلَ يَبُولُ فَوَضَعَهَا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَرَجَعَ إلَى الْمَوْضِعِ، فَلَمْ يَجِدْهَا أَوْ لَا يَدْرِي أَيْنَ وَضَعَهَا فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: أَفْتَيْت أَنَا وَابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَذَكَرَ لِي عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِإِنْزَائِهِ عَلَيْهَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَوْ خَتَنَ الْمُودَعُ عِلْجًا أَسْلَمَ عِنْدَهُ وَهُوَ يُطِيقُهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ اتِّفَاقًا وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْخِتَانُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ قَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِي انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَبِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوصِ بِهَا وَلَمْ تُوجَدْ إلَّا لِكَعَشْرٍ

سِنِينَ) ش: هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ بِإِشْهَادٍ مَقْصُودٍ بِهِ التَّوَثُّقُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِطُولِ الزَّمَانِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاعْتَرَضَ عَلَى إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَى سُكُوتِ شَارِحِيهِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَخَذَهَا إنْ ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ إنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ) ش: فَاعِلُ ثَبَتَ هُوَ قَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ وَبِكِتَابَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذِهَا وَلَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَبْيَنَ وَتَقْدِيرُهُ وَأَخَذَهَا بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ. ص (وَبِدَفْعِهَا مُدَّعِيًا أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِهِ وَحَلَفْت وَإِلَّا حَلَفَ وَبَرِئَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْآمِرِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ

أَوْدَعْتَهُ وَدِيعَةً، فَادَّعَى أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَفَعَلَ وَأَنْكَرْت أَنْتَ أَنْ تَكُونَ أَمَرْتَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَيَحْلِفُ رَبُّهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُودِعُ وَبَرِئَ قَالَ أَشْهَبُ: سَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ صَحَّ مِنْ عِيَاضٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَشْهَدْ رَبُّهَا عَلَيْهَا بِهَا صَدَّقَ الرَّسُولُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَيَحْلِفُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ لِعَبْدِ الْمَلِكِ إنَّ الرَّسُولَ مُصَدَّقٌ بِكُلِّ حَالٍ كَانَ دَيْنًا أَوْ صِلَةً أَنْكَرَهُ الْقَابِضُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اقْضِ عَنِّي فُلَانًا دَيْنَهُ عَلَيَّ فَيَضْمَنُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : فَلَوْ مَاتَ الْمُودِعُ وَادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَيَحْلِفُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْعِلْمِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَلَوْ دَفَعْت فِي الصِّحَّةِ مَالًا لِمَنْ يُفَرِّقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ مِتَّ أَنْتَ قَبْلَ إنْفَاذِهِ فَإِنْ أَشْهَدْت فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا فَاتَ وَمَا بَقِيَ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَالْبَاقِي لِوَرَثَتِك، وَلَوْ فَرَّقَ بَاقِيهِ بَعْدَ مَوْتِكَ ضَمِنَ الْبَقِيَّةَ لِوَارِثِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ مُقِرُّونَ بِذَلِكَ، وَلَوْ نَازَعُوهُ لَضَمِنَ مَا فَرَّقَ، وَمَا بَقِيَ إنْ كَانَ لَمْ يَشْهَدْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي عِلْمَهُ مِمَّنْ يَظُنُّ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَيْ نَازَعُوهُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِكِتَابَةٍ فَإِنْ فَعَلَ، وَجَاءَ الْمُودِعُ فَأَنْكَرَ حَلَفَ مَا أَمَرَهُ وَلَا كَتَبَ بِذَلِكَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَضَمِنَهَا مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُودِعُ عَلَى الْقَابِضِ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَتَى بِهِ وَلَا مَعْرِفَتُهُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ وَشَهَادَتُهُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ ثَانٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمُحَالُ عَلَيْهِمْ وَالْوَكِيلُ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُوا بِالدَّفْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْمُرْسِلِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَنَصُّهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَدِيعَةَ بِأَمَارَةِ الْمُودِعِ وَلَا بِكِتَابَتِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ خَطُّهُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الرَّسُولُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ خَطُّ الْمُودِعِ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَجِبْ لَهُ أَخْذُهَا حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ بِمَا يَبْرَأُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ حَقِّهِ الْإِبْرَاءَ وَإِشْهَادَهُ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إذَا جَحَدَ الْمُودِعُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْمُودِعُ أَنَّهُ رَضِيَ لِصَاحِبِهَا بِتَسْلِيمِهَا بِذَلِكَ أَوْ رَضِيَ الْآنَ بِتَسْلِيمِهَا، فَيَلْزَمُ مَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الرَّسُولِ بِغَيْرِ إمَارَةٍ وَلَا كِتَابٍ الْوَدِيعَةُ عَيْنٌ وَالْمُودِعُ مُوسِرٌ جَازَ رِضَاهُ، وَأُلْزِمَ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُودِعُ أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ قَامَ الْمُودِعُ بِالْمِثْلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِهَا فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَرَضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُقْضَى عَلَى مُتْلِفِهِ بِالْمِثْلِ أَوْ عَيْنًا وَالْمُودِعُ مُعْسِرٌ لَمْ يَجُزْ، وَرُدَّ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِهَا إنْ قَالَ: لَمْ أَبْعَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ ثِقَةً مَأْمُونًا مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، فَيُمَكِّنُ مِنْ قَبْضِهَا، وَيَلْزَمُ الْآخَرَ مَا رَضِيَ بِهِ وَإِنْ أَوْقَعَ الدَّفْعَ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِكِتَابٍ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ أَوْ بِقَوْلِ الرَّسُولِ خَاصَّةً، ثُمَّ قَدِمَ الْمُودِعُ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ بَعَثَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ وَلَا كَتَبَ، ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ الرَّسُولُ أَوْ الْمُودِعُ فَإِنْ غَرِمَ الرَّسُولُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْمُودِعِ وَاخْتُلِفَ إذَا أَغْرَمَهَا الْمُودِعُ هَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا صَدَّقَ الرَّسُولَ وَدَفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ وَغَرِمَ الْمُودَعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الرَّسُولِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ: لَا يَرْجِعُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ إذَا دَفَعَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِأَمَارَةٍ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُودِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ: أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي خُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَغْرَمُهَا أَيُّهُمَا أَحَبُّ فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُهَا عَلَى مُتْلِفِهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْغَارِمُ عَلَى الرَّسُولِ وَاخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ صَاحِبُهَا عَلَى الرَّسُولِ هَلْ يَرْجِعُ

الرَّسُولُ عَلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَرْجِعُ، وَأَرَى الرُّجُوعَ فِي هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ الْأَرْبَعَةِ مُفَرَّعًا، فَيَسْقُطُ رُجُوعُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَعْتَرِفُ الْمُودِعُ أَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ، وَأَنَّ الْمُودِعَ ظَالِمٌ فِي إغْرَامِهِ، وَيَرْجِعُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ الْقَابِضِ عَلَى شَكٍّ هَلْ قَبَضَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ أَمْ لَا فَإِذَا كَانَ دَفَعَهُ بِخَطِّ الْمُودِعِ أَوْ بِأَمَارَةٍ أَوْ بِقَوْلِهِ ادْفَعْهَا صَدَقَةً عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ بِقَوْلِ الْقَابِضِ أَرْسَلَنِي إلَيْك رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَمَلْت قَوْلَكَ عَلَى أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لَكَ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ الْمُودِعَ يُخَالِفُكَ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْكَ شَيْئًا انْتَهَى. ص (وَإِنْ بَعَثْت إلَيْهِ بِمَالٍ فَقَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ وَأَنْكَرْت فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَعَثْت إلَيْهِ بِمَالٍ فَقَالَ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ وَصَدَّقَهُ الرَّسُولُ وَأَنْتَ مُنْكِرٌ لِلصَّدَقَةِ، فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَالُ صَدَقَةً عَلَيْهِ قَالَ كَيْفَ يَحْلِفُ وَلَمْ يَحْضُرْ؟ قَالَ كَمَا يَحْلِفُ الصَّبِيُّ إذَا كَبُرَ مَعَ شَاهِدِهِ فِي دَيْنِ أَبِيهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ كَيْفَ يَحْلِفُ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ قِيلَ لِمَالِكٍ كَيْفَ يَحْلِفُ وَانْظُرْ جَعَلَهُ يَحْلِفُ هُنَا، وَهَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ أَوْ إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْدَعَك وَدِيعَةً فَشَهِدْت عَلَيْهِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فُلَانٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا حَلَفَ فُلَانٌ مَعَ شَهَادَتِك وَاسْتَحَقَّهَا إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ غَابَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُك إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ تَنْتَفِعُ أَنْتَ فِي مِثْلِهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةً لَا تَنْتَفِعُ فِي مِثْلِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ انْتَهَى. قَالَ فِي النُّكَتِ سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا فَقُلْت أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِلسُّلْطَانِ خُذْهَا مِنْ يَدِي لَا أُرِيدُ إمْسَاكَهَا فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ حِينَ أَتَى يَشْهَدُ قَالَ لِلْحَاكِمِ إنَّ فُلَانًا أَوْدَعَنِي كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ فَخُذْهُ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ شَهِدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى يَقُولُ هَذَا فَيُتَّهَمُ أَنْ يَقُولَ هَذَا لِيَنْفِيَ الظِّنَّةَ عَنْهُ الَّتِي قَدْ أَبْطَلَتْ شَهَادَتَهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ، فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِشَهَادَتِهِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ رُدَّتْ اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ انْتَهَى ص (وَبِدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِكَ) ش قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الْوَارِثِ لَمْ يُقْبَلْ وَكَذَلِكَ دَعْوَى وَارِثِ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَأْتَمِنَاهُ كَالْيَتِيمِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمُودَعُ وَرَبُّ الْوَدِيعَةِ مَعًا وَادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ إلَى وَارِثِ رَبِّهَا انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّيْخِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ قَالَ الْمُودَعُ أَوْ الْعَامِلُ رَدَدْنَا الْمَالَ لِوَصِيِّ الْوَارِثِ لِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يُصَدَّقَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْوَصِيِّ، وَلَوْ كَانَ قَبْضُهُمَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا دَفَعَا لِغَيْرِ مَنْ قَبَضَا مِنْهُ انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ أَمَّا دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى وَارِثِ الْمُودِعِ عَلَى الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَسَوَاءٌ قَبَضَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ انْتَهَى ص (أَوْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْمُنْكِرِ) ش: قَالَ

فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ: دَفَعْته لَهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الدَّافِعُ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ ذَلِكَ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَوْ شَرَطَ الرَّسُولُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَمَرْتَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ إذَا ثَبَتَ هَذَا الشَّرْطُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ مَفْهُومُهُ لَوْ أَقَرَّ أُبْرِئَ الدَّافِعُ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ وَمَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ صَدَقَةً أَوْ صِلَةً أَوْ سَلَفًا أَوْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ لِيَبْتَاعَ لَكَ بِهَا سِلْعَةً فَقَالَ دَفَعْتُهُ وَكَذَّبَهُ الرَّجُلُ لَمْ يَبْرَأْ الرَّسُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ، فَأَكْذَبَهُ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ أُبْرِئَ وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ، وَذَكَرَ فِيهَا السَّلَفُ وَفِيهِ مِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ أَمَّا إنْ كَانَ قَائِمَ الذِّمَّةِ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ كَانَ خَرِبَ الذِّمَّةِ، فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الصِّلَةِ أَوْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ، فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يُشِيرُ إلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مُلَخَّصًا وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بَعْدَ هَذَا وَإِنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَبَعَثْت مَعَهُ عَبْدَك أَوْ أَجِيرَك لِيَقْبِضَ الثَّمَنَ فَقَالَ قَبَضْتُهُ وَضَاعَ مِنِّي فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ بِالدَّفْعِ إلَى رَسُولِكَ ضَمِنَ بِخِلَافِ مَنْ دَفَعْت إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ، فَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ هَذَا لَا يَضْمَنُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ قَبْضُ ذَلِكَ إلَى أَمَانَةٍ أَوْ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ عِيَاضٌ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهَا فَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ: إنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمَبْعُوثُ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَالرَّسُولُ بَرِيءٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَابِضُ لَهَا قَبَضَهَا مِنْ حَقٍّ أَوْ وَدِيعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ أَكْثَرُهُمْ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ حَمْدِيسٌ: إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِ أَوْ عَلَى وَدِيعَةٍ هِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا الَّتِي أَقَرَّ بِقَبْضِهَا، وَادَّعَى تَلَفَهَا أَوْ جَحَدَ الْقَبْضَ، فَلَا يَبْرَأُ الرَّسُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الدَّفْعِ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ نُظَّارِ الْأَنْدَلُسِ وَلَفْظُهُ فِي الْكِتَابِ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَقٍّ أَوْ وَدِيعَةٍ انْتَهَى وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ عَنْ عِيَاضٍ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: مَنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعْتُهَا إلَيْهِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنْ الْإِشْهَادِ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ إذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ، وَلَا أَحْفَظُ فِي هَذَا الْوَجْهِ نَصَّ خِلَافٍ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ بَعَثَ بِبِضَاعَةٍ إلَى رَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَابِضُ كَانَتْ دَيْنًا أَوْ صِلَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ بِالْمَعْنَى فِي مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ الْوَاقِعَةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ، وَادَّعَى التَّلَفَ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ إلَى أَمَانَةٍ أَوْ إلَى ذِمَّةٍ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ إلَى أَمَانَةٍ، فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ فِيهَا مَرَّةً: يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ وَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ مِنْ الْآمِرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ مَرَّةً: لَا يَبْرَأُ الدَّافِعُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ أَوْ يَأْتِي الْقَابِضُ بِالْمَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَمَّا إنْ قَبَضَ إلَى ذِمَّةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ الَّتِي لِي عِنْدَكَ إلَى فُلَانٍ سَلَفًا أَوْ تَسْلِيفًا فِي سِلْعَةٍ أَوْ إلَى صَانِعٍ يَعْمَلُ فِيهَا عَمَلًا، فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ قَائِمَةً فَإِنَّ الدَّافِعَ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ خَرِبَةً فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قِيلَ إنَّ الدَّافِعَ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ، وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ (فَصْلٌ) : وَهَذَا التَّقْسِيمُ كُلُّهُ فِي دَفْعِ الْأَمَانَةِ وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى أَمَانَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ، وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ أَوْ يَأْتِي قَابِضُ الْمَالِ بِهِ هَذَا نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا أَعْرِفُ فِي هَذَا خِلَافًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى ذِمَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَتْ خَرِبَةً، فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ هَذَا الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي عَلَى مَذَاهِبِهِمْ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصَّ خِلَافٍ

إلَّا أَنْ يَدْخُلَهَا الْخِلَافُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَانَةِ، فَهِيَ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ دَافِعٌ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى أَمَانَةٍ وَمِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ وَمِنْ أَمَانَةٍ إلَى ذِمَّةٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا لَكِنَّهُ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا دَفَعَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي غَيْرِ الْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا لَوْ لَمْ يَمُتْ وَأَكْذَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فِي قَبْضِهَا مِنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُرِيدُ، فَلَوْ لَمْ يَمُتْ الرَّسُولُ أَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، وَضَاعَتْ وَأَنْكَرَ رَبُّهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا ضَمِنَ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فِي قَبْضِهَا مِنْهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمُنْكِرُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لَا يَضْمَنُ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا نَسَبَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَتَرَكَ مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقُوَّةِ الْأَوَّلِ، وَلَا مُنَافَاةَ عَلَى هَذَا بَيْنَ مَا قَالَ هُنَا وَبَيْنَ مَا قَالَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ قَبَضْت وَتَلِفَ بَرِئَ، وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْوَكَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ الدَّفْعُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أَمَانَةٍ الَّذِي صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْغَرِيمُ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ يُرِيدُ إذَا قَالَ الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ قَبَضْت ثَمَنَ مَا بِعْت إلَخْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) : فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَعْوَى الرَّدِّ مُسَامَحَةٌ وَإِنَّمَا فِيهَا دَعْوَى إيصَالِ الْأَمَانَةِ. (تَنْبِيهٌ) ثَانٍ قَالَ فِي النُّكَتِ اعْلَمْ أَنَّ الرَّسُولَ إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَى مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ يَنْفَعُهُ، وَإِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهَا حِينَ وُجُوبِ مُتَعَلِّقِهَا، فَكَأَنَّهُ شَرَطَ سُقُوطَ أَمْرٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ بِخِلَافِ شَرْطِهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا أَرَاهُ انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ هَذَا فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرُّهُونِ مَسْأَلَةُ الْمُرْتَهِنِ يَأْخُذُ الرَّهْنَ عَلَى أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَيَدَّعِي أَنَّهُ وَضَعَهُ، وَيُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَدْلُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيُصَدَّقُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت اُنْظُرْ هَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِالْوَفَاءِ بِشَرْطِ دَعْوَى التَّصْدِيقِ فِي دَعْوَى عَدَمِ الْقَضَاءِ انْتَهَى. وَسَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ (تَنْبِيهٌ) : إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الضَّمَانِ مَعَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُرْفُ عَدَمَ الْإِشْهَادِ صُدِّقَ الْمُودِعُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ تَصْدِيقَ رَبِّ الْمَالِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ مَعَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ، وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ قِرَاضِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَالِ، فَتَأَمَّلْهُ وَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ مَنْ بَعَثْت مَعَهُ بِمَالٍ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرْتَهُ بِصَدَقَةٍ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ ضَمِنَ حِصَّةَ مَنْ كَذَّبَهُ، وَلَوْ أَمَرْتَهُ بِصَدَقَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ انْتَهَى. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ بَعَثْت بِمَالٍ إلَى رَجُلٍ بِبَلَدٍ فَقَدِمَهَا الرَّسُولُ، ثُمَّ مَاتَ بِهَا وَزَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَكَ فِي تَرِكَةِ الرَّسُولِ وَلَكَ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِذَلِكَ سَبَبًا، وَلَوْ مَاتَ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَلَدِ، فَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَالِ أَثَرٌ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ انْتَهَى زَادَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ، فَإِنْ نَكَلُوا غَرِمُوا، وَقَالَ فِيهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَبْعُوثُ بِهَا إلَيْهِ بَعْدَ وُصُولِ الْمَبْعُوثِ بِهَا مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ وَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى الرَّجُلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى دَفْعِهَا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ وَصَلَ الْمَبْعُوثُ بِهَا مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ، وَلَمْ يُوصِلْهَا إلَى الْمَبْعُوثِ بِهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا ذِكْرًا حَتَّى رَجَعَ إلَى رَبِّهَا، وَادَّعَى تَلَفَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْبِضَاعَةِ مِنْهُ وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مُطَرِّفٌ: عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ أَبْضَعَ مَعَ رَجُلٍ بِضَاعَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى آخَرَ، وَأَشْهَدَ

الْآمِرَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَالْبِضَاعَةُ دَيْنٌ عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، فَعَلَى الْمَأْمُورِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الدَّافِعِ، وَإِلَّا ضَمِنَ إذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ غَايَاتِ الْأُمُورِ انْتَهَى ص (كَعَلَيْكَ إنْ كَانَتْ لَكَ بَيِّنَةٌ) ش قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بِبَيِّنَةٍ، فَادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ، فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا ضَمِنَ بَعْدَ يَمِينِ رَبِّهَا، وَلِرَبِّهَا رَدُّ الْيَمِينِ انْتَهَى، وَفِي وَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ زَعَمَ الْمُسْتَوْدَعُ عِنْدَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى رَبِّهَا، فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا زَعَمَهُ، وَلَا يُبَرِّئُهُ قَوْلُهُ، وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى رَبِّهَا، فَإِنْ حَلَفَ رَبُّهَا أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا غَرِمَهَا الْمُودَعُ عِنْدَهُ وَإِنْ نَكَلَ رَبُّهَا عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُودَعِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) : يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْمُودِعُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمُودَعَ بِالْبَيِّنَةِ التَّوَثُّقَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةَ الِاسْتِرْعَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي حَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي رِسَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ ابْنُ يُونُسَ مَنْ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ، وَلَمْ يَقْصِدْ إشْهَادَهُمْ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَقَبْضِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ حَتَّى يَقْصِدَ الْإِشْهَادَ عَلَى نَفْسِهِ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ لِيَكُونَ الرَّدُّ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ كَانَ الْإِشْهَادُ خَوْفَ الْمَوْتِ لِيَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ قَالَ الْمُودِعُ: أَخَافُ أَنْ يَقُولَ هِيَ سَلَفٌ فَأَشْهَدَنِي أَنَّهَا وَدِيعَةٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ مِنْ الْقَابِضِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي رَدِّهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْمُودِعُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ زَرْبٍ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ حُكْمَ الْإِشْهَادِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: هُوَ مُصَدَّقٌ انْتَهَى. . ص (وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ) ش: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ: يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا هِيَ عِنْدَهُ، وَلَقَدْ رَدَّهَا إلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ: إذَا قَالَ لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَوْ رَدَدْتُهَا وَالْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَإِنَّمَا أُمِنَ عَلَى الْحِفْظِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبَرِّئُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَوْ قَالَ لَكَ إنْ أَوْدَعْتَنِي شَيْئًا، فَقَدْ ضَاعَ وَقَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا يَمِينُهُ لِجَزْمِهِ بِانْحِصَارِ الطَّارِئِ فِي الضَّيَاعِ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ) ش: هَذَا فِيمَا إذَا ادَّعَى

التَّلَفَ، وَلَمْ يُحَقِّقْ رَبُّهَا عَلَيْهِ الدَّعْوَى إنَّهَا بَاقِيَةٌ انْتَهَى اُنْظُرْ كِتَابَ ابْنِ حَارِثٍ فِي بَابِ الْأُمَنَاءِ وَابْن جُزَيٍّ فِي بَابِ الضَّمَانِ بِالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ، وَلَا يَرُدُّ الْيَمِينَ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ، وَأَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ بِيَمِينٍ، وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: وَبِاشْتِمَالِ كِتَابِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا يُنْكِرُونَ كِتَابَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفِقْهِيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِمَنْعِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بِبَيِّنَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ

كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: قَالَا وَمَنْ أَوْدَعْتَهُ وَدِيعَةً، ثُمَّ أَقْرَرْت أَنَّهَا لِزَيْدٍ الْغَائِبِ، ثُمَّ طَلَبْت قَبْضَهَا فَلَكَ ذَلِكَ بِالْحُكْمِ، وَلَيْسَ إقْرَارُكَ أَنَّهَا لِزَيْدٍ يَمْنَعُك مِنْ قَبْضِهَا فِي غَيْبَةِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّكَ الَّذِي أَوْدَعْتَهَا، وَكَذَلِكَ مَا أَوْدَعْتَهُ عِنْدَ سَفَرِكَ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ مَالٍ أَنْتَ فِيهِ وَكِيلٌ وَأَنْتَ مُقِرٌّ أَنَّ ذَلِكَ لِفُلَانٍ فَلَكَ أَخْذُهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَنْتَ وَكِيلٌ عَلَى بَيْعِهِ فَبِعْتُهُ فَلَكَ قَبْضُ الثَّمَنِ، فَلَوْ قَدِمَ مَالِكُ الْوَدِيعَةِ فَطَلَبَ أَخْذَهَا مِنْكَ وَأَنْتَ مُقِرٌّ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَكَ ذَكَرَ أَنَّهَا لِهَذَا الطَّالِبِ، فَلَكَ مَنْعُهَا مِنْ رَبِّهَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِ مُودِعَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّكَ لَا تَبْرَأُ مِنْهُ إنْ جَحَدَهَا إلَّا بِهَذَا أَوْ يَقُومُ شَاهِدٌ مَعَك فَيَقْضِي لَهُ السُّلْطَانُ بِهَا أَوْ بِشَاهِدِ ذَلِكَ مَعَ يَمِينِ طَالِبِهَا فَإِنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَدِمَ مَنْ أَوْدَعَكَهَا وَقَدْ

غَابَ رَبُّهَا فَعَلَيْكَ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمْت أَنَّهَا لِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ دَارًا، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَهَدَمَهَا، وَأَتْلَفَ نَقْضَهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْك إنْ جَاءَ رَبُّهَا؛ لِأَنَّكَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا فَعَلْت، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَرْت أَنَّهُ أَمَرَك بِدَفْعِهَا إلَيْهِ أَوْ بِدَفْعِ حَقٍّ لَهُ عَلَيْك، وَمَرَّ هَذَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ فِي بَابٍ مِنْ إقْرَارِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ انْتَهَى. (الثَّانِي) : قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا دَعَا الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ لِحَاجَةٍ وَدَعَاهَا مَنْ لَهُ عِنْدَهَا وَدِيعَةٌ فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا إلَخْ) ش: قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ فِي وَصِيٍّ دَفَعَ مَرْكَبًا لَهُ لِمَوْلَى عَلَيْهِ فِي حِجْرِهِ وَصَرَفَهُ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَمَضَى بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، فَعَطِبَ فِي رُجُوعِهِ، فَقَالَ الْوَصِيُّ إنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَسِيرَ بِهِ، وَتُبْقِيَهُ فَغَرَرْت وَرَجَعْتَ، فَعَلَيْكَ الضَّمَانُ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ يَدَ سَفِيهٍ عَلَى مَالِهِ أَوْ رِبَاعِهِ أَوْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً فَتَعَدَّى السَّفِيهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ جِنَايَةُ الصَّبِيِّ لَازِمَةٌ لَهُ إلَّا فِيمَا أَطْلَقَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَالْوَصِيُّ يَقُولُ: إنَّمَا أَطْلَقْت يَدَهُ فِي الْوُصُولِ فَقَطْ، فَبِنَفْسِ الْوُصُولِ انْقَطَعَ تَسْلِيطِي عَلَيْهِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: هَذَا وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْت، فَهُوَ قَدْ بَقِيَ بِيَدِهِ كَأَنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ جَعَلَ لِلسَّفِيهِ جُعْلًا فِي آبِقٍ، فَبَاعَهُ إلَى آخِرِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَوْدَعَ اثْنَيْنِ جُعِلَتْ بِيَدِ الْأَعْدَلِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلَيْنِ وَدِيعَةً أَوْ اسْتَبْضَعَهَا، فَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِيَدِ أَعْدَلِهِمَا كَالْمَالِ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّيْنِ عَدْلٌ خَلَعَهُمَا السُّلْطَانُ وَوَضَعَ

باب العارية

الْمَالَ بِيَدِ غَيْرِهِمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَأَرَاهُ مِثْلَهُ انْتَهَى قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: لَوْ اقْتَسَمَاهَا لَمْ يَضْمَنَاهَا فِي ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْخُلْعِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَدَالَةِ مُخْتَصٌّ بِالْوَصِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَلَا يُوصِي الْفَاجِرُ، وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: هُمَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمَا وَلَا يَقْتَسِمَانِ، وَيُجْعَلَانِ حَيْثُ يَثِقَانِ بِهِ وَأَيْدِيهمَا فِيهِ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. [بَابُ الْعَارِيَّةِ] ص (بَابُ الْعَارِيَّةِ) ص (صَحَّ وَنُدِبَ إعَارَةُ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَارِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَالْعَارَةُ مِثْلُ الْعَارِيَّةِ يُقَالُ هُمْ يَتَعَوَّرُونَ لِلْعَوَارِيِّ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ مُسْتَعَارٌ بِمَعْنَى مُتَعَاوِرٍ أَيْ مُتَدَاوَلٌ وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي الصِّحَاحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْعَارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ، فَلَيْسَ هُوَ الْوَجْهَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ التَّعَاوُرِ الَّذِي هُوَ التَّدَاوُلُ، وَزْنُهَا فَعْلِيَّةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا قَصَدَهُ، وَيَكُونُ وَزْنُهَا فَاعُولَةً أَوْ فَعَلِيَّةٌ عَلَى الْقَلْبِ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ: أُنْكِرُ عَلَيْهِ كَوْنَهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالُوا يَتَعَيَّرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَيْنُهُ يَاءٌ قُلْت فِي الْمُخَصَّصِ لِابْنِ سِيدَهْ مَا نَصُّهُ وَتَعَوَّرْنَا الْعَوَارِيَّ وَتَعَاوَرْنَا الشَّيْءَ تَدَاوَلْنَاهُ وَقِيلَ الْعَارِيَّةُ مِنْ الْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا عَارٌ عَلَى صَاحِبِهَا وَقَدْ تَعَيَّرُوهَا بَيْنَهُمْ. (قُلْت) وَهَذَا نَصٌّ بِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ يَرُدُّ إنْكَارَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَتَعَيَّرُونَ وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ وَالْعَارِيَّةُ الْمِنْحَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا مِنْ الْعَارِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ غَرَّهُ قَوْلُهُمْ يَتَعَيَّرُونَ الْعَوَارِيَّ، وَلَيْسَ عَلَى وَضْعِهِ إنَّمَا هِيَ مُعَاقَبَةٌ مِنْ الْوَاوِ إلَى الْيَاءِ. (قُلْت) : وَقَدْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُعَاقَبَةِ انْتَهَى. وَفِي رَدِّهِ عَلَى ابْنِ سِيدَهْ بِمِثْلِ هَذَا نَظَرٌ، فَتَأَمَّلْهُ وَفِي الْقَامُوسِ وَالْعَارِيَّةُ مُشَدَّدَةٌ وَقَدْ تُخَفَّفُ وَالْعَارِيَّةُ مَا تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُمْ وَالْجَمْعُ عَوَارِيُّ مُشَدَّدَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ انْتَهَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ مَصْدَرًا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ فَتَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ لَا الْحَبْسُ وَاسْمًا مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَيُقَالُ طَرْدَاهُمَا بِإِرْثِ مِلْكِ مَنْفَعَةِ وَارِثِهَا مِمَّنْ حَصَلَا لَهُ بِعِوَضٍ لِحُصُولِهِمَا لِلْوَارِثِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ عُمُومَ نَفْيِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُخْرِجُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِعِوَضٍ لِمَالِكِ الْعَيْنِ مِنْ الْمَيِّتِ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ تَمْلِيكُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُبْطِلُ طَرْدَهُ بِالْحَبْسِ وَعَكَسَهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهَا إلَّا مَصْدَرًا وَالْعُرْفُ إنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالُهَا اسْمًا، وَهِيَ الشَّيْءُ الْمُعَارُ، وَهِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إحْسَانٌ وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَيَعْرِضُ وُجُوبُهَا نَعْنِي عَيْنَهَا لِمَنْ يَخْشَى بِعَدَمِهَا هَلَاكَهُ وَحُرْمَتُهَا كَكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ وَكَرَاهَتُهَا كَكَوْنِهَا مُعِينَةً عَلَى مَكْرُوهٍ وَتُبَاحُ لِغَنِيٍّ عَنْهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَرَاهَتِهَا فِي حَقِّهِ انْتَهَى وَنَقَلَ كَلَامَهُ ابْنِ نَاجِي. (فَائِدَةٌ) : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ مِنْ الْغُلُولِ مَنْعُ الْكُتُبِ عَنْ أَهْلِهَا وَكَذَا غَيْرُهَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ص (بِلَا حَجْرٍ) ش: مُرَادُهُ هُنَا بِالْحَجْرِ أَعَمُّ مِنْ الْحَجْرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا مَنَعَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْإِعَارَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِعَارَةُ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: الْعَارِيَّةُ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَتَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ

لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِمُدَّةٍ أَوْ اكْتَرَاهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ لِمِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ يُكْرِيه إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ. ص (لَا مَالِكَ انْتِفَاعٍ) ش: اُنْظُرْ مَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ الْفَرْقِ الثَّلَاثِينَ وَآخِرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ النَّوَادِرِ وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي الْوَقْفِ. ص (لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ) ش: اُنْظُرْ مَا يُسْتَعَارُ لِيُتَجَمَّلَ بِهِ فِي الْأَعْرَاسِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَيْسَ لَهُ اُنْظُرْ الْأَبِيَّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي حَدِيثِ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً وَانْظُرْ الْمَدْخَلَ ص (وَضَمِنَ الْمَغِيبُ عَلَيْهِ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَا يُنْقِصُهَا الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ بَعْدَ يَمِينِهِ لَقَدْ ضَاعَتْ ضَيَاعًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا انْتَهَى. ص (لَا غَيْرُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ

لَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي هَلَاكِهِ وَيَحْلِفُ مُتَّهَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا قُلْنَا لَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ فَيَضْمَنُ سَرْجَهَا وَلِجَامَهَا اللَّخْمِيُّ وَلَا يَضْمَنُ الْعَبْدَ وَلَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حَائِزٌ لِمَا عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (إنْ شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ) ش: هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. ص (أَوْ ضَرَبَ بِهِ ضَرَبَ مِثْلَهُ) ش: هَذَا قَوْلٌ آخَرُ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ضَرَبَ بِهِ فِي اللِّقَاءِ ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ قَالَ: وَهُوَ أَبْعَدُ الْأَقْوَالِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. (فَرْعٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اللَّخْمِيُّ: وَأَمَّا الرَّحَى تُسْتَعَارُ لِلطَّحْنِ عَلَيْهَا فَيَأْتِي بِهَا، وَقَدْ جُفِّفَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ. ص (وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ

وَلَهُ الْإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ هُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ صَوَّبَهُ، وَقَوْلُهُ وَلَهُ الْإِخْرَاجُ وِفَاقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُهُ مُتَنَاقِضٌ، وَقَدْ عَدَّهَا ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلَيْنِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ وَلَوْ قَالَ فَالْمُعْتَادُ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَفِيهَا لَهُ الْإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ إلَخْ لَأَجَادَ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبِنَاءِ هُنَا مَشَى فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي مَسْأَلَةِ إعَارَةِ الْجِدَارِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ الَّتِي حَصَّلَهَا ابْنُ زَرْقُونٍ عَلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَخْذِهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَإِنَّهُ حَصَّلَهَا فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ فَرَاجِعْهُ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ هُنَا: فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَازِمَةٌ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَقَوْلُهُ، وَلَهُ الْإِخْرَاجُ يُنَافِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ فِي مِثْلِهَا عَبَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقِيلِ فَقَالَ: وَقِيلَ لِلْمُعَارِ الْإِخْرَاجُ، فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ وَقَالَ الشَّارِحَانِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (قُلْت) : هُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِلْمُدَوِّنَةِ، وَيُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ بِنَصِّهَا قَالَ: وَمَنْ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِكَ أَوْ يَغْرِسَ فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْت إخْرَاجَهُ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يُعِيرَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَلَيْسَ لَكَ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ تُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ جَعَلَهَا لَازِمَةً إلَى الْمُدَّةِ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لِلْمُعِيرِ الْإِخْرَاجَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ، فَلَيْسَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ خِلَافٌ. (فَإِنْ قُلْت) : فَابْنُ الْحَاجِبِ جَعَلَهُ خِلَافًا وَقَالَ الشَّارِحَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمُطَرَّفٍ وَغَيْرِهِ (قُلْت) : هَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ، وَاتَّفَقَ مُطَرِّفٌ وَالْمُدَوَّنَةُ عَلَى أَنَّهَا لَازِمَةٌ وَلَكِنْ مُطَرِّفٌ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاجُ، وَلَوْ أَعْطَى بِخِلَافِ الْمُدَوَّنَةِ فَكَانَا قَوْلَيْنِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّهُ إنَّمَا فَرَّقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَ أَنْ يَطْلُبَهُ بِالْقُرْبِ بَعْدَ مَا يَرَى أَنَّهُ أَعَارَ إلَى مِثْلِهِ لِأَجْلِ أَنَّهُ وَرَّطَهُ حَتَّى بَنَى أَمَّا لَوْ لَمْ يَبْنِ أَوْ كَانَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا لَا يُبْنَى فِيهِ، وَلَا يُغْرَسُ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ لَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ قَرُبَ الْأَمَدُ أَوْ بَعُدَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَقَالَ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ وَإِلَّا تَرَكْتُهُ إلَى مِثْلِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّكَ أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ وَإِنْ أَرَدْت إخْرَاجَهُ بَعْدَ أَمَدٍ يُشْبِهُ أَنَّكَ أَعَرْتَهُ إلَى مِثْلِهِ فَلَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِلَّا أَمَرْتَهُ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ إذَا قُلِعَ، وَلَا نَفْعَ فِيهِ مِنْ جَصٍّ وَنَحْوِهِ، فَلَا شَيْءَ لِلْبَانِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبْت لِعَارِيَّتِهِ أَجَلًا فَبَلَغَهُ، وَلَيْسَ لَكَ إخْرَاجُهُ هَهُنَا قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنْ أَعْطَيْتَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ قَائِمًا، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَبْنِ، وَلَمْ يَغْرِسْ حَتَّى أَرَدْت إخْرَاجَهُ، فَلَيْسَ لَكَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَوْ لَمْ تَضْرِبْ أَجَلًا كَانَ ذَلِكَ لَكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ أَجَّلْت الْعَارِيَّةُ بِزَمَنٍ أَوْ انْقِضَاءِ عَمَلٍ لَزِمَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تُؤَجَّلْ كَقَوْلِكَ أَعَرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ فِي صِحَّةٍ رَدَّهَا، وَلَوْ بِقُرْبِ قَبْضِهَا وَلُزُومِ قَدْرِ مَا تُعَارُ لَهُ ثَالِثُهَا إنْ أَعَارَهُ لِيَسْكُنَ، وَيَبْنِيَ، فَالثَّانِي وَإِلَّا، فَالْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مَعَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِمَا وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (إلَّا أَنْ يَأْنَفَ مِثْلُهُ عَنْهُ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْعُرْفُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعُرْفُ لَيْسَ هُوَ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَةُ الْمَالِكِ أَنْ يُكْرِيَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا النِّزَاعُ فِيهِ بَلْ مُرَادُهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرَفُهُ يَأْبَى الْكِرَاءَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَأْنَفُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (كَدَعْوَاهُ رَدَّ مَا لَمْ يَضْمَنْ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ: الْأَشْيَاءُ الْمَقْبُوضَةُ مِنْ أَرْبَابِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمِلْكِ إنْ قُبِضَتْ لِمَنْفَعَةِ الْقَابِضِ خَاصَّةً كَالْعَوَارِيِّ وَالرُّهُونِ، فَالْقَابِضُ ضَامِنٌ لِمَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّلَفِ، وَمُصَدَّقٌ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ تَلِفَ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ، وَإِنْ قُبِضَتْ لِمَنْفَعَةِ أَرْبَابِهَا خَاصَّةً كَالْبَضَائِعِ وَالْوَدَائِعِ، فَالْقَابِضُ لَهَا مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَى التَّلَفِ دُونَ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، فَيَحْلِفُ عَيْنًا كَانَ، أَوْ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا، وَإِنْ قُبِضَتْ لِمَنْفَعَتِهِمَا جَمِيعًا كَالْقِرَاضِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُعْقِبُ مَنْفَعَةَ أَرْبَابِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مِلْكٌ لِمَتَاعِهِ، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَدْفَعْهُ، وَمَا يُصَدَّقُ فِيهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْقِرَاضِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُون وَالْعَوَارِيّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ. وَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِهِ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي رَدِّ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي الْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ، وَمَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَالرُّهُونِ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ، وَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي رَدِّ الرَّهْنِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي رَدِّ الرَّهْنِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَالْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ الَّذِي لَا يُغَابُ عَلَيْهِ يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي رَدِّهِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَمَا يُصَدَّقُ فِي تَلَفِهِ كَالْوَدِيعَةِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي آخِرِ رَسْمِ الرُّهُونِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ فِيهِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الضَّيَاعِ فِيهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَالرُّهُونِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ فِيهِ سَوَاءٌ قَبَضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَحْفَظُهُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا مَا وَقَعَ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّهْنِ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الرَّهْنِ الَّذِي لَا يُغَابُ عَلَيْهِ انْتَهَى، وَعَلَى هَذَا، فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْكَالٌ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَالتَّوْضِيحَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَى الرَّهْنَ قُبِلَ مُطْلَقًا. (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا فَوَكَّلَ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ لَمْ يَضْمَنْ هُوَ، وَلَا شَرِيكُهُ بِخِلَافِ لَوْ تَعَدَّى أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ

باب الغصب

عَلَيْهَا مَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَضْمَنُ قَالَهُ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ، ثُمَّ رَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ غُلَامِهِ، فَعَطِبَتْ أَوْ ضَلَّتْ، فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ النَّاسِ عَلَى هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَيَاعَهَا إلَّا بِقَوْلِ الرَّسُولِ وَهُوَ مَأْمُونٌ أَوْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَلَا يَضْمَنُ. ص (فَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ) ش: قَالَ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْعَارِيَّةِ: وَلَوْ زَعَمَ الرَّسُولُ أَنَّهُ قَدْ أَوْصَلَهُ إلَى الَّذِينَ بَعَثُوهُ وَجَحَدُوهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ وَيُبَرَّءُونَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَجَحَدُوهُ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ جَحَدُوا الْإِرْسَالَ وَلَوْ أَقَرُّوا بِهِ ضَمِنُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَرَدِّهَا عَلَى الْأَظْهَرِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الْإِقَالَةِ الْكَلَامُ عَلَى حَمْلِ السِّلْعَةِ الْمَقَالِ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْغَصْبِ] ص (بَابُ الْغَصْبِ) ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْغَصْبُ لُغَةً قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا. غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَلَبَهُ سَوَاءٌ وَالِاغْتِصَابُ مِثْلُهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: التَّعَدِّي عَلَى رِقَابِ الْأَمْوَالِ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا حُكْمٌ يَخُصُّهُ وَهِيَ كُلُّهَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهِيَ الْحِرَابَةُ وَالْغَصْبُ وَالِاخْتِلَاسُ وَالسَّرِقَةُ وَالْخِيَانَةُ وَالْإِدْلَالُ وَالْجَحْدُ، انْتَهَى. (فَوَائِدُ) قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خُطْبَةِ ثَانِي النَّحْرِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» . فَوَرَدَ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَخَفَضَ مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ هُنَا مُنْحَطٌّ عَنْهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بِكَثِيرٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الْبَلَدَ وَالشَّهْرَ وَيَحْتَقِرُونَ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، مِنْ الذَّخِيرَةِ. وَمِنْهَا أَيْضًا فِي أَدِلَّةِ الْغَصْبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَمْ يَرِدْ فِي السَّمْعِيَّاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْأَرَضِينَ إلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] وَهَذَا الْحَدِيثُ وَقِيلَ: الْمِثْلِيَّةُ فِي الْعِظَمِ لَا فِي الْعَدَدِ فَلَا دَلَالَةَ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ: قِيلَ: طَوْقَهُ أَيْ كُلِّفَ حَمْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا طَوْقَ التَّقْلِيدِ وَقِيلَ: تُخْسَفُ الْأَرْضُ بِهِ فَتَصِيرُ الْبُقْعَةُ الْمَغْصُوبَةُ فِي حَلْقِهِ كَالطَّوْقِ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» . انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ هَذَا دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى تَعَدُّدِ الْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ: الْمِثْلِيَّةُ فِي الْعِظَمِ يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ وَلَوْ قِيلَ بِهِ فَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا أَيْضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» . يُرْوَى بِالتَّنْوِينِ فِي عِرْقٍ عَلَى النَّعْتِ وَبِعَدَمِهِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَفِي النُّكَتِ عِرْقُ الظَّالِمِ مَا يُحْدِثُهُ فِي الْمَغْصُوبِ. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ ظَاهِرَانِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَبَاطِنَانِ فِي الْأَرْضِ الْآبَارُ وَالْعُيُونُ، انْتَهَى. ص (أَخْذُ الْمَالِ قَهْرًا تَعَدِّيًا بِلَا حِرَابَةٍ) ش: هَذَا الرَّسْمُ نَحْوُ رَسْمِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ فِيهِ التَّرْكِيبَ فِي قَوْلِهِ بِلَا حِرَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْحِرَابَةِ وَالتَّرْكِيبُ هُوَ تَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ الْحُدُودِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ أَعَمَّ مِنْهُ وَلَا أَخَصَّ مِنْ أَعَمِّهِ وَقَدْ اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ عَرَفَةَ لَهُ. (الثَّانِي) أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَخْذُ الْمَنَافِعِ كَسُكْنَى رَبْعٍ وَحَرْثِهِ وَلَيْسَ غَصْبًا بَلْ تَعَدِّيًا وَهَذَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا وَحْدَهُ بِقَوْلِهِ: الْغَصْبُ أَخْذُ مَالٍ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ ظُلْمًا قَهْرًا لَا بِخَوْفِ قِتَالٍ فَيَخْرُجُ أَخْذُهُ غِيلَةً؛ إذْ لَا قَهْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ مَالِكِهِ وَحِرَابَتِهِ، انْتَهَى. وَفِي التَّنْبِيهَاتِ الْغَصْبُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مُنْطَلِقٌ عَلَى أَخْذِ كُلِّ مِلْكٍ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ مِنْ شَخْصٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مَنَافِعَ وَكَذَلِكَ التَّعَدِّي سِرًّا أَوْ جَهْرًا أَوْ اخْتِلَاسًا أَوْ سَرِقَةً أَوْ جِنَايَةً أَوْ قَهْرًا غَيْرَ أَنَّ الْغَصْبَ اُسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَخْذِ أَعْيَانِ الْمُتَمَلَّكَاتِ بِغَيْرِ رِضَا أَرْبَابِهَا وَغَيْرِ مَا يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ ذِي سُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَاسْتُعْمِلَ الْمُتَعَدِّي عُرْفًا فِي التَّعَدِّي عَلَى عَيْنِهَا أَوْ مَنَافِعِهَا سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُتَعَدِّي فِي ذَلِكَ يَدٌ بِيَدِ أَرْبَابِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْقِرَاضِ وَالْوَدَائِعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّنَائِعِ وَالْبَضَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي فِي وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ لِلسِّلْعَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا بِالتَّعَدِّي وَالْمُتَعَدِّي يَوْمَ التَّعَدِّي وَالْغَاصِبُ يَضْمَنُ الْفَسَادَ الْيَسِيرَ وَالْمُتَعَدِّي لَا يَضْمَنُ إلَّا الْكَثِيرَ وَعَلَى الْمُتَعَدِّي كِرَاءُ مَا تَعَدَّى عَلَيْهِ وَأُجْرَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ فِي الْغَاصِبِ: لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ اخْتِلَافٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعْلُومٌ، انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى عَلَى دَابَّةٍ وَدِيعَةٍ وَرَكِبَهَا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ الْغَصْبُ رَفْعُ الْيَدِ الْمُسْتَحِقَّةِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ قَهْرًا وَقِيلَ: وَضْعُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ قَهْرًا وَيَنْبَنِي عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ أَنَّ الْغَاصِبَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ الْمُسْتَحِقَّةَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: التَّعَدِّي قَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ غَيْرُ الْغَصْبِ وَأَحْسَنُ مَا مُيِّزَ بِهِ عَنْهُ أَنَّ التَّعَدِّيَ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ دُونَ قَصْدِ الرَّقَبَةِ أَوْ إتْلَافُهُ أَوْ بَعْضِهِ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِهِ. (قُلْت) وَحَاصِلُ مَسَائِلِ التَّعَدِّي الِانْتِفَاعُ بِمَالِ الْغَيْرِ دُونَ حَقٍّ فِيهِ خَطَؤُهُ كَعَمْدِهِ أَوْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ إذْنِ قَاضٍ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لِفَقْدِهِمَا فَيَدْخُلُ تَعَدِّي الْمُقَارِضِ وَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ وَالْأَجَانِبِ. ص (وَأَدَبُ مُمَيِّزٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُؤْخَذُ بِحَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَيُؤَدَّبُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا خِلَافَ فِي تَأْدِيبِ الْبَالِغِ وَأَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يُؤَدَّبُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» . وَقِيلَ: يُؤَدَّبُ كَمَا يُؤَدَّبُ فِي الْمَكْتَبِ

تنبيه والغصب بين الكافرين كالغصب بين المسلمين

انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَجْتَمِعُ فِي الْغَصْبِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِحَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ عَفْوَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَالَ عَقِيبَهُ: وَمَا ذَكَرَهُ خَالَفَهُ فِيهِ الْمُتَيْطِيُّ فَقَالَ: لَا يُؤَدَّبُ إنْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ وَالْغَصْبُ بَيْنَ الْكَافِرِينَ كَالْغَصْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْغَصْبُ بَيْنَ الْكَافِرِينَ كَالْغَصْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ابْنُ شَعْبَانَ وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَفِي اغْتِصَابِ الْوَالِدِ مِنْ وَلَدِهِ خِلَافٌ وَبِهَذَا أَقُولُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيَسْتَوِي فِي حُكْمِهِ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمِينَ الْقَرَابَةِ وَالْأَجْنبِيِّينَ إلَّا الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ وَالْجَدَّ لِلْأَبِ مِنْ حَفِيدِهِ فَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ لَهُمْ بِحُكْمِ الْغَاصِبِ الْأَجْنَبِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ» ، انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إثْرَ نَقْلِهِ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ: وَبِهَذَا أَقُولُ. (قُلْت) وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْبَاجِيُّ فِي سُنَنِ الصَّالِحِينَ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا وَأَشْعَارًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ مَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ» . وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُدُومُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ مَا يُطْلَبُ مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ الْقَطْعِ وَالْأَيْمَانِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ وَالْقَتْلِ فِي بَابِ التَّغْلِيظِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَحُكْمُ الْجَدِّ جَارٍ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالْأَبِ وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ تَشْهَدُ لِلْقَوْلَيْنِ، انْتَهَى. مِنْ أَوَّلِ مَسَائِلِ الْغَصْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْهَا: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ غَصْبًا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِهَذَا عُوقِبَ الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ وَأَحْلَفَهُ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبُ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ هُدِّدَ وَسُجِنَ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَلَفَ. وَفَائِدَةُ تَهْدِيدِهِ لَعَلَّهُ يُخْرِجُ عَيْنَ مَا غَصَبَ إذَا كَانَ يَعْرِفُ عَيْنَهُ وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَهْدِيدِهِ؛ إذْ لَوْ أَخْرَجَ بِالتَّهْدِيدِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يُقِرَّ آمِنًا وَإِنْ كَانَ مِنْ وَسَطِ النَّاسِ لَا يَلِيقُ بِهِ سَرِقَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ وَلَا يَلْزَمُ رَامِيَهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ لَزِمَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ الْأَدَبُ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ النُّكَتِ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَمُبْرَزٌ بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُؤَدَّبُ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمُتَّهَمٌ مَعْرُوفٌ بِهَذَا فَيَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُسْجَنُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ فِيهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَرَجُلٌ مُتَوَسِّطُ الْحَالِ بَيْنَ هَذَيْنِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَانَ الْحُكْمُ فِي تَعَلُّقِ الْيَمِينِ وَالْعُقُوبَةِ رَاجِعًا إلَى حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ عُوقِبَ الْمُدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ وَأَشْكَلَ حَالُهُ لَمْ يُعَاقَبْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْبِهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِهِ حَلَفَ وَلَمْ يُعَاقَبْ الْمُدَّعِي وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ حَلَفَ وَضُرِبَ وَسُجِنَ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْجُحُودِ تُرِكَ وَاخْتُلِفَ إذَا اعْتَرَفَ بَعْدَ التَّهْدِيدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَقِيلَ: إنْ عَيَّنَ أُخِذَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِقْرَارِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ. وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ قَالَ: وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ يُرِيدُ الْقُضَاةَ وَمَا شَابَهَهُمْ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحَقِّ عُقُوبَتُهُ وَسَجْنُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ بِهِ مَا كَانَ ظُلْمًا أَنْ يُهَدِّدَ وَيَضْرِبَ مَنْ لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ بِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ وَالسَّيْفِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ كَالطَّائِعِ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَلَوْ أُكْرِهَ

ذِمِّيٌّ عَلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ إسْلَامُهُ إسْلَامًا إنْ رَجَعَ عَنْهُ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ الَّتِي عُقِدَتْ لَهُمْ تَمْنَعُ مِنْ إكْرَاهِهِمْ فَإِكْرَاهُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ظُلْمٌ، انْتَهَى. وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي الدَّعَاوَى بِالتُّهَمِ وَالْعُدْوَانِ مَا نَصُّهُ: إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ فَهَذَا النَّوْعُ لَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهَمِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُعَاقَبُ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ: قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَجْهُولَ الْحَالِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَدَبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَفِي الْوَاضِحَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ دُونَ يَمِينٍ وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْفَصْلِ الْكَلَامَ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ. يُشِيرُ إلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامِ الْبَاجِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ فِيمَنْ عُرِفَ بِالْغَصْبِ لِأَمْوَالِ النَّاسِ فَسُئِلَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ غَصَبَهُ مَا يَدَّعِيهِ فَلَا يَجِدُهَا عَلَى حُضُورِ الْغَصْبِ وَمُعَايَنَتِهِ لَكِنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ لِلْمُدَّعِي إلَى أَنْ صَارَ بِيَدِ الظَّالِمِ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ صَارَ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ كَانَ يَشْكُو إلَيْهِمْ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَوْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ جِيرَانِهِمْ أَوْ لَا يَذْكُرُونَ شَيْئًا أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لِلْمُدَّعِي أَخْذَ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الظَّالِمُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى اشْتِرَاءٍ صَحِيحٍ أَوْ عَطِيَّةٍ مِمَّنْ كَانَ يَأْمَنُ ظُلْمَهُ أَوْ يَأْتِيَ بِوَجْهِ حَقٍّ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى فَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ كَانَ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْعُقُوبَةِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ قَالَ: أَرَى أَنْ يُفْسَخَ ذَلِكَ الْبَيْعُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَوْصُوفٌ بِمَا زَعَمَ الْبَائِعُ مِنْ اسْتِطَالَتِهِ وَظُلْمِهِ وَأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ. (قُلْت) فَإِنْ زَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فِي الْعَلَانِيَةِ ثُمَّ دَسَّ إلَيْهِ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ سِرًّا وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَقِيَ مِنْهُ شَرًّا قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الظَّالِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ثُمَّ لَمْ يَرْتَجِعْهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الظَّالِمَ الْمَعْرُوفَ بِالْغَصْبِ لَا يَنْتَفِعُ بِالْحِيَازَةِ وَإِنْ طَالَتْ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَأَمَّا إنْ ثَبَتَ الشِّرَاءُ وَدَفْعُ الثَّمَنِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ فِي السِّرِّ فَهُوَ مُدَّعٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا عُرِفَ بِالْعَدَاءِ وَالظُّلْمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ إغْرَاقٌ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَقَالَ: إنَّمَا أَشْهَدْت لَهُ عَلَى نَفْسِي بِقَبْضِهِ تَقِيَّةً عَلَى نَفْسِي لَأَشْبَهُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْمَعْرُوفِ بِالْغَصْبِ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَوْلُ يَحْيَى مِنْ تَصْدِيقِ الْبَائِعِ فِيمَا ادَّعَى مِنْ أَنَّهُ دَسَّ إلَيْهِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فِي السِّرِّ إذَا شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. ص (وَضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ غَصَبَ بَعِيرًا أَوْ سَرَقَهُ ثُمَّ إنَّهُ ضَلَّ مِنْهُ فَجَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ يَأْتِيهِ بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ شَخْصٌ فَأَخَذَهُ وَغَابَ فَهَلْ لِرَبِّ الْجَمَلِ مُطَالَبَةُ الَّذِي أَتَى بِالْجَمَلِ بَعْدَ هُرُوبِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ يَتَعَدَّى وَيُوَكِّلُ غَيْرَهُ فَحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ ذَبَحَ شَاةً) ش: قَالَ

ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا لَمْ يَشْوِهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَعَ أَرْشِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَّا قِيمَتُهَا وَبَعْدَ ذَبْحِهَا أَفَاتَهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ رَبَّهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا أَوْ أَخْذِهَا بِعَيْنِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْجَلَّابُ: مَنْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَكَانَ لَهُ أَكْلُهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مَذْبُوحَةً وَحَيَّةً ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ ذَبْحَهَا فَوْتٌ يُوجِبُ قِيمَتَهَا لَا أَعْرِفُهُ فِي الذَّبْحِ نَصًّا بَلْ تَخْرِيجًا مِمَّا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ فِيمَنْ طَحَنَ الْقَمْحَ ثُمَّ ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ رَبَّهَا مُخَيَّرٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ نَصًّا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي رَسْمِ الصُّبْرَةِ وَذُكِرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ ثُمَّ قَالَ قَبْلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا وَلَا ذَكَرَ فِي أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا مَذْبُوحَةً خِلَافًا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ صَحِيحٌ فَقَدْ شَرَحَ التِّلْمِسَانِيُّ كَلَامَ الْجَلَّابِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَنَّ رَبَّهَا مُخَيَّرٌ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَجْوِبَتِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجَامِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى مُعَامَلَةِ مَنْ مَالُهُ حَرَامٌ أَوْ بَعْضُهُ أَنَّ رَبَّ الشَّاةِ مُخَيَّرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا مِنْ الْغَاصِبِ وَحَصَّلَ هُنَاكَ قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ مَا فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِلَا خِلَافٍ فَهَذَا يُكْرَهُ لَهُ شِرَاؤُهُ وَمَا كَانَ فِي فَوَاتِهِ خِلَافٌ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْفَوَاتِ ضَعِيفٌ فَيُكْرَهُ وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ وَمَا كَانَ فِي فَوْتِهِ خِلَافٌ قَوِيٌّ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَكَذَا مَا كَانَ رَبُّهُ مُخَيَّرًا فِي أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ذَلِكَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْغَصْبِ، وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ) ش اُنْظُرْ

نَوَازِلَ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَكِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي النَّوَادِرِ وَكَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِي أَوَائِلِ الْوَدِيعَةِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالْإِكْرَاهُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ يَجِبُ ضَمَانُهَا وَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ وَالْعِلْمُ فَلَا فَرْقَ فِي الْإِتْلَافِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْجَاهِلِ وَالْعَامِدِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِلضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّهْدِيدِ وَالْإِكْرَاهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ ظَالِمٌ يَطْلُبُ إنْسَانًا مُخْتَفِيًا لِيَقْتُلَهُ أَوْ يَطْلُبُ وَدِيعَةً لِإِنْسَانٍ لِيَأْخُذَهَا غَصْبًا فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إخْفَاؤُهُ وَانِكَارُ الْعِلْمِ بِهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ أَنَّ الْكَذِبَ الْوَاجِبَ هُوَ الَّذِي لِإِنْقَاذِ مُسْلِمٍ أَوْ مَالِهِ، انْتَهَى. ص (الْمِثْلِيِّ وَلَوْ بِغَلَاءٍ بِمِثْلِهِ) ش هَذَا إذَا فَاتَ أَمَّا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ وَأَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهِ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ نَوَازِلِهِ:

إذَا كَانَ الْحَرَامُ عِنْدَ آخِذِهِ لَمْ يَفُتْ رُدَّ بِعَيْنِهِ إلَى رَبِّهِ وَمَالِكِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ حَلَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْنِي لِلْغَاصِبِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَلَا يُبَايِعُهُ فِيهِ إنْ كَانَ عَيْنًا وَلَا يَأْكُلُهُ إنْ كَانَ طَعَامًا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا هِبَةً وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ فِي حَقٍّ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْغَاصِبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَكَذَا إنْ فَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَذْهَبْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ بِجِنَايَةٍ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ أَخْذَهُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ أَفَاتَهُ الْغَاصِبُ إفَاتَةً لَا تَقْطَعُ تَخْيِيرَ صَاحِبِهِ فِي أَخْذِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ شَاةً فَيَذْبَحَهَا أَوْ بُقْعَةً فَيَبْنِيَهَا دَارًا أَوْ ثَوْبًا فَيَخِيطَهُ أَوْ يَصْبُغَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ أَفَاتَهُ إفَاتَةً تَلْزَمُهُ بِهَا الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ الْمِثْلُ وَيَسْقُطُ خِيَارُ رَبِّهَا فِي أَخْذِهَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَالْفِضَّةِ يَصُوغُهَا حُلِيًّا وَالصُّفْرِ يَفْعَلُ مِنْهُ قَدَحًا وَالْخَشَبِ يَصْنَعُ مِنْهُ تَوَابِيتَ وَأَبْوَابًا وَالصُّوفِ وَالْحَرِيرِ وَالْكَتَّانِ يَعْمَلُ مِنْ ذَلِكَ ثِيَابًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَا جَازَ أَيْضًا لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَلَا أَنْ يَسْتَوْهِبَهُ بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ لِرَبِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَأْخُذَ الْفِضَّةَ مَصُوغَةً وَالصُّفْرَ مَعْمُولًا وَالْخَشَبَ مَصْنُوعًا وَالثِّيَابَ مَنْسُوجَةً دُونَ شَيْءٍ يَكُونُ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا أَوْ كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ فَإِذَا أَرَادَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَخْذَ عَيْنِ دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي مَالُهُ حَرَامٌ أَوْ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ الِاتِّفَاقَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ الْجَلَّابِ وَمَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا رَبُّهَا بِعَيْنِهَا وَأَرَادَ أَخْذَهَا وَأَبَى الْغَاصِبُ أَنْ يَرُدَّهَا وَأَرَادَ رَدَّ مِثْلِهَا فَذَلِكَ لِلْغَاصِبِ دُونَ رَبِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. (قُلْت) ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ رَبِّهَا غَيْرَ عَيْنِهَا فَإِنْ افْتَرَقَا فِي الْحِلِّ وَالتَّحْرِيمِ أَوْ الشُّبْهَةِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُ عَيْنِهَا اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْجَلَّابِ ذَكَرَهُ هُوَ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ ذَلِكَ لِرَبِّهَا دُونَ غَاصِبِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْغَصْبِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِهَا وَاقِعٌ عَلَى صِفَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا وَلَا غَرَضَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَغْصُوبُ فَلَهُ غَرَضٌ فِي أَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَمَالُ الْغَاصِبِ حَرَامٌ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَ عَلَيْهِ فِي هَذَا قَوْلَهُ فِي الْبَيْعِ وَلَا شُبْهَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَالْقَرَافِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا وَاَلَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبَيْعِ هُوَ مَا فِي كِتَابِ السَّلَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَقَالَكَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك فِي يَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَكَ غَيْرَهَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كُنْتَ شَرَطْت اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْمِثْلِيَّ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ مُفَوِّتٌ وَلَمْ يَدْفَعْ مِثْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيبًا زَالَ وَقَالَ:

أَجَزْت لِظَنِّ بَقَائِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ غَصَبَ أَمَةً بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَبَاعَهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَأَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ ثُمَّ عَلِمَ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ فَقَالَ: إنَّمَا أَجَزْتُ الْبَيْعَ وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَهَابِ الْبَيَاضِ وَأَمَّا الْآنَ فَلَا أُجِيزُهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَمَفْهُومُهُ لَوْ ذَهَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَكَانَ الْحُكْمُ خِلَافَ هَذَا ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لَوْ ذَهَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَجَازَ الْبَيْعَ لَانْبَغَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَكَلِّمٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا فَيَقُولُ إنَّمَا أَجَزْتُ الْبَيْعَ عَلَى مَا كُنْتُ أَعْرِفُ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّمَا أَجَزْت بَيْعَ جَارِيَةٍ عَوْرَاءَ بِهَذَا الثَّمَنِ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ بَيَاضَهَا قَدْ زَالَ قَبْلَ الْبَيْعِ مَا بِعْتُهَا بِمِثْلِ هَذَا الثَّمَنِ وَأَمَّا الَّتِي بِيعَتْ عَوْرَاءَ فَقَدْ بِيعَتْ عَلَى مَا كَانَ يَعْرِفُ فَقَدْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ ابْنُ يُونُسَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اسْتَثْبَتَ وَلَمْ يَعْجَلْ وَهِيَ حُجَّةُ مَالِكٍ فِي الْأُولَى وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُ مَالِكٍ لَوْ شَاءَ لَمْ يَعْجَلْ يَعُمُّ الْوَجْهَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ. ص (وَعَصِيرٌ تَخَمَّرَ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ وَفِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ مَنْ تَعَدَّى عَلَى جَرَّةِ عَصِيرٍ فَكَسَرَهَا فَإِنْ دَخَلَهُ عَرَقُ خَلٍّ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ غَرِمَ قِيمَتَهُ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ خَمْرٌ وَلَمْ يَدْخُلْهُ عَرَقُ خَلٍّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَسَرَهُ فِي حِينِ لَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ إمْسَاكُهُ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ صُنِعَ كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ) ش: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ رَأَى خَطَّ الْمُؤَلِّفِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَشَارَ بِهِ

إلَى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَصَبَ غَزْلًا ثُمَّ ضَاعَ ذَلِكَ الْغَزْلُ إمَّا بِسَبَبِ ذَلِكَ الْغَاصِبِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ غُرْمُ قِيمَتِهِ وَهَذَا الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكَذَلِكَ الْحُلِيُّ إذَا غَصَبَهُ وَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ قِيمَتِهِ وَنَبَّهَ بِالْغَزْلِ وَالْحُلِيِّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمِثْلِيِّ إذَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ أَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْمِثْلِيُّ الْجُزَافُ يَعْنِي بِهِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ إذَا كَانَ لَا يُبَاعُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ وَإِنَّمَا يُبَاعُ جُزَافًا فَغَصَبَهُ أَحَدٌ وَتَلِفَ كَانَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ حَيْثُ لَمْ يُحْصَرْ مِمَّا ذُكِرَ. ص (فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَغْصُوبَ الْمُقَوَّمَ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِيهِ يَوْمَ الْغَصْبِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ أَشْهَبُ: تَلْزَمُهُ أَعْلَى قِيمَةٍ مَضَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَصْبِهِ إلَى يَوْمِ تَلَفِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ. ص (وَلَوْ قَتَلَهُ بِعَدَاءٍ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَدَاءٍ بِبَاءِ الْجَرِّ الدَّاخِلَةِ عَلَى عَدَاءٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي الظُّلْمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ تَعَدِّيًا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَيَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمُقَوَّمَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصَبَهُ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ قَتَلَ الْمَغْصُوبَ تَعَدِّيًا مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَتْلِ كَالْأَجْنَبِيِّ. ص (وَغَلَّةِ مُسْتَعْمَلٍ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ

يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا اُسْتُعْمِلَ مِنْ رِبَاعٍ وَحَيَوَانٍ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: إنَّهُ لَا يَرُدُّ غَلَّةَ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَقَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَا يَرُدُّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا وَمَا مَشَى عَلَيْهِ

الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: صَرَّحَ الْمَازِرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُعِينِ بِتَشْهِيرِهِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. (فَرْعٌ) مَنْ غَصَبَ مَنْفَعَةَ دَارٍ وَاسْتَأْجَرَ مِنْهُ رَجُلٌ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ فَلِرَبِّهَا أَخْذُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا كَمَا لَوْ غَصَبَ طَعَامًا وَبَاعَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَلِرَبِّ الطَّعَامِ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ الرَّقَبَةَ وَأَكْرَاهَا قَالَهُ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ. ص (وَهَلْ إنْ أَعْطَاهُ فِيهِ مُتَعَدَّدَ عَطَاءٍ فِيهِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ أَوْ سِلْعَةٌ أَوْ شَيْءٌ تَسَوَّقَ بِهِ فَأَعْطَاهُ فِيهِ نَاسٌ مُتَعَدِّدُونَ ثَمَنًا ثُمَّ تَعَدَّى عَلَيْهِ شَخْصٌ فَغَصَبَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَاسْتَهْلَكَهُ فَهَلْ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي أُعْطِيَ فِيهِ أَوْ يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ؟ تَرَدُّدٌ هَذَا حَلُّ كَلَامِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ وَنَصُّهَا: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَسَوَّقَ فَيُعْطِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ثَمَنًا ثُمَّ يَعْدُو عَلَيْهِ رَجُلٌ فَيَسْتَهْلِكُهَا قَالَ: أَرَى أَنْ يَضْمَنَ مَا كَانَ يُعْطَى بِهَا وَلَا يُنْظَرُ فِي قِيمَتِهَا قَالَ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَطَاءً قَدْ تَوَاطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَ بِهِ بَاعَ. (فَرْعٌ) وَلَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَتَهَا قَالَ عِيسَى: يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْعُتْبِيِّ وَابْنِ يُونُسَ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا أُعْطِيَ فِيهَا سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافُهُ فَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِهِمْ فِي فَهْمِ كَلَامِ مَالِكٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ وَجَدَ غَاصِبَهُ بِغَيْرِهِ وَغَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَهُ تَضْمِينُهُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ وَجَبَتْ قَنَاطِرُ مِنْ كَتَّانٍ مِنْ عَدَاءٍ عَلَى رَجُلٍ بِتُونُسَ وَكَانَ تَعَدِّيهِ عَلَيْهَا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَوَقَعَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ

بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي تُونُسَ لِتَعَذُّرِ الطَّرِيقِ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة عَنْ قُرْبٍ بَرٍّ أَوَبَحْرً وَلَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ الطَّرِيقُ لَمْ يُقْضَ إلَّا بِمِثْلِهَا فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَهِيَ مِثْلُ مَا حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ سَلَّفَ طَعَامًا لِأَسِيرٍ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَخَذَهَا الْعَدُوُّ أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهَا فَقِيلَ: يُقْضَى بِقِيمَتِهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ إنْ وَجَدَهُ وَقِيلَ: لَا يُقْضَى إلَّا بِمِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ فِي قَرْيَةِ الْأَسِيرِ وَهِيَ تَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ هَلْ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ أَوْ قَرْضٌ؟ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْكَتَّانُ جُزَافًا أَوْ الطَّعَامُ كَذَلِكَ لَمْ يُقْضَ إلَّا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَدَاءِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُهَا حَيْثُ وَجَدَهَا، انْتَهَى. ص (أَوْ خَصَاهُ فَلَمْ يُنْقَصْ) ش قَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ بِمَا يُغْنِي وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَنَّ الْخِصَاءَ لَيْسَ بِمُثْلَةٍ وَلَوْ كَانَ مُثْلَةً لَعَتَقَ عَلَى الْغَاصِبِ وَغَرِمَ لِرَبِّهِ قِيمَتَهُ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا مَنْ تَعَدَّى عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ قَطَعَ لَهُ جَارِحَةً أَوْ جَارِحَتَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَسَادًا فَاحِشًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ دَلَّ لِصًّا) ش: اُنْظُرْ كَيْفَ مَشَى هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّهُ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ فَتَأَمَّلْهُ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَ فِيهَا الْقَوْلَيْنِ بِالتَّضْمِينِ وَعَدَمِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُمَا: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَنَا أَقُولُ بِتَضْمِينِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ التَّغْرِيرِ وَكَذَا نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِالضَّمَانِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَسَائِلَ جُمْلَةً فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْغُرُورِ بِالْقَوْلِ وَذَكَرَ مِنْهَا مَسْأَلَةَ الصَّيْرَفِيِّ يَغُرُّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَقُولُ فِي الرَّدِيءِ إنَّهُ جَيِّدٌ وَذَكَرَهَا أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَانْظُرْ الْغُرُورَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فِي ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَسْأَلَةٌ مِنْ أَجْوِبَةِ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ بِعْ سِلْعَتَكَ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ

ثِقَةٌ مَلِيءٌ فَيَجِدُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَغْرَمُ إلَّا أَنْ يَغُرَّهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ، انْتَهَى. ص (كَكَسْرِهِ) ش: هَذَا التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إلَى مَا لَا يَغْرَمُ فِيهِ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ فِيهِ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ لَكِنْ يُؤْخَذُ هُنَا أَيْضًا قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ كَسَرَهُ أَخَذَهُ وَقِيمَةَ الصِّيَاغَةِ وَسَكَتَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَنْهُ لِوُضُوحِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ نَقَصَتْ لِلسُّوقِ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِجَرِّ السُّوقِ فَاللَّامُ التَّعْلِيلِ أَيْ نَقَصَتْ السِّلْعَةُ لِأَجْلِ تَغَيُّرِ سُوقِهَا لَا لِشَيْءٍ فِي بَدَنِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ نَقَصَتْ السُّوقُ أَيْ نَقَصَ سُوقُهَا وَعَلَى هَاتَيْنِ النُّسْخَتَيْنِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا لَا ضَمَانَ فِيهِ بِمَا قَبْلَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ نَقَصَتْ لَا لِسُوقٍ بِإِدْخَالِ لَا النَّافِيَةِ عَلَى السُّوقِ الْمُنَكَّرِ الْمَجْرُورِ بِاللَّامِ وَالْمَعْنَى أَنَّ السِّلْعَةَ الْمَغْصُوبَةَ نَقَصَتْ فِي بَدَنِهَا لَا لِأَجْلِ سُوقِهَا وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَضْمَنُ فِيهِ الْقِيمَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَعَلَى غَيْرِهَا فَقِيمَتُهُ كَكَسْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ وَلَوْ بَعُدَ كَسَارِقٍ) ش: هَذَا مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَغَلَّةِ مُسْتَعْمِلٍ. وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ الْغَاصِبِ لَيْسَ بِفَوْتٍ يُوجِبُ تَخْيِيرَ رَبِّهَا فِيهَا وَفِي قِيمَتِهَا وَلِيُبَيِّنَ أَنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ التَّعَدِّي كَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَى الْغَاصِبِ فَلَيْسَ مُعَارِضًا لِمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى نَفْيِ الْكِرَاءِ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُقَيِّدَ مَا تَقَدَّمَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَمَّا أَنْ عَدَّ بَعْضَ مَا يَكُونُ فَوْتًا يُوجِبُ تَخْيِيرَ رَبِّ السِّلْعَةِ فِيهَا وَفِي قِيمَتِهَا مَا نَصُّهُ: وَلَوْ رَجَعَ بِالدَّابَّةِ مِنْ سَفَرٍ بَعِيدٍ بِحَالِهَا لَمْ يَلْزَمْ سِوَاهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ وَفِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: سَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ هَذَا، انْتَهَى. وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ اسْتَغَلَّ وَاسْتَعْمَلَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ هَذَا الْحَصْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَلْزَمْ سِوَاهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ كِرَاءٌ فِي سَفَرِهِ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ الَّتِي يَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرًا فِيهَا فِي التَّعَدِّي لَا كِرَاءِ الدَّابَّةِ، انْتَهَى. وَلَمَّا أَنْ كَانَ ابْنُ الْحَاجِبِ يَذْكُرُ الْأَقْوَالَ فِي الْغَلَّةِ قَالَ فِي كَلَامِهِ هُنَا يَحْتَمِلُ وَيَحْتَمِلُ فَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلًا إلَّا الْمَشْهُورَ وَهُوَ ضَمَانُ غَلَّةِ

الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَعْمِلِ مُطْلَقًا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَيُقَيَّدَ فَيَصِحَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرِ كِرَاءِ الزَّائِدِ إنْ سَلِمَتْ وَإِلَّا خُيِّرَ فِيهِ وَفِي قِيمَتِهَا وَقْتَهُ) ش: فَسَّرَ الشَّارِحُ مِثْلُ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَعِيرِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا سَلِمَتْ فِي تَعَدِّي الْمُسْتَأْجِرِ وَشَبَهِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا كِرَاءُ الزَّائِدِ فَقَطْ وَلَا تَخْيِيرَ لَهُ وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ مَعَ عَدَمِ السَّلَامَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً وَلَا يُخَيَّرُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الْعَارِيَّةِ وَفِي فَصْلِ كِرَاءِ الدَّوَابِّ وَفَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَخِلَافٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا الْمُكْتَرِي أَوْ الْمُسْتَعِيرُ يَتَعَدَّى الْمَسَافَةَ تَعَدِّيًا يَحْبِسُهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلَمْ يَرْكَبْهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بِحَالِهَا فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي أَوْ يَأْخُذُهَا مَعَ كِرَاءِ حَبْسِهِ إيَّاهَا بَعْدَ الْمَسَافَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ رَجَعَ بِالدَّابَّةِ مِنْ سَفَرٍ بَعِيدٍ عَلَى حَالِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَاهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ وَفِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِخِلَافِ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ يَزِيدَانِ فِي الْمَسَافَةِ زِيَادَةً بَعِيدَةً ثُمَّ يَرُدَّانِ الدَّابَّةَ عَلَى حَالِهَا فَلِرَبِّ الدَّابَّةِ أَخْذُهَا وَلَهُ تَرْكُهَا وَأَخْذُ الْقِيمَةِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِخِلَافِ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا زَادَ فِي الْمَسَافَةِ زِيَادَةً بَعِيدَةً فَإِنَّ رَبَّهَا بِالْخِيَارِ فَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهَا وَكِرَاءَهَا مِنْ مَوْضِعِ التَّعَدِّي إلَى غَايَتِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَخَذَ قِيمَةَ دَابَّتِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَدَّى عَلَيْهِ وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ فِي الْكِرَاءِ ثُمَّ قَالَ: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ: سَفَرٌ بَعِيدٌ، أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُكْتَرِي مَوْضِعًا قَرِيبًا أَوْ زَمَنًا قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ تَضْمِينُ الدَّابَّةِ وَفِي الْبَاجِيِّ إذَا أَمْسَكَهَا أَيَّامًا يَسِيرَةً زَائِدَةً عَلَى أَيَّامِ الْكِرَاءِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَهُ الْكِرَاءُ فِي أَيَّامِ التَّعَدِّي مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَوْ زَادَ الْمُؤَلِّفُ مَعَ قَوْلِهِ إنْ سَلِمَتْ لَفْظَ وَقَرُبَتْ يَعْنِي مَسَافَةَ التَّعَدِّي لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ سَلِمَتْ لَا يُوَافِقُ الْمَنْصُوصَ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَلَامَتِهَا وَعَدَمِ سَلَامَتِهَا إلَّا مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَسْطُرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا زَادَ الْمُكْتَرِي لِلدَّابَّةِ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْمَسَافَةِ مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ وَخُيِّرَ رَبُّهَا فَإِمَّا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَإِمَّا ضَمَّنَهُ كِرَاءَ الزِّيَادَةِ فَقَطْ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَتِهَا وَعَلَى الْمُكْتَرِي الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ رَدَّهَا بِحَالِهَا وَالزِّيَادَةُ يَسِيرَةٌ مِثْلُ الْبَرِيدِ أَوْ الْيَوْمِ وَشِبْهِهِ لَمْ تَلْزَمْ قِيمَتُهَا وَلَا يَضْمَنُ إلَّا كِرَاءَ الزِّيَادَةِ فَقَطْ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (خُيِّرَ فِيهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ يُرِيدُ وَفِي قِيمَتِهِ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ، الْأُولَى: إذَا تَعَيَّبَتْ بِسَمَاوِيٍّ، الثَّانِيَةُ: إذَا تَعَيَّبَتْ بِجِنَايَةٍ، الثَّالِثَةُ: إذَا تَعَيَّبَتْ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهُ بِغَيْرِ أَرْشٍ أَوْ أَخْذُ الْقِيمَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا أَصَابَ السِّلْعَةَ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِنْ عَيْبٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهَا مَعِيبَةً أَوْ تَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَصَابَهَا عِنْدَهُ عَوَرٌ أَوْ عَمًى أَوْ ذَهَابُ يَدٍ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا وَمَا نَقَصَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ إنَّمَا لَهُ أَخْذُهَا نَاقِصَةً أَوْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يُلْزِمَ رَبَّهَا أَخْذَهَا وَيُعْطِيَهُ مَا نَقَصَهَا إذَا اخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَ قِيمَتِهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَ هَذِهِ الصُّورَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَأَخْذِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْجَانِي أَوْ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ وَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ بِسَطْرَيْنِ: وَلَوْ قَطَعَ يَدَهَا أَيْ الْجَارِيَةِ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُ الْغَاصِبِ بِمَا نَقَصَهَا وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ ثُمَّ لِلْغَاصِبِ اتِّبَاعُ الْجَانِي بِمَا جَنَى عَلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ رَبُّهَا أَخَذَهَا وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ بِمَا نَقَصَهَا دُونَ الْغَاصِبِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهَا

أَيْضًا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيُخَيَّرُ أَيْضًا بَيْنَ أَخْذِهَا مَعَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ الْجَارِيَةِ فَلِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا وَمَا نَقَصَهَا أَوْ يَدَعَهَا وَيَأْخُذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ ابْنُ يُونُسَ. قَوْلُهُ: وَمَا نَقَصَهَا، يُرِيدُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَعَزَا هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا بِغَيْرِ أَرْشٍ أَوْ أَخْذُ الْقِيمَةِ وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ هَذَا الثَّانِيَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَنَصُّهُ: وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا وَيَتَّبِعَ الْأَجْنَبِيَّ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي السَّمَاوِيِّ وَفِي جِنَايَةِ الْغَاصِبِ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا عَلِمْنَا وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ الثَّانِيَ وَلَا مَنْ شَهَرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَشْهَبُ: إنْ غَصَبَ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً فَنَقَصَتْ فِي يَدِهِ فَلِرَبِّهَا تَضْمِينُهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ أَخْذُهَا نَاقِصَةً وَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَهُ أَخْذُ بَعْضِهَا بِنَقْصِهِ وَقِيمَةُ بَاقِيهَا، انْتَهَى. ص (كَصَبْغِهِ فِي قِيمَتِهِ وَأَخْذِ ثَوْبِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا صُبِغَ الثَّوْبُ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالثَّوْبِ وَيَدْفَعُ قِيمَةَ الصَّبْغِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الصَّبْغِ أَمَّا لَوْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إذَا صَبَغَ الْغَاصِبُ الثَّوْبَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِيمَا ذُكِرَ ثُمَّ قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى مَا قَيَّدْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ الثَّوْبَ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ لَمْ تَنْقُصْ قَوْلُهُ فِي قَسِيمِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا لَوْ نَقَصَتْ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَوْلُ التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ، إلَخْ. نَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِذَا كَانَ عَيْبًا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَغْرَمَ الْغَاصِبُ الْأَرْشَ إذَا اخْتَارَ فِي الثَّوْبِ أَخْذَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ مِنْهُ حَدَثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ تَغْرِيمُهُ الْأَرْشَ مَعَ أَخْذِ السِّلْعَةِ إذَا كَانَ مِنْ الْغَاصِبِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الصَّبْغِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِزِيَادَةِ الصَّبْغِ وَلَا بِنَقْصِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: فَإِنْ قُلْت أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَقُيِّدَتْ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ فَهَلْ لَهُ وَجْهٌ؟ قُلْت: الْمَسْأَلَةُ مُتَأَوَّلَةٌ كَمَا ذَكَرْت وَإِطْلَاقُ الْمُؤَلِّفِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ نَقَصَتْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ سَوَاءً فَكَذَلِكَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ سَوَاءً فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلتَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْهَا: وَلَكَ

أَخْذُ مَا خَاطَهُ الْغَاصِبُ بِلَا غُرْمِ أَجْرِ الْخِيَاطَةِ لِتَعَدِّيهِ. (قُلْت) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ بِإِدْخَالِ صَنْعَةٍ فِي الْمَغْصُوبِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَالْخِيَاطَةُ مُجَرَّدُ عَمَلٍ فَأَشْبَهَ التَّزْوِيقَ، انْتَهَى. ص (كَحُرٍّ بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ) ش: قَالَ فِي مَسَائِلِ أَبِي عِمْرَانَ الْقَابِسِيِّ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ وَكِتَابِ الْفُضُولِ فِيمَنْ بَاعَ حُرًّا مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ يُحَدُّ أَلْفَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً فَإِذَا أَيِسَ مِنْهُ وَدَى دِيَتَهُ إلَى أَهْلِهِ، انْتَهَى. ص (وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمَغْرَمٍ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إنْ ظُلِمَ أَوْ الْجَمِيعُ أَوْ لَا؟ أَقْوَالٌ) ش: الْقَوْلُ الْأَخِيرُ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَانْظُرْ إذَا شَكَا شَخْصٌ رَجُلًا لِحَاكِمٍ جَائِرٍ لَا يَتَوَقَّفُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ فَضَرَبَ الْمَشْكُوَّ حَتَّى مَاتَ هَلْ يَلْزَمُ الشَّاكِيَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ . ص (وَلَوْ غَابَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهَا لَوْ نَقَلَ الْجَارِيَةَ لِبَلَدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْ رَبِّهَا فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ وَقَالَ أَشْهَبُ: بِشَرْطِ أَنْ تُعْرَفُ الْقِيمَةُ وَيَبْذُلُ مَا يَجُوزُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِ السَّلَامَةِ وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ ابْنُ عَرَفَةَ. إجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاضِحٌ إذَا اُعْتُبِرَ الْقَوْلَانِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُمَا لَا مِنْ حَيْثُ قَائِلُهُمَا وَإِجْرَاؤُهُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ قَائِلُهُمَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ يَقُولُ: الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَوُجُوبُ الْقِيمَةِ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ اعْتِبَارُ أَصْلِ السَّلَامَةِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُ أَصْلِ السَّلَامَةِ عَلَى الْقَوْلِ فِي النَّقْلِ إنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ فِي الْمَغْصُوبِ أَخْذُ شَيْئِهِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي عَزَاهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَشْهَبَ وَقَوْلُهُ فِي نَقْلِ الْمَغْصُوبِ إنَّ رَبَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ إلَّا ابْنُ الْقَاسِمِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ، انْتَهَى. ص (وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا)

ش: قَالَ أَشْهَبُ وَمَنْ قَالَ: إنَّ لَهُ أَخْذَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَا لَوْ نَكَلَ الْغَاصِبُ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفْت عَلَى صِفَتِك ثُمَّ ظَهَرَتْ خِلَافَ ذَلِكَ كُنْتَ قَدْ أَظْلَمْتُهُ فِي الْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْكَ بِمَا زِدْت عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ رَدُّ الْجَارِيَةِ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ لَوْ وَصَفَهَا الْغَاصِبُ ثُمَّ ظَهَرَتْ أَنْقَصَ مِمَّا وَصَفَهَا فَهَلْ لَهُ رُجُوعٌ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ لَوْ وَصَفَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَتْ أَزْيَدَ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ وَنَعْتِهِ وَقَدْرِهِ) ش:؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيُسْأَلُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ ثُمَّ يُوقَفُ لَهُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي قَضِيَّةِ الْمَزْنِيِّ لَمَّا نَحَرَ حَاطِبٌ نَاقَتَهُ وَتَقَدَّمَ نَحْوَ هَذَا فِي آخِرِ الرُّهُونِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلَفَ) ش: قَالَ فِي الْوَسَطِ: أَيْ الْغَاصِبُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْيَمِينِ فِيمَا إذَا ادَّعَى التَّلَفَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ أَرَ فِي الْأُمَّهَاتِ وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ لَكِنْ نَصَّ فِيهَا فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي تَلَفَهُ وَكَذَلِكَ فِي رَهْنِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُمَا وَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ هُنَا فِي التَّلَفِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ نَحْوُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا ادَّعَى الْغَاصِبُ هَلَاكَ مَا غَصَبَ مِنْ أَمَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ فَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ مَعَ يَمِينِهِ. الشَّيْخُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَمَةَ وَالسِّلْعَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي تَلَفَهُ وَكَذَلِكَ فِي رَهْنِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْغَاصِبُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَعْنَى مَا قَالَ هُنَا أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ صَدَّقَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُشْتَرًى مِنْهُ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ وَفِي النَّعْتِ وَالْقَدْرِ وَيَحْلِفُ وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي هَلَاكِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا حَلِفَهُ لَكِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالرُّهُونِ وَالْعَوَارِيّ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْلِفُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَقِيلَ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَقَالُوا إذَا بَاعَهُ يَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ، وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي قَدْرِهِ هَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ قَالَ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْغَصْبِ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدَّعِيهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا اُغْتُصِبَتْ مِنْهُ فَيَزْعُمُ مُشْتَرِيهَا أَنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ قَالَ: إنْ كَانَ حَيَوَانًا فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ

مسألة إذا كان طعام أو غيره مشتركا بين شخصين فغصب منه ظالم حصة أحدهما

وَأُحْلِفَ وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى هَلَاكٍ مِنْ اللَّهِ أَتَاهُ مِنْ اللُّصُوصِ وَالْغَرَقِ وَالنَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ بَاعَهَا، قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا ثَمَنُهَا قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ: بِعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ إلَّا قَوْلُهُ أَيُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْرَفُ الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ بِكَسْرٍ أَوْ عَوَرٍ أَوْ شَيْءٍ يُصِيبُهُ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا قَالَ: إنَّهُ يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى تَلَفَ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَى وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ غَيَّبَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قِيلَ: وَإِذَا صُدِّقَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ كَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَقَالَ أَصْبَغُ: يُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَضَمَّنَّاهُ فَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا بِعَدَمِ الْيَمِينِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِرَبِّهِ إمْضَاءُ بَيْعِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَهِيَ بِحَالِهَا فَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا بِيَدِ الْغَاصِبِ وَقَدْ حَالَتْ أَسْوَاقُهَا فَإِنْ أَجَازَ رَبُّهَا الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ هَلَكَ الثَّمَنُ بِيَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَغْرَمُهُ وَلَيْسَ الرِّضَا بِبَيْعِهِ يُوجِبُ حُكْمَ الْأَمَانَةِ فِي الثَّمَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا بَاعَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ ثُمَّ أَتَى صَاحِبُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سُوقُهُ وَلَا بَدَنُهُ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ أَوْ يَأْخُذَهُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمَ الْعَيْنِ وَأَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيْعَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَاسِدَ الذِّمَّةِ بِحَرَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبُ فَقِيرٌ وَقَدْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ فَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقِيلَ: يَأْخُذُ مِنْهُ الثَّمَنَ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْعٌ فَيَكُونُ قَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ دُونَ الْقَبْضِ وَعَلَى الْقَوْلِ إنَّ الْبَيْعَ التَّقَابُضُ لَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي النَّوَادِرِ الْقَوْلَيْنِ وَضَعَّفَ الثَّانِيَ وَأَنْكَرَهُ. اُنْظُرْهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ مِنْهُ غَاصِبٌ وَأَحَبَّ الْمُبْتَاعُ رَدَّ الْبَيْعِ قَبْلَ قُدُومِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ وَلَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي وَقْفِهِ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يُقَدِّمَ ضَرَرًا، انْتَهَى. فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. [مَسْأَلَةٌ إذَا كَانَ طَعَامٌ أَوْ غَيْرُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ شَخْصَيْنِ فَغَصَبَ مِنْهُ ظَالِمٌ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا] (مَسْأَلَةٌ) إذَا كَانَ طَعَامٌ أَوْ غَيْرُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ شَخْصَيْنِ فَغَصَبَ مِنْهُ ظَالِمٌ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا فَهَلْ ذَلِكَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ خَاصٌّ بِمَنْ أَخَذَ بِاسْمِهِ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمَأْخُوذَ بَيْنَهُمَا وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ أَفْتَى السُّيُورِيُّ ذَكَرَهُ عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْغَصْبِ وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. ص (لَا سَمَاوِيٌّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ مَاتَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ

عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ اسْتَحَقَّتْ بِحُرِّيَّةٍ يَعْنِي وَقَدْ مَاتَتْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهَا بِالثَّمَنِ وَكَذَا إذَا اسْتَحَقَّتْ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أَوْ مُعْتَقَةٌ إلَى أَجَلٍ وَقَدْ مَاتَتْ وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ. وَمِثْلُهُ عِنْدَنَا الْمُكَاتَبَةُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ النَّوَادِرِ. (مَسْأَلَةٌ) مَنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ أَنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ بِحُرِّيَّةٍ تَرَاجَعَ بَائِعُوهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَقَّ بِرِقٍّ وَأَخَذَهُ مُسْتَحِقُّهُ وَأَجَازَ الْبَيْعَ الْأَخِيرَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ النَّوَادِرِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ أَيْضًا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي جَامِعِ الْقَوْلِ فِي الْعُمْدَةِ فِي الدَّرَكِ مِنْ النَّوَادِرِ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَيَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي مَسْأَلَةِ الشِّقْصِ إذَا تَكَرَّرَ بَيْعُهُ وَانْظُرْ رَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَانْظُرْ أَوَّلَ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَاسْتَحَقَّهَا صَاحِبُهَا وَقَدْ دَارَتْ فِي أَيْدِي رِجَالٍ أَنَّهُ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ. ص (وَلَفَّقَ شَاهِدٌ بِالْغَصْبِ لِآخَرَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ إلَخْ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى يَمِينَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي رَسْمِ: إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ أَعَارَتْ لِأُخْرَى حَجْلَةً لَهَا وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا امْرَأَتَانِ

فَتَزَوَّجَتْ الْمُسْتَعِيرَةُ وَدَخَلَتْ الْمُعِيرَةُ إلَى الرِّيفِ فَأَقَامَتْ عَشْرَ سِنِينَ وَمَاتَتْ الْمُسْتَعِيرَةُ فَأَتَتْ الْمُعِيرَةُ تَطْلُبُ الْحَجْلَةَ وَأَنْكَرَ وَرَثَةُ الْمُسْتَعِيرَةِ فَشَهِدَ الْمَرْأَتَانِ بِالْعَرِيَّةِ وَقَدْ غَابَتْ الْحَجْلَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَضَتْهَا بَعْدَ عَارِيَّتِهَا وَلَا بَاعَتْ وَلَا وَهَبَتْ وَتَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْمُتَوَفَّاةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنَّ الْمَرْأَةَ تَحْلِفُ مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ بَعْدَ يَمِينِهَا مَعَ شَهَادَتِهِمَا لَقَدْ أَعَارَتْهَا إيَّاهَا وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ؛ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْعَارِيَّةَ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ دُونَ يَمِينٍ فَأَرَادَ أَنَّهَا تَكْتَفِي بِحَلِفِهَا مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ أَنَّهَا أَعَارَتْهَا دُونَ أَنْ تَحْلِفَ مَا قَبَضَتْهَا بَعْدَ عَارِيَّتِهَا وَلَا بَاعَتْ وَلَا وَهَبَتْ وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى صِفَتِهَا فَيَكُونُ فِي مَالِ الْمُتَوَفَّاةِ مَا قُوِّمَتْ بِهِ الصِّفَةُ الَّتِي حَلَفَتْ عَلَيْهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا عَلَى غَيْرِ لَائِقٍ بِلَا تَعَلُّقٍ حُدَّتْ لَهُ) ش: لَمْ يَشْرَحْ الشَّيْخُ بَهْرَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَيُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِهِ بَيَاضٌ لِشَرْحِهَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ أَنَّهَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ لَمْ تُحَدَّ لَهُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَائِقًا بِهِ لَمْ تُحَدَّ وَلَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ: وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مِثْلَ هَذَا عِنْدَنَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُدَّتْ لَهُ لِلْقَذْفِ وَكَذَّبْنَاهَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا دَعْوَاهَا وَلَمْ يَلْحَقْهُ تَبِعَةٌ بِقَوْلِهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ مُتَعَلِّقَةً تُدْمِي مُسْتَغِيثَةً لِأَوَّلِ حَالِهَا وَكَانَ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِخَيْرٍ وَلَا عُرِفَ بِزِنًا وَأَمَّا إنْ جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ عِنْدَنَا فِي حَدِّهَا لِقَذْفِهِ فَقِيلَ: تُحَدُّ وَقِيلَ: لَا تُحَدُّ لِمَا بَلَغَتْ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِلزِّنَا وَلِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الْمُشْتَهِرَةِ بِذَلِكَ مِثْلِ صَاحِبَةِ جُرَيْجٍ أَنَّهَا تُحَدُّ لِلزِّنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا تُصَدَّقُ بِتَعَلُّقِهَا وَفَضِيحَتِهَا نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُفْتَضِحَةً بِحَالِهَا

مسألة من استهلك فرد خف لرجل

وَهَذَا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةُ مَنْ اسْتَهْلَكَ فَرْدَ خُفٍّ لِرَجُلٍ] ص (وَإِنْ لَمْ يَفُتْهُ فَنَقْصُهُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (مَسْأَلَةُ) مَنْ اسْتَهْلَكَ فَرْدَ خُفٍّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ عَلَى انْفِرَادِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِمَا جَمِيعًا، انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كِتَابِ السَّدَادِ وَالْأَنْهَارِ مِنْ الْبَيَانِ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ، الصَّحِيحُ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ أَحَدَ الْمُزْدَوِجَيْنِ أَوْ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ قِيمَةِ عَيْبِ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَقِيلَ بِوُجُوبِ قِيمَتِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ سِفْرًا مِنْ دِيوَانٍ فِي سِفْرَيْنِ بَعْضُهُمْ يَرُدُّ السَّالِمَ وَمَا نَقَصَهُ مِنْ ذَهَابِ أَخِيهِ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْهَالِكِ وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْجَمِيعِ اهـ مِنْ تَسْهِيلِ الْمُهِمَّاتِ فِي قَوْلِهِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَإِذَا تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ

مسألة يأخذ الرجل من شجرة غيره غرسا

انْتَهَى كَلَامُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ. [مَسْأَلَةٌ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ شَجَرَةِ غَيْرِهِ غَرْسًا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: أَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ شَجَرَةِ غَيْرِهِ غَرْسًا إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْ شَجَرَةِ غَيْرِهِ مَلُوخًا يَغْرِسُهَا فِي أَرْضِهِ وَكَانَ مَا امْتَلَخَ مِنْهَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي اُمْتُلِخَتْ مِنْهَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ كِنَانَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ لِمَا امْتَلَخَ مِنْهَا قِيمَةً أَوْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالشَّجَرَةِ الَّتِي اُمْتُلِخَتْ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الشَّجَرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ.» فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ دَلَالَةً عَلَيْهِ لِسَبَبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ يَقْتَضِي الْإِدْلَالَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَّلَهُ وَإِلَّا غَرِمَ لَهُ ذَلِكَ عُودًا مَكْسُورًا يَوْمَ امْتَلَخَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَأْخُذَهُ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ قِيمَةُ مَا نَقَصَ مِنْ الشَّجَرَةِ الَّتِي اُمْتُلِخَ مِنْهَا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَصْبًا أَوْ تَعَدِّيًا بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَسْتَوْجِبُ الدَّلَالَةَ فَلَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَأْخُذَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طُولِ مُدَّةِ زَمَانٍ وَبَعْدَ نَمَاءٍ أَوْ زِيَادَةِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْنِهِ وَتَكُونُ لَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ امْتَلَخَهُ مِنْ شَجَرَةٍ عُودًا مَيِّتًا مَكْسُورًا وَإِنْ كَانَ أَضَرَّ بِالشَّجَرَةِ كَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ مَعَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الشَّجَرَةِ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى بِغَرْسِهِ إذَا كَانَ إنْ قَلَعَهُ وَغَرَسَهُ يَنْبُتُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبُتُ فَلَهُ قِيمَتُهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى قَلْعِهِ. وَكَانَ رَبِيعَةُ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِنْ نَبَتَ فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَتُهُ أَوْ غَرْسُ مِثْلِهِ وَأَمَّا إنْ قَلَعَ مِنْ بُسْتَانِهِ غَرْسًا فَغَرَسَهُ فِي أَرْضِهِ دَلَالَةً عَلَى صَاحِبِ الْبُسْتَانِ فَلَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَأْخُذَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَبَتَ وَعَلِقَ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ أَمْرُهُ وَنَمَا نَمَاءً بَيِّنًا فَلَا يَكُونُ لَهُ قَلْعُهُ وَتَكُونُ لَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ اقْتَلَعَهُ نَابِتًا؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّلَالَةِ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ وَلَوْ كَانَ اقْتَلَعَهُ غَصْبًا غَيْرَ مُدِلٍّ لَكَانَ صَاحِبُ الْغَرْسِ أَحَقَّ بِغَرْسِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ وَطَالَ زَمَانُهُ وَثَبَتَتْ زِيَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ بِعَيْنِهِ أَخَذَهَا حَيًّا فَنَمَا وَزَادَ وَنَبَتَ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ يَغْصِبُ أَوْ يَسْرِقُ ثُمَّ يَجِدُهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ كَبُرَ وَنَبَتَ وَنَمَا وَزَادَ فَهُوَ أَبَدًا أَحَقُّ بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَنْبُتُ إنْ غُرِسَ بَعْدَ قَلْعِهِ مِنْ أَرْضِ الْغَاصِبِ أَوْ مِمَّا لَا يَنْبُتُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ نَابِتًا يَوْمَ قَلَعَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْبَغَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ وَمِنْهُ أَيْضًا وَسُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ الْكَرْمِ يُقْطَفُ وَالزَّيْتُونِ يُجْنَى وَالزَّرْعِ يُحْصَدُ هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بَقِيَّتَهُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ أَهْلُهُ تَرَكُوهُ لِمَنْ أَخَذُوهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ الرَّجْعَةَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ بَيِّنٌ إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ تَرَكَهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ وَأَمَّا إنْ خَشِيَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ فَلَا يَنْبَغِي لِغَنِيٍّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ] ص (بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) ش: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ وَسَبَبَهُ وَشُرُوطَهُ وَمَوَانِعَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ

وَهُوَ مِنْ تَرَاجُمِ كُتُبِهَا أَمَّا حَقِيقَتُهُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَخْرُجُ الْعِتْقُ وَمُطْلَقُ رَفْعِ الْمِلْكِ بِمِلْكٍ بَعْدَهُ وَمَا وُجِدَ فِي الْمُقَاسِمِ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ قَسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِثَمَنٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: هُوَ الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ الْمُدَّعَى فِيهِ الْمِلْكِيَّةَ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ إلَى يَدِ الْمُدَّعِي بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ وَالشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرَّفْعِ عَلَى عَدَمِ يَمِينِ مُسْتَحِقِّهِ وَعَلَى يَمِينِهِ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الرُّبْعِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا سَبَبُهُ فَهُوَ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي لَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ وَلَا خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الْآنَ وَالشَّهَادَةُ فِي أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْمُولِ بِهِ قَالَهُ فِي اللُّبَابِ وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَثَلَاثٌ: (الْأَوَّلُ) الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَحِيَازَتُهُ وَهِيَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي عَدْلَيْنِ وَقِيلَ: أَوْ عَدْلًا مَعَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ دَارًا مَثَلًا قَالُوا لَهُمَا مَثَلًا هَذِهِ الدَّارُ هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا عِنْدَ الْقَاضِي فِيهَا الشَّهَادَةَ الْمُقَيَّدَةَ أَعْلَاهُ. (الثَّانِي) الْإِعْذَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَائِزِ فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ فِيهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ. (الثَّالِثُ) يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ. (الثَّانِي) لَا يَمِينَ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَقَارِ وَيَحْلِفُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَفِي سِجِلَّاتِ الْبَاجِيِّ لَوْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ لَمْ يَحْلِفْ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ مَا يُوجِبُهَا، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا غَيْرُ الْأُصُولِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ وَغَيْرِهِمَا فَيُكْتَبُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا يَعْرِفُ شُهُودُهُ فُلَانًا وَيَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا وَمِلْكًا جَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا أَوْ فَرَسًا أَوْ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَيْعًا وَلَا تَفْوِيتًا وَلَا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ وَقَيَّدُوا بِذَلِكَ شَهَادَتَهُمْ عَلَى عَيْنِ الثَّوْبِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْجَارِيَةِ فِي كَذَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ وَنَصُّهُ: حَلَفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي بِعَرِيَّةِ كَذَا فُلَانٍ الْمَذْكُورِ فِي رَسْمِ الِاسْتِرْعَاءِ بِكَذَا بِحَيْثُ يَجِبُ وَكَمَا يَجِبُ يَمِينًا قَالَ فِيهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا بِعْت الْفَرَسَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الْجَارِيَةَ الْمَشْهُودَ لِي بِهِ فِيهِ وَلَا فَوَّتُّهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِي بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ حَتَّى الْآنَ وَمَنْ حَضَرَ الْيَمِينَ الْمَنْصُوصَةَ عَنْ الْإِذْنِ وَاسْتَوْعَبَهَا مِنْ الْحَالِفِ وَعَرَفَهُ قَيَّدَ عَلَى ذَلِكَ شَهَادَتَهُ فِي كَذَا وَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَيْنِ الْجَارِيَةِ وَالْفَرَسِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَيْهِمَا فِي يَمِينِهِ بَيَانَ الْيَمِينِ فِي هَذَا وَاجِبَةً عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ بِخِلَافِ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ فِيهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ. وَحَكَى ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْخَصْمُ مَا يُوجِبُهُمَا وَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ مَالُهُ وَمَالِكُهُ وَأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ غَائِبَةً فَالشَّهَادَةُ فِيهَا عَلَى النَّعْتِ وَالِاسْمِ جَائِزَةٌ فَإِنْ وُجِدَتْ جَوَارِي كَثِيرَةٌ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ يُحَلِّفُ الْحَاكِمُ الْمُسْتَحَقَّ وَأَثْبَتَا عِنْدَهُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِوَاهَا لَمْ يُكَلِّفْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَفِي مَسَائِلِ. ابْنِ الْحَاجِّ سُئِلَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الصِّفَةِ فَقَالَ: وَقَفْت عَلَى الْكِتَابَيْنِ فِي الْمَمْلُوكَةِ السَّوْدَاءِ الْمَوْصُوفَةِ بِهِمَا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الصِّفَةِ فِيهَا عَامِلَةٌ فَالْحُكْمُ لَهُ بِهَا وَاجِبٌ بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ وَيَسْأَلَ هَلْ فِي الْبَلَدِ مَمْلُوكَةٌ تُوصَفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قُضِيَتْ لِرَبِّهَا وَأَسْلَمْتُهَا إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ. وَسُئِلَ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ كِتَابًا مِنْ

كُتُبِ الْعِلْمِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرَ فَادَّعَاهُ وَأَتَى بِكِتَابٍ بِذَلِكَ وَقَدْ فَاتَ الْكِتَابُ فَقَالَ: لَا يَتَوَجَّهُ الْحُكْمُ لِمُسْتَحِقِّ الشَّيْءِ إلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى يَمِينِهِ وَالْإِعْذَارِ إلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ دُونَ تَعْيِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ عِنْدَ الْحُكْمِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ وَأَمَّا الْمَانِعُ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فَفِعْلٌ وَسُكُوتٌ بِالْفِعْلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ عِنْدِ حَائِزِهِ فَقَالَ: إنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ خَوْفَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَثْبَتَهُ رَجَعْت عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ وَقَالَ أَصْبَغُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةٌ بَعِيدَةٌ جِدًّا أَوْ يَشْهَدُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ فَذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَى أَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً فَلَهُ الْقِيَامُ أَوْ أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ قَالَ أَصْبَغُ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا السُّكُوتُ فَمِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ الْقِيَامَ مِنْ غَيْرِ مَانِعِ أَمَدِ الْحِيَازَةِ قَالَهُ فِي اللُّبَابِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لِمَنْ بَاعَهُ مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ فَإِذَا حَلَفُوا يَمِينَ الْقَضَاءِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، انْتَهَى. ص (كَذِي شُبْهَةٍ) ش: ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ أَنَّ حُكْمَ مَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِيَدِهِ بِشُبْهَةٍ حُكْمُ الْغَاصِبِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِتَشْبِيهِهِ بِهِ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ بَعْدَ أَنْ زَرَعَهَا وَقَبْلَ فَوَاتِ إبَّانِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّ كِرَاءَ تِلْكَ السَّنَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ وَأَمَّا إنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي قَوْلِهِ: وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُهَا. وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ إبَّانَ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّ كِرَاءَهَا لِلَّذِي أَكْرَاهَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَدَخَلَ فِي ذِي الشُّبْهَةِ الْمُشْتَرِي وَالْوَارِثُ وَالْمُكْتَرِي مِنْهُمَا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِالْغَصْبِ أَوْ التَّعَدِّي وَكَذَلِكَ الْمُكْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّجْرَاجِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ جَهِلَ) ش أَيْ حَالَ الزَّارِعِ هَلْ هُوَ غَاصِبٌ أَوْ ذُو شُبْهَةٍ؟ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَهْلُ حَالِ مُكْتَرِي الْأَرْضِ هَلْ هُوَ غَاصِبٌ أَوْ مُبْتَاعٌ؟ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُكْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ ذُو شُبْهَةٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّعَدِّي فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيمَا بَيْنَ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ) ش يُشِيرُ بِهَذَا إلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا بِثَوْبٍ أَوْ بِعَبْدٍ فَاسْتَحَقَّ أَوْ بِمَا يُوزَنُ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ بِعَيْنِهِ يَعْرِفَانِ وَزْنَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ اُسْتُحِقَّ قَبْلَ أَنْ يُزْرَعَ أَوْ يُحْرَثَ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا زَرَعَ أَوْ أَحْدَثَ فِيهَا عَمَلًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَقَالَ فِي كِرَاءِ الْأَرَضِينَ: وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا بِعَبْدٍ أَوْ بِثَوْبٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ بَعْدَ الْحَرْثِ أَوْ الزِّرَاعَةِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا بِحَدِيدٍ أَوْ بِرَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ بِعَيْنِهِ وَقَدْ عَرَفَا وَزْنَهُ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُنْتَقَضُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ زَرَعَهَا أَوْ حَرَثَهَا أَوْ أَحْدَثَ فِيهَا عَمَلًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ، انْتَهَى. قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ بَيِّنٌ؛ إذْ نَفْسُ الْحِرَاثَةِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ فَوْتٌ وَلِلْمُكْتَرِي كِرَاءُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ زُرِعَتْ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ بَيْنَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي، انْتَهَى. فَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ لَمْ يَبْقَ لِلْمُكْرِي كَلَامٌ حُرِثَتْ أَوْ لَمْ تُحْرَثْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص

وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُهَا وَدَفْعُ كِرَاءِ الْحَرْثِ فَإِنْ أَبَى، قِيلَ لَهُ: أَعْطِ كِرَاءَ سَنَةٍ وَإِلَّا أَسْلِمْهَا بِلَا شَيْءٍ) ش: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مُسْتَحِقُّ الْأَرْضِ أَوْ مُسْتَحِقُّ الثَّوْبِ أَوْ الْعَبْدِ الْمُكْتَرَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ أَوْ هُمَا مَعًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ كِرَاءِ الْأَرَضِينَ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: وَإِنْ أَرَادَ مُسْتَحِقُّ الْعَبْدِ أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ عَبْدِهِ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ وَيَأْخُذَ الْأَرْضَ إنْ لَمْ يَحْرُثْ لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ حُرِثَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُكْتَرِي حَقَّ حَرْثِهِ وَيَأْخُذَ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ كَمُسْتَحَقٍّ لِمَنْفَعَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَجَدَ مَنْفَعَتَهَا بَاقِيَةً كَمَنْ اسْتَحَقَّ أَرْضًا بَعْدَ أَنْ حَرَثَهَا الْمُكْتَرِي أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ حَقَّ حَرْثِهِ وَيَأْخُذُ أَرْضَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ دَفَعَ إلَيْهِ الْمُكْتَرِي كِرَاءَ سَنَةٍ فَإِنْ امْتَنَعَ سَلَّمَهَا بِحَرْثِهَا فَحُكْمُ مُسْتَحِقِّ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ كَحُكْمِ مُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَحْوُهُ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ وَإِلَّا أَسْلِمْهَا بِلَا شَيْءٍ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَهُمَا شَرِيكَيْنِ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ ذَلِكَ الْعَامَ مَحْرُوثَةً الْمُسْتَحَقُّ بِقِيمَةِ كِرَائِهَا غَيْرَ مَحْرُوثَةٍ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ بِقِيمَةِ حَرْثِهِ وَعَمَلِهِ وَقَالَ: هَذَا عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِقِيمَةِ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. ص (إنْ عَرَفَ النِّسْبَةَ) ش: يُشِيرُ إلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَلَا يُجِيزُ الْكِرَاءَ فِيمَا بَقِيَ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَنُوبُ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُجِيزُ جَمْعَ السِّلْعَتَيْنِ لِلرَّجُلَيْنِ فِي الْبَيْعِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (أَوْ الْمَجْهُولَ لِلْحُكْمِ) ش: فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ أَوْ الْمَجْهُولِ

الْحُكْمَ بِإِضَافَةِ الْمَجْهُولِ لِلْحُكْمِ وَاَلَّذِي فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ لِلْحُكْمِ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَهُوَ الصَّوَابُ لِإِفَادَتِهِ حُكْمًا وَقَوْلُهُ لِلْحُكْمِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَحِقِّ وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُ وَيَجِبُ التَّوْفِيقُ بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا لِلطَّالِبِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجِبُ تَوْقِيفُ الْأَصْلِ الْمُسْتَحَقِّ تَوْقِيفًا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا تَوْقِيفُ غَلَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الرِّبَاعَ الَّتِي لَا تُحَوَّلُ وَلَا تَزُولُ لَا تُوقَفُ مِثْلُ مَا يُحَوَّلُ وَيَزُولُ وَإِنَّمَا تُوقَفُ وَقْفًا يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ إذَا ثَبَتَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَالثَّالِثُ إذَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، انْتَهَى. الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ بِاخْتِصَارٍ وَالْأَوَّلُ بِاللَّفْظِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ الَّذِي تَكُونُ بِهِ الثَّمَرَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَصْلِ غَلَّةً فَيَسْتَوْجِبُهَا الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ بِبُلُوغِهَا إلَيْهِ إمَّا بِالْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ وَإِمَّا بِثُبُوتِ الْحَقِّ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَإِمَّا بِأَنْ يَشْهَدَ لِلْمُسْتَحِقِّ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ فَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ مَا لَمْ تُجَذَّ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا لَمْ تَيْبَسْ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ وَعَلَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَا لَمْ تَطِبْ إذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ اشْتَرَى الْأُصُولَ قَبْلَ إبَارِ الثَّمَرَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ بَعْدَ الْإِبَارِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ جُذَّتْ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَعَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ مَا لَمْ تُجَذَّ فَإِنْ جُذَّتْ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا إنْ كَانَ اشْتَرَى الْأَصْلَ وَالثَّمَرَةُ مُزْهِيَةٌ فَاشْتَرَطَهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّ الثَّمَرَةَ تَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ كَيْفَ كَانَتْ يَبِسَتْ أَوْ جُذَّتْ أَوْ بَاعَهَا أَوْ أَكَلَهَا وَيَغْرَمُ الْمَكِيلَةَ إنْ عَرَفَهَا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَفِي الْبَيْعِ يَغْرَمُ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا إنْ فَاتَتْ أَوْ كَانَتْ بِيَدِ مُبْتَاعِهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهَا أَوْ إنْفَاذِ بَيْعِهِ أَوْ أَخْذِ الثَّمَنِ وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَلَيْسَ إلَّا الثَّمَنُ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ غَلَّةً لِلْمُبْتَاعِ إلَّا بِالْيُبْسِ أَوْ الْجِذَاذِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَرَى أَنَّهَا تَصِيرُ لَهُ غَلَّةً بِالطِّيبِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا إذَا أَزْهَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ لَهُ غَلَّةٌ بِطِيبِهَا وَيَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ النَّخْلَ وَحْدَهَا وَيَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهَا عَلَى الْبَائِعِ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا نَابَ الثَّمَرَةَ لِبَقَائِهَا بِيَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاؤُهُ إيَّاهَا مِنْ غَاصِبٍ أَوْ مُشْتَرٍ اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْإِبَارِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ اشْتَرَاهَا قَبْلَ الْإِبَارِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا بِثَمَرَتِهَا بَعْدَ الْإِبَارِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا بِثَمَرَتِهَا بَعْدَ الْإِزْهَاءِ وَالطِّيبِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْحَدِّ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ مَا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا النَّفَقَةُ الْقِيَاسُ فِيهَا أَنْ تَجْرِيَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ لِلْمُقْضَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُقْضَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى مَا ضَمَانُهُ مِنْهُ فَغَلَّتُهُ لَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَجِبُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَكَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ يَجِبُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ مُنْذُ وُقِفَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَكَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَقَدْ فُرِّقَ فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْغَلَّةِ فَقَالَ: إنَّ النَّفَقَةَ مِمَّنْ تَصِيرُ لَهُ وَالْغَلَّةُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُ وَسَاوَى بَيْنَ ذَلِكَ عِيسَى مِنْ رِوَايَتِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَلَّةِ وَالنَّفَقَةِ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا لِلضَّمَانِ إمَّا مِنْ يَوْمِ وُجُوبِ التَّوْقِيفِ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَإِمَّا مِنْ يَوْمِ وُجُوبِهِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَإِمَّا مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ

فائدة جماعة ورثوا دارا كبيرة بعضها عامر وبعضها خراب وبعضهم غائب

وَالْحُكْمِ، انْتَهَى. وَعَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فَقَالَ: وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمُقْضَى لَهُ بِهِ. ص (كَوَارِثٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْوَارِثِ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا مِنْ غَاصِبٍ أَوْ مُشْتَرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ وَارِثَ الْغَاصِبِ لَا غَلَّةَ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ بِيعَ الْمَغْصُوبُ أَوْ وُرِثَ بِأَنْ عَلِمَ فَكَالْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي السَّمَاوِيِّ وَلَا فِي الْغَلَّةِ سَكَنَ أَوْ زَرَعَ وَقَوْلُهُ لَا فِي الْغَلَّةِ ظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْوَارِثِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمُشْتَرِي وَأَمَّا وَارِثُ الْغَاصِبِ فَلَا غَلَّةَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَكْرَى لِغَيْرِهِ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ: أَوْ وَارِثِهِ أَوْ مَوْهُوبِهِ إلَى آخِرِهِ. وَقَالَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْهَا: وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا أَوْ عَبْدًا مِنْ غَاصِبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فَاسْتَغَلَّهُمْ زَمَانًا فَالْغَلَّةُ لِلْمُبْتَاعِ بِضَمَانِهِ وَكَذَلِكَ إنْ وَرِثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَدْرِ بِمَا كَانُوا لِأَبِيهِ فَاسْتَغَلَّهُمْ ثُمَّ اسْتَحَقُّوا فَالْغَلَّةُ لِلْوَارِثِ، انْتَهَى. فَهَذَا فِي الْمُوَرِّثِ وَالْمَجْهُولِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُ غَاصِبٍ وَلِذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ عَقِيبَهَا: وَهَذَا وَارِثٌ لَا يَدْرِي بِمَا كَانَتْ لِأَبِيهِ، انْتَهَى. ص (وَمَوْهُوبٍ) ش يُرِيدُ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُوسِرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُعْسِرًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْغَلَّةِ عَلَى الْمَوْهُوبِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: فَإِذَا وَهَبَ مَا غَصَبَهُ فَاغْتَلَّهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَالَ أَشْهَبُ: الْمَوْهُوبُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ بِمَنْزِلَتِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ أُعْدِمَ أَوْ غَابَ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ وَهُوَ أَبْيَنُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَوَارِثِ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْوَارِثِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ فَكَذَلِكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ أَبْيَنُ وَمِنْهُ إلَخْ. بِاللَّفْظِ فَالْوَارِثُ هُنَا إمَّا وَارِثُ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثُ الْمَوْهُوبِ أَوْ وَارِثُ ذِي الشُّبْهَةِ وَلِابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمُشْتَرٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ يُرِيدُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْغَلَّةِ مِنْ يَوْمِ بَاعَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. ص (إنْ لَمْ يَعْلَمُوا) ش قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَهَذَا إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ عِلْمِهِمْ وَكَذَلِكَ مَنْ جَهِلْنَا هَلْ هُوَ عَالِمٌ أَمْ لَا؟ فَحَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ اسْتِصْحَابًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ، انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة جَمَاعَةٍ وَرِثُوا دَارًا كَبِيرَةً بَعْضُهَا عَامِرٌ وَبَعْضُهَا خَرَابٌ وَبَعْضهمْ غَائِب] (فَائِدَةٌ) سُئِلْت عَنْ جَمَاعَةٍ وَرِثُوا دَارًا كَبِيرَةً بَعْضُهَا عَامِرٌ وَبَعْضُهَا خَرَابٌ وَبَعْضُ الْوَرَثَةِ حَاضِرٌ وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ فَاسْتَوْلَى الْحَاضِرُ عَلَى الدَّارِ وَسَكَنَ الْعَامِرَ وَعَمَّرَ الْخَرَابَ وَسَكَنَهُ فَهَلْ لِلْغَائِبِينَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ وَهَلْ لَهُمْ نَقْضُ مَا عَمَّرَهُ مِنْ الْخَرَابِ؛ لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ فَأَجَبْت الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَ الْوَارِثُ الْحَاضِرُ الَّذِي سَكَنَ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَائِبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ فِيمَا سَكَنَ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فِيمَا أَكْرَاهُ أَوْ اغْتَلَّهُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ مِنْ الْبَيَانِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا حَيْثُ قَالَ: كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مَا سَكَنَ وَبِحِصَّتِهِ مِنْ الْغَلَّةِ وَمَا عَمَّرَهُ مِمَّا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْقِسْمَةَ قُسِمَتْ الدَّارُ فَإِنْ وَقَعَ مَا بَنَاهُ فِي حِصَّتِهِ كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ مِنْ نَصِيبِ أَصْحَابِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ خُيِّرَ مَنْ وَقَعَ فِي حِصَّتِهِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا أَوْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ نَقْضَهُ وَعَلَى الْبَانِي مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ مِنْ نَصِيبِ أَصْحَابِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ أَرَادُوا شَرِكَتَهُ وَلَمْ يُرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْقِسْمَةَ فَلَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعُوا حِصَصَهُمْ مِنْ قِيمَةِ مَا عَمِلَهُ قِيلَ قَائِمًا وَقِيلَ مَنْقُوضًا هَذَا مُحَصَّلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيَانِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ أَعَارَ أَرْضَهُ: كُلُّ مَنْ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ شَرِيكٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا أَوْ عِلْمِهِ

فَلَهُ قِيمَةُ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِخِلَافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ) ش: يُشِيرُ إلَى مَا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْقِسْمَةِ فِي الْوَرَثَةِ يَقْتَسِمُونَ التَّرِكَةَ فَتَنْمُو فِي أَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَطْرَأُ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ بِنَمَائِهَا أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ مَا أَخَذُوا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا نَقَصَ إلَّا أَنْ يَسْتَهْلِكُوهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ غُرْمُهُ وَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُمْ بِأَشْيَاءَ بِأَعْيَانِهَا وَأَمَّا مَا اشْتَرَاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ التَّرِكَةِ فَحُوسِبُوا بِهِ فِي مِيرَاثِهِمْ وَاشْتَرَاهُ الْمُوصَى لَهُمْ فَحُوسِبُوا بِهِ فِي وَصَايَاهُمْ فَلَهُمْ نَمَاؤُهُ وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ الْوَرَثَةُ فَيُحَاسَبُوا بِهِ فِي مِيرَاثِهِمْ وَفِي وَصَايَاهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُبَاعَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيَدْفَعَ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ وَنَحْوُهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْوَصَايَا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْبِسَاطِيُّ إنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَدَفَعَ لَهُ فِيهِ مِلْكًا وَرِثَهُ فَاغْتَلَّهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْغَلَّةَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ سَلْمُونٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُوَثِّقِينَ عَلَى أَنَّ التَّصْيِيرَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا اشْتَرَى الْوَرَثَةُ أَوْ الْمُوصَى لَهُمْ وَحُوسِبُوا بِثَمَنِهِ فِيمَا أَوْصَى لَهُمْ بِهِ أَوْ فِي مِيرَاثِهِمْ لَهُمْ نَمَاؤُهُ وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَوْسَطِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَصُّهَا: لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ جَرِّ النَّفْعِ لِانْتِفَاعِهِ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى قِيلَ لِلْمَالِكِ: أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا فَإِنْ أَبَى فَلَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الْأَرْضِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (فَرْعٌ) فَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيهِ الْآنَ وَمَا أُرِيدُ إخْرَاجَهُ وَلَكِنْ يَسْكُنُ وَيَنْتَفِعُ حَتَّى يَرْزُقَنِي اللَّهُ مَا أُؤَدِّي مِنْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَوْ رَضِيَ الَّذِي عَمَّرَ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. قَالَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَصُّهُ: إنْ كَرِهَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ مُعْدِمًا قِيلَ لِلْعَامِلِ: ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ ثُمَّ يَكُونُ لَكَ فَإِنْ أَبَى أَوْ كَانَ مُعْدِمًا كَانَا شَرِيكَيْنِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الْعِمَارَةِ وَلَوْ رَضِيَ الَّذِي عَمَّرَ الْأَرْضَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مَا حَلَّ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ أَكْرَاهُ الْمُسْتَحِقُّ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ أَوَائِلِ الْكِرَاءِ عِنْدَهُ كَقَبْضِ جَمِيعِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَا يَكُونُ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا وَمَالُهُ قِيمَةً قَائِمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ مُحَصَّلُهَا: شَرِيكٌ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي بَعْضِ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمَاعَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَهَلْ

لِلشُّرَكَاءِ إلْزَامُهُ بِقَلْعِ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ؟ فَأَجَبْت: إذَا غَرَسَ الشَّرِيكُ أَوْ بَنَى الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ بِغَيْرِ إذْنِ شُرَكَائِهِ فَلَيْسَ لِلشُّرَكَاءِ إلْزَامُهُ بِقَلْعِ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ بَلْ لَوْ أَرَادَ هُوَ أَوْ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ قُسِمَتْ الْأَرْضُ فَإِنْ وَقَعَ غَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ فِيمَا خَصَّهُ كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ مِنْ نَصِيبِ أَصْحَابِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ وَقَعَ الْغَرْسُ أَوْ الْبِنَاءُ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ خُيِّرَ مَنْ وَقَعَ فِي حِصَّتِهِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَنْقُوضًا أَوْ يُسَلِّمَ لَهُ نَقْضَهُ وَعَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ مِنْ نَصِيبِ أَصْحَابِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْقِسْمَةَ بَلْ أَرَادُوا بَقَاءَ الْأَرْضِ مُشْتَرَكَةً فَلَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَعَهُ وَيُشَارِكُوهُ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنْ الْأَرْضِ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمُوا إلَيْهِ قَدْرَ حِصَصِهِمْ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِهِ قِيلَ قَائِمًا وَقِيلَ مَنْقُوضًا وَهُوَ الرَّاجِحُ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبَيَانِ وَتَكَرَّرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْهُ وَفِي رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الشَّرِكَةِ وَابْنِ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا الْمُحْبَسَةَ فَالنَّقْضُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ الْمُحْبَسَةَ تُحْبَسُ فَلَيْسَ لِلْبَانِي إلَّا حَمْلُ أَنْقَاضِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ: وَالْخِلَافَ فِيهَا وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تُسْتَحَقَّ الْأَرْضُ بِحَبْسٍ فَلَيْسَ لِلِبَانِي إلَّا حَمْلُ أَنْقَاضِهِ؛ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يُعْطِيهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ قَائِمًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ النَّفَقَةِ وَلَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْحَبْسِ، انْتَهَى. وَهَذَا إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعْطِيهِ قِيمَةَ النَّقْضِ وَأَمَّا إنْ وُجِدَ مَنْ يُعْطِيهِ ذَلِكَ فَيَدْفَعُ وَلَا امْتِنَاعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ وَنَصَّهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فِيمَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ نَحْوَ السَّنَتَيْنِ ثُمَّ بَاعَهُ مِمَّنْ نَقَضَهُ أَوْ بَنَاهُ بَيْتًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ قَالَ: يُفْسَخُ مَا فَعَلَ وَيُرَدُّ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مَسْجِدًا وَهُوَ كَالْحَبْسِ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَحْوِيلُهُ وَلِلْبَانِي نَقْضُ بِنَائِهِ وَإِنْ شَاءَ فَلْيَحْتَسِبْ فِي تَرْكِهِ وَإِنْ أَرَادَ نَقْضَهُ فَأَعْطَاهُ مُحْتَسِبٌ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا لِيُقِرَّهُ لِلْمَسْجِدِ أُجْبِرَ الْبَانِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا مَا لَا حَاجَةَ لِلْمَسْجِدِ بُدٌّ مِنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِهِ فَيَتْرُكُهُ كَذَلِكَ قُلْت فَنَقْضُ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلُ أَيَجِبُ عَلَى مَنْ نَقَضَهُ أَنْ يُعِيدَهُ كَمَا كَانَ قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي نَقْضِهِ وَهَدْمِهِ ثُمَّ يَبْنِي بِتِلْكَ الْقِيمَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَ لِي أَصْبَغُ مِثْلَهُ وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْأَكْرِيَةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي مُخْتَصَرِ النَّوَازِلِ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ وَنَصُّهَا: مَسْأَلَةُ مَنْ أَكْرَى الْأَرْضَ الْمُحْبَسَةَ عَلَيْهِ لِمَنْ يَبْنِي فِيهَا لِمُدَّةٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَنْقَاضَ بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهَا بِالْحَبْسِ وَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى رَجُلَيْنِ فَأَكْرَى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. ص (وَضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحَقَّةِ وَوَلَدِهَا يَوْمَ الْحُكْمِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا إنْسَانٌ فَإِنَّ سَيِّدَهَا الَّذِي أَوْلَدَهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا الَّذِي أَوْلَدَهَا إيَّاهُ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَضْمَنُ مَنْ مَاتَ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لِمُسْتَحِقِّهَا أَخْذُهَا إنْ شَاءَ مَعَ قِيمَةِ الْوَلَدِ قِيلَ: ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا فَقَطْ يَوْمَ وَطِئَهَا وَبِهِ أَفْتَى لِمَا اسْتَحَقَّتْ

أُمُّ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ: أُمُّ وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ وَبِهِ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ أُمِّ وَلَدِهِ فَإِنْ أَعْدَمَ الْوَالِدُ اتَّبَعَهُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَقِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَقَطْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْأَبُ اُنْظُرْ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا وَالِابْنُ مَلِيًّا فَلْيَأْخُذْ الْأَبُ قِيمَةَ نَفْسِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحُكْمِ وَكَانَ يَجِبُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ قِيمَتَهُ يَوْمئِذٍ بِمَالِهِ، وَقِيمَتُهُ بِمَالِهِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي يَدِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَخْذُ قِيمَتِهِ مِنْهُ وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَقُولُ قِيمَتُهُ بِغَيْرِ مَالٍ وَبِهِ يَصِحُّ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: فَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ كَسَبَهُ لَمْ يُقَوَّمْ بِمَالِهِ لَكِنْ بِغَيْرِ مَالِهِ كَقِيمَةِ عَبْدٍ وَيُؤَدِّي ذَلِكَ الْأَبُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ الْوَلَدِ شَيْءٌ، انْتَهَى (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: لَوْ اُسْتُحِقَّتْ حَامِلًا فَعَلَى أَنَّ لَهُ أَخْذُهَا يُؤَخَّرُ لِوَضْعِهَا فَيَأْخُذُهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا فَإِنْ أَسْقَطَتْهُ أَوْ مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ وَعَلَى أَخْذِ قِيمَتِهَا يَأْخُذُ قِيمَتَهَا الْآنَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْتَظَرُ وَضْعُهَا وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ، انْتَهَى. ص (لَا صَدَاقَ حُرَّةٍ أَوْ غَلَّتَهَا) ش: اُنْظُرْ كِتَابَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرَّاحِهَا وَالْمَشَذَّالِيُّ وَانْظُرْ رَسْمَ يُدِيرُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا اُسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا اغْتَلَّهُ مِنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ وَأُجْرَةِ عَمَلِهِ وَلَا بِأُجْرَةِ مَا اسْتَخْدَمَهُ فِيهِ وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ جُرِحَ فَأَخَذَ السَّيِّدُ لِذَلِكَ أَرْشًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَرْشِ جِرَاحِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ اشْتَرَاهُ مَعَهُ أَوْ أَفَادَهُ عَبْدٌ مِنْ فَضْلِ خَرَاجِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَانْتَزَعَهُ السَّيِّدُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا انْتَزَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ وَهَبَ لَهُ السَّيِّدُ مَالًا أَوْ اسْتَخْبَرَهُ بِمَالٍ فَاسْتَفَادَ فِيهِ وَقَالَ: إنَّمَا دَفَعْته إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدِي وَكُنْتُ أَرَى أَنَّ لِي أَنْ أَنْتَزِعَهُ مِنْهُ مَتَى شِئْت فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ: اتَّجِرْ بِهَذَا الْمَالِ لِنَفْسِكَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ. وَاخْتُلِفَ إذَا أَعْطَاهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ مِلْكٍ فَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَهُ جَمِيعُهُ فِي رَسْمِ يُدِيرُ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِحَبْسٍ لَا يُرْجَعُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ مِنْ نَوَازِلِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، انْتَهَى. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَحَقَّةَ مِنْ يَدِهِ بِالْحَبْسِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِالْحَبْسِ وَاسْتَغَلَّهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ لِلْحَبْسِ هُوَ الْمُحْبِسُ عَلَيْهِ وَكَانَ كَبِيرًا عَالِمًا بِالْحَبْسِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِالْغَلَّةِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَإِذَا فُسِخَ بَيْعُ الْحَبْسِ فَالْغَلَّةُ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَ ثُبُوتِ تَحْبِيسِهِ لِلْمُبْتَاعِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ وَمَا كَانَ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ مِنْ الثَّمَرِ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ لِلَّذِي ثَبَتَ لَهُمْ أَصْلُ التَّحْبِيسِ فِي حِينِ بِنَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي إبَّانَ الْحَرْثِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ بَائِعُ الْحَبْسِ هُوَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَثَبَتَ عَدَمُهُ حَلَفَ لِلْمُبْتَاعِ وَأَخَذَ مِنْ غَلَّةِ الْحَبْسِ عَامًا بِعَامٍ فَإِنْ مَاتَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ رَجَعَ الْحَبْسُ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ بَائِعُ الْحَبْسِ كَبِيرًا عَالِمًا بِالتَّحْبِيسِ عُوقِبَ بِالْأَدَبِ وَالسَّجْنِ عَلَى بَيْعِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ سَهْلٍ: يَنْبَغِي إنْ كَانَ مَالِكًا لِنَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طَلَبُ الْمُبْتَاعِ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ وَإِنْ عَلِمَ حِينَ ابْتِيَاعِهِ أَنَّهُ حَبْسٌ. وَقَدْ نَزَلْت بِقُرْطُبَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرَشِيَّةِ وَأَفْتَيْت فِيهَا بِذَلِكَ وَكَانَ غَيْرِي خَالَفَنِي فِيهَا وَخِلَافُهُ خَطَأٌ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِالْحَبْسِ وَكَانَ هُوَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ أَنْ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ

وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِالْحَبْسِ كَمَا يُفْهَمُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ اللُّؤْلُؤِيُّ عَمَّنْ حُبِسَ عَلَيْهِ حَبْسٌ فَبَاعَهُ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ بِأَنَّهُ حَبْسٌ أَمْ لَا فَاسْتَغَلَّهُ مُدَّةً ثُمَّ نَقَضَ الْبَيْعَ فَقَالَ: لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَالَمٌ فَهُوَ وَاهِبٌ لِلْغَلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ يَكُونَ الْحَبْسُ مُعَقِّبًا فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ نَصِيبُهُ مِنْ الْغَلَّةِ وَانْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ وَالطُّرَرِ وَانْظُرْ ابْنَ سَهْلٍ فَإِنَّهُ أَشَارَ إلَى مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَأَنَّهَا نَزَلَتْ بِقُرْطُبَةَ وَأَنَّ غَيْرَهُ خَالَفَهُ، انْتَهَى. كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ: شَخْصٌ بَاعَ وَقْفًا عَلَيْهِ يَعْلَمُ بِوَقْفِيَّتِهِ لِشَخْصٍ يَجْهَلُ الْوَقْفِيَّةَ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِشَخْصٍ يَعْلَمُ الْوَقْفِيَّةَ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ بَاعَهُ مَعَ جِهَةٍ أُخْرَى مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ تَعَدَّى هَذَا الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَهَلْ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَتُهُ بِالْغَلَّةِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ إذَا ثَبَتَ وَقْفِيَّةُ هَذِهِ الْجِهَاتِ بِشُرُوطِهِ نُقِضَ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِهَا وَأُعِيدَتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِغَلَّةِ مَا بَاعَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِوَقْفِيَّتِهِ وَأَمَّا الْجِهَةُ الَّتِي تَعَدَّى عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَبَاعَهَا فَلِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِغَلَّتِهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّالِثِ لِجَهْلِ الْمُشْتَرِي الْوَقْفِيَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ أَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِيمَا إذَا بَاعَ الْقَاضِي الْحَبْسَ وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ. ص (وَإِنْ هَدَمَ مُكْتَرٍ تَعَدِّيًا فَلِلْمُسْتَحِقِّ النَّقْضُ وَقِيمَةُ الْهَدْمِ) ش: هَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَهَدَمَهَا تَعَدِّيًا ثُمَّ قَامَ مُسْتَحِقٌّ فَلَهُ أَخْذُ النَّقْضِ إنْ وَجَدَهُ وَقِيمَةُ الْهَدْمِ مِنْ الْهَادِمِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ بِقِيمَةِ الْهَدْمِ قِيلَ: بِمَا بَيْنَهَا بُقْعَةٌ وَمَا بَيْنَهَا مِنْ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ الْبِنَاءِ فَيَغْرَمُهُ وَقِيلَ: قِيمَةُ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْبِنَاءِ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يَضْمَنُ لَهُ مَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ وَقِيلَ: يَأْخُذُ النَّقْضَ مِنْ مُسْتَحِقِّهَا ثُمَّ يَغْرَمُ لَهُ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْهَدْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُ عِيَاضٍ: بِمَا بَيْنَهَا بُقْعَةٌ يَعْنِي مَعَ الْأَنْقَاضِ، انْتَهَى. ثُمَّ نَقَلَ بَقِيَّةَ كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ عَقِبَهُ: كَذَا فِي التَّنْبِيهَاتِ وَرَأَيْتُهُ يَعْنِي الْقَوْلَ الْأَخِيرَ فِي كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَأْخُذُ النَّقْضَ مُسْتَحِقُّهُ فَعَلَى مَا فِي التَّنْبِيهَاتِ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ قَائِمًا وَيَكُونُ لَهُ النَّقْضُ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَةٍ فَأَفْسَدَهَا إفْسَادًا كَبِيرًا فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا تَكُونُ لَهُ وَعَلَى مَا فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ يَكُونُ هُوَ التَّأْوِيلُ الثَّانِي، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جُرَيْجٍ مِنْ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ وَلَكِنْ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعَدَّى عَلَى جِدَارٍ أَوْ دَارٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَى حَالَتِهِ إذَا انْضَبَطَتْ صِفَتُهُ وَتَمَكَّنَتْ مُمَاثَلَتُهُ وَلَا تَلْزَمُ قِيمَةُ مَا تَعَدَّى عَلَيْهِ وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَيْهِ مَنْ هَدَمَ حَائِطًا بَنَى مِثْلَهُ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَالْمَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الْمُضَمَّنَاتِ الْقِيمَةَ إلَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا فِيهِمَا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْإِكْمَالِ قَالَ: وَلَا حُجَّةَ لِأُولَئِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ فِي شَرْعِ غَيْرِنَا وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ نَبِيَّنَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَلَا تَرَى إلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ نَبْنِيهَا لَكَ بِالذَّهَبِ وَهَذَا كَانَ مِنْ طِيبِ نُفُوسِهِمْ فَكَذَلِكَ بِنَاؤُهَا بِالطِّينِ، انْتَهَى. ص (وَلَهُ هَدْمُ مَسْجِدٍ) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَتَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى حُكْمِ النَّقْضِ هَلْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا عَيْنُ النَّقْضِ أَوْ إنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ قَائِمًا وَإِلَّا أَخَذَ النَّقْضَ وَأَطَالَ وَجَلَبَ كَلَامُ الْأَشْيَاخِ وَمُحَصِّلُهُ اخْتَصَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَفِي جَعْلِ نَقْضِ الْمَسْجِدِ فِي حَبْسٍ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ بَانِيهِ غَاصِبًا وَإِنْ كَانَ ذَا شُبْهَةٍ جُعِلَتْ قِيمَتُهُ فِي حَبْسٍ قَوْلَانِ، الظَّاهِرُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَالصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونٍ وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ

وَقَالَ لِي: لَا بُدَّ مِنْ هَدْمِهِ لِمُخَالَفَتِهِ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ جُعِلَ نَقْضُهُ فِي حَبْسٍ مِثْلِهِ وَمَا شَاكَلَهَا أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ بَنَى بِشُبْهَةٍ وَأَبَى الْمُسْتَحِقُّ مِنْ دَفْعِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْآخَرُ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فَإِنَّ حَمْلَ الْقَسْمِ وَفِي حَظِّ الْحَبْسِ مَا يَصِحُّ مَسْجِدًا قُسِمَ وَإِلَّا بِيعَ وَجُعِلَ مَنَابُهُ فِي مِثْلِهِ، انْتَهَى. وَمَعْنَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ: ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَقَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ لَعَلَّهُ بِنَاءُ الدُّورِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْكَلَامُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِجَعْلِ النَّقْضِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعِهِ مَسْجِدًا نُقِلَ ذَلِكَ النَّقْضُ إلَى أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْكِرَاءُ عَلَى نُقْلَانِهِ مِنْهُ وَيَجُوزُ لِمَنْ أَخَذَهُ فِي كِرَائِهِ مِلْكُهُ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضٌ فَكَالْمَبِيعِ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَكَالْمَبِيعِ شَبَّهَ مَسْأَلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْبَعْضِ بِمَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَفِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَفِي بَعْضِهَا فَكَالْعَيْبِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الشَّخْصُ شَيْئًا وَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا ظَهَرَ عَيْبٌ بِبَعْضِ الْمَبِيعِ فَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَنْسَبُ وَلَكِنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ بَابُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ حُكْمِ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ وَذِكْرِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بَعْدَهُ فَنَقُولُ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَسُّكِ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَسَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَالْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ وَجْهَ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبَاقِي وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَقَلَّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الرَّدِّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ ثِيَابًا كَثِيرَةً أَوْ صَالَحَ بِهَا عَنْ دَعْوَاهُ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَوْ وُجِدَ بِهَا عَيْبٌ قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّهَا رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ؛ إذْ لَا يُعْرَفُ ثَمَنُهُ حَتَّى يُقَوَّمَ وَقَدْ وَجَبَ الرَّدُّ فَصَارَ بَيْعًا مُؤْتَنَفًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا يُخَالِفُ فِيهِ أَشْهَبَ وَابْنَ حَبِيبٍ وَيُجِيزَانِ التَّمَسُّكَ بِالْأَقَلِّ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ: قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّهَا إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بَيْعًا مُؤْتَنَفًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَزَلْ جَائِزًا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَيُقَالُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَنْتَقِضُ الْبَيْعَ إذَا اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ وَلَا يُنْتَقَضُ فِي الْأَقَلِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَوْ كَانَ مَا ابْتَاعَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَزِمَهُ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهُ وَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ

قَبْلَ الرِّضَا بِهِ، انْتَهَى. ص (وَلَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ اُسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ) ش: كَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ فِي تَهْذِيبِهِ وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ أَوْ قَبْلُ فَإِنْ كَانَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: لَيْسَ فِي الْأُمَّهَاتِ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي وَإِنَّمَا فِيهِ رَدُّ الْبَاقِي وَهَذِهِ مُتَعَقِّبَةٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لَهُ الرَّدُّ وَلَهُ التَّمَسُّكُ فَيَكُونُ كَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَشْهَبَ، انْتَهَى. وَمَا وَرَدَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ بِحُرِّيَّةٍ وَكَذَلِكَ بِرِقٍّ وَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ فِي هَذِهِ أَنَّهَا صَفْقَةٌ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا فَتُرَدُّ كِلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي هَذِهِ لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ) ش: الَّذِي فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ " كَانَ " وَهُوَ الصَّوَابُ وَيَعْنِي أَنَّ حُكْمَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَصَالَحَ عَنْهُ بِعَبْدٍ آخَرَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا كَحُكْمِ اشْتِرَائِهِمَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَنْ الْعَيْبِ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَكَأَنَّهُمَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فَلْيُفِضْ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا وَيَنْظُرْ هَلْ هُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ أَمْ لَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا؟ أَبُو الْحَسَنِ. يَعْنِي فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. وَشَبَّهَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِتِلْكَ كَمَا فِي تَهْذِيبِ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ أَيْضًا كَذَا وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فَسَبِيلُهُمَا سَبِيلُ مَا اشْتَرَى صَفْقَةً وَاحِدَةً يُرِيدُ إنْ كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ أَوْ اُسْتُحِقَّ الْأَدْنَى رَجَعَ بِمَا يَنُوبُ الْمُسْتَحِقُّ وَلَزِمَ الْآخَرُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخَرُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ الْأَجْوَدُ رُدَّ الْآخَرُ، انْتَهَى. ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا فَفِي عِوَضِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الْأَرْجَحِ) ش أَيْ وَإِنْ فَاتَتْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِتَغَيُّرِ بَدَنٍ أَوْ سُوقٍ فَيَرْجِعُ فِي عِوَضِهِ أَيْ عِوَضِ الشَّيْءِ الْمُقَرِّ بِهِ وَهُوَ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ كَمَا يُرْجَعُ فِي الْإِنْكَارِ بِعِوَضِ الشَّيْءِ الْمُصَالَحِ فِيهِ فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ وَهُوَ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ وَهَذَا يُفَرِّقُهُ ذِهْنُ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِقْرَارِ ثَبَتَ الشَّيْءُ لَهُ وَأَمَّا فِي الْإِنْكَارِ فَلَمْ يَثْبُتْ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِوَضُ الشَّيْءِ الْمُصَالَحِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي الْإِقْرَارِ لَا يَرْجِعُ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي صُلْحِ

مسألة اعترف من في يده شيء وثبت عليه بشاهد واحد فأراد المشهود أن يأخذ حميلا على من باع ذلك

الْإِقْرَارِ عَلَى عِوَضٍ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ مَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ اسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ فَلْيَرْجِعْ عَلَى الْمُدَّعِي بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي وَأَنَّ مَا أَخَذَ مِنْهُ ظُلْمٌ وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ عَلَى مَا فِي كِتَابِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ يَدِهِ: تَأْخُذُ النُّسْخَةَ وَتَرْجِعُ عَلَى بَائِعِكَ بِالثَّمَنِ أَوْ تُخَاصِمُ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَكَ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إلَى آخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: فَإِذَا أَعْذَرَ لِلَّذِي أَلْفَى فِي يَدِهِ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا حُجَّةَ لِي إلَّا أَنْ أَرْجِعَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنِّي فَإِنْ ادَّعَى الَّذِي أَلْفَى فِي يَدِهِ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ مَطْعَنًا فِي الشُّهُودِ أُجِّلَ فَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ حُكِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي أَعْذَرَ فِيهَا فَإِذَا طَعَنَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيَامٌ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ بِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا وَادَّعَى فِيهِ دَافِعًا وَعَجَزَ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى بَائِعِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة اعْتَرَفَ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَأَرَادَ الْمَشْهُودُ أَنْ يَأْخُذَ حَمِيلًا عَلَى مَنْ بَاعَ ذَلِكَ] (مَسْأَلَةٌ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الْأَوَّلِ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ قُيِّمَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ هَلْ يُقَوَّمُ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ تَرْجَمَةٍ كَبِيرَةٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ سَأَلَ حَبِيبٌ سَحْنُونًا فِيمَنْ اعْتَرَفَ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيُرِيدُ الْمَشْهُودُ أَنْ يَأْخُذَ حَمِيلًا عَلَى مَنْ بَاعَ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ يَغِيبُ هَذَا فِيهِ، قَالَ: لَا حَمِيلَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْرِضُ لَهُ حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ بَلَدٍ كَثُرَ فِيهِ بَيْعُ الْأَحْرَارِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَنْ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ بَلَدٍ كَثُرَ فِيهِ بَيْعُ الْأَحْرَارِ وَوَافَقَهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ تِلْكَ الْبَلَدِ، فَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّهُ يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي إثْبَاتَ رِقِّهِ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: الْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي الْحُرِّيَّةِ وَكَانَ عَبْدُ الْأَعْلَى يُفْتِي بِمَا قَالَ، قَالَ أَصْحَابُنَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَلَسْت أَرَاهُ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: عَلَى السَّيِّدِ الْإِثْبَاتُ عَلَى صِحَّةِ ابْتِيَاعِهِ مِمَّنْ كَانَ مِلْكًا لَهُ وَبِذَلِكَ أَفْتَوْا فِي فِتْنَةِ ابْنِ حَفْصُونٍ، انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الْعِتْقِ وَهِيَ قَبْلَ مَسَائِلِ النِّكَاحِ. (الثَّانِي) إذَا ادَّعَتْ الْحُرِّيَّةَ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ، فَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ، قَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ بِدَعْوَاهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرِقَّ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُقْبَلُ رُجُوعُهَا وَتَبْقَى مَمْلُوكَةً لِسَيِّدِهَا، قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: وَبِهِ أَفْتَيْت وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ابْنُ بَشِيرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا ابْنُ عَتَّابٍ؛ إذْ ذَكَرَهَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ مَالِكٌ: يُسْمَعُ نُزُوعَهَا إلَّا أَنْ يُخَافَ أَنَّهَا إنَّمَا نَزَعَتْ مِنْ خَوْفٍ وَأَرَادَتْ ذِكْرَهُ وَاسْتَحْيَتْ مِنْهُ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) إذَا اعْتَرَفَ الْمَمْلُوكُ بِالرِّقِّ ثُمَّ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ اُنْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَعَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَكَانَ الْبَائِعُ عَدِيمًا فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَرَسْمٍ لَمْ يُدْرَكْ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. (الرَّابِعُ) إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِلْمِ هَلْ يُفِيدُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ اُنْظُرْ الْبَابَ الثَّالِثَ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ التَّبْصِرَةِ لِابْنِ فَرْحُونٍ وَانْظُرْ ابْنَ سَهْلٍ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَفِيهِ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَانْظُرْ الْبَابَ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّبْصِرَةِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَفِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (الْخَامِسُ) إذَا أَرَادَ وَضْعَ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمُسْتَحَقِّ وَالذَّهَابِ إلَى الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا بَائِعُهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحَقِّ بِرِقٍّ لَا بِحُرِّيَّةٍ كَمَا قَالَهُ فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى الْمَذْكُورِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَعِلْمِهِ صِحَّةَ مِلْكِ بَائِعِهِ) ش: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ وَعَلِمَ الْمُبْتَاعُ صِحَّةَ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ حِينَ انْبِرَامِ

الْبَيْعِ وَانْعِقَادِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: لَا يَرْجِعُ إذَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: يَرْجِعُ، انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ مَسْأَلَةُ إذَا صَرَّحَ الْمُبْتَاعُ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْبَائِعِ لِمَا بَاعَ ثُمَّ طَرَأَ اسْتِحْقَاقٌ فَهَلْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ لَا؟ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَضُرُّهُ إقْرَارُهُ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ رَوَاهَا أَصْبَغُ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَبِالرِّوَايَةِ الْأُولَى الْقَضَاءُ قَالُوا وَهُوَ دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْهَا فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَحَطَّ عَنْهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَخَذَ مِنْهُ عَبْدَهُ مَيْمُونًا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ فَقَوْلُهُ: عَبْدَهُ مَيْمُونًا، تَصْرِيحٌ بِإِضَافَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ. ص (لَا إنْ قَالَ دَارُهُ) ش: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ: وَقَوْلُنَا ابْتَاعَ مِنْهُ جَمِيعَ الدَّارِ أَوْلَى مِنْ إضَافَتِهَا إلَى الْبَائِعِ فَيُقَالُ: جَمِيعُ دَارِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَبْتَاعُ مِنْ مِلْكٍ أَوْ سِلْعَةٍ لِمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُبْتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ فِي إضَافَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ إقْرَارًا مِنْ الْمُبْتَاعِ بِتَحْقِيقِ تَمْلِيكِ الْبَائِعِ لِمَا بَاعَ مِنْهُ فَإِذَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِحَقٍّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ وَكَانَ يَرَى أَنْ يَعْقِدَ الْمُوَثِّقُ ابْتَاعَ مِنْهُ جَمِيعَ الدَّارِ الَّذِي ذَكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ جَمِيعَ الدَّارِ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا وَلَا يَرَى أَنْ يَقُولَ جَمِيعُ الدَّارِ الَّتِي لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ: إنَّ قَوْلَكَ جَمِيعُ الدَّارِ أَوْ جَمِيعُ دَارِهِ بِإِضَافَةٍ أَوْ بِغَيْرِ إضَافَةٍ سَوَاءٌ إنْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُبْتَاعِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، فَقَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، وَالظُّلْمُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِ دُونَ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُسْتَحِقِّ تَقُولُ إنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَاَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ أَنَّ قَوْلَ الْمُوَثِّقِ: جَمِيعُ الدَّارِ الَّتِي لَهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ إذْ قَدْ أَحْكَمَتْ السُّنَّةُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ فِي الْوَثِيقَةِ وَمَرْجِعُ دَرْكِهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَصِّ الْوَثَائِقِ فِي بَيْعِ جَمِيعِ الْأَمْلَاكِ فَإِنَّهُمْ اسْتَفْتَحُوا ذَلِكَ: اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ مَا جَرَّتْهُ أَمْلَاكُهُ وَضَمَّتْهُ فَوَائِدُهُ وَجَمَعَتْهُ مَكَاسِبُهُ. وَقَوْلُهُمْ هَذَا كَقَوْلِ الْمُوَثِّقِ: جَمِيعُ الدَّارِ الَّتِي لَهُ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ لِرُجُوعِ الْمُبْتَاعِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْبَائِعِ مَا كَتَبُوهُ وَقَدْ دَارَتْ غَيْرُ مَرَّةٍ فَقُضِيَ فِيهَا بِالرُّجُوعِ بِالدَّرَكِ وَقَدْ أَوْقَفَتْ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَاضِينَ فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إضَافَةِ ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ إقْرَارٌ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِتَمْلِيكِ الْبَائِعِ لَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ ابْتَاعَ مِنْهُ جَمِيعَ دَارِهِ أَيْ جَمِيعَ الدَّارِ الَّتِي ذَكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَهُ وَأَيْضًا فَلَوْ أَنَّ الْمُبْتَاعَ صَرَّحَ بِتَمْلِيكِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّ فِي رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَضُرُّهُ إقْرَارُهُ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. رَوَاهَا أَصْبَغُ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَبِالرِّوَايَةِ الْأُولَى الْقَضَاءُ هَذَا فِي صَرِيحِ الْإِقْرَارِ فَكَيْفَ بِلَفْظٍ لَا يُحْتَمَلُ إلَّا عَلَى بُعْدٍ وَاَلَّذِي وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَحَكَاهَا أَيْضًا فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ الْمُبْتَاعُ أَنَّ جَمِيعَ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ وَغَيْرُهُمْ: لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشُّيُوخِ بِالْأَنْدَلُسِ وَهُوَ دَلِيلُ مَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَحَطَّ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عَبْدَهُ مَيْمُونًا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ فَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ أَخَذَ مِنْهُ عَبْدَهُ مَيْمُونًا كَقَوْلِ الْمُوَثِّقِ ابْتَاعَ مِنْهُ دَارِهِ، وَقَالَ عَبَّاسٌ فِي وَثَائِقِهِ: سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْفَقِيهَ فَذَكَرَ أَنَّ

ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُبْطِلُ رُجُوعَ الْمُبْتَاعِ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهَا مِنْ خُطَّةِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ فَيَبْطُلُ دَرَكُهُ حِينَئِذٍ عِنْدَهُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ لَا يَبْطُلُ دَرَكُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تِلَادَةِ الْبَائِعِ فَيَبْطُلُ دَرَكُهُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ خُطَّةِ آبَائِهِ أَيْ مِنْ بِنَاءِ آبَائِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ تِلَادَةِ أَيْ وُلِدَ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْعَطَّارِ وَبِالرِّوَايَةِ الْأُولَى الْقَضَاءُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ الرُّجُوعِ، انْتَهَى. وَفِي أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ دَارُهُ أَوْ الدَّارُ الَّتِي لَهُ، قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّزَ الْمُوَثِّقُ مِنْ الْخِلَافِ فَيُسْقِطَهُ وَيَكْتُبَ دَارًا أَوْ الدَّارَ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا لَهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ الْقَوْلَيْنِ، قَالَ: وَالْقَضَاءُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ، قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ إذَا قَالَ فِي آخِرِ الْوَثِيقَةِ عَلَى سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَرْجِعِ دَرَكِهِمْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْخِلَافُ وَيَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ قَوْلًا وَاحِدًا، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَيْنِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فَقِفْ عَلَيْهِ إنْ أَحْبَبْتَهُ فَقَدْ ظَهَرَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ قَالَ: دَارُهُ أَيْ لَا إنْ قَالَ الْمُوَثِّقُ فِي الْوَثِيقَةِ: دَارُهُ أَوْ الدَّارُ الَّتِي لَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَلَوْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ فِيهَا إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَلَوْ بِصَحَّ أَوْ عُمِلَ بِهِ لَكَانَ حَسَنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ قِيمَتُهُ) ش: وَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ، قَالَهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يُرَاعَى يَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ الْهِبَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، انْتَهَى. وَالْفَوَاتُ بِتَغَيُّرِ السُّوقِ وَالْبَدَنِ وَالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا نِكَاحًا) ش: ذَكَرَ سِتَّ نَظَائِرَ وَالسَّابِعَةُ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ إذَا اسْتَحَقَّ الشَّيْءَ الْمُصَالَحَ بِهِ وَانْظُرْ لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، فِي أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ ص (أَوْ مُقَاطَعًا بِهِ) ش، قَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا بِعْت عَبْدَك مِنْ نَفْسِهِ بِأَمَةٍ لَهُ فَقَبَضْتهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ وَجَدْتَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَكَ رَدُّهَا عَلَيْهِ وَكَأَنَّكَ انْتَزَعْتَهَا مِنْهُ وَأَعْتَقْتَهُ وَلَوْ بِعْتَ بِهَا نَفْسَهُ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمئِذٍ رَجَعْتَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا لَا بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ قَاطَعْتَ مُكَاتَبَكَ عَلَى أَمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَبَضْتَهَا وَأَعْتَقْتَهُ وَتَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ وَجَدْتَ بِهَا عَيْبًا فَإِنَّكَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا دَيْنًا وَهَذَا كَالنِّكَاحِ بِهَا بِخِلَافِ الْبُيُوعِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ وَلَوْ بِعْتَهُ بِهَا نَفْسَهُ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمئِذٍ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ يَحْيَى وَهِيَ بِعَيْنِهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَاطَعْتَ مُكَاتَبَكَ إلَى آخِرِهِ يُرِيدُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاطِعَ الْمُكَاتَبَ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدَيْهِ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ أَوْ وُجِدَ بِهَا عَيْبٌ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ فَهُوَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فَاسْتُحِقَّ أَوْ وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فِي صَفْقَةٍ. ابْنُ يُونُسَ. فَصَارَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ رُتَبٍ فِي الْمُعَيَّنِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَفِي الْمَوْصُوفِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَإِذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ لِغَيْرِهِ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَنَقَلَ بَقِيَّةَ النَّظَائِرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عُمْرَى) ش: يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا حَيَاتَهُ دَارًا ثُمَّ أَعْطَى الْمُعَمَّرَ دَارًا

فرع باع السلطان الرهن ودفع ثمنه إلى المرتهن ثم استحق الرهن

ثُمَّ أَعْطَى الْمُعَمِّرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمُعَمَّرَ بِفَتْحِهَا عَبْدًا عِوَضًا عَمَّا جَعَلَهُ لَهُ مِنْ الْعُمْرَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّجُلِ لِيُعَمِّرَهُ دَارًا فَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنَّ عُرِفَ بِالْحُرِّيَّةِ) ش هَذَا كَقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحُرِّيَّةِ لَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ وَلَا مُتَوَلِّي الْحَاجِّ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ مَعَ الْجَهْلِ يُحْمَلُ عَلَى الرِّقِّ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الرَّجْمِ أَنَّ النَّاسَ مَحْمُولُونَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحُرِّيَّةِ فِيمَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ مُخَايِلُ الرِّقِّ أَوْ صِفَةٌ تُؤْذِنُ بِالرِّقِّ وَأَمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا، قَالَ بَعْضٌ فِي كِتَابِ الرَّجْمِ فَيُفَسَّرُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِمَا قُلْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ لَضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، انْتَهَى. وَيَعْنِي تَغْيِيرَ الْمَعْرُوفِ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ مُخَايِلُ الرِّقِّ أَوْ مَنْ فِيهِ رِيبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. ص. (وَأَخَذَ السَّيِّدُ مَا بِيعَ وَلَمْ يَفُتْ بِالثَّمَنِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مَا كَانَ قَائِمًا مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يَبِعْ وَمَا بِيعَ وَهُوَ قَائِمٌ بِيَدِ مُبْتَاعِهِ فَلَا يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ إلَّا بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ أَوَّلًا: لَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ قَالُوا مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّمَنَ فَاتَ وَصَرَفَهُ فِي مَصَارِفِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الثَّمَنَ قَائِمٌ بِيَدِهِ، انْتَهَى. يُرِيدُ أَوْ صَرَفَهُ فِي غَيْرِ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ الْمَيِّتُ. ص. (وَإِلَّا فَكَالْغَاصِبِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ بِمَا تَعَذَّرَ بِهِ مِنْ شُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ كَتَعَمُّدِهِمْ الزُّورَ فَيَأْخُذُ مَتَاعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ الْوَرَثَةِ أَوْ عِنْدَ الْقَاضِي وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَ الْوَرَثَةِ وَأَمَّا إنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا سَبِيلَ إلَى مَتَاعِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَحَمَلَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ حَتَّى يَأْتُوا بِالشُّبْهَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَا فَاتَ فَالثَّمَنُ) ش: هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ مَا بِيعَ وَلَمْ يَفُتْ يَعْنِي وَأَمَّا مَا فَاتَ فَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الَّذِي بَاعَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [فَرْعٌ بَاعَ السُّلْطَانُ الرَّهْنَ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا بَاعَ السُّلْطَانُ الرَّهْنَ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ وَقَدْ فَاتَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ أَوْ غَابَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ فَلَمْ يُوجَدْ فَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَاسْتَحَقَّهَا صَاحِبُهَا وَقَدْ دَارَتْ فِي أَيْدِي رِجَالٍ أَنَّهُ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ، انْتَهَى. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ. وَفَوَاتُ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ إنَّمَا هُوَ بِزَوَالِ عَيْنِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ زَوَالِ عَيْنِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ غَابَ بِهِ الْمُبْتَاعُ فِي الْأُمَّهَاتِ وَغَابَ وَاخْتِصَارُ أَبِي سَعِيدٍ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَيَانِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفُتْ لَكَانَ الْحُكْمُ غَيْرَ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا يَرُدُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ مُحَمَّدٍ فِي الَّذِي يُبَاعُ عَلَيْهِ مَالُهُ وَهُوَ غَائِبٌ ثُمَّ قَدِمَ فَأَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ أَنَّهُ قَالَ: يَأْخُذُ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ مُحَمَّدٍ بِيعَ عَلَى مِلْكِ الْغَائِبِ وَهَذَا بِيعَ عَلَى غَيْرِ مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ. وَانْظُرْ

باب الشفعة

مَسْأَلَةَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ لِابْنِ يُونُسَ، انْتَهَى. وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي بَابِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ عِيَاضٌ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ رُجُوعَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَاَلَّذِي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الشَّيْخُ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ هَذَا الرَّهْنُ إنَّمَا بِيعَ عَلَى الرَّاهِنِ وَفِيمَا عَلَيْهِ أَوْ إنَّمَا بِيعَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ؟ وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ عَدِيمٌ ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ إلَّا الْأَخِيرَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْأَوَّلِ صَحَّتْ جَمِيعُ الصَّفَقَاتِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ إنْ أَخَذَهُ مِنْ الْأَوَّلِ بَطَلَتْ جَمِيعُ الصَّفَقَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَالشُّفْعَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ فِي الدَّارِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْغَصْبِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ التَّخْيِيرِ: مَنْ أَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ وَبَاعَ فِيهِ دَارِهِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ قَضَاهُ دَيْنَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا فَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى الذِّمَّةِ ابْنُ عَاتٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرَّهْنِ دُونَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَثِيقَةِ الدَّيْنِ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ فِي الِاقْتِضَاءِ أَمْ لَا فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ دَفْعَ الدَّيْنِ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّصْدِيقُ فِي الِاقْتِضَاءِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّفْعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الرَّاهِنُ لَقَدْ أَدَّاهُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ ابْنُ فَتْحُونٍ. (قُلْت) لَعَلَّ مَسْأَلَةَ اللَّخْمِيِّ بَاعَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَمَسْأَلَةَ ابْنِ فَتْحُونٍ بِغَيْرِ حَاكِمٍ، انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ. [بَابُ الشُّفْعَةِ] ص (بَابُ الشُّفْعَةِ) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالْأَصْلُ فِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إذَا اشْتَرَى حَائِطًا أَوْ مَنْزِلًا أَوْ شِقْصًا مِنْ حَائِطٍ أَوْ مَنْزِلٍ أَتَاهُ الْمُجَاوِرُ أَوْ الشَّرِيكُ فَشَفَعَ لَهُ فِي أَنْ يُوَلِّيَهُ إيَّاهُ لِيَتَّصِلَ لَهُ الْمِلْكُ أَوْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ الضَّرَرُ حَتَّى يَشْفَعَهُ فِيهِ فَسَمَّى ذَلِكَ شُفْعَةً وَسَمَّى الْآخِذَ شَفِيعًا وَالْمَأْخُوذَ مِنْهُ مَشْفُوعًا عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَالشُّفْعَةُ بِسُكُونِ الْفَاءِ، قَالَهُ عِيَاضٌ. ص (أَخْذُ شَرِيكٍ) ش: تَمَامُ الرَّسْمِ قَوْلُهُ مِمَّنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ اللَّازِمُ اخْتِيَارًا بِمُعَاوَضَةٍ عَقَارًا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ رَسْمُ الْأَخْذِ لَا رَسْمُ مَاهِيَّةِ الشُّفْعَةِ وَرَسْمُهَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ، انْتَهَى. قُلْت قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ مَا يَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ فَتَأَمَّلْهُ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ الْمَذْكُورُ هُوَ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَقَلَ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الْبُرْزُلِيُّ أَنَّهُ نَقَضَ رَسْمَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا بِأَخْذِ الشَّرِيكِ الثَّوْبَ إذَا وَقَفَ عَلَى ثَمَنٍ وَبِمَا إذَا وَقَعَ ثَوْبُ مُسْلِمٍ فِي الْغَنَائِمِ وَأَخَذَهُ رَجُلَانِ فَأُخِذَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ أَرَادَ الْأَخْذَ مِنْ الْآخَرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ أَخْذُ شَرِيكٍ أَيْ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ شَرِيكًا بِأَذْرُعٍ وَهِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَفِيهَا خِلَافٌ، قَالَ مَالِكٌ: لَا شُفْعَةَ وَأَثْبَتَهَا أَشْهَبُ وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلَ وَأَفْتَى بِهِ وَحُكِمَ بِهِ بِأَمْرِهِ، قَالَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. ص (وَلَوْ ذِمِّيًّا بَاعَ الْمُسْلِمُ لِذِمِّيٍّ كَذِمِّيَّيْنِ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا) ش: قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَبَاعَ الْمُسْلِمُ حِصَّتَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَلِشَرِيكِهِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَشْفَعَ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا، انْتَهَى. وَفِي التَّبْصِرَةِ لِلَّخْمِيِّ وَإِنْ بَاعَ النَّصْرَانِيُّ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِ الشُّفْعَةُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ أَقْضِ بِالشُّفْعَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا، انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الشُّفْعَةِ وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ

النَّصْرَانِيِّينَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْأَصْلِ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا حَظَّهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ لِشَرِيكِهِ أَيُقْضَى لَهُ بِهَا، قَالَ: أَمَّا عَلَى الْمُسْلِمِ فَيُقْضَى بِهَا لِلنَّصْرَانِيِّ لِأَنِّي قَدْ كُنْتُ أَقْضِي بِهَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ نَصْرَانِيًّا وَكَانَ شَرِيكُهُ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَاشْتَرَى نَصْرَانِيٌّ فَلَا أَرَى أَنْ يُقْضَى بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ وَالْمَطْلُوبَ نَصْرَانِيَّانِ فَهُمَا يُرَدَّانِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَقُولُ لَيْسَ فِي دِينِنَا الْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا أَرَى لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَوْ الْمُشْتَرِي الْمَشْفُوعُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا قُضِيَ بِالشُّفْعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِاتِّفَاقِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي الْمَشْفُوعُ عَلَيْهِ نَصْرَانِيَّيْنِ وَالشَّرِيكُ الْبَائِعُ مُسْلِمًا، فَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّهُ لَا يُقْضَى فِي ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ وَيُرَدَّانِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّافِعَ وَالْمَشْفُوعَ نَصْرَانِيَّانِ، وَقَالَ فِي أَصْلِ الْأَسَدِيَّةِ وَهُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ يُقْضَى فِي ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّرِيكَ الْبَائِعَ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ، انْتَهَى. فَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ، فَقَالَ: وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الْآخِذُ بِالشُّفْعَةِ ذِمِّيًّا وَالْحَالَةُ أَنَّ شَرِيكَهُ مُسْلِمٌ بَاعَ لِذِمِّيٍّ وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ مَا إذَا بَاعَ الشَّرِيكُ الْمُسْلِمُ لِمُسْلِمٍ فَيَكُونُ لِشَرِيكِهِ الذِّمِّيِّ الشُّفْعَةُ أَوْ بَاعَ النَّصْرَانِيُّ حِصَّتَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَلِشَرِيكِهِ الْمُسْلِمِ الشُّفْعَةُ أَوْ كَانَتْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ قَوْلُهُ الذِّمِّيُّ لَوْ بَاعَ الْمُسْلِمُ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُدَوَّنَةِ. (قُلْت) وَلَعَلَّهُ رَجَّحَ مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ لِنَصْرَانِيٍّ وَشَرِيكُهُ نَصْرَانِيٌّ فَلَا شُفْعَةَ لِلنَّصْرَانِيِّ، فِيهِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ كَذِمِّيَّيْنِ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا هَذِهِ الصُّورَةُ السَّادِسَةُ فَإِنَّ لِلْمَسْأَلَةِ سَبْعَ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَارَةً تَكُونُ شَرِكَةً بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ فَتَارَةً يَبِيعُ الْمُسْلِمُ حِصَّتَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَتَارَةً يَبِيعُ الذِّمِّيُّ حِصَّتَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَتَارَةً يَبِيعُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهَذِهِ سِتٌّ وَالسَّابِعَةُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ ذِمِّيٍّ فَوَاحِدَةٌ صَرِيحَةٌ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ حِصَّتَهُ لِذِمِّيٍّ وَكَانَ شَرِيكُهُ ذِمِّيًّا وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَالْخَامِسَةُ الْأُخْرَى دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا لِذِمِّيٍّ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ كَذِمِّيِّينَ تَحَاكَمُوا وَهَكَذَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ أَقْضِ بِالشُّفْعَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: إذَا كَانَ الْمُبْتَاعُ مِثْلَهُمَا فَلَا شُفْعَةَ وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا، انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ كَذِمِّيِّينَ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا يَعْنِي كَمَا إذَا كَانَتْ لِذِمِّيَّيْنِ وَالْحَالَةُ أَنَّهُ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِذِمِّيٍّ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بَاعَ لِذِمِّيٍّ قَوْلُهُ بَاعَ الْمُسْلِمُ لِذِمِّيٍّ وَقَوْلُهُ ذِمِّيِّينَ بِالْجَمْعِ لَا بِالتَّثْنِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحُذِفَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ إلَيْنَا لِلْعِلْمِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لِيُحْبَسَ) ش: يُرِيدُ وَأَمَّا لَوْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) لَوْ أَعْمَرَ إنْسَانٌ إنْسَانًا جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ دَارٍ وَلَهُ فِيهَا شَرِيكٌ فَبَاعَ شَرِيكُهُ فَلِلْمُعَمِّرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْحِصَّةَ تَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ص (وَجَارٌ وَإِنْ مَلَكَ تَطَرُّقًا) ش: قَالَ فِي

كِتَابُ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ وَالْمُلَاصَقَةِ فِي سِكَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ وَمَنْ لَهُ طَرِيقٌ فِي دَارٍ فَبِيعَتْ الدَّارُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ حَقٌّ فِي الْجِوَارِ لَا فِي نَفْسِ الْمِلْكِ، انْتَهَى. ص (وَنَاظِرُ وَقْفٍ) ش: لَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ لِيَحْبِسَ وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ فِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِالشُّفْعَةِ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ بِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَوَارِيثِ لَا يَشْفَعُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْمَسَاجِدِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكِرَاءٍ) ش: أَيْ وَكَذَا لَا شُفْعَةَ فِي الْكِرَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ حَسْبَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي تَوْضِيحِهِ وَصَرَّحَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُمَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَإِذَا اكْتَرَى رَجُلَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكْرِيَ حِصَّتَهُ، قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِشَرِيكِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: وَابْن الْمَوَّازِ لَهُ الشُّفْعَةُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الثِّمَارِ وَالْكِتَابَةِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ. لَا يُرِيدُ خُصُوصِيَّةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ كُلَّ كِرَاءٍ. وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ سُقُوطُهَا وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْمُغِيرَةِ وَبِوُجُوبِهَا قَالَ مُطَرِّفٌ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمُسَاقَاةِ كَالْكِرَاءِ، وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُهَا فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهَا لَا يُسَاوِي الضَّرَرَ فِي الْعَقَارِ الَّذِي وَرَدَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَإِجَارَةٌ لِلزَّرْعِ دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِيَّةِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهَا بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِي كِرَاءِ الْعَقَارِ لَكِنْ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: فِيهِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَالْقَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا اُخْتُلِفَ فِي الْكِرَاءِ وَالْأَقْرَبُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِسَبَبِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا قَاصِرٌ عَنْ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهَا، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اعْتَرَضَ الشَّارِحُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الشُّفْعَةِ وَعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، قَالَ فِي الْوَسَطِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ فَانْظُرْ كَيْفَ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ وَلَمْ يَحْكِ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَهُوَ أَوْلَى بِالذِّكْرِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ هُوَ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَابْن الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ أَوْ كَانَ يَذْكُرُ الْقَوْلَيْنِ مَعًا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَهُوَ أَوْلَى بِالذِّكْرِ هُنَا فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ أَوْ يَذْكُرُ الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ: وَفِي الْكِرَاءِ وَنَاظِرِ الْمِيرَاثِ قَوْلَانِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ مَشَى فِي شَامِلِهِ، فَقَالَ: وَفِي الْكِرَاءِ رِوَايَتَانِ وَتَبِعَ الْبِسَاطِيُّ الشَّارِحَ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُؤَلِّفِ، فَقَالَ: وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَذْكُرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِرَاءِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي نَاظِرِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُمَا لِمَالِكٍ وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ الثَّانِيَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ غَازِيٍّ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَتَعَرَّضَ لَهُ الشَّرِيفُ الْفَاسِيُّ وَنَظَرَ فِي اعْتِرَاضِهِ وَأَجَابَ عَنْ الشَّيْخِ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الشُّفْعَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَنَصَّ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلَهُ: وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ لَا يُرِيدُ خُصُوصِيَّةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ كُلَّ كِرَاءٍ

كَذَلِكَ، وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَسُقُوطِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَاعْتَرَضَهُ شَارِحُهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ أَخَذَ هُوَ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَابْن الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِهَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى أَوْ كَانَ يَذْكُرُهُمَا وَلِهَذَا حَكَى فِي شَامِلِهِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ السُّقُوطُ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا لَمْ يَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ صِحَّةَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَقَطَ عَنْهُ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ وَالْبِسَاطِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الثِّمَارِ إذَا لَمْ تَيْبَسْ أَنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ، وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ وَعَدَمِهَا فِي السُّكْنَى وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَلَّةٌ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الثِّمَارَ لَمَّا تَقَرَّرَ لَهَا وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ وَنُمُوٌّ فِي الْأَبَدَانِ مِنْ الْأَشْجَارِ صَارَتْ كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ الْأُصُولِ وَلَا كَذَلِكَ السُّكْنَى فَلِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِعَدَمِ الشُّفْعَةِ فِيهَا الْمَشَذَّالِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي تَرْجَمَةِ اكْتَرَى حَمَّامَيْنِ أَوْ حَانُوتَيْنِ مِنْ كِرَاءِ الدُّورِ أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الثَّمَرَةَ أَعْيَانٌ وَهِيَ مُشْتَبِهَةٌ بِالْأُصُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَنَافِعُ أَلَا تَرَى إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَ يُبْسِهَا فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا، انْتَهَى. وَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَأَنْ يَشْفَعَ لِيَسْكُنَ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَشْهَبُ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الْكِرَاءِ وَبِهِ أَقُولُ. اللَّخْمِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَأَنْ يَشْفَعَ لِيَسْكُنَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَيْضًا وَزَادَ إثْرَهُ. (قُلْت) وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ، انْتَهَى. أَيْ لَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ بِإِفْرِيقِيَّةَ عَلَى اشْتِرَاطِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَالشَّرْطَانِ الْمَذْكُورَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ وَعَنْهُ نَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَتَى بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ عَقِبَ ذَلِكَ كَالْمُسْتَدِلِّ بِذَلِكَ وَلْنَذْكَرْ كَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ وَنَصَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الْكِرَاءِ وَبِهِ أَقُولُ الشَّيْخُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَأَنْ يَشْفَعَ لِيَسْكُنَ اللَّخْمِيُّ. اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ فِي نِصْفِ شَائِعٍ، فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَمَرَّةً قَالَ: فِيهِ الشُّفْعَةُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَسْكُنَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لِيُكْرِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْحَانُوتُ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَيُكْرِي أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ شَائِعًا فَلَا شُفْعَةَ فِي الْآخَرِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ أَوْ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالشُّفْعَةِ لِيُكْرُونَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَجْلِسَ فِيهِ لِلْبَيْعِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرِيهِ لِمَنْ يَجْلِسُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكْرِيَ حِصَّتَهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكُهُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغَيْرِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلَيْنِ وُهِبَتْ لَهُمَا ثَمَرَةُ شَجَرٍ عَشْرَ سِنِينَ حَبْسًا عَلَيْهِمَا ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الطِّيبِ فَشَرِيكُهُ أَوْلَى بِهَا، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْلَى بِهَا مِمَّنْ أَرَادَ شِرَاءَهَا بِاَلَّذِي بَذَلَ فِيهَا، قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا شُفْعَةَ فِي الْأَكْرِيَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ أَرَادَ شَرِيكَهُ أَوْلَى بِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِرَاءِ، وَمَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ يُرِيدُ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي بُذِلَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ

الثَّمَرَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ يَوْمَ تَمَامِ الشِّرَاءِ وَالْكِرَاءَ مِنْ الْمُكْتَرِي بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْكِرَاءِ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ وَالْكِرَاءِ خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْأَكْرِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ، فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى بِالثَّمَرَةِ وَبِالْكِرَاءِ بِمَا بَذَلَ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي فِيهَا مِنْ الثَّمَنِ وَالْكِرَاءِ لَا خِلَافَ فِيهَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي تَكُونُ تَحْتَهُ الْأَمَةُ لِقَوْمٍ فَتَلِدُ مِنْهُ فَيَبِيعُونَهَا وَوَلَدَهَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا بِمَا يُعْطَى فِيهَا وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي رَسْمِ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ هَلْ تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي الْكِرَاءِ بَعْدَ تَمَامِهِ وَفِي الثَّمَرَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَمْ لَا؟ فِيهَا اخْتِلَافٌ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الثَّمَرَةِ وَفِي الْكِرَاءِ فِي الْوَاضِحَةِ وَأَخَذَ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَبِأَنْ لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا فِي الشُّفْعَةِ فِي الْكِتَابَةِ وَالدَّيْنِ يُبَاعَانِ هَلْ يَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَرَّةً لَهُمَا الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ وَأَخَذَ بِهِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَكَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «الشُّفْعَةُ فِي الْكِتَابَةِ وَالدَّيْنِ» . وَحَكَى عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ الْقَضَاءَ بِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ وَمَسْأَلَةِ بَيْعِ الدَّيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْأَمَةِ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفُسِخَ إنْ طَرَأَ بِلَا طَلَاقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاقْتُصِرَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) مَا عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ الْأَخْذِ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ وَبِأَنْ لَا شُفْعَةَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ عَكْسُ مَا نَقَلَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ عَزَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَدَمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ فَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا شُفْعَةَ وَأَخَذَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ بِقَوْلِهِ إنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَذَلِكَ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ سَوَاءٌ، انْتَهَى. وَعَلَى نَقْلِ النَّوَادِرِ مَشَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِمْ وَعَلَى نَقْلِ ابْنُ رُشْدٍ مَشَى ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا وَقَعَ اخْتِلَافُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ فِي الْوَاضِحَةِ وَبِقَوْلِهِ بِالشُّفْعَةِ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَبِنَفْيِهَا فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ عَرَفَةَ لِمَا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ النَّوَادِرِ بَعْضُ فُرُوعِ التَّرْجَمَةِ الَّتِي فِيهَا كَلَامُ النَّوَادِرِ الْمَذْكُورِ وَلَعَلَّ لِكُلٍّ مِنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا مِثْلُ مَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (السَّادِسُ) قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَقَعَ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الثَّمَرَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْكِرَاءِ فِي الْوَاضِحَةِ ظَاهِرُهُ قَوْلُ مَالِكٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْكِرَاءِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَقْرَأَ الْخِلَافَ مِنْهَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: وَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى عَلَى عِوَضٍ لَمْ تَجُزْ وَرُدَّتْ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ ظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الْكِرَاءِ الصَّحِيحِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَبِهِ مَضَى عَمَلُ الْقُضَاةِ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ، قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ، رَاجِعٌ لِلرَّدِّ خَاصَّةً تَقْدِيرُهُ لَمْ يَجُزْ وَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ

فَاسِدٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الِاسْتِقْرَاءُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي وَنَصُّهُ: ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الْكِرَاءِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ بِنَفْيِ الشُّفْعَةِ وَرَدَّ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ هَذَا الْأَخْذَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ وَرُدَّ لِعَدَمِ الشُّفْعَةِ وَتَقْدِيرُهُ لَمْ يَجُزْ وَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، انْتَهَى. (السَّابِعُ) اُنْظُرْ مَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ فِي الشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ مَعَ قَوْلِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّيْنِ بِاتِّفَاقٍ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ الْمِدْيَانُ أَحَقَّ بِهِ أَمْ لَا؟ وَلَعَلَّ الَّذِي نَفَى ابْنُ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ فِيهِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الدَّيْنِ حِصَّتَهُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاقْتُصِرَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُلْزِمَ صَاحِبَهُ أَنْ يُقَاوِمَهُ؟ سَيَأْتِي عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَالْكِرَاءُ مِثْلُهُ وَانْظُرْ فِي الْإِجَارَةِ الْكَلَامَ عَلَى أَنَّهُمَا يُؤَجِّرَانِ أَوْ يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا بِمَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ ص (مِمَّنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ اللَّازِمُ اخْتِيَارًا بِمُعَاوَضَةٍ) ش: يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ بِمُعَاوَضَةِ الْبَيْعِ وَهِبَةِ الثَّوَابِ وَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَجَمِيعِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالصُّلْحِ وَلَوْ كَانَ عَلَى إنْكَارٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلَيْنِ دَارًا فَكَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ فَصَالَحَهُ الْمُصَدِّقُ عَلَى مَالٍ فَأَرَادَ الْمُكَذِّبُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَخَرَجَ بِهِ الْهِبَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَالصَّدَقَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا مُوصًى لَهُ بِبَيْعِ جُزْءٍ) ش أَيْ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهِ شُفْعَةٌ وَأَمَّا لَوْ كَانَ شَرِيكُهُ أَجْنَبِيًّا لَكَانَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ فَأَحْرَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ

فرع قال الشفيع بعد الشراء اشهدوا أنى أخذت بشفعتي ثم رجع

فِي الْأُولَى [فَرْعٌ قَالَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ اشْهَدُوا أَنَّى أَخَذَتْ بِشُفْعَتِي ثُمَّ رَجَعَ] ص (بِمِثْلِ الثَّمَنِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ: اشْهَدُوا أَنِّي أَخَذْتُ بِشُفْعَتِي ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ عَلِمَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْأَخْذِ لَزِمَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ عِلْمِ الثَّمَنِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: تَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ جَائِزٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَخْذِ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ بِالثَّمَنِ فَقِيلَ: جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ: بَدَا لِي فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ إنْ أَحَبَّ فَجَعَلَهُ بِالْخِيَارِ فِي التَّمَسُّكِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ فَاسِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ وَمَجْبُورٌ عَلَى رَدِّهِ، انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا فِي النَّوَادِرِ إذَا تَشَاهَدَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَكَتَمَا الثَّمَنَ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الثَّمَنُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي اللُّبَابِ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا شُفْعَةَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى أُخْتِهِ بِسَهْمٍ فِي أَرْضٍ عِوَضًا عَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْ مُوَرِّثِهَا مِمَّا لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْبَيَانِ فِي رَسْمِ شَهِدَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْجَهْلَ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ لِطُولِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَسْقُطُ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ لَا إنْ غَابَ أَوْ لَا. [فَرْعٌ بَاعَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ شِقْصًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَالشَّفِيعُ مُسْلِمٌ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَاخْتُلِفَ إذَا بَاعَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ شِقْصًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَالشَّفِيعُ مُسْلِمٌ فَقِيلَ: إنَّهُ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ لِلْخَمْرِ قِيمَةً وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمُسْلِمِ يَسْتَهْلِكُ الْخَمْرَ لِلنَّصْرَانِيِّ إنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فَإِذَا دَفَعَهَا بِطَوْعِهِ فَأَحْرَى أَنْ لَا تَكُونَ لَهَا قِيمَةٌ وَقِيلَ: يَأْخُذُ قِيمَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَشْبَهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَضْمَنُ لِلنَّصْرَانِيِّ فَأَشْبَهَ شِرَاءَ الشِّقْصِ بِعَرَضٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ. [فَرْعٌ مَا بِيعَ بِعَيْنٍ فَدُفِعَ عَنْهُ عَرْضٌ وَعَكْسُهُ] (فَرْعٌ) وَمَا بِيعَ بِعَيْنٍ فَدُفِعَ عَنْهُ عَرْضٌ وَعَكْسُهُ فِي الشُّفْعَةِ فِيهِ بِمَا دُفِعَ أَوْ بِمَا عُقِدَ بِهِ ثَالِثُهَا هَذَا أَحَبُّ. الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ مَعَ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُهُ وَرَابِعُهَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِمَا عُقِدَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ذَهَبًا عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ فِيمَا دُفِعَ كَالْمُرَابَحَةِ وَخَامِسُهَا لِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا. (قُلْت) هُوَ نَحْوُ قَوْلِهَا فِي الْمُرَابَحَةِ، انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ [فَرْعٌ ابْتَاعَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِعَرْضٍ فَاخْتَلَفَ الْمُبْتَاعُ مَعَ الشَّفِيعِ فِي قِيمَتِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِعَرْضٍ فَاخْتَلَفَ الْمُبْتَاعُ مَعَ الشَّفِيعِ فِي قِيمَتِهِ وَقَدْ فَاتَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ أَوْ لَمْ يَفُتْ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ لَا الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا صُدِّقَ الْمُبْتَاعُ مَعَ يَمِينِهِ فِي قِيمَتِهِ فَإِنْ جَاءَ بِمَا لَا يُشْبِهُ صُدِّقَ الشَّفِيعُ فِيمَا يُشْبِهُ فَإِنْ جَاءَ بِمَا لَا يُشْبِهُ وَصَفَهُ الْمُبْتَاعُ وَحَلَفَ عَلَى صِفَتِهِ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ تِلْكَ الصِّفَةِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ أَوْ تَرَكَ فَإِنْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ حَلَفَ الشَّفِيعُ عَلَى مَا يَصِفُ هُوَ وَأَخَذَهُ بِقِيمَةِ صَفْقَتِهِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ غَرِمَ قِيمَتَهُ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ اشْتَرَى بِعَبْدٍ فَلَمْ يَجِدْهُ الشَّفِيعُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ كِتَابَ الشُّفْعَةِ مِنْ النَّوَادِرِ. ص (أَوْ قِيمَتَهُ) ش أَيْ قِيمَةَ الثَّمَنِ إذَا كَانَ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ. (فَرْعٌ) وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ لَا يَوْمَ الْقِيَامِ فِي ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ. ص (وَأُجْرَةُ دَلَّالٍ وَعَقْدُ شِرَاءٍ

فرع اشترى شقصا فصالح أحد الشفعاء على تسليم الشفعة في مغيب شركائه ثم قدموا وأخذوا شفعتهم

وَفِي الْمَكْسِ تَرَدُّدٌ) ش: (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي اللُّبَاب: إذَا زَادَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ شَيْئًا بَعْدَ الْبَيْعِ فَفِي لُزُومِ ذَلِكَ لِلشَّفِيعِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ، فَقَالَ الْمُبْتَاعُ: إنَّمَا زِدْتُهُ فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَرْجِعُ، انْتَهَى. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ اللُّزُومِ. [فَرْعٌ اشْتَرَى شِقْصًا فَصَالَحَ أَحَدَ الشُّفَعَاءِ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَة فِي مَغِيبِ شُرَكَائِهِ ثُمَّ قَدِمُوا وَأَخَذُوا شُفْعَتَهُمْ] (فَرْعٌ) مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا فَصَالَحَ أَحَدَ الشُّفَعَاءِ عَلَى تَسْلِيمِ شُفْعَةٍ فِي مَغِيبِ شُرَكَائِهِ ثُمَّ قَدِمُوا وَأَخَذُوا شُفْعَتَهُمْ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمَصَالِحِ بِشَيْءٍ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ قِيمَةُ الشِّقْصِ فِي كَخُلْعٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَكَحَ أَوْ صَالَحَ أَوْ خَالَعَ عَلَى دَمِ عَمْدٍ عَلَى شِقْصٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ بِقِيمَتِهِ؛ إذْ لَا ثَمَنَ مَعْلُومٌ بِعِوَضِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَقِيمَةُ الشِّقْصِ يَوْمَ الْعَقْدِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَبُو عِمْرَانَ: مَنْ نَكَحَ عَلَى تَفْوِيضٍ فَدَفَعَ لِزَوْجَتِهِ شِقْصًا قَبْلَ بِنَائِهِ شُفِعَ فِيهِ بِقِيمَتِهِ اتِّفَاقًا فَإِنْ دَفَعَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ شُفِعَ فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ اتِّفَاقًا فِيهِمَا، انْتَهَى. وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ النَّصِيبُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ. ص (وَصُلْحِ عَمْدٍ) ش: احْتَرَزَ بِالْعَمْدِ مِنْ الْخَطَإِ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ بِالدِّيَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ أَهْلَ إبِلٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَتْ أَهْلَ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ أَخَذَهُ بِذَهَبٍ وَوَرِقٍ يُنَجَّمُ عَلَى الشَّفِيعِ كَالتَّنَجُّمِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَإِلَى أَجَلِهِ إنْ أَيْسَرَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) فَلَوْ لَمْ يَقُمْ الشَّفِيعُ إلَّا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَهَلْ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ مِثْلُ الْأَجَلِ الَّذِي مَضَى وَيَأْخُذُ بِالنَّقْدِ؟ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِنَا رَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص.

أَوْ بَاعَ قَبْلَ أَخْذِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الشِّقْصَ الَّذِي يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (كَشَجَرٍ وَبِنَاءٍ بِأَرْضِ حَبْسٍ أَوْ مُعِيرٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الشُّفْعَةَ كَمَا تَكُونُ فِي الْعَقَارِ تَكُونُ فِي الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ الْكَائِنَيْنِ بِأَرْضِ حَبْسٍ أَوْ بِأَرْضِ عَارِيَّةٍ. ص (وَقُدِّمَ الْمُعِيرُ بِنَقْضِهِ أَوْ ثَمَنِهِ) ش أَيْ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ نَقْضِهِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا بَنَى رَجُلَانِ فِي عَرْصَةِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ النَّقْضِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ ذَلِكَ

النَّقْضِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِمُدَّةٍ، فَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: إذَا بَاعَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا عَلَى الْبَقَاءِ فَلِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ وَلَا كَلَامَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَإِنْ بَاعَهُ عَلَى النَّقْضِ قُدِّمَ رَبُّ الْأَرْضِ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّفَقَ فِي الْأَحْكَارِ الَّتِي عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنْ تَجِبَ الشُّفْعَةُ فِي الْبِنَاءِ الْقَائِمِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَنَا أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا يُخْرِجُ صَاحِبَ الْبِنَاءِ أَصْلًا فَكَانَ كَمَالِكِ الْأَرْضِ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا، انْتَهَى. ص (وَعَرْصَةٍ وَمَمَرٍّ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ

أَشْرَاكٍ اقْتَسَمُوا بُيُوتَهُ دُونَ مَا لَهَا مِنْ حَقٍّ فِي سَاحَةٍ وَبِئْرٍ وَمَاجِلٍ وَطَرِيقٍ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمْ مَا صَارَ لَهُ مِنْ الْبُيُوتِ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ مِمَّا لَمْ يُقْسَمْ لَمْ يَسْتَشْفِعْ مَا قَسَمَ بِالشِّرْكِ فِيمَا لَمْ يَقْسِمْ وَلَا يَسْتَشْفِعُ السَّاحَةَ وَالْبِئْرَ وَالْمَاجِلِ وَالطَّرِيقَ لِأَجْلِ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَنْفَعَةِ مَا قُسِمَ وَمَصْلَحَتِهِ. وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْبِئْرِ وَالْمَاجِلِ خَاصَّةً كَانَ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَرُدُّوا بَيْعَهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَتَصَرَّفُ إلَى الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةُ مَضَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي تَصَرُّفِهِ مَنْ عِنْدَهُمْ وَجَمَعَ بُيُوتَهُمْ إلَى حَقٍّ آخَرَ وَفَتَحَ لَهَا مِنْ دَارٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ جَازَ وَكَانَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الشُّرَكَاءِ الشُّفْعَةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ وَإِنْ كَانَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ السَّاكِنِ أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ مَنْ لَيْسَ بِسَاكِنٍ وَلَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ وَيَأْخُذُوا بِالشُّفْعَةِ إنْ أَحَبُّوا، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ مِثْلَ الْحَمَّامِ وَالْبِئْرِ وَالطَّرِيقِ وَالْأَرْحِيَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ كَانَ صِفَةُ الْبَيْعِ وَمَوْضِعُ الْفِقْهِ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، انْتَهَى. بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَالْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيَأْخُذُوا بِالشُّفْعَةِ إنْ أَحَبُّوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ مَالِكٌ: إذَا قُسِمَتْ الْبُيُوتُ وَبَقِيَتْ الْعَرْصَةُ فَلِأَحَدِهِمْ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُيُوتِ وَالْعَرْصَةِ وَلَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِهِ فِي الْعَرْصَةِ بِهَا وَلَا فِيهَا، قَالَ أَشْهَبُ: وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ بَيْعُ حِصَّتِهِ مِنْ الْعَرْصَةِ خَاصَّةً إلَّا نَصِيبَهُ مِنْ الْبُيُوتِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَرْصَةُ وَاسِعَةً إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مَلَؤُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا فَيَجُوزُ فَإِنْ أَبَاهُ أَحَدُهُمْ فَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ مِرْفَقًا بَيْنَهُمْ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ لَا شُفْعَةَ فِي النَّهْرِ وَلَا فِي سَبِيلِ الْمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِيهِمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ. ص (وَهِبَةٌ بِلَا ثَوَابٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَعَوَّضَ فِيهِ فَقَبِلَ فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ لِصَدَقَةٍ أَوْ لِصِلَةِ رَحِمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَمَنْ عَوَّضَ مِنْ صَدَقَةٍ وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَلْزَمُنِي فَلْيَرْجِعْ فِي الْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى عِوَضٍ جَازَ وَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَلَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهُ فِي قَبُولِ الثَّوَابِ وَلَا مَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ أَعْتَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَيُرَدُّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا، انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مِنْ دَارِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَمَنْ وَهَبَ شِقْصًا مِنْ دَارِ ابْنِهِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ أَنَّهُ بِغَيْرِ ثَوَابٍ؟ قَالَ فِي الْكَبِيرِ: لَمْ يَحْلِفْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَحْلِفُ مُطْلَقًا الْمُتَيْطِيُّ وَالْقَضَاءُ بِالْأُولَى، انْتَهَى. ص (وَخِيَارٌ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ) ش: قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ إنْ

سَلَّمَهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فِي شِقْصِ بَيْعٍ بِالْخِيَارِ بِعَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَيُرَدُّ الْعَرْضُ وَإِنْ رَضِيَا بِإِمْضَاءِ ذَلِكَ الْعَرْضِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَفْسَخَاهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفَا مَا أَحَبَّا، انْتَهَى. ص (وَسَقَطَتْ إنْ قَاسَمَ إلَخْ) ش: قَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: وَتُبْطِلُ الشُّفْعَةَ مُسَاوَمَةُ الشَّفِيعِ لِلْمُبْتَاعِ وَطَلَبُهُ الْمُقَاوَمَةَ أَوْ الْكِرَاءَ أَوْ الْقِسْمَةَ، انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِإِرَادَةِ ذَلِكَ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا فَعَلَهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ. ص (أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا بَاعَ حِصَّتَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ سَقَطَ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حِصَّةٌ فِي الْعَقَارِ الْمُشْتَرَكِ وَيَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي هَذَا إذَا بَاعَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ؛ إذْ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا بِالْخِيَارِ وَلَهُ شَفِيعٌ فَبَاعَ الشَّفِيعُ شِقْصَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْخِيَارِ بَيْعَ بَتْلٍ فَإِنْ تَمَّ بَيْعُ الْخِيَارِ فَالشُّفْعَةُ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ رُدَّ فَهُوَ لِبَائِعِهِ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا بَاعَ حِصَّتَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ سَقَطَ أَخْذُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْبَيْعِ أَمْ لَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي بَيْعِ الْحِصَّةِ الْمُسْتَشْفَعِ بِهَا قَوْلَانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ غَيْرُ عَالِمٍ فَالشُّفْعَةُ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ عَالِمًا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَفِي الْبَيَانِ: ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ وَإِنْ بَاعَ غَيْرَ عَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ بَاعَ شِقْصًا بِالْخِيَارِ ثُمَّ بَاعَ صَاحِبُهُ بَيْعَ بَتْلٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ لِمُشْتَرِي الْخِيَارِ عَلَى مُشْتَرِي الْبَتْلِ وَلَيْسَتْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ أَمْ لَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى، قَالَ: وَقَالَ أَشْهَبُ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا شُفْعَةَ لَهُ بَعْدَ بَيْعِ نَصِيبِهِ أَوْ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ رَاغِبًا فِي الْبَيْعِ وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ لِلضَّرَرِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ شُفْعَةٌ فَهُوَ قَوْلٌ رَابِعٌ وَنَصَّ ابْنُ مُيَسَّرٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ لَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَبْقَى لَهُ بَقِيَّةٌ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْقَى لَهُ بَقِيَّةٌ يَحْتَمِلُ وَلَهُ الشُّفْعَةُ بِقَدْرِهَا كَأَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَيَحْتَمِلُ فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ فَيَكُونُ قَوْلًا خَامِسًا، قَالَ: وَأَظْهَرُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَالِمًا وَغَيْرَ عَالَمٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَسْقُطُ إذَا بَاعَ بَعْضَ نَصِيبِهِ هَلْ يَسْقُطُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ مَا بَاعَ؟ وَاَلَّذِي أَرَى أَنْ يَسْتَشْفِعَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ بِالْجُزْءِ الْيَسِيرِ فِي الْكَثِيرِ الْبَيْعِ، انْتَهَى. ص (وَإِلَّا سَنَةٌ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. (مَسْأَلَةٌ) مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا وَلَهُ شُفَعَاءُ فِيهِمْ أَقْرَبُ وَأَبْعَدُ فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُوقَفَ الْأَقْرَبُ فَإِمَّا أَخَذَ أَوْ تَرَكَ فَإِذَا قَالَ: أَنَا آخُذُ وَلَمْ يُحْضِرْ نَقْدَهُ أُجِّلَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُفْعَةٌ

وَوَجَبَتْ لِمَنْ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ وَاحِدٌ مِنْ الشُّفَعَاءِ لَا الْأَقْرَبُ وَلَا الْأَبْعَدُ حَتَّى مَضَى أَمَدُ انْقِطَاعِهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمْ جَمِيعًا الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَلَا حُجَّةَ لِلْبَعِيدِ فِي أَنْ يَقُولَ إنَّمَا سَكَتَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمَامِي مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنِّي فَلَمَّا رَأَيْتُ الْأَمَدَ قَدْ تَمَّ لَهُ حِينَئِذٍ طَلَبْتُهَا أَنَا؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَلَى أَنْ يَقُومَ بِشُفْعَتِهِ فَيَأْخُذُهَا إنْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا أَوْ يُوقَفُ عَلَى الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا سَقَطَ لِحَقِّهِ فِيهَا، انْتَهَى. مُخْتَصَرًا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَلَفَ إنْ بَعُدَ) ش هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَإِلَّا سَنَةٌ، وَالْمَعْنَى إذَا قُلْنَا إنَّ الشُّفْعَةَ لِلْحَاضِرِ فِي السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ إذَا كَانَ قِيَامُهُ بَعِيدًا مِنْ الْعَقْدِ وَحَدُّ الْبُعْدِ فِي ذَلِكَ السَّبْعَةُ الْأَشْهُرُ وَمَا بَعْدَهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَلْ يَحْلِفُ إذَا لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ فِي السَّنَةِ؟ نَقَلَ فِي الْكَافِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ قَامَ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ فَلَا يَحْلِفُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلَوْ قَامَ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ السَّبْعَةَ الْأَشْهُرَ وَلَا السَّنَةَ كَثِيرًا أَيْ قَاطِعًا لِحَقِّهِ فِي الشُّفْعَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ تَبَاعَدَ هَكَذَا يَحْلِفُ مَا كَانَ وُقُوفُهُ تَرْكًا لِلشُّفْعَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةٍ لَا شَهْرَيْنِ ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي السَّبْعَةِ الْأَشْهُرِ وَحَمَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي السَّبْعَةِ، انْتَهَى. وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْحَاضِرَ إذَا قَامَ بَعْدَ الْبُعْدِ فِي السَّنَةِ يَحْلِفُ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا عَلِمَ وَغَابَ وَكَانَ يَظُنُّ الْأَوْبَةَ قَبْلَ السَّنَةِ فَعِيقَ وَقُلْنَا إنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ السَّنَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا لِلشُّفْعَةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَحَلَفَ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْأَوْبَةَ قَبْلَهَا فَعِيقَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ إنْ بَعُدَ لَا مَعْنَى لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَصُدِّقَ إنْ أَنْكَرَ عِلْمَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ الْحَاضِرَ إذَا أَنْكَرَ عِلْمَهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؟ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: لَوْ أَنْكَرَ الشَّفِيعُ الْعِلْمَ وَهُوَ حَاضِرٌ فَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ الْمُتَيْطِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَابْن الْمَوَّازِ يُصَدَّقُ وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ وَابْن الْمَوَّازِ وَأَنَّ الْأَرْبَعَةَ كَثِيرَةٌ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا. (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَوْ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ وَادَّعَى جَهْلَ الشُّفْعَةِ، قَالَ: لَا يُصَدَّقُ، قَالَ ابْنُ كَوْثَرٍ: وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَلَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ. ص (لَا إنْ غَابَ أَوْ لَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَالْغَائِبُ فِي شُفْعَتِهِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِالشِّرَاءِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَذَلِكَ أَحْرَى وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: يُنْتَظَرُ إنْ كَانَ غَائِبًا» ، قَالَ أَشْهَبُ: وَقَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالشُّفْعَةِ لِلْغَائِبِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ، قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَقُومَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ مِمَّا يُجْهَلُ فِي مِثْلِهِ أَصْلُ الْبَيْعِ وَيَمُوتُ الشُّهُودُ فَأَرَى الشُّفْعَةَ مُنْقَطِعَةً فَأَمَّا فِي قُرْبِ الْأَمَدِ مِمَّا يَرَى أَنَّ الْمُبْتَاعَ أَخْفَى الثَّمَنَ لِقَطْعِ الشُّفْعَةِ فَلْتُقَوَّمْ الْأَرْضُ عَلَى مَا يَرَى مِنْ ثَمَنِهَا يَوْمَ الْبَيْعِ فَيَأْخُذُهَا بِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ جِدًّا فِيمَا يُجْهَلُ فِي مِثْلِهِ أَصْلُ الْبَيْعِ وَيَمُوتُ الشُّهُودُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ

فرع فيما تنقطع فيه الشفعة

شُفْعَتَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَالَ الْمُبْتَاعُ: نَسِيتُ الثَّمَنَ فَإِنْ مَضَى طُولٌ مِنْ السِّنِينَ مَا يَنْدَرِسُ فِيهِ الْعِلْمُ وَتَمُوتُ الْبَيِّنَةُ وَتَرْتَفِعُ فِيهَا التُّهْمَةُ فَالشُّفْعَةُ سَاقِطَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ غَائِبًا وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَالشُّفْعَةُ قَائِمَةٌ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا جَاءَ الشَّفِيعُ إلَى وَلَدِ الْمُبْتَاعِ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ فَيَحْلِفُ مَا عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ ثُمَّ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ حَيًّا، قَالَ: لَا أَدْرِي بِكَمْ اشْتَرَيْتَ فَيَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ إنْ شَاءَ وَقِيلَ لِلْمُبْتَاعِ: مَتَى أَحْبَبْتَ حَقَّكَ فَخُذْهُ وَإِنْ حَلَفْتَ فَلَكَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَسْلَمْتُهُ إلَى الشَّفِيعِ وَإِنْ قَالَ الشَّفِيعُ: لَا أَقْبِضُهُ لَعَلَّ ثَمَنَهُ كَثِيرٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ الْمُبْتَاعُ مَا يَعْلَمُهُ أَوْ يُسْجَنَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا اخْتَلَفُوا فِي الثَّمَنِ فَجَاءَ الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يُشْبِهُ أَوْ جَهِلُوا الثَّمَنَ اسْتَشْفَعَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ ابْتَاعَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: نَسِيتُ الثَّمَنَ وَطَالَ السُّنُونَ مِمَّا يُنْسَى فِيهِ الثَّمَنُ أَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ الْوَرَثَةُ: لَا عِلْمَ عِنْدَنَا وَكَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَنَقَلَ كَلَامَ النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمَ بِرُمَّتِهِ وَلَفْظِهِ وَزَادَ بَعْدَهُ فَأَسْقَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشُّفْعَةَ إنْ طَالَ السُّنُونَ وَأَثْبَتَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ الْيَوْمَ؟ وَالْقَوْلُ أَنْ لَا شُفْعَةَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ كَانَتْ لِتَغْلِيبِ أَحَدِ الضَّرَرَيْنِ أَنْ يَعُودَ إلَى هَذَا ثَمَنُهُ وَيَشْفَعُ الْآخَرُ بِدَفْعِ مَضَرَّةِ الشَّرِيكِ وَإِذَا جَهِلَ الثَّمَنَ وَأَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ بِأَقَلَّ مِمَّا كَانَ بِهِ وَذَلِكَ ظُلْمٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَمِمَّا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ أَنْ يَنْسَيَا الثَّمَنَ أَوْ يَجْهَلَاهُ وَإِنْ بِمَوْتِ الشُّهُودِ، قَالَ: وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَقَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَبِجَهْلِهِ الثَّمَنَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَمَوْتِ الشُّهُودِ يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ وَإِنْ قَرُبَ وَاتَّهَمَ الْبَائِعَ بِإِخْفَاءِ الثَّمَنِ شَفَعَ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَالنَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا تَجَاهَلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْأَمَدِ الْقَرِيبِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الشِّقْصُ بِقِيمَتِهِ إلَّا أَنَّ فِي النَّوَادِرِ لَمْ يَقُلْ يَوْمَ الْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ، فَقَالَ: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ ابْتَاعَهُ الْمُبْتَاعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ فِيمَا تَنْقَطِعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُمَا فِيهِ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ مَعَ الدَّارِ فِيمَا تَنْقَطِعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَلَا حُجَّةَ لِلشَّفِيعِ أَنَّهُ لَا يَنْقُدُ حَتَّى يَقْبِضَهَا لِجَوَازِ النَّقْدِ فِي الرُّبْعِ الْغَائِبِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ بِمَوْضِعِ الشِّقْصِ ثُمَّ سَافَرَا جَمِيعًا فِي مَوْضِعٍ أَوْ فِي مَدِينَةٍ وَالشَّفِيعُ عَالِمٌ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى حُضُورِ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْبَةِ الدَّارِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا وَيُقْضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُبْتَاعِ كَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ عَلَى حُجَّتِهِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا إذَا رُفِعَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي وَهَلْ تَسْقُطُ إذَا لَمْ يُرْفَعْ أَوْ لَا تَسْقُطْ ابْنُ يُونُسَ لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ شُفْعَتَهُ وَالْمُبْتَاعُ غَائِبٌ وَلَا وَكِيلَ لَهُ حَاضِرٌ فَذَلِكَ لَهُ وَيُوَكِّلُ السُّلْطَانُ مَنْ يَقْبِضُ الثَّمَنَ لِلْغَائِبِ قِيلَ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ فَكَيْفَ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الشُّفْعَةِ إذَا طَالَ زَمَانُ ذَلِكَ قَبْلَ أَخْذِهِ لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ فِي اسْتِثْقَالِ اخْتِلَافِ النَّاسِ إلَى الْقُضَاةِ وَرُبَّمَا تَرَكَ الْمَرْءُ حَقَّهُ إلَّا بِالسُّلْطَانِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ مَسْأَلَةَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي الشُّفْعَةِ وَإِنْ طَالَ فِيهَا فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ، وَقَالَ فِيهَا إنْ كَانَ لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ يَقْبِضُ مَا يَجِبُ قَبْضُهُ أَسْلَمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: تَقْدِيرُهُ وَمَنْ اشْتَرَى لِرَجُلٍ غَائِبٍ شِقْصًا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ وَأَمَّا مَا قَرُبَ وَلَا مُؤْنَةَ فِي الشُّخُوصِ مِنْهُ عَلَى الشَّفِيعِ فَهُوَ فِيهِ كَالْحَاضِرِ

وَنَصَّ عَلَيْهِ أَشْهَبُ، انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَرِيضِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ عَلِمَ بِالشُّفْعَةِ وَقِيلَ: كَالْحَاضِرِ. نَقَلَهُمَا ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ. ص (أَوْ أَسْقَطَ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ بِلَا نَظَرٍ) ش: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَسْقُطُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ، قَالَ فِيهَا وَلَوْ أُسْلِمَ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ سُلْطَانٍ شُفْعَةَ الصَّبِيِّ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا قِيَامَ لَهُ إنْ كَبِرَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ نَظَرًا فَيَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَخْذُ نَظَرًا أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الشُّفْعَةُ اسْتِحْقَاقٌ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ؟ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَلَمْ يَأْخُذْ لَهُ شُفْعَةً وَلَمْ يَتْرُكْ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَا شُفْعَةَ لِلصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُ بِمَنْزِلَتِهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ هَذَا وَهَذَا وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي سُكُوتِ الْوَصِيِّ قَوْلَيْنِ الشَّيْخُ وَمَقْدِمُ الْقَاضِي أَحْرَى أَنْ يَدْخُلَهُ الْخِلَافُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: سُكُوتُ الْقَاضِي وَمَقْدِمُ الْقَاضِي سَنَةً يُسْقِطُ شُفْعَةَ الصَّبِيِّ. اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: وَلَا يَأْخُذُ الْوَصِيُّ لِلْحَمْلِ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُولَدَ وَيُسْتَهَلَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَفَعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ أَوْ الْأَبَ إذَا بَاعَ شِقْصًا مِنْ وِلَايَتِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ شَرِيكُهُ أَوْ يَأْخُذَ لِيَتِيمٍ آخَرَ فِي حِجْرِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ شِقْصًا أَوْ يَشْتَرِيهِ وَالْوَكِيلُ شَفِيعُهُ فَفَعَلَ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ شُفْعَتَهُ، انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ فَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ إذَا بَاعَ الْأَبُ شِقْصَ ابْنِهِ مِنْ دَارٍ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ، فَقَالَ: إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلٍ وَوَلَدِهِ فَبَاعَ الْأَبُ نَصِيبَ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ نَصِيبَهُ لِوَلَدِهِ وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَ وَلَدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ لِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَكُونُ شَرِيكًا لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ إنْ بَاعَ نَصِيبَ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَ الصَّغِيرِ بِبَخْسٍ لِيَسْتَشْفِعَ أَوْ يُوَاطِئَ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ بِغَلَاءٍ لِيَأْخُذَهُ لَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَأَخَذَ مِنْ غَيْرِ مُطَالَعَةِ السُّلْطَانِ رُفِعَ إلَيْهِ فَإِنْ رَآهُ سَدَادًا أَمْضَاهُ وَإِنْ وَجَدَ تُهْمَةً رَدَّهُ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ صَحَّ مِنْ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ أَرْبَعَةٌ بَيْعُهُمْ إسْقَاطٌ لِشُفْعَتِهِمْ الْأَبُ يَبِيعُ حِصَّةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ دَارٍ شِرْكَةً بَيْنَهُمَا، وَالْوَصِيُّ يَبِيعُ حِصَّةَ مَحْجُورِهِ، وَأَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، وَالْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِ شِقْصٍ هُوَ شَفِيعُهُ. فَهَؤُلَاءِ لَا شُفْعَةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيمٌ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَقِيلَ فِي الْوَكِيلِ: لَهُ الشُّفْعَةُ اُنْظُرْ الْخِصَالَ وَمَا حَكَاهُ ابْنُ زَرْبٍ خِلَافٌ لِلْكِتَابِ إلَّا فِي أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فِيمَا سَيَأْتِي لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فِيمَا بَاعَ الْآخَرُ شُفْعَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِلْوَصِيِّ عَلَى يَتِيمَيْنِ إذَا بَاعَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَتِيمِهِ الْآخَرِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا لَكِنْ يَدْخُلُ مَعَهُ نَظَرُ الْقَاضِي إنْ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ؛ إذْ يُتَّهَمُ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَ يَتِيمِهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ لِيَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ نَصِيبَ نَفْسِهِ وَأَرَادَ أَخْذَهُ لِيَتِيمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَظَرِ الْقَاضِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يُبَاعُ عَقَارُ الْيَتِيمِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ هُنَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشِّقْصُ الْمُبَاعُ لِلْيَتِيمِ لَا يَقِلُّ ثَمَنُهُ إذَا بِيعَ مُنْفَرِدًا عَمَّا لَوْ بِيعَ الْجَمِيعُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ وَهُوَ الْغَالِبُ إذَا بِيعَ الْجَمِيعُ كَانَ ذَلِكَ أَوْفَرَ لِنَصِيبِ الْيَتِيمِ يُبَاعُ الْجَمِيعُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ وَكَّلَ رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ شِقْصًا أَوْ يَشْتَرِيهِ وَالْوَكِيلُ شَفِيعُهُ فَفَعَلَ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ شُفْعَتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَحَلَفَ وَأَقَرَّ بِهِ بَائِعُهُ) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي

فرع إذا باع بعض حصته لم يأخذ مع الشريك بالشفعة

الشِّرَاءَ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَتَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عُهْدَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةُ: وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْتَاعَ هَذَا الشِّقْصَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَقَامَ الشَّفِيعُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بِإِقْرَارِ هَذَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إذَا قَدِمَ وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ أَنْ يَأْخُذَ دَارِهِ وَيَرْجِعَ عَلَى مُدَّعِي الشِّرَاءِ بِكِرَاءٍ مَا سَكَنَ فَإِذَا قَضَى بِهَذَا قَاضٍ لِلشَّفِيعِ بِإِقْرَارِ هَذَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْغَائِبُ بِذَلِكَ وَلَا عَلَى مُدَّعِي الشِّرَاءِ فَيَبْطُلُ مِنْ الْغَائِبِ مِنْ الْغَلَّةِ بِلَا بَيِّنَةٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ. [فَرْعٌ إذَا بَاعَ بَعْضٌ حِصَّتَهُ لَمْ يَأْخُذْ مَعَ الشَّرِيكِ بِالشُّفْعَةِ] ص (وَهِيَ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ) ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ أَوَّلَ كِتَابِ الشُّفْعَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا بَاعَ بَعْضٌ حِصَّتَهُ لَمْ يَأْخُذْ مَعَ الشَّرِيكِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ رَغْبَةٌ فِي الْبَيْعِ وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ لِلضَّرَرِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ السُّلْطَانُ بَعْضَ نَصِيبِهِ فِي دَيْنٍ وَهُوَ غَائِبٌ ثُمَّ قَدِمَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ بَاعَ شِقْصَهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ ثَانٍ فَلَعَلَّهُ يَرْضَى بِالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا بَاعَ بَعْضَ حِصَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ. ص (وَتَرَكَ لِلشَّفِيعِ حِصَّتَهُ) ش اُنْظُرْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ. ص (وَطُولِبَ بِالْأَخْذِ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ لَا قَبْلَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ يُطَالَبُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَرْكِ الْأَخْذِ بِهَا بَعْدَ اشْتِرَاءِ الْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ لَا قَبْلَهُ وَالْمَطَالِبُ لَهُ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ فِي تَأْخِيرِهِ عَدَمُ الْأَخْذِ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ دُونَ إعْلَامِ الشَّفِيعِ وَلَا لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ دُونَ عِلْمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ.» هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِرْشَادِ إلَى الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ لَزِمَ الْبَائِعَ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ لَكِنَّهُ أَجَازَهُ وَصَحَّحَهُ وَلَمْ يَذُمَّ الْفَاعِلَ فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيِّ: هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَلَى النَّدْبِ إلَى إعْلَامِهِ وَكَرَاهَةِ بَيْعِهِ قَبْلَ إعْلَامِهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِتَحْرِيمٍ وَيَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا وَيَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ وَيَكُونُ الْحَلَالُ بِمَعْنَى الْمُبَاحِ وَهُوَ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْمَكْرُوهُ لَيْسَ بِمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ رَاجِحُ التَّرْكِ، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ إحْرَامِ مَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ أَنْ يُحْرِمَ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْضَى أَوْ يَمْنَعَ وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَبِيعَ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَطْرُدَ الْمُبْتَاعَ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ حَقٌّ لِلشَّرِيكِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْفَعَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِيمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ أَمَةٌ مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ ابْتَاعَهَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لِمُسْلِمٍ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَعْرِضَهَا عَلَيْهِ أَقَامَ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا فِيهِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ شُفَعَاءَ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ حَتَّى يَعْلَمَ الشَّفِيعُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ وَأَمَّا إنْ عَلِمَ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيفِهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ كَلَامَ ابْنِ مُحْرِزٍ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ وَعِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَكَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ جَارِيَةٌ أَوْ غَيْرُهَا فِي آخِرِ الْبَابِ. ص (وَلَمْ يَلْزَمْهُ إسْقَاطُهُ) ش:

فرع تنازع الورثة في حصصهم وادعاء بعضهم الشراء

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ لِلْمُبْتَاعِ قَبْلَ الشِّرَاءِ: اشْتَرِ فَقَدْ أَسْلَمْت لَكَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَلَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بَطَلَ وَرَدَّ الْمَالَ وَكَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ، انْتَهَى. ص (وَالثَّمَنُ لِمُعْطَاهُ إنْ عَلِمَ شَفِيعَهُ) ش: يَعْنِي إنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا وَمَفْهُومُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالثَّمَنُ لَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُتَصَدِّقُ وَاعْتَرَفَتْ الْجَارِيَةُ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لِوَرَثَةِ الْمُتَصَدِّقِ لَا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَشَبَّهَهُمَا بِمَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ، فَقَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ؟ وَفِي الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَلَكَ بِحُكْمٍ أَوْ دَفْعِ ثَمَنٍ أَوْ إشْهَادٍ) ش: اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ غَازِيٍّ الَّذِي أُتِيَ بِهِ هُنَا فَإِنَّهُ جَيِّدٌ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ الْآخِذُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ لَهُ الْأَخْذُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ وُجُودُ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَالسَّبَبِ نَفْسُ الْبَيْعِ وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا خَمْسَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ وَأَنْ يُخْرِجَهُ الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِهِ بِمُعَاوَضَةٍ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ صَحِيحًا؛ إذْ لَا يُشْفَعُ فِي الْفَاسِدِ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ وَأَنْ يَكُونَ لَازِمًا فَلَا شُفْعَةَ فِي الْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ لُزُومِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ سَابِقًا عَلَى الْبَيْعِ فَلَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَأَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَشْفَعَ لِيَمْلِكَ لَا لِيَبِيعَ، الثَّانِي: بَقَاءُ الْحِصَّةِ الَّتِي يَسْتَشْفِعُ بِهَا، الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَا شُفْعَةَ وَقَدْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى أُخْتِهِ بِسَهْمِهِ فِي أَرْضٍ عِوَضًا عَمَّا ذَكَرَهُ أَنَّهُ أَصَابَ مِنْ مُوَرِّثِهَا مِمَّا لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ ثَابِتًا إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُبْتَاعُ وَأَقَرَّ الْبَائِعُ وَالشِّقْصُ بِيَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الشِّقْصُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَأَمَّا الْمَانِعُ فَهُوَ التَّصْرِيحُ بِالْإِسْقَاطِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ بِيَدِهِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لَهُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ تُنَازِع الْوَرَثَة فِي حِصَصهمْ وادعاء بَعْضهمْ الشِّرَاء] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: تَنَازَعَ بَنُو حَفْصٍ فِي الْعَرْصَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَدَعَتْ أَمِيرَةُ إلَى الْقَسْمِ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَتْ مَوْتَ حَفْصٍ وَوِرَاثَتَهُ وَمِلْكَهُ لِلْعَرْصَةِ وَأَنَّهُ أَوْرَثَهَا وَرَثَتَهُ وَادَّعَتْ أَنَّ آمِنَةَ اشْتَرَتْ حِصَّةَ أَخِيهَا عَبْدِ الْحَمِيدِ فَطَلَبَتْ الشُّفْعَةَ وَأَنْكَرَ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَآمِنَةُ التَّبَايُعَ، قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ: الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أُخْتِهِ آمِنَةَ فَإِذَا حَلَفَ وَجَبَ الْقَسْمُ وَسَقَطَتْ دَعْوَى الشُّفْعَةِ وَإِنْ نَكَلَ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ حَتَّى تَحْلِفَ آمِنَةُ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَرِ فَإِذَا حَلَفَتْ سَقَطَتْ أَيْضًا الشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ نَكَلَتْ مَعَ نُكُولِ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَلَفَتْ أَمِيرَةُ أَنَّهُمَا تَبَايَعَا بِثَمَنِ كَذَا فَإِذَا حَلَفَتْ وَجَبَ لَهَا الشُّفْعَةُ، وَقَالَ أَيُّوبَ لَا يَمِينَ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ وَلَا عَلَى آمِنَةَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ الْبَيْعَ قَالَ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ: إنَّكَ قَدْ بِعْتَ مِنْ آمِنَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: لَمْ أَبِعْ وَلَكِنْ وَهَبْتُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَالَتْ آمِنَةُ: لَمْ أَبْتَعْ وَلَمْ أَهَبْ فَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَأْتِيَ بِسَبَبِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَتَجِبُ الْيَمِينُ؛ وَلِأَنَّ

الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا التَّبَايُعَ قَدْ تَنَافَيَا وَتَنَاكَرَا مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا فَهَذَا أَبْعَدُ فِي إيجَابِ الْيَمِينِ، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ لُبَابَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، قَالَ الْقَاضِي: كَذَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ بِتَكْرَارِ ابْنِ لُبَابَةَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ جَوَابِهِ الْأَوَّلِ خَطَأً وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَشْفَعَ مِنْهُ إذَا أَنْكَرَ الِابْتِيَاعَ وَالْهِبَةَ وَانْتَفَى مِنْ مِلْكِ الشِّقْصِ الْمُسْتَشْفَعِ فِيهِ سَقَطَ بِطَلَبِ الشَّفِيعِ، انْتَهَى. وَجَوَابُ ابْنِ لُبَابَةَ الْأَوَّلُ وَاضِحٌ؛ إذْ قَدْ يَكُونُ لَهُمَا غَرَضٌ فِي إنْكَارِ الْبَيْعِ كَجَعْلِهِمَا حِيلَةً تَسْقُطُ بِهَا الشُّفْعَةُ فِي رَأْيِ بَعْضِ الْقُضَاةِ فَأَنْكَرَ الْبَيْعَ لِيَسْتَحْكِمَا حَاكِمًا يَرَى سُقُوطَ الشُّفْعَةِ بِتِلْكَ الْحِيلَةِ وَطَلَبَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ لَا يَرَى تِلْكَ الْحِيلَةَ مُسْقِطَةً وَلَوْ خَطَرَ هَذَا لِابْنِ سَهْلٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي لُزُومِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي بِلَادِهِمْ وَوَقْتِهِمْ بِدَلِيلِ مَا حَكَى بَعْدَهَا وَنَصُّهُ: يَلْزَمُ وَكِيلَ ابْنِ مَالِكٍ وَزَوْجَتِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ ثَانٍ عَلَى تَوْكِيلِهِمَا إيَّاهُ وَيَضْرِبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجَلَ يَوْمَيْنِ فَإِنْ جَاءَ بِالشَّاهِدِ الثَّانِي ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ فِي إثْبَاتِ الِابْتِيَاعِ الَّذِي طَلَبَ بِهِ الشُّفْعَةَ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى الْبَائِعِ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ لَزِمَهُ قِيمَةُ الدَّارِ عَلَى عَدَدِ وَرَثَةِ حَفْصٍ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لِمَا تَبَايَعَا وَلَهُمَا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى زَوْجَةِ ابْنِ مَالِكٍ، قَالَهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَأَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيدٍ، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ جَوَابَهُمْ فِيهَا خِلَافُ جَوَابِهِمْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِيهَا مَعْنًى لَمْ يَظْهَرْ فِي حِكَايَتِهَا أَوْجَبَ هَذَا الْجَوَابَ، انْتَهَى. وَقَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُوجِبُ الْيَمِينَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا كَسَاعَةٍ) ش: يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ نَظَرَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ لَا لِقَوْلِهِ إنْ قَصَدَ ارْتِيَاءً. ص. (وَإِنْ اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ إلَخْ) ش: مَفْهُومُ قَوْلِهِ اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ أَنَّهَا لَوْ تَعَدَّدَتْ لَكَانَ خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى حَظَّ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ مِنْ دَارٍ فِي ثَلَاثِ صَفَقَاتٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ أَوْ يَأْخُذَ أَيَّ صَفْقَةٍ شَاءَ فَإِنْ أَخَذَ الْأُولَى لَمْ يَشْفَعْ مَعَهُ فِيهَا الْمُبْتَاعُ وَإِنْ أَخَذَ الثَّانِيَةَ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ مَعَهُ الشُّفْعَةُ بِقَدْرِ صَفْقَتِهِ الْأُولَى فَقَطْ وَإِنْ أَخَذَ الثَّالِثَةَ خَاصَّةً شَفَعَ فِيهَا بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَعَدُّدُ الصَّفَقَاتِ يُوجِبُ انْفِرَادَ كُلِّ صَفْقَةٍ بِحُكْمِهَا، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَلَوْ تَعَدَّدَ الشَّفِيعُ فَقَطْ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا مِنْ دَارَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، وَشَفِيعُ كُلِّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ

شُفْعَتَهُ فِي الَّتِي هُوَ شَفِيعُهَا دُونَ الْأُخْرَى. أَبُو الْحَسَنِ تَعَدَّدَ هُنَا الشَّفِيعُ وَالصَّفْقَةُ وَاحِدَةٌ وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ وَالْمُبْتَاعُ وَاحِدٌ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يُجْعَلْ لِلْمُبْتَاعِ حُجَّةٌ بِتَبْعِيضِ صَفْقَتِهِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الشِّقْصُ الْمَأْخُوذُ بِالشُّفْعَةِ جُلَّ الصَّفْقَةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا جَرَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) فَلَوْ تَعَدَّدَ الشُّفَعَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَفِي النَّوَادِرِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: مَنْ ابْتَاعَ حَظًّا مِنْ دَارٍ مِنْ رَجُلٍ وَحَظًّا مِنْ حَائِطٍ مِنْ آخَرَ وَشَفِيعُهُمَا وَاحِدٌ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَخْذُ الْجَمِيعِ أَوْ يَتْرُكَ الْجَمِيعَ ابْنَ عَبْدُوسٍ، وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مُحَمَّدٍ وَأَنَا أُنْكِرُ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلَانِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلْيَرُدَّ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ فَيَنْفُذْ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ، قَالَ أَشْهَبُ مُتَّصِلًا بِكَلَامِ عَبْدِ الْمَلِكِ: وَكَذَا إنْ كَانَ الشُّفَعَاءُ جَمَاعَةً فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا النَّخْلَ دُونَ غَيْرِهَا فَإِمَّا أَخَذُوا الْجَمِيعَ أَوْ تَرَكُوا فَإِنْ أَخَذُوا الْجَمِيعَ عَلَى أَنَّ النَّخْلَ لِأَحَدِهِمْ وَلِلْآخَرِ الدُّورُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّ فِي هَذَا تَعَدَّدَ الشُّفَعَاءُ وَاشْتَرَكُوا فِي كُلِّ حِصَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَانَ أَسْقَطَ بَعْضَهُمْ أَوْ غَابَ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ أَوْ غَابَ فَلَيْسَ إلَّا أَخْذُ الْجَمِيعِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَمَّا غَيْبَةُ بَعْضِ الشُّفَعَاءِ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّ الْحُكْمَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ، انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الْإِسْقَاطِ فَمَا قَالَ الشَّيْخُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ تَسْلِيمُ أَحَدِ الشُّفَعَاءِ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَلَيْسَ لِمَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ إلَّا بِقَدْرِ سَهْمِهِ وَلِلْمُبْتَاعِ سَهْمُ مَنْ سَلَّمَ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّرْكِ وَكَرَاهَةِ الْأَخْذِ فَلِلْمُتَمَسِّكِ أَخْذُ جَمِيعِهَا وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ لَيْسَ لِمَنْ لَمْ يَحُزْ إلَّا مُصَابُهُ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَقْيَسُ الْأَقْوَالِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا لَفْظُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ كَلَامِ الْوَقَارِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَصِيبَ التَّارِكِ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا وَابْنُ حَبِيبٍ خَصَّصَ ذَلِكَ بِكَوْنِ التَّرْكِ لِوَجْهِ الْمُشْتَرِي وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لِمَنْ بَقِيَ مُطْلَقًا فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. ص (وَلِمَنْ حَضَرَ حِصَّتُهُ) ش: قَالَ الشَّارِحُ أَيْ فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الْحِصَّةِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ إنْ أَحَبَّ فَيَأْخُذَ بِقَدْرِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ شُفْعَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: أَيْ وَلِمَنْ صَارَ حَاضِرًا بَعْدَ الْغَيْبَةِ وَلَوْ قَالَ: وَلِمَنْ قَدِمَ كَانَ أَبْيَنَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَعْنِي إنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَيْبِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ فَلِمَنْ حَضَرَ حِصَّتُهُ إنْ أَرَادَ فَيَأْخُذُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ كَانَ الشُّفَعَاءُ الْغُيَّبُ جَمَاعَةً وَقَدِمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حِصَّةِ أَشْرَاكِهِ الْغُيَّبِ حَتَّى يَقْدَمُوا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ الْحَاضِرُ إنْ سَاوَتْ حِصَّتُهُ حِصَّةَ الْحَاضِرِ وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا شَرِيكٌ غَائِبٌ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: وَإِنْ كَانَ أَشْرَاكُهُ غُيَّبًا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ دُونَ أَشْرَاكِهِ الْغُيَّبِ حَتَّى يَقْدَمُوا وَلْيَأْخُذْ الْآنَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكْ فَإِنْ تَرَكَ فَلَا حَقَّ لَهُ مَعَ أَصْحَابِهِ إذَا قَدِمُوا وَأَخَذُوا بِالشُّفْعَةِ فَإِذَا قَدِمَ وَاحِدٌ مِمَّنْ غَابَ قِيلَ لَهُ: خُذْ الْجَمِيعَ أَوْ اُتْرُكْ الْجَمِيعَ فَمَنْ قَدِمَ دَخَلَ مَعَهُ فِي الشُّفْعَةِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكٌ غَيْرَهُمَا، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: فَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ وَقَدْ أَخَذَ لِحَاضِرٍ الْجَمِيعَ دَخَلُوا مَعَهُ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ وَإِنْ أَبَى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ فَلِلْآخَرِينَ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ

مِنْ حِصَصِ مَنْ أَخَذَ لَا بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنْ حِصَصِ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ، قَالَا: فَإِنْ أَبَوْا إلَّا وَاحِدًا وَمُصَابُهُ مِثْلُ مُصَابِكَ فَجَمِيعُ مَا أَخَذْتَهُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ فَلَوْ لَمْ يَقْدُمْ إلَّا وَاحِدٌ فَلَيْسَ لَهُ بِقَدْرِ حِصَصِهِ مِنْ حِصَصِ أَصْحَابِهِ وَلَكِنْ يَأْخُذُ نِصْفَ مَا أَخَذْتَ إنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِثْلَ نَصِيبِكَ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَشْهَبَ وَذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْهُ فِي الْعُمْدَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَ ثَالِثٌ كَانَ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ كَتَبَ عُهْدَتَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ عَلَى الشَّفِيعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّانِي، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي؟) ش: هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ الَّذِي اخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ: وَلَيْسَ لَهُمْ أَيْ الشُّفَعَاءِ الْغُيَّبِ أَنْ يَكْتُبُوا ذَلِكَ عَلَيْكُمَا جَمِيعًا، انْتَهَى. أَيْ عَلَى الشَّفِيعِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي. ص (وَهَلْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي كَغَيْرِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَخَذَ مَنْ حَضَرَ مِنْ الشُّفَعَاءِ جَمِيعَ الشُّفْعَةِ ثُمَّ قَدِمَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الْغُيَّبِ وَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ هَلْ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الشَّفِيعِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ إذَا قَدِمَ عَلَى شَرِيكِهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ عُهْدَةَ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، قَالَ أَشْهَبُ: وَإِلَيْهِ يُدْفَعُ الثَّمَنُ إنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي

قَبْضُ الشِّقْصَ وَدَفْعُهُ إلَى الشَّفِيعِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ دَفَعَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي قَبْضُ الشِّقْصِ لِلشَّفِيعِ وَإِنْ شَاءَ الشَّفِيعُ قَبَضَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَعُهْدَتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَإِنْ غَابَ الْمُبْتَاعُ وَلَمْ يَكُنْ ثِقَةً فَأَبَى الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الشِّقْصِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَنْظُرُ فِيهِ السُّلْطَانُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ: إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ كَتَبَ حَتَّى يَقْدَمَ فَيَكْتُبَ عَلَيْهِ الْعُهْدَةَ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِشُفْعَتِهِ وَقُضِيَ لِلْبَائِعِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَهُ أَخَذَهُ الْإِمَامُ مِنْ الشَّفِيعِ فَأَوْقَفَهُ لِلْمُبْتَاعِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْعُهْدَةَ فَإِذَا قَدِمَ أَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. مُحَمَّدٌ وَإِنْ مَاتَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى وَرَثَتِهِ يُرِيدُ فِي تَرِكَتِهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِذَا حُكِمَ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِشُفْعَتِهِ فَأَبَى مَنْ أَخَذَ الثَّمَنَ، قَالَ: يُحْكَمُ بِهَا وَيَكْتُبُ لَهُ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ فَيُوقَفُ لَهُ مِنْ أَمْوَالِهِ وَالشَّفِيعُ مِنْهُ بَرِيءٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْكَلَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَذِي سَهْمٍ عَلَى وَارِثٍ) ش: (تَنْبِيهٌ) أَمَّا الْعُصْبَةُ فَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ شَقِيقًا لِبَعْضٍ، قَالَ فِي أَوَّلِ الشُّفْعَةِ: وَمَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ، اثْنَانِ مِنْهُمْ شَقِيقَانِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ وَتَرَكَ بَيْنَهُمْ دَارًا فَبَاعَ أَحَدُ الشَّقِيقَيْنِ حِصَّتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الشَّقِيقِ وَالْأَخِ لِلْأَبِ سَوَاءٌ؛ إذْ بِالْبُنُوَّةِ وَرِثُوا وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْأَقْعَدِ بِالْبَائِعِ وَلَوْ وُلِدَ وَلَدٌ لِأَحَدِهِمْ ثُمَّ مَاتَ فَبَاعَ بَعْضُ وَلَدِهِ حِصَّتَهُ فَبَقِيَّةُ وَلَدِهِ أَشْفَعُ مِنْ أَعْمَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مُوَرِّثٍ ثَانٍ فَإِذَا سَلَّمُوا فَالشُّفْعَةُ لِأَعْمَامِهِمْ وَإِنْ بَاعَ أَحَدُ الْأَعْمَامِ فَالشُّفْعَةُ لِبَقِيَّةِ الْأَعْمَامِ مَعَ بَنِي أَخِيهِمْ لِدُخُولِهِمْ مَدْخَلَ أَبِيهِمْ وَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَعَصَبَةً فَبَاعَتْ إحْدَى الِابْنَتَيْنِ فَأُخْتُهَا أَشْفَعُ مِنْ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلُ سَهْمٍ فَإِذَا سَلَّمَتْ فَالْعَصَبَةُ أَحَقُّ مِمَّنْ شِرْكُهُمْ بِمِلْكٍ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الْعَصَبَةِ فَالشُّفْعَةُ لِبَقِيَّةِ الْعَصَبَةِ وَالْبَنَاتِ وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ حُكْمُ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ لَيْسَ لَهُمْ فَرْضٌ مُسَمًّى انْتَهَى. ص (وَأَخَذَ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ) ش: هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ أَوْ غَائِبًا وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا عَالِمًا فَإِنَّهُ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ فَصْلٌ: فَإِذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي نَصِيبَهُ وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ عَالِمٌ وَلَمْ يَقُمْ بِرَدِّ الْبَيْعِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَكَانَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ إنْ بِيعَ بَيْعَاتٌ وَهُوَ حَاضِرٌ سَقَطَتْ إلَّا مِنْ بَيْعٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ كَانَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا أَحَبَّ، انْتَهَى. ص (وَعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ) ش: أَيْ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ خَاصَّةً وَإِلَيْهِ يَدْفَعُ الثَّمَنَ كَانَ بَائِعُهُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا وَلَوْ غَابَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ

وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ نَظَرَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ، وَالْبَائِعُ لَهُ مَنْعُ الشِّقْصِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَإِنْ شَاءَ الشَّفِيعُ أَنْ يَنْقُدَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَيَقْبِضُ الشِّقْصَ وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ. ص (وَفِي فَسْخِ عَقْدِ كِرَائِهِ تَرَدُّدٌ) ش: حَاصِلُهُ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْآنَ وَاخْتَلَفَ الطُّليْطِليُّونَ وَالْقُرْطُبِيُّونَ فِي فَسْخِ الْكِرَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ فَالْكِرَاءُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. ص

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ فِيمَا يُشْبِهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُبْتَاعُ فِي الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَا يُشْبِهُ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ عَنْ مِثْلِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ يَرْغَبُ أَحَدُهُمْ فِي الدَّارِ اللَّصِيقَةِ بِدَارِهِ فَيُثَمِّنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِيَمِينٍ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ حَقَّقَ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي الشَّامِلِ بِيَمِينٍ: إنْ حَقَّقَ الشَّفِيعُ لَا إنْ اتَّهَمَهُ وَإِلَّا فَبِدُونِ يَمِينٍ عَلَى الْأَشْهَرِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ. ص (كَكَبِيرٍ يَرْغَبُ فِي مُجَاوِرَتِهِ) ش: هَذَا مِثَالٌ لِمَا أَشْبَهَ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: يَرْغَبُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَمُجَاوِرَتِهِ بِكَسْرِ الْوَاوِ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ يَرْغَبُ أَحَدُهُمْ فِي الدَّارِ الْمُلَاصِقَةِ بِهِ، انْتَهَى. (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ هُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ يُرْغَبُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَمُجَاوَرَتِهِ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَصْدَرُ جَاوَرَ يُجَاوِرُ وَقَدْ جَوَّزَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ: وَإِنَّهُ أَرَادَ يَرْغَبُ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ فِي الدَّارِ الَّتِي تُلَاصِقُ الْمِلْكَ إذَا كَانَ عَادِلًا، قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: وَكَذَلِكَ الشَّرِيكَانِ وَالْجَارُ اللَّصِيقُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ يُرِيدُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَزِيدَهُ فِيهَا، انْتَهَى. ص (فَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَرُدَّ إلَى الْوَسَطِ) ش، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَا إذَا أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ أَنْ يَحْلِفَا جَمِيعًا وَيَأْخُذَ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَالِفِ ابْنُ رُشْدٍ. وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ أَمْكَنَهُ بِنُكُولِهِ مِنْ دَعْوَاهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ أَعْدَلُ الْأَقَاوِيلِ أَنْ تَسْقُطَ الشُّفْعَةُ كَنِسْيَانِ الثَّمَنِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً وَتَكَافَأَتْ فِي الْعَدَالَةِ كَانَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَيُصَدَّقُ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدَيْهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدَيْهِ، وَقَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَخْذَهَا مِنْ يَدَيْهِ بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ ابْتَاعَ أَرْضًا بِزَرْعِهَا الْأَخْضَرِ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهَا فَقَطْ وَاسْتَشْفَعَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ لِبَقَائِهِ بِلَا أَرْضٍ) ش: (تَتِمَّةُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ: وَرَدَّ الْبَائِعُ

مسألة باع أحد الشريكين لنفسه طائفة بعينها

نِصْفَ الثَّمَنِ وَلَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ وَخُيِّرَ الشَّفِيعُ أَوَّلًا بَيْنَ أَنْ يَشْفَعَ أَوْ لَا فَيُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا بِزَرْعِهَا الْأَخْضَرِ فَاسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ خَاصَّةً وَاسْتَشْفَعَ فَالْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ بَاطِلٌ وَيَبْطُلُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ لِانْفِرَادِهِ بِلَا أَرْضٍ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ وَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ وَلِلْمُسْتَحِقِّ نِصْفُ الْأَرْضِ ثُمَّ يَبْدَأُ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ الْبَاقِي فَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ شُفْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَشْفِعْ خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ رَدِّ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الصَّفْقَةِ وَأَخْذِ جَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ مِنْ صَفْقَتِهِ مَا لَهُ بَالٌ وَعَلَيْهِ فِيهِ الضَّرَرُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَنِصْفِ الزَّرْعِ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَشْفَعَ فَالْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ بَاطِلٌ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاسْتَشْفَعَ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الِاسْتِشْفَاعَ شَرْطٌ فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ لِبَقَائِهِ بِلَا أَرْضٍ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَرَدَّ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَرُدُّ نِصْفَ جَمِيعِ ثَمَنِ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ وَلَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ أَيْ لِلْبَائِعِ نِصْفُ الزَّرْعِ الَّذِي فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ الْكِرَاءَ فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْأَرْضِ (قُلْتُ:) وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَخُيِّرَ الشَّفِيعُ أَوَّلًا بَيْنَ أَنْ يَشْفَعَ أَمْ لَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ إنْ أَخَذَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِنْ الْأَرْضِ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ شُفْعَةٌ وَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الزَّرْعَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَنْ يَكُونُ هَذَا النِّصْفُ مِنْ الزَّرْعِ وَذَكَرَ فِي النُّكَتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ فِيهِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِلْبَائِعِ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ جَمِيعُ الزَّرْعِ لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَصَوَّبُوا هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَجَعَلُوا الْأَوَّلَ خَطَأً؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ وَالْأَخْذَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّفِيعِ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ فُضَّ الثَّمَنُ عَلَى نِصْفِ الْأَرْضِ وَنِصْفِ الزَّرْعِ فَانْظُرْهُ وَلَا كِرَاءَ عَلَى الشَّفِيعِ فِي نِصْفِ هَذَا الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَقَدْ بُيِّنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمُشْتَرِي قِطْعَةٍ مِنْ جِنَانٍ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ جِنَانَ الْبَائِعِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى شَبَّهَهَا بِمَسْأَلَةِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهَا لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَا اشْتَرَاهُ لَكِنَّ الْبُطْلَانَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ الْأَخْضَرَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِانْفِرَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَصَلَاحُهُ يُبْسُهُ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ أَرْضٌ يَبْقَى فِيهَا وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِقَلْعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجِنَانِ فَإِنَّ مُوجِبَ الْفَسَادِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَا اشْتَرَاهُ فَالتَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي فَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فَفِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ بَيْعِهِ كَوْنُهُ مُنْتَفِعًا بِهِ وَقَدْ صَارَ غَيْرَ مُنْتَفِعٍ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِنَفْسِهِ طَائِفَةً بِعَيْنِهَا] (مَسْأَلَةٌ)

باب القسمة

قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ: إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِنَفْسِهِ طَائِفَةً بِعَيْنِهَا كَانَ شَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَهَا لِشَرِيكِهِ وَلِلْمُشْتَرِي وَيَبْقَى لَهُ مَا لَمْ يَبِعْ أَوْ يَكُونُ مَا لَمْ يَبِعْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا وَمَا بِيعَ بَيْنَهُمَا وَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَرُدُّ الْبَيْعَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا يَسْتَشْفِعُ أَوْ يَسْتَشْفِعُ أَوْ يَدْعُو إلَى الْمُقَاسَمَةِ فَإِنْ صَارَتْ الطَّائِفَةُ الْمَبِيعَةُ لِلْبَائِعِ مَضَى الْبَيْعُ وَإِنْ صَارَتْ لِلْآخَرِ كَانَ بِالْخِيَارِ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ وَإِنْ صَارَ بَعْضُهَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَبِعْ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ فِيهِ مَضَى الْبَيْعُ وَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ فِي نَصِيبِهِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ فِيمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي رَدَّهُ لِلشَّرِيكِ أَيْسَرَ الطَّائِفَةِ الْمَبِيعَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تُبْقِيَ مَا لَمْ يُبَعْ شَرِكَةً بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَتُشَارِكَنِي فِيمَا بِعْتُهُ وَلَكِنْ نَتَقَاسَمُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ لِي أَوْ لَكَ، فَقِيلَ: لَا مَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْمَبْدَأُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ مَا لَمْ يُبَعْ شَرِكَةً ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا رَضِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَاسَمَةِ فَإِذَا رَضِيَ مَضَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ يَرُدُّهُ وَيَرْجِعَانِ إلَى الْمُقَاسَمَةِ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَانْظُرْهَا فِي أَوَّلِ رَسْمِ، أَوَّلُ عَبْدٍ أَبْتَاعُهُ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ فِي أَوَاخِرِ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ مَسْأَلَةُ مَنْ لَهُ حِصَّةٌ فَبَاعَ جُزْءًا دُونَ حِصَّتِهِ وَسُئِلْتُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَبْتُ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَفِي السُّؤَالِ وَحَكَمَ فِي الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ حَاكِمٌ بِثُبُوتِ الْمَبِيعِ أَوْ بِمُوجِبِهِ فَهَلْ الْحُكْمُ بِذَلِكَ مُقْتَضٍ لِلْحُكْمِ بِالْقِسْمَةِ إذَا ادَّعَاهَا الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي؟ فَأَجَبْتُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِ الْبَيْعِ أَوْ بِمُوجِبِهِ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْقِسْمَةِ] ص (بَابُ الْقِسْمَةِ) ش، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَصْيِيرُ مُشَاعٍ مِنْ مَمْلُوكِ مَالِكَيْنِ مُعَيَّنًا وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ قِرَاضٍ فَيَدْخُلُ قَسْمُ مَا عَلَى مَدِينٍ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا. نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي طَعَامِ سَلَمٍ وَيُخْرِجُ تَعْيِينُ مُعْتِقٍ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَحَدَهُمَا وَتَعْيِينُ مُشْتَرٍ أَحَدَ ثَوْبَيْنِ أَحَدَهُمَا وَتَعْيِينُ مُطْلِقِ عَدَدٍ مُوصًى بِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِمَوْتِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ قَبْلَ تَعَيُّنِهِ بِالْقِسْمَةِ، انْتَهَى. ص (تَهَايُؤٌ) ش: قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَقِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ تُقَالُ بِالنُّونِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَنَّى صَاحِبَهُ بِمَا أَرَادَهُ وَيُقَالُ بِالْبَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِمْتَاعَ بِحَقِّهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَيُقَالُ بِالْيَاءِ تَحْتِيَّةً ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَيَّأَ لِصَاحِبِهِ مَا طَلَبَ مِنْهُ، انْتَهَى. ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ أَيْ الْمُهَايَأَةُ اخْتِصَاصُ شَرِيكٍ بِمُشْتَرِكٍ فِيهِ عَنْ شَرِيكِهِ فِيهَا زَمَنًا مُعَيَّنًا مِنْ مُتَّحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ وَيَجُوزُ فِي نَفْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا فِي غَلَّتِهِ. ص (فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا أَوْ سُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالْإِجَارَةِ) ش: نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ

تنبيه قسمة الحبس

التَّهَايُؤِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ تَكُونُ كَالْإِجَارَةِ لَازِمَةٌ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ مُتَّحِدًا أَوْ يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمُدَّةِ فِيهِمَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي زَمَنٍ كَالْإِجَارَةِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَنٍ لَمْ تَكُنْ كَالْإِجَارَةِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَالْأُولَى يَعْنِي الْمُهَايَأَةَ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ يَأْخُذُهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَغَيْرُ لَازِمَةٍ كَدَارَيْنِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سُكْنَى دَارٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا الْقِسْمُ أَيْ الْمُهَايَأَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُقَاسَمَةُ زَمَانٍ وَمُقَاسَمَةُ أَعْيَانٍ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ فَالْأُولَى إلَى قَوْلِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَقَوْلُهُ أَوْ أَحَدُهُمَا رَاجِعٌ إلَى الدَّارَيْنِ وَقَوْلُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَحْتَمِلُ الصُّورَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهُ إلَى الثَّانِيَةِ وَيُضْمِرُ بَعْدَ الْأُولَى مِثْلَهُ الدَّارَ الْوَاحِدَةَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا قِسْمَةُ زَمَانٍ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّهَا مُقَاسَمَةُ أَعْيَانٍ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ لَازِمَةٍ كَدَارَيْنِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُكْنَى دَارٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُ غَيْرُ لَازِمَةٍ هَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْخِيَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ضَرْبُ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ أَنْ يَنْحَلَّ مَتَى شَاءَ وَلَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا بِالْمِثَالِ الْأَوَّلِ مِنْ مِثَالَيْ الْمُلَازَمَةِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا بَيْتًا مِنْ الدَّارِ مَثَلًا وَيَأْخُذَ الْآخَرُ كَذَلِكَ، انْتَهَى. ص (وَمُرَاضَاةٌ فَكَالْبَيْعِ) ش: هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهَا قِسْمَةَ بَيْعٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهِيَ أَخْذُ بَعْضِهِمْ بَعْضَ مَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَخْذِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ مَا يَعُدُّ لَهُ بِتَرَاضٍ مِلْكًا لِلْجَمِيعِ، انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ، قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَغَيْرِهِ: وَاللَّفْظُ لِلْمُعَيَّنِ فَهَذِهِ لَا يُقْضَى بِهَا عَلَى مَنْ أَبَاهَا وَيُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ حَظَّيْنِ فِي الْقَسْمِ وَبَيْنَ الْأَجْنَاسِ وَالْأَصْنَافِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ خَشْيَ مَا يُدَّخَرُ مِنْ الطَّعَامِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَيُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ إذَا ظَهَرَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَقِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ بِلَا تَعْدِيلٍ وَلَا تَقْوِيمٍ حُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ إلَّا فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ وَهِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ نَحْوُهُ، وَقَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ. ص (وَقُرْعَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهِيَ فِعْلُ مَا يُعَيِّنُ حَظَّ كُلِّ شَرِيكٍ مِمَّا بَيْنَهُمْ مِمَّا يَمْتَنِعُ عِلْمُهُ حِينَ فِعْلِهِ مِنْ الْقِسْمَةِ ثُمَّ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ بَيْعَ الْقُرْعَةِ بَيْعٌ لَا تَمَيُّزٌ، انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ قِسْمَةِ الْحَبْسِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: الْمَقْسُومُ لَهُمْ الشُّرَكَاءُ الْمَالِكُونَ فَلَا يُقْسَمُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ كَالْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ قِسْمَةُ قُرْعَةٍ وَلَا مُرَاضَاةٍ وَلَا يُمْنَعُ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ مُهَايَأَةٍ فِي الْأَزْمَانِ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ دُونَ الشَّجَرِ، انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَسْأَلَةٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: اُخْتُلِفَ فِي قِسْمَةِ الْحَبْسِ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ فَكَرِهَهُ قَوْمٌ وَأَجَازَهُ آخَرُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْأَرْضَ لَا الشَّجَرَ لِنَصِّهِمْ عَلَى مَنْعِ قِسْمَةِ الشَّجَرِ. (قُلْت) هَذِهِ قِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمَ فِي حَدِّ قِسْمَةِ الْمُهَانَاةِ وَالْخِلَافِ فِي قَدْرِهَا ثُمَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: اُخْتُلِفَ فِي قِسْمَةِ الْحَبْسِ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالِاتِّسَاعِ فَكَرِهَهُ قَوْمٌ وَأَجَازَهُ آخَرُونَ فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ وَغَيْرَهُمَا، انْتَهَى. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ قِسْمَةَ الْمُهَايَأَةِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِنْهَا قِسْمَةُ الْحَبْسِ لِلِاغْتِلَالِ فِي جَبْرِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُهُمْ بِوِلَادَةٍ أَوْ نَقَصَ بِمَوْتٍ وَمَنَعَهُ، ثَالِثُهَا: تَجُوزُ بِرِضَاهُمْ لِبَعْضِهِمْ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِمْ فِيمَنْ حَبَسَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ

وَلَدِهِ يُقْسَمُ الْحَبْسُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الظَّوَاهِرِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَسَائِلِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ مُحْتَجًّا بِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا لَا يُقْسَمُ الْحَبْسُ وَغَيْرُهُمْ (قُلْتُ:) عَنْ ابْنِ سَهْلٍ الْأَوَّلُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى وَلِمُحَمَّدِ بْنِ لُبَابَةَ وَابْنِ وَلِيدٍ وَأَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَابْنِ أَيْمَنَ وَالثَّانِي لِابْنِ الْأَعْيَنِ، قَالَ: وَيُفْسَخُ إنْ نَزَلَ وَعَزَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ عَاتٍ، فَقَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ لُبَابَةَ حَمْلُهَا عَلَى الْخِلَافِ غَلَطٌ إنَّمَا حُمِلَ الْقَسْمُ عَلَى ثَمَنِ الْمَنْفَعَةِ وَمَنْعُهُ عَلَى الرُّبْعِ الْمُحْبَسِ نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَسُئِلْتُ عَنْ مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى وَصِيٍّ وَأَيْتَامٍ فَاقْتَضَى رَأْيُ الْوَصِيِّ وَرَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَسْمَ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ فَهَلْ يُقْسَمُ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْتُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقِسْمَةِ الِاسْتِبْدَادُ وَالِاخْتِصَاصُ بِحَيْثُ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ يَفْعَلُ فِيمَا بِيَدِهِ مَا شَاءَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أُرِيدَ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ مُهَايَأَةٍ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ يَسْكُنُ نَاحِيَةً مِنْهُ أَوْ يَسْتَغِلُّهُ مُدَّةً وَكُلَّمَا تَغَيَّرَ عَدَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ تَغَيَّرَتْ الْقِسْمَةُ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: يَجُوزُ إذَا رَضِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعُونَ وَقِيلَ: يُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَفَى قَاسِمٌ لَا مُقَوِّمٌ) ش، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوَاعِدِهِ فِي الصُّوَرِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ رَابِعُهَا الْمُقَوِّمُ لِلسِّلَعِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْغُصُوبَاتِ وَغَيْرِهَا، قَالَ مَالِكٌ: يَكْفِي الْوَاحِدُ بِالتَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيَمِ حَدٌّ كَالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَرُوِيَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: شَبَهُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَشَبَهُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِمَا لَا يَتَنَاهَى كَالْمُتَرْجِمِ وَالْقَائِفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ وَشَبَهُ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ وَالْحَاكِمُ يُنْفِذُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ شَبَهِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: قُوَّةُ مَا يُفْضِي إلَيْهِ هَذَا الْإِخْبَارُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ عُضْوٍ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ ثُمَّ، قَالَ: وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ.

قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي وَاحِدٌ وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ شَبَهُ الْحُكْمِ وَالرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ وَالْأَظْهَرُ شَبَهُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، انْتَهَى. وَفِي الْكِتَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ التَّاجِرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ حَدٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ مِثْلِ الْقِيمَةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ كَتَقْوِيمِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ وَهَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ إلَى النِّصَابِ أَمْ لَا؟ فَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. ثُمَّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَاسِمِ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ كَمَا يُقَلَّدُ الْمُقَوِّمُ لِأَرْشِ الْجِنَايَاتِ لِمَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمُقَوِّمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ أَنَّ الْقَاسِمَ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ، انْتَهَى. فَاكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمُقَوِّمُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْقِيمَةِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهِ جَانِبُ الشَّهَادَةِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْمُقَوِّمِ الْمُقَوِّمُ لِلسِّلَعِ الْمُتْلِفَاتِ وَلِأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُقَوِّمُ لِلسِّلْعَةِ الْمَقْسُومَةِ فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَاسِمَ هُوَ الَّذِي يُقَوِّمُ الْمَقْسُومَ وَيُعْدِلُهُ. (الثَّانِي) ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَأْمُرُ الْحَاكِمُ بِالْقَسْمِ إلَّا مَنْ هُوَ عِنْدَهُ مَأْمُونٌ بَصِيرٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي مَنْصُوبِ الْإِمَامِ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالذُّكُورَةُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ وَعِلْمُهُ بِالْمِسَاحَةِ وَالْحِسَابِ وَالتَّقْوِيمِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مَنْصُوبِ الشُّرَكَاءِ الْعَدَالَةُ وَالْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا مَا يُخَالِفُ هَذَا، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَفَى قَاسِمٌ أَنَّ الْأَوْلَى خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الِاثْنَانِ أَوْلَى مِنْ الْوَاحِدِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا يَأْمُرُ الْقَاضِي بِالْقَسْمِ إلَّا الْمَأْمُونَ الْمَرْضِيَّ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا كَفَى، انْتَهَى. ص (وَأُفْرِدَ كُلُّ نَوْعٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جَمْعُ جِنْسَيْنِ وَلَا نَوْعَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تُقْسَمُ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالسَّهْمِ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلُوا الدُّورَ حَظًّا وَالرَّقِيقَ حَظًّا وَيَسْتَهِمُونَ وَإِنْ اتَّفَقَ قِيَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَطَرٌ وَإِنَّمَا تُقْسَمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ الْبَقَرُ عَلَى حِدَةٍ وَالْغَنَمُ عَلَى حِدَةٍ وَالْعُرُوضُ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ سَهْمٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلُوا دَنَانِيرَ نَاحِيَةً وَمَا قِيمَتُهُ مَا مَاثَلَهَا نَاحِيَةً مِنْ رَبْعٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ يَقْتَرِعُوا وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي بِغَيْرِ قُرْعَةٍ فَجَائِزٌ وَأَمَّا دَارَانِ فِي مَوْضِعٍ وَإِنْ تَفَاضَلَتَا فِي الْبِنَاءِ كَوَاحِدَةٍ جَدِيدَةٍ وَأُخْرَى رَثَّةٍ أَوْ دَارٌ بَعْضُهَا رَثٌّ وَبَاقِيهَا جَدِيدٌ فَذَلِكَ يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْهُ جَدِيدٌ وَدُونَ بِالْقِيَمِ كَقَسْمِ الرَّقِيقِ عَلَى تَفَاوُتِهَا وَكُلُّ صِنْفٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِيعَ عَلَيْهِمْ الْجَمِيعُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ سَهْمٍ فَيَجُوزُ، انْتَهَى. ص (وَجُمِعَ دُورٌ وَأَقْرِحَةٌ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ وَفِي

بَعْضِهَا بِأَوْ وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَالْمُرَادُ أَنَّ الدُّورَ تُجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ وَالْأَقْرِحَةُ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُرِيدُ أَنَّ الدُّورَ تُجْمَعُ مَعَ الْأَقْرِحَةِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُجْمَعُ الدُّورُ الْمُتَقَارِبَةُ الْمَكَانِ الْمُسْتَوِيَةُ نَفَاقًا وَرَغْبَةً مَهْمَا دَعَا إلَيْهِ أَحَدُهُمْ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ بِالْقُرَى وَالْحَوَائِطِ، وَالْأَقْرِحَةُ يُجْمَعُ مَا تَقَارَبَ مَكَانُهُ كَالْمِيلِ وَنَحْوِهِ وَتَسَاوَى فِي كَرْمِهِ وَعُيُونِهِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يُرِيدُ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ قُرًى وَحَوَائِطَ وَأَقْرِحَةٍ تُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ وَلَكِنْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ يُجْمَعُ، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ الدُّورُ مَعَ الْحَوَائِطِ وَلَا الْحَوَائِطُ مَعَ الْأَرْضِينَ وَلَا الدُّورُ مَعَ الْأَرْضِينَ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ عَلَى شُرُوطٍ يَذْكُرُهَا، انْتَهَى. وَالْأَقْرِحَةُ جَمْعُ قَرَاحٍ بِفَتْحِ الْقَافِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: هِيَ الْفَدَادِينُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَقْرِحَةُ هِيَ الْمَزَارِعُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا شَجَرٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ كَتُفَّاحٍ إنْ احْتَمَلَ) ش: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْفَوَاكِهِ كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ إذَا كَانَ يَحْمِلُ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ يُرِيدُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي حَائِطٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا فِي كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْحَائِطَ إذَا كَانَ فِيهِ أَشْجَارُ الْفَوَاكِهِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بِالْقِيمَةِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ ذَاتُ دُورٍ وَأَرْضٍ بَيْضَاءَ وَشَجَرٍ فَلْيُقَسِّمُوا الْأَرْضَ وَالدُّورَ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَأَمَّا الْأَشْجَارُ فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً مِثْلَ تُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَأُتْرُجٍّ وَغَيْرِهَا وَكُلُّهَا فِي جِنَانٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ كُلُّهُ مُجْتَمِعًا بِالْقِيمَةِ كَالْحَائِطِ يَكُونُ فِيهِ الْبَرْنِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ وَالْعَجْوَةُ وَالْجُعْرُورُ وَأَصْنَافُ التَّمْرِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْقِيمَةِ وَيُجْمَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَظُّهُ مِنْ الْحَائِطِ فِي مَوْضِعٍ فَإِنْ كَانَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ تُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَغَيْرِهِ

فِي جِنَانٍ عَلَى حِدَةٍ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ كُلُّ جِنَانٍ عَلَى حِدَتِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ انْقَسَمَ، انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْقُطْنِيَّةِ وَأَنَّهَا أَصْنَافٌ أَنَّهَا لَا تُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقُطْنِيَّةٌ وَمِنْهَا كُرْسُفَةٌ. ص (أَوْ أَرْضٍ بِشَجَرٍ مُفْتَرِقَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَ فِيهَا شَجَرٌ مُفْتَرِقَةٌ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الْأَرْضُ مَعَ الشَّجَرِ جَمِيعًا وَلَوْ أَفْرَدْنَا قِسْمَةَ الْأُصُولِ وَقَعَتْ أُصُولُ الرَّجُلِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، انْتَهَى. ص (وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ اقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْخِيَارَ أَيَّامًا يَجُوزُ مِثْلُهَا فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ فَجَائِزٌ وَلَيْسَ لِمَنْ لَا خِيَارَ لَهُ مِنْهَا رَدٌّ وَذَلِكَ لِمُشْتَرِطِهِ وَإِذَا بَنَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ هَدَمَ أَوْ سَاوَمَ الْجَمِيعَ فَذَلِكَ رِضًا كَالْبُيُوعِ، انْتَهَى. ص (وَغَرَسَ أُخْرَى إنْ انْقَلَعَتْ) ش: قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إنْ سَقَطَتْ الشَّجَرَةُ وَنَبَتَتْ فِيهَا خُلُوفٌ فَالْخُلُوفُ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ ابْنُ رُشْدٍ. مَعْنَاهُ إذَا نَبَتَتْ فِي مَوَاضِعِ الشَّجَرَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَلَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لِقَدْرِ ذَلِكَ حَدٌّ مَعْلُومٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الشَّجَرَةُ فِي شُرْبِهَا وَأَمَّا إنْ نَبَتَتْ الْخُلُوفُ خَارِجَةً عَنْ قَدْرِ حَقِّ صَاحِبِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ بِغَرْسِهَا فِي حَقِّهِ كَانَ لَهُ قَلْعُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِقِيمَتِهَا حَطَبًا إنْ كَانَ لَهَا قِيمَةٌ وَإِلَّا فَبِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهَا مُضِرًّا بِأَصْلِ الشَّجَرَةِ كَانَ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ قَطْعُهَا بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الَّذِي ظَهَرَتْ فِي أَرْضِهِ الْعُرُوقَ الْمُتَّصِلَةَ حَتَّى لَا تَضُرَّ بِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا إنْ كَانَ لَهَا قِيمَةٌ

فرع اتفق الجيران على أن يحرس لهم جناتهم أو كرومهم فأبى بعضهم من ذلك

انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ (فَرْعٌ) وَعَلَى رَبِّ الشَّجَرَةِ سَقْيُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَعَ شَجَرِ صَاحِبِ الْبُسْتَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ سَقْيِهَا كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ اشْتَرَى زَيْتُونَةً عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَتَوَانَى فِي قَطْعِهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الثَّمَرَةُ لِمُشْتَرِي الشَّجَرَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: وَيَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ قِيَامِهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ يَسْقِيهَا وَلَمْ يَكُنْ الْمَطَرُ يَسْقِيهَا، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جَعْفَرٍ عَنْهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ كِرَاءُ مَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ إنْ كَانَ غَائِبًا بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا عَلَى اخْتِلَافٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْعَرَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ وَهَبَ ثَمَنَ حَائِطٍ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ أَوْ تَمْرَ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ سِنِينَ قَبْلَ الزَّهْوِ أَوْ أَعْمَرَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ شِرَاءُ تَمْرَةِ ذَلِكَ أَوْ بَعْضِهِ بِخَرْصِهِ وَلَكِنْ بِعَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ، وَالسَّقْيُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَوْهُوبِ أَوْ عَلَى الْمُعْرَى وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَ حَظَّهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَكَابِرُ أَصْحَابِنَا: الْعُرْيَةُ مِثْلُ الْهِبَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَالِكٌ فِي الزَّكَاةِ وَالسَّقْيِ، انْتَهَى. وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ مَشَى الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْعَرَايَا، وَالْقَصْدُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَهُ نَخْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي بُسْتَانِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ سَقْيُ ذَلِكَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ اتَّفَقَ الْجِيرَانُ عَلَى أَنْ يَحْرُسَ لَهُمْ جَنَّاتِهِمْ أَوْ كُرُومَهُمْ فَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ، قَالَ فِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إذَا اتَّفَقَ الْجِيرَانُ عَلَى أَنْ يَحْرُسَ لَهُمْ جَنَّاتِهِمْ أَوْ كُرُومَهُمْ فَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ مَعَهُمْ وَكَذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ فِي الدُّورِ يَتَّفِقُ الْجِيرَانُ وَيَأْبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْكَرْمِ أَنَا أَحْرُسُهُ بِنَفْسِي أَوْ يَحْرُسُهُ غُلَامِي أَوْ أَخِي فَلَهُ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ أَفْتَيْتُ، وَسُئِلْتُ عَنْ قَوْمٍ لَهُمْ زَرْعٌ اسْتَأْجَرُوا مَنْ يَحْرُسُهُ فَأَبَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَعِي مَنْ يَحْرُسُ زَرْعِي، وَزَرْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ وَاسْتَأْجَرُوا مَنْ يَحْرُسُهُ وَأَبَى هُوَ مِنْ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فَلَمْ يَحْرُسْ لَهُ أَحَدٌ حَتَّى كَمُلَ الزَّرْعُ فَأَفْتَيْتُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ، قَالَ: وَأَمَّا الْأُجْرَةُ عَلَى الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ فَمَنْ أَبَاهَا مِنْ الْجِيرَانِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ فِي أَصْلِهَا؛ وَلِأَنَّ شُهُودَهَا فِي الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَيَنْبَغِي فِي أُجْرَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَلْزَمَ مَنْ أَبَاهَا؛ لِأَنَّ شُهُودَهَا فَرْضٌ ، انْتَهَى. ص (لَا شَهَادَةَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَسَّامِ عَلَى مَا قَسَمُوا، انْتَهَى. يُرِيدُ بَعْدَ عَزْلِ الْقَاضِي الَّذِي بَعَثَهُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا بَعْدَ الْعَزْلِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا بَعْدَ عَزْلِ الْقَاضِي الَّذِي بَعَثَهُمَا، انْتَهَى. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَسَّامِ فِيمَا قَسَمُوهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي جَائِزَةٌ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ إنْفَاذِ الْحُكْمِ بِالْقِسْمَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ وَضَيَاعِ الْمُسْتَنَدِ الَّذِي فِيهِ الْقِسْمَةُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أَمَرَهُمْ لَا وَحْدَهُمْ وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَعَنْ النَّوَادِرِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْعَاقِدُ وَالْخَاطِبُ وَالْمُحَلِّفُ وَالْكَاتِبُ وَالنَّاظِرُ لِلْعَيْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ الأندار إذَا جَمَعَتْهُمْ السُّيُولُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الْخَلْطِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الْأَنْدَارِ إذَا جَمَعَتْهُمْ السُّيُولُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الْخَلْطِ فَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْحَرَّاثِينَ إذَا قَالُوا هَذَا أَنْدَرُ فُلَانٍ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَقَدْ قَلَعَ الْمَاءُ إيَّاهُ وَكَيْفَ قِسْمَةُ الشَّعِيرِ وَالزَّيْتُونِ عِنْدَ الْخَلْطِ وَهَلْ يُصَدَّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمَّا كَانَ فِي أَنْدَرِهِ وَيَحْلِفُ أَوْ لَا فَأَجَابَ إنْ كَانَ إنَّمَا اخْتَلَطَ بِشَهَادَةِ الْحَرَّاثِينَ وَهُمْ عُدُولٌ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْعُدُولِ فَشَهَادَتُهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَأَرْبَابُ الزَّيْتُونِ وَالْعَصْرِ إنْ تَقَارَرُوا بَيْنَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَجَاهَلُوا فَلَيْسَ إلَّا الْإِصْلَاحُ (قُلْتُ:) كَثِيرًا مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِتُونُسَ تَأْتِي السُّيُولُ بِالزَّيْتُونِ فِي تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ وَحُكْمُهُ هَكَذَا وَكَذَا مَا اخْتَلَطَ عَلَى أَيْدِي اللُّصُوصِ مِنْ الزَّرْعِ وَالزَّيْتُونِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَكَذَا مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ فِي السُّفُنِ إذَا اخْتَلَطَ فِيهَا الطَّعَامُ الْمَشْحُونُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ كُلُّ وَاحِدٍ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ يَمِينِهِ إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ وَهَذَا كُلُّهُ يَجْرِي عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ

مَسَائِلَ اللَّقْطَةِ فِيهِ ص (وَفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ إلَخْ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ فِي قَسْمِ تَمْرِ الْحَائِطِ تَفْضِيلُ أَحَدٍ فِي الْكَيْلِ لِرَدَاءَةِ حَظِّهِ وَلَا التَّسَاوِي فِي الْمِقْدَارِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ آخِذُ الْجَيِّدِ ثَمَنًا

لِصَاحِبِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ وَدَرَاهِمَ بِمِثْلِهَا وَلَوْ اقْتَسَمَا ثَلَاثِينَ قَفِيزًا قَمْحًا وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا عَلَى إنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الدَّرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةً وَأَخَذَ الْآخَرُ عِشْرِينَ قَفِيزًا فَإِنْ كَانَ الْقَمْحُ مُخْتَلِفًا سَمْرَاءَ وَمَحْمُولَةً أَوْ نَقِيًّا وَمَغْلُوثًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ تَسَاوَى الْقَمْحُ فِي النَّقَاءِ وَالْجَوْدَةِ وَالْجِنْسِ أَوْ كَانَ مِنْ صُبْرَةٍ يَتَّفِقُ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلُهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ لِأَنَّ هُنَا لَمْ يَأْتِ أَحَدُهُمَا بِطَعَامٍ وَالْآخَرُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ فَيَكُونَ فَاسِدًا وَلَوْ قَسَمَا مِائَةَ قَفِيرٍ قَمْحًا وَمِائَةً شَعِيرًا فَأَخَذَ سِتِّينَ قَمْحًا وَأَرْبَعِينَ شَعِيرًا وَأَخَذَ الْآخَرُ سِتِّينَ شَعِيرًا وَأَرْبَعِينَ قَمْحًا فَذَلِكَ جَائِزٌ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ جَعَلَ الْقِسْمَةَ هُنَا تَمْيِيزًا فَلِذَلِكَ أَجَازَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَأْتِ بِطَعَامٍ إلَخْ وَلَوْ جَعَلَهَا بَيْعًا لَمُنِعَ كَمَا قَالَ فِي السَّلَمِ فِيمَا إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مُدَّ قَمْحٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ وَالْآخَرُ مِثْلَهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ. ص (أَوْ فِيهِ فَسَادٌ كَيَاقُوتَةٍ أَوْ كَجَفِيرٍ) ش كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ أَوْ كَجَفِيرٍ

بِالْجِيمِ وَالْفَاءِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ ثُمَّ رَاءٌ وَفِي بَعْضِهَا كَخُفَّيْنِ تَثَنِّيَةُ خُفٍّ فَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى يَكُونُ الْمَعْنَى ظَاهِرًا وَهُوَ أَنَّ مَا يَفْسُدُ بِالْقِسْمَةِ لَا يَجُوزُ قَسْمُهُ لَا بِالْقِسْمَةِ وَلَا بِالْمُرَاضَاةِ وَذَلِكَ اللُّؤْلُؤَةُ وَالْفَصُّ وَالْخَاتَمُ وَجَفِيرُ السَّيْفِ وَأَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَخْلُو الْكَلَامُ عَنْ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ قِسْمَةَ الْقُرْعَةِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ جَائِزَةٌ فِي الْيَاقُوتَةِ وَالْخُفَّيْنِ جَمِيعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَسْمَ اللُّؤْلُؤَةِ وَالْفَصِّ وَالْخَاتَمِ وَالْيَاقُوتَةِ لَا يَجُوزُ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا بِالْقُرْعَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ الْقِسْمَةَ مُطْلَقًا فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُفَّيْنِ لَا يَنْقَسِمَانِ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ قَسْمُ الْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ وَالْبَابِ وَالثَّوْبِ الْمُلَفَّقِ مِنْ قِطْعَتَيْنِ وَالرَّحَا بِالْمُرَاضَاةِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَسْمِ الرَّحَا بِأَنْ يَأْخُذَ هَذَا حَجَرًا وَهَذَا حَجَرًا قُلْت وَمِثْلُهُ الْكِتَابُ مِنْ سِفْرَيْنِ أَوْ أَسْفَارٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِثْلُهُ السِّوَارَانِ وَالْقُرْطَانِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ بِأَحَدِ الْمُزْدَوِجَيْنِ فَإِنَّهُ كَظُهُورِهِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ: وَمَا لَهُ أَخٌ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِالتَّرَاضِي، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَمَا لَهُ زَوْجٌ لَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَالْخُفَّيْنِ وَالْبَابَيْنِ وَالْغِرَارَتَيْنِ فَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إلَّا بِالتَّرَاضِي، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ إلَّا أَنْ يَقِلَّ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَسْمُ الْقُرْعَةِ إذَا كَانَ فِيهَا تَرَاجُعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَلِيلًا، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَقَسْمُ الْقُرْعَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَلَا يُؤَدِّي أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَمَنًا وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزْ الْقَسْمُ إلَّا بِتَرَاضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلُوا دَنَانِيرَ نَاحِيَةً وَمَا قِيمَةُ مِثْلِهَا نَاحِيَةً مِنْ رَبْعٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَيَقْرَعُوا وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي بِغَيْرِ قُرْعَةٍ فَجَائِزٌ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: تَقَدَّمَ مَا لِلَّخْمِيِّ وَيُشِيرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الدَّارَيْنِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى تِسْعِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَرِعَا عَلَى مَنْ صَارَتْ لَهُ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ أَعْطَى صَاحِبَهَا خَمْسَةَ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يَتَّفِقُ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الدَّارَيْنِ سَوَاءً. الشَّيْخُ. اُنْظُرْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ اللَّخْمِيُّ مَعَ مَا فِي الرِّسَالَةِ وَمَا تَقَدَّمَ لِعِيَاضٍ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَرَاجُعٌ كَثِيرٌ، انْتَهَى. وَمَا قَدَّمَهُ عَنْ عِيَاضٍ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ السِّهَامِ بِزِيَادَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَقْسُومِ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ قُلْتُ: ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ مَنْعُ التَّعْدِيلِ فِي قَسْمِ الْقُرْعَةِ بِالْعَيْنِ، انْتَهَى. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَصُّهُ: فَرْعَانِ، الْأَوَّلُ: اُخْتُلِفَ فِي قَسْمِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ بِالْقُرْعَةِ، الثَّانِي: يَجُوزُ فِي الْقُرْعَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى تِسْعِينَ إلَى آخِرِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ مَجْرَى الْمَاءِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ وَرِثُوا

قَرْيَةً عَلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَهَا مَاءٌ وَمَجْرَى مَاءٍ وَرِثُوا أَرْضَهَا وَمَاءَهَا وَشُرْبَهَا وَشَجَرَهَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهَا وَلَا يُقْسَمْ مَجْرَى الْمَاءِ وَيَكُونُ لَهُمْ مِنْ الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ، انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ. أُطْلِقَ الْمَجْرَى هُنَا عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَلَمْ يُرِدْ مَوْضِعَهُ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَسِيلَ مِيزَابٍ أَيْ الْمَاءِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُقْسَمُ أَصْلُ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَلَكِنْ يُقْسَمُ شُرْبُهَا بِالْقَلْدِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ بِلَفْظِ وَلَمْ تُقْسَمْ

الْآبَارُ وَلَمْ أَسْمَعْ وَاحِدًا يَقُولُ إنَّ الْعُيُونَ وَالْآبَارَ تُقْسَمُ وَلَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إلَّا عَلَى الشُّرْبِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ أَرَادَ قَسْمَ الْوَاحِدِ مِنْهَا فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهَا إذَا اعْتَدَلَ فِي الْقَسْمِ قُسِمَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَحَمَلَ ابْنُ لُبَابَةَ مَنْعَ الْقَسْمِ فِيهَا عَلَى الْعُمُومِ وَاسْتَدَلَّ بِمُخَالَفَتِهِ فِي الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَلَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إلَّا عَلَى الشُّرْبِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمَا بَلْ قَالَ فِي الْمَآجِلِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا حُجَّةَ لِبَيِّنَتِهِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَاجِلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يُمْكِنُ إذَا قُسِمَ وَكَانَ كَثِيرًا أَنْ يُصَيِّرَ مِنْهُ مَآجِلَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَيِّرَ الْعَيْنَ عُيُونًا وَلَا الْبِئْرَ آبَارًا فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ وَالْبِئْرَ الْوَاحِدَةَ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَسْمَ الْكَثِيرِ كَمَا، قَالَ سَحْنُونٌ وَمَنْ مَعَهُ، انْتَهَى. وَيَشْهَدُ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ وَمَنْ مَعَهُ قَوْلُهُ فِي أَوَائِلِ الْقِسْمَةِ فَإِنْ وَرِثَ قَوْمٌ أَرَاضِيَ وَعُيُونًا كَثِيرَةً فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ قَسْمَ كُلِّ عَيْنٍ وَأَرْضٍ وَأَرَادَ غَيْرُهُ اجْتِمَاعَ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَوَتْ الْأَرْضُ فِي الْكَرْمِ وَالْعُيُونُ فِي الْغَرَرِ قُسِمَتْ كُلُّ أَرْضٍ وَعُيُونُهَا عَلَى حِدَةٍ، انْتَهَى. ص (وَمُنِعَ اشْتِرَاءُ الْخَارِجِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَخْرُجُ لِأَحَدِهِمْ بِالسَّهْمِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْخَارِجِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ؛ لِأَنَّهُ لَا شِرْكَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَازَ مَا أَخْرَجَ السَّهْمُ فِي تَمْيِيزِ حَظِّ الشَّرِيكِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَ مَالِكٍ بِالْقُرْعَةِ لَيْسَتْ مِنْ الْبُيُوعِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُوهِمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ اشْتِرَاءُ الْخَارِجِ وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ جَوَازِ الْقِسْمَةِ فِي تَمْيِيزِ حَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ وَعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: لِمَ أَجَزْت مَا أَخْرَجَ السَّهْمُ بِالْقَسْمِ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَلَمْ تُجِزْهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَكِلَاهُمَا مَبِيعٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بَاعَ بَعْضَ نَصِيبِهِ بِبَعْضِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَذَلِكَ مِثْلُ قِسْمَةِ الْمَجْهُولِ؛ إذْ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا يَصِيرُ لَهُ وَمَا قَدْرُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعًا فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُفَارِقُ الْبَيْعَ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ وَقَوْلُهُ؛ إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ إنَّمَا ذُكِرَ هَذَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ شِرَاءُ مَا يَخْرُجُ بِالسَّهْمِ لِشَرِيكِهِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ) ش: أَيْ ثَبَتَ الْجَوْرُ وَالْغَلَطُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: إنَّمَا يَرْجِعُ بِالْغَبْنِ فِي الْقُرْبِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، قَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: وَأَمَّا مَا يُقَامُ بِالْغَبْنِ فِيمَا قَرُبَ وَأَمَّا مَا بَعُدَ أَمْرُهُ وَطَالَ تَارِيخُهُ فَلَا يُقَامُ فِيهِ بِغَبْنٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ: وَحَدُّ ذَلِكَ الْعَامِ وَيُفِيتُهُ أَيْضًا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ أَيْضًا: وَإِذَا ثَبَتَ الْغَبْنُ فِي الْقِسْمَةِ اُنْتُقِضَتْ مَا لَمْ تَفُتْ الْأَمْلَاكُ بِبِنَاءٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَاتِ فَإِنْ فَاتَتْ الْأَمْلَاكُ بِمَا ذَكَرْنَا رَجَعَا فِي ذَلِكَ إلَى الْقِيمَةِ يَقْتَسِمُونَهَا وَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ سَائِرُهُ عَلَى حَالِهِ اُقْتُسِمَ مَا لَمْ يَفُتْ مَعَ قِيمَةِ مَا فَاتَ، انْتَهَى. ص (كَالْمُرَاضَاةِ إنْ أَدْخَلَا مُقَوِّمًا) ش: نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَقَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَنَصُّهَا: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ بَعْدَ الْقَسْمِ فَإِنْ قَسَّمُوا بِالتَّرَاضِي بِلَا سَهْمٍ وَهُمْ حَائِزٌ وَالْأَمْرُ فَلَا يُنْظَرُ إلَى دَعْوَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِ التَّسَاوُمِ يَلْزَمُ فِيهِ التَّغَابُنُ وَإِنْ قُسِمَ بِالسَّهْمِ عَلَى تَعْدِيلِ الْقَسْمِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَتَفَاحَشُ الْغَلَطُ فَتُرَدُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ كَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ إذَا تَوَلَّوْا الْقِسْمَةَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا إنْ أَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مَنْ يُقَوِّمُ لَهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا الْغَبْنُ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّا وَإِنْ سَمَّيْنَاهُ تَرَاضِيًا فَلَمْ يَدْخُلُوا فِيهِ إلَّا عَلَى التَّسَاوِي، انْتَهَى. وَظَاهِرُهَا أَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا لَمْ يُدْخِلُوا مُقَوِّمًا وَإِنَّمَا قَوَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ لَا يُقَامُ

فِي ذَلِكَ بِالْغَبْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ إذَا كَانَتْ بِتَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ فَإِنَّمَا يُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: دَعْوَى الْغَلَطِ بَعْدَ الْقَسْمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَقْتَرِعَا أَوْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ ثُمَّ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا غَلَطًا فَهَذَا يَنْظُرُ إلَيْهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ كَانَ سَوَاءً أَوْ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ وَإِلَّا نُقِضَ الْقَسْمُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْوَهْمَ وَالْغَلَطَ، وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَا هَذِهِ الدَّارُ تُكَافِئُ هَذِهِ وَهَذَا الْعَبْدُ يُكَافِئُ هَذَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَقْتَرِعَانِ أَوْ يَأْخُذَانِ ذَلِكَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ ذَلِكَ التَّعْدِيلُ وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْقِيَمِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالُوا هَذِهِ الدَّارُ تُكَافِئُ هَذَا الْمَتَاعَ أَوْ هَذِهِ الْعَبِيدَ ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ بِالتَّرَاضِي بِغَيْرِ قُرْعَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيمَةَ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا خُذْ هَذِهِ الدَّارَ وَهَذَا الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلَا ذِكْرِ مُكَافَأَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي مَضَتْ الْمُغَابَنَةُ عَلَى مَا كَانَتْ فِي نَصِيبِهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَمْضِهَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِتَغَابُنِهِمَا كَانَتْ فَاسِدَةً تُفْسَخُ بِالْجَبْرِ وَإِنْ لَمْ يَدْعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ عَلَى ذَلِكَ غَرَرٌ وَإِنْ كَانَا يَظُنَّانِ أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ كَانَتْ جَائِزَةً وَالْقِيَامُ فِي ذَلِكَ كَالْعَيْبِ وَالرَّابِعُ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَسْمُ عَلَيْهَا مِثْلُ أَنْ يَقْتَسِمَا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فَكَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا سِتَّةٌ، وَقَالَ: هِيَ نَصِيبِي عَلَى هَذَا اقْتَسَمْنَا، وَقَالَ الْآخَرُ: الْوَاحِدُ مِنْهَا لِي وَأَنَا سَلَّمْتُهُ غَلَطًا فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِزِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ أَقَرَّ بِالْقَسْمِ وَادَّعَى مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ ذَلِكَ الثَّوْبَ وَحْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي هَذَا. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ فَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَلُوا الْقَسْمَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالثَّانِي: أَنْ يُقَدِّمُوا مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ تَوَلَّوْا الْقَسْمَ بِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ فَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّخْمِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذَا قَدَّمُوا مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ الْقَاسِمَ جَارَ أَوْ غَلِطَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَلْتَفِتُ الْقَاسِمُ إلَى قَوْلِهِمْ وَلْيُتِمَّ قِسْمَتَهُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا نَظَرَ السُّلْطَانُ فِيهَا فَإِنْ وَجَدَهَا عَلَى التَّعْدِيلِ مَضَى مَا قَسَمَ وَلَا يُرَدُّ فَإِنْ رَضِيَ جَمِيعُهُمْ بِرَدِّهِ وَنَقْضِهِ لِيَسْتَأْنِفَا الْقُرْعَةَ أَوْ التَّرَاضِيَ بِقِسْمَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَجْهُولٍ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ لَهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ تَرَاضَوْا بِنَقْضِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مُعَيَّنًا جَازَ وَإِنْ وَجَدَ السُّلْطَانُ غَبْنًا فَاحِشًا نَقَضَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ يُرَدُّ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُرَدُّ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْقِسْمَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ، قِسْمَةُ حُكْمٍ، وَإِجْبَارٍ وَهِيَ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ وَتَقْوِيمٍ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ عَلَى تَعْدِيلٍ وَحُكْمُ هَذِهِ حُكْمُ الْبُيُوعِ فِي كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يُرْجَعُ فِيهَا بِغَبْنٍ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ فِي الْبُيُوعِ وَيُرْجَعُ بِالْغَبْنِ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ فِي ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْيَسِيرِ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ كَالدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ مِنْ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ فَذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَبَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَأَبَى ذَلِكَ آخَرُونَ وَقَالُوا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ فِي الْحُكْمِ يَجِبُ فَسْخُهُ وَلَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَاجِي كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ) ش فَلَا يُقْسَمُ الْفُرْنُ وَالرَّحَى وَالْمَعْصَرَةُ فَلَوْ خَرِبَتْ أَرْضُهُ حَتَّى صَارَتْ بَرَاحًا لَا بِنَاءَ فِيهَا فَهَلْ تُقْسَمُ؟ اُنْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي أَوَائِلِ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَتَقَدَّمَ بَعْضُ كَلَامِهِ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَسُئِلْتُ عَمَّنْ لَهُ سَهْمَانِ وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ فِي أَرْضٍ مُتَعَدِّدَةٍ بَعْضُهَا مُشْتَمِلٌ

فرع عبد بين رجلين غاب أحدهما وقام شريكه يطلب بيع نصيبه

عَلَى نَخْلٍ وَهِيَ كُلُّهَا بِوَادِي نَخْلَةٍ وَسِقْيَتُهَا ثَلَاثُ وَجَبَاتٍ وَثُلُثٍ فَطَلَبَ مِنْ شُرَكَائِهِ الْقِسْمَةَ بِأَنْ يُقَوِّمُوا الْأَرْضَ وَيُعْطُوهُ مِنْ ذَلِكَ قِطْعَةً بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ فَإِنْ فَضَلَ لَهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ وَإِنْ فَضَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَلَّمَهُ، وَقَالَ لَهُ شُرَكَاؤُهُ: مَا نُعْطِيك إلَّا قَدْرَ حِصَّتِكَ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَنَخْلٍ فَأَجَبْتُ بِجَمْعِ الْأَرَاضِي الَّتِي فِيهَا النَّخْلُ عَلَى حِدَةٍ إذَا كَانَتْ مُتَقَارِبَةً بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا كَالْمِيلِ وَنَحْوِهِ وَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي النَّفَاقِ وَالرَّغْبَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ تُجْمَعُ الْأَرَاضِي الَّتِي لَا نَخْلَ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَذَلِكَ وَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي النَّفَاقِ وَالرَّغْبَةِ وَيُقْسَمُ كُلُّ صِنْفٍ عَلَى حِدَتِهِ إذَا كَانَ يَحْصُلُ لِأَقَلِّ الشُّرَكَاءِ حِصَّةٌ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ يُنْتَفَعُ بِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَسْمِ فَإِنْ دَعَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ إلَى الْبَيْعِ جُبِرَ لَهُ بَقِيَّةُ الشُّرَكَاءِ إذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ تَنْقُصُ إذَا بِيعَتْ مُفْرَدَةً وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَقُولُوا لَهُ نُعْطِيكَ مِنْ كُلِّ قِطْعَةٍ فِي الْأَرْضِ بِقَدْرِ حِصَّتِكَ إذَا كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ إمَّا تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يُقَوِّمُوا الْأَرَاضِيَ وَيُعْطُوهُ قِطْعَةً مِنْهَا إمَّا بِقَدْرِ حَقِّهِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلْبَيْعِ إنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً لَا كَرَبْعِ غَلَّةٍ أَوْ اشْتَرَى بَعْضًا) ش: يَعْنِي وَأُجْبِرَ الشُّرَكَاءُ لِبَيْعِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَعُرُوضٍ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ وَكَانَتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمْ إذَا بِيعَتْ مُفْرَدَةً نَقَصَ ثَمَنُهَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا دَعَا أَحَدُهُمْ لِقَسْمِ ثَوْبٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْسَمْ وَقِيلَ لَهُمَا: تَقَاوَمَاهُ بَيْنَكُمَا أَوْ بِيعَاهُ فَإِنْ اسْتَقَرَّ عَلَى ثَمَنٍ فَلِمَنْ أَبَى الْبَيْعَ أَخْذُهُ وَإِلَّا بِيعَ وَفِيهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ وَشَرِكَتُهُمْ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَنْ دَعَا إلَى بَيْعِهِ جُبِرَ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ ثُمَّ لِلْآبِي أَخْذُ الْجَمِيعِ بِمَا يُعْطَى فِيهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ غَازِي فَإِنَّهُ جَامِعٌ حَسَنٌ، وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ النَّوَادِرِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فِي الشَّيْءِ لَا يَنْقَسِمُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا الْمُقَاوَمَةَ فِيهِ، قَالَ: لَا يَلْزَمُ صَاحِبُهُ الْمُقَاوَمَةَ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مَعَهُ وَإِنْ رَضِيَا بِالْمُقَاوَاةِ تَقَاوَيَاهُ بَيْنَهُمَا بِالْمُزَايَدَةِ وَبِمَا أَحَبَّا بِلَا قِيمَةٍ وَلَا يُقَوَّمُ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ يَتَزَايَدَانِ عَلَيْهَا وَإِذَا أُمِرَ بِالْبَيْعِ مَعَهُ فَإِذَا بَلَغَ فَمَنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْهَا بِذَلِكَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَحْدَهُ مَضَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ لِيَعْمَلَ مَعَ مَنْ دَارَ لَهُ إنْ شَاءَ كَمَا كَانَ يَعْمَلُ مَعَ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ يُرِيدُ إنْ لَمْ يَقُمْ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ بَائِعًا مَعَهُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ أَحَقُّ بِالشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْغَيْرُ بِلَا خِلَافٍ قَبْلَ الْبَيْعِ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ مَضَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ إلَّا فِيمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ وَانْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَيْضًا. [فَرْعٌ عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَقَامَ شَرِيكُهُ يَطْلُبُ بَيْعَ نَصِيبِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ: وَكَتَبَ شَجَرَةُ إلَى سَحْنُونٍ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَقَامَ شَرِيكُهُ يَطْلُبُ بَيْعَ نَصِيبِهِ، قَالَ: إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ اُسْتُؤْنِيَ حَتَّى يَحْضُرَ فَيُقَاوِمُهُ أَوْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ فَلْيُبَعْ لِلْحَاضِرِ الْعَبْدُ وَتُوقَفُ حِصَّةُ الْغَائِبِ مِنْ الثَّمَنِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ بَطَّالٍ فِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ مَا لَمْ يَنْقَسِمْ مِنْ الْعَقَارِ إذَا كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ لَهُ. [فَرْعٌ طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ إخْلَاءَ الدَّارِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الْآخَرُ تُقْسَمُ وَأَنَا فِيهَا] (فَرْعٌ) إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ إخْلَاءِ الدَّارِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَالَ الْآخَرُ: تُقْسَمُ وَأَنَا فِيهَا أَوْ يُنَادَى عَلَيْهَا وَأَنَا فِيهَا اُنْظُرْ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَانْظُرْهَا فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْحِيَازَاتِ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ وَالتَّوْضِيحِ وَبَهْرَامَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ وَجَدَ عَيْبًا بِالْأَكْثَرِ فَلَهُ رَدُّهَا) ش: يُرِيدُ وَنَصِيبُ صَاحِبِهِ السَّالِمُ لَمْ يَفُتْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَ وَقَوْلُهُ بِالْأَكْثَرِ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَكْثَرَ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ ظَهَرَ عَيْبٌ فِي وَجْهِ نَصِيبِهِ وَلَمْ يَفُتْ الْبَاقِي

فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ، انْتَهَى. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَمَا لَهُ الرَّدُّ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فِي وَجْهِ مَا أَخَذَ فَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فِي أَكْثَرِهِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصَّهُ بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ وَجَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بَعْدَ الْقَسْمِ فِي حَظِّهِ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ وَجْهَهُ أَوْ أَكْثَرَ رَدَّ الْجَمِيعَ وَابْتَدَأَ الْقَسْمَ فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ رَدَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبَضَهُ يَقْتَسِمَانِهَا مَعَ الْمَرْدُودِ وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ رَدَّهُ وَلَمْ يَرْجِعْ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ سُبْعَ مَا بِيَدِهِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ سُبْعِ مَا أَخَذَ ثَمَنًا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْمَعِيبَ كَانَ قَسْمَ قُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَلَهُ رَدُّهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ، الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ وَانْظُرْ مَا يُقَابِلُ قَوْلَهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ هَلْ وَلَهُ الْمَعِيبُ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا يَخُصُّهُ ثَمَنًا كَمَا فِي عَيْبِ الْأَقَلِّ أَمْ لَا أَوْ لَهُ التَّمَسُّكُ بِمَا حَصَلَ لَهُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَمَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا) ش: لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ كَهَدْمٍ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي تَهْذِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا تَعَقَّبَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَلِكَ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ فِي الدُّورِ فَوْتًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ اقْتَسَمَا قَمْحًا فَظَهَرَ عَيْبٌ بِحَظِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ طَحْنِهِ فَفِي رَدِّ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلِهِ ثَالِثُهَا يَكُونُ شَرِيكًا بِقِيمَةِ الطَّحْنِ فِي الدَّقِيقِ وَمَا بَقِيَ وَحِصَّةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا لَهَا وَلِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ سَحْنُونٌ: لَيْسَ الطَّحْنُ بِفَوْتٍ فَكَذَا فِي الْخَشَبِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ يَوْمَ الْقَبْضِ هُوَ يَوْمُ الْبَيْعِ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ: الْقِيمَةُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ، أَوْ يُقَالُ: لَمَّا اُنْتُقِضَتْ الْقِسْمَةُ اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا يَوْمَ الْقَبْضِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْأَشْيَاخُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْغَيْرِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي إذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ يَوْمَ قَبَضَهُ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ يَوْمَ وَهَبَتْهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَضْمَنُ هَلَاكَهُ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ وَهُنَا يَضْمَنُهُ بِذَلِكَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ فَاتَ بَعْضُهُ رَدَّ قِيمَةَ مَا فَاتَ وَإِنْ فَاتَ نِصْفُ الْمَعِيبِ رَدَّ نِصْفَهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ فَاتَ النَّصِيبَانِ مَعًا فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ السَّالِمَ بِنِصْفِ مَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الْمَعِيبِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. ص (وَمَا بِيَدِهِ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَوْمَ الْقَبْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى. فَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فَرْقُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَا رُدَّ بَيْنَهُمَا) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَعْنِي بِهِ مَا رُدَّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا وَيَعْنِي بِهِ أَيْضًا الْمَعِيبَ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَمَا سَلِمَ أَيْ مَا سَلِمَ مِنْ الْفَوَاتِ فِي مُقَابَلَةِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ الَّذِي فَاتَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِي يَدِهِ ثَمَنًا وَالْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ الْأَقَلَّ رَدَّهُ وَلَمْ يَرْجِعْ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ إذَا لَمْ يَنْقُضْ الْقَسْمَ وَلَكِنْ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ قَدْرَ سُبْعِ مَا بِيَدِهِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ سُبْعِ مَا أَخَذَ ثَمَنًا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ هَذَا الْمَعِيبَ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ فِيهِ حَذْفُ مُضَافَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ بِنِصْفِ قِيمَةِ مِثْلِ الْمَعِيبِ وَقَوْلُهُ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ السَّالِمِ الَّذِي فِي يَدِ شَرِيكِهِ كَمَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ حَذْفُ مُضَافَيْنِ أَيْ بِمِثْلِ قِيمَةِ نِصْفِ الْمَعِيبِ مِنْ الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَعِيبُ مُتَمَيِّزًا عَنْ السَّالِمِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَعِيبُ يَعُمُّ جَمِيعَ مَا أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا لَكِنَّهُ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ يَسِيرًا فَلَا يَتَأَتَّى شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ السَّالِمَ لَكِنْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا زَادَهُ السَّالِمُ عَلَى الْمَعِيبِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ

فِي هَذَا الشِّقِّ لِتَفْرِيقِ الْفَوَاتِ مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا فَوَاتُ نَصِيبِ السَّالِمِ نَصِيبُهُ مِنْ الْمَعِيبِ فَهُوَ مُسَاوٍ لِعَدَمِ فَوَاتِهِ كَمَا، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَمَّا فَوَاتُ نَصِيبِ الْمَعِيبِ نَصِيبِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ يَعُمُّ جَمِيعَ النَّصِيبِ لَكِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ يَسِيرًا وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا فِي حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ وَهَدَمَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا فَذَلِكَ فَوْتٌ وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَيْبِ ثَمَنًا عَلَى مَا فَسَّرْنَا، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لَا رُبْعٌ وَفُسِخَتْ فِي الْأَكْثَرِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ شَائِعًا مِنْ جَمِيعِ الْمَقْسُومِ أَوْ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ أَوْ مُعَيَّنًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ أَوْ شَائِعٌ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ فَيُفْصَلُ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَفِيهِ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ غَازِي وَغَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَقْسُومِ فَلَا كَلَامَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِثْلُ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ وُجُودِ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بِبَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: جَاءَتْ فِيهَا أَلْفَاظٌ مُشْكِلَةٌ وَأَجْوِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَقَالَاتٌ مُطْلَقَةٌ وَاضْطَرَبَ بِسَبَبِهَا تَأْوِيلُ الشُّيُوخِ وَمَذَاهِبُهُمْ فِي تَحْقِيقِ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَدْ لَخَّصَ فِي اللُّبَابِ مِنْ ذَلِكَ كَلَامًا وَنَصُّهُ: إذَا وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي شَائِعٍ يَنْقُضُ الْقَسْمَ وَاتَّبَعَ الْمُسْتَحِقُّ كُلَّ وَارِثٍ بِقَدْرِ مَا صَارَ مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَتَّبِعُ الْمَلِيءُ عَلَى الْمُعْدِمِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ جَمِيعُهُ رَجَعَ فِيمَا بِيَدِ شَرِيكِهِ كَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَثَلَاثَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ مَرَّةً يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ كُلُّهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَ مَرَّةً يَرْجِعُ فَيُسَاوِي صَاحِبَهُ فِيمَا بِيَدِهِ بِقَدْرِ نِصْفِ ذَلِكَ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، وَقَالَ مَرَّةً يُنْتَقَضُ فِي الْكَثِيرِ وَيَرْجِعُ فِي الْيَسِيرِ شَرِيكًا. (تَنْبِيهٌ) مَسَائِلُ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَقَعَتْ فِيهَا أَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَجْوِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ اضْطَرَبَتْ فِيهَا مَسَائِلُ الشُّيُوخِ فِي تَحْقِيقِ مَذْهَبِهِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي تَنْبِيهَاتِهِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ الْمَعْلُومِ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الثُّلُثَ فَأَزْيَدَ كَثِيرٌ يُرَدُّ مِنْهُ الْبَيْعُ وَأَنَّ الْقِسْمَةَ تَسْتَوِي مَعَ الْبَيْعِ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُرَدَّانِ مِنْهُ وَهُوَ الرُّبْعُ فَمَا دُونَهُ وَفِي الْجُلِّ الَّذِي يُرَدُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَتُفْسَخُ مَعَهُ الْقِسْمَةُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِمَا فَيُرَدُّ الْبَيْعُ بِذَلِكَ وَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِاسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ وَيَكُونُ بِذَلِكَ شَرِيكًا فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ الْعَيْبُ ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا تَحْصِيلٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ فِي مَسَائِلِ الْبَابِ مَا يُخَالِفُهُ إلَّا مَسْأَلَةُ الدَّارِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا رُبْعَهَا وَالْآخَرُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا فَيُسْتَحَقُّ نِصْفُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ: يَرْجِعُ فِيمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ لَاسْتَوَتْ الْمَسَائِلُ وَحَسُنَ التَّأْوِيلُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ تَنَاقُضٌ، انْتَهَى كَلَامُ اللُّبَابِ بِلَفْظِهِ. ص (كَطُرُوِّ غَرِيمٍ أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَرَثَةٍ

أَوْ وَارِثٍ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا رَجَعَ عَلَى كُلٍّ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا وَإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ كَبَيْعِهِمْ بِلَا غَبْنٍ وَاسْتَوْفَى مِمَّا وَجَدَ ثُمَّ تَرَاجَعُوا وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرْبَعَ مَسَائِلَ، الْأُولَى: أَنْ يَطْرَأَ غَرِيمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ أَنْ اقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَطْرَأَ غَرِيمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، الرَّابِعَةُ: أَنْ يَطْرَأَ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِمَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْأَكْثَرِ حَيْثُ قَالَ: وَفُسِخَتْ فِي الْأَكْثَرِ كَطُرُوِّ غَرِيمٍ إلَخْ، إلَّا إنْ شُرِطَ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ دَارًا أَوْ مَا يُشْبِهُ الدَّارَ يُرِيدُ الْمُقَوَّمَاتِ كَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُنْقَضُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ وَيُشْتَرَطُ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ كَدَارٍ أَنْ لَا يَدْفَعَ الْوَرَثَةُ يُرِيدُ أَوْ أَحَدُهُمْ جَمِيعَ الدَّيْنِ فَإِنْ دَفَعُوا الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ دَفَعَ بَعْضُهُمْ لَمْ تُنْتَقَضْ وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعُوا الْعَدَدَ الْمُوصَى بِهِ لَمْ تُنْتَقَضْ الْقِسْمَةُ وَهَذَا الشَّرْطُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا أَنَّ مَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا اقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ وَكَانَتْ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمْ غَرِيمٌ فَوَجَدَ بَعْضَهُمْ مُوسِرًا وَبَعْضَهُمْ مُعْسِرًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوسِرِ بِحِصَّتِهِ وَيَتْبَعُ الْمُعْسِرَ بِحِصَّتِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِالدَّيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِيمَا إذَا طَرَأَ غَرِيمٌ عَلَى غُرَمَاءَ أَوْ وَارِثٌ عَلَى وَرَثَةٍ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مُوصًى لَهُمْ وَأَمَّا إذَا طَرَأَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى

الْمَلِيءِ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ مَا أَخَذَهُ الْوَارِثُ ثُمَّ يَتْبَعُ الْوَارِثُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ عَلِمُوا بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا وَمِثْلُهُ فِي الْإِشْكَالِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا، قَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ هَلَكَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ دُورًا وَرَقِيقًا وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَجَهِلَ الْوَرَثَةُ أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالدَّيْنِ فَاقْتَسَمُوا مِيرَاثَهُ ثُمَّ عَلِمُوا بِالدَّيْنِ فَالْقِسْمَةُ تُرَدُّ حَتَّى يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ إنْ كَانَ مَا اقْتَسَمُوا قَائِمًا فَإِنْ أَتْلَفَ بَعْضُهُمْ حَظَّهُ وَبَقِيَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ حَظُّهُ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ دَيْنِهِ مِمَّا بِيَدِهِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَقَلَّ مِمَّا بِيَدِهِ أَخَذَ قَدْرَ دَيْنِهِ وَضَمَّ مَا بَقِيَ بِيَدِ هَذَا الْوَارِثِ بَعْدَ الدَّيْنِ إلَى مَا أَتْلَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ هُوَ التَّرِكَةَ وَمَا بَقِيَ بِيَدِ الْغَارِمِ كَانَ لَهُ وَيَتْبَعُ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ بِتَمَامِ مَوْرُوثِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّيْنِ إنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ وَيَضْمَنُ كُلُّ وَارِثٍ مَا أَكَلَ وَمَا اسْتَهْلَكَ مِمَّا أَخَذَ وَمَا بَاعَ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ إنْ لَمْ يُحَابِ، قَالَ مَالِكٌ: وَمَا فَاتَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ هَلَكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَرْضٍ وَغَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ هَلَكَ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَضَمَانُهُ مِنْ جَمِيعِهِمْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ بَاطِلَةً لِلدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَسَمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ ثُمَّ طَرَأَ دَيْنٌ انْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ كَقِسْمَتِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِ قَاضٍ وَهُمْ رِجَالٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا: وَإِذَا طَرَأَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْقَسْمِ وَالتَّرِكَةُ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ فَإِنَّمَا يُتْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ إنْ قَدَرَ عَلَى قَسْمِ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْوَارِثِ الَّذِي طَرَأَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْ يَتْبَعَ الْمَلِيءَ بِمَا عَلَى الْمُعْدِمِ وَلَيْسَ كَغَرِيمٍ طَرَأَ عَلَى وَارِثٍ وَلَكِنْ كَغَرِيمٍ طَرَأَ عَلَى غُرَمَاءَ وَلَوْ قَسَمُوا مَالَ الْمَيِّتِ أَجْمَعَ وَأَعْدَمَ بَعْضُهُمْ فَلَا يَتْبَعُ الْمَلِيءَ إلَّا بِمَا عِنْدَهُ مِنْ حِصَّتِهِ بِالْحِصَاصِ وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ دُورًا وَلَيْسَ فِيهَا عَيْنٌ فَاقْتَسَمَهَا الْوَرَثَةُ ثُمَّ قَدِمَ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِثُلُثٍ نُقِضَ الْقَسْمُ كَانُوا قَدْ جَمَعُوا الدُّورَ فِي الْقَسْمِ أَوْ قَسَمُوا كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ قَدِمَ مُوصًى لَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا كَانَ كَلُحُوقِ دَيْنٍ أَدْوَنَ أَوْ نَقْضِ الْقَسْمِ وَلَا يُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ مَالِهِمْ وَمَالُ الْمَيِّتِ قَائِمٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ طَاعَ أَكْثَرُهُمْ بِأَدَاءِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَأَبَى أَحَدُهُمْ، وَقَالَ: اُنْقُضُوا الْقَسْمَ وَبِيعُوا لِذَلِكَ وَاقْتَسِمُوا مَا بَقِيَ فَذَلِكَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ دَعَوْا إلَى نَقْضِ الْقَسْمِ إلَّا وَاحِدًا، قَالَ: أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ طَعَامًا وَلَا أَتْبَعُكُمْ بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقُضُوا الْقَسْمَ لِرَغْبَتِهِ فِي حَظِّهِ وَقَدْ قَسَمُوا رَبْعًا وَحَيَوَانًا فَذَلِكَ لَهُ، انْتَهَى. وَعُلِمَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَقْسُومِ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا. وَكَوْنِهِ كَدَارٍ إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيمَا إذَا طَرَأَ وَارِثٌ عَلَى مِثْلِهِ وَلَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ قَالَ: وَإِذَا طَرَأَ دَيْنٌ عَلَى الْقِسْمَةِ يَغْتَرِقُ التَّرِكَةَ أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَغْتَرِقُهَا وَكُلُّهُمْ حَاضِرٌ مُوسِرٌ غَيْرُ مُلِدٍّ أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا أَوْ مُعْسِرًا أَوْ مُلِدًّا أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْحَاضِرِ الْمُوسِرِ غَيْرِ الْمُلِدِّ وَيَتْبَعُ هُوَ أَصْحَابَهُ وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ رَقِيقًا فُسِخَتْ حَتَّى يُوَفَّى الدَّيْنُ عَلِمُوا بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: لَا يُفْسَخُ وَيُفَضُّ الدَّيْنُ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ فِي الْحِصَصِ وَإِذَا طَرَأَ غَرِيمٌ آخَرُ رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوسِرِ بِمَا عَلَى الْمُعْدِمِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِدَيْنِ الطَّارِئِ وَلَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ وَلَوْ فَضَلَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَإِذَا طَرَأَ وَارِثٌ وَالتَّرِكَةُ عَيْنٌ فَيَرْجِعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَنُوبُهُ فَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا أَخَذَ فِيهَا مِنْ الْمُوسِرِ مَا نَابَهُ فَقَطْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: بَلْ يُقَاسِمُ الْمُوسِرَ فِيمَا صَارَ إلَيْهِ وَيَتْبَعَانِ الْمُعْسِرَ مَعًا وَلَوْ تَرَكَ دَارًا فَاقْتَسَمَاهَا ثُمَّ طَرَأَ وَارِثٌ خُيِّرَ فِي نَقْضِ الْقَسْمِ أَوْ يُشَارِكُ كُلُّ وَاحِدٍ فِيمَا صَارَ إلَيْهِ اهـ وَمَسْأَلَةُ بَيْعِ الْوَرَثَةِ تَقَدَّمَتْ فِي التَّفْلِيسِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ وَاسْتُؤْنِيَ بِهِ إنْ عَرَفَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَقَالَ هُنَا فِي

مسألة أخرج ولد الميت كتابا بخط الميت أنه صار له ربع من التركة بعد التقسيم وطلب القيام

كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ هَلَكَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ دَارًا بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ بَاقِيَهَا إلَّا أَنْ يُخْرِجَ الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَتَبْقَى لَهُمْ الدَّارُ يَقْتَسِمُونَهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إذْ لَا حُجَّةَ لِلطَّالِبِ إلَّا فِي دَيْنِهِ كَمَا لَوْ أَدَّاهُ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ وَظَاهِرُهُ إنْ كَانَتْ أَمْوَالُ الْوَرَثَةِ غَيْرَ طَيِّبَةٍ، الشَّيْخُ. أَمَّا إنْ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ غَيْرَ طَيِّبَةٍ فَلَهُ مَقَالٌ إذَا كَانَ مَالُ الْمَيِّتِ أَطْيَبَ مِنْهَا اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ غَازِي: اشْتَمَلَ كَلَامُهُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا الَّتِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ الثَّلَاثَةَ لِرُجُوعِهَا لِلثَّمَانِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، انْتَهَى. قُلْت وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ هِيَ طُرُوُّ الْغَرِيمِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ كَفَافُ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ رَجَعَ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طُرُوُّ الْغَرِيمِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَفَافُ دَيْنِهِ رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِيمَةِ دَيْنِهِ كَالْعَمَلِ فِي رُجُوعِ الْغَرِيمِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَالثَّانِيَةُ طُرُوُّ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ وَعَلَى الْوَرَثَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا إنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ كَفَافُ الْجُزْءِ الطَّارِئِ كَانَ كَطُرُوِّ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى الْوَرَثَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَفَافٌ رَجَعَ بِالْبَاقِي عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ وَالثَّالِثَةُ طُرُوُّ الْغَرِيمِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ مَا قَبَضَهُ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَلَا رُجُوعَ لِلْغَرِيمِ عَلَيْهِ إلَّا فِي عَدَمِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ مَلِيئًا وَأَمَّا قَدْرُ الثُّلُثِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ إلَّا فِي عَدَمِ الْوَرَثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ أَوْ وَارِثٌ أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ اتَّبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ) ش: هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنًا وَأَمَّا إنْ كَانَ دَارًا فَإِنَّ لِلْوَارِثِ نَقْضَ الْقِسْمَةِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ طَرَأَ وَارِثٌ وَالْمَقْسُومُ كَدَارٍ فَلَهُ الْفَسْخُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنًا رَجَعَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: مَنْ أَعْسَرَ فَعَلَى الْجَمِيعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ فَلَهُ الْفَسْخُ أَيْ وَلَهُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَنُوبُهُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَفْظُ اللُّبَابِ لِابْنِ رَاشِدٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ أَخْرَجَ وَلَدُ الْمَيِّتِ كِتَابًا بِخَطِّ الْمَيِّتِ أَنَّهُ صَارَ لَهُ رَبْعٌ مِنْ التَّرِكَة بَعْد التَّقْسِيم وَطَلَبَ الْقِيَامَ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَاتِ: سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ قَسَّمَ مَوْرُوثَهُ مِنْ رَبْعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمُعَايَنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ أَخْرَجَ وَلَدُ الْمَيِّتِ كِتَابًا بِخَطِّ الْمَيِّتِ أَنَّهُ صَارَ لَهُ رَبْعٌ مِنْ التَّرِكَةِ بِمُبَايَعَةٍ وَطَلَبَ الْقِيَامَ فَهَلْ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ هَذَا الْكِتَابَ إلَّا الْآنَ وَأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بَعْدَ عُثُورِهِ فَأَجَابَ: يَحْلِفُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْكِتَابِ إلَّا الْآنَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْقِسْمَةِ تَسْلِيمُ الْأَمْلَاكِ الْمُقْتَسَمَةِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمَطَالِبُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَالدِّينِ بِحَيْثُ لَا يُتَّهَمُ وَأَمَّا حَلِفُهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بَعْدَ عُثُورِهِ عَلَى الْكِتَابِ فَيَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْ طُولِ زَمَانِهِ بَعْدَ عُثُورِهِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُسْتَرَابُ بِهِ حَالُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ فَيُنْظَرُ فِي هَذَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ سُئِلَ عَمَّنْ ادَّعَى دَارًا بِيَدِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَنَّهَا لِأَبِيهِ تَرَكَهَا لِوَرَثَتِهِ وَسَمَّاهُمْ ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَ لَهُ فِي صِحَّتِهِ بِنِصْفِهَا صَيَّرَهَا إلَيْهِ فِي حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ مِنْ قِبَلِ مِيرَاثِهِ مِنْ أُمِّهِ وَذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ فَسَكَنَهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: قَدْ ادَّعَيْتَهَا أَوَّلًا مِيرَاثًا وَالْآنَ لِنَفْسِكَ فَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَذَّبَ بَيِّنَتَهُ بِدَعْوَاهُ الْأُولَى، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأُخِّرَتْ لِحَمْلٍ لَا دَيْنٍ وَفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْقِسْمَةَ تُؤَخَّرُ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ حَمْلٌ وَلَا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ

حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ وَإِنْ قَالَ لَهُ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَجْعَلُ الْحَمْلَ ذَكَرًا وَنَعْزِلُ لَهُ مِيرَاثَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِاتِّفَاقٍ: وَأَمَّا قَضَاءُ الدَّيْنِ فَلَا يُؤَخَّرُ وَيُؤَدَّى بِاتِّفَاقٍ وَفِي إنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ قَوْلَانِ هَكَذَا حَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَذَكَرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ أَيْمَنَ أَنَّ الدَّيْنَ يُؤَخَّرُ أَيْضًا وَاعْتَرَضَهُ وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ الْغَلَطِ الَّذِي لَا يُعَدُّ خِلَافًا وَلَا حُجَّةَ لَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَغْلِيطِهِ ابْنَ أَيْمَنَ وَقَوْلُهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ وَبِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ إلَّا بِحُكْمِ قَاضٍ وَحُكْمُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ مَوْتِ الْمِدْيَانِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَدَدُ وَرَثَتِهِ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَالْحُكْمُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحُكْمِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى مُتَوَقِّفٍ عَلَى أَمْرٍ مُتَوَقِّفٍ عَلَى ذَلِكَ، الْأَمْرِ الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِعْذَارِ لِكُلِّ الْوَرَثَةِ وَالْحَمْلُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَا يَتَقَرَّرُ الْإِعْذَارُ فِي جِهَتِهِ إلَّا بِوَصِيٍّ وَمُقَدَّمٍ وَكِلَاهُمَا يَسْتَحِيلُ قَبْلَ وَضْعِهِ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَى. مِنْ آخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَذَكَرَهَا هُنَاكَ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ. (قُلْت) مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِابْنِ أَيْمَنَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْحُكْمِ بِالْحَمْلِ ثُبُوتُ عَدَدِ الْوَرَثَةِ الْمَوْجُودِينَ وَالْحَمْلُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْحَمْلِ وَصِيٌّ وَلَا وَلِيٌّ وَابْن رُشْدٍ لَا يُسَلِّمُ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ بِأَنَّ لِلنَّاظِرِ لِلْحَمْلِ أَنْ يُصَالِحَ الزَّوْجَةَ عَلَى مِيرَاثِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ كَأَنْ يَتْرُكَ زَوْجَةً حَامِلًا وَبَنِينَ وَنَصُّهُ: وَلَا خِلَافَ عِنْدِي فِي أَنَّ لِلنَّاظِرِ لِلْحَمْلِ أَنْ يُجِيزَ الصُّلْحَ عَلَيْهِ وَيَمْضِيَهُ إذَا رَآهُ نَظَرًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ غَرَرٌ وَلَا فَسَادٌ لِعِلْمِ الزَّوْجَةِ بِنَصِيبِهَا وَلَا فِي أَنَّ لِلنَّاظِرِ لِلْحَمْلِ أَنْ يُصَالِحَ الزَّوْجَةَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ إذَا كَانَ نَصِيبُهَا مَعْلُومًا، انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا عَزَلُوا لِلْحَمْلِ مِيرَاثَهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَقَسَّمُوا بَقِيَّةَ الْمِيرَاثِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رُجُوعٌ عَلَى مَا عَزَلُوهُ لِلْحَمْلِ إنْ نَقَصَ مَا بِأَيْدِيهِمْ أَوْ هَلَكَ وَإِنْ تَلِفَ مَا وَقَفُوهُ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِمْ إنْ وَجَدَهُمْ أَمْلِيَاءَ وَإِنْ أَعْدَمَ بَعْضُهُمْ رَجَعَ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ فَقَاسَمَهُمْ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ رَجَعَ هُوَ وَهُمْ عَلَى الْعُدَمَاءِ فَإِنْ نَمَا مَا بِأَيْدِيهِمْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ قَسْمَهُمْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَلَوْ نَمَا مَا وَقَفُوهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ لِأَنَّهُمْ قَدْ رَضُوا بِمَا أَخَذُوا فَالْقِسْمَةُ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لِلْحَمْلِ نَاظِرٌ قُسِّمَ عَلَيْهِ لَجَازَتْ الْقِسْمَةُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ. وَقَالَ بَعْدُ فِيمَنْ تَرَكَ زَوْجَةً حَامِلًا وَأَبَوَيْنِ: الْوَاجِبُ أَنْ يُوقَفَ الْمِيرَاثُ حَتَّى تَضَعَ فَإِنْ تَرَكَ الْمَيِّتُ وَلَدًا وَجَعَلُوا الْحَمْلَ ذَكَرًا وَعَزَلُوا لَهُ مِيرَاثَهُ وَاقْتَسَمُوا مَا بَقِيَ كَانَتْ مُقَاسَمَةً وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، انْتَهَى. يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ قَبْلَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ جَهِلَ الْوَرَثَةُ فَأَعْطُوهَا مِيرَاثَهَا ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَرَ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا أَعْطَوْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُفَسِّرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ أَمَّا مَنْ قَاسَمَهَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَأَمَّا الْحَمْلُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ مَلِيًّا فَلْيُقَاسِمْهُمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيَتْبَعُ هُوَ وَهُمْ الْمُعْدِمِينَ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ وَلَوْ أَعْطَاهَا الْوَرَثَةُ وَالنَّاظِرُ لِلْيَتِيمِ ثَمَنَهَا أَوْ صَالَحُوهَا عَنْهُ لَجَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ وَلِلْحَمْلِ رُجُوعٌ عَلَيْهَا بِمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ أَوْ هَلَكَ أَوْ نَقَصَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا إنَّ مَنْ أَثْبَتَ حَقًّا عَلَى صَغِيرٍ قُضِيَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُجْعَلْ لِلصَّغِيرِ وَكِيلٌ يُخَاصِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا قُضِيَ عَلَى الصَّغِيرِ بَعْدَ وَضْعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَامَ لَهُ وَكِيلٌ فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِ وَضْعِ الْحَمْلِ لِتَأْدِيَةِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا هِيَ بِعَدَدٍ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ لَوَجَبَ أَنْ يُعَجِّلَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ وَتُؤَخَّرُ قِسْمَةُ بَقِيَّةِ الْمَالِ حَتَّى

فرع فلو خلف الميت عقارا وأراد بعض الورثة أن يبيع ما خصه منه مما هو له

يُوضَعَ الْحَمْلُ قَوْلًا وَاحِدًا إذْ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعَدَدِ كَالدَّيْنِ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِهَا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ فَلَوْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ عَقَارًا وَأَرَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعَ مَا خَصَّهُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ لَهُ] (فَرْعٌ) فَلَوْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ عَقَارًا وَأَرَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعَ مَا خَصَّهُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا لَوْ أَرَادَتْ الزَّوْجَةُ بَيْعَ الثُّمُنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ أَرَ الْآنَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْقِسْمَةِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ وَقَعَ جَازَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ مَعَهَا مِنْ الْكِبَارِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ النَّاظِرُ عَلَى الْحَمْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّامِلِ فِي بَيْعِ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَبِي الْحَسَنِ وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ. ص (وَقَسَمَ عَنْ صَغِيرٍ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ) ش اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُتَّحِدًا وَشَرِيكُهُ كَبِيرًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُ الْوَصِيِّ مِنْ غَيْرِ مُطَالَعَةِ حَاكِمٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الصِّغَارُ وَكَانَ الشَّرِيكُ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ حَظُّ الصِّغَارِ مُشْتَرَكًا جَازَ الْقَسْمُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ مُتَمَيِّزًا فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَسْمُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الصِّغَارِ فَقَطْ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَسْمُ بَيْنَ الْأَبِ وَبَنِيهِ أَوْ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَمَحَاجِيرِهِ فَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَيُقَاسِمُ عَنْ الصَّغِيرِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجُ أَيْ مَعَ الْأَجَانِبِ وَأَمَّا مَعَ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلْيُرْفَعْ إلَى الْقَاضِي، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ قَوْلَهُ لِامْرَأَةٍ وَصِيَّةٍ عَلَى وَلَدِهَا خُذِي ثَمَنَ الْمَتْرُوكِ وَاقْسِمِي مَا بَقِيَ بِأَمْرِ الْعُدُولِ لَا السُّلْطَانِ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ جَوَازُ قَسْمِهَا لِنَفْسِهَا عَلَى أَوْلَادِهَا بِأَمْرِ الْعُدُولِ دُونَ السُّلْطَانِ. وَالْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ فَإِذَا فَعَلَتْ نُقِضَ قَسْمُهَا إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ السُّلْطَانُ وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ عُلِمَ السَّدَادُ وَالنَّظَرُ فِيهِ لَهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذَا السَّمَاعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ الْعُدُولَ لِيَشْهَدُوا بِالسَّدَادِ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ قَسْمُ الْوَصِيِّ عَلَى يَتِيمِهِ بِالسَّهْمِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ قَسْمُ الْوَصِيِّ عَلَى يَتِيمِهِ بِالسَّهْمِ جَائِزٌ وَفِي جَوَازِ قَسْمِهِ عَلَيْهِ مُرَاضَاةٌ بِالتَّعْدِيلِ قَوْلَا ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ مَعَ ابْنِ الْقَطَّانِ وَالْبَاجِيِّ مُحْتَجًّا بِمَسْأَلَةِ الرُّهُونِ وَابْنِ الْهِنْدِيِّ

باب القراض

انْتَهَى وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِابْنِ الْهِنْدِيِّ فَقَطْ وَقَالَ قَبْلَهُ الْمُتَيْطِيُّ إنْ شَرِكَهُمْ الْوَصِيُّ مَعَ غَيْرِهِمْ فَفِي جَوَازِ مُقَاسَمَتِهِمْ لَهُ وَمَعَهُمْ الْأَجْنَبِيُّ مُرَاضَاةً قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْقِرَاضِ] ص (بَابُ الْقِرَاضِ) ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْقِرَاضُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِيُجَازَى عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَلَمَّا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مُتَّفِقَيْنِ جَمِيعًا يَقْصِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ لِيَنْفَعَهُ هُوَ اشْتَقَّ لَهُ مِنْ مَعْنَاهُ اسْمًا، وَهُوَ الْقِرَاضُ وَالْمُقَارَضَةُ؛ لِأَنَّهُ مُفَاعِلَةٌ مِنْ اثْنَيْنِ هَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَقُولُونَ قِرَاضًا أَلْبَتَّةَ، وَلَا عِنْدَهُمْ كِتَابُ الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: مُضَارَبَةٌ وَكِتَابُ الْمُضَارَبَةِ، أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالَهُ عَلَى الْخُرُوجِ بِهِ إلَى الشَّامِ وَغَيْرِهَا فَيَبْتَاعُ الْمَتَاعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَفِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ: لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَأَرْبَابُ الْبَيَانِ. ، وَإِذَا كَانَ يُحْتَجُّ فِي اللُّغَةِ بِقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَالنَّابِغَةِ فَالْحُجَّةُ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ أَقْوَى وَأَوْلَى اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَهُ اسْمَانِ: الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ أَمَّا لَفْظُ الْقِرَاضِ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: أَقْرَضْتُ الرَّجُلَ إذَا أَعْطَيْتَهُ لِيُعْطِيَكَ فَالْمُقَارِضُ يُعْطَى الرِّبْحَ كَمَا يُعْطَى الْمُقْتَرِضُ مِثْلَ الْمَأْخُوذِ، قَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مِنْ الْمُقَارَضَةِ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ، وَمِنْهُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْإِنْشَادِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالرِّبْحِ، وَقِيلَ: مِنْ الْقَرْضِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّكَ قَطَعْتَ لَهُ مِنْ مَالِكَ قِطْعَةً، وَهُوَ قَطَعَ لَهُ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ لَكَ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِسَعْيِهِ وَسُمِّيَ مُقَارِضًا مَعَ أَنَّ الْمُفَاعِلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إمَّا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَاوِي صَاحِبَهُ فِي الرِّبْحِ أَوْ يَقْطَعُ لَهُ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ أَوْ هُوَ مِنْ الصِّيَغِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ نَحْوَ سَافَرَ، وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ إذَا جَعَلْتَهُ طَاقًا عَلَى طَاقٍ. وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ: فَهُوَ إمَّا أَنَّ كِلَيْهِمَا يَضْرِبُ فِي الرِّبْحِ بِنَصِيبٍ وَإِمَّا مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ السَّفَرُ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: فَرْقٌ بَيْنَ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ وَضَرَبَ الْأَرْضَ أَنَّ الْأَوَّلَ لِلتِّجَارَةِ، وَالثَّانِيَ لِلْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَالْقُرُبَاتِ كَأَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ مُنْغَمِسٌ فِي الْأَرْضِ وَمَتَاعِهَا، فَقِيلَ: ضَرَبَ فِيهَا، وَالْمُتَقَرِّبُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بَرِيءٌ مِنْ الدُّنْيَا فَلَمْ يُجْعَل فِيهَا وَسُمِّيَ مُفَاعَلَةً عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُقَارَضِ، وَالْمُقَارِضُ بِالْكَسْرِ رَبُّ الْمَالِ، وَبِالْفَتْحِ الْعَامِلُ، وَالْمُضَارِبُ بِالْكَسْرِ الْعَامِلُ عَكْسُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ بِالْمَالِ، قَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ اسْمٌ مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ اهـ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ تَوْكِيلٌ إلَخْ وَعَدَلَ عَنْ أَنْ تَكُونَ إجَارَةً كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِسَلَامَةِ مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ بَعْضِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَوْرَدَ عَلَى حَدِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَغَيْرُ جَامِعٍ أَمَّا عَدَمُ مَنْعِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَ عَلَى هَذَا التَّجْرِ فِي هَذَا الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ صَدَقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَيْسَ بِقِرَاضٍ، وَأَيْضًا فَلَوْ أَجَّرَهُ عَلَى التَّجْرِ إلَى أَجَلٍ أَوْ قَارَضَهُ بِعُرُوضٍ لَمْ يَكُنْ قِرَاضًا صَحِيحًا، وَأَمَّا عَدَمُ جَمْعِهِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَاضُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِغَيْرِهِمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ مَنْعِهِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِرَاضِ مَا ذَكَرَهُ، وَكَوْنُهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ شَرْطٌ فِي الصِّيغَةِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ إلَى أَجَلٍ شَرْطٌ فِي الْعَمَلِ وَكَذَا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ بِعَرْضٍ شَرْطٌ فِي الْمَالِ وَالشَّرْطُ

لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ جَمْعِهِ بِأَنَّ الصُّورَةَ الْمُقْتَرَضَ بِهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعَاتِ، وَإِطْلَاقُ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا مَجَازٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقِرَاضُ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ فَيَدْخُلُ بَعْضُ الْفَاسِدِ كَالْقِرَاضِ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ قَوْلُهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَعْمَلُ بِهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ لَا بَأْسَ بِهِ عِيَاضٌ. قَالَ سَحْنُونٌ: هُوَ ضَامِنٌ كَالسَّلَفِ فَضْلٌ هَذَا إنْ لَمْ يُشْتَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ إنْ قَالَ: خُذْهُ قِرَاضًا فَهُوَ ضَامِنٌ الْبَاجِيُّ يَجُوزُ شَرْطُ كُلِّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِنْ أُرِيدَ إدْخَالُهُ عَلَى أَنَّهُ قِرَاضٌ قِيلَ: عَقْدٌ عَلَى التَّجْرِ بِمَالِ الْعِوَضِ لَيْسَ مِنْ غَيْرِ رِبْحِهِ انْتَهَى. وَيَخْرُجُ مِنْ الْأَخِيرِ مَا إذَا شُرِطَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحُكْمُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِهِ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ، وَمِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ شُيُوخِنَا: إنَّهُ سُنَّةٌ أَيْ أَبَاحَتْهُ السُّنَّةُ، وَالرُّخْصَةُ فِيهِ جَائِزَةٌ بِالسُّنَّةِ لَا بِمَعْنَى السُّنَّةِ الَّتِي يُحَضُّ عَلَى أَمْثَالِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أَقُولُ هِيَ سُنَّةٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ عِيَاضٍ: هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَكُلُّ سَلَفٍ مَضْمُونٌ انْتَهَى. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالْقِرَاضُ مِمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُقِرَّ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَنْمِيَتِهَا بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَاضْطُرَّ فِيهِ إلَى اسْتِنَابَةِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِيهِ بِإِجَارَةٍ لِمَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِيهِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاضِ فَرُخِّصَ فِيهِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ وَاسْتُخْرِجَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ عَلَى نَحْوِ مَا رُخِّصَ فِيهِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَبَيْعِ الْعَرِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالتَّوْلِيَةِ فِيهِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ:) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: أَوَّلُ قِرَاضٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قِرَاضُ يَعْقُوبَ مَوْلَى الْحَرِقَةِ مَعَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ مَنْ يُقِيمُ مِنْ السُّوقِ مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ فَأُقِيمَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ أُقِيمَ فَجَاءَ إلَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ فَأَعْطَاهُ مِزْوَدَتَيْنِ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، وَقَالَ: إنْ جَاءَكَ مَنْ يَعْرِضُ لَكَ فَقُلْ لَهُ: الْمَالُ لِعُثْمَانَ فَقَالَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقُمْ فَجَاءَ بِمِزْوَدَيْنِ مِزْوَدِ رَأْسِ الْمَالِ وَمِزْوَدِ رِبْحٍ، وَيُقَالُ: إنَّ أَوَّلَ قِرَاضٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قِرَاضُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خَرَجَا فِي جَيْشٍ إلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا، وَسَهَّلَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ فَقَالَا: وَدِدْنَا، فَفَعَلَ وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ، فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَرَبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: ابْنَا عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَسْلَفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا لَوْ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ نَقَصَ لَضَمِنَّاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبِيدُ اللَّهِ نِصْفَ الرِّبْحِ انْتَهَى. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَيُقَالُ: إنَّ الرَّجُلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ثُمَّ قَالَ سُؤَالٌ أَبُو مُوسَى حَاكِمٌ عَدْلٌ، وَقَدْ تَصَرَّفَ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَصِيرُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ بَعْثِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ مُضَافًا إلَى الْحَرَامِ مَنْ يَنْبَغِي إكْرَامُهُ فَهُوَ تَصَرُّفٌ جَامِعٌ لِلْمَصَالِحِ فَيَتَعَيَّنُ تَنْفِيذُهُ وَعَدَمُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ جَوَابُهُ أَنَّ عَدَمَ التَّعَرُّضِ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ النُّظَرَاءِ مِنْ الْأُمَرَاءِ أَمَّا الْخَلِيفَةُ فَلَهُ

النَّظَرُ فِي أَمْرِ نُوَّابِهِ، وَإِنْ كَانَ سَدَادًا أَوْ نَقُولُ: كَانَ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ تُهْمَةٌ تَتَعَلَّقُ بِعُمَرَ بِسَبَبِ أَنَّهُ إكْرَامٌ لِبَنِيهِ فَأَرَادَ إبْطَالَهَا وَالذَّبَّ عَنْ عِرْضِ الْإِمَامَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَصِيرُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّفْعُ لِهَذَا الْقَصْدِ أَوْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَانَ هَذَا هُوَ السَّفَاتِجَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْأَثَرِ مِنْ الْمُوَطَّإِ: لَمْ يُرِدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْفَعَتَهُمَا بِالسَّلَفِ، وَمِنْ مُقْتَضَاهُ: ضَمَانُهُمَا الْمَالَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ التَّسَلُّفِ، ثُمَّ قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّفُ صَاحِبَ الْمَالِ أَوْ غَيْرَهُ ضَمِنَ لَهُ النَّظَرَ عَلَيْهِ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ أَبٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَلِّفَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَيُحْرِزَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَالْوَصِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُ أَبِي مُوسَى هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَعَلَ هَذَا لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فَوَّضَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَسْلَفَهُ بِإِسْلَافِهِمَا إيَّاهُ فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَفَاءٌ لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِأَبِي مُوسَى النَّظَرُ فِي الْمَالِ بِالتَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ، وَإِذَا أَسْلَفَهُ كَانَ لِعُمَرَ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ تَعَقُّبُ فِعْلِهِ، فَتَعَقَّبَهُ وَرَدَّهُ إلَى الْقِرَاضِ انْتَهَى. (نُكْتَةٌ:) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا: وَقَوْلُ عُمَرَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ إلَخْ؟ تَعَقُّبٌ مِنْهُ لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى، وَنَظَرٌ فِي تَصْحِيحِ أَفْعَالِهِ، وَتَبْيِينٌ لِمَوْضِعِ الْمَحْظُورِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّفْ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لِابْنَيْهِ مَوْضِعَ الْمُحَابَاةِ لِمَوْضِعِهِمَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا مِمَّا كَانَ يَتَوَرَّعُ عَنْهُ أَنْ يُخَصَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ بِمَنْفَعَةٍ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لِمَكَانِهِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ نَقْضٌ مِنْهُ لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى وَتَغْيِيرٌ لِسَلَفِهِ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: وَإِنَّمَا كَرِهَ تَفْضِيلَ أَبِي مُوسَى لِوَلَدَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يُلْزِمُهُمَا، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَسْلَفَ الْمَالَ وَأَسْلَفَهُمَا إيَّاهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَتِهِمَا، وَإِنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ التَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ فَإِنَّ لِعُمَرَ تَعَقُّبَهُ، وَالتَّكَلُّمَ فِيهِ، وَالنَّظَرَ فِي ذَلِكَ لَهُمَا وَلِلْمُسْلِمِينَ بِوَجْهِ الصَّوَابِ وَقَوْلُهُ: لِوَلَدَيْهِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ إعْرَاضٌ عَنْ حُجَّةِ عُبَيْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ يَضْمَنُ الْبِضَاعَةَ إذَا اشْتَرَى بِهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ دَخَلَهَا نَقْصٌ جَبَرَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ رِبْحَهَا لِرَبِّ الْمَالِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ سُؤَالٌ: كَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ قِرَاضًا بَعْدَمَا كَانَ قَرْضًا، وَإِلْزَامُ ذَلِكَ فِي الْقَرْضِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَأَكْلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّ الرِّبْحَ مِلْكٌ لِلْمُقْتَرِضِ إجْمَاعًا فَأَخْذُهُ غَصْبٌ جَوَابُهُ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي سِرَاجِ الْمُلُوكِ جَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتِفَاعَهُمْ بِجَاهِ الْعَمَلِ لِلْمُسْلِمِينَ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ كَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَاعَدُوهُمَا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَنَدُهُ فِي تَشْطِيرِ عُمَّالِهِ فِي أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ كَالْقِرَاضِ انْتَهَى. وَإِيرَادُ السُّؤَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا تُؤُمِّلَ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قُرِّرَ أَنَّ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَقْضَ فِعْلِ أَبِي مُوسَى فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قِرَاضًا، وَهُمَا إنَّمَا دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ قَرْضٌ، وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّهُ كَانَ لِعُمَرَ رَدُّ فِعْلِ أَبِي مُوسَى وَإِمْضَاؤُهُ فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ أَوْ يُمْضِيَ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَنَصُّهُ: وَالْقِرَاضُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ أَحَدُ نَوْعَيْ الشَّرِكَةِ يَكُونُ فِيهَا الْمَالُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَالْعَمَلُ مِنْ الثَّانِي، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشَّرِكَةِ: أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ص (مَضْرُوبٌ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَضْرُوبَ يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ كَأَنَّ التَّعَامُلَ بِهِ أَوْ فِي التِّبْرِ كَمَا لَوْ فُرِضَ أَنَّ السِّكَّةَ الْمَضْرُوبَةَ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا فِي بَلَدٍ أَصْلًا كَمَا فِي غَالِبِ بِلَادِ السُّودَانِ عَلَى مَا قِيلَ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ

بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَعَلَّهُ فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَا فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَائِزٌ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْعُرُوضِ مَا كَانَتْ وَاخْتَلَفُوا فِي الشُّرُوطِ الَّتِي بِهَا يَصِحُّ فَعِنْدَنَا أَنَّ شُرُوطَهُ عَشَرَةٌ: نَقْدُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْعَامِلِ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْعَامِلِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَبَايَعُ بِهِ أَهْلُ بَلَدٍ مِنْ الْعَيْنِ مَسْكُوكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَسْكُوكٍ، وَمَعْرِفَةُ الْجُزْءِ الَّذِي تَقَارَضَا عَلَيْهِ مِنْ رِبْحِهِ، وَكَوْنُهُ مُشَاعًا لَا مُقَدَّرًا بِعَدَدٍ، وَلَا تَقْدِيرٍ، وَأَنْ لَا يُخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ سَوَاءً إلَّا مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ الْعَامِلُ مِنْ نَفَقَةٍ وَمُؤْنَةٍ فِي السَّفَرِ، وَاخْتِصَاصُ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ، وَأَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ أَوْ بِتَخْصِيصٍ يَضُرُّ بِالْعَامِلِ وَأَنْ لَا يُضْرَبَ لَهُ أَجَلٌ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَبَايَعُ بِهِ إلَخْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَقْدِيرٍ: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ مِثْلُ مَا قَارَضَ بِهِ فُلَانٌ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ: فَإِذَا تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ الْقِرَاضُ، وَإِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ فَسَدَ الْقِرَاضُ انْتَهَى. ص (مُسَلَّمٌ) ش: أَيْ لِلْعَامِلِ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا شَرَطَ بَقَاءَ يَدِهِ مَعَهُ أَوْ أَمِينًا عَلَيْهِ وَمِمَّا لَوْ قَارَضَهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِإِخْرَاجِ ذَلِكَ قَيْدًا آخَرَ، فَقَالَ: الْمَالُ شَرْطُهُ نَقْدٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ مُسَلَّمٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بِدَيْنٍ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَقُولَ لِمَدِينِهِ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ قِرَاضًا مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَيُعِيدَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهُ بِهِ لِيَزِيدَهُ فِيهِ اللَّخْمِيُّ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يُظْهِرَانِ الْقِرَاضَ وَيُبْطِنَانِ أَنْ يَأْتِيَهُ رِبْحٌ مِنْ دَيْنِهِ، فَيَكُونَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيِّ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ إحْضَارُهُ مَعَ الْإِشْهَادِ انْتَهَى وَسَيَذْكُرُ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. ص (إنْ عُلِمَ قَدْرُهُمَا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَسَيُصَرِّحُ الْمُؤَلَّفُ بِبَعْضِ مَفْهُومِهِ، وَمِنْهُ مَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرَطَ ابْنُ شَاسٍ كَوْنَ الْمَالِ مَعْلُومًا قَالَ: احْتِرَازًا مِنْ دَفْعِ صُرَّةٍ عَيْنًا قِرَاضًا؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْمَالِ يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ الرِّبْحِ وَاضِحٌ مِنْ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ: وَلَا يَجُوزُ بِمَجْهُولِ وَزْنٍ انْتَهَى. ص (وَلَوْ مَغْشُوشًا) ش: أَشَارَ بِهَذَا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَيَجُوزُ بِالْمَغْشُوشِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَصَحَّ يَجُوزُ بِهِ مُطْلَقًا وَمُقَابِلُهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَا فَهِمَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَعَزَا مُقَابِلَ الْأَصَحِّ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَأَنَّ الْبَاجِيَّ قَيَّدَهُ بِبَلَدٍ لَا يَتَعَامَلُ بِالْمَغْشُوشِ مُطْلَقًا قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْغِشُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذِهِ دَرَاهِمُ مَغْشُوشَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهَا أَصْلَ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْغِشُّ عَلَى النِّصْفِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ بِالسِّكَّةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا، فَإِذَا كَانَتْ سِكَّةَ التَّعَامُلِ فَإِنَّهُ يَجُوز الْقِرَاضُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ عَيْنًا، وَصَارَتْ أُصُولَ الْأَثْمَانِ، وَقِيَمَ الْمُتْلِفَاتِ، وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا الْقِرَاضَ بِالْفُلُوسِ، فَكَيْفَ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ؟ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِأَعْيَانِهَا، وَلَوْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِأَعْيَانِهَا، وَإِنْ اُعْتُرِضَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ فَتَسْتَحِيلَ أَسْوَاقُهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ فِي الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ إذَا قُطِعَ التَّعَامُلُ بِهَا انْتَهَى. وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ

غَيْرَهُ وَنَصُّهُ: وَمَنَعَهُ الْقَاضِي بِالْعَيْنِ مَغْشُوشَةً الْبَاجِيُّ إلَّا حَيْثُ يَتَعَامَلُ بِهَا لِتَقْوِيمِ الْمُتْلَفِ بِهَا كَالطَّيِّبَةِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا وَمُقَابِلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَجُوزُ بِالْمَغْشُوشِ عَلَى الْأَصَحِّ فَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِإِطْلَاقٍ يُرَدُّ بِاتِّفَاقِ الْقَاضِي وَالْبَاجِيِّ عَلَى مَنْعِهِ حَيْثُ لَا يُتَعَامَلُ بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مُقَابِلُ لَعَلَّهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَقْلُ الْبَاجِيِّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَا فِي الذَّخِيرَةِ غَيْرَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَاجِيِّ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إثْرَ كَلَامِ الْبَاجِيِّ: وَالضَّابِطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنَّ كُلَّ مَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِالِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رُدَّ بِالْأُجْرَةِ إلَيْهِ لَمْ يَتَمَيَّزْ الرِّبْحُ إذْ رُبَّمَا ارْتَفَعَتْ قِيمَتُهُ فَيَسْتَغْرِقُ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعَ الرِّبْحِ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ فَيَصِيرُ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ رِبْحًا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَا لَمْ يُقْبَضْ أَوْ يُحْضِرُهُ وَيَشْهَدُ) ش يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ لَا بِدَيْنٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِهِ: وَاسْتَمَرَّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا عَلَى الْعَامِلِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ، وَأَحْضَرَ الدَّيْنَ قَبْلَ التَّجْرِبَةِ، وَأَشْهَدَ عَلَى وَزْنِهِ وَزَالَ عَنْهُ ضَمَانُهُ وَقَبَضَهُ مِنْهُ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْخَسَارَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقْبَضْ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ يَصِحُّ الْقِرَاضُ وَإِنْ أَعَادَهُ بِالْقُرْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ وَأَبَا الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) فَإِنْ عَمِلَ بِهِ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَاخْتُلِفَ فِي التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ الْخَسَارَةُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ: لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ ادَّعَى الْخُسْرَانَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَسْتَمِرُّ دَيْنًا خِلَافًا لِأَشْهَبَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَهُ لَا يَسْتَمِرُّ دَيْنًا بَلْ يَبْقَى قِرَاضًا، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَا اشْتَرَى وَبَاعَ فَلِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَحَكَى ابْنُ حَارِثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، وَالْخَسَارَةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَلَى أَصْلِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ أَشْهَبَ بِالْكَرَاهَةِ انْتَهَى. ص (وَلَا بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ) ش ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ أَنَّ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ إذَا وَقَعَ قَبْلَ قَبْضِهَا حُكْمُ الْقِرَاضِ بِالدِّينِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَلَا تِبْرٌ لَمْ يُتَعَامَلُ بِهِ بِبَلَدِهِ) ش أَمَّا إذَا كَانَ يُتَعَامَلُ بِهِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاضِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُتَعَامَلْ بِهِ فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَنْعُ الْقِرَاضِ بِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَرْعٌ: فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَمْضِي بِالْعَمَلِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُفْسَخُ عُمِلَ بِهِ أَمْ لَا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِذَا عُمِلَ بِالنَّقَّارِ رُدَّ مِثْلُهَا عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ إنْ عُرِفَ وَزْنُهَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَرَأْسُ الْمَالِ مَا بَاعَهُ بِهِ أَوْ مَا خَرَجَ فِي الضَّرْبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَإِنْ نَزَلَ مَضَى بِالْعَمَلِ، وَقِيلَ: وَقَبْلَهُ: وَرَدُّ مِثْلِهِ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ إنْ عُرِفَ وَزْنُهُ وَإِلَّا فَمَا بِيعَ بِهِ أَوْ خَرَجَ فِي الضَّرْبِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: بِعْهَا وَاشْتَرِهَا فَلْيَرُدَّ ثَمَنَهَا أَوْ مَا صَرَفَهَا بِهِ، فَإِنْ شَرَطَ صَرْفَهَا أَوْ ضَرْبَهَا عَلَى الْعَامِلِ فَلَهُ أَجْرُهُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ وَقِرَاضُ مِثْلِهِ انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ رَبِّهَا صَرْفَهَا أَوْ بَيْعَهَا وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ مَآلَ أَمْرِهَا لِذَلِكَ أَنَّهُ مَعَ الِاشْتِرَاطِ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ بَعْدَ نَضُوضِ الْمَالِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ جَعَلَهَا قِرَاضًا مِنْ يَوْمِ دُفِعَتْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْفَرْقِ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. ص (كَفُلُوسٍ) ش: يُرِيدُ، وَلَوْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا تَجُوزُ بِالْفُلُوسِ عَلَى الْأَصَحِّ وَثَالِثُهَا: إنْ كَثُرَتْ، وَرَابِعُهَا: الْكَرَاهَةُ، وَعَلَى الْمَنْعِ فَلَهُ أَجْرُهُ فِي بَيْعِهِ، وَقِرَاضُ مِثْلِهِ فِيمَا نَضَّ وَيُرَدُّ

فُلُوسًا انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ سُقُوطٌ، وَصَوَابُهُ، وَقِيلَ: يَمْضِي وَيَرُدُّ فُلُوسًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيُّ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقِرَاضُ بِالنَّقَّارِ أَخَفُّ وَالْفُلُوسُ كَالْعُرُوضِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَيَكُونُ لَهُ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَفِيمَا نَضَّ مِنْ ثَمَنِهَا قِرَاضُ مِثْلِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ كَالنَّقَّارِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِثْلَهُ وَيَرُدُّ فُلُوسًا زَادَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهَا، ثُمَّ يَعْمَلَ بِهَا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا فَهِمَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَعَرَضٍ إنْ تَوَلَّى بَيْعَهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ عَرَضًا عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ الْمَالِ وَيُرَدُّ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَغْلُوَ غُلُوًّا يَسْتَغْرِقُ رَأْسَ الْمَالِ وَالرِّبْحَ فَيُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ عَمَلِ الْعَامِلِ وَيَرْخُصَ فَيَأْخُذُ الْعَامِلُ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ قِيمَتُهُ الْآنَ أَوْ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِلْغَرَرِ، وَلَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ، وَيَكُونَ ثَمَنُهُ رَأْسَ الْمَالِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُفْسَخُ ذَلِكَ، وَإِنْ بِيعَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّمَنِ، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَ فِي بَيْعِهِ كُلْفَةٌ وَلِذَلِكَ أُجْرَةٌ لَهَا خَطْبٌ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لَا خَطْبَ لَهَا أَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ قِرَاضًا، أَوْ يَقُولُ كَلِّفْ مَنْ يَبِيعُ وَيَأْتِيكَ بِالثَّمَنِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْمُصَنِّفُ لِتَقْيِيدِ اللَّخْمِيِّ وَجَعَلَهُ خِلَافًا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَوْ قَالَ: آخُذُ هَذَا الْعَرَضَ وَأَمْضِي بِهِ إلَى الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَأَدْفَعُهُ إلَى فُلَانٍ يَبِيعُهُ وَيَقْبِضُ ثَمَنَهُ فَخُذْهُ مِنْهُ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْعُرُوض، وَلَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ: بِلَا خِلَافٍ فَقَالَ: إنْ تَوَلَّى بَيْعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ أُجِّلَ أَوْ ضُمِنَ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا لَمْ يُشْتَرَطْ زِيَادَةٌ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ فَفِيهِ إنْ نَزَلَ قِرَاضُ مِثْلِهِ كَالْقِرَاضِ عَلَى ضَمَانٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ الْمُتَيْطِيُّ: لَوْ تَطَوَّعَ الْعَامِلُ بِضَمَانِ الْمَالِ فَفِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ خِلَافٌ بَيْن الشُّيُوخِ فَذَهَبَ ابْنِ عَتَّابٍ إلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَحَكَى إجَازَتَهُ عَنْ شَيْخِهِ مُطَرِّفٍ ابْنُ بَشِيرٍ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: لَا يَجُوزُ وَمَال إلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ

مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اُنْظُرْ الْوَصَايَا مِنْ ابْنِ سَهْلٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمَشَذَّالِيِّ. ص (أَوْ مَا يَقِلُّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَقَدْ تَعَدَّى، فَإِنْ رَبِحَ فَلَهُ فِيمَا رَبِحَ قِرَاضُ مِثْلِهِ وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ فِي الْوَضِيعَةِ، وَلَا أُعْطِيهِ - إنْ رَبِحَ - إجَارَتَهُ؛ إذْ لَعَلَّهَا تَغْتَرِقُ الرِّبْحَ وَتَزِيدُ فَيَصِلُ بِتَعَدِّيهِ إلَى مَا يُرِيدُ انْتَهَى. ص (كَاشْتِرَاطِ يَدِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (مَسْأَلَةٌ:) قَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ رَجُلًا سِلْعَةً سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْقِرَاضِ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْمَالَ فَيُقِيمُ فِي

يَدَيْهِ أَيَّامًا، وَيَتَجَهَّزُ بِذَلِكَ يُرِيدُ سَفَرًا فَيَلْقَى صَاحِبَ الْمَالِ فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ أَخْرُجَ مَعَكَ فَأَخْرِجْ ذَهَبًا آخَرَ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ، وَنَشْتَرِكُ جَمِيعًا قَالَ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَمْرًا بَيِّنًا وَمَا يَحْضُرُنِي فِيهِ مَكْرُوهٌ وَكَأَنَّهُ خَفَّفَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا إذَا صَحَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ، وَلَا رَأْيٍ، وَلَا عَادَةٍ قَالَ أَصْبَغُ: لَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ سَحْنُونٌ: هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُفَسِّرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا إنَّمَا خَفَّفَ ذَلِكَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ التَّوَاطُؤِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَهَّزَ بِالْمَالِ إذْ لَوْ أَتَاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَجَهَّزَ بِالْمَالِ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ وَفَعَلَهُ مَعَهُ لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ مَعَهُ فِي مَالِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِنْ رِبْحِهِ. وَكَرِهَهُ أَصْبَغُ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ تَوَاطَأَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَجَهَّزَ بِالْمَالِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَضَى، وَلَمْ يُفْسَخْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَفُسِخَ عَلَى مَذْهَبِ أَصْبَغَ مَا لَمْ يَفُتْ بِالْعَمَلِ فَلَوْ فَاتَ مَضَى وَكَانَ الْعَامِلُ عَلَى شَرْطِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ: إنَّهُ الرِّبَا بِعَيْنِهِ فَيُفْسَخُ مَتَى مَا عُثِرَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ هُوَ الرِّبَا عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ فِي اللَّفْظِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ؛ إذْ لَيْسَ رِبًا بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ مَعَهُ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ، وَذَلِكَ مَا لَا يَحِلُّ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْطِهِ أَجْرَهُ» وَلِقَوْلِهِ «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُؤَاجِرْهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ» وَلْيَقِهِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ لَا يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ وَالْجَهْلُ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ كَمَا لَا يَحِلُّ الرِّبَا قَالَ فِيهِ: إنَّهُ رِبًا انْتَهَى. ص (أَوْ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ إنْ أَخْبَرَهُ بِقَرْضٍ) ش: كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَبَعْدَ اشْتِرَائِهِ بِالْوَاوِ، وَهُوَ أَحْسَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَيَّنَ شَخْصًا أَوْ زَمَنًا أَوْ مَحِلًّا) ش: يَعْنِي فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: تَحْرِيرٌ عَجِيبٌ فِي أَنَّ

تَعْيِينَ الزَّمَانِ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا أَنَّ الْقِرَاضَ إلَى أَجَلٍ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَتَصَوُّرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا جَلِيٌّ انْتَهَى. كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ تَعْيِينَ الزَّمَانِ هُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْغَلَ جَمِيعَ الْمُدَّةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مَالَ الْقِرَاضِ، وَيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِيهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ جَمِيعَ الزَّمَانِ، وَأَنَّ الْقِرَاضَ إلَى أَجَلٍ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مَالَ الْقِرَاضِ إلَى شَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرِضَاهُمَا بَعْدُ عَلَى ذَلِكَ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِلْعَامِلِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ لِقَبْضِهِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ لِرَبِّ الْمَالِ، فَقِيلَ: تَبْطُلُ لِعَدَمِ الْحَوْزِ، وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالصِّحَّةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَمَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ إلَى النُّفُوذِ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ:) أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا التَّرَاضِيَ عَلَى جُزْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ فِي بَابِ الْآجَالِ: وَإِنْ قَارَضْت رَجُلًا مَالًا أَوْ أَسْلَفْتُهُ إيَّاهُ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُ هَدِيَّةً قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْهَدِيَّةَ مُحَقَّقَةٌ، وَهَذِهِ مُتَوَهَّمَةٌ أَوْ أَنَّهُ فِي كِتَابِ الْآجَالِ لَمْ يَعْمَلْ وَهُنَا عَمِلَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ص (وَهِيَ لِلْمُشْتَرِطِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ مَثَلًا

لِأَجْنَبِيٍّ وَأَبَى مَنْ أَخَذَهُ فَإِنَّهُ لِمُشْتَرِطِهِ انْتَهَى. ص (وَالثَّمَنُ عَيْنًا) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَيْنًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالثَّمَنُ عَيْنٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. ص

وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ) ش: اُنْظُرْ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا أَوْ لَا يَرْكَبَ بَحْرًا أَوْ لَا يَمْشِيَ بِلَيْلٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَسَلِمَ، ثُمَّ إنَّهُ اشْتَرَى وَخَسِرَ هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ نَهَيْتَهُ عَنْ الْخُرُوجِ بِالْمَالِ مِنْ مِصْرَ فَخَرَجَ بِهِ إلَى إفْرِيقِيَّةَ عَيْنًا قَبْلَ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ، ثُمَّ تَجَرَ بِهِ بِمِصْرَ فَخَسِرَ أَوْ ضَاعَ مِنْهُ بِمِصْرَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّكَهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَيْسَ التَّحْرِيكُ بِشَرْطٍ فَمَتَى رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ حَرَّكَهُ الشَّيْخُ: وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا زَرَعَ أَوْ سَاقَى جَوْرًا وَظُلْمًا لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ يَعْنِي فِي الْآتِيَةِ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَأَنْ زَرَعَ أَوْ سَاقَى فِي مَوْضِعِ جَوْرٍ لَهُ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا زَرَعَ أَوْ سَاقَى بِمَوْضِعِ جَوْرٍ وَظُلْمٍ لَهُ أَيْ لِلْعَامِلِ يَعْنِي فِي مَوْضِعٍ يَرَى أَنَّهُ يُظْلَمُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَهُ مِمَّا إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ فِيهِ ظُلْمٌ أَوْ جَوْرٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّهُ هُوَ لَا يُظْلَمُ لِوَجَاهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ وَيُسَاقِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ ظُلْمٍ فَيَضْمَنُ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ ظُلْمٍ يَضْمَنُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَاطَرَ بِهِ فِي مَوْضِعِ ظُلْمٍ أَوْ غَرَرٍ يَرَى أَنَّهُ خَطَرٌ فَهُوَ ضَامِنٌ فَزَادَ الْمُخَاطَرَةَ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ ظُلْمٍ، وَلَا يُعَدُّ الزَّارِعُ مُخَاطِرًا لِوَجَاهَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَكَأَنَّ ابْنَ غَازِيٍّ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ فَتَحَيَّرَ فِي مَعْنَاهُ فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا ضَمَّنَّاهُ بِالتَّعَدِّي لِمُخَاطَرَتِهِ فِي مَوْضِعِ الظُّلْمِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْخَسَارَةُ مِنْ سَبَبِ الزَّرْعِ أَوْ مِنْ سَبَبِ الظُّلْمِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ لِلتَّعَدِّي فِي أَصْلِ فِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالرِّبْحُ لَهُمَا كَكُلِّ آخِذِ مَالٍ لِلتَّنْمِيَةِ فَتَعَدَّى) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا تَعَدَّى فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقُلْنَا: إنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ إنْ تَلِفَ أَوْ خَسِرَ

فَلَا يَخْتَصُّ بِالرِّبْحِ، وَيُقَالُ: كَمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْخَسَارَةَ فَلْيَسْتَبِدَّ بِالرِّبْحِ بَلْ الرِّبْحُ لَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الِاسْتِبْدَادَ بِالرِّبْحِ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَلِأَنَّا لَوْ قُلْنَا الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ بِتَعَدِّيهِ لَكَانَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُ عَلَى التَّعَدِّي لِيَسْتَقِلَّ بِالرِّبْحِ وَلِهَذَا لَوْ قُلْنَا: إنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ مَالًا لِيُنَمِّيَهُ فَيَتَعَدَّى فِيهِ كَالْوَكِيلِ وَالْمُبْضِعِ مَعَهُ فَالْغُرْمُ عَلَيْهِ وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا الْمُقَارَضُ فَالرِّبْحُ لَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِاطِّرَادِ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَدٍّ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ مَالًا عَلَى الْأَمَانَةِ وَتَعَدَّى فِيهِ فَالرِّبْحُ لَهُ فَقَطْ كَالْمُودَعِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْعَامِلَ يَجِبُ لَهُ الرِّبْحُ كُلُّهُ فِي مَسَائِلِ الضَّمَانِ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ انْتِقَالَ مَالِ الْقِرَاضِ إلَى ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلرِّبْحِ انْتَهَى. ص (وَلَا أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ) ش:

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ: وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ كَثِيرًا يَشْغَلُهُ الثَّانِي عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا، فَإِنْ أَخَذَهُمَا، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْعَمَلَ بِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَهُمَا، وَلَا يَضْمَنُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي انْتَهَى. ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنْ الْأَوَّلِ وَأَخَذَهُ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي بَابِ الْقِرَاضِ: وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَخْلِطَ الْقِرَاضَ بِمَالِهِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّجْرِ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ وَتَجِرَ فِي الثَّانِي، وَعَطَّلَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ سِوَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَكُونُ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا حَرَمَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَكَذَلِكَ إذَا تَجَرَ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالثَّانِي عَنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ حَتَّى نَزَلَ سُوقَهُ فَيُخْتَلَفُ هَلْ يَضْمَنُ الْعَامِلُ مَا حَطَّ السُّوقُ؛ لِأَنَّهُ حَرَمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ فَسَدَ لِأَجْلِ شُغْلِهِ عَنْهُ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ قِرَاضًا بَعْدَ قِرَاضٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الثَّانِي إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّجْرِ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى التَّجْرِ فِي أَحَدِهِمَا مُنِعَ مِنْ التَّجْرِ فِي الثَّانِي، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ مَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ ضَيْعَةٍ أَوْ نُزُولِ أَسْوَاقٍ أَوْ فَسَادٍ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْأَوَّلِ وَعَطَّلَ الثَّانِيَ ضَمِنَ قَدْرَ مَا حَرَمَهُ مِنْ رِبْحِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ ضَاعَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي أَخْذِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّ فِي يَدَيْهِ قِرَاضًا لِغَيْرِهِ أَوْ أَعْلَمَهُ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِالْمَالَيْنِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَنَصُّهُ: اللَّخْمِيُّ لَهُ خَلْطُهُ بِمَالِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى التَّجْرِ بِهِمَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّجْرِ بِالزَّائِدِ عَلَيْهِ مُنِعَ مِنْ خَلْطِهِ، فَإِنْ تَجَرَ فِي الثَّانِي وَعَطَّلَ الْأَوَّلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخِرِ يَغْرَمُ قَدْرَ مَا حَرَمَهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ تَجَرَ بِالْأَوَّلِ وَاشْتَغَلَ بِالثَّانِي عَنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ حَتَّى نَزَلَ سُوقَهُ أَوْ فَسَدَ فَفِي ضَمَانِهِ نَقْصَهُ أَوْ كُلَّهُ - إنْ فَسَدَ - الْقَوْلَانِ، وَأَخْذُهُ قِرَاضًا بَعْدَ قِرَاضٍ جَائِزٌ إنْ قَدَرَ عَلَى التَّجْرِ بِهِمَا، وَإِلَّا مُنِعَ مِنْ التَّجْرِ بِالثَّانِي، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي ضَمَانِهِ لِتَرْكِ الْأَوَّلِ وَنُزُولِ سُوقِهِ أَوْ فَسَادِهِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْأَوَّلِ ضَمِنَ ذَلِكَ فِي الثَّانِي إنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا الثَّانِي أَنَّ بِيَدِهِ قِرَاضًا لِغَيْرِهِ أَوْ أَعْلَمَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْمَالَيْنِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ تَعَدَّدَ فَالرِّبْحُ كَالْعَمَلِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَارَضْت رَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ، وَلِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخِرِ السُّدُسُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ الْعَامِلَانِ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَأْخُذُ بَعْضَ رِبْحِ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لَكَ ظَاهِرَهُ أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلَيْنِ، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِلِ خَاصَّةً وَظَاهِرُ الْكِتَابِ: أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: زَادَ فِي الْأُمَّهَاتِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ هَذَا إذَا عَمِلَا عَلَى مَا يَجُوزُ فِي الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: عَمَلُهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْزَائِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ جَائِزٌ، وَنَحْوُهُ لِحَمْدِيسٍ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَإِنْ عَمِلَا مَضَى، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ: الصَّوَابُ: جَوَازُهُ انْتَهَى. وَبَعْضُ مَشَايِخِهِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ ابْنُ رُشْدٍ كَذَا نَسَبَهُ فِي التَّوْضِيحِ لَهُ، وَهُوَ لَهُ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الْقِرَاضِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ، فَإِذَا فَاتَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ يُقَسَّمُ الرِّبْحُ عَلَى مَا سَمَّوْا وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى صَاحِبِ الْكَثِيرِ بِفَضْلِ عَمَلِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ: بَلْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: بَلْ يُرَدَّانِ إلَى حُكْمِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ التُّونُسِيُّ: يَكُونَانِ أَجِيرَيْنِ، وَقَالَ فَضْلٌ: لَهُمَا قِرَاضُ مِثْلَيْهِمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُ التُّونُسِيِّ أَظْهَرُ عِنْدِي وَأَجْرَى عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَا قَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ، وَفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةُ

مِثْلِهِ انْتَهَى. ص (لِغَيْرِ أَهْلٍ) ش: فَإِنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ إلَى بَلَدٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ أَيْضًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي ذَهَابِهِ، وَلَا فِي رُجُوعِهِ، وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ أَهْلُهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ فَلَا نَفَقَةَ فِي ذَهَابِهِ، وَلَا فِي إقَامَتِهِ، وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (لَا دَوَاءَ) ش قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ الْبَاجِيُّ

وَلَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيَفْصِدَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلِلْعَامِلِ نَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ، وَفِي إقَامَتِهِ بِغَيْرِ وَطَنِهِ بِالْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ هَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَرُكُوبِهِ وَمَسْكَنِهِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَحِجَامَتُهُ وَحَمَّامُهُ قَالُوا: وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ انْتَهَى. ص (وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ عَمَلِهِ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ رَدُّهُ وَالرُّجُوعُ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ انْتَهَى. ص (كَرَبِّهِ، وَإِنْ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ، وَلَمْ يَظْعَنْ) ش: يَعْنِي: وَأَمَّا الْعَامِلُ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ الْفَسْخُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اللَّهُمَّ

إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْعَنْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا ظَعَنَ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْكَ حَتَّى أَرُدّكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِرَبِّ الْمَالِ رَدُّ الْمَالِ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْعَامِلُ أَوْ يَظْعَنْ بِهِ لِسَفَرٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ظَعْنِهِ: ارْجِعْ، وَأَنَا أُنْفِقُ عَلَيْكَ انْتَهَى. ص (وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وَخُسْرِهِ وَرَدِّهِ) ش: وَهَلْ يَحْلِفُ أَمَّا فِي دَعْوَى الرَّدِّ فَيَحْلِفُ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا فِي

التَّلَفِ فَأَجْرَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) حُكْمُ الْمُبْضَعِ مَعَهُ حُكْمُ الْمُقَارَضِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ (الثَّانِي:) قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي رَدِّ الْمَالِ يَعْنِي إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي الْوَكَالَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْعَارِيَّةِ، وَهَذَا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَهُ أَوْ رَدَّ بَعْضَهُ، وَكَانَ الْبَاقِي لَا يَفِي بِرَأْسِ الْمَال، وَإِنَّمَا يَفِي بِمَا رَدَّهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَاقِي يَفِي بِرَأْسِ الْمَالِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْبَاقِي رِبْحٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ: وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ رَدَدْت إلَيْكَ رَأْسَ مَالِكَ، وَاَلَّذِي بِيَدِي رِبْحٌ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا صُدِّقَ رَبُّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْبَيِّنَةُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَحُكِيَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ إذَا قَالَ: مَا فِي يَدِي هَذَا رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ قَائِمٌ بِيَدِهِ بَعْدُ، وَأَمَّا إنْ قَالَ: رَدَدْت إلَيْكَ الْمَالَ وَحِصَّتُكَ مِنْ الرِّبْحِ، وَمَا فِي يَدِي حِصَّتِي مِنْ الرِّبْحِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ إذَا كَانَ قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. وَقَالَ

باب المساقاة

اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ بَعْدَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هَذَا رِبْحِي، وَكَمَا لَوْ قَالَ: رَدَدْتُ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: رَدَدْتُ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ جَمِيعَهُ دُونَ الرِّبْحِ أَوْ لَمْ أَرْبَحْ شَيْئًا أَوْ رَبَحْته وَسَلَّمْتُ إلَيْكَ رَأْسَ الْمَالِ وَنَصِيبَكَ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي الْمُسَاقِي يَقُولُ بَعْدَ جَذَاذِ الثَّمَرَةِ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ قَدْ دَفَعْتُ إلَيْكَ نَصِيبَكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ: هَذَا الَّذِي فِي يَدِي نَصِيبِي فَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا تَقَدَّمَ: فَفِي قَبُولِ دَعْوَى الْعَامِلِ رَدَّ الْمَالِ مُقِرًّا بِبَقَاءِ رِبْحٍ بِيَدِهِ ثَالِثُهَا: إنْ ادَّعَى رَدَّ حَظِّ رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ لِلَّخْمِيِّ وَلَهَا وَلِلْقَابِسِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ قَالَ رَدَدْتُ إلَيْكَ مَا وَكَّلْتَنِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ دَفَعْتُ إلَيْكَ ثَمَنَهُ أَوْ وَدِيعَتَكَ أَوْ قِرَاضَكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: رَدَدْتُ إلَيْكَ رَأْسَ الْمَالِ، وَاَلَّذِي بِيَدِي رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: لَمْ تَدْفَعْ لِي شَيْئًا صُدِّقَ رَبُّ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْبَيِّنَةُ، وَهَذَا نَصُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ أَوْ قِرَاضٌ لِرَجُلٍ فَقَالَ: رَدَدْتُ إلَيْكَ ذَلِكَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ ظَاهِرُهُ كَانَ قَبْلَ الْمُفَاصَلَةِ أَوْ بَعْدَ الْمُفَاصَلَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ: وَإِذَا قَالَ رَدَدْتُ إلَيْكَ رَأْسَ مَالِكَ وَبِيَدِي رِبْحٌ إلَخْ فَهِيَ تَقْيِيدٌ بِهَذَا انْتَهَى. (الثَّالِثُ:) لَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِالْمَالِ فَهَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ فِيهِ نَصَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُسَاقَاةِ] ص (بَابٌ إنَّمَا تَصِحُّ مُسَاقَاةُ شَجَرٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ عَلَى مُؤْنَةِ نُمُوِّ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ انْتَهَى. وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا بِلَفْظِ عَامَلْتُكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسَاقَاةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: الصِّيغَةُ ابْنُ رُشْدٍ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ بَعْلًا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى شَجَرِ الْبَعْلِ، وَكَذَلِكَ مَا يَشْرَبُ بِالسَّيْحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الدَّوَابِّ وَالْأُجَرَاءِ قِيلَ لِمَالِكٍ فَزَرْعُ الْبَعْلِ كَزَرْعِ إفْرِيقِيَّةَ وَمِصْرَ، وَهُوَ لَا يُسْقَى؟ قَالَ: إنْ احْتَاجَ مِنْ الْمُؤْنَةِ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ شَجَرُ الْبَعْلِ، وَيَخَافُ هَلَاكَهُ إنْ تُرِكَ جَازَتْ مُسَاقَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ إلَّا حِفْظُهُ وَحَصَادُهُ وَدِرَاسَتُهُ لَمْ تَجُزْ وَتَصِيرُ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَلَيْسَ زَرْعُ الْبَعْلِ كَشَجَرِ الْبَعْلِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ زَرْعِهِ عَلَى الضَّرُورَةِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْت) وَقَوْلُهُ: قِيلَ فَزَرْعُ الْبَعْلِ إلَخْ هُوَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَعْنَاهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي شَجَرِ الْبَعْلِ خَوْفُ الْهَلَاكِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي زَرْعِهِ بَلْ مُجَرَّدُ الْحَاجَةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ذِي ثَمَرٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أُخْرِجَ بِهِ الشَّجَرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِطْعَامِ كَالْوَدِيِّ فَإِنَّ مُسَاقَاتَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَسَيَقُولُ فِي الْمَمْنُوعَاتِ: وَشَجَرٌ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَ سِنِينَ، وَهُوَ يَبْلُغُ أَثْنَاءَهَا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ وَدِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِطْعَامِ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ فَهَلْ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْحَائِطِ جَمِيعِهِ، وَيَكُونُ تَبَعًا؟ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى الْجَوَازُ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (إلَّا تَبَعًا) رَاجِعًا إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ وَنَصُّ

الْبَاجِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّإِ: وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْعَامِلِ ابْتِدَاءُ عَمَلٍ جَدِيدٍ مِنْ بِئْرٍ يَحْفِرُهَا، أَوْ غَرْسٍ يَغْرِسُهُ فَيَأْتِي بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، يَعْنِي: أَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَى الْعَامِلِ غَرْسًا يَأْتِي بِهِ مِنْ عِنْدِهِ فَيَغْرِسُهُ فِي أَرْضِهِ، أَوْ حَائِطِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ يَسِيرًا أَجَزْتُ الْمُسَاقَاةَ، وَأَبْطَلْتُ الشَّرْطَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ لَمْ تَجُزْ. قَالَ مَالِكٌ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ فَقَطْ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْغَرْسِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْحَائِطِ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمُؤْنَةُ فَجَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجِيرٌ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، قَالَ عِيسَى إنْ كَانَ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ دُونَ الْأَصْلِ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَدِيُّ مِنْ الْعَامِلِ رُدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ وَلَهُ قِيمَةُ غَرْسِهِ مَقْلُوعًا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ كَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ سَقْطٌ مِنْهُ لَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَسْقِيَ الْجَدَاوِلَ إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ مِنْ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ الَّذِي جَوَّزُوا اشْتِرَاطَهُ. ص (وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ) ش: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا حَلَّ بَيْعُهُ كَمَا إذَا أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَزْهَى بَعْضُ الْحَائِطِ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاةُ جَمِيعِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاةُ شَيْءٍ مِنْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى رَبِّهِ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ بَيْعِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ انْتَهَى. (قُلْت:) وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُسَاقَاةُ إذَا أَزْهَى مَا يُجَاوِرُهُ مِنْ الْحَوَائِطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ (تَنْبِيهٌ:) ، فَإِذَا عَمِلَ رَبُّ الْحَائِطِ فِي حَائِطِهِ مُدَّةً، ثُمَّ سَاقَاهُ قَبْلَ أَنْ يُثْمِرَ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَ، وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ جَازَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِأُجْرَةِ مَا سَقَى، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ قَالَهُ فِي رَسْمِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ سَاقَاهُ بَعْدَ أَنْ أَسْقَى شَهْرًا عَلَى أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا سَقَى فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ انْتَهَى. ص (وَلَمْ يُخْلِفْ) ش: احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا يُخْلِفُ كَالْبُقُولِ وَالْقَضْبِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَوْزِ وَالْقُرْطِ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْكُرَّاثُ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِشَجَرٍ، وَإِذَا جُزَّ أَخَلْفَ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ رَبُّهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ أَنَّ الْبَصَلَ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُجَذُّ بِأُصُولِهِ بِخِلَافِ الْكُرَّاثِ فَإِنَّهُ يُجَذُّ وَتَبْقَى أُصُولُهُ فِي الْأَرْضِ. ص (إلَّا تَبَعًا) ش: هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرنَا عَنْ الْبَاجِيِّ قَبْلُ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِالْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ (تَنْبِيهٌ:) وَإِذَا كَانَ مَا يَخْلُفُ تَبَعًا فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا إلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ قَالَهُ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ص (بِجُزْءٍ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ) ش: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِجُزْءٍ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ بِكَيْلٍ مُسَمًّى مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ بَلْ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ جَمِيعُهَا لِلْعَامِلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَظَاهِرُهَا أَنَّهَا مُسَاقَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ أَوْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْهِبَةَ لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَةِ الْخَرَاجِ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا رَوَاهُ

فرع ليس للعامل أن يعري من الحائط

ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ التُّونُسِيِّ: هِيَ كَالْهِبَةِ، وَإِنْ انْتَفَعَ رَبُّهَا بِسَقْيِ أُصُولِهِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ انْتَهَى. (قُلْت:) قَالَ اللَّخْمِيُّ مُتَمِّمًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ: وَمَتَى أَشْكَلَ الْأَمْرُ حَمْلًا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِقَوْلِهِ: أُسَاقِيكَ، وَرَبُّ الْحَائِطِ أَعْلَمُ بِمَنَافِعِهِ وَمَصْلَحَةِ مَالِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ مِنْحَةٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْحِيَازَةِ، وَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. (قُلْت:) وَأَمَّا عَكْسُ هَذَا فَظَاهِرٌ جَوَازُهُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ هُنَا مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ (تَنْبِيهٌ:) يُشْتَرَطُ فِي الْجُزْءِ الْمَأْخُوذِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَلِفًا فَلَوْ كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ مِنْ الثَّمَرَةِ وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ صِنْفٍ مِنْهَا النِّصْفَ، وَمَنْ صِنْفٍ مِنْهَا الثُّلُثَ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنْ الثِّمَارِ فَسَاقَاهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الثِّمَارِ مِنْهَا بِالنِّصْفِ، وَفِي نَوْعٍ بِالثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْحَائِطُ مُخْتَلِفٌ نَوْعُ شَجَرَةٍ مُخْتَلِطًا كَمُتَّحِدٍ اللَّخْمِيُّ وَاخْتِلَافُ ثَمَرَتِهِ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ كَتَسَاوِيهَا، وَتَعَدُّدُ الْحَوَائِطِ وَثَمَرِهَا سَوَاءٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالْعَمَلِ، أَوْ تَقَارَبَ كَوَاحِدٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) وَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُمْ: إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا بِخَرْصِهَا وَنُؤَدِّي إلَيْكُمْ نِصْفَهَا» هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ نَحْوُهُ قَالَ الْبَاجِيُّ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: سَأَلَتْ عِيسَى عَنْ فِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُسَاقِيَيْنِ وَالشَّرِيكَيْنِ، فَقَالَ: لَا يَعْمَلُ، وَلَا يَصْلُحُ اقْتِسَامُهُ إلَّا كَيْلًا إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ بِالْخَرْصِ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا الَّذِي حَمَلَ عِيسَى الْحَدِيثَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ إلَيْهِمْ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ لِيَضْمَنُوا حِصَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا فَلِذَلِكَ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْخَرْصَ لِلْقِسْمَةِ خَاصَّةً، وَإِذَا حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ الْخَرْصُ لِلزَّكَاةِ سَلِمَ مِمَّا جَاءَ بِهِ وَأَنْكَرَهُ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْقِيقِ لِصِحَّةِ خَرْصِهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَخَرْصُ الْحَائِطِ لِلْقِسْمَةِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ لِلْأَكْلِ بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ تَضْمِينُ الْيَهُودِ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي بَعْضِهَا تَخْيِيرُهُمْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ ضَمَانٍ فَأَمَّا تَخْيِيرُهُمْ فِي أَخْذِهِمْ الثَّمَرَةَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِمَا فِيهِ خَرْصٌ عَلَيْهِمْ مِنْ الثَّمَرَةِ يُؤَدُّونَهُ عِنْدَ الْجَدَادِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ فَلَيْسَ بِضَيِّقٍ، وَقَدْ أَجَازَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْخَرْصِ بِسَبَبِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا تَخْيِيرُهُمْ فِي الْتِزَامِهِمْ ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَيْهِمْ فَهُوَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مَفْسُوخًا، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إجَازَتُهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. [فَرْعٌ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُعْرِيَ مِنْ الْحَائِطِ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُعْرِيَ مِنْ الْحَائِطِ إذْ لَيْسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ إلَّا أَنْ يُعْرِيَ حِصَّةً مِنْ نَخَلَاتٍ مُعَيَّنَاتٍ فَيَجُوزُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، أَوْ يُعْرِيَ جَمِيعَ حَظِّهِ مِنْ الْحَائِطِ قَالَ، فَإِنْ أَعْرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُمْضِي نَصِيبَهُ لِلْمُعْرَى، وَيُرْجِعُ نَصِيبَ رَبِّ الْحَائِطِ، وَلَيْسَ لِلْمُعْرِي أَنْ يَقُولَ: اجْمَعُوا حَظِّي فِي هَذِهِ النَّخَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْرَاهُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَاسْتَحَقَّ فَلَا يَلْزَمُ خَلَفُهُ انْتَهَى. وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَزَادَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْرَى رَبُّ الْحَائِطِ جَمِيعَ حَظِّهِ، أَوْ بَعْضَهُ، أَوْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. ص (بِسَاقَيْتُ) ش قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمُسَاقَاةُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ اسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى عَمَلِ حَائِطِي هَذَا بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى مَذْهَبِهِ كَمَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عِنْدَهُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ: إذَا سَاقَاهُ فِي ثَمَرَةٍ قَدْ طَابَ بَعْضُهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِ سَحْنُونٍ فَإِنَّهُ يُجِيزُهَا وَيَجْعَلُهَا إجَارَةً وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِثْلُهُ وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ انْتَهَى. (قُلْت:) وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ اقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الصِّيغَةُ مِثْلُ سَاقَيْتُكَ، أَوْ عَامَلْتُكَ عَلَى كَذَا فَيَقُولُ قَبِلْتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ انْتَهَى. ص

فرع ليس للعامل أن يعمل بعمال رب المال ودوابه في غير الحائط المساقى عليه

وَلَا نَقْصُ مَنْ فِي الْحَائِطِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ لَا يُخْرِجَ رَبُّ الْحَائِطِ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ عَبِيدٍ وَدَوَابَّ وَأُجَرَاءَ وَآلَةٍ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا كَانَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ رَقِيقٍ وَدَوَابَّ لِرَبِّهِ فَلِلْعَامِلِ اشْتِرَاطُهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَزِيَادَةٍ شَرَطَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ إخْرَاجَ رَقِيقِهِ وَدَوَابِّهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَالثَّمَرَةُ لِرَبِّهَا انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي مَعْنَاهَا الْمَنْعُ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ لِلتَّعْلِيلِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ انْتَهَى. (قُلْت:) وَآخِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِمَّا تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَيَحْيَى، وَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ رَقِيقٌ لَا يَدْخُلُونَ إلَّا بِشَرْطٍ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَوَائِطِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ:) فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَعَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَفْظُهُ فِي الْأُمِّ قُلْت: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُمُ الْعَامِلُ، وَأَرَادَ الْمَالِكُ إخْرَاجَهُمْ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا عِنْدَ مُعَامَلَتِهِ وَاشْتِرَاطِهِ فَلَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُمْ، وَإِنْ كَانَ إخْرَاجُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: اُنْظُرْ قَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ إخْرَاجُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، هَلْ هُوَ مُطْلَقًا لِأَجَلِ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، أَوْ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِقَصْدِ إخْرَاجِهِمْ مِنْ الْمُسَاقَاةِ كَمَنْ أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَسْكَنِهَا لِكَيْ تَعْتَدَّ، وَمَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَهُ فَأَخْرَجَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَسُومُ بِهِ فَلَا بَأْسَ إنَّمَا الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عِنْدَ إرَادَةِ عَقْدِهَا مَعَ مَنْ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِيهِ انْتَهَى. (قُلْت:) مَا قَالَهُ أَبُو حَفْصٍ: هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ. [فَرْعٌ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ رَبِّ الْمَالِ وَدَوَابِّهِ فِي غَيْرِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ] (فَرْعٌ:) وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ رَبِّ الْمَالِ وَدَوَابِّهِ فِي غَيْرِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمْ فِي غَيْرِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمْ فِي حَوَائِطَ يَمْلِكُهَا، أَوْ حَوَائِطَ سَاقَى عَلَيْهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ عَمِلَ فِيهَا بِأَجْرٍ، وَأَمَّا رَقِيقُهُ وَعُمَّالُهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمْ حَيْثُ شَاءَ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِمْ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْحَائِطِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ اشْتَرَطَهَا، فَإِنْ فَاتَتْ بِالْعَمَلِ فَقِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُرَدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِمْ، وَإِنْ عَمِلَ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى (قُلْت:) إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَيَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا تَجْدِيدٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُجَدِّدَ فِيهِ دَوَابَّ وَأُجَرَاءَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حِينَ الْعَقْدِ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَسِيرًا كَاشْتِرَاطِ دَابَّةٍ، أَوْ غُلَامٍ فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَائِزَاتِ فَإِطْلَاقُهُ هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْعَقْدِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إلَّا مَا قَلَّ كَغُلَامٍ أَوْ دَابَّةِ حَائِطٍ كَبِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي صَغِيرٍ، وَرُبَّ حَائِطٍ تَكْفِيهِ دَابَّةٌ وَاحِدَةٌ لِصِغَرِهِ فَيَصِيرُ هَذَا يَشْتَرِطُ جَمِيعَ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَا قَلَّ فِيمَا كَثُرَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ دَوَابَّ، أَوْ رَقِيقًا لَيْسُوا فِي الْحَائِطِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأُخْرِجَ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ الرَّقِيقِ مَا لَيْسَ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ أَقْيَسُ انْتَهَى. ص (وَعَمِلَ الْعَامِلُ جَمِيعَ مَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ عُرْفًا) ش: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ عَمِلَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنْ الْعَمَلِ وَالْعَامِلُ

فَاعِلُهُ وَجَمِيعَ مَفْعُولُهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِجَرِّ الْعَامِلِ بِعَلَى الْجَارَةِ وَرَفْعِ جَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّ عَلَى أَبْيَنُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اللُّزُومِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّ جَمِيعَ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ وَجَمِيعَ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ انْتَهَى. يُرِيدُ جَمِيعَ الَّذِي تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ وَيُقْطَعُ بِانْقِطَاعِهَا، أَوْ يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: عَمَلُ الْحَائِطِ إنْ لَمْ يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا الْيَسِيرُ يَعْنِي كَسَدِّ الْحَظِيرَةِ وَإِصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ قَالَ: وَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ، وَكَانَ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا، أَوْ يَبْقَى بَعْدَهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَهَذَا يَلْزَمُ الْمُسَاقَى، وَذَلِكَ كَالْحَفْرِ وَالسَّقْيِ وَزَبْرِ الْكُرُومِ وَتَقْلِيمِ الشَّجَرِ وَالتَّسْرِيبِ وَالتَّسْدِيدِ وَصَلَاحِ مَوَاضِعِ السَّقْيِ وَالتَّذْكِيرِ وَالْجَدَادِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَبَّدُ وَيَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ كَإِنْشَاءِ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ إنْشَاءِ ضَفِيرَةٍ، أَوْ إنْشَاءِ غِرَاسٍ، أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ تُجْنَى فِيهِ الثَّمَرَةُ كَالْجَرِينِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُسَاقَاةِ انْتَهَى. ص (كَإِبَارٍ) ش: قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَتَأْبِيرُ النَّخْلِ تَلْقِيحُهُ يُقَالُ نَخْلَةٌ مُؤَبَّرَةٌ مِثْلُ مَأْبُورَةٍ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْإِبَارُ عَلَى وَزْنِ الْإِزَارِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ غَيْرَ هَذَا، وَالْجَارِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ الْإِبَّارُ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ جَائِزٌ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} [النبأ: 28] فِعَّالٌ فِي بَابِ فَعَّلَ فَاشٍ مِنْ كَلَامِ فِصَاحٍ مِنْ الْعَرَبِ لَا يَقُولُونَ غَيْرَهُ وَسَمِعَنِي بَعْضُهُمْ أُفَسِّرُ آيَةً، فَقَالَ: لَقَدْ فَسَّرْتُهَا فِسَّارًا مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ غَيْرُ الزَّمَخْشَرِيِّ: هِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ يَمَانِيَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: التَّلْقِيحُ وَالتَّذْكِيرُ وَالْإِبَارُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ التَّلْقِيحِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَقَالَ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْهَا إبَارُ النَّخْلِ، وَهُوَ تَذْكِيرُهَا انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْإِبَارِ فَجَعَلَهُ مَرَّةً عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَمَرَّةً عَلَى الْعَامِلِ فَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ الشَّيْءَ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ الْعَمَلُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ: حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخِلَافِ (قُلْت:) الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَكَلَامُهُ الْأَخِيرُ لَا يُعَارِضُ الْأَوَّلَ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ. ص (وَأَنْفَقَ وَكَسَا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأُجَرَاءِ، وَأَنْ يَكْسُوَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ، أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ وَنَفَقَةُ دَوَابِّ الْحَائِطِ مِنْ رَقِيقِهِ كَانُوا لَهُ، أَوْ لِرَبِّ الْحَائِطِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ نَفَقَتَهُمْ، أَوْ نَفَقَةَ الْعَامِلِ نَفْسِهِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ قَالَ رَبِيعَةُ: وَلَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَلَا شَيْءَ يَكُونُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي ثَمَرِ الْحَائِطِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُ رَبِيعَةَ تَفْسِيرٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ: إنَّ نَفَقَةَ دَوَابِّ رَبِّ الْحَائِطِ عَلَيْهِ ص (لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْأُجْرَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أُجْرَةُ مَنْ

اسْتَأْجَرَهُ هُوَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَأُجْرَتُهُ عَلَى رَبِّهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَكَذَا قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ غَيْرَ وَجِيبَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا أُجَرَاءَ فِيهِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَاجِيَّ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى رَبِّهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ وَجِيبَةٍ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِجَمِيعِ الْعَامِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِبَعْضِهِ، فَلَمْ أَرَ الْآنَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَتِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْوَاضِحَةِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهِ فِيهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ التَّعَاقُدِ مِنْ دَوَابَّ وَرَقِيقٍ فَخَلَفُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إذْ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَامِلِ، وَلَوْ شَرَطَ خَلَفَهُمْ عَلَى الْعَامِل لَمْ يَجُزْ انْتَهَى. ، وَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَمُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ خَلَفُ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأُجَرَاءِ فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ وَجِيبَةً، أَوْ غَيْرَ وَجِيبَةٍ، وَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ الْأُجْرَةُ فِي بَعْضِ الْعَامِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُجْرَةِ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ، أَوْ اسْتِئْجَارُ شَخْصٍ آخَرَ خَلْفَهُ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: ذِكْرُ الْمَوْتِ فِي الْكِتَابِ طَرْدِيٌّ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ: الْإِبَاقُ وَالتَّلَفُ فِي أَوَّلِ الْعَمَلِ كَالْمَوْتِ انْتَهَى. (قُلْت:) ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا لَوْ أَرَادَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ فِيهِ وَيَأْتِيَ بِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمَا رَثَّ عَلَى الْأَصَحِّ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ حِبَالٍ أَوْ أَدْلِيَةٍ وَآلَاتٍ مِنْ حَدِيدٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ إخْرَاجُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ فَعَلَى الْعَامِلِ الْإِتْيَانُ بِهِ، فَإِذَا رَثَّ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْآلَاتِ أَيْ بَلِيَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَلَفُهُ، أَوْ لَا يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلَفُهُ، وَيَكُونُ خَلَفُهُ عَلَى الْعَامِلِ؟ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَكَوْنُهُ عَلَى الْعَامِلِ أَظْهَرَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ حَتَّى تَهْلِكَ عَيْنُهُ، وَأَمَدُ انْتِهَائِهَا مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَمَدُ ذَلِكَ، وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ خَلَفَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا رَثَّ إنْ كَانَ بِكَافِ التَّشْبِيهِ كَمَا هُوَ فِي غَالِبِ النُّسَخِ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ قَوْلِهِ لَا أُجْرَةَ مَنْ كَانَ فِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِمَا هُوَ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنْ كَانَ بِلَا النَّافِيَةِ فَهُوَ مُخْرِجٌ مِنْ الْمَنْفِيِّ قَوْلَهُ أَيْ لَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ خَلَفُ مَنْ مَاتَ، أَوْ مَرِضَ مِمَّنْ كَانَ فِيهِ وَعَلَيْهِ خَلَفُ مَا رَثَّ (فَرْعٌ:) فَلَوْ سُرِقَ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الْأَثَاثِ كَانَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إخْلَافُهَا اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَإِذَا أَخْلَفَهَا رَبُّهُ انْتَفَعَ بِهِ الْعَامِلُ قَدْرَ مَا كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْمَسْرُوقُ، ثُمَّ يُخْتَلَفُ فِيهِ حِينَئِذٍ فَمَنْ قَالَ إذَا بَلِيَ يَلْزَمُ رَبَّهُ خَلَفُهُ قَالَ يَسْتَمِرُّ الْعَامِلُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَمَنْ قَالَ الْخَلَفُ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَزَرْعٍ وَقَصَبٍ وَبَصَلٍ وَمَقْثَأَةٍ) ش: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مُسَاقَاةِ زَرْعِ الْبَعْلِ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْمَقْثَأَةُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَبْلَ الْأَلْفِ

وَالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ بَعْدَهَا ص (أَوْ كَالْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) ش: كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَالصَّرِيحِ فِي هَذَا، وَنَصُّهُ: وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْقُطْنِ، وَأَمَّا الْمَقَاثِيُّ وَالْبَصَلُ وَقَصَبُ السُّكْرِ فَكَالزَّرْعِ تُسَاقَى إنْ عَجَزَ رَبُّهُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَوْلُ مَنْ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا أَظْهَرُ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ فِي الْيَاسَمِينَ وَالْوِرْدِ جَائِزَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ صَاحِبُهَا عَنْ عَمَلِهَا انْتَهَى. وَأَمَّا الْقُطْنُ فَاسْتَبْعَدَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقُطْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافًا فِي حَالٍ فَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ يَكُونُ شَجَرَةً كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ تُجْنَى سِنِينَ، وَفِي بَعْضِهَا تَكُونُ كَالزَّرْعِ يُسَاقَى إنْ عَجَزَ رَبُّهُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَلِيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . ص (وَأُقِّتَتْ بِالْجَدَادِ) ش يَعْنِي أَنَّ الشَّأْنَ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنْ تُؤَقَّتَ بِالْجُذَاذِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَلْ التَّوْقِيتُ بِذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةُ، أَوْ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَ فِيهَا: وَالشَّأْنُ فِي الْمُسَاقَاةِ إلَى الْجَدَادِ، وَلَا يَجُوزُ شَهْرًا، وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً، وَهِيَ إلَى الْجَدَادِ إذَا لَمْ يُؤَجِّلَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ تَأْقِيتُهَا وَأَقَلُّهُ إلَى الْجُذَاذِ، وَإِنْ أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ مَعَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ الْمُطْلَقَةِ بَعْدُ، فَإِنْ قُلْت: مُرَادُهُ أَنَّ وُجُودَ الْجَهَالَةِ فِي الْعَقْدِ يُفْسِدُهُ، وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْعَقْدِ قُلْت: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْجَهَالَةُ مَانِعَةً مِنْ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ انْتَهَى. ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ شَهْرًا، وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً ظَاهِرُهُ كَانَ الْأَجَلُ يَنْقَضِي قَبْلَ الْجَدَادِ، أَوْ بَعْدَهُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ الْجُذَاذِ فَهِيَ زَائِدَةٌ اشْتَرَطَهَا الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ يَعْمَلُ فِي نَصِيبِهِ فَلِهَذَا قَالَ لَا تَجُوزُ شَهْرًا، وَلَا سَنَةً مَحْدُودَةً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَسْأَلَةٌ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الَّذِي سَاقَى ثَلَاثَ سِنِينَ أَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جُذَادٍ إلَى جُذَاذٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ السِّنِينَ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا هِيَ بِالْأَجِدَّةِ لَا بِالْأَهِلَّةِ بِخِلَافِ الْقَبَالَاتِ الَّتِي إنَّمَا هِيَ بِالْأَهِلَّةِ لَا بِالْأَجِدَّةِ، فَإِنْ سَاقَاهُ السِّنِينَ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ الْخُرُوجَ قَبْلَ الْجُذَاذِ، أَوْ بَعْدَهُ رُدَّ فِي ذَلِكَ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ الْمُسَاقَاةُ إلَى السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أُرِيدَ انْقِضَاءُ السَّقْيِ بِانْقِضَاءِ الثَّمَرَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي تِلْكَ السِّنِينَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ التَّمَادِي بِالْعَمَلِ إلَى انْقِضَاءِ شُهُورِ تِلْكَ السَّنَةِ، وَإِنْ جُدَّتْ الثَّمَرَةُ لَمْ تُجَزَّ وَكَانَ الْعَامِلُ فِي السِّنِينَ الْأُولَى عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَفِي الْعَامِ الْأَخِيرِ مِنْ حِينِ تُجَدُّ الثَّمَرَةُ إلَى آخِرِ ذَلِكَ الْعَامِ عَلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ انْتَهَى. (قُلْت:) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنْ تُؤَقَّتَ بِالْجَدَادِ سَوَاءٌ عَقَدَاهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنْ عَقَدَاهَا وَأَطْلَقَا حُمِلَتْ عَلَى الْجَدَادِ وَعَلَى أَنَّهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ عَقَدَاهَا لِسَنَةٍ أَوْ لِسَنَتَيْنِ وَأَطْلَقَا حُمِلَتْ أَيْضًا عَلَى الْأَجِدَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّحْدِيدَ بِالسَّنَةِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَجُزْ وَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسِنِينَ. ص (وَحُمِلَتْ عَلَى أَوَّلٍ، لَمْ يُشْتَرَطْ ثَانٍ) ش، فَإِنْ اُشْتُرِطَ الثَّانِي جَازَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَتْ تُطْعِمُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ إلَى الْجَدَادِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ: وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ نَخْلٍ يُطْعِمُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ كَمَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ عَامَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ مُسَاقَاةِ الْقَضْبِ؛ لِأَنَّ الْقَضْبَ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَبَيْعُ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ وَالشَّجَرُ لَا يُبَاعُ ثِمَارُهَا قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ، وَإِنْ كَانَ يُطْعِمُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ فَلَيْسَ هُوَ كَالْقَضْبِ الَّذِي يُخْلِفُ لِمَا ذَكَرَهُ، وَالْقَضْبُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَبَيَاضِ نَخْلٍ، أَوْ زَرْعٍ) ش:

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْبَيَاضُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْضِ الْخَالِيَةِ عَنْ الشَّجَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَيَاضُ بَيْنَ أَضْعَافِ السَّوَادِ، أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكَبَيَاضِ شَجَرٍ لَكَانَ أَشْمَلَ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُ الْبَيَاضِ الْكَائِنِ مَعَ الشَّجَرِ، أَوْ مَعَ الزَّرْعِ فِي مُسَاقَاةِ الشَّجَرِ، وَفِي مُسَاقَاةِ الزَّرْعِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَذَرَهُ الْعَامِلُ) ش: فَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبَقِيَ شَرْطٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَرْثُهُ وَالْعَمَلُ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ نِصْفُ الْبَذْرِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، أَوْ حَرْثُ الْبَيَاضِ فَقَطْ، وَإِنْ جَعَلَا الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهُ الْعَامِلُ مِنْ عِنْدِهِ وَيَعْمَلُهُ، وَمَا أُنْبِتَ بَيْنَهُمَا فَجَائِزٌ انْتَهَى. ص (كَاشْتِرَاطٍ يُرَدُّ بِهِ) ش: هَذَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِيهِ، أَوْ يَبْذُرُهُ أَوْ يَعْمَلُ فِيهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَنَالُهُ سَقْيُ الْعَامِلِ قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْلًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْقَى بِمَاءِ الْحَائِطِ فَجَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ انْتَهَى. (قُلْت:) وَسِيَاقُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَيَاضِ كَثِيرًا، أَوْ يَسِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأُلْغِيَ لِلْعَامِلِ إنْ سَكَتَا عَنْهُ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا سَكَتَا عَنْ الْبَيَاضِ حِينَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، فَلَمْ يَشْتَرِطْهُ، وَلَا اشْتَرَطَهُ رَبُّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْعَامِلِ يُرِيدُ إذَا كَانَ يَسِيرًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ. ص (أَوْ اشْتَرَطَهُ) ش يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا اشْتَرَطَ الْبَيَاضَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ يُرِيدُ إذَا كَانَ يَسِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ إلْغَاءَ الْبَيَاضِ لِلْعَامِلِ هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُلْغَى الْبَيَاضُ، فَيَكُونَ لِلْعَامِلِ، وَهَذَا أَصْلُهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ، فَإِنْ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ، وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ سَاقَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا أَخْرَجَتْ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ حَبٍّ فَلِمَا اسْتَحَبَّ مَالِكٌ إلْغَاءَ الْبَيَاضِ، فَلِمَ يَسْتَحِبُّ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَوْنِهِ بَيْنَهُمَا

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ تَرَكَ لَهُمْ بَيَاضَ النَّخْلِ، فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ هَذَا إذَا كَانَ فِي كَوْنِ الْبَيَاضِ بَيْنَهُمَا كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) فَلَوْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ وَزَرَعَهُ، ثُمَّ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ: عَلَيْهِ كِرَاءُ الْبَيَاضِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْعَامِلَ لَمَّا أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ أَبَى أَنْ يَتَمَادَى عَلَى عَمَلِ الْحَائِطِ إلَى آخِرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ سِقَائِهِ، وَلَوْ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْبَيَاضِ كِرَاءٌ قَالَ: وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَزَ الْعَامِلُ عَنْ الْأَصْلِ كَانَ عَلَيْهِ الْبَيَاضُ بِكِرَاءِ مِثْلِهِ فَشَبَّهَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى بِعَجْزِ الْعَامِلِ عَنْ الْعَمَلِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَغَائِبٌ إنْ وُصِفَ وَوَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى الْحَائِطِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَ الْغِيبَةِ، أَوْ بَعِيدَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا حَصَلَ الشَّرْطَانِ الْمَذْكُورَانِ الْأَوَّلُ: أَنْ يُوصَفَ لِلْعَامِلِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَيَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ، أَوْ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهَلْ هُوَ بَعْلٌ، أَوْ سُقِيَ بِالْعَيْنِ، أَوْ بِالْغَرْبِ؟ وَتُوصَفُ أَرْضُهُ، وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَابَةِ، أَوْ غَيْرِهَا وَيَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَشْجَارِ وَعَدَدِهَا وَالْقَدْرِ الْمُعْتَادِ مِمَّا يُوجَدُ فِيهَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ (تَنْبِيهٌ:) وَانْظُرْ هَلْ يَكْتَفِي بِوَصْفِ رَبِّ الْحَائِطِ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَصِفَهُ غَيْرُهُ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِوَصْفٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا: أَنَّ رُؤْيَةَ الْعَامِلِ لِلْحَائِطِ قَبْلَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ بِمُدَّةٍ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا تَقُومُ مَقَامَ الْوَصْفِ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تُعْقَدَ الْمُسَاقَاةُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالظَّاهِرُ: الْجَوَازُ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاةِ الْحَائِطِ الْغَائِبِ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ إذَا وُصِفَ كَالْبَيْعِ انْتَهَى. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَ الْمُسَاقَاةَ فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ وُصُولُ الْعَامِلِ فِيهِ قَبْلَ طِيبِ الْحَائِطِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طِيبِهِ فَلَا تَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَّا بَعْدَ الطِّيبِ (فَرْعٌ:) ، فَإِنْ عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ وُصُولُهُ قَبْلَ الطِّيبِ فَتَوَانَى فِي طَرِيقِهِ، فَلَمْ يَصِلْ إلَّا بَعْدَ الطِّيبِ لَمْ تَفْسُدْ الْمُسَاقَاةُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ، وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ (فَرْعٌ:) وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ فِي خُرُوجِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَالْقِرَاضِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَاشْتِرَاطُ جُزْءِ الزَّكَاةِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّكَاةَ فِي حَظِّ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَاهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَائِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إذَا كَانَ رَبُّهُ حُرًّا مُسْلِمًا، وَكَانَ فِي الْحَائِطِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَكَذَا إنْ كَانَ أَقَلَّ إذَا كَانَ لِرَبِّهِ حَائِطٌ آخَرُ إذَا ضُمَّ ثَمَرُهُ إلَى مَا خَرَجَ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ حُرًّا مُسْلِمًا أَمْ لَا؟ وَسَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ نِصَابٌ، أَوْ دُونَ النِّصَابِ؟ فَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَائِطِ، ثُمَّ يُقَسِّمُ رَبُّهُ وَالْعَامِلُ مَا بَقِيَ عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَلَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا وَحَصَلَ لَهُ نِصَابٌ، وَلَوْ حَصَلَ لِلْعَامِلِ مِنْ حَائِطٍ لَهُ غَيْرِ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ بَعْضُ النِّصَابِ لَمْ يُضَمَّ إلَى مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْحَائِطِ سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَمْ تَجِبْ؟ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ، وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْقِرَاضِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَزَكَاةُ الْمُسَاقَاةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ الْوَاجِبُ إخْرَاجُهَا مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَرَةِ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا، أَوْ كَانَ

لِرَبِّ الْحَائِطِ مَا إنْ ضَمَّهُ إلَيْهَا بَلَغَتْ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ اللَّخْمِيُّ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْحَائِطِ يَجِبُ ضَمُّهَا لِمَالِهِ مِنْ ثَمَرِ غَيْرِهَا وَيُزَكِّي جَمِيعَهَا، وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ إنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَالْعَامِلُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ وَنَقَصَ الْحَائِطُ عَنْ النِّصَابِ فَقِيلَ: يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ نِصْفَيْنِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لِرَبِّ الْحَائِطِ سِتَّةُ أَعْشَارِهَا، وَلِلْعَامِلِ أَرْبَعَةُ أَعْشَارِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ أَتْسَاعًا لِرَبِّ الْحَائِطِ خَمْسَةٌ، وَقِيلَ: يَقْتَسِمَانِهَا مِنْ عِشْرِينَ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا وَلِلْعَامِلِ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَوْ شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ، فَلَمْ تَجِبْ فَلَهُ نِصْفُ الْغَلَّةِ كَأَنْ سَكَتَا عَنْهَا، وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ أَعْشَارِهَا، وَقِيلَ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ عِشْرِينَ وَزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ انْتَهَى. ، وَهَذَا حَيْثُ دَخَلَا عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الثَّمَرَةِ، وَإِلَّا فَلَهُ بِحَسَبِ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ ص (وَسِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا بِلَا حَدٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُعْقَدَ الْمُسَاقَاةُ عَلَى سِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ مَا لَمْ تَكْثُر جِدًّا، وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي الْكَثْرَةِ حَدًّا، وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَهُ سِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا قِيلَ: فَعَشَرَةٌ قَالَ: لَا أَدْرِي تَحْدِيدَ عَشَرَةٍ، وَلَا ثَلَاثِينَ، وَلَا خَمْسِينَ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ السُّنَّةِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَوَائِطِ؛ إذْ الْجَدِيدُ لَيْسَ كَالْقَدِيمِ فَلَوْ حُدِّدَ لَفُهِمَ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِّ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ صَاحِبِ الْمُعِينِ أَنَّهُ قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ مِنْ سَنَةٍ إلَى أَرْبَعٍ قَالَ، فَإِنْ طَالَتْ السُّنُونَ جِدًّا فُسِخَتْ انْتَهَى. (قُلْت:) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُعِينِ ذَكَرَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَجُوزُ إلَى سِنِينَ، وَالْأَخِيرَةُ بِالْجَدَادِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْجَدَادُ، أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا انْتَهَى. (قُلْت:) وَنَقَلَهُ فِي الْمُتَيْطِيِّ بِلَفْظِ: فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْجَدَادِ فَعَلَى الْعَامِلِ التَّمَادِي إلَى الْجَدَادِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمَّا نَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهَا تُؤَرَّخُ بِالسَّنَةِ الْعَجَمِيَّةِ قَالَ هَذَا فِي السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ؛ لِأَنَّ السِّنِينَ بِالْعَرَبِيِّ تَنْتَقِلُ انْتَهَى. (قُلْت:) ، فَإِنْ قَصَدَ التَّحْدِيدَ بِالْعَرَبِيِّ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَى الْجَدَادِ، أَوْ تَأَخَّرَ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ تَفْسُدُ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأُقِّتَتْ بِالْجَدَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَامِلَ دَابَّةٍ، أَوْ غُلَامًا فِي الْكَبِيرِ) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ سِنِينَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ، وَهَذَا مِنْ إضَافَتِهِ لِلْفَاعِلِ، وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَرَبِيَّةِ؟ وَقَوْلُهُ: فِي الْكَبِيرِ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُعِينَهُ بِالدَّابَّةِ، أَوْ غُلَامٍ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ (تَنْبِيهٌ:) قَوْلُهُ: دَابَّةً، أَوْ غُلَامًا بِأَوْ مِثْلُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْبَدَلِ لَا مَجْمُوعُهُمَا، وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ الْيَسَارَةُ كَمَا قَالَ فِيمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَا قَلَّ فِيمَا كَبُرَ انْتَهَى. (قُلْت:) فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا فَتَأَمَّلْهُ (فَرْعٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إذَا اشْتَرَطَ الْغُلَامَ، أَوْ الدَّابَّةَ فَخَلَفُ مَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ إذْ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَامِلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانُوا فِيهِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ شَرَطَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَانَ عَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَقَالَ هَذَا الْعَبْدُ، أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَلَفَ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا شَرَطَ غُلَامًا، أَوْ دَابَّةً فَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ وَالْحُكْمُ يُوجِبُهُ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْوَاضِحَةِ، وَمَا فِي الْبَيَانِ مُحْتَمِلٌ لِلْوَجْهَيْنِ، وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْغُلَامَ، أَوْ الدَّابَّةَ بِإِشَارَةٍ، أَوْ تَسْمِيَةٍ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَالْحُكْمُ يُوجِبُهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ

انْتَهَى. ص (وَقَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبًّا كَعَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَسْمِ الزَّيْتُونِ حَبًّا، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ عَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَزِمَهُمَا أَنْ يَعْصِرَاهُ، وَلَا يَقْتَسِمَاهُ إلَّا بَعْدَ عَصْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ سَحْنُونٍ أَنْ مُنْتَهَى الْمُسَاقَاةِ فِي الزَّيْتُونِ جَنْيُهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الزَّيْتُونِ: إنْ شُرِطَ قَسْمُهُ حَبًّا جَازَ، وَإِنْ شُرِطَ عَصْرُهُ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ فِي نَقْلِهِ لِيَسَارَتِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ شَرَطَا عَصْرَهُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ جَازَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ فَعَصْرُهُ بَيْنَهُمَا، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٍ قَالَ سَحْنُونٌ: مُنْتَهَى الْمُسَاقَاةِ جَنَاهُ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ: أَنَّ كَلَامَ سَحْنُونٍ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ قَسْمَ الزَّيْتُونِ حَبًّا إنْ شَرَطَهُ أَحَدُهُمَا عُمِلَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ أَنَّ عَصْرَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا ذَلِكَ، وَكَانَ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ، وَلَا شَرْطٌ فَعَصْرُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَحَبَّ قَسْمَهُ حَبًّا جَازَ فَتَأَمَّلْهُ. ص (أَوْ مَا قَلَّ) ش: لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِصْلَاحُ جِدَارٍ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْكَافَ فَقَالَ: كَإِصْلَاحِ جِدَارٍ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي جَوَازِهِمَا اشْتِرَاطُهُمَا عَلَى الْعَامِلِ هُوَ يَسَارَتُهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ مِثْلَ سَرْوِ الشَّرَبِ، وَهُوَ تَنْقِيَةُ مَا حَوْلَ النَّخْلِ مِنْ مَنَاقِعِ الْمَاءِ، وَجَمِّ الْعَيْنِ، وَهُوَ كَنْسُهَا، وَقَطْعِ الْجَرِيدِ، وَإِبَارِ النَّخْلِ، وَهُوَ تَذْكِيرُهُ، وَسَدِّ الْحِظَارِ، وَالْيَسِيرِ مِنْ إصْلَاحِ الضَّفِيرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقِلُّ مُؤْنَتُهُ، فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَسَرْوُ الشَّرَبِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مِنْ السَّرْوِ وَبِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ مِنْ الشَّرَبِ. ص (وَتَقَايُلُهُمَا هَدَرًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَامِلَ إذَا عَقَدَ الْمُسَاقَاةَ عَلَى حَائِطٍ، ثُمَّ أَرَادَ الْمُقَايَلَةَ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ، أَوْ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ بِبَيْعٍ، أَوْ إرْثٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا تَقَايَلَا هَدَرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخِرِ شَيْئًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ سَاقَى رَجُلًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْمُتَارَكَةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّرْكُ إلَّا أَنْ يَتَتَارَكَا بِغَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعِ ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ؛ إذْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، فَرَبُّ الْحَائِطِ كَأَجْنَبِيٍّ إذَا تَرَكَهُ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ سَاقَيْتَهُ حَائِطَكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقِيلَكَ عَلَى شَيْءٍ تُعْطِيهِ إيَّاهُ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إنْ أَثْمَرَ النَّخْلُ، فَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ زُهُوِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ، فَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ الْعَمَلِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَلِرَبِّ الْحَائِطِ، أَوْ لِلْمُبْتَاعِ عَلَى شَيْءٍ يُعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ بِاتِّفَاقٍ، فَإِنْ وَقَعَ، وَلَمْ يُعْثَرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَاتَ بِالْعَمَلِ رُدَّ فِيمَا عَمِلَ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى جُزْءٍ مُسَمًّى، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ وَمَنَعَهُ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ

سَمَاعِ أَشْهَبَ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ الْمُسَاقَاةُ الَّتِي أَظْهَر أَوَّلًا وَآخِرًا ذَرِيعَةً لِاسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي عَمِلَ فِيهَا بِالْجُزْءِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ رُدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ لِأَمْرٍ بَدَا لَهُمَا دُونَ دُلْسَةٍ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا بِانْفِرَادِهَا مُسَاقَاةٌ صَحِيحَةٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا مِنْ رَسْمِ الْبُيُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَحَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّامِلِ بِقِيلِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: إذْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى مُتَارَكَةِ رَبِّ الْحَائِطِ بِمُسَاقَاةِ الْغَيْرِ، فَجَعَلَهَا مُسَاقَاةً تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهَا بِغَيْرِ لَفْظِهَا؛ لِأَنَّهَا إقَالَةٌ، وَالْإِقَالَةُ مَعْرُوفٌ ص (وَمُسَاقَاةُ الْعَامِلِ آخَرَ) ش: أَمَّا إذَا سَاقَى عَلَى مِثْلِ الْجُزْءِ الَّذِي سُوقِيَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ إلَّا بِرِضَا رَبِّهِ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ رَبُّ الْحَائِطِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الثَّانِي أَكْثَرَ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي سَاقَى عَلَيْهِ صَاحِبَ الْحَائِطِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ سَاقَاهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ وَسَاقَى هُوَ الْآخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى الْمُسَاقَاةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ انْتَهَى. ص (وَلَمْ تَنْفَسِخْ بِفَلَسِ رَبِّهِ وَبَيْعِ مُسَاقًى) ش: ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِيعَ سَوَاءٌ كَانَ مُسَاقًى سَنَةً، أَوْ سَنَتَيْنِ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ فِي السَّنَتَيْنِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ بِأَنَّ قَوْلَ سَحْنُونٍ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ أَحَبَّ الْمُفْلِسُ تَأْخِيرَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ لِطِيبِهَا وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ تَعْجِيلَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مَأْبُورَةٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) مِنْهُ، وَفِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ مِنْهَا لِمَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً، فَغَار مَاؤُهَا بَعْدَ أَنْ سَقَى أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا بِقَدْرِ حَظِّ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الثَّمَرَةِ لِسَنَتِهِ تِلْكَ الْأَكْثَرُ فِي مِثْلِهِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى حَظِّ رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَلْزَمُهُ، وَمِثْلُهُ فِي رُهُونِهَا خِلَافُ سَمَاعِ سَحْنُونٍ لُزُومُ الرَّاهِنِ إصْلَاحُهَا، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْحَائِطِ غَيْرُهُ بِيعَ مِنْهُ بِمَا يُصْلِحُهَا لِئَلَّا يَذْهَبَ عَمَلُ الْعَامِلِ انْتَهَى. ص (وَدَفْعُهُ لِذِمِّيٍّ لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ خَمْرًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْفَعَ نَخْلَكَ إلَى نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً إنْ أَمِنْتَ أَنْ يَعْصِرَهُ خَمْرًا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَيْفَ يَقُولُ هَذَا مَالِكٌ، وَقَدْ سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَمْنَ مِنْ عَصْرِ الْخَمْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَمْنُوعُ إذَا كَانَ يُسْقُونَهُ مُسْلِمًا، وَلَا يُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ فَتْحَ خَيْبَرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْأَمْنِ حَتَّى يُعْلَمَ الْأَمْنُ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَكَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ مُسَاقَاةً، أَوْ قِرَاضًا وَلَسْتُ أَرَاهُ حَرَامًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْإِذْلَالِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي مِثْلَهُ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى اخْتِصَارِهِمَا يَكُونُ مَالِكٌ نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاضِ وَقَاسَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ كَرَاهَةَ الْمُسَاقَاةِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَ كَرَاهَةَ مَالِكٍ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلَيْنِ التَّحْرِيمِ لِمَالِكٍ وَالْكَرَاهَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ

ص (لَا مُشَارَكَةَ رَبِّهِ) ش: يُشِيرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى مَا فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ، وَنَصُّهُ: قَالَ وَسُئِلَ عَنْ رَبِّ الْحَائِطِ يَقُولُ لِرَجُلٍ تَعَالَ أَسْقِ أَنَا وَأَنْتَ حَائِطِي هَذَا، وَلَكَ نِصْفُ الثَّمَرَةِ قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا، وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ أَنْ يُسْلِمَ الْحَائِطَ إلَى الدَّاخِلِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، فَإِنْ وَقَعَ وَفَاتَ بِالْعَمَلِ كَانَ الْعَامِلُ فِيهِ أَجِيرًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ اشْتَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ بِخِلَافِ إذَا شَرَطَ الْعَامِلُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْحَائِطِ هَذَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَغَيْرِهَا إنَّهُ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَجُوزُ، وَلَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ غُلَامًا يَعْمَلُ مَعَهُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْغُلَامِ وَالدَّابَّةِ انْتَهَى. ص (وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا كَأَنْ ازْدَادَ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا وَإِلَّا، فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ كَمُسَاقَاتِهِ مَعَ ثَمَرٍ أُطْعِمَ، أَوْ مَعَ بَيْعٍ أَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّهِ، أَوْ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا، وَهُوَ صَغِيرٌ، أَوْ حَمْلَهُ لِمَنْزِلِهِ، أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ آخَرَ أَوْ اخْتَلَفَ الْجُزْءُ سِنِينَ، أَوْ حَوَائِطَ كَاخْتِلَافِهِمَا، وَلَمْ يُشَبِّهَا) ش لَمَّا ذَكَرَ أَرْكَانَ الْمُسَاقَاةِ الصَّحِيحَةِ وَشُرُوطَهَا عُلِمَ أَنَّ الْفَاسِدَةَ مَا اخْتَلَّ مِنْهَا رُكْنٌ، أَوْ

شَرْطٌ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ الْأُولَى: أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى فَسَادِهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ فَسْخُهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى فَسَادِهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ، وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ سِنِينَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ وَقَعَتْ عَلَى سِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَالْحُكْمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَجَبَ فَسْخُ الْمُسَاقَاةِ حِينَ يُعْثَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ لَمْ تُفْسَخْ الْمُسَاقَاةُ وَيَسْتَمِرَّانِ إلَى تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنْ بَعْدَ سَنَةٍ لَكَانَ أُوضِحَ، بَلْ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي إذَا اُطُّلِعَ عَلَى فَسَادِهَا عِنْدَ كَمَالِ السَّنَةِ أَنْ تُفْسَخَ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِي بَاقِي السِّنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ قَدْ تَمَّ عَمَلُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَأَخَذَ مُسَاقَاةَ مِثْلِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَذْهَبْ عَمَلُهُ بَاطِلًا، فَلِمَ يَتْرُكُونَهُ يَعْمَلُ فِي بَقِيَّةِ السِّنِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَائِطَ قَدْ تَقِلُّ ثَمَرَتُهُ فِي عَامٍ، وَتَكْثُرُ فِي آخَرَ، فَلَوْ لَمْ يَتَمَادَ عَلَى الْعَمَلِ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ لَكَانَ فِيهِ غَبْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ سَاقَى حَائِطَهُ، وَقَدْ أُطْعِمَ عَلَى تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي أَطْعَمَ فِيهَا، أَوْ عَلَى سِنِينَ بَعْدَهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّهُ إنَّمَا تَفُوتُ كُلُّ سَنَةٍ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ فِيهَا، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا تَمَادَى، وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، وَكَانَ مُشِيرًا إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَكَانَ أَبَيْنَ، فَقَوْلُهُ: إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ إلَخْ وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ: إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا أَعْنِي قَوْلَهُ: بِلَا عَمَلٍ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلِلْفَاسِدَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَتُفْسَخُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي إذَا عُثِرَ عَلَى الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَجَبَ فَسْخُهَا عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ فَاسِدَةً، وَإِذَا فَسَخُوا الْبِيَاعَاتِ الْمَكْرُوهَةَ قَبْلَ الْفَوَاتِ، فَالْفَاسِدُ أَوْلَى بِالْفَسْخِ انْتَهَى. وَكَذَا أَطْلَقَ ابْنُ شَاسٍ الْفَسْخَ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْعَمَلِ، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّ الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي جَوَّزَهُ الشَّارِعُ، فَإِنَّهَا تُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْعَمَلِ وَرَدِّ الْحَائِطِ إلَى رَبِّهِ انْتَهَى. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ: أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا عُثِرَ عَلَى فَسَادِ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَيْهَا فِي بَيَانِهَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ (تَنْبِيهٌ:) إنَّمَا قُلْنَا: الْمُسَاقَاةُ تُفْسَخُ إذَا عُثِرَ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْعَامِلِ حِينَئِذٍ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ، فَلَا تُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى تَمَامِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِلْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَسَخْنَاهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَالْجُعْلِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ قَالَهُ فِي: التَّوْضِيحِ: ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ بِمَالِهِ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِ عِيَاضٌ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ انْتَهَى هَذَا: إنَّ إجَارَةَ الْمِثْلِ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنَّ مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ لَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، بَلْ تَكُونُ فِي الْحَائِطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقِرَاضِ مُخْتَلَفًا فِيهِ انْتَهَى. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى فَسَادِ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ إجَارَةُ الْمِثْلِ، وَفِي بَعْضِهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَمْ يُشَبِّهَا، وَالْمَعْنَى، وَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَى فَسَادِ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي بَعْضِ

الصُّوَرِ إجَارَةُ الْمِثْلِ، وَفِي بَعْضِهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا أَيْ عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَأَنْ ازْدَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي اُشْتُرِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ، فَقَدْ خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِي حَائِطِهِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِالْعُرُوضِ وَبِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ، وَتِلْكَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَيُحَاسِبُهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِمَا كَانَ أَعْطَاهُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الثَّمَرَةِ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْعَامِلِ، فَقَدْ خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ أَيْضًا إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ الْجُزْءَ الْمُسَمَّى فِي الْمُسَاقَاةِ بِمَا دَفَعَ مِنْ الدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ الْعُرُوضِ، أَوْ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيَأْخُذَ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ مَا زَادَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا جَاءَهَا الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا عَقَدَاهَا عَلَى غَرَرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ هِيَ الْوَاجِبَةُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، وَعَدَّهَا تِسْعًا، فَقَالَ: كَمُسَاقَاتِهِ مَعَ ثَمَرٍ أُطْعِمَ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَابَتْ ثَمَرَةُ نَخْلِهِ، فَسَاقَاهُ هَذِهِ السَّنَةِ وَسَنَتَيْنِ بَعْدَهَا لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَامِلُ الثَّمَرَةَ كَانَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَمَا أَنْفَقَ فِيهَا، فَإِنْ عَمِلَ بَعْدَ جَدَادِ الثَّمَرَةِ لَمْ تُفْسَخْ بَقِيَّةُ الْمُسَاقَاةِ، وَلَهُ اسْتِكْمَالُ الْحَوْلَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَلَهُ فِيهِمَا مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَلَا أَفْسَخُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَامِ الثَّانِي؛ إذْ قَدْ تَقِلُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الثَّانِي، وَتَكْثُرُ فِي الثَّالِثِ، فَأَظْلِمُهُ، وَهَذَا كَأَخْذِ الْعَرَضِ قِرَاضًا إنْ أُدْرِكَ بَعْدَ بَيْعِهِ، وَإِنْ أَدَّى وَبَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ فُسِخَ، وَلَهُ أَجْرُ بَيْعِهِ انْتَهَى. ، فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ فُسِخَتْ، وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا سَقَى، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ حَتَّى شَرَعَ فِي الثَّانِي كَانَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى، وَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِيمَا بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ مَعَ بَيْعٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ حَائِطَهُ بِجُزْءٍ وَبَاعَهُ سِلْعَةً مَعَ الْمُسَاقَاةِ، فَفِي ذَلِكَ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ قَالَ: أَوْ مَعَ إجَارَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَانْظُرْ الشَّرْحَ الْكَبِيرَ: لِبَهْرَامَ، أَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّهِ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ نَزَلَ، فَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ انْتَهَى. وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوْ مُشَارَكَةَ رَبِّهِ، إذَا قَالَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ: تَعَالَ أَسْقِ أَنَا وَأَنْتَ حَائِطِي، وَلَكَ نِصْفُ ثَمَرِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ حَمَلَهُ لِمَنْزِلِهِ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُ قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَ نَصِيبِهِ إلَى مَنْزِلِهِ إلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُسَاقَى عَلَى الْعَامِلِ؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، هَذِهِ زِيَادَةٌ تَزْدَادُهَا قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ مُؤْنَةٌ قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَرِيبَ الْمِيلِ، وَمَا أَشْبَهَهُ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ فِي الْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَفَاتَتْ، رُدَّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ بِلَا حُمْلَانٍ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْجُزْءُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي الشَّرْطِ ابْنُ رُشْدٍ، أَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ حَمْلَ نَصِيبِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، فَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَةٌ، وَكَرَاهِيَتُهُ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ زَادَهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ إذَا وَقَعَ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُرَدَّ إذَا فَاتَ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي الْمَكَانِ الْقَرِيبِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يُرَدَّ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْبَغَ: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، فَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَتَخَرَّجُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرُدُّ الْعَامِلَ فِي الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ كُلِّهَا إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي الْمُقَدِّمَاتِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَاخْتُلِفَ إذَا فَاتَتْ بِالْعَمَلِ مَاذَا يَجِبُ لِلْعَامِلِ فِيهَا بِحَقِّ

عَمَلِهِ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُرَدَّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُرَدُّ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَفِي بَعْضِهَا إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا خَرَجَا فِيهَا عَنْ حُكْمِهَا إلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا بِمَا اشْتَرَطَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ زِيَادَةٍ يَزِيدُهَا إيَّاهُ خَارِجَةً عَنْهَا، فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُسَاقِيَهُ فِي حَائِطٍ عَلَى أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ، فَقَدْ اسْتَأْجَرَ عَلَى عَمَلِ حَائِطِهِ بِمَا أَعْطَاهُ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَإِذَا زَادَهُ الْعَامِلُ، فَقَدْ اشْتَرَى مِنْهُ الثَّمَرَةَ بِمَا أَعْطَاهُ وَبِعَمَلِهِ، فَيُرَدُّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجَا عَنْ حُكْمِهَا، وَإِنَّمَا عَقَدَاهَا عَلَى غَرَرٍ مِثْلُ أَنْ يُسَاقِيَهُ حَائِطًا عَلَى النِّصْفِ وَآخَرَ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ عَمَلِ الْحَائِطِ مَا لَا يَلْزَمُ مِمَّا لَا يَبْقَى لِرَبِّ الْحَائِطِ مَنْفَعَتُهُ مُؤَبَّدَةً، فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِي ذَلِكَ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَهَذِهِ جُمْلَةٌ يَأْتِي عَلَيْهَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُسَاقَى، أَوْ أَقَلَّ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ أَيْضًا وَأَطْلَقَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقُرْبِ الْمَكَانِ، وَلَا بِغَيْرِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَبِعَهُ هُنَا، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ آخَرَ يُشِيرُ إلَى مَا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى قِيلَ لَهُ: فَحَائِطٌ سَاقَاهُ صَاحِبُهُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ حَائِطٍ لَهُ آخَرَ؟ قَالَ: هَذَا حَرَامٌ، قِيلَ لَهُ: فَقَدْ وَقَعَ؟ قَالَ: يُعْطَى فِي الَّذِي اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ كِفَايَتُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَيُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي الْآخَرِ ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ هَذَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: أَنَّهُ يُعْطَى أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الْحَائِطِ الَّذِي اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ كِفَايَةُ مُؤْنَتِهِ، وَيُرَدُّ فِي الْآخَرِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ، فَإِنْ نَزَلَ، فَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ فِي الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الْآخَرِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: هُوَ أَجِيرٌ فِي الْحَائِطَيْنِ، وَقَوْلُهُ: كَاخْتِلَافِهِمَا، وَلَمْ يُشَبِّهَا قَالَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَارِضَانِ فِي أَجْزَاءِ الرِّبْحِ قَبْلَ الْعَمَلِ رُدَّ الْمَالُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِقَوْلِ رَبِّهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ كَالصَّانِعِ إذَا جَاءَ بِمَا يُشَبَّهُ، وَإِلَّا رُدَّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا التَّشْبِيهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِلْوَجْهِ الثَّانِي: إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الْفِعْلِ، وَلَا يَرْجِعُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُسَاقَاةِ إذَا اخْتَلَفَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَقَالَ قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَارَضَانِ فِي أَجْزَاءِ الرِّبْحِ قَبْلَ الْعَمَلِ رُدَّ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُسَاقَاةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِيمَا يُشْبِهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَعْنِي فِي قِلَّةِ الْجُزْءِ وَكَثْرَتِهِ، وَقَوْلُهُ: " الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ " يُرِيدُ بَعْدَ الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَهَا فِي الْقِرَاضِ، ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ: وَإِلَّا رُدَّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ يَعْنِي إذَا أَتَى رَبُّ الْمَالِ بِمَا لَا يُشْبِهُ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ إذَا أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ رُدَّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ اخْتَلَفَا فِي الْجُزْءِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَيَخْتَلِفُ، وَإِنْ أَتَى أَحَدُهُمَا بِمَا يُشْبِهُ دُونَ الْآخَرِ هَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ؟ قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ، فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ وَأَتَى الْآخَرُ بِمَا يُشْبِهُ حَلَفَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ إلَّا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ رُدَّ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ انْتَهَى.

وَعَزَا الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِلْقَرَافِيِّ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ إذَا أَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يُشْبِهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ صِقِلِّيَّةَ: مَا فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، فَالْعَامِلُ فِيهِ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَرَةِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَكَذَا مَا يُرْجِعُ فِيهِ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ فِي الْقِرَاضِ يُرِيدُ، وَمَا يُرْجِعُ فِيهِ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ فِي الْقِرَاضِ أَحَقَّ فِي مَوْتٍ، وَلَا فَلَسٍ، وَفِي الْمُسَاقَاةِ يَكُونُ أَحَقَّ فِي الْفَلَسِ لَا فِي الْمَوْتِ انْتَهَى. وَهَذِهِ آخِرُ مَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ سَاقَيْته، أَوْ أَكَرِيَتَهُ، فَأَلْفَيْته سَارِقًا لَمْ تَنْفَسِخْ، وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ سَاقَيْتَهُ حَائِطَكَ، أَوْ أَكْرَيْتَ مِنْهُ دَارَكَ، ثُمَّ أَلْفَيْتَهُ سَارِقًا لَمْ يُفْسَخْ لِذَلِكَ سَقْيٌ، وَلَا كِرَاءٌ وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ مُفْلِسٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِذَلِكَ، فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِي كُلِّ هَذَا نَظَرٌ، وَهَذَا عَيْبٌ، وَلَيْسَ يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ السَّارِقِ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ: سَارِقًا يَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ بِالثَّمَرَةِ، أَوْ يَقْلَعَ الْجُذُوعَ، وَفِي الْمُكْتَرِي يَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَبِيعَ أَبْوَابَهَا انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ الْأَجِيرِ يَفْسَخُ إجَارَتَهُ فِي غَيْرِهَا، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ، فَأَلْفَاهُ سَارِقًا، فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ، فَقِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَجِيرَ فِي الْخِدْمَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْهُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكِرَاءَ فِي الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ وَوَقَعَ فِي مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى دَابَّةً، فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا بِخِلَافِ الْمُكْتَرِي وَالْمُفْلِسِ وَالْمُسَاقِي إنَّمَا وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ أَكْرَى عَلَيْهِ وَسُوقِيَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، أَوْ أَكْرَيْتَهُ أَيْ أَكْرَيْتَ مِنْهُ بَيْتَكَ، أَوْ مَتَاعَكَ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ أَكْرَى نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ، فَإِنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ يُرِيدُ إذَا أَمْكَنَ التَّحَفُّظُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَكْرَى عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، أَوْ سَاقَى كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ. ص (وَسَاقِطُ النَّخْلِ كَلِيفٍ كَالثَّمَرَةِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ وَسَاقِطُ النَّخْلِ مِنْ لِيفٍ وَجَرِيدٍ وَنَحْوِهِمَا كَالثَّمَرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا كَانَ مِنْ سَوَاقِطِ النَّخْلِ، أَوْ مَا يَسْقُطُ مِنْ بَلَحٍ وَغَيْرِهِ وَالْجَرِيدِ وَاللِّيفِ وَمِنْ الزَّرْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا مِنْ الْأَجْزَاءِ انْتَهَى. ص (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) ش: هَكَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَصُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بَعْدَ الْعَمَلِ، وَإِلَّا تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَلَالِ سَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْعَمَلِ، أَوْ بَعْدَهُ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَفَصَّلَ فِي تَوْجِيهِ الْيَمِينِ فِي اخْتِلَافِهِمَا بَعْدَ الْعَمَلِ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ أَيْضًا، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ كَلَامِ الشَّامِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ قَصَّرَ عَامِلٌ عَمَّا شَرَطَ حُطَّ بِنِسْبَتِهِ) ش: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَ مَطَرٌ وَدَخَلَ الْحَائِطَ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى سَقْيٍ فِي مُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ أُجْرَةِ السَّقْيِ قَالَهُ فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إنْ زَادَ الْعَمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، أَوْ

كتاب الإجارة

نَقَصَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِسَقْيِ حَائِطٍ فِي زَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَجَاءَ الْمَطَرُ، فَأَقَامَ فِيهِ حِينًا لَوَجَبَ أَنْ يُحَطَّ مِنْ إجَارَتِهِ بِقَدْرِ مَا أَقَامَ الْمَاءُ فِي الْحَائِطِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْأَجْرُ الْجَزَاءُ عَلَى الْعَمَلِ كَالْإِجَارَةِ مُثَلَّثَةً انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُقَال آجَرَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ الْمَدَّ، وَهُوَ مَنْقُولٌ، قَالَ: وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ هَذِهِ الْمَادَّةِ الثَّوَابَ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَهِيَ مَنَافِعُ خُصِّصَتْ الْإِجَارَةُ بِبَيْعِ الْمَنَافِعِ عَلَى قَاعِدَةِ الْعُرْفِ فِي تَخْصِيصِ كُلِّ نَوْعٍ تَحْتَ جِنْسٍ بِاسْمٍ لِيَحْصُلَ التَّعَارُفُ عِنْدَ الْخِطَابِ قَالَ: وَقَدْ غَلَبَ وَضْعُ الْفِعَالَةِ بِالْكَسْرِ لِلصَّنَائِعِ نَحْوُ الصِّنَاعَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَالْفَعَالَةِ بِالْفَتْحِ لِأَخْلَاقِ النُّفُوسِ نَحْوَ السَّمَاحَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ، وَالْفُعَالَةِ بِالضَّمِّ لِمَا يُطْرَحُ مِنْ الْمُحْقَرَاتِ نَحْوَ الْكُنَاسَةِ وَالْقُلَامَةِ وَالْفُضَالَةِ وَالنُّخَالَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: حَقِيقَتُهَا: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ زَمَنًا مَعْلُومًا بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَدُّهَا عُرْفًا: بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ، وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا، فَيَخْرُجُ كِرَاءُ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالسُّفُنِ وَالرَّوَاحِلِ، وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالْجُعْلُ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ، لَا يَخْفَى بُطْلَانُ طَرْدِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ عِيَاضٍ: بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ مَعَ خُرُوجِ فَاسِدِهَا انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ الْغَرْنَاطِيُّ: الْإِجَارَةُ تُطْلَقُ عَلَى مَنَافِعِ مَنْ يَعْقِلُ، وَالْأَكْرِيَةُ عَلَى مَنَافِعِ مَنْ لَا يَعْقِلُ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ اصْطِلَاحًا، وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَفِي غَرَرِهَا إنْ اسْتَأْجَرْت مِنْهُ دَارًا بِثَوْبٍ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَقَدْ خُصَّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ الْآدَمِيِّ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ، وَمَنَافِعُ الْمُتَمَلَّكَاتِ بِاسْمِ الْكِرَاءِ انْتَهَى. وَالْمُوَثِّقُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَسْتَفْتِحُونَ عُقُودَ الْأَرَاضِي وَالْجَنَّاتِ بِلَفْظِ " تُقْبَلُ " وَمَعْنَى الْجَمِيعِ وَاحِدٌ انْتَهَى.، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُهَا: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَرِيقًا فِي دَارِ رَجُلٍ وَمَسِيلِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اهـ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَحُكْمُهَا: الْجَوَازُ ابْتِدَاءً، وَاللُّزُومُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُفْسِدُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُحَمَّدٌ، وَهِيَ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا الصَّقَلِّيُّ خِلَافُ الْأَصَمِّ فِيهَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدِعٌ، وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا عَقْدُهَا لَازِمٌ كَالْبَيْعِ انْتَهَى. وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْإِنْسَانُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بَلْ بِنَفْسِهِ وَوَجَبَتْ إعَانَتُهُ نَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي حَدِيثِ نُزُولِ السَّيِّدِ عِيسَى وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا: قَالَ قَالَ فِي اللُّبَاب: التَّعَاوُنُ وَدَفْعُ الْحَاجَاتِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] انْتَهَى. [بَابُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ] ص (بَابُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) ش: ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَرْكَانِهَا - الْعَاقِدَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَذَكَرَ الْأَجْرَ وَسَيَذْكُرُ

الْمَنْفَعَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصِّيغَةَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَذَكَرَهَا صَاحِبُ اللُّبَابِ فَقَالَ: هِيَ لَفْظٌ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةُ الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ يَسْتَخِيطُهُ الثَّوْبَ، فَإِذَا فَرَغَ أَرْضَاهُ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ، وَبِهَذَا اُعْتُذِرَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَسْأَلَةُ الْخَيَّاطِ هَذِهِ هِيَ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَنَصُّهَا: وَسُئِلَ عَنْ الْخَيَّاطِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْخُلْطَةُ، وَلَا يَكَادُ يُخَالِفُنِي أَسَتَخِيطُهُ الثَّوْبَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ، وَجَاءَ بِهِ أُرَاضِيهِ عَلَى شَيْءٍ أَدْفَعُهُ إلَيْهِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَجَازُوهُ وَمَضَوْا عَلَيْهِ، وَهُوَ نَحْوُ مَا يُعْطِي الْحَجَّامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَارِطَ عَلَى عَمَلِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ، وَمَا يُعْطِي فِي الْحَمَّامِ، وَالْمَنْعُ مِنْ هَذَا وَشَبَهِهِ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ وَحَرَجٌ فِي الدِّينِ وَغُلُوٌّ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وَقَالَ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77] وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ مِنْ

فرع دفع ثوبا لخياط فقال لا أخيطه إلا بدرهمين وقال ربه لا أخيطه إلا بدرهم

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ» وَكَرِهَ النَّخَعِيُّ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الصَّانِعُ حَتَّى يُقَاطَعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى، وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا قَالَ، وَلَا يَبْلُغُ التَّحْرِيمَ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ [فَرْعٌ دَفَعَ ثَوْبًا لِخَيَّاطٍ فَقَالَ لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ رَبُّهُ لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: إذَا قُلْت: خِطْهُ بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ بِدِرْهَمَيْنِ، فَخَاطَهُ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّكَ أَعْلَمْتَهُ بِمَا تَرْضَى بِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَاكِنِ الدَّارِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ: مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِخَيَّاطٍ، فَقَالَ: لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ رَبُّهُ: لَا أَخِيطُهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُ، فَخَاطَهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ قَالَ: وَمَنْ سَكَنَ مَنْزِلًا، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: بِدِينَارَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَقَالَ السَّاكِنُ: لَا أُعْطِي إلَّا دِينَارًا وَإِلَّا خَرَجْت إنْ لَمْ تَرْضَ، فَسَكَنَ، وَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَمَّتْ السَّنَةُ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِينَارٌ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْخَيَّاطِ: لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ كِرَاءِ الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ لَمْ يَتَوَلَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهَا بَيْنَ تَقَدُّمِ قَوْلِ الْخَيَّاطِ، وَقَوْلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْمَنْزِلَ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ تَوَلَّى اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ مَعَ عِلْمِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِذَلِكَ، فَفَرَّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَقَدُّمُ قَوْلِ السَّاكِنِ وَتَأَخُّرِ قَوْلِهِ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ حُكْمَ مَا أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ السِّلَعِ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ حُكْمُ مَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَنْفَعَةِ مَعَ عِلْمِ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلَيْهِمَا الْآخَرُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِكَلَامٍ جَيِّدٍ، وَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَمَسْأَلَةِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِرَاءِ الدُّورِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرِّوَايَاتِ، فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) عُلِمَ مِنْ تَشْبِيهِ الْأُجْرَةِ بِالثَّمَنِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ أَوْ التَّفْصِيلِ دُونَ الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ وَنُقِلَ الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ وَسَحْنُونٍ، فَعَلَى هَذَا لَا تَمْتَنِعُ حِرَاسَةُ الْأَنْدَرِ كُلَّ إرْدَبٍّ مَثَلًا بِقَدَحٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ التَّفْصِيلِ مَجْهُولُ الْجُمْلَةِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ مَا يُفْسِدُهُ مِنْ أَعْمَالٍ مَجْهُولَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ سُئِلَ عَنْ حُرَّاسِ الزَّرْعِ وَالزَّيْتُونِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِالضَّمَانِ، أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ عَلَيْهِ مُدَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ تَفْرِيغُ الشِّبَاكِ وَالْأَحْمَالِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: أَمَّا اسْتِئْجَارُهُمْ لِكُلِّ قَفِيزٍ مُدَّانِ، فَجَائِزٌ، فَإِنْ شَرَطُوا تَفْرِيغَ الشِّبَاكِ وَنُزُولَ الْأَحْمَالِ، فَيَلْزَمُ، وَشَرْطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ لَا يَلْزَمُ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مِمَّنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيُّ يَجْرِي عَلَى شَرْطِ ضَمَانِ مَا لَا يُضْمَنُ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْعَوَارِيّ، وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ، وَقَوْلُهُ: كُلُّ قَفِيزٍ بِمُدَّيْنِ جَائِزٌ مَعْنَاهُ إذَا عَرَفَ صِفَتَهُمَا كَمَا قَالَ: وَيُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِفَرْكِ سُنْبُلِهِ، وَلَا يُرَاعَى كَثْرَةُ الْأَقْفِزَةِ مِنْ قِلَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كُلِّ قَفِيزٍ، فَهُوَ مَجْهُولُ الْجُمْلَةِ مَعْلُومُ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا، وَفِي الذَّخِيرَة عَنْ الْأَبْهَرِيِّ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ قَالَ الْأَبْهَرَيْ يَمْتَنِعُ حَمْلُ الزَّرْعِ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ مِائَةِ إرْدَبٍّ تَخْرُجُ عَشَرَةَ أَرَادِبَ؛ إذْ لَا يَدْرِي كَمْ إرْدَبًّا يَخْرُجُ؟ وَتَجُوزُ بِالْقَتَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُحْزَرُ، وَلَعَلَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ الْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ حِرَاسَتِهِمْ الْأَنْدَرَ كُلَّهَا بِأَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصِيبُ أَلْفًا وَمِائَةَ قَفِيزٍ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ هُوَ عَلَى قَدْرِ الرُّءُوسِ أَوْ الصَّابَّةِ؟ فَأَجَابَ: اسْتِئْجَارُهُمْ الْأَنْدَرَ بِأَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ إنْ كَانَ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الْأَنْدَرِ وَرُؤْيَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَبَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَحُصُولِهِ، فَجَائِزٌ، وَيَكُونُ مَفْضُوضًا عَلَى قَدْرِ الصَّابَّةِ، وَوَقَعَ لِسَحْنُونٍ أَنَّهُ عَلَى الرُّءُوسِ وَالْأَوَّلُ: أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا، هَلْ هِيَ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، أَوْ عَلَى الرُّءُوسِ؟ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَكَرِيَةِ الدُّورِ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَكَرِيَةِ الدُّورِ: وَلَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ طَائِفَةً مِنْ دَارِكَ، وَقَدْ عَلِمْت بِهِ، فَلَمْ تُخْرِجْهُ لَزِمَهُ كِرَاءُ مَا سَكَنَ

فرع خرج أحد الشريكين في دين لاقتضائه دون إذن صاحبه فاقتضاه أو بعضه وطلب الأجرة من صاحبه

أَبُو الْحَسَنِ لِاحْتِمَالِ تَرْكِهِ لِلْإِرْفَاقِ وَكَوْنِهِ عَلَى جِهَةِ الْإِجَارَةِ، فَلَمَّا اُحْتُمِلَ الْوَجْهَانِ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ الْأَمْلَاكَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنَّصِّ أَنَّهُ أَرْفَقَهُ، فَيُخْتَلَفُ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ إلَّا بِسُكُوتِهِ، فَلَا يَمِينَ انْتَهَى. [فَرْعٌ خَرَجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَيْنٍ لِاقْتِضَائِهِ دُونَ إذْنِ صَاحِبِهِ فَاقْتَضَاهُ أَوْ بَعْضَهُ وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ مِنْ صَاحِبِهِ] (فَرْعٌ:) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْوَكَالَاتِ، وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إذَا خَرَجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَيْنٍ لِاقْتِضَائِهِ دُونَ إذْنِ صَاحِبِهِ، فَاقْتَضَاهُ، أَوْ بَعْضَهُ وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَجَبَتْ لَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ لِذَلِكَ مُتَطَوِّعًا (قُلْت:) إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْعَادَةُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَأْخُذُ أُجْرَةً فِيمَا وُلِّيَ، أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَكِرَاءِ الدُّورِ إذَا سَكَنَ طَائِفَةٌ مِنْ دَارِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الرُّهُونِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَرْهَنُ الدَّارَ مِنْ رَجُلٍ يَضَعُهَا عَلَى يَدَيْهِ وَيَقْتَضِي غَلَّتَهَا، وَيَقُومُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَطْلُبُ أَنْ يُعْطَى فِي ذَلِكَ أَجْرًا فِيمَا قَامَ بِهِ قَالَ: مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي مِثْلُهُ يُشْبِهُ أَنْ يَعْمَلَ بِأَجْرٍ، وَمِثْلُهُ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ طَلَبَهُ، فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ مِثْلُهُ يَعْنِي، فَلَا أَرَى لَهُ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا نَحْوُ مَا فِي رَسْمٍ جَامِعٍ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ إجَارَةُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَعْمَلُ بِالْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا أَقَامَ فِي ذَلِكَ، وَعَنَى بِهِ احْتِسَابًا، وَإِنَّمَا، فَعَلَ ذَلِكَ لِيَرْجِعَ بِحَقِّهِ فِيهِ عَلَى مَعْنَى مَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى. وَلَهُ أَيْضًا فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْهُ، مَسْأَلَةٌ: طَالِبُ النَّفَقَةِ عَلَى الْبِضَاعَةِ كَالْقِرَاضِ، وَفِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الذَّخِيرَةِ إذَا تَهَدَّمَتْ دَارٌ، فَتَقُومُ عَلَيْهَا فَلَكَ الْأُجْرَةُ إنْ كَانَ مِثْلُكَ يَعْمَلُ ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ بَعْدَ أَنْ تَحْلِفَ مَا تَبَرَّعْت انْتَهَى. وَالْقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِيَّةُ فِي إيصَالِ النَّفْعِ لِلْغَيْرِ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَوَاخِرِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ فِي الرُّهُونِ، وَفِي اللُّقَطَةِ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: إذَا عَجَزَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ عَنْ عَلَفِهَا وَسَيَّبَهَا، فَأَعْلَفَهَا غَيْرَهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا رَبُّهَا قَالَ مَالِكٌ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالْإِضْرَارِ لِذَلِكَ، وَيَدْفَعُ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي الرُّكْنِ الثَّالِث مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قِيَامِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَامَ لِنَفْسِهِ انْتَهَى. وَعُلِمَ مِنْ تَشْبِيهِ الْعَاقِدِ هُنَا بِعَاقِدِ الْبَيْعِ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ، وَوَقَفَ عَلَى رِضَاهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَيْسَ لِذِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنْ يُؤَاجِرَا أَنْفُسَهُمَا دُونَ إذْنِهِمَا، فَإِنْ فَعَلَا نَظَرَا فِي ذَلِكَ، فَمَا رَأَيَاهُ مِنْ رَدٍّ أَوْ إمْضَاءٍ فَعَلَاهُ مَا لَمْ يَعْمَلَا، فَإِنْ عَمِلَا كَانَ لَهُمَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَإِنْ أَصَابَهُمَا مِنْ سَبَبِ الْعَمَلِ شَيْءٌ فَلَهُمَا قِيمَةُ مَا نَقَصَهُمَا أَوْ دِيَتُهُمَا إنْ هَلَكَا، وَلَهُمَا الْأُجْرَةُ إلَى يَوْمِ أَصَابَهُمَا ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمَا فِيمَا أَصَابَهُمَا مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْعَمَلِ شَيْءٌ انْتَهَى. [فَرْعٌ آجَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِنْ آجَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُؤَاجِرُ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، وَأَنْفَقَ الْأَبُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْأَبُ غَنِيًّا، وَالِابْنُ عَدِيمًا لَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فِيمَا لَا مَعَرَّةَ عَلَى الِابْنِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا، أَوْ مُقِلًّا، أَوْ يُرِيدُ تَعْلِيمَ الِابْنِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ حَبَسَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا فَضَلَ مِنْ عَمَلِ الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَمَلِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، أَوْ يَمْرَضَ فَلَا يَجِدُ مَا يَأْكُلُ، وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْرُوفِ انْتَهَى. [فَرْعٌ عَقْدُ الْحَاضِنَةِ عَلَى مَحْضُونِهَا] (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ: وَيَجُوزُ عَقْدُ الْحَاضِنَةِ عَلَى مَحْضُونِهَا أُمًّا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، وَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا أَنْ يُزَادَ الصَّبِيُّ فِي أُجْرَتِهِ فَتَقْبَلَ الزِّيَادَةُ وَيَفْسَخَ عَقْدُ الْأُمِّ، وَيَنْظُرَ لَهُ

فرع استئجار الأعزب المرأة لتخدمه في بيته

أَحْسَنَ الْمَوَاضِعِ، وَلَوْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ فِي عَقْدِ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ فِيهِ غَبْنًا عَلَى الْيَتِيمِ انْتَهَى. [فَرْعٌ اسْتِئْجَارُ الْأَعْزَبِ الْمَرْأَةَ لِتَخْدُمَهُ فِي بَيْتِهِ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَعْزَبِ الْمَرْأَةَ لِتَخْدُمَهُ فِي بَيْتِهِ مَأْمُونًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ جَازَ إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُتَجَالَّةً لَا إرْبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا، أَوْ كَانَتْ شَابَّةً وَمُسْتَأْجِرُهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي اللَّخْمِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِي الْجُعْلِ مِنْهَا فِي تَرْجَمَةِ إجَارَةِ نَزْوِ الْفَحْلِ: وَأَكْرَهُ لِلْأَعْزَبِ أَنْ يُؤَاجِرَ حُرَّةً لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ أَوْ أَمَةً لِخِدْمَةٍ يَخْلُو مَعَهَا أَوْ يُعَادِلَهَا فِي مَحْمَلٍ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ الْكَبِيرُ اُنْظُرْ هَلْ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا، أَوْ عَلَى الْمَنْعِ؟ ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَلْوَةً وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ، وَفِي رَسْمِ لَمْ يُدْرَكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ الْكَبِيرَةِ تُلْجَأُ إلَى الرَّجُلِ فَيَقُومُ لَهَا بِحَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلُهَا الْحَاجَةَ هَلْ تَرَى لَهُ ذَلِكَ حَسَنًا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلْيُدْخِلْ مَعَهُ غَيْرَهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّاسُ لَضَاعَتْ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّهُ جَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُومَ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي حَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلَهَا الْحَاجَةَ إذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِمَّا لَا يَظْهَرُ مِنْ زِينَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ، وَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الدُّخُولِ عَلَيْهَا أَدْخَلَ غَيْرَهُ مَعَهُ لِيُبْعِدَ سُوءَ الظَّنِّ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ صَفِيَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَ لَهُمَا: إنَّهَا صَفِيَّةُ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا فَتَهْلِكَا» انْتَهَى. ص (وَعُجِّلَ إنْ عُيِّنَ، أَوْ بِشَرْطٍ، أَوْ عَادَةٍ، أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا كِرَاءُ حَجٍّ فَالْيَسِيرُ

وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً) ش: اعْلَمْ أَنَّ التَّعْيِينَ تَارَةً يَكُونُ فِي الْأُجْرَةِ وَتَارَةً يَكُونُ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقْضَى بِتَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إذَا شُرِطَ التَّعْجِيلُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، أَوْ شَيْئًا مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ يُقْضَى بِالتَّعْجِيلِ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ التَّعْجِيلَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ شَيْئًا مُعَيَّنًا أَوْ شَيْئًا مَضْمُونًا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأُجْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَالْمَضْمُونَةُ، وَكَذَلِكَ يُقْضَى بِالتَّعْجِيلِ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مَضْمُونَةً فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ وَتَأَخَّرَ شُرُوعُهُ فِي الْعَمَلِ يَوْمَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ أَخَّرَهُ إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ فَيَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ عُيِّنَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا، فَإِنْ شُرِطَ تَعْجِيلُهُ، أَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَقُضِيَ بِتَعْجِيلِهِ لِلشَّرْطِ وَالْعُرْفِ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَلَا عُرْفٌ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فَتَأَمَّلْهُ، وَلَا يُرَدُّ هَذَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ عِنْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: يُعَجَّلُ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ، وَلَا اُشْتُرِطَ التَّعْجِيلُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ مِنْهَا: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ، أَوْ دَارًا، أَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ عَرَضٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ طَعَامٍ فَتَشَاحَّا فِي النَّقْدِ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْكِرَاءِ فِي الْبَلَدِ بِالنَّقْدِ جَازَ وَقُضِيَ بِقَبْضِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّتُهُمْ بِالنَّقْدِ لَمْ يَجُزْ الْكِرَاءُ، وَإِنْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ النَّقْدُ فِي الْعَقْدِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ، أَوْ حَيَوَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يُقْبَضَ إلَّا إلَى شَهْرٍ، وَيُفْسَخُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَاهُ بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ تَشَاحَّا فِي النَّقْدِ، فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ بِالْبَلَدِ بِالنَّقْدِ قُضِيَ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْكِرَاءُ إلَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا أَيْ: يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهُ فِي الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ: أَوَّلًا إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ النَّقْدُ فِي الْعَقْدِ، الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَكِنْ إنْ اُشْتُرِطَ النَّقْدُ فِي الْعَقْدِ جَازَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِدَنَانِيرَ لَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ عِنْدَ قَاضٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ شَرَطَ ضَمَانَهَا إنْ تَلِفَتْ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَأَرَى إنْ كَانَ الْكِرَاءُ لَا يُنْقَدُ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ هَذَا فِي طَعَامٍ، وَلَا عَرَضٍ فِي بَيْعٍ، وَلَا كِرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُبْتَاعُ لِعَيْنِهِ فَلَا يَدْرِي أَيَّ الصَّفْقَتَيْنِ ابْتَاعَ، وَلَا يُرَادُ مِنْ الْمَالِ عَيْنُهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الدَّنَانِيرِ: هُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: فَأَرَى الْكِرَاءَ إنْ كَانَ لَا يُنْقَدُ فِي مِثْلِهِ، مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِمْ النَّقْدُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ لَا يُنْقَدُ فِي مِثْلِهِ كَبَيْعِ الْخِيَارِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ كِرَاءِ الدَّابَّةِ بِقَوْلِهِ وَبِدَنَانِيرَ عُيِّنَتْ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا يُرِيدُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا إلَّا بَعْدَ طُولٍ، وَأَمَّا إنْ قَرُبَ الشُّرُوعُ، فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْكِرَاءِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ فِي الْكِرَاءِ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، أَوْ فِي الْغَدِ فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ الْكِرَاءِ إلَى أَجَلٍ وَقَوْلُهُ: إلَّا كِرَاءُ حَجٍّ فَالْيَسِيرُ لَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ لَكَانَ أَشْمَلَ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ، وَنَصُّهُ: تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ هُوَ. الْأَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ دُونَ شَرْطٍ فَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَكْرَى إلَى الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِ الْحَجِّ لِيَخْرُجَ فِي إبَّانِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَدِّمَ مِنْهُ الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ، وَقَالَ: كَمْ مِنْ كَرِيٍّ ذَهَبَ بِالْكِرَاءِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ

عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ تَأْخِيرِ النَّقْدِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ أَكْثَرَهُ، أَوْ ثُلُثَيْهِ، وَقَالَ مِثْلَهُ أَشْهَبُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ قَدْ اقْتَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُدَهُ الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الْحَجِّ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ، وَالْيَسِيرُ الدِّينَارُ وَالدِّينَارَانِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْإِجَارَةُ مَضْمُونَةً بَلْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، أَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً إلَّا أَنَّهُ شَرَعَ فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَلَا عُرْفٌ وَالْأَجْرُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ مُيَاوَمَةً، وَهَذَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْبَيَانِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَلَا عَادَةٌ أُخِذَ مُيَاوَمَةً قَالَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَتَنَاوَلُ الصَّنَائِعَ، بَلْ الْإِجَارَةُ فِي الْعُرْفِ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ يُقَالُ عَلَيْهِ، وَمَا قَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ هُوَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الدَّعْوَى فِي الْإِجَارَةِ، وَنَصُّهَا: وَإِذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ، أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الْقَمِيصِ أَخْذُ نِصْفِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يُتِمَّ؛ إذْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. (الثَّانِي:) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ بَلْ مُعَيَّنَةً يَجُوزُ التَّقْدِيمُ، وَالتَّأْخِيرُ مَحِلُّهُ مَا إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ، أَوْ تَأَخَّرَ الشُّرُوعُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْبَيَانِ: الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِثْلُ نَسْجِ الْغَزْلِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَضْمُونَةٌ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، أَوْ تَعْجِيلِهِمَا، وَمُعَيَّنَةٌ فِي عَيْنِهِ فَتَجُوزُ بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ وَتَأْخِيرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ شَرَعَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ انْتَهَى. وَتَأْخِيرُ الشُّرُوعِ إلَى يَوْمَيْنِ لَا يَضُرُّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَبُو الْحَسَنِ وَإِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَانْظُرْ كَلَامَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَكِرَاءُ دَابَّةٍ إلَى شَهْرٍ، وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُعَيَّنًا عَلَى أَنْ لَا يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ إلَّا إلَى أَجَلٍ، وَكَانَ الْأَجْرُ شَيْئًا مُعَيَّنًا تَفْسُدُ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَجْرِ مُعَيَّنًا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ، وَكَوْنُ الْعَمَلِ فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ إلَى أَجَلٍ يَقْتَضِي تَأْخِيرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ صَرَّحَ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَضْمُونًا كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى كَذَا فِي ذِمَّتِكَ إنْ شِئْتَ عَمِلْتَهُ بِيَدِكَ، أَوْ بِغَيْرِكَ أَوْ مُعَيَّنًا كَاسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى عَمَلِ كَذَا بِنَفْسِكَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ كَقَوْلِهِ أَعْطَيْتُكَ كَذَا عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ حُمِلَ عَلَى الْمَضْمُونِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ، أَوْ كَانَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا لِرِفْقِهِ وَإِحْكَامِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ التَّعْيِينَ كَاسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ، أَوْ عَلَى أَنْ تَخِيطَهُ، وَلَا يَقُولُ: أَنْتَ فَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ، أَوْ الْمُعَيَّنِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَضْمُونِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ، أَوْ يَكُونَ قَصْدَ عَمَلَهُ لِرِفْقِهِ وَإِحْكَامِهِ انْتَهَى. (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ: إنْ قَامَ مَنْ آجَرَ عَبْدَهُ يَطْلُبُ أَجْرَهُ بَعْدَ تَمَامِ عَمَلِهِ فَأُجْرَتُهُ تَجْرِي مَجْرَى الْحُقُوقِ فِي الْفُسْحَةِ وَضَرْبِ الْأَجَلِ، وَإِذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ، أَوْ الْحُرُّ وَطَلَبَ ذَلِكَ بَعْدَ الْخِدْمَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَا كَالْحُقُوقِ عِنْدَ وُجُوبِهَا، وَيَجِبُ تَعْجِيلُ أَجْرِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا الْأَجِيرَ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَ الْأَجِيرُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ يَطْلُبَ فَيُحْمَلَ مَحْمَلَ الْحُقُوقِ انْتَهَى. (الْخَامِسُ:) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: كَرِهَ

مَالِكٌ نَقْدَ الْكِرَاءِ فِي السُّفُنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْبَلَاغِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ نَافِعٍ، وَقَالَ: لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ مَا قَطَعَ، فَإِنْ عَطِبَ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَادَّعَيْتَ النَّقْدَ صُدِّقَ عَلَيْكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لِلتُّهْمَةِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ انْتَهَى. ص (كَمَعَ جُعْلٍ) ش: أَيْ، وَكَذَلِكَ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا جَمَعَهَا مَعَ الْجُعْلِ، وَقَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجُعْلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (فَرْعٌ:) لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْإِجَارَةِ مَعَ السَّلَفِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَفَعْت إلَى حَائِكٍ غَزْلًا يَنْسِجُ لَكَ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُسْلِفَكَ فِيهِ رِطْلًا مِنْ غَزْلٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبَيْعِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ انْتَهَى. ص (لَا بَيْعٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ مَعَ الْبَيْعِ لَيْسَتْ بِفَاسِدَةٍ بَلْ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَهُ، وَأَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ بَاعَ لَهُ جُلُودًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ نِعَالًا لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مَشْهُورٌ بِالْمَنْعِ خَلِيلٌ هُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ انْتَهَى. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ: هَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَنَصُّهُ: وَسُئِلَ عَنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَقَالَ: جَائِزٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ عَلَى حَالٍ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ كَبَيْعِهِ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَتَهُ، أَوْ قَمْحًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ، أَوْ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ إعَادَتُهُ لِلْعَمَلِ كَبَيْعِهِ صُفْرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْبَائِعُ مِنْهُ قَدَحًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ لِلْعَمَلِ كَبَيْعِهِ غَزْلًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ نَسْجَهُ، أَوْ الزَّيْتُونَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ عَصْرَهُ، أَوْ الزَّرْعَ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ حَصَادَهُ وَدَرْسَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي رَسْمِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَفِي رَسْمِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَفِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، وَنَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ ابْتَعْت ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ لَكَ أَوْ نَعْلَيْنِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُمَا فَلَا بَأْسَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ ابْتَعْت مِنْهُ قَمْحًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ لَكَ فَاسْتَخَفَّهُ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَرِهَهُ، وَكَانَ وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَعْرُوفًا، وَجُلُّ قَوْلِهِ فِيهِ: التَّخْفِيفُ عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: فَإِنْ هَلَكَ الثَّوْبُ أَوْ الْقَمْحُ قَبْلَ خِيَاطَتِهِ، أَوْ قَبْلَ طَحْنِهِ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَدْرُ الْإِجَارَةِ، وَكَانَ ضَمَانُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ غَيْرُ الْبَائِعِ يَتَوَلَّى عَمَلَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى عَمَلَهُ لَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ صَانِعٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ الْقَبَّابُ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ زَادَ اللَّخْمِيُّ فِيمَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ وَتُمْكِنُ إعَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى جُمْلَةَ مَا يَعْمَلُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا أُعِيدَ نَقَصَ مِنْهُ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ إلَّا دُونَ الْأَوَّلِ كَالْفِضَّةِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ صِيَاغَتَهَا، وَالصُّفْرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ أَقْدَاحًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (الثَّانِي:) مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ ثَوْبَهُ لِمَنْ يُرَقِّعُهُ لَهُ، أَوْ نَعْلَهُ لِمَنْ يُشْرِكُهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يُرِيَهُ الْجِلْدَ وَالرُّقْعَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبِيعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ مِنْ الصِّفَةِ فِي الشَّيْءِ الْغَائِبِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ حَالَةَ الْعَقْدِ هَذَا إذَا كَانَ عِنْدَ الصَّانِعِ الْجُلُودُ وَالرِّقَاعُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ انْضَافَ إلَى ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَجَلِ السَّلَمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَعْدَمُ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى طُولِ الْأَجَلِ، وَيَكْفِي الْوَصْفُ التَّامُّ كَمَا فِي سَائِرِ السَّلَمِ، وَلَا يَكْتَفِي بِالْوَصْفِ إلَّا إذَا كَانَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ غَيْرَ مَوْجُودٍ عِنْدَهُ حِينَ الْعَقْدِ، وَلَا

يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ غَالِبًا لِكَوْنِهِ لَا يَعْدَمُهُ وَيَكْثُرُ عِنْدَهُ قَالَهُ الْقَبَّابُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ. (الثَّالِثُ:) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْمَبِيعَ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِيهِ كَذَا، أَوْ يَعْمَلَ لَهُ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ أُخْرَى فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ (الرَّابِعُ:) إذَا اشْتَرَى جُبْنًا، أَوْ لَحْمًا بِالْوَزْنِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَقْلِيَ ذَلِكَ فَذَكَرَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي فَصْل خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى السُّوقِ مِنْ الْمَدْخَلِ أَنَّ فِي ذَلِكَ وُجُوهًا مِنْ الْمَنْعِ مِنْهَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ الدُّهْنَ الَّذِي يُقْلَى بِهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مَا يُوقِدُ بِهِ تَحْتَهُ، وَهُوَ مَجْهُولٌ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَزْنَهُ بَعْدَ الْقَلْيِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أُجْرَةَ قَلْيِهِ، وَهَذَانِ الْأَخِيرَانِ لَا يَضُرُّ جَهْلُهُمَا كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَالْمَنْعُ بِسَبَبِهِمَا ظَاهِرٌ. (الْخَامِسُ:) إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ، وَيُحَطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ الْخِيَاطَةِ وَالطَّحْنِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مِمَّنْ يَعْمَلُ تِلْكَ الصِّنَاعَاتِ بِنَفْسِهِ فَيُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الصُّنَّاعِ فِي الضَّمَانِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: يَوْمَ ذَهَبَ، وَيُقَوَّمُ غَيْرُ مَعْمُولٍ، وَيُفَضُّ الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ عَلَى الثَّوْبِ وَالْعَمَلِ، فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ مِنْهُ مَا نَابَ الثَّمَنَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْقِيمَةِ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَدَّاهُ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى الضَّيَاعِ بَيِّنَةٌ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَفُضَّ الثَّمَنُ أَيْضًا عَلَى الثَّوْبِ وَالْعَمَلِ فَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ مِنْهُ إلَّا مَا نَابَ الثَّوْبَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ، فَإِنْ هَلَكَ الثَّوْبُ، أَوْ الْقَمْحُ قَبْلَ خِيَاطَتِهِ، أَوْ قَبْلَ طَحْنِهِ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَدْرُ الْإِجَارَةِ، وَكَانَ ضَمَانُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ غَيْرُ الْبَائِعِ يَتَوَلَّى عَمَلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى عَمَلَهُ لَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ صَانِعٌ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ ضَاعَ بَعْدَ الْعَمَلِ لَمْ يُحَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ هُوَ الصَّانِعَ، أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (السَّادِسُ) : لَوْ اخْتَلَفَا فِي الضَّيَاعِ هَلْ هُوَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فَتَأَمَّلْهُ (السَّابِعُ:) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يَتَوَلَّى الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ التَّفْرِيعَاتُ كُلُّهَا إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ الْقَاضِي قَوْلًا بِالْمَنْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنُ:) الْبَيْعُ وَالْكِرَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَغَيْرِهِ. ص (وَكَجِلْدٍ لِسَلَّاخٍ) ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ لَمْ يَجُزْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ حَيَّةً، أَوْ مَذْبُوحَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ السَّلَّاخُ عِنْدَهُ إلَّا بَعْدَ السَّلْخِ، وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ هَلْ يَخْرُجُ سَلِيمًا مِنْ الْقَطْعِ أَمْ لَا؟ وَفِي أَيْ جِهَةٍ يَكُونُ الْقَطْعُ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِ لِيُدْخِلَ اللَّحْمَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى سَلْخِ شَاةٍ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِرَأْسِ الشَّاةِ أَوْ بِالْأَكَارِعِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الذَّبْحِ فَقَطْ، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى السَّلْخِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ تَصِحُّ ذَكَاتُهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى السَّلْخِ وَحْدَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٌ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْجُلُودِ عَلَى ظُهُورِ الْخِرْفَانِ فِي الْبُيُوعِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَأْتِيَ هُنَا اهـ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا سَيَأْتِي. ص (وَنُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزَافِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِصَاعٍ مِنْ النُّخَالَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: اطْحَنْهُ وَلَكَ صَاعٌ مِنْ نُخَالَتِهِ فَيَحْتَمِلُ

أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الطَّحْنِ بِصَاعٍ مِنْ الدَّقِيقِ وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِاخْتِلَافِ صِفَةِ الدَّقِيقِ دُونَ النُّخَالَةِ غَالِبًا، وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ إلَى الْمُسَاوَاةِ بِالدَّقِيقِ؛ لِأَنَّ مِنْ الطَّحْن مَا تَخْرُجُ نُخَالَتُهُ كَثِيرَةَ الْأَجْزَاءِ، وَمِنْهُ مَا لَا تَخْرُجُ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ: لَوْ اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالطَّحَّانَ بِالنُّخَالَةِ لَمْ تَجُزْ (قُلْت:) الْجِلْدُ جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِهِ وَالنُّخَالَةُ تُجْرَى عَلَى حُكْمِ الدَّقِيقِ انْتَهَى. ، وَنَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِ النُّخَالَةُ تُجْرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الدَّقِيقِ وَعِبَارَتُهُ أَصَحُّ وَأَحْسَنُ لِإِيهَامِ الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كُلٍّ مِنْ صُورَتِي النُّخَالَةِ أَعْنِي صُورَةَ الْجُزَافِ وَصُورَةَ الْمَكِيلِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْمَشْهُورُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّقِيقِ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ بِصَاعٍ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِصَاعٍ مِنْ النُّخَالَةِ، وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَفِي قَوْلِ صَاحِبِ الشَّامِل وَجَازَ طَحْنٌ بِجُزْءٍ مِنْ دَقِيقِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لَا بِالنُّخَالَةِ، أَوْ صَاعٍ مِنْهَا وَجَازَ بِدِرْهَمٍ وَصَاعٍ مِنْهَا نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ظَاهِرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا:) أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ بِصَاعٍ مِنْهَا جَائِزٌ إمَّا عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الدَّقِيقِ، أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْهُمَا (الثَّانِي:) قَوْلُهُ: وَجَازَ بِدِرْهَمٍ وَصَاعٍ مِنْهَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَفْسُدُ إذَا جَعَلَ أُجْرَةَ النَّسَّاجِ جُزْءَ الثَّوْبِ الَّذِي يَنْسِجُهُ لِلْجَهْلِ، وَكَذَلِكَ جُزْءُ جِلْدٍ، أَوْ جُلُودٍ لِدَبَّاغٍ قَالَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ

وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُؤَاجِرَهُ عَلَى دَبْغِ جُلُودٍ أَوْ عَمَلِهَا، أَوْ يَنْسِجُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ انْتَهَى. فَهَذَا مَجْهُولٌ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ بِأَجْرِهِ» ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فَلْيُؤَاجِرْهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: جُزْءُ ثَوْبٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِجُزْءِ الْغَزْلِ، أَوْ بِجُزْءِ الْجِلْدِ، أَوْ الْجُلُودِ قَبْلَ الدِّبَاغِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ الْعُرْفُ، وَإِلَّا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ لَهُ نِصْفَ الْجُلُودِ وَنِصْفَ الْغَزْلِ مِنْ الْآنَ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ نَسْجَ الْجَمِيعِ، أَوْ دَبْغَ الْجَمِيعِ، ثُمَّ يَأْخُذُ جُزْءَهُ فَلَا يَجُوزُ لِلتَّحْجِيرِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْغَزْلَ عَلَى جُزْءٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ مِنْ الثَّوْبِ، أَوْ مِنْ الْغَزْلِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: فَلَوْ دَخَلَ عَلَى جُزْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُنِعَ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: وَإِنْ قَالَ ادْبَغْ نِصْفَ هَذِهِ الْمِائَةِ بِنِصْفِهَا وَشَرَطَا نَقْدَ النِّصْفِ جَازَ إذَا كَانَتْ تَعْتَدِلُ فِي الْقَسْمِ وَالْعَدَدِ، أَوْ تَتَقَارَبُ، وَإِنْ تَبَايَنَ اخْتِلَافُهُمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ أَجْلِ الْجَهْلِ بِمَا يَدْبُغُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَدْبُغُ سِتِّينَ، أَوْ أَرْبَعِينَ، وَلَيْسَ يَفْسُدُ مِنْ أَجْلِ الْجَهْلِ بِمَا يَصِيرُ لِلْعَامِلِ فِي أُجْرَتِهِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ نِصْفِهَا عَلَى الشِّيَاعِ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ فِي الْقَسْمِ انْتَهَى. (الثَّانِي:) مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى قَاسَمَهُ وَدَبَغَ جَمِيعَهَا كَانَ لَهُ النِّصْفُ الَّذِي أَخَذَهُ أُجْرَةً بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ، وَلَهُ إجَارَةُ الْمِثْلِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ فَاتَ النِّصْفُ الَّذِي أَخَذَهُ أُجْرَةً بِغَيْرِ الدَّبْغِ لَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَهُ، وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ قَائِمًا لَرَدَّهُ، وَكَانَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالنَّسَّاجَ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّوْبِ وَالطَّحَّانَ بِالنُّخَالَةِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ أَصْبَغُ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَالثَّوْبُ وَالْجُلُودُ لِرَبِّهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُرِيدُ أَصْبَغَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ النِّصْفَ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَعَلَى هَذَا إنْ فَاتَتْ الْجُلُودُ بِيَدِ الصَّانِعِ بَعْدَ الدَّبْغِ فَلَهُ نِصْفُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ خَرَجَتْ مِنْ الدِّبَاغِ، وَلِرَبِّهَا النِّصْفُ الْآخَرُ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي دِبَاغِ الْجَمِيعِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الْجُلُودِ قَبْلَ الدَّبْغِ عَلَى أَنْ يَدْبَغَهَا مُجْتَمِعَةً فَأَفَاتَهَا بِالدِّبَاغِ فَلَهُ نِصْفُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا، وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِي نِصْفِهَا لِلتَّحْجِيرِ فِي نِصْفِ الدَّابِغِ، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي ضَمَانِ الصَّانِعِ لِنِصْفِهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ إذَا شَرَعَ فِي دِبَاغِهَا، وَيُخْتَلَفُ فِي فَوَاتِهَا بِالشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ قَبْضًا حَقِيقِيًّا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا قَبَضَهُ. (الرَّابِعُ:) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ: ادْفَعْ الْمِائَةَ عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَهَا بَعْدَ الدَّفْعِ إنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ مِنْ التَّمَادِي حَتَّى يَفْرُغَ، وَكَذَلِكَ النَّسْجُ إنْ شَرَطَ أَنْ يَنْسِجَ لَهُ غَزْلًا بِنِصْفِهِ فَأَخَذَ فِي النَّسْجِ مُكِّنَ مِنْ التَّمَادِي؛ لِأَنَّ فِي نَزْعِهَا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَضَرَّةً وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ: إنَّ مَا يُرَدُّ مِنْهَا لِإِجَارَةِ الْمِثْلِ يُفْسَخُ، وَلَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَا يُرَدُّ لِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ، وَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ الظَّاهِرُ، فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسَائِلَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأُخْرَى يُرْجَعُ فِيهَا إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ، وَهَكَذَا: الْجَوَابُ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْعَامِلُ أُجْرَةً عَنْ الْمَاضِي، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّمَادِي، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ بَعْدَ الْعَمَلِ حَتَّى يَتِمَّ مَا دَخَلَ فِيهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ الْعِوَضُ فِيهَا مِنْ الثَّمَرَةِ، فَلَوْ فُسِخَتْ ذَهَبَ عَمَلُهُ بَاطِلًا، وَفِي الْإِجَارَةِ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ هَذَا فِي آخِرِ الْمُسَاقَاةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ صِقِلِّيَّةَ وَزَادَ مَعَ الْمُسَاقَاةِ الْقِرَاضَ

قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ مَعْزُوٍّ، وَكَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَكَذَا عِيَاضٌ وَقَيَّدَ الْفَوَاتَ بِعَمَلٍ لَهُ بَالٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ رَضِيعٍ، وَإِنْ مِنْ الْآنَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَفْسُدُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يُرْضِعُ صَبِيًّا بِجُزْءٍ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ مِنْ الْآنَ مُبَالَغَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ دُونَ مَا قَبْلَهَا وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ شَرَطَ أَخْذَ الْجُزْءِ الْمُسْتَأْجَرِ بِهِ بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ، أَوْ شَرَطَ أَخْذَهُ الْآنَ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَيْضًا (الْأَوَّلُ:) أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَيَكُونَ فِيهَا عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ (الثَّانِي:) أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَكِنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُلُودِ وَالْغَزْلِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا إذَا شَرَطَ أَخْذَ الْجُزْءِ الْمُسْتَأْجَرِ بِهِ مِنْ الْآنَ فَيَتَبَادَرُ جَوَازُهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجُلُودِ وَالْغَزْلِ وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ، وَلَوْ تَعَذَّرَ تَعْلِيمُهُ بِمَوْتٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّهُ خَلَفُهُ صَارَ نَقْدُ الْأُجْرَةِ فِيهِ كَالنَّقْدِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ بِشَرْطٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ جُزْءًا مِنْهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَتَصَوُّرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الشَّرْحِ وَالْحَاشِيَةِ ظَاهِرٌ (تَنْبِيهٌ:) ذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيمِ الَّتِي جَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ مُسَاوِيَةً لِهَذِهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَشَرَطَ قَبْضَ نِصْفِهِ بَعْدَ السَّنَةِ فُسِخَ، فَإِنْ فَاتَ وَعَلَّمَهُ سَنَةً، وَلَمْ يَفُتْ الْعَبْدُ فَلَهُ قِيمَةُ تَعْلِيمِهِ، وَالْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ فَاتَ بَعْدَ السَّنَةِ بِيَدِ الْمُعَلِّمِ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى رَبِّهِ قِيمَةُ تَعْلِيمِهِ، وَعَلَى الْمُعَلِّمِ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ تَمَامِ السَّنَةِ مُعَلَّمًا، وَإِنْ شَرَطَ قَبْضَهُ الْآنَ وَفَاتَ بِيَدِ الْمُعَلِّمِ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَةِ تَعْلِيمِهِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ قَبَضَهُ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِمَا سَقَطَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ نَفْضِ زَيْتُونٍ، أَوْ عَصْرِهِ) ش أَيْ، وَكَذَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى نَفْضِ الزَّيْتُونِ بِمَا يَسْقُطُ مِنْهُ أَيْ بِجُزْءٍ مِمَّا يَسْقُطُ، وَعَلَى عَصْرِهِ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ الزَّيْتِ أَيْ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ مَا يَسْقُطُ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَصْرِ، وَلَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَكَيْفَ يَخْرُجُ؟ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّرْكِ إذَا شَرَعَ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهُ: اُنْفُضْ شَجَرِي، أَوْ حَرِّكْهَا فَمَا نَفَضْتَ، أَوْ سَقَطَ فَلَكَ نِصْفُهُ؛ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِنْ قَالَ: اعْصِرْ زَيْتُونِي، أَوْ جُلْجُلَانِي فَمَا عَصَرْت فَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ؟ وَلَا كَيْفَ يَخْرُجُ؟ وَإِذًا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّرْكِ إذَا شَرَعَ، وَلَيْسَ هَكَذَا الْجُعْلُ وَالْحَصَادُ يَدْعُهُ مَتَى شَاءَ إذَا قَالَ: فَمَا حَصَدْت مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ انْتَهَى. فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَ عَدَمِ جَوَازِ عَصْرِ الزَّيْتُونِ بِجُزْءٍ

مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَأَمَّا وَجْهُ عَدَمِ جَوَازِ النَّفْضِ وَالتَّحْرِيكِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ يَخْتَلِفُ فَمِنْهُ مَا هُوَ نَاجِحٌ يَقِلُّ مَا يَسْقُطُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا هُوَ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إجَارَةً، وَلَا جُعْلًا لِلْجَهْلِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَصَادِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَمَا حَصَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّرْكِ مَتَى شَاءَ، وَمَا يَحْصُدُهُ فَلَهُ نِصْفُهُ فَهُوَ مَعْلُومٌ وَمِثْلُ الْحَصَادِ اللَّقْطُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهُ: فَمَا حَصَدْت، أَوْ لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهُ جُعْلٌ، وَكَذَلِكَ الْجَدَادُ إذَا قَالَ لَهُ: جُدَّ مِنْ نَخْلِي مَا شِئْت فَمَا جَدَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجُعْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ وَاللَّقْطِ وَبَيْنَ النَّفْضِ وَالْعَصْرِ أَنَّ الْحَصَادَ وَالْجَدَادَ وَاللَّقْطَ مِنْ مَقْدُورِهِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ إلَّا الْكَسَلُ، وَكُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ عُرْجُونًا، أَوْ يَحْصُدَ مَوْضِعًا، أَوْ يَلْقُطَ شَيْئًا عَلِمَ أَنَّ لَهُ نِصْفَ ذَلِكَ قَبْلَ عَمَلِهِ بِخِلَافِ النَّفْضِ وَالتَّحْرِيكِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنُوطٍ بِمَقْدُورِهِ فَهُوَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ، وَلَا يَدْرِي هَلْ يَسْقُطُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَقْدِرُ، أَوْ يَتْرُكُ، وَكَذَلِكَ الْعَصْرُ فَتَأَمَّلْهُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ: وَمَعْنَى التَّحْرِيكِ هُنَا النَّفْضُ بِالْيَدِ، وَأَمَّا بِالْقَضِيبِ فَهُوَ كَالْحَصْدِ قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ النَّفْضَ بِالْيَدِ غَيْرُ مُعْتَادٍ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةَ النَّفْضِ ابْنُ يُونُسَ: لَوْ قَالَ: اُنْفُضْهُ كُلَّهُ، وَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ انْتَهَى. وَكَلَامُهُ يُوهِمُ: أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفْهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ وَأَتَمَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا قَالَا فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَجَمِيعُ الزَّرْعِ لِرَبِّهِ، فَإِنْ قَسَمَا عَلَى مَا قَالَا فَمَا أَخَذَهُ الْعَامِلُ حَرَامٌ، وَمَا أَخَذَهُ رَبُّ الزَّرْعِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ جَمِيعَهُ لَهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَيَأْتِي مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ (الثَّالِثُ:) مَا يَسْقُطُ مِنْ التَّمْرِ بَيْنَ الْكَرَانِيفِ وَالسَّعَفِ يُسَمَّى الْجَلَالَةَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ؛ إذْ لَا يُحَاطُ بِقَدْرِهِ لِاخْتِفَائِهِ بَيْنَ الْكَرَانِيفِ قَالَهُ فِي رَسْمِ قَطْعِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْإِجَارَةِ ص (كَاحْصُدْ وَادْرُسْ وَلَكَ نِصْفُهُ) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ، وَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ، وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْرُجُ، وَلَا كَيْفَ يَخْرُجُ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ بِعْتَهُ زَرْعَهُ جُزَافًا، وَقَدْ يَبِسَ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ حَصَادَهُ وَدَرْسَهُ وَذَرْيَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى حَبًّا جُزَافًا لَمْ يُعَايِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْكَيْلِ، وَهُوَ يَصِلُ إلَى صِفَةِ الْقَمْحِ بِفَرْكِ سُنْبُلِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ دَرْسُهُ إلَى مِثْلِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ قَرِيبٌ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اُحْصُدْ زَرْعِي هَذَا، وَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ جُدَّ نَخْلَتِي هَذِهِ، وَلَكَ نِصْفُهَا جَازَ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ، وَكَذَلِكَ لَقْطُ الزَّيْتُونِ انْتَهَى. أَيْ إذَا قَالَ لَهُ: اُلْقُطْ زَيْتُونِي وَلَكَ نِصْفُهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الْأُمَّهَاتِ: فَحِينَ يَحْصُدُهُ وَجَبَ لَهُ نِصْفُهُ عِيَاضٌ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ بَعْدَ الْحَصَادِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَاهُمْ جَعَلُوا مَا هَلَكَ قَبْلَ حَصَادِهِ وَبَعْدَهُ مِنْ الْأَجِيرِ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْعَمَلُ فِي تَهْذِيبِهِ بَيْنَهُمَا ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الزَّرْعِ قِسْمَتَهُ حَبًّا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ بِالْحَصَادِ فَجَائِزٌ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَبْدُ الْحَقِّ، وَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ قَتًّا وَيَدْخُلُهُ التَّفَاضُلُ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَغَيْرِهَا، وَاعْتُرِضَ مَنْعُ قِسْمَتِهِ حَبًّا بِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بَعْدَ عَمَلِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ إلَّا مُهَذَّبًا، وَأُجِيبَ بِمَنْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْحَصَادِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَحْصُدَهُ، أَوْ بَعْدَ أَنْ حَصَدَ بَعْضَهُ هُوَ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ مِثْلِ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ سَحْنُونٌ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَاللَّفْظِ، فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

الْمَمْنُوعَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْجَائِزَةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَاحْصُدْ هَذَا، وَلَكَ نِصْفُهُ بِأَنَّ هُنَا لَمَّا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَصَادِهِ وَدَرْسِهِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِالْحَبِّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الزَّرْعِ الْقَائِمِ الَّذِي يَحْصُدُهُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا كَخَشَبٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ مِنْ قُطْنٍ، أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ أُصْطُبَّةٍ، وَهِيَ الْمُشَاقُ، أَوْ قَصَبٍ، أَوْ قُرْطٍ، أَوْ تِبْنٍ، أَوْ عَلَفٍ، وَلَا بِزَعْفَرَانٍ، وَلَا بِطِيبٍ يُشْبِهُهُ، وَلَا بِعُصْفُرٍ، وَلَا بِطَعَامٍ، وَلَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ فَلَا يَجُوزُ بِلَبَنٍ مَحْلُوبٍ، أَوْ فِي ضُرُوعِهِ، أَوْ بِجُبْنٍ أَوْ عَسَلٍ، أَوْ بِسَمْنٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ صِيرٍ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْحِيتَانِ تُمَلَّحُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَنْبِذَةِ وَالْأَشْرِبَةِ أَوْ بِفُلْفُلٍ، أَوْ بِزَيْتِ الْكَتَّانِ أَوْ الْجُلْجُلَانِ، أَوْ بِسَمَكٍ، أَوْ بِطَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ لِلسِّكِّينِ، أَوْ بِشَاةِ اللَّحْمِ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي الْعَلُوفَ أَوْ الشَّارِفَ، وَقَوْلُهُ: الْأَشْرِبَةِ يَعْنِي الَّتِي تُشْرِبُ لَا الَّتِي يُتَدَاوَى بِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْحَطَبِ وَالْجُذُوعِ وَبِالْعَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالْمَاءِ (قُلْت:) ، وَلَا يَتَخَرَّجُ مَنْعُهَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ طَعَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ، وَهُوَ يُجِيزُهُ بِالطَّعَامِ غَيْرَ الْحِنْطَةِ وَجِنْسُهَا قَالَ: وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ الْقَصَبَ كَالْجُذُوعِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ لَا أَعْرِفهُ بَلْ قَوْلُهَا: لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْقَصَبِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَنُقِلَ الْجَوَازُ عَنْ صَاحِبِ التَّلْقِينِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُرَدُّ إنْكَارُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّمَا هُوَ الْقَضْبُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ، وَبِدَلِيلِ ذِكْرِهِ لَهُ مَعَ الْقُرْطِ وَالتِّبْنِ وَالْعَلَفِ، وَلَعَلَّهُ ظَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّهُ كَذَلِكَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ ابْنُ نَاجِي ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْمَصْطَكَى نَصٌّ فِي أَنَّهَا غَيْرُ طَعَامٍ (الثَّانِي:) شَدَّدَ سَحْنُونٌ فَقَالَ: مَنْ أَكْرَاهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ جُرْحَةٌ، وَتَأَوَّلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى مَنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَذْهَبُهُ، أَوْ قَلَّدَ مَنْ مَذْهَبُهُ الْمَنْعُ سَحْنُونٌ وَلَا يَأْكُلُ طَعَامَهُ، وَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ الَّذِي أَخَذَهُ فِي كِرَائِهَا وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْوَرَعِ (الثَّالِثُ:) إذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ كِرَاؤُهَا بِالدَّرَاهِمِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ عِيسَى بْنَ مِسْكِينٍ وَغَيْرَهُ مِنْ قُضَاةِ أَصْحَابِنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ حَكَمُوا بِأَنْ يُعْطَى لَهُ قِيمَةُ الْجُزْءِ الَّذِي يَقَعُ لَهُ مِنْ ثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لَهَا بِالْمَغْرِبِ قِيمَةَ كِرَاءٍ بِالْعَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا قِيمَةَ كِرَائِهَا يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَصُبَّ فِيهَا شَيْئًا ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: أَرْضُ الْأَنْدَلُسِ عِنْدِي بِخِلَافِ ذَلِكَ الْكِرَاءُ فِيهَا مَعْرُوفٌ فَيَجِبُ أَنْ يُقْضَى فِيهَا بِكِرَاءِ الْمِثْلِ (قُلْت:) وَكَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَرْضِ تُونُسَ، وَفِي قَوْلِهِمْ: يُنْظَرُ إلَى مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ رُبُعٌ، أَوْ ثُلُثٌ دَرَاهِمَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْبِنَاءِ عَلَى مَا دَخَلَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُزْءِ، وَهُوَ عُقَدٌ فَاسِدٌ فَيَجِبُ لَغْوُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا بِالْجُزْءِ أَنْ لَوْ جَازَ فِيهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ:) قَالَ فِي آخِرِ الْجَامِعِ مِنْ الْجَوَاهِر لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الزَّرْعِ كَرِهَ مَالِكٌ شِرَاءَ طَعَامٍ مِنْ مُكْتَرِي الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ هَذَا، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الطَّعَامَ كُلَّهُ لَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَيْنًا انْتَهَى. وَهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إذَا لَمْ يَتُبْ وَيُصْلِحْ مَا وَقَعَ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَأَمَّا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا يَظْهَرُ لِلتَّوَقُّفِ حِينَئِذٍ وَجْهٌ، وَقَدْ ذَكَر الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَاخِرِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ مِمَّنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مَغْصُوبَةٍ جَوَازُ شِرَاءِ مَا يَحْصُلُ بِالْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ أَنْ يُصْلِحَا شَأْنَهُمَا قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ شِرَاءُ مُكْتَرِي الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُصْلِحَ شَأْنَهُ مَعَ رَبِّهَا فَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ: عَلَى التَّنَزُّهِ، وَمَا هُوَ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ:) قَالَ فِيهَا: وَمَنْ

أَكْرَى أَرْضَهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ فَحَلَّتْ فَلَا يَأْخُذُ بِهَا طَعَامًا، وَلَا إدَامًا وَلْيَأْخُذْ مَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَا بِهِ كِرَاءَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ:) يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَجَرٍ بِأُصُولِهَا يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُكْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (السَّابِعُ:) قَالَ فِيهَا وَيَجُوزُ بَيْعُ رَقَبَةِ الْأَرْضِ بِشَجَرٍ فِيهَا ثَمَرٌ كَمَا تُبَاعُ بِطَعَامٍ عَاجِلٍ وَآجِلٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَنْعَ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يُؤْكَلُ، أَوْ يُشْرَبُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَبِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ مَا نَصُّهُ: وَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمَئِذٍ طَعَامٌ انْتَهَى. كَذَا فِي النُّسْخَةِ، وَصَوَابُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمئِذٍ طَعَامٌ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ بِئْرًا إلَى جَانِبِ أَرْضِكَ لِتَسْقِيَهَا بِمَائِهَا بِمَا شِئْت مِنْ الطَّعَام انْتَهَى. ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ رِبَوِيّ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (الثَّامِنُ:) قَالَ اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِثِيَابِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ غَيَّرَتْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَمْلُ طَعَامٍ لِبَلَدٍ بِنِصْفِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْآنَ) ش: أَيْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَقْبِضَ نِصْفَهُ الْآنَ قَالَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ لَكَ طَعَامًا إلَى بَلَدِ كَذَا بِنِصْفِهِ إلَّا أَنْ تَنْقُدَهُ نِصْفَهُ مَكَانَكَ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ بِيعَ عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ إلَى أَجَلٍ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يَنْقُدَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْمَنْعِ، وَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا فَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ عَلَى الْفَسَادِ حَتَّى يُشْتَرَطَ قَبْضُ نِصْفِهِ الْآنَ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٍ هُوَ جَائِزٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ أَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا بَعْدَ الْبَلَاغِ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ يُونُسَ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: احْمِلْ طَعَامِي هَذَا إلَى بَلَدِ كَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَهُ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى تَأْخِيرِهِ إلَى الْبَلَدِ لَوْ اكْتَالَ نِصْفَهُ هَاهُنَا، ثُمَّ يَحْمِلُ الْجَمِيعَ إلَى الْبَلَدِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ سَلَّمَ لَهُ نِصْفَهُ إنْ شَاءَ حَمَلَهُ أَوْ حَبَسَهُ لَجَازَ انْتَهَى. فَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ نِصْفُهُ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ الْجَمِيعَ إلَى الْبَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) إذَا وَقَعَ ذَلِكَ وَحَمَلَهُ لِلْبَلَدِ فَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْن أَخِي هِشَامٍ أَنْ لِلْحَمَّالِ نِصْفَهُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَمَلَهُ مِنْهُ، وَلَهُ كِرَاؤُهُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مَا بَلَغَ قَالَ: وَعَابَ هَذَا بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَقَالَ: يَلْزَمُ عَلَيْكَ إذَا هَلَكَ الطَّعَامُ أَنْ تَضْمَنَ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ بِالْقَبْضِ لَزِمَ ذِمَّتَهُ، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْمُعَامَلَةِ مَنَعَ الْمُكَارِيَ مِنْ قَبْضِ حِصَّتِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ لِلْبَلَدِ الْمَحْمُولِ إلَيْهِ فَكَيْفَ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْبَلَدِ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِيرُ لَهُ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الطَّعَامُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ، وَعَلَيْهِ إجَارَةُ حَمْلِهِ كُلِّهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ دَبْغِ الْجُلُودِ وَنَصُّهَا: وَنَسْجُ الثَّوْبِ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ، وَالثَّوْبُ وَالْجُلُودُ لِرَبِّهَا، فَكَذَلِكَ هَذَا انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ: وَيَظْهَرُ لِي أَنْ قَوْلَ ابْن أَخِي هِشَامٍ هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ بِعَيْنِهِ بِيعَ عَلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ تَأَمَّلْهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْجُلُودِ وَالثَّوْبِ: شَرَطَ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْبِضُ بَعْدَ الْفَرَاغِ انْتَهَى. فَإِنْ أَفَاتَ الْحَمْلُ النِّصْفَ بَعْدَ وُصُولِهِ لِلْبَلَدِ الْمَحْمُولِ إلَيْهِ، فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَإِنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ بِكَذَا، وَإِلَّا فَبِكَذَا) ش: قَالَ فِيهَا: وَإِنْ آجَرْت رَجُلًا يَخِيطُ لَكَ ثَوْبًا إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَنِصْفُ دِرْهَمٍ

أَوْ قُلْت لَهُ: إنْ خِطْتَ خِيَاطَةً رُومِيَّةً فَبِدِرْهَمِ، وَإِنْ خِطْتَهُ خِيَاطَةً عَرَبِيَّةً فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ مِنْ وَجْهِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَإِنْ خَاطَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ زَادَ عَلَى التَّسْمِيَةِ، أَوْ نَقَصَ قَالَ غَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ، أَوْ يَنْقُصَ مِنْ نِصْفِ الدِّرْهَمِ فَلَا يُزَادُ، وَلَا يُنْقَصُ أَبُو الْحَسَنِ وَيُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ التَّعْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ أَيْ يُقَالُ: كَمْ قِيمَةُ خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ الْيَوْمَ؟ وَكَمْ قِيمَةُ خِيَاطَتِهِ إلَى غَدٍ؟ وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ يُونُسَ سَحْنُونٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ:) إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَجِّلْهُ لِي الْيَوْمَ وَأَزِيدُكَ نِصْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَعْجِيلُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي إذَا أَجْهَدَ نَفْسَهُ هَلْ يُتِمُّ أَمْ لَا فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَمِثْلُهُ اسْتِئْجَارُ رَسُولٍ عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ لِبَلَدٍ بِكَذَا، ثُمَّ زِيَادَتُهُ عَلَى أَنْ يُسْرِعَ فِي السَّيْرِ فَيُبَلِّغُهُ فِي يَوْمِ كَذَا يُفَصَّلُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ هَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَنَصُّهُ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُل يَسْتَخِيطُ الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: عَجِّلْهُ لِي الْيَوْمَ، وَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَلَمْ يَرَهُ كَالرَّسُولِ يُزَادُ لِسُرْعَةِ السَّيْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الَّذِي يَسْتَخِيطُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ يَزِيدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ لَهُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَهُ مُمَكَّنٌ لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَ تَأْخِيرَهُ وَمَطْلَهُ إضْرَارًا بِهِ لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَلَهُ أَنْ يَتَّسِعَ فِي عَمَلِهِ وَيُؤَخِّرَهُ لِعَمَلٍ غَيْرَهُ قَبْلَهُ، أَوْ لِلِاشْتِغَالِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَوَائِجِهِ عَلَى مَا جَرَى مِنْ عُرْف الصُّنَّاعِ فِي التَّرَاخِي فِي أَعْمَالِهِمْ، فَإِذَا زَادَهُ عَلَى أَنْ يَتَفَرَّغَ لَهُ، وَيُعَجِّلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا زَادَهُ عَلَى فِعْلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَبَعْضُ الْكَلَامِ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي:) مَنْ اسْتَأْجَرَ غِلْمَانًا يَخِيطُونَ الثَّوْبَ كُلَّ شَهْرٍ بِشَيْءٍ مُسَمًّى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ثِيَابًا عَلَى أَنَّهُ إنْ فَرَغَ مِنْهَا فِي يَوْمٍ فَلَهُ بَقِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنْهَا فِي يَوْمٍ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمٌ آخَرُ لَا يَحْبِسُهُ لَهُ فِي شَهْرٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا فَذَلِكَ خَفِيفٌ قَالَهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْإِجَارَةِ ص (وَاعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا حُصِّلَ فَلَكَ نِصْفُهُ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْ فَمَا حُصِّلَ مِنْ ثَمَنٍ، أَوْ أُجْرَةٍ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يُحْتَطَبُ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مِنْ أُجْرَةٍ لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ عَكْسُ لِتُكْرِيَهَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أُجْرَةٌ إنَّمَا فِيهَا ثَمَنٌ وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ نَحْوُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَفَسَّرَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّمَنُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالسَّفِينَةِ وَالْإِبِلِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَزَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعَهَا فِي هَذِهِ مَسْأَلَةَ الدَّارِ وَالْحَمَّامِ أَعْنِي فِيمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِيُكْرِيَهَا وَسَكَتَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي قَوْلَهُ: اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي عَنْ الدَّارِ وَالْحَمَّامِ فَقَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّ مَا لَا يَذْهَبُ بِهِ، وَلَا عَمَلَ فِيهِ لِمُتَوَلِّيهِ كَالرُّبَاعِ فَهُوَ فِيهَا أَجِيرٌ، وَالْكَسْبُ لِرَبِّهَا وَيَسْتَوِي فِيهَا اعْمَلْ وَآجِرْ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَوْلُهُ: فِي السَّفِينَةِ أَكْرِهَا، وَاعْمَلْ عَلَيْهَا سَوَاءٌ إنْ كَانَ فِيهَا قَوَّمَهُ رَبُّهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ فَغَلَّتُهَا لِرَبِّهَا، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ سَافَرَ فِيهَا بِمَتَاعِهِ فَالرِّبْحُ لَهُ وَلِرَبِّهَا

الْإِجَارَةُ وَالْحَمَّامُ وَالْفُرْنُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَوَابُّ، وَلَا آلَةُ الطَّحْنِ كَانَ مَا يُؤَاجَرُ بِهِ لِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَا بِدَوَابِّهِمَا وَيَشْتَرِي الْحَطَبَ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِهِمَا، أَوْ مِنْ غَلَّتِهِمَا فَمَا أَصَابَ لِرَبِّهِمَا وَلِلْعَامِلِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيِّمٌ فِيهِمَا، وَكَذَا الْفُنْدُقُ مَا أَكْرَى بِهِ مَسَاكِنُهُ لِرَبِّهِ، وَلِلْقَيِّمِ إجَارَتُهُ انْتَهَى. (الثَّانِي:) لَا فَرْقَ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ: اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي، أَوْ فِي سَفِينَتِي أَوْ إبِلِي وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِي، أَوْ لَا يَقُولَهَا عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَصَرِيحُ رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ، وَفِي الْجَلَّابِ إذَا قَالَ: اعْمَلْ لِي كَانَ الْكَسْبُ كُلُّهُ لِرَبِّ الدَّابَّةِ قَالَ عِيَاضٌ وَالصَّوَابُ: الْأَوَّلُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِي، أَوْ لَمْ يَقُلْهَا إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ (الثَّالِثُ:) إذَا أُصِيبَ مَا عَمِلَ عَلَيْهَا قَبْلَ بَيْعِهِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِلِ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ (الرَّابِعُ:) إذَا قَالَ: اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّقَلِّيُّ: لَوْ عَمِلَ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ وَلِابْنِ حَبِيبٍ إنْ عَرَفَ أَنَّهُ عَاقَهُ عَائِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُكْرِهَا بِشَيْءٍ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ (قُلْت:) وَهَذَا نَحْوُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقَرْضِ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يُتَعَذَّرُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقِرَاضِ، وَقَالَ قَبْلَهُ اللَّخْمِيُّ: إنْ قَالَ أَكْرِ دَابَّتِي وَلَكَ نِصْفُ مَا تُكْرِيهَا بِهِ فَمَضَى بِهَا، ثُمَّ رَدَّهَا وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ وَالْحُكْمُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَلَا يُتِمُّ ذَلِكَ الْفَاسِدَ (الْخَامِسُ:) لَوْ قَالَ: أَكْرِهَا فَعَمِلَ عَلَيْهَا كَانَ الْكَسْبُ لِلْعَامِلِ وَلِرَبِّهَا كِرَاءُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى مَنَافِعِ الدَّابَّةِ عَلَى غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ، وَإِنْ قَالَ: اعْمَلْ عَلَيْهَا فَأَكْرَاهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا أُكْرِيَتْ بِهِ لِلْأَجِيرِ، وَلِرَبِّهَا إجَارَةُ الْمِثْلِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: مَا أُكْرِيَتْ بِهِ لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ مَنَافِعِهَا مِنْهُ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ (السَّادِسُ:) مِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ قُلْت لَهُ: بِعْ سِلْعَتِي وَالثَّمَنُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَوْ مَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَالثَّمَنُ لَهُ، وَلِلْبَائِعِ أَجْرُ مِثْلِهِ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ الْفَرْقُ بَيِّنٌ إنْ وَقَفَ وَسَاوَمَ، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ فَالْأَشْبَهُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ أَنَّهُ جُعْلٌ فَاسِدٌ، وَالْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ: أَبُو الْحَسَنِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْجُعْلَ الْفَاسِدَ يُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى صَحِيحِ غَيْرِهِ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. ص (وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يُحْتَطَبُ عَلَيْهَا) ش: وَكَذَا إنْ قَالَ: لَكَ نَقْلَةٌ، وَلِي نَقْلَةٌ، أَوْ مَا تَنْقُلُ الْيَوْمَ لِي وَغَدًا لَكَ أَوْ تَعْمَلُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ لِي، وَتَبِيعُهُ وَتَعْمَلُ عَلَيْهَا غَدًا لَكَ، فَإِنْ شِئْت بِعْتَهُ، وَإِنْ شِئْت أَخَذْتَهُ لِنَفْسِكَ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) إذَا قَالَ: بِنِصْفِ مَا تَحْتَطِبُ عَلَيْهَا لِي جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُفْسِدُهُ كَقَوْلِهِ، وَلَا تَأْخُذْ نِصْفَكَ إلَّا بَعْدَ بَيْعِهِ مُجْتَمِعًا، أَوْ نَقْلِهِ لِمَوْضِعِ كَذَا مُجْتَمِعًا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (الثَّانِي:) إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّهَا بِنِصْفِ إجَارَةِ مِثْلِهِ وَيَغْرَمُ لِرَبِّهَا نِصْفَ كِرَاءِ الدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا (الثَّالِثُ:) إذَا قَالَ اعْمَلْ عَلَيْهَا الْيَوْمَ لِي وَغَدًا لَكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَيْضًا اللَّخْمِيُّ، فَإِنْ عَمِلَ الْيَوْمَ

ثُمَّ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ فَلِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّهَا أَجْرُ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأُخْرَى فَلَوْ عَمِلَ مَا لِلْعَامِلِ وَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مَا لِرَبِّهَا فَهَلْ لِرَبِّهَا كِرَاؤُهَا، أَوْ يَأْتِيهِ بِدَابَّةٍ أُخْرَى يَعْمَلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْمُولَ عَلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ؟ وَالْأَوَّلُ: أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ خَلَفَ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الصَّقَلِّيُّ قَالَ الشَّيْخُ: أَعْرِفُ فِيهَا أَنَّ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِأُخْرَى يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِمْ قَالَ فِي الطُّرَرِ فِيمَنْ أَعْطَى دَابَّتَهُ وَفَأْسَهُ عَلَى أَنْ الْحَطَبَ مُنَاصَفَةً فَضَاعَ الْفَأْسُ فَضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَيَحْلِفُ الْأَجِيرُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا، وَنَقَلَهُ الْوَانُّوغِيُّ هُنَا ص (وَاسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ مِنْهُ) ش: يُرِيدُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ كَمَا فِي بُيُوعِ الْآجَالِ. ص (وَتَعْلِيمُهُ بِعَمَلِهِ سَنَةً مِنْ أَخْذِهِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَالتُّونِسِيِّ كَلَامًا طَوِيلًا تَحْقِيقُ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْغُلَامِ، أَوْ مُعَلِّمِ الصِّنَاعَةِ بَاعَ مَنَافِعَهُ بِمَنَافِعِ الْغُلَامِ سَنَةً، فَإِذَا مَاتَ الْغُلَامُ عِنْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا كَلَامَ أَيْضًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُحَاسَبَةِ، فَإِنْ وَفَّى الصَّانِعُ ثُلُثِي الصَّنْعَةِ وَوَفَّى الْغُلَامُ ثُلُثَ الْعَمَلِ فَقَطْ وَجَبَ الْمَرْدُودُ لِلصَّانِعِ، وَهُوَ ثُلُثُ إجَارَتِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِ الْغُلَامِ؛ إذْ هِيَ بَقِيَّةُ قِيمَةِ مَنَافِعِهِ الَّتِي وَفَّى، وَلَوْ كَانَ الْحَالُ بِالْعَكْسِ بِأَنْ يُوَفِّيَ الْعَامِلُ ثُلُثَيْ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَحُدَّ لَهُ الْمُعَلِّمُ إلَّا ثُلُثَ الصَّنْعَةِ لَوَجَبَ الْمَرْدُودُ لِلسَّيِّدِ يَرْجِعُ بِثُلُثِ أُجْرَةِ الْغُلَامِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِيمَا وَفَّى كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ لَسَقَطَتْ الْمُرَاجَعَةُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. ابْنُ عَرَفَةَ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ مَا حَاصِلُهُ إنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ تَعْلِيمِهِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِثْلَيْ قِيمَةِ تَعْلِيمِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي: وَقِيمَةُ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَةِ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي رَجَعَ رَبُّهُ بِثُلُثِ قِيمَةِ تَعْلِيمِهِ (قُلْت:) الْأَظْهَرُ مَنْعُ إجَارَتِهِ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ سُرْعَةِ تَعَلُّمِهِ وَبُعْدِهِ انْتَهَى. ص (وَإِجَارَةُ دَابَّةٍ لِكَذَا عَلَى إنْ اسْتَغْنَى فِيهَا حَاسَبَ) ش: لَوْ قَالَ: عَلَى إنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَكَانَ أَبْيَنَ، وَيُرِيدُ بِشَرْطٍ لَا أَنْ يَنْقُدَ؛ لِأَنَّهُ إنْ نَقَدَ يَكُونُ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ فِي: الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْبَيَانِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: دَابَّةٍ بَلْ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَتَى شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ إذَا لَمْ يُنْقَدْ، ثُمَّ نَقَلَهُ فِي

فرع استئجار مؤجر

التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنَعَهُمَا سَحْنُونٌ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ وَوَافَقَ سَحْنُونٌ عَلَى الْجَوَازِ فِي كِرَاءِ الدَّارِ سَنَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ قَبْلَهَا حَاسَبَهُ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَمَسْأَلَةُ كِرَاءِ الدَّارِ هَذِهِ فِي رَسْمِ نَذَرَ سَنَةً مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ (فَرْعٌ:) ، فَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ حَاجَتَهُ فِيهَا تَقَدَّمَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذَرَ سَنَةً مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِرَاءِ الدُّورِ: فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْمَوْضِعَ الَّذِي شَرَطَ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ، وَيَكُونُ تَبَعًا لِلْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَبِحِسَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ كَانَ بِخِلَافِهِ أَرَخْصَ، أَوْ أَغْلَى، أَوْ مُبْهَمًا لَا يَدْرِي إنْ كَانَ بِحِسَابِهِ أَمْ لَا إلَّا بَعْدَ النَّظَرِ؟ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّى الْمَوْضِعَ الَّذِي شَرَطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ وَجْهُهُ مَعْرُوفًا، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ كَانَ بِحِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ بَعْدَ هَذَا، وَمَا فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى بَعْدَ هَذَا وَالثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّى الْمَوْضِعَ الَّذِي شَرَطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ وَجْهُهُ مَعْرُوفًا، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ غَيْرَ تَبَعٍ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَانْظُرْ تَوْجِيهَهَا فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ تَبَعًا يَعْنِي أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ اسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ] ص (وَاسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ:) قَالَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ إذَا اكْتَرَى دَارًا عَشْرَ سِنِينَ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَسَكَنَ الدَّارَ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، ثُمَّ أَرَادَ اشْتِرَاءَهَا مِنْ رَبِّهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: شِرَاءُ الْمُكْتَرِي لَهَا عِنْدِي جَائِزٌ، وَهُوَ فَسْخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِرَاءِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْكِرَاءِ كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي؟ إذْ الْكِرَاءُ قَدْ انْفَسَخَ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: شِرَاءُ الْمُكْتَرِي لَهَا جَائِزٌ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْكِرَاءِ، وَيَكُونُ بَقِيَّةُ الْكِرَاءِ مُضَافًا إلَى ثَمَنِ الدَّارِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ ثَمَنًا لِلدَّارِ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْوَانُّوغِيُّ فِي الثَّمَنِ قَوْلَيْنِ الْأَوَّلَ: أَنَّهُ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ دُونَ الْأُجْرَةِ. وَالثَّانِيَ: مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَمَا يَجِبُ لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَنَصُّهُ: مَا نَقَلَ ابْنُ الرَّفِيعِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ نَقَلَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ عَاتٍ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فَسْخٌ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الثَّمَنُ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ دُونَهُ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ سَهْلٍ، وَقَالَ ابْنُ عِمْرَانَ: الثَّمَنُ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَمَا يَجِبُ لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ مِنْ الْكِرَاءِ انْتَهَى. ، وَمِنْهُ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ الْوَرَقَتَيْنِ وَمَنْ آجَرَ أَمَتَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ وَطْئِهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ، وَمَنْ آجَرَ عَبْدَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ، فَالْإِجَارَةُ أَوْلَى بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ بَعُدَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَنَحْوُ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَهَذَا إذَا رَضِيَ الْمُبْتَاعُ، وَإِلَّا فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَذَا الْعَيْبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي إجَارَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ أَيْضًا: مَسْأَلَةٌ: لَوْ أَجَّرَهُ شَهْرًا، ثُمَّ بَاعَهُ، فَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْبَيْعُ مَاضٍ، وَهُوَ كَعَيْبٍ ذَهَبَ، وَلِلْمُشْتَرِي أُجْرَةُ الشَّهْرِ، أَحَبَّ الْبَائِعُ أَمْ كَرِهَ؟ وَلَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ عَبْدٍ، وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَرَتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِجَارَةُ لِلْبَائِعِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ إجَارَةٍ، أَوْ يَرُدَّهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْعَبْدِ وَإِجَارَتِهِ انْتَهَى مِنْهُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: وَقِيلَ: بَلْ يَقُومُ الْعَبْدُ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ يَوْمَ عَقْدِ الْبَيْعِ، ثُمَّ يَقُومَ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ شَهْرٍ فَمَا نَقَصَ رَجَعَ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ، وَهَذَا أَحْسَنُهَا صَحَّ مِنْهُ، وَهُوَ لِأَبِي إِسْحَاقَ وَمِنْهُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ، وَكَانَتْ قَرِيبَةً كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ جَازَ، وَيُخْتَلَفُ هَلْ لَهُ مُتَكَلَّمٌ فِي إجَارَةِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ عَلَى مَا سَيَأْتِي انْتَهَى. وَيُشِيرُ إلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْأَمَدِ

الْبَعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْمَعُونَةِ فَصْلٌ: يَجُوزُ لِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يَبِيعَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ إنْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مَا لَا يَكُونُ غَرَرًا يَخَافُ تَغَيُّرَهَا فِي مِثْلِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيْعِهَا إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَتَسَلَّمُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْإِجَارَةِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُمْنَعُ أَصْلُهُ إذَا بَاعَ أَمَةً قَدْ زَوَّجَهَا، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا وَغَيْرِهِ، وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَلِلْمُؤَجِّرِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ، وَفِي جَهْلِ الْمُشْتَرِي الْإِجَارَةَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ وَالرِّبَاعِ الْمُكْتَرَاةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ، وَيَكُونُ وَاجِبُ الْكِرَاءِ فِي بَقِيَّةِ أَمَدِ الْكِرَاءِ لِلْبَائِعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الرِّبَا إلَّا إنْ كَانَ الْبَيْعُ بِعُرُوضٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْأَرْضَ مُكْتَرَاةٌ فَذَلِكَ عَيْبٌ، وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْجَلَّابِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ مُكْتَرِيهَا قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَهُ بِالْإِجَارَةِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى فَسْخِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُبْتَاعِ قَالَ التِّلْمِسَانِيُّ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ بَاعَ دَارًا، أَوْ أَرْضًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ لَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْأُجْرَةَ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَاقَى حَائِطًا، ثُمَّ بَاعَهُ فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَالْمُسَاقَاةُ ثَابِتَةٌ لَا يَنْقُضُهُ الْبَيْعُ الْأَبْهَرِيُّ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْقَرَافِيِّ، وَفِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ ابْنُ عَاتٍ مَنْ أَكُرَى دَارِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْمُكْتَرِي، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْكِرَاءِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ شَاءَ رَدَّ، وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَا كِرَاءَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ، فَإِنْ وَجَبَ الْكِرَاءُ لِلْبَائِعِ، أَوْ بَعْضُهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ بِذَهَبٍ، وَهُوَ ذَهَبٌ، وَلَا بِالْوَرِقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا، أَوْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى الْمُكْتَرِي لِلْبَائِعِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ فِي الْعَقْدِ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ فَابْنُ رِزْقٍ يُجِيزُهُ وَوَافَقَهُ غَيْرُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَنُسِبَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ لِلْمُبْتَاعِ اشْتَرَطَهُ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا مِنْ الْمُكْتَرِي، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عِمْرَانَ: هُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ فَسْخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِرَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ ابْنُ سَهْلٍ وَجَوَابُ أَبِي عِمْرَانَ أَمْيَلُ إلَى الصَّوَابِ وَسُئِلَ الشَّارِقِي وَابْنُ دَحُونٍ وَابْنُ الشِّقَاقِ عَنْ الْمُكْتَرِي إذَا ابْتَاعَهَا بِشَرْطِ أَنَّ الْكِرَاءِ عَنْهُ مَحْطُوطٌ فَأَجَابُوا إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْنُ دَحُونٍ هَذَا إنْ كَانَ إسْقَاطُهُ مُشْتَرَطًا فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ وَضَعَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ جَازَ قَالَ الشَّارِقِي وَأَجَازَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَهُوَ خَطَأٌ يُرِيدُ أَنَّهُ ابْتَاعَ الدَّارَ، وَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ فَصَارَ ذَهَبًا وَعَرَضًا بِذَهَبٍ، وَهُوَ بَيِّنُ الْفَسَادِ ابْنُ سَهْلٍ، وَجَوَابُهَا وَلَاءً لَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ لَا يَفْسَخُهُ الشَّرْطُ اُنْظُرْ تَمَامَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْجَوَاهِرَ وَكَلَامَ الْوَانُّوغِيِّ فِي جَوَابِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَدَمُ التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ سَنَةً بِكَذَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِكُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا، وَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ بَعْضَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي دُورِ مَكَّةَ وَيُرْجَعُ إلَى التَّقْوِيمِ عِنْدَ حُصُولِ مَانِعٍ (تَفْرِيعٌ:) فَإِنْ شَرَطَا الرُّجُوعَ إنْ حَصَلَ مَانِعٌ إلَى الْقِيمَةِ دُونَ التَّسْمِيَةِ جَازَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ شَرَطَا الرُّجُوعَ لِلتَّسْمِيَةِ دُونَ

الْقِيمَةِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى السِّكَّةِ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَغْوٌ وَيُقْضَى بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ وَلِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْكِرَاءَ فَاسِدٌ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَيَانِ وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ السُّكْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالنَّقْضُ لِرَبِّهِ) ش: اُنْظُرْ عَلَى مَنْ تَكُونُ أُجْرَةُ نَقْضِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ أَكْرَى أَرْضَهُ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا مَسْجِدًا وَضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا جَازَ، فَإِنْ انْقَضَى الْأَجَلُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ مَا لَا يَصِحُّ بَقَاؤُهُ لِلسُّكْنَى، وَلَا يُوَافِقُ بِنَاءَ الدُّورِ، وَمَا يَصِحُّ بَقَاؤُهُ إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حَبْسًا كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا، وَإِنْ حَبَسَهُ فَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَخْذُهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَحْسَنُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ هَذَا (قُلْت:) قَوْلُهُ: لَهُ نَقْضُ مَا لَا يَصِحُّ لِلسُّكْنَى تَبِعَ فِيهِ التُّونُسِيَّ قَالَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا عَلَى صُورَةِ مَسْجِدٍ دَارًا الصَّقَلِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ إبْقَاءَهُ مَسْجِدًا فَيَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا، وَيَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ مَسْجِدًا انْتَهَى. ص (وَعَلَى طَرْحِ مَيْتَةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَى طَرْحِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ انْتَهَى. وَنَبَّهَ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمَّا كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَانَ الْأَجْرُ عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى طَرْحِهَا وَإِرَاقَتِهَا جَازَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِير: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخَمْرِ آجَرَ نَفْسَهُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ الْإِجَارَةُ عَلَى طَرْحِهَا لَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَيْتَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَجُزْ كَالْخَمْرِ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يُؤَاجَرُ عَلَى طَرْحِ الْمَيْتَةِ بِجِلْدِهَا إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ دُبِغَ انْتَهَى. ص (وَالْقِصَاصُ وَالْأَدَبُ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْإِجَارَةُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَنْ قِصَاصٍ، أَوْ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يَسْتَأْجِرُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَا يَعْبَثُ فِي الْقَتْلِ، وَلَا يُجَاوِزُ فِي الْجَرْحِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى قَتْلِ قِصَاصٍ، أَوْ عَلَى ضَرْبِ عَبْدِك وَوَلَدِكَ لِلْأَدَبِ، وَأَمَّا لِغَيْرِ مَا يَنْبَغِي مِنْ الْأَدَبِ فَلَا يُعْجِبُنِي، وَإِنْ آجَرَهُ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا فَلَا أَجْرَ لَهُ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى ضَرْبِ وَلَدِكَ، أَوْ عَبْدِكَ قَالُوا: وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، فَلَوْ أَقَرَّ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَبَ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ الْيَسِيرِ دُونَ سَبَبٍ، أَوْ لَا؟ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ وَيُصَدَّقُ فِي الزَّوْجَةِ أَنَّهَا فَعَلَتْ مَا يَسْتَوْجِبُ الضَّرْبَ انْتَهَى. وَانْظُرْ تَمَامَهَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَبْدٌ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْإِجَارَةِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا قَالَ: هَذَا كَثِيرٌ لَا يَصْلُحُ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَامًا وَيَنْقُدَهُ إجَارَتَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: وَيَنْقُدَهُ إجَارَتَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا مَعَ النَّقْدِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: إجَازَةُ النَّقْدِ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا خِلَافُ قَوْلِ غَيْرِهِ فِيهَا انْتَهَى. اللَّخْمِيُّ الْأَمَدُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَأَوْسَعُهَا فِي الْأَجَلِ الْأَرَضُونَ، ثُمَّ الدُّورُ، ثُمَّ الْعَبِيدُ، ثُمَّ الدَّوَابُّ، ثُمَّ الثِّيَابُ فَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَرْبَعِينَ بِغَيْرِ نَقْدٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةَ الشُّرْبِ فَيَجُوزُ مَعَ النَّقْدِ وَيَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الدُّورِ إذَا كَانَتْ

جَدِيدَةً مَأْمُونَةَ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَدُونَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَأْمَنُ سَلَامَتَهَا فِي الْغَالِبِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْعَبِيدِ، فَأَجَازَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ الْعِشْرِينَ سَنَةً بِالنَّقْدِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَنَعَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعِشْرِينَ، وَأَرَى أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى سِنِّ الْعَبْدِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ يُخْتَلَفُ فِي إجَارَتِهَا بِاخْتِلَافِ الْعَادَةِ فِي أَعْمَارِهَا فَالْبِغَالُ أَوْسَعُهَا أَجَلًا؛ لِأَنَّهَا أَطْوَلُ أَعْمَارًا، وَالْحَمِيرُ دُونَ ذَلِكَ، وَالْإِبِلُ دُونَ ذَلِكَ، وَالْمَلَابِسُ فِي الْأَجَلِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيَفْتَرِقُ الْأَجَلُ فِي الْحَرِيرِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ فَيُضْرَبُ مِنْ الْأَجَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ عَشْرَ سِنِينَ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَهُ عَشْرَ سِنِينَ أَبُو الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ، وَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ حَيَاتَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَهُ عَشْرَ سِنِينَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ بِالنَّقْدِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُنْقَدْ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَمِلَ أَخَذَ بِحِسَابِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيَوْمٌ، أَوْ خِيَاطَةُ ثَوْبٍ مَثَلًا وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا وَتُسَاوَيَا، أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ صَنْعَةً يَجُوزُ أَنْ تُقَيَّدَ بِالزَّمَنِ كَخِيَاطَةِ يَوْمٍ مَثَلًا، أَوْ بِمَحِلِّ تِلْكَ الصَّنْعَةِ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلًا، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ التَّقْيِيدِ بِالْمَحِلِّ وَالزَّمَنِ فَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مُشْكِلًا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْإِشْكَالُ فِي أَنَّ الْعَمَلَ يُمْكِنُ تَمَامُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنَّهُ اخْتَارَ الْقَوْلَ بِإِمْضَاءِ هَذِهِ الْعُقْدَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي قَالَهُ مَنْ يُرْتَضَى مِنْ الشُّيُوخِ: أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ أَوْسَعَ مِنْ الْعَمَلِ بِكَثِيرٍ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ أَضْيَقَ بِكَثِيرٍ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْمَنْعِ، وَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ مُسَاوِيًا لِمِقْدَارِ الْعَمَلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَعْيِينِ الْمَشْهُورِ مِنْهَا انْتَهَى. بِاخْتِصَارٍ، فَالضَّيِّقُ لَا يَجُوزُ وَالْمُسَاوِي لَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ بِاتِّفَاقٍ، وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَسَادِ فِيهِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ لِحِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ، وَالْوَاسِعُ يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِاتِّفَاقٍ وَيُمْنَعُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِلَى اتِّفَاقِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا، وَمَشْهُورِ ابْنِ رُشْدٍ أَشَارَ بِالْخِلَافِ، وَالضَّيِّقُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاضِحُ الْفَسَادِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْكِ مَعَ التَّسَاوِي قَوْلًا بِالْجَوَازِ عُلِمَ أَنَّ الضَّيِّقَ أَحْرَى مِنْهُ

فَقَوْلُهُ: وَتَسَاوَيَا مَفْهُومُهُ: إنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا يُرِيدُ بِأَنْ كَانَ أَوْسَعَ فَلَا تَفْسُدُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: أَوْ مُطْلَقًا أَيْ تَفْسُدُ مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ مُسَاوِيًا أَمْ وَاسِعًا خِلَافٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ مِنْ أَوَّلِ رَسْمِ سَمَاعِ أَشْهَبَ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ يَكُونُ لِلْأَجِيرِ إنْ فَاتَتْ الْإِجَارَةُ بِالْعَمَلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عَلَى تَعْجِيلِهَا، أَوْ تَأْخِيرِهَا، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي سَمَّى كَانَتْ لَهُ الْإِجَارَةُ الْمُسَمَّاةُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ لَهُ إجَارَتُهُ عَلَى غَيْرِ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا رَضِيَ بِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ بَاطِلًا انْتَهَى. ص (وَالْعُرْفُ فِي كَغَسْلِ خِرْقَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: أَيْ وَجَازَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ، أَوْ وَاعْتُبِرَ الْعُرْفُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُحْمَلُ فِي الدِّهَانِ وَغَسْلِ الْخِرَقِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْعُرْفِ، وَقِيلَ: عَلَى الظِّئْرِ قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ أَيْ كَحَمِيمِهِ وَدَقِّ رَيْحَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ اقْتَضَى أَنَّهُ عَلَى الظِّئْرِ، فَعَلَيْهَا، وَإِنْ اقْتَضَى أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ، فَعَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِالْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ نَعَمْ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْعُرْفِ عَلَى الْأَبِ وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ: عَلَى الظِّئْرِ أَيْ مَعَ عَدَمِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُخَالِفُ مَعَ ثُبُوتِ الْعُرْفِ انْتَهَى. ص (وَلِزَوْجِهَا فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَتُرْضِعُهُ حَيْثُ اشْتَرَطُوا، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا مَوْضِعًا فَشَأْنُ النَّاسِ الرَّضَاعُ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ إلَّا امْرَأَةً لَا يُرْضِعُ مِثْلُهَا عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ يَكُونُ الْأَبُ وَضِيعًا لَا يُرْضِعُ مِثْلُهَا عِنْدَهُ، فَذَلِكَ لَهَا، وَقَالَ أَبُو الْحَسَن اللَّخْمِيُّ: وَرَضَاعُ الْوَلَدِ فِي بَيْتِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ رَضَاعَهُ عِنْدَ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةُ مُعَيَّنَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْلُهَا إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي. ص (كَأَهْلِ الطِّفْلِ إذَا حَمَلَتْ) ش: وَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَوْتَ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ غَيْرُ الْمَوْتِ، فَيَكُونُ لَهُمْ تَرْكُهُ، وَلَكِنْ عَلَى الْكَرَاهَةِ هَذَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الضَّرَرُ (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِغَيْرِهَا أَبُو الْحَسَنِ: وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ ذَلِكَ إذَا طَلَبَتْهُ هِيَ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ نَقَدَهَا الْأُجْرَةَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ انْتَهَى. وَكَرَّرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ: وَحَمْلُ ظِئْرٍ، أَوْ مَرَضٌ ص (وَمَوْتُ إحْدَى الظِّئْرَيْنِ) ش: الظِّئْرُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْهَمْزَةِ الْمُرْضِعُ، وَيُرِيدُ الْمُصَنِّفُ إذَا اسْتَأْجَرَهُمَا جَمِيعًا أَوْ اسْتَأْجَرَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ الْأُولَى وَعَلِمَتْ بِهَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ آجَرَ ظِئْرَيْنِ، فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ فَلِلْبَاقِيَةِ أَنْ لَا تُرْضِعَ وَحْدَهَا وَمَنْ آجَرَ وَاحِدَةً، ثُمَّ آجَرَ أُخْرَى فَمَاتَتْ الثَّانِيَةُ: فَالرَّضَاعُ لِلْأُولَى لَازِمٌ كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُولَى، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ تُرْضِعُ مَعَ الثَّانِيَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذَا إنْ عَلِمَتْ حِينَ الْإِجَارَةِ أَنَّ مَعَهَا غَيْرَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَلَا كَلَامَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَحْدَهَا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ حَمْدِيسٌ (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَرِضَتْ الظِّئْرُ مَرَضًا لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الرَّضَاعِ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ صَحَّتْ فِي بَقِيَّةٍ مِنْهَا أُجْبِرَتْ عَلَى الرَّضَاعِ بَقِيَّتَهَا، وَلَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا أَرْضَعَتْ، وَلَيْسَ أَنْ تُرْضِعَ مَا مَرِضَتْ قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونُ الْكِرَاءُ انْفَسَخَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَعُودُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ تَمَادَى بِهَا مَرَضُهَا حَتَّى مَضَى وَقْتُ الْإِجَارَةِ فَلَا تَعُودُ إلَى رَضَاعٍ أَبُو الْحَسَنِ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: وَلَوْ كَانَ مَرَضًا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الرَّضَاعِ لَمْ يَنْفَسِخْ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِمَرَضِهَا إنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهَا عَنْ قُرْبٍ، فَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ عَنْ قُرْبٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَذَهَبَ قَرِيبًا لَمْ تُنْقَضْ الْإِجَارَةُ إنْ لَمْ يَكُونَا تَفَاسَخَا، وَيُخْتَلَفُ إنْ كَانَا تَفَاسَخَا هَلْ ذَلِكَ حُكْمٌ مَضَى، أَوْ

يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُمَا أَخْطَآ فِيمَا ظَنَّا أَبُو الْحَسَنِ: وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ عَنْ قُرْبٍ فَلَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِيهَا: وَلَوْ صَحَّتْ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ أُجْبِرَتْ سَوَاءٌ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، أَوْ لَمْ تُفْسَخْ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْغَيْرِ خِلَافًا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ خِلَافٌ، أَوْ تَفْسِيرٌ؟ ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أُجْبِرَتْ مَا لَمْ يَتَفَاسَخَا انْتَهَى. (قُلْت:) ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ مَرَضِ الْمُرْضِعَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ (فَرْعٌ:) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: إنْ تَكَفَّلَتْ قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَوَجَبَ سَجْنُهَا سُجِنَتْ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهَا، وَإِنْ تَكَفَّلَتْ بَعْدَ الْإِجَارَةِ لَمْ تُسْجَنْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ يَمْنَعُ مِنْ قَبْضِ مَا بَاعَتْهُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ نَحْوُ هَذَا وَأَوْسَعُ مِنْهُ فَانْظُرْهُ. ص (وَمَوْتُ أَبِيهِ، وَلَمْ تَقْبِضْ أُجْرَةً إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، وَلَمْ يَدَعْ مَالًا، وَلَمْ تَأْخُذْ الظِّئْرُ مِنْ إجَارَتَهَا شَيْئًا فَلَهَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَائِهَا لَمْ تُفْسَخْ، وَمَا وَجَبَ لِلظِّئْرِ فِيمَا مَضَى فَفِي مَالِ الْأَبِ وَذِمَّتِهِ، وَلَا طَلَبَ فِيهِ عَلَى الصَّبِيِّ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ قَبَضَتْ إجَارَتَهَا، وَلَمْ يَدَعْ الْأَبُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ وَيَأْخُذُوا مِنْهَا حِصَّةَ بَاقِي الْمُدَّةِ وَلَكِنْ يَتْبَعُونَ الصَّبِيَّ بِمَا يَنُوبُهُمْ مِنْ أُجْرَةِ بَاقِيهَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَتَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ هَلَكَ الْأَبُ فَحِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ مِنْ الْأَجْرِ فِي مَالِ الْوَلَدِ قَدَّمَهُ الْأَبُ، أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ وَتَرْجِعُ حِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّة مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ قَدَّمَهُ الْأَبُ مِيرَاثًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَطِيَّةً وَجَبَتْ إذْ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ لَمْ تُورَثْ عَنْهُ، وَكَانَتْ لِلْأَبِ خَاصَّةً دُونَ أُمِّهِ فَفَارَقَ مَعْنَى الضَّمَان انْتَهَى. قَالَهُ فِي النُّكَتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْأَبُ أُجْرَةَ تَعْلِيمِ وَلَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مِيرَاثًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْلِيمَ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ فَلَمَّا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَأَمَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَبِ فَإِنَّمَا قَدَّمَ مَا يَلْزَمُهُ، فَإِذَا مَاتَ سَقَطَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأَبَ قَدَّمَ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ خَوْفَ الْمَوْتِ، فَيَكُونُ عَطِيَّةً أَوْجَبَهَا فِي صِحَّتِهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ تَكُونَ مِيرَاثًا، وَتَسْتَوِي إجَارَةُ الظِّئْرِ وَإِجَارَةُ التَّعْلِيمِ، وَأَعْرِفُ نَحْوَ هَذَا التَّفْسِيرِ لِابْنِ الْمَوَّازِ انْتَهَى. ص (وَكَظُهُورِ مُسْتَأْجَرٍ اُسْتُؤْجِرَ بِأَكْلِهِ أَكُولًا) ش يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ وَيُرِيدُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَجِيرُ بِطَعَامِ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُضَرَّ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْطِيَهُ طَعَامًا وَسَطًا كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حَمْلِ رَجُلَيْنِ لَمْ يَرَهُمَا فَأَتَى بِهِمَا عَظِيمَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُمَا وَيَأْتِي بِالْوَسَطِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ لَا يَتَعَيَّنُ فَلِذَلِكَ لَزِمَ فِيهِ الْوَسَطُ قَالَهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ مِنْ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَنْعُ زَوْجٍ رَضِيَ مِنْ وَطْءٍ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) ش: فَإِنْ تَعَدَّى وَوَطِئَ فَلِأَبِ الرَّضِيعِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِمَا يُتَّقَى مِنْ

فرع ليس للأبوين إن سافرا أخذ الصبي إلا أن يدفعا إلى الظئر جميع الأجرة

الضَّرَرِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُمَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَلَمْ يَفْسَخْهُ مِنْ الْوَثَائِقِ انْتَهَى. مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَأَظُنُّ أَنَّ مُرَادَهُ وَثَائِقُ الْجَزِيرِيِّ أَوْ الْوَثَائِقُ الْمَجْمُوعَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَفَرٌ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ السَّفَرَ بِهَا، فَإِنْ أُجِّرَتْ بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ. [فَرْعٌ لَيْسَ لِلْأَبَوَيْنِ إنْ سَافَرَا أَخْذُ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَا إلَى الظِّئْرِ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ سَافَرَ الْأَبَوَانِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَخْذُ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَا إلَى الظِّئْرِ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ كُلَّمَا صَنَعَتْ الظِّئْرُ، أَوْ وَالِدُ الصَّبِيِّ مِمَّا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّوْعِ مِنْ الْآخَرِ، وَكُلُّ مَا نَزَلَ بِهِمَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ مِمَّا لَا صُنْعَ لَهُمَا فِيهِ فَهَذَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ، وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ. (فَرْعٌ:) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ آجَرَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَتَنَازَعَتْ مَعَهُ لِمَنْ يَكُونُ مَا أَخَذَتْ فِي أُجْرَةِ رَضَاعِهَا؟ فَوَقَعَ الْحُكْمُ بِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ لَهَا بِحِسَابِهِ، وَلَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَلَا حُجَّةَ لِلزَّوْجِ بِأَنَّهُ مَلَكَ مَنَافِعَهَا فَبَاعَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا مَنَافِعُ الْأَشْيَاءِ الْبَاطِنَةِ انْتَهَى. ص (وَبَيْعُهُ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا سَنَةً) ش: قَالَ الشَّارِحُ أَيْ وَهَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ وَيَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا سَنَةً انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ لَيْسَ هُوَ مِنْ تَمَامِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ هُوَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ إنْ وَقَعَ كَذَلِكَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ هِيَ: أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِثَمَنِهَا سَنَةً كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَغَنَمٍ لَمْ تُعَيَّنْ، وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ عَلَى آجِرِهِ) ش: كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِلَمْ قَبْلَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَهِيَ

مُشْكِلَةٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْغَنَمَ إذَا لَمْ تُعَيَّنْ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى، وَإِنْ عُيِّنَتْ فَلَهُ الْخَلَفِ، وَيُرِيدُ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْخَلَفُ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ مَعَ الشَّرْطِ، فَيَكُونُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَقَدْ تَكَلَّفَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ: التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْغَنَمِ إذَا لَمْ تُعَيَّنْ وَبَيْنَ التَّجْرِ بِثَمَنِ السِّلْعَةِ سَنَةً مَعَ شَرْطِ الْخَلَفِ فِي أَنَّ عَلَى الْمَالِكِ الْخَلَفَ لَا فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِالشَّرْطِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مَعَ عَدَمِهِ يَعْنِي أَنَّ الْغَنَمَ إذَا لَمْ تُعَيَّنْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْخَلَفُ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْخَلَفِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُ كَاللُّغْزِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي الْجَوَائِحِ يَجُوزُ كَذَا كَمَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى رَعْي غَنَمٍ لَمْ تُعَيَّنْ، وَذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِي قَالَ: وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ مَعْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْخَلَفِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنْ عُيِّنَتْ مَعَ الشَّرْطِ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْخَلَفِ، أَوْ يَدْفَعَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ وَمَعْنَاهُ عَلَى الثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْغَنَمِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَجُوزُ يَعْنِي إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ، وَهُوَ عَلَى أَجْرِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَهُوَ فِي غَايَةِ التَّكَلُّفِ بَعِيدُ الْمُلَاءَمَةِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ كَغَنَمٍ عُيِّنَتْ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ عَلَى آجِرِهِ، وَهَذِهِ لَا إشْكَالَ فِيهَا، وَمَعْنَاهَا: أَنَّ الْغَنَمَ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى رَعْيِهَا إذَا شُرِطَ الْخَلَفُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ، وَلَهُ الْخَلَفُ عَلَى آجِرِهِ يُرِيدُ، أَوْ يَدْفَعُ لَهُ الْأُجْرَةَ كَامِلَةً قَالَ فِي كِتَابِ أَوَائِلِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِثَمَنٍ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِثَمَنِهَا سَنَةً كَانَ كَمَنْ آجُرهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ سَنَةً، أَوْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِعَيْنِهَا سَنَةً، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ خَلَفَ مَا هَلَكَ، أَوْ تَلِفَ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَهَلَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَبَى رَبُّهُ مِنْ خَلَفِهِ قِيلَ لَهُ: أَدِّ الْإِجَارَةَ وَاذْهَبْ بِسَلَامٍ، وَتَكُونُ لَهُ أُجْرَتُهُ تَامَّةً، وَلَوْ آجَرَهُ عَلَى رِعَايَةِ مِائَةِ شَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ خَلَفَ مَا مَاتَ مِنْهَا، وَلَهُ خَلَفُ مَا مَاتَ مِنْهَا بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطِ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَرَى مُطَابِقٌ لِهَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى آجِرِهِ أَتَى بِهِ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي لَهُ الْخَلَفُ إنَّمَا هُوَ الْآجِرُ أَعْنِي رَبَّ الْغَنَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْرِيعَاتِهَا مَبْسُوطٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرُوا مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّجِرَ بِالرِّبْحِ بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْغَنَمِ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى أَوْلَادَهَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ مَجْهُولٌ، وَمَا تَلِدُهُ الْغَنَمُ مَعْرُوفٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لِاحْتِمَالِ وِلَادَتِهَا وَاحِدًا، أَوْ أَكْثَرَ إلَّا أَنَّهُ أَقَلُّ غَرَرًا مِنْ الثَّمَنِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (كَرَاكِبٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا تَعَذَّرَ رُكُوبُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ وَيَلْزَمُهُ أَوْ وَرَثَتَهُ إنْ مَاتَ أَنْ يَأْتُوا بِالْخَلَفِ، أَوْ يَدْفَعُوا جَمِيعَ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَطَرِيقٌ فِي دَارٍ) ش: إذَا كَانَ يَصِلُ بِذَلِكَ إلَى مَنْفَعَةٍ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ، وَإِلَّا فَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. ص (أَوْ مَسِيلُ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ) ش: قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْمِرْحَاضُ: الْمُغْتَسَلُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَوْضِعِ الْخَلَاءِ: مِرْحَاضٌ

ص (وَكِرَاءُ رَحَا مَاءٍ بِطَعَامٍ) ش: نَحْوُهُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالُوا: نَبَّهَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الطَّحْنِ بِالْمَاءِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ فِي الْمَاءِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ بِطَعَامٍ، أَوْ أَنَّ الرَّحَا لَمَّا كَانَتْ مُتَشَبِّثَةً بِالْأَرْضِ، فَيَكُونُ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ الْمَشَذَّالِيُّ وَنَحْوُهُ كِرَاءُ الْمِعْصَرَةِ بِالزَّيْتِ وَالْمَلَّاحَةِ بِالْمِلْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَلَى الْحُذَّاقِ) ش: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: الْحِدَاقُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. ص (وَعَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إجَارَةً وَجَعَالَةٌ) ش: وَيُجَوَّزُ الْجُعْلُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ أَمْ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي بَابِ الْجُعْلِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي جَوَازِهِ فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ قَوْلَانِ وَانْظُرْ الشَّيْخَ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ فِي رَدِّ آبِقٍ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجُعْلِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ الْجَمَّ الْغَفِيرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَعْنِي قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَقَالَ قَبْلَهُ بِنَحْوِ الْوَرَقَتَيْنِ: إنَّ الْجُعْلَ عَلَى الْحَفْرِ لَا يَكُونُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْجَاعِلُ عَلَى الْمَشْهُورِ ذَكَرَهُ إثْرَ الْكَلَامِ الْآتِي ذِكْرُهُ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اخْتِبَارُ الْأَرْضِ فِي لِينِهَا وَقَسَاوَتِهَا وَالثَّانِي: اسْتِوَاءُ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِهَا وَالْجَهْلِ، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مُتَدَافِعَانِ كَمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ الْعِلْمُ بِحَالِ الْأَرْضِ وَالثَّانِي: يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الْجُعْلِ اسْتِوَاءُ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِهَا، أَوْ الْجَهْلِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَطَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي: اشْتَرَطَهُ فِي: الْعُتْبِيَّةِ فَهُمَا قَوْلَانِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْجُعْلِ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْعَمَلُ كَعَمَلِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا فَإِنَّ مَسَافَةَ الْآبِقِ وَالضَّالَّةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَلَامُهُ يُوهِمُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْجَعَالَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ إلَّا بَعْدَ خِبْرَتِهِمَا الْأَرْضَ مَعًا، وَشَرَطَ فِي الْعُتْبِيَّةِ اسْتِوَاءَ حَالِ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِحَالِ الْأَرْضِ (قُلْت:) عَزْوُهُ لِلْمُدَوَّنَةِ شَرْطُ الْخِبْرَةِ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْجُعْلِ نَصًّا، وَلَا ظَاهِرًا بَلْ بِلُزُومٍ يَأْتِي مَحَلُّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الصَّقَلِّيِّ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ بِمَوْضِعِ كَذَا

وَقَدْ خَبَرَا الْأَرْضَ، وَإِنْ لَمْ يَخْبُرَاهَا لَمْ يَجُزْ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ عَرَفَا الْأَرْضَ بِلِينٍ، أَوْ شِدَّةٍ، أَوْ جَهِلَاهَا مَعًا جَازَ، وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا، وَجَهِلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الْجُعْلُ فِيهِ انْتَهَى. وَهَذَا كَالنَّصِّ فِي حَمْلِ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْجُعْلِ لِذِكْرِهِ عَلَيْهَا نَقْلَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجُعْلِ (قُلْت:) لَفْظُهَا فِي الْأُمِّ قُلْت: إنْ اسْتَأْجَرْت مَنْ يَحْفِرُ لِي بِئْرًا بِمَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ قَالَ: إنْ خَبَرُوا الْأَرْضَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَخْبُرُوهَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ كَذَا سَمِعْت مَالِكًا وَسَمِعْتُهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرِ فُقُرِ النَّخْلِ يَحْفِرُهَا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءَ إنْ عَرَفَا الْأَرْضَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَاهَا فَلَا أُحِبُّهُ قُلْتُ: فَلَفْظُ الْإِجَارَةِ مَعَ ذِكْرِ فُقُرِ النَّخْلِ كَالنَّصِّ فِي عَدَمِ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّ حَفْرَ فُقُرِ النَّخْلِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ دَائِمًا، أَوْ غَالِبًا، وَالْجُعْلُ عَلَى الْحَفْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَكُونُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْجَاعِلُ. وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِمُسْتَأْجِرٍ لَمْ يَجُزْ فِيهَا جُعْلٌ عَلَى بِنَاءٍ، أَوْ حَفْرٍ، وَمَا نَسَبَهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ إيهَامِ الْعُمُومِ مِثْلُهُ لَفْظُ الْمُقَدِّمَاتِ وَالتَّلْقِينِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ ص (كَإِيجَارِ مُسْتَأْجِرٍ دَابَّةً، أَوْ ثَوْبًا لِمِثْلِهِ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهِيَ بَيِّنَةٌ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَإِيجَارِ مُسْتَأْجِرٍ دَابَّةً، أَوْ لِفَظٍّ لِمِثْلِهِ بِأَوْ الْعَاطِفَةِ وَلِفَظٍّ فَاللَّامُ الْجَرِّ وَلِفَظٍّ مِنْ الْفَظَاظَةِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ غَلِقَةٌ، وَلَعَلَّهُ وَقَعَ فِيهَا تَقْدِيمٌ، أَوْ عَلَى لِفَظٍّ غَلَطًا مِنْ النَّاسِخِ، وَيَكُونُ أَصْلُهَا لِفَظٍّ أَوْ لِمِثْلِهِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤْجِرَهَا لِفَظٍّ، أَوْ لِمِثْلِهِ، وَيَكُونُ الْمُؤَلِّفُ فِي عُهْدَةِ أَنَّ إجَارَتَهَا لِفَظٍّ مَكْرُوهٌ فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ كَرِهَ إجَارَتَهَا لِمِثْلِهِ، أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ هُوَ أَفَظُّ مِنْهُ، أَوْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْأَمَانَةِ، فَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ، وَنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لِمِثْلِهِ، أَوْ أَخَفَّ كَانَ جَارِيًا عَلَى لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَلِمَالِكٍ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ إجَازَةُ كِرَاءِ الدَّابَّةِ لِمِثْلِهِ، أَوْ أَخَفَّ (تَنْبِيهٌ:) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا اكْتَرَاهَا لِلرُّكُوبِ قَالَ فِي الْإِجَارَةِ مِنْهَا وَكَرِهَ مَالِكٌ لَمُكْتِرِي الدَّابَّةِ لِرُكُوبِهِ كِرَاءَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَانَ مِثْلَهُ، أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ، فَإِنْ أَكْرَاهَا لَمْ أَفْسَخْهُ، وَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ إنْ كَانَ أَكْرَاهَا فِيمَا اكْتَرَاهَا فِيهِ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَالِهِ وَأَمَانَتِهِ وَخِفَّتِهِ، وَلَوْ بَدَا لَهُ عَنْ السَّفَرِ، أَوْ مَاتَ أُكْرِيَتْ مِنْ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ، وَلَيْسَ كَكِرَاءِ الْحَمُولَةِ وَالسَّفِينَةِ وَالدَّارِ هَذَا لَهُ أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ انْتَهَى. وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَ كِرَائِهَا إذَا كَانَتْ مُكْتَرَاةً لِلْحَمْلِ بِأَنْ يَصْحَبَهَا رَبُّهَا فِي السَّفَرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُكْتَرِي هُوَ الَّذِي يُسَافِرُ بِهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي لِلرُّكُوبِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَبِلَهُ، وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَا يَسُوقُهَا بِنَفْسِهِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ كِرَاءَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ اكْتَرَاهَا لِلرُّكُوبِ، أَوْ لِلْحَمْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ صَاحِبُهَا، فَإِنْ أَعْلَمَهُ وَسَلَّمَ أَنَّ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ أَكْرَاهَا، وَإِنْ كَرِهَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَنَعَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ أَمْضَى كِرَاءَهُ، وَمُكِّنَ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهَا حَتَّى سَافَرَ الثَّانِي، أَوْ عَلِمَ، وَغَلَبَهُ نُظِرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ لَوْ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ مَكَّنَهُ مِنْ السَّفَرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ كَانَ عَلَى حُكْمِ الْمُتَعَدِّي، فَإِنْ سُلِّمَتْ أَخَذَهُ بِفَضْلِ كِرَاءِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ حَدَثَ عَيْبٌ ضَمِنَهُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ لِأَجْلِ رُكُوبِهِ، وَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي كِرَائِهَا مِنْ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَادَّعَى ضَيَاعَهَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ:؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ عَدِيمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَالِمًا بِتَعَدِّيهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَاخْتُلِفَ إنْ حَدَثَ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ الرُّكُوبِ هَلْ

فرع شرط رب الدابة على المكتري أنه لا يكريها لغيره

يَضْمَنُهُ الْأَوَّلُ: أَوْ لَا يَضْمَنُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ الضَّيَاعَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ أَكْرَاهَا مِنْ مِثْلِهِ فِي الْأَمَانَةِ وَأُضِرَّ مِنْهُ فِي الرُّكُوبِ وَادَّعَى الضَّيَاعَ، هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْوَجْهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ، وَلَا أَرَى أَنْ يَضْمَنَ الْأَوَّلُ إلَّا أَنْ يُؤْتَى مِنْ سَبَبِ الْوَجْهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ انْتَهَى. مِنْ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَعْلَمَ صَاحِبَهَا عِنْدَ كِرَائِهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُكْرَهْ، وَأَنَّ كِرَاءَهُ إيَّاهَا لِمَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ لَا الرَّاكِبِ، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ خِفَّةً وَحَذَقًا بِالْمَسِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا، أَوْ يُسْكِنَهَا أَوْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ مُؤَجِّرِهَا، أَوْ أَجْنَبِيٍّ مِثْلِ الْآجِرِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُهُ فِي الْإِرْشَادِ قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يَتَعَيَّنُ، وَإِنْ عَيَّنَ بَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ مُؤَجِّرَهُ وَغَيْرَهُ بِمِثْلِ الْإِجَارَةِ وَبِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: مَعْنَاهُ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ دَارًا لِيَسْكُنَهَا، أَوْ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْكُنَهَا، أَوْ يَرْكَبَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ نَفْسَهُ لِلسُّكْنَى، أَوْ لِلرُّكُوبِ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ يُكْرِيَهَا لِمَنْ شَاءَ مِمَّنْ هُوَ فِي رِفْقِهِ فِي السُّكْنَى، وَفِي خِفَّتِهِ فِي الرُّكُوبِ وَحَذَقِهِ فِي الْمَسِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْعَقْدِ فَلَهُ أَنْ يُمْلِكَهَا لِمَنْ شَاءَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَلِهَذَا يَكُونُ لَهُ إجَارَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِمَّنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ هَذَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَرِهَ مَالِكٌ لِمُكْتِرِي الدَّابَّةِ لِرُكُوبِهِ كِرَاءَهَا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ، أَوْ مِثْلَهُ، وَإِنْ أَكْرَاهَا لَمْ أَفْسَخْهُ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَعَيَّنُ الرَّاكِبُ، وَلَوْ عُيِّنَ لَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُهُ، وَجُعِلَ مِثْلَهُ فَأَدْنَى وَاسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ فِي الدَّابَّةِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يَبْدُوَ لَهُ انْتَهَى. [فَرْعٌ شَرَطَ رَبُّ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ لَا يُكْرِيهَا لِغَيْرِهِ] (فَرْعٌ:) لَوْ شَرَطَ رَبُّ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ لَا يُكْرِيهَا لِغَيْرِهِ فَكُنْتُ كَتَبْت أَوَّلًا بِأَنِّي لَمْ أَرَ الْآنَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا لِمِثْلِهِ أَوْ أَخَفَّ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْعُمْدَةِ أَنَّ مَا يُسْتَوْفَى بِهِ لَا يَتَعَيَّنُ، وَلَوْ عُيِّنَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الدُّورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْ مِثْلِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ بِأَقَلَّ، وَمَنْ اكْتَرَى حَانُوتًا لِلْقِصَارَةِ فَلَهُ كِرَاؤُهُ مِنْ حَدَّادٍ أَوْ طَحَّانٍ، أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ ضَرَرًا بِالْبُنْيَانِ فَيُمْنَعُ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي الْمُسَاوِي، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ اكْتَرَى بَيْتًا، وَشَرَطَ أَنْ لَا يُسْكِنَ مَعَهُ أَحَدًا فَتَزَوَّجَ، أَوْ ابْتَاعَ رَقِيقًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُكْنَاهُمْ ضَرَرٌ عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي سُكْنَاهُمْ ضَرَرٌ فَلَهُ مَنْعُهُ، وَقَدْ تَكُونُ غَرْفَةً ضَعِيفَةَ الْخَشَبِ وَنَحْوَهُ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ اكْتَرَى غَرْفَةً فَشَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّهَا أَنْ لَا يُسْكِنَ مَعَهُ غَيْرَهُ فِيهَا لِضَعْفِ خَشَبِ الْغَرْفَةِ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَهُ شَرْطُهُ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُسْكِنَ مَعَهُ غَيْرَهُ لَا يُوفِي لَهُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَمِنْ بَابِ أُولَى أَنْ لَا يُوفِيَ لَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْكِنَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ رَأَيْت النَّصَّ فِيهِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَشَهْرٌ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ يَوْمًا لَزِمَ إنْ مَلَكَ الْبَقِيَّةَ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ، وَنَصُّهُ: ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ، وَأَنَّهُ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَسْكُنْ، فَإِذَا سَكَنَ انْعَقَدَ الْكِرَاءُ فِي الشَّهْرِ، فَإِنْ أَرَادَ إنْ سُكِنَتْ فَالْكِرَاءُ لِي لَازِمٌ، وَلَيْسَ لِي أَنْ أَكْرِيَ مِنْ غَيْرِي كَانَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الشُّرُوطِ الَّتِي يَبِيعُ مِنْهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ، وَلَا يَهَبَ فَهَذَا لَوْ أَسْقَطُوا الشَّرْطَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ تَمَّ الْكِرَاءُ، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ إنْ خَرَجَتْ عَادَ الْمَسْكَنُ لِلْمُكْرِي، وَعَلَيْهِ جُمْلَةُ الْكِرَاءِ فَهَذَا فَاسِدٌ لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ انْتَهَى. [فَرْعٌ كِرَاءِ الثَّوْبِ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ كِرَاءِ الثَّوْبِ: فَإِنْ هَلَكَ بِيَدِكَ لَمْ تَضْمَنْهُ، وَإِنْ دَفَعْتَهُ إلَى غَيْرِكَ كُنْتَ ضَامِنًا إنْ تَلِفَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مِثْلَهُ، وَمَسْأَلَةُ مَنْ اكْتَرَى فُسْطَاطًا إلَى مَكَّةَ فَأَكْرَاهُ مِنْ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ

فرع الإجارة على تعليم الشعر والنوح

حَاجَتِهِ إلَيْهِ هِيَ الْأَصْلُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا: ذَلِكَ جَائِزٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي اسْتِدْلَالِ سَحْنُونٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اللُّبْسِ أَكْثَرُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْفُسْطَاطِ. ص (وَتَعْلِيمُ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ) ش: أَيْ وَتُكْرَهُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اللَّخْمِيُّ وَيَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَأْخُذَ أَجْرًا مِمَّنْ يُفْتِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ: قُلْت فِي الْأَجْرِ عَلَى الشَّهَادَةِ خِلَافٌ، وَكَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَشْغَلُهُ ذَلِكَ عَنْ جُلِّ تَكَسُّبِهِ، فَأَخْذُهُ الْأُجْرَةَ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِهَا مِنْهُ عِنْدِي خَفِيفٌ، وَهُوَ مُجْمَلُ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ عَلْوَانَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْأَجْرَ الْخَفِيفَ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ انْتَهَى، وَفِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ شَيْءٌ مِنْهُ. ص (وَقِرَاءَةٌ بِلَحْنٍ) ش: حَمَلَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ ذِكْرُ كَرَاهِيَةِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فِي فَصْلِ سُجُودٍ وَقِرَاءَةِ تَلْحِينٍ وَحَمَلَهُ الْبِسَاطِيُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ ذِكْرُ كَرَاهَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ قَالَ: لِأَنَّهُ الْآنَ لَيْسَ فِي عَدِّ الْمَكْرُوهَاتِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَنْسَبُ بِسِيَاقِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَكَانَ الْحَامِلُ لِلشَّارِحِ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِكَرَاهَةِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا، وَهُوَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ مَكْرُوهَةً، وَالْكَلَامُ فِي كَوْنِ الْكَرَاهَةِ فِي كَلَامِ مَالِكٍ عَلَى بَابِهَا، أَوْ عَلَى الْمَنْعِ تَقَدَّمَ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَاللَّحْنُ بِسُكُونِ الْحَاءِ ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُ [فَرْعٌ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الشِّعْرِ وَالنَّوْحِ] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الشِّعْرِ وَالنَّوْحِ، أَوْ عَلَى كِتَابَةِ ذَلِكَ، أَوْ إجَارَةٍ كُتِبَ فِيهَا ذَلِكَ أَوْ بَيْعَهَا عِيَاضٌ مَعْنَاهُ نَوْحُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَنَاشِيدُهُمْ الْمُسَمَّى بِالتَّغَنِّي عَلَى طَرِيقِ النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ نَحْوًا، وَهُوَ غَلَطٌ وَخَطَأٌ انْتَهَى. [فَرْعٌ أَخْذَ الْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ عَلَى ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ] (فَرْعٌ:) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ أَوَائِلِ مُسْلِمٍ وَاعْلَمْ أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ عَلَى ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ، أَوْ ظَنِّهِ لَا يَجُوزُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ انْتَهَى. ص (وَمِعْزَفٌ) ش: بِكَسْرِ الْمِيم عِيَاضٌ الْمَعَازِفُ عِيدَانُ الْغِنَاءِ. ص (وَكِرَاءُ عَبْدٍ لِكَافِرٍ) ش: كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِضَافَةِ كِرَاءٍ لِعَبْدٍ وَاحِدُ الْعَبِيدِ وَجَرِّ كَافِرٍ بِاللَّامِ، وَفِي بَعْضِهَا وَكِرَاءٌ لِعِيدِ كَافِرٍ بِإِدْخَالِ اللَّامِ عَلَى عِيدٍ وَاحِدُ الْأَعْيَادِ، وَإِضَافَتَهُ لِكَافِرٍ، وَكِلَاهُمَا وَاضِحٌ، وَفِي بَعْضِهَا وَكِرَاءٌ كَعَبْدِ كَافِرٍ بِإِدْخَالِ كَافِ التَّشْبِيهِ عَلَى عَبْدٍ وَاحِدُ الْعَبِيدِ وَتَجْرِيدِ كَافِرٍ مِنْ اللَّامِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا تَرْجِعُ لِلنُّسْخَةِ الْأُولَى، وَيَكُونُ كِرَاءٌ مُضَافًا إلَى عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُهُ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِكَعَبْدٍ، فَيَكُونُ كَافِرٌ مَجْرُورًا، أَوْ يَكُونُ كِرَاءٌ مُضَافًا إلَى كَعَبْدٍ عَلَى عَادَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْمَجْرُورِ بِكَافِ التَّشْبِيهِ، وَكَافِرٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ كِرَاءٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ إجَارَةَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ مَكْرُوهَةٌ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ يَغِيبُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ مِنْهَا اسْتِيلَاءُ الْكَافِرِ عَلَى

الْمُسْلِمِينَ وَإِهَانَتُهُمْ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ إذَايَتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ، وَمِنْهَا مَا يَخْشَى أَنَّهُمْ يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُمْ، وَمِنْهَا رُبَّمَا أَطْعَمُوهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، وَمِنْهَا مَا يُخْشَى مِنْ وَطْءِ الْإِمَاءِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فُسِخَتْ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ أَنَّ إجَارَةَ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: جَائِزَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمَحْظُورَةٌ وَحَرَامٌ، فَالْجَائِزُ لَأَنْ يَعْمَلَ لَهُ الْمُسْلِمُ عَمَلًا فِي بَيْتِ نَفْسِهِ كَالصَّانِعِ الَّذِي يَعْمَلُ لِلنَّاسِ وَالْمَكْرُوهَةُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِجَمِيعِ عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مُقَارِضًا، أَوْ مُسَاقِيًا وَالْمَحْظُورَةُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ يَكُونُ فِيهِ تَحْتَ يَدِهِ كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ وَإِجَارَةِ الْمَرْأَةِ لِتُرْضِعَ لَهُ ابْنَتَهُ فِي بَيْتِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذِهِ تُفْسَخُ إنْ عُثِرَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَاتَتْ مَضَتْ، وَكَانَتْ لَهَا الْأُجْرَةُ، وَالْحَرَامُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْهُ فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ عَمَلِ الْخَمْرِ، أَوْ رَعْي الْخَنَازِيرِ فَهَذَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِنْ فَاتَ تَصَدَّقَ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي إجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ فِي إجَارَةِ الْعَبْدِ فَلَا شَكَّ أَنَّ إجَارَةَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ إذَا كَانَ يَغِيبُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ وَيُؤَدَّبُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُؤَجِّرُ أَدَبًا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ) ش: قَالَ فِي التَّهْذِيبِ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، أَوْ يُكْرِي بَيْتَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ آجَرَ بَيْتَهُ لِقَوْمٍ لِيُصَلُّوا فِيهِ رَمَضَانَ لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ كَمَنْ أَكْرَى الْمَسْجِدَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي كِرَاءِ الْبَيْتِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَ التَّهْذِيبِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَنَصُّهُ: وَفِيهَا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا بَيْتَهُ وَإِجَارَتُهُمَا لِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ عِيَاضٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ اللَّخْمِيُّ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ جَازَ (قُلْت:) اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا دُونَ ذِكْرِ قَوْلِهَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ صَوَابٍ، وَإِنْ وَافَقَ مَفْهُومَ نَقْلِ الصَّقَلِّيِّ عَنْ سَحْنُونٍ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ كِرَاءُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُكْرَى، وَالْبَيْتُ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَكِرَاؤُهُ جَائِزٌ اللَّخْمِيُّ إنْ أَكْرَى بَيْتَهُ، أَوْ دَارِهِ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى، وَإِنْ أَخْلَى الْبَيْتَ وَسَلَّمَهُ جَازَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ جَازَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لِيُكْرِيَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ: فِي الرَّجُلِ يَبْنِي مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ جَازَ وَكَرَاهِيَتُهُ لَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي آجَرَ بَيْتَهُ مِنْ قَوْمٍ لِيُصَلُّوا فِيهِ فَلَا يُعْجِبُنِي، وَهُوَ كَمَنْ أَكْرَى الْمَسْجِدَ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْبَيْتِ لَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِهِ يُصَلَّى فِيهِ، وَإِجَازَتُهُ كِرَاءَ الدَّارِ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَرْقٌ، وَأَمَّا الَّذِي بَنَى مَسْجِدًا فَأَكْرَاهُ فَلَوْ أَبَاحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لَكَانَ حَبْسًا لَا حُكْمَ فِيهِ لَهُ، وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُبِحْهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكْتَرِيَهُ فَلَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي كِرَاءِ الْمَسْجِدِ: لَا يَصْلُحُ، وَفِي كِرَاءِ الْبَيْتِ: لَا يُعْجِبُنِي، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ كَمَا أَجَازَ إجَارَةَ الْمُصْحَفِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَفْعَالِ أَهْلِ الدِّينِ، وَهَذَا مَعْنَى مَنْعِ مُحَمَّدٍ عِنْدِي لِإِجَارَةِ الْمُصْحَفِ انْتَهَى. ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ: لَا يَصْلُحُ هَلْ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ عَلَى الْمَنْعِ، فَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُكْرَى، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ لِعِيَاضٍ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ هُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ زِيَادَةُ ابْنِ عَرَفَةَ وَثَبَتَتْ عِنْدَ ابْنِ نَاجِي فَقَالَ: قَوْلُهُ: لَا يَصْلُحُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِزِيَادَتِهِ فِيهَا، وَإِجَارَتُهُمَا

لِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزَةٍ انْتَهَى. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْجَوَازِ لَا الْكَرَاهَةُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ الصَّغِيرِ إثْرَ قَوْلِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَأَجَازَ ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ الشَّيْخُ وَأَجَازَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنْ يُكْرِيَ الْأَرْضَ مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ فَالْمَسْجِدُ فِي طَرَفٍ، وَالْأَرْضُ لِتُتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي طَرَفٍ، وَالْبَيْتُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ انْتَهَى. ، وَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْغَيْرِ فِي الْبَيْتِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَيْرَ تَكَلَّمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَابْنُ الْقَاسِمِ قَبْلَ الْوُقُوعِ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا إذَا كَانَ يُكْرِيهِ مِنْهُمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي غَيْرِهَا، وَقَوْلُ الْغَيْرِ فِيمَا إذَا كَانَ يُكْرِيهِ مِنْهُمْ لِيَنْتَفِعُوا بِهِ مُدَّةَ كِرَائِهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيمَا شَاءُوا مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ اُنْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ وَاللَّخْمِيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسُكْنَى فَوْقَهُ) ش هَذَا الْكَلَامُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ مَا فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَمُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ هُنَاكَ أَيْضًا وَلِتَابِعِيهِ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَمَّا الْمُدَوَّنَةِ فَفِي التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقِصَاصِ وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّكْنَى بِالْأَهْلِ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: وَنَقَلَهَا ابْنُ يُونُسَ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ مَسْجِدًا، ثُمَّ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا يَسْكُنُهُ بِأَهْلِهِ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ صَارَ يَطَؤُهَا عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَبِيتُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِالْمَدِينَةِ فِي الصَّيْفِ فَكَانَ لَا يَقْرَبُ فِيهِ امْرَأَةً انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ جَعْلُ عُلُوِّ مَسْكَنِهِ مَسْجِدًا، وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ عُلُوِّ سُفْلِهِ مَسْجِدًا، وَيَسْكُنُ الْعُلُوَّ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ، وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَالْوَاضِحَةِ، وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّكْنَى إلَى آخِرِهِ، قَالَ: فَإِنْ قُلْت، فَقَدْ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا خِلَافُ مَا فِي الْوَاضِحَةِ قِيلَ: الظَّاهِر حَمْلُهَا عَلَى الْمَنْعِ تَوْفِيقًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَمَا نَسَبَهُ لِلْوَاضِحَةِ هُوَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْهَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِهَا: وَأَجَازَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ سُفْلٌ وَعُلُوٌّ أَنْ يَجْعَلَ الْعُلُوَّ مَسْجِدًا، وَيَسْكُنُ السُّفْلَ، أَوْ لَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا، وَيَسْكُنَ الْعُلُوَّ، وَفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا، وَقَدْ صَارَ لِمَا فَوْقَهُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَأَمَّا مَا نَسَبَهُ لِلْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيمَا قَالَهُ قَالَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّهْذِيبِ: وَلَا يَبْنِي فَوْقَ الْمَسْجِدِ بَيْتًا لِيَسْكُنَ فِيهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا يُعْجِبُنِي انْتَهَى. عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنْ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عِنْدَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَنَصُّهُ: فِي أَوَاخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَفِيهَا الْمَسْجِدُ حَبْسٌ لَا يُورَثُ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ وَأَكْرَهُ بَيْتًا لِلسُّكْنَى فَوْقَهُ لَا تَحْتَهُ انْتَهَى. نَعَمْ حَمَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَلَى التَّحْرِيمِ كَالْمُصَنِّفِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، وَتَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمَسْجِدَ لِلَّهِ إذَا بَنَاهُ الشَّخْصُ لَهُ وَحِيزَ عَنْهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ فَوْقَهُ، فَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْأَهْوِيَةِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ، وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ، وَهَوَاءُ الْمِلْكِ مِلْكٌ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ لَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنْ يُمْنَعَ هَوَاءُ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا وَبَنَى عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفًا عَلَيْهِ بُنْيَانٌ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ: وَهُوَ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ، ثُمَّ أَخَذَ يُبَيِّنُ وَجْهَ خُرُوجِهِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ انْتَهَى بِاللَّفْظِ، وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَمِثْلُهُ فِي قَوَاعِدِ الْمُقِرِّي (قَاعِدَةٌ:) حُكْمُ الْأَهْوِيَةِ حُكْمُ مَا تَحْتَهَا فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ فَلَا يُبَاعُ هَوَاءُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْسَ الْخَشَبِ حَوْلَهَا، وَبِنَاءَ الْهَوَاءِ سَقْفًا وَبُنْيَانًا انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي تَرْجَمَةِ إجَارَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ الدَّارِ وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا

لِلَّهِ أُحِيزَ عَنْهُ، وَأَحَبَّ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ لَهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ السُّفْلَ مَسْجِدًا، وَيُبْقِيَ الْعُلُوَّ عَلَى مِلْكِهِ، فَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ لِلْوَاضِحَةِ، وَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَتَابِعِيهِ، وَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِجَوَازِهِ قَالَ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ: وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَبْنِيهِ لِلَّهِ، وَأَبْنِي فَوْقَهُ مَسْكَنًا، وَعَلَى هَذَا أَبْنِي جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ عُلْوًا وَسُفْلًا فَأَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ السُّفْلَ مَسْجِدًا، وَيُبْقِيَ الْعُلُوَّ عَلَى مِلْكِهِ جَازَ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَ هَذِهِ النُّقُولِ، وَيُجْعَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَا يُعْجِبُنِي، أَوْ لَا يَبْنِي لَا يَجُوزُ وَيُحْمَلُ هُوَ، وَمَا فِي الْوَاضِحَةِ، وَمَا لِابْنِ شَاسٍ وَتَابِعِيهِ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ وَيُحْمَلُ مَا فِي الْجُعْلِ مِنْهَا، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْأَخِيرُ، وَمَا لِلْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ اللَّخْمِيِّ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَيُسَاعِدُ هَذَا التَّوْفِيقَ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي، وَنَصُّهُ: عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّهْذِيبِ، وَلَا يَبْنِي إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الْأُمِّ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَسْكَنًا يُجَامَعُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَالنَّصِّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَذَكَرَ أَبُو عِمْرَانَ النَّظَائِرَ الْمَعْلُومَةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ هَلْ ظَاهِرُ الْمَسْجِدِ كَبَاطِنِهِ أَمْ لَا؟ ، وَذَلِكَ يُوهِمُ جَوَازَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْجِدَ سَبَقَ فَهُوَ تَغْيِيرُ الْحَبْسِ بَلْ ظَاهِرُهَا أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ فَحَبَسَ الْعُلُوَّ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ فِي الْجُعْلِ انْتَهَى. وَقَالَ عَلَى قَوْلِهَا فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: وَكَرِهَ الْمُتَقَدِّمَ يُرِيدُ يَكُونُ تَحْبِيسُ الْمَسْجِدِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا لَمَّا أَنْ حَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاَلَّذِي فِي الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السُّكْنَى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ تَحْتَهُ، وَلَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ أَيْ: لَا عَلَى الْمَسْجِدِ حُرْمَتُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ، وَلَا سِيَّمَا، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا حَبَسَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ نَعَمْ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ الِاعْتِلَاءُ عَلَى رُءُوسِ الْمُصَلِّينَ الْفُضَلَاءِ وَأَهْلِ الْخَيْرِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَكَنَ بَيْتًا عِنْدَهُ، وَسَكَنَ أَبُو أَيُّوبَ غَرْفَةً عَلَيْهَا، وَانْهَرَقَتْ جَرَّةٌ فِي الْغَرْفَةِ فَخَشِيَ أَنْ يَنْزِلَ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَدَّ الْكُوَّةَ الَّتِي هُنَاكَ بِقَطِيفَةٍ عِنْدَهُ، وَنَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْغَرْفَةِ وَنَزَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ إلَى الْبَيْتِ وَاحْتَجَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَا ذَكَرَهُ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَبِيتُ بِالْمَدِينَةِ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ إذْ كَانَ أَمِيرًا فَلَا تَقْرَبُهُ امْرَأَةٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ سَبَقَ تَحْبِيسُهُ عَلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّكْنَى بِالْأَهْلِ، أَوْ الْمَبِيتُ بِهِمْ عَلَى ظَهْرِهِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى مَا بُنِيَ لَهُ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَنْ أَرَادَ إنْشَاءَ تَحْبِيسِ مَسْجِدٍ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ انْتَهَى. وَرَأَيْت لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الْأَنْدَلُسِ كَلَامًا أَجَابَ بِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَذَكَرَ فِي الْجَوَابِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ وَسُكْنَى فَوْقَهُ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ وَيَتَّخِذَ فَوْقَهُ بَيْتًا قَالَ: وَكَلَامُهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي اتِّخَاذِ مَنْزِلٍ فَوْقَ مَسْجِدٍ مُحَبَّسٍ مُبَاحٍ لِعُمُومِ النَّاسِ انْتَهَى. وَفِي جَعْلِهِ الْفَرْعَيْنِ فَرْعًا وَاحِدًا اُنْظُرْ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَبَعْضُ عُلَمَاءِ الْأَنْدَلُسِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الشَّيْخُ الْعَلَامَةُ مُفْتِي غَرْنَاطَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَعْدَالِيُّ الْغَرْنَاطِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِمَنْفَعَةٍ) ش: يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَنْفَعَةُ مَا لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إقَامَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي شَرِكَةِ

الْأَبَدَانِ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَأْتِيَهُ بِالْغَلَّةِ فَأُجِيزَ وَمُنِعَ انْتَهَى. وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْهُمَا. ص (تَتَقَوَّمُ) ش فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ، وَالظَّاهِرُ فَتْحُهُمَا مَعًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ لَهَا قِيمَةً وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ مُقَابَلَتُهُ بِالْمَالِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ الْبِسَاطِيُّ كَاسْتِئْجَارِ نَارٍ لِيُوقِدَ مِنْهَا سِرَاجًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ وَمَنْعِهَا فِي فُرُوعٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا مِنْهَا إجَارَةُ الْمُصْحَفِ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِجَارَةُ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا عَلَى الْجَوَازِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِينَ هُنَا احْتَرَزَ بِهِ مِنْ إجَارَةِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (قُدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا) ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ: احْتَرَزَ مِنْ اسْتِئْجَارِ الْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ وَالْأَعْمَى لِلْإِبْصَارِ وَأَرْضِ الزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا قَطْعًا، وَلَا غَالِبًا، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ اسْتِئْجَارُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ، وَمَاؤُهَا غَامِرٌ أَيْ: كَثِيرٌ وَانْكِشَافُهُ نَادِرٌ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: الْجَوَازُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأْتِي فَهُوَ رَاجِعٌ لِهَذَا الْقَيْدِ (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ:) مِنْ فُرُوعِ هَذَا الْقَيْدِ كِرَاءُ الْمُشَاعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ كِرَاءُ الْمُشَاعِ كَنِصْفِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا أَكْرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ، أَوْ دَارِهِ جَازَ ذَلِكَ، ثُمَّ هُمَا فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَسِمَا الْمَنَافِعَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ بِيَوْمَيْنِ فَيَسْتَعْمِلُهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تَصِيرُ إلَيْهِ فَيَسْتَخْدِمُ الْعَبْدَ، وَيَرْكَبُ الدَّابَّةَ، وَإِنْ شَاءَ آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُؤَاجِرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَيَقْتَسِمَا الْأُجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ، وَكَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهَا تُرِكَ لِصَنْعَتِهِ وَاقْتَسَمَا خَرَاجَهُ، وَأَمَّا الدَّارُ، فَإِنْ كَانَتْ تَنْقَسِمُ قُسِّمَتْ مَنَافِعُهَا، وَسَكَنَ الْمُكْتَرِي فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ، أَوْ أَكْرَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحْمِلُ الْقَسَمَ أُكْرِيَتْ وَاقْتَسَمَا كِرَاءَهَا إلَّا أَنْ يُحِبَّ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا يَقِفُ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَوْ الدَّابَّةُ، أَوْ الدَّارُ شَرِكَةً فَأَكْرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ جَازَ، وَعَادَ الْجَوَابُ فِي قِسْمَةِ مَنَافِعِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ جَمِيعُهُ لِوَاحِدٍ. فَإِنْ أَكْرَى ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، فَلَمْ يَجُزْ وَدَعَا إلَى الْبَيْعِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ

وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ إذَا لَمْ تَنْقَسِمْ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُ إلَى الْبَيْعِ، وَرَضِيَ بِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْكِرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ تَنْقَسِمُ وَدَعَا الشَّرِيكُ إلَى قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَقُسِمَتْ بِالْقُرْعَةِ فَمَا صَارَ لِلْمُكْرِي أَخَذَهُ الْمُكْتَرِي، وَإِنْ أَرَادَ الْمُكْرِي أَنْ يَقْسِمَ بِالتَّرَاضِي كَانَ لِلْمُكْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ دَعَا الشَّرِيكُ إلَى قَسْمِ الرِّقَابِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَمِنْ حَقِّ الْمُكْتَرِي أَنْ يَقْسِمَ بِالْقُرْعَةِ فَمَا صَارَ لِلْمُكْرِي كَانَ حَقُّ الْمُكْتَرِي فِيهِ، وَإِنْ اعْتَدَلَتْ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ مَعَ قِسْمَةِ الرِّقَابِ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُكْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الَّذِي صَارَ لِلْمُكْرِي أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ بِمَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِيهِ حَطَّهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ صَارَ لَهُ أَكْثَرُ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُمَيِّزَ ذَلِكَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ فَعَلَ، وَانْتَفَعَ بِهِ الْمُكْرِي، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ، وَلَا يُصَابُ فِيهِ مَسْكَنٌ بِانْفِرَادِهِ بَقِيَ لِلْمُكْتَرِي، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: كُنْتُ فِي مَنْدُوحَةٍ عَنْهُ، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ انْتَهَى. (الثَّانِي:) لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مِنْ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً، وَكَذَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ، وَقَالَ احْتِرَازًا مِنْ الْأَوْقَافِ وَالرَّبْطِ وَمَوَاضِعِ الْجُلُوسِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقَاتِ وَالْمَدَارِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا الِانْتِفَاعُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ (فَرْعٌ:) يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ كِرَاءُ دُورِ مَكَّةَ وَنُقِلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَانْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُشْبَعًا فِي حَاشِيَتِي عَلَى الْمَنَاسِكِ قَالَ الْقَرَافِيُّ تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ أَنْ يُحَرَّمَ كِرَاءُ دُورِ مِصْرَ وَأَرْضِهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْقُضَاةِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَعُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَالْقَاعِدَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إذَا اتَّصَلَ بِبَعْضِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، فَإِذَا قَضَى حَاكِمٌ بِثُبُوتِ مِلْكِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَتَعَيَّنَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَطَّرِدُ فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى. ص (وَلَوْ مُصْحَفًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ إجَارَةُ الْمُصْحَفِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ، وَأَجَازَ بَيْعَهُ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَمْ يَجْعَلْهُ مَتْجَرًا، أَمَّا مَا عَمِلْتَهُ بِيَدِكَ فَجَائِزٌ، وَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى كِتَابَتِهِ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ مَتْجَرًا، هَلْ فَلَا يَجُوزُ أَوْ يَكْرَهُ؟ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَرْضًا غَمَرَ مَاؤُهَا وَنَدَرَ انْكِشَافُهُ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَمَنْ اكْتَرَيْت مِنْهُ أَرْضَهُ الْغَرِقَةَ بِكَذَا إنْ انْكَشَفَ عَنْهَا الْمَاءُ، وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ بَيْنَكُمَا جَازَ إذَا لَمْ تَنْقُدْ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ بِانْكِشَافِهَا قَالَ غَيْرُهُ: إنْ خِيفَ أَنْ لَا يَنْكَشِفَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: تَحْصِيلُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازُ الْعَقْدِ كَانَتْ الْأَرْضُ أَرْضَ مَطَرٍ، أَوْ نِيلٍ أَوْ غَيْرَهُمَا مَأْمُونَةً، أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ النَّقْدِ وَوُجُوبِهِ فَمَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ وَالْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرَةِ جَائِزٌ، وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تُرْوَى، وَيُتَمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ الْمَطَرِ، أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ وَالْآبَارِ، وَأَمَّا وُجُوبُ النَّقْدِ فَيَجِبُ عِنْدَهُ فِي أَرْضِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ؛ إذْ لَا يُحْتَاجُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَجِبُ فِيهَا النَّقْدُ حَتَّى يَتِمَّ الزَّرْعُ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ انْتَهَى. ص (وَشَجَرٌ لِتَجْفِيفِ الْمُلَابِسِ عَلَيْهَا عَلَى الْأَحْسَنِ) ش: الْأَحْسَنُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ وَقَبِلَهُ شَارِحُوهُ، وَلَا أَعْرِفُ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ: الْجَوَازُ كَإِجَارَةِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ وَحَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ انْتَهَى. ص (لَا لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ) ش: أَيْ الشَّجَرِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ

فرع غصب النصراني سفينة مسلم لمسلم وحمل فيها الخمر

قَصْدًا. ص (أَوْ شَاةٍ لِلَبَنِهَا) ش: يَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مُقَدِّرٍ فِي قَوْلِهِ: لَا لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ أَيْ لَا شَجَرٍ لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ، وَلَا شَاةٍ لِأَخْذِ لَبَنِهَا، فَيَكُونُ مِنْ الْمَمْنُوعِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَشَجَرًا، وَيَكُونُ مِنْ الْجَائِزِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عِنَايَةٍ فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ مَمْنُوعًا نَقُولُ: إلَّا بِشُرُوطٍ يَأْتِي ذِكْرُهَا يُرِيدُ، وَكَذَا إذَا جَعَلْنَاهُ جَائِزًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالشُّرُوطُ أَنْ تَكُونَ الْغَنَمُ كَثِيرَةً كَالْعَشْرَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْإِبَّانِ، وَأَنْ يَعْرِفَا وَجْهَ حِلَابِهَا، وَأَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ لَا يَنْقَضِي اللَّبَنُ قَبْلَهُ، وَأَنْ يَشْرَعَ فِي أَخْذِ ذَلِكَ يَوْمَهُ، أَوْ إلَى أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، وَأَنْ يُسْلَمَ إلَى رَبِّهَا لَا إلَى غَيْرِهِ هَذَا إذَا كَانَ جُزَافًا، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْكَيْلِ أَسْقَطْت الشَّرْطَ الْأَوَّلَ، فَقَطْ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ فِيهَا مَبْسُوطٌ، وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ: شَاةٍ بِالْإِفْرَادِ يُنَافِي الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا تَعْلِيمَ غِنَاءٍ) ش: هُوَ، وَمَا بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ، وَلَا مُتَعَيِّنٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ، وَلَا حَظْرٌ وَالْحَظْرُ الْمَنْعُ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي حَدِيثِ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ مَهْرِ الْبَغِيِّ، وَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ أُجْرَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ مَا يَأْخُذُهُ الْكَاهِنُ قَالَ الْأَبِيُّ، وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ مَا يَأْخُذُهُ الَّذِي يَكْتُبُ الْبَرَاءَاتِ لِرَدِّ التَّلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ، وَسُئِلَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنُ عَرَفَةَ عَمَّنْ ذَهَبَتْ لَهُ حَوَائِجُ فَقَرَأَ فِي دَقِيقٍ وَأَخَذَ يُطْعِمُهُ أُنَاسًا اتَّهَمَهُمْ، وَكَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ فَقَالَتْ إنْ أَطْعَمْتُمُونِي فَأَنَا أَمُوتُ فَأَطْعَمُوهَا مِنْهُ فَمَاتَتْ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْأَدَبُ، وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ عَلَى حَدِّ الْمَعْقُودِ، فَإِنْ كَانَ يَرْقِيهِ بِالرُّقَى الْعَرَبِيَّةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِالرُّقَى الْعَجَمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَانَ الشَّيْخُ يَقُولُ: إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ النَّفْعُ بِذَلِكَ جَازَ انْتَهَى. ص (وَدُخُولُ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ) ش: فَرَضَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي اسْتِئْجَارِهَا عَلَى كَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكَنْسِ وَغَيْرِهِ، وَيُرِيدُ إذَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَكْنُسُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهَا لَجَازَ وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِكَنْسِ كَنِيسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ لِيَرْعَى الْخَنَازِيرَ أَوْ لِيَعْصِرَ لَهُ خَمْرًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ بِجَهَالَةٍ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأُجْرَةُ مِنْ الْكَافِرِ وَيُتَصَدَّقُ بِهَا أَمْ لَا؟ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّصَدُّقُ بِهَا أَحَبُّ إلَيْنَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَدَارٌ لِتَتَّخِذَ كَنِيسَةً) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ [فَرْعٌ غَصَبَ النَّصْرَانِيُّ سَفِينَةَ مُسْلِمٍ لِمُسْلِمٍ وَحَمَلَ فِيهَا الْخَمْرَ] (فَرْعٌ:) إذَا غَصَبَ النَّصْرَانِيُّ سَفِينَةَ مُسْلِمٍ لِمُسْلِمٍ

وَحَمَلَ فِيهَا الْخَمْرَ قَالَ فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا خَمْرًا أَنْ لَوْ أَكْرَاهَا نَصْرَانِيٌّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ لِذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَتَصَدَّقُ بِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِتَعَدِّيهِ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، أَوْ عَلِمَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَةِ كِرَائِهَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا غَيْرَ الْخَمْرِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا خَمْرًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ انْتَهَى. ص (وَبِنَاءٌ عَلَى جِدَارٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، وَأَمَّا إذَا اكْتَرَى أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي ثِقَلِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْجِدَارِ إذَا أَكْرَاهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (وَمَحْمِلٌ) ش: بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ ص (وَدَابَّةٌ لِرُكُوبٍ، وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ وَنَوْعٌ وَذُكُورَةٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا اُكْتُرِيَتْ لِلرُّكُوبِ فَيَلْزَمُ تَعْيِينُهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَيَلْزَمُ أَنْ يَذْكُرَ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا وَالذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي التَّعْيِينِ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَبِرَهَا الرَّاكِبُ لِيَنْظُرَ سَيْرَهَا فِي سُرْعَتِهِ وَبُطْئِهِ فَرُبَّ دَابَّةٍ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ: الْمَشْيُ خَيْرُ مِنْ رُكُوبِهَا (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مُحَمَّدٌ: وَإِنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حُمِلَ عَلَى الْمَضْمُونِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّعْيِينِ قَالَ: وَلَوْ اكْتَرَى مِنْهُ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى بَلَدِ كَذَا عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ سَفِينَةٍ، وَقَدْ أَحْضَرَهَا، وَلَا يَعْلَمُ لَهُ غَيْرَهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: تَحْمِلُنِي عَلَى دَابَّتِكَ هَذِهِ، أَوْ سَفِينَتِكَ هَذِهِ فَهَلَكَتْ بَعْد أَنْ رَكِبَ

فَعَلَى الْكَرِيِّ أَنْ يَأْتِيَهُ بِدَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ غَيْرِهَا، وَهُوَ مَضْمُونٌ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرِي هَذِهِ الدَّابَّةَ بِعَيْنِهَا مُحَمَّدٌ أَوْ يُكْرِيهِ نِصْفَ السَّفِينَةِ، أَوْ رُبْعَهَا، فَيَكُونُ كَشَرْطِ التَّعْيِينِ انْتَهَى. ص (كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ آجَرَ نَفْسَهُ) ش: ظَاهِرُهُ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ أَوَّلًا، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَخَيَّرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ يُسْقِطَ حِصَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَنَصُّهُ: بَعْدَ مَسْأَلَةِ الرِّعَايَةِ، وَكَذَلِكَ أَجِيرَكَ لِلْخِدْمَةِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِك يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ فَلَكَ أَخْذُ الْأَجْرِ، أَوْ تَرْكُهُ وَإِسْقَاطُ حِصَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْأَجْرِ عَنْكَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ خَيَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَجِيرِ الْخِدْمَةِ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُ فِي الرَّاعِي إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَرْعَى مَعَ غَنَمِهِ غَنَمًا أُخْرَى وَخَالَفَ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: كَمْ تَسْتَوِي إجَارَتُهُ عَلَى أَنْ لَا يَرْعَى مَعَ الْغَنَمِ غَيْرَهَا، وَتَقُومُ عَلَى أَنْ يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا فَيُعْرَفُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَنْظُرَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي سُمِّيَ فَيَسْقُطُهُ مِنْ إجَارَتِهِ، أَوْ يَأْخُذُ مَا آجَرَ بِهِ نَفْسَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ: صُورَتُهُ أَنْ يُعَيِّنَ إجَارَتَهَا وَحْدَهَا مَثَلًا عَشَرَةً وَمَعَ غَيْرِهَا ثَمَانِيَةً فَيُسْقِطُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُسَمَّى الْخَمْسَ، أَوْ يَأْخُذُ مَا أَجَّرَ بِهِ نَفْسَهُ انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْأَجِيرَ بِخِلَافِ الرَّاعِي؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ عَطَّلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالرَّاعِي لَمْ يُعَطِّلْ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ، وَكَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَفَسَّرَهُ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ: لَكَ أَخْذُ الْأَجْرِ إلَخْ هَذَا فِيمَا يُشَابِهُ مَا أَجَّرْتُهُ فِيهِ، أَوْ يُقَارِبُهُ، وَأَمَّا أَنْ يُؤَاجِرَهُ لِلرِّعَايَةِ شَهْرًا بِدِينَارٍ فَيُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فِي الْحَصَادِ، أَوْ فِي مَخُوفٍ كُلَّ يَوْمٍ بِدِينَارٍ أَوْ تُؤَاجِرُهُ لِخِدْمَتِكَ فِي الْغَزْوِ فَيَذْهَبُ يُقَاتِلُ فَيَقَعُ فِي سُهْمَانِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَهَذَا وَشَبَهُهُ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا إسْقَاطُ مَا عَطَّلَ لَكَ مِنْ عَمَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: اُنْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا أَصَابَ بَيْضَ الْحَجَلِ فَهِيَ لِلْأَجِيرِ انْتَهَى. ص (إلَّا لِعُرْفٍ) ش: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ رِعَايَتُهَا ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ: وَلِرَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَ بِرَاعٍ يُرَاعِي مَعَهُ لِلتَّفْرِقَةِ أَبُو الْحَسَنِ رَاعَى التَّفْرِقَةَ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى انْتَهَى. ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ اللَّبَّادِ (قُلْت) مَعْنَاهُ: أَنَّ التَّفْرِقَةَ تَعْذِيبٌ لَهَا فَهِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ طَعَامِ الرِّبَا وَتَفْرِيقُ أُمٍّ فَقَطْ مِنْ وَلَدِهَا. ص (عَكْسُ إكَافٍ) ش: كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ فِي شَرْحِ هَذِهِ

الْمَسْأَلَةِ كَافٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَدَلُ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ) ش: يَعْنِي إذَا نَقَصَ الطَّعَامُ الْمَحْمُولُ بِبَيْعٍ، أَوْ أَكْلٍ فَأَرَادَ رَبُّهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ، فَعَلَيْهِ حَمْلُ الْوَزْنِ الْأَوَّلِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَعَكْسُهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ فَأَصَابَهُ مَطَرٌ حَتَّى زَادَ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حَمْلُ الْوَزْنِ الْأَوَّلِ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَانْظُرْهُ فِي ابْنِ يُونُسَ. ص (وَتَوْفِيرُهُ) ش: بِالْفَاءِ كَذَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ ص (وَهُوَ أَمِينٌ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى مَاعُونًا، أَوْ غَيْرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي هَلَاكِهِ بِيَدِهِ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ: مُصَدَّقٌ يُرِيدُ، وَيَحْلِفُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا لَقَدْ ضَاعَ، وَلَا فَرَّطْت، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ

مسألة لزوم أجرة المثل بالإجارة الفاسدة

مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَحْلِفُ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ مَا فَرَّطَ انْتَهَى. (فَرْعٌ:) وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي رَدِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فَانْظُرْهُ وَانْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَخْ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُسْتَأْجِرُ أَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً بِعِوَضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي تَلَفِ الذَّاتِ الَّتِي قَبَضَهَا لِاسْتِيفَاءِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الذَّاتُ مِنْ نَوْعِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ، أَوْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْجَفْنَةِ، أَوْ لَا. هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُجُودَ الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ لَمْ يُثْبِتْهُ عُمُومًا كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ، بَلْ هُوَ مَقْصُورٌ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا يُغَابُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي إجَارَةِ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ فُسْطَاطًا، أَوْ بِسَاطًا أَوْ غَرَائِرَ، أَوْ آنِيَةً إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى حِينَ رَجَعَ ضَيَاعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْبُدَاءَةِ صُدِّقَ فِي الضَّيَاعِ وَلَزِمَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَقْتِ الضَّيَاعِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ قَوْمٌ فِي سَفَرِهِ فَشَهِدُوا أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ بِضَيَاعِ ذَلِكَ، وَطَلَبَهُ بِمَحْضَرِهِمْ حَلَفَ، وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ حِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَحُكْمُ اكْتِرَاءِ الْعُرُوضِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حُكْمُ بَيْعِ الثُّنْيَا يُفْسَخُ الْكِرَاءُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُكْتَرِي بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ، فَإِنْ فَاتَ الْكِرَاءُ كَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي الْأَكْثَرُ مِنْ الْكِرَاءِ الْمُسَمَّى، أَوْ كِرَاءُ الْمِثْلِ عَلَى غَيْرِ شَرْطِ الضَّمَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِالضَّمَانِ: إنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَيُرَدُّ إلَى كِرَاءِ مِثْلِهِ مِمَّا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَظَاهِرُهُ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ أَقَلَّ وَمَعْنَاهُ إنْ فَاتَ الْكِرَاءُ، وَأَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ فَوْتِهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْمُكْرِي الشَّرْطَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ خِلَافُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ اهـ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَمِينٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِكَسْرِ الْجِيمِ، فَيَكُونُ أَشَارَ إلَى هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ شَرَطَ إثْبَاتَهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ الْمَيِّتِ، وَيَكُونُ مُشِيرًا بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرُّعَاةِ إلَّا فِيمَا تَعَدَّوْا فِيهِ، أَوْ فَرَّطُوا فِي جَمِيعِ مَا رَعَوْهُ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ لِأُنَاسٍ شَتَّى، أَوْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا اشْتَرَطَ عَلَى الرَّاعِي الضَّمَانَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بِغَيْرِ ضَمَانٍ نَافَ عَلَى التَّسْمِيَةِ، أَوْ نَقَصَ قَالَ غَيْرُهُ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ التَّسْمِيَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَالَ: وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا إنْ شَرَطُوا عَلَى الرَّاعِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ مَا مَاتَ مِنْهَا ضَمِنَ فَلَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ مِمَّنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِيمَا تَلِفَ، أَوْ ضَلَّ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ، وَلَا تَعَدَّى، وَلَا دَلَّسَ وَيَضْمَنُ إنْ فَرَّطَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ نَامَ مَغْلُوبًا فِي إبَّانِ النَّوْمِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُنْكَرُ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا رَعَى انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ شَرَطَ إلَى آخِرِهِ صَحِيحٌ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ إلَّا أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِفَسَادِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ لُزُومُ أُجْرَة الْمِثْلِ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] (مَسْأَلَةٌ:) قَالَ فِي الْإِرْشَادِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: وَتَلْزَمُ بِالْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ عِنْدَ الْفَوَاتِ بِمَا تَفُوتُ بِهِ مِنْ انْقِضَاءِ الْعَمَلِ وَنَحْوِهِ نَعَمْ وَكُلُّ مَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُفِيتُ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ يُحْكَمُ بِالْمُسَمَّى فَقَطْ لِشَبَهِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ تَسْقُطُ لِانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ فَانْظُرْ ذَلِكَ كُلَّهُ انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ ادَّعَى الرَّاعِي أَنَّ بَعْضَ الْغَنَمِ لَهُ] (مَسْأَلَةٌ:) قَالَ فِي الطُّرَرِ: وَإِذَا ادَّعَى الرَّاعِي أَنَّ بَعْضَ الْغَنَمِ لَهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِسَبَبٍ يَدُلُّ

مسألة قال الصانع هذا متاع فلان وقال فلان ليس هو لي

عَلَى صِدْقِهِ فَيَحْلِفُ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ الصَّانِعُ هَذَا مَتَاعُ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ لَيْسَ هُوَ لِي] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ الصَّانِعُ: هَذَا مَتَاعُ فُلَانٍ، وَقَالَ فُلَانٌ: لَيْسَ هُوَ لِي فَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّانِعِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: إذَا احْتَرَقَ الْخُبْزُ فِي الْفُرْنِ فَقَالَ الْفَرَّانُ: هُوَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ صَاحِبُهُ: لَيْسَ هُوَ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْفَرَّانِ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ اللَّخْمِيِّ مَا مَضْمُونُهُ: إنْ كَانَ مَا يَعْمَلُ لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فَانْظُرْهُ وَأَظُنُّهُ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ وَثِيقَةٍ بِاسْتِئْجَارِ جَمَاعَةٍ لِرِعَايَةِ غَنَمٍ: لَا يُجْبَرُ أَهْلُ الْأَفْرَانِ وَأَهْلُ الْأَزْحَاءِ وَأَهْلُ الْحَمَّامَاتِ عَلَى طَبْخٍ، وَلَا طَحْنٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الصُّنَّاعُ كُلُّهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِطُلَيْطُلَةَ عَلَى جَبْرِ الْفَرَّانِ عَلَى طَبْخِ خُبْزِ جَارِهِ إذَا امْتَنَعَ بِمِثْلِ مَا يُطْبَخُ بِهِ خُبْزُ مِثْلِهِ انْتَهَى. ص (وَأَجِيرٌ لِصَانِعٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَجِيرَ الَّذِي يَعْمَلُ عِنْدَ الصَّانِعِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عَلَى الصَّانِعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ: وَيَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا أَفْسَدَ أَجِيرُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُفَرِّطَ انْتَهَى. ص (وَسِمْسَارٌ ظَهَرَ خَيْرُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) ش: هَذَا إذَا ادَّعَى ضَيَاعَ الْمَتَاعِ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَالرَّجُلُ يُنْكِرُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَنَصُّهُ: وَأَمَّا السِّمْسَارُ يَدَّعِي بَيْعَ السِّلْعَةِ مِنْ رَجُلٍ عَيَّنَهُ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ ضَامِنٌ لِتَرْكِهِ الْإِشْهَادَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ السِّلْعَةَ عَلَى رَبِّهَا إذَا دَفَعَهَا إلَى الْمُبْتَاعِ، وَلَمْ يَتَوَثَّقْ عَلَيْهِ بِالْإِشْهَادِ، وَلَا يُرَاعَى فِي هَذَا الْعُرْفُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُرَاعَى فِيهَا ذَلِكَ لِافْتِرَاقِ مَعَانِيهَا انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ، وَانْظُرْ أَوَّلَ الْإِجَارَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْبُرْزُلِيِّ وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي آخِرِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ، فَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ. ص (أَوْ أَنْزَى بِلَا إذْنٍ) ش:

فَرْعٌ:) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ اسْتِئْجَارِ رَاعٍ لِغَنَمٍ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّا كَسَرَ الرَّاعِي مِنْ الْغَنَمِ قَالَ أَمَّا مَا كَسَرَهُ بِالْعَصَا حِينَ يَذُودُهَا بِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا كَسَرَهُ بِالْحِجَارَةِ، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَدِّي انْتَهَى. (فَرْعٌ:) قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فِي الْمُؤَلَّفَة لِابْنِ لُبَابَةَ إذَا عَقَرَ الرَّاعِي مِنْ الْغَنَمِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً، وَلَمْ يُضَمِّنْهُ صَاحِبُ الْغَنَمِ وَأَمْضَاهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَرَضِيَ لَمْ يَضْمَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (أَوْ صَانِعٌ فِي مَصْنُوعِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: تَلِفَ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ سَارِقًا سَرَقَهُ (فَرْعٌ:) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ فِي الْكَافِي: فِي الصَّانِعِ تَضِيعُ عِنْدَهُ السِّلْعَةُ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا، ثُمَّ تُوجَدُ أَنَّهَا لِلصَّانِعِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ عَبْدَهُ فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ وُجِدَ الْعَبْدُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى: هُوَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ صَحِيحًا كَانَ، أَوْ مَعِيبًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ عِنْدَهُ قَدْ أَخْفَاهُ، فَيَكُونُ لِرَبِّهِ، وَفِي التَّهْذِيبِ فِي الْمُكْتَرِي يَتَعَدَّى عَلَى الدَّابَّةِ فَتَضِلَّ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا، ثُمَّ تُوجَدُ هِيَ لِلْمُكْتَرِي انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ رُشْدٍ: وَالضَّمَانُ بِسَبَبِ الصَّنْعَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغْرِيرٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤَةِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ وَالثَّوْبِ عِنْدَ الصَّبَّاغِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهَا أَوْ أَخَذَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ مَأْخَذِهَا وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ:) تَضْمِينُ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ مَالِكًا كَثِيرًا مَا يَبْنِي مَذْهَبَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ يُقْتَلُ ثُلُثُ الْعَامَّةِ لِمَصْلَحَةِ الثُّلُثَيْنِ الْمَازِرِيُّ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ التَّوْضِيحِ وَلَكِنَّهُ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَانْظُرْ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمَحْصُولِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بِكَلَامٍ حَسَنٍ، وَأَنْكَرَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ إنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي شَرِكَةِ الْأَبَدَانِ فِيمَا إذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ: وَلَوْ أَجَّرَ رَجُلَانِ أَنْفُسَهَا بِعَمَلِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنْ يُوَفِّيَ عَمَلَ الْآخِرِ، وَلَيْسَ كَالْأَوَّلِ يَعْنِي شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أُولَئِكَ مُتَفَاوِضَانِ فَلَزِمَ أَحَدَهُمَا مَا لَزِمَ الْآخِرَ انْتَهَى. يَعْنِي مُتَفَاوِضَيْنِ فِي الْعَمَلِ كَالْمُتَفَاوِضِينَ فِي الْمَالِ (فَرْعٌ:) قَالَ: وَقَبْلَهُ: إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلِ رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ رَجُلٌ آخَرُ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ، أَوْ غَابَ اهـ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَجَّرْت رَجُلَيْنِ عَلَى حَفْرِ بِئْرِ كَذَا فَحَفَرَا بَعْضَهَا، ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَأَتَمَّهَا الْآخَرُ فَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا، وَيُقَالُ لِلْمَرِيضِ أَرْضُ الْحَافِرِ مِنْ حَقِّكَ، فَإِنْ أَبَى لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ

وَالْحَافِرُ مُتَطَوِّعٌ لَهُ انْتَهَى. ص (إنْ نَصَبَ نَفْسَهُ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ الْمُنْتَصِبُ مَنْ أَقَامَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الصَّنْعَةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا كَانَ بِسُوقِهَا، أَوْ دَارِهِ وَغَيْرِ الْمُنْتَصِبِ لَهَا مَنْ لَمْ يُقِمْ نَفْسَهُ لَهَا، وَلَا مِنْهَا مَعَاشُهُ (قُلْت:) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ انْتِصَابُهُ لِجَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ وَنَصَّ عِيَاضٌ عَلَى أَنَّ الْخَاصَّ بِجَمَاعَةٍ دُونَ غَيْرِهِمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَحْوُ لَفْظِ اللَّخْمِيِّ سَمَاعُ عِيسَى: لَا ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ حَتَّى يَنْصِبَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ الصَّقَلِّيُّ إثْرَ سَمَاعِ عِيسَى قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَمَلُهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَلَوْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا صَارَ صَانِعًا فَيَضْمَنُ، وَحَكَى أَنَّهُ مَنْصُوصٌ لِلْمُتَقَدِّمِينَ (قُلْت:) فَفِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ نَصْبِ نَفْسِهِ أَوْ بِقَيْدِ عُمُومِهِ لِلنَّاسِ قَوْلَانِ الظَّاهِرُ سَمَاعُ عِيسَى مَعَ بَعْضِ شُيُوخِهِ الصَّقَلِّيُّ وَطَرِيقُ عِيَاضٍ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ ص (وَغَابَ عَلَيْهَا) ش: يُرِيدُ فِي بَيْتِهِ فَشَمِلَ شَرْطَيْنِ: الْأَوَّلَ أَنْ لَا يَكُونَ عَمَلُهُ فِي بَيْتِ رَبِّ

فرع أصاب الأجير في البناء مطر في بعض اليوم منعه من البناء في وقت المطر

السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ جَلَسَ مَعَهُ رَبُّهَا أَمْ لَا؟ عَمِلَ بِأَجْرٍ أَمْ لَا؟ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ رَبُّهُ مُلَازِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ) ش قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا إذَا جَاءَهُ بِالشَّاةِ مَنْحُورَةً، أَوْ بِثَمَنِهَا، أَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سُرِقَتْ مِنْهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَأَمَّا لَوْ أَكَلَهَا فَلَا يُصَدَّقُ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي الْكَافِي، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَإِنْ أَتَى بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ قَالَ: خَشِيت عَلَيْهَا الْمَوْتَ صُدِّقَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ سُرِقَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ وَضَمِنَهُ غَيْرُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يُصَدَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِيَمِينٍ أَمْ لَا ص (لَا بِهِ إلَّا صَبِيَّ تَعْلِيمٍ وَرَضَاعٍ وَفَرَسَ نَزْوٍ وَرَوْضٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ الْحَقُّ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ مَسَائِلَ، وَهِيَ: أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَلَى أَنْ يَحْصُدَ أَرْضَهُ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ يَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا، ثُمَّ حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْخَيَّاطُ وَالْحَائِكُ يُدْفَعُ إلَيْهِ ثَوْبٌ لِيَعْمَلَهُ لِلِّبَاسِ لَا لِلتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ، وَالطَّبِيبُ يُوَافِقُ عَلَى مُعَافَاةِ الْعَلِيلِ مُدَّةً فَيَمُوتُ قَبْلَهَا وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَى الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ لِيَضَعَ فِيهَا شَيْئًا فَهَلَكَتْ وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ تَعَذُّرُ الْخَلْفِ غَالِبًا انْتَهَى. ، وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ [فَرْعٌ أَصَابَ الْأَجِيرَ فِي الْبِنَاءِ مَطَرٌ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ مَنَعَهُ مِنْ الْبِنَاءِ فِي وَقْت الْمَطَر] (فَرْعٌ:) قَالَ فِي مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ: سُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إذَا أَصَابَ الْأَجِيرَ فِي الْبِنَاءِ مَطَرٌ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ مَنَعَهُ مِنْ الْبِنَاءِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ قَالَ: فَلَهُ بِحِسَابِ مَا مَضَى، وَيُفْسَخُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ، وَمِثْلُهُ لِسَحْنُونٍ وَلِغَيْرِهِ يَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ

لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَأْتِ مِنْ قِبَلِهِ انْتَهَى. ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي وَثَائِقِهِ: إنْ مَنَعَ أَجِيرَ الْبِنَاءِ، أَوْ الْحَصْدِ، أَوْ عَمَلٍ مَا مَطَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ مِنْ النَّهَارِ، وَأَجِيرُهُ لَهُ كُلُّ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ فِي نَوَازِلَ وَقَعَتْ فِي بَلَدِنَا بِتُونُسَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ وَنُزُولِ الْخَوْفِ انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ ص (وَسِنٌّ لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ: وَتَنْفَسِخُ بِمَنْعِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا كَسُكُونِ أَلَمِ السِّنِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى قَلْعِهَا أَوْ عَفْوٍ عَنْ الْقِصَاصِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: هَذَا إذَا كَانَ الْعَفْوُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَانْظُرْ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي ذَهَابِ أَلَمِهِ؟ وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ، وَفِي يَمِينِهِ مَعَ ذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا كَأَيْمَانِ التُّهَمِ انْتَهَى. ص (وَحَمْلُ ظِئْرٍ) ش: أَيْ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِحَمْلِ الظِّئْرِ أَيْ الْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ لَبَنِهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: وَإِذَا حَمَلَتْ الظِّئْرُ فَخِيفَ عَلَى الْوَلَدِ فَلَهُمْ فَسْخُ

الْإِجَارَةِ انْتَهَى. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: فَإِنْ قُلْت: كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: إذَا خِيفَ وَالْمُؤَلِّفُ أَطْلَقَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ فِيهَا فَلَهُمْ الْفَسْخُ وَالْمُصَنِّفُ جَزَمَ. (قُلْت:) قَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْغِيلَةَ مَضْمُونَةٌ بِالْحَمْلِ فَأَحَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْخَوْفِ إشَارَةً إلَى الْعِلَّةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ إشَارَةً إلَى الْمَظِنَّةِ مَعَ أَنَّكَ إذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت الْخَوْفَ عَلَى الْوَلَدِ مَقْطُوعًا بِهِ عِنْدَ الْحَمْلِ، وَاَلَّذِي قَدْ يَكُونُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ إنَّمَا هُوَ حُصُولُ الضَّرَرِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَالظَّاهِرُ وُرُودُهُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْتَهَى. (قُلْت) قَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَلِزَوْجِهَا فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ كَأَهْلِ الطِّفْلِ إذَا حَمَلَتْ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ إنْ خِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَوْتُ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْفَسْخُ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ غَيْرُ الْمَوْتِ فَلَهُمْ تَرْكُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا يَكُونُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الضَّرَرِ، وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ الضَّرَرُ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْفَسْخُ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالْفَسْخِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي كَلَامِهِ عَلَى تَحَتُّمِ الْفَسْخِ بَلْ أَكْثَرُ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَا يَتَحَتَّمُ فِيهَا الْفَسْخُ نَعَمْ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَكْرَارِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ جَمْعَ النَّظَائِرِ الَّتِي تُفْسَخُ فِيهَا الْإِجَارَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ اسْتِيفَاءٌ لَهَا، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِرُشْدِ صَغِيرٍ عُقِدَ عَلَيْهِ) ش: عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: فَاحْتَلَمَ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشُّرَّاحُ بِأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا؛ إذْ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاحْتِلَامِ فِي الْمَحْجُورِ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ. ص (وَبِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ آجَرَ، وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا عَلَى الْأَصَحِّ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إذَا مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ: مِنْ أَرْبَابِ الْوَقْفِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ قَبْلَ تَقَضِّي مُدَّتِهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَاقِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ بِالْإِجَارَةِ مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَقِيلَ: إذَا أَكْرَى مُدَّةً يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَيْهَا لَزِمَ بَاقِيهَا انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ الثَّانِيَ لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ، وَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ هَارُونَ، وَلَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ أَقْوَالِ الشُّيُوخِ: نَفْيُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ فَتُّوحٍ أَنَّهُ يُنْقَضُ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي الْإِرْشَاد فِي بَابِ الْوَقْفِ: وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآيِلِ إلَيْهِ الْوَقْفُ لَا الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِهِ نَاقِلًا عَنْ شَرْحِ مُؤَلِّفِهِ الْمُعْتَمَدِ مَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ الْأُجْرَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى بَطْنٍ بَعْدَ بَطْنٍ فَآجَرَ الْبَطْنَ الْأَعْلَى، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ انْتَقَلَ بِالْمَوْتِ لِلْبَطْنِ الْآخَرِ مِمَّنْ يَرْجِعُ إلَيْهِ الْوَقْفُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَوْتِ النَّاظِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ انْتَهَى. ص (أَوْ خُلْفُ رَبِّ دَابَّةٍ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَحَجٍّ) ش: وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَأَى أَنَّ فِي الصَّبْرِ ضَرَرًا فَسَخَ الْكِرَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ لَمْ يَفْسَخْ نَقَلَهُ

ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ غَابَ كِرَى مَضْمُونٍ وَوُجِدَ لَهُ مِثْلُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ مُكْتَرِيهِ إلَّا بِالْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، وَلَهُ مَا يُكْرَى بِهِ عَلَيْهِ أَكْرَى عَلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَضَاعَ الْمُكْتَرَى بِسَلَفِهِ جَازَ إنْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَفِي صِحَّةِ سَلَفِهِ لِذَلِكَ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ وَرَجَّحَ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلَ بِالْقِيَاسِ الْأَحْرَوِيِّ عَلَى مَنْعِ غُرَمَاءِ مُفْلِسٍ طَاعَ بِرَدِّ مَا ابْتَاعَهُ لِبَائِعِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ ثَمَنِهِ بِسَلَفِهِمْ إيَّاهُ الثَّمَنَ لِرِبْحٍ فِيهِ انْتَهَى. صِ (أَوْ فِسْقُ مُسْتَأْجِرٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا ظَهَرَ مِنْ مُكْتَرِي الدَّارِ دَعَارَةٌ وَخَلَاعَةٌ وَفِسْقٌ وَشُرْبُ خَمْرٍ لَمْ يُنْقَضْ الْكِرَاءُ وَلَكِنَّ الْإِمَامَ يَمْنَعُهُ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنْ الْجِيرَانِ، وَعَنْ رَبِّ الدَّارِ، وَإِنْ رَأَى إخْرَاجَهُ أَخْرَجَهُ، وَأَكْرَاهَا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ مَنْ اكْتَرَى دَارًا، وَلَهُ جِيرَانُ سُوءٍ فَلَهُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا جِيرَانُ سُوءٍ: إنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ قَالَ الشَّاعِرُ: يَقُولُونَ لِي بِعْت الدِّيَارَ رَخِيصَةً ... وَلَا أَنْتَ مَدْيُونٌ وَلَا أَنْتَ مُفْلِسُ فَقُلْت لَهُمْ كُفُّوا الْمَلَامَةَ وَاقْصُرُوا ... بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي فَاسِقٍ ذِي دَارٍ بَيْنَ النَّاسِ يُعَاقِبُهُ السُّلْطَانُ وَيَمْنَعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ بِيعَتْ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِعُقُوبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أُكْرِيَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ إذَايَتِهِ لِإِتْيَانِهِ إلَيْهَا بِيعَتْ عَلَيْهِ وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنُ الْقَاسِمِ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ قَالَ مَالِكٌ فِي فَاسِقٍ يَأْوِي إلَيْهِ أَهْلُ الْفِسْقِ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَتُخَارَجُ عَلَيْهِ الدَّارُ وَالْبُيُوتُ، وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَتُوبُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أُخْرِجَ وَأُكْرِيَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ يُبَاعُ عَلَيْهِ خِلَافُ هَذَا السَّمَاعِ وَقَوْلُهُ فِيهَا أَصَحُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ رَجَاءِ تَوْبَتِهِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ لَهُ إلَّا بِكِرَاءٍ أُكْرِيَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ كِرَاؤُهُ ابْنُ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْكِرَاءِ مَضَرَّةٌ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَيُحْتَمَل حَمْلُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَنْ لَا تَرْتَفِعُ مَضَرَّةُ فِسْقِهِ إلَّا بِرَفْعِ مِلْكِهِ وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَنْ تَرْتَفِعُ مَضَرَّتُهُ بِمُجَرَّدِ كِرَائِهَا عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ: أَرَى أَنْ يُحَرَّقَ بَيْتُ الْخَمَّارِ قَالَ

فصل كراء الدواب

وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَسْتَحِبُّ حَرْقَ بَيْتِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَبِيعُ الْخَمْرَ قِيلَ لَهُ فَالنَّصْرَانِيُّ يَبِيعُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَحْرَقْتُ بَيْتَهُ قَالَ وَحَدَّثَنِي اللَّيْثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَحْرَقَ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الْخَمْرَ، وَقَالَ: أَنْتَ فُوَيْسِقٌ لَا رُوَيْشِدٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ كِرَاءُ الدَّوَابِّ] ص (أَوْ لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ أَوْ لِيَطْحَنَ بِهَا شَهْرًا) ش: شَهْرًا قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. ص (وَلَمْ يَلْزَمْ الْفَادِحُ) ش: قَالَ عِيَاضٌ: الْفَادِحُ مِنْ الرِّجَالِ وَالْأَحْمَالِ الْعِظَامُ الثِّقَالُ الَّتِي تُهْلِكُ الدَّوَابَّ انْتَهَى. ص (وَبَيْعُهَا وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهَا الثَّلَاثَةَ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ مَعْلُومَةً قَرِيبَةً وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَكِرَاءُ دَابَّةٍ شَهْرًا إنْ لَمْ يَنْقُدْ) ش: قَوْلُهُ: دَابَّةٍ يُرِيدُ مُعَيَّنَةً وَقَوْلُهُ: شَهْرًا يَعْنِي يَكْتَرِيهَا

وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُعَيَّنَةَ إذَا لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، وَمَا قَرُبَ جَازَ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ جَازَ مَا لَمْ يَنْقُدْ اهـ. ص (وَإِقَالَةٌ بِزِيَادَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ وَبَعْدَهُ إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقَالَةُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَتَجُوزُ بِزِيَادَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْغَيْبَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكْتَرِي وَالْمُكْرِي وَيُرِيدُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُعَجَّلَةً، وَقَدْ اسْتَوْفَى أَقْسَامَهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ. ص (وَاشْتِرَاطُ هَدِيَّةِ مَكَّةَ إنْ عُرِفَ) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (فَائِدَةٌ:) قَالَ بَعْدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَجَازَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَحْمِلَ فِي غَيْبَتِهِ ثَوْبًا، أَوْ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُخْبِرُ بِذَلِكَ الْحَمَّالَ، وَهُوَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، وَلَوْ بَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَوَزْنَهَا كَانَ أَحْسَنُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا اشْتِرَاطَ إنْ مَاتَتْ مُعَيَّنَةً أَتَاهُ بِغَيْرِهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ فِي الْمُعَيَّنَةِ إنْ مَاتَتْ أَتَاهُ بِغَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ انْتَهَى.

ص (أَوْ عَطِبَتْ بِزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ أَوْ حِمْلٍ تَعْطَبُ بِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا عَطِبَتْ بِزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّا تَعْطَبُ الدَّابَّةُ فِي مِثْلِهَا أَمْ لَا، وَكَذَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ إذَا عَطِبَتْ بِسَبَبِ زِيَادَةٍ فِي الْحِمْلِ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّا تَعْطَبُ الدَّابَّةُ بِمِثْلِهَا (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ:) قَوْلُهُ: أَوْ عَطِبَتْ بِزِيَادَةِ مَسَافَةٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى الْمَسَافَةِ الَّتِي اكْتَرَى إلَيْهَا يَضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ اكْتَرَى ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، وَلَا يُعْتَبَرُ قَدْرُ الرُّجُوعِ مِمَّا زَادَ عَلَى الْمَسَافَةِ كَمَا تَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ إنَّهُ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْمَسَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ قَدْرَ الرُّجُوعِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَاهَا إلَى بَلَدٍ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ يَوْمَ وُصُولِهِ إلَى الْبَلَدِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْتَرِي، وَلِرَبِّهَا نِصْفُ الْكِرَاءِ فَقَطْ، وَإِنْ جَاوَزَهَا فَلِرَبِّهَا أَخْذُ قِيمَتِهَا يَوْمَ تَعَدِّيهِ مَعَ كِرَائِهَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دَابَّتَهُ وَكِرَاءَ مَا تَعَدَّى فِيهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ مَعَ كِرَاءِ الْأَوَّلِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْآتِيَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَحْبِسَهَا كَثِيرًا. (الثَّانِي:) قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ ضَمِنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعْنَاهُ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا، أَوْ يَأْخُذَ الْكِرَاءَ الْأَوَّلَ وَكِرَاءَ الزِّيَادَةِ (الثَّالِثُ:) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّعَدِّيَ فِي زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ مِنْ التَّعَدِّي فِي زِيَادَةِ الْحِمْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا تَعَدَّى بِزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ يُخَيَّرُ رَبُّ الدَّابَّةِ فِي أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعَدِّي مَعَ كِرَائِهِ الْأَوَّلِ أَوْ يَأْخُذَ كِرَاءَهُ الْأَوَّلَ مَعَ كِرَاءِ مِثْلِ مَا تَعَدَّى، وَأَمَّا إذَا تَعَدَّى بِزِيَادَةِ الْحِمْلِ فَإِنَّ رَبَّهَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَ مِثْلِ مَا زَادَ عَلَى الدَّابَّةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ قِيمَةَ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي، وَلَا كِرَاءَ لَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: وَإِذَا زَادَ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْحِمْلِ الَّذِي شُرِطَ فَعَطِبَتْ، فَإِنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ خُيِّرَ رَبُّهَا فِي أَخْذِ الْمُكْتَرِي بِقِيمَةِ كِرَاءِ مَا زَادَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْحِمْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي، وَلَا كِرَاءَ لَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْمَسَافَةِ، وَإِنْ زَادَ بَعْدَ أَنْ سَارَ نِصْفَ الطَّرِيقِ وَاخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَلَهُ قِيمَةُ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي وَنِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ فِي ثُلُثِ الطَّرِيقِ، أَوْ رُبُعِهِ ثُلُثُ الْكِرَاءِ، أَوْ رُبْعُهُ مَعَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: وَإِذَا بَلَغَ الْمُكْتَرِي الْغَايَةَ الَّتِي اكْتَرَى إلَيْهَا، ثُمَّ زَادَ مِيلًا فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهُ الْأَوَّلُ وَالْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَةِ كِرَاءِ الْمِيلِ الزَّائِدِ مَا بَلَغَ، أَوْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَالْكِرَاءُ) ش: أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي الْحِمْلِ مِمَّا تَعْطَبُ الدَّابَّةُ بِمِثْلِهَا فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ إلَّا كِرَاءُ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَعْنِي أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَسَافَةِ وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْحِمْلِ فَفِي

فصل كراء حمام ودار غائبة

زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ يَضْمَنُ إذَا عَطِبَتْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّا تَعْطَبُ بِمِثْلِهَا أَمْ لَا، وَفِي زِيَادَةِ الْحِمْلِ لَا يَضْمَنُهَا إذَا عَطِبَتْ إلَّا إذَا زَادَ زِيَادَةً تَعْطَبُ بِمِثْلِهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعَدِّيَ بِزِيَادَةِ الْحِمْلِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَمْ تَعْطَبْ بِمِثْلِهِ مُسْتَنِدٌ إلَى إذْنٍ وَتَعَدٍّ فَالْإِذْنُ فِي الْحِمْلِ الْمُعْتَادِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْيَسِيرِ إنَّمَا هُوَ تَعَدٍّ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) الشَّعْبِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إذَا حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُكْتَرَاةِ إلَى مَوْضِعٍ أَقَلَّ مِنْ الشَّرْطِ غَلَطًا مِنْهُ حَتَّى وَصَلَ، فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ كَامِلًا؛ إذْ لَوْ شَاءَ لَتَثَبَّتَ فِي حَمْلِ الْجَمِيعِ انْتَهَى. ص (كَأَنْ لَمْ تَعْطَبْ) ش: يَعْنِي أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا لَمْ تَعْطَبْ فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ إلَّا كِرَاءُ مَا زَادَ مِنْ الْحِمْلِ أَوْ الْمَسَافَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ تَعْطَبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ ص (إلَّا أَنْ يَحْسِبَهَا كَثِيرًا فَلَهُ كِرَاءُ الزِّيَادَةِ وَقِيمَتُهَا) ش: وَيُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً مِنْ مِصْرَ إلَى بَرْقَةَ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا إلَى مِصْرَ فَتَمَادَى إلَى إفْرِيقِيَّةَ وَعَادَ إلَى مِصْرَ فَرَبُّ الدَّابَّةِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ قِيمَةِ كِرَائِهَا مِنْ بَرْقَةَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا إلَى بَرْقَةَ مَا بَلَغَ مَعَ كِرَائِهِ الْأَوَّلِ، أَوْ نِصْفِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ مَعَ قِيمَتِهَا بِبَرْقَةَ يَوْمَ التَّعَدِّي رَدُّهَا بِحَالِهَا، أَوْ بِغَيْرِ حَالِهَا؛ لِأَنَّ سُوقَهَا قَدْ تَغَيَّرَ، وَقَدْ حَبَسَهَا الْمُكْتَرِي عَنْ نَفْعِهِ بِهَا، وَعَنْ أَسْوَاقِهَا انْتَهَى. ص (وَلَكَ فَسْخُ عَضُوضٍ أَوْ جَمُوحٍ، أَوْ أَعْشَى، أَوْ دَبِرَةٍ فَاحِشًا) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَكَ فَسْخُ كِرَاءِ عَضُوضٍ وَأَعْشَى وَعُثُورٍ وَجَمُوحٍ وَذِي دَبَرَةٍ فَاحِشَةٍ وَقَيَّدَ إنْ كَانَ بِمُسْتَعْتَبٍ، وَإِلَّا تَمَادَى وَحُطَّ عَنْهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى وَصَلَ انْتَهَى. وَالْأَعْشَى هُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ، وَالْجَمُوحُ الْقَوِيُّ الرَّأْسِ الَّذِي لَا يُقَادُ إلَّا بِعُسْرٍ، وَالْعَضُوضُ الَّذِي يَعَضُّ مَنْ يَقْرَبُ مِنْهُ، وَالدَّبَرُ الْعَقْرُ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ظُهُورِ الْإِبِلِ قَالَهُ بَهْرَامُ ص (كَأَنْ يَطْحَنَ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَوُجِدَ لَا يَطْحَنُ إلَّا إرْدَبًّا) ش: هَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَإِنْ اكْتَرَيْت ثَوْرًا لِتَطْحَنَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدْتَهُ لَا يَطْحَنُ إلَّا إرْدَبًّا فَلَكَ رَدُّهُ، وَعَلَيْكَ فِي الْإِرْدَبِّ نِصْفُ دِرْهَمٍ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَا فِيمَا إذَا قَيَّدَ الْعَمَلَ بِالزَّمَانِ وَتَحَمَّلَ الْعَمَلَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي كِتَابِ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَ وَأَنْ يُتِمَّهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ زَادَ، أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ الْكَيْلَ فَلَا لَكَ، وَلَا عَلَيْكَ) ش: لَوْ جَعَلَ مِنْ تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ مَا بَعْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصَلِّ كِرَاءُ حَمَّامٍ وَدَارٌ غَائِبَةٌ] (فَصْلٌ) جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ. ص (وَدَارٌ غَائِبَةٌ كَبَيْعِهَا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضٍ، أَوْ دَارٍ غَائِبَةٍ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ، أَوْ بَعِيدٍ عَلَى صِفَةٍ، أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَيَنْقُدُهُ كَالْبَيْعِ، ثُمَّ لَا رَدَّ لَهُ إنْ وَجَدَهَا عَلَى الصِّفَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مُنْذُ أَمَدٍ لَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَيَنْقُدُهُ كَالْبَيْعِ قَالَ أَحْمَدُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: وَلَا يَنْقُدُهُ عَلَى صِفَةِ رَبِّهَا، وَإِنَّمَا يَنْقُدُهُ عَلَى صِفَةِ غَيْرِهِ، أَوْ يُرْسِلُ

الْمُكْتَرِي رَسُولًا يُبْصِرُهَا انْتَهَى. ص (أَوْ نِصْفُهَا، أَوْ نِصْفُ عَبْدٍ) ش: قَالَ فِي كِرَاءِ الدُّورِ مِنْهَا: وَتَجُوزُ إجَارَةُ نِصْفِ دَابَّةٍ، أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ يَوْمًا، وَلِلَّذِي لَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ يَوْمًا كَالْبَيْعِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ نِصْفِ دَارٍ أَوْ سُدُسِهَا، أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ كَالشِّرَاءِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَيَسْتَعْمِلُهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا. ص (إنْ مَلَكَ الْبَقِيَّةَ) ش: يَعْنِي إنْ كَانَ الْمُكْتَرِي يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبَيْتِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ إنْ شَاءَ سَكَنَ، وَإِنْ شَاءَ أَسْكَنَ غَيْرَهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا شَهْرًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَكَنَ فِيهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ جَازَ إنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ أَوْ يُكْرِيَهُ إذَا خَرَجَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ عَلَى حَالٍ انْتَهَى. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ إنْ خَرَجْت فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُكْرِيَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَهَا اللَّخْمِيُّ بِزِيَادَةِ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَالْكِرَاءُ لَازِمٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ رَجَعَ الْبَيْتُ لِرَبِّهِ، وَلَا يَحُطُّ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْئًا فَهُوَ فَاسِدٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا سَكَنَ وَفُسِخَ مَتَى أُدْرِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهَا: لَا خَيْرَ فِيهِ أَنَّهُ فَاسِدٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فِي الشَّرْطِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ (الثَّانِي:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْكَرِيِّ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَ كُلِّ يَوْمٍ يَمْضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَكَانَتْ سُنَّةُ الْبَلَدِ النَّقْدَ قَضَى بِهِ انْتَهَى. ص (كَوَجِيبَةٍ) ش: الْوَجِيبَةُ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ

ص (وَأَرْضُ مَطَرٍ عَشْرًا) ش: مُرَادُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَأْمُونَةً، أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَرْضِينَ وَقَوْلُهُ: عَشْرًا ذَكَرَ الْعَشْرَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ يُجَوِّزُ كِرَاءَهَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إنْ لَمْ يُنْقَدْ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضِ الْمَطَرِ عَشْرَ سِنِينَ إنْ لَمْ يُنْقِدْ، فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُنْقَدْ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ النَّقْدُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ انْتَهَى. ، وَقَدْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَمْتَنِعُ النَّقْدُ فِيهَا مَعَ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ وَعَدَّ هَذَا فِيمَا يَمْتَنِعُ النَّقْدُ فِيهِ مَعَ الشَّرْطِ فَقَطْ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ بَهْرَامَ قَالَ هُنَالِكَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالنَّقْدِ جَائِزٌ وَنَصَّ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى. وَفِي: الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَنَصُّهَا فِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ: وَإِنْ أَكْرَيْت مِنْ رَجُلٍ أَرْضَهُ قَابِلًا، وَفِيهَا زَرْعٌ لَهُ، أَوْ لِمُكْتَرِي عَامِهِ جَازَ، فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً كَأَرْضِ النِّيلِ جَازَ النَّقْدُ فِيهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بِشَرْطٍ انْتَهَى. ص (إلَّا الْمَأْمُونَةَ كَالنِّيلِ، وَالْمُعَيَّنَةَ فَيَجُوزُ) ش: أَيْ الْأَرْضَ الْمَأْمُونَةَ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَرْضِ النِّيلِ الْمَأْمُونَةِ الرَّيِّ، وَفِي الْأَرْضِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَاءِ الْمَأْمُونَةِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا بِأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي الْأَرْضِ الْغَالِبِ رَيُّهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ فِيهِ شَيْءٌ فَتَأَمَّلْهُ وَلِلرَّجْرَاجِيِّ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلَاثًا، أَوْ يَزْبُلَهَا) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ مَنْفَعَةٍ فِي الْأَرْضِ كَشَرْطِ نَقْدِ بَعْضِ كِرَائِهَا فِيهَا مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَزْرَعَهَا فِي الْكِرَابِ الرَّابِعِ جَازَ، وَكَذَا عَلَى أَنْ يَزْبُلَهَا بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ الصَّقَلِّيُّ وَغَيْرُهُ يُرِيدُ إنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْكِرَابِ وَالتَّزْبِيلِ مَنْفَعَةٌ تَبْقَى فِي الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَتِمَّ زَرْعُهُ، فَإِنْ نَزَلَ

فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ، وَلَمْ يَتِمَّ زَرْعُهُ نُظِرَ كَمْ يَزِيدُ كِرَاؤُهَا لِزِيَادَةِ مَا اشْتَرَطَ عَلَى مُعْتَادِ حَرْثِهَا، وَهُوَ عِنْدَنَا حَرْثُهُ عَلَى كِرَائِهَا دُونَ مَا اُشْتُرِطَتْ زِيَادَتُهُ عَلَى الْمُعْتَادِ فَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ؛ لِأَنَّهُ كَنَقْدٍ اشْتَرَطَهُ فِيهَا، وَلَوْ تَمَّ زَرْعُهُ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا بِشَرْطِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ فَاسِدٌ قَالَهُ التُّونُسِيُّ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: نُظِرَ كَمْ يَزِيدُ كِرَاؤُهَا إلَخْ يُرِيدُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ أَبُو الْحَسَنِ أَجَازَ هُنَا بَيْعَ الزِّبْلِ فَهُوَ يُنَاقِضُ مَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إنْ كَانَ لِمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَهُوَ مُوَافِقٌ انْتَهَى. ص (وَفِي السَّقْيِ بِالشُّهُورِ إلَى آخِرِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَفِي السَّقْيِ بِتَمَامِهَا، فَإِنْ تَمَّتْ، وَالزَّرْعُ بَاقٍ، وَكَانَ رَبُّهُ يَظُنُّ تَمَامَهُ فَزَادَ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ لَزِمَ رَبَّ الْأَرْضِ تَرْكُهُ لِتَمَامِهِ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا زَادَ، وَقِيلَ: نِسْبَةُ الْمُسَمَّى، وَلَوْ بَعْدَ الْأَمَدِ وَعَلِمَ رَبُّهُ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا قَلْعُهُ، أَوْ تَرْكُهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَكِرَاءِ الْمِثْلِ، وَلَيْسَ لَهُ شِرَاؤُهُ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. ص (أَوْ عَدَمُهُ بَذْرًا أَوْ سَجْنُهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا، فَلَمْ يَجِدْ بَذْرًا، أَوْ سَجَنَهُ سُلْطَانٌ بَاقِي الْمُدَّةِ فَالْكِرَاءُ يَلْزَمُهُ، وَلَا يُعْذَرُ بِهَذَا وَلَكِنْ لِيُكْرِيَهَا إنْ

لَمْ يَقْدِرْ هُوَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ اللَّخْمِيُّ مَحْمَلُ قَوْلِهِ فِي الْبَذْرِ عَلَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ وَحْدَهُ عَجَزَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا، وَلَوْ كَانَتْ شِدَّةٌ، فَلَمْ يَجِدْ أَهْلُ الْمَوْضِعِ بَذْرًا سَقَطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ السُّلْطَانُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِرَاعَتِهَا وَكِرَائِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا طَلَبَهُ السُّلْطَانُ بِأَمْرٍ فَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبَ فِي امْتِنَاعِ حَرْثِهَا كَانَ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا انْتَهَى. ص (أَوْ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ) ش: يُرِيدُ، وَلَمْ يُنْقِصْ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ كِرَائِهَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ص (لَا إنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ، وَإِنْ قَلَّ) ش: يُرِيدُ إذَا قَامَ بِذَلِكَ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ، وَلَمْ يَقُمْ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ: أَنَّ حُكْمَ انْهِدَامِ الْبَيْتِ مِنْهَا كَذَلِكَ لَا شَيْءَ لَهُ إنْ سَكَتَ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُ حُكْمَ بَيْتِ غَيْرِهِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى، وَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ، وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا انْهَدَمَ شَيْءٌ مِنْ الدَّارِ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهَا عَلَى إصْلَاحِهِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى السَّاكِنِ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ، أَوْ يَخْرُجَ، فَإِنْ خَرَجَ، ثُمَّ عَمَرَهَا رَبُّهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا، وَإِنْ عَمَّرَهَا، وَهُوَ فِيهَا لَزِمَهُ بَقِيَّةُ الْكِرَاءِ، وَإِنْ سَكَنَ الدَّارَ مَهْدُومَةً لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي السُّكْنَى فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ، وَيُنْظَرُ إلَى الْمُتَهَدِّمِ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ حُطَّ ذَلِكَ النَّقْصُ إذَا قَامَ بِهِ الْمُكْتَرِي، وَلَمْ يُصْلِحْهُ رَبُّ الدَّارِ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْقِصْ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ شَيْئًا فَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَطِشَ بَعْضُ الْأَرْضِ، أَوْ غَرِقَ فَبِحِصَّتِهِ) ش: قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: تَنْبِيهٌ: وَصِفَةُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِمَا عُهِدَ مِنْ حَالِ هَذِهِ

الْأَرْضِ فِي الْأَعْوَامِ الْمُتَوَسِّطَةِ، فَإِنْ قِيلَ لِلْفَقِيرِ خَمْسَةٌ، أَوْ ثَمَانِيَةٌ نُظِرَ مَا رَفَعَ الْآنَ مِنْهَا وَأَعْطَى مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَخُيِّرَ فِي مُضِرٍّ) ش: اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ وَالرَّجْرَاجِيَّ وَالْجُزُولِيَّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَطَشٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ بَعْدَ الْإِبَّانِ، ثُمَّ ذَهَبَ عَنْ قُرْبٍ بَعْدَ مَا أَفْسَدَ الزَّرْعَ، ثُمَّ لَمْ تُمْطِرْ بَقِيَّةَ السَّنَةِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَفْسُدْ لَمْ يَتِمَّ الزَّرْعُ سَقَطَ كِرَاؤُهَا، وَاخْتُلِفَ إنْ أَذْهَبَهُ السَّيْلُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ، وَقَالَ: يُرِيدُ إنْ أَذْهَبَهُ بَعْدَ الْإِبَّانِ، وَأَرَى إنْ أَذْهَبَ السَّيْلُ وَجْهَ الْأَرْضِ قَبْلَ الْإِبَّانِ، أَوْ بَعْدَهُ أَنْ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فِي وَجْهِهَا، وَهُوَ الْمُكْتَرَى، وَهُوَ الْمَقْصُودُ (قُلْت:) قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ يَدُلُّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَا ثَانِيَ لِمَا ذَكَرَ إلَّا اخْتِيَارُهُ انْتَهَى. ص (وَإِنْ غَارَتْ عَيْنُ مُكْرًى سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهِ أُنْفِقَتْ حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِيهَا لِمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَزَرَعَهَا، ثُمَّ غَارَتْ عَيْنُهَا أَوْ انْهَدَمَتْ بِئْرُهَا، وَأَبَى رَبُّهَا إصْلَاحَهَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حِصَّةَ تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ مِنْ الْكِرَاءِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِهِ مُتَطَوِّعٌ الصَّقَلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ قَبَضَهَا رَبُّهَا غَرِمَهُ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا

فَلِلْمُكْتَرِي إنْفَاقُ قَدْرِهِ، وَيَتْبَعُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ إنْفَاقُ حِصَّتِهَا، وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ حِصَّةِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَقَالَ أَشْهَبُ: لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا، وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ، فَإِنْ أَنَفَقَ مِنْ عِنْدِهِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاؤُهُ كَامِلًا، وَلَا شَيْءَ لِلْمُكْتَرِي فِيمَا أَنْفَقَ إلَّا فِي نَقْصٍ قَائِمٍ مِنْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ يُعْطِيهِ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا، أَوْ يَأْمُرُهُ بِقَلْعِهِ (قُلْت:) يَجْرِي الْحُكْمُ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَرِهَ رَبُّ الْأَرْضِ، أَوْ يَأْمُرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي ذَهَابِ الرَّحَى بِسَيْلٍ، أَوْ قِيمَةَ النَّقْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بِنَاءِ الْمُكْتَرِي بِإِذْنِ رَبِّ الدَّارِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ بَيْتٍ، وَلَوْ بِكِرَاءٍ فَلَا كِرَاءَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ) ش قَالَ فِي كِتَابِ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً، وَهِيَ فِي بَيْتٍ اكْتَرَتْهُ سَنَةً فَدَخَلَ بِهَا فِيهِ، وَسَكَنَا بَاقِيَ الْمُدَّةِ فَلَا كِرَاءَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا لِرَبِّهَا، وَهِيَ كَدَارٍ تَمْلِكُهَا هِيَ إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ لَهُ أَنِّي بِالْكِرَاءِ فَإِمَّا أُدِّيَتْ أَوْ خَرَجَتْ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُ بِهَا فِي مَسْكَنٍ لِأَبِيهَا، أَوْ أُمِّهَا كَانَ كَمَسْكَنِهَا لَا شَيْءَ لَهُمَا عَنْ مُدَّةِ مَا كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا مُشْكِلٌ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ وَالسُّنُونَ، وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ، وَمِثْلُهُ إذَا سَكَنَ عِنْدَ أَبَوَيْهِ، ثُمَّ طَلَبَا الْكِرَاءَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ لَهُمَا عَلَى الْمُكَارَمَةِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ أَنَّهُ وَصَلَّ كِتَابًا) ش: قَالَ فِي كِرَاءِ الدَّوَابِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَجَّرْت رَجُلًا عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ مِنْ مِصْرَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ بِكَذَا فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْصَلْته وَأَكْذَبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّكَ ائْتَمَنْتَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْكَ دَفْعُ كِرَائِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُمُولَةُ كُلُّهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَى الْمُكْرِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَوْفَاهُ حَقَّهُ، وَبَلَّغَهُ غَايَتَهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ بَعْدَ أَنْ أَشْبَهَ فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْفُرُوعِ الْأَرْبَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ ذِمَّتُهُ عَامِرَةً بِمَا دَفَعَ فَصَدِّقْهُ فِي أَدَائِهَا ابْنُ يُونُسَ كَوَكِيلِ الْبَيْعِ يَقُولُ: بِعْت وَيَقُولُ الْمُوَكِّلُ: لَمْ تَبِعْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ؛ لِأَنَّهُ عُرْفٌ عِنْدَهُمْ أَوْ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِطِ أَنْ يُصَدَّقَ فِي قَوْلِهِ: أَوْصَلْتَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ إدْخَالٌ فِي ذِمَّةِ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِ وَانْظُرْ مِثْلَ هَذَا مَا قَالَ فِي كِرَاءِ الدُّورِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّمِ، وَفِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ فِي مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ وَانْظُرْ خِلَافَهَا مَسْأَلَةَ الصُّبْرَةِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَمَسْأَلَةَ الْغَرَائِرِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي، وَانْظُرْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا الرَّسُولُ يَقُولُ: دَفَعْت الْبِضَاعَةَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَفِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ، وَفِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ الْكِتَابِ وَانْظُرْ وَكِيلَ الْبَيْعِ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَفِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَانْظُرْهَا فِي النِّكَاحِ فِي

الْمَرْأَةِ تُوَكِّلُ مَنْ يُزَوِّجُهَا، وَانْظُرْ لَوْ مَاتَ الرَّسُولُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِحَسَبِ مَا سَارَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى تَبْلِيغِ غُلَامٍ إلَى مَوْضِعٍ فَيَأْبَقُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ: إنَّهُ لَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْجُعْلِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الشَّيْخُ وَقَوْلُ الْغَيْرِ بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ انْتَهَى. ص (وَفِي الْأُجْرَةِ إنْ أَشْبَهَ وَجَازَ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَابْنِ غَازِيٍّ وَاضِحٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَالْمَصْنُوعُ لَهُ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَقْدَ يَوْمِ التَّعَاقُدِ، وَالْآخَرُ يَوْمَ الْفَرَاغِ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ: إنَّهُ يَقْضِي بِنَقْدِ يَوْمِ التَّعَاقُدِ، وَنَصُّهُ: فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ تَفْلِيسِ الصُّنَّاعِ، وَإِذَا طَلَبَ الصَّانِعُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَتَاعِ نَقْدَ يَوْمئِذٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا النَّقْدُ الَّذِي كَانَ جَارِيًا يَوْمَ دَفَعَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْمُكْرِي لَهُ نَقْدُ الْبَلَدِ الَّذِي حَمَلَهُ مِنْهُ لَا نَقْدُ الْبَلَدِ الَّذِي حَمَلَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَنْهُ بِبَلَدٍ حُمِلَ إلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَلَا فِي رَدِّهِ فَلِرَبِّهِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَقَرَّ الصَّانِعُ بِقَبْضِ مَتَاعٍ، وَقَالَ: عَمِلْتُهُ وَرَدَدْتُهُ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الرَّدِّ أَبُو الْحَسَنِ زَادَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ابْنُ يُونُسَ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى الرَّدِّ حَلَفَ رَبُّهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ بِغَيْرِ صَنْعَةٍ انْتَهَى. ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَأَنْكَرَ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا حَلَفَ انْتَهَى. ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي آخِرِ الْإِجَارَةِ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ، وَمَنْ آجَرَهُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ عُطْلَتِهِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَفِي قَبُولِ قَوْلِ مَنْ آجَرَهُ إنْ آوَاهُ إلَيْهِ لَيْلَهُ، أَوْ نَهَارَهُ، وَإِلَّا فَالْأَجِيرُ وَعَكْسُهُ ثَالِثُهَا الْأَوَّلُ: فِي الْعَبْدِ، وَفِي الْحُرِّ قَوْلُ الْأَجِيرِ مُطْلَقًا وَرَابِعُهَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ: مُطْلَقًا وَخَامِسُهَا عَكْسُهُ لِابْنِ عَاتٍ عَنْ ابْنِ مُغِيثٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَفَتْوَى الشُّيُوخِ، وَعَنْ اللَّخْمِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَشْهَبَ وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَنْ التُّونُسِيِّ عَنْ أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ ادَّعَاهُ، وَقَالَ: سُرِقَ مِنِّي إلَى قَوْلِهِ حَلَفَا وَاشْتَرَكَا) ش: مَشَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا قَيَّدَ بِهِ صَاحِبُ

النُّكَتِ وَالتُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَجَعَلَ رَبَّ الثَّوْبِ تَارَةً يُرِيدُ أَخْذَهُ وَتَارَةً يُرِيدُ تَضْمِينَ الصُّنَّاعِ قِيمَتَهُ فَقَالَ: إنْ أَرَادَ أَخْذَهُ دَفَعَ قِيمَةَ الصَّبْغِ، ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ حَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الزَّائِدُ عَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ مِنْ التَّسْمِيَةِ الَّتِي ادَّعَى الصَّانِعُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ بِيَمِينٍ إلَى آخِرِهِ، وَقَوْلُهُ: بِيَمِينٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَخَذَهُ بِيَمِينٍ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَعْوَاهُ مُسَاوِيَةً لَهَا، أَوْ أَقَلَّ أَخَذَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ اخْتَارَ رَبُّ الثَّوْبِ تَضْمِينَ الصَّانِعِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّانِعِ: ادْفَعْ لَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ امْتَنَعَ حَلَفَا وَاشْتَرَكَا، وَكَيْفِيَّةُ حَلِفِهِمَا أَنْ يُبْدَأَ بِرَبِّ الثَّوْبِ فَيُقَالَ: احْلِفْ لَهُ أَنَّكَ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ، فَإِذَا حَلَفَ قِيلَ لِلصَّانِعِ: احْلِفْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَكَ، وَإِلَّا ادْفَعْ قِيمَةَ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِرَبِّهِ: ادْفَعْ قِيمَةَ عَمَلِهِ وَخُذْهُ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلصَّانِعِ: ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ غَيْرَ مَعْمُولٍ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ غَيْرَ مَعْمُولٍ، وَهَذَا بِقِيمَةِ عَمَلِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى أَنَّ الصَّانِعَ سَرَقَهُ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّانِعُ مِمَّنْ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ عُوقِبَ رَبُّ الثَّوْبِ، وَإِلَّا لَمْ يُعَاقَبْ انْتَهَى. ص (لَا إنْ تَخَالَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ، وَأَبَى مِنْ دَفْعِ مَا قَالَهُ يَكْرُهُ فَمِثْلُ سَوِيقِهِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ عِيَاضٍ: لَتُّ السَّوِيقِ بِالتَّاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ هُوَ بَلُّهُ بِالسَّمْنِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ الْمُؤَلِّفُ إلَى قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَتَّ سَوِيقًا بِسَمْنٍ، وَقَالَ لِرَبِّهِ أَمَرْتَنِي أَنْ أَلُتَّهُ لَكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ لَهُ: لَمْ آمُرْك أَنْ تَلُتَّهُ قِيلَ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ: إنْ شِئْت فَاغْرَمْ لَهُ مَا قَالَ، وَخُذْ السَّوِيقَ مَلْتُوتًا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّاتِّ: اغْرَمْ لَهُ مِثْلَ سَوِيقَةِ غَيْرَ مَلْتُوتٍ، وَإِلَّا فَأَسْلِمْهُ إلَيْهِ بِلُتَاتِهِ، وَلَا شَيْءَ لَكَ، وَلَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الطَّعَامِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا امْتَنَعَ رَبُّ السَّوِيقِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا لَتَّهُ بِهِ قُضِيَ لَهُ عَلَى اللَّاتِّ بِمِثْلِ سَوِيقِهِ غَيْرَ مَلْتُوتٍ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ مَسْأَلَةُ السَّوِيقِ هَذِهِ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ رَبُّهُ أَوْدَعْتُك إيَّاهُ، أَوْ يَقُولَ: سُرِقَ مِنِّي فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَقَالَ رَبُّهُ: لَمْ آمُرْكَ بِلَتِّهِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَفْظُهُ فِي الْأُمَّهَاتِ، وَنَقَلَهَا عَبْدُ الْحَقِّ بِلَفْظِ: وَقَالَ رَبُّهُ: مَا دَفَعْت إلَيْكَ شَيْئًا عَبْدُ الْحَقِّ فَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الثَّوْبِ: سُرِقَ مِنِّي، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلَ الْغَيْرِ، وَهَلْ هُوَ وِفَاقٌ، أَوْ خِلَافٌ؟ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُؤَلِّفَ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَتَرَكَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِتَرْجِيحِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ اُنْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ وَابْنَ يُونُسَ وَالنُّكَتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ وَلِلْجَمَّالِ بِيَمِينٍ إلَى قَوْلِهِ فَلِمُكْتَرِيهِ بِيَمِينٍ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ قَالَ الْمُكْتَرِي: دَفَعْت الْكِرَاءَ، وَأَكْذَبَهُ الْجَمَّالُ، وَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ إنْ كَانَتْ الْحُمُولَةُ بِيَدِهِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَمَا قَرُبَ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي الْبَيِّنَةُ، وَكَذَلِكَ الْحَاجُّ إنْ قَامَ الْكَرِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ مَا لَمْ يَبْعُدْ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْمُكْتَرِي مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْجَمَّالُ بَيِّنَةً، وَكَذَلِكَ قِيَامُ الصُّنَّاعِ بِحِدْثَانِ رَدِّ الْمَتَاعِ، فَإِنْ قَبَضَ الْمَتَاعَ رَبُّهُ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: وَلَهُ أَيْ لِلْأَجِيرِ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ قِيَامُ الصُّنَّاعِ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَّا لِطُولٍ فَلِمُكْتَرِيهِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَجِيرِ وَالْجَمَّالِ، وَإِطْلَاقُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَى الْمُكْرِي سَائِغٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَالْمُكْتَرِي مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْجَمَّالُ الْبَيِّنَةَ ظَاهِرُهُ: أَنَّ الْجَمَّالَ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَمْ يُقَبِّضْهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ عَلَى إقْرَارِ الْمُكْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَيُقْضَى بِهَا انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَهُ رَاجِعًا لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالدَّارِ

الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ فِي فَصْلِ أَكْرِيَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ أَكْرِيَةِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةٌ فَرَاجِعْهَا ص (وَإِنْ قَالَ: بِمِائَةٍ لَبُرْقَة، وَقَالَ بَلْ لِإِفْرِيقِيَّةَ حَلَفَا وَفُسِخَ إنْ عُلِمَ السَّيْرُ) ش قَالَ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَيَبْدَأُ صَاحِبُ الظَّهْرِ بِالْيَمِينِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ: سَمِعْت شَيْخَنَا يَنْقُلُ عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِفْرِيقِيَّةَ حَيْثُ مَا وَقَعَتْ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَيْرَوَانُ. ص (وَإِنْ قَالَ: أَكْرَيْتُكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ وَبَلَغَاهَا، وَقَالَ بَلْ لِمَكَّةَ بِأَقَلَّ، فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ وَحَلَفَا وَفُسِخَ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَدْ فَلِلْجَمَّالِ فِي الْمَسَافَةِ، وَلِلْمُكْرِي فِي حِصَّتِهَا مِمَّا ذَكَرَ بَعْدَ يَمِينِهِمَا، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا) ش: اعْلَمْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إنَّمَا كَانَ فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي

هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَسَافَةِ، وَفِي قَدْرِ الْكِرَاءِ مَعًا، وَقَدْ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ فِيهَا تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ، فَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الرُّكُوبِ، أَوْ بَعْدَ الرُّكُوبِ بِيَسِيرٍ، أَوْ بَعْدَ رُكُوبٍ كَثِيرٍ اعْتِمَادًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا إذَا تَخَالَفَا قَبْلَ الرُّكُوبِ، أَوْ بَعْدَ الرُّكُوبِ الْيَسِيرِ التَّحَالُفُ وَالتَّفَاسُحُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا بَعْدَ الرُّكُوبِ الْكَثِيرِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَا إذَا بَلَغَا الْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ، وَحَلَفَا فُسِخَ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَا الْمَدِينَةَ يُرِيدُ، أَوْ بَعْدَ السَّيْرِ الْكَثِيرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ النَّقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ انْتَقَدَ الْجَمَّالُ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَالَ الْكَرِيُّ: أَكْرَيْتُكَ إلَى الْمَدِينَةِ بِمِائَتَيْنِ، وَقَدْ بَلَغَاهَا، وَقَالَ الْمُكْتَرِي بَلْ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ، فَإِنْ نَقَدَهُ الْمِائَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ، وَيَحْلِفُ لَهُ الْمُكْتَرِي فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَحْلِفُ الْجَمَّالُ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهِ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُمَا، أَوْ قَوْلُ الْجَمَّالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِيمَا اُنْتُقِدَ مَعَ يَمِينِهِ كَانَ مَا اُنْتُقِدَ كُلَّ الَّذِي اُدُّعِيَ، أَوْ بَعْضَهُ وَيَحْلِفُ لَهُ الْمُكْتَرِي فِيمَا لَمْ يُنْقَدْهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ خِلَافُ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: هَذَا إذَا أَشْبَهَ مَا قَالَاهُ جَمِيعًا، وَأَمَّا إنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي، وَيَكُونُ لَهُ الْمِائَةُ قَالَهُ فِيمَا يَأْتِي إذَا لَمْ يُنْقَدْ فَأَحْرَى إذَا اُنْتُقِدَ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا: وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ عَائِدًا إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي مَسْأَلَةَ الِانْتِقَادِ وَعَدَمِ الِانْتِقَادِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا إذَا أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي فَقَطْ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَتُفَضُّ الْمِائَةُ عَلَى الْمَسَافَتَيْنِ، فَمَا نَابَ الْمَسَافَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا كَانَ لِلْكَرِيِّ، وَمَا نَابَ الْمَسَافَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا رَدَّهُ الْكَرِيُّ عَلَى الْمُكْتَرِي يُرِيدُ بَعْدَ حَلِفِ الْجَمَّالِ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ إنَّمَا كَانَ لِلْمَدِينَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ نَكَلَ الْمُكْتَرِي عَنْ الْيَمِينِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْرِي، وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَكَّنَّهُ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَيَكُونُ لِلْكَرِيِّ فِي الْمَسَافَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا كِرَاءُ الْمِثْلِ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُنْقَدْ هَذَا هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ شِقَّيْ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَا الْمَدِينَةِ يُرِيدُ، أَوْ بَعْدَ السَّيْرِ الْكَثِيرِ وَلَكِنْ لَمْ يُنْتَقَدْ الْكِرَاءُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِي الْمَسَافَةِ، وَلِلْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِمَّا ذَكَرَا بَعْدَ يَمِينِهِمَا، وَهَذَا الْحُكْمُ إذَا أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي وَحْدَهُ، أَوْ أَشْبَهَ قَوْلُهُمَا مَعًا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ صُدِّقَ الْجَمَّالُ فِي الْمَسَافَةِ وَصُدِّقَ الْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، وَيُفَضُّ الْكِرَاءُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمُكْتَرِي، وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: وَذَلِكَ إذَا أَشْبَهَ مَا قَالَا، أَوْ مَا قَالَ الْمُكْتَرِي، وَأَمَّا إنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ انْفَرَدَ الْمُكْتَرِي بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينُهُ وَيُفَضُّ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَى الْمَسَافَتَيْنِ فَمَا نَابَ مَسَافَةَ الْمَدِينَةِ كَانَ لِلْكَرِيِّ، وَمَا نَابَ مَسَافَةَ مَكَّةَ سَقَطَ عَنْ الْمُكْتَرِي، وَيَكُونُ لَهُ الرُّكُوبُ إلَى الْمَدِينَةِ إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ بُلُوغِهَا، وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ مَا ادَّعَاهُ، وَبَقِيَ وَجْهٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَيَكُونُ لِلْكَرِيِّ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِي الْمَسَافَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا قُبِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ:) وَإِذَا اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَقْتَرِعَانِ

مسألة في كراء الرواحل

نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا، وَإِلَّا سَقَطَتَا إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَقْبَلُ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا كَانَتْ عَادِلَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى فَضْلَةً أَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً فَأَقْضِي بِأَبْعَدِ الْمَسَافَتَيْنِ، وَبِأَكْثَرِ الثَّمَنَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّهَاتُرِ، وَسَوَاءٌ اُنْتُقِدَ، أَوْ لَمْ يُنْتَقَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ: وَإِنْ طَلَبَ الْجَمَّالُ نَقْدَ الْكِرَاءِ قَبْلَ الرُّكُوبِ، أَوْ بَعْدَ السَّيْرِ الْقَرِيبِ فَامْتَنَعَ الْمُكْتَرِي حُمِلَا عَلَى سُنَّةِ النَّاسِ فِي نَقْدِ الْكِرَاءِ، أَوْ تَأْخِيرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ كَانَ كَالسُّكْنَى لَا يُعْطِيهِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا سَكَنَ، وَإِنْ عُجِّلَ الْكِرَاءُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْدَ الْبَلَدِ الَّذِي بَلَغَا إلَيْهِ وَطَلَبَ الْآخَرُ نَقْدَ بَلَدِ التَّعَاقُدِ قُضِيَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ الْكِرَاءَ انْتَهَى. اُنْظُرْ الْمَشَذَّالِيِّ فِي هَذَا الْمَحِلِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ اخْتِلَافَهُمَا فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ (فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ يُقَالُ: الْكَرِيُّ وَالْمُكَارِي وَالْمُكْرِي لِبَائِعِ الْمَنَافِعِ، وَيُقَالُ الْمُكْتَرِي وَالْمُتَكَارِي لِمُشْتَرِيهَا حَيْثُ دَخَلَتْ التَّاءُ فَهُوَ مُشْتَرِي الْمَنَافِعِ، وَجَمْعُ الْمُكْرِي مُكْرُونَ، وَجَمْعُ الْكَرِيِّ أَكْرِيَاءٌ، وَجَمْعُ الْمُكْتَرِي مُكْتَرُونَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ قَالَ: اكْتَرَيْت عَشْرًا بِخَمْسِينَ، وَقَالَ بَلْ خَمْسًا بِمِائَةٍ حَلَفَا وَفُسِخَ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ، وَلَمْ يَزْرَعْ شَيْئًا يُبَيِّنُهُ مُقَابِلَتُهُ لَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ زَرَعَ إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا أَبُو الْحَسَنِ، وَلَا يُرَاعَى الْأَشْبَهُ وَظَاهِرُهُ اُنْتُقِدَ أَمْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّقْدَ فَوْتًا انْتَهَى. ص (إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ) ش: أَيْ إنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلِرَبِّهَا فِيمَا مَضَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي إنْ أَشْبَهَ تَغَابُنَ النَّاسِ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ أَشْبَهَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلَ الْآخَرِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ انْتَهَى. الْأَوَّلُ: إذَا أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي فَقَطْ الثَّانِي: إذَا أَشْبَهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ: فَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَقَوْلُ رَبِّهَا إنْ أَشْبَهَ) ش: يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ أَيْ قَوْلُ الْمُكْتَرِي قَبْلَ قَوْلِ رَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ يُرِيدُ، أَوْ نَكَلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا، وَهَذَا، وَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ انْتَهَى وَالرَّابِعُ: إذَا أَتَيَا مَعًا بِمَا لَا يُشْبِهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفُسِخَ الْبَاقِي مُطْلَقًا) ش: هُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُفْسَخُ بَاقِي الْمُدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ. ص (وَإِنْ نُقِدَ فَتَرَدَّدَ) ش: أَجْمَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذِكْرِ هَذَا التَّرَدُّدِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ شُرَّاحُهُ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرَّاحِهَا قَالَ فِيهَا فِي كِرَاءِ الدُّورِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُنْقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَفْهُومُهُ لَوْ نُقِدَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّهَا، وَلَا يُفْسَخُ بَقِيَّةُ الْخَمْسِ سِنِينَ، فَيَكُونُ كَقَوْلِ الْغَيْرِ وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِ: وَيُفْسَخُ بَاقِي الْمُدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُنْقَدْ أَيْ هَذَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ إذَا اُنْتُقِدَ، وَالْحُكْمُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فِيهِمَا لَكِنْ يُعْتَرَضُ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ رَبَّ الْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ مُصَدَّقٌ فِي الْغَايَةِ فِيمَا يُشْبِهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْتَقَدْ إذْ هَذَا الْكَلَامُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ إذَا اُنْتُقِدَ إذْ هُوَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَهَذَا يُعْطِي سَمَاعَهُ لِلْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَعُودُ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا إذَا زَرَعَ سَنَةً، أَوْ سَنَتَيْنِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَكْرَارًا انْتَهَى. وَنَصُّ قَوْلِ الْغَيْرِ فِيهَا قَالَ غَيْرُهُ: إذَا اُنْتُقِدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ فِيمَا يُشْبِهُ مِنْ الْمُدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُشْبِهُ وَأَتَى الْمُكْتَرِي بِمَا يُشْبِهُ صُدِّقَ فِيمَا سَكَنَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، وَيَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ الْمَالِ عَلَى رَبِّهَا بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى مَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَيَمِينِ الْمُكْرِي فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ

كتاب الجعالة

مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَحَالَفَا، وَفُسِخَ الْكِرَاءُ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي قِيمَةُ كِرَاءِ مَا سَكَنَ، وَإِنْ أَتَيَا بِمَا يُشْبِهُ صُدِّقَ رَبُّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ اُنْتُقِدَ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. فَجَعَلَهُ إذَا أَتَى رَبُّ الْأَرْضِ بِمَا يُشْبِهُ لَا يَنْفَسِخُ، وَكَذَا إذَا أَتَيَا مَعًا بِمَا يُشْبِهُ، فَيَكُونُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْتَقَدْ فَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُنْتَقَدْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْ اُنْتُقِدَ فَلَا يُفْسَخُ يُرِيدُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الْغَيْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُفْسَخُ مُطْلَقًا، وَيَكُونُ قَوْلُ الْغَيْرِ خِلَافًا، وَهُوَ تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الْغَيْرُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا قَوْلَهُ: إذَا أَشْبَهَ قَوْلُ رَبِّهَا، أَوْ أَشْبَهَ مَا قَالَا أَنَّ الْمُكْتَرِيَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْكُنَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي فَهَذَا يُخَالِفُ فِيهِ ابْنَ الْقَاسِمِ وَيَرَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَسِلْعَةٍ قَائِمَةٍ لَمْ تُقْبَضْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجَعَالَةِ] [بَابٌ صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ جُعْلًا] ص (بَابٌ) (صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ جُعْلًا عُلِمَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْجُعْلُ عَلَى عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحَلِّهِ بِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِهِ لَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، فَيَخْرُجُ كِرَاءُ السُّفُنِ، وَالْمُسَاقَاةُ، وَالْقِرَاضُ وَقَوْلُنَا بِهِ خَوْفَ نَقْضٍ عَكَسَهُ بِقَوْلِهِ: إنْ أَتَيْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَمَلُهُ كَذَا، أَوْ خِدْمَتُهُ شَهْرًا؛ لِأَنَّهُ جُعْلٌ فَاسِدٌ لِجَهْلِ عِوَضِهِ وَالْمَعْرُوفُ حَقِيقَتُهُ الْمَعْرُوضَةُ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، أَوْ جَزَاءٌ مِنْهُ مُعَاوَضَةً عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَتَخْرُجُ الْمُسَاقَاةُ وَالْإِجَارَاتُ لِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ بِبَعْضِهِ فِيهِمَا، وَالْقِرَاضُ لِعَدَمِ وُجُوبِ عِوَضِهِ لِجَوَازِ تَجْرِهِ، وَلَا رِبْحٌ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ جَعْلُ الرَّجُلِ جُعْلًا عَلَى عَمَلِ رَجُلٍ لَوْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُنْتَقَضُ بِالْقِرَاضِ انْتَهَى. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِ يَعُودُ لِلْعَمَلِ أَيْ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْ مَحِلِّ الْعَمَلِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَمَلِ فَتَخْرُجُ الْمُغَارَسَةُ وَالْقِرَاضُ؛ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ نَاشِئٍ عَنْ مَحِلِّ الْعَمَلِ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ الْعِوَضُ نَاشِئًا بِسَبَبِ الْعَمَلِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْأَصْلُ فِي الْجَعَالَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وَحَدِيثُ الرُّقْيَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ قُلْت تَمَسَّكَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاخِ الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ الْجُعْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ كَوْنِ

إقْرَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ فَأَجَازَ لَهُمْ اسْتِخْلَاصَ ذَلِكَ بِالرُّقْيَةِ رُخْصَةً اتِّفَاقًا انْتَهَى. ، وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ نَاجِي مَعَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي رَدِّ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ، وَالصَّوَابُ مَعَ ابْنِ نَاجِي فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَكِرَاءِ السُّفُنِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ:) قَالَ فِي أَوَائِلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ قَالَ مَالِكٌ فِي النَّفَرِ يَتَكَارُونَ السَّفِينَةَ فَيَحْمِلُونَ فِيهَا طَعَامًا لَهُمْ، فَإِذَا بَلَغُوا، قَالَ أَوَّلُ مَنْ يَمُرُّ: بِمَنْزِلِهِ مِنْهُمْ أَنَا آخُذُ طَعَامِي فَأَخَذَ طَعَامَهُ، ثُمَّ إنَّ السَّفِينَةَ غَرِقَتْ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ لِأَصْحَابِهِ أَذِنُوا فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنُوا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْلُغَ مَعَهُمْ بِطَعَامِهِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَّا أَنْ يَكْتَالُوا فَيَنْقُصُ الْكَيْلُ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ طَعَامِهِ ابْنُ رُشْدٍ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنَّهُمْ اكْتَرَوْا السَّفِينَةَ عَلَى أَنْ يُحْمَلَ فِيهَا الطَّعَامُ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَوَجَبَ كُلَّمَا مَرَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَنْزِلِهِ أَنْ يَأْخُذَ طَعَامَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ، فَإِنْ نَقَصَ الطَّعَامُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ النُّقْصَانِ بِحَسَبِ طَعَامِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ مَعَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ أَسْفَلَ الْقَمْحِ قَدْ اسْوَدَّ لِمَوْجٍ رَكِبَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فَسَادَهُ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ أَخْذِ طَعَامِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ تَبِعَةٌ كَمَا لَوْ غَرِقَ الْمَرْكَبُ بَعْدَ أَخْذِهِ طَعَامَهُ فَذَهَبَ بِمَا فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ حَمَلُوا الطَّعَامَ فِي سَفِينَةٍ إلَى بَلَدٍ وَاحِدٍ لِتِجَارَةٍ، أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فَخَلَطُوهُ، أَوْ اخْتَلَطَ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ طَعَامَهُ بِالطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَصْحَابُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلُ طَعَامِهِ فَاسِدًا، أَوْ يَفْسُدَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ يَنْقُصَ فِي الْكَيْلِ، فَإِنْ أَخَذَ طَعَامَهُ مِنْ الطَّرِيقِ بِرِضَا أَصْحَابِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ تَبَاعَةٌ إنْ أَلْفَوْهُ فَاسِدًا، أَوْ نَقَصَ كَيْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي عَنْ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ، وَمَا يَأْتِي لَهُ بَعْدَ هَذَا فِي رَسْمِ حَلَفَ، وَفِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ رِوَايَةَ أَشْهَبَ مُعَارِضَةٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا تَعَارَضَ بَيْنَهُمَا، وَلَا اخْتِلَافَ عَلَى مَا بَيِّنَاهُ انْتَهَى. ، وَقَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَمَلَ طَعَامًا مِنْ الرِّيفِ فِي سَفِينَةٍ فَمَرَّ بِأَخٍ لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: أَفِي سَفِينَتِكَ فَضْلٌ تَحْمِلُ لِي مِائَةَ إرْدَبٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ كَانَ الْأَوَّلُ حَمَلَ فِيهَا خَمْسَمِائَةِ إرْدَبٍّ فَأَلْقَى طَعَامَهُ مِنْ فَوْقِ طَعَامِ صَاحِبِهِ فَانْخَرَقَ الْمَرْكَبُ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي أَسْفَلِهِ فَأَصَابَ مِنْهُ نَحْوَ خَمْسِينَ إرْدَبًّا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى طَعَامِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ حَمَلَهُ فَوْقَ طَعَامِهِ الْأَوَّلِ قَالَ: أَرَاهُمَا فِي ذَلِكَ شَرِيكَيْنِ قُلْت: إنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْأَوَّلِ، قَالَ: قَدْ حَمَلَاهُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ وَخَلَطَ ابْنُ رُشْدٍ مُضِيَّ الْقَوْلِ فِي

مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ أَخَذَ يُشْرِبُ خَمْرًا مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ قَالَ مَالِكٌ فِي الطَّعَامِ الَّذِي فِي السَّفِينَةِ الَّذِي فَسَدَ بَعْضُهُ، وَلَمْ يَفْسُدْ بَعْضُهُ إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ طَعَامُهُ مَحْجُوزٌ عَلَى حِدَتِهِ قَدْ حَازَهُ بِشَيْءٍ جَعَلَهُ حَاجِزًا فِيمَا بَيْنَ الْقَمْحِ فَأَرَى أَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ فَلَهُ مَا سَلِمَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُ بِمَا أَصَابَهُ، أَوْ اسْوَدَّ لِمَوْجٍ رَكِبَهُ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الَّتِي حَجَزُوهَا قَدْ انْخَرَقَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى اخْتَلَطَ الطَّعَامُ كَانُوا شُرَكَاءَ جَمِيعًا فِيمَا فَسَدَ لَهُمْ وَضَاعَ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِصَّةِ طَعَامِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: إنَّ الطَّعَامَ إذَا انْخَرَقَ مَا حُجِزَ بِهِ بَيْنَ طَعَامِ كُلِّ وَاحِدٍ فَاخْتَلَطَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا فَسَدَ مِنْهُ بِحُكْمِ الشَّرِكَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْمِلُوهُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَوْ يَخْتَلِطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ فِيمَا يَجِبُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ فِيهِ بِحَسَبِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَسُئِلَ عَنْ الْقَوْمِ يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ مِنْ الْقَمْحِ فِي السَّفِينَةِ الْوَاحِدَةِ يَخْتَلِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، ثُمَّ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ: لَا أَرَى لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَصْحَابُهُ أَنْ يُعْطُوهُ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلُ الطَّعَامِ فَاسِدًا، أَوْ يُمْطَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ الْقَمْحُ فَلَا أَرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ حَتَّى يَبْلُغُوا جُدَّةَ فَيَقْتَسِمُونَهُ الْفَاسِدَ وَالْجَيِّدَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَصْحَابُهُ أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ حَقَّهُ فَأَرَى ذَلِكَ، وَلَا أَرَى لَهُ عَلَيْهِمْ تَبَاعَةً إذَا نَزَلُوا فَوَجَدُوا الْقَمْحَ فَاسِدًا (قُلْت:) الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الطَّعَامَ فِي السَّفِينَةِ عَلَى أَنْ يَمُرُّوا لِبَلَدٍ وَاحِدٍ لِتِجَارَةٍ، أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ طَعَامَهُ إذَا كَانَ قَدْ اخْتَلَطَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ كَانُوا خَلَطُوهُ، وَحَمَلُوهُ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ يُوجِبُ اشْتِرَاكَهُمْ فِيهِ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنْ يَمُرُّوا بِهِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ كَانَ مِنْ حَقِّ مَنْ يَمُرُّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلِهِ أَوَّلًا أَنْ يَأْخُذَ طَعَامَهُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ لِأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ الطَّعَامُ، أَوْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ هَذَا بِمُخَالِفٍ لَهَا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَا شَهَادَتُهُ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ السُّفُنَ إذَا اخْتَلَطَ فِيهَا الطَّعَامُ الْمَشْحُونُ أَنَّهُ يُقْبَلُ كُلُّ وَاحِدٍ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ يَمِينِهِ إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَقَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ: وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبْعَثُ مَعَهُ قَوْمٌ بِبَضَائِعَ لَهُمْ فِي قَمْحٍ فَيَجْمَعُ ذَهَبَهُمْ فَيَشْتَرِي لَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يُصَابُ ذَلِكَ الطَّعَامُ قَالَ: لَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْت مِنْ الدَّقِيقِ، وَلَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قُلْت:) هَذَا كَمَا قَالَ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَنْقَسِمُ بِكَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ يَشْتَرِيهِ لَهُمْ مُشَاعًا، ثُمَّ يَقْسِمُهُ، وَأَمَّا مَا لَا يُقْسَمُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَهَذَا يُضْمَنُ قَالَ مُحَمَّدٌ: بِخِلَافِ الْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ يَخْلِطُ أَمْوَالَ الْمُقَارِضِينَ فِيمَا يُقْسَمُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إلَيْهِ الْبَيْعُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْأَوَّلِ انْتَهَى. ص (بِخِلَافِ مَوْتِهِ) ش: (فَرْعٌ:) ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَنْ جَعَلَ فِي آبِقٍ جُعْلًا، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَلَا شَيْءَ لِمَنْ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِتْقِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ كَانَ لَهُ جُعَلُهُ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ وَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ قَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْقُدُومِ فَكَمَا قَالَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ لَزِمَهُ جُعْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُ الْعَبْدِ حَتَّى يَقْبِضَ هَذَا جُعْلَهُ مُبْدَأً عَلَى الْغُرَمَاءِ أَحْمَدُ كَالْمُرْتَهِنِ انْتَهَى. ص (فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الْإِجَارَةُ) ش:

مسألة الآبق في موضع بعيد ونفقته تستغرق الجعل الذي جعل عليه

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْعَمَلُ، وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ كُلُّ عَمَلٍ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ احْتِرَازًا مِمَّنْ وَجَدَ آبِقًا، أَوْ ضَالًّا بِغَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَمِمَّنْ عَرَفَ مَكَانَهُ فَدَلَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ طَلَبِ الْآبِقِ: فَإِنْ طَلَبَ مَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي شُرُوطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْمَجْعُولَ لَهُ عَمَلُهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ آبِقًا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ: وَمَنْ رَدَّ آبِقًا، أَوْ ضَالَّةً مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى رَدِّهِ، وَلَا عَلَى دَلَالَتِهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى طَلَبِ عَبْدٍ يَجْهَلُ مَكَانَهُ فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ آبِقًا أَوْ ضَالًّا، أَوْ ثِيَابًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَى رَدِّهِ، وَلَا عَلَى أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَكَانِهِ بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ رَبُّهُ فِيهِ جُعْلًا فَلَهُ الْجُعْلُ عَلِمَ بِمَا جَعَلَ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَكَلَّفَ طَلَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَمْ لَمْ يَتَكَلَّفْ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ رَبُّهُ فِيهِ شَيْئًا فَانْظُرْ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ الْإِبَاقَ، وَقَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ نَصَبَ لِذَلِكَ نَفْسَهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نَفَقَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَ بِهِ بَدَأَ، وَلَمْ يَبْذُلْ رَبُّهُ فِيهِ جُعْلًا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبُغ: وَكُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي كِتَابِهِ: إذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ طَلَبُ الْإِبَاقِ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَلَا نَفَقَةَ قَوْلًا مُجْمَلًا انْتَهَى. [مَسْأَلَة الْآبِقُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَنَفَقَتُهُ تَسْتَغْرِقُ الْجُعْلَ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِ] (مَسْأَلَةٌ) : إذَا كَانَ الْآبِقُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَنَفَقَتُهُ تَسْتَغْرِقُ الْجُعْلَ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعْ الْمَجْعُولُ لَهُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي لِيَبِيعَهُ، وَيَحْكُمَ بِجُعْلِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الْجُعْلِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ انْتَهَى مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ.

باب موات الأرض

[بَابٌ مَوَاتُ الْأَرْضِ] (مَوَاتُ الْأَرْضِ مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِعِمَارَةٍ وَلَوْ انْدَرَسَتْ) ش: هَذَا بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْمَوَاتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُقَالُ مَوَتَانُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ وَلَا بِهَا مَاءٌ وَلَا عِمَارَةٌ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا أَنْ يَجْرِيَ إلَيْهَا مَاءٌ أَوْ تُسْتَنْبَطَ فِيهَا عَيْنٌ أَوْ يُحْفَرَ فِيهَا بِئْرٌ وَيُقَالُ لَهَا مَيْتَةً وَالْمُوَاتُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَيُقَالُ الْمَوْتَانُ بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْضًا الْمَوْتُ الذَّرِيعُ وَبَدَأَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِتَعْرِيفِ الْمَوَاتِ إمَّا لِأَنَّهُ السَّابِقُ فِي الْوُجُودِ فَلِتَقَدُّمِهِ طَبْعًا قَدَّمَهُ وَضْعًا وَإِمَّا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَوَاتِ مُتَّحِدَةٌ وَالْإِحْيَاءُ يَكُونُ بِأُمُورٍ كُلٌّ مِنْهَا مُضَادٌّ لِلْمَوَاتِ فَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِهِ أَوَّلًا لِيَذْكُرَ أَضْدَادَهُ وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ ابْنَ الْحَاجِبِ وَهُوَ تَبِعَ ابْنَ شَاسٍ وَهُوَ تَبِعَ الْغَزَالِيَّ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ لَقَبٌ لِتَعْمِيرِ دَاثِرِ الْأَرْضِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْصِرَافِ الْمُعَمِّرِ عَنْ انْتِفَاعِهِ بِهَا وَمَوَاتُ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الدُّورِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ رَوَى ابْنُ غَانِمٍ مَوَاتُ الْأَرْضِ هِيَ الَّتِي لَا نَبَاتَ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65] فَلَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ إلَّا فِي الْبَوَارِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَتَبِعَ مَعَ ابْنِ شَاسٍ الْغَزَالِيُّ وَتَرَكَا رِوَايَةَ ابْنِ غَانِمٍ وَهِيَ أَجْلَى لِعَدَمِ تَوَقُّفِ تَصَوُّرِ مَدْلُولِهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَمُوجَبِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ حَقِيقَةُ الْإِحْيَاءِ الْعِمَارَةُ وَالْمَوَاتُ مَا لَمْ يُعَمَّرْ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ وَهِيَ سَبَبٌ فِي الْمِلْكِ

وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الرِّفْقُ وَالْحَثُّ عَلَى الْعِمَارَةِ انْتَهَى. ص (إلَّا لِإِحْيَاءٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ الثَّانِي أَحَقَّ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى وَأَمَّا إنْ أَحْيَاهُ الثَّانِي بِحِدْثَانِ عَوْدِهِ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنْ كَانَ عَنْ جَهْلٍ مِنْهُ بِالْأَوَّلِ فَلَهُ قِيمَةُ عِمَارَتِهِ قَائِمَةً لِلشُّبْهَةِ وَإِنْ كَانَ عَنْ مَعْرِفَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ عِمَارَتِهِ مَنْقُوضَةً بَعْدَ يَمِينِ الْأَوَّلِ إنْ تَرَكَهُ إيَّاهُ لَمْ يَكُنْ إسْلَامًا لَهُ وَأَنَّهُ عَلَى نِيَّةِ إعَادَتِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ عَلِمَ بِعِمَارَةِ الثَّانِي وَسَكَتَ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ سُكُوتُهُ دَلِيلًا عَلَى تَسْلِيمِهِ إيَّاهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَا لَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ وَلَا يَضُرُّ بِمَاءِ بِئْرٍ) ش: قَالَ الشَّارِحُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ حَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ وَاَلَّتِي اُبْتُدِئَ عَمَلُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ انْتَهَى. وَالْعَادِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ شَجَرَةٌ عَادِيَّةٌ أَيْ قَدِيمَةٌ كَأَنَّهَا تُنْسَبُ إلَى عَادٍ وَهُمْ قَوْمُ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكُلُّ قَدِيمٍ يَنْسُبُونَهُ إلَى عَادٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُمْ انْتَهَى. فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْعَادِيَّةَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَفِي الصِّحَاحِ: وَشَيْءٌ عَادِيٌّ أَيْ قَدِيمٌ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى عَادٍ. ص (وَلَا يَقْطَعُ مَعْمُورَ الْعَنْوَةِ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ وَأَرْضُ الْعَنْوَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الَّتِي غُلِبَ عَلَيْهَا قَهْرًا انْتَهَى. ص (وَبِحِمَى إمَامٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا لِكَغَزْوٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَجْهَ الرَّابِعَ مِنْ أَوْجُهِ الِاخْتِصَاصِ الَّتِي تَمْنَعُ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ الْحِمَى يُحْمَى لِلضُّعَفَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِتَرْعَاهُ مَوَاشِيهِمْ وَيُمْنَعُ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ

تنبيه لا حمى إلا لله ولرسوله

وَالْحِمَى بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُمْنَعُ رَعْيُهُ لِيَتَوَفَّرَ فِيهِ الْكَلَأُ فَتَرْعَاهُ مَوَاشٍ مَخْصُوصَةٌ وَيُمْنَعُ غَيْرُهَا مِنْ رَعْيِهِ وَالْكَلَأُ بِالْهَمْزِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ هُوَ الْمَرْعَى - رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا - وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ النَّبَاتُ الرَّطْبُ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَضَبَطَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَالْعُذْرِيُّ بِالْمَدِّ وَهُوَ خَطَأٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَمَنْ مَدَّهُ فَقَدْ أَخْطَأَ. وَالْحَشِيشُ هُوَ الْعُشْبُ الْيَابِسُ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ أَنَّ الْحِمَى يَجُوزُ فِيهِ الْمَدُّ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْمُشَارَكِ فِيهِ إلَّا الْقَصْرَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فَالْحِمَى بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُبَاحِ وَتَثْنِيَتُهُ حِمَيَانِ وَحَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ فِي تَثْنِيَتِهِ حِمَوَانِ بِالْوَاوِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَأْتِي وَأَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ كَانَ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مُخَصَّبًا اسْتَعْوَى كَلْبًا عَلَى مَكَان عَالٍ فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْرُهُ وَيَرْعَى هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فِيمَا سِوَاهُ وَأَمَّا الْحِمَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى ذَلِكَ إمَّا لِلْخَيْلِ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا النَّاسَ لِلْغَزْوِ أَوْ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلْحِمَى شُرُوطًا أَرْبَعَةً الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْحَامِي هُوَ الْإِمَامُ يُرِيدُ أَوْ نَائِبُهُ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ حِمَى إمَامٍ فَلَيْسَ لِآحَادِ النَّاسِ أَنْ يَحْمِيَ وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحِمَى مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَيْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ إمَّا لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَالْإِبِلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا لِلْغَزْوِ أَوْ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ لِلضُّعَفَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِتَرْعَاهُ مَوَاشِيهِمْ وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعَ مِنْهُ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ الْآتِي وَقَوْلُهُ أَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِكَغَزْوٍ فَقَوْله لِكَغَزْوٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الشَّرْطِ الثَّانِي وَأَتَى بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ لِكَغَزْوٍ لِيُدْخِلَ مَاشِيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْنِي أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ قَالُوا وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّاءُ وَلَوْ وَقَعَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَا كَانَ مَصْلَحَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَلِيلًا لَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ بَلْ يَكُونُ فَاضِلًا عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ قَلَّ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى مَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سَحْنُونٍ الْآتِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحِمَى كَثِيرًا يَضُرُّ بِالنَّاسِ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا بِغَرْسٍ وَلَا بِنَاءٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ بَلَدٍ عَفَا؛ أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ أَثَرُ بِنَاءٍ وَلَا غَرْسٍ وَالْمُرَادُ بِالْبَلَدِ الْأَرْضُ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا مُذَكَّرًا اعْتِبَارًا بِلَفْظِ الْبَلَدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحِمَى فِي الْمَوَاضِعِ الْمَعْمُورَةِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ إلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ سَحْنُونٌ الْأَحْمِيَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي بِلَادِ الْأَعْرَابِ الْعَفَاءُ الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا بِغَرْسٍ وَلَا بِنَاءٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْأَحْمِيَةُ فِيهَا فِي الْأَطْرَافِ حَتَّى لَا تُضَيِّقَ عَلَى سَاكِنٍ وَكَذَلِكَ الْأَوْدِيَةُ الْعَفَاءُ الَّتِي لَا مَسَاكِنَ بِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِهَا مِنْ الْمَسَارِحِ وَالْمَرْعَى انْتَهَى. وَجَعَلَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا؛ شَرْطًا وَاحِدًا وَجَعَلَ قَوْلَهُ لِكَغَزْوٍ؛ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا وَهُوَ نَحْوُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَتَكُونُ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةً. [تَنْبِيهٌ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ فِي الْحِمَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ بِالشِّرْبِ الْحُكْمُ فِي قِسْمَةِ الْمَاءِ

وَضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ بِالضَّمِّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» قَالَ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ. وَأَخْرَجَ مِنْهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي بَابِ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيِّتُونَ الْمَوْصُولَ مِنْهُ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَيْضًا أَعْنِي قَوْلَهُ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَقَوْلُهُ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ هَكَذَا وَقَعَ لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بَلَغَنَا فَاغْتَرَّ بِذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ وَأَنَّهُ مِنْ تَعْلِيقَاتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بَلَغَنَا هُوَ ابْنُ شِهَابٍ فَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ مَرَاسِيلِ ابْنِ شِهَابٍ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فَقَالَ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى وَقَالَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَبَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ» ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد رِوَايَةً أُخْرَى بَعْدَهَا عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ وَقَالَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ» وَلَمْ يَقُلْ وَلِرَسُولِهِ وَذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِرَاحِ مِنْ سُنَنِهِ وَاقْتَصَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَلَى ذِكْرِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ رِوَايَتَيْ أَبِي دَاوُد وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَةَ وَذَكَرَهَا فِي تَخْرِيجِهِ لِأَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ وَعَزَاهَا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَقَالَ إنَّهَا مُدْرَجَةٌ يَعْنِي حَمَى النَّقِيعَ. وَذَكَرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَهِمَ مَنْ أَدْرَجَهَا وَقَالَ أَيْضًا فِي تَخْرِيجِهِ لِأَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ أَغْرَبَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ فَجَعَلَ قَوْلَهُ وَبَلَغَنَا مِنْ تَعْلِيقَاتِ الْبُخَارِيِّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمَا أَنَّ أَبَا دَاوُد صَرَّحَ بِأَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَابْنَ حِبَّانَ أَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» وَالصَّعْبُ ضِدُّ السَّهْلِ وَعَلَى وَزْنِهِ وَجَثَّامَةُ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ. (الثَّانِي) اقْتَصَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ عَلَى عَزْوِ الْحَدِيثِ لِأَبِي دَاوُد وَاقْتَصَرَ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ رِوَايَتَيْهِ وَزَادَ فِيهَا لَفْظَ وَلِرَسُولِهِ؛ فَقَالَ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ وَقَالَ: لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْمُنْتَخَبِ حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ تَرْعَى فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ وَهُوَ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ انْتَهَى. تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْحِمَى وَفِي كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الْمَوْصُولَ مِنْهُ أَعْنِي قَوْلَهُ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَعَزَا جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ حَدِيثَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ» لِابْنِ حِبَّانَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَعَزْوُهُ لَهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لِأَنَّ مَرَاسِيلَ الْبُخَارِيِّ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ اعْتَضَدَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) وَقَعَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا اتَّفَقَا عَلَى إخْرَاجِ حَدِيثِ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الْإِلْمَامِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِهِ لِأَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ وَهِمَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ. (الرَّابِعُ) اقْتَصَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ عَلَى عَزْوِ الْحَدِيثِ لِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَلَمْ يَذْكُرْ النَّسَائِيُّ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ رَوَاهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ سُنَنِهِ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَمَّا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ وَأَضَافَ الْحِمَى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَيْ إلَّا مَا يَحْمِي لِلْخَيْلِ الَّتِي تُرْصَدُ لِلْجِهَادِ وَالْإِبِلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ تَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَى إلَّا كَمَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِثْلُ مَا فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ حَمَوْا لِإِبِلِ الْغُزَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدَهُمَا لَا حِمَى إلَّا مَا حَمَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي لَا حِمَى إلَّا مِثْلُ مَا حَمَاهُ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَحْمِيَ بَعْدَهُ وَعَلَى الثَّانِي يَخْتَصُّ بِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ فَهُوَ الْخَلِيفَةُ دُونَ سَائِرِ نُوَّابِهِ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِنُوَّابِ الْإِمَامِ أَنْ يَحْمُوا وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحِمَى يَخْتَصُّ بِالْخَلِيفَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ بِهِ وُلَاةَ الْأَقَالِيمِ وَمَحَلُّ الْجَوَازِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحِمَى لَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ بَلْ لِوُلَاتِهِ أَنْ يَحْمُوا وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ بِالشُّرُوطِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا عَلَى نُوَّابِهِ وَلَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ عُمُومِ الْوِلَايَةِ وَخُصُوصِهَا فَإِذَا عَمَّ الْإِمَامُ الْوِلَايَةَ عَلَى بَلَدٍ لِأَمِيرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَأُخْرَى إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ النَّظَرُ فِي أَمْرِ الْحِمَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ الْمُتَقَدِّمَ لَفْظُ النَّقِيعِ وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الْبَاجِيِّ وَمِنْ أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ بِالنُّونِ قَبْلَ الْقَافِ وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيُّ بِالْبَاءِ قَبْلَ الْقَافِ وَكَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ النَّوَادِرِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ اللُّغَوِيِّينَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي حَرْفِ الْبَاءِ وَالْبَقِيعِ مَوْضِعٌ فِيهِ أُرُومُ الشَّجَرِ مِنْ ضُرُوبٍ شَتَّى وَبِهِ سُمِّيَ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ وَهُوَ مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ سِيدَهْ وَزَادَ وَالْغَرْقَدُ شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ كَانَ يَنْبُتُ هُنَاكَ فَذَهَبَ وَبَقِيَ الِاسْمُ لَازِمًا لِلْمَوْضِعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّقِيعَ بِالنُّونِ قَبْلَ الْقَافِ أَنَّهُ اسْمُ مَوْضِعٍ مَعَ كَثْرَةِ مَا جَلَبَ فِيهِ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي آخِرِ الْمُوَطَّإِ فِي تَرْجَمَةِ مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَفِيهِ ذَكَرَ الْحِمَى فَقَالَ الْبَاجِيُّ وَهَذَا الْحِمَى هُوَ النَّقِيعُ بِالنُّونِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عِيَاضٌ فِي مَشَارِقِهِ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى. (قُلْت) وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ فِي آخِرِ حَرْفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ لَمَّا ذَكَرَ أَسْمَاءَ الْمَوَاضِعِ وَنَصُّهُ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ الَّذِي فِيهِ مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ بِبَاءٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِشَجَرَاتِ غَرْقَدٍ وَهُوَ الْعَوْسَجُ كَانَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ بَقِيعُ بَطْحَانَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ بِالْبَاءِ أَيْضًا قَالَ الْخَلِيلُ الْبَقِيعُ كُلُّ مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِ شَجَرٌ شَتَّى وَأَمَّا الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عُمَرُ بَعْدَهُ وَهُوَ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ غَرَزُ النَّقِيعِ وَفِي الْآخَرِ بِقَدَحِ لَبَنٍ مِنْ النَّقِيعِ وَحَمَى النَّقِيعَ وَهُوَ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ صَدْرُ وَادِي الْعَقِيقِ وَهُوَ أَخْصَبُ مَوْضِعٍ هُنَالِكَ وَهُوَ مِيلٌ فِي بَرِيدٍ وَفِيهِ شَجَرٌ وَيَسْتَجِمُّ حَتَّى يَغِيبَ فِيهِ الرَّاكِبُ فَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي ضَبْطِهِ فَوَقَعَ عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْبُخَارِيُّ بِالنُّونِ وَكَذَا قَيَّدَهُ النَّسَفِيُّ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْقَابِسِيُّ وَسَمِعْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ أَبِي بَحْرٍ بِالْبَاءِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَاهَانَ وَسَمِعْنَاهُ مِنْ الْقَاضِي الشَّهِيدِ وَغَيْرِهِ بِالنُّونِ وَبِالنُّونِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ صَحَّفَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَيَرْوُونَهُ بِالْبَاءِ وَإِنَّمَا الَّذِي بِالْبَاءِ بَقِيعُ الْمَدِينَةِ مَوْضِعُ قُبُورِهَا وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَكْرِيُّ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ بِالْبَاءِ مِثْلُ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَالَ وَمَتَى ذُكِرَ الْبَقِيعُ بِالْبَاءِ دُونَ إضَافَةٍ فَهُوَ هَذَا وَوَقَعَ فِيهِ فِي كِتَابِ الْأَصِيلِيِّ

فِي مَوْضِعٍ بِالنُّونِ وَالْبَاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ وَالْأَشْهَرُ فِي هَذَا النُّونُ وَالْقَافُ وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ كُلُّ مَوْضِعٍ يَسْتَنْقِعُ الْمَاءُ فِيهِ وَبِهِ سُمِّيَ هَذَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بَقِيعُ بَطْحَانَ هُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ هَكَذَا يَرْوِيه الْمُحَقِّقُونَ وَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الَّذِي يَحْكِي أَهْلُ اللُّغَةِ فِيهِ فَتْحَ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرَ الطَّاءِ وَكَذَا قَيَّدَهُ اللَّقَانِيُّ فِي الْبَارِعِ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْبَكْرِيُّ فِي الْمُعْجَمِ وَقَالَ الْبَكْرِيُّ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَهُوَ وَادٍ فِي الْمَدِينَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ غَرَزُ النَّقِيعِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَبَعْدَهَا زَاي قَالَ فِي الْمَشَارِقِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ وَحَكَى فِيهِ صَاحِبُ الْعَيْنِ السُّكُونَ قَالَ وَوَاحِدُهُ غَرْزَةٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ وَبِالْوَجْهَيْنِ وَجَدْته فِي أَصْلِ الْجَيَّانِيُّ فِي كِتَابِ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ نَبَاتٌ ذُو أَغْصَانٍ رِقَاقٍ حَدِيدُ الْأَطْرَافِ يُسَمَّى الْأَسَلَ وَتُسَمَّى بِهِ الرِّمَاحُ وَتُشَبَّهُ بِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هُوَ نَوْعٌ مِنْ الثِّمَارِ اهـ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمَشَارِقِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ هَكَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مَنْسُوبَةً إلَى الصِّحَّةِ بِالنُّونِ وَالْقَافِ وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيُّ بِالْبَاءِ وَالْقَافِ قَالَ وَهُوَ صَدْرُ وَادِي الْعَقِيقِ وَقَالَ وَهُوَ مُنْتَدًى لِلنَّاسِ وَمُتَصَيَّدٌ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصُّبْحَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَعْلَى عَسِيبٍ» وَهُوَ جَبَلٌ بِأَعْلَى قَاعِ الْعَقِيقِ ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا صَيِّتًا فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَكَانَ مَدَى صَوْتِهِ بَرِيدًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ فَجَعَلَ ذَلِكَ حِمًى طُولُهُ وَعَرْضُهُ مِيلٌ وَفِي بَعْضِهِ أَقَلُّ مِنْ مِيلٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ مُنْتَدًى بِمَعْنَى النَّادِي وَهُوَ الْمَجْلِسُ الَّذِي يُتَحَدَّثُ فِيهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَعْضَ كَلَامِ الْمَشَارِقِ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ غَيْرُ الْبَكْرِيِّ وَكَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الْمَشَارِقِ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ هُوَ الْبَكْرِيُّ وَكَذَا رَأَيْته فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ فِي مُقَدَّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ الْبَكْرِيِّ أَنَّهُ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ عَنْ الْبَكْرِيِّ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ النَّقِيعُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ هُوَ صَدْرُ وَادِي الْعَقِيقِ عَلَى نَحْوِ عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ بَلَدٌ لَيْسَ بِالْوَاسِعِ الَّذِي يُضَيَّقُ عَلَى مَنْ حَوْلَهُ إذَا حُمِيَ وَيَعْنِي بِالْبَلَدِ الْأَرْضَ قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ مِسَاحَتُهُ مِيلٌ فِي بَرِيدٍ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَشَارِقِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ خِلَافُ مَا قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا كَمَا قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَدْرَ النَّقِيعِ مِيلٌ فِي ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ قَالَ ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْوُلَاةُ بَعْدُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ مُوَطَّإِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ مِيلٌ فِي ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي مُقَدَّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ مِنْ أَنَّهُ مِيلٌ فِي بَرِيدٍ فَإِنَّ الْبَرِيدَ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا. (السَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَمَى الشَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهُوَ مِنْ بَلَاغِ الزُّهْرِيِّ وَالشَّرَفُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ فِي الْمَشْهُورِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ وَفِي مُوَطَّإِ ابْنِ وَهْبٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ قَالَ كَذَا رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ أَوْ أَصْلَحَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا سَرِفُ فَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَلَا يَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُقَدَّمَتِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ هُوَ مَاءٌ لِبَنِي بَاهِلَةَ أَوْ لِبَنِي كِلَابٍ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُوَ مِنْ عَمَلِ الْمَدِينَةِ وَأَمَّا سَرِفُ فَمِنْ عَمَلِ مَكَّةَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ انْتَهَى. وَأَمَّا الرَّبَذَةُ فَهِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ

بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَالِكِيُّ قَالَ الْبَكْرِيُّ الرَّبَذَةُ هِيَ الَّتِي جَعَلَهَا عُمَرُ حِمًى لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ حِمَاهُ الَّذِي حَمَاهُ بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ قَالَ ثُمَّ تَزَيَّدَتْ الْوُلَاةُ فِي الْحِمَى أَضْعَافًا ثُمَّ أُبِيحَتْ الْأَحْمِيَةُ فِي أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ فَلَمْ يَحْمِهَا أَحَدٌ وَحَمَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَرَفَةَ وَزَادَ فِيهِ عُثْمَانُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَحَمَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّبَذَةَ لِمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نَحْوُ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فِي مِثْلِهَا وَحَمَى ذَلِكَ عُمَرُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَحَمَى أَيْضًا الشَّرَفَ انْتَهَى. (الثَّامِنُ) ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ الْحَدِيثَ السَّابِقَ بِلَفْظِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ مُدْرَجٌ لَيْسَ فِي أَصْلِ الْخَبَرِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ اُنْظُرْ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ حَمَى النَّقِيعَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ رُبَاعِيًّا فَقَالَ أَحْمَيْت الْمَكَانَ جَعَلْته حِمًى انْتَهَى. (قُلْت) لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ إلَّا الرُّبَاعِيُّ وَنَصُّهُ حَمَيْته أَيْ دَفَعْت عَنْهُ وَهَذَا شَيْءٌ حِمًى عَلَى فَعْلٍ أَيْ مَحْظُورٍ لَا يُقْرَبُ وَأَحْمَيْت الْمَكَانَ جَعَلْته حِمًى انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ حَمَى الشَّيْءَ يَحْمِيه حَمْيًا وَحِمَايَةً بِالْكَسْرِ وَمَحْمِيَّةٌ مَنَعَهُ وَكَلَأٌ حِمًى كَرِضًا مَحْمِيٌّ ثُمَّ قَالَ وَأَحْمَى الْمَكَانَ جَعَلَهُ حِمًى لَا يُقْرَبُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْحِمَى بِكَسْرِ الْحَاءِ مَقْصُورٌ الْمَمْنُوعُ مِنْ الرَّعْيِ تَقُولُ حَمَيْت الْحِمَى فَإِذَا اُمْتُنِعَ مِنْهُ قُلْت أَحْمَيْته وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ حَمَيْت الْمَاءَ الْقَوْمَ أَيْ مَنَعْتهمْ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ يُقَالُ حَمَيْته بِالْفِعْلِ الثُّلَاثِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُقَالُ أَحْمَيْته بِالرُّبَاعِيِّ إلَّا بَعْدَ امْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرُ) قَوْلُهُ لَا حِمَى بِلَا تَنْوِينٍ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالتَّنْوِينِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَتَكُونُ - حِينَئِذٍ - لَا بِمَعْنَى لَيْسَ أَيْ فَتَكُونُ لِلِاسْتِغْرَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الثَّانِي. (الْحَادِيَ عَشَرَ) قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَيَنْبَغِي لِلْوَالِي إذَا حَمَى أَنْ يَجْعَلَ لِلْحِمَى حَافِظًا يَمْنَعُ أَهْلَ الْقُوَّةِ مِنْ الرَّعْيِ فِيهِ وَيَأْذَنُ لِلضَّعِيفِ وَالْعَاجِزِ فَإِنْ دَخَلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ وَرَعَى مُنِعَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا تَعْزِيرَ انْتَهَى. (قُلْت) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِيهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِهُنَيٍّ حِينَ وَلَّاهُ عَلَى الْحِمَى أَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَفَّانَ اهـ. إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ وَتَعَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ وَرَعَى فِي الْحِمَى فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَهُ بِالزَّجْرِ أَوْ التَّهْدِيدِ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْمُخَالَفَةُ فَيُعَزِّرُهُ بِالضَّرْبِ وَقَوْلُهُمْ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي آخِرِ جَامِعِ الْمُوَطَّإِ فِي بَابِ مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ يَا هُنَيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ النَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَفَّانَ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَوَاشِيهِمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى زَرْعٍ وَنَخِيلٍ وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ يَأْتِ بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا - لَا أَبَا لَك - فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَأَيْمُ اللَّهِ إنَّهُمْ لَا يُرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ إنَّهَا لَبِلَادُهُمْ وَمِيَاهُهُمْ قَاتَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا انْتَهَى. (الثَّانِي عَشَرَ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عَنْ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهَذَا الْحَدِيثُ

لَيْسَ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ انْتَهَى. (قُلْت) وَهَذَا مِنْ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمُوَطَّإِ وَشُرُوحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) قَوْلُهُ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ هَكَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ مَاكُولَا وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِتْقَانِ وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ وَرَأَيْت بِخَطِّ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا بِالْهَمْزِ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ رُوِيَ هُنَيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انْتَهَى. وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ يُدْعَى هُنَيًّا بِالنُّونِ مُصَغَّرًا مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ وَقَدْ يُهْمَزُ وَهَذَا الْمَوْلَى لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ مَعَ إدْرَاكِهِ. وَقَوْلُهُ عَلَى الْحِمَى قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَيَّنَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ عَلَى حِمَى الرَّبَذَةِ وَقَوْلُهُ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ النَّاسِ أَيْ اُكْفُفْ يَدَك عَنْ ظُلْمِهِمْ فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَالْجَنَاحُ الْيَدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [القصص: 32] وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْغَرَائِبِ اُضْمُمْ جَنَاحَك لِلنَّاسِ وَعَلَى هَذَا اُسْتُرْهُمْ بِجَنَاحِك وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اُضْمُمْ جَنَاحَك لِلنَّاسِ لَعَلَّهُ عَلَى النَّاسِ فَإِنِّي رَأَيْته كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ اُضْمُمْ جَنَاحَك يَقُولُ لَا تَسْتَطِلْ عَلَى أَحَدٍ لِمَكَانِك مِنِّي وَقَوْلُهُ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ كِنَايَةٌ لَطِيفَةٌ عَنْ النَّهْيِ عَنْ الظُّلْمِ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِلَفْظِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبِي نُعَيْمٍ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ هَكَذَا فِي نُسَخِ الْمُوَطَّإِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَقَوْلُهُ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ أَدْخِلْ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمُتَعَلِّقُ الْإِدْخَالِ مَحْذُوفٌ وَالْمُرَادُ الْمَرْعَى وَالصُّرَيْمَةُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرُ الصِّرْمَةِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْإِبِلِ نَحْوُ الثَّلَاثِينَ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إلَى الثَّلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إلَى الثَّلَاثِينَ أَوْ إلَى الْخَمْسِينَ أَوْ الْأَرْبَعِينَ أَوْ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْ مَا بَيْنَ عَشَرَةٍ إلَى بِضْعِ عَشَرَةٍ وَالْغُنَيْمَةُ عَلَى وَزْنِ الصُّرَيْمَةِ مُصَغَّرٌ أَيْضًا هِيَ مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى الْمِائَتَيْنِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَفَّانَ فِيهِ تَحْذِيرُ الْمُتَكَلِّمِ نَفْسَهُ وَهُوَ شَاذٌّ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِالْكَافِ وَالْوَارِدُ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ بِالْيَاءِ وَابْنُ عَوْفٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُ عَفَّانَ هُوَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ عَلَى طَرِيقِ الْمِثَالِ لِكَثْرَةِ نَعَمِهِمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَلَمْ يُرِدْ مَنْعَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسَعْ الْمَرْعَى إلَّا نَعَمَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَنَعَمُ الْمُقِلِّينَ أَوْلَى فَنَهَاهُ عَنْ إيثَارِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا أَوْ تَقْدِيمِهِمَا قَبْلَ غَيْرِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَ حِكْمَةَ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ نَعَمِهِمَا لِيَتَوَفَّرَ الْمَرْعَى لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَوْلُهُ يَأْتِنِي بِبَنِيهِ كَذَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُوَطَّإِ يَأْتِنِي بِحَذْفِ الْيَاءِ لِلْجَزْمِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَأْتِينِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ بِبِنْيَتِهِ كَذَا فِي نُسَخِ الْمُوَطَّإِ بِالنُّونِ قَبْلَ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ جَمْعُ ابْنٍ وَهِيَ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْبُخَارِيُّ بِبَيْتِهِ بِالتَّاءِ التَّحْتِيَّةِ ثُمَّ الْفَوْقِيَّةِ بِلَفْظِ الْبَيْتِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَقُولُ الْقَوْلِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي لَفْظٍ مَخْصُوصٍ نَحْوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا فَقِيرٌ أَنَا مُحْتَاجٌ إلَى كَذَا وَقَوْلُهُ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ أَيْ لَا أَتْرُكُهُمْ مُحْتَاجِينَ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَك بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْجُمْهُورِ

أَنَّهُ مُضَافٌ وَاللَّامُ زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْإِضَافَةِ وَهِيَ مُعْتَدٌّ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ اسْمَ لَا لَا يُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ فَاللَّامُ لِصُورَةِ الْإِضَافَةِ وَغَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا قَبْلَهَا مَنْصُوبٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنَّمَا يُنْصَبُ بِهَا إذَا كَانَ مُضَافًا وَيَشْكُلُ عَلَيْهِمْ لَا أَبَا لِي بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَإِنَّهُ لَا يُنْصَبُ بِالْأَلِفِ إذَا أُضِيفَ لِلْيَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُضَافِ وَيَشْكُلُ عَلَى قَوْلِهِمَا حَذْفُ التَّنْوِينِ وَسُمِعَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَبَاك بِدُونِ لَامٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَا أَبَا لَك وَلَوْ سُمِعَ لَأَمْكَنَ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُضَافِ وَالْخَبَرُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ مَحْذُوفٌ وَسُمِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَا أَبَا لَك بِالْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُ لَك هُوَ الْخَبَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ قَالَ لَا أَبٌ لَك بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ صَحَّ وَهَذَا اللَّفْظُ ظَاهِرُهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ؛ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهُوَ عَلَى الْمَجَازِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَقَوْلُهُ إنَّهُمْ لَيُرَوْنَ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ أَوَّلَهُ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ قَوْلُهُ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ ابْنُ التِّينِ يُرِيدُ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْكَثِيرَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْقَلِيلَةِ لِأَنَّهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّهَا لَبِلَادُهُمْ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ تُحْمَى عَلَيْنَا فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ نَحْوَهُ وَزَادَ فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ ذَلِكَ أَلَحَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَالْأَرْضُ أَرْضُ اللَّهِ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ انْتَهَى. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يُرَوْنَ يَعُودُ إلَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي الْمَمْنُوعِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَوَاشِيهِمْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً ثُمَّ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ لَمْ يَدْخُلْ ابْنُ عَفَّانَ وَلَا ابْنُ عَوْفٍ فِي قَوْلِهِ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَالْكَلَامُ عَائِدٌ عَلَى عُمُومِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا عَلَيْهَا انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ عَاتَبَهُ فِي الْحِمَى بِلَادُ اللَّهِ حُمِيَتْ لِمَالِ اللَّهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيْ مِنْ الْإِبِلِ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَجِدُ مَرْكَبًا وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عِدَّةَ مَا كَانَ فِي الْحِمَى فِي عَهْدِ عُمَرَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ بَيَّنَهَا انْتَهَى وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَوْلُهُ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ أَيْ الْخَيْلُ الَّتِي أَعْدَدْتهَا لِأَحْمِلَ عَلَيْهَا مَنْ لَا مَرْكُوبَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَتْ عِدَّتُهَا أَرْبَعِينَ أَلْفًا انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي. (الرَّابِعَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِيهِ مِنْ التُّقَى وَأَنَّهُ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَاهِنْ عُثْمَانَ وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَآثَرَ الْمَسَاكِينَ وَالضُّعَفَاءَ وَبَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ وَامْتَثَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَعْنِي إبِلَ الصَّدَقَةِ اهـ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا ذَكَرَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ يَحْمِي لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ قُلْت يَقُومُ مِنْهُ طُولُ تَأْخِيرِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ لِتَأْخِيرِ مَصْرِفِهَا انْتَهَى. (الْخَامِسَ عَشَرَ) قَالَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ مَا حَمَاهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنْقَضُ فَلَا يُنْقَضُ حِمَى النَّقِيعِ وَأَمَّا مَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْوُلَاةِ فَيَجُوزُ نَقْضُهُ لِمَصْلَحَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاقِضُ هُوَ الَّذِي حَمَاهُ أَوْ غَيْرُهُ (قُلْت) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَمَى النَّقِيعَ أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ حِمًى لِلْمُسْلِمِينَ دَائِمًا وَأَمَّا إذَا حَمَاهُ فِي سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَلَمْ يُفْهَمْ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ عَلَى حِمَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَمَى الرَّبَذَةَ وَكَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ مُسْلِمًا إنْ قَرُبَ) ش ظَاهِرُهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُحْمَى فِي الْقَرِيبِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ لِلْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنْ رَكَنَ إلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ

ثَانٍ لِابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ إنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْبَعِيدِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَرِيبُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوهُ وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ وَالْقَرِيبُ هُوَ حَرِيمُ الْعِمَارَةِ مِمَّا يُلْحِقُونَهُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَصُّهُ وَأَمَّا الْبَعِيدُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِيهِ وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ أَهْلُ الْعُمْرَانِ مِنْ مُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى مِمَّا الْعَادَةُ أَنَّ الرِّعَاءَ يَصِلُونَ إلَيْهِ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَبِيتُونَ بِهَا وَيَحْتَطِبُ الْمُحْتَطِبُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَنْزِلِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الدُّورِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى فِي كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ وَحَدُّ الْبَعِيدِ مِنْ الْعُمْرَانِ الَّذِي يَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ مَسْرَحُ الْعُمْرَانِ وَاحْتِطَابُ الْمُحْتَطِبِينَ إذَا رَجَعُوا إلَى الْمَبِيتِ فِي مَوَاضِعِهِمْ مِنْ الْعُمْرَانِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ قَدَّمَ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ فَلَا يَكُونُ الْقَرِيبُ مَوَاتًا إذْ الْمَوَاتُ مَا انْفَكَّ عَنْ الِاخْتِصَاصِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْقَرِيبِ إحْيَاءٌ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَوَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ حَرِيمَ الْعِمَارَةِ مَانِعٌ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِيهِ أَيْ فِي حَرِيمِ الْعِمَارَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ وَلَا يُبِيحُهُ الْإِمَامُ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَيَكُونُ الْمَوَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الدُّورِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ. وَنَصُّهُ: الْمَوَاتُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ النَّاسُ بِالْإِحْيَاءِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ غَانِمٍ عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65] فَلَا يَصِحُّ الْإِحْيَاءُ إلَّا فِي الْبَوَارِ ثُمَّ قَالَ وَحُكْمُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِهِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ بَعِيدٌ مِنْ الْعُمْرَانِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ فِي إحْيَائِهِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي إحْيَائِهِ ضَرَرٌ عَلَى مَنْ يَخْتَصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ. فَأَمَّا الْبَعِيدُ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يُحْتَاجُ فِي إحْيَائِهِ إلَى اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَمَّا الْقَرِيبُ مِنْهُ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِي إحْيَائِهِ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ إنَّ اسْتِئْذَانَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاخْتُلِفَ إنْ وَقَعَ بِإِذْنِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ قِيلَ يَمْضِي مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْبَغَ وَأَشْهَبَ وَقِيلَ إنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَيَكُونُ لَهُ قِيمَةُ بُنْيَانِهِ مَنْقُوضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يَكُونُ لَهُ قِيمَتُهُ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ فِي ذَلِكَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. وَأَمَّا الْقَرِيبُ مِنْهُ الَّذِي فِي إحْيَائِهِ ضَرَرٌ كَالْأَفْنِيَةِ الَّتِي يَكُونُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا ضَرَرًا بِالطَّرِيقِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ بِحَالٍ وَلَا يُبِيحُهُ الْإِمَامُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ مَا نَصُّهُ عَلَى مَا اخْتَصَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الشَّعَارِي الْمُجَاوِرَةُ لِلْقُرَى وَالْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهَا لَا يَقْطَعُ الْإِمَامُ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَفَاءِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا هِيَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ كَالسَّاحَةِ لِلدُّورِ وَإِنَّمَا الْعَفَاءُ مَا بَعُدَ وَتَعَقَّبَ الْفَضْلُ قَوْلَهُ فَقَالَ وَأَيْنَ يُقْطِعُ الْإِمَامُ إلَّا فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الشَّعَارِي الْقَرِيبَةَ مِنْ الْقُرَى جِدًّا لِأَنَّ إقْطَاعَهَا ضَرَرٌ بِهِمْ فِي قَطْعِ مَرَافِقِهِمْ مِنْهَا الَّتِي كَانُوا يَخْتَصُّونَ بِهَا لِقُرْبِهِمْ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي رَسْمِ الدُّورِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ الدُّورِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَالشَّعَارِي هِيَ الشَّجَرُ الْمُخْتَلِطُ أَوْ الْأَرْضُ ذَاتُ الشَّجَرِ كَذَا فَسَّرَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ إحْيَاءِ الْقَرِيبِ الَّذِي فِي إحْيَائِهِ ضَرَرٌ وَأَمَّا مَا لَا ضَرَرَ فِي إحْيَائِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ

إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْبِنَاءُ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ لِلسُّكْنَى وَلَا لِغَيْرِهَا إلَّا الْقَنَاطِرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا انْتَهَى. ص (وَافْتَقَرَ لِإِذْنٍ) ش: أَيْ وَافْتَقَرَ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ لِإِذْنِ الْإِمَامِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَقْطَعَ شَيْئًا مِنْ الْمَوَاتِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ انْتَهَى ص (أَوْ جَعْلَهُ مُتَعَدِّيًا) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَنَّ الْقَرِيبَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فَإِذَا أَحْيَاهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ تَعَقَّبَ الْإِمَامُ مَا فَعَلَهُ هَذَا فَإِنْ رَأَى إمْضَاءَهُ أَمْضَاهُ وَإِنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ أَخَذَهُ مِنْهُ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا صَنَعَهُ مَنْقُوضًا إنْ رَدَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَهُ بِهَدْمِهِ وَإِنْ شَاءَ أَقْطَعَهُ لِغَيْرِهِ فَكَانَ لِذَلِكَ الَّذِي أَقْطَعَهُ إيَّاهُ الْإِمَامُ أَنْ يَأْمُرَ هَذَا بِمَا كَانَ الْإِمَامُ يَأْمُرُهُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ أَوْ جَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ عَلَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلْإِمَامِ إمْضَاءَهُ أَوْ جَعْلَهُ مُتَعَدِّيًا فَيُعْطِي قِيمَةَ بِنَائِهِ مَقْلُوعًا وَرَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ يُعْطِي قِيمَتَهُ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ اللَّخْمِيُّ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ رَأَى أَنْ يُقِرَّهُ لَهُ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا أَوْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يُقْطِعَهُ لِغَيْرِهِ وَيَكُونَ لِلْأَوَّلِ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّ كَلَامَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَمَا يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ جَعْلَهُ مُتَعَدِّيًا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ بَلْ ظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّ اللَّخْمِيَّ رَأَى أَنْ تَكُونَ لَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا قَالَ وَلَوْ قِيلَ قَائِمًا لِلشُّبْهَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ انْتَهَى. ص (وَقَضَاءُ دَيْنٍ) ش:

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْبِدَعِ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ الْمُعْتَادَ الَّذِي فِيهِ يَسِيرُ الْعَمَلِ وَقَلِيلُ الْعَيْنِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَضَاءً بِمَالٍ جَسِيمٍ يَحْتَاجُ الْمُؤْنَةَ وَالْوَزْنَ وَالِانْتِقَادَ وَيَكْثُرُ فِيهِ الْعَمَلُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مَالِكٌ وَيُنْهَى السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَالِ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّدَقَةُ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيُكْرَهُ الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ إلَى آخِرِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُنَزَّهَ الْمَسَاجِدُ عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَاسْتَخَفَّ فِي الْبَيَانِ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَكَتْبَ الْحَقِّ فِيهِ مَا لَمْ يَطُلْ وَإِنْشَادَ الضَّالَّةِ وَعَمَلَ الصِّنَاعَةِ وَالسُّؤَالَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي النَّوَادِرِ مَنْ سَأَلَ فَلَا يُعْطَى وَأَمَرَ بِحِرْمَانِهِمْ وَرَدِّهِمْ خَائِبِينَ قَالَ التَّادَلِيُّ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ يُغَلِّظُ عَلَيْهِمْ فِي النَّهْيِ وَرُبَّمَا أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ إلَى السِّجْنِ وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْهُ فَيَرْفُقُ بِهِمْ وَيَسْأَلُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ فَالْأَوَّلُ تَصَرَّفَ بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي بِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ» قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إنَّمَا يُمْنَعُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ عَمَلِ الصِّنَاعَاتِ مَا يَخْتَصُّ بِمَنْفَعَةِ آحَادِ النَّاسِ مِمَّا يُتَكَسَّبُ بِهِ فَلَا يُتَّخَذُ الْمَسْجِدُ مَتْجَرًا فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لِمَا يَشْمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِثْلُ الْمُثَاقَفَةِ وَإِصْلَاحُ آلَاتِ الْجِهَادِ مِمَّا لَا مِهْنَةَ فِي عَمَلِهِ لِلْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُجْعَلُ الْمَاءُ الْعَذْبُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. ص (وَإِنَاءٌ لِبَوْلٍ إنْ خَافَ سَبُعًا) ش: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَكَذَلِكَ الْغَرِيبُ إذَا لَمْ يَجِدْ أَيْنَ يُدْخِلُ دَابَّتَهُ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا مِنْ اللُّصُوصِ انْتَهَى. ص (وَمُنِعَ عَكْسُهُ) ش: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسُكْنَى فَوْقَهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذْرِ سُنَّةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ لَا خِلَافَ أَنَّ لِظَاهِرِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِلْمَسْجِدِ وَلَا يُورَثُ الْمَسْجِدُ وَلَا الْبُنْيَانُ الَّذِي فَوْقَهُ وَيُورَثُ الْبُنْيَانُ الَّذِي تَحْتَهُ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ هَلْ تُكْرَهُ ابْتِدَاءً وَتَصِحُّ إنْ فُعِلَتْ أَوْ لَا تَصِحُّ وَيُعِيدُ أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَإِخْرَاجِ رِيحٍ) ش: عَدَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ فِي بَابِ تَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ فِي شَرْحِ قَوْلِ عَائِشَةَ «أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» وَنَظَافَتُهَا أَنْ لَا تَبْقَى فِيهَا قُمَامَةٌ مِنْ الْخِرَقِ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدَثُ يَكُونُ فِيهِ مِنْ رِيحٍ أَوْ صَوْتٍ وَلَا يُنَاقِضُ تَنْظِيفَهُ تَعْلِيقُ قِنْوٍ فِيهِ مِنْ ثَمَرٍ يَأْكُلُهُ الْمَسَاكِينُ وَلَا أَكْلُ مَا فِيهِ إذَا وَضَعَ لُقَاطَةً أَوْ سُقَاطَةَ مَا يَأْكُلُ فِي حِجْرِهِ أَوْ كُمِّهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ فِيهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ» قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ مَا الْحَدَثُ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إرْسَالِهِمَا فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُرْسِلُهُ فِي بَيْتِهِ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا يُنَزَّهُ عَنْ نَجَاسَةٍ عَيْنِيَّةٍ انْتَهَى. ص (وَمُكْثٌ بِنَجِسٍ) ش: هَذَا الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي

مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْلَعْهُ فِيهِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ يَخْلَعُهُ وَيَتْرُكُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُغَطِّي الدَّمَ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ مَنْ رَأَى بِثَوْبِهِ كَثِيرَ دَمٍ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَقَالَ غَيْرُهُ يَنْزِعُهُ وَيَتْرُكُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاتِرًا نَجَاسَتَهُ بِبَعْضِهِ وَقَالَ الْقَلْشَانِيُّ قُلْت وَعَلَيْهِمَا الْخِلَافُ فِي إدْخَالِ النَّعْلِ الَّذِي لَحِقَتْهُ نَجَاسَةٌ فِي مَحْفَظَةٍ أَوْ مَلْفُوفَةً فِي خِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ مَكْرُوهٌ وَكَذَلِكَ نَعْلَيْهِ إذَا كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ فَلَا يُدْخِلُهُمَا الْمَسْجِدَ حَتَّى يَحُكَّهُمَا وَلَا يَغْسِلَهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُهُمَا انْتَهَى. فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فَظَاهِرٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَيْعٌ) ش: أَيْ يُكْرَهُ الْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ وَجَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يُسَاوِمَ رَجُلًا ثَوْبًا عَلَيْهِ أَوْ سِلْعَةً تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهَا انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا الشِّرَاءُ وَاخْتُلِفَ إذَا رَأَى سِلْعَةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الْبَيْعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا قَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ سِمْسَارٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ بِالسِّمْسَارِ فِيهِ فَمَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ وَأَنَّهُ مَاضٍ انْتَهَى مِنْ بَابِ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَانْظُرْهُ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَإِنْ حَضَرَتْ السِّلْعَةُ وَالسَّوَامُّ فَذَلِكَ حَرَامٌ انْتَهَى أَوَّلَهُ بِالْمَعْنَى. ص (وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ) ش: قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْبِدَعِ وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ صَوْتَهُ وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ جُلَسَاءَهُ غَيْرَ رَافِعٍ صَوْتَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ

فرع كتابة المصاحف في المساجد

مِنْ جِنْسِ الْمُحَادَثَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ انْتَهَى. يُرِيدُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ يَنْشُدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إلَيْهِ قَالَ أَيْ أَوْمَأَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَنْ اُسْكُتْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ إنْشَادَ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ قَدْ بَنَى رَحْبَةً فِي خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يَنْشُدَ شِعْرًا فَلْيَخْرُجْ إلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَمِنْ مَانِعٍ مُطْلَقًا وَمِنْ مُجِيزٍ مُطْلَقًا وَالْأَوْلَى التَّفْصِيلُ فَمَا كَانَ يَقْتَضِي الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَى رَسُولِهِ أَوْ الذَّبَّ عَنْهُمَا كَمَا كَانَ شِعْرُ حَسَّانَ أَوْ يَتَضَمَّنُ الْحَثَّ عَلَى الْخَيْرِ فَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الشِّعْرَ لَا يَخْلُو فِي الْغَالِبِ عَنْ الْكَذِبِ وَالْفَوَاحِشِ وَالتَّزْيِينِ بِالْبَاطِلِ وَلَوْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَأَقَلُّ مَا فِيهِ اللَّغْوُ وَالْهَذْرُ وَالْمَسَاجِدُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ لِلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» انْتَهَى. [فَرْعٌ كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ فِي الْمَسَاجِدِ] (فَرْعٌ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ أَرَ لِمَالِكٍ شَيْئًا فِي كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الَّذِي يَصُونُ الْمَسْجِدَ وَيَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ] (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ خِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا حَكَى الْبَاجِيُّ فِي الْوُضُوءِ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ قَوْلَيْنِ وَالْقَوْلَانِ فِي الْوَاضِحَةِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ رَأَيْت بَعْضَ أَشْيَاخِي تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَظُنُّهُ بَلَعَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَوَضَّأُ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ وُضُوءًا طَاهِرًا فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَسُئِلَ عَنْهَا سَحْنُونٌ فَقَالَ لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا وَجْهَ لِلتَّخْفِيفِ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ لَا يَجُوزُ أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] فَوَاجِبٌ أَنْ تُرْفَعَ وَتُنَزَّهَ عَنْ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِيهَا لِمَا يَسْقُطُ فِيهَا مِنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مِنْ أَوْسَاخٍ وَلِتَمَضْمُضِهِ فِيهِ أَيْضًا وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَتَأَذَّى الْمُصَلِّي بِالْمَاءِ الْمُهْرَاقِ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ» وَلَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُسْقِطَ وُضُوءَهُ فِي طَسْتٍ وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامًا فَعَلَهُ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ الْبَاجِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوُضُوءِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي صَحْنِهِ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَرِهَهُ سَحْنُونٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَجِّ الرِّيقِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَرِحَابُ الْمَسْجِدِ كَالْمَسْجِدِ فِي التَّنْزِيهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْخَلَاوِي الْمَبْنِيَّةِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي سُطُوحِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُرْمَةَ سَطْحِهِ كَحُرْمَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْخَطِيبِ إذَا أَحْدَثَ أَثْنَاءَ خُطْبَتِهِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ فِي صَحْنِهِ وُضُوءًا طَاهِرًا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَ فِي طَسْتٍ وَمَنْ يَتَوَضَّأُ فِي سَطْحِهِ أَوْ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي فِيهِ إنَّمَا يَتَوَضَّأُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَطِيبِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ. الثَّامِنُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يُتَوَضَّأَ فِي مَكَان يَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَحْصُلَ تَمَخُّطٌ بِالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا بُصَاقٌ بِالْمَضْمَضَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ التَّنَخُّمِ وَإِلَّا فَيَنْتَهِي إلَى التَّحْرِيمِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ

عَنْ بَعْضِهِمْ الْجَوَازَ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبُصَاقَ إذَا خَالَطَهُ الْمَاءُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ فَكَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ يَحْرُمُ وَلَا شَكَّ فِيهِ، قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْلَعَ الْمَاءَ الَّذِي يَتَمَضْمَضُ بِهِ لِلْخَلَاصِ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْصُلُ بِهِ سُنَّةُ الْمَضْمَضَةِ ثُمَّ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ ص (وَلِذِي مَاجِلٍ وَبِئْرٍ) ش نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَاجِلٍ وَبِئْرٍ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَنْقُصُ بِالِاغْتِرَافِ وَلَا يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ كَالْمَاجِلِ أَوْ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ كَالْبِئْرِ. ص (بِهَدْمِ بِئْرٍ) ش: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ خِيفَ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ زَرَعَ عَلَى مَاءٍ وَأَنَّهُ لَوْ زَرَعَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ لَمْ يَجِبْ عَلَى جَارِهِ دَفْعُ فَضْلِ مَائِهِ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ حَرِيمِ الْآبَارِ وَلَوْ حَرَثَ جَارٌ لَك عَلَى غَيْرِ أَصْلِ مَاءٍ لَهُ فَلَكَ مَنْعُهُ أَنْ يَسْقِيَ بِفَضْلِ مَاءِ بِئْرِك الَّتِي فِي أَرْضِك إلَّا بِثَمَنٍ إنْ شِئْت أَبُو الْحَسَنِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ لَهُ ثَمَنٌ ابْنُ يُونُسَ أَمَّا إذَا كَانَ لَا ثَمَنَ لَهُ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُهُ بِفَضْلِهِ فَمَا الَّذِي يَمْنَعُ الْجَارَ أَنْ يَبْتَدِئَ الزَّرْعَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ مِنْ حَقِّ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمِيَاهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا فَضَلَ مِنْهَا دُونَ ثَمَنٍ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ صَاحِبُهُ ثَمَنًا بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ وَجَدَ فَعَلَى

اخْتِلَافٍ انْتَهَى. ص (وَإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ سَقَى الْأَعْلَى) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَسُئِلْت عَنْ أَرْضٍ كَانَتْ تَشْرَبُ بِالسَّيْلِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ بِغَيْرِ تَسَبُّبٍ لِلْمَاءِ ثُمَّ يَمُرُّ بَعْدَ شُرْبِهَا إلَى أَرْضٍ أَسْفَلَ مِنْهَا ثُمَّ إنَّ

كتاب الوقف

السُّيُولَ تَكَاثَرَتْ وَعَظُمَتْ فَأَحْرَجَتْ مَشْرَبَهَا وَأَحَالَتْ الْمَاءَ مِنْ مَمَرِّهِ الْقَدِيمِ إلَى مَمَرٍّ آخَرَ فَصَارَ يَسْقِي السُّفْلَى وَتَعَطَّلَتْ الْعُلْيَا وَانْدَرَسَ مَشْرَبُهَا مُدَّةَ سِنِينَ فَأَرَادَ أَهْلُ الْعُلْيَا أَنْ يَعْمُرُوا مَشْرَبَهُمْ وَيَتَسَبَّبُوا لِلْمَاءِ فَمَنَعَهُمْ أَهْلُ السُّفْلَى فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ أَمْ؟ لَا فَأَجَبْت أَوَّلًا لِأَهْلِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا أَنْ يَعْمُرُوا مَشْرَبَهُمْ الْمُنْدَرِسَ وَلَيْسَ لِأَهْلِ السُّفْلَى مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا أَنْ يَسُدُّوا الْمَشْرَبَ الَّذِي أَحْدَثَتْهُ السُّيُولُ لِلْمَاءِ قَبْلَ بُلُوغِهِ إلَى أَرْضِهِمْ لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْثٌ يَسُوقُهُ اللَّهُ إلَى مَنْ يَشَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50] يُرِيدُ الْمَطَرَ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَى قَوْمٍ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْطَعَهُ عَنْهُ ثُمَّ حَصَلَ عِنْدِي تَوَقُّفٌ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِ الْأَرْضِ الَّتِي تُسْقَى أَسْفَلَ مِنْ الْأَرْضِ الْأُخْرَى أَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْرَبُ الَّذِي انْفَتَحَ تَشْرَبُ بِهِ أَرْضٌ أَعْلَى مِنْ أَرْضِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ سَدَّ الْمَشْرَبِ الْمُنْفَتِحِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ بِلَا تَوَقُّفٍ وَقَطَعْت السُّؤَالَ الَّذِي كَتَبْت عَلَيْهِ الْجَوَابَ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السِّدَادِ وَالْأَنْهَارِ وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [كِتَاب الْوَقْف] [بَابٌ وَقْفُ مَمْلُوكٍ] ص (بَابٌ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْوَقْفُ مَصْدَرًا إعْطَاءُ مَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُدَّةَ وُجُودِهِ لَازِمًا بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَلَوْ تَقْدِيرًا فَتَخْرُجُ عَطِيَّةُ الذَّوَاتِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْعُمْرَى وَالْعَبْدِ الْمُخْدِمِ حَيَاتَهُ يَمُوتُ قَبْلَ مَوْتِ رَبِّهِ لِعَدَمِ لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ بِرِضَاهُ مَعَ مُعْطَاهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إعْطَاءُ مَنَافِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ يَبْطُلُ طَرْدُهُ بِالْمُخْدِمِ حَيَاتَهُ وَلَا يُرَدُّ بِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ مَمْنُوعٌ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ التَّأْبِيدِ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعْطَاءِ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْمُخْدِمِ الْمَذْكُورِ لَا فِي لُزُومِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُعْطِيهِ وَهُوَ اسْمًا مَا أُعْطِيت مَنْفَعَتُهُ مُدَّةً إلَى آخِرِهِ وَصَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِبَقَاءِ مِلْك الْمُحْبِسِ عَلَى مُحْبَسِهِ وَهُوَ لَازِمُ تَزْكِيَةِ حَوَائِطِ الْإِحْبَاسِ عَلَى مِلْكِ مُحْبِسِهَا وَقَوْلُ اللَّخْمِيُّ آخِرُ الشُّفْعَةِ الْحَبْسُ يُسْقِطُ مِلْكَ الْمُحْبَسِ غَلَطٌ انْتَهَى. وَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ الْحَبْسُ غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَيَتَعَذَّرُ عُرُوضُ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْإِحْبَاسُ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ عَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ حُكْمُهُ الْجَوَازُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَحَقِيقَتُهُ لُغَةً الْحَبْسُ وَشَرْعًا حَبْسُ عَيْنٍ لِمَنْ يَسْتَوْفِي مَنَافِعَهُمَا عَلَى التَّأْبِيدِ انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْته دَارًا وَلَا أَرْضًا تَبَرُّرًا بِحَبْسِهَا وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ مَمْلُوكٍ تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ وَقْفِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَلَى نَوْعٍ مَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَلَمَّا كَانَ كَلَامُهُ شَامِلًا لِكُلِّ مَمْلُوكٍ بَيَّنَ مَا هُوَ دَاخِلٌ وَمَا فِيهِ تَرَدُّدٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بِأُجْرَةٍ إلَى قَوْلِهِ تَرَدُّدٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُشَاعًا أَوْ غَيْرَ مُشَاعٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ يَصِحُّ فِي الْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ لَا الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الْأَرَاضِي وَالدِّيَارِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَوَائِطِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ وَالطُّرُقِ شَائِعًا وَغَيْرَهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ شَائِعًا أَوْ غَيْرَهُ يَعْنِي يَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ سَوَاءٌ كَانَ شَائِعًا كَمَا لَوْ وَقَفَ نِصْفَ دَارٍ أَوْ غَيْرَ شَائِعٍ وَلَا يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْمَشَاعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً أَعْنِي فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَاخْتُلِفَ إنْ فُعِلَ هَلْ يَنْفُذُ تَحْبِيسُهُ أَمْ لَا وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ اللَّخْمِيُّ آخِرَ الشُّفْعَةِ. قَالَ لِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِهَا وَإِنْ فَسَدَ فِيهَا شَيْءٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُصْلِحُهُ مَعَهُ وَاخْتَارَ ابْنُ زَرْبٍ الْأَوَّلَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْقَسِمُ جَازَ لَهُ الْحَبْسُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَسَأَلَ ابْنُ حَبِيبٍ ابْنَ الْمَاجِشُونِ

عَمَّنْ لَهُ شِرْكٌ فِي دُورٍ وَنَخْلٍ مَعَ قَوْمٍ فَتَصَدَّقَ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ صَدَقَةً مُحْبَسَةً وَمِنْهَا مَا يَنْقَسِمُ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْقَسِمُ وَمِنْ الشُّرَكَاءِ مَنْ يُرِيدُ الْقِسْمَ؛ قَالَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ مَا انْقَسَمَ فَمَا أَصَابَ الْمُتَصَدِّقُ مِنْهَا فَهُوَ عَلَى التَّحْبِيسِ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ فَمَا أَصَابَ الْمُتَصَدِّقُ مِنْ الثَّمَنِ فِي حِصَّتِهِ اشْتَرَى بِهِ مَا يَكُونُ صَدَقَةً مُحْبَسَةً فِي مِثْلِ مَا سَبَّلَهَا فِيهِ الْمُتَصَدِّقُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَبَعْضُهُ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِطْلَاقُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ إجَازَتَهُ فِي الشَّائِعِ كَقَوْلِهَا فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ. قَالَ مَالِكٌ إنْ حَبَسَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَارٍ حَظَّهُ مِنْهَا عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَبَاعَ شَرِيكُهُ حَظَّهُ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْمُحْبِسِ عَلَيْهِمْ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْحَبْسِ فَيَجْعَلَهُ فِي مِثْلِ مَا جَعَلَ حَظَّهُ فِيهِ. اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَتْ الدَّارُ تَحْمِلُ الْقِسْمَ جَازَ الْحَبْسُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى شَرِيكِهِ بِذَلِكَ إنْ كَرِهَ الْبَقَاءَ عَلَى الشَّرِكَةِ قَاسَمَ (قُلْت) هَذَا عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ تَمْيِيزُ حَقٍّ وَعَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الْحَبْسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَمْنُوعُ بَيْعُهُ مَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا الْمَعْرُوضُ لِلْقَسْمِ لِأَنَّهُ كَالْمَأْذُونِ فِي بَيْعِهِ مِنْ مُحْبِسِهِ. قَالَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فَلِلشَّرِيكِ رَدُّ الْحَبْسِ (قُلْت) وَمِثْلُهُ فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ. قَالَ وَإِنْ كَانَ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ لِرَجُلَيْنِ فَلِرَبِّ الْعُلُوِّ رَدُّ تَحْبِيسِ ذِي السُّفْلِ لِأَنَّهُ إنْ فَسَدَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُصْلِحُهُ وَلِرَبِّ السُّفْلِ رَدُّ تَحْبِيسِ ذِي الْعُلُوِّ لِلضَّرَرِ مَتَى وَهِيَ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ سُفْلَهُ وَالْحَائِطُ كَالدَّارِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ (قُلْت) وَمِثْلُ إطْلَاقِهَا فِي تَحْبِيسِ الشَّرِيكِ فِي الدَّارِ وَقَعَ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشُّفْعَةِ فَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ بِحُكْمِ الشُّفْعَةِ وَأَعْرَضَ عَنْ حُكْمِ الْحَبْسِ الْمُشَاعِ وَلِابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ لَهُ حِصَّةٌ فِي دَارٍ لَا تَنْقَسِمُ فَحَبَسَهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَحْبِيسُهُ لَا يَنْفُذُ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ وَبِإِجَازَتِهِ أَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ثُمَّ قَالَ قُلْت فِي جَوَازِ تَحْبِيسِ مُشَاعِ رُبْعٍ وَرِثُوهُ مُشْتَرَكٌ فِيهِ مُطْلَقًا وَوَقَفَهُ عَلَى إذْنِ شَرِيكِهِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ وَإِلَّا بَطَلَ ثَالِثُهَا يَجُوزُ مُطْلَقًا أَوْ يُجْعَلُ ثَمَنُ الْحَظِّ الْمُحْبَسِ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ مِثْلُ مَا حَبَسَهُ فِيهِ لِظَاهِرِهَا مَعَ ظَاهِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصَّ ابْنُ زَرْبٍ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَالْمَذْهَبِ وَابْنُ حَبِيبٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيَتَخَرَّجُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ انْتَهَى. وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ الثَّانِي لِجَعْلِهِ اللَّخْمِيَّ الْمَذْهَبَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِتَحْبِيسِ رُبْعٍ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حَظِّهِ فَقَطْ (قُلْت) مِثْلُهُ فِي النَّوَادِرِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَظَاهِرُهُ نُفُوذُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا فِي تَحْبِيسِ الْمُشَاعِ وَاضِحٌ وَعَلَى وَقْفِهِ عَلَى إذْنِ شَرِيكِهِ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ وَأَشَدُّ مَا عَلَى الْمُنْكِرِ الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّ الْمُحْبَسَ حُبِسَ عَلَيْهِمْ (قُلْت) يُرِيدُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ. قَالَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يُمَلِّكُ مِلْكَ الْمَبِيعِ لِأَنَّ مَصِيرَهُ لِلْأَعْقَابِ وَالْمَرْجِعِ وَلَا يَحْلِفُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَوْ نَكَلَ إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ الْحَبْسُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فَهَذِهِ وُجُوهٌ تَمْنَعُ رَدَّ الْيَمِينِ فِي الْحَبْسِ وَالْبَاجِيُّ اخْتَلَفَ هَلْ عَلَى الْمُنْكِرِ يَمِينٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَبَعْضُهُمْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَبَسَ مَالًا وَثَبَتَ حَوْزُهُ فَادَّعَى بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنَّ الْحَبْسَ رَجَعَ إلَيْهِ وَسَكَنَ فِيهِ حَتَّى مَاتَ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ فَقُلْت لَا يَمِينَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ عَصْرِنَا عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَقَابِرُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ قَالَ يُرِيدُ بِالْمَقَابِرِ الْمُتَّخَذَةَ حَيْثُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ السَّمَاعِ مُخْتَصَرًا وَلْنَأْتِ بِالسَّمَاعِ مِنْ أَصْلِهِ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ عَنْ فِنَاءِ قَوْمٍ كَانُوا يَرْمُونَ فِيهِ وَفِيهِ عَرْضٌ لَهُمْ ثُمَّ إنَّهُمْ غَابُوا عَنْ ذَلِكَ فَاُتُّخِذَ مَقْبَرَةً ثُمَّ جَاءُوا فَقَالُوا نُرِيدُ أَنْ نُسَوِّيَ هَذِهِ الْمَقَابِرَ وَنَرْمِيَ عَلَى حَالِ مَا كُنَّا نَرْمِي فَقَالَ مَالِكٌ أَمَّا مَا قَدِمَ مِنْهَا فَأَرَى ذَلِكَ لَهُمْ وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ جَدِيدٍ فَلَا أُحِبُّ لَهُمْ دَرْسَ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ أَفْنِيَةُ الدُّورِ الْمُتَّصِلَةِ

بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِأَرْبَابِ الدُّورِ كَالْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ الَّتِي لِأَرْبَابِهَا تَحْجِيرُهَا عَلَى النَّاسِ لِمَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الِارْتِفَاقِ بِهَا فِي مُرُورِهِمْ إذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنْهُمْ بِالْأَحْمَالِ وَشَبَهِهَا إلَّا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ فَمِنْ حَقِّهِمْ إذَا اُتُّخِذَتْ مَقْبَرَةً فِي مَغِيبِهِمْ أَنْ يَعُودُوا إلَى الِانْتِفَاعِ بِالرَّمْيِ فِيهَا إذَا قَدِمُوا إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ لَهُمْ دَرْسَهَا إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً مُسَنَّمَةً لَمْ تَدْرُسْ وَلَا عَفَتْ لِمَا فِي دَرْسِ الْقُبُورِ وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ عَلَى الرَّضْفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ» وَقَالَ «إنَّ الْمَيِّتَ يُؤْذِيهِ فِي قَبْرِهِ مَا يُؤْذِيهِ فِي بَيْتِهِ» وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إنَّمَا يُكْرَهُ دَرْسُهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِظَاهِرِهَا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ وَارُوا فِي بَاطِنِهَا وَانْتَفِعُوا بِظَاهِرِهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ قَدْ دُفِنَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لَكَانَ مِنْ حَقِّهِمْ نَبْشُهُمْ مِنْهَا وَتَحْوِيلُهُمْ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ بِقَتْلَى أُحُدٍ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ إجْرَاءَ الْعَيْنِ الَّتِي إلَى جَانِبِ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيَخْرُجْ إلَيْهِ وَيَنْبُشُهُ وَلْيُحَوِّلْهُ. قَالَ جَابِرٌ فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا لَيِّنِينَ انْتَهَى. ابْنُ عَرَفَةَ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِفِعْلِ مُعَاوِيَةَ نَظَرٌ لِأَنَّ قَتْلَى أُحُدٍ مَا أُقْبِرُوا إلَّا حَيْثُ جَازَ إقْبَارُهُمْ وَاسْتِدْلَالُهُ بِإِخْرَاجِهِمْ يُوهِمُ كَوْنَ الْقَبْرِ غَيْرَ حَبْسٍ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ حَاجِيَّةٍ حَسْبَمَا يَأْتِي فِي بَيْعِ الْحَبْسِ لِتَوْسِعَةِ جَامِعِ الْخُطْبَةِ وَلِابْنِ عَاتٍ سُئِلَ بَعْضُهُمْ أَيَجُوزُ حَرْثُ الْبَقِيعِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً دُونَ دَفْنٍ فِيهِ وَأَخْذُ تُرَابِهِ لِلْبِنَاءِ؟ قَالَ الْحَبْسُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَمَلَّكَ انْتَهَى. وَلَمْ يَظْهَرْ لِي فِي تَعْقِيبِ ابْنِ عَرَفَةَ وَجَلْبِهِ لِهَذَا الْكَلَامِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بِأُجْرَةٍ) ش: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ لَا الْمُسْتَأْجَرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَمْلُوكُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْمُؤَلِّفُ بِهَذَا الْقَيْدِ اشْتِرَاطَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ وَحْدَهَا لَا يَكْفِي فِي التَّحْبِيسِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إلَّا الْمُسْتَأْجَرُ فَيَكُونُ مُرَادُهُ الْمَمْلُوكُ رَقَبَتُهُ لَا مَنْفَعَتُهُ بِخُصُوصِيَّتِهَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَظْهَرَ فَاعِلُ اسْمِ الْمَفْعُولِ فَيَقُولُ الْمَمْلُوكُ رَقَبَتَهُ وَيَقُولُ لَا مَنْفَعَةَ وَيَبْقَى مُطْلَقُ الْمَنْفَعَةِ الْمُقَابِلُ لِلرَّقَبَةِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْفَعَةِ الِاسْتِئْجَارِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَصِحُّ فِي الْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ لَا الْمُسْتَأْجَرِ انْتِصَارًا لِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَفِي كَوْنِ مُرَادِ ابْنِ شَاسٍ إنْ وَقَفَ مَالِكٌ مَنْفَعَتَهَا أَوْ بَائِعُهَا نَظَرٌ وَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِخُرُوجِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي وَفِي نَقْلِهِ الْحُكْمَ بِإِبْطَالِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَبْسَ إعْطَاءُ مَنْفَعَةٍ دَائِمًا وَأَمَدُ الْإِجَارَةِ خَاصٌّ بِالزَّائِدِ عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَبْسُ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْمُعَارِضِ ثُمَّ فِي لَغْوِ حَوْزِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْحَبْسِ فَيَفْتَقِرُ لِحَوْزِهِ بَعْدَ أَمَدِ الْإِجَارَةِ وَصِحَّتُهُ لَهُ فَيَتِمُّ مِنْ حِينِ عَقَدَهُ قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي لَغْوِ حَوْزِ الْمُسْتَأْجِرِ مَا فِي إجَارَتِهِ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ بَعْدَ إجَارَتِهِ وَصِحَّتُهُ لَهُ انْتَهَى. وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ فَهِمَهُ الْقَرَافِيُّ عَلَيْهِ وَنَصُّهُ: فَرْعٌ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ يُمْنَعُ وَقْفُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِاسْتِحْقَاقِ مَنَافِعِهَا لِلْإِجَارَةِ فَكَأَنَّهُ وَقْفُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَقْفُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَا يَصِحُّ انْتَهَى. وَهَذَا التَّوْجِيهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ بِصِحَّةِ الْحَبْسِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتِبْعَادُ ابْنِ عَرَفَةَ حَمْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِقَوْلِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِجَارَةِ فِي الصِّنَاعَاتِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا انْقَضَتْ كَانَ النَّقْضُ لَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِجَارَةِ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ إلَّا أَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ جَارٍ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي حَدِّ الْوَقْفِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ

فرع تحبيس ما سوى الأرض

يَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ الْحَبْسُ غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ. قَالَ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ حُدُودِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنْ قُلْت إذَا اكْتَرَى أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ لِيُصَيِّرَهَا حَبْسًا مَسْجِدًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّ الشَّيْخِ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ (قُلْت) هَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرُوهَا فِي الْحَبْسِ وَقَالُوا لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُحْبِسِ مَالِكَ الرَّقَبَةِ بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ كَالْمَنْفَعَةِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بِأُجْرَةٍ فَيَحْتَاجُ هَذَا إلَى تَأَمُّلٍ فِي دُخُولِهَا انْتَهَى كَلَامُ الرَّصَّاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضَ] ص (وَلَوْ حَيَوَانًا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) وَأَمَّا الثِّيَابُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الثِّيَابِ طَرِيقَانِ اللَّخْمِيُّ فِي جَوَازِهَا وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِنَقْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ مَعَ الْقَاضِي الْبَاجِيِّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا وَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ فَعَلَى جَوَازِهِ يَلْزَمُ لِمُوَافَقَتِهِ الشَّرْعَ وَكَوْنِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَعَلَى كَرَاهَتِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ رِوَايَتَانِ (قُلْت) يُرِيدُ بِالْجَوَازِ عَدَمَ اللُّزُومِ لَا أَحَدَ أَحْكَامِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ قَسِيمِ الشَّيْءِ قِسْمًا مِنْهُ وَهُوَ مُحَالٌ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ الْأَصْلُ فِي تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ فِي مِيزَانِهِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ شَنِيعٌ فِي فَهْمِهِ إنْ ضَبَطَ بَاءَ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ وَفِي رِوَايَتِهِ إنْ ضَبَطَهَا بِالتَّشْدِيدِ وَفِي مِثْلِ هَذَا كَانَ بَعْضُ مَنْ لَاقَيْنَاهُ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اسْتِدْلَالَاتُ بَعْضِ شُيُوخِ مَذْهَبِنَا لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهَا خَوْفَ اعْتِقَادِ سَامِعِهَا وَلَا سِيَّمَا مَنْ هُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، إنَّ حَالَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ جُلِّهِمْ مِثْلُ هَذَا الْمُسْتَدِلِّ. قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ مُتَكَلِّمِي الْمُتَقَدِّمِينَ رَدًّا عَلَى الْمُنَجِّمِينَ وَدِدْت أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ لِسَخَافَتِهِ وَرَأَيْت لِلْآمِدِيِّ رَدًّا عَلَيْهِمْ لَيْسَ مُنْصِفًا وَقَفَ عَلَيْهِ انْتَهَى. (قُلْت) كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ فِي الْبُخَارِيِّ حَبَسَ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَكَانَ شِبَعُهُ وَرِيُّهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» انْتَهَى. فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ احْتَبَسَ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَوْقَفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَنَصُّهُ فِي بَابِ الْجَامِعِ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّهُ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ أَيْ أَوْقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ أَحْبَسَ. قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَيُقَال حَبَسَ مُخَفَّفًا وَحَبَّسَ مُشَدَّدًا انْتَهَى. فَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى حَبَّسَ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْوَقْفُ فَصَحَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ هَذَا إذَا كَانَا نَقَلَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ حَبَسَ وَإِنْ كَانَا نَقَلَاهُ بِلَفْظِ احْتَبَسَ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَحَرَّفَهُ النُّسَّاخُ فَمَعْنَى احْتَبَسَ أَوْقَفَ كَمَا تَقَدَّمَ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَصَحَّ مَا قَالَاهُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَصْلٌ فِي تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضَ وَكَذَا حَدِيثُ خَالِدٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِيمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ حَبَسَ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَعَبْدٍ عَلَى مَرَضِي) ش: اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ. ص (وَفِي وَقْفٍ كَطَعَامٍ تَرَدُّدٌ)

مسألة الوقف على الأولاد

ش أَتَى بِالْكَافِ لِتَدْخُلَ الْمِثْلِيَّاتُ وَيُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ مَنْعِ وَقْفِ الطَّعَامِ إنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ أَنَّ وَقْفَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي هَذَا التَّرَدُّدِ نَظَرٌ لِأَنَّك إنْ فَرَضْت الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِوَقْفِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ بَقَاءَ عَيْنِهِ فَلَيْسَ إلَّا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ عَلَى أَحَدٍ وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الطَّعَامِ الْمُؤَدِّي إلَى إضَاعَةِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَوْقَفَهُ لِلسَّلَفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ ثُمَّ يَرُدُّ عِوَضَهُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا الْجَوَازُ وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ شَاسٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ عَيْنِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِيهَا جَوَازُ وَقْفِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الطَّعَامَ وَقِيلَ يُكْرَهُ انْتَهَى. ص (عَلَى أَهْلٍ لِلتَّمَلُّكِ) ش: هَذَا الضَّابِطُ لَيْسَ بِشَامِلٍ لِخُرُوجِ نَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ مِنْهُ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مَا جَازَ صَرْفُ مَنْفَعَةِ الْحَبْسِ لَهُ أَوْ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا يَصِحُّ رَدُّهُ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ ابْنُ شَاسٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبُولُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَهْلًا لِلرَّدِّ وَالْقَبُولِ وَفِي كَوْنِ قَبُولِهِ شَرْطًا فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ أَوْ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ خِلَافٌ انْتَهَى. ص (كَمَنْ سَيُولَدُ لَهُ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا كَعَلَى وَلَدِي وَلَا وَلَدَ لَهُ فِي كَوْنِهِ جَعَلَ لَهُ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ هُنَا تَكَلَّمَ عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ وَهُنَاكَ عَلَى لُزُومِهِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ عَلَى الْحَمْلِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْحَمْلِ وَالرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ وَبِهَا احْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى الْحَمْلِ وَفِي لُزُومِهِ بِعَقْدِهِ عَلَى مَنْ يُولَدُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ لِنَقْلِ الشَّيْخِ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ لِمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ بَيْعُ مَا حَبَسَهُ مَا لَمْ يُولَدْ لَهُ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَائِلًا لَوْ جَازَ لَجَازَ بَعْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَمَوْتِهِ (قُلْت) يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ بِوُجُودِهِ اسْتَمَرَّ ثُبُوتُهُ لِوُجُودِ مُتَعَلِّقِهِ وَقَبْلَهُ لَا وُجُودَ لِمُتَعَلِّقِهِ حُكْمًا وَالْأَوْلَى احْتِجَاجُ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ حَبْسٌ قَدْ صَارَ عَلَى مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي فَصَارَ مَوْقُوفًا أَبَدًا وَمَرْجِعُهُ لِأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ وَلَهُمْ فِيهِ مُتَكَلَّمٌ انْتَهَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَلَا وَلَدَ لَهُ فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ إيَاسِهِ قَوْلَانِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُحْكَمُ بِحَبْسِهِ وَيُخْرَجُ إلَى يَدِ ثِقَةٍ لِيَصِحَّ الْحَوْزُ وَتُوقَفُ ثَمَرَتُهُ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَهُمْ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ثَالِثٌ يَرَى أَنَّ الْحَبْسَ قَدْ تَمَّ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ رَجَعَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَلَهُمْ أَيْ الْحَبْسُ وَالثَّمَرَةُ وَإِذَا بَقِيَ وَقْفًا عَلَيْهِمْ رُدَّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ حَوْزُهُ لِوَلَدِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ انْتَهَى. وَمِنْ التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ صَارَ مِيرَاثًا انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ الْوَقْفُ عَلَى الْأَوْلَادِ] (مَسْأَلَةٌ) سُئِلْت عَنْهَا وَهِيَ رَجُلٌ. قَالَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ أَوْقَفَ كَاتِبُهُ الدَّارَ الْفُلَانِيَّةَ عَلَى وَلَدِهِ فُلَانٍ ثُمَّ بَعْدَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَعَلَى مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ هَلْ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَاقِفِ أَوْ إلَى الْوَلَدِ (فَأَجَبْت) أَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَقَالَ السَّائِلُ أَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ إنِّي أَوْقَفْت الدَّارَ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَعَلَى مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ لِي مِنْ الْأَوْلَادِ فَبَيَّنَ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ فِي أَجْوِبَتِهِ يَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ قَوْلُ الْمُحْبِسِ فِي وُجُوهِ تَحْبِيسِهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَصٍّ جَلِيٍّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ إنَّهُ أَرَادَ مَا يُخَالِفُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ وَلَا يُخَالَفُ حَدُّهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمَا كَانَ مِنْ كَلَامٍ مُحْتَمَلٍ لِوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ أَظْهَرَهُمَا أَصْلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى

الْأَظْهَرِ مِنْ بَاقِيهَا إذَا كَانَ الْمُحْبِسُ قَدْ مَاتَ فَفَاتَ أَنْ يَسْأَلَ عَمَّا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ إذْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَا أَرَادَ وَأَحَقُّ بِبَيَانِهِ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ إذَا كَانَ حَيًّا وَفَسَّرَ اللَّفْظَ بِأَحَدِ احْتِمَالَاتِهِ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ وَلَوْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الصَّرِيحِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ خِلَافَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ إذَا قَالَ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَكُلِّ وَلَدٍ يُحْدِثُهُ اللَّهُ لَهُ فَقَطْ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الِابْنِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْأَقْرَبِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى فَرْعٌ وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ وَهُوَ بَعِيدٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ إذَا قَالَ الْوَاقِفُ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ طَبَقَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا الشَّرْطِ ذِكْرُ الْوَاقِفِ فَبَقِيَ الضَّمِيرُ دَائِرًا بَيْنَ طَبَقَةِ الْوَاقِفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي تَعْيِينُ الْمَقْصُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَإِذَا نَصَّ عَلَى طَبَقَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَيُمَيَّزُ بَيْنَ الْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ الْجَمِيعُ أَوْلَادُ عَمٍّ وَهُوَ مَعَ أَخِيهِ الْكُلُّ إخْوَةٌ فَكِلَا الْجِهَتَيْنِ طَبَقَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فَيَقُولَ مِنْ إخْوَتِهِ أَوْ يَقُولَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَيَتَعَيَّنَ الْأَخُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الطَّبَقَةِ وَابْنُ الْعَمِّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ فَإِنْ قَالَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَأَفْتَوْا بِالتَّسْوِيَةِ فِي الشَّقِيقِ وَالْأَخِ لِلْأَبِ فَإِنَّ حَجْبَ الشَّقِيقِ لَهُ لَيْسَ بِالْقُرْبِ بَلْ بِالْقُرْعَةِ فَإِنْ قَالَ طَبَقَتُهُ وَسَكَتَ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْأَخِ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ. قَالَ لِأَنَّهُ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى أَتَمِّ مُرَادِهِ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ فِي طَبَقَتِهِ فَلَا احْتِمَالَ فِيهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِمَا بَيَّنْت لَك انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فَلَا احْتِمَالَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ فِي طَبَقَتِهِ فَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْإِخْوَةُ فَقَطْ دُونَ بَنِي عَمِّ الْعَمِّ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ رَجَعَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ إخْوَتُهُ فَقَطْ دُونَ بَنِي عَمٍّ إمَّا أَصَالَةً كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى أَتَمِّ مُرَادِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ فَرْعٌ حَسَنٌ. ص (وَذِمِّيٍّ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْأَظْهَرُ جَرْيُهَا عَلَى حُكْمِ الْوَصِيَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَوَّاقُ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَنْ حَبَسَ عَلَى مَسَاكِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَازَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ} [الإنسان: 8] وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَقَارِبُهُ أَقَارِبُ جِهَتَيْهِ وَإِنْ نَصَارَى. ص (وَبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ) ش: وَانْظُرْ الْوَقْفَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَإِنْ

اُتُّفِقَ عَلَى كَرَاهَتِهِ فَلَا يُصْرَفُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَيُتَوَقَّفُ فِي بُطْلَانِهِ أَوْ صَرْفِهِ إلَى جِهَةِ قُرْبِهِ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الْأَذَانُ جَمَاعَةً بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْأَذَانَ جَمَاعَةً عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ. قَالَ وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ فَالثَّوَابُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاتِّبَاعِ أَوْ لِأَهْلِ الْجَامِكِيَّةِ وَالْجَامَكِيَّةُ لَا تُصْرَفُ فِي بِدْعَةٍ كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً انْتَهَى. ص (وَكَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ) ش. قَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمَازِرِيُّ أَمَّا نَبْشُ الْقُبُورِ وَإِزَالَةُ الْمَوْتَى فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَائِطِ لَمْ يُمَلِّكُوهُمْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ عَلَى التَّأْبِيدِ أَوْ لَعَلَّهُ تَحْبِيسٌ وَقَعَ مِنْهُمْ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَالْكَافِرُ لَا تَلْزَمُهُ الْقُرْبَةُ كَمَا قَالُوا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَهُمَا كَافِرَانِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ قَبْلَ إسْلَامِهِمَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّ أَيْدِيَ أَصْحَابِ الْحَوَائِطِ زَالَتْ عَنْ الْقُبُورِ لِأَجْلِ مَنْ دُفِنَ فِيهَا. قَالَ عِيَاضٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْبِيسِ أَهْلِ الْكُفْرِ بَقَاءُ أَيْدِيهِمْ أَوْ زَوَالُهَا إذْ الْقُرْبَةُ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ وَعُقُودُهُمْ فِيهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلَهُمْ عِنْدَ أَشْيَاخِنَا بِلَا خِلَافٍ الرُّجُوعُ فِي أَحْبَاسِهِمْ وَمَنْعُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا وَيَفْتَرِقُ مِنْ الْعِتْقِ الَّذِي شَرَطَ فِي إمْضَائِهِ شُيُوخُنَا خُرُوجَهُ مِنْ يَدِهِ إذْ صَارَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْمُعْتِقِ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ وَتَسْرِيحِهِ إيَّاهُ وَتَمْلِيكِهِ نَفْسَهُ فَأَشْبَهَ عُقُودَ هِبَاتِهِمْ وَأَعْطِيَتِهِمْ اللَّازِمَةِ انْتَهَى. ص (وَعَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ) ش: أَمَّا إذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ نَصِيبًا فَظَاهِرٌ وَإِذَا شَرَطَ إخْرَاجَهُنَّ إذَا تَزَوَّجْنَ فَصَرَّحَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ إخْرَاجِ الْبَنَاتِ مِنْ الْحَبْسِ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ وَانْظُرْ لَوْ حَبَسَ عَلَى الْبَنَاتِ دُونَ الْبَنِينَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِفَةَ مَا يُكْتَبُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُحْبِسِ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ لِبَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ عَقَّبَهُ بِالْخِلَافِ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ صِفَةَ مَا يُكْتَبُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُحْبِسِ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ لِبَنَاتِهِ دُونَ بَنِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّة وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا وَنَصُّ كَلَامِ مَالِكٍ فِي آخِرِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ وَهِيَ آخِرُ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى بَنَاتِهِ حَبْسًا فَإِذَا انْقَرَضَ بَنَاتُهُ فَهِيَ لِذُكُورِ وَلَدِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ مُبَتَّلٌ ذَلِكَ لِهَذَا فَيَكُونُ لِلْإِنَاثِ حَتَّى يَهْلِكْنَ جَمِيعُهُنَّ وَلِلرَّجُلِ يَوْمَ هَلَكْنَ كُلُّهُنَّ وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدِ ذُكُورٍ فَقَالَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَحْنُ مِنْ وَلَدِهِ نَدْخُلُ فِي صَدَقَةِ جَدِّنَا وَقَالَ وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ نَحْنُ آثَرُ وَأَوْلَى فَقَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ وَلَدُ الْوَلَدِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إنَّهُ يَدْخُلُ وَلَدُ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ فَهِيَ لِذُكُورِ وَلَدِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ الذَّكَرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فِي الْمِيرَاثِ فَلَمَّا كَانَ لَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ فِي الْمِيرَاثِ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْحَبْسِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ مَعَ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى بَنَاتِهِ بِصَدَقَةٍ حَبَسَ بَنَاتِ بَنِيهِ الذُّكُورِ لِأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ فِي الْمِيرَاثِ إذَا لَمْ يَكُنْ ابْنٌ وَلَا ابْنَةٌ فَلَا شَيْءَ لِذُكُورِ وَلَدِ الْمُحْبِسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى تَنْقَرِضَ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ بَنِيهِ الذُّكُورِ انْتَهَى. فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فَلَا شَيْءَ لِذُكُورِ وَلَدِ الْمُحْبِسِ إلَى آخِرِهِ مَعَ جَوَابِ مَالِكٍ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ مِنْ دُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ الْأَوْلَادِ وَعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلْحُكْمِ فِي تَخْصِيصِ الْبَنَاتِ دُونَ الْبَنِينَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَائِزًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَنْزِلِهِ قَبْلَ عَامٍ)

مسألة أوقف وقفا وشرط النظر لنفسه مدة حياته

ش وَأَمَّا إنْ عَادَ إلَى السُّكْنَى بَعْدَ عَامٍ فَلَا يَبْطُلُ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا مَنْ يَحُوزُ لَهُ الْوَاقِفُ فَإِنَّهُ إنْ عَادَ إلَى السُّكْنَى بَطَلَ الْحَبْسُ وَالْهِبَةُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَابْنَ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَانْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ مَرْزُوقٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَدَعْ سُكْنَاهُ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ. ص (أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ) ش: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ أَوْ مَنْ فِي حِجْرِهِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى حِيَازَةَ وَقْفِهِمْ وَالنَّظَرَ لَهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة أَوْقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ] (مَسْأَلَةٌ) سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ أَوْقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ قَاضٍ مَالِكِيٌّ فَانْتَقَلَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ وَالْوَاقِفُ بِالْوَفَاةِ بَعْدَ مُدَّةٍ فَدَعَتْ زَوْجَةُ الْوَاقِفِ أَوْلَادَهُ إلَى قَاضٍ مَالِكِيٍّ آخَرَ فِي مِيرَاثِهَا مِنْ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ فَأَظْهَرُوا كِتَابَ الْوَقْفِ فَأَبْطَلَهُ وَحَكَمَ لَهَا بِإِرْثِهَا فَهَلْ يَصِحُّ نَقْضُ الثَّانِي أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ وَقَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُنْقِضَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ مِمَّنْ تُنَفَّذُ أَحْكَامُهُ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْجَوْرِ وَأَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْأُمُورَ الْبَاطِنَةَ أَوْ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْجَهْلِ مِنْ غَيْرِ مُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَذَلِكَ الثَّانِي إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْجَوْرِ أَوْ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْجَهْلِ مِنْ غَيْرِ مُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ فَأَحْكَامُهُ أَيْضًا بَاطِلَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ لَمْ يَحُزْهُ كَبِيرٌ وَلَوْ سَفِيهًا) ش: أَشَارَ بِقَوْلِهِ سَفِيهًا إلَى أَنَّ حِيَازَةَ السَّفِيهِ لِمَا أُوقِفَ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ وَفِي وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ حِيَازَةَ السَّفِيهِ لِمَا وَقَفَ عَلَيْهِ مَطْلُوبَةٌ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحَائِزُ لَهُ ابْتِدَاءً وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ مَنْ يُقَدِّمُهُ الْقَاضِي لَهُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا حَازَ لِنَفْسِهِ هَلْ يَصِحُّ حَوْزُهُ أَمْ لَا؟ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حِيَازَتَهُ لِمَا وَقَفَ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ وَاَلَّذِي فِي وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ وَالْخِلَافُ فِي صِحَّةِ حِيَازَةِ السَّفِيهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ وَلِيٌّ. قَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ جَازَتْ حِيَازَتُهُ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا حِيَازَةُ وَلِيِّهِ لَهُ فَجَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَلْ هُوَ الْمَطْلُوبُ ابْتِدَاءً وَلَا يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ كَبِيرًا سَفِيهًا فَلَا تَكْفِي حِيَازَةُ الْمَوْلَى لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ حَوْزِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَائِزَ لَهُ ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ وَلِيُّهُ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ إلَّا لِمَحْجُورِهِ. ص (أَوْ وَلِيٌّ صَغِيرٌ) ش: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ ابْتِدَاءٌ فِي الصَّغِيرِ أَنَّ الْحَائِزَ لَهُ وَلِيُّهُ وَلَوْ حَازَ لِنَفْسِهِ لَصَحَّ حَوْزُهُ كَالسَّفِيهِ فَحُكْمُ الصَّغِيرِ كَالسَّفِيهِ. قَالَ فِي كِتَابِ الطُّرَرِ وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى صَغِيرٍ مِنْ أَبٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ الصَّدَقَةَ إلَى ذَلِكَ الصَّغِيرِ وَحَازَهَا فِي صِحَّةِ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا فَإِنَّهَا حِيَازَةٌ تَامَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْحَائِزُ صَغِيرًا وَتُنَفَّذُ الصَّدَقَةُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِدَاءً أَنْ يَحُوزَ الصَّغِيرُ فَإِنْ وَقَعَ نَفَذَ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) حُكْمُ

الْهِبَةِ حُكْمُ الْوَقْفِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِي) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَصَحَّ أَيْ الْحَوْزُ بِوَكَالَةٍ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَإِنْ بِحُضُورِهِ وَإِنْ قَدَّمَ الْوَاقِفُ مَنْ يَحُوزُ لَهُ جَازَ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَجُوزُ لِلْغَائِبِ فَقَطْ. ص (قَبْلَ فَلَسِهِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِهِ) ش: دَخَلَ فِي الْمَرَضِ الْجُنُونُ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة وَكَذَلِكَ إنْ فَقَدَ عَقْلَهُ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ عَنْهُ الصَّدَقَةُ بَطَلَتْ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ الصَّدَقَةُ عَنْهُ أَوْ يَصِحَّ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ فَتُنَفَّذَ الصَّدَقَةُ وَيُؤْخَذَ مِنْهُ انْتَهَى. ص (إلَّا لِمَحْجُورِهِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي حَوْزِ الْحَاضِنِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ أُمًّا أَوْ جَدَّةً صَحَّ وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ غَيْرَ جَدَّةٍ وَأَخٍ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَنْصُوصُ لَيْسَ بِحَوْزٍ مُطْلَقًا فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْأَبَ صَرَفَ الْغَلَّةَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ فَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتٍ)

ش:. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ شُرِكَ فَمَا خَصَّ الْوَارِثَ فَمِيرَاثٌ وَيَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَارِثِ إلَى مَرْجِعِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي فَإِنْ شَرِكَ الْمَرِيضُ الْوَارِثَ فِي الْوَقْفِ مَعَ غَيْرِهِ فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ صِحَّةَ الْوَقْفِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْهُ مَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَمَا خَصَّ الْوَارِثَ مِيرَاثٌ عَلَى جِهَةِ الْمِلْكِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَقِّبًا وَإِنْ كَانَ مُعَقِّبًا رَجَعَ النَّصِيبُ الْمَوْقُوفُ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ بِسَبَبِ مَا فِيهِ مِنْ التَّعْقِيبِ وَيَبْقَى بِيَدِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ عَلَى حُكْمِ الْإِرْثِ مَا دَامَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ رَجَعَ إلَى مَرْجِعِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ وَلَدِ الْأَعْيَانِ. ص (بِحَبَسْت وَوَقَفْت أَوْ تَصَدَّقْت إنْ قَارَنَهُ قَيْدٌ أَوْ جِهَةٌ لَا تَنْقَطِعُ أَوْ لِمَجْهُولٍ وَإِنْ حُصِرَ) ش: هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ وَهُوَ الصِّيغَةُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَذِنَ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَخُصَّ شَخْصًا وَلَا زَمَانًا فَكَالصَّرِيحِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فَلَوْ أَذِنَ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا أَيْ إذْنًا مُطْلَقًا أَوْ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَخُصَّ بِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ فَذَلِكَ كَالصَّرِيحِ لِأَنَّهُ وَقْفٌ وَإِنْ لَمْ يَخُصَّ زَمَانًا وَلَا شَخْصًا وَلَا قَيَّدَ الصَّلَاةَ فِيهِ بِفَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِوَقْفِيَّتِهِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ وَالِدُهُ فِي الْبَابِ السَّبْعِينَ مِنْ تَبْصِرَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّفْظَ ثُمَّ قَالَ وَلَفْظُ وَقَفْت يُفِيدُ التَّأْبِيدَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّهَا أَصْرَحُ أَلْفَاظِ الْفَصْلِ وَلِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بِغَيْرِ ضَمِيمَةٍ وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ. قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنُ زَرْقُونٍ لَفْظُ الْوَقْفِ وَالْحَبْسِ سَوَاءٌ وَيَدْخُلُ فِي لَفْظِ وَقَفْت مِنْ الْخِلَافِ مَا يَدْخُلُ فِي حَبَسْت انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي

هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ لَفْظَ الْحَبْسِ عَلَى لَفْظِ الْوَقْفِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ رَاجِعًا إلَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَحَبَسْت وَتَصَدَّقْت إنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ قَيْدٍ أَوْ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ لَفْظَتَيْ حَبَسْت وَتَصَدَّقْت لَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِمُجَرَّدِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ ضَمِيمَةِ قَيْدٍ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّفْظَتَيْنِ مَعًا كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إذَا قَالَ حَبْسًا صَدَقَةً أَوْ ذَكَرَ لَفْظَ التَّأْبِيدِ أَوْ ضَمِيمَةَ جِهَةٍ فِي الْحَبْسِ لَا تَنْقَطِعُ وَمُرَادُهُ عَدَمُ انْحِصَارِ مَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ الْحَبْسُ بِأَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ كَقَوْلِهِ حَبْسٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ وَالْجِهَاتُ وَشِبْهُهَا فَفِي التَّأْبِيدِ حِينَئِذٍ رِوَايَتَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي التَّأْبِيدِ إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ أَوْ الْجِهَاتُ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ حَبْسٌ صَدَقَةٌ أَوْ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا أَنَّهُ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ تَرْجِعُ بِمَرَاجِعِ الْأَحْبَاسِ وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُحْبِسِ مِلْكًا وَمَعَ ذَلِكَ فَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ مِلْكًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ حَبْسٌ صَدَقَةٌ وَكَذَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنَّهَا تَرْجِعُ مِلْكًا إذَا حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَلَوْ قَالَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ نَعَمْ يَعِزُّ وُجُودُ الْخِلَافِ بَلْ يَنْتَفِي إذَا اقْتَرَنَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْجِهَاتِ غَيْرِ الْمَحْصُورَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى مَدْلُولِ الْعُرْفِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ وَقَفْت وَحَبَسْت يُفِيدَانِ التَّأْبِيدَ سَوَاءٌ أُطْلِقَا أَوْ قُيِّدَا بِجِهَةٍ لَا تَنْحَصِرُ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ وَقْفٌ أَوْ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ الْمُعَيَّنِ حَيَاتَهُ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ حَيَاتَهُمْ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ حَيَاتَهُمْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَقَالَ حَبْسٌ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ خَمْسًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ. قَالَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَيْ إذَا ضَرَبَ لِلْوَقْفِ أَجَلًا أَوْ قَيَّدَهُ بِحَيَاةِ شَخْصٍ وَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَلَا يُقَيِّدُ التَّأْبِيدَ إلَّا إذَا قَارَنَهُ قَيْدٌ كَقَوْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ أَوْ جِهَةٌ لَا تَنْقَطِعُ كَصَدَقَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَالْمُجَاهِدِينَ يَسْكُنُونَهَا أَوْ يَسْتَغِلُّونَهَا أَوْ عَلَى مَجْهُولٍ وَلَوْ كَانَ مَحْصُورًا كَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ وَغَيْرَ الْمَحْصُورِ كَعَلَى أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ الرِّبَاطِ الْفُلَانِيِّ فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْوَقْفَ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ فَهِيَ لَهُ مِلْكٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَالنَّاظِرُ يَصْرِفُ ثَمَنَهَا بِاجْتِهَادِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلِلتَّحْبِيسِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ حَبْسٌ وَوَقْفٌ وَصَدَقَةٌ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَلَا مَحْصُورِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الدَّارُ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهَا لِفُلَانٍ مِلْكٌ يَبِيعُهَا وَيَهَبُهَا وَتُورَثُ عَنْهُ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَلَا مَحْصُورِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الدَّارُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ فَإِنَّهَا تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنْ يَقُولَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَسْكُنُونَهَا أَوْ يَسْتَغِلُّونَهَا فَتَكُونُ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ لِلسُّكْنَى وَالِاغْتِلَالِ وَلَا تُبَاعُ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ إلَّا أَنَّهُمْ مَحْصُورُونَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ هَلْ تَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْعَقِبِ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ أَوْ تَكُونُ لِآخِرِ الْعَقِبِ مِلْكًا مُطْلَقًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَكُونُ لِآخِرِ الْعَقِبِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضِ رِجَالِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ إنَّ ذَلِكَ إعْمَارٌ وَتَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْعَقِبِ

فائدة اختلط عدد محصور بعدد محصور أو بغير محصور

إلَى الْمُصَدِّقِ مِلْكًا انْتَهَى. [فَائِدَة اخْتَلَطَ عَدَدٌ مَحْصُورٌ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ] (فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَوْلُهُمْ لَوْ اخْتَلَطَ عَدَدٌ مَحْصُورٌ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ هَذَا اللَّفْظُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَقَلَّ مَنْ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ نَقَلْت فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ إنْ قُلْت كُلُّ عَدَدٍ فَهُوَ مَحْصُورٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَلَوْ أَرَادَ إنْسَانٌ حَصْرَ أَهْلِ الْبَلَدِ لَقَدَرَ عَلَيْهِ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُمْ فَاعْلَمْ أَنَّ تَحْرِيرَ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِنَّمَا يُضْبَطُ بِالتَّقْرِيبِ فَنَقُولُ كُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ لَعَسَرَ عَلَى النَّاظِرِ عَدَدُهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَالْأَلْفِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَمَا سَهُلَ كَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ مُتَشَابِهَةٌ تَلْحَقُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالظَّنِّ وَمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِيهِ اسْتَفْتِ فِيهِ الْقَلْبَ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ [فَرْعٌ أَعْطَى فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ هُوَ لَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ مَالِكٌ إذَا أَعْطَى فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ هُوَ لَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَإِنْ قِيلَ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَكِبَهُ وَرَدَّهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا أَرَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ ثَمَنِهِ فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ شَأْنَك بِهِ فَافْعَلْ بِهِ مَا أَرَدْت فَإِنْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فَأَرَاهُ مَالًا مِنْ مَالِهِ يَعْمَلُ بِهِ فِي غَزْوِهِ إذَا هُوَ بَلَغَهُ مَا يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ. قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى ذَهَبَا أَوْ وَرِقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِيمَنْ أُعْطِيَ مَالًا يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُ يُنْفِقُهُ فِي الْغَزْوِ فَإِنْ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ بَعْدَ مَا مَرَّ غَزْوُهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَأَعْطَاهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ لِنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَمَا جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ الْعَلَفِ وَالطَّعَامِ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ إلَّا أَهْلُ الْحَاجَةِ وَمَا جُعِلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَاءِ فَلْيَشْرَبْ مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ عُمُومُ النَّاسِ وَلَا مَهَانَةَ فِيهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَسْأَلَةٌ فَإِنْ قِيلَ مَا تَقُولُونَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ تُوجَدُ عَلَى ظُهُورِهَا وَهَوَامِشِهَا كِتَابَةُ الْوَقْفِ هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِكَوْنِهَا وَقْفًا بِذَلِكَ قِيلَ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ رَأَيْنَا كُتُبًا مَوْدُوعَةً فِي خِزَانَةٍ فِي مَدْرَسَةٍ وَعَلَيْهَا كِتَابَةُ الْوَقْفِ وَقَدْ مَضَى عَلَيْهَا مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ كَذَلِكَ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ بِذَلِكَ لَمْ يُشَكَّ فِي كَوْنِهَا وَقْفًا وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَدْرَسَةِ فِي الْوَقْفِيَّةِ فَإِنْ انْقَطَعَتْ كُتُبُهَا أَوْ فُقِدَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ وَعَلَيْهَا تِلْكَ الْوَقْفِيَّةُ وَشُهْرَةُ كُتُبِ الْمَدْرَسَةِ فِي الْوَقْفِيَّةِ مَعْلُومَةٌ فَيَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِفَاضَةُ وَيَثْبُتُ مَصْرِفُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَأَمَّا إذَا رَأَيْنَا كُتُبًا لَا نَعْلَمُ مَقَرَّهَا وَلَا نَعْلَمُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهَا الْوَقْفِيَّةَ فَهَذِهِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِي أَمْرِهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهَا وَهُوَ عَيْبٌ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ الرَّدُّ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يُوجَدُ عَلَى أَبْوَابِ الرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَالْأَحْجَارِ الْمَكْتُوبَةُ عَلَيْهَا الْوَقْفِيَّةُ وَتَخْلِيصُ شُرُوطِهَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَحْجَارُ قَدِيمَةً وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ الْوَقْفِ فِي مَصْرِفِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ كِتَابُ الْوَقْفِ انْتَهَى مِنْ التَّبْصِرَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَقَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَجَعَ إنْ انْقَطَعَ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحْبِسِ) ش: فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمُرْجِعِ أَغْنِيَاءَ فَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى أَوْلَى

النَّاسِ بِهِمْ وَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ انْتَهَى. مِنْ وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لَهُمْ) ش: اُنْظُرْ الْقَاضِي عَبْدَ الْوَهَّابِ وَالْفَاكِهَانِيَّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ رَجَعَ نَصِيبُهُ عَلَى مَنْ بَقِيَ اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَأَظُنُّهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَدْ نَقَلْت بَعْضَهُ فِي الْهِبَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُمْرَى وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَتَانِ سُئِلْت عَنْهُمَا إحْدَاهُمَا فِي امْرَأَةٍ أَوْقَفَتْ دَارًا لَهَا عَلَى وَلَدِهَا عُمَرَ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَالطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى فَتُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ وَتَسَلَّمَ الْوَقْفَ وَلَدُهَا عُمَرُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ مَاتَ عَنْ ذَكَرٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ مِنْ الْبَنَاتِ اثْنَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ لِأَوْلَادِهِمْ حِصَّةٌ مَعَ وُجُودِ خَالِهِمْ وَخَالَتِهِمْ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت لِأَوْلَادِ كُلِّ مَيِّتَةٍ حِصَّةُ وَالِدَتِهِمْ وَلَيْسَ لِخَالِهِمْ وَلِخَالَتِهِمْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْوَاقِفِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى حَسْبَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحَظُّهُ لِوَالِدِهِ دُونَ إخْوَتِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي آخِرِ الرَّدِّ خَطَأٌ صُرَاحٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى تَحْقِيقِ لَفْظِ الْمُحْبِسِ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ وَنَقَلَهَا عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ وَهَذَا الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَعَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَفْتَى بِذَلِكَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى وَأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ الْفُرُوعَ لَا تَدْخُلُ مَعَ أُصُولِهِمْ وَلَا يُشَارِكُونَهُمْ وَأَنَّ الْوَلَدَ يَسْتَحِقُّ مَا كَانَ لِأَبِيهِ مُعْتَمِدِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ وَأَوْلَادُهُمْ فَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مَعَ الْأَوْلَادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي مَسْأَلَةِ قَطِيعٌ حُبِسَ مِنْ جَنَّةٍ وَفِي غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) شَخْصٌ أَوْقَفَ مَالَهُ الْفُلَانِيَّ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مِنْ الْأَوْلَادِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَعَقِبًا بَعْد عَقِبٍ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ عَدَا أَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ بَنِيهِ وَبَنَاتِ بَنِيهِ وَمَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ وَقْفًا صَحِيحًا عَلَى مَنْ سَيُولَدُ مِنْ ظَهْرِهِ وَعَلَى مَنْ ذَكَرَ بَعْدَهُمْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ فَهَلْ قَوْلُهُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ يَمْنَعُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مِنْ الدُّخُولِ مَعَ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ يَمْنَعُ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَدْخُلُ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ؟ . وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَمْنَعُ فَهَلْ يُقَيَّدُ دُخُولُ الْأَبْنَاءِ بِوُجُودِ الْآبَاءِ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ دُخُولَهُ كَانَ مُقَيَّدًا بِوُجُودِ أَبِيهِ؟ فَأَجَبْت لَا أَعْلَمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِخُصُوصِهَا مَنْصُوصَةً أَعْنِي إذَا قَالَ الْوَاقِفُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ قَالَ وَيَدْخُلُ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْأَبْنَاءِ مَعَ الْآبَاءِ وَكَلَامُ الْوَاقِفِ يَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَطَفَ الْأَبْنَاءَ عَلَى الْآبَاءِ بِالْوَاوِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِدُخُولِهِمْ مَعَهُمْ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ أَقْوَاهُمَا تَصْرِيحُهُمْ بِدُخُولِهِمْ مَعَ الْآبَاءِ مَرَّتَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَعَقِبًا بَعْدَ عَقِبٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ التَّنْصِيصَ عَلَى تَأْكِيدِ اسْتِمْرَارِ الْوَقْفِ وَتَأْبِيدِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ وَالْأَعْقَابِ وَإِذَا ظَهَرَ دُخُولُهُمْ فِي الْوَقْفِ مَعَ آبَائِهِمْ فَدُخُولُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ فِي الْوَقْفِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ أَحْرَى وَأَوْلَى وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْوَاقِفِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ؛ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِفَحْوَى الْخِطَابِ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِمْ لِأَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِذَا صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِدُخُولِهِمْ مَعَ أَبِيهِمْ فِي حَيَاتِهِ فَدُخُولُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَيْضًا فَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ بِأَنَّ الْأَبْنَاءَ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ آبَائِهِمْ. قَالُوا: فَإِذَا مَاتَ وَلَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ فَإِنَّ أَوْلَادَهُ يَسْتَحِقُّونَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ وَيَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ أَعْمَامِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ جَمِيعِ الْأَوْلَادِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَأَفْتَى شُيُوخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْوَلَدِ مَعَ أَبِيهِ لَا مِنْ دُخُولِهِ مَعَ أَعْمَامِهِ وَمَنْ فِي طَبَقَةِ أَبِيهِ فَإِذَا صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِدُخُولِ الْأَوْلَادِ مَعَ آبَائِهِمْ فَلَا يُشَكُّ فِي دُخُولِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةٌ رَاسَلَنِي بِهَا شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَصُّهُ وَقَعَتْ لَنَا مَسْأَلَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ شَخْصٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَشَرَطَ أَنَّ الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَمَاتَ شَخْصٌ مِنْ طَبَقَتِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَثَمَّ شَخْصٌ فِي طَبَقَتِهِ إلَّا أَنَّ أَبَا هَذَا الشَّخْصِ مَوْجُودٌ وَهُوَ مَحْجُوبٌ بِهِ لَيْسَ لَهُ فِي الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقٌ فَهَلْ يَكُونُ نَصِيبُ هَذَا الْمَيِّتِ لِهَذَا الْمَحْجُوبِ بِأَبِيهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ لِمَنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ وَمِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ. وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْوَاقِفِ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ يَحْجُبُ فُرُوعَهُ لَا فُرُوعَ غَيْرِهِ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْآنَ إلَّا بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْوَاقِفِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ إنَّمَا هُوَ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْفِعْلِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَجْزِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ فَاكْتُبْ لِي مَا عِنْدَك فِيهَا نَقْلًا أَوْ بَحْثًا انْتَهَى كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي كَقَنْطَرَةٍ

لَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا فِي مِثْلِهَا) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْحَبْسِ وَإِنْ جَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَقَوْلِهِ حَبْسٌ فِي السَّبِيلِ أَوْ فِي وَقَيْدِ مَسْجِدٍ أَوْ إصْلَاحِ قَنْطَرَةٍ كَذَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبْهَمِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَيُوقَفُ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ الْوَجْهُ لِخَلَاءِ الْبَلَدِ أَوْ فَسَادِ مَوْضِعِ الْقَنْطَرَةِ حَتَّى لَا يُمْكِنَ بِنَاؤُهَا وُقِفَ إنْ طَمِعَ بِصَرْفِهِ إلَيْهِ أَوْ صَرْفِهِ فِي مِثْلِهِ (قُلْت) وَقَعَتْ بِتُونُسَ حَبَسَ الْأَمِيرُ أَبُو الْحَسَنِ كُتُبًا لِمَدْرَسَةٍ ابْتَدَأَهَا بِالْقَيْرَوَانِ وَأُخْرَى بِتُونُسَ وَجَعَلَ مَقَرَّهَا بَيْتًا بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ فَلَمَّا أَيِسَ مِنْ تَمَامِهَا قُسِمَتْ الْكُتُبُ عَلَى مَدَارِسِ تُونُسَ انْتَهَى. ص (وَلَا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ) ش: وَيَصِيرُ كَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ لَا يَضُرُّهُ اسْتِحْدَاثُ سَيِّدِهِ دَيْنًا قَبْلَ الْأَجَلِ وَذَلِكَ يَضُرُّ عِنْدَ التَّحْبِيسِ

قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَحُزْ عَنْهُ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ فَإِنَّ لَهُ مَنْفَعَتَهُ فِي الْأَجَلِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّهُ حُدُوثُ الدَّيْنِ وَإِنْ أَبْقَاهَا لِنَفْسِهِ بَطَلَ بِحُدُوثِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي لَغْوِ حَوْزِ الْمُسْتَأْجَرِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى إعْمَالِهِ لَا يَبْطُلُ بِهِ انْتَهَى. ص (وَاتَّبَعَ شَرْطَهُ إنْ جَازَ لِتَخْصِيصِ مَذْهَبٍ) ش مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ جَازَ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ مَا لَا يَجُوزُ لَا يُتَّبَعُ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا شَرَطَ شَيْئًا مُتَّفَقًا عَلَى مَنْعِهِ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي وَقْفِهِ إنْ وَجَدَ فِيهِ ثَمَنَ رَغْبَةِ بَيْعٍ وَاشْتَرَى غَيْرَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ مَضَى وَعَمِلَ بِشَرْطِهِ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الرُّجُوعُ فِي الْحَبْسِ وَهَلْ يُبَاعُ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا أَرَى أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِي الدَّارِ أَنْ يَقُولَ إذَا وَجَدَ فِي الدَّارِ ثَمَنًا رَغِيبًا فَلْتُبَعْ وَيَشْتَرِ بِثَمَنِهَا دَارًا وَكَذَلِكَ الْأُصُولُ فَإِنْ اسْتَثْنَاهُ فِي حَبْسِهِ جَازَ وَمَضَى انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي تَرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي مَرَاجِعِ الْأَحْبَاسِ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الْحَبْسِ فِي الرِّبَاعِ إنْ وَجَدَ ثَمَنًا رَغِيبًا فَقَدْ أَذِنَتْ فِي بَيْعِ ذَلِكَ وَأَنْ يُبْتَاعَ بِثَمَنِ ذَلِكَ رَبْعًا مِثْلَهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِ ذَلِكَ وَالْعُذْرُ فِي تَغْيِيرِهِ مَا وَقَعَ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ مُسْتَثْنٍ جَازَ وَمَضَى انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ أَيْضًا وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ إخْرَاجِ الْبَنَاتِ مِنْ الْوَقْفِ إذَا تَزَوَّجْنَ وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ الْعُتْبِيَّة وَكَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ: قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي أَثْنَاءِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ: قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى ذُكُورِ وَلَدِهِ وَأَخْرَجَ الْبَنَاتِ مِنْهُ إذَا تَزَوَّجْنَ فَإِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقُلْت لِمَالِكٍ أَتَرَى أَنْ يَبْطُلَ ذَلِكَ وَيُسَجَّلُ الْحَبْسُ؟ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ وَجْهُ الشَّأْنِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَكِنْ إذَا فَاتَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا حَبَسَ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا وَلَمْ يَحُزْ الْحَبْسَ فَأَرَى أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُدْخِلَ فِيهِ الْإِنَاثَ وَإِنْ كَانَ قَدْ حِيزَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ كَفَوْتٍ وَيَكُونُ عَلَى مَا جَعَلَهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ خِلَافَ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ يَمْضِي إذَا فَاتَ وَلَا

يُنْقَضُ وَفَوْتُ الْحَبْسِ عِنْدِي أَنْ يُحَازَ عَنْ الْمُحْبِسِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَوْ يَمُوتَ يُرِيدُ أَوْ يَمُوتَ بَعْدَ أَنْ حِيزَ عَنْهُ وَرَأَى أَنَّ الْحَبْسَ إذَا لَمْ يُحَزْ عَنْ الْمُحْبِسِ عَنْهُ أَنْ يَبْطُلَ الْحَبْسُ وَيَدْخُلَ الْإِنَاثُ فِيهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالْأَحْبَاسَ لَا تَلْزَمُ وَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا حَتَّى تُقْبَضَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ مِنْ الْعَمَلِ فَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا لَا يُفْسَخُ الْحَبْسُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ بِفَسْخِهِ وَهُمْ كِبَارٌ وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَقَالَ إنَّمَا يُفْعَلُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ فَسْخِ الْحَبْسِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مُسَجَّلًا إنَّمَا ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْبَهُ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يَجُزْ لَهُ فَسْخُهُ وَيُقِرُّ عَلَى مَا حَبَسَ وَإِنْ كَانَ حَيًّا إلَّا أَنْ يَرْضَوْا لَهُ بِرَدِّهِ وَهُمْ كِبَارٌ. قَالَ مَالِكٌ إنْ لَمْ يُخَاصِمْ فَلْيَرُدَّ الْحَبْسَ حَتَّى يَجْعَلَهُ عَلَى صَوَابٍ. ظَاهِرُهُ إنْ كَانَ لَمْ يَحُزْ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ مِنْ الْفِعْلِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ خُوصِمَ فَلْيُقِرَّهُ عَلَى حَالِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ قَدْ حِيزَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي فَسْخِ الْحَبْسِ بِأَنْ يُحَازَى عَنْهُ أَوْ لَا يُحَازَ وَقَدْ تَأَوَّلَ عَلَى مَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْحَبْسَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَرِضَاهُمْ وَقَدْ تَأَوَّلَ أَيْضًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ حِيزَ عَنْهُ وَإِنْ أَبَى الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى إعْمَالَ الْحَبْسِ جُمْلَةً وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ شَكٍّ بَعْدَ هَذَا مِنْ هَذَا السَّمَاعِ وَفِي رَسْمِ نَذْرٍ وَتَأَوَّلَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْحَبْسَ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ مَاتَ الْمُحْبَسُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ حِيزَ عَنْهُ الْحَبْسُ فَيَتَحَصَّلُ عَلَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَنَّ الْحَبْسَ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ مَاتَ الْمُحْبِسُ بَعْدَ أَنْ حِيزَ عَنْهُ الْحَبْسُ وَيَرْجِعَ لِمِلْكِهِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحْبِسَ يَفْسَخُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَنَاتُ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَفْسَخُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَنَاتُ مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ فَإِنْ حِيزَ عَنْهُ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا بِرِضَا الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَا يَفْسَخُهُ. وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ وَإِنْ لَمْ يُحَزْ عَنْهُ إلَّا بِرِضَا الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِخْرَاجُ الْبَنَاتِ مِنْ الْحَبْسِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَكْرَهُ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة إنْ أَخْرَجَ الْبَنَاتِ إنْ تَزَوَّجْنَ فَالْحَبْسُ بَاطِلٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا فَأَرَى أَنْ يَفْسَخَهُ وَيُدْخِلَ فِيهِ الْبَنَاتِ وَإِنْ حِيزَ أَوْ مَاتَ فَاتَ وَكَانَ عَلَى مَا حَبَسَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا فَلْيَفْسَخْهُ وَيَجْعَلُهُ مُسَجَّلًا وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُفْسَخْ فَجَعَلَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ الْحَوْزِ وَيَجْعَلَهُ مُسَجَّلًا مَا لَمْ يَمُتْ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ مَنْ أَخْرَجَ الْبَنَاتِ أَبْطَلَ وَقْفَهُ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّة فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ فَإِنْ نَزَلَ مَضَى وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَبْطُلُ إنْ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهِ وَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَحُزْهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُفْسَخُ وَإِنْ حِيزَ مَا لَمْ يَفُتْ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُمَا بِرُمَّتِهِ وَقَالَ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ قُلْت فِي قَوْلِهِ هُوَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ إنَّهُ مَكْرُوهٌ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ إذَا وَقَعَ أُمْضِيَ وَلَمْ يُفْسَخْ وَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ ابْنُ زَرْقُونٍ وَقَالَ: الْأَوَّلَانِ تَأَوَّلَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّالِثُ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِهِ وَالرَّابِعُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الْبَاجِيُّ قَبْلَ ذِكْرِهَا ابْنُ زَرْقُونٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ فَاتَ ذَلِكَ مَضَى عَلَى شَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يُحَزْ عَنْهُ فَأَرَى أَنْ يَرُدَّهُ وَيَدْخُلَ فِيهِ الْبَنَاتُ وَنَحْوُهُ لِعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ. (قُلْت) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا زَائِدٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَوْ هُوَ تَقْيِيدٌ لِمَا سِوَى الْأَوَّلِ مِنْهَا وَإِنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا هِيَ مَا لَمْ يَمُتْ فَإِنْ مَاتَ مَضَى وَهُوَ أَبْيَنُ ثُمَّ قَالَ فَفِي الْحَبْسِ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَزَوَّجْنَ أَرْبَعَةٌ ابْنُ رُشْدٍ وَخَامِسُهَا جَوَازُهُ وَسَادِسُهَا كَرَاهَتُهُ وَسَابِعُهَا فَوْتُهُ بِحَوْزِهِ وَإِلَّا فَسَخَهُ

فرع الرجل يحبس الحائط صدقة على المساكين

وَدَخَلَ فِيهِ الْبَنَاتُ لِلْوَقَارِ وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَاللَّخْمِيِّ عَنْ أَوَّلِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. فَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ إخْرَاجَهُنَّ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجْنَ أَوْ قَبْلُ يَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَبْسَ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ أَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ حِيزَ عَنْهُ وَيَرْجِعُ لِمِلْكِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّة. الثَّانِي أَنَّهُ يُفْسَخُ وَيَرْجِعُ لِمَالِكِهِ مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ. الثَّالِثُ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَنَاتُ وَإِنْ حِيزَ عَنْهُ وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّة. الرَّابِعُ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَنَاتُ مَا لَمْ يُحَزْ عَنْهُ لَمْ يَدْخُلْنَ إلَّا بِرِضَا الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا السَّمَاعِ. وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ إلَّا بِرِضَا الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصُّهُ وَإِنْ حَبَسَ دَارًا وَشَرَطَ عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ أَنْ يَرُمَّهَا إنْ احْتَاجَتْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَذَلِكَ كِرَاءٌ وَلَيْسَ بِحَبْسٍ فَإِذَا نَزَلَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَرَمَّتُهَا مِنْ غَلَّتِهَا فَأَجَازَ الْحَبْسَ وَأَسْقَطَ الشَّرْطَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُرَدُّ الْحَبْسُ مَا لَمْ يُقْبَضْ انْتَهَى. وَذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَاخْتُلِفَ فِيهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَسُئِلَ عَمَّنْ حَبَسَ حَبْسًا وَشَرَطَ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ إنْ تَمَادَى بِهِ الْعُمْرُ وَاحْتَاجَ رَجَعَ فِي حَبْسِهِ وَبَاعَهُ وَأَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ هَلْ يَنْفُذُ الْحَبْسُ وَيَجُوزُ الشَّرْطُ أَوْ يَنْفُذُ الشَّرْطُ وَيَبْطُلُ الْحَبْسُ فَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرْت إنْ كَانَ فِي التَّحْبِيسِ يُوجِبُ صَرْفَ الْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْبِسِ إلَى مَعْنَى الْوَصِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ نَفَذَ الْحَبْسُ مِنْ ثُلُثِهِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ فَاحْمِلْ مِنْهُ الثُّلُثَ. [فَرَعٌ الرَّجُلِ يَحْبِسُ الْحَائِطَ صَدَقَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّالِثِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَحْبِسُ الْحَائِطَ صَدَقَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ أَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ تَمْرًا أَمْ يُبَاعُ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ وَذَلِكَ إلَى مَا قَالَ فِيهِ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ إلَى رَأْيِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ وَاجْتِهَادِهِ إنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ لَمْ يَقُلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إنْ رَأَى خَيْرًا أَنْ يَبِيعَ وَيُقَسِّمَ ثَمَنَهُ وَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَنْ يُقَسِّمَ ثَمَرَهُ قَسَّمَهُ ثَمَرًا فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَرُبَّمَا كَانَ الْحَائِطُ نَائِيًا بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ حُمِلَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمَسَاكِينِ حَمْلُهُ وَرُبَّمَا كَانَ فِي النَّاسِ الْحَاجَةُ إلَى الطَّعَامِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقَسَّمُ إذَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ أَفْضَلُ وَخَيْرٌ وَهَذِهِ صَدَقَاتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهَا مَا يُبَاعُ فَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ وَمِنْهَا مَا يُقَسَّمُ ثَمَرًا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى اجْتِهَادِ النَّاظِرِ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يَقُلْ الْمُتَصَدِّقُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَإِنْ قَالَ شَيْئًا أَوْ حَدَّ فِيهِ حَدًّا وَجَبَ أَنْ يُتَّبَعَ قَوْلُهُ فِي صَدَقَتِهِ وَلَا يُخَالَفَ فِيمَا حَدَّهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَلَفْظُهُ وَفِي الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مَنْ حَبَسَ حَائِطًا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ لَمْ يَنُصَّ الْمَيِّتُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَلِمُتَوَلِّي النَّظَرِ فِيهِ الِاجْتِهَادُ إنْ رَأَى بَيْعَ الثَّمَرَةِ وَقَسْمَ ذَلِكَ ثَمَنًا فَعَلَ وَإِنْ رَأَى خَيْرًا لِلْمَسَاكِينِ قِسْمَتَهُ ثَمَرًا فَعَلَ فَرُبَّ حَائِطٍ يَبْعُدُ عَنْ الْمَدِينَةِ فَيَضُرُّ بِهِمْ حَمْلُهُ وَرُبَّمَا كَانَتْ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى الطَّعَامِ فَيَكُونُ قِسْمَتُهُ ثَمَرًا خَيْرًا لَهُمْ وَهَذِهِ صَدَقَاتُ عُمَرَ تُبَاعُ ثَمَرَتُهُ وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لِلْمَسَاكِينِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ عَنْ مَالِكٍ [فَرْعٌ أَوْقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنَافِعِ الْجَامِعِ] (الثَّانِي) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَنْ أَوْقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنَافِعِ الْجَامِعِ صُرِفَ فِي الْعِمَارَةِ وَالْحُصُرِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُعْطَى مِنْهُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَفِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ جَامِعٍ مَسْجِدٌ وَلَا يَنْعَكِسُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ مَنْ أَوْقَفَ عَلَى مَنَافِعِ مَسْجِدٍ وَقْفًا صُرِفَ فِي مَنَافِعِهِ مِنْ بِنَاءٍ وَحُصُرٍ وَبِنَاءِ مَا رَثَّ مِنْ الْجُدْرَانِ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنْ صُرِفَ لِلْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُحْبِسَ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّحْبِيسِ

فرع حبس كتبا وشرط في تحبيسه أنه لا يعطى إلا كتاب بعد كتاب

وَلَا عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ حَكَمْنَا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِيَقِينٍ وَإِذَا قَبَضَ شَيْئًا لَمْ يَغْرَمْهُ إيَّاهُ إلَّا بِيَقِينٍ وَلَا يَقِينَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُحْبِسُ قَدْ أَرَادَ بِحَبْسِهِ خِلَافَ ظَاهِرِ لَفْظِهِ وَلَعَلَّ إيهَامَ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ مِنْ الْكَاتِبِ. [فَرْعٌ حَبَسَ كُتُبًا وَشَرَطَ فِي تَحْبِيسِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابٍ] (الثَّالِثُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ سُئِلَ الْقَابِسِيُّ عَمَّنْ حَبَسَ كُتُبًا وَشَرَطَ فِي تَحْبِيسِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابٍ فَإِذَا احْتَاجَ الطَّالِبُ إلَى كِتَابَيْنِ أَوْ تَكُونُ كُتُبًا شَتَّى فَهَلْ يُعْطِي كِتَابَيْنِ مِنْهَا أَمْ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا إلَّا كِتَابًا بَعْدَ كِتَابٍ؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ الطَّالِبُ مَأْمُونًا وَاحْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ كِتَابٍ أَخَذَهُ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُحْبِسِ أَنْ لَا يَضِيعَ فَإِذَا كَانَ الطَّالِبُ مَأْمُونًا أُمِنَ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ فَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا كِتَابٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي ضَيَاعِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (قُلْت) تَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ شُرُوطِ الْحَبْسِ مِنْ كَلَامِ أَبِي عِمْرَانَ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى مَا شَرَطَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَظَاهِرُ مَا فِي هَذَا السُّؤَالِ أَنَّهُ يُرَاعَى قَصْدُ الْمُحْبِسِ لَا لَفْظُهُ وَمِنْهُ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُحْبَسَةِ يُشْتَرَطُ عَدَمُ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَدْرَسَةِ وَجَرَتْ الْعَادَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِخُرُوجِهَا بِحَضْرَةِ الْمُدَرِّسِينَ وَرِضَاهُمْ وَرُبَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ هَذَا الشَّيْخُ لَا لَفْظُهُ وَمِثْلُهُ مَا فَعَلْته أَنَا فِي مَدْرَسَةِ الشَّيْخِ الَّتِي بِالْقَنْطَرَةِ غَيَّرْت بَعْضَ أَمَاكِنِهَا مِثْلَ الْمِيضَأَةِ وَرَدَدْتهَا بَيْتًا وَنَقَلْتهَا إلَى مَحَلِّ الْبِئْرِ لِانْقِطَاعِ السَّاقِيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَأْتِيهَا وَرَدَدْت الْعُلُوَّ الْمُحْبَسَ عَلَى عَقِبِهِ الْمَذْكُورِ بُيُوتًا لِسُكْنَى الطَّلَبَةِ بَعْدَ إعْطَاءِ عُلُوٍّ مِنْ الْمُحْبَسِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمَنْفَعَةِ بِمُوجَبِ مَذْكُورٍ فِي مَحَلِّهِ وَكَزِيَادَةٍ فِي رَوَاتِبِ طَلَبَةٍ لَمَّا أَنْ كَثُرُوا وَيَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ خَرَاجِهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَاضِرًا لَارْتَضَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِرِضَا النَّاظِرِ فِي الْحَبْسِ النَّظَرَ التَّامَّ كَيْفَ ظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ يُعْطِي حَسْبَمَا ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ التَّحْبِيسِ، وَعَلَى مُرَاعَاةِ لَفْظِ الْمُحْبِسِ فِي شَرْطِهِ أَفْتَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَجَعَلَ فِيهَا بُيُوتًا لِلسُّكْنَى وَشَرَطَ فِي أَصْلِ تَحْبِيسِهَا أَنْ لَا يَسْكُنَهَا إلَّا مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي مَسْجِدِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فِي غَيْرِهَا وَأَنْ يُحَضِّرَ الْحِزْبَ الْمُرَتَّبَ فِيهَا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ قَارِئًا وَيُحَضِّرَ الْمِيعَادَ فِي وَقْتِهِ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ سُكْنَى فَأَجَابَ بِأَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى الدُّخُولُ لِلْمَدَارِسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ بِهَا وَالْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا أُعِدَّتْ الْمِيضَأَةُ وَالشُّرْبُ إلَّا لِأَهْلِهَا فَسَأَلْت شَيْخَنَا الْإِمَامَ عَنْهَا فَأَجَابَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ أَهْلِهَا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الصِّنْفِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَمَتَى وُجِدَ ذَلِكَ الصِّنْفُ جَرَى حُكْمُهُ عَلَى مَا صَحَّ لِأَهْلِهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صِنْفِ أَهْلِ ذَلِكَ الْحَبْسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَكَذَلِكَ عَارِيَّةُ بَيْتٍ لِلسُّكْنَى مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَبْسِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْحَبْسِ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِوَجْهَيْنِ لِفِقْدَانِ شَرْطِ التَّحْبِيسِ عَادَةً وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَنْفَعَةِ بِالْهِبَةِ وَهُوَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَقَطْ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَسُئِلْت عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَبْت بِمَنْعِ عَارِيَّتِهَا ثُمَّ إنِّي فَعَلْت ذَلِكَ اسْتَعَرْت بَيْتًا فِي مَدْرَسَةِ شَيْخُونٍ وَآخَرَ فِي النَّاصِرِيَّةِ فَتَعَقَّبَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي مَا ذَكَرَهُ فَأَجَبْت بِمَا قَالَ شَيْخُنَا فَسَلِمَ ذَلِكَ لِي انْتَهَى. وَذَكَرَهُ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا فِي مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ مَعَ مَسْأَلَةِ النُّزُولِ فِي الْوَظَائِفِ. [فَرْعٌ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ] (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ سُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَا وَقَفَ كِتَابًا عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الرَّهْنُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ لَا يَصِحُّ هَذَا الرَّهْنُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُونَةٍ فِي يَدِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ لَهَا عَارِيَّةٌ أَيْضًا بَلْ الْآخِذُ لَهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مُسْتَحِقًّا لِلِانْتِفَاعِ فَيَدُهُ عَلَيْهَا يَدُ أَمَانَةٍ فَشَرْطُ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا فَاسِدٌ وَيَكُونُ فِي يَدِ الْخَازِنِ لِلْكُتُبِ أَمَانَةٌ لِأَنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ فِي الضَّمَانِ كَصَحِيحِهَا وَالرَّهْنُ أَمَانَةٌ

فرع بنى مسجدا وشرط في وقفه أن لا يتولاه إلا مالكي المذهب

هَذَا إذَا أُرِيدَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ مَدْلُولُهُ لُغَةً وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً فَيَصِحُّ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُ الْوَاقِفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْبُطْلَانِ بِالشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِصِحَّتِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ بَنَى مَسْجِدًا وَشَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ] (الْخَامِسُ) إذَا خَصَّ مَسْجِدًا بِمُعَيَّنِينَ فَقَالَ فِي أَسْئِلَةِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَشَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ مَثَلًا فَهَلْ يَجِبُ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ وَتَكُونُ وِلَايَةُ مَنْ خَالَفَهُ بَاطِلَةً أَمْ لَا وَإِذَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ وَتَوَلَّاهُ مَنْ هُوَ عَلَى شَرْطِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبٍ آخَرَ هَلْ تُفْسَخُ وِلَايَتُهُ أَمْ لَا، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ الْوَاقِفِ وَلَكِنْ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ اتِّبَاعُ مَذْهَبٍ كَأَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَمِصْرَ فَهَلْ يَتَنَزَّلُ هَذَا مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ، وَمَا حُكْمُ الِائْتِمَامِ بِهَذَا الْإِمَامِ؟ فَأَجَابَ إنْ وَقَفَ الْوَاقِفُ عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ خَصَّ الْمَسْجِدَ بِمُعَيَّنِينَ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِمْ وَإِذَا غَلَبَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ مَذْهَبٌ عَلَى أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهَا غَيْرُهُ حُمِلَ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَنْتَقِلُ عَنْ مَذْهَبِهِ إلَى مَذْهَبٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْإِمَامُ مُعْتَقِدًا لِجَوَازِ مَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالِائْتِمَامِ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فَالِائْتِمَامُ بِهِ اقْتِدَاءٌ بِفَاسِقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَلَّاهُ الْوَاقِفُ عَلَى وَظِيفَةٍ بِأُجْرَةٍ فَاسْتَنَابَ فِيهَا غَيْرَهُ] (السَّادِسُ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَنْ وَلَّاهُ الْوَاقِفُ عَلَى وَظِيفَةٍ بِأُجْرَةٍ فَاسْتَنَابَ فِيهَا غَيْرَهُ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْأُجْرَةِ وَلَا لِنَائِبِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ وَمَا عَيَّنَ لَهُ النَّاظِرُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا عَيَّنَ النَّاظِرُ النَّائِبَ فِي الْوَظِيفَةِ فَمَا تَنَاوَلَاهُ حَرَامٌ قَالَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الْأَقْفَهْسِيُّ الْمَالِكِيُّ انْتَهَى. يَعْنِي اسْتَنَابَ فِيهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْأَعْذَارِ وَأَمَّا إذَا اسْتَنَابَ فِي أَيَّامِ الْعُذْرِ جَازَ لَهُ تَنَاوُلُ رِيعِ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلَقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ سَأَلْت شَيْخَنَا الْفَقِيهَ الْإِمَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِوَظِيفَةِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ إجَارَةً انْتَهَى. ص (أَوْ نَاظِرٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالنَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إلَيْهِ مُحْبِسُهُ الْمُتَيْطِيُّ يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ فِي دِينِهِ فَإِنْ غَفَلَ الْمُحْبِسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَرْتَضِيهِ وَيَجْعَلُ لِلْقَائِمِ بِهِ مِنْ كِرَائِهِ مَا يَرَاهُ سَدَادًا عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ فَإِنْ غَفَلَ الْمُحْبِسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوَلِّ الْمُحْبِسُ عَلَى حَبْسِهِ أَحَدًا فَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ وَيَتَوَلَّاهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ غَالِبُ عِبَارَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَكِتَابِ الصَّدَقَةِ وَكِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَرْطُ الْوَقْفِ حَوْزُهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ مَسْأَلَةَ رَسْمِ شَكٍّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ فَفِيهَا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ النَّاظِرَ عَلَى الْحَبْسِ إذَا كَانَ سَيِّئَ النَّظَرِ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَيَرْضَى بِهِ وَيَسْتَمِرُّ وَفِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّاظِرِ قَالَ فِيهَا: إنَّهُ لَا يُوصِي بِالنَّظَرِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا كَانَ النَّظَرُ لَهُ فِيمَنْ يُقَدِّمُهُ وَإِنْ كَانَ مَاتَ فَإِنْ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ كِبَارًا أَهْلَ رِضًا تَوَلَّوْا حَبْسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَإِلَّا قَدَّمَ السُّلْطَانُ بِنَظَرِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُحْبِسِ وَصِيٌّ كَانَ النَّظَرُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحْبِسُ قَالَ لِمَنْ وَلَّاهُ إذَا حَدَثَ بِك الْمَوْتُ فَأَسْنِدْهُ إلَى مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يُسْنِدُهُ لِمَنْ شَاءَ وَإِنْ أَوْصَى وَصِيًّا عَلَى مَالِهِ وَعَلَى مَنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ كَانَ لَهُ النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مَسْأَلَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا كِبَارًا تَوَلَّوْا حَبْسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ

تنبيه حبس حبسا وجعل امرأته تليه وتقسمه بين بنيها بقدر حاجتهم فماتت

مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ كِرَاءِ الْأَحْبَاسِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَهِيَ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ قَطِيعٌ مُحْبَسٌ بَاعَتْهُ الْمُحْبِسَةُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ الْمُحْبَسَةِ عَلَى رَجُلَيْنِ أَكْرَاهَا أَحَدُهُمَا وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَبْسِ يُزَادُ فِيهِ أَوْ يَعْمُرُ مِنْ غَلَّتِهِ وَكِرَاءُ الْحَبْسِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ. [تَنْبِيهٌ حَبَسَ حَبْسًا وَجَعَلَ امْرَأَتَهُ تَلِيهِ وَتَقْسِمُهُ بَيْنَ بَنِيهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ فَمَاتَتْ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِيمَنْ حَبَسَ حَبْسًا وَجَعَلَ امْرَأَتَهُ تَلِيهِ وَتَقْسِمُهُ بَيْنَ بَنِيهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ فَكَانَتْ تَلِي ذَلِكَ فَمَاتَتْ؛ قَالَ يَلِي ذَلِكَ مِنْ وَرَثَتِهَا أَهْلُ حُسْنِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ انْتَهَى مِنْ تَرْجَمَةِ جَامِعُ مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْأَحْبَاسِ وَالْعُمْرَى وَالْخِدْمَةِ وَهَذَا لَعَلَّهُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ حَاكِمٌ أَوْ فِيهِ وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ وَلَا يَلْتَفِتُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْبَاسِ أَوْ يَكُونُ نَظَرُهُ فِيهَا سَبَبًا لِهَلَاكِهَا وَضَيْعَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ حَوْزُ الْأَبِ عَلَى مَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا حَبَسَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ حَبْسًا وَكُلُّ مَنْ يَقُومُ بِهِ فَذَلِكَ لَهُ فَإِنْ بَلَغُوا كُلُّهُمْ فَأَرَادُوا الْقِيَامَ بِالْحَبْسِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَالْوَكِيلُ يَقُومُ بِحَالِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كَبِيرٌ يَوْمَ وَكَّلَ فَلَهُمْ إذَا كَبِرُوا قَبْضُ حَبْسِهِمْ فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ كَانُوا كِبَارًا كُلُّهُمْ يَوْمَئِذٍ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إذَا كَانُوا صِغَارًا كُلُّهُمْ وَوَكَّلَ عَلَيْهِمْ أَنَّ لَهُمْ إذَا كَبِرُوا قَبْضَ حَبْسِهِمْ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا فُهِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْمُحْبِسِ أَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْ النَّاظِرِ مَا كَانَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ ذَلِكَ الْأَبُ إلَيْهِ. قَالَ أَصْبَغُ وَلْيَرْجِعْ الْقِيَامُ بِذَلِكَ إلَى الْمُحْبِسِ أَوْ وَصِيِّهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. (الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا جَعَلَ النَّظَرَ لِشَخْصٍ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوصِيَ بِالنَّظَرِ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اجْعَلْهُ إلَى مَنْ شِئْت وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا عَلَى وَجْهٍ يَمْلِكُ مَعَهُ عَزْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ كَالْقَاضِي وَالْوَكِيلِ وَلَوْ مُفَوَّضًا وَخَلِيفَةَ الْقَاضِي لِلْأَيْتَامِ وَشِبْهَ ذَلِكَ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) لَوْ غَابَ النَّاظِرُ فِي بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ وَاحْتَاجَ الْحَبْسُ إلَى مَنْ يَنْظُرُ فِي بَعْضِ شَأْنِهِ فَهَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ أَوْ يُوقِفَ الْأَمْرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْغَائِبُ؟ الظَّاهِرُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَيُمْضِيَ مَا فَعَلَهُ فِي غَيْبَةِ النَّاظِرِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ إبْطَالُ مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي فِي غَيْبَتِهِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا إلَّا فُتْيَا وُجِدَتْ مَنْسُوبَةً لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يُسَمَّى عَلِيُّ بْنُ الْجَلَالِ وَصُورَتُهَا (مَا تَقُولُ) السَّادَاتُ الْعُلَمَاءُ فِي دَرْسٍ بِمَكَّةَ بِهِ مُدَرِّسٌ وَطَلَبَةٌ وَنَاظِرٌ وَقْفِهِ غَائِبٌ بِالْقَاهِرَةِ فَشَغَرَتْ وَظِيفَةُ طَلَبٍ بِالدَّرْسِ الْمَذْكُورِ بِحُكْمِ وَفَاةِ مَنْ كَانَ بِهَا فَوَلَّى قَاضِي مَكَّةَ تِلْكَ الْوَظِيفَةَ شَخْصًا لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ بِالْقَاهِرَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ فَهَلْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ أَنْ يُوَلِّيَ شَخْصًا آخَرَ خِلَافَ مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي مُعْتَقِدًا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا نَظَرَ لَهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) وِلَايَةُ قَاضِي مَكَّةَ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الْوَظِيفَةَ عِنْدَ غَيْبَةِ النَّاظِرِ لِلْمَدْرَسَةِ الْغَيْبَةَ الْبَعِيدَةَ وَشُغُورِ الْوَظِيفَةِ عَمَّنْ كَانَ بِهَا بِمَوْتِهِ صَحِيحَةٌ وَاقِعَةٌ بِمَحَلِّهَا لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ كَالْمَرْأَةِ إذَا غَابَ وَلِيُّهَا وَاحْتَاجَتْ إلَى التَّزْوِيجِ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ إبْطَالُ مَا وَقَعَ مِنْ تَوْلِيَةِ الْحَاكِمِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَلَالِ الْمَالِكِيُّ وَأَجَابَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَجَابَ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ بِمَا نَصُّهُ نَعَمْ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي الْوَظِيفَةَ لِمَنْ ذَكَرَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَلِّيَ شَخْصًا آخَرَ خِلَافَ مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي وَالِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَجَابَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الأنبابي الشَّافِعِيُّ بِمَا أَجَابَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا أَجَابَ كُلٌّ مِنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السُّعُودِيِّ الْحَنَفِيِّ وَالشَّيْخِ

عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْبَغْدَادِيِّ الْحَنْبَلِيِّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِذَلِكَ أَيْضًا أَفْتَى بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَقَالَ: لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَبِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ التَّقْرِيرَ مَثَلًا فِي الْوَظِيفَةِ فِي الْوَقْفِ لَهُ شِبْهُ الْحَقِّ عَلَى النَّاظِرِ فِي وُجُوبِ إنْفَاذِ أَمْرِ الْوَاقِفِ وَعَدَمِ تَعْطِيلِ وَقْفِهِ فَإِذَا عَيَّنَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا كَانَ كَحُكْمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِي بِهِ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ سَاغَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ دَارَ الْغَائِبِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ إذَا قَدِمَ الْغَائِبُ بِبَرَاءَةٍ أَوْ بِمَا يُتْرَكُ عَنْهُ الْحَقُّ أَنَّ الْبَيْعَ مَاضٍ وَيَتْبَعُ بِالثَّمَنِ مَنْ أَخَذَهُ فَإِذَا مَضَى حُكْمُ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ شَرْعًا فَأَحْرَى أَنْ يَمْضِيَ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ إذَا غَابَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَبِمَا قَالَهُ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ النَّوَادِرِ وَنَصُّهُ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذَا كَانَ الْغَائِبُ صَغِيرًا لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا أَخَذَ لَهَا وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي وِلَايَةِ أَحَدٍ غَائِبٍ ضَرَبَ لِوَلِيِّهِ أَجَلًا وَإِنْ حَضَرَ خَاصَمَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلِيٌّ فَلْيُوَلِّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَلِيًّا يَكُونُ وَلِيًّا لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ لَهُ وَلَا يَخُصُّهُ بِالْوِلَايَةِ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ فَقَطْ فَيَكُونُ قَدْ نَصَبَ لَهُ وَكِيلًا يُخَاصِمُ عَنْهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُفْتِي. وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ لَمْ أَرَهَا فِي النَّوَادِرِ وَرَأَيْتُهَا بِخَطِّ الْمُفْتِي مُزَادَةً فِي الْهَامِشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَبْقَى هُنَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ لَوْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِشَخْصٍ غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ وَإِقَامَتُهُ إنَّمَا هِيَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ إلَى بَلَدِ الْوَاقِفِ كَمَا لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ فِي حَبْسِهِ الَّذِي بِمَكَّةَ لِمَنْ كَانَ سُلْطَانًا بِمِصْرَ فَالظَّاهِرُ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يُعْلَمَ مَا يَأْمُرُ بِهِ النَّاظِرُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ قَدَّمَ الْمُحْبِسُ مَنْ رَأَى لِذَلِكَ أَهْلًا فَلَهُ عَزْلُهُ وَاسْتِبْدَالُهُ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ حَبَسَ عَلَى بَنَاتٍ لَهُ وَقَدْ بَلَغْنَ فَحُزْنَ أَمْوَالَهُنَّ وَكَانَ عَمُّهُنَّ يَلِي حَبْسَهُنَّ فَاتَّهَمْنَهُ فِي غَلَّتِهِنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ أَنْ يُوَكِّلَ لِحَقِّهِ فَإِنْ كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ جُعِلَ مَعَهُ مَنْ يُوَكِّلُهُ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَمَّ قَدَّمَهُ الْمُحْبِسُ وَلَوْ كَانَ بِتَقْدِيمِهِنَّ لَهُ لَكَانَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يُرِيدُ سَيِّئَ النَّظَرِ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَإِنَّمَا رَأَى أَنْ تُوَكِّلَ لِحَقِّهَا وَلَمْ تَعْزِلْهُ لِأَنَّهُ رَضِيَهُ بَعْضُهُنَّ وَلَوْ لَمْ تَرْضَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَعَزَلَهُ الْقَاضِي عَنْهُنَّ وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ مَالِكَاتٍ لِأَنْفُسِهِنَّ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ السُّلْطَانِ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ دَحُونٍ لَوْ اتَّهَمَهُ جَمِيعُهُنَّ لَكَانَ لَهُنَّ عَزْلُهُ وَإِنَّمَا بَقِيَ لِأَنَّهُنَّ اخْتَلَفْنَ فِي تُهْمَتِهِ وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ (قُلْت) قَوْلُ ابْنِ دَحُونٍ هُوَ مَعْنًى مُتَقَدِّمٌ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَنَزَلَتْ فِي حَبْسٍ حَبَسَتْهُ حُرَّةٌ أُخْتُ أَمِيرِ بَلَدِنَا وَجَعَلَتْهُ بِيَدِ شَيْخِنَا ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ يُدَرِّسُ بِهِ ثُمَّ نَقَلَتْهُ لِشَيْخِنَا ابْنِ سَلَامَةَ فَقَبِلَهُ وَشَهِدَ فِي الْعَزْلِ وَالتَّوْلِيَةِ جَمِيعُ الشُّهُودِ الَّذِينَ كَانُوا حِينَئِذٍ مُنْتَصِبِينَ لِلشَّهَادَةِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِالتَّفْرِيطِ ا. هـ. وَلَكِنْ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِذَلِكَ نَظَرٌ لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسَأَلَ ابْنُ دَحُونٍ ابْنَ زَرْبٍ عَنْ الْوَصِيِّ يَتَخَلَّى عَنْ النَّظَرِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ. قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ قِيلَ لَهُ فَلَوْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ فِي نَظَرِهِ؟ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَخَلَّى مِنْهُ إلَى الَّذِي وَكَّلَهُ (قُلْت) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ حَبَسَ شَيْئًا وَجَعَلَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَرَادَ عَزْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِمُوجِبٍ يَظْهَرُ كَالْقَاضِي إذَا قَدَّمَ أَحَدًا وَنَزَلْتُ بِشَيْخِنَا الْإِمَامِ وَكَانَ يُقَدِّمُ عَلَى أَحْبَاسِهِ مَنْ يَسْتَحْسِنُهُ وَيَعْزِلُ مَنْ يَظْهَرُ لَهُ عَزْلُهُ وَهُوَ عِنْدِي صَوَابٌ لِأَنَّ نَظَرَ الْمُحْبِسِ أَقْوَى مِنْ نَظَرِ الْقَاضِي فِي حَبْسِهِ فَلَا يَتَسَوَّرُ عَلَيْهِ فِيهِ مَا دَامَ حَيًّا كَمَا لَهُ التَّقْدِيمُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ

يَنْظُرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ فَتُّوحٍ لِلْقَاضِي تَقْدِيمُ مَنْ يَنْظُرُ فِي أَحْبَاسِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرْتَفِعُ تَقْدِيمُهُ بِمَوْتِهِ وَيَرْتَفِعُ بِرَفْعِهِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إذَا قَدَّمَ الْقَاضِي أَحَدًا عَلَى الْحَبْسِ فَلَا يَعْزِلُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ إلَّا بِمُوجِبٍ لِأَنَّهُ كَحُكْمِهِ فِي الْقَضَايَا انْتَهَى. (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ قَدَّمَهُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْبَاسِ رِزْقًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ شَهْرٍ بِاجْتِهَادِهِ فِي قَدْرِ ذَلِكَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ وَفَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ. ابْنُ عَتَّابٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ لَا يَكُونُ أَجْرُهُ إلَّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْأَحْبَاسِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَرَجَعَ بِأَجْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْهَا فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْوَصَايَا وَبِمِثْلِ قَوْلِ الْمُشَاوِرِ أَفْتَى ابْنُ وَرْدٍ وَقَالَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَتِهِ مِنْ الْأَحْبَاسِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَنْ حَبَسَ وَخَالَفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصَّ خِلَافٍ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ كَلَامَ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ عَطِيَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ إمَامِ مَسْجِدٍ وَمُؤَذِّنِهِ وَمُتَوَلِّي جَمِيعِ أُمُورِهِ قَامَ عَلَيْهِ مُحْتَسِبٌ بَعْدَ أَعْوَامٍ فِي غَلَّةِ حَوَانِيتَ لَهُ وَقَالَ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ عَمَّا أَنْفَقَتْ وَقَالَ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَقَالَ لَهُ بَيِّنْ لِلْقَاضِي صِفَةَ الْخُرُوجِ فَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيَّ ذَلِكَ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيَّ مَا تَوَلَّيْتُهُ وَلَا قُمْت بِهِ وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ بِهِ إلَّا هُوَ وَلَوْلَا هُوَ لَضَاعَ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ إذَا كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ دَخْلًا وَلَا خَرْجًا إلَّا بِإِشْهَادٍ انْتَهَى. (الثَّامِنُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ الْقَائِمُ بِالْحَبْسِ إذَا قَالَ أَعْمُرُهَا مِنْ مَالِي ثُمَّ قَالَ إنَّمَا عَمَّرْتهَا مِنْ الْغَلَّةِ جَازَ. قَالَ فَإِنْ قَالَ مِنْ الْغَلَّةِ أَنْفَقْت فَقَدْ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ قَالَ مِنْ مَالِي عُمْرَتُهَا حَلَفَ وَرَجَعَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ وَلَا يَضُرُّهُ قَوْلُهُ أَعْمَرْتُهَا مِنْ مَالِي انْتَهَى وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لِلْقَائِمِ عَلَى الْحَبْسِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ وَيَعْمُرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعُ) لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي وَلَا لِلنَّاظِرِ التَّصَرُّفُ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ بِيَدِ النَّاظِرِ التَّصَرُّفَ كَيْفَ شَاءَ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ فِي آخِرِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا. ص (أَوْ تَبْدِئَةُ فُلَانٍ بِكَذَا وَإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا فَرَضَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ تَبْدِئَةِ فُلَانٍ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ وَلِمَا فَرَضَهُ الْمُتَيْطِيُّ مِنْ تَبْدِئَتِهِ مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الْمَاضِي إنْ كَانَ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ وَالْغَلَّةُ وَالْمُبَالَغَةُ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ تُرْشِدُ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدِينَارٍ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ غَلَّةِ حَائِطِهِ كُلَّ عَامٍ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُ الدَّارَ أَوْ الْحَائِطَ فَأَخَذَ ذَلِكَ عَامًا ثُمَّ بَارَ ذَلِكَ أَعْوَامًا فَلِلْمُوصَى لَهُ أَخْذُ وَصِيَّةِ كُلِّ عَامٍ مَا بَقِيَ مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِذَا أَغَلَّ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ لِكُلِّ عَامٍ مَضَى وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَوْ أَكْرُوا الدَّارَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَضَاعَتْ إلَّا دِينَارًا كَانَ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ كِرَاءَ الدَّارِ لَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ الْمُوصَى لَهُ مِنْهُ وَصِيَّتَهُ وَكَذَلِكَ غَلَّةُ الْجِنَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ مِنْ كِرَاءِ كُلِّ سَنَةٍ دِينَارًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ غَلَّةَ سَنَةٍ عَنْ سَنَةٍ أُخْرَى لَمْ تُغَلَّ وَلَوْ أُكْرِيَتْ الدَّارُ أَوَّلَ عَامٍ بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ جَاءَتْ النَّخْلُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَمْ يَرْجِعْ بِتَمَامِ ذَلِكَ فِي عَامٍ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَلَوْ طَلَبَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ أَوْ يُعْطَاهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَهَلْ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؟ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ اغْتَلَّتْ أَوَّلَ سَنَةٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَأَخَذَ دِينَارًا وَبَقِيَ تِسْعَةٌ نُظِرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مَأْمُونَةً أَنَّهَا لَا تَبُورُ أَوْ إنْ بَارَتْ تَأْتِي كُلَّ سَنَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ أَخَذَ الْوَرَثَةُ هَذِهِ التِّسْعَةَ وَإِنْ كَانَ يُخْشَى أَنْ لَا تَأْتِيَ بِذَلِكَ وُقِفَ مِنْهَا مَا يُخَافُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ مَأْمُونًا غَيْرَ مُلِدٍّ وَلَا مُمْتَنِعٍ

وَرَضِيَ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةَ الْمِلْكِ وَالْوَقْفُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمُوصَى لَهُ انْتَهَى. ص (أَوْ أَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ بَاعَ وَإِنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ رَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ)

ش:. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْوَقْفُ لَازِمٌ وَلَوْ قَالَ لِي الْخِيَارُ مَا نَصُّهُ قَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ إنَّ الْمُحْبِسَ إذَا شَرَطَ فِي حَبْسِهِ أَنَّهُ إنْ ذَهَبَ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ إلَى التَّسَوُّرِ عَلَى حَبْسِهِ أَوْ النَّظَرِ فِيهِ فَجَمِيعُ حَبْسِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ صَدَقَةٌ لِفُلَانٍ أَنَّ لَهُ شَرْطَهُ وَكَذَلِكَ قَالُوا إذَا شَرَطَ

فرع قدم المحبس رجلا على الحوز لبنيه الصغار وجعل له البيع عليهم إن احتاجوا

أَنَّ مَنْ احْتَاجَ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ بَاعَ الْحَبْسَ أَنَّهُ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَلَزِمَ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ حَاجَتِهِ وَالْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُحْبِسُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فَلَهُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إذَا لَمْ يَقُلْ يَصْدُقُ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ الْحَاجَةِ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ بَاطِنٌ يَكْتُمُهُ وَلَا ظَاهِرٌ يَعْلَمُهُ فَحِينَئِذٍ يَبِيعُهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ فَإِنْ شَرَطَ الْمُحْبِسُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ حَاجَةً فَهُوَ مُصَدَّقٌ فَيُصَدَّقُ وَيَنْفُذُ الشَّرْطُ وَمَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ حَاجَةً وَلَمْ يَثْبُتْ غِنَاهُ انْطَلَقَ يَدُهُ عَلَى بَيْعِهِ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَأَصْلُهَا فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ. قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ دَارًا لَهُ حَبْسًا صَدَقَةً عَلَى وَلَدِهِ لَا تُبَاعُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى بَيْعِهَا فَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهَا وَاجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَاعُوا فَاقْتَسَمُوا ثَمَنَهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ فَهَلَكُوا جَمِيعًا إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَرَادَ بَيْعَهَا إذْ ذَلِكَ لَهُ وَقَدْ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا. قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ إنَّ امْرَأَةً ثَمَّ وَهِيَ بِنْتُ أُخْتِ الْبَاقِي الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَ وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ الْمُحْبِسِ قَالَتْ إنْ بِعْت فَأَنَا آخُذُ مِيرَاثِي مِنْ أُمِّي. قَالَ لَا أَرَى لَهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا قَسَّمُوا ثَمَنَهَا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءً لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ حَازُوهَا وَلَيْسَتْ تَرْجِعُ بِمَا يَرْجِعُ الْمَوَارِيثُ إلَى عَصَبَةِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى بَيْعِهَا يُرِيدُ أَوْ يَحْتَاجُ أَحَدُهُمْ إلَى بَيْعِ حَظِّهِ مِنْهَا - قَلَّ الْحَبْسُ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أَوْ كَثُرَ لِقِلَّتِهِمْ - فَيَكُونُ لَهُمْ وَيَبْطُلُ الْحَبْسُ فِيهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ مَالًا مِنْ مَالِهِ وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاجُوا كُلُّهُمْ فَبَاعُوا كَانَ الثَّمَنُ لَهُمْ مَالًا مِنْ مَالِهِمْ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمْ فِي الْحَبْسِ - قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا - فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ فَاحْتَاجَ فَلَهُ الثَّمَنُ كُلُّهُ وَبَطَلَ الْحَبْسُ فِي الْجَمِيعِ بِشَرْطِ الْمُحْبِسِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْتَاجَ سَقَطَ حَقُّهُ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا مَاتَ عَنْ حَبْسٍ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَيَرْجِعُ إلَى مَنْ مَعَهُ فِي الْحَبْسِ وَلَا يُورَثُ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ مُحْبِسٍ انْتَهَى. [فَرَعٌ قَدَّمَ الْمُحْبِسُ رَجُلًا عَلَى الْحَوْزِ لِبَنِيهِ الصِّغَارِ وَجَعَلَ لَهُ الْبَيْعَ عَلَيْهِمْ إنْ احْتَاجُوا] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِذَا قَدَّمَ الْمُحْبِسُ رَجُلًا عَلَى الْحَوْزِ لِبَنِيهِ الصِّغَارِ وَجَعَلَ لَهُ الْبَيْعَ عَلَيْهِمْ إنْ احْتَاجُوا فَأَجَازَ ذَلِكَ أَحْمَدُ. ابْنُ بَقِيٍّ وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْمُقَدَّمِ بَيْعُ الْحَبْسِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي الْعُذْرُ الَّذِي لَهُ يَبِيعُ وَالسَّدَادُ فِي الثَّمَنِ وَلَيْسَ الْوَكِيلُ كَالْمُحْبَسِ عَلَيْهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ حَبْسًا وَشَرَطَ لَهُمْ إنْ احْتَاجُوا بَاعُوا ذَلِكَ فَلَحِقَهُمْ دَيْنٌ] (الثَّانِي) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ حَبْسًا وَشَرَطَ لَهُمْ إنْ احْتَاجُوا بَاعُوا ذَلِكَ فَلَحِقَهُمْ دَيْنٌ أَنَّ لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ بَيْعَ الْحَبْسِ مِنْ أَجْلِ مَا شَرَطَهُ الْمُحْبِسُ لَهُمْ مِنْ الْبَيْعِ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْعُتْبِيَّة فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتَيْنِ بِدَارٍ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ وَكَتَبَ لَهُمَا فِي كِتَابِ صَدَقَتِهِ إنْ شَاءَتَا بَاعَتَا وَإِنْ شَاءَتَا أَمْسَكَتَا فَرَهِقَ ابْنَتَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ دَايَنَتَا بِهِ النَّاسَ فَقَامَ عَلَيْهِمَا الْغُرَمَاءُ وَقَالُوا نَحْنُ نَبِيعُ الدَّارَ قَدْ كَتَبَ أَبُوكُمَا فِي صَدَقَتِهِ إنْ شِئْتُمَا بِعْتُمَا وَإِنْ شِئْتُمَا أَمْسَكْتُمَا قَالَ مَالِكٌ صَدَقُوا فِي ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الدَّارَ حَتَّى يَسْتَوْفُوا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ خِلَافُ قَوْلِهِ هَذَا إنَّهُ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَالِهِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يُفْلِسُ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرُونَ وَلَهُمْ أَمْوَالٌ إنَّهُ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُجْبِرُوهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ فَيَقْضِيَهَا إيَّاهُمْ وَلَا لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ حَاصِلَةٌ الْآنَ لِلدَّيَّانَةِ وَرَقَبَتَهَا كَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا وَقَدْ انْفَكَّ الْحَبْسُ عَنْهَا وَمَالُ الْعَبْدِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ بِدَلِيلِ شِرَائِهِ وَهُوَ يُضَافُ لِلْعَبْدِ لَا لِلسَّيِّدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِحَالِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يُحْدِثَ فِيهِ السَّيِّدُ حَدَثًا يَدُلُّ عَلَى الِانْتِزَاعِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلُ مَسْأَلَةَ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ عَلَى تَأْوِيلٍ فِيهَا وَبَعْضَ مَسَائِلِ الْعِتْقِ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاتَّبَعَ شَرْطَهُ حُكْمُ

مسألة حبس على ولده وقال فلان وفلان ولم يسم الآخرين فهل يدخلون

مَا إذَا شَرَطَ الْمُحْبِسُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ فِي الْحَبْسِ ثَمَنَ رَغْبَةٍ فَقَدْ أَذِنْت فِي الْبَيْعِ وَيَبْتَاعُ بِثَمَنِهِ رُبْعًا مِثْلَهُ. [مَسْأَلَة حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَقَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْآخَرِينَ فَهَلْ يَدْخُلُونَ] ص (وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةَ وَوَلَدَيْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ إلَخْ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَقَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْآخَرِينَ فَهَلْ يَدْخُلُونَ؟ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: قَالَ الْوَانُّوغِيُّ لَوْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَقَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْآخَرِينَ فَهَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الشُّيُوخِ الْمَشْهُورَةِ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ فِيمَنْ أَوْصَى وَقَالَ جَعَلْت النَّظَرَ عَلَى وَلَدَيْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ إلَى فُلَانٍ وَفِي أَوْلَادِهِ مَنْ لَمْ يُسَمِّ فَهَلْ الْإِيصَاءُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُسَمَّيْنِ أَوْ لَا؟ فِيهِ تَنَازُعٌ بَيْنَ ابْنِ زَرْبٍ وَغَيْرِهِ فَهَلْ مَسْأَلَةُ التَّحْبِيسِ مِثْلُهَا أَوْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ الْمَشَارِقَةِ لَيْسَ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ فِي الْحَبْسِ وَيَدْخُلُ فِي الْإِيصَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْأَوْلَادِ قَدْ عُلِمَ الْمَقْصُودُ بِهَا وَهُوَ الْقِيَامُ بِهِمْ وَهُوَ مَظِنَّةُ التَّعْمِيمِ فَالتَّسْمِيَةُ لَيْسَتْ لِلتَّخْصِيصِ وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَالْمَقْصُودُ فِيهِ صَرْفُ الْمَنَافِعِ وَيَجُوزُ قَصْرُهَا عَلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلتَّسْمِيَةِ أَثَرٌ. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ قُلْت وَهَذَا فَرْقٌ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ الْوَانُّوغِيُّ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ اهـ. ص (وَوَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي وَبَنِي، وَبَنِي بَنِيَّ) ش: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا قَالَ وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي أَوْ قَالَ عَلَى بَنِيَّ وَبَنِي بَنِيَّ فَإِنَّ الْحَفِيدَ لَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ أَتَى بِلَفْظَةٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ فَقَالَ وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي أَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي أَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي أَوْ قَالَ أَوْلَادِ أَوْلَادِي أَوْ قَالَ عَلَى بَنِيَّ أَوْ قَالَ عَلَى بَنِي بَنِيَّ فَإِنَّهُ يَفُوتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَالْخِلَافُ فِيهِ قَوِيٌّ فَإِنَّ ابْنَ الْعَطَّارِ نَصَّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ قُرْطُبَةَ كَانُوا يُفْتُونَ بِدُخُولِهِمْ. قَالَ وَقَضَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ السَّلِيمِ بِفَتْوَى أَهْلِ زَمَانِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَوَلَدِ وَلَدِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ وَأَمَّا إذَا قَالَ وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي وَعَلَى أَوْلَادِي فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ دُخُولِهِمْ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص.

وَبَنِي أَبِي إخْوَتِهِ الذُّكُورِ وَأَوْلَادِهِمْ) ش: يُرِيدُ الْإِخْوَةَ الْأَشِقَّاءَ وَالْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اعْتَمَدَ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ الْأَخَوَاتُ الْأَشِقَّاءُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ أَبِيهِ فَأَحْرَى الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ لِخُرُوجِهِمْ بِقَوْلِهِ بَنِي أَبِي وَقَوْلِهِ وَأَوْلَادِهِمْ يَعْنِي الذُّكُورَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ. (تَنْبِيهٌ) زَادَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ ذُكُورِ إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ ذُكُورُ وَلَدِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ قَالَ عَلَى بَنِي أَبِي دَخَلَ فِيهِ إخْوَتُهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتُهُ لِأَبِيهِ وَمَنْ كَانَ ذَكَرًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ خَاصَّةً مَعَ ذُكُورِ وَلَدِهِمْ انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي. ص (وَمَوَالِيهِ الْمُعْتِقُ) ش: وَلَمْ يَتَكَلَّمْ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى دُخُولِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَتِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي دُخُولِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ قَوْلَانِ لِأَشْهَبَ وَنَصَّ وَصَايَاهَا انْتَهَى. ص (وَشَمَلَ الْأُنْثَى كَالْأَرْمَلِ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَسُئِلْت عَنْ وَقْفٍ عَلَى مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ فُقَرَاءِ الْأَنْدَلُسِ الْقَاطِنِينَ بِهَا فَهَلْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ إذَا كُنَّ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَأَجَبْت بِمَا صُورَتُهُ الظَّاهِرُ دُخُولُهُنَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ أَعْنِي الْمَذْكُورَةَ هُنَا وَمَا أَشْبَهَهَا وَكَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ الْعُرْفُ وَبِدُخُولِهِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ) ش: ظَاهِرُهُ حَتَّى فِي الْمَسَاجِدِ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمَسَاجِدَ ارْتَفَعَ

عَنْهَا الْمِلْكُ وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ فِي أَوَّلِ الْحَبْسِ مِنْ النَّوَادِرِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ بَاقِيَةٌ أَيْضًا عَلَى مِلْكِ مُحْبِسِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَصُّهُ فِي أَثْنَاءِ التَّرْجَمَةِ الْأُولَى فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جَوَازِ التَّحْبِيسِ وَالرَّدِّ عَلَى شُرَيْحٍ الْقَائِلِ لَا حَبْسَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةً دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا وَمِيرَاثِهَا وَالْمَسَاجِدُ وَالْأَحْبَاسُ لَمْ يُخْرِجْهَا مَالِكُهَا إلَى مِلْكِ أَحَدٍ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَأَوْجَبَ تَسْبِيلَ مَنَافِعِهَا إلَى مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَعْقِدُ فِي الْعَبْدِ الْكِتَابَةَ وَالْإِجَارَةَ وَالْإِسْكَانَ وَأَصْلُ الْمِلْكِ لَهُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ حَلُّ شَيْءٍ مِمَّا أَوْجَبَ فِي الْمَرَافِقِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ بَاقِيًا عَلَيْهِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَقْسِمُ إلَّا مَا مَضَى زَمَنُهُ) ش مَسْأَلَةٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيمَا تَجِبُ بِهِ الثَّمَرَةُ لِمَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ اضْطِرَابٌ

يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ كَمَا لَوْ حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ وَعَقِبِهِ فَفِي وُجُوبِهَا بِالطِّيبِ أَوْ الْقِسْمَةِ قَوْلَانِ (قُلْت) عَزَاهُمَا ابْنُ زَرْقُونٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ وَثَالِثُهَا لِأَشْهَبَ بِالْآبَارِ انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ ابْنُ زَرْقُونٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَالرَّجْرَاجِيُّ عَزَاهُ أَيْضًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ كِنَانَةَ. قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى إجْمَاعِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَكُونُ غَلَّةً بِالطِّيبِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَأَيْنَ هُمْ عَمَّا اسْتَخْرَجْنَاهُ مِنْ الْكُتُبِ وَاسْتَشْهَدْنَا عَلَيْهِ بِنُصُوصِ الْأُمَّهَاتِ وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ انْتَهَى. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي عَزَاهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَمَّا الْحَبْسُ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَسْمِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ سَقَطَ حَظُّهُ وَمَنْ وُلِدَ قَبْلَهُ ثَبَتَ حَظُّهُ وَمَسْأَلَةُ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَعَلَى بَنِي تَمِيمٍ وَنَحْوِهِمْ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَالْحَبْسُ عَلَى الْقُرَّاءِ بِمَوَاضِعَ مُعَيَّنِينَ كَقُرَّاءِ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ إنْ كَانَ بِقَيْدٍ أَنَّ الثَّوَابَ لِمُعَيَّنٍ فَهُمْ كَالْأُجَرَاءِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشُّيُوخِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامِ يَمْرَضُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَارٌ مُحْبَسَةٌ وَأَهْلُهُ بِهَا هَلْ يُخْرَجُ أَوْ يُقْسَمُ لِتَمَامِ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ لَا بِقَيْدٍ كَقِرَاءَةِ شَفْعِ الْمِحْرَابِ بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ فَهُمْ كَالْحَبْسِ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ انْتَهَى. (قُلْت) وَمِثْلُهُ الْحَبْسُ عَلَى فُقَرَاءِ الرِّبَاطِ الْفُلَانِيِّ وَالْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا بِالْقَسْمِ. (تَنْبِيهٌ) عَلَى هَذَا الْقَوْلُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ وَتَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا نَفَقَةٌ. قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فَلَا خِلَافَ أَنَّ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ قَدْ انْتَفَعُوا بِنَفَقَتِهِ فِيمَا عَمِلَهُ لَهُمْ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ الرُّجُوعُ بِالْأَقَلِّ فِيمَا أَنْفَقَ أَوْ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ النَّفَقَةِ نَقْدًا أَوْ ثَمَرَةً؟ الْخِلَافُ إذَا أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ هَلْ تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَمْ لَا؟ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. ص (وَإِكْرَاءُ نَاظِرِهِ إنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَالسَّنَتَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَبَنِي فُلَانٍ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُكْرِيَهُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَا يُكْرِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ كِرَاؤُهُ بِالنَّقْدِ اُنْظُرْ النَّوَادِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَبْسِ يُزَادُ فِيهِ أَوْ يَعْمُرُ مِنْ غَلَّتِهِ وَكِرَاءُ الْحَبْسِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ فَإِنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ فِي السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَعَثَرَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُهَا فَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ يَسِيرًا لَمْ يُفْسَخْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فُسِخَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ اهـ. (قُلْت) وَلَمْ يُبَيِّنْ حَدَّ الْيَسِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ كِرَاءِ الْوَصِيِّ رُبْعَ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ رُشْدُهُ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ أَكْرَى أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ خَمْسِينَ عَامًا فَأَجَابَ إنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى النَّقْدِ فُسِخَ وَفِي جَوَازِهِ عَلَى غَيْرِ النَّقْدِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدِي الْمَنْعُ وَهَذَا فِيمَا يَنْفَسِخُ فِيهِ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَهَذَا كَمَسْأَلَتِك أَمَّا الْحَبْسُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَسَاكِينِ وَشِبْهِهِمَا فَلَا يُكْرِيهَا النَّاظِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ إنْ كَانَتْ أَرْضًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ إنْ كَانَتْ دَارًا وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ وَمَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ فَإِنْ أَكْرَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَضَى إنْ كَانَ نَظَرًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ وَلَا يُفْسَخُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَجَازَ كِرَاءُ بُقْعَةٍ مِنْ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِتُبْنَى دَارًا وَعُمِلَ بِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْحَبْسِ فِي تَرْجَمَةِ قَطِيعٌ مُحْبَسٌ بَاعَتْهُ الْمُحْبِسَةُ وَانْظُرْ الْأَحْكَامَ الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ. ص (أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ فَضَّلَ الْمُتَوَلِّي أَهْلَ

مسألة قسمة الوقف على الأعقاب

الْحَاجَةِ وَالْعِيَالَ فِي غَلَّةٍ وَسُكْنَى) ش:. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَبْدَأُ فِي الْحَبْسِ أَهْلُ الْحَاجَةِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ فَلَا سُكْنَى لِلْأَغْنِيَاءِ مَعَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلَمْ يَسَعْهُمْ أُكْرِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقُسِمَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمْ شَرْعًا سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بِمَا يَصِيرُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَيَسْكُنَ فِيهَا فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ انْتَهَى. مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَوْ مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ فَضَّلَ النَّاظِرُ ذَا حَاجَةٍ وَعِيَالٍ فِي غَلَّةٍ وَسُكْنَى عَلَى الْمَشْهُورِ بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقْرًا وَغِنًى أُوثِرَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَدَفَعَ الْفَضْلَ لِمَنْ يَلِيهِ فَأَمَّا عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ مَوَالِيهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ سَوَاءٌ فَإِنْ عَيَّنَهُمْ سَوَّى بَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ لِلْغَنِيِّ وَلَدٌ فَقِيرٌ أُعْطِيَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ لَا يُعْطَى الْغَنِيُّ مِنْهَا شَيْئًا وَيُعْطَى الْمُسَدَّدُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْلَادٌ كِبَارٌ فُقَرَاءُ وَقَدْ بَلَغُوا أُعْطُوا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ الْبَاجِيُّ يُرِيدُ بِالْمُسَدَّدِ الَّذِي لَهُ كِفَايَةٌ وَرُبَّمَا ضَاقَ حَالُهُ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَهُمْ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ وَهُوَ كَذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ قِسْمَةُ الْوَقْفِ عَلَى الْأَعْقَابِ] (مَسْأَلَةٌ) مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ سَأَلَهُ عَنْهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ عَقْدٌ تَضَمَّنَ تَحْبِيسَ فُلَانٍ عَلَى ابْنَيْهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِجَمِيعِ الرَّحَا الْكِرَاءُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِاعْتِدَالِ حَبْسِهَا عَلَيْهِمَا وَعَلَى عَقِبِهِمَا حَبْسًا مُؤَبَّدًا وَتَمَّمَ عَقْدَ التَّحْبِيسِ عَلَى وَاجِبِهِ وَحَوْزِهِ وَمَاتَ الْأَبُ وَالِابْنَانِ بَعْدَهُ وَتَرَكَا عَقِبًا كَثِيرًا وَعَقِبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ عَقِبِ الْآخَرِ وَفِي بَعْضِهِمْ حَاجَةٌ فَكَيْفَ تَرَى قِسْمَةَ هَذَا الْحَبْسِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَعْقَابِ هَلْ عَلَى الْحَاجَةِ أَمْ عَلَى السَّوِيَّةِ أَمْ يَبْقَى فِي يَدِ كُلِّ عَقِبٍ مَا كَانَ بِيَدِ أَبِيهِ؟ فَأَجَابَ الْوَاجِبُ فِي هَذَا الْحَبْسِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْت أَنْ يُقْسَمَ عَلَى أَوْلَادِ الْعَقِبَيْنِ جَمِيعًا عَلَى عَدَدِهِمْ وَإِنْ كَانَ عَقِبُ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ عَقِبِ الْآخَرِ بِالسَّوَاءِ إنْ اسْتَوَتْ حَاجَتُهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فُضِّلَ ذُو الْحَاجَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ عَلَى قَدْرِ قِلَّةِ الْعِيَالِ أَوْ كَثْرَتِهِمْ وَلَا يَبْقَى بِيَدِ وَلَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا كَانَ بِيَدِ أَبِيهِ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالشُّيُوعِ] (مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ عَنْهَا الْوَالِدُ عَنْ أَرْضِ وَقْفٍ تُسَمَّى بِالرَّهْطِ وَتُنْسَبُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَّهُ أَوْقَفَهَا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ وَذُرِّيَّتُهُ أَفْخَاذٌ مِنْهُمْ الرُّخَامِيُّ وَالْحُطَامِيُّ وَالسَّارِيُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَدِهِ قِطْعَةٌ أَخَذَهَا مِنْ آبَائِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَيَكُونُ لِمَنْ مَاتَ مِنْ الْإِنَاثِ أَنْ تَنْقُلَ حَظَّهَا لِأَوْلَادِهَا حَتَّى أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنْ فَخِذٍ آخَرَ أَخَذُوا مَا صَارَ لَهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ وَمَا صَارَ لَهُمْ مِنْ أُمِّهِمْ وَلَيْسَ ثَمَّ كِتَابٌ وَلَا شَرْطٌ؟ فَأَجَابَ إذَا ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالشُّيُوعِ فَإِنْ عُلِمَ شَرْطُ الْوَاقِفِ بِكِتَابِ وَقْفٍ أَوْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ وَلَوْ بِالشُّيُوعِ اُتُّبِعَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَثَبَتَ لَهُ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ فَيُصْرَفُ الْوَقْفُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْقَدِيمَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُخَالِفَةً لِلْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَ لِمَنْ صَارَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَقْسِمَهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَلَا يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً بَلْ يَبْقَى بِيَدِهِ فَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَ لِمَنْ جَرَتْ الْعَوَائِدُ الْمَذْكُورَةُ أَعْلَاهُ بِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ ثُمَّ سُئِلَ عَنْهُ مَرَّةً أُخْرَى فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ فِيهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ شَرْطٌ وَلَا عَادَةٌ وَثَبَتَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ قُسِمَ بَيْنَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى السَّوِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُحْتَاجٌ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤْثِرَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَمُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ وَالْبَابِ السَّبْعِينَ. قَالَ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ مُتَوَلِّي نَظَرَ الْوَقْفَ فِي مَصْرِفِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ كِتَابُ الْوَقْفِ وَذَكَرَ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِصَرْفِ غَلَّتِهِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي يَذْكُرُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَخْرُجْ

باب الهبة

سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ إلَّا لِشَرْطٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَخْرُجُ السَّاكِنُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ غَنِيًّا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الْمُسَاوَاةِ وَالتَّرْجِيحِ قَبْلَ السُّكْنَى فَحَثَّ عَلَى مَا إذَا سَكَنَ أَحَدُهُمْ لِمُوجَبِ الْفَقْرِ ثُمَّ اسْتَغْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ لَا يَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ عَوْدَتَهُ لَا تُؤْمَنُ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنْ يَخْرُجَ وَهَذَا فِي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت فِي لَفْظِهِ وَلَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ إجْمَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعْقِبٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَسَكَنَ بَعْضُهُمْ لِاتِّصَافِهِ بِالْفَقْرِ ثُمَّ اسْتَغْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ اسْتَحَقَّ مَسْكَنًا مِنْ حَبْسٍ هُوَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِفَقْرِهِ أُخْرِجَ مِنْهُ إنْ اسْتَغْنَى وَفِي رَسْمِ أَدْرَكَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ اسْتَحَقَّ مَسْكَنًا مِنْ حَبْسٍ هُوَ عَلَى الْعَقِبِ وَهُوَ غَنِيٌّ لِانْقِطَاعِ غَيْبَةِ الْمُحْتَاجِ ثُمَّ قَدِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ سَكَنَ بِهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ وَرَوَى الْبَاجِيُّ لَوْ سَافَرَ مُسْتَحِقُّ السُّكْنَى لِبَعْضِ مَا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ كَانَ لَهُ كِرَاءُ مَسْكَنِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ رُدَّ لِمَنْزِلِهِ وَأُخْرِجَ مِنْهُ مَنْ دَخَلَ فِيهِ انْتَهَى مِنْ آخِرِ كِتَابِ الْحَبْسِ مِنْهُ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَمَنْ سَكَنَ فَلَا يَخْرُجُ لِغَيْرِهِ مَا نَصُّهُ إلَّا أَنْ يَرَى النَّاظِرُ إخْرَاجَهُ وَإِسْكَانَ غَيْرِهِ مَصْلَحَةً لِلْحَبْسِ فَلَهُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إنْ خَافَ مِنْ سُكْنَاهُ ضَرَرًا وَلِمِثْلِ هَذَا جَعْلُ النَّاظِرِ انْتَهَى مِنْ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْهِبَة] (الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْهِبَةُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَطِيَّةِ وَهِيَ أَيْ الْعَطِيَّةُ تَمْلِيكُ مُتَمَوَّلٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً فَيَخْرُجُ الْإِنْكَاحُ وَالْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِ وَارِثٍ إرْثَهُ وَتَدْخُلُ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ ثُمَّ، قَالَ: وَالْهِبَةُ لَا لِثَوَابِ تَمْلِيكِ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلٌ لِوَجْهِ الْمُعْطَيْ وَفِي الْهِبَةِ لِكَوْنِهَا كَذَلِكَ مَعَ إرَادَةِ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ صَدَقَةٌ أَوْ لَا. قَوْلَا الْأَكْثَرِ وَمُطَرَّفٍ حَسْبَمَا يَأْتِي ذَكَرَهُ فِي الِاعْتِصَارِ وَتَخْرُجُ الْعَارِيَّةُ وَالْبَيْعُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ يُرِيدُ: وَلَمْ تَتَمَحَّضْ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِوَجْهِ الْمُعْطَى فَقَطْ أَوْ لِذَلِكَ مَعَ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَهِيَ الصَّدَقَةُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ صَدَقَةٌ (فَائِدَةٌ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ» سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ فَأَجَابَ: بِأَنِّي لَسْت أَجِدُهُ فِي نَصٍّ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ الصَّحِيحَةِ وَلَوْ صَحَّ

فرع وهب لرجل هبة على أن لا يبيع ولا يهب

فَمَعْنَاهُ الْحَثُّ عَلَى عِيَادَةِ الْمَرْضَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ فَيَحْصُلُ لَهُ السُّرُورُ وَالدُّعَاءُ لَهُ وَلَا شَكَّ فِي رَجَاءِ الْإِجَابَةِ لَهُ وَالشِّفَاءِ فَيَنْفَعُهُ فِي الدَّوَاءِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَحَمَلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ عَنْهُ وَيَطْلُبُ لَهُ الدُّعَاءَ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَيُرْجَى لَهُ الشِّفَاءُ. ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْوَصَايَا وَالْمَحْجُورِ وَهُوَ فِي النَّوَازِلِ فِي بَابِ الْجَامِعِ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْإِحْيَاءِ: حَدِيثُ الصَّدَقَةُ تَسُدُّ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ السُّوءِ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْبِرِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «إنَّ اللَّهَ لَيَدْرَأُ بِالصَّدَقَةِ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ مَيْتَةِ السُّوءِ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَة عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي وِلَايَةٍ فَيَجُوزُ وَإِنْ شُرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ لَمْ يَجُزْ كَانَ وَلَدًا لِلْوَاهِبِ أَوْ أَجْنَبِيًّا. الْمَشَذَّالِيُّ، قَالَ الْقَابِسِيُّ عَنْ ابْنِ عِمْرَانَ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا؟ وَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا؛ شَرَطَهُ أَمْ لَا. أَبُو عِمْرَانَ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا تُبَاعَ عَلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ لِوَلِيِّهِ بَيْعَ عُرُوضِهِ فِي النَّفَقَةِ فَشَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ وَيُبَاعُ غَيْرُهَا إنْ وُجِدَ، قَالَ الْقَابِسِيُّ: الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَهِيَ كَالْحَبْسِ الْمُعَيَّنِ لَوْ وَهَبَ لِسَفِيهٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِوَصِيِّهِ فِيهَا نَفَذَ ذَلِكَ الشَّرْطُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ حَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى خَمْسَةَ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَاهِبُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ (الثَّانِي) أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ شَرْطَهُ أَوْ يَسْتَرِدَّ هِبَتَهُ وَرَثَتْهُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ أَمْرُهُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَأْتِي عَلَى مَا فِي مَسْأَلَةِ الْفَرَسِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْهِبَةَ جَائِزَةٌ وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْبِيسِ الدَّارِ وَاشْتُرِطَ تَرْمِيمُهَا عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَالْهِبَةَ مَاضِيَةٌ لَازِمَةٌ فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ بَيْنَ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ كَالْحَبْسِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ وُرِثَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ. وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَبْسًا فَإِذَا مَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجَعَ إلَى الْمُتَصَدِّقِ أَوْ وَرَثَتِهِ أَوْ أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَالْأَقْوَالُ مَبْسُوطَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَرَاجِعْهَا فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أَحِجُّوا فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: أَحِجُّوا فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي أُعْطِيَ مِنْ الثُّلُثِ بِقَدْرِ مَا يَحُجُّ بِهِ فَإِنْ أَبَى الْحَجَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ إلَّا أَنْ يَحُجَّ بِهِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ لِيَتَزَوَّجَ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَا يُفْهَمُ بِالْقَرَائِنِ عَنْ الْمُوصِي إنْ أَرَادَ الْإِرْفَاقَ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَإِنْ أَرَادَ خُصُوصِيَّةَ النِّكَاحِ رَجَعَ مِيرَاثًا وَإِنْ جَهِلَ الْأَمْرَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ تَجَاوُزِ النِّكَاحِ فَإِنْ انْعَدَمَ رَجَعَ مِيرَاثًا (قُلْتُ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فِيمَنْ أَخَذَ مَالًا لِيَغْزُوَ بِهِ فَلَمْ يَغْزُ أَنَّهُ يَرُدُّ وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا دُفِعَ لَهُ مَالٌ لِيَتَحَمَّلَ بِهِ فَلَمْ يُسَافِرْ أَنَّهُ يَرُدُّهُ، وَمَنْ دُفِعَ لَهُ مَالٌ لِيَقْرَأَ فَلَمْ يَفْعَلْ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَحُكِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ التَّادَلِيَّ وَقَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ دَفَعَ لَهُ أَبُوهُ مَالًا لِيَقْرَأَ عَلَيْهِ فَرَأَى أَنَّ غَرَضَ أَبِيهِ لَمْ يَحْصُلْ فَرَدَّ لَهُ الْمَالَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْقِرَاءَةِ غَرَضَهُ فَأَتَى أَبُوهُ إلَى بَعْضِ الصَّالِحِينَ فَشَكَا لَهُ أَمْرَهُ فَدَعَا لَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَهُ الْمُدَوَّنَةَ كَمَا فَتَحْتَهَا لِسَحْنُونٍ

مسألة قال تصدقت بميراثي وهو كذا وكذا إلا كذا وفي تركته جنان لم ينص عليه

الْمَشَذَّالِيِّ، وَالصَّالِحُ الَّذِي دَعَا لَهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الشَّيْخُ أَبُو يَعْزَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْوَكَالَاتِ: وَإِذَا صَالَحَ الْوَكِيلُ عَنْ الْغَرِيمِ مِنْ مَالِهِ فَلَمْ يُجِزْ الْمُوَكِّلُ الصُّلْحَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ عَلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْ الْغَرِيمِ مَا صَالَحَ عَلَى حَطِّهِ فَإِذَا لَمْ يَحُطَّ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْمٍ أَعَانُوا مُكَاتَبًا لِيَفُكُّوهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَعَانُوهُ كَفَافًا أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلُوا الْمُكَاتَبَ فِي حِلٍّ. وَمِنْ ذَلِكَ صُلْحُ مَنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا وَيَأْبَى أَوْلِيَاءُ الْآخَرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ عَلَى النَّجَاةِ، قَالَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الدَّعْوَى، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصَايَا: يَقُومُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ مَالًا لِاشْتِغَالِهِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ تُوُهِّمَ فِيهِ صَلَاحٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَانْظُرْ مَسْأَلَةَ الْحَافِظِ التَّادَلِيِّ وَيُشِيرُ لِمَا حَكَاهُ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: وَمَنْ أُعْطِيَ نَفَقَةً فَقِيلَ لَهُ تَقَوَّ بِهَا فِي السَّبِيلِ فَلْيَشْتَرِ مِنْ ذَلِكَ الْقَمْحَ وَالزَّيْتَ وَالْخَلَّ وَكُلَّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي السَّبِيلِ وَلَا يَشْتَرِي بِهِ الدَّجَاجَ وَنَحْوَهُ وَمَا فَضَلَ فَرَّقَهُ فِي السَّبِيلِ أَوْ رَدَّهُ إلَى رَبِّهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت هِيَ لَكَ فَهَذَا إذَا بَلَغَ فِي غَزْوِهِ صَنَعَ بِهِ مَا يَصْنَعُ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الْوَصِيُّ فَلَا يَجُوزُ مَا قَالَهُ الْوَصِيُّ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي غَيْرِ السَّبِيلِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ إلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا، انْتَهَى. [مَسْأَلَة قَالَ تَصَدَّقَتْ بِمِيرَاثِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا إلَّا كَذَا وَفِي تَرِكَتِهِ جِنَانٌ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ: تَصَدَّقْت بِجَمِيعِ مِيرَاثِي أَوْ بِمِيرَاثِي عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالرَّمَكِ وَالثِّيَابِ وَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إلَّا الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا لِي وَفِي تَرِكَتِهِ جِنَانٌ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، قَالَ أَصْبَغُ: لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ وَأَرَى الْجِنَانَ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ دَاخِلًا فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْجِنَانَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ هِيَ الْجِنَانُ عِنْدَ النَّاسِ، قَالَهُ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ الْمَحْضِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مِيرَاثِهِ إلَّا الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ كَمَا قَالَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجِنَانُ دَاخِلًا فِي الصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ كَمَا قَالَ، انْتَهَى. ص (مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ: الْوَاهِبُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ قُلْت لَيْسَ التَّبَرُّعُ بِأَعْرَفَ مِنْ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَعْرِفُهَا دُونَهُ وَالْأَوْلَى هُوَ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ يُرِيدُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَصِحُّ لَهُ مِنْهُ الْهِبَةُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَتَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ إذْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وهبه شَيْئًا وَلَمْ يخرجه مِنْ يَده حتي مَاتَ] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَطِيَّةٍ بَتَلَهَا مَرِيضٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَذَلِكَ نَافِذٌ فِي ثُلُثِهِ كَوَصَايَاهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا أَعْتَقَ الْإِيقَافُ لِيَصِحَّ الْمَرِيضُ فَيُتِمَّ ذَلِكَ أَوْ يَمُوتَ فَيَكُونَ فِي الثُّلُثِ وَلَا يَتِمُّ فِيهِ لِقَابِضٍ فِي الْمَرَضِ قَبْضٌ وَلَوْ قَبَضَهُ كَانَ لِلْوَرَثَةِ إيقَافُهُ وَلَيْسَ لِمَنْ قَبَضَهُ أَكْلُ غَلَّتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ غَلَّةٌ وَلَا أَكْلُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَرِيضِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَتْلٌ خِلَافُ الْوَصِيَّةِ وَلَا يَتَعَجَّلُ قَبْضُهُ إلَّا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمَرِيضِ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ فَيَنْفُذُ مَا بَتَلَ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ مَجْهُولًا) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْغَرَرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ يَجُوزُ إلَّا فِي الْبَيْعِ وَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ مَوْرُوثَهُ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ سُدُسٌ أَوْ رُبْعٌ أَوْ وَهَبَهُ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ أَوْ جِدَارٍ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. وَقَالَ قَبْلَهُ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَعْرِفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هِبَةَ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: تَجُوزُ هِبَةُ الْمَجْهُولِ وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِبَيْتٍ مِنْ دَارِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ مِرْفَقًا] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِبَيْتٍ

فرع وهب له حائط وله ثمر وزعم أنه إنما وهبه الأصل دون الثمرة

مِنْ دَارِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ مِرْفَقًا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ مَدْخَلٍ وَمَخْرَجٍ وَمِرْفَقِ بِئْرٍ وَمِرْحَاضٍ إنْ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ افْتَحْ بَابًا حَيْثُ شِئْتَ وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ وُهِبَ لَهُ حَائِطٌ وَلَهُ ثَمَرٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ الْأَصْلَ دُونَ الثَّمَرَةِ] (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا وُهِبَ لَهُ حَائِطٌ وَلَهُ ثَمَرٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ الْأَصْلَ دُونَ الثَّمَرَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةٌ فَهِيَ لِلْوَاهِبِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْبَرْزَلِيِّ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ فَإِنَّهُمَا أَطَالَا فِي ذَلِكَ وَذَكَرَا فُرُوعًا مُنَاسِبَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَهُوَ إبْرَاءٌ إنْ وُهِبَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَهَبَكَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْك فَقَوْلُكَ قَدْ قَبِلْت قَبْضٌ وَإِذَا قَبِلْت سَقَطَ وَإِنْ قُلْت لَا أَقْبَلُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ سَكَتَ فَقَوْلَانِ وَيُؤْخَذُ الْقَوْلَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا إذَا افْتَرَقَا وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْهِبَةُ سَاقِطَةٌ وَقَالَ أَشْهَبُ: الدَّيْنُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ وُهِبَ الدَّيْنُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةُ لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ فَقَبِلَ مَضَى وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَنْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّدَقَةِ: وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَتَرَكَهُ صَاحِبٌ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي عَلَيْهِ قَبِلْت إلَّا أَنَّهُ سَمِعَهُ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُ الدَّيْنِ يَطْلُبُهُ وَقَالَ: إذَا لَمْ يَقُلْ قَبِلْت فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فَأَجَابَ إذَا، قَالَ الْمَطْلُوبُ إنَّمَا سَكَتَ قَبُولًا لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: قُلْت جَعَلَ السُّكُوتَ هُنَا قَبُولًا وَيَتَعَارَضُ فِيهَا مَفْهُومَا الْمُدَوَّنَةِ وَنَقْلِ كَلَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ. [فَرْعٌ دَعْوَى الْمَدِينِ هِبَةَ رَبِّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ] (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ: دَعْوَى الْمَدِينِ هِبَةَ رَبِّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ يُوجِبُ يَمِينَهُ اتِّفَاقًا (قُلْتُ) وَكَذَا مَنْ ادَّعَى هِبَةَ مَا بِيَدِهِ مِنْ مُعَيَّنٍ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. ص (وَإِلَّا فَكَالرَّهْنِ) ش: أَحَالَ عَلَى الرَّهْنِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الرَّهْنِ: وَقَبْضُ الدَّيْنِ بِالْإِشْهَادِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْغَرِيمَيْنِ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُنَا فِي بَابِ الْهِبَةِ: وَتَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ فِي الرَّهْنِ كَقَبْضِهِ مَعَ إعْلَامِ الْمَدِينِ بِالْهِبَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا قَوْلُهُ مَعَ إعْلَامِ إلَى آخِرِهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَقَبْضِ الرَّهْنِ يُغْنِي عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ: وَقَبْضُ الدَّيْنِ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ إنَّ إعْلَامَ الْمَدِينِ إنَّمَا هُوَ مَعَ حُضُورِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَائِبًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَصِحُّ الْقَبْضُ إذَا أَشْهَدَ لَكَ وَقَبَضْت ذِكْرَ الْحَقِّ وَهَكَذَا تُقْبَضُ الدُّيُونُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لِقَبْضِ الْوَثِيقَةِ، قَالَ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِك فَوَهَبَهُ لَكَ فَإِنْ أَشْهَدَ لَكَ وَجَمَعَ بَيْنَك وَبَيْنَ غَرِيمِهِ وَدَفَعَ لَكَ ذِكْرَ الْحَقِّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهَذَا قَبْضٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ وَأَشْهَدَ لَكَ وَأَحَالَك كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا وَحَمَلَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْ ذِكْرَ الْحَقِّ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ كَالدَّارِ الْمُغْلَقَةِ إذَا لَمْ يُعْطِهِ مَفَاتِيحَهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْمُوهَبِ شَيْءٌ وَإِنْ أَشْهَدَ لَهُ وَجَعَلَ دَفْعَ الْوَثِيقَةِ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ مِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعَ إعْلَامِ الْمَدِينِ وَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجَمَعَ بَيْنَك وَبَيْنَ غَرِيمِهِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَى فِي الْبَيَانِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الصَّدَقَاتِ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فَقَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَائِزٌ لِمَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا فَقَبِلَ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِهِ هُنَا، وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا كَذَا هُوَ فِي التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي فِي الْبَيَانِ إنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا فَقَبِلَ ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فَقِفْ عَلَيْهِ [فَرْعٌ دَفَعَ الدَّيْنَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالصَّدَقَةِ لِلْمُتَصَدِّقِ] (فَرْعٌ) فَإِنْ دَفَعَ الدَّيْنَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالصَّدَقَةِ

فرع وهب دينا وله عليه شاهد واحد

لِلْمُتَصَدِّقِ غَرِمَهُ لَلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، قَالَهُ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ. [فَرْعٌ وَهَبَ دَيْنًا وَلَهُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ] (فَرْعٌ) فَإِنْ وَهَبَ دَيْنًا وَلَهُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَحْلِفُ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي الشُّفْعَةِ لَوْ وَهَبَ لَهُ دَيْنًا وَلَهُ بِهِ شَاهِدٌ حَلَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَعَ شَاهِدِ الْوَاهِبِ وَاسْتَحَقَّ الدَّيْنَ وَتَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مَسْأَلَةُ، الْمَرْأَةِ تَهَبُ كَالِئَهَا بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا، انْتَهَى. وَيُشِيرُ لِمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّالِثِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ابْتَعْت طَعَامًا فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى أَسْلَفْته وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مَا قَالُوهُ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَنْكَرَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ إلَّا شَاهِدًا وَاحِدًا وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِمَا اشْتَرَاهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَحْلِفُ وَيَأْخُذُ غَيْرِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ فِي امْرَأَةٍ تَصَدَّقَتْ بِكَالِئٍ صَدَاقِهَا وَقَدْ أَثْبَتَتْهُ عَلَى زَوْجِهَا الْمَيِّتِ، قَالَ: لَا يَقْبِضُهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهُ وَلَا وَهَبَتْهُ وَلَا أَحَالَتْ بِهِ وَلَا تَصَدَّقَتْ بِهِ خَوْفًا أَنْ تَكُونَ إنَّمَا فَعَلَتْ لِتَدْفَعَ الْيَمِينَ عَنْهَا وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: رَأَيْت مُعَلِّقًا عَلَى فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي الْهِبَةِ يَحْلِفُ الْوَاهِبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَاتٍ إذَا وَهَبَ الدَّيْنَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْحَلِفِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ هُوَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي دَارٍ أَنَّهَا لِأَبِيهِ وَقَدْ تَرَكَ أَبُوهُ وَرَثَةً سِوَاهُ، الشَّيْخُ. نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يُقِمْ عَلَى الشِّرَاءِ إلَّا شَاهِدًا وَاحِدًا وَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ ثُمَّ قَامَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ هُنَا عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقُولُ لَا أَحْلِفُ وَيَنْتَفِعُ غَيْرِي وَهَذَا يَظْهَرُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْغُرَمَاءِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ ثُمَّ قَامَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَهَلْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَانْظُرْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ) ش: يُرِيدُ قَبْضَهُ فَأَحْرَى إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِفَكِّهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يُعَجَّلُ) ش: أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُرْتَهِنُ بِإِمْضَاءِ الْهِبَةِ بَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِفَكِّهِ إلَى آخِرِهِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاهِبُ يَجْهَلُ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِتَعْجِيلِ الدَّيْنِ أَمْ لَا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَصَّ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ شَاسٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَعْجِيلِ الدَّيْنِ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. ص (بِصِيغَةٍ أَوْ مُفْهِمِهَا)

تنبيه إذن السيد في قبول الهبة والصدقة

ش: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ السَّبَبُ النَّاقِلُ وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ صِيغَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، انْتَهَى. وَفِي جَعْلِهِ الرُّكْنَ سَبَبًا تَأَمُّلٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: (تَنْبِيهٌ) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْقَبُولُ فَوْرًا عَلَى الْفَوْرِ وَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا يَجُوزُ عَلَى التَّرَاخِي لِمَا يَأْتِي بَعْدُ مِنْ إرْسَالِ الْهِبَةِ لِلْمَوْهُوبِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِ الرَّسُولِ فِي أَنْ يَهَبَ عَنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَقَدْ وَقَعَ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ التَّرَوِّي فِي الْقَبُولِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيه إِذْن السَّيِّد فِي قَبُول الْهِبَة وَالصَّدَقَة] (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا أَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: لَوْ قِيلَ بِمَنْعِهِ مِنْ الْقَبُولِ لِلْمِنَّةِ الَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَى السَّيِّدِ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا بَعُدَ. وَانْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا وَهَبَ لِلصَّغِيرِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ هَلْ لِوَلِيِّهِ رَدُّ ذَلِكَ أَمْ لَا لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مِنَّةٌ عَلَى الْوَالِدِ أَوْ وَلَدِهِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ وَلَا كَلَامَ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا كَانَ يَطْلُبُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِرَجُلٍ طَعَامًا فَدَخَلَ ابْنُ الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ خُبْزًا فَخَرَجَ الصَّبِيُّ بِالْخُبْزِ لِأَبِيهِ فَأَكَلَ مِنْهُ الْأَبُ وَلَمْ يَعْلَمْ حَنِثَ. قَالَ سَحْنُونٌ: أَمَّا أَنَا فَتَبَيَّنَ عِنْدِي لَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ مَلَكَ الطَّعَامَ مِنْ الْأَبِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يَجْعَلْ مِلْكَ ابْنِهِ تَقَرُّرًا عَلَى مَا أَعْطَاهُ فَيَصِيرُ الْأَبُ قَدْ أَكَلَ مَالَ ابْنِهِ لَا مَالَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ لِلْأَبِ رَدُّهُ فَلَمَّا كَانَ لَهُ رَدُّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ لِلِابْنِ عَلَيْهِ مِلْكٌ إلَّا بِرِضَا الْأَبِ فَلِهَذَا حَنِثَ الْأَبُ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَهُ هِبَةً كَثِيرَةً لَهَا بَالٌ لَا يَقْدِرُ الْأَبُ عَلَى رَدِّهَا فَأَكَلَ مِنْهَا الْأَبُ لَا نَبْغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يَقْدِرُ الْأَبُ عَلَى رَدِّهِ عَلَى الْوَاهِبِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ رَدُّ مَا وُهِبَ لِابْنِهِ مِنْ طَعَامٍ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِأَكْلِهِ فِي الْوَقْتِ كَالْكِسْرَةِ وَالتَّمْرَةِ وَشَبَهِ هَذَا مِمَّا يُنَاوِلُهُ الْإِنْسَانُ لِمَنْ يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَقُولُ نَفَقَةُ ابْنِي عَلَيَّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ عَنِّي مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي فَهَذَا إذَا أَكَلَ مِمَّا أَعْطَاهُ الصَّبِيُّ حَنِثَ وَيَعُدُّ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ الْخُبْزَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْدَمًا حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ وَكَانَ عَيْشُ الِابْنِ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَنَحْوِهَا فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ هَذَا فَأَكَلَ مِنْهُ الْأَبُ لَمْ يَحْنَثْ، قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَعَبْدُهُ وَابْنُهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ لَهُ رَدُّ مَا وُهِبَ لِعَبْدِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ مَا وُهِبَ لَهُ مِنْ مَالٍ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ: الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ تَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ فَلَوْ صَادَ مَلَكَ الصَّيْدَ أَوْ احْتَشَّ مَلَكَ الْحَشِيشَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ قَارَضَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَتَرَتَّبُ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الرُّكْنَ الرَّابِعَ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَشَرْطُهُ قَبُولُ الْمِلْكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحِيزَ وَإِنْ بِلَا إذْنٍ وَأُجْبِرَ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ) ش: وَالْحَائِزُ هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إنْ كَانَ رَشِيدًا فَإِنْ كَانَ سَفِيهًا فَوَلِيُّهُ وَفِي صِحَّةِ حَوْزِ السَّفِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمُخْتَصَرِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ حَوْزِهِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَلَوْ سَفِيهًا وَقَوْلُهُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، أَيْ: عَلَى أَنْ يَحُوزَهُ وَهَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَعْرُوفُ لُزُومُ الْعَطِيَّةِ بِعَقْدِهَا ابْنُ زَرْقُونٍ. ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ قَبْلَ حَوْزِهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَفِي قَوْلَةٍ

فرع خرجت للسائل بالكسرة أو بالدرهم فلم تجده

شَاذَّةٍ عِنْدَنَا وَحَكَاهَا الطَّحَاوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهَا ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ مَالِكٍ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ نَقْلُ ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ وَهِيَ لِمُعَيَّنٍ دُونَ يَمِينٍ وَلَا تَعْلِيقٍ يَقْضِي بِهَا ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، قَالَ: وَعَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَذَلِكَ فِيهَا لَا يَقْضِي بِهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقَضَاءِ بِهَا قَوْلَانِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ فِيهَا وَعَلَى مُعَيَّنٍ فِي يَمِينٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فِيهَا لَا يَقْضِي بِهَا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ مَنْ تَسَرَّى عَلَى امْرَأَتِهِ وَقَدْ شَرَطَ لَهَا أَنَّهُ إنْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَالسُّرِّيَّةُ لَهَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ وَإِنْ أَعْتَقَهَا بَطَلَ عِتْقُهُ وَكَانَتْ لَهَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ مَنْ شَرَطَ لِمُبْتَاعٍ سِلْعَةً إنْ خَاصَمَهُ فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ فَخَاصَمَهُ لَزِمَتْهُ الصَّدَقَةُ إنْ حَمَلَ اللُّزُومَ عَلَى الْقَضَاءِ بِهَا فَهُوَ مِثْلُهُ ابْنُ زَرْقُونٍ لِابْنِ نَافِعٍ مَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْكِ فَأَمَتِي صَدَقَةٌ عَلَيْكِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ دِينَارٍ (قُلْتُ) هَذَا خِلَافُ عَزْوِ ابْنِ رُشْدٍ مَسْأَلَةَ الْأَمَةِ لِابْنِ دِينَارٍ وَمَسْأَلَةَ السِّلْعَةِ لِابْنِ نَافِعٍ، وَجَزْمُهُ بِهِ خِلَافٌ جَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُحْتَمَلًا وَفِي الْقَضَاءِ بِالْمُعَلَّقِ بِالْيَمِينِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ نَقَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ أَصْبَغَ: وَالْمَعْرُوفُ فِي إيجَابِ دَعْوَى هِبَةِ مُعَيَّنٍ يَمِينُ الْوَاهِبِ قَوْلَا الْجَلَّابِ وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَائِلًا دَعْوَى الْمَدِينِ هِبَةَ رَبِّ الدَّيْنِ دِينَهُ يُوجِبُ يَمِينَهُ اتِّفَاقًا (قُلْتُ) وَكَذَا مَنْ ادَّعَى هِبَةَ مَا بِيَدِهِ مِنْ مُعَيَّنٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَبْسُ مَتَى كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ لِمُعَيَّنٍ أَمْ لَا، لَا يُقْضَى بِهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْبِرَّ بَلْ اللَّجَاجَ وَدَفْعُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِ الْيَمِينِ يُقْضَى بِهَا، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ حَتَّى يَطْلُبَهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ النَّذْرِ وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي سُؤَالٍ سَأَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْهُ وَنَصُّ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: رَجُلٌ أَخْرَجَ مَالًا بِصَدَقَةٍ فَعَزَلَ مِنْهُ شَيْئًا سَمَّاهُ بِلِسَانِهِ وَمَيَّزَهُ لِمِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَا لَهُ فَصَرَفَهُ لِمِسْكِينٍ آخَرَ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ لَتَمْيِيزِهِ إيَّاهُ لِمِسْكِينٍ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ مَنْ أَخْرَجَ لِمِسْكِينٍ كِسْرَةً فَلَمْ يَجِدْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُعْطِهَا لِلْمِسْكِينِ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَعْطَاهَا بِالْقَوْلِ وَوَجَبَ طَلَبُهَا لِلْمِسْكِينِ وَتَمَيَّزَتْ لَهُ عِنْدَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِهِ وَهَلْ صَارَ قَوْلُهُ هَذَا لِفُلَانٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمَالَ مَخْرَجَ الصَّدَقَةِ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بِهَذَا عَلَى فُلَانٍ وَهَلْ يَسْتَوِي فِي هَذَا مَا أَخْرَجَ الْإِنْسَانُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ مَالِهِ وَمَا مَيَّزَهُ لِمُعَيَّنٍ مِمَّا يَجْرِي مِنْ صَدَقَةِ غَيْرِهِ عَلَى يَدَيْهِ إذْ ظَهَرَ لِي بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَرْقٌ كَمَا ظَهَرَ لِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِنْ مَعْنَى الصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَهِيَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا يَمْلِكُ. الْجَوَابُ تَصَفَّحْت السُّؤَالَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي عَزَلَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ لِلصَّدَقَةِ شَيْئًا سَمَّاهُ لِمِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ سَمَّاهُ لَهُ وَنَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ لَهُ وَلَمْ يَبْتِلْهُ لَهُ بِقَوْلٍ وَلَا نِيَّةٍ فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَتَلَهُ لَهُ بِقَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ فَعَلَ وَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ إلَيْهِ تَنْفِيذُهُ مِمَّا أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ لِلصَّدَقَةِ سَوَاءٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَأْمُرُ لِلسَّائِلِ بِشَيْءٍ أَوْ يَخْرُجُ بِهِ إلَيْهِ فَلَا يَجِدُهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَالِهِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ إنَّمَا نَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ لَهُ وَلَمْ يَبْتِلْهُ لَهُ بِقَوْلٍ وَلَا نِيَّةٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى مِنْ الْأَجْوِبَةِ مِنْ بَابِ الصَّدَقَاتِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا بَتَلَهُ لَهُ بِالنِّيَّةِ يَأْتِي عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورِينَ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّبْتِيلِ بِالنِّيَّةِ وَنِيَّةِ الْإِعْطَاءِ أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَعْطَيْته لِفُلَانٍ وَلَوْ عَبَّرَ عَنْ الثَّانِي عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أُعْطِي أَوْ نِيَّتِي أُعْطِي وَنَحْوِهِ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْهِبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. [فَرْعٌ خَرَجَتْ لِلسَّائِلِ بِالْكِسْرَةِ أَوْ بِالدِّرْهَمِ فَلَمْ تَجِدْهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَرَجَتْ لَلسَّائِلِ بِالْكِسْرَةِ أَوْ بِالدِّرْهَمِ فَلَمْ تَجِدْهُ أَرَى أَنْ يُعْطَى لِغَيْرِهِ تَكْمِيلًا لِلْمَعْرُوفِ وَإِنْ وَجَدْته وَلَمْ يَقْبَلْ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِتَأَكُّدِ الْعَزْمِ بِالدَّفْعِ وَاخْتُلِفَ هَلْ

فرع قال له بع ولا نقصان عليك

لَهُ أَكْلُهَا أَمْ لَا فَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَقِيلَ لَا وَقِيلَ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا أَكَلَهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَمْ يَأْكُلْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ كِسَرِ السَّائِلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» ، انْتَهَى. [فَرْعٌ قَالَ لَهُ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا وَالْحَجِّ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: إذَا قَالَ لَهُ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ بِعْ وَالنُّقْصَانُ عَلَيَّ فَهُوَ أَمْرٌ قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَعْرُوفُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ، وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ انْتَقَدَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ، انْتَهَى. [فَرْعٌ الْقَضَاء بِالْحِيَازَةِ] (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ تَكْفِي نِيَّةٌ عَلَى الْحَوْزِ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُقْضَى بِالْحِيَازَةِ إلَّا بِمُعَايَنَةٍ بَيِّنَةٍ لِحَوْزِهِ فِي حَبْسٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُعْطِي فِي صِحَّتِهِ أَنَّ الْمُعْطَى قَدْ حَازَ وَقَبَضَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُقْضَ بِذَلِكَ إنْ أَنْكَرَ وَرَثَتُهُ حَتَّى تُعَايِنَ الْبَيِّنَةُ الْحَوْزَ اهـ [فَرْعٌ قَالَ لِوَلَدِهِ أَصْلِحْ نَفْسك وَتَعَلَّم الْقُرْآنَ وَلَك قَرْيَتِي ثُمَّ مَاتَ الْأَب وَالْقَرْيَة بِيَدِهِ] (فَرْعٌ) إذَا قَالَ لِوَلَدِهِ: أَصْلِحْ نَفْسَك وَتَعَلَّمْ الْقُرْآنَ وَلَك قَرْيَتِي فُلَانَةُ فَفَعَلَ الْوَلَدُ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلُ وَالْقَرْيَةُ بِيَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْوَلَدُ الْحَوْزَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ: لَا تَكُونُ لَهُ الْقَرْيَةُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِإِشْهَادِ الْأَبِ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَكَ قَرْيَتِي لَيْسَ بِنَصٍّ فِي تَمْلِيكِهِ إيَّاهَا بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ تَسْكُنُهَا أَوْ تَرْتَفِقُ بِهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَكُونُ أَرَادَ التَّحْرِيضَ وَلَمْ يَجْعَلْ مَا أَوْجَبَ لَهُ الْقَرْيَةَ بِهِ مِنْ إصْلَاحِهِ نَفْسَهُ وَتَعَلُّمِهِ عِوَضًا لَهَا فَتَمْضِي دُونَ حِيَازَةٍ، فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَعْطَى امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ دَارًا سَاكِنًا بِهَا عَلَى أَنْ تُسْلِمَ فَأَسْلَمَتْ فَلَا أَرَاهَا مِنْ الْعَطِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ إسْلَامِهَا وَالْإِشْهَادُ يُجْزِئُهَا عَنْ الْحِيَازَةِ وَإِنْ مَاتَ بِهَا وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا أَرَاهَا إلَّا عَطِيَّةً وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى مِثْلُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَاخْتِيَارِ ابْنِ حَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فِي رَجُلٍ، قَالَ لِابْنِهِ: إنْ تَزَوَّجْت فَلَكَ جَارِيَتِي هِيَ لَهُ إذَا تَزَوَّجَ وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ دَيْنٌ حَاصَّ بِهَا الْغُرَمَاءَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هِيَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ إنْ فَلَسَ وَإِنْ مَاتَ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ فِيهَا شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ الْجَارِيَةِ: مِائَةُ دِينَارٍ كَانَتْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، ابْنُ رُشْدٍ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ لَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَمَعْنَاهُ إذَا وَجَبَتْ لَهُ الْهِبَةُ بِالتَّزْوِيجِ قَبْلَ أَنْ يَتَدَايَنَ الْأَبُ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. ص (وَبَطَلَتْ إنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ إذَا تَأَخَّرَ الْحَوْزُ حَتَّى أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِ الْوَاهِبِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَادِثًا بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ. [تَنْبِيه بَعَثَ مَالًا يُشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا لِزَوْجَتِهِ] ص (أَوْ أَرْسَلَهَا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (تَنْبِيهٌ) مَنْ

مسألة مات المتصدق قبل أن يقبض المتصدق عليه باقي الصدقة من الوكيل

بَعَثَ مَالًا يَشْتَرِي بِهِ ثَوْبًا لِزَوْجَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْتِلْهُ لَهَا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يُشْهِدْ لَهَا فَهِيَ عِدَةٌ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ. [مَسْأَلَةٌ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بَاقِيَ الصَّدَقَةِ مِنْ الْوَكِيلِ] (مَسْأَلَةٌ) مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا لِوَكِيلِهِ لِيَدْفَعَهَا إلَيْهِ فَقَدِمَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْكِتَابِ وَدَفَعَ إلَيْهِ مِنْهَا خَمْسِينَ وَقَالَ: اذْهَبْ سَأَدْفَعُ إلَيْكَ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةَ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَمَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةَ مِنْ الْوَكِيلِ، قَالَ: لَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ وَلَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْخَمْسِينَ الَّذِي قَبَضَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِمَنْزِلَتِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِ مُوَكِّلِهِ. ص (أَوْ بَاعَ وَاهِبٌ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ)

تنبيه علم الموهوب له بالهبة ولم يفرط حتى عاجله الواهب بالبيع

ش: صَوَابُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ لَا إنْ بَاعَ وَاهِبٌ حَتَّى يُوَافِقَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحُكْمُ الصَّدَقَةِ كَالْهِبَةِ فَإِذَا بَاعَ الْمُتَصَدِّقُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ الصَّدَقَةُ وَيُخَيَّرُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فُضُولِيٌّ كَمَا أَنَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا بَاعَ الْوَاهِبُ مَا وَهَبَهُ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ وَيُخَيَّرُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي رَدِّهِ وَإِجَازَتِهِ وَأَمَّا إنْ بَاعَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ بَعْدَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَالثَّمَنُ لِلْمُعْطَى، رُوِيَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَالثَّمَنُ لِلْمُعْطَى رُوِيَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الصَّدَقَةِ وَفَرَضَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْهِبَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. [تَنْبِيه عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْهِبَةِ وَلَمْ يُفَرِّطْ حَتَّى عَاجَلَهُ الْوَاهِبُ بِالْبَيْعِ] (تَنْبِيهٌ) إذَا عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْهِبَةِ وَلَمْ يُفَرِّطْ حَتَّى عَاجَلَهُ الْوَاهِبُ بِالْبَيْعِ فَلَهُ رَدُّهُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ. ص (وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ إلَخْ) ش:

تنبيه عمر الواهب الدار الموهوبة ثم أراد إبطال العمرى وقبض الدار

يَعْنِي أَنَّ الرَّقَبَةَ الْمَوْهُوبَةَ إذَا رَجَعَتْ إلَى الْوَاهِبِ بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَكَانَ رُجُوعُهَا إلَى الْوَاهِبِ عَنْ قُرْبٍ وَرُجُوعُهَا إلَى الْوَاهِبِ بِأَنْ يَكُونَ أَجَّرَهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَيْ: اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ أَرْفَقَ بِهَا، أَيْ: أَرْفَقَ الْمَوْهُوبَ الْوَاهِبُ بِالرَّقَبَةِ الْمَوْهُوبَةِ بَرِيدًا وَأَعْمَرَهُ إيَّاهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلُّهُ يُبْطِلُ الْهِبَةَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بِاتِّفَاقٍ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ إنَّ ذَلِكَ تَحْمِيلُ إسْقَاطِ الْحِيَازَةِ وَهَكَذَا صَرَّحَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ بِالِاتِّفَاقِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ سَنَةٍ يَعْنِي أَنَّ رُجُوعَ الرَّقَبَةِ الْمَوْهُوبَةِ إلَى الْوَاهِبِ بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ سَنَةً لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ طُولٌ وَقِيلَ الطُّولُ سَنَتَانِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّهَا إذَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الطُّولِ الَّذِي جَعَلَهُ سَنَةً لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ عَمَرَ الْوَاهِبُ الدَّارَ الْمَوْهُوبَةَ ثُمَّ أَرَادَ إبْطَالَ الْعُمْرَى وَقَبْضَ الدَّارِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ: سَأَلَ ابْنُ دَحُونٍ الْقَاضِيَ ابْنَ زَرْبٍ عَمَّنْ وُهِبَتْ لَهُ دَارٌ ثُمَّ أَعْمَرَهَا الْوَاهِبُ بَعْدَ أَشْهُرٍ يَسِيرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا حِيَازَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبْطِلُ هِبَتَهُ فَأَرَادَ إبْطَالَ الْعُمْرَى وَقَبْضَ الدَّارِ فَأَطْرَقَ الْقَاضِي فِيهَا حِينًا ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْعُمْرَى إبْطَالُ الْهِبَةِ فَقَدْ لَزِمَهُ مَا صَنَعَ وَبَطَلَتْ هِبَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْعُمْرَى إبْطَالٌ لِلْهِبَةِ فِي ذَلِكَ انْفَسَخَتْ الْعُمْرَى وَرَجَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى الدَّارِ وَقَبَضَهَا مِنْ الْوَاهِبِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ آجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا فَحَازَ عَلَيْهِ الْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَجَعَ الْأَبُ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَكْبُرَ وَيَحُوزَ لِنَفْسِهِ سَنَةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ مُحَمَّدٌ. لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَنَّ الْكَبِيرَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ مَنْعُ الْأَبِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَلَا يُعَدُّ رُجُوعُهُ رُجُوعًا فِي الْهِبَةِ، وَالصَّغِيرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَيُعَدُّ رُجُوعُهُ رُجُوعًا فِي الْهِبَةِ، انْتَهَى. (الثَّالِثُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى بُطْلَانِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا الْوَاهِبُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَذَلِكَ إذَا سَكَنَهَا الْأَبُ وَحْدَهُ وَأَمَّا إنْ سَكَنَ فِيهَا مَعَ الْوَلَدِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا الْبُطْلَانُ وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الِاخْتِلَافِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَكَنَ بِحَضَانَةٍ لَهُمْ، انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ أَوْ أَرْفَقَ بِهَا هُوَ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا لَا الْعَكْسُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ سَهْلٍ: خَاضَ أَهْلُ

مَجْلِسِ ابْنِ زَرْبٍ فِي صِحَّةِ حَوْزِ الزَّوْجَةِ دَارًا تَصَدَّقَ بِهَا زَوْجُهَا عَلَيْهَا لِسُكْنَاهَا مَعَهُ، قَالَ جُلُّهُمْ: حَوْزٌ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ زَرْبٍ لِسُكْنَى الزَّوْجِ قَالُوا فَمَا تَقُولُ، قَالَ: هِيَ مُشْتَبِهَةٌ وَتَوَقَّفَ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: فِيهِ دَلِيلُ عَدَمِ الِاجْتِهَادِ لِعُزُوبِ هَذِهِ عِنْدَهُمْ مَعَ نَصِّهَا فِي سَمَاعِ عِيسَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْفَلَ عَنْ دَرْسِ الْمَسَائِلِ فَآفَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْإِشْبِيلِيِّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى مَعَ الْحَافِظِ آخِرَ عُمْرِهِ إلَّا مَعْرِفَةُ مَوْضِعِ الْمَسَائِلِ وَمَا هِيَ بِمَنْزِلَةٍ كَبِيرَةٍ لِمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فِي الْعِلْمِ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ مَنْ اتَّسَمَ بِالْفُتْيَا أَنَّهُ طَلَبَ بَابَ الْحَضَانَةِ فِي بَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَرَمَى بِالْكِتَابِ فِي مِحْرَابِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي وَقْتِنَا، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ: لَوْ تَرَكْت الدَّرْسَ عَامَيْنِ لَنَسِيت مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا يُشِيرُ إلَى مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْفَتْوَى أَنْ لَا يَتْرُكَ خَتْمَ التَّهْذِيبِ مَرَّةً فِي الْعَامِ وَكَذَا كُنْتُ أَفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْوَانُّوغِيِّ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَانَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ مَنْ لَا يَخْتِمُ الْمُدَوَّنَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفَتْوَى مِنْهَا، انْتَهَى. ص (إلَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ خَتَمَ) ش: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَبِهِ الْحُكْمُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْإِرْشَادِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَقَالَ الشَّيْخُ دَاوُد فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ ذَكَرَهُ فِي نَوَازِلِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْهِبَاتِ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي: إنَّهُ الْأَظْهَرُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ فِي مَسَائِلِ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَةِ بِالْعَيْنِ عَلَى الصَّغِيرِ: لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْمُتَصَدِّقُ مِنْ مَالِهِ وَيَضَعَهَا عَلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ لِذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا إقْرَارُ الْأَبِ أَنَّ الْأُمَّ تَصَدَّقَتْ عَلَى ابْنَتِهَا بِمِائَةِ

دِينَارٍ وَتَسَلَّفَهَا الْأَبُ مِنْهَا وَتَصْدِيقُ الْأُمِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ اُتُّهِمَ الْأَبُ فِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُولِجَ إلَيْهَا ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْأَبِ لِيَحُوزَهُ لِلِابْنَةِ عَنْ الْأُمِّ، انْتَهَى. وَأَمَّا لَوْ دَفَعَتْهَا لِغَيْرِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَاهِدًا. ص (وَجَازَتْ الْعُمْرَى كَأَعْمَرْتُك) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْعُمْرَى تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ حَيَاةِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً فَيَخْرُجُ الْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِهَا وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا قَبْلَ حَوْزِهَا؛ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ عُمْرَى وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْوَاعِ وَحُكْمُهَا النَّدْبُ لِذَاتِهَا وَيَتَعَذَّرُ وُجُوبُ عُرُوضِهَا لَا كَرَاهَتِهَا أَوْ تَحْرِيمِهَا الصِّيغَةُ الْبَاجِيُّ مَا دَلَّ عَلَى هِبَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ كَأَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ عُمْرَك أَوْ وَهَبْتُك سُكْنَاهَا عُمْرَك، انْتَهَى. قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ قَدْ أَعْمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ حَيَاتَك أَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّابَّةُ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ جَازَ ذَلِكَ وَتَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ قَالَ دَارِي هَذِهِ لَكَ صَدَقَةُ سُكْنَى فَإِنَّمَا لَهُ السُّكْنَى دُونَ رَقَبَتِهَا وَإِنْ قَالَ لَهُ: قَدْ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك مِنْ بَعْدَك أَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ وَلِعَقِبِك سُكْنَى فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ مِلْكًا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ فَإِنْ مَاتَ فَإِلَى أَوْلَى النَّاسِ بِهِ يَوْمَ مَاتَ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ وَرَثَتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: مَنْ قِيلَ لَهُ هِيَ لَكَ صَدَقَةُ سُكْنَى فَلَيْسَ لَهُ إلَّا سُكْنَاهَا دُونَ رَقَبَتِهَا، مُحَمَّدٌ. حَيَاتَهُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) إذَا قَالَ: أَعْمَرْتُكَ وَلَمْ يَقُلْ حَيَاتَك أَوْ حَيَاتِي وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا أَجَلًا فَهِيَ عُمْرَى وَكَذَلِكَ أَسْكَنْتُك، قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْعَارِيَّةِ، فَصْلُ، وَقَدْ أَتَتْ هِبَاتٌ مُتَقَارِبَةُ اللَّفْظِ مُخْتَلِفَةُ الْأَحْكَامِ حُمِلَ بَعْضُهَا عَلَى هِبَةِ الرِّقَابِ وَبَعْضُهَا عَلَى هِبَةِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذَا الْبَعِيرِ وَأَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَأَعْمَرْتُكَ فَحُمِلَ قَوْلُهُ أَعْمَرْتُكَ وَأَسْكَنْتُك وَأَخْدَمْتُك عَلَى أَنَّهَا هِبَةُ مَنَافِعِ حَيَاةِ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْكَنِ وَالْمُعَمَّرِ وَقَوْلُهُ كَسَوْتُك هَذَا

فرع أعمرت أبويها دارا فمات أحدهما فقامت المعمرة تطلب نصف الدار

الثَّوْبَ أَوْ حَمَلْتُك عَلَى هَذَا الْبَعِيرِ أَوْ الْفَرَسِ عَلَى هِبَةِ الرِّقَابِ ثُمَّ قَالَ: وَالْعُمْرَى ثَلَاثَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِأَجَلٍ أَوْ حَيَاةِ الْمُعَمَّرِ وَمُطْلَقَةٌ وَمُعْقَبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةٌ بِأَجَلٍ فَقَالَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً أَوْ عَشْرًا أَوْ حَيَاتِي أَوْ حَيَاتَك كَانَتْ عَلَى مَا أَعْطَى وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ كَانَ مَحْمَلُهُ عَلَى عُمُرِ الْمُعْطِي حَتَّى يَقُولَ عُمُرِي أَوْ حَيَاتِي وَإِنْ عَقَّبَهَا فَقَالَ: أَعْمَرْتُكَهَا أَنْتَ وَعَقِبَك لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَقِبُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْقَوَانِينَ: الْعُمْرَى جَائِزَةٌ إجْمَاعًا وَهِيَ أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَ دَارِي وَضَيْعَتِي أَوْ أَسْكَنْتُك أَوْ وَهَبْت لَكَ سُكْنَاهَا أَوْ اسْتِغْلَالَهَا فَهُوَ قَدْ وَهَبَ لَهُ مَنْفَعَتَهَا فَيَنْتَفِعُ بِهَا حَيَاتَهُ فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إلَى رَبِّهَا وَإِنْ قَالَ: لَك وَلِعَقِبِك فَإِذَا انْقَرَضَ عَقِبُهُ رَجَعَتْ إلَى رَبِّهَا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِنْ قَالَ أَذِنْت لَكَ أَنْ تَسْكُنَ دَارِي أَوْ تَزْرَعَ أَرْضِي أَوْ تَرْكَبَ دَابَّتِي أَوْ تَلْبِسَ ثَوْبِي كَانَ عَارِيَّةً وَتَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَارِيَّةِ إذَا ضَرَبَ لَهَا أَجَلًا أَوْ لَمْ يَضْرِبْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: الْمُخْدِمُ ذُو رِقٍّ وَهَبَ مَالِكٌ خِدْمَتِهِ إيَّاهَا لِغَيْرِهِ فَيَدْخُلُ الْمُدَبَّرُ وَالْجُزْءُ مِنْ الْعَبْدِ لَا الْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَارِيَّةِ إنْ لَمْ يُخْرِجْ رَبُّهُ عَنْ مِلْكِ رَقَبَتِهِ بِعِتْقٍ أَوْ مِلْكٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْخِدْمَةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ وَهَبَ خِدْمَةَ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَلَمْ يُوَقِّتْ فَأَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَلَهُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا لِوَرَثَتِهِ وَأَمَّا فِي الصِّحَّةِ فَأَسْأَلُهُ وَأُصَدِّقُهُ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلَا شَيْءَ لِلْمُخْدَمِ فِيهِ، قَالَ أَصْبَغُ: لَهُ خِدْمَتُهُ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: وَهَبْت لَكَ خِدْمَةَ عَبْدِي أَوْ أَخْدَمْتُكَ عَبْدِي وَمَسْأَلَتُك إنَّمَا هِيَ أَخْدِمُ فُلَانًا، انْتَهَى. [فَرْعٌ أَعْمَرَتْ أَبَوَيْهَا دَارًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَامَتْ الْمُعَمِّرَةُ تَطْلُبُ نِصْفَ الدَّارِ] (فَرْعٌ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ أَعْمَرَتْ أَبَوَيْهَا دَارًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَامَتْ الْمُعَمِّرَةُ تَطْلُبُ نِصْفَ الدَّارِ وَهَلْ الْأَبَوَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ سَوَاءٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إذَا كَانَتْ الْمُعَمِّرَةُ حَيَّةٌ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فِيمَا تَزْعُمُ مِنْ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا حَظُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا لَا إلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْبَاقِي مِنْهُمَا أَنَّهَا نَصَّتْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ تَبْقَى لِلْآخَرِ مِنْهُمَا لَزِمَتْهَا الْيَمِينُ وَلَوْ مَاتَتْ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَرَادَتْ لِتُخْرِجَ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي يُحْبَسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَيَمُوتُ بَعْضُهُمْ هَلْ يَرْجِعُ إلَى الْمُحْبَسِ أَوْ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى يَمُوتُوا كُلُّهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الْعُمْرَى وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي أَحْكَامِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ فِيمَنْ حَبَسَ دَارًا أَوْ حَائِطًا عَلَى قَوْمٍ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَحْبَاسِ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ مُحْبَسَةٍ كَانَ مَرْجِعُ ذَلِكَ الْحَبْسِ إلَى صَاحِبِ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَوْ إلَى السَّبِيلِ أَوْ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَهَذَا إذَا كَانَ مُشَاعًا فَأَمَّا إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَيْلٌ مُسَمًّى أَوْ سُكْنَى مَعْرُوفٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَيَّامٍ بِعَيْنِهَا أَوْ سُكْنَى بِعَيْنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَمَّاهُ فَهَذَا مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى صَاحِبِ الْحَبْسِ إنْ جُعِلَ مَرْجِعُ الْحَبْسِ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَنْ جُعِلَ مَرْجِعُهُ إلَيْهِ، قَالَهُ كُلُّهُ مَالِكٌ وَقَدْ قَالَ أَيْضًا خِلَافَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَبْسًا عَلَيْهِمْ مُشَاعًا اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَهُ عِنْدَ عَقْدِ نِكَاحِهِ ثُلُثَ مُسْتَغَلِّ أَمْلَاكِهِ حَيْثُمَا كَانَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ حَيَاةَ النَّاحِلِ وَلَا الْمَنْحُولِ لَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّاحِلُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَكَانَ الْمَنْحُولُ لَهُ يَسْتَغِلُّهَا فَقَامَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَقَالُوا لَيْسَ لَكَ بَعْدَ حَيَاةِ أَبِيكَ شَيْءٌ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لِي حَيَاتِي فَأَجَابَ: الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلْمَنْحُولِ ثُلُثَ غَلَّةِ الْأَمْلَاكِ مَا بَقِيَتْ وَكَانَ لَهَا غَلَّتُهُ طُولَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ خِدْمَةَ عَبْدِهِ وَلَمْ يَقُلْ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ وَلَا حَيَاةَ الْعَبْدِ أَنَّ لِوَرَثَةِ الْمُخْدَمِ خِدْمَةَ هَذَا الْعَبْدِ مَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ مِنْ مَقَالِهِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ

أَنَّهُ إنَّمَا لِلْمُخْدَمِ خِدْمَةُ الْعَبْدِ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ لَا حَيَاةَ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَنْحُولِ فِي مَسْأَلَتِك ثُلُثُ غَلَّةِ الْأَمْلَاكِ مَا دَامَ حَيًّا وَأَمَّا أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ بِمَوْتِ النَّاحِلِ فَذَلِكَ مَا لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. مِنْ بَابِ النِّحْلَةِ وَالسِّيَاقَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ. ص (وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَى الِاعْتِصَارِ الْحَبْسُ وَالْمَنْعُ وَقِيلَ الِارْتِجَاعُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَكِلَاهُمَا فِي ارْتِجَاعِ الْهِبَةِ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالِاعْتِصَارُ ارْتِجَاعُ الْمُعْطِي عَطِيَّتَهُ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظًا وَفِي لَغْوِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ الْتِزَامًا نَقْلًا ابْنُ عَاتٍ عَنْ بَعْض فُقَهَاءِ الشُّورَى وَابْنِ وَرْدٍ، قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى: مَنْ شَرَطَ فِي هِبَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الِاعْتِصَارَ ثُمَّ بَاعَهَا بِاسْمِ نَفْسِهِ وَمَاتَ فَقِيمَتُهَا لِابْنِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ اعْتِصَارًا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ بَيْعِهِ أَوْ قَبْلَهُ أَنَّ بَيْعَهُ اعْتِصَارٌ وَلَا يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا بَعْدَ بَيْعِهَا وَلَا يَكُونُ اعْتِصَارُهَا إلَّا بِالْإِشْهَادِ وَفِي الِاسْتِغْنَاءِ رَأَيْت لِابْنِ وَرْدٍ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ هَذَا. قَالَ: إنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ وَنَسَبَهُ لِنَفْسِهِ وَأَفْصَحَ بِذَلِكَ وَالْمَبِيعُ لَمْ يَصِرْ لِلِابْنِ إلَّا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ بِهِبَةٍ يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا فَيُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعُ عَدَاءٍ يَتَعَقَّبُهُ حُكْمُ الِاسْتِحْقَاقِ (قُلْتُ) بِالْأَوَّلِ أَفْتَى ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ الصِّيغَةُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَحْوُ اعْتَصَرْت وَرَدَدْت ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَكُونُ اعْتِصَارًا، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالثَّمَنُ لِلْوَلَدِ وَلَا يَكُونُ اعْتِصَارُ الْأَبَوَيْنِ إلَّا بِالْإِشْهَادِ، انْتَهَى. اُنْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ الْهِبَةِ فَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَكَلَّمَ فِي أَوَائِلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا بَاعَ الْأَبُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْهُ: فَإِذَا وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ اقْتَضَاهُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ لِلِابْنِ فِي مَالِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ تَنْصِيصَ الْعَرْضِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ بِالْبَيْعِ كَقَبْضِ الدَّيْنِ وَسَوَاءٌ بَاعَ الْعَرْضَ لِابْنِهِ بِاسْمِهِ أَوْ جَهِلَ ذَلِكَ فَلَمْ يُعْلَمْ إنْ كَانَ بَاعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِابْنِهِ. وَأَمَّا إنْ بَاعَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ نَصًّا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ فِيهَا وَإِلَّا كُلٌّ لَهَا فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرِي الْأَبَ بِالثَّمَنِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَجَدَهُ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ كَانَتْ حِيزَتْ لِلِابْنِ وَلَوْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ دَارًا يَسْكُنُهَا الْأَبُ فَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْحَلَ عَنْهَا لِنَفْسِهِ اسْتِرْجَاعًا لِصَدَقَتِهِ وَاسْتِخْلَاصًا لِنَفْسِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ إنْ عَثَرَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَمَضَتْ الصَّدَقَةُ لِلِابْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ فِيهَا حَقٌّ وَلَا فِي الثَّمَنِ وَصَحَّ الْبَيْعُ لِلْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: وَمَنْ وَهَبَ عَبْدًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُو الْوَلَدِ مُوسِرًا فَيُعْطِي الْوَلَدَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ فِيمَا وَهَبَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهَذَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَإِذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِعَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ وَعَوَّضَهُ غَيْرُهُ مِثْلَهُ أَوْ أَدْنَى جَازَ إنْ كَانَ فِي وِلَايَتِهِ لِشُبْهَةِ الْوَلَاءِ وَشُبْهَتِهِ فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا امْتَنَعَ وَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ مِنْ الْوَصِيِّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ بِالْمَالِ، انْتَهَى. وَسُئِلْت عَنْ رَجُلٍ مَلَّكَ وَلَدَهُ بِئْرًا أَوْ أَرْضًا ثُمَّ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْقَفَ جَمِيعَ أَمْلَاكِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَدْخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَرْضَ وَالْبِئْرَ الَّتِي أَوْقَفَهَا عَلَى وَلَدِهِ أَوَّلًا فَأَجَبْت بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا وَحَازَ مَا مَلَّكَهُ أَبُوهُ أَوْ صَغِيرًا وَأَشْهَدَ أَبُوهُ أَنَّهُ حَازَ لَهُ فَالتَّمْلِيكُ صَحِيحٌ وَلَا يُبْطِلُهُ الْوَقْفُ الَّذِي بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ الْأَبُ أَنَّهُ رَجَعَ فِيمَا مَلَّكَهُ لِوَلَدِهِ قَبْلَ الْوَقْفِيَّةِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا وَلَمْ يَحُزْ أَوْ صَغِيرًا وَلَمْ يَحُزْ الْأَبُ لَهُ حَتَّى أَوْقَفَهُ فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ وَالتَّمْلِيكُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ لَا

يَشْتَرِطُ الْحِيَازَةَ وَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّ الِاعْتِصَارَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَلَا يَكُونُ بِالْعِتْقِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَأُمٍّ وَهَبَتْ ذَا أَبٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الْأُمَّ إذَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَلَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَلَا تَعْتَصِرُ مِنْهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَأَمَّا إنْ كَانَ كَبِيرًا فَلَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ وَلَدِهَا الْكَبِيرِ إلَّا أَنْ يَنْكِحَا أَوْ يَتَدَايَنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَبٌ حِينَ وَهَبَتْهُ أَوْ نَحَلَتْهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ الْيَتِيمِ وَيُعَدُّ كَالصَّدَقَةِ. وَإِنْ وَهَبَتْهُمْ وَهُمْ صِغَارٌ لَا أَبَ لَهُمْ ثُمَّ بَلَغُوا وَلَمْ يُحْدِثُوا فِي الْهِبَةِ شَيْئًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّهَا وَهَبَتْ فِي حَالِ الْيُتْمِ وَإِنْ وَهَبَتْهُمْ وَهُمْ صِغَارٌ وَالْأَبُ مَجْنُونٌ جُنُونًا مُطْبِقًا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الِاعْتِصَارِ لَهَا، انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا الْأَخِيرِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ مَجْنُونًا ص (إنْ لَمْ يَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ)

ش، قَالَ الشَّارِحُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْهِبَةَ يَفُوتُ اعْتِصَارُهَا بِحَوَالَةِ السُّوقِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُفِيتٍ ابْنُ رَاشِدٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) حَكَى فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ قَوْلَيْنِ فِي فَوَاتِ الِاعْتِصَارِ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ اعْتَمَدَ الْقَوْلَ بِالْإِفَاتَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَكُرِهَ تَمْلِيكُ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ) ش: يُرِيدُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّمْلِيكِ إلَّا بِإِرْثٍ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ وَلَا يَشْتَرِيهَا مِنْ فَقِيرٍ، وَاحْتُرِزَ بِالصَّدَقَةِ مِنْ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَلَا يَرْكَبُهَا أَوْ يَأْكُلُ غَلَّتَهَا) ش: اُنْظُرْ هَلْ النَّهْيُ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ الْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ، قَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَلَا يَرْكَبَهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَلَا يَرْكَبُهَا يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِحَائِطٍ فَلَا يَأْكُلُ ثَمَرَتَهُ وَإِذَا تَصَدَّقَ بِدَابَّةٍ فَلَا يَنْتَفِعُ بِرُكُوبِهَا وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا الْجَوَازُ لِحَدِيثِ الْعَرَايَا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) إنْ حُمِلَ الْجَوَازُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُبَاحُ فَهُوَ مُشْكِلٌ كَمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ لَا أَقَلَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْعَرَايَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ شِرَاءِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْجَوَازِ مَا يَعُمُّ الْمَكْرُوهَ فَلَا إشْكَالَ وَكَانَ مُقَابِلُهُ أَعْنِي قَوْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ يَقُولُ بِالْمَنْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَتِهَا ظَاهِرُهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا مُطْلَقًا وَفِي الرِّسَالَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ

لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَعُونَةِ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ يَسِيرًا أَوْ يَرْكَبَ الْفَرَسَ الَّذِي جَعَلَهُ فِي السَّبِيلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ خَطَرُهُ وَقِيلَ مَعْنَى مَا فِي الرِّسَالَةِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا ثَمَنَ لَهُ وَقِيلَ مَحْمَلُ مَا فِي الرِّسَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ غَنَمٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ فِي صُوفِهَا إذَا رَضِيَ الْوَلَدُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ مُحَمَّدٌ. وَهَذَا فِي الْوَلَدِ الْكَبِيرِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يَفْعَلُ، قَالَهُ مَالِكٌ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ تَأْوِيلَانِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَخْصِيصُهُ بِاللَّبَنِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ خَاصٍ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ تَجُوزُ بِشَرْطِ الثَّوَابِ وَسَوَاءٌ عَيَّنَّ الْوَاهِبُ الثَّوَابَ الَّذِي يُرِيدُ أَمْ لَا أَمَّا إذَا عَيَّنَّهُ فَقَالُوا إنَّهَا جَائِزَةٌ وَهِيَ حِينَئِذٍ مِنْ الْبُيُوعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَمَا لَوْ قَالَ: أَهَبُهَا لَكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَيَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ شُرُوطَ الْبَيْعِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَأَمَّا إنْ شَرَطَ الْوَاهِبُ الثَّوَابَ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِ سِلْعَةٍ بِقِيمَتِهَا الْبَاجِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهِبَةُ الثَّوَابِ عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ وَفِي شَرْطِهَا بِغَيْرِ لَفْظِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ ذُكِرَا فِي فَصْلِ شَرْطِ الْعِوَضِ فِيهَا، انْتَهَى. (قُلْتُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا قَوْلَانِ ذُكِرَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ قَوْلَانِ يُذْكَرَانِ فَإِنَّ فَصْلَ الْعِوَضِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ كَلَامِهِ هَذَا وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كَلَامِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ فِي مَظَانِّهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا قَوْلَهُ فِي فَصْلِ شَرْطِ الْعِوَضِ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ وَفِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ: بِعْتُك السِّلْعَةَ بِمَا شِئْت ثُمَّ سَخَطَ مَا أَعْطَاهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَزِمَهُ مُحَمَّدٌ. مَعْنَاهُ إنْ فَاتَتْ فَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ لَفْظَ الْبَيْعِ، انْتَهَى. ص (وَلَزِمَ بِتَعْيِينِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ

مسالة هبة الطعام للثواب

إذَا عَيَّنَ الثَّوَابَ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ لِلْوَاهِبِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ، قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِتَعْيِينِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ شَاسٍ وَقَالَ بَعْدَهُ: هَذَا ضَرُورِيُّ كَتَبَ عَقْدَ الْخِيَارِ، انْتَهَى. ص (فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ) ش: أَيْ: فَلَا ثَوَابَ فِيهِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ رَأَى أَنَّهُ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ إلَّا بِشَرْطٍ وَثَوَابُهُ عَرْضٌ أَوْ طَعَامٌ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمِثْلُ الْمَسْكُوكِ السَّبَائِكُ وَالْحُلِيُّ وَالْمُكَسَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْحُلِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ. ص (وَهِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) ش: وَكَذَا الْأَبُ وَوَلَدُهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَظْهَرَ ابْتِغَاءُ الثَّوَابِ بَيْنَهُمْ، انْتَهَى. فَمَسْأَلَةُ الزَّوْجَيْنِ وَالْأَقَارِبِ لَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ الْمَسْكُوكِ وَمَسْأَلَةِ السَّبَائِكِ وَالْحُلِيِّ فَإِنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِمَا وَلَوْ فُهِمَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ الثَّوَابِ حُكِمَ بِهِ فَهِيَ إنَّمَا تُخَالِفُ هِبَةَ الثَّوَابِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ فِي كَوْنِهَا لَا يُحْكَمُ فِيهَا بِالثَّوَابِ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَهِبَةُ الْأَجَانِبِ يُحْكَمُ فِيهَا بِالثَّوَابِ إلَّا إذَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِ الثَّوَابِ. ص (وَلِقَادِمٍ) ش: أَطْلَقَ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا بِمَا يُهْدَى لَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مسالة هِبَةِ الطَّعَامِ لِلثَّوَابِ] (مَسْأَلَةٌ) فِي حُكْمِ هِبَةِ الطَّعَامِ لِلثَّوَابِ، قَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي آخِرِ فَصْلِ آدَابِ الْأَكْلِ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ هَذِهِ الْعَادَةِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي أُحْدِثَتْ وَهِيَ أَنْ يَهْدِيَ أَحَدُ الْأَقَارِبِ أَوْ الْجِيرَانِ طَعَامًا فَلَا يُمْكِنُ الْمُهْدَى إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْوِعَاءَ فَارِغًا حَتَّى يَرُدَّهُ بِطَعَامٍ وَكَذَلِكَ الْمُهْدِي إنْ رَجَعَ إلَيْهِ الْوِعَاءُ فَارِغًا وَجَدَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ وَكَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمُهَادَاةِ بَيْنَهُمَا وَلِسَانُ الْعِلْمِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرَ يَدٍ لِيَدٍ وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا وَيَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ (فَإِنْ قِيلَ) لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبِيَاعَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْهَدَايَا وَقَدْ سُومِحَ فِيهَا (فَالْجَوَابُ) هُوَ مُسَلَّمٌ لَوْ مَشَوْا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْهَدَايَا الشَّرْعِيَّةِ لَكِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ضِدَّ ذَلِكَ لِطَلَبِهِمْ الْعِوَضَ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَتَشَوَّقُ لَهُ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ يَحْرِصُ عَلَى الْمُكَافَأَةِ فَخَرَجَ بِالْمُشَاحَّةِ مِنْ بَابِ الْهَدَايَا إلَى بَابِ الْبِيَاعَاتِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْأَبِيَّ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَ وَاهِبَهَا لَا الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ إلَّا لِفَوْتٍ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ

فرع أثاب الموهوب له في هبة الثواب أكثر من القيمة وامتنع الواهب أن يقبل إلا القيمة

الْوَاهِبَ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْقِيمَةِ إذَا دَفَعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الْهِبَةُ عِنْدَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ الْقِيمَةِ هَلْ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ أَوْ الْقَبْضِ بَلْ قَدْ يَتَبَادَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْقِيمَةِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهَا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. [فَرْعٌ أَثَابَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي هِبَة الثَّوَاب أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَامْتَنَعَ الْوَاهِبُ أَنْ يَقْبَلَ إلَّا الْقِيمَةَ] (فَرْعٌ) إذَا أَثَابَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَامْتَنَعَ الْوَاهِبُ أَنْ يَقْبَلَ إلَّا الْقِيمَةَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ مَا أَعْطَاهُ الْمَوْهُوبُ اُنْظُرْ الْمَشَذَّالِيَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَاتِ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيَّ قَبْلَ آخِرِهَا بِنَحْوِ الْخَمْسِ وَرَقَاتٍ ابْنُ عَاتٍ عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ: لَيْسَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَنْ يُشْهِدُوا بَيْنَ النَّاسِ وَلَا أَنْ يُضَيِّفُوا أَحَدًا وَلَا أَنْ يُكَافِئُوا عَنْ الْهَدَايَا وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا السُّلْطَانُ لَا يُكَافِئُ وَلَا يُكَافَأُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ هَذَا عَنْ سَعْدٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْفَقِيهِ مِنْ مُكَافَأَةٍ وَلَا ضِيَافَةِ أَحَدٍ وَلَا شَهَادَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ فِيمَنْ اسْمُهُ سَعِيدٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْمَعَافِرِيُّ أَبُو عُمَرَ وَقِيلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عُثْمَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ تَفَقَّهَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مَأْمُونٌ تُوُفِّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ [مَسْأَلَة لَيْسَ عَلَى الْفَقِيهِ ضِيَافَةٌ وَلَا مُكَافَأَةٌ] (مَسْأَلَةٌ) ذَكَرَ سَعْدٌ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْفَقِيهِ ضِيَافَةٌ وَلَا مُكَافَأَةٌ يُرِيدُ عَنْ هَدِيَّةٍ وَلَا شَهَادَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَهُ فِيمَنْ اسْمُهُ سَعِيدٌ سَهْوٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمُتَيْطِيِّ الْمُتَقَدِّمَ وَكَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ وَكَلَامَ الْمَدَارِكِ أَنَّهُ سَعْدٌ بَلْ فِي آخِرِ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ الْمَذْكُورُ أَنَّهُ سَعْدٌ حَيْثُ، قَالَ: مَسْأَلَةٌ: ذَكَرَ سَعْدٌ وَنَصُّ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَعْتَقَ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّهَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ وَخَالَفَ سَعْدٌ الْمَعَافِرِيُّ شَيْخَهُ، فَقَالَ: لَا تُبَاعُ حَتَّى تَضَعَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ لَاحِقًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدَارِكِ فِي تَرْجَمَتِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقِيلَ أَبُو عُثْمَانَ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَهُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمِصْرِيِّينَ، وَقَالَ فِي آخِرِ تَرْجَمَتِهِ، قَالَ سَعْدٌ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ عَلَى الْفَقِيهِ ضِيَافَةٌ وَلَا مُكَافَأَةٌ يُرِيدُ عَنْ هَدِيَّةٍ وَلَا شَهَادَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَدَارِكِ إسْقَاطُ الْمَعَافِرِيِّ وَاسْتُفِيدَ مِنْ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ مَعَافِرِيٌّ وَالْمَعَافِرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ نِسْبَةً إلَى الْمُعَافِر بْن يَعْفُرِ بْن مَالِكٌ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ: يُنْسَبُ إلَيْهِ أَكْثَرُ عَامَّتِهِمْ بِمِصْرَ، انْتَهَى. وَقَدْ أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ غَازِيٍّ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْقُدْوَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ الْقُورِيِّ أَنَّهُ أَنْشَدَهُ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَصُّهُ: لَيْسَ عَلَى الْفَقِيهِ مِنْ ضِيَافَهْ ... وَلَا شَهَادَةٍ وَلَا مُكَافَهْ ذَكَرَ ذَا نَصًّا عَنْ الْمَدَارِكِ، عَنْ سَعْدٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْأَحْيَاءِ: حَدِيثُ «مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَهُمْ شُرَكَاؤُهُ فِيهَا» الْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَتْنِ حَدِيثٌ ص (وَإِنْ مَعِيبًا) ش: هُوَ مِنْ الْعَيْبِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ

كتاب اللقطة

وَعَكْسُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا، قَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْهَا: وَإِذَا وَجَدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْهِبَةِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ الْعِوَضِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ وَجَدَ الْوَاهِبُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَانْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَانْظُرْ الْمُنْتَقَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ حُكْمَ مَا إذَا اطَّلَعَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ عَلَى عَيْبٍ هَلْ يَرُدُّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ اللُّقْطَةِ] ش: كَلَامُ الشَّارِحِ فِي ضَبْطِهَا فِيهِ خَلَلٌ وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ هَكَذَا ضَبَطَهَا الْأَكْثَرُ وَعَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرَ فَتْحَ الْقَافِ وَزَعَمَ أَنَّهَا بِالسُّكُونِ عَلَى الْأَصْلِ وَبَعْضُهُمْ رَوَاهَا بِالْوَجْهَيْنِ مِنْهُمْ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَقَالَ: الْفَتْحُ أَصَحُّ وَمِنْهُمْ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ: السُّكُونُ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَالٌ مَعْصُومٌ عُرِضَ لِلضَّيَاعِ) ش: الظَّاهِرُ أَنَّ ضَالَّةَ الْإِبِلِ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ وَهِيَ لَيْسَتْ لُقَطَةٌ وَكَذَلِكَ الْآبِقُ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَا يُسَمَّى لُقَطَةً وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ اللُّقَطَةِ وَلِذَا حَدَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا وَلَا نَعَمًا فَيَخْرُجُ الرِّكَازُ وَمَا بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَتَدْخُلُ الدَّجَاجَةُ وَحَمَامُ الدُّورِ لَا السَّمَكَةُ تَقَعُ فِي السَّفِينَةِ وَهِيَ لِمَنْ وَقَعَتْ إلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ عَاتٍ عَنْ الشَّعْبَانِيّ وَالْأَظْهَرُ فِي السَّمَكَةِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا مَنْ سَقَطَتْ إلَيْهِ نَجَتْ بِنَفْسِهَا لِقُوَّةِ حَرَكَتِهَا وَقُرْبِ مَحَلِّ سُقُوطِهَا فِي مَاءِ الْبَحْرِ فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي زَاهِيهِ: وَإِلَّا فَهِيَ لِرَبِّ السَّفِينَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ فِيهِ وَلَيْسَ لُقَطَةً فَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ أَحْسَنُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَدُّ الِالْتِقَاطِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ أَخْذُ مَالٍ ضَائِعٍ لِيُعَرِّفَهُ سَنَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ إذَا ظَهَرَ الْمَالِكُ، انْتَهَى. ص (وَفَرَسًا وَحِمَارًا) ش: يُرِيدُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ لُقَطَتُهُ، قَالَ فِي لُقَطَتِهَا: وَمَنْ الْتَقَطَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا مَصُوغًا أَوْ عُرُوضًا أَوْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلْيُعَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا لَمْ آمُرْهُ بِأَكْلِهَا كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا إلَّا أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا وَيُخَيِّرُ صَاحِبَهَا إنْ جَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوَابُهَا أَوْ يَغْرَمُهَا لَهُ فَعَلَ وَأَكْرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا قَبْلَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ التَّافِهُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَلْيُعَرِّفْهَا سَنَةً يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَا لَمْ آمُرْهُ بِأَكْلِهَا وَفِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُصَادُ حَمَامُ الْأَبْرِجَةِ وَمَنْ صَادَ مِنْهَا شَيْئًا رَدَّهُ أَوْ عَرَّفَ بِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ وَلَا يَأْكُلُهُ وَإِنْ دَخَلَ حَمَامُ بُرْجٍ لِرَجُلٍ فِي بُرْجٍ لِآخَرَ رَدَّهَا إلَى رَبِّهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَلَا

شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ وَضَعَ أَجْبَاحًا فِي جَبَلٍ فَلَهُ مَا دَخَلَهَا مِنْ النَّحْلِ وَمَنْ صَادَ طَائِرًا فِي رِجْلَيْهِ سِبَاقَانِ أَوْ ظَبْيًا فِي أُذُنَيْهِ قُرْطَانِ أَوْ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ عَرَّفَ بِذَلِكَ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ هُرُوبُهُ لَيْسَ بِهُرُوبِ انْقِطَاعٍ وَلَا تَوَحُّشٍ رَدَّهُ وَمَا وَجَدَ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ وَإِنْ كَانَ هُرُوبُهُ هُرُوبَ انْقِطَاعٍ وَتَوَحُّشٍ فَالصَّيْدُ خَاصَّةً لِصَائِدِهِ دُونَ مَا عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ رَبُّهُ: نَدَّ مِنِّي مُنْذُ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ الصَّائِدُ: لَا أَدْرِي مَتَى نَدَّ مِنْك فَعَلَى رَبِّهِ الْبَيِّنَةُ وَالصَّائِدُ مُصَدَّقٌ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ هُرُوبُهُ لَيْسَ بِهُرُوبِ انْقِطَاعٍ إلَى آخِرِهِ فَهَلْ يَجِبُ تَعْرِيفُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَاللُّقَطَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ: مَا أَوَى إلَى بُرْجِ الرَّجُلِ مِنْ حَمَامِ بُرْجِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ أَوْ عَرِفَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ عَرَفَ صَاحِبَهُ هَذَا مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْلَمَهُ وَاخْتُلِفَ إذَا عَلِمَهُ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَنَصُّ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُعَرَّفُهُ كَاللُّقَطَةِ وَلَا يَأْكُلُهُ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَكَى فَضْلٌ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُنْصَبُ لِشَيْءٍ مِنْ حَمَامِ الْأَبْرِجَةِ وَلَا يُرْمَى وَمَنْ صَادَ مِنْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ يُعَرِّفَهُ وَلَا يَأْكُلُهُ وَحُكْمُ أَفْرَاخِهَا إذَا عَرَفَ عُشَّهَا حُكْمُ مَا عَرَفَهُ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ فَإِنْ عَرَفَ صَاحِبَهُ رَدَّهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا حَكَاهُ عَنْ فَضْلٍ فَإِنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ جَمْعُهُ الْآنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرُدَّ بِمَعْرِفَةِ مَشْدُودٍ فِيهِ وَبِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ رَدُّهَا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِخْبَارِ بِصِفَتِهَا مِنْ نَحْوِ عِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَهُمَا الْمَشْدُودُ فِيهِ وَبِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَمَّا رَدُّهَا بِالْبَيِّنَةِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَيَجِبُ أَيْضًا رَدُّهَا عِنْدَنَا بِالْإِخْبَارِ بِصِفَتِهَا مِنْ نَحْوِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ لِلْحَدِيثِ ثُمَّ فَسَرَّهُمَا بِقَوْلِهِ وَهُمَا الْمَشْدُودُ فِيهِ وَبِهِ فَالْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ فِي اللُّغَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بَلْ نَقَلَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ عَكْسَهُ، وَالْوِكَاءُ مَمْدُودٌ وَقِيلَ مَقْصُورٌ قِيلَ وَهُوَ غَلَطٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: نَحْوَ عِفَاصِهَا إلَى أَنَّ مَا لَا عِفَاصَ لَهُ وَلَا وِكَاءَ مِنْ اللُّقَطَةِ يُدْفَعُ بِالْإِخْبَارِ بِصِفَاتِهِ الْخَاصَّةِ الْمُحَصِّلَةِ لِلظَّنِّ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي اعْتِبَارِ عَدَدِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قَوْلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَخِيرُ لِأَصْبَغَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَكْتَفِي بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الْمُغَلِّبَةِ لِلظَّنِّ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَسْتَأْنِي فِي الْوَاحِدَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ يَكْتَفِي بِبَعْضِ الصِّفَاتِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَيَسْتَأْنِي فِي الْوَاحِدَةِ وَالْأَصَحُّ لِأَشْهَبَ، قَالَ: إنْ عَرَفَ وَصْفَيْنِ وَلَمْ يَعْرِفْ الثَّالِثَ دُفِعَ لَهُ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: لَوْ وَصَفَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الصِّفَةِ وَأَخْطَأَ الْعُشْرَ لَمْ يُعْطِهَا إلَّا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ أَنْ يَذْكُرَ عَدَدًا فَيُصَابَ أَقَلُّ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اُغْتِيلَ فِيهِ، انْتَهَى. وَهَذَا

مسألة الصبي الصغير تدعي أمه أنه التقط دنانير

أَيْضًا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَاسْتُؤْنِيَ فِي الْوَاحِدَةِ إنْ جَهِلَ غَيْرَهَا لَا غَلَطَ عَلَى الْأَظْهَرِ وَفِي الشَّامِلِ وَدُفِعَ لِمَنْ عَرَفَ وَصْفَيْنِ دُونَ ثَالِثٍ وَقِيلَ إنْ أَخْطَأَ وَاحِدًا مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا فِي عَدَدٍ يُوجَدُ أَقَلُّ وَلَوْ عَرَفَ وَاحِدًا مِنْ عِفَاصٍ وَوِكَاءٍ فَثَالِثُهَا الْأَظْهَرُ لَا شَيْءَ لَهُ إنْ غَلِطَ فِي الْآخَرِ وَاسْتُؤْنِيَ بِهِ فِي الْجَهْلِ وَلَوْ أَخْطَأَ فِي وَصْفِهِ ثُمَّ أَصَابَ لَمْ يُعْطِهِ وَلَا يَضُرُّهُ الْغَلَطُ فِي زِيَادَةِ الْعَدَدِ إنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَفِي نَقْصِهِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. [مَسْأَلَة الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ تَدَّعِي أُمُّهُ أَنَّهُ الْتَقَطَ دَنَانِيرَ] (مَسْأَلَةٌ) ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: بَابٌ فِي الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ تَدَّعِي أُمُّهُ أَنَّهُ الْتَقَطَ دَنَانِيرَ وَمِنْ كِتَابِ سَحْنُونٍ وَكَتَبَ شَجَرَةٌ إلَى سَحْنُونٍ فِي امْرَأَةٍ أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ مَعَهُ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَزَعَمَتْ أَنَّهُ الْتَقَطَهَا مِنْ الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ صُرَّةٍ فَرَفَعَتْهَا عَلَى أَيْدِي أُنَاسٍ فَأَتَى مَنْ ادَّعَاهَا وَوَصَفَ سِكَّةَ بَعْضِ الدَّنَانِيرِ وَلَمْ يَصِفْ الْبَعْضَ فَكَتَبَ إلَيْهِ الْأُمُّ مُقِرَّةٌ بِأَنَّ الصَّبِيَّ أَصَابَهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقِرَّ عَلَى غَيْرِهَا فَأَرَى الدَّنَانِيرَ لِلصَّبِيِّ وَمَا كَانَ مِنْ لُقَطَةٍ مَعْرُوفَةٍ فَوَصَفَ الْمُدَّعِي لَهَا بَعْضًا وَلَمْ يَصِفْ بَعْضًا فَلَا شَيْءَ لَهُ ص (وَوَجَبَ أَخْذُهُ لِخَوْفِ خَائِنٍ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْأَحْسَنِ) ش: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ إنْ خَافَ عَلَيْهَا أَنْ يَأْخُذَهَا خَائِنٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ سَوَاءٌ خَشِيَ عَلَيْهَا أَنْ يَأْخُذَهَا خَائِنٌ أَوْ لَمْ يَخْشَ وَإِلَّا كُرِهَ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا خَائِنًا وَلَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيُكْرَهُ لَهُ الِالْتِقَاطُ عَلَى الْأَحْسَنِ هَذَا حَلُّ كَلَامِهِ وَفِيهِ أَبْحَاثٌ: الْأَوَّلُ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ وَلَا الْخِيَانَةَ وَخَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ أَنَّ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ نَفْسِهِ يُكْرَهُ لَهُ الِالْتِقَاطُ وَإِنَّمَا جَعَلَ وُجُوبَ الِالْتِقَاطِ إذَا تَحَقَّقَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ وَخَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. الثَّانِي نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْقِسْمِ الْمَكْرُوهِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الَّذِي فِيهِ الْأَحْسَنُ وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْخِيَانَةَ وَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَيَّدَ الْخِلَافَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا اتِّفَاقًا وَكَذَا قَيَّدَ قِسْمَ الْوُجُوبِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ غَيْرِ مَأْمُونِينَ بِكَوْنِ الْإِمَامِ عَدْلًا لَا يُخْشَى أَنْ يَأْخُذَهَا إذَا عَلِمَ بِهَا بِتَعْرِيفِهِ إيَّاهَا، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، فَقَالَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَنَصُّ كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالِالْتِقَاطُ حَرَامٌ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ خِيَانَةَ نَفْسِهِ وَمَكْرُوهٌ لِلْخَائِفِ وَفِي الْمَأْمُونِ الْكَرَاهَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ وَالْوُجُوبُ إذَا خَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ اللُّقَطَةِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقِطِ وَجَعَلَ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةً، أَوَّلُهَا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَكُونُ الْتِقَاطُهَا عَلَيْهِ حَرَامًا، وَثَانِيهَا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُ الشَّيْطَانُ وَلَا يَتَحَقَّقُ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَثَالِثُهَا أَنْ يَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ، وَقُسِّمَ هَذَا إلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ نَاسٍ لَا بَأْسَ بِهِمْ وَلَا يَخَافُ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ، وَالثَّانِي أَنْ يَخَافَهُمْ فَإِنْ خَافَهُمْ وَجَبَ الِالْتِقَاطُ وَحُكِيَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ، الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْخِلَافَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ وَكَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ. فَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ غَيْرِ مَأْمُونِينَ

فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا، انْتَهَى. وَزَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ أَحَدِ الْخَوْفَيْنِ، انْتَهَى. فَهَذَا الْأَخِيرُ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَقْلِ قِسْمِ الْوُجُوبِ بَلْ نَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ مَأْمُونٍ إذَا أَنْشَدْت أَخْذَهَا، انْتَهَى. الثَّالِثُ قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْسَنِ فِيهِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّامِلِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ وَمَا قَيَّدَهَا بِهِ وَهُوَ أَيْضًا أَعْنِي هَذَا الِاخْتِلَافَ فِيمَا عَدَا لُقَطَةِ الْحَاجِّ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا وَمَعْنَى نَهْيِهِ عَنْهَا مَخَافَةُ أَنْ لَا يَجِدَهَا رَبُّهَا لِتَفَرُّقِ الْحَاجِّ فِي بُلْدَانِهِمْ الْمُخْتَلِفَةِ فَتَبْقَى فِي ضَمَانِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَلْتَقِطَ لُقَطَةَ الْحَاجِّ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ الْتَقَطَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِهَا مَا يَجِبُ فِي سِوَاهَا، انْتَهَى. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الِالْتِقَاطُ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلثَّلَاثَةِ الْأَقْوَالِ وَهِيَ إنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ قِسْمِ الْوُجُوبِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَإِلَّا كُرِهَ إلَّا أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهَا أَقْوَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ: وَالْأَظْهَرُ إنْ كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِفْظِ أَنْ يَجِبَ الِالْتِقَاطُ وَلَا يُعَدُّ عِلْمُهُ بِخِيَانَةِ نَفْسِهِ مَانِعًا وَأَحْرَى خَوْفُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْخِيَانَةِ وَالْحِفْظُ لِلْمَالِ الْمَعْصُومِ وَقُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ مَنْ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَقَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْحِفْظِ وَحْدَهُ وَمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ الْحِفْظُ وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِ هَذَا فَالْأَظْهَرُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الِاسْتِحْبَابُ أَوْ الْوُجُوبُ لَوْ قِيلَ بِهِ لِوُجُوبِ إعَانَةِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِعَانَةِ، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ حَسَنٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: كُلُّ فِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَإِنْقَاذِهِ الْغَرِيقَ أَوْ إزَاحَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ فَهُوَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَمَا تَتَكَرَّرَ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الدِّيوَانِ فَعَلَى هَذَا يَتَّجِهُ الْأَخْذُ وَوُجُوبُهُ عِنْدَ تَعَيُّنِ هَلَاكِ الْمَالِ وَعِنْدَ تَعَيُّنِ الْهَلَاكِ بَيْنَ الْأُمَنَاءِ يَكُونُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا خَافُوا غَيْرَهُمْ عَلَى اللُّقَطَةِ وَمَنْدُوبًا فِي حَقِّ هَذَا الْمُعَيَّنِ بِخُصُوصِهِ كَمَا (قُلْتُ) فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَغَيْرِهَا أَصْلُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَفِعْلُ هَذَا الْمُصَلِّي الْمَخْصُوصِ يُنْدَبُ ابْتِدَاءً فَإِذَا شَرَعَ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ ص (وَتَعْرِيفُهُ سَنَةً إلَخْ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) يَجِبُ التَّعْرِيفُ عَقِبَ الِالْتِقَاطِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا سَنَةً عَقِيبَهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، أَيْ: عَقِبَ الِالْتِقَاطِ وَظَاهِرُهُ لَوْ أَخَّرَ التَّعْرِيفَ يَضْمَنُ وَفِي اللَّخْمِيِّ إنْ أَمْسَكَهَا سَنَةً وَلَمْ يُعَرِّفْهَا ثُمَّ عَرَّفَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَهَا، انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَقَيَّدَ بِالسَّنَةِ اهـ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِيبَهُ رَاجِعٌ إلَى الِالْتِقَاطِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ وَلَا يُؤَخِّرُ التَّعْرِيفَ فَإِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ إلَى إيَاسِ رَبِّهَا فَلَا يَتَعَرَّضُ إلَى طَلَبِهَا فَإِنْ تَرَكَ تَعْرِيفَهَا حَتَّى طَالَ ضَمِنَهَا كَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ نَقَلْت كَلَامَهُ عَلَى مَا فَهِمْت، انْتَهَى. وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ (فَرْعٌ) وَإِذَا أَمْسَكَ

الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ سَنَةً وَلَمْ يُعَرِّفْهَا ثُمَّ عَرَّفَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَهَا وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ضَمِنَهَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ صَاحِبَهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَغَابَ بِقُرْبِ ضَيَاعِهَا وَلَمْ يُقَدَّمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ، انْتَهَى. (الثَّانِي) قَوْلُهُ لَا تَافِهًا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ تَعْرِيفُهُ لَا يُقَيِّدُ السَّنَةَ وَيَعْنِي أَنَّ التَّافِهَ لَا يُعَرَّفُ، وَلَمْ يَقُلْ: لَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْأَكْلِ لَا تُنَافِي سُقُوطَ الضَّمَانِ كَالْكَثِيرِ بَعْدَ السَّنَةِ بِخِلَافِ عَدَمِ التَّعْرِيفِ فَإِنَّهُ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (الثَّالِثُ) جَزَمَ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ الْكَثِيرَ وَمَا دُونَهُ مِنْ فَوْقِ التَّافِهِ يُعَرَّفُ لِسَنَةٍ أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا مَا دُونَ الْكَثِيرِ وَفَوْقَ التَّافِهِ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَدَلْوٍ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ قَوْلَيْنِ، تَعْرِيفُ سَنَةٍ وَتَعْرِيفُ أَيَّامًا مَظِنَّةَ طَلَبِهِ وَرُجِّحَ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَمَّا مَا فَوْقَهُ مِنْ نَحْوِ مُخِلَّاتٍ وَدَلْوٍ فَقِيلَ يُعَرَّفُ أَيَّامًا مَظِنَّةَ طَلَبِهِ وَقِيلَ: سَنَةٌ كَالْكَثِيرِ قَوْلُهُ فَوْقَهُ، أَيْ: فَوْقَ التَّافِهِ وَدُونَ الْكَثِيرِ مِمَّا يَشِحُّ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبُهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَعْرِيفِهِ إلَّا أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي حَدِّهِ فَقِيلَ: سَنَةٌ كَاَلَّذِي لَهُ بَالٌ وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَوْلَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رَأْيِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّة فِي مِثْلِ الدُّرَيْهِمَاتِ وَالدَّنَانِيرِ أَنَّهُ يُعَرِّفُ ذَلِكَ أَيَّامًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَأَوَّلَ الْمُدَوَّنَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ، انْتَهَى. فَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ الْقَوْلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. ص (بِكَبَابِ مَسْجِدٍ) ش، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتُعَرَّفُ اللُّقَطَةُ حَيْثُ وَجَدَهَا وَعَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ رَبَّهَا هُنَاكَ أَوْ خَبَرَهُ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَسَأَلْته يَعْنِي مَالِكًا عَنْ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ: لَا أُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ أَنْ تُعَرَّفُ اللُّقَطَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَأَحَبُّ إلَيَّ الْخَوْفَيْنِ أَنْ لَا تُعَرَّفَ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَوْ مَشَى هَذَا إلَى الْخَلْقِ فِي الْمَسَاجِدِ يُخْبِرُهُمْ بِاَلَّذِي وَجَدَ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ، لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّعْرِيفَ يَكُونُ فِيهَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعَ خَفْضِ الصَّوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: فِي بَابِ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَلِلْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَفِي التَّمْهِيدِ التَّعْرِيفُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْت لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ، انْتَهَى. ص (أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ) ش: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ ضَاعَتْ إذَا دَفَعَهَا إلَى مِثْلِهِ فِي الْأَمَانَةِ، انْتَهَى. قَالَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهِيَ أَمَانَةٌ (تَنْبِيهٌ) وَيُخَيَّرُ فِي دَفْعِهَا إلَى الْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ص (وَدُفِعَتْ لِحَبْرٍ إنْ وُجِدَتْ بِقَرْيَةِ ذِمَّةٍ) ش: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَنَصُّهُ:

مسألة وجد لقطة فعرفها سنة ثم أنفقها فلما حضرته الوفاة أوصى بها وعليه دين ولا وفاء له

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اللُّقَطَةِ تُوجَدُ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَقَالَ: تُدْفَعُ إلَى أَحْبَارِهِمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلٌ فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِي الْأَمَاكِنِ أَنْ تَكُونَ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَتْ وُجِدَتْ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا تُدْفَعَ إلَى أَحْبَارِهِمْ إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِهَا اسْتِحْسَانًا لِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهَا لَهُمْ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فَإِذَا دُفِعَتْ إلَيْهِمْ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمُوهَا لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ أَنْ تُدْفَعَ ابْتِدَاءً إلَى أَحْبَارِهِمْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ مِنْ دِينِنَا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ لُقَطَةِ أَهْلِ مِلَّتِنَا مَصْرُوفًا إلَيْنَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُدْفَعَ إلَى أَحْبَارِهِمْ وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً أَبَدًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ التَّصَدُّقِ) ش، قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: وَلِأَنَّا نُجَوِّزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ عَنْ رَبِّهَا ثُمَّ إنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَضِيَ جَازَ، انْتَهَى. فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّصَدُّقِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا وَأَمَّا تَصَدُّقُهُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي تَمَلُّكِهِ إيَّاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَكْرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا قَبْلَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ التَّافِهُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْكَرَاهَةُ هُنَا عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، انْتَهَى. ص (أَوْ التَّمَلُّكِ وَلَوْ بِمَكَّةَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَوِيَّةٌ إذْ قَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا عَدَا لُقَطَةِ مَكَّةَ فَأَمَّا مَكَّةُ فَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِنْفَاقُهَا بِإِجْمَاعٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا أَبَدًا وَإِنْ طَالَ زَمَانُهَا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْإِكْمَالِ عَنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ حُكْمَ اللُّقَطَةِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ حُكْمٌ وَاحِدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ (تَنْبِيهٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَفِي جَمِيعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْتِقَاطَ اللُّقَطَةِ وَتَمَلُّكَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَلَا إذْنِ سُلْطَانٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَفِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَنِيِّ، فَقَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَيَضْمَنَهَا، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: (قُلْتُ) لِمَالِكٍ، قَالَ: إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ شَاءَ اسْتَنْفَقَهَا وَإِنْ شَاءَ صَاحِبَهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ بَعْدَ حَوْلٍ وَهَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلِهِ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ لُقَطَةً فَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ أَنْفَقَهَا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى بِهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا وَفَاءَ لَهُ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ اللُّقَطَةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اللُّقَطَةِ يَجِدُهَا الرَّجُلُ فَيُعَرِّفُهَا سَنَةً فَلَا يَجِدُ صَاحِبَهَا فَيَسْتَنْفِقُهَا ثُمَّ يَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ فَيُوصِي بِهَا وَيَتْرُكُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا وَفَاءَ لَهُ كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءُ بِهَا أَهْلَ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهَا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمِدْيَانِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ جَائِزٌ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَانَ إقْرَارُهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ عِنْدَ الصِّحَّةِ مِنْ الْمَرَضِ فِي رَهْنِهِ وَقَضَاءِ بَعْضِ غُرَمَائِهِ

مسألة قال له صاحب الحانوت هذا الدينار وجدته في مكانك بعد خروجك

دُونَ بَعْضٍ وَفِي إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ فَمَرَّةً أَجَازَ ذَلِكَ وَمَرَّةً لَمْ يُجِزْهُ وَمَرَّةٌ فَرَّقَ فَأَجَازَ الرَّهْنَ وَالْقَضَاءَ وَلَمْ يُجِزْ الْإِقْرَارَ وَمَرَّةٌ أَجَازَ الْقَضَاءَ خَاصَّةً وَلَمْ يُجِزْ الرَّهْنَ وَلَا الْإِقْرَارَ وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَنْفَقَ اللُّقَطَةَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ فَإِنْ كَانَ يُورَثُ بِوَلَدٍ جَازَ إقْرَارُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ صَاحِبِهَا أَوْ تُوقَفَ لَهُ وَاخْتَلَفَ إنْ كَانَ يُورَثُ بِكَلَالَةٍ فَقِيلَ إنَّهُ إنْ أَوْصَى أَنْ تُوقَفَ وَتُحْبَسَ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا جَازَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَمْ تُخْرَجْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مِنْ الثُّلُثِ وَقِيلَ إنَّهُ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَقِيلَ إنَّهُ إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً جَازَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً لَمْ تَكُنْ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا ثُلُثٍ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: سَأَلْت ابْنَ وَهْبٍ عَنْ اللُّقَطَةِ يَجِدُهَا الرَّجُلُ فَيَسْتَنْفِقُهَا بَعْدَ السَّنَةِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ وَلَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا أَتَرَى أَنْ يُحَاصَّ بِهَا الْغُرَمَاءُ، قَالَ: نَعَمْ أَرَى لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُحَاصَّ بِهَا الْغُرَمَاءَ وَسَأَلْت أَشْهَبَ، فَقَالَ لِي مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السُّلْطَانَ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ سُكُوتُ أَشْهَبَ عَنْ ذِكْرِ السُّلْطَانِ فِي هَذَا مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ النَّاظِرُ فِيهَا لِصَاحِبِ اللُّقَطَةِ لِكَوْنِهِ فِي مَنْزِلَةِ الْغَائِبِ إذْ لَا يُعْرَفُ وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا عَلِمَ إقْرَارَهُ بِاسْتِنْفَاقِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمُفْلِسِ بَعْدَ التَّفْلِيسِ لِمُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ فَكَيْفَ لِغَائِبٍ مَجْهُولٍ، انْتَهَى. [مَسْأَلَة قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ هَذَا الدِّينَارُ وَجَدْته فِي مَكَانك بَعْدَ خُرُوجك] (مَسْأَلَةٌ) مِنْ كِتَابِ اللُّقَطَةِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ حَانُوتَ رَجُلٍ بَزَّازٍ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَاتَّبَعَهُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا دِينَارٌ وَجَدْته فِي حَانُوتِي وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ الْيَوْمَ أَحَدٌ غَيْرُك فَعَمِدَ الرَّجُلُ فَافْتَقَدَ دِينَارًا مِنْهَا أَتَرَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي هُوَ أَعْلَمُ بِيَقِينِهِ إنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ دِينَارُهُ فَلْيَأْخُذْهُ قِيلَ لَهُ التَّاجِرُ يَقُولُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ الْيَوْمَ غَيْرُك وَقَدْ افْتَقَدَ الرَّجُلُ مِنْ نَفَقَتِهِ دِينَارًا، قَالَ: إنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَهُ فَلْيَأْخُذْهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي قَوْلِهِ إنْ اسْتَيْقَنَ فَلْيَأْخُذْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا إنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهَا الْيَقِينُ أَنَّهُ لَهُ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوَرُّعِ، وَالنِّهَايَةُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَرِضْهُ شَكٌّ فِي أَنَّهُ لَهُ فَأَخَذَهُ لَهُ سَائِغٌ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَهُ إذْ قَدْ افْتَقَدَ دِينَارًا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ نَفَقَتِهِ لَسَاغَ لَهُ عِنْدِي أَنْ يَأْخُذَهُ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْحَانُوتِ إنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ الْيَوْمَ أَحَدٌ غَيْرُك وَإِنْ كَانَ التَّوَرُّعُ مِنْ أَخْذِهِ أَوْلَى وَأَحْسَنُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ: هَذَا الدِّينَارُ وَجَدْتُهُ فِي مَكَانِكَ بَعْدَ خُرُوجِك وَلَا أَدْرِي هَلْ هُوَ لَكَ أَوْ لِغَيْرِك مِمَّنْ دَخَلَ الْحَانُوتَ فَعَدَّ الرَّجُلُ نَفَقَتَهُ فَافْتَقَدَ دِينَارًا وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: هَذَا الدِّينَارُ وَجَدْتُهُ فِي مَكَانِكَ بَعْدَ خُرُوجِك وَلَا أَدْرِي هَلْ هُوَ لَك أَوْ لِغَيْرِك مِمَّنْ دَخَلَ الْحَانُوتَ وَالرَّجُلُ لَا يَعْلَمُ عَدَدَ نَفَقَتِهِ لَمَا سَاغَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشَّكِّ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. ص (كَنِيَّةِ أَخْذِهَا قَبْلَهَا) ش، قَالَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ فِي الْوَسَطِ: يَعْنِي أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا نَوَى قَبْلَ السَّنَةِ أَكْلَ اللُّقَطَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا يُرِيدُ إذَا ضَاعَتْ عِنْدَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ، قَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا فِعْلٌ، انْتَهَى. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فَلَيْسَ هُوَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَبَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا رَدَّهَا بِمَوْضِعِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ ضَمِنَهَا فَأَمَّا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا مَكَانَهُ سَاعَتَهُ كَمَنْ مَرَّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ فَوَجَدَ شَيْئًا فَأَخَذَهُ وَصَاحَ بِهِ أَهَذَا لَكَ فَيَقُولُ لَا فَتَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي وَاجِدِ الْكِسَاءِ بِأَثَرِ رُفْقَةٍ فَأَخَذَهُ وَصَاحَ أَهَذَا لَكُمْ فَقَالُوا لَا فَرَدَّهُ، قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ فِي رَدِّهِ وَلَا يَضْمَنُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ لِيُعَرِّفْهَا اُنْظُرْ هَلْ تَعْرِيفًا عَامًّا الَّذِي هُوَ السَّنَةُ أَوْ تَعْرِيفًا خَاصًّا

فرع ملتقط اللقطة هل عليه زكاتها

كَوَاجِدِ الْكِسَاءِ عِيَاضٌ اخْتَلَفَ تَأْوِيلُ الشُّيُوخِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقِيلَ إنَّ الثَّانِيَةَ بِخِلَافِ الْأُولَى وَإِنَّهُ ضَمِنَهُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا وَالثَّانِيَةُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَالْقُرْبُ وَالْبَعْدُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَحَكَى ذَلِكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا بِالْقُرْبِ يَعْنِي إذَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ وَإِلَيْهِ نَحَا اللَّخْمِيُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ أَخَذَ لُقَطَةَ الْمَسْأَلَةُ، وَقَوْلُهُ فَأَمَّا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا مَكَانَهُ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهَا فِي الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَرُدَّهَا بِالْقُرْبِ لِقَوْلِهَا فَبَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا وَلَمْ يَضْمَنْهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَهَذَا تَأْوِيلُ اللَّخْمِيِّ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَأْخُذْهَا بِنِيَّةِ تَعْرِيفِ الْعَامِّ وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ الشَّيْخُ. وَهَلْ تُوجِبُ النِّيَّةُ بِمُجَرَّدِهَا شَيْئًا أَمْ لَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» فَمَنْ نَوَى قُرْبَةٌ فَلَا تَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا قَوْلٌ كَالنَّذْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ هَذَا الْعَمَلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ كَصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ فَهَذَا يَلْزَمُ إتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ كَالْجِوَارِ وَقِرَاءَةِ أَحْزَابٍ أَوْ نَوَى إطَالَةَ الْقِيَامِ فِي الرُّكُوعِ بَدَا لَهُ فِيمَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَ وَمَا لَمْ يَأْتِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَالتَّعْرِيفُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَلَيْسَ فِيمَا يَأْتِي إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَانْظُرْ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ، أَيْ: وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ الرَّجُلُ إذَا نَوَى لَمَّا وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَنْ يَأْخُذَهَا تَمَلُّكًا وَكَانَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ قَبْلَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ كَالْغَاصِبِ، انْتَهَى. وَإِنْ (قُلْتُ) حَمَلْت اللَّفْظَ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ (قُلْتُ) بَلْ يُحْمَلُ وَغَايَةُ مَا يُورَدُ أَنِّي غَيَّرْت الْأَخْذَ حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَى الْمَنْصُوصَ وَقَدَّرْت مُضَافًا مَحْذُوفًا بَعْدَ قَبْلُ، أَيْ: قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ مَعْنًى وَلَا نَقْلًا، انْتَهَى. فَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي قَوْلِهِ وَظَاهِرِهِ إلَى آخِرِهِ وَاحْتِجَاجَهُ بِكَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اتِّفَاقًا فَيَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ فَأَوَّلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لِيُوَافِقَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الضَّمَانَ إذَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ اخْتِزَالَهَا فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ ظَاهِرٌ تَصَوُّرًا وَتَصْدِيقًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ اللُّقَطَةَ بِيَدِ مُلْتَقَطِهَا عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الشَّرْعِ وَإِنْ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا مَا لَمْ يَنْوِ اغْتِيَالًا وَغَصْبًا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ ضَمِنَهَا كَمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ وَهَذَا بَيِّنٌ إذَا كَانَتْ هَذِهِ نِيَّتُهُ حِينَ الْتَقَطَهَا وَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ هَذِهِ النِّيَّةُ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ جَرَى ذَلِكَ عَلَى تَبَدُّلِ النِّيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: (قُلْتُ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِلَغْوِ أَثَرِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ لَا مَعَ تَغَيُّرِ بَقَائِهَا عَمَّا كَانَتْ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِتَأْثِيرِ النِّيَّةِ، وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ السَّابِقَةُ عَنْ نِيَّةِ الِاغْتِيَالِ كَانَتْ مَقْرُونَةً بِالتَّعْرِيفِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ وَهِيَ بَعْدَهَا مَقْرُونَةٌ بِنَقِيضِ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْفِعْلِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْتُ) الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ هُوَ صَرِيحٌ فِي عِبَارَةِ الشَّامِلِ وَنَصُّهُ وَلَوْ نَوَى أَكْلَهُ قَبْلَ الْعَامِ ضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلٍ عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ [فَرْعٌ مُلْتَقِطُ اللُّقَطَةِ هَلْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا مُلْتَقِطُ اللُّقَطَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْوِ إمْسَاكَهَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، الْمَجْمُوعَةُ. وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ ضَمِنَهُ بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ

فرع قال له صاحب اللقطة أخذتها لتذهب بها وقال هو بل لأعرفها

وَنَصُّهُ: وَفِي صَيْرُورَتِهَا دَيْنًا عَلَى مُلْتَقِطِهَا لِإِرَادَةِ أَكْلِهَا أَوْ بِتَحْرِيكِهِ نَقْلَا الشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ الْمُغِيرَةِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلَ لِرِوَايَتَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ قَالَ لَهُ صَاحِب اللُّقَطَة أَخَذَتْهَا لِتَذْهَبَ بِهَا وَقَالَ هُوَ بَلْ لِأُعَرِّفَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ أَشْهَبُ: وَلَوْ ادَّعَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ الْتَقَطَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ الْتَقَطَهَا لِيُعَرِّفَ بِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، انْتَهَى. وَمَا عَزَاهُ لِأَشْهَبَ هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا وَإِنْ ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ الْمُلْتَقَطِ لَمْ يَضْمَنْ، ابْنُ يُونُسَ، قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَمَذْهَبُ الْكِتَابِ فِي هَذَا لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، انْتَهَى. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهُ رَبُّهَا: أَخَذْتهَا لِتَذْهَبَ بِهَا، وَقَالَ هُوَ: بَلْ لِأُعَرِّفَهَا صُدِّقَ الْمُلْتَقِطُ، ابْنُ يُونُسَ، قَالَ أَشْهَبُ: بِلَا يَمِينٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَلَا يُعَرَّفُ الْوَجْهُ الَّذِي الْتَقَطَهَا عَلَيْهِ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ أَوْ ادَّعَى تَلَفَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لَيُحْرِزَهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ دُونَ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ حِينَ الْتِقَاطِهَا أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مُسْتَحَبٌّ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا حَالَ الْتِقَاطِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، انْتَهَى. ص (وَرَدُّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ إلَّا بِقُرْبٍ فَتَأْوِيلَانِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ أَخَذَهَا لِيَحْفَظَهَا ثُمَّ رَدَّهَا ضَمِنَهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا تَتَفَرَّعُ عَلَى الْقِسْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، انْتَهَى. يَعْنِي مِنْ أَقْسَامِ الِالْتِقَاطِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الِالْتِقَاطُ هُوَ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ وَالْقِسْمَ الَّذِي يَجِبُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهَا وَقَدْ عَلِمْت كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّأْوِيلَيْنِ عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعَادَةِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا أَخَذَهَا لَا بِنِيَّةِ الْحِفْظِ وَلَا بِنِيَّةِ اغْتِيَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا بِالْقُرْبِ بِلَا خِلَافٍ وَيَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا بَعْدَ الْبُعْدِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ عِيَاضٌ: لَا خِلَافَ إذَا أَخَذَهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّعْرِيفِ كَأَخْذِ الْكِسَاءِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ إذَا رَدَّهَا لِمَوْضِعِهَا فِي الْحِينِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَاجِدُ اللُّقَطَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا يُرِيدُ الْتِقَاطَهَا وَلَا اغْتِيَالَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَأْخُذَهَا مُلْتَقِطًا لَهَا، وَالثَّالِثُ أَنْ يَأْخُذَهَا مُغْتَالًا لَهَا فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ ثَوْبًا وَهُوَ يَظُنُّهُ لِقَوْمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ فَهَذَا إنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ وَلَا ادَّعَوْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ وَلَا تَعَدَّى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَعْلَمَ بِهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ حُكْمَ اللُّقَطَةِ وَهَذَا إذَا رَدَّهَا بِالْقُرْبِ وَأَمَّا إنْ رَدَّهَا بَعْدَ طُولٍ فَهُوَ ضَامِنٌ، انْتَهَى. وَالْقِسْمَانِ الْبَاقِيَانِ تَقَدَّمَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَذُو الرِّقِّ كَذَلِكَ وَقَبْلَ السَّنَةِ فِي رَقَبَتِهِ) ش: يَعْنِي: ذُو الرِّقِّ إذَا الْتَقَطَ لُقَطَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً فَبَعْدَ السَّنَةِ إنْ أَكَلَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا ضَمِنَهَا فِي ذِمَّتِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَقَبْلَ السَّنَةِ فِي رَقَبَتِهِ وَاضِحٌ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَصِحُّ حِينَ تَصَرُّفِهِ لِسَيِّدِهِ وَلَا يَقْطَعُهُ ذَلِكَ عَنْ بَيْعِهِ لِسَيِّدِهِ وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَنْتَزِعَهَا وَيُوقِفَهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ لِئَلَّا يَخَافَ عَلَيْهَا أَنْ تَتْلَفَ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ كَانَ أَبْيَنُ أَنْ تُوقَفَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، انْتَهَى. وَإِذَا كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسْقِطَهَا، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا قَالَ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَسْتَهْلِكُ اللُّقَطَةَ قَبْلَ السَّنَةِ إنَّهَا فِي رَقَبَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ

فرع وجد شاة اختلطت بغنمه

وَأَصْبَغُ: سَوَاءٌ أَكَلَهَا أَوْ أَكَلَ ثَمَنَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا، قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمُغِيرَةِ: وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ فَإِنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ خِدْمَتَهُ فِيهَا أَخْدَمَهُ فِيهَا ثُمَّ عَادَ إلَى رَبِّهِ فَإِنْ مَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ رَبِّهَا قِيمَتَهَا مِنْ خِدْمَتِهِ عَتَقَ فِي ثُلُثِ سَيِّدِهِ وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ، قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ قِيمَتَهَا وَإِلَّا عَجَزَ ثُمَّ خُيِّرَ رَبُّهُ فِي إسْلَامِهِ بِهَا عَبْدًا أَوْ افْتِدَائِهِ وَيَبْقَى لَهُ عَبْدًا وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَتْ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ السَّنَةِ فَكَالْجِنَايَةِ يَضْمَنُ سَيِّدُهَا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ قِيمَةِ اللُّقَطَةِ، انْتَهَى. ص (وَلَهُ أَكْلُ مَا يَفْسُدُ) ش ظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْرِيفِ وَنَصُّهُ: وَمَنْ الْتَقَطَ مَا لَا يَبْقَى مِنْ الطَّعَامِ فَأَحَبُّ إلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَلَمْ يُؤَقِّتْ مَالِكٌ فِي التَّعْرِيفِ بِهِ وَقْتًا فَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِرَبِّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَوْلَى وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ وَثَالِثُهَا إنْ تَصَدَّقَ بِهِ لَا أَكَلَهُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ثَمَنٌ بِيعَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ فِي الضَّحَايَا فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَاةٌ بِفَيْفَاءَ) ش: عَطَفَ الشَّاةَ عَلَى مَا يَفْسُدُ وَلَمْ يُشَبِّهْ الشَّاةَ بِهِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا شَبَهَهُ بِالشَّاةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ وَرَدَّ فِيهِ حَدِيثَ أَمَّا الشَّاةُ فَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ» وَأَمَّا مَا يَفْسُدُ فَجَرَى ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ بِفَيْفَاءَ يَعْنِي لَا عِمَارَةَ فِيهِ لِكَوْنِهِ يَخْشَى عَلَيْهَا فِيهِ السِّبَاعَ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ شَرْطًا آخَرَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ كَوْنُهُ يَعْسُرُ حَمْلُهَا وَأَقَرَّهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْسُرْ حَمْلُهَا لَلَزِمَهُ حَمْلُهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا، انْتَهَى. وَإِذَا أَكَلَهَا بِالْفَيْفَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ بِفَيْفَاءَ اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا لَوْ وَجَدَهَا فِي الْقَرْيَةِ أَوْ بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ وَجَدَ ضَالَّةَ غَنَمٍ بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ عَرَّفَ بِهَا فِي أَقْرَبِ الْقُرَى إلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي فَلَوَاتِ الْأَرْضِ وَالْمَهَامِهِ أَكَلَهَا وَلَا يُعَرِّفُ بِهَا وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّهَا شَيْئًا، انْتَهَى. [فَرْعٌ وَجَدَ شَاةً اخْتَلَطَتْ بِغَنَمِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ وَجَدَ شَاةً اخْتَلَطَتْ بِغَنَمِهِ فَهِيَ كَاللُّقَطَةِ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا يُرِيدُ بَعْدَ السَّنَةِ فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا ضَمِنَهَا لَهُ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَلَوْ ذَبَحَهَا فِي الْفَلَاةِ ثُمَّ أَتَى بِلَحْمِهَا أَكَلَهُ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا أَصْبَغُ وَيَصِيرُ لَحْمُهَا وَجِلْدُهَا مَالًا مِنْ مَالِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهَا وَهِيَ فِي يَدَيْهِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَإِنْ أَتَى بِالشَّاةِ مِنْ الْفَلَاةِ إلَى الْعِمَارَةِ فَلَهَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ يُعَرِّفُهَا وَإِنْ أَتَى رَبُّهَا أَخَذَهَا اللَّخْمِيُّ. يُرِيدُ وَيُعْطِيهِ أُجْرَةَ نَقْلِهَا، انْتَهَى. ص (كَإِبِلٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّة وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِزَمَنِ الْعَدْلِ وَصَلَاحِ

النَّاسِ وَأَمَّا فِي الزَّمَنِ الَّذِي فَسَدَ فِيهِ النَّاسُ فَالْحُكْمُ أَنْ تُؤْخَذَ فَتُعَرَّفَ فَإِنْ لَمْ تُعَرَّفْ بِيعَتْ وَوُقِفَ ثَمَنُهَا لِصَاحِبِهَا فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ لَمَّا دَاخَلَ النَّاسَ فِي زَمَنِهِ الْفَسَادُ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَصَحِيحُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَدَمُ الْتِقَاطِهَا مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يَخَافُ عَلَيْهَا السِّبَاعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَاخْتَلَفَ إنْ كَانَتْ الْإِبِلُ بَعِيدَةً مِنْ الْعُمْرَانِ بِحَيْثُ يَخَافُ عَلَيْهَا السِّبَاعَ فَقِيلَ إنَّهَا فِي حُكْمِ الْغَنَمِ، لِوَاجِدِهَا أَكْلُهَا وَقِيلَ إنَّهَا تُؤْخَذُ فَتُعَرَّفُ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي جَلْبِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَاخْتَلَفَ هَلْ تُلْتَقَطُ حَيْثُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا السِّبَاعُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ لِإِطْلَاقِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تُلْتَقَطُ الْإِبِلُ فِي الصَّحْرَاءِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَفْهُومٌ ثُمَّ هُوَ مُحْتَمَلٌ لِلْمُوَافَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْتِقَاطُهَا حَيْثُ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَامْتِنَاعُهُ حَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ أَوْلَى وَمُحْتَمَلٌ لِلْمُخَالَفَةِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تُلْتَقَطُ فِي الْعُمْرَانِ لِسُهُولَةِ وُجْدَانِ رَبِّهَا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَلَهَا مِنْ الصَّحْرَاءِ إلَى الْعِمَارَةِ فَلَا تَتَأَتَّى مَعْرِفَةُ رَبِّهَا؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْعُمْرَانِ لَا تَجِدُ مَا تَأْكُلُ فَتَهْلَكُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَوَّلُ أَسْعَدُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ، انْتَهَى قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حِذَاؤُهَا أَخْفَافُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الصَّلَابَةِ وَسِقَاؤُهَا كِرْشَهَا لِكَثْرَةِ مَا تَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَتَكْتَفِي بِهِ الْأَيَّامُ وَكِلَاهُمَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَغَلَّتِهَا دُونَ نَسْلِهَا) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ

وَأَمَّا مَنَافِعُ اللُّقَطَةِ وَغَلَّاتُهَا وَلَبَنُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: لِلْمُلْتَقِطِ وَلَا يُتْبَعُ بِذَلِكَ وَيُتْبَعُ بِهَا وَبِنَسْلِهَا خَاصَّةً وَقِيلَ يُتْبَعُ بِالْجَمِيعِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ وَلَهُ أَنْ يَكْرِيَ الْبَقَرَ وَغَيْرَهُ فِي عَلَفِهَا كِرَاءً مَأْمُونًا وَلَهُ الرُّكُوبُ وَلَهُ بَيْعُ مَا يَخَافُ ضَيَاعَهُ وَتَلَفَهُ، انْتَهَى. ص (وَوَجَبَ لَقْطُ طِفْلٍ نُبِذَ كِفَايَةً) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: اللَّقِيطُ طِفْلٌ ضَائِعٌ لَا كَافِلَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَوَاءٌ عُلِمَ نَسَبُهُ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ وَالْكَافِلُ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْقَرِيبُ وَإِلَّا فَالْمُلْتَقِطُ كَافِلٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: كِفَايَةً، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَكُلُّ صَبِيٍّ ضَائِعٍ لَا كَافِلَ لَهُ فَالْتِقَاطُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَمَنْ وَجَدَهُ وَخَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ إنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ تَرْكُهُ، انْتَهَى. ص (وَنَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ الْفَيْءِ إلَخْ) ش لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمُنْتَهَى النَّفَقَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى مُلْتَقَطِهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَوْ يَسْتَغْنِيَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى مُلْتَقِطِهِ إمَّا بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَوْلَى النَّاس بِهِ وَيَسْتَمِرُّ إنْفَاقُهُ عَلَيْهِ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ يَسْتَغْنِي قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبَاجِيَّ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ نَقَلَ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا عَطَفَ يَسْتَغْنِي عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالْوَاوِ وَذَلِكَ يُوهِمُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي النَّفَقَةِ حِينَئِذٍ كَحُكْمِ الْوَلَدِ تَسْتَمِرُّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الذَّكَرُ صَحِيحًا أَوْ تَتَزَوَّجَ الْأُنْثَى وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَمَا أَظُنُّهُ يُرِيدُ مِثْلَ هَذَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَفَقَتُهُ عَلَى مُلْتَقِطِهِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَغْنِيَ هَكَذَا نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِالْوَاوِ خِلَافَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ يَسْتَغْنِيَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَفِي الشَّامِلِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَغْنِيَ بِالْوَاوِ وَكَنَقْلِ الْبَاجِيِّ. ص (وَرُجُوعُهُ عَلَى أَبِيهِ إنْ طَرَحَهُ عَمْدًا) ش: تَصَوُّرُهُ

وَاقِعٌ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ أَبٌ بِالْبَيِّنَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ ثَبَتَ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْبَاجِيُّ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْبَيِّنَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي التَّصْدِيقِ فِي الِاسْتِلْحَاقِ، انْتَهَى. وَعِبَارَةُ التَّهْذِيبِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَنَبَّهَ عَلَيْهَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إنْ طَرَحَهُ عَمْدًا كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ أَبٌ بِالْبَيِّنَةِ طَرَحَهُ عَمْدًا لَزِمَتْهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطْرَحْهُ أَوْ طَرَحَهُ بِلَا عَمْدٍ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ إنَّمَا تَكَلَّمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ عَلَى الْمَفْهُومِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَمْ يَطْرَحْهُ وَكَذَا الشَّارِحُ بَهْرَامُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَأَتَى رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنَهُ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا أَنْفَقَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فِي حِينِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ هَذَا إنْ تَعَمَّدَ الْأَبُ طَرْحَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ طَرَحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَبِيٍّ ضَلَّ عَنْ وَالِدِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ بِشَيْءٍ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَتَعَمَّدْ طَرْحَهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتِك فِي الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ الْأَبُ طَرْحَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَرُجُوعُهُ عَلَى أَبِيهِ إلَى آخِرِهِ، أَيْ: وَوَجَبَ لِلْمُنْفِقِ الرُّجُوعُ عَلَى أَبِي اللَّقِيطِ إذَا طَرَحَهُ عَمْدًا أَمَّا إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ بِالْأَصَالَةِ عَلَى الْأَبِ وَطَرْحَهُ لَا يُسْقِطُهَا وَأَمَّا إنَّهُ إذَا لَمْ يَطْرَحْهُ أَوْ طَرَحَهُ بِوَجْهٍ كَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ مَنْ طَرَحَ ابْنَهُ يَعِيشُ لَهُ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فَلِأَنَّ أَخْذَ الْمُلْتَقِطِ لَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَنْعٌ مِنْ إنْفَاقِ الْأَبِ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا طَرَحَهُ بِوَجْهٍ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَقِيَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ قَيْدَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ، الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ حِينَ الْإِنْفَاقِ مُوسِرًا وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ. الْقَيْدُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُنْفِقُ أَنْفَقَ حِسْبَةً وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ حِسْبَةً فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ حِسْبَةً) ش يَعْنِي إذَا طَرَحَهُ أَبُوهُ عَمْدًا وَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ فَادَّعَى عَلَى الْمُنْفِقِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ حِسْبَةً وَادَّعَى الْمُنْفِقُ عَدَمَ الْحِسْبَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَعَ يَمِينِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِيَمِينٍ، انْتَهَى. يَظْهَرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ كَمَا عَلِمْت وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي طَرْحِهِ فَادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَنَّ أَبَاهُ طَرَحَهُ عَمْدًا وَأَنْكَرَهُ الْأَبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَشْبَهَ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي عُسْرِ الْأَبِ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ أَوْ يُسْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُلْتَقِطُ إلَّا بِتَخْصِيصِ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَأَرْشُ خَطَئِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَالْأَرْشُ لَهُ، انْتَهَى. ص (كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا بَيْتَانِ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ) ش: قَالَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا الْبَيْتَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ فَمَفْهُومُهُ أَنْ لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْيِينِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ هَذِهِ الصُّورَةَ لِلْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسَاوِينَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي أَنْ يُحْمَلَ اللَّقِيطُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَوْ الْتَقَطَهُ مُشْرِكٌ، انْتَهَى. وَمَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي لَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ وَانْظُرْ قَوْلَهُمْ الْبَيْتَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا إلَّا وَاحِدٌ

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ مُتَّحِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي قُرَى الشِّرْكِ مُشْرِكٌ) ش نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَسَوَاءٌ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي قُرَى الْكُفْرِ وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا يَعْرِضُ لَهُ إلَّا أَنْ يَلْتَقِطَهُ مُسْلِمٌ فَيَجْعَلَهُ عَلَى دِينِهِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَقُدِّمَ الْأَسْبَقُ إلَخْ) ش، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى ضَيَاعِهِ عِنْدَ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَصُّهُ: وَلَوْ ازْدَحَمَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ قُدِّمَ السَّابِقُ فَإِنْ اسْتَوَيَا قَدَّمَ الْإِمَامُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلصَّبِيِّ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَكَابَرَهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَنَزَعَهُ مِنْهُ فَرَافَعَهُ إلَى الْإِمَامِ نَظَرَ الْإِمَامُ لِلصَّبِيِّ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقْوَى عَلَى مُؤْنَتِهِ وَكَفَالَتِهِ وَكَانَ مَأْمُونًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: هُوَ لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَكْفَأَ مِنْهُ وَأَحْرَزَ الشَّيْخُ وَهُوَ مَعْنَى الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ مَأْمُونًا، أَيْ: أَنْ يَبِيعَهُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَشَارِحِهَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْأَكْفَأِ ثُمَّ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ هَلْ يُرَجَّحُ هُنَا بِالصَّلَاحِ وَعَدَمِهِ فَيُقَدَّمُ غَيْرُ الْفَاسِقِ عَلَى الْفَاسِقِ وَقَدْ يُتَلَمَّحُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ مَأْمُونًا، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَلَيْسَ لِمُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِ الْتِقَاطٌ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِتَرْبِيَتِهِ وَنَفَقَتِهِ عَنْ سَيِّدِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَوَجْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّقِيطَ يَحْتَاجُ إلَى حَضَانَةٍ وَالْحَضَانَةُ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَانْظُرْ الْمَرْأَةَ هَلْ يَصِحُّ الْتِقَاطُهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا؟ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَنُدِبَ أَخْذُ آبِقٍ لِمَنْ يَعْرِفُ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُهُ)

ش: قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْإِبَاقُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْمٌ لِلذَّهَابِ فِي اسْتِتَارٍ وَهُوَ الْهُرُوبُ وَالْأَبْقُ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْضًا اسْمُ الْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ وَالْأُبَّاقُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ جَمْعُ آبِقٍ، انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ هِيَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ وَجَدَ آبِقًا فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَرِيبِهِ أَوْ جَارِهِ أَوْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مِنْ أَخْذِهِ فِي سَعَةٍ، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَلَا يَأْخُذُهُ هُوَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: أَمَّا أَخْذُ الْآبِقِ فَقَدْ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَرِيبِهِ أَوْ جَارِهِ أَوْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ، انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ أَوْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ هُوَ الضَّابِطُ وَلَا يُقَالُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْقَرَابَةِ، انْتَهَى. وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ وَقَيَّدَ الْبِسَاطِيُّ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكُ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ، قَالَ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ مِنْ أَخْذِهِ فِي سَعَةٍ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَبَقَ مِنْهُ فَلَا سَعَةَ فِي تَرْكِهِ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ تَلَفٌ لَهُ، انْتَهَى. ص (فَإِنْ أَخَذَهُ رَفَعَهُ لِلْإِمَامِ وَوُقِفَ سَنَةً ثُمَّ بِيعَ وَلَا يُهْمَلُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَخَذَ آبِقًا رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ وَيُوقِفُهُ سَنَةً وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَإِلَّا بَاعَهُ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ وَحَبَسَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ لِرَبِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَمَرَ مَالِكٌ بِبَيْعِ الْإِبَاقِ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِطْلَاقِهِمْ يَعْمَلُونَ وَيَأْكُلُونَ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْبِقُونَ ثَانِيَةً، انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَالرَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَوْلَى وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ هُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ، انْتَهَى. وَقَالَ: قَوْلُهُ وَيَكُونُ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّفْعُ، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنْ أَخْذَهُ فَلَا يَخْلُو السُّلْطَانُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَوْ جَائِرًا فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ شَاءَ عَرَّفَ بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ جَائِرًا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَيُعَرِّفَهُ سَنَةً وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ حُكْمُهُ فِي النَّفَقَةِ حُكْمَ السُّلْطَانِ، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَوُقِفَ سَنَةً ثُمَّ بِيعَ وَلَا يُهْمَلُ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُوقِفُهُ سَنَةً إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِطْلَاقِهِمْ وَفِيهِ أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُحْبَسُ سَنَةً، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُبَاعُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَا يُمْهَلُ، أَمَّا الْأَوَّلُ، فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ، قَالَ سَحْنُونٌ: لَا أَرَى أَنْ يُوقِفَهُ سَنَةً وَلَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ أَمْرَهُ ثُمَّ يُبَاعُ وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ صِفَاتِهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَ لَهُ طَالِبٌ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ سَنَةً رُبَمَا ذَهَبَتْ بِثَمَنِهِ، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّأْنُ وَالسَّنَةُ فِي الْآبِقِ أَنْ يُحْبَسَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَخَافَ الضَّيْعَةَ فَيُبَاعُ (قُلْتُ) أَرَأَيْت إذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَخَفْ ضَيْعَةً أَيُبَاعُ، قَالَ: نَعَمْ وَلَا يُحْبَسُ بَعْدَ السَّنَةِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ أَنَّ الْآبِقَ يُحْبَسُ هُوَ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ إذَا خُشِيَتْ الضَّيْعَةُ عَلَيْهِ بِيعَ قَبْلَ السَّنَةِ هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا خُشِيَتْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ خُلِّيَ سَبِيلَهُ وَلَمْ يُبَعْ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ هُنَالِكَ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ، انْتَهَى. فَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى تَفْسِيرٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا كَلَامُ سَحْنُونٍ فَإِنَّهُ خِلَافٌ لِلْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرَى حَبْسَهُ سَنَةً أَصْلًا، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ الْآبِقَ يُحْبَسُ سَنَةً وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَتَحْصِيلُهُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ فِي هَذَا الْأَمَدِ أَمْ لَا فَإِنْ خِيفَ بِيعَ قَبْلَ السَّنَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ هَلْ يُنْتَظَرُ بِهِ سَنَةً وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُوقَفُ سَنَةً وَإِنَّمَا يُوقَفُ بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ ضَرَرَهُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ يُبَاعُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَا يُمْهَلُ، فَقَالَ فِي سَمَاعِ

أَشْهَبُ: إنَّهُ إذَا عَرَّفَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ أَنَّهُ يُخَلِّيهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ فَيَهْلَكَ ثَمَنُهُ وَيُؤْكَلَ أَوْ يُطْرَحَ فِي السِّجْنِ فَيُقِيمُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُطْعِمُهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الْإِبَاقُ فَسَوَّى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ضَوَالِّ الْإِبِلِ فِي أَنَّهُمْ يُرْسَلُونَ إذَا عُرِّفُوا فَلَمْ يُعْرَفُوا، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُمْ يُحْبَسُونَ ثُمَّ يُبَاعُونَ فَتُحْبَسُ أَثْمَانُهُمْ لِأَرْبَابِهِمْ وَلَا يُرْسَلُونَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ وَعَلَى ذَلِكَ يَحْمِلُهُ الشُّيُوخُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فَيَكُونُ الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ خَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ فِي السِّجْنِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَأَنْ يَتْلَفَ ثَمَنُهُ إنْ بِيعَ كَانَ إرْسَالُهُ أَوْلَى مِنْ حَبْسِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ فِي السِّجْنِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا يَتْلَفُ ثَمَنُهُ إنْ بِيعَ كَانَ حَبْسُهُ سَنَةً ثُمَّ بَيْعُهُ بَعْدَ السَّنَةِ وَإِمْسَاكُ ثَمَنِهِ أَوْلَى مِنْ إرْسَالِهِ. ، وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ عِنْدَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ فِي السِّجْنِ وَأَنْ يَتْلَفَ ثَمَنُهُ إذَا بِيعَ فَمَرَّةً رَأَى أَنْ إرْسَالَهُ أَوْلَى لِئَلَّا يَضِيعَ أَوْ يَتْلَفَ ثَمَنُهُ، وَمَرَّةً رَأَى أَنَّ حَبْسَهُ وَبَيْعَهُ وَإِمْسَاكَ ثَمَنِهِ أَوْلَى لِئَلَّا يَأْبِقَ ثَانِيَةً، وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ، أَيُّ الْخَوْفَيْنِ أَشَدُّ؟ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ فِي السِّجْنِ وَلَا أَنْ يَتْلَفَ ثَمَنُهُ إذَا بِيعَ فَلَا يُرْسَلُ؛ لِئَلَّا يَأْبِقَ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ فِي السِّجْنِ وَخُشِيَ عَلَى ثَمَنِهِ أَنْ يَضِيعَ لَوَجَبَ أَنْ يُسْجَنَ سَنَةً يُعَرَّفُ فِيهَا ثُمَّ يُسَرَّحُ وَلَا يُحْبَسُ أَكْثَرَ مِنْهَا الَّتِي هِيَ حَدُّ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ وَلَوْ لَمْ يُخْشَ عَلَى ثَمَنِهِ ضَيَاعٌ وَخُشِيَ عَلَيْهِ إنْ سُجِنَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَاعَ وَيُوقَفَ ثَمَنُهُ وَلَا يُسْجَنُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص. (وَأَخَذَ نَفَقَتَهُ) ش: فَاعِلُ أَخَذَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمُنْفِقِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (وَمَضَى بَيْعُهُ وَإِنْ قَالَ رَبُّهُ: كُنْتُ أَعْتَقْته) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا جَاءَ رَبُّ الْآبِقِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ السَّنَةِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ وَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ وَلَوْ قَالَ رَبُّهُ: كُنْتُ أَعْتَقْته أَوْ دَبَّرْته بَعْدَ مَا أَبَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَأْبِقَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى نَقْضِ الْبَيْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ بَعْدَ السَّنَةِ، الشَّيْخُ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ قَبْلَ السَّنَةِ لِمَا رَأَى مِنْ وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ الَّذِي يَقُولُ لَا يُوقَفُ سَنَةً فَلَا إشْكَالَ، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: أَمَّا الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَسَائِرُ عُقُودِ الْعِتْقِ غَيْرِ الْإِيلَادِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نَقْضِ الْعِتْقِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَبَاعَهَا الْإِمَامُ بَعْدَ السَّنَةِ ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهَا، فَقَالَ: قَدْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنِّي وَوَلَدُهَا قَائِمٌ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، وَقَالَهُ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً لَهُ وَوَلَدَهَا ثُمَّ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى مِثْلِهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتهَا لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ تُرَدَّ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ بَعْدَ مَا بَاعَهَا: كَانَتْ وَلَدَتْ مِنِّي، قَالَ: أَرَى أَنْ تُرَدَّ إلَيْهِ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَهَلْ تُرَدُّ إلَيْهِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ مَنْصُوصَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ سَوَاءٌ اُتُّهِمَ أَوْ لَمْ يُتَّهَمْ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ وَإِنْ اُتُّهِمَ فِيهَا لَمْ تُرَدَّ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَإِنْ اُتُّهِمَ فِيهَا لَمْ تَرُدَّ إلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ فَهَلْ تُرَدُّ إلَيْهِ أَمْ لَا؟ الْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَيْهِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ اللَّبَّادِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَكْثَرِ الْقَرَوِيِّينَ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَالْبَرَاذِعِيُّ وَحَكَاهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إنَّمَا قَالَ فِي الْعِتْقِ: لَا يُصَدَّقُ وَفِي الِاسْتِيلَادِ يُصَدَّقُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْعِتْقَ سَبِيلُهُ أَنْ يَتَوَثَّقَ فِيهِ وَيُشْهِدُ، هَذِهِ عَادَةُ النَّاسِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ اُتُّهِمَ، وَوِلَادَةُ الْأَمَةِ لَيْسَ شَأْنُ النَّاسِ فِيهِ الْإِشْهَادَ وَالِاشْتِهَارَ لَهُ فَإِذَا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ صُدِّقَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُتَّهَمُ، قَالَ عِيَاضٌ

يَعْنِي: بِصَبَابَةٍ إلَيْهَا، انْتَهَى. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَهُ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ) ش: أَبُو الْحَسَنِ وَجَمِيعُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ جَائِزٌ ابْنُ يُونُسَ، وَهُوَ لَازِمٌ وَكَذَلِكَ عِتْقُهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ جَعَلَ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ أَبَقَ ثُمَّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ كَانَ حُرًّا، انْتَهَى. ص (إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُ) ش: قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: فَإِنْ أَرْسَلَهُ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا خَافَ مِنْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ أَوْ يَذْهَبَ بِحَوَائِجِ بَيْتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِيمَا قَالَهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْخَوْفُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ ظَوَاهِرِ حَالِ الْعَبْدِ ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ شِدَّةُ النَّفَقَةِ بِعُذْرٍ مُسْقِطٍ عَنْهُ الضَّمَانَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا يُرْسِلُهُ وَلْيَرْفَعْهُ إلَى الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْهُ. (لَا إنْ أَبَقَ مِنْهُ وَإِنْ مُرْتَهِنًا وَحَلَفَ) ش يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَبَقَ مِنْ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَالَغَ، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَخَذَهُ مِنْ رَبِّهِ عَلَى جِهَةِ الرَّهْنِ لَكِنْ يَحْلِفُ، فَقَوْلُهُ وَحَلَفَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَبَقَ مِنْهُ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ الدَّارِ أَوْ يُرْسِلَهُ إلَى بَعْضِ حَوَائِجِهِ فَإِنْ أَبَقَ مِنْ دَارِهِ فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ قَوْلًا وَاحِدًا كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دَعْوَاهُ هَلْ يَحْلِفُ أَمْ لَا؟ الْمَذْهَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ لَقَدْ انْفَلَتَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ حَلَفَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَةٍ خَفِيفَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَةٍ يَأْبِقُ فِي مِثْلِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي كِتَابِهِ، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الثَّانِي فَانْظُرْهُ فِيهِ. ص (وَأَخَذَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دَعْوَاهُ إنْ صَدَّقَهُ) ش: نَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْآبِقَ عَبْدُهُ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ دُفِعَ إلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَيُضَمِّنُهُ إيَّاهُ، قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعِيهِ: ثُمَّ إنْ جَاءَ لَهُ طَالِبٌ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ مِنْ الرِّقِّ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: فَإِنْ ادَّعَاهُ يَعْنِي الْآبِقَ أَحَدٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا فَلَا يَخْلُو الْعَبْدُ مِنْ أَنْ يُقِرَّ لَهُ أَمْ لَا فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ أَخَذَهُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ كَمَا لَوْ اعْتَرَفَ بِهِ وَيُضَمِّنُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَالثَّانِي لَا يُدْفَعُ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا قَالَ: يُدْفَعُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ إذَا وَصَفَهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ لِغَيْرِهِ بِالرِّقِّ وَنَصُّهُ بَعْدَ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي: فَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدَ وَوَصَفَهُ وَلَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَأَرَى أَنَّهُ مِثْلُ الْمَتَاعِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيَتَلَوَّمُ لَهُ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يَطْلُبُهُ وَإِلَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَضَمَّنَهُ إيَّاهُ قِيلَ وَلَا يُلْتَفَتُ هَهُنَا إلَى الْعَبْدِ إنْ أَنْكَرَ أَنَّ هَذَا مَوْلَاهُ إلَّا أَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ بِبَلَدٍ آخَرَ، قَالَ: يَكْتُبُ

باب القضاء

السُّلْطَانُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَنْظُرُ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا ضَمَّنَهُ هَذَا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ كَالْأَمْتِعَةِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ اعْتَرَفَ الْآبِقُ لِأَحَدٍ بِالرِّقِّ كَانَ لِمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ دُونَ مَنْ وَصَفَهُ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنْ اعْتَرَفَ لِغَائِبٍ كَتَبَ إلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ وَاخْتَلَفَ إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ هَذَا الْمُدَّعِيَ وَلَمْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْعُبُودِيَّةِ أَوْ قَالَ: أَنَا حُرٌّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالرِّقِّ هَلْ يَكُونُ لِمَنْ ادَّعَاهُ فَإِمَّا بِالصِّفَةِ فَأَرَى أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ إذَا وَصَفَهُ صِفَةً تَخْفَى وَلَيْسَتْ ظَاهِرَةً، انْتَهَى. (قُلْتُ) فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إنْ صَدَّقَهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ وَكَذَلِكَ يُدْفَعُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا وَصَفَهُ وَلَمْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ أَوْ أَقَرَّ وَأَكْذَبَهُ الْغَيْرُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْقَضَاءِ] (أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ) ش: هَذَا الْبَابُ يُتَرْجَمُ بِكِتَابِ الْقَضَاءِ وَكِتَابِ الْأَقْضِيَةِ. وَالْأَقْضِيَةُ جَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَيُقْصَرُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْحُكْمِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ: حَكَمَ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْإِيجَابِ، قَالَ النَّوَوِيُّ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ، قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ: قَضَى هُنَا بِمَعْنَى أَمَرَ وَقَالَ غَيْرُهُ: بِمَعْنَى أَوْجَبَ وَقِيلَ وَصَّى وَبِهَا قَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْتَصَقَتْ إحْدَى الْوَاوَيْنِ بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا، انْتَهَى. وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِلْزَامِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: 14] أَيْ: حَتَّمْنَاهُ وَأَلْزَمْنَاهُ بِهِ. هَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ وَيُطْلَقُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِمْ: قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ: قَتَلَهُ كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ وَسُمٌّ، قَاضٍ أَيْ: قَاتِلٌ، وَقَضَى نَحْبَهُ أَيْ: مَاتَ وَفَرَغَ مِنْ الدُّنْيَا، وَأَصْلُ النَّحْبِ النَّذْرُ وَاسْتُعِيرَ لِلْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ كَنَذْرٍ لَازِمٍ فِي رَقَبَةِ كُلِّ حَيَوَانٍ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ تَقُولُ قَضَيْت دَيْنِي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] وقَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: 66] أَيْ: أَنْهَيْنَاهُ إلَيْهِ وَأَبْلَغْنَاهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71] أَيْ: امْضُوا إلَيَّ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَيُقَالُ اسْتَقْضَى فُلَانٌ إذَا صُيِّرَ قَاضِيًا وَقَضَى الْأَمِيرُ قَاضِيًا كَمَا تَقُولُ أَمَرَ أَمِيرًا وَانْقَضَى الشَّيْءُ وَتَقَضَّى بِمَعْنًى، وَاقْتَضَى بِهِ دَيْنَهُ وَتَقَاضَاهُ بِمَعْنًى، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إلَى انْقِضَاءِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ، انْتَهَى. هَذَا مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ: حَقِيقَةُ الْقَضَاءِ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَضَاءُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ، تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَوِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتُهَا وَالْإِمَامَةُ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَاضِحٌ قُصُورُهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَيْ: حَصَلَتْ لَهُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِخْبَارِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: قَضَى الْقَاضِي بِكَذَا وَقَوْلِهِمْ: قَضَاءُ الْقَاضِي حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ، غَيْرَ أَنَّ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ رُشْدٍ مُسَامَحَةً مِنْ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) ذِكْرُ لَفْظِ الْإِخْبَارِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَمْرُ الْإِخْبَارِ الْمُحْتَمِلِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمُقَابِلِ لِلْإِنْشَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَمْرُ الْقَاضِي بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ حُكْمُ الْحَكَمَيْنِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِي شِقَاقِ الزَّوْجَيْنِ وَحُكْمُ الْمُحَكِّمِ فِي التَّحْكِيمِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ حُكْمُ الْمُحْتَسِبِ وَالْوَالِي وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا حَكَمُوا بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ

وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: إنَّ التَّحْكِيمَ يَخْرُجُ مِنْ تَعْرِيفِهِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ خُرُوجِهِ فَإِنَّ الْمُحَكِّمَ لَا يَحْكُمُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْحَكَمَيْنِ وَلَا يَحْكُمُ فِي الْقِصَاصِ وَاللِّعَانِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِمَا قَالُوا فَإِنْ حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ جَوْرٍ نَفَذَ حُكْمُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْدِيلَ وَالتَّجْرِيحَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ حَالُ الْفَقِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَقِيهٌ: كَحَالِ عَالِمٍ بِكُبْرَى قِيَاسِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَحَالُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي كَحَالِ عَالِمٍ بِهِمَا مَعَ عِلْمِهِ بِصُغْرَاهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعِلْمَ بِهِمَا أَشَقُّ وَأَخْصَرُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْكُبْرَى فَقَطْ وَأَيْضًا فَإِنَّ فِقْهَ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا مَبْنِيَّانِ عَلَى إعْمَالِ النَّظَرِ فِي الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ وَإِدْرَاكِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْكَائِنَةِ فِيهَا فَيُلْغَى طَرْدُهَا وَيُعْمَلُ مُعْتَبَرُهَا، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعِلْمُ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ، أَنْوَاعِ عِلْمِ الْفِقْهِ وَلَكِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ بِأُمُورٍ لَا يُحْسِنُهَا كُلُّ الْفُقَهَاءِ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ عَارِفًا بِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَاعٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْفَرَائِضِ كَذَلِكَ وَكَمَا أَنَّ عِلْمَ التَّصْرِيفِ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَكْثَرُ أَهْلُ زَمَانِنَا لَا يُحْسِنُونَهُ وَقَدْ يُحْسِنُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ فِي بَقِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا غَرَابَةَ فِي امْتِيَازِ عِلْمِ الْقَضَاءِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَابَةُ فِي اسْتِعْمَالِ كُلِّيَّاتِ عِلْمِ الْفِقْهِ وَانْطِبَاقِهَا عَلَى جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهُوَ عَسِيرٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَنَجِدُ الرَّجُلَ يَحْفَظُ كَثِيرًا مِنْ الْعِلْمِ وَيَفْهَمُ وَيُعَلِّمُ غَيْرَهُ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ وَاقِعَةٍ بِبَعْضِ الْعَوَامّ مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ مَسَائِلِ الْإِيمَانِ لَا يُحْسِنُ الْجَوَابَ بَلْ لَا يَفْهَمُ مُرَادَ السَّائِلِ عَنْهَا إلَّا بَعْدَ عُسْرٍ. وَلِلشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٌ نَبَّهَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ عَلَى بَعْضِهَا، انْتَهَى. وَمِنْهَا مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فَطِنَ، وَبِعَصْرِنَا الْآنَ شَخْصٌ يَتَعَاطَى الدِّقَّةَ فِي الْعِلْمِ وَيُنْهَى عَنْ جُزْئِيَّةٍ فَيَتَجَنَّبُهَا بِشَخْصِهَا ثُمَّ يَقَعُ فِي أُخْرَى مِثْلِهَا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ هَذِهِ مِثْلُ تِلْكَ تَجَنَّبَهَا وَيَقَعُ فِي ثَالِثَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَةَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ وَعَدَمُهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ (وَالثَّانِي) مَا يَقْتَضِي عَدَمُهُ الْفَسْخَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ (الثَّالِثُ) مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ، وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَنَفَذَ حُكْمُ، أَعْمَى إلَى قَوْلِهِ وَوَجَبَ عَزْلُهُ وَإِلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ كَوَرِعٍ إلَى آخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ: عَدْلٌ، الْحُرَّ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ بِلَا فِسْقٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْإِمَارَةِ: وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَأَمِيرُ الْجَيْشِ وَالْحَرْبِ فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّهَا مَنَاصِبُ دِينِيَّةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا تَنْفِيذُ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يَصْلُحُ لَهَا الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالرِّقِّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَمَسْلُوبُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالتَّنْفِيذِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَلَا لِلْإِمَارَةِ وَأَظُنُّ جُمْهُورَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ جَوَازُ وِلَايَةِ الْمُعْتَقِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْجُمْهُورِ، قَالَا: وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ خَوْفًا مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى رَدِّ أَحْكَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَافَقَ الْحَقَّ أَمْ لَمْ يُوَافِقْهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَوْضِيحِهِ، وَقَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَصْبَغُ: الْفِسْقُ مُوجِبٌ لِلْعَزْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى الْفَاسِقُ وَيَمْضِي مِنْ أَحْكَامِهِ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ بِالْمَعْنَى. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَهَلْ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ أَمْ يَجِبُ عَزْلُهُ قَوْلَانِ، انْتَهَى. ص (ذَكَرَ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازَ وِلَايَةِ الْمَرْأَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: أَظُنُّهُ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَتُهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ

قَالَ كَقَوْلِ الْحَسَنِ وَالطَّبَرِيِّ بِإِجَازَةِ وِلَايَتِهَا الْقَضَاءَ مُطْلَقًا (قُلْتُ) الْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ زَرْقُونٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ شَذَّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ الْفِسْقُ لَا يُنَافِي الْقَضَاءَ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْهَا. (قُلْتُ) فَجُعِلَ مَا هُوَ مُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ مُنَافٍ لِلْقَضَاءِ فَكَمَا أَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالْحُدُودَ لَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَتُهَا فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهَا قَضَاؤُهَا، انْتَهَى. ص (فَطِنٌ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْفَطَانَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَزِلُّ فِي رَأْيِهِ وَلَا تَتَمَشَّى عَلَيْهِ حِيَلُ الشُّهُودِ وَأَكْثَرِ الْخُصُومِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ فِي كُلِّ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَكَلَامُ الطُّرْطُوشِيِّ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، انْتَهَى. وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْفِطْنَةَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَقَالَ: وَأَنْ يَكُونَ فَطِنًا غَيْرَ مَخْدُوعٍ لِعَقْلِهِ، انْتَهَى. وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ كَوْنَهُ فَطِنًا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطُّرْطُوشِيِّ لَا يُكْتَفَى بِالْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيِّنَ الْفِطْنَةِ بَعِيدًا مِنْ الْغَفْلَةِ وَعَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ شَاسٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مُطْلَقَ الْفِطْنَةِ الْمَانِعَ مِنْ كَثْرَةِ التَّغَفُّلِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْفِطْنَةُ الْمُوجِبَةُ لِلشُّهْرَةِ بِهَا غَيْرُ النَّادِرَةِ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ، فَعَلَى هَذَا طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ فَطِنًا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ كَحَذِرٍ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ، انْتَهَى. فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: ذَا فِطْنَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (لَطِيفَةٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ بِالْبَصْرَةِ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنْ اجْمَعْ بَيْنَ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ فَوَلِّ الْقَضَاءَ أَنْفَذَهُمَا فَجَمَعَ عَدِيٌّ بَيْنَهُمَا وَقَالَ لَهُمَا: مَا عَهِدَ بِهِ عُمَرُ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إيَاسٌ: سَلْ عَنِّي وَعَنْ الْقَاسِمِ فَقِيهَيْ الْبَصْرَةِ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَكَانَ الْقَاسِمُ يَأْتِي الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَإِيَاسُ لَا يَأْتِيهِمَا فَعَلِمَ الْقَاسِمُ أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُمَا أَشَارَا بِهِ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: لَا تَسْأَلْ عَنِّي وَلَا عَنْهُ فَوَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّ إيَاسًا أَفْقَهُ مِنِّي وَأَعْلَمُ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَمَا عَلَيْكَ أَنْ تُوَلِّيَنِي وَأَنَا كَاذِبٌ وَإِنْ كُنْتُ صَادِقًا فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقْبَلَ قَوْلِي فَقَالَ لَهُ إيَاسٌ: إنَّك جِئْت بِرَجُلٍ وَأَوْقَفْته عَلَى شَفَا جَهَنَّمَ فَنَجَّى نَفْسَهُ مِنْهَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا وَيَنْجُو مِمَّا يَخَافُ فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ: أَمَا إنَّك إذْ فَهِمْتهَا فَأَنْتَ لَهَا فَاسْتَقْضَاهُ، انْتَهَى. ص (مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ) ش: يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْعِلْمَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَكَذَا عَدَّهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَالْقَرَافِيُّ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ

فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْجَاهِلِ وَيَجِبُ عَزْلُهُ وَأَحْكَامُهُ مَرْدُودَةٌ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُوَافِقْهُ. وَسَيُصَرِّحُ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّهَا مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ يُشَاوِرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ إنَّهُ إذَا وُجِدَ مُجْتَهِدٌ وَجَبَ تَوْلِيَتُهُ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَوَلَّى، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنْ تَقَلَّدَ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ جَائِرٌ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الِاجْتِهَادَ إذَا وُجِدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَا كَمَا تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ بَلْ الشَّرْطُ الْعِلْمُ وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ إذَا وُجِدَ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ صَاحِبِهِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعَلَ ابْنُ مَرْزُوقٍ كَوْنَهُ عَالِمًا مِنْ الْقِسْمِ الْمُسْتَحَبِّ وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ عَالِمًا يَسُوغُ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَقَالَ عِيَاضٌ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيُّ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَالِمًا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا إنْ فُقِدَ الْمُجْتَهِدُ كَشَرْطِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا حُرًّا ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَبُولُ الْمُقَلِّدِ الْوِلَايَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ وَمَعَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ جَائِزٌ ثُمَّ قَالَ: فَفِي صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ قَوْلَانِ لِابْنِ زَرْقُونٍ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ مَعَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيِّ قَائِلًا هُوَ مَحْكَى أَئِمَّتِنَا عَنْ الْمَذْهَبِ وَمَعَ فَقْدِهِ جَائِزٌ وَمَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ أَوْ لَا اتِّفَاقًا فِيهِمَا، انْتَهَى. وَانْظُرْ كَيْفَ عَزَا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ عَدَمَ صِحَّةِ وِلَايَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ: قَبُولُ الْمُقَلِّدِ الْوِلَايَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: جَوْرٌ وَتَعَدٍّ، أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَيَصِحُّ كَلَامُهُ إلَّا أَنَّ الَّذِي يَتَبَادَرُ لِلْفَهْمِ مِنْ قَوْلِهِ: جَوْرٌ وَتَعَدٍّ، أَنَّهَا تَصِحُّ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَقَطْ وَعَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَيَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ السَّابِقُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ فَهِمَهُ عَلَى ذَلِكَ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ مَاشٍ عَلَى مَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِعِيَاضٍ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: أَمْثَلُ مُقَلِّدٍ، يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ فَمُقَلِّدٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ أَعْلَمُ الْمُقَلِّدِينَ مِمَّنْ لَهُ فِقْهٌ نَفِيسٌ وَقُدْرَةٌ عَلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ أَقَاوِيلِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَا هُوَ أَجْرَى عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمْ. هَلْ يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ الْقَضَاءَ أَوْ لَا؟ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا: (قُلْتُ) قَوْلُهُ اخْتِلَافٌ فِي جَوَازِ تَوْلِيَتِهِ إنْ أَرَادَ مَعَ وُجُودِ ذِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى فَصَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ مَعَ فَقْدِهِ فَظَاهِرُ أَقْوَالِهِمْ صِحَّةُ تَوْلِيَتِهِ خَوْفَ تَعْطِيلِ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ: نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَهْلِ الْأُصُولِ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا، وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ يُؤْذِنُ بِصِحَّةِ وِلَايَةِ هَذَا الَّذِي قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ، قَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ مُمْكِنٌ فَإِنْ عَنَى بِهِ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فَقَدْ يُدَّعَى أَنَّهُ مُمْكِنٌ وَإِنْ أَرَادَ الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَدِلَّةِ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ الْمَازِرِيَّ وَصَلَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ مَبْدَؤُهُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْلِيدِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ إنَّهُ مُمْكِنٌ كَالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، انْتَهَى. وَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ هَذَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الِاجْتِهَادَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْخِلَافُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إنَّمَا هُوَ هَلْ يُمْكِنُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ أَمْ لَا؟ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَشْهَدُ لِإِمْكَانِهِ لِقَوْلِهِ وَمَا أَظُنُّهُ انْقَطَعَ بِجِهَةِ الْمَشْرِقِ فَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُنْسَبُ إلَى ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ فِي حَيَاةِ أَشْيَاخِنَا وَأَشْيَاخِ أَشْيَاخِنَا. وَمَوَادُّ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا أَيْسَرُ مِنْهَا فِي زَمَانِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِنَّا الْهِدَايَةَ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالتَّفَاسِيرَ قَدْ دُوِّنَتْ وَكَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ فَإِنْ

قِيلَ يَحْتَاجُ الْمُجْتَهِدُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْمَذَاهِبِ وَتَشَعُّبِهَا قِيلَ يَكْفِيهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُحْتَرَزَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ التَّقْلِيدِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ إمْكَانِ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَقْدَحُ فِي الِاجْتِهَادِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ يُسْرِ الِاجْتِهَادِ هُوَ مَا سَمِعْته يَحْكِيهِ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ أَنَّ قِرَاءَةَ مِثْلِ هَذِهِ الْجُزُولِيَّةِ وَالْمَعَالِمِ الْفِقْهِيَّةِ وَالِاطِّلَاعَ عَلَى أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ الْكُبْرَى لِعَبْدِ الْحَقِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَكْفِي فِي تَحْصِيلِ أَدِلَّةِ الِاجْتِهَادِ يُرِيدُ مَعَ يُسْرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى فَهْمِ مُشْكِلِ اللُّغَةِ بِمُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَالصِّحَاحِ لِلْجَوْهَرِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ نَظَرِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَتَحْقِيقِهِ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ وَبُلُوغِ دَرَجَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ مَا قَارَبَهَا فِي الْعُلُومِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ الِاجْتِهَادَ إجْمَاعًا وَقَالَ الْفَخْرُ فِي الْمَحْصُولِ وَتَبِعَهُ السَّرَّاجُ فِي تَحْصِيلِهِ وَالتَّاجِ فِي حَاصِلِهِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - وَاحِدٌ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً فَاسْتِعَاذَتُهُمْ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمَا، وَالْفَخْرُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ وَلَكِنْ قَالُوا فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ إذْ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ، انْتَهَى. (الثَّانِي) بَقِيَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَاحِدًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَصُّهُ: فَأَمَّا الْخِصَالُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا ذَكَرًا وَاحِدًا فَهَذِهِ السِّتُّ الْخِصَالُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءُ عَلَى مَذْهَبِنَا إلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ، فَإِنْ وُلِّيَ مَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ لَهُ الْوِلَايَةُ وَإِنْ انْخَرَمَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ سَقَطَتْ الْوِلَايَةُ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْعَدَالَةَ وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَأَمَّا الْعِلْمُ وَالْفِطْنَةُ فَعَدَّهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ نَقَلَ هَذَا الشَّرْطَ ابْنُ شَاسٍ وَالْقَرَافِيُّ وَاسْتَوْفَى ابْنُ غَازِيٍّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَجَازَ تَعَدُّدٌ مُسْتَقِلٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: يَجِبُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ مَنْ أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْقَضَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يُوَكَّلَ إلَيْهِ فَلَا يَقُومُ بِهِ، انْتَهَى. وَيُرِيدُ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ السُّؤَالُ وَهَذَا فِي السُّؤَالِ بِغَيْرِ بَذْلِ مَالٍ فَكَيْفَ مَعَ بَذْلِ الْمَالِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا طَلَبَ فَوُلِّيَ لَا يَجِبُ عَزْلُهُ إذَا كَانَ جَامِعًا لِشُرُوطِ الْقَضَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ مَسْأَلَةِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ قِسْمٌ رَابِعٌ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ التَّوْلِيَةُ أَوَّلًا فَإِذَا وُلِّيَ لَا يَنْعَزِلُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ.» هُوَ نَهْيٌ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ بَعْدُ: «إنَّا لَا نُوَلِّي عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ.» انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ السُّيُورِيِّ: إذَا تَجَرَّحَ النَّاسُ لِعَدَمِ الْقُضَاةِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ عُدُولٍ فَجَمَاعَتُهُمْ كَافِيَةٌ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْته وَفِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فَيَقُومُونَ مَقَامَ الْقَاضِي مَعَ فَقْدِهِ فِي ضَرْبِ الْآجَالِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَاضِي مَعَ فَقْدِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْهَا، انْتَهَى. اُنْظُرْ الْمَشَذَّالِيَّ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَاضِي فِي مَسَائِلَ وَذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَقَدْ ذَكَرْت كَلَامَ الْمَشَذَّالِيِّ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ فِي الطَّلَاقِ عَلَى الْغَائِبِ بِالنَّفَقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى وِلَايَةِ الظَّالِمِ: نَصَّ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّا إذَا لَمْ نَجِدْ فِي جِهَةٍ إلَّا غَيْرَ الْعُدُولِ أَقَمْنَا أَصْلَحَهُمْ وَأَقَلَّهُمْ فُجُورًا لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا تَضِيعَ الْمَصَالِحُ وَمَا أَظُنُّهُ يُخَالِفُهُ أَحَدٌ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَشْرُوطٌ بِالْإِمْكَانِ

وَإِذَا جَازَ نَصْبُ الشُّهُودِ فَسَقَةً لِأَجَلِ عُمُومِ الْفَسَادِ جَازَ التَّوَسُّعُ فِي أَحْكَامِ الْمَظَالِمِ، انْتَهَى. ص (فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلِّدِهِ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فَصْلُ يَلْزَمُ الْقَاضِي الْمُقَلِّدَ إذَا وَجَدَ الْمَشْهُورَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُ وَذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بَلَغَ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَمَا أَفْتَى قَطُّ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَعَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً فِي هَذَا فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ التَّشَهِّي وَالْحُكْمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَتَرْجِيحٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ أَدَبِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي: اعْلَمْ أَنَّ مَنْ يَكْتَفِي بِأَنْ يَكُونَ فِي فُتْيَاهُ أَوْ عِلْمِهِ مُوَافِقًا لِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْ يَعْمَلُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ فَقَدْ جَهِلَ وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الَّذِي حَكَى أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ عَنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِهِ إنَّهُ كَانَ يَقُولُ الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ حُكُومَةٌ أَنْ أُفْتِيهِ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ فَأَفْتَى فِيهَا وَهُوَ غَائِبٌ مِنْ فُقَهَائِهِمْ يَعْنِي الْمَالِكِيَّةَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ بِمَا يَضُرُّهُ فَلَمَّا عَادَ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا مَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَكَ وَأَفْتَوْهُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تُوَافِقُهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: فَإِذَا وُجِدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ وَالتَّرْجِيحِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْزَعَ فِي التَّرْجِيحِ إلَى صِفَاتِهِمْ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِآرَائِهِمْ فَيَعْمَلُ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَالْأَوْرَعِ وَالْأَعْلَمِ فَإِذَا اخْتَصَّ أَحَدُهُمْ بِصِفَةٍ أُخْرَى قُدِّمَ الَّذِي هُوَ أَحْرَى مِنْهُمَا بِالْإِصَابَةِ فَالْأَعْلَمُ الْوَرِعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَوْرَعِ الْعَالِمِ وَكَذَا إذَا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بَيَانُ الْأَصَحِّ مِنْهُمَا اعْتَبَرَ أَوْصَافَ نَاقِلِيهِمَا أَوْ قَائِلِيهِمَا، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ وَقَالَ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ يَسِيرَةٍ: وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ التَّرْجِيحِ مُعْتَبَرَةٌ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي أَوَّلِ النَّوَادِرِ: إنَّ كِتَابَهُ اشْتَمَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَالِكِيِّينَ، قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي الِاخْتِيَارُ مِنْ الِاخْتِلَافِ لِلْمُتَعَلِّمِ وَلَا لِلْمُقَصِّرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَحَلٌّ لِاخْتِيَارِ الْقَوْلِ فَلَهُ فِي اخْتِيَارِ الْمُفْتِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ نُقَّادِهِمْ مُقْنِعٌ مِثْلُ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَابْنِ سَحْنُونٍ، وَابْنُ الْمَوَّازِ أَكْثَرُهُمْ تَكَلُّفًا لِلِاخْتِيَارَاتِ وَابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبْلُغُ فِي اخْتِيَارَاتِهِ وَقُوَّةِ رِوَايَاتِهِ مَبْلَغَ مَنْ ذَكَرْنَا، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْقَرَافِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَحْكَامِ مَا نَصُّهُ: الْحَاكِمُ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ مُقَلِّدًا فِي رُجْحَانِ الْقَوْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَمَامَهُ وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فَحَرَامٌ إجْمَاعًا نَعَمْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ وَتَسَاوَتْ وَعَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ هَلْ يَتَسَاقَطَانِ أَوْ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا يُفْتِي بِهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ فَعَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ لَلْفُتْيَا فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا يَحْكُمُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَاجِحٍ عِنْدَهُ وَهَذَا مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَالْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِالرَّاجِحِ وَغَيْرِ الرَّاجِحِ وَلَيْسَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى بَلْ ذَلِكَ بَعْدَ بَذْلِ الْجُهْدِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَحُصُولِ التَّسَاوِي أَمَّا الْفُتْيَا وَالْحُكْمُ بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ: إنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِأَدِلَّةِ الْقَوْلَيْنِ إجْمَاعًا فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِهِ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ بَذْلِ الْجُهْدِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّرْجِيحِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ فَتَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَسَاوَى الْقَوْلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ عَجَزَ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَوْجُهِ التَّرْجِيحِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَمِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ أَيْضًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي

الْفَتْوَى وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى، وَالتَّسَاهُلُ قَدْ يَكُونُ بِأَنْ لَا يَتَثَبَّتَ وَيُسْرِعَ بِالْفَتْوَى أَوْ الْحُكْمِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْإِسْرَاعَ بَرَاعَةٌ وَالْإِبْطَاءَ عَجْزٌ وَلَأَنْ يُبْطِئَ وَلَا يُخْطِئَ أَجْمَلُ بِهِ مِنْ أَنْ يُعَجِّلَ فَيَضِلَّ وَيُضِلَّ وَقَدْ يَكُونُ تَسَاهُلُهُ بِأَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمَحْذُورَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ بِالتَّمَسُّكِ بِالشُّبَهِ طَلَبًا لِلْحِرْصِ عَلَى مَنْ يَرُومُ نَفْعُهُ أَوْ التَّغْلِيطَ عَلَى مَنْ يَرُومُ ضَرَرُهُ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ، قَالَ: وَأَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي وَاحْتَسَبَ فِي طَلَبِ حِيلَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَلَا تَجُرُّ إلَى مَفْسَدَةٍ لِيَخْلُصَ بِهَا الْمُفْتِي مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ أَوْ نَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ فِيهِ تَسْهِيلٌ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ الْعَامَّةَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَوَاصَّ وَوُلَاةَ الْأُمُورِ بِالتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّلَاعُبِ بِالْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ دَلِيلُ فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَتَقْوَاهُ وَعِمَارَتِهِ بِاللَّعِبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى الْخَلْقَ دُونَ الْخَالِقِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ صِفَاتِ الْغَافِلِينَ، وَالْحَاكِمُ كَالْمُفْتِي فِي هَذَا، انْتَهَى. (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ إنَّمَا هُوَ إذَا وَجَدَ فِي النَّازِلَةِ نَصًّا فَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ فَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَيَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مَا نَصُّهُ: وَيَقْضِي حِينَئِذٍ بِفَتْوَى مُقَلِّدِهِ بِنَصِّ النَّازِلَةِ فَإِنْ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ قَالَ: يَجِيءُ مِنْ كَذَا كَذَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ لِلْمُطَّلِعِ عَلَى مَدَارِكِ إمَامِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ (قُلْتُ) يُرَدُّ كَلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْمُجْتَهِدِ لِامْتِنَاعِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِذَا كَانَ حُكْمُ النَّازِلَةِ غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْمُقَلِّدِ الْمُوَلَّى الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ فِي نَازِلَةٍ أُخْرَى تَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ وَبِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قِيَاسِهِ عَلَى أَقْوَالِ مَالِكٍ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ كَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالتُّونُسِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بَلْ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَجَدَهُ يَعُدُّ اخْتِيَارَاتِهِ بِتَخْرِيجَاتِهِ فِي تَحْصِيلِهِ الْأَقْوَالَ أَقْوَالًا، انْتَهَى. وَقَدْ عَدَّ هُوَ أَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ فَتْوَى ابْنِ عَبْدِ الرَّءُوفِ وَابْنِ السَّبَّاقِ وَابْنِ دَحُونٍ وَنَحْوِهِمْ أَقْوَالًا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ فِي شَرْطِ كَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ وَنَقَلَ لِابْنِ الطَّلَّاعِ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ وَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ وَكَانَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ وَبَحَثَهُ مَعَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ فَإِنْ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُقَلِّدُ قِسْمَانِ، مُحِيطٌ بِأُصُولِ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ وَقَوَاعِدِهِ بِحَيْثُ تَكُونُ نِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ إلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ وَالْقِيَاسُ بِشَرَائِطِهِ كَمَا جَازَ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، وَغَيْرُ مُحِيطٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَامِّيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي فَيُتَّجَهُ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ، انْتَهَى مِنْ الْبَابِ الثَّانِي، وَقَالَ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ: الْمُقَلِّدُ لَهُ حَالَانِ تَارَةً يُحِيطُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَيَجُوزُ لَهُ تَخْرِيجُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ الْفَرْقِ وَمَعَ إمْكَانِهِ يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى إمَامِهِ وَقَوَاعِدِهِ كَنِسْبَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ إلَى صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَشَرِيعَتِهِ حُكْمًا فَكَمَا لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ التَّخْرِيجُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَارِقِ وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ الْفَارِقِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ، وَتَارَةً لَا يُحِيطُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخْرِيجُ وَإِنْ بَعُدَ الْفَارِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ لَأَوْجَبَ لَهُ الِاطِّلَاعُ الْفَرْقَ، وَنِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ مَنْ دُونَ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ إلَى حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُقَلِّدِ التَّخْرِيجُ فِيمَا لَيْسَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْأَدِلَّةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْمَلَ إلَّا بِقَوْلِ عَالِمٍ وَإِنْ

لَمْ يُظْهِرْ لَهُ دَلِيلَهُ لِقُصُورِهِ عَنْ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِالْمَنْصُوصِ فَافْهَمْ هَذَا التَّخْرِيجَ فَإِنَّهُ يُطَّرَدُ فِي الْفُتْيَا أَيْضًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَجْوِبَتِهِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ: سُئِلَ عَنْهُ وَالسُّؤَالُ عَنْ الْحُكْمِ فِي أَمْرِ الْقَاضِي إذَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِلْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ وَلَيْسَ فِي نَظَرِهِ مَنْ نَالَ دَرَجَةَ الْفَتْوَى وَلَا هُوَ فِي نَفْسِهِ أَهْلٌ لِذَلِكَ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَيْهِ فِيمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ حَالِ الطَّائِفَةِ الَّتِي عَرَفَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ إلَّا بِمَا بَانَ لَهُ مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ فَسَبِيلُ هَذَا الْقَاضِي فِيمَا يَمُرُّ بِهِ مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا نَصَّ عِنْدَهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ الَّتِي قَدْ بَانَتْ لَهُ صِحَّةُ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِيهَا إلَّا بِفَتْوَى مَنْ يَسُوغُ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَيَعْرِفُ وَجْهَ الْقِيَاسِ إنْ وَجَدَهُ فِي بَلَدِهِ وَإِلَّا طَلَبَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فَإِنْ قَضَى فِيهِ بِرَأْيِهِ وَلَا رَأْيَ لَهُ أَوْ بِرَأْيِ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ كَانَ حُكْمُهُ مَوْقُوفًا عَلَى النَّظَرِ وَيَأْمُرُ الْإِمَامُ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَلَا كَانَ فِي بَلَدِهِ مَنْ يَسُوغُ لَهُ الِاجْتِهَادُ لَا يَقْضِي فِيمَا سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادُ إلَّا بَعْدَ مَشُورَةِ مَنْ يَسُوغُ لَهُ الِاجْتِهَادُ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي أَحَالَ عَلَيْهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُفْتِي وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ فَمُقَلِّدٌ فَيَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِاجْتِهَادِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي إنْ وَلِيَ مُقَلِّدٌ لِعَدَمِ الْمُجْتَهِدِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ إمَامِهِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اللُّزُومِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى عَادَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَإِنَّهُمْ مَا كَانُوا يَحْجُرُونَ عَلَى الْعَوَامّ اتِّبَاعَ عَالِمٍ وَاحِدٍ وَلَا يَأْمُرُونَ مَنْ سَأَلَ أَحَدَهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَنْ لَا يَسْأَلَ غَيْرَهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى عِنْدِي فِي حَقِّ الْقَاضِي لُزُومُ طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّهُ إذَا قَلَّدَ إمَامًا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اتِّهَامِهِ بِالْمَيْلِ مَعَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَلِمَا جَاءَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْمِ فِي قَضِيَّةٍ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ لَهُ (قُلْتُ) حَمْلُهُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ عَلَى أَنَّ فِي لُزُومِ الْمُقَلِّدِ اتِّبَاعَ قَوْلِ إمَامِهِ وَجَوَازَ انْتِقَالِهِ عَنْهُ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ قَوْلَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَا بِمَوْجُودَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَا أَدْرَكْت، وَالصَّوَابُ تَفْسِيرُ الْقَوْلَيْنِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ بِنَصِّ قَوْلِ مُقَلِّدِهِ فَإِنْ قَاسَ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ: يَجِيءُ مِنْ كَذَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَبِقَوْلِ التُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ وَأَكْثَرِ الشُّيُوخِ بِالتَّخْرِيجِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمَا حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ، انْتَهَى. بَلْ فِي نَظَرِهِ نَظَرٌ وَلَا أَرْجَحِيَّةَ لِحَمْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِهِمَا كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَوْجُودَانِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِقَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: يُحْكَمُ بِفَتْوَى مُقَلِّدٍ بِنَصِّ النَّازِلَةِ، وَالثَّانِي حَكَاهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ وَنَصُّهُ: وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَلِّدَ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ مَنْ يَعْتَزِي إلَى مَذْهَبِهِ فَمَنْ كَانَ مَالِكِيًّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَصِيرُ فِي أَحْكَامِهِ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْمَذَاهِبِ بَلْ أَيْنَمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ صَارَ إلَيْهِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْمُشْتَرِطِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاجْتِهَادٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ أَلْبَتَّةَ وَيَرَى هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ مَوْجُودَةٌ لِزَمَنِ انْقِطَاعِ الْعِلْمِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا كَانَتْ الْأُمَّةُ مُجْتَمِعَةً عَلَى الْخَطَأِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ مُطْلَقًا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ وَقَبُولُهُ إيَّاهُ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْبَاجِيِّ فِي تَعْلِيلِهِ: مَنْعُ تَوْلِيَةِ قَاضِيَيْنِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا دُونَ

الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ التَّعْطِيلَ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الْمُجْتَهِدِينَ الْخِلَافُ وَالْمُقَلِّدَانِ تَوْلِيَتُهُمَا مَمْنُوعَةٌ كَذَا نَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْبَاجِيِّ وَلَمْ أَجِدْهُ لَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَلَا فِي كِتَابِ ابْنِ زَرْقُونٍ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ يُسْرِ الِاجْتِهَادِ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ تَفْسِيرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِجَعْلِ الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ فِي قَوْلِهِ بِاجْتِهَادِهِ عَائِدًا عَلَى مُقَلَّدِهِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمُقَلِّدِ لِمَالِكٍ مَثَلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهَا بِاجْتِهَادِ إمَامِهِ أَيْ: بِقَوَاعِدِهِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُ فِي طُرُقِ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ كَقَاعِدَتِهِ فِي تَقْدِيمِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَعَلَى الْقِيَاسِ وَكَقَوْلِهِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَوَاعِدِهِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ اجْتِهَادًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ قَوَاعِدِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ فَيَتَحَصَّلُ مِنْ نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي اجْتِهَادِ الْمُقَلِّدِ فِيمَا لَا نَصَّ لِمُقَلِّدِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ، أَقْوَالٍ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَهُوَ نَصُّ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ الْبَاجِيِّ وَلَا يُفْتِي إلَّا مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِشَيْءٍ سَمِعَهُ، وَالثَّانِي جَوَازُ الْقِيَاسِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ قَوَاعِدِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَفِعْلُهُ؛ وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ اخْتِيَارَاتٍ لَهُ خَرَجَ بِكَثِيرٍ مِنْهَا عَنْ الْمَذْهَبِ الثَّالِثُ جَوَازُ اجْتِهَادِهِ بَعْدَ مُرَاعَاةِ قَوَاعِدِ إمَامِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَهَذَا هُوَ مَسْلَكُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَالتُّونُسِيِّ وَأَكْثَرِ الْإِفْرِيقِيِّينَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَأَمَّا الْمُلَازَمَةُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا كَانَتْ الْأُمَّةُ مُجْتَمَعَةً عَلَى الْخَطَأِ فَفِي صِدْقِهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهَا إنْ خَلَا الزَّمَانُ عَنْ مُجْتَهِدٍ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْخَطَأِ وَهَذِهِ مُصَادَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا مُخْطِئَةً إلَّا إذَا ثَبَتَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّقْلِيدِ وَأَمَّا إذَا كَانَ جَائِزًا فَلَا وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ زَادَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مُفْتَقِرٌ إلَى حِفْظٍ وَاسِعٍ وَاطِّلَاعٍ بَارِعٍ وَإِدْرَاكٍ جَيِّدٍ نَافِعٍ وَخُصُوصًا الْمُدَوَّنَةَ فَإِنَّ فِيهَا أَزِمَّةً وَافِرَةً فَلِمَا يُرْجَعُ إلَى اقْتِنَاصِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ كُتُبِ الْأَحْكَامِ الْمُتَيْطِيَّةُ فَإِنَّ فِيهَا جُمْلَةً صَالِحَةً وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللَّهِ. الثَّانِي وَأَمَّا شَرْطُ الْفَتْوَى فَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْفَتْوَى وَصِفَةِ الْمُفْتِي فَقَالَ: الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ إنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى الْعُلُومِ وَتَتَمَيَّزُ عَنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ بِالْمَحْفُوظِ وَالْمَفْهُومِ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثِ طَوَائِفَ، طَائِفَةٌ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ تَقْلِيدًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ دُونَ التَّفَقُّهِ فِي مَعَانِيهَا بِتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْهَا وَالسَّقِيمِ، وَطَائِفَةٌ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِهِ بِمَا بَانَ لَهَا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ الَّتِي بَنَاهُ عَلَيْهَا فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَتَفَقَّهَتْ فِي مَعَانِيهَا فَعَلِمَتْ الصَّحِيحَ مِنْهَا الْجَارِيَ عَلَى أُصُولِهِ مِنْ السَّقِيمِ الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ، وَطَائِفَةٌ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبٍ بِمَا بَانَ لَهَا أَيْضًا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ لِكَوْنِهَا عَالِمَةً بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَارِفَةً بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْمُفَصَّلِ وَالْمُجْمَلِ وَالْخَاصِّ مِنْ الْعَامِّ عَالِمَةً بِالسُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَحْكَامِ مُمَيِّزَةً بَيْنَ صَحِيحِهَا مِنْ مَعْلُولِهَا عَالِمَةً بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَبِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَالِمَةً مِنْ عِلْمِ اللِّسَانِ بِمَا يُفْهَمُ بِهِ مَعَانِي الْكَلَامِ عَالِمَةً بِوَضْعِ الْأَدِلَّةِ فِي مَوَاضِعِهَا، فَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَلَا يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى بِمَا عَلِمَتْهُ وَحَفِظَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهَا بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا يَصِحُّ الْفَتْوَى بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَيَصِحُّ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَصِحُّ لَهَا أَنْ تَسْتَفْتِيَهُ أَوْ تُقَلِّدَ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا حَفِظَتْهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ مَنْ يُقَلِّدُهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ

وَأَصْحَابِهِ فَيَجُوزُ لِلَّذِي نَزَلَتْ بِهِ النَّازِلَةُ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِيمَا حَكَاهُ لَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي نَازِلَتِهِ وَيُقَلِّدُ مَالِكًا فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ فِيهَا وَذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَجِدْ فِي عَصْرِهِ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ فِي نَازِلَتِهِ فَيُقَلِّدُهُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَتْ النَّازِلَةُ قَدْ عَلِمَ فِيهَا اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْعَامِّيِّ إذَا اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي نَازِلَتِهِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِيهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَأْخُذُ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ فَيَأْخُذُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَعْلَمِهِمْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَغْلَظِ الْأَقْوَالِ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيَصْلُحُ لَهَا إذَا اُسْتُفْتِيَتْ أَنْ تُفْتِيَ بِمَا عَلِمَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إذَا كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ إذَا بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُفْتِيَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا تَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ إذْ لَيْسَتْ مِمَّنْ كَمُلَ لَهَا آلَاتُ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يَصِحُّ لَهَا بِهَا قِيَاسُ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ الَّتِي يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى عُمُومًا بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّازِلَةِ، وَعَلَى مَا قِيسَ عَلَيْهَا إنْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا، وَمِنْ الْقِيَاسِ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَدْ يُعْلَمُ قَطْعًا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَقَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ، فَلَا يُوجِبُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ وَلَا يُرْجَعُ إلَى الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إلَّا بَعْدَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ يَتَفَاوَتُ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْقِيقِ بِالْمَعْرِفَةِ بِهِ تَفَاوُتًا بَعِيدًا وَتَفْتَرِقُ أَحْوَالُهُمْ أَيْضًا فِي جَوْدَةِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ وَجَوْدَةِ الذِّهْنِ فِيهِ افْتِرَاقًا بَعِيدًا إذْ لَيْسَ الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَالْحِفْظِ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَمَنْ اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ تَصِحُّ لَهُ الْفَتْوَى بِمَا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ الْمُرَكَّبِ عَلَى الْمَحْفُوظِ الْمَعْلُومِ جَازَ لَهُ إنْ اُسْتُفْتِيَ أَنْ يُفْتِيَ وَإِذَا اعْتَقَدَ النَّاسُ فِيهِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فَمِنْ الْحَقِّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُفْتِيَ حَتَّى يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لَهُ عَلَى مَا حَكَى مَالِكٌ عَنْ أَنَّ ابْنَ هُرْمُزَ أَشَارَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ اسْتَشَارَهُ السُّلْطَانُ فَاسْتَشَارَهُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَتَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا سَأَلْت عَنْهُ مِنْ بَيَانِ صِفَاتِ الْمُفْتِي الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْعَصْرِ إذْ لَا تَخْتَلِفُ صِفَاتُ الْمُفْتِي الَّتِي تَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ. وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ بَيَانِ مَا يَلْزَمُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَنْ أَرَادَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ سُؤَالٌ فَاسِدٌ إذْ لَيْسَ أَحَدٌ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يُفْتِيَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا قَامَ عِنْدَهُ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ لَهُ إنْ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ وَالسُّؤَالُ عَنْ الْحُكْمِ فِي أَمْرِ الْقَاضِي إذَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِلْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ وَلَيْسَ فِي نَظَرِهِ مَنْ نَالَ دَرَجَةَ الْفَتْوَى وَلَا هُوَ فِي نَفْسِهِ أَهْلٌ لِذَلِكَ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَيْهِ فِيمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ حَالِ الطَّائِفَةِ الَّتِي عَرَفَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا شَرْطُ الْفَتْوَى فَفِيهَا لَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفَتْوَى وَقَالَ سَحْنُونٌ: النَّاسُ هُنَا الْعُلَمَاءُ، قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ: وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ: وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا؛ لِأَنَّ الْحَنَكَ وَهُوَ اللِّثَامُ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ حَنَكٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى تَأْكِيدِ التَّحْنِيكِ وَهَذَا شَأْنُ الْفُتْيَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ خُرِقَ هَذَا السِّيَاجُ وَهَانَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ دِينِهِمْ فَتَحَدَّثُوا فِيهِ بِمَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ وَعَسُرَ عَلَيْهِمْ اعْتِرَافُهُمْ بِجَهْلِهِمْ وَأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ لَا أَدْرِي فَلَا جَرَمَ آلَى الْحَالُ بِالنَّاسِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْجُهَّالِ وَالْمُتَجَرِّئِينَ عَلَى

دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَقَعَ هَذَا فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ جَامِعِ الْعُتْبِيَّة لِابْنِ هُرْمُزَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْهُ وَلَيْسَ فِيهِ وَيَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ زَادَ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَيَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ نَفْسَهُ أَنَّهُ كَمُلَتْ لَهُ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ عِلْمُهُ بِالْقُرْآنِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُفَصَّلِهِ مِنْ مُجْمَلِهِ وَعَامِّهِ مِنْ خَاصِّهِ وَبِالسُّنَّةِ مُمَيِّزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا عَالِمًا بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقِيَاسِ وَوَضْعِ الْأَدِلَّةِ مَوَاضِعَهَا وَعِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ اللِّسَانِ مَا يُفْهَمُ بِهِ مَعَانِي الْكَلَامِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ الْمُسْتَعْمَلَةَ مِثْلَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ دُونَ رِوَايَةٍ أَوْ الْكُتُبَ الْمُتَأَخِّرَةَ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِيهَا رِوَايَةٌ هَلْ يَسْتَفْتِي. وَإِنْ أَفْتَى وَقَدْ قَرَأَهَا دُونَ رِوَايَةٍ هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا فَأَجَابَ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْكُتُبَ وَتَفَقَّهَ فِيهَا عَلَى الشُّيُوخِ وَفَهِمَ مَعْنَاهَا وَأُصُولَ مَسَائِلِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي الْبَيَانِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ ثُمَّ قَالَ: فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا يَنْزِلُ وَلَا نَصَّ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ، قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَلْحَقْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُسْتَفْتَى فِي الْمُجْتَهَدَاتِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِرِوَايَةٍ عَنْ عَالِمٍ فَيُقَلِّدَهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا اخْتِلَافٌ أَخْبَرَ بِاَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ فَهْمٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالتَّرْجِيحِ (قُلْتُ) وَهَذَا حَالُ كَثِيرٍ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ وَأُخْبِرْنَا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُفْتُونَ وَلَا قِرَاءَةَ لَهُمْ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَضْلًا عَمَّا سِوَاهَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَلِيَ خُطَّتَيْ قَضَاءِ الْأَنْكِحَةِ وَالْجَمَاعَةِ بِتُونُسَ مَنْ قَالَ: مَا فَتَحْتُ كِتَابًا فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَحَدٍ وَمِثْلُهُ وَلِيَ الْقَضَاءَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْقَرْنِ بِبِجَّايَةَ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ هَؤُلَاءِ يَقْرَءُونَ التَّفْسِيرَ وَأُخْبِرْت أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ مَنَعَهُ قَاضِي وَقْتِهِ فَلَمَّا مَاتَ أَقْرَأَهُ وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِوُجُوبِ مَنْعِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُشَارَكَةٌ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ إقْرَاءِ التَّفْسِيرِ ثُمَّ كَانَ فِي حَضْرَتِهِ مَنْ يَقْرَأُهُ بَلْ وَلَّاهُ مَحَلَّ إقْرَائِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْعَرَبِيَّةِ كِتَابًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِحَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَاخْتِلَافِ مَعَانِي الْعِبَارَاتِ لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي بِاخْتِلَافِ الْعِبَارَاتِ فِي الدَّعَاوَى وَالْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَاتِ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: مَا حَاصِلُهُ يَجُوزُ لِمَنْ حَفِظَ رِوَايَةَ الْمَذْهَبِ وَعَلِمَ مُطْلَقَهَا وَمُقَيَّدَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا أَنْ يُفْتِيَ بِمَحْفُوظِهِ مِنْهَا وَمَا لَيْسَ مَحْفُوظًا لَهُ مِنْهَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا هُوَ مَحْفُوظٌ لَهُ مِنْهَا إلَّا إنْ حَصَّلَ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَكِتَابِ الْقِيَاسِ وَأَحْكَامِهِ وَتَرْجِيحَاتِهِ وَشَرَائِطِهِ وَمَوَانِعِهِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ، قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقْدُمُونَ عَلَى التَّخْرِيجِ دُونَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ بَلْ صَارَ يُفْتِي مَنْ لَمْ يُحِطْ بِالتَّقْيِيدَاتِ وَلَا التَّخْصِيصَاتِ مِنْ مَنْقُولِ إمَامِهِ وَذَلِكَ فِسْقٌ وَلَعِبٌ وَشَرْطُ التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِ إمَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ عَلَيْهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا لِنَصٍّ وَلَا لِقِيَاسٍ جَلِيٍّ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَعْصِيَةٌ، وَقَوْلَ إمَامِهِ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِاجْتِهَادٍ أَخْطَأَ فِيهِ فَلَا يَأْثَمُ وَتَحْصِيلُ حِفْظِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْصِيلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِأُصُولِهَا، وَأُصُولُ الْفِقْهِ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ وَلِذَا أَلِفْت هَذَا الْكِتَابَ الْمُسَمَّى بِالْقَوَاعِدِ قُلْت قَوْلُهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، لَا لِنَصٍّ. أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا النَّصُّ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِنَصِّ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْعُتْبِيَّة وَغَيْرِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ نَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ هَذَا فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالتِّسْعِينَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ: وَعَلِمَ مُطْلَقَهَا وَمُقَيَّدَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا أَنْ يُفْتِيَ بِمَحْفُوظِهِ، عِبَارَةُ الْقَرَافِيِّ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِجَمِيعِ مَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ مَذْهَبِهِ اتِّبَاعًا لِمَشْهُورِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ بِشُرُوطِ الْفُتْيَا، انْتَهَى. وَاخْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ فِيهِ جِدًّا، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ: وَكُلُّ شَيْءٍ أَفْتَى بِهِ الْمُجْتَهِدُ فَوَقَعَتْ فُتْيَاهُ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْقَوَاعِدِ وَالْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ

السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارَضِ، الرَّاجِحُ لَا يَجُوزُ لِمُقَلِّدِهِ أَنْ يَنْقُلَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يُفْتِي بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَهَذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَلَا نُقِرُّهُ وَالْفُتْيَا بِغَيْرِ شَرْعٍ حَرَامٌ فَالْفُتْيَا بِهَذَا حَرَامٌ. وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَ عَاصٍ فَعَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ تَفَقُّدُ مَذَاهِبِهِمْ فَكُلُّ مَا وَجَدُوهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفُتْيَا بِهِ وَلَا يَعْرَى مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَنْهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ إلَّا إنْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَالنَّصَّ الصَّرِيحَ وَعِلَّةَ الْمُعَارِضِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ تَحْصِيلَ الْفِقْهِ وَالتَّبَحُّرِ فِي الْفِقْهِ فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ لَيْسَتْ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بَلْ لِلشَّرِيعَةِ قَوَاعِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى لَا تُوجَدُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْلًا وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِثُ لِي عَلَى تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ لِضَبْطِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ بِحَسَبِ طَاقَتِي وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ يَحْرُمُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْفُتْيَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ وَلِذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَتَوَقَّفُونَ فِي الْفُتْيَا تَوَقُّفًا شَدِيدًا، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْقَرَافِيِّ: وَعَلِمَ مُطْلَقَهَا وَمُقَيَّدَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا، يَعْنِي غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ وَأَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً فَبَعِيدٌ وَيَكْفِي الْآنَ فِي ذَلِكَ وُجُودُ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّوْضِيحِ أَوْ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: الَّذِي يُفْتَى بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَبْحَرَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَأْوِيلِ الشُّيُوخِ لَهَا وَتَوْجِيهِهِمْ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ ظَوَاهِرَ وَاخْتِلَافِ مَذَاهِبَ وَتَشْبِيهِهِمْ مَسَائِلَ بِمَسَائِلَ قَدْ يَسْبِقُ إلَى النَّفْسِ تَبَاعُدُهَا وَتَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ مَسَائِلَ وَمَسَائِلَ قَدْ يَقَعُ فِي النَّفْسِ تَقَارُبُهَا وَتَشَابُهُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَسَطَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ فَهَذَا لِعَدَمِ النِّظَارِ يُقْتَصَرُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. وَفِي آخِرِ خُطْبَةِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِابْنِ رُشْدٍ، قَالَ: إذَا جَمَعَ الطَّالِبُ الْمُقَدِّمَاتِ إلَى هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْبَيَانَ وَالتَّحْصِيلَ حَصَلَ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يَسَعُ جَهْلَهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَعَرَفَ الْعِلْمَ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ بَابِهِ وَسَبِيلِهِ وَأَحْكَمَ رَدَّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ وَاسْتَغْنَى بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ الشُّيُوخِ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَحَصَلَ فِي دَرَجَةِ مَنْ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِي النَّوَازِلِ الْمُعْضِلَاتِ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ وَوَعَدَهُمْ فِيهِ بِتَرْفِيعِ الدَّرَجَاتِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمُخْتَصَرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الدِّيبَاجَةِ بَعْضُ هَذِهِ النُّصُوصِ وَشَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْوِلَايَةُ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّحْرِيرِ: لِانْعِقَادِ الْوِلَايَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ، الْعِلْمُ بِشَرَائِطِ الْوِلَايَةِ فِي الْمُوَلَّى فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا إلَّا بَعْدَ التَّقْلِيدِ اسْتَأْنَفَهُ، الثَّانِي ذِكْرُ الْمُوَلَّى لَهُ كَالْقَضَاءِ أَوْ الْإِمَارَةِ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَسَدَتْ، الثَّالِثُ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ لِيَمْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ الْأَمِينِ (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْأَمِينِ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْوِلَايَاتُ أَرْبَعَةٌ، صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ وَهِيَ وَلَّيْتُك وَقَلَّدْتُك وَاسْتَخْلَفْتُك وَاسْتَنَبْتُكَ، وَالْكِنَايَةُ ثَمَانِيَةُ أَلْفَاظٍ وَهِيَ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ وَعَوَّلْتُ عَلَيْكَ وَرَدَدْتُ إلَيْكَ وَجَعَلْت إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ إلَيْكَ وَوَكَّلْتُ إلَيْكَ وَأَسْنَدْتُ إلَيْكَ، قَالَ غَيْرُهُ: وَعَهِدْتُ إلَيْكَ وَتَحْتَاجُ الْكِنَايَةُ إلَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ مِثْلُ اُحْكُمْ فِيمَا اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ فِيهِ وَشِبْهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّحْرِيرِ (الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَوْلِيَةُ الْإِمَامِ قَاضِيَهُ تَثْبُتُ بِإِشْهَادِهِ بِهَا نَصًّا وَإِلَّا صَحَّ ثُبُوتُهَا بِالِاسْتِفَاضَةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ وَالْقَرَائِنِ

عَلَى عِلْمِ ذَلِكَ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ ثُبُوتَهَا بِكِتَابٍ يُقْرَأُ عَلَى الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَنْظُرْ الشُّهُودُ فِي الْكِتَابِ الْمَقْرُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَقْرَأَ الْقَارِئُ مَا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَوْ قَرَأَهُ الْإِمَامُ صَحَّتْ (قُلْتُ) سَمَاعُ الْإِمَامِ الْمَقْرُوءَ عَلَيْهِ مَعَ سَمَاعِهِ وَسُكُوتِهِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ ضَرُورَةً بِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ ثُبُوتَ وِلَايَتِهِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ يَقْرَأُ عَلَى الْإِمَامِ كَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ بَحْثُهُ وَاَلَّذِي فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ (السَّادِسُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: إذَا كَانَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى غَائِبًا وَقْتَ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُهُ عَلَى التَّرَاخِي عِنْدَ بُلُوغِ التَّقْلِيدِ إلَيْهِ وَعَلَامَةُ الْقَبُولِ شُرُوعُهُ فِي الْعَمَلِ وَبِهَذَا جَرَى عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى وَقْتِنَا هَذَا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَرْعٌ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ انْعِقَادُ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ كَالْوَكَالَةِ، وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ قَالُوا فَإِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ بِاللَّفْظِ مُشَافَهَةً فَالْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ لَفْظًا كَالْإِيجَابِ وَفِي الْمُرَاسَلَةِ يَجُوزُ عَلَى التَّرَاخِي بِالْقَبُولِ قَالُوا وَفِي الْقَبُولِ بِالشُّرُوعِ فِي النَّظَرِ خِلَافٌ وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا فِي النَّفْسِ، انْتَهَى. (السَّابِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إذَا انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَلِّي النَّظَرُ حَتَّى تَشِيعَ وِلَايَتُهُ فِي عَمَلِهِ لِيُذْعِنُوا لَهُ وَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ، وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَقْتَضِي مَا قَالُوهُ فَإِنَّ التَّمَكُّنَ وَالْعِلْمَ شَرْطَانِ فِي التَّكْلِيفِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا فَالشِّيَاعُ يُوجِبُ لَهُ الْمُكْنَةَ وَالْعِلْمَ لَهُمْ، انْتَهَى. (الثَّامِنُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يَرَى غَيْرَ رَأْيِهِ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ التَّقْلِيدِ وَلَوْ شَرَطَ الْحُكْمَ بِمَا يَرَاهُ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَالتَّوْلِيَةُ صَحِيحَةً، قَالَ الْبَاجِيُّ كَانَ فِي سِجِلَّاتِ قُرْطُبَةَ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يَرَى غَيْرَ رَأْيِهِ كَالْمَالِكِيِّ يُوَلِّي شَافِعِيًّا أَوْ حَنَفِيًّا وَلَوْ شَرَطَ أَيْ: الْإِمَامُ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمَ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ اجْتِهَادٍ لَهُ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَصَحَّ الْعَقْدُ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَقْدُ غَيْرُ جَائِزٍ وَيَنْبَغِي فَسْخُهُ وَرَدُّهُ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا، وَهَكَذَا فَرَضَ الْمَازِرِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقَلِّدًا وَكَانَ مُتَّبِعًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَاضْطُرَّ إلَى وِلَايَةِ قَاضٍ مُقَلِّدٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَيَأْمُرَهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى فِي قَضَائِهِ مَذْهَبَ مَالِكٍ لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِقْلِيمِ وَالْبَلَدِ الَّذِي هَذَا الْقَاضِي مِنْهُ وُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ وَلَّى سَحْنُونٌ رَجُلًا سَمِعَ بَعْضَ كَلَامِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمَ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُهُ، قَالَ الْبَاجِيُّ: كَانَ فِي سِجِلَّاتِ قُرْطُبَةَ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ قَوْلِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، مَا وَجَدَهُ، هَكَذَا نَقَلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ الْبَاجِيِّ وَهُوَ جَهْلٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمَا نُقِلَ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ وِلَايَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ قَوْلَهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي نَائِبًا: وَشَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَى مُسْتَخْلِفِهِ الْحُكْمُ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ خَالَفَ مُعْتَقَدَ الْمُسْتَخْلِفِ اجْتِهَادًا أَوْ تَقْلِيدًا فَخَرَجَ عَلَى شَرْطِ ذَلِكَ الْإِمَامِ فِي تَوْلِيَتِهِ قَاضِيَهُ عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ وَبُطْلَانِ تَوْلِيَتِهِ بِذَلِكَ، ثَالِثُهَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ فَقَطْ لِظَاهِرِ نَقْلِهِمْ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ وَلَّى رَجُلًا سَمِعَ بَعْضَ كَلَامِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمَازِرِيُّ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ الرَّجُلِ مُجْتَهِدًا مَعَ نَقْلِ الْبَاجِيِّ كَانَ الْوُلَاةُ عِنْدَنَا بِقُرْطُبَةَ يَشْتَرِطُونَ عَلَى مَنْ وَلَّوْهُ الْقَضَاءَ فِي سِجِلِّهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَهُ وَالطُّرْطُوشِيِّ لِقَوْلِهِ فِيمَا حَكَاهُ الْبَاجِيُّ هَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ مَعَ تَخْرِيجِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ بِإِبْطَالِ فَاسِدِ الشَّرْطِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ مَعَ صِحَّةِ

الْبَيْعِ، قَالَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَلَى مَذْهَبٍ مَشْهُورٍ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِهِ نُهِيَ عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى الْخُرُوجِ عَنْهُ لِتُهْمَتِهِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ حَيْفًا أَوْ هَوًى وَهَذَا الْقَوْلُ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى السِّيَاسَةِ، وَمُقْتَضَى الْأُصُولِ خِلَافُهُ، وَالْمَشْرُوعُ اتِّبَاعُ الْمُجْتَهِدِ مُقْتَضَى اجْتِهَادِهِ اهـ (التَّاسِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مِنْ الْأَمِيرِ غَيْرِ الْعَادِلِ فَفِي رِيَاضِ النُّفُوسِ فِي طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ إفْرِيقِيَّةَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَالِكِيِّ، قَالَ سَحْنُونٌ اخْتَلَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ وَابْنُ غَانِمٍ قَاضِي إفْرِيقِيَّةَ وَهُمَا رُوَاةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَقَالَ ابْنُ فَرُّوخَ: لَا يَنْبَغِي لِقَاضٍ إذَا وَلَّاهُ أَمِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَقَالَ ابْنُ غَانِمٍ: يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ غَيْرَ عَدْلٍ فَكَتَبَ بِهَا إلَى مَالِكٍ فَقَالَ مَالِكٌ: أَصَابَ الْفَارِسِيُّ يَعْنِي ابْنَ فَرُّوخَ وَأَخْطَأَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ يَعْنِي ابْنَ غَانِمٍ. (الْعَاشِرُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوِلَايَةِ الْخَامِسَةِ الَّتِي هِيَ وَظِيفَةُ الْقَضَاءِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: إقَامَةُ الْحُكْمِ لِلنَّاسِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ أَهْلًا أَوْ يُقِيمَ لِلنَّاسِ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْضِعِ وَلِيُّ أَمْرٍ كَانَ ذَلِكَ لِذَوِي الرَّأْيِ وَالثِّقَةِ فَمَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَصْلُحَ أَقَامُوهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: الْقَضَاءُ يَنْعَقِدُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَقْدُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَحَدِ أُمَرَائِهِ الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ الْعَقْدُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، الثَّانِي عَقْدُ ذَوِي الرَّأْيِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْعَدَالَةِ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ كَمُلَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقَضَاءِ وَهَذَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ مُطَالَعَةُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَسْتَدْعُوا مِنْهُ وِلَايَتَهُ وَيَكُونُ عَقْدُهُمْ لَهُ نِيَابَةً عَنْ عَقْدِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ نِيَابَةً عَمَّنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لَهُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ اهـ، مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَتَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: مُجْتَهِدٌ، شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ سَهْلٍ، قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: خُطَّةُ الْقَضَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْخُطَطِ قَدْرًا وَأَجَلِّهَا خَطَرًا لَا سِيَّمَا إذَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهَا الصَّلَاةُ (قُلْتُ) يُرِيدُ إمَامَةَ الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَاهُ حُسْنُ اجْتِمَاعِهِمَا وَالْمَعْرُوفُ بِبَلَدِنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا مَنْعُ إقَامَةِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِهَا أَوْ الْأَنْكِحَةِ إمَامَةَ الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ بِهَا وَسَمِعْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يُعَلِّلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ مَظِنَّةٌ لِعَدَمِ طِيبِ نَفْسِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِهِ مَعَ تَكَرُّرِ ذَلِكَ فِي الْآحَادِ فَيُؤَدِّي إلَى إمَامَةِ مَنْ هُوَ لَهُ كَارِهٌ وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» ، انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ، قَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنْ اسْتَقْضَى مُعَاوِيَةُ وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُثْمَانَ قَاضٍ بَلْ الْوُلَاةُ يَقْضُونَ وَأَنْكَرَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمَرُ اسْتَقْضَى شُرَيْحًا وَقَالَ: كَيْفَ يُسْتَقْضَى بِالْعِرَاقِ دُونَ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، انْتَهَى. ص (وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى وَأَبْكَمَ وَأَصَمَّ وَوَجَبَ عَزْلُهُ) ش: هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَقْتَضِي عَدَمُهُ الْفَسْخَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُتَّصِفًا بِهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ غَيْرُ شَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِهَا وَعَدَمُهَا مُوجِبٌ لِلْعَزْلِ وَيَنْفُذُ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ، انْتَهَى. فَقَوْلُ الشَّيْخِ بَهْرَامُ: هَذِهِ الْأَوْصَافُ تُوجِبُ الْعَزْلَ وَلَيْسَ عَدَمُهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ بَلْ وُجُودُهَا مِنْ بَابِ الِاسْتِحْبَابِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: (فَإِنْ قُلْت) لِمَ خُصَّتْ الصِّفَةُ الْأُولَى بِالشَّرْطِيَّةِ (قُلْت) ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِهَا وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنْ وَجَبَ الْعَزْلُ إذَا انْعَدَمَتْ وَهَذَا كَمَا يُفَرِّقُونَ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْوَاجِبِ الَّذِي

تنبيه هل يشترط في القاضي أن يكتب

شُرِطَ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ الَّذِي لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا، انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ هَذَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: الثَّانِي السَّمْعُ وَالْبَصَرُ، وَالْكَلَامُ يَعْنِي أَنَّ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنْ صِفَاتِ الْقَاضِي وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَزْلِ إذَا عُدِمَ أَوْ عُدِمَ بَعْضُ أَجْزَائِهِ إلَّا أَنَّ وَحْدَةَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَجَعْلَ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْقُيُودِ كَالْأَجْزَاءِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ إذَا عُدِمَ مَنَعَ الْوِلَايَةَ وَلِأَنَّ جُزْءَ الشَّرْطِ يَنْعَدِمُ الْمَشْرُوطُ بِانْعِدَامِهِ وَأَمَّا وَحْدَةُ هَذَا النَّوْعِ بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ جُزْءًا لَهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ وَذَلِكَ، أَنَّ الْمُؤَلِّفَ جَعَلَ أَثَرَ هَذَا النَّوْعِ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْعَزْلِ لَا فِي انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا إذَا انْعَدَمَ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَأَمَّا إذَا انْعَدَمَ اثْنَانِ مِنْهَا فَأَكْثَرُ فَلَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ أَصْلًا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ (سُؤَالٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ (فَإِنْ قُلْت) إمَّا أَنْ يَجْعَلَ الْعَمَى مَثَلًا مَانِعًا مِنْ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ أَوْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَجِبُ عَزْلُهُ (قُلْت) كُلٌّ مِنْ الشِّقَّيْنِ مَمْنُوعٌ وَسَنَدُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَانِعَ إذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْت، أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا طَرَأَ وَقَدْ كَانَ وَلِيَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ فَمَنْ وَلِيَ صَحِيحًا وَطَرَأَ عَلَيْهِ هَذَا الْمَانِعُ هُوَ الَّذِي يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَسَنَدُ الثَّانِي أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ نُفُوذِ الْحُكْمِ لَا يَلْزَمُ مَعَهُ دَوَامُ التَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّ النُّفُوذَ مُسْتَنِدٌ إلَى التَّوْلِيَةِ الصَّحِيحَةِ وَوُجُوبَ الْعَزْلِ مُسْتَنِدٌ إلَى الطَّارِئِ، انْتَهَى. وَفِي جَوَابِهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ نُفُوذَ حُكْمِ الْقَاضِي الْأَعْمَى إنَّمَا هُوَ إذَا وَلِيَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأَمَّا الْخِصَالُ الَّتِي لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنَّ عَدَمَهَا يُوجِبُ فَسْخَ الْوِلَايَةِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا عَدْلًا فَهَذِهِ الْأَرْبَعُ خِصَالٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ فَإِنْ وَلِيَ مَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يُعْزَلَ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ جَائِزًا إلَّا الْفَاسِقَ فَاخْتُلِفَ فِيمَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ فَقَالَ أَصْبَغُ: إنَّهَا جَائِزَةٌ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ وَعَلَيْهِ فَالْعَدَالَةُ مَشْرُوطَةٌ فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ كَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ سَوَاءٌ وَلِيَ كَذَلِكَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِهِ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُكَ الْعَمَى مَثَلًا مَانِعٌ مَا تَعْنِي بِهِ، مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ أَوْ مِنْ جَوَازِهَا، فَالْأَوَّلُ لَيْسَ مُرَادًا لَنَا وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ مَا ذَكَرْت، وَالثَّانِي مُرَادُنَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ] (تَنْبِيهٌ) تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ الْكَلَامَ عَلَى الْكِتَابَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ لَا نَصَّ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَرَجَّحَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ صِحَّةَ الْوِلَايَةِ مَعَ ظُهُورِ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ الْمَنْعُ، انْتَهَى. ص (وَلَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْخَائِفَ فِتْنَةً أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ) ش: كَأَنَّهُ سَقَطَ عِنْدَ الشَّارِحِ

بَهْرَامَ لَفْظٌ وَالطَّلَبُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلطَّلَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللُّزُومَ مَشْرُوطٌ بِعَرْضِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ طَلَبُهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ قَاضٍ أَوْ يَكُونُ وَلَكِنْ تَحْرُمُ وِلَايَتُهُ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ تَضِيعُ الْحُقُوقُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ إذَا خَافَ ضَيَاعَ الْحُقُوقِ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ ثُبُوتُهَا وَانْظُرْ إذَا قِيلَ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ فَطَلَبَ فَمُنِعَ مِنْ التَّوْلِيَةِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا كَمَا سَيَأْتِي إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ إذَا تَعَيَّنَ إذَا كَانَ يُعَانُ عَلَى الْحُقُوقِ، وَبَذْلُ الْمَالِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يُعَنْ عَلَى تَرْكِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْعِ الْآتِي لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ أَيْ: الْقَضَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا انْفَرَدَ بِشَرَائِطَ تَعَيَّنَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قِيلَ إنَّ عِلْمَ الْقَضَاءِ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا عِلْمَ الْقَضَاءِ أَوْ لَازِمًا لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ إنْسَانٍ يَرْفَعُ النِّزَاعَ الْوَاقِعَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ فِي الْبَلَدِ مِنْ وَاحِدٍ وَمِنْ عَدَدٍ قَلِيلٍ كَانَ هَذَا الْفَرْضُ فِيهِ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا تَعَدَّدَ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ فَإِنْ اتَّحَدَ تَعَيَّنَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ مَرْتَبَةُ الْقَاضِي فِي الدِّينِ حِينَ كَانَ الْقَاضِي يُعَانُ عَلَى مَا وَلِيَهُ حَتَّى رُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَحْكُمُ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا صَارَ الْقَاضِي لَا يُعَانُ بَلْ مَنْ وَلَّاهُ رُبَّمَا أَعَانَ عَلَيْهِ مَنْ مَقْصُودُهُ بُلُوغُ هَوَاهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبَ يَنْقَلِبُ مُحَرَّمًا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ أَكْثَرَ الْخُطَطِ الشَّرْعِيَّةِ فِي زَمَانِنَا أَسْمَاءٌ شَرِيفَةٌ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ خَسِيسَةٍ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا (قُلْتُ) وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ وَبِصِحَّةِ خَبَرِهِ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْقَاضِي بِتُونُسَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ فَدَّاحٍ تَكَلَّمَ أَهْلُ مَجْلِسِ السُّلْطَانِ فِي وِلَايَةِ قَاضٍ فَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ بَعْضُ كِبَار أَهْلِ الْمَجْلِسِ: إنَّهُ شَدِيدُ الْأَمْرِ وَلَا تُطِيقُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَسْتَخْبِرُ أَمْرَهُ فَدَسُّوا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الْمُوَحِّدِينَ كَانَ جَارًا لَهُ يُعْرَفُ بِابْنِ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: هَؤُلَاءِ امْتَنَعُوا مِنْ تَوْلِيَتِك؛ لِأَنَّك شَدِيدٌ فِي الْحُكْمِ فَقَالَ: أَنَا أَعْرِفُ الْعَوَائِدَ وَأَمْشِيهَا فَحِينَئِذٍ وَلَّوْهُ مِنْ عَامِ أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَامَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، انْتَهَى. (قُلْتُ) يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ خَافَ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْوِلَايَةِ فَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ لِدَفْعِ مَضَرَّةِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ فِي تَسَبُّبِهِ بِوِلَايَتِهِ لِقَضَاءِ الْأَنْكِحَةِ تَسَبُّبًا ظَاهِرًا عَلِمَهُ الْقَرِيبُ مِنْهُ وَالْبَعِيدُ، قَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالصَّلَاحِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ غَازِيٍّ إلَى هَذَا فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ الْقِسْمِ الْوَاجِبِ صَارَ مُحَرَّمًا فَكَيْفَ بِبَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْهَرَبُ مِنْ الْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَطَلَبُ السَّلَامَةِ مِنْهُ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَاجِبٌ لَازِمٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا رَجُلًا لِيُوَلِّيَهُ فَأَبَى فَجَعَلَ يُدِيرُهُ عَلَى الرِّضَا فَأَبَى ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْشُدُك اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّ ذَلِكَ تَعْلَمُ خَيْرًا لِي، قَالَ: أَنْ لَا تَلِيَ، قَالَ: فَأَعْفِنِي، قَالَ: قَدْ فَعَلْت ثُمَّ قَالَ: وَطَلَبُ الْقَضَاءِ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَتَكُونُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَ الْفَاطِمَةُ فَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَأَرَادَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكُ وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَامْتُحِنَ بِهِ وَهُوَ كَارِهٌ لَهُ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَا اسْتَعَانَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ»

فرع تحصيل القضاء بالرشوة

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ تُؤْتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ تُعَنْ عَلَيْهَا وَإِنْ تُؤْتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ تُوَكَّلْ إلَيْهَا» ، انْتَهَى. وَقَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: الْقَضَاءُ مِحْنَةٌ وَبَلِيَّةٌ وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّصَ مِنْهُ عَسِرٌ فَالْهُرُوبُ مِنْهُ وَاجِبٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَطَلَبُهُ نُوكٌ وَإِنْ كَانَ حِسْبَةً، قَالَهُ الشَّعْبِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إذَا خَلَصَتْ نِيَّتُهُ لِلْحِسْبَةِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَلِيَهُ مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّا لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، انْتَهَى. وَالنُّوكُ بِالضَّمِّ الْحُمْقُ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ: وَدَاءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَالنَّوَاكَةُ الْحَمَاقَةُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إنْ خَافَ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ أَنْ يُوَلَّى مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ أَنَّ لَهُ طَلَبُهُ وَقَدْ تَحَقَّقْت بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِنَا وَكَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالصَّلَاحِ لَمَّا وَقَعَ النَّظَرُ بِتُونِسَ فِي وِلَايَةِ قَاضِي الْأَنْكِحَةِ تَسَبَّبَ فِي وِلَايَتِهَا تَسَبُّبًا ظَاهِرًا عَلِمَهُ الْقَرِيبُ مِنْهُ وَالْبَعِيدُ وَمَا أَظُنُّهُ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لَمَّا نَقَلَ الْمَازِرِيُّ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: يَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ السَّعْيُ فِي طَلَبِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَلِهِ ضَاعَتْ الْحُقُوقُ أَوْ وَلِيَهُ مَنْ لَا يَحِلُّ أَنْ يُوَلَّى، وَكَذَلِكَ إنْ وَلِيَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ وِلَايَتُهُ تَوْلِيَتُهُ وَلَا سَبِيلَ لِعَزْلِهِ إلَّا بِطَلَبِهِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ تَحْصِيلُ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا تَحْصِيلُ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ شُرَيْحٍ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: مَنْ تَقَبَّلَ الْقَضَاءَ بِقَبَالَةٍ وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ بِحَقٍّ، قَالَ: وَإِنْ أَعْطَى رِشْوَةً عَلَى عَزْلِ قَاضٍ لِيُوَلَّى هُوَ مَكَانَهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ أَعْطَاهَا عَلَى عَزْلِهِ دُونَ وِلَايَةٍ فَعُزِلَ الْأَوَّلُ بِرِشْوَةٍ ثُمَّ اسْتَقْضَى هُوَ مَكَانَهُ بِغَيْرِ رِشْوَةٍ نَظَرَ فِي الْمَعْزُولِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَإِعْطَاءُ الرِّشْوَةِ عَلَى عَزْلِهِ حَرَامٌ وَالْمَعْزُولُ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَزَلَهُ تَابَ فَرَدَّ الرِّشْوَةَ قَبْلَ عَزْلِهِ وَقَضَاءُ الْمُسْتَخْلَفِ أَيْضًا بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَابَ قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَيَصِحُّ قَضَاؤُهُ فَإِنْ كَانَ الْمَعْزُولُ جَائِرًا لَمْ يَبْطُلْ قَضَاءُ الْمُسْتَخْلَفِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ أَبُو الْعَبَّاسِ (قُلْتُ) هَذَا تَخْرِيجًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ، انْتَهَى. ص (وَحَرُمَ لِجَاهِلٍ وَطَالِبِ دُنْيَا) ش: لَوْ قَالَ عِوَضُ قَوْلِهِ لِجَاهِلٍ لِغَيْرِ أَهْلِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَحْرُمُ طَلَبُهُ عَلَى فَاقِدِ أَهْلِيَّتِهِ، انْتَهَى. لَكَانَ أَتَمَّ (فَائِدَةٌ) وَيَحْرُمُ السَّعْيُ عَلَى مَنْ قَصَدَ بِالسَّعْيِ الِانْتِقَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ، قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ. ص (وَنُدِبَ لِيُشْهَرَ عِلْمُهُ) ش: نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَزَادَ مَعَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَلَهُ عِيَالٌ وَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِهِ لِسَدِّ خُلَّتِهِ وَنَصُّهُ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسْتَحَبُّ طَلَبُهُ لِمُجْتَهِدٍ خَفِيَ عِلْمُهُ وَأَرَادَ إظْهَارَهُ بِوِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ أَوْ لِعَاجِزٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إلَّا بِرِزْقِ الْقَضَاءِ الْمَازِرِيُّ وَلَا يُقْتَصَرُ بِالِاسْتِحْبَابِ عَلَى هَذَيْنِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْأَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ، انْتَهَى. وَعَبَّرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَقَدْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَرَى أَنَّهُ أَنْهَضُ بِهِ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ آخَرَ يُوَلَّاهُ وَهُوَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ وَلَكِنَّهُ مُقَصِّرٌ عَنْ هَذَا، انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ بِهِ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ فَعَدَّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْقِسْمِ الْمُبَاحِ، قَالَ: وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ فِي الْوَجْهِ الْمُسْتَحَبِّ، وَكَذَلِكَ عَدَّ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْقِسْمِ الْمُبَاحِ مَا نَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَطَلَبَهُ لِسَدِّ خُلَّتِهِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَعَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا مَشْهُورًا يَنْفَعُ النَّاسَ بِعِلْمِهِ وَخَافَ إنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ السَّعْيُ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَفِي كَوْنِهِ فِي حَقِّ الْمَشْهُورِ عِلْمُهُ الْغَنِيِّ مَكْرُوهًا أَوْ مُبَاحًا نَظَرٌ، قَالَ: وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَدُلُّ عَلَى الْإِبْعَادِ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ:

وَمِنْ الْمَكْرُوهِ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهُ فِي طَلَبِ الْقَضَاءِ لِتَحْصِيلِ الْجَاهِ وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ فَهَذَا يُكْرَهُ لَهُ السَّعْيُ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يَحْرُمُ لَكَانَ وَجْهُهُ ظَاهِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] ، انْتَهَى. وَأَمَّا إبَاحَةُ السَّعْيِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَيَبْعُدُ عِنْدِي تَصَوُّرُ الْإِبَاحَةِ إلَّا عِنْدَ تَقَابُلِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِلْفَهْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ فَرْحُونٍ جَعَلَ مِنْهُ مَسْأَلَةَ مَنْ سَعَى فِيهِ لِسَدِّ خُلَّتِهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْأَقْسَامَ (قُلْتُ) هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ تَوْلِيَتُهُ مَلْزُومَةً لِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ تَكْلِيفِهِ تَقْدِيمَهُ مَنْ لَا يَحِلُّ تَقْدِيمُهُ لِلشَّهَادَةِ وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَلَا فَائِدَةَ فِي كَتْبِهِ هُنَا، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَوَرَعٍ نَزِهٍ) ش: الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَرِعِ وَالنَّزِهِ أَنَّ الْوَرِعَ هُوَ التَّارِكُ لِلشُّبُهَاتِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ وَرِعًا ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ وَالنَّزِهُ هُوَ الَّذِي لَا يَطْمَعُ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صِفَاتِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ذَا نَزَاهَةٍ عَنْ الطَّمَعِ، انْتَهَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا يَأْتِي بِمَا نُصِبَ لَهُ حَتَّى يَكُونَ ذَا نَزَاهَةٍ وَنَصِيحَةٍ وَرَحْمَةٍ وَصَلَابَةٍ لِيُفَارِقَ بِالنَّزَاهَةِ التَّشَوُّفَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَبِالنَّصِيحَةِ لِيُفَارِقَ حَالَ مَنْ يُرِيدُ الظُّلْمَ وَلَا يُبَالِي بِوُقُوعِ الْغِشِّ وَالْغَلَطِ وَالْخَطَإِ وَبِالرَّحْمَةِ حَالَ الْقَاسِي الَّذِي لَا يَرْحَمُ الصَّغِيرَ وَالْيَتِيمَ وَالْمَظْلُومَ وَبِالصَّلَابَةِ حَالَ مَنْ يَضْعُفُ عَنْ اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ، انْتَهَى. ص (غَنِيٍّ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالْغَنِيِّ عَنْ عَدَمِ الدَّيْنِ فَإِنَّ وُجُودَ الدَّيْنِ مَعَ الْغِنَى رُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَا أَثَرَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ، انْتَهَى. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فَقِيرًا وَهُوَ أَعْلَمُ مَنْ فِي الْبَلَدِ وَأَرْضَاهُمْ اسْتَحَقَّ الْقَضَاءَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْلِسَ حَتَّى يَغْنَى وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَعَاهُ فَقْرُهُ إلَى اسْتِمَالَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَالضَّرَاعَةِ لَهُمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالْإِكْبَارِ إذَا تَخَاصَمُوا مَعَ الْفُقَرَاءِ فَإِذَا كَانَ غَنِيًّا بَعُدَ عَنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنْ يَكُونَ بَلَدِيًّا وَلَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا تَرَكَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَا: إنَّ الْوُلَاةَ الْيَوْمَ يُرَجِّحُونَ غَيْرَ الْبَلَدِيِّ عَلَى الْبَلَدِيِّ وَتَرَكَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى النَّوْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ لَوْمَةِ اللَّائِمِ رَاجِعٌ إلَى الْفِسْقِ، انْتَهَى. ص (نَسِيبٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا بَأْسَ بِوِلَايَةِ وَلَدِ الزِّنَا وَلَا يَحْكُمُ فِي حَدٍّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَظْهَرُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ فَلَا يَلِيهَا وَلَدُ الزِّنَا كَالْإِمَامَةِ الصَّقَلِّيُّ عَنْ أَصْبَغَ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَفْتَى مَنْ حُدَّ فِي الزِّنَا إذَا تَابَ وَرُضِيَتْ حَالُهُ أَوْ كَانَ عَالِمًا وَيَجُوزُ حُكْمُهُ فِي الزِّنَا وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحْوِطَ يَجُوزُ حُكْمُهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِجَوْرٍ أَوْ خَطَإٍ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِأَصْبَغَ، انْتَهَى. ص (بِلَا دَيْنٍ وَحَدٍّ) ش، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَجَوَّزَ أَصْبَغُ حُكْمَهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ، انْتَهَى. ص (وَزَائِد فِي الدَّهَاءِ) الدَّهَاءُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْمَدِّ كَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكِتَابِ كَالذَّكَاءِ وَالْعَطَاءِ وَكَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَخْفِيفِ الْأَعْوَانِ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَوْ

اسْتَغْنَى عَنْ الْأَعْوَانِ أَصْلًا لَكَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا انْتَهَى. ص (وَتَأْدِيبِ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّبَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا أَسَاءَ عَلَى الْآخَرِ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ أَيْضًا إذَا أَسَاءَ عَلَى الْحَاكِمِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ مُغَايِرَةِ الْمُؤَلِّفِ اللَّفْظَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي فَوْقَهَا أَنَّ إسَاءَةَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِلْآخَرِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشَدُّ مِنْ إسَاءَتِهِ عَلَى الْقَاضِي. ، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْوُجُوبِ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُ: ظَلَمْتَنِي فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَذَى الْقَاضِي وَكَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ فَلْيُعَاقِبْهُ وَقَدْ أَشَارَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا، قَالَا: إذَا شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ بِقَوْلِهِ يَا فَاجِرُ يَا ظَالِمُ فَلْيَزْجُرْهُ وَلْيَضْرِبْهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ قَائِلُهُ ذَا مُرُوءَةٍ فَلْيَتَجَافَ عَنْ ضَرْبِهِ وَقَالَ: إنْ لَمَزَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ الْقَاضِيَ بِمَا يَكْرَهُ أَدَّبَهُ، وَالْأَدَبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَمْثَلُ مِنْ الْعَفْوِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْأَدَبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَمْثَلَ مِنْ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِيذَاءِ الْقَاضِي وَشَتْمِهِ وَإِنَّمَا لَمَزَهُ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ سُوِّغَ لَهُ حُكْمُ الْعَفْوِ وَرُجِّحَ عَدَمُهُ وَصَرَّحَ لِخَصْمِهِ بِالشَّتْمِ فَأَلْزَمَهُ الْعُقُوبَةَ وَلَمْ يُسَوَّغُ الْعَفْوُ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي لَفْظَةِ يَنْبَغِي هُوَ مُصْطَلَحُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلُ قَوْلِهِ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ، انْتَهَى. فَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى أَنَّ تَأْدِيبَهُ يَجِبُ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ مَيْلٌ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَمَنْ رَاعَى أَنَّ فِي ذَلِكَ انْتِصَارًا لِلشَّرْعِ، قَالَ بِالْوُجُوبِ وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ كَالْمُنْتَقِمِ لِنَفْسِهِ، قَالَ بِعَدَمِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت مَنْ يَقُولُ لِلْقَاضِي ظَلَمْتَنِي، قَالَ مَالِكٌ: يَخْتَلِفُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ تَفْسِيرًا إلَّا أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَهُ إنْ أَرَادَ أَذَاهُ وَالْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ عَاقَبَهُ وَمَا تَرَكَ ذَلِكَ حَتَّى خَاصَمَ أَهْلَ الشَّرَفِ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْإِلْدَادِ ابْنُ رُشْدٍ لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ الْعَدْلِ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ وَآذَاهُ بِأَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ مُوَاجَهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مُوَاجَهَتَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ وَلَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ وَإِذَا كَانَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ كَالْحُكْمِ بِهِ لِغَيْرِهِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ فِي عَرْضِهِ كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي عَرْضِ غَيْرِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِرَاءَ عَلَى الْحَاكِمِ بِمِثْلِ هَذَا تَوْهِينٌ لَهُمْ فَالْمُعَاقَبَةُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ التَّجَافِي، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ فَيُعَاقِبُهُ بِهِ أَيْ: بِالْإِقْرَارِ وَيَتَمَوَّلُ الْمَالَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَحْكُمُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَطْعُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدَ الْأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ زَوْجَتِهِ، انْتَهَى. فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُفِيدٌ، وَقَوْلُهُ فِي السَّمَاعِ: وَمَا تَرَكَ ذَلِكَ، إلَى آخِرِهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْبَيَانِ وَلَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي، مِثْلُ اُذْكُرْ وُقُوفَك لِلْحِسَابِ وَاَلَّذِي عَمِلْته مَعِي مَكْتُوبٌ عَلَيْك وَنَحْوُهُ مِمَّا هُوَ وَعْظٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ فَيُعْرِضُ الْقَاضِي عَنْ الْإِشَارَةِ وَيَرْفُقُ بِهِ وَقَوْلُهُ فَلْيَرْفُقْ بِهِ الرِّفْقُ بِهِ مِثْل أَنْ يَقُولَ لَهُ رَزَقَنِي اللَّهُ تَقْوَاهُ أَوْ يَقُولَ مَا أَمَرْتُ إلَّا بِخَيْرٍ وَعَلَيْنَا وَعَلَيْك أَنْ نَتَّقِيَ اللَّهَ أَوْ ذَكَّرَنِي وَإِيَّاكَ الْوُقُوفَ لِلْحِسَابِ وَالْأَعْمَالُ كُلُّهَا مَكْتُوبَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ أَذِنَ لَهُ فِي

الِاسْتِخْلَافِ أَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى عَدَمِهِ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ اهـ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا نَهَى عَنْ الِاسْتِخْلَافِ فَيُتَّفَقُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ وَيُتَّفَقُ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْ وَلَّاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ اسْتَخْلَفَ عَلَى مُقْتَضَى الْإِذْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ فَلَا تُبَالِي كَانَ الْقَاضِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَكَانَ الْإِمَامُ وَلَّى قَاضِيَيْنِ، أَحَدُهُمَا فَوْقَ صَاحِبِهِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ فِي النَّوَادِرِ، انْتَهَى. وَإِنْ تَجَرَّدَ الْعَقْدُ عَنْ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَإِنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ ذَلِكَ إذَا مَرِضَ أَوْ سَافَرَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ، انْتَهَى. لِكَوْنِهِ صَدَّرَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُتَّفَقُ مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ: إنَّ هَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَمَّا إنْ كَانَ عَمَلُ الْقَاضِي الْجَوَازُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ وَإِنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ، قَالَا: فَإِنْ فَعَلَ فَقَضَاءُ الْمُسْتَخْلَفِ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا أَنْفَذَهُ الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ، انْتَهَى. مِنْ التَّبْصِرَةِ لِابْنِ فَرْحُونٍ (فَرْعٌ) مِنْهَا، قَالَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَلَا يُسَجِّلُ نَائِبُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَجُوزُ تَسْجِيلُهُ وَيَبْطُلُ وَلَا يَقُومُ بِهِ الْقَائِمُ حُجَّةً إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يُعْزَلَ أَوْ يَمُوتَ وَإِنْ كَانَ اسْتِنَابَةُ الْقَاضِي لِنَائِبِهِ عَنْ إذْنِ الْإِمَامِ وَرَأْيِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مُسْتَفِيضًا مَعْرُوفًا مَشْهُورًا كَاشْتِهَارِ وِلَايَةِ الْقَاضِي فَلِلنَّائِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُسَجِّلَ وَيَنْفُذُ تَسْجِيلُهُ دُونَ إجَازَةِ الْقَاضِي وَلَيْسَ لِأَحَدٍ رَدُّهُ وَلَا الِاعْتِرَاضُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِذَا قُلْنَا النَّائِبُ لَا يُسَجِّلُ فَلَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَشْهَدُ عِنْدَهُ الشُّهُودُ فِيمَا فِيهِ التَّنَازُعُ وَلَهُ قَبُولُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِعَدَالَةٍ وَيَعْدِلُ عِنْدَهُ الْمَقَالَاتِ ثُمَّ يَرْفَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَى الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ وَيُخْبِرُهُ بِهِ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ لِيَثْبُتَ بِهِ مَا عِنْدَ الْقَاضِي إخْبَارُهُ لَهُ وَيَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنْ يُجِيزَ حِينَئِذٍ فِعْلَ نَائِبِهِ وَيَنْفُذُ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَيُسَجِّلُ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ عَنْ إذْنِ الْإِمَامِ هَلْ مُرَادُهُ الْإِذْنُ الْعَامُّ فِي التَّوْلِيَةِ أَوْ إذْنٌ خَاصٌّ فِي عَيْنِ الْمُسْتَخْلِفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَوَّلُ إلَّا أَنَّ الْمُتَيْطِيَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إثْرَ ذِكْرِهِ صِفَةَ الْوَثِيقَةِ، وَالْوَثِيقَةُ فِيهَا اسْتِئْذَانُ الْأَمِيرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْمُسْتَخْلِفُ إلَى وَظِيفَةِ الْقَضَاءِ فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ ثُمَّ يُكْمِلُهَا بَعْدُ بِالتَّسْجِيلِ فِيهَا أَمْ يَصِلُ نَظَرَهُ فِيهَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْحُكْمِ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَاتٍ: بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ الْحُكُومَةِ وَلَا يَبْتَدِئُهَا مِنْ أَوَّلِهَا، قَالَ: وَبِذَلِكَ أَفْتَيْت أَبَا عَلِيٍّ حَسَنَ بْنَ ذَكْوَانَ حِينَ ارْتَفَعَ مِنْ أَحْكَامِ الشُّرْطَةِ وَالسُّوقِ إلَى أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَوَافَقَنِي أَبُو الْمُطَرِّفِ بْنُ فَرَجٍ وَغَيْرُهُ عَلَى جَوَابِي وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يَبْتَدِئُ

فرع عزل القاضي ثم ولي بعد ما عزل

النَّظَرَ فِيمَا كَانَ جَرَى بَعْضُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ كَمُلَ نَظَرُهُ فِيهِ، انْتَهَى. مِنْ الْمُتَيْطِيَّةَ [فَرْعٌ عُزِلَ الْقَاضِي ثُمَّ وُلِّيَ بَعْدَ مَا عُزِلَ] (فَرْعٌ) ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ الْقَاضِي مِنْ رِوَايَتِهِ: إذَا عُزِلَ الْقَاضِي ثُمَّ وُلِّيَ بَعْدَ مَا عُزِلَ فَهُوَ كَالْمُحْدَثِ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يُعْزَلَ فِيمَا لَمْ يَتِمَّ الْحُكْمُ فِيهِ حَتَّى يَشْهَدُوا بِهِ عِنْدَهُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَكَانَ شَجَرَةٌ وَلِيَ قَضَاءَ بَلْدَةٍ قَبْلَ وِلَايَةِ سَحْنُونٍ ثُمَّ عُزِلَ ثُمَّ وَلَّاهُ سَحْنُونٌ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَا تَرَى فِيمَا وَقَعَ عِنْدِي مِنْ الْبَيِّنَاتِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَمَا كُنْتُ عَقِلْته يَوْمَئِذٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ طَالَ الزَّمَانُ جِدًّا وَأَخَافُ حَوَالَةَ الْبَيِّنَاتِ فَمَا لَمْ تَخَفْ مِنْ هَذَا وَصَحَّ عِنْدَك مَا كُنْتَ عَقِلْته وَلَمْ تَسْتَرِبْ مِنْهُ أَمْرًا فَامْضِهِ، انْتَهَى. وَقَوْلُ سَحْنُونٍ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ الْقَوْلِ الَّذِي قَدَّمَهُ، قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتِهَا لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الْمَعْزُولُ: مَا فِي دِيوَانِي قَدْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا أَرَاهُ شَاهِدًا فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَمَرَهُمْ الْقَاضِي الْمُحْدَثُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلِلطَّالِبِ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَطْلُوبَ بِاَللَّهِ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ الَّتِي فِي دِيوَانِ الْقَاضِي مَا شَهِدَ بِهَا أَحَدٌ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ ثُمَّ نَظَرَ فِيهَا الَّذِي وَلِيَ بِمَا كَانَ يَنْظُرُ الْمَعْزُولُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عِيَاضٌ: أَفَادَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءَ الْقَاضِي عَلَى حُكْمِ مَنْ قَبْلَهُ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَالِابْتِدَاءُ النَّظَرُ، وَكَذَلِكَ إذَا انْتَقَلَ مِنْ خُطَّةِ حُكْمٍ إلَى خُطَّةِ حُكْمٍ وَقَدْ كَانَ نَظَرَ فِي صَدْرِ الْخُصُومَةِ فِي الْخُطَّةِ الْأُولَى وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقُرْطُبِيِّينَ وَرَأَى غَيْرُهُمْ اسْتِئْنَافَ النَّظَرِ وَلَا وَجْهَ لَهُ، انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَنَصُّهُ إثْرَ قَوْلِ الْعُتْبِيَّة: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي بِكِتَابٍ مِنْ وَالِي مَكَّةَ إلَى وَالِي الْمَدِينَةِ مِثْلُ الْقَاضِي وَالْأَمِيرِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا يَصِلُ إلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَمُوتَ الَّذِي كَتَبَ لَهُ الْكِتَابَ وَقَضَى لَهُ بِالْحَقِّ، قَالَ مَالِكٌ: فَأَرَى لِصَاحِبِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُنَفِّذَ ذَلِكَ الْكِتَابَ وَيَقْضِي لَهُ بِمَا فِيهِ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَاضِيًا قَضَى لِرَجُلٍ ثُمَّ هَلَكَ فَجَاءَ آخَرُ بَعْدَهُ أَكَانَ يَنْقُضُ مَا قَضَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى الْأُصُولِ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهِمَا لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَلَا إشْكَالَ فِي مَعْنَاهَا. ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَفِّذَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ قَضَاءِ حُكَّامِ الْبَلَدِ وَإِنْ قَدْ كَانُوا مَاتُوا أَوْ عُزِلُوا كَمَا يَعْتَقِدُ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ قَضَاءِ الْحَاكِمِ قَبْلَهُ بِبَلَدِ الْمَيِّتِ أَوْ الْمَعْزُولِ وَجَبَ أَنْ تُنَفَّذَ كُتُبُهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ مَاتُوا أَوْ عُزِلُوا قَبْلَ وُصُولِ كُتُبِهِمْ إلَيْهِ وَقَبْلَ انْفِصَالِهَا عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيَصِلُ حُكْمَهُ بِحُكْمِهِمْ وَيُبَيِّنُهُ عَلَيْهِ كَمَا يُنَفِّذُ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَضَى مِنْ عَمَلِ الْحَاكِمِ قَبْلَهُ الْمَعْزُولِ أَوْ الْمَيِّتِ فَيَصِلُ حُكْمَهُ بِحُكْمِهِ وَيَبْنِيهِ عَلَيْهِ وَلَا يَأْمُرُ الْخَصْمَيْنِ بِاسْتِئْنَافِ الْخِصَامِ عِنْدَهُ إنْ كَانَ الشُّهُودُ قَدْ شَهِدُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ أَوْ الْمَعْزُولِ بِمَا شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَتَبَ بِهِ إلَى حَاكِمِ بَلَدٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ نَظَرَ الَّذِي وَلِيَ بَعْدَهُ أَوْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِمَا شَهِدُوا بِهِ كَمَا يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْمَيِّتُ أَوْ الْمَعْزُولُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَهِدُوا عِنْدَهُ فَقَبِلَهُمْ أَعْذَرَ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ دُونَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهَادَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَهِدُوا عِنْدَهُ فَأَعْذَرَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فِيهَا أَمْضَى الْحُكْمَ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْإِعْذَارَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَهَذَا بَيِّنٌ، انْتَهَى. وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ حَيْثُ، قَالَ: فَيُنَفِّذُهُ الثَّانِي وَبَنَى كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ أُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ قُضَاة الْكَوْر إذَا غابو عَنْهَا هَلْ يستنبون بِغَيْرِ إِذْن مِنْ وَلَّاهُمْ] (فَرْعٌ) يَتَضَمَّنُ الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ قُضَاةِ الْكَوْرِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا السُّؤَالُ الْعَاشِرُ فَهُوَ فِي قُضَاةِ الْكَوْرِ كَغُدَّةَ وَجَيَّانَ وَوَادِي آشٍ وَأَشْبَاهِهَا يَغِيبُونَ عَنْهَا أَوْ يَمْرَضُونَ أَوْ يَشْتَغِلُونَ هَلْ يَسْتَنِيبُونَ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ وَلَّاهُمْ مِنْ قُضَاةِ

مسألة شخص ولاه السلطان بلدا وأعمالها وصرح له بالإذن في الاستخلاف

الْقَوَاعِدِ وَكَيْفَ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا مَغِيبٍ إلَّا تَخْفِيفًا عَنْ شُعُوبِ النَّاسِ فَهَلْ تَجُوزُ أَحْكَامُهُمْ وَمُخَاطَبَتُهُمْ غَيْرَهُمْ مِنْ قُضَاةِ الْبَلَدِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ ضَرْبُ الْآجَالِ أَوْ التَّعْجِيزِ فِي الْمَطَالِبِ وَهَلْ يُقِيمُونَ الْحَدَّ فِي الْخَمْرِ وَفِي الزِّنَا عَلَى الْبِكْرِ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ قُضَاةِ الْقَوَاعِدِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فَكَيْفَ يُعْرَفُ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ بِإِذْنِ قَاضِي الْكُورَةِ أَمْ بِإِعْلَامِ الَّذِي وَلَّاهُ وَهَذَا قَدْ تَتَعَذَّرُ مَعْرِفَتُهُ بَيِّنْ لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بَيَانًا شَافِيًا الْجَوَابُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهُوَ حَاضِرٌ غَيْرُ مَرِيضٍ وَأَمَّا إنْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي قَدَّمَهُ قَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ لَهُ فِي تَقْدِيمِهِ إيَّاهُ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ سِيرَةِ أَحْكَامِهِ فِي الْكَوْرِ وَيَنْزِلُ مُسْتَخْلِفُهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ مَنْزِلَتَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ كِتَابَ تَقْدِيمِهِ إيَّاهُ وَلَا كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا مِنْ سِيرَةِ أَحْكَامِهِ فِي الْكَوْرِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِي مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ صُدِّقَ فِي قَوْلِهِ وَجَازَتْ أَحْكَامُ مُسْتَخْلِفِهِ إذْ قَدْ قِيلَ إنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ دُونَ إذْنِ الَّذِي قَدَّمَهُ مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَقَبِلَهُ (قُلْتُ) قُضَاةُ الْكَوْرِ هُمْ النُّوَّابُ الَّذِينَ يَسْتَخْلِفُهُمْ قُضَاةُ الْقَوَاعِدِ فِي الْقُرَى وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ غَيْرُ مَرِيضٍ يُرِيدُ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُسَافِرْ جَازَتْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَوَّلَ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ وَمَنَعَهَا عَلَى إذْنِ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ دُونَ ضَرُورَةِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْ وَلَّاهُ وَمُنِعَ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَوْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِذْنِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ حُكْمُ النُّوَّابِ مَعَ مَنْ اسْتَنَابَهُمْ حُكْمَ الْقُضَاةِ مَعَ السُّلْطَانِ فَإِنْ مَنَعَهُمْ الَّذِي قَدَّمَهُمْ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاسْتِنَابَةُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَجَازَ لَهُمْ الِاسْتِنَابَةَ جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبُوا عَلَى مُقْتَضَى الْإِذْنِ فَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ مُطْلَقًا جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَإِنْ عَرِيَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَنْ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاسْتِنَابَةُ مُطْلَقًا وَقِيلَ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ عِنْدَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة شَخْصٌ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ بَلَدًا وَأَعْمَالَهَا وَصَرَّحَ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي الِاسْتِخْلَافِ] (مَسْأَلَةٌ) ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ: لَفْظُ الِاسْتِنَابَةِ وَالِاسْتِخْلَافِ يَقْتَضِي النَّظَرَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إلَّا مَا نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ فِي الْوَصَايَا وَالْأَحْبَاسِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّحْجِيرِ وَالْقَسْمِ وَالْمَوَارِيثِ إلَّا أَنْ يَقْصُرَهُ الْقَاضِي عَلَى نَوْعٍ فَلَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ شَخْصٌ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ بَلَدًا وَأَعْمَالَهَا وَصَرَّحَ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَعَرَضَ لِلْقَاضِي الْمُشَاوَرُ إلَيْهِ سَفَرٌ إلَى بَلَدِ السُّلْطَانِ فَفَوَّضَ جَمِيعَ مَا فَوَّضَهُ لَهُ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ وَأَسْنَدَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي وِلَايَتِهِ وَمَشْمُولٌ بِعُمُومِهَا وَصَرَّحَ لَهُ بِالتَّفْوِيضِ وَنَصَبَ النُّوَّابَ وَالْعَزْلَ فَأَقَامَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ قَاضِيًا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ الْمَشْرُوحِ، فَهَلْ اسْتِنَابَةُ الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ الْمُفَوَّضِ لَهُ لِهَذَا الْقَاضِي صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟ . وَإِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَهَلْ يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِنَقْضِ أَحْكَامِ هَذَا الْقَاضِي الْمُشَارِ إلَيْهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ بِمَا نَصُّهُ: قَدْ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الْقَضَاءَ وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ جَازَ ذَلِكَ وَعُمِلَ بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَجَرَّدَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَنْ إذْنِ الِاسْتِخْلَافِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِخْلَافٌ فَقَالَ شَارِحُهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى عَدَمِهِ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقَاضِي: إنْ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْلَافِهِ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ

فرع استنابة القاضي بغير عمله

لَفْظٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ اسْتِخْلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ اسْتِخْلَافًا عَلَى نَفْسِ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ أَوْ اسْتِخْلَافًا عَلَى تَوْلِيَةِ وَظِيفَةِ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْفِعْلِ عُرْفًا وَكَوْنُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْفِعْلِ عُرْفًا لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ لِلْعَامِّ هُوَ الْقَوْلُ لَا الْفِعْلُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ عُمُومُهُ فَحَيْثُ فَوَّضَ الْإِمَامُ إلَى الْقَاضِي الْقَضَاءَ وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ كَانَ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ إذْنًا لَهُ فِي اسْتِخْلَافِ مَنْ يُبَاشِرُ الْقَضَاءَ وَالْحُكْمَ لِمَنْ يَصْلُحُ شَرْعًا فَإِذَا فَوَّضَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ لِإِنْسَانٍ مَا فَوَّضَهُ لَهُ السُّلْطَانُ مِنْ الْقَضَاءِ وَمِنْ الِاسْتِخْلَافِ الْمَذْكُورِ كَانَ هَذَا التَّفْوِيضُ مِنْ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ لِذَلِكَ الْإِنْسَانِ فِي الْقَضَاءِ وَالِاسْتِخْلَافِ صَحِيحًا مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِذَا اسْتَخْلَفَ هَذَا الْإِنْسَانُ فِي وَظِيفَةِ الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ شَرْعًا كَانَ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ صَحِيحًا مُعْتَبَرًا مَعْمُولًا بِهِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ فَأَقْضِيَةُ هَذَا الْمُسْتَخْلَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ صَحِيحَةٌ وَأَحْكَامُهُ نَافِذَةٌ لَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهَا بِنَقْضٍ وَلَا تَعَقُّبٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى جَوَابُهُ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ. [فَرْعٌ اسْتِنَابَةِ الْقَاضِي بِغَيْرِ عَمَلِهِ] (فَرْعٌ) فِي اسْتِنَابَةِ الْقَاضِي بِغَيْرِ عَمَلِهِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: سَأَلْت شَيْخَنَا الْإِمَامَ عَنْ مَسْأَلَةٍ نَصُّهَا جَوَابُكُمْ فِي قَاضِي عِمَالَةٍ سَافَرَ إلَى غَيْرِهَا وَقَدْ كَانَ الْمَقَامُ الْعَالِي - أَسْمَاهُ اللَّهُ - أَذِنَ لَهُ فِي النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي عِمَالَتِهِ بِخِلَالِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهَا فَسَافَرَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَسْتَنِبْ وَقَدْ كَانَ بَدَأَ الْحُكْمَ فِي قَضِيَّةِ تَدْمِيَةٍ بِشَهَادَةِ عُدُولٍ وَلَمْ يُكْمِلْهَا فَرَغِبَهُ بَعْدَ سَفَرِهِ الْمَذْكُورِ أَهْلُ الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا حَتَّى يُكْمِلَ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ بِغَيْرِ عِمَالَتِهِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِيهَا مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَحُكْمِهِ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، وَكَيْفَ إنْ سَوَّغْتُمْ لَهُ الْإِذْنَ فَهَلْ يَكْفِي خَطُّهُ لِمَنْ اسْتَنَابَهُ وَعَيَّنَهُ لِذَلِكَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِنَابَةِ الْمَذْكُورَةِ بِغَيْرِ عِمَالَتِهِ؟ فَإِنْ اسْتَنَابَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ كَانَ شَهِدَ عِنْدَهُ الْعُدُولُ فِي التَّدْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ فُصُولِهَا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْمَيِّتَ الْمَذْكُورَ بَرِئَ مِنْ الْجُرْحِ الْمَذْكُورِ إلَى أَنْ مَاتَ فَشَهِدَ عِنْدَ النَّائِبِ عَنْهُ شُهُودُ اسْتِرْعَاءٍ زَكَّاهُمْ عُدُولٌ بِأَنَّ الْمَيِّتَ الْمَذْكُورَ مَاتَ عَنْ صِحَّةٍ بَيِّنَةٍ لَيْسَ مِنْ جُرْحٍ بِحَالٍ فَهَلْ يُعْمَلُ عَلَى هَذِهِ الثَّانِيَةِ لِكَوْنِهَا أَثْبَتَتْ غَيْرَ مَا ذَكَرَتْهُ الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى أَعْدَلَ أَمْ لَا فَإِنْ عَمِلَ عَلَى الثَّانِيَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَدَبٌ أَوْ يُسَرَّحُ وَإِنْ حُكِمَ بِأَدَبِهِ فَهَلْ يَكْفِي مَا مَضَى مِنْ سَجْنِهِ وَلَهُ الْيَوْمُ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَسْجُونٌ مُصَفَّدٌ فِي الْحَدِيدِ أَمْ لَا أَفْتِنَا بِالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ. فَأَجَابَ: الِاسْتِنَابَةُ الْمَذْكُورَةُ صَحِيحَةٌ عَامِلَةٌ وَلَا يَدْخُلُهَا الْخِلَافُ الْحَاصِلُ مِنْ نَقْلِ ابْنِ سَهْلٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ أَقْرَبُ لِلْحُكْمِ مِنْ مُجَرَّدِ الِاسْتِنَابَةِ وَيَقُومُ جَوَازُهَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعَرِيشِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَثُبُوتِ الْبَيِّنَةِ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَسْقُطُ حَدُّ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ وَتَقَدُّمُ حَبْسِهِ الْمَذْكُورِ يُسْقِطُ اسْتِئْنَافَ أَدَبِهِ وَيَكْفِي فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى جَوَابُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ أَخَفُّ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ يَشْهَدُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا خَطُّ الْقَاضِي وَقَبُولُ قَوْلِهِ إنْ وَقَعَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَقُومُ جَوَازُهَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعَرِيشِ هِيَ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً مِنْ رَجُلٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا دُهْنًا مِنْ مِصْرَ إلَى فِلَسْطِينَ فَغَرَّهُ مِنْهَا فَعَثَرَتْ بِالْعَرِيشِ ضَمِنَ قِيمَةَ الدُّهْنِ بِالْعَرِيشِ وَقَالَ غَيْرُهُ: قِيمَتُهُ بِمِصْرَ إنْ أَرَادَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا تَعَدَّى (قُلْتُ) فَإِذَا اُعْتُبِرَ عَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ مَحَلُّ الْإِذْنِ فَهَلْ مَحَلُّ الْقَاضِي هُنَا فَلَا يَسْتَنِيبُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَمَنْ اعْتَبَرَ مَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ وَهُوَ وُقُوعُ الْعُثُورِ فَيُنْظَرُ تَحْصِيلُهُ فَمَتَى مَا حَصَلَ رُتِّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إعْمَالِ شَهَادَةِ الصِّحَّةِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ مِنْ مَسَائِلَ، مِنْهَا شَهَادَةُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَيَلِيهَا الْحُكْمُ لِلْأَعْدَلِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا مَضَى يَكْفِي فِي أَدَبِهِ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِّ عَلَى مَا يَأْتِي إذَا سَقَطَ الدَّمُ بِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَ فَيُؤَدَّبُ بِحَسَبِ

فرع استعانة القاضي بمن يخفف عنه النظر في الأحباس والوصايا وأموال اليتامى

الِاجْتِهَادِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّنَةَ خِلَافَ اخْتِيَارِ ابْنِ رُشْدٍ إذَا قَوِيَ طَلَبُ الدَّمِ ثُمَّ سَقَطَ الْمُوجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ ضَرْبِ مِائَةٍ وَحَبْسِ سَنَةٍ، انْتَهَى. كَلَامُ الْبُرْزُلِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ هُوَ مَا نَصَّهُ وَسُئِلَ عَمَّنْ يَسْتَنِيبُهُ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ هَلْ يَكْتَفِي الْمُسْتَنَابُ بِخَطِّهِ إلَى أَمِيرِ الْمِصْرِ أَوْ جَمَاعَتِهِ كَمَا يَكْتَفِي بِخَطِّ السُّلْطَانِ فِي التَّقْلِيدَاتِ كُلِّهَا حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ إذْ هِيَ اسْتِنَابَةٌ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِشَاهِدَيْنِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكْتَفِي فِيهِ بِأَيْسَرِ الْأَشْيَاءِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَشَبَهِهِ إذْ لَمْ يَقْتَضِ حُكْمًا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ وَلَوْ نَهَضَ الْمُسْتَنَابُ لِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ لَمَضَى الْأَمْرُ كَمَا لَوْ كَانَ الْكِتَابُ (قُلْتُ) شِبْهُ مَا لَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَيَقَعُ فِي نُسَخِ الْبُرْزُلِيِّ كَمَا يَكْتَفِي بِخَطِّ السُّلْطَانِ فِي الشَّهَادَاتِ وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّقْلِيدَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَمَسْأَلَةُ الْعَرِيشِ فِي كِتَابِ كِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِهِ وَفِلَسْطِينُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْعَرِيشُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعٌ، قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ اسْتِعَانَةُ الْقَاضِي بِمِنْ يُخَفِّفُ عَنْهُ النَّظَرَ فِي الْأَحْبَاسِ وَالْوَصَايَا وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِمِنْ يُخَفِّفُ عَنْهُ النَّظَرَ فِي الْأَحْبَاسِ وَالْوَصَايَا وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَبْطِنَ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى مَا هُوَ بِسَبِيلِهِ وَيَقْوَى بِهِمْ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى مَا يَنُوبُهُ وَيُخَفِّفُوا عَنْهُ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ كَالنَّظَرِ فِي الْأَحْبَاسِ وَالْوَصَايَا وَالْقِسْمَةِ وَأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِهِمْ فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِلَّا فَمُسْتَحَبٌّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى الْمَنَاكِحِ نَاظِرًا يَنْظُرُ فِيهَا وَيَتَوَلَّى عَقْدَ فُصُولِهَا وَمَعَانِيهَا وَيَجُوزُ لَلْمُقَدَّمِ النَّظَرُ فِيمَا قُدِّمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَ مُطَالَعَةِ مَنْ وَلَّاهُ وَمُشَاوِرَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ، قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَلَا مَدْخَلَ لِهَذَا الْمُقَدَّمِ عِنْدِي فِي الْعَقْدِ عَلَى مَنْ لَهَا وَلِيٌّ حَاضِرٌ يَعْضُلُهَا عَنْ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِ عَضْلِهَا وَالْحُكْمِ بِالنِّكَاحِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِعَضْلِهِ وَجْهٌ يُعْرَفُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْخُطَّةِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي تَقْدِيمِهِ نَصًّا وَمِنْهُ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى الْحِسْبَةِ نَاظِرًا يَنْظُرُ فِيهَا وَلِلْقَاضِي تَقْدِيمُ صَاحِبِ الْأَحْبَاسِ لِيَنْظُرَ فِي حَبَسَاتِ جَامِعِ حَضْرَتِهِ وَمَسَاجِدِهَا وَإِصْلَاحِ مَا هِيَ مِنْهَا وَكِرَائِهَا وَقَبْضِ غَلَّاتِهَا وَيَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِهَا وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا غِنَى عَنْهَا وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ مَا يُنْظَرُ فِيهِ وَيُقَدَّمُ لَهُ وَتَجُوزُ أَفْعَالُ الْمُقَدَّمِ بِذَلِكَ مَا وَافَقَ السَّدَادَ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِغَيْرِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْإِمَامِ الْأَكْبَرِ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ مَعَهُ عَزْلَهُ فَلَهُ أَنْ يُوَصِّيَ بِهِ وَيَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ كَالْخَلِيفَةِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُجْبَرِ يَعْنِي فِي النِّكَاحِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِمَامِ الصَّلَاةِ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا عَلَى وَجْهٍ يَمْلِكُ مَعَهُ عَزْلَهُ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ كَالْقَاضِي وَالْوَكِيلِ وَلَوْ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ أَوْ خَلِيفَةَ الْقَاضِي لِلْأَيْتَامِ وَشِبْهَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْوَاضِحَةِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: وَإِمَامِ الصَّلَاةِ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ عَزْلَهُ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ فِي الْعَزْلِ مَا نَصُّهُ: الْفَرْعُ السَّابِعُ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْوِلَايَةِ كَالْقَضَاءِ وَالْوَكَالَةِ وَالْخِلَافَةِ وَمِنْهَا مَا يَصِحُّ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ كَالْخَطَابَةِ وَالْإِمَامَةِ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَقْبَلُ الْعَزْلَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَلِّي وَالْمُتَوَلِّي، وَالْقِسْمُ الثَّانِي لَا يَقْبَلُ الْعَزْلَ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُتَوَلِّي بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمُوَلِّي؛ لِأَنَّ الْخَطَابَةَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْمُتَّصِفِ بِهَا حَتَّى تَذْهَبَ أَهْلِيَّتُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ لَا تَكْفِي فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ فَلِعَزْلِهِ نَفْسَهُ أَثَرٌ فَكَانَ مُتَمَكِّنًا وَأَمَّا مَا يُطْلَقُ لِلْخَطِيبِ فَتَرْكُهُ إيَّاهُ

لَيْسَ عَزْلًا وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْخَلِيفَةِ فِي نَصْبِ الْخَطِيبِ إلَّا تَسْوِيغُهُ الْمُطْلَقُ لِلْخَطَابَةِ لَا أَنَّهُ يُفِيدُهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَمَنْعَ الْمُزَاحَمَةِ لِلْخَطِيبِ وَالْإِمَامِ بَعْدَ الْوِلَايَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ وِلَايَةً إنَّمَا هُوَ مِنْ صَوْنِ الْأَئِمَّةِ عَنْ أَسْبَابِ الْفِتَنِ وَالْفَسَادِ وَيَظْهَرُ لِهَذَا الْبَحْثِ أَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِي الْخَطِيبِ سَبَبُ الْوِلَايَةِ وَفِي الْقَاضِي وَنَحْوِهِ الْوِلَايَةُ سَبَبُهُ فَبَيْنَ الْبَابَيْنِ فَرْقٌ عَظِيمٌ فَلِذَلِكَ يَقْبَلُ أَحَدُهُمَا الْعَزْلَ مُطْلَقًا دُونَ الْآخَرِ، انْتَهَى. وَفِي أَسْئِلَةِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا تَقُولُ فِي الِائْتِمَامِ بِالْمُسْتَخْلِفِ فِي الْإِمَامَةِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ، هَلْ يَجُوزُ (فَأَجَابَ) الِائْتِمَامُ بِالْمُسْتَخْلِفِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الِائْتِمَامَ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْقَضَاءِ فَجَازَ الِائْتِمَامُ بِهِ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ أَنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ بِمَا إلَيْهِ وَأَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي حَيَاتِهِ، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ أَنْ يُوَكِّلَ - مَا جُعِلَ إلَيْهِ - أَحَدًا غَيْرَهُ حَيٌّ أَوْ مَاتَ وَلَا أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ: وَصِيّ الْأَبِ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَحَكَى بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ أَنَّ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ إنَّ حُكْمَ مُقَدَّمِ الْقَاضِي عَلَى مَنْ قُدِّمَ عَلَيْهِ كَحُكْمِ الْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْوَصِيِّ، قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ يَقُومُ عَلَى الْمَحْجُورِ مَقَامَهُ، انْتَهَى. ص (وَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَخْلِفُ لَمْ يَنْعَزِلْ مُسْتَخْلَفُهُ وَلَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُسْتَخْلِفُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَمُسْتَخْلَفٍ

بِفَتْحِهَا وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ فَيَتَنَاوَلُ الْإِمَامَ وَالْأَمِيرَ وَالْقَاضِيَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا عَدَا الْقَاضِي وَنَائِبِهِ فَإِنَّ نَائِبَ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي نَصَّ عَلَيْهِ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْعَطَّارِ الْخِلَافَ عَنْ فُقَهَاءِ زَمَانِهِ فِي مَوْتِ الْإِمَامِ وَجَعَلُوا مِثْلَهُ مُقَدَّمَ الْقَاضِي لِلنَّظَرِ عَلَى الْأَيْتَامِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَعَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَنَصُّهُ: الْمُتَيْطِيِّ وَلَا يَنْعَزِلُ مُقَدَّمُ الْقَاضِي عَنْ يَتِيمٍ بِمَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ ابْنُ الْعَطَّارِ اخْتَلَفَ فِيهَا فُقَهَاؤُنَا وَلِذَا اسْتَحْسَنُوا ذِكْرَ إمْضَاءِ الثَّانِي تَقْدِيمَهُ، انْتَهَى. وَنَصُّ الْمُتَيْطِيَّةِ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى تَقْدِيمِ الْقَاضِي نَاظِرُ الْأَحْبَاسِ وَإِذَا مَاتَ الْقَاضِي الْمُقَدَّمُ لَهُ أَوْ عُزِلَ فَتَقْدِيمُهُ تَامُّ حَتَّى يَنْقُضَهُ الْوَالِي الَّذِي بَعْدَهُ لِعِلَّةٍ مَا إمَّا لِاسْتِغْنَاءٍ أَوْ لِرِيبَةٍ تَظْهَرُ مِنْ الْمُقَدَّمِ وَلَيْسَ يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا يَدْفَعُهُ مِنْ النَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَعْزِلَ الْوَالِي الثَّانِي أَنَّ الْوَالِيَ أَمْضَاهُ إذْ لَيْسَ يَنْفَسِخُ تَقْدِيمُ قَاضٍ بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ حَتَّى يَنْقُضَهُ الْوَالِي بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ عَنْ فَسْخِهِ وَعَزْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمُفْتِيَ أَوْ الْمَعْزُولَ قَدَّمَهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ التَّقْدِيمُ فَذَلِكَ عَلَى التَّمَامِ حَتَّى يَنْقُضَهُ الْوَالِي بَعْدَهُ لِعِلَّةٍ مَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَقْدِيمُهُ مِنْ نَظَرِ أَحْكَامِهِ الَّتِي لَا تُنْقَضُ بِمَوْتِهِ وَلَا بِعَزْلِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْإِمَامُ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ وَقَدْ قَدَّمَ قُضَاةً وَحُكَّامًا، فَأَقْضَيْتُهُمْ نَافِذَةٌ وَأَحْكَامُهُمْ جَائِزَةٌ فِيمَا بَيْنَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَقِيَامِ الثَّانِي وَكَذَا بَعْدَ قِيَامِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُنَفِّذَ لَهُمْ الْوِلَايَةَ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ وُلَاةِ الْأَيْتَامِ يُقَدِّمُهُمْ الْقَاضِي ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُعْزَلُ، فَتَقْدِيمُهُ لَهُمْ مَاضٍ وَفِعْلُهُمْ جَائِزٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُمْضِيَهُ الْقَاضِي الَّذِي وَلِيَ بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَنَزَلَتْ عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ فِيهَا فُقَهَاؤُنَا وَفِيهَا اخْتِلَافٌ، قَدْ قِيلَ إنَّ أَحْكَامَهُمْ فِي الْفَتْرَةِ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَيُنْقَضُ مَا حَكَمُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْضِيَ الْإِمَامُ الْقَائِمُ تَقْدِيمَهُمْ وَوِلَايَتَهُمْ، قَالَ: وَتَنْعَقِدُ عِنْدَهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فِي أَمْرِ الْمُقَدَّمِينَ لِلْأَيْتَامِ أَنْ يَذْكُرَ إمْضَاءَ الْقَاضِي الثَّانِي لِلتَّقْدِيمِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَيُوجَدُ هَذَا الْعَقْدُ فِي الْوَثَائِقِ الْقَدِيمَةِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ الشُّيُوخُ قَدِيمًا عَقْدَهُ إلَّا لِلِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهِ فَيَخْرُجُ بِذِكْرِهِ مِنْ الْخِلَافِ، قَالَ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّ أَحْكَامَ الْحُكَّامِ نَافِذَةٌ قَبْلَ إمْضَاءِ الْإِمَامِ الْوَالِي لِوِلَايَتِهِمْ أَحْسَنُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعِنْدِي أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ انْعِزَالِ نَائِبِ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْقَاضِي صَحِيحٌ إنْ كَانَ الْقَاضِي اسْتَنَابَهُ بِمُقْتَضَى الْوِلَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ اسْتَنَابَ رَجُلًا مُعَيَّنًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ الْأَمِيرِ أَوْ الْخَلِيفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَزِلَ ذَلِكَ النَّائِبُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّيَابَةِ إذْنًا مُطْلَقًا فَاخْتَارَ الْقَاضِي رَجُلًا فَفِي انْعِزَالِهِ بِمَوْتِ الْقَاضِي نَظَرٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ نَائِبِ الْقَاضِي فِي انْعِزَالِهِ وَبَيْنَ نَائِبِ الْأَمِيرِ فِي عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ فَضْلٌ وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ أَمِيرِ مَدِينَةٍ كَتَبَ إلَى الْأَمِيرِ الْأَعْلَى فِي تَقْدِيمِ قَاضٍ وَعَيَّنَ رَجُلًا فَكَتَبَ إلَيْهِ بِتَوْلِيَتِهِ فَفَعَلَ وَكَتَبَ لَهُ صَكًّا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى أَمْرِ الْأَمِيرِ الْأَعْلَى فَحَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ وَلَّى صَاحِبَ مُنَاكِحٍ فَحَكَمَ بِطُولِ حَيَاةِ الْقَاضِي وَهُوَ يَعْلَمُ الْأَمِيرَ فَمَاتَ الْقَاضِي وَبَقِيَ صَاحِبُ الْمَنَاكِحِ عَلَى خُطَّتِهِ وَطَرِيقَتِهِ مِنْ شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ عِنْدَهُ وَالْإِعْلَامِ بِذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ لِلنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَهَلْ تُحْتَرَمُ أَحْكَامُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْقَاضِي أَوْ تُفْسَخُ فَأَجَابَ لَا تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى خُطَّتِهِ حَتَّى يَعْزِلَهُ مَنْ وَلِي بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَفِعْلُهُ جَائِزٌ صَحِيحٌ (قُلْتُ) ؛ لِأَنَّ مَنْ وَلَّى الْقَاضِي الْأَوَّلُ مُطَّلِعٌ عَلَى تَقْدِيمِ هَذَا فَكَأَنَّهُ قَدَّمَهُ، وَمِثْلُهُ مُقَدَّمُ الْقَاضِي عَلَى مَحْجُورِهِ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَالْمُقَدَّمُ عَلَى حَالِهِ لَا يُغَيَّرُ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي فِي غَيْرِهِ وَتَقَرَّرَ حُكْمُهُ فِيهِ فَإِنَّهُ مَاضٍ لَا يُغَيِّرُهُ عَزْلُهُ وَلَا مَوْتُهُ، انْتَهَى. وَفِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَمِنْ حَقِّ الْوَصِيِّ إذَا عَزَلَهُ غَيْرُ الَّذِي قَدَّمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ الْقَاضِي الَّذِي عَزَلَهُ الْوَجْهَ

الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ عَزَلَهُ وَأَنْ يُعْذِرَ إلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ عَزْلَهُ إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ إلَّا بِأَمْرٍ يَثْبُتُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَأَمَّا إنْ عَزَلَهُ الَّذِي وَلَّاهُ فَإِنْ كَانَ عَزْلُهُ بِأَمْرٍ رَآهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَزْلُهُ لِجُرْحَةٍ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ عَلَيْهِ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَعْتَذِرَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ عَزَلَ الْوَصِيُّ نَفْسَهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْيَتِيمِ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ فِيهِ فِي أَوَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَزَلَ الْقَاضِي مَنْ قَدَّمَهُ غَيْرَهُ مِنْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَعَزَلَ نَفْسَهُ. ص (وَتَحْكِيمِ غَيْرِ خَصْمِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ حَكَّمَ خَصْمَهُ فَثَالِثُهَا يَمْضِي مَا لَمْ يَكُنْ الْمُحَكِّمُ الْقَاضِيَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ صَحِيحَةٌ حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ مَاضٍ وَحَكَى بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَمْضِي لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى نَفْيِ الْخِلَافِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَجَزَمَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ بِالْجَوَازِ فَقَالَ: مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا حَكَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ فَحَكَمَ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا جَازَ وَمَضَى مَا لَمْ يَكُنْ جَوْرًا بَيِّنًا وَلَيْسَ تَحْكِيمُ الشَّخْصِ خَصْمَهُ كَتَحْكِيمِ خَصْمِ الْقَاضِي، قَالَ أَصْبَغُ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَلْيَذْكُرْ فِي حُكْمِهِ رِضَاهُ بِالتَّحَاكُمِ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ فَرْحُونٍ جَازَ وَمَضَى هَلْ مَعْنَاهُ جَازَ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ فَتَأَمَّلْهُ ص (وَجَاهِلٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ إلَى أَنَّ الْجَاهِلَ يَتَّفِقُ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُ خَطَرٌ وَغَرَرٌ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ حُكْمُ الْمُحَكِّمِ إذَا كَانَ مَالِكِيًّا وَالْخَصْمَانِ كَذَلِكَ إذَا خَرَجَ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِاجْتِهَادِهِ عَنْ ذَلِكَ لَزِمَ، انْتَهَى. وَفِي التَّبْصِرَةِ لِابْنِ فَرْحُونٍ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ إذَا كَانَ الْمُحَكِّمُ عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَوْ عَامِّيًّا وَاسْتَرْشَدَ الْعُلَمَاءُ فَإِنْ حَكَمَ وَلَمْ يَسْتَرْشِدْ رُدَّ وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ قَائِلٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَخَاطُرٌ مِنْهُمَا وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يُحَكَّمُ إلَّا مَنْ يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ الْمُحَكِّمُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ مَالِكِيًّا وَلَمْ يَخْرُجْ بِاجْتِهَادِهِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ لَزِمَ حُكْمُهُ وَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَلْزَمْ إذَا كَانَ الْخَصْمَانِ مَالِكِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُحَكِّمَاهُ عَلَى أَنْ يُخَرِّجَ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا شَافِعِيَّيْنِ أَوْ حَنَفِيَّيْنِ وَحَكَّمَاهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ حُكْمُهُ إنْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ آخِرَ كَلَامِهِ مَعَ أَوَّلِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَخِيرَ مُقَيِّدٌ لِلْأَوَّلِ وَظَاهِرُهُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مَالِكِيًّا وَلَمْ يُخَرِّجْ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ لَزِمَ حُكْمُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمَانِ كَذَلِكَ أَمْ لَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إذَا كَانَ الْخَصْمَانِ مَالِكِيَّيْنِ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا شَافِعِيَّيْنِ وَحَكَمَ

بَيْنَهُمَا بِمَذْهَبِهِمَا وَتَرَكَ مَذْهَبَهُ لَزِمَ حُكْمُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ مَا نَقَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاجْتِهَادِ الِاجْتِهَادُ فِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَا الِاجْتِهَادُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، انْتَهَى. وَفِي الْعُمْدَةِ وَإِذَا حَكَّمَا رَجُلًا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ لَزِمَهُمَا حُكْمُهُ إذَا كَانَ جَائِزًا شَرْعًا وَإِنْ خَالَفَ حُكْمَ الْبَلَدِ بِخِلَافِ التَّحْكِيمِ فِي الشَّهَادَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، انْتَهَى. يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا قَالَ: مَا شَهِدَ بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ حَقٌّ. ص (وَمَضَى إنْ حَكَمَ صَوَابًا وَأُدِّبَ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ سَوَاءٌ أَنَفَّذَ الْحُكْمَ أَمْ لَمْ يُنَفِّذْهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ حَكَمَ بِهِ وَرَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي يُنَفِّذُهُ وَاَلَّذِي حَكَمَ بِهِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ فَرْحُونٍ أَنَّ الْأَدَبَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا أَنْفَذَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا حَكَمَ وَلَمْ يَنْفُذْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُمْضِي حُكْمَهُ وَيَنْهَاهُ عَنْ الْعَوْدَةِ وَنَصُّ مَا فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ أَصْبَغُ: إذَا حَكَمَ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُمْضِي حُكْمَهُ وَيَنْهَاهُ عَنْ الْعَوْدَةِ زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُقِيمُ الْحَدَّ وَغَيْرَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ فَعَلَ الْمُحَكِّمُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ أَوْ اقْتَصَّ أَوْ حَدَّ ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ أَدَبَهُ السُّلْطَانُ وَزَجَرَهُ وَأَمْضَى مَا كَانَ صَوَابًا مِنْ حُكْمِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونٍ وَزَادَ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ الْأَخِيرِ وَبَقِيَ الْمَحْدُودُ مَحْدُودًا وَالتَّدَاعِي مَاضِيًا اهـ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي صَبِيٍّ وَعَبْدٍ إلَخْ) ش تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ ابْنُ رُشْدٍ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَكَّمَا رَجُلًا وَالْمُسْتَثْنَى فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى حَالِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَضَرْبِ خَصْمٍ لَدَّ) ش: قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَ الْخَصْمَ إذَا تَبَيَّنَ لَدَدُهُ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: إذَا تَبَيَّنَ لَدَدُهُ مَعْنَاهُ إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ إذْ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلَيْنِ إذَا اخْتَصَمَا وَلَدَّ أَحَدُهُمَا فَعَرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ الْقَاضِي أَتَرَى أَنْ يُعَاقِبَهُ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ مِنْهُ وَنَهَاهُ فَأَرَى أَنْ يُعَاقِبَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا، قَالَ: لِأَنَّ لَدَدَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِصَاحِبِهِ إذَايَةٌ لَهُ وَإِضْرَارٌ بِهِ وَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُفَّ أَذَى بَعْضِ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ وَيُعَاقِبَ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، فَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي مَنْعُ الْخُصُومِ مِنْهَا: إنَّ الْغَرِيمَ إذَا دَعَا غَرِيمَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ أَدَّبَهُ وَجَرَّحَهُ إنْ كَانَ عَدْلًا فَإِنْ تَغَيَّبَ شَدَّدَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي الطَّلَبِ، وَأُجْرَةُ الرَّسُولِ عَلَى الطَّالِبِ فَإِنْ تَغَيَّبَ الْمَطْلُوبُ وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، اللَّخْمِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْفَخَارِ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَهُمْ الْأَوَّلُ وَانْظُرْ أَحْكَامَ ابْنَ سَهْلٍ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ مَنْ اسْتَهَانَ بِدَعْوَةِ الْقَاضِي أَوْ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُجِبْ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبْرِمُهُ وَيُضْجِرُهُ وَيُحَيِّرُهُ، انْتَهَى. ص (وَعَزْلِهِ لِمَصْلَحَةٍ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَيَجِبُ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ حَالَ قُضَاتِهِ فَيَعْزِلُ مَنْ فِي بَقَائِهِ مَفْسَدَةٌ وُجُوبًا فَوْرًا وَمَنْ يُخْشَى مَفْسَدَتُهُ اسْتِحْبَابًا وَمَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ عَزْلُهُ رَاجِحٌ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا كَانَ فِي الْعَزْلِ مَصْلَحَةٌ لِلْعَامَّةِ أَمَرَ الْإِمَامُ بِالْمُنَادَاةِ إلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامُ أَفْضَلَ مِمَّنْ وَلِي فَلَهُ عَزْلُهُ لِتَوَلِّيَةِ الْأَفْضَلِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ هُوَ دُونَهُ فَلَا يَعْزِلُهُ فَإِنْ عَزَلَهُ فَلَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ (قُلْتُ) فِي عَدَمِ نُفُوذِ عَزْلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى لَغْوِ تَوْلِيَتِهِ غَيْرَهُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ أَحْكَامِ

فرع يستحب للقاضي أن يستقبل القبلة في جلوسه

الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. ص (وَلَمْ يَنْبَغِ إنْ شَهَرَ عَدْلًا بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ) ش: مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ شَهَرَ عَدْلًا أَنَّ غَيْرَ الْمَشْهُورِ عَدَالَتَهُ يُعْزَلُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِيَّةِ وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَنَصُّهُ: وَعَزْلُهُ بِالشِّكَايَةِ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ فِي وُجُوبِهِ بِهَا أَوْ الْكَتْبِ إلَى صَالِحِي بَلَدِهِ لِيَكْشِفُوا عَنْ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا يَجِبُ وَإِلَّا عُزِلَ (ثَالِثُهَا) إنْ وَجَدَ بَدَلَهُ وَإِلَّا فَالثَّانِي لِلشَّيْخِ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ وَمُطَرِّفٍ، انْتَهَى. ص (وَخَفِيفِ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ مَالِكٌ: كَالْخَمْسَةِ الْأَسْوَاطِ وَالْعَشَرَةِ، انْتَهَى. ص (لَا حَدٍّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ الْحُدُودَ وَشِبْهَهَا أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إهَانَةً لَهُ وَاَللَّهُ يَقُولُ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] ، وَقَوْلُهُ وَشِبْهَهَا يَعْنِي التَّعْزِيرَاتِ الْكَثِيرَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ مَا يُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهًا لَهُ، انْتَهَى. . ص (وَجُلُوسٍ بِهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَقْرَبُ فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ الْكَرَاهَةُ وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: الرِّحَابُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنْ الْخُصُومَاتِ، قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: الْمُسْتَحَبُّ الرِّحَابُ الْخَارِجَةُ عَنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ، ثُمَّ قَالَ، قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: يُسْتَحَبُّ جُلُوسُهُ فِي الرِّحَابِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ فَوَافَقَ الْبَاجِيَّ وَاللَّخْمِيَّ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ وَابْنَ رُشْدٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا قَالُوهُ وَيَعْضُدُهُ قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُهُ مِنْ الْقُضَاةِ لَا يَجْلِسُونَ إلَّا فِي الرِّحَابِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ عِنْدَهُ مُقَدَّمٌ، انْتَهَى. [فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ] (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ الْوَرَقَتَيْنِ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَضَاحَكَ مَعَ النَّاسِ، انْتَهَى. ص (بِغَيْرِ عِيدٍ إلَى آخِرِهِ) ش عَدَمُ جُلُوسِهِ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَكَذَلِكَ يَوْمُ شُهُودِ الْمِهْرَجَانِ وَحُدُوثِ مَا يَعُمُّ مِنْ سُرُورٍ أَوْ ضَرَرٍ وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ النَّظَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبُدِئَ بِمَحْبُوسٍ إلَخْ) ش كَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْكَشْفَ عَنْ الشُّهُودِ وَالْمُوَثَّقِينَ فَيَعْرِفُ حَالَ مَنْ لَا يَعْرِفُ

مِنْهُمْ وَيَفْحَصُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ فَمَنْ كَانَ عَدْلًا أَثْبَتَهُ وَمَنْ كَانَ فِيهِ جُرْحَةٌ أَسْقَطَهُ وَأَرَاحَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إذَايَتِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ غَيْرَ الْمَرَضِيِّ يُنَصِّبُهُ لِلنَّاسِ فَإِنَّهَا خَدِيعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَصْمَةٌ فِي شَعَائِرِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَرِّحَ بِعَزْلِ هَؤُلَاءِ وَيُسَجِّلَ عَلَى شَاهِدِ الزُّورِ كِتَابًا مُخَلَّدًا بَعْدَ عُقُوبَتِهِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَشْفُ عَنْ الْمَحْبُوسِينَ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ الشُّهُودَ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ كُلِّهِ عَلَيْهِمْ وَإِذَا وَلِيَ قَضَاءَ غَيْرِ بَلَدِهِ فَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ عُدُولِ الْبَلَدِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، قَالَ: وَيُنَادِي مُنَادٍ يُشْعِرُ النَّاسَ بِاجْتِمَاعِهِمْ لِقِرَاءَةِ سِجِلِّهِ الْمَكْتُوبِ بِوِلَايَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ نَظَرَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ وَالْعَدْلُ أَنْ يَكُونَ فِي وَسْطِ الْبَلَدِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ: إذَا وَلِي قَضَاءَ غَيْرِ بَلَدِهِ يَنْبَغِي لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ بَحْثُهُ عَنْ عُدُولِ الْبَلَدِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بِمَكَانِهِ مَنْ يَعْرِفُ حَالَهُمْ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ حَالِهِمْ وَقَدْ يَفْتَقِرُ فِي حَالَةِ قُدُومِهِ لِلِاسْتِعَانَةِ بِأَحَدِهِمْ (قُلْتُ) وَلِهَذَا الْمَعْنَى كُنْتُ أَفْهَمُ مِنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيتُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ، قَالَ: يَنْبَغِي لِمَنْ هُوَ بِحَيْثِيَّةِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ الشُّورَى فِيمَا يَعْرِضُ مِنْ الْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَسْمَعَ مَا يُذْكَرُ فِي بَعْضِ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِنِيَّةِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَحْكَامَ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ لَا بِنِيَّةِ التَّفَكُّهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سَمَاعِ الْغِيبَةِ وَمَنْعُ ذَلِكَ يُوجِبُ تَعْطِيلَ الْأَحْكَامِ أَوْ تَوْلِيَةَ مَنْ لَا تَحِلُّ تَوْلِيَتُهُ وَلَوْلَا هَذَا مَا صَحَّ ثُبُوتُ تَجْرِيحٍ فِي رَاوٍ وَلَا شَاهِدٍ وَلَا غَيْرِهِ، انْتَهَى. ص (وَنَادَى بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ إلَخْ) ش حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ قَوْلِهِ ثُمَّ وَصِيٍّ وَمَا مَعَهُ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ لِابْنِ فَرْحُونٍ: (تَنْبِيهٌ) وَهَذَا النِّدَاءُ فِي حَقِّ السَّفِيهِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ أَفْعَالَ السَّفِيهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يُوَلِّ عَلَيْهِ أَوْ يَضْرِبْ عَلَى يَدَيْهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ أَفْعَالَهُ مَرْدُودَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، انْتَهَى. ص (وَرَتَّبَ كَاتِبًا عَدْلًا شَرْطًا) ش: اعْلَمْ أَنَّ تَرْتِيبَهُ لِلْكَاتِبِ وَلِلْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ وَالْقَرَافِيَّ جَعَلَاهُ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُهُ عَدْلًا، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي صِفَاتِهِ أَرْبَعَةً، الْعَدْلُ، وَالْعَقْلُ، وَالرَّأْيُ، وَالْعِفَّةُ. وَقَوْلُهُ شَرْطًا كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا مَرَضِيًّا وَهِيَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ، قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْكَاتِبِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقِفُ عَلَى مَا يَكْتُبُ، انْتَهَى. إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ فِي الْجَوَاهِرِ مَا عَزَاهُ لِابْنِ شَاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَعِينُ مَعَ الْقُدْرَةِ إلَّا بِالْعُدُولِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ جَازَ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَسْتَكْتِبُ الْقَاضِي أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَتَّخِذُ قَاسِمًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَبْدًا وَلَا مُكَاتَبًا وَلَا يَسْتَكْتِبُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْعُدُولَ الْمَرْضِيِّينَ فَلَعَلَّ هَذَا مَعَ الِاخْتِيَارِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ: هَذَا إذَا وُجِدَ وَإِلَّا الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّ عَدَالَةَ الْكَاتِبِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لَكِنْ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَبْعُدُ حَمْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى الْوُجُوبِ، انْتَهَى. هَذَا كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا نَظَرُ الْقَاضِي فِيمَا يَكْتُبُهُ فَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ: إنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اطِّلَاعِ الْقَاضِي عَلَى مَا يَكْتُبُهُ فَيَجْلِسُ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَكْتُبُ وَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ أَشْيَاخِي وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَاهَدَ مَا يَكْتُبُ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَمْرٍ تَيَقَّنَهُ وَإِذَا عَوَّلَ عَلَى الْكَاتِبِ الْعَدْلِ اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرٍ مَظْنُونٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُحَقَّقِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِهِ:

مسألة الحاكم إذا وجد عقد الوثيقة خطأ

وَرَجَّحَ بَعْضُ أَشْيَاخِي وُجُوبَ ذَلِكَ وَكَذَا فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نَظَرِهِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا نَظَرَ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَتَرَدَّدَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ وَمَالَ إلَى الْوُجُوبِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَوَظِيفَةُ الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ مَا وَقَعَ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ الْخُصُومِ. [مَسْأَلَة الْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ عَقْدَ الْوَثِيقَةِ خَطَأً] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ نَصْبٌ وَلِلْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ عَقْدَ الْوَثِيقَةِ خَطَأً أَنْ يَقْطَعَهُ وَيُؤَدِّبَ الْكَاتِبَ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. مِنْ فَوَائِدِ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ الْأَقْفَهْسِيِّ، انْتَهَى كَلَامُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ (فَائِدَةٌ) مَا يُكْتَبُ فِيهِ يُسَمَّى الْقِمَطْرَ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَالْقِمَطْرَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ ثُمَّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الزِّمَامُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ التِّذْكَارُ وَقَدْ يُسَمَّى زِمَامَ الْقَاضِي، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُزَكٍّ) ش: أَيْ: وَكَذَا يُرَتِّبُ مُزَكِّيًا عَدْلًا وَلَا كَلَامَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ هُنَا وقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ: فِي كَوْنِهِ عَدْلًا رِضًا فَهُوَ كَقَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَّا مَنْ يَقُولُ عَدْلٌ رِضًا. أَوَّلُ كَلَامِهِ وَاضِحٌ وَآخِرُ كَلَامِهِ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْمُؤَلِّفِ وَمِنْ أَوَّلِ كَلَامِهِ هُوَ فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: (فَإِنْ قُلْت) إنْ حَمَلْت كَلَامَهُ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُزَكَّى عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ الْعَدَدُ خِلَافُ الْأَكْثَرِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْكَاتِبِ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَإِنْ حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَى الْإِفْرَادِ خَالَفْت الْأَكْثَرَ فِي الْمُزَكَّى فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ عِنْدَهُمْ فِيهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْجِنْسُ يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ كَمَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِيهَامُ وَهُوَ قَرِيبٌ، انْتَهَى. وَحَمَلَهُ عَلَى هَذَا عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي الْمُزَكِّي وَالْمُتَرْجِمِ دُونَ الْكَاتِبِ وَفِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاخْتَارَ الْكَاتِبَ وَالْمُزَكِّي قَوْلُهُ وَالْمُزَكِّي ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ أَشْهَبُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ رَجُلًا صَالِحًا مَأْمُونًا مُنْتَبِهًا أَوْ رَجُلَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَسْأَلَانِ لَهُ عَنْ النَّاسِ إلَى آخِرِ كَلَامِ أَشْهَبَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكُلَّمَا يَبْتَدِئُ الْقَاضِي السُّؤَالَ عَنْهُ وَالْكَشْفَ يَقْبَلُ فِيهِ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَبْتَدِئْهُ هُوَ وَإِنَّمَا يُبْتَدَأُ بِهِ فِي ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ، انْتَهَى. فَصَدَّرَ بِمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ الْكَبِيرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ ابْنُ رُشْدٍ وَتَعْدِيلُ السِّرِّ يَفْتَرِقُ مِنْ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا إعْذَارَ فِي تَعْدِيلِ السِّرِّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجْتَزِئُ فِيهِ بِالْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ الِاثْنَيْنِ بِخِلَافِ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ وَيَلْزَمُ الْإِعْذَارُ فِيهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ هَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ صَحَّ مِنْ الْبَيَانِ، انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فَإِذَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا فَلَا يُرَدُّ مَا، قَالَهُ أَصْلًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ص (وَالْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ) ش: فَيُقْبَلُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ أَحْسَنُ، اُنْظُرْ قَوَاعِدَ الْقَرَافِيِّ فِي أَوَّلِ فَرْقٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ لُغَةَ الْخَصْمِ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا لَوْ لَمْ يُقْبَلْ فِي التَّرْجَمَةِ إلَّا الرِّجَالُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجَزِّئُ وَاحِدٌ وَإِنْ

فرع القاضي لا يستشير من شهد عنده فيما شهد فيه

تَضَمَّنَ مَالًا فَهَلْ يُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَوْلَانِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ وَشَاوَرَهُمْ) ش: عَطَفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّ أَشْهَبَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ يُحْضِرُهُمْ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولَانِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَهُمْ وَلَكِنْ يُشَاوِرَهُمْ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنْ يَكُونَ مُقَلَّدًا فَلَا يَسَعُهُ الْقَضَاءُ إلَّا بِمَحْضَرِهِمْ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ فَكَّرَ الْقَاضِي فِي حَالِ حُضُورِهِمْ كَحَالِهِ فِي عَدَمِ حُضُورِهِمْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ حُضُورُهُمْ يُكْسِبُهُ حَجْرًا حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ التَّأَمُّلُ لِمَا هُوَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ الْبَلَادَةِ عَلَى حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُ قَوْلِ الْخَصْمَيْنِ وَيَتَصَوَّرُ مَقَاصِدَهُمَا حَتَّى يَسْتَفْتِيَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ أَيْضًا الْخِلَافُ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ حُضُورِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ: (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُهُمْ الْمُشَاوَرَةَ ظَاهِرُهُ عَالِمًا كَانَ بِالْحُكْمِ أَوْ جَاهِلًا وَفِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُشَاوِرَ فِيمَا يَحْكُمُ فِيهِ إذَا كَانَ جَاهِلًا لَا يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُشِيرَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَاهِلٌ لَمْ يَعْلَمْ أَحَكَمَ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَلَا يَحْكُمُ بِقَوْلِ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ تَقْلِيدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ مِنْ حَيْثُ تَبَيَّنَ لِلَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الْمُجْتَهِدِ وَفِي التَّبْصِرَةِ أَيْضًا، قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: الْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالِاسْتِشَارَةِ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ وَبَحَثُوا فِيهِ تَثِقُ بِهِ النَّفْسُ مَا لَا تَثِقُ بِوَاحِدٍ إذَا اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُمْ مُقَلِّدِينَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْفَتْوَى فِيمَا لَيْسَ بِمَسْطُورٍ بِحَسَبِ مَا يَظُنُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَقْتَضِي أُصُولَ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَعَزْلُهُ وَاجِبٌ هَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلَ عِمْرَانَ وَفِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَحْوَالَ الْخُلَفَاءِ دَلَّتْ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْمُشْكِلَاتِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ أَوْ شَاوَرَهُمْ هَلْ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؟ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ حُضُورِهِمْ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَطِيَّةَ وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ لِلْمَازِرِيِّ أَنَّ حُضُورَهُمْ وَاجِبٌ وَكَذَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فَإِنَّهُ عَدَّهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَلْزَمُ الْقَاضِيَ فِي سِيرَتِهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَاللُّزُومُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَثِقَ بِرَأْيِهِ وَيَتْرُكَ الْمُشَاوَرَةَ أَنَّ الْمُشَاوَرَةَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ أَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ نَصًّا يَشْفِي الْغَلِيلَ [فَرْعٌ الْقَاضِي لَا يَسْتَشِيرُ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فِيمَا شَهِدَ فِيهِ] (فَرْعٌ) ، قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَسْتَشِيرُ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فِيمَا شَهِدَ فِيهِ حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ غَيْرُ سَحْنُونٍ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا مِنْ التَّبْصِرَةِ وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ (فَرْعٌ) ، قَالَ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ: رَأَيْت مَالِكًا كَتَبَ إلَى عَامِلٍ فِي قَضَاءٍ كَانَ أَمْضَاهُ عَامِلَانِ قَبْلَهُ فَيَنْظُرُ فِيهِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَعِينُ بِالْكَتْبِ إلَيْهِ فِيهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنْ كَانَ مَنْ قَبْلَك أَمْضَاهُ بِحَقٍّ فَأَنْفِذْهُ لِصَاحِبِهِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْفَقِيهِ الْمَقْبُولِ الْقَوْلِ أَنْ يَكْتُبَ لِلْحُكَّامِ بِالْفَتْوَى وَيُعْلِمَهُمْ مَا يَصْنَعُ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْقُضَاةِ وَأَمَّا الْقُضَاةُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِمْ بِمَا يَفْعَلُونَ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى أَنَفَةٍ تُؤْذِي، انْتَهَى. [مَسْأَلَة دَعَا الْقَاضِي الْعُدُولَ إلَى قَضِيَّةٍ يَنْظُرُونَ فِيهَا مِنْ فَرْضِ نَفَقَةٍ أَوْ إقَامَةِ حُدُودٍ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا دَعَا الْقَاضِي

الْعُدُولَ إلَى قَضِيَّةٍ يَنْظُرُونَ فِيهَا مِنْ فَرْضِ نَفَقَةٍ أَوْ إقَامَةِ حُدُودٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ اُنْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ ص (وَشُهُودًا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْخَصْمِ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ فَيَكُونُ إحْضَارُ الشُّهُودِ وَاجِبًا وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي جُلُوسِهِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ الْمُقِرُّ فَيَجْحَدُ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةِ سِوَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ شَهِدَ هُوَ بِذَلِكَ إلَى مَنْ فَوْقَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: الْإِقْرَارُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي سُلْطَانِهِ وَقَبْلَ سُلْطَانِهِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ فِي إقْرَارِ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَهُ لَا يَحْكُمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ أَشْهَبُ: وَلَا بِمَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ مَكْتُوبًا مِنْ إقْرَارِ الْخَصْمِ عِنْدَهُ فَإِنْ قَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَنْفَذَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هُوَ وَكَاتِبُهُ شَهِدَا بِذَلِكَ عِنْدَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأَجَازَهُ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَضَى بِشَهَادَتِهِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، انْتَهَى. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْخَصْمِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ شَاهِدَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: أَمَّا مَا أَقَرَّ بِهِ الْخُصُومُ عِنْدَهُ فِي خُصُومَتِهِمْ فَلْيَقْضِ بِهِ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَاحْتَاجَ أَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ شَاهِدَيْنِ أَبَدًا يَشْهَدَانِ عَلَى النَّاسِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا سَمِعَ إقْرَارَ الْخَصْمِ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ ثُمَّ يَرْفَعَانِ شَهَادَتَهُمَا إلَيْهِ وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمَا سَمِعَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قُضَاةُ الْمَدِينَةِ وَلَا أَعْلَمُ مَالِكًا قَالَ غَيْرَهُ إنَّهُ يَقْضِي بِمَا سَمِعَ مِنْهُ وَأَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْخَصْمَيْنِ لَمَّا جَلَسَا لِلْخُصُومَةِ رَضِيَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا أَقَرَّا بِهِ وَلِذَلِكَ قَعَدَا، والْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُمْ رُفِعَ إلَى مَنْ فَوْقَهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: مَسْأَلَةٌ: إذَا رَأَى الْقَاضِي حَدًّا رُفِعَ إلَى مَنْ فَوْقَهُ وَهَلْ يُرْفَعُ إلَى مَنْ دُونَهُ قَوْلَانِ، قَالَ عِيَاضٌ مَذْهَبُ الْكِتَابِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَرْفَعُ إلَى مَنْ دُونَهُ وَتَحْتَ يَدِهِ إلَّا السُّلْطَانُ الْأَعْظَمُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِي السُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ لَا يَرْفَعُ إلَى مَنْ دُونَهُ وَيَكُونُ هَدَرًا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَفِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَاضِي يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ وَقَدْ يَحْكُمُ لِلْخَلِيفَةِ وَهُوَ فَوْقَهُ وَهُوَ يُتَّهَمُ فِيهِ لِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ وَحُكْمُهُ لَهُ جَائِزٌ، انْتَهَى. وَنُقِلَ الْخِلَافُ فِي الذَّخِيرَةِ. ص (وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ) ش اُنْظُرْ هَلْ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى الْمَنْعِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يُفْتِي الْحَاكِمُ فِي الْخُصُومَاتِ وَقَالَ

ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ بِهِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا فِيمَا عَدَا مَسَائِلِ الْخِصَامِ وَهَلْ لَهُ الْفُتْيَا فِي مَسَائِلِ الْخِصَامِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَنْ إعَانَةِ الْخُصُومِ عَلَى الْفُجُورِ، وَالثَّانِي إجَازَةُ فُتْيَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِصَامِ وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقَاضِي الْعِلْمَ وَتَعْلِيمُهُ لَهُ فَجَائِزٌ، انْتَهَى. فَقُوَّةُ عِبَارَتِهِ تُعْطِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفُتْيَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْهُ، وَعَدَّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ لَهُ فِي سِيرَتِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَفِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مَا نَصَّهُ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ: يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ أَنَا أَقْضِي وَلَا أُفْتِي (قُلْتُ) يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْفَتْوَى مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ تُعْرَضَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ جَاءَتْهُ مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْكَوْرِ أَوْ عَلَى يَدِ عُمَّالِهِ فَلْيُجِبْهُمْ عَنْهَا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْمُنَاصِفِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: الْكَلَامُ الْأَوَّلُ النَّهْيُ فِيهِ عَنْ فَتْوَى الْقَاضِي فِي الْخُصُومَاتِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَالثَّانِي فَتْوَاهُ فِي جُمْلَةِ الْأَشْيَاءِ لَا فِي خُصُومَةٍ بِعَيْنِهَا، انْتَهَى. ص (وَلَمْ يَشْتَرِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ) ش: مَفْهُومٌ، وَقَوْلُهُ: مَجْلِسِ قَضَائِهِ أَنَّهُ لَا يُنْهَى عَنْهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَهُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ التَّنَزُّهُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَلَمْ يَشْتَرِ هَلْ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَشْتَرِي بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلٍ مَعْرُوفٍ ظَاهِرُهُ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَغَيْرِهِ وَنَحْوُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَمَعْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا تَبْعُدُ صِحَّتُهُ إلَّا أَنَّ الْمَازِرِيَّ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا عَنْ الْمَذْهَبِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ ابْتِدَاءً وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ مَا حَكَاهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا، انْتَهَى. أَيْ: لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ نَقَلَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ أَجَازُوا لِلْقَاضِي الشِّرَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَلَمْ يُجَوِّزُوا لَهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ بَالِهِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَلَا يَشْتَغِلُ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ بِالْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ لِنَفْسِهِ. أَشْهَبُ، أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْعِنَايَةِ مِنْهُ إلَّا مَا خَفَّ شَأْنُهُ وَقَلَّ شُغْلُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ سَحْنُونٌ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ فَنَافِذٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْرَهَ غَيْرَهُ أَوْ هَضَمَهُ فَلَيْسَ هَذَا بِعَدْلٍ وَهُوَ مَرْدُودٌ كَانَ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ هُوَ الَّذِي فِي النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَيَتَنَزَّهُ عَنْ الْمُبَايَعَةِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَفِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَتَوَرَّعُ عَنْ الْعَارِيَّةِ إلَى آخِرِهِ قَدْ يُقَالُ تَغْيِيرُ الْمُؤَلِّفِ الْعِبَارَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي فَوْقَهَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْأُولَى أَشَدُّ مِنْهُ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الْأُولَى وَجَعَلَهُ فِي هَذِهِ مِنْ بَابِ الْوَرَعِ فَيُقَالُ الْعَكْسُ أَوْلَى فَكَلَامُ التَّوْضِيحِ يُؤْذِنُ بِالْمَنْعِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَرُّعِ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ وَالِابْتِيَاعُ بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ وَبِدَارِهِ وَلَا يُرَدُّ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَاهِ أَوْ فِيهِ نَقِيصَةٌ عَلَى الْبَائِعِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَالِابْتِيَاعُ كَانَ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ أَشْهَبُ: إنْ عُزِلَ وَالْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ مُقِيمٌ بِالْبَلَدِ لَا يُخَاصِمُهُ وَلَا يَذْكُرُ مُخَاصَمَتَهُ لِأَحَدٍ فَلَا حُجَّةَ لَهُ وَالْبَيْعُ مَاضٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَعَ وَكِيلِهِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَا يَفْعَلُ مَعَهُ، انْتَهَى. فَصَرَّحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْكَرَاهَةِ وَأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ وَاحِدٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ مَعَ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَيُرَدَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَسَلَفٍ وَقِرَاضٍ وَإِبْضَاعٍ وَحُضُورِ وَلِيمَةٍ إلَّا لِنِكَاحٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ هَذِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَرُّعِ، قَالَ

فرع ارتزاق القاضي من بيت المال

ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَتَنَزَّهُ عَنْ الْعَارِيَّةِ وَالسَّلَفِ وَالْقِرَاضِ وَالْإِبْضَاعِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَلْزَمُ الْقَاضِيَ مِنْهَا أَنْ يَتَجَنَّبَ الْعَارِيَّةَ وَالسَّلَفَ وَالْقِرَاضَ وَالْإِبْضَاعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خَفِيفٌ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْخُصُومِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ فِي جِهَتِهِمْ فَلَا يَفْعَلُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إلَّا لِنِكَاحٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ثُمَّ إنْ شَاءَ أَكَلَ أَوْ تَرَكَ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَالْأَوْلَى لَهُ الْيَوْمَ تَرْكُ الْأَكْلِ، انْتَهَى. (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) فِي التَّوْضِيحِ كَرِهَ مَالِكٌ لِأَهْلِ الْفَضْلِ أَنْ يُجِيبُوا كُلَّ مَنْ دَعَاهُمْ. (الثَّانِي) وَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي بِحُضُورِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَسْلِيمِهِ عَلَى أَهْلِ الْمَجَالِسِ وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَنْبَغِي إلَّا ذَلِكَ، انْتَهَى. ص (وَقَبُولُ هَدِيَّةٍ وَلَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ قَرِيبٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَنْعُ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهَةِ قَبُولِ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ وَقُضَاتِهِ وَجُبَاتِهِ الْهَدَايَا، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَهْلِ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَيُمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَالِ الْخِصَامِ أَوْ قَبْلَهُ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَوْلُهُ: إلَّا مِنْ قَرِيبٍ يُرِيدُ الْخَاصَّ مِنْ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ، قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ [فَرَعٌ ارْتِزَاق الْقَاضِي مِنْ بَيْت الْمَال] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَمَّا الِارْتِزَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الِارْتِزَاقِ فَإِنَّهُ يُنْهَى عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْمَهَابَةِ وَأَدْعَى لِلنُّفُوسِ عَلَى اعْتِقَادِ التَّعْظِيمِ وَالْجَلَالَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى طَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سَاغَ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ (الثَّانِي) ، قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ رِزْقَهُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ وَالْجِزْيَةِ وَعُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، انْتَهَى مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَأَمَّا الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ وَالْأَجْنَادُ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَرْزَاقَهُمْ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، أَعْنِي الْعُمَّالَ الَّذِينَ فَوَّضَ إلَيْهِمْ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَضَرَبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ إعْطَاءِ مَالِ اللَّهِ لِمَنْ يَرَوْنَهُ بِوَجْهِ اجْتِهَادِهِمْ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْ قُضَاتِهِ وَعُمَّالِهِ مَا وَجَدَهُ فِي أَيْدِيهِمْ زَائِدًا عَلَى مَا ارْتَزَقُوهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُحْصِي مَا عِنْدَ الْقَاضِي حِينَ وِلَايَتِهِ وَيَأْخُذُ مَا اكْتَسَبَهُ زَائِدًا عَلَى رِزْقِهِ وَقَدَّرَ أَنَّ هَذَا الْمُكْتَسَبَ إنَّمَا اكْتَسَبَهُ بِجَاهِ الْقَضَاءِ وَتَأَوَّلَ أَنَّ مُقَاسَمَةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُشَاطَرَتَهُ لِعُمَّالِهِ كَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا اكْتَسَبُوهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْعِمَالَةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ: لِلْإِمَامِ أَخْذُ مَا أَفَادَهُ الْعُمَّالُ وَيَضُمُّهُ

إلَى مَا جَبَوْهُ، قَالَ: وَكُلَّ مَا أَفَادَهُ الْوَالِي مِنْ مَالٍ سِوَى رِزْقِهِ فِي عَمَلِهِ أَوْ قَاضٍ فِي قَضَائِهِ أَوْ مُتَوَلٍّ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عُمَرُ إذَا وَلَّى أَحَدًا أَحْصَى مَالَهُ لِيَنْظُرَ مَا يَزِيدُ وَلِذَا شَاطَرَ الْعُمَّالَ أَمْوَالَهُمْ حَيْثُ كَثُرَتْ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِ مَا زَادُوهُ بَعْدَ الْوِلَايَةِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَشَاطَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى وَغَيْرَهُمَا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ إثْرَهُ: تَمْهِيدٌ الزَّائِدُ قَدْ يَكُونُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ لَا مِنْ الْهَدِيَّةِ وَلَا تُظَنُّ الْهَدَايَا بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا لَا يَقْتَضِي أَخْذًا وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّشْطِيرُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ لَا بُدُّ أَنْ يُنَمِّيَهَا جَاهُ الْعَمَلِ فَيَصِيرُ جَاهُ الْمُسْلِمِينَ كَالْعَامِلِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ رَبَّ الْمَالِ فَأَعْطَى الْعَامِلَ النِّصْفَ عَدْلًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَلِذَلِكَ لَمَّا انْتَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بِالْمَالِ الَّذِي أَخَذَاهُ مِنْ الْكُوفَةِ سَلَفًا فِي الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُمَا اجْعَلْهُ قِرَاضًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلَهُ قِرَاضًا وَلَوْلَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ يَصِيرُ الْقَرْضُ قِرَاضًا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قِصَّتِهِمَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِرَاضِ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: وَكَذَلِكَ الشُّهُودُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا دَامَتْ الْحُكُومَةُ بَيْنَهُمَا (الْخَامِسُ) ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ: مَا أُهْدِيَ إلَى الْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ قَبُولُهُ وَمَا أُهْدِيَ إلَيْهِ رَجَاءَ الْعَوْنِ عَلَى خَصْمِهِ أَوْ فِي مَسْأَلَةٍ تَعْرِضُ عِنْدَهُ رَجَاءَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْمَعْمُولِ بِهِ فَلَا يَحِلُّ قَبُولُهَا وَهِيَ رِشْوَةٌ يَأْخُذُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَازَعَ عِنْدَهُ خَصْمَانِ فَأَهْدَيَا إلَيْهِ جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا يَرْجُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعِينَهُ فِي حُجَّتِهِ أَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُسْمَعُ مِنْهُ وَيُوقَفُ عِنْدَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي إنْ كَانَ يَنْشَطُ لَلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لَا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَنْشَطُ إذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً (قُلْتُ) قَدْ يَخَفْ قَبُولَهَا لِمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِأُصُولِهَا يَقْطَعُهُ عَنْ التَّسَبُّبِ وَلَا رِزْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ عَلْوَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَطْلُبُهَا مِمَّنْ يُفْتِيهِ وَفِي الطِّرَازُ وَظَاهِرُهُ لِابْنِ عَيْشُونٍ وَمِنْ هَذَا انْقِطَاعُ الرَّغْبَةِ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّقِينَ بِالسَّلْطَنَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ فِيمَا يَهْدُونَهُ لَهُمْ وَيَخْدُمُونَهُمْ هُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّشْوَةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الظُّلْمِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَعَنْ الذِّمِّيِّ، انْتَهَى. (السَّادِسُ) ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الذَّخِيرَةِ: (فَرْعٌ) ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا عَجَزْت عَنْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ اسْتَعَنْت عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَك إنْ كَانَ الْحَقُّ جَارِيَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْك؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُك بِالْأَجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلَا تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدُ وَالْغَصْبُ عِصْيَانُ مَفْسَدَةٍ وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إضَاعَةِ الْمَالِ فَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ حَرُمَتْ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَظِيمٌ لَا يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ فَتَوْجِيهُهُ إيَّاهُ وَاقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ارْتَضَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: أَجَازَ بَعْضُهُمْ إعْطَاءَ الرِّشْوَةِ إذَا خَافَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الظُّلْمُ مُحَقَّقًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ بَعْضِهِمْ

وَيُقَوَّمُ هَذَا مِنْ قَوْلِهَا وَإِنْ طَلَبَ السَّلَّابَةُ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا خَفِيفًا رَأَيْت أَنْ يُعْطُوهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَبْلَ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ بِنَحْوِ صَفْحَةٍ وَفِي الطُّرَرِ، قَالَ ابْنُ عَيْشُونٍ: أَجَازَ بَعْضُهُمْ إعْطَاءَ الرِّشْوَةِ إذَا خَافَ الظُّلْمُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ مُحِقًّا وَقَالَ قَبْلَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أُوَيْسٍ: يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَخْذُ الرِّشْوَةِ فِي الْأَحْكَامِ يَدْفَعُ بِهَا حَقًّا أَوْ يَشْهَدُ بِهَا بَاطِلًا وَأَمَّا أَنْ يَدْفَعَ بِهَا عَنْ مَالِكٍ فَلَا بَأْسَ ابْنُ عَيْشُونٍ وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فَيُمْتَنَعُ مِنْ إنْفَاذِهِ رَجَاءَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاحِبَهُ شَيْئًا ثُمَّ يُنَفِّذَهُ لَهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ مَرْدُودٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى أَحْكَامِ الْقَاضِي الْفَاسِدَةِ إذَا صَادَفَ الْحَقَّ هَلْ يَمْضِي أَمْ لَا، انْتَهَى. ص (وَلَا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهَشُ عَنْ الْفِكْرِ وَمَضَى) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: كَالْغَضَبِ وَالْهَمِّ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالضَّجَرِ وَالْحَنَقِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ فَإِنْ حَكَمَ وَهُوَ بِحَالِ مَا ذَكَرَ مَضَى، انْتَهَى. وَالنَّهْيُ عَلَى الْمَنْعِ اُنْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَالْبِسَاطِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَزَّرَ شَاهِدًا بِزُورٍ فِي الْمَلَأِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَاهِدُ الزُّورِ هُوَ الشَّاهِدُ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ عَمْدًا وَلَوْ طَابَقَ الْوَاقِعَ كَمَنْ شَهِدَ بِأَنَّ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَتْلَهُ إيَّاهُ وَقَدْ كَانَ قَتَلَهُ وَلَوْ كَانَ لِشُبْهَةٍ لَمْ يَكُنْهُ وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ فَإِنْ كَانَ لِنِسْيَانٍ أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِفِسْقِهِ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْعَامِدِ شَاهِدُ زُورٍ وَيَرِدُ بِمَا فِي اسْتِحْقَاقِهَا إنْ شَهِدُوا بِمَوْتِ رَجُلٍ ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا فَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا كَرُؤْيَتِهِمْ إيَّاهُ صَرِيعًا فِي قَتْلَى أَوْ قَدْ طُعِنَ فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَلَيْسَ شَهَادَتُهُمْ زُورًا وَإِلَّا فَهُمْ شُهَدَاءُ الزُّورِ اهـ وَسُئِلْت عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا الْقَاضِي ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ لَهَا وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ عَلِمَ أَنَّ لَهَا وَلَدًا فَهَلْ تَكُونُ شَهَادَتُهُ هَذِهِ شَهَادَةَ زُورٍ وَيُقَالُ فِيهِ إنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ أَوْ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الزُّورِ؛ وَإِذَا نَسَبَهُ أَحَدٌ إلَى الزُّورِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ

وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت: إذَا كَانَ الشَّاهِدُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ وَلَدًا فَلَيْسَ بِشَاهِدِ زُورٍ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَزْجُرُهُ عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ وَالنِّكَاحُ الَّذِي عَقَدَهُ الْقَاضِي مَعَ وُجُودِ وَلَدِ الْمَرْأَةِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ وَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ، نَعَمْ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهَا وَلَدًا فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ صَحَّ النِّكَاحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص ص (كَلِخَصْمِهِ كَذَبْت) ش اُنْظُرْ رَسْمَ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْقَذْفِ وَفِيهِ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مِنْ سَرَاةِ النَّاسِ: كَذَبْت وَأَثِمْت فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالسَّوْطِ إذَا كَانَ فِي مُشَاتَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كَذَّابٌ وَأَمَّا إنْ نَازَعَهُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي هَذَا كَاذِبٌ آثِمٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَدَبٌ وَيُنْهَى عَنْهُ وَيُزْجَرُ إنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ فِيمَا نَازَعَهُ فِيهِ وَيَجْرِي قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ يَا كَذَّابُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ يَا كَلْبُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ فِي الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي التَّعْزِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَتَقَدَّمَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي سِيرَتِهِ مَعَ الْخُصُومِ وَمَسْأَلَةُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ يَا كَلْبُ ذَكَرَهَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَسْأَلَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ، وَكَذَلِكَ فِي التَّبْصِرَةِ قَبْلَ مَسْأَلَةِ كَذَبْت وَأَثِمْت بِيَسِيرٍ وَفِي التَّبْصِرَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَفِي الْبَيَانِ فِي مَسْأَلَةِ يَا كَلْبُ مَعْنَى دَنِيءِ الْهَيْئَةِ وَرَفِيعِ الْقَدْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْحَضَرِيِّ وَالْكَنَدِيِّ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي قَوْلِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَرَّعُ عَنْ شَيْءٍ، فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَمَى خَصْمَهُ حَالَ الْخُصُومَةِ بِجُرْحَةٍ أَوْ خُلَّةِ سُوءٍ بِمَنْفَعَةٍ يَسْتَخْرِجُهَا فِي خِصَامِهِ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ أَذَى خَصْمِهِ لَمْ يُعَاقَبْ إذَا عُرِفَ صِدْقُهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ لَوْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاتَمَةِ وَالْأَذَى الْمُجَرَّدِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَا رَمَاهُ بِهِ مِنْ نَوْعِ دَعْوَاهُ وَلِيُنَبِّهَ بِهَا عَلَى حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِقَوْلِ الْحَضَرِيِّ إنَّهُ فَاجِرٌ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا زَجَرَهُ وَلَوْ رَمَى خَصْمَهُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ أُدِّبَ عِنْدَنَا وَلَمْ تَعْلَقْ بِهِ الدَّعْوَى اهـ. وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ مَا نَصُّهُ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَدَبِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِعُمُومِ تَحْرِيمِ السِّبَابِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْكِنْدِيَّ عُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إذَايَتَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ اسْتِخْرَاجَ حَقِّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ: وَمَنْ آذَى مُسْلِمًا أُدِّبَ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْمُؤْذَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُؤَدِّبُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَوْنُ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِيمَا كَانَ بِمَجْلِسِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَالِ وَأَمَّا هَذَا فَيَحْكُمُ، انْتَهَى. ص (وَإِنْ بِيَقِينٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا عَزَاهُ الْمُؤَلِّفُ لِلْمَازِرِيِّ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ إنَّ هَذَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ لِأَصْحَابِنَا وَفِي النَّوَادِرِ لِأَصْبَغَ إذَا قَضَى بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي أَمْرٍ اخْتَصَمَا فِيهِ ثُمَّ أَخَذَا فِي حُجَّةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ غَيْرُهُمَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّنْ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِمَنْ حَضَرَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، انْتَهَى. ص (وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتًا أَوْ يَوْمًا لِلنِّسَاءِ) ش: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ

«قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلنِّسَاءِ: اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذَا» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَلِّمَ النِّسَاءَ مَا يَحْتَجْنَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ أَدْيَانِهِنَّ وَأَنْ يَخُصَّهُنَّ بِيَوْمٍ مَخْصُوصٍ لِذَلِكَ لَكِنْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ لِتُؤْمَنَ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَعَلَ وَإِلَّا اسْتَنْهَضَ الْإِمَامُ شَيْخًا يُوثَقُ بِعِلْمِهِ وَدِينِهِ لِذَلِكَ حَتَّى يَقُومَ بِهَذِهِ الْوَظِيفَةِ، انْتَهَى. ص (وَأُمِرَ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلَامِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُدَّعِي مَنْ عَرِيَتْ دَعْوَاهُ عَنْ مُرَجِّحٍ غَيْرِ شَهَادَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ اقْتَرَنَتْ دَعْوَاهُ بِهِ أَيْ: بِالْمُرَجَّحِ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُدَّعِي مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ يَبْطُلُ عَكْسُهُ بِالْمُدَّعَى وَمَعَهُ بَيِّنَةٌ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ، انْتَهَى. وَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي، وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا يَأْتِي بِهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةً، قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيَانِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الطَّالِبَ لَوْ أَيْقَنَ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ بِشَيْءٍ وَجَهِلَ مَبْلَغَهُ وَأَرَادَ مِنْ خَصْمِهِ أَنْ يُجَاوِبَهُ عَنْ ذَلِكَ بِإِقْرَارٍ بِمَا ادَّعَى عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ وَذَكَرَ الْمَبْلَغَ وَالْجِنْسَ لَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ أَمَّا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فَضْلَةِ

مسألة ليس من تمام صحة الدعوى أن يذكر السبب

حِسَابٍ لَا أَعْلَمُ قَدْرَهُ وَقَامَتْ لَهُ بَيِّنَةُ أَنَّهُمَا تَحَاسَبَا وَبَقِيَتْ لَهُ عِنْدَهُ بَقِيَّةٌ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِقَدْرِهَا فَدَعْوَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسْمُوعَةٌ،. وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى حَقًّا لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ وَقَامَتْ لَهُ بَيِّنَةُ أَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا لَا يَعْلَمُونَ قَدْرَهُ فَهِيَ دَعْوَى مَسْمُوعَةٌ وَسَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ النَّاقِصَةِ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ أَمَّا إلَى آخِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا يُسْمَعُ بِلَا خِلَافٍ فَهُوَ مَخْصُوصٌ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ مَعْلُومٌ وَقَوْلُهُ بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ تَوْجِيهَ يَمِينِ التُّهْمَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْتُ) وَمَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ، قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ بِيَدِ رَجُلٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ فَإِنْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ عَرَفَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ مِنْهَا فَلْيُسَمِّهِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ لِلْقَائِمِ فِي الدَّارِ الْمُقَوَّمِ فِيهَا بِحِصَّةٍ لَا يَعْرِفُونَ مَبْلَغَهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَقِرَّ بِمَا شِئْت مِنْهَا وَاحْلِفْ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ سَمِّ مَا شِئْت مِنْهَا وَاحْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ فَإِنْ أَبَى أُخْرِجَتْ الدَّارُ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَوُقِفَتْ حَتَّى يُقِرَّ بِشَيْءِ، قَالَ مُطَرِّفٌ: وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودُ الْحِصَّةَ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ شَيْءٌ حَتَّى، قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ فَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِ وَاسْتَمَرَّتْ الْأَحْكَامُ بِهِ، انْتَهَى. [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَذْكُرَ السَّبَبَ] (مَسْأَلَةٌ) لَيْسَ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَذْكُرَ السَّبَبَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا ذِكْرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا وَهُوَ وَاضِحٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ فِيمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ هِبَةً وَقُلْنَا الْهِبَةُ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَيَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَإِنْ قُلْت بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَالْقَوْلُ الشَّاذُّ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ، وَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اللُّزُومِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَذَكَرَ شُرُوطًا أُخْرَى، فَانْظُرْهَا فِيهِ وَانْظُرْ أَيْضًا الْبَابَ الثَّامِنَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ بِالِاتِّهَامِ وَأَيْمَانِ التُّهَمِ، قَالَ فِيهِ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الِاتِّهَامِ وَلَمْ يُحَقِّقْ الدَّعْوَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ بَعْدَ إثْبَاتِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ. [فَرْعٌ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: فَصْلٌ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى، وَالْمُدَّعَى بِهِ أَنْوَاعٌ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَصْحِيحُ الدَّعْوَى أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَدَّعِي بِهِ وَيَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمَذْكُورِ يَعْنِي الْمَطْلُوبَ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ الْعَدَاءِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى أَنْ يَسْأَلَ الْحَاكِمُ النَّظَرَ بَيْنَهُمَا بِمَا يُوجِبُ الشَّرْعَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ ضَاعَ مِنِّي أَوْ سُرِقَ مِنِّي وَلَا أَدْرِي بِمَاذَا وَصَلَ إلَى هَذَا الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: فَصْلُ وَإِنْ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ، وَقَالَ: ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ، وَقَالَ: أَبَقَ مِنِّي فَإِنْ كَانَا مِنْ بَلَدٍ وَاحِدٍ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِلَطْخٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى جِيرَانِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا طَارِئًا لَمْ يُحَلِّفْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَأَنَّهُ إنْ ادَّعَى الطَّارِئُ عَلَى الْمُقِيمِ، قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنْتَ لَا تَدَّعِي عَلَيَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ؛ لِأَنِّي لَسْت مِنْ بَلَدِك وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى الْمُقِيمُ عَبْدًا أَتَى بِهِ الطَّارِئُ لَمْ يُحَلِّفْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ هَلْ هُوَ مِلْكُهُ أَمْ لَا فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ عَبْدُهُ حَلَفَ مَعَهُ وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَرُدَّ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ فَلَا يَحْلِفُ

مسألة ادعى رجل قبل رجل حقوقا فقال له المطلوب اجمع مطالبتك حتى أجيبك

عَلَى تَكْذِيبِ الشَّاهِدِ، انْتَهَى. اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَكَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ فِي فَصْلِ تَوْقِيفِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ فَإِنَّ كَلَامَهُ أَصْرَحُ مِنْ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ) ش: الْمَعْهُودُ هُوَ شَهَادَةُ الْعُرْفِ وَنَحْوِهِ، وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة ادَّعَى رَجُلٌ قَبْلَ رَجُلٍ حُقُوقًا فَقَالَ لَهُ الْمَطْلُوبُ اجْمَعْ مُطَالَبَتَك حَتَّى أُجِيبَك] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَوَابِ عَنْ الدَّعْوَى مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ حُقُوقًا وَكَشَفَهُ عَنْ بَعْضِهَا وَسَأَلَهُ الْجَوَابَ عَمَّا كَشَفَهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَطْلُوبُ: اجْمَعْ مُطَالَبَتَك حَتَّى أُجِيبَك لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ حُقُوقِهِ مَا شَاءَ وَيَتْرُكَ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ شَيْءٌ غَيْرُ الِابْتِيَاعِ الَّذِي قُمْت بِهِ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ خَصْمُهُ: جَاوِبْنِي عَنْ الِابْتِيَاعِ أَوَّلًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ لَيْسَ لِي دَعْوَى غَيْرُ الِابْتِيَاعِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْجَوَابُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَهَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوَارِيثَ لَا يُحَاطُ بِهَا فَيَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ عَلَى مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فِيهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوَارِيثِ لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابُ حَتَّى يَجْمَعَ الْمُدَّعِي دَعَاوِيَهُ كُلَّهَا، انْتَهَى. وَذَكَرهَا بَعْدَ هَذَا فِي فَصْلِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الْيَمِينِ وَنَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُقَرِّبِ: وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ يَمِينٌ لِبَعْضِ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي: اجْمَعْ مَطَالِبَك إنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ لَكَ عِنْدِي مَطْلَبًا غَيْرَ هَذَا الَّذِي تُرِيدُ إحْلَافِي عَلَيْهِ لِأَحْلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَمِينًا وَاحِدَةً فَهُوَ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ يَمِينِي عَلَى صَاحِبِهِ بِسَبَبِ مِيرَاثٍ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي: اجْمَعْ مَطَالِبَك قِبَلِي فِي هَذَا الْمِيرَاثِ لِأَحْلِفَ لَكَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ يَمِينًا وَاحِدَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يُحَاطُ بِالْحُقُوقِ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْجَوَابِ عَنْ الدَّعْوَى حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا مَنْ الْخِلَافِ غَيْرُ هَذَا، انْتَهَى. وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَمَنْ لَزِمَتْك لَهُ يَمِينٌ بِلَا بَيِّنَةٍ إلَّا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ لَهُ اجْمَعْ دَعَاوِيَك كُلَّهَا قِبَلِي لِأُدْخِلَهَا فِي يَمِينٍ وَلَوْ لَزِمَتْك لَهُ بِسَبَبِ مِيرَاثٍ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ اجْمَعْ دَعَاوِيَك كُلَّهَا لِأُدْخِلَهَا فِي يَمِينِي؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يُحَاطُ بِالْحُقُوقِ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي أَخَذْنَاهُ عَنْ مَشْيَخَتِنَا، انْتَهَى. وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ بَعْد هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي مَسْأَلَةً مِنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ تَشْهَدُ لِهَذَا وَهِيَ مَنْ ادَّعَى بِحُقُوقٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى بَعْضِهَا وَلَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى بَعْضِهَا وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ فِيمَا لَا بَيِّنَةَ لَهُ فِيهِ بَيِّنَةٌ وَيَبْقَى عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا لَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ إنْ الْتَزَمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِيمَا زَعَمَ أَنَّ لَهُ فِيهِ بَيِّنَةً لَمْ تَكُنْ لَهُ يَمِينٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ الْآنَ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَعْمِلْ يَمِينَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا وَإِلَّا جَمَعَ دَعَاوِيَهُ وَحَلَفَ لَهُ عَلَى الْجَمِيعِ، انْتَهَى [فَرْعٌ الدَّعَاوَى تَجْتَمِعُ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ وبَعْضُهَا مِمَّا تَغْلُظُ فِيهِ الْيَمِينُ] (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الدَّعَاوَى تَجْتَمِعُ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا كَانَ بَعْضُهَا مِمَّا تَغْلُظُ فِيهِ الْيَمِينُ وَبَعْضُهَا لَا تَغْلُظُ فِيهِ الْيَمِينُ فَإِنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا وَاحِدَةً فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا تَغْلُظُ فِيهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَحْلِفُ أُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي تَرْجَمَةِ جَمْعِ الدَّعَاوَى فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، فَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، قَالَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامِ: الْقِسْمِ الْأَوَّلُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالسَّلَفِ وَالْإِبْرَاءِ فَهَذَا لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الدَّعْوَى بِهِ وَلَا الْبَيِّنَةَ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ

فرع طلب يتيم لا وصي له ولا مقدم حقا له فسأل المطلوب أن يقدم عليه لأجل الخصام

كَالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَالْإِتْلَافِ وَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَإِنَّمَا تُوجِبُ الْمَالَ فَهَذَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الدَّعْوَى بِهِ وَيُكَلِّفُ الْمُدَّعِيَ إثْبَاتَ مَا ادَّعَاهُ وَيَحْكُمُ بِهِ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ وَلَا يُكَلِّفُ الْمَحْجُورَ إقْرَارًا وَلَا إنْكَارًا، الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا يَلْزَمُ الْمَحْجُورَ إذَا أَقَرَّ بِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْجِرَاحِ الَّتِي تُوجِبُ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ بَالِغًا فَهَذَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِيهِ وَيُكَلَّفُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ وَهَذَا التَّقْسِيمُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا عَكْسُ هَذَا وَهُوَ دَعْوَى الْمَحْجُورِ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: يَجُوزُ لِلْمَحْجُورِ طَلَبُ حُقُوقِهِ كُلِّهَا عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي حُضُورِ وَصِيِّهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي الْوَصَايَا فِي فَصْلِ تَقْدِيمِ الْوَصِيِّ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ: وَلِلسَّفِيهِ طَلَبُ حُقُوقِهِ بِمَحْضَرِ وَصِيِّهِ وَفِي مَغِيبِهِ وَالْخِصَامِ فِيهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى طَلَبِهَا وَقَالَ ابْنُ بَقِيٍّ وَغَيْرُهُ: لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ كَمَا لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَعَلَى هَذَا مَضَى الْعَمَلُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: لِلْمَحْجُورِ أَنْ يَطْلُبَ وَصِيَّهُ وَغَيْرَهُ بِمَا لَهُ قِبَلَهُ مِنْ حَقٍّ لِيُظْهِرَهُ وَلِيُبَيِّنَهُ فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ وَصِيِّهِ إنْكَارٌ لِحَقِّهِ وَجَحَدَ عُزِلَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ الْقَلْشَانِيَّ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ قَالَ: رَدَدْت إلَيْكَ مَا وَكَّلْتَنِي عَلَيْهِ [فَرْعٌ طَلَبَ يَتِيمٌ لَا وَصِيَّ لَهُ وَلَا مُقَدِّمَ حَقًّا لَهُ فَسَأَلَ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْخِصَامِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: وَلَوْ طَلَبَ يَتِيمٌ لَا وَصِيَّ لَهُ وَلَا مُقَدِّمَ حَقًّا لَهُ فَسَأَلَ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْخِصَامِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْيَتِيمُ حَقَّهُ قَدَّمَ الْقَاضِي مَنْ يَقْبِضُهُ لَهُ وَيَجُوزُ الِاحْتِسَابُ لِلْأَيْتَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلِيٌّ إلَّا أَنْ يُخَافَ ضَعْفُهُ، انْتَهَى. ص (إنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ وَإِنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ) ش: مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ غَازِيٍّ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ فِي الدَّيْنِ تَكْفِي وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَرْعِ الْآتِي وَنَصُّهُ: [فَرْعٌ يَأْتِي قَوْمًا بِذَكَرِ حَقّ كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ غَائِبٍ فَيَشْهَدُ بِمَا فِيهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِيمَنْ يَأْتِي قَوْمًا بِذِكْرِ حَقٍّ كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ غَائِبٍ فَيَشْهَدُ بِمَا فِيهِ لَا أَرَى أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ غَائِبٍ لِيَسْتَوْجِبَ بِذَلِكَ مُخَالَطَتَهُ فَيُحَلِّفُهُ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ مُخَالَطَةٌ، انْتَهَى. كَلَامُ التَّوْضِيحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْخُلْطَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كَلَامِهِ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ: يَنْبَغِي لِمَنْ أَتَاهُ رَجُلٌ بِكِتَابٍ فِيهِ دَيْنٌ، فَقَالَ لَهُ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا فِيهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ إلَّا بِحُضُورِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ خَوْفًا مِنْ هَذَا، قَالَ الشَّيْخُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى: إنَّ الْمُوَثِّقَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ هَذَا يَكْتُبُ أَقَرَّ فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِدَيْنٍ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِمَّا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ فَيَكْتُبُ إقْرَارَهُ كَمَا ذُكِرَ ثُمَّ لَا يَحْكُمُ لَهُ بِذَلِكَ حَتَّى

سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَتَحْصُلُ الْحِيَازَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَلَوْ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ وَلَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ إلَّا أَنَّهُ إنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْبَيْعِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ حَتَّى اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أُخِذَ مِنْهُ وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ وَإِنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ قَامَ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ حَقُّهُ وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَيُخْتَلَفُ فِي الْكِتَابَةِ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ قَوْلَانِ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا ص (وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرْضٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَرَقُ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ إذَا كَانَتْ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَأَمَّا فِي حِيَازَةِ الْقَرَابَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: إنَّ الْأَقَارِبَ وَالشُّرَكَاءَ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ بِالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الرَّقِيقِ وَالرَّكُوبِ فِي الدَّوَابِّ كَالسُّكْنَى فِيمَا يُسْكَنُ وَالِازْدِرَاعُ فِيمَا يُزْرَعُ، قَالَ: وَالِاسْتِغْلَالُ فِي ذَلِكَ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الدُّورِ وَكَالْغَرْسِ فِي الْأَرَضِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى وَارِثِهِ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِالِاعْتِمَارِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرَّكُوبِ وَاللِّبَاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ وَإِنَّ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ وَفِي الْإِمَاءِ إذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ وَفِي الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ إلَى الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ كَمَا يُصْنَعُ فِي الْأُصُولِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدَ أَنَّ اللِّبَاسَ فِي الثِّيَابِ كَالسُّكْنَى فِي الدُّورِ وَأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ حِيَازَةٌ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَأَنَّ الِاسْتِقْلَالَ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ بِمَعْنَى قَبْضِ أُجْرَةِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الْعَقَارِ فَلَا تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ فِي الرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ إلَّا بِالِاسْتِغْلَالِ وَيُخْتَلَفُ فِي مُدَّتِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ أَوْ بِالْأُمُورِ الْمُفَوِّتَةِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ وَيُعْلَمُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ ذَلِكَ مُفَوِّتًا بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُفَوِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنَّ الْقَرِيبَ لَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِتَسَاوِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الثِّيَابُ يُكْفَى فِي حِيَازَتِهَا السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ بَلْ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ دُخُولُهَا فِي الْعُرُوضِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (الرَّابِعُ) التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ أَتَمُّ فَائِدَةً فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا طَلَبُ الدَّيْنِ، قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مِنْ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ الْمَنْسُوبِ لِوَلَدِ ابْنِ فَرْحُونٍ السَّاكِتُ عَنْ طَلَبِ الدَّيْنِ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا قَوْلَ لَهُ وَيُصَدَّقُ الْغَرِيمُ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَلَا يُكَلَّفُ الْغَرِيمُ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِ

بَيْنَهُمَا حُجَجًا لَا يَنْتَقِلَانِ مِنْهَا وَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ وَذَكَرَ قَوْلَهُ وَتَضْفِيزُهُمَا بِلَفْظٍ وَلَا يُضَفِّزُهُمْ حُجَجًا لَا يَنْتَقِلَانِ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ وَلَا يُصَفِّرُهُمَا بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُضَارِعُ صَفَّرَ وَفِي بَعْضِهَا يَصْرِفُهَا بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الْفَاءِ مِنْ الصَّرْفِ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْكَلِمَةُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ زَايٍ مُعْجَمَةٍ مُضَارِعُ ضَفَزَ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ الزَّايِ: الضَّفْزُ لَقْمُ الْبَعِيرِ أَوْ مَعَ كَرَاهَتِهِ ذَلِكَ وَالدَّفْعُ وَالْجِمَاعُ وَالْعَدَدُ وَالْوَثْبُ وَالْعَقْدُ وَالضَّرْبُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِدْخَالُ اللِّجَامِ فِي الْفَرَسِ وَالضَّفِيزُ الْغَلِيظُ وَمِنْهَا اللُّقْمَةُ الْغَلِيظَةُ وَأَضْفَزَهُ الْتَقَمَهُ كَارِهًا انْتَهَى. وَفِي الْمُحْكَمِ الضَّفْزُ وَالضَّفِيزُ شَعِيرٌ يُحَشُّ ثُمَّ يُبَلُّ وَيُعْلِفُهُ الْبَعِيرُ وَقَدْ ضَفَزْت الْبَعِيرَ أَضْفُزُهُ فَاضْطَفَزَ وَقِيلَ الضَّفْزُ أَنْ تُلْقِمَهُ لُقَمًا كِبَارًا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى اللَّقْمِ وَضَفَزْت الْفَرَسَ اللِّجَامَ إذَا أَدْخَلْته فِي فِيهِ وَضَفَزَهُ بِيَدِهِ وَرِجْلِهِ ضَرَبَهُ وَضَفَزَهَا أَكْثَرَ لَهَا مِنْ الْجِمَاعِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، انْتَهَى. وَالْمَعْنَى لَا يُدْخِلُهَا عَلَيْهِمْ أَوْ لَا يُلْزِمُهُمْ إيَّاهَا حُجَجًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَإِذَا تَوَاضَعَ الْخَصْمَانِ عِنْدَ الْقَاضِي الْحُجَجَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَوَاضَعَ الْخَصْمَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَضَعَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجَّتَهُ وَكَتَبَهَا وَقَيَّدَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَنْكَرَ، قَالَ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ) ش: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي حَتَّى يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ فَإِنْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ خَطَأً، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي آخِرِ كِتَابِ حَرِيمِ الْبِئْرِ: وَاسْتَحْسَنَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَسْمَعَ الْقَاضِي مِنْ الْبَيِّنَةِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَقَالَةِ وَعَلَى ذَلِكَ بُنِيَتْ الْأَحْكَامُ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى فَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَلَكِنَّهُ إنْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ انْعِقَادِ الْمَقَالَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَإِ الَّذِي يُوجِبُ نَقْضَ الْحُكْمِ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْمَفْقُودِ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَيْ: الْمَفْقُودَ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ أَوْ أَسْنَدَ إلَيْهِ الْوَصِيَّةَ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ فَإِذَا قَضَى بِمَوْتِهِ بِحَقِيقَةٍ أَوْ بِتَعْمِيرٍ جَعَلْت الْوَصِيَّ وَصِيًّا وَأَعْطَيْت الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ إنْ كَانَ حَيًّا وَحَمْلُهَا الثُّلُثُ وَلَا أُعِيدُ الْبَيِّنَةَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ زَوْجُهَا قَضَيْت لَهَا كَقَضِيَّتِي عَلَى الْغَائِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْمَعَ الْقَاضِي مِنْ بَيِّنَةِ الْخَصْمِ وَيُوقِعَ شَهَادَتَهُمْ حَضَرَ الْخَصْمُ أَمْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ وَفِيهَا أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي شَهَادَتِهِمْ مِدْفَعٌ أَوْ فِي عَدَالَتِهِمْ مُجَرَّحٌ كَلَّفَهُ إثْبَاتَهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَشْهَدُوا بِمَحْضَرِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ: لَا يَكُونُ إيقَاعُ الشُّهُودِ إلَّا بِمَحْضَرِ الْخَصْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ مِثْلَهُ وَقَالَ فَضْلٌ وَسَحْنُونٌ مِثْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، قَالَ عِيسَى: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى وَكَالَةً وَلَمْ يُثْبِتْهَا بَعْدُ وَشُهُودُ الْحَقِّ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ حُضُورٌ أَيَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ، قَالَ: إنْ خَافَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى مَوْضِعٍ وَكَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ يُثْبِتُ الْوَكَالَةَ بَعْدُ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى تَثْبُتَ الْوَكَالَةُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ مِنْ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ وَقْتِ دُخُولِ الْحُكْمِ بِهَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْهَا: أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَفْقُودِ بِأَنَّهُ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ

فرع وجبت يمين على رجل فأراد الطالب تأخيرها وأراد المطلوب تعجيلها

أَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ قَبْلَ الْحُكْمِ بِتَمْوِيتِهِ وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ بَيِّنَةً وَلَا يَسْمَعُهَا إلَّا فِي حَالٍ يَحْكُمُ بِهَا لِلطَّالِبِ أَوْ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ الْمَطْلُوبِ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ مِنْ بَيِّنَتِهِ حَتَّى تَثْبُتَ وَكَالَتُهُ وَإِنْ خَشِيَ مَغِيبَ بَيِّنَتِهِ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ فِي إنْصَافِ الْخَصْمَيْنِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَا يَسْمَعُ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إلَّا بِمَحْضَرِ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْمُتَخَلِّفِ لَدَدًا فِي تَخَلُّفِهِ فَيَشْكُو إلَيْهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ كَلَامًا، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْعَدْلِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ أَنْ لَا يُجِيبَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ لَدَدًا مِنْ الْمُتَخَلِّفِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَمْرَهُ وَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَحْضُرْ الْآخَرُ فَلَا يَسْمَعُ مِنْهُ حُجَّتَهُ وَلْيَأْمُرْهُ بِإِحْضَارِ خَصْمِهِ أَوْ يُعْطِيهِ طِينَهُ أَوْ يَكْتُبُ بِجَلْبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ مَا خُصُومَتُهُمَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي أَوَائِلِ مُقْنِعِهِ وَقَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا اسْتَعْدَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِدَعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَعْطَاهُ طَابَعًا فِي جَلْبِهِ أَوْ رَسُولًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْمِصْرِ لَمْ يَجْلِبْهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ كَتَبَ إلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أُمَنَائِهِ إمَّا أَنْصَفَهُ وَإِلَّا فَلْيَرْتَفِعْ مَعَهُ وَأَمَّا الْقَرِيبُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ ثُمَّ يَرْجِعَ وَيَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ فَهَذَا يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى كَاَلَّذِي فِي الْمِصْرِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ إلَى آخِرِهِ) ش قَوْلُهُ وَاسْتَحْلَفَهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْخَصْمَ حَتَّى يَطْلُبَ ذَلِكَ خَصْمُهُ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي سِيرَتِهِ مَعَ الْخُصُومِ: وَمِنْهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ إلَّا بِإِذْنِ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شَاهِدِ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى آخَرَ ثَلَاثِينَ دِينَارًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَقَالَ الطَّالِبُ: لَمْ آخُذْ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَلَمْ أَرْضَ بِهَا وَلَا بُدَّ أَنْ تُعَادَ الْيَمِينُ فَأَمَرَ الْقَاضِي غُلَامَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا كَرَاهَةَ أَنْ يُكَلِّفَهُ إعَادَةَ الْيَمِينِ الَّتِي قَضَى عَلَيْهِ بِهَا وَإِذَا اسْتَحْلَفَهُ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَحْلُوفِ لَهُ أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنْ تَغَيَّبَ وَثَبَتَ تَغَيُّبُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَقَامَ الْقَاضِي مَنْ يَقْضِيهَا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا تَغَيَّبَ عَنْ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ التَّفْلِيسِ، وَنَصُّهُ: مَنْ وَجَبَتْ لَهُ يَمِينٌ عَلَى رَجُلٍ فَتَغَيَّبَ عَنْ قَبْضِهَا فَالْقَاضِي يُوَكِّلُ مَنْ يَتَقَاضَى عَنْهُ الْيَمِينَ إذَا ثَبَتَ مَغِيبُ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْيَمِينُ وَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ نَظَرَهُ وَقَالَ فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الْيَمِينِ مَسْأَلَةَ: وَإِذَا حَلَفَ الْخَصْمُ دُونَ حُضُورِ خَصْمِهِ لَمْ تُجْزِهِ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ إذَا بَادَرَ بِالْيَمِينِ بِحُضُورِ خَصْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ لَمْ تُجْزِهِ اُنْظُرْ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ وَأَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ انْتَهَى. وَعَكْسُ هَذَا أَنْ يَطْلُبَ الطَّالِبُ الْيَمِينَ مِنْ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْحَاكِمِ وَأَمْرِهِ فَيَحْلِفُ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيهِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النُّكُولِ وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ دُونَ حَاكِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ وَجَبَتْ يَمِينٌ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَ الطَّالِبُ تَأْخِيرَهَا وَأَرَادَ الْمَطْلُوبُ تَعْجِيلَهَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الْيَمِينِ: (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَ الطَّالِبُ تَأْخِيرَهَا وَأَرَادَ الْمَطْلُوبُ تَعْجِيلَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ فَتَعْجِيلُهَا أَوْجَبُ لِمَنْ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا تُؤَخَّرُ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى امْرَأَةٍ وَطَلَبَ الْخَصْمُ أَنْ تَحْلِفَ بِمَحْضَرِهِ، فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ وَالْقَدْرِ جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا

تنبيه أدلى الخصمان بحجتهما ففهم القاضي عنهما وأراد أن يحكم بينهما

مَنْ يُحَلِّفُهَا؛ لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ وَلَا مَقَالَ لِلْخَصْمِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ إحْلَافُهَا فَلَيْسَ لَهُ ابْتِذَالُهَا، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطَّالِبَ لِلْيَمِينِ لَا يَحْضُرُ مَعَهَا وَبَعْثَ الْقَاضِي يَكْفِي وَنَزَلَتْ وَحَكَمَ بِأَنَّهُ يَقِفُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ يَمِينَهَا وَلَا يَرَى شَخْصَهَا؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِلْيَمِينِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ هُنَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ، انْتَهَى. ص (فَلَا بَيِّنَةَ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ التَّبْصِرَةِ: (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَمِنْ الْحَزْمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ أَنْ يَلْزَمَ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ بَيِّنَةَ مَا عَلِمَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِذَا عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْبَيِّنَةِ، انْتَهَى. (فَرْع) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَوْ حَلَّفَهُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَجَدَ بَيِّنَةً قَامَ بِهَا فَفِي إعْمَالِ شَرْطِهِ قَوْلَانِ فَانْظُرْهُ، انْتَهَى. ص (قَالَ: وَكَذَا أَنَّهُ عَالَمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ) ش: اُنْظُرْ إذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّهُودِ عَدَاوَةً وَادَّعَى أَنَّ خَصْمَهُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا لَمْ أَرَ الْآنَ فِيهَا نَصًّا وَقَدْ سُئِلْت عَنْهُ مِرَارًا فَأَجَبْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ قِيَاسًا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ أَدْلَى الْخَصْمَانِ بِحُجَّتِهِمَا فَفَهِمَ الْقَاضِي عَنْهُمَا وَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا] ص (وَأَعْذَرَ بِأَبْقَيْتُ لَك حُجَّةً) ش تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) كَانَ الْمُصَنِّفُ هَرَبَ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ لَكَ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ تَثْنِيَتِهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا وَجْهَ الْحُكْمِ فِي الْقَضَاءِ إذَا أَدْلَى الْخَصْمَانِ بِحُجَّتِهِمَا فَفَهِمَ الْقَاضِي عَنْهُمَا وَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا أَبَقِيَتْ لَكُمَا حُجَّةٌ فَإِنْ قَالَا: لَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ حُجَّةٌ بَعْدَ إنْفَاذِهِ، انْتَهَى. فَقِيلَ الْحُجَّةُ إنَّمَا تُطْلَبُ مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِهَذَا اخْتَصَرَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ لَكِنْ أُجِيبَ عَنْهَا بِأَنَّ الْحُكْمَ تَارَةً يَتَوَجَّهُ عَلَى الطَّالِبِ وَتَارَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقْوَى حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَضْعُفُ حَجَّةُ الْمُدَّعِي فَيَتَوَجَّهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْإِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فَلَمَّا كَانَ يُعْذَرُ تَارَةً إلَى هَذَا وَتَارَةً إلَى هَذَا اخْتَصَرَ وَأَتَى بِذَلِكَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ كَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَقِيلَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ وَقِيلَ بَعْدَهُ ذَكَرَهُ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ زَرْبٍ وَلَا تَتِمُّ قَضِيَّةُ الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ، انْتَهَى. وَفِي آخِرِ

وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ فِي تَسْجِيلٍ بِنَقْضِ حُكْمِ قَضَاءِ قَاضٍ فَنَظَرَ فِيهِ فَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ وَجَهْلِهِ بِالسُّنَّةِ مَا أَوْجَبَ فَسْخَ قَضَائِهِ عِنْدَ فُلَانٍ إذَا كَانَ لَمْ يَعْذِرْ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ جَائِزًا إذْ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ بِالْعَدْلِ فِي الْحُكْمِ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ قَبْلَ الْإِعْذَارِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ مَسْأَلَةً طَوَّلَ فِيهَا مِنْ ابْتِيَاعٍ وَخُصُومَةٍ فِيهَا فَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ حُكْمًا وَقَعَ بِغَيْرِ إعْذَارٍ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ مُنْذِرُ بْنُ إِسْحَاقَ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ إعْذَارٍ غَيْرُ صَوَابٍ وَلَا هُوَ مِنْ وَجْهِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَنْ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَلَيْسَ نَظَرُهُ بِحُجَّةٍ، قَالَ: وَفِيهِ ضَعْفٌ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا لَمْ يُكْتَبْ الْإِعْذَارُ فِي الْحُكْمِ وَزَعَمَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْحَاكِمِ أَوْ عَزْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ جُرْحِ الشَّاهِدِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ وَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا: إنْ دُعِيَ إلَى الْإِعْذَارِ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ إلَيْهِ وَذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ فَإِنْ أَتَى بِمِدْفَعٍ نَظَرَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمِدْفَعٍ مَضَى الْحُكْمُ بِالْإِعْذَارِ إلَيْهِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ النَّظَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحُكْمِ لِغَفْلَةِ مَنْ غَفَلَ عَنْ تَتَبُّعِ حَقِّهِ، انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْغَائِبَ عَلَى حُجَّتِهِ وَلَهُ نَقْضُ الْحُكْمِ إذَا ظَهَرَ مَا يَنْقُضُهُ وَلَوْ لَمْ تُرْجَ لَهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تُرْجَ لَهُ الْحُجَّةُ وَفِي أَثْنَاءِ شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي بَابِ مَا يُفْسَخُ فِيهِ حُكْمُ الْقَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ) ش الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِفِي يَعُودُ عَلَى الْإِعْذَارِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَأَعْذَرَ يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي إذَا وَجَّهَ مَنْ يَعْذُرُ إلَى أَحَدٍ فَلْيُوَجِّهْ إلَيْهِ مُتَعَدِّدًا، قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَعْذُرَ بِرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ وَإِذَا أَعْذَرَ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى. ص (وَمُوَجِّهِهِ) ش: وَكَذَا لَا إعْذَارَ فِيمَنْ يُوَجِّهُهُ الْقَاضِي فِي الْإِعْذَارِ إلَى شَخْصٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ: (مَسْأَلَةٌ) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَلَا يُعْذِرُ الْقَاضِي فِيمَنْ أَعْذَرَ بِهِ إلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَخْرُجَانِ (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يُعْذِرُ فِي الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُوَجِّهُهُمَا لِحُضُورِ حِيَازَةِ الشُّهُودِ لِمَا شَهِدُوا فِيهِ مِنْ دَارٍ أَوْ عَقَارٍ وَقَالَ ابْنُ سَرَّى: سَأَلْت ابْنَ عَتَّابٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا إعْذَارَ فِيمَنْ وُجِّهَ لِلْإِعْذَارِ وَأَمَّا الْمُوَجَّهَانِ لِلْحِيَازَةِ فَيُعْذَرُ فِيهِمَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) وَكَذَلِكَ الشَّاهِدَانِ الْمُوَجَّهَانِ لِحُضُورِ الْيَمِينِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَقَامَهُمَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِيهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) وَكَذَلِكَ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ تَطْلِيقَ الْمَرْأَةِ وَأَخْذَهَا بِشَرْطِهَا فِي مَسَائِلِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمْ، انْتَهَى. قَالَ وَالِدِي - حَفِظَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ أَشَارَ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ

بِقَوْلِهِ: وَمُوَجِّهُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبَ الْمُعَامَلَةِ إلَى قَوْلِهِ لَا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ) ش: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَاتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ وَانْظُرْ الْبَابَ السَّادِسَ وَالْخَمْسِينَ فِي الْقَضَاءِ بِمُوجِبِ الْجُحُودِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ التَّبْصِرَةِ وَانْظُرْ رَسْمَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أَعْرِفُك وَلَا كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَك خُلْطَةٌ قَطُّ، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُدَّعِي بِحَقٍّ وَأَتَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، قَالَ: أَرَى أَنْ تَنْفَعَهُ بَيِّنَتُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ خُلْطَةٌ ابْنُ رُشْدٍ. إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَيْهِ مِنْ مُعَامَلَةٍ قَائِمَةٍ قَبْلَ إنْكَارِهِ لَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا وَأَمَّا إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِحَقٍّ لَهُ مِنْ مُعَامَلَةٍ حَدِيثَةٍ بَعْدَ إنْكَارِهِ قَضَى لَهُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: لَا نَدْرِي هَلْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ إنَّهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ، انْتَهَى. ص (وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ لِينٍ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا)

فرع القاضي لا يحكم على عدوه

ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمُنَازَعَةٍ وَتَشَاجُرٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَتَجِبُ الْيَمِينُ حِينَئِذٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الرُّعَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ: وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ. فَلَا قَوْلَ لِلْمُدَّعِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ حُرٌّ وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ بِيَدِ رَجُلٍ مُقَرٍّ لَهُ بِالْمِلْكِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يُشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) ش: (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ الْمُقْضَى لَهُ: (مَسْأَلَةٌ) وَفِي ابْنِ يُونُسَ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِخِلَافِ رَجُلَيْنِ رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلٍ، انْتَهَى. [فَرْعٌ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاتِّفَاقُهُمْ هُنَا وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْأُولَى يَعْنِي الْحُكْمَ لِلْقَرَابَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَانِعَ الْعَدَاوَةِ أَقْوَى مِنْ مَانِعِ الْمَحَبَّةِ، انْتَهَى. وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ إنَّ مِمَّا يُنْتَقَضُ فِيهِ حُكْمُ الْقَاضِي حُكْمُهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا، قَالَ سَحْنُونٌ: أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَحْكُمَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَلْيُنَفِّذْ شَهَادَتَهُ غَيْرُهُ إذَا وَلِي فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ وَفِي غَيْرِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاضِي الَّذِي رَدَّ شَهَادَتَهُ عَدَاوَةً، انْتَهَى. وَمِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ يَتِيمُ عَدُوِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ قَضَاءُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ لِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ فَيُعَاقِبُهُ وَيَتَمَوَّلُ الْمَالَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَدَلِيلُهُ قَطْعُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدَ الْأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، انْتَهَى. يَعْنِي بِقَوْلِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ قَطْعُهُ بِاعْتِرَافِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَطَعَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ مَا تَقَدَّمَ إلَّا عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ: قِيلَ لِمَالِكٍ أَرَأَيْت الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْقَاضِي بِالْكَلَامِ فَيَقُولُ قَدْ ظَلَمْتَنِي، قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَيَخْتَلِفُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ تَفْسِيرًا إلَّا أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَهُ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَذَاهُ وَكَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ أَنْ يُعَاقِبَهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ وَأَذَاهُ بِأَنْ نَسَبَ إلَيْهِ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ مُوَاجَهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ بِخِلَافِ مَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَذَاهُ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ مَا وَاجَهَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ فَيُعَاقِبَهُ بِهِ أَيْ: بِإِقْرَارِهِ وَيُتَمَوَّلُ الْمَالُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَحْكُمُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَطْعُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدَ الْأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ فَاعْتَرَفَ بِهِ لِأَقْطَعَ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَلَى الشَّكِّ، فَالصَّوَابُ مَا فِي غَيْرِ الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ إذْ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ لَمَا قَطَعَهُ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ لَهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَهُ أَوْ لِزَوْجَتِهِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ مَتَاعَهَا كَمَتَاعِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ لَمَّا جَاءَهُ بِغُلَامِهِ فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ مَرَّةً لِامْرَأَتِي لَا قَطْعَ عَلَيْهِ هَذَا خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ يَحْكُمُ بِالْإِقْرَارِ فِي مَالٍ كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ فِي عَرْضِهِ كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي عَرْضِ غَيْرِهِ لِمَا يَتَعَلَّقُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْجُرْأَةَ عَلَى الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ بِمِثْلِ هَذَا تَوْهِينٌ لِأَمْرِهِمْ وَدَاعِيَةٌ إلَى الضَّعْفِ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْحَقَائِقِ فِي الْأَحْكَامِ فَالْمُعَاقَبَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّجَاوُزِ وَالْعَفْوِ، وَقَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ مَا اجتمع فِيهِ حَقّ لِلَّهِ وَحَقّ لِلْقَاضِي] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقٌّ لَهُ وَلِلَّهِ فِي جَوَازِ

فرع هل يجوز الحكم للمغترقي الذمم بالمغصوب الممتنعين باليد القاهرة على أحد

حُكْمِهِ فِيمَا هُوَ لِلَّهِ كَمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ مَالِهِ مَا يَقْطَعُ فِيهِ فِي حُكْمِهِ بِقَطْعِهِ قَوْلَا ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ (قُلْتُ) هَذَا يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ وَفِي النَّوَادِرِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ أَخَذَ الْقَاضِي فَلَهُ قَطْعُهُ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَكَذَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَكَذَا فِي مُحَارَبٍ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ فَلْيَحْكُمْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُحَارَبِ وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا (فَرْعٌ) مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْقَاضِي فِي الْمَنْعِ مِنْ الْحُكْمِ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ الْمُفْتِي يَعْنِي لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي الْهُرُوبُ مِنْ مِثْلِ هَذَا، انْتَهَى. مِنْ الرُّكْنِ الثَّالِثِ الْمُقْضَى لَهُ. [فَرْعٌ هَلْ يَجُوزُ الْحُكْمُ لِلْمُغْتَرِقِيِّ الذِّمَمِ بِالْمَغْصُوبِ الْمُمْتَنِعِينَ بِالْيَدِ الْقَاهِرَةِ عَلَى أَحَدٍ] (فَرْعٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ هَلْ يَجُوزُ الْحُكْمُ لِلْمُغْتَرِقِيِّ الذِّمَمِ بِالْمَغْصُوبِ الْمُمْتَنِعِينَ بِالْيَدِ الْقَاهِرَةِ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ لَا لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَالِكٌ وَلَا هُوَ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ فَهَلْ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْفَيْءِ أَمْ لَا فَأَجَابَ مَنْ كَانَ مُغْتَرِقَ الذِّمَّةِ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَيْنَ الْغَصْبِ وَمَا بِأَيْدِيهِمْ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ وَلَا يُعْرَفُ وَارِثُ مَالِكِهِ وَلَا مَنْ يَسْتَحِقُّهُ عَلَى حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَاصَصَ فِي مَالِهِ بِتَجْرٍ وَلَا غَيْرِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ مَا غُصِبَ وَلَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحَرِّيهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ غَصَبَهُ فُقَرَاءُ فَيُفَرَّقُ فِيهِمْ وَيُعْطَى مِنْهُمْ مَنْ كَانَ صَغِيرًا قَدْرَ مَا يَرَى وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِيمَنْ غَصْبُهُ مُسْتَحِقٌّ لِلصَّدَقَةِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْفَيْءِ وَذَلِكَ حُكْمُ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ يَنْظُرُ مَا هُوَ أَنْفَعُ يُعْمَلُ بِهِ أَمَّا الصَّدَقَةُ أَوْ بِنَاءُ الْقَنَاطِرِ أَوْ جَمِيعُ مَا يُصْرَفُ فِيهِ مَتَاعُ بَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يُوضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالْآخَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. ص (وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ إلَخْ) ش: هَذَا كَمَا قَالَ: الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الْجَائِرُ فَتُنْبَذُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا أَيْ: تُطْرَحُ وَتُرَدُّ سَوَاءٌ

فرع أحكام العمال

كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ حَقٌّ، وَالثَّانِي الْجَاهِلُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ نُبِذَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّخْمِينِ وَإِنْ كَانَ يُشَاوِرُ الْعُلَمَاءَ تُعُقِّبَتْ أَحْكَامُهُ وَأُمْضِيَ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ جَوْرٌ وَنُبِذَ الْآخَرُ، وَالثَّالِثُ الْعَدْلُ الْعَالِمُ فَلَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ وَلَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَرْفَعَ أَحَدٌ قَضِيَّتَهُ وَيَذْكُرَ أَنَّهُ حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ الصَّوَابِ فَيُنْظَرُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَتُنْقَضُ إنْ خَالَفَتْ نَصًّا قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ، قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِجَهْلٍ أَوْ يُخَالِفَ قَاطِعًا أَوْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ وَعَلَى الْقَاضِي: إذَا أَقَرَّ بِالْجَوْرِ أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ وَيُعْزَلُ وَيُشَهَّرُ وَيُفْضَحُ وَلَا تَجُوزُ وِلَايَتُهُ أَبَدًا وَلَا شَهَادَتُهُ وَإِنْ أَحْدَثَ تَوْبَةً وَصَلُحَتْ حَالَتُهُ بِمَا اجْتَرَمَ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. [فَرْعٌ أَحْكَامِ الْعُمَّالِ] (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ فِي

القاضي مجهول الحال

أَحْكَامِ الْعُمَّالِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الرَّدِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ أُمْضِيَتْ بِحَقٍّ فَتَجُوزُ وَهُوَ خِلَافُ مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا قَضَتْ فِيهِ وُلَاةُ الْمِيَاهِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا؛ لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَا يُنْظَرُ فِيهَا وَلَا تُتَعَقَّبُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا الْجَوْرُ الْبَيِّنُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْعَدْلِ مِنْ الْوُلَاةِ، فَمَرَّةً رَآهَا جَائِزَةً مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْجَوْرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْبَغَ وَمَرَّةً رَآهَا مَرْدُودَةً مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا الْحَقُّ وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَمَّا الْعُدُولُ مِنْهُمْ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ أَحْكَامَهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَوَازِ وَأَنَّهَا لَا يُرَدُّ مِنْهَا إلَّا مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الْجَوْرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْعَدْلِ وَمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. [الْقَاضِي مجهول الْحَال] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ فَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ إنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الَّذِي وَلَّاهُ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا يُوَلِّي غَيْرَ الْعُدُولِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالْجَوْرِ فِي أَحْكَامِهِ وَتَوْلِيَتِهِ غَيْرَ الْعُدُولِ جَرَى ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ أَحْكَامِهِ، انْتَهَى. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي كِتَابِ الْإِمَارَةِ فِي بَعْثِ مُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى الْيَمَنِ وَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، قَالَ وَفِيهِ يَعْنِي الْحَدِيثَ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ لِوُلَاةِ الْأَمْصَارِ إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتُلِفَ فِي إقَامَةِ وُلَاةِ الْمِيَاهِ وَأَشْبَاهِهِمْ لِذَلِكَ فَرَأَى ذَلِكَ أَشْهَبُ لَهُمْ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ نَحْوَهُ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا يُقِيمُهُ إلَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَلَا يُقِيمُهُ عَامِلُ السَّوَادِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقُضَاةِ إذَا كَانَتْ وِلَايَتُهُمْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِنَوْعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَالنَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ قَامَ بِذَلِكَ قَائِمٌ أَوْ اخْتَصَّ بِحَقِّ اللَّهِ وَحُكْمُهُ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الْوَصِيِّ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِضَبْطِهِ بَيْضَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ إعْدَادِ الْجُيُوشِ وَجِبَايَةِ الْخَرَاجِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِعِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ [فَرْعٌ أَحْكَامِ وُلَاةِ الْكَوْرِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا: وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ عِنْدَنَا فِي أَحْكَامِ وُلَاةِ الْكَوْرِ فَأَمْضَاهَا أَبُو إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يُجِزْهَا اللُّؤْلُئِيُّ حَتَّى يَجْعَلَ إلَيْهِ مَعَ الْقِيَادَةِ وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِ الْكُورَةِ النَّظَرَ فِي الْأَحْكَامِ وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ إذَا كَانَ لِلْكُورَةِ قَاضٍ قَدْ أُفْرِدَ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْكَامِ أَنْ لَا يَجُوزَ حُكْمُ الْوُلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَاضٍ أَنْ يَجُوزَ حُكْمُهُمْ لِمَا لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّفْقِ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَلِيَ مَعَ الْقَائِدِ حَاكِمٌ فَقَدْ بَانَ أَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فِي الْأَحْكَامِ وَإِذَا لَمْ يُوَلَّ مَعَهُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ حُكْمُهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي وُلَاةِ الْمِيَاهِ، انْتَهَى. مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَوُلَاةِ الْمِيَاهِ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَوُلَاةُ الْمِيَاهِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَسْكُنُونَ عَلَى الْمِيَاهِ خِلَافُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، انْتَهَى. ص (وَفِي الْقَطْعِ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ) ش: يَعْنِي فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي قَطْعٍ فَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا قَطَعَ يَدَ هَذَا عَمْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُ الْمَحْكُومَ لَهُ بِالْقِصَاصِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَاسْتَحَقَّ دِيَةَ يَدِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَحُكْمُهَا حُكْمُ الدِّيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْقِصَاصِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّ الْغُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ إنْ عَلِمُوا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ عَمْدًا فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مُتَوَلِّي الْقَطْعِ شَيْءٌ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْمُهِمَّاتِ (قُلْتُ) فَهَلْ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ عَلَى الَّذِي اقْتَصَّ لَهُ شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا (قُلْتُ) فَهَلْ عَلَى الَّذِي اقْتَصَّ شَيْءٌ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ اللَّخْمِيِّ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحُرُّ أَنَّ الَّذِي

مَعَهُ عَبْدٌ، انْتَهَى. ص (وَنَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ إنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ إلَخْ) ش: هَذَا مَا دَامَ عَلَى وِلَايَتِهِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ، قَالَ فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ: وَلِلْقَاضِي الرُّجُوعُ عَنْ حُكْمِهِ فِيمَا فِيهِ الِاخْتِلَافُ مَا دَامَ عَلَى خُطَّتِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ نَقْضُ ذَلِكَ الْحُكْمِ إذَا وَافَقَ مِنْهُ قَوْلَ قَائِلٍ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ هُوَ نَقْضُهُ إنْ عَادَ إلَى الْحُكْمِ بَعْدَ الْعَزْلِ وَلِلْقَاضِي فَسْخُ حُكْمِ قَاضٍ حَكَمَ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ أَوْ بَيْنَ أَبَوَيْهِمَا أَوْ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَأَبِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَعْدَلَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مِثْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ وَكَانَ سُلَيْمَانُ هَذَا فِي غَايَةٍ مِنْ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَلَوْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ فِي اللَّهِ لَجَازَتْ أَحْكَامُهُ وَشَهَادَتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: لِلْقَاضِي الرُّجُوعُ عَمَّا حَكَمَ بِهِ وَقَضَى فِيهِ مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِيمَا تَبَيَّنَ لَهُ فِيهِ الْوَهْمُ مَا دَامَ عَلَى قَضَائِهِ فَإِنْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ جَوْرٌ أَوْ يَكُونُ قَدْ قَضَى بِخَطَأٍ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَا حَكَمَ فِيهِ مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا ضَعِيفًا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ سِوَاهُ فَسْخُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ عُزِلَ الْقَاضِي ثُمَّ صُرِفَ إلَى خُطَّةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ مَا حَكَمَ بِهِ إلَّا مَا يَكُونُ لَهُ مِنْ نَقْضِ قَضَاءِ غَيْرِهِ، وَعَزْلُهُ وَتَوْلِيَتُهُ كَعَزْلِهِ وَتَوْلِيَتِهِ غَيْرَهُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ عَمَّا حَكَمَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهُوَ يَرَاهُ بِاجْتِهَادِهِ وَأَمَّا إنْ قَضَى بِذَلِكَ وَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا فَلَا يَنْبَغِي الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إلَى مَا رَأَى إذْ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ إذَا اشْتَكَى رَجُلٌ الْقَاضِيَ أَنَّهُ جَارٌ عَلَيْهِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَيُكْشَفُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَخْطَأَ فِي رَأْيِهِ وَتَبَيَّنَ لِلْعُلَمَاءِ نَهَاهُ عَنْ إنْفَاذِهِ وَإِنْ خَفَّ عَلَى الْإِمَامِ جَمْعُهُمْ عِنْدَهُ فَعَلَ وَإِلَّا أَقْعَدَ مَعَهُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ وَيَأْمُرُهُمْ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَلَا يَنْفَرِدُ دُونَهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ كُنْتُ حَكَمْت قَبْلَ قُعُودِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ فَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أَوْ فِيهِ خِلَافٌ مَضَى وَإِلَّا فُسِخَ، انْتَهَى. ص (وَرَفْعُ الْخِلَافِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي تَرْجَمَةِ مَا يَحِلُّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ: وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى مَنْ يَرَاهَا وَاحِدَةً وَالزَّوْجَةُ مَذْهَبُهَا أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَالزَّوْجُ أَيْضًا مِمَّنْ يَرَى أَنَّ أَلْبَتَّةَ ثَلَاثٌ

فرع باع الحاكم على مفلس أويتيم أو فعل عقدا من العقود فهل ذلك حكم منه بذلك الفعل أم لا

فَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَا يُبِيحُ لَهُ الْحَاكِمُ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُحِلُّ لَهُمَا مَا هُوَ عَلَيْهِمَا حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي الْمَاءَ يُرِيدُ بِذَلِكَ عِتْقَهُ وَالسَّيِّدُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي مِثْلِ هَذَا عَتَقَ وَإِنْ نَوَاهُ وَالْعَبْدُ يَرَاهُ عِتْقًا فَلِلْعَبْدِ فِي هَذَا أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ بِمَا حَكَمَ لَهُ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: اخْتَارِي، فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي وَهِيَ تَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ ثَلَاثٌ وَالزَّوْجُ يَرَاهُ وَاحِدَةً فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يُبِيحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُمَكِّنَ الزَّوْجَ مِنْهَا وَلْتَمْنَعْهُ جَهْدَهَا وَلَوْ رَفَعَهَا إلَى قَاضٍ يَرَى الْخِيَارَ طَلْقَةً فَارْتَجَعَهَا الزَّوْجُ فَلَا يُبِيحُ لَهَا الْحُكْمُ مَا هُوَ عِنْدَهَا حَرَامٌ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ يَأْتِيَهَا الزَّوْجُ إلَّا وَهِيَ كَارِهَةٌ، انْتَهَى. ص (وَنَقْلُ مِلْكٍ وَفَسْخُ عَقْدٍ وَتَقَرُّرِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيِّ حُكْمٍ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ، قَالَ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ بِفَسْخِ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ وَشَبَهِ ذَلِكَ لِمُوجِبٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفَسْخِ وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا وَمَثَارُ الْخِلَافِ فِيهِمَا اجْتِهَادِيٌّ أَيْ: لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ جَلِيٌّ يَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ الْفَسْخَ وَأَمَّا مَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْعَوَارِضِ فَذَلِكَ الْقَاضِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالْمُفْتِي، وَكَذَلِكَ لَوْ حَدَثَتْ قَضِيَّةٌ أُخْرَى مِثْلُ الْقَضِيَّةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِالْفَسْخِ فِي وِلَايَةِ ذَلِكَ الْقَاضِي وَلَمْ تُرْفَعْ إلَيْهِ أَوْ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهَا حَتَّى عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ نَظَرٍ آخَرَ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْقَاضِي الثَّانِي وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْجُزْئِيَّاتِ لَا بِالْكُلِّيَّاتِ، انْتَهَى. [فَرْعٌ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَى مُفْلِسٍ أويتيم أَوْ فَعَلَ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ فَهَلْ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَمْ لَا] (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ فَعَلَ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ فَهَلْ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَمْ لَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَقَدْ نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ تَبْصِرَةَ ابْنِ فَرْحُونٍ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّ مَا تَوَلَّاهُ مِنْ الْعُقُودِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ لَيْسَ بِحُكْمٍ [فَرْعٌ إشْهَادُ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: إشْهَادُ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ حُكْمٌ بِعَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعِيدَ الشُّهُودُ شَهَادَتَهُمْ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِمْ أَوْ بَعْدَ تَزْكِيَتِهِمْ عِنْدَهُ وَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ أَشْهَدَ بِثُبُوتِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الْإِعْذَارِ دُونَ تَزْكِيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَةً، انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي كَلَامِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَسْأَلَةٌ تُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. [مَسْأَلَةٌ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَى شَخْصٍ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ فَهَلْ لِلْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ أَنْ يُثْبِتَ رُشْدَ ذَلِكَ وَيَفُكَّ عَنْهُ الْحَجْرَ] (مَسْأَلَةٌ) سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا أَسْنَدَ شَخْصٌ وَصِيَّتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَى شَخْصٍ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَحَكَمَ بِهِ فَهَلْ لِلْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يُثْبِتَ رُشْدَ

ذَلِكَ الْمَحْجُورِ وَيَفُكَّ عَنْهُ الْحَجْرَ؟ فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ أَوْ غَيْرِهِ بِفَكِّ الْحَجْرِ عِنْدَهُ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِمُوجِبِ الْوَصِيَّةِ فَلِلْحَنَفِيِّ إذَا أَنِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِفَكِّ الْحَجْرِ لِثُبُوتِ الرُّشْدِ عِنْدَهُ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَفُكَّ الْحَجْرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يُذْكَرُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الْمَالِكِيِّ بِمُوجِبِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجِبِهَا أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إلَّا بِإِينَاسِ الرُّشْدِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: الْإِقْطَاعُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْقَضُ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَفَسْخٍ بِرَضَاعِ كَبِيرٍ وَتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ) ش: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ الْبَحْثِ مَعَ ابْنِ شَاسٍ وَتَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُكْمِهِ لِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْفَسْخِ سِوَاهُ فَحُكْمُ الثَّانِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي رَافِعٌ لِحُكْمِ الْأَوَّلِ بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِفَسْخِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِكَوْنِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا، وَتَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَسْتَلْزِمُهُ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ نَعَمْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ شَاسٍ الَّتِي نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْهُ مِنْهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ لِلْقَاضِي فَسْخُ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَحُرْمَتِهَا فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: حُرْمَتُهَا أَنَّهُ حُكْمٌ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْفَسْخِ فَمَا قَالُوهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِتَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا فَكَيْفَ يَصِحُّ حُكْمُ الْقَاضِي الثَّانِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي وَلَعَلَّهُمْ فَهِمُوا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي (تَنْبِيهٌ) لَوْ رُفِعَ نِكَاحُ النَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ لِقَاضٍ فَفَسَخَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ذَلِكَ الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ مِنْ وَطْئِهِ فَرُفِعَ ذَلِكَ لِقَاضٍ يَرَى تَأْبِيدَ تَحْرِيمِهَا فَفَسْخَ النِّكَاحَ حِينَئِذٍ وَلَا يَصِحُّ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَسْخَ هَذَا النِّكَاحِ الثَّانِي مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُكْمِ بِتَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ إذْ لَا مُقْتَضَى لِلْفَسْخِ سِوَاهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْعَدَالَةِ) ش: اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَرَسْمَ الشَّجَرَةِ يُطْعِمُ بَطْنَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّسْمِ

أنكرت البينة أن تكون شهدت عند القاضي بما حكم به

الْمَذْكُورِ وَمَا حَصَّلَهُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَوْ شَهِدَ فُلَانٌ غَيْرُ الْعَدْلِ (وَإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ بَعْدَهُ لَمْ يُفِدْهُ) ش: تَقَدَّمَ كَلَامُ التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشُهُودًا أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ عِنْدَهُ وَحَكَمَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ الْإِقْرَارَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ مُسْتَنِدًا لِإِقْرَارِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ مُقَلِّدًا لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ لَا يُنْقَضُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ: حَكَمْت عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ عِنْدِي، فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: لَمْ أُقِرَّ عِنْدَهُ فَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ، هَكَذَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: فَإِنْ جَهِلَ وَأَنْفَذَ عَلَيْهِ هُوَ حُكْمُهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ غَيْرُهُ فَلْيَنْقُضْ هُوَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعْزَلْ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ نَقْضُهُ فِي الْإِقْرَارِ خَاصَّةً فِي مَجْلِس الْقَضَاءِ وَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ أَوْ رَآهُ وَهُوَ قَاضٍ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ نَفَذَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا يُنْفِذُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَلْيَنْقُضْهُ، انْتَهَى. [أَنْكَرَتْ الْبَيِّنَةُ أَنْ تَكُونَ شَهِدَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا حَكَمَ بِهِ] (فَرْعٌ) فَإِذَا أَنْكَرَتْ الْبَيِّنَةُ أَنْ تَكُونَ شَهِدَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا حَكَمَ بِهِ وَهُوَ يَقُولُ شَهِدْتُمْ وَحَكَمْت بِشَهَادَتِكُمْ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقُضَاةِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَاضِي يَقُولُ حَكَمْت لِفُلَانٍ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْقَاضِي يَقُولُ لِرَجُلٍ قَضَيْت عَلَيْك بِكَذَا بِشَهَادَةِ عُدُولٍ فَأَنْكَرَ وَقَالَ: مَا شَهِدُوا عَلَيَّ وَسَأَلَ الشُّهُودَ فَأَنْكَرُوا، فَقَالَ الْقَاضِي: قَدْ نَزَعُوا، قَالَ: يُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى سُلْطَانٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْعَدْلِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ أَنْكَرَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَابْتَدَأَ السُّلْطَانُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ أَنْكَرَتْ الْبَيِّنَةُ أَنْ تَكُونَ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ كَانَ فِيهَا قَوْلَانِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ أَوْ يَمْضِي وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهُمَا رُجُوعًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرْفَعُ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَى السُّلْطَانِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ أَنْكَرَ الشَّاهِدَانِ، وَقَالَا: إنَّمَا شَهِدْنَا بِالْمِائَةِ لِلْآخَرِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ كَانَتْ عَلَى مَا حَكَمَ، قَالَ: فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَغْرَمَ الْمِائَةَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَكَمْت بِحَقٍّ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ الْحُكْمَ فِيمَا بَيْنَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأَغْرَمَ الْمَالَ بِرُجُوعِ الْبَيِّنَةِ وَيَنْبَغِي عَلَى أَصْلِهِ إذَا كَانَ

الْحَاكِمُ فَقِيرًا أَنْ يُنْتَزَعَ الْمَالُ مِنْ الْمَحْكُومِ لَهُ وَيُرَدَّ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَى حَاكِمٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي: أَنَا أَشُكُّ أَوْ وَهِمْت نُقِضَ الْحُكْمُ فِيمَا بَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى مَا تَقُولُهُ الْبَيِّنَةُ الْآنَ وَيَكُونُ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ أَنْ يَغْرَمَ مِائَتَيْنِ، الْمِائَةَ الَّتِي قَبَضَ وَالْمِائَةَ الَّتِي شَهِدَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ، انْتَهَى. ص (وَشَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَقْضِيَةِ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِيمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ قَضَى بِهِ يَنْفُذُ مَا أَشْهَدَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مَا دَامَ قَاضِيًا لَمْ يُعْزَلْ، انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ مُطْلَقًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَقُولُهُ فِي الشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِذَلِكَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمَالِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَمْ يُفِدْهُ وَحْدَهُ) ش يَعْنِي أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يُفِيدُ وَحْدَهُ دُونَ إشْهَادِهِ أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ

أَوْ أَنَّهُ خَطُّهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَقْضِيَةِ: وَلَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ. بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَلَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ بِخَطِّ الْقَاضِي وَلَا أَنَّ الْخَتْمَ خَتْمُهُ وَهَذَا فِي الْكُتُبِ الَّتِي تَأْتِي مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ وَمِنْ مِثْلِ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَّا إذَا جَاءَ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ إلَى قَاضِيهَا كِتَابٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يَقْبَلُهُ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَالْخَتْمِ وَبِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ صَاحِبَ الْقَضِيَّةِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَاسْتِدْرَاكِ مَا يُخْشَى مِنْ التَّعَدِّي، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ نَافِعٍ فِي الْحُقُوقِ الْيَسِيرَةِ خِلَافٌ، ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ فِيمَا مَضَى بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَالْخَتْمِ دُونَ بَيِّنَةِ حَتَّى حَدَثَ اتِّهَامُ النَّاسِ، قَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْوَصَايَا: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى فَرْضِ الْقَاضِي لِلزَّوْجَةِ نَفَقَتَهَا ثُمَّ يَمُوتُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ جَاعَ فَبَاعَ مِنْ كِتَابِ عِيسَى مِنْ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّاهِدِ الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ اكْتَفَى فِي جَوَابِهِ بِمَعْرِفَةِ الْخَلْطِ دُونَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا سَأَلَهُ عَنْهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ فِيهِ قَضِيَّةٌ قَاطِعَةٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ إلَّا فِيمَا قَرُبَ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى. ص (كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ: مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ هُوَ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْوَثِيقَةِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنْ ثَمَّ غَيْرُهُ عَلَى صِفَتِهِ وَنَسَبِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْإِثْبَاتُ عَلَى الطَّالِبِ فِي تَعْيِينِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَحْفَظُ فِي بَعْضِ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الْحَقَّ يَلْزَمُ جَمِيعَ مَنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْإِثْبَاتُ

مسألة الدعوى على الغائب

عَلَى الطَّالِبِ، يَعْنِي فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ ثَمَّ غَيْرُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكُونُ الْإِثْبَاتُ حِينَئِذٍ عَلَى الطَّالِبِ ص (وَالْبَعِيدُ جِدًّا إلَخْ) ش هَذِهِ تُسَمَّى يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ وَيَمِينُ الْقَضَاءِ وَهِيَ تَتَوَجَّهُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ وَقَدْ عَقَدَ لَهَا فِي التَّبْصِرَةِ فَصْلًا وَذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ أَنَّهَا إنَّمَا تَتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّيْءِ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ وَلَا يَمِينَ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ كَلَامٍ لِذَلِكَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ [مَسْأَلَة الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: «مَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ «مَنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا تَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَحْرِيمُ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ لَيْسَ هُوَ لِلْمُدَّعِي فَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةُ كُلُّهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ بِغَيْرِ مُسَخَّرٍ لِدُخُولِ الْمُسَخَّرِ فِي دَعْوَى مَا لَيْسَ لَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَالْقَاضِي الَّذِي يُقِيمُهُ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّ دَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا الْقَانُونُ مَنْصُوصًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى يَخُصَّ بِهِ عُمُومَ هَذَا الْوَعِيدِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إيصَالُ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، فَتَرْكُ مُرَاعَاةِ هَذَا الْقَدْرِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ مِنْ إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ أَوْلَى مِنْ الدُّخُولِ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ، انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ الْمَذْكُورُ رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَهُ فِي كِتَابِ اللِّعَان فَلْيُنْظَرْ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَلَبَ الْخَصْمَ بِخَاتَمٍ

مسألة تزويج المرأة التي ليست بولايته

أَوْ رَسُولٍ إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى) ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ إجَابَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ إذَا دَعَاهُ إلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ فِيهِ إنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْأَحْكَامِ وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ إلَّا بِذَلِكَ وَمَنْ بَعُدَ مِنْ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ أَوْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ وَمَتَى عَلِمَ خَصْمُهُ إعْسَارَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ وَإِنْ دَعَاهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِجَبْرٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ وَتَحْرُمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَوْقُوفًا عَلَى الْحَاكِمِ كَتَأْجِيلِ الْعِنِّينِ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى الْحُكْمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَمْلِيكِ صِحَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ، وَكَذَلِكَ الْفُسُوخُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْحُكَّامِ وَإِنْ دُعِيَ إلَى حَقٍّ يُخْتَلَفُ فِي ثُبُوتِهِ، وَخَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ وَجَبَ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ أَوْ يَعْتَقِدُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ وَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَتْ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ وَمَتَى طُولِبَ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَجَبَ أَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدْفَعُهُ إلَّا بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ وَوُقُوفَ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَعْبٌ وَأَمَّا النَّفَقَاتُ فَيَجِبُ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا إنْ كَانَتْ لِلْأَقَارِبِ وَإِنْ كَانَتْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ الرَّقِيقِ يُخَيَّرُ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدَّعَاوَى وَصَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ إذَا دُعِيَ خَصْمٌ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ إلَى آخِرِهِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَسَافَةَ الْعَدْوَى هِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُحْضِرُ الْحَاكِمُ الْخَصْمَ الْمَطْلُوبَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ وَجْهِ الدَّعْوَى وَيَذْكُرَ لِلْحَاكِمِ السَّبَبَ، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُحْضِرُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِلْمُدَّعِي أَنَّ لِلدَّعْوَى أَصْلًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُحْضِرُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ لَا تَتَوَجَّهُ فَيَبْعَثُ إلَيْهِ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَيُحْضِرُهُ لِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ وَيَفُوتُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ حُضُورُ بَعْضِ النَّاسِ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَجْلِسِ الْحُكَّامِ مُزْرٍ بِهِ فَيَقْصِدُ مَنْ لَهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ أَذَى مَنْ يُرِيدُ بِذَلِكَ، مِنْ التَّبْصِرَةِ، انْتَهَى. [مَسْأَلَة تَزْوِيج الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ] ص (وَلَا يُزَوِّجُ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ) ش: (مَسْأَلَةٌ) وَقَعَتْ وَهِيَ امْرَأَةٌ فِي

بِلَادِ الشَّحْرِ مِنْ الْيَمَنِ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مَغْرِبِيٌّ ثُمَّ سَافَرَ عَنْهَا إلَى جِهَةِ مِصْرَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا مَا تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَكُتِبَ إلَيْهِ فَلَمْ يُطَلِّقْ وَلَمْ يُرْسِلْ بِنَفَقَةٍ وَلَيْسَ بِبَلَدِهَا مَنْ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا بِنْتَ قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَهَلْ لِقَاضِي مَكَّةَ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي السَّعَادَاتِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَالِكِيُّ بِأَنْ لَمْ يَرَ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْفَسْخِ وَتُمَكَّنُ الْمَرْأَةُ مِنْ إيقَاعِ طَلْقَةٍ بَعْدَ إثْبَاتِ الْفُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ شَرْعًا إذَا حَضَرَتْ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ أَوْ وَكِيلُهَا وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ لِعُدُولِ بَلَدِهَا بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَحْلِيفِهَا وَتَمْكِينِهَا مِنْ إيقَاعِ طَلْقَةٍ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ يُرَاعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ عُمِلَ أَوْ الْمُدَّعِي وَأُقِيمَ مِنْهَا) ش: هَذَا نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنْ كَانَ لَهُ بِالْبَلَدِ مَالٌ أَوْ حَمِيلٌ إلَى آخِرِهِ، وَعَلَيْهِ شَرَحَهُ الشُّرَّاحُ وَاَلَّذِي فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّمَا الْخُصُومَةُ حَيْثُ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَمَّا ذَكَرَ بَعْضَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ غَائِبَةً وَالشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي حَاضِرَانِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأُصُولِ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ فَحَيْثُ لَقِيَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ، اُنْظُرْ نَوَازِلَ سَحْنُونٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ أَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْضِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ تَرَدُّدٌ) ش: أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ إلَى الْخِلَافِ فِي الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ اهـ (تَنْبِيهٌ) هَذَا الْخِلَافُ فِي الدَّعْوَى مِمَّنْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ بِإِذْنٍ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ مَنْ لَهُ فِيهِ تَعْلِيقٌ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ فَهَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ كَلَامًا شَافِيًا وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ الْآتِي ذِكْرُهَا أَنْ تُلَخَّصَ قَاعِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَتُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ أَنَّ هَذَا الْمُدَّعِيَ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ فَلَهُ الْمُخَاصَمَةُ فِيهِ وَالدَّعْوَى وَإِثْبَاتُ مِلْكِ الْغَائِبِ وَتَسَلُّمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ضَمَانِهِ فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ الْغَائِبِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَيُثْبِتَ مِلْكَ الْغَائِبِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الدَّعْوَى فَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْغَاصِبُ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ آخَرُ وَالْمُسْتَعِيرُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنُ كَذَلِكَ وَالْحَمِيلُ كَذَلِكَ قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعُمَّالِ أَكْرَهَ رَجُلًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ يُخْرِجُ مِنْهُ مَتَاعَهُ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَأَخْرَجَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ

الْعَامِلُ الْغَاصِبُ ثُمَّ أَتَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَتَاعُ فَطَلَبَ مَا غُصِبَ فَهَلْ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ مِنْ الْآمِرِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْمَأْمُورِ، فَقَالَ: نَعَمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ هَلْ يَرْجِعُ هَذَا الَّذِي غَرِمَ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي أَكْرَهَهُ عَلَى الدُّخُولِ، فَقَالَ: نَعَمْ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ عَزَلَ الْأَمِيرُ الْغَاصِبَ وَغَابَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَتَاعُ فَقَامَ هَذَا الْمَكْرُوهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ عَلَى الْأَمِيرِ الْغَاصِبِ لِهَذَا الْمَتَاعِ لِيُغَرِّمَهُ إيَّاهُ وَيَقُولَ أَنَا الْمَأْخُوذُ بِهِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ هَلْ يُعَدَّى عَلَيْهِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَفْعَالِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ لَا يَصِحُّ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ مِنْ الْأَقْوَالِ بِاتِّفَاقٍ وَمِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى اخْتِلَافٍ وَقَدْ مَضَى تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذَا فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاع عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَقْضِي لِلْمُكْرَهِ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ الْعَامِلِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِتَغْرِيمِهِ إيَّاهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَيُوقَفُ لِصَاحِبِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ لَكِنْ قَالَ إثْرَهُ (قُلْتُ) الْأَظْهَرُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي الْوَقْتِ لَضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمِ الْغَصْبِ بَاقٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَفْعَالِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ لَا يَصِحُّ بِإِجْمَاعٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ حَسْبَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا أَيْضًا فِي بَابِ الْحَمَالَةِ إذَا أَرَادَ الْحَمِيلُ أَخْذَ الْحَقِّ بَعْدَ مَحَلِّهِ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عَدَمُهُ قَبْلَ قُدُومِ الطَّالِبِ أَوْ لَا يُخَافُ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ اللَّدَدِ وَالْمَطْلِ مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْحَمِيلُ أَمِينًا أَقَرَّ عِنْدَهُ وَإِلَّا أَرْدَعَ لِبَرَاءَةِ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ، انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمُرْتَهِنُ يُثْبِتُ مِلْكَ الرَّاهِنِ لِيَبِيعَهُ وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ، وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ وَغُرَمَاؤُهُ يُثْبِتُونَ مَالَهُ لِيُبَاعَ لَهُمْ وَيَسْتَوْفُونَ حَقَّهُمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ حَتَّى يُثْبِتَ عِنْدَهُ الدَّيْنَ وَالرَّهْنَ وَمِلْكَ الرَّاهِنِ لَهُ وَيُحَلِّفُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا وَهَبَ دَيْنَهُ وَلَا قَبَضَهُ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَأَنَّهُ لَبَاقٍ عَلَيْهِ إلَى حِينِ قِيَامِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ: وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ وَدَائِعُ وَدُيُونٌ فَرَضَ لِلزَّوْجَةِ نَفَقَتَهَا فِي ذَلِكَ وَلَهَا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنْ جَحَدَ مِنْ غُرَمَائِهِ أَنَّ لِزَوْجِهَا عَلَيْهِمْ دَيْنًا وَيُقْضَى عَلَيْهِمْ بِنَفَقَتِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَبِيعُ الدَّارَ حَتَّى يُكَلِّفَ الْمَرْأَةَ إثْبَاتَ مِلْكِيَّةِ الزَّوْجِ لَهَا وَتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ: مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ زَعَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ رَهْنٌ فِي يَدَيْهِ فَالتَّحْقِيقُ يَقْتَضِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ حِينَئِذٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ بِتَعَدِّي أَجْنَبِيٍّ فَذَلِكَ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَهُ طَلَبُ الْجَانِي، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْوَثِيقَةُ فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْهُ الرَّاهِنُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ طَلَبُهُ بِحَقِّ وَثِيقَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ فِيمَا إذَا غُصِبَتْ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ: وَلَوْ أَقَرَّ الْمُكْرِي لِلْغَاصِبِ بِالرَّقَبَةِ قَبْلَ إقْرَارِهِ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا يَفُوتُ حَقُّ الْمَنْفَعَةِ تَبَعًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ لَهُ مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ لِأَجْلِ حَقِّهِ فِي الْمَنْفَعَةِ، انْتَهَى. وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ الْمُودِعُ وَالْوَكِيلُ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ الْفَرْعِ الثَّامِنِ، قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَاقِ: إذَا سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ لَيْسَ لِلْمُودِعِ مُخَاصَمَةُ السَّارِقِ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْك وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي الْأَمْلَاكِ لِلْمُلَّاكِ وَمَنْ لَيْسَ مَالِكًا فَلَا خُصُومَةَ لَهُ

انْتَهَى. وَفِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ إذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ عَلَى طَلَبِ آبِقٍ فَأَدْرَكَهُ فِي يَدِ مُشْتَرٍ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لِلَّذِي وَكَّلَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى الْخُصُومَةِ فِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَعَدَّى مَا وَكَّلَ عَلَيْهِ وَيَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي شَيْءٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَنُقِلَ الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ الدَّارُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِمَلِكِ الْغَائِبِ يُعَارِضُ بِهَا بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ وَكَالَةٌ تُبِيحُ الْمُدَافَعَةَ فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ وَرَبُّهَا غَائِبٌ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَلْيُقْضَ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُقْضَى عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا بِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ فَيَتَلَوَّمُ لَهُ الْقَاضِي وَيَأْمُرُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ حَتَّى يُقَدَّمَ، انْتَهَى. فَلَمْ يَجْعَلْ لِمَنْ بِيَدِهِ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَلَا الْمُسْتَأْجِرُ الْمُخَاصَمَةَ بَلْ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَقَالَ فِي أَكْرِيَةِ الدُّورِ مِنْ تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ هَدَمَ الدَّارَ أَجْنَبِيٌّ سَقَطَ مَقَالُ الْمُكْتَرِي فِي ذَلِكَ الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي ضَمَانِ الْمُكْرِي حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُكْتَرِي وَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّارِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُغَرِّمَ الْهَادِمَ قِيمَتَهَا عَلَى أَنْ لَا كِرَاءَ فِيهَا أَوْ يُغَرِّمَهُ قِيمَتَهَا مُسْتَثْنَاةَ الْمَنَافِعِ سَنَةً وَيَأْخُذَهُ بِالْمُسَمَّى الَّذِي أَكْرَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ كَانَ لَهُ عَلَى الْمُكْتَرِي أَبْطَلَهُ لَهُ بِهَدْمِهِ لِتِلْكَ الدَّارِ، انْتَهَى. فَجَعَلَ الْمُتَكَلِّمَ فِي ذَلِكَ لِمَالِكِ الدَّارِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِمَالِكِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فِي ذِمَّةِ الْمُكْرِي يَسْتَوْفِيهِ مِنْهَا لِسُقُوطِ ذَلِكَ عَنْهُ بِالْهَدْمِ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ فِي ضَمَانِ الْمُكْرِي حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا الْمُكْتَرِي ، وَقَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ: (سُئِلَ) عَنْ أَصْحَابِ الْمَوَارِيثِ إذَا بَاعُوا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَقَامَ مَنْ أَثْبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا الْمَبِيعَ لِقَرِيبٍ مِنْهُ غَائِبٍ وَهُوَ حَيٌّ وَحَازَهُ عِنْدَ الْقَاضِي هَلْ يَفْسَخُ الْقَاضِي الْبَيْعَ وَيُوقِفُهُ لِلْغَائِبِ أَوْ يَبْقَى بِيَدِ الْمُبْتَاعِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَأَجَابَ لَا يُمَكِّنُ الْقَاضِي الْقَرِيبَ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ عَنْ قَرِيبِهِ الْغَائِبِ فِيمَا بَاعَهُ صَاحِبُ الْمَوَارِيثِ دُونَ وَكَالَةٍ وَإِنَّمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ وَالتَّحْصِينِ لَهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ مَخَافَةَ أَنْ تَغِيبَ الْبَيِّنَةُ أَوْ تَتَغَيَّرَ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ. وَسَأَلْته عَنْ عَشِيرَةِ رَجُلٍ ذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ بِالْأَنْدَلُسِ وَفِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَهُ دَارٌ وَأَنَّهُ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِهِمْ فِي يَدَيْهِ حَقٌّ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْمُخَاصَمَةِ وَإِثْبَاتِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِحَقِّ الْغَائِبِ قَبْلَ هَلَاكِ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ هَلْ تَرَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ أَمْرٍ يَعْرِفُهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِثْلُ هَذَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَزَادَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ جَهِلَ الْقَاضِي فَأَمَرَهُ بِالْمُخَاصَمَةِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ أَوَّلَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحَصَّلًا مُسْتَوْفًى فِي الرَّسْمِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّالِثِ مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَنَصُّهُ: وَسَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ زَوْجَةً وَبِيَدِهَا مَالُهُ وَرِبَاعُهُ وَدَوَابُّهُ وَكُلُّ كَثِيرٍ لَهُ وَقَلِيلٍ وَلِلْهَالِكِ أَخٌ غَائِبٌ فَيَقُومُ ابْنُ الْأَخِ الْغَائِبِ فَيَقُولُ أَنَا أُثْبِتُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي بِيَدِهَا كُلَّهُ لِعَمِّي وَلَيْسَ لَهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَأَبِي وَارِثُهُ، فَإِذَا قُضِيَ بِهِ لِعَمِّي فَضَعُوهُ بِيَدِ عَدْلٍ وَلَا تَدْفَعُوهُ إلَيَّ أَوْ يَقُومُ فِي ذَلِكَ رَجُلٌ غَيْرُ ابْنِهِ فَيَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ: أَمَّا الِابْنُ فَأَرَى أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ مَا قَالَ وُضِعَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَأَمَّا الرَّجُلُ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَجَازَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ أَبِيهِ الْغَائِبِ فِي رِبَاعِهِ وَحَيَوَانِهِ وَجَمِيعِ مَالِهِ دُونَ تَوْكِيلٍ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِيمَا ادَّعَاهُ لِابْنِهِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي

تنبيهات الأول للمدعي حصة في الشيء المدعى به وباقيه للغائب

الْجِدَارِ وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَبِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الِابْنُ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَنْ سِوَى الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْعَشِيرَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي لَهُ فِي الرَّسْمِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَفِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى، غَيْرَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ إيقَاعِ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتِ الْحَقِّ لَا أَكْثَرَ، وَلَيْسَ مَا فِي رَسْمِ الْكَبْشِ بِمُخَالِفٍ لِمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَدْ حَمَلَهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى الْخِلَافِ وَلَيْسَ ذَاكَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَمَا فِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْقَرَابَةِ وَالْأَجْنبِيِّينَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُمَكَّنُ مَنْ قَامَ عَنْ غَائِبٍ يَطْلُبُ حَقًّا لَهُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ دُونَ تَوْكِيلٍ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا ذَهَبَ إلَى هَذَا سَحْنُونٌ وَإِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ مَنْ يَقُومُ بِحَقِّهِ، تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ أَحَدٌ إلَّا بِوَكَالَةٍ، فَقَالَ مَعْنَاهُ فِيمَا طَالَ مِنْ الزَّمَانِ وَدُرِسَ فِيهِ الْعِلْمُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَصْبَغَ (وَالثَّالِثُ) يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا مِنْ الْخُصُومَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَمُطَرِّفٍ. وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ يُمَكَّنُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ دُونَ تَوْكِيلٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَفُوتُ وَتَحُولُ وَتَغِيبُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ حَكَى هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ قَوْلٌ خَامِسٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاخْتُلِفَ إذَا مُكِّنَ الْقَائِمُ عَنْ الْغَائِبِ فِي الْمُخَاصَمَةِ عَنْهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ لَهُ دُونَ تَوْكِيلٍ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَقِيلَ ذَلِكَ فِي قَرِيبِ الْغَيْبَةِ وَبَعِيدِهَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ هَذِهِ إذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ مِنْ بَعِيدِهَا، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْحَيَوَانِ يَدَّعِيهِ ابْنُ الْغَائِبِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ فِي الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ دُونَ الْبَعِيدِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا حَكَى عَنْ مُطَرِّفٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ اسْتَدَلَّ بِهَا لِهَذَا الْقَوْلِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ لِلْمُدَّعِي حِصَّةٌ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ وَبَاقِيهِ لِلْغَائِبِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي حِصَّةٌ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ وَبَاقِيهِ لِلْغَائِبِ فَلَهُ الدَّعْوَى فِي ذَلِكَ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ وَيُتْرَكُ الْبَاقِيَ فِي يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَدَّعِيهِ، قَالَ فِي أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَارِثُ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ مَعَ وَرَثَةٍ آخَرِينَ لَمْ يُعْطَ هَذَا مِنْهَا إلَّا مِقْدَارَ حِصَّتِهِ وَيَتْرُكُ الْقَاضِي بَاقِيَهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ كَانَ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا يَعْنِي بِالْمَقُولِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بَعْدَهُ وَهُوَ أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْمَطْلُوبِ وَيُوقَفُ وَفِي كِتَابِ الْوَلَاءِ أَتَمُّ مِمَّا هُنَا، قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَامَتْ غُرَمَاءُ بِدَيْنٍ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يُبَاعَ لَهُمْ الْحَظُّ الْمَوْقُوفُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهَا وَبَيْعُهَا فِي دَيْنِهِمْ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ بَعْدَ يَمِينِهِمْ الَّتِي كَانَ يَحْلِفُهَا الْغَائِبُ اُنْظُرْ تَمَامَهَا، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّبْصِرَةَ لِابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى لَهُمْ (الثَّانِي) إذَا ثَبَتَ حَقٌّ لِغَائِبٍ فَهَلْ يُوقَفُ حَتَّى يَحْلِفَ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ أَوْ يُسَلَّمَ لِوَكِيلِهِ وَتُؤَخَّرَ الْيَمِينُ حَتَّى يَقْدَمَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَتَحْلِفَ وَرَثَتُهُ وَإِنْ نَكَلَ أَوْ نَكَلُوا رَجَعَ عَلَيْهِ، ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ (الثَّالِثُ) إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ غَائِبٌ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ مِنْ نَوَازِلِهِ فِي رَجُلٍ غَائِبٍ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْقِيَامِ بِعَيْبٍ فِي سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ بَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ وَإِنَّمَا بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَلَزِمَهُ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْغَائِبِ، الْجَوَابُ الَّذِي أَرَى فِي هَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْمُقَوَّمَ عَلَيْهِ مَنْ بَاعَ السِّلْعَةَ مِنْهُ أَوْ سَمَّى رَجُلًا بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ لَدَدُهُ أَنْ

باب الشهادة

يُؤْخَذَ مِنْهُ حَمِيلٌ بِالثَّمَنِ إلَى أَنْ يَكْتُبَ لِلْغَائِبِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَيَحْلِفُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعِيدَهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ عَلَى قَبْضِ الدَّيْنِ يُقِرُّ بِهِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَضَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقِرٌّ لِلْغَائِبِ بِشَيْءٍ وَأَمَّا أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ وَإِيقَافُهُ فَلَا أَرَاهُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ بَعْدُ شَيْءٌ، انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ: وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَعَرَّضُ لِدُيُونِ الْغَائِبِ يَقْبِضُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ أَوْ حَاضِرًا يُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ وَرَبُّ الدَّيْنِ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ مُلِدٌّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ تَعَدَّى عَلَى مَالِ غَائِبٍ فَأَفْسَدَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ مِنْهُ الْقِيمَةَ وَيَحْبِسُهَا لِلْغَائِبِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي النُّكَتِ فَانْظُرْهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنَّمَا لَا يَعْرِضُ السُّلْطَانُ لِمَنْ غَابَ وَتَرَكَ مَالًا لَهُ بِيَدِ رَجُلٍ أَوْ دَيْنًا لَهُ قِبَلَهُ إذَا سَافَرَ كَمَا يُسَافِرُ النَّاسُ وَأَمَّا إذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ فَالسُّلْطَانُ يَنْتَظِرُ لَهُ وَيَحُوزُ مَالَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ، انْتَهَى. مِنْ رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّالِثِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ. (الْخَامِسُ) قَالَ فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ: سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْمَوَارِيثِ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ الْخِصَامُ فِي شَيْءٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ خِصَامُهُ وَيُقِيمُونَ الْبَيِّنَةَ عَلَى انْفِرَادِ بَيْتِ الْمَالِ بِهِ دُونَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، الْجَوَابُ لَا يُمَكَّنُ أَصْحَابُ الْمَوَارِيثِ مِنْ الْخِصَامِ فِي ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهِ الطَّلَبَ فِي ذَلِكَ وَالْمُخَاصَمَةَ وَإِنْ أَرَادَ لِيُثْبِتَ ذَلِكَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيُحَصِّنَهُ بِالْإِشْهَادِ دُونَ مُخَاصَمَةِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى. [بَابُ الشَّهَادَةِ] ص (بَابٌ) (الْعَدْلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ) ش: هَذَا يُسَمَّى بَابُ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا حَاجَةَ

لِتَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ: أَقَمْت ثَمَانِيَ سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلَفَ طَالِبُهُ فَتَخْرُجُ الرِّوَايَةُ وَالْخَبَرُ الْقَسِيمُ لِلشَّهَادَةِ، وَإِخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِيَّةِ التَّعَدُّدِ وَالْحَلِفِ وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَغَيْرِ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَدْلُولِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ، يُرِيدُ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُهَا وَلَوْ قَالَ: قَوْلَ عَدْلٍ إلَى آخِرِهِ، وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ لَكَانَ أَبَيْنَ؛ لِأَنَّ عُدِّلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَائِبًا فِيمَا ثَبَتَ أَوْ لَوْ قَالَ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَلِمَ عَدَالَةَ قَائِلِهِ لَشَمِلَ ذَلِكَ مَا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَدِّهِ دَوْرًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِافْتِقَارِهِ لِلتَّعَدُّدِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً (تَنْبِيهٌ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ شُرُوطًا فِي الْعَدَالَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا جَعَلُوا هَذِهِ الْأَوْصَافَ شُرُوطًا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَذَكَرُوا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ الْعَدَالَةَ وَهُوَ أَبْيَنُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُوجِبَةً لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَيْ بِمُقْتَضَاهَا اكْتَسَبَتْ شَرَفًا فَاشْتَرَطَ فِيهَا شُرُوطًا مِنْهَا فِي أَدَائِهَا: الْإِسْلَامُ اتِّفَاقًا، قَالَ: وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْبُلُوغُ ثُمَّ، قَالَ: وَالْعَدَالَةُ. قَالَ: وَلَمَّا كَانَتْ شُرُوطًا فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَصْلِهِ وَفِقْهِهِ وَأَطَالَ الْمَازِرِيُّ فِيهَا الْكَلَامَ وَالْأُولَى صِفَةُ مَظِنَّةٍ تَمْنَعُ مَوْصُوفَهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا وَمَعْصِيَةَ غَيْرِ قَلِيلِ الصَّغَائِرِ فَالصَّغَائِرُ الْخَسِيسَةُ مُنْدَرِجَةٌ فِيمَا يَشِينُ، وَنَادِرُ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ عَظِيمِ مَفْسَدَةٍ عَفْوٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَلِيلِ الصَّغَائِرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا فِي آخِرِ شَهَادَتِهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَطْوَلُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْفِقْهِ: الْعَدَالَةُ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْكَبَائِرِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ رَاجِعٌ لِلْعَدَالَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْبِدْعَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَدَالَةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهَا فِسْقٌ، يُوجِبُ كَوْنَهَا مُضَادَّةً فَيُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْهَا كَمَا اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ سَائِرِ أَضْدَادِهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ أَضْدَادِ الْعَدَالَةِ فَلِذَا كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: الدِّينِيَّةُ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِهَا الدِّينُ وَإِنَّمَا فَعَلَهَا لِتَحْصِيلِ مَنْصِبٍ دُنْيَوِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ فِي صِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ: هُوَ الْمُجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الْمُتَوَقِّي لِأَكْثَرِ الصَّغَائِرِ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَتَمْيِيزٍ مُتَيَقِّظًا مُتَوَسِّطَ الْحَالِ بَيْنَ الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ قُلْت وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ الْعَدْلِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: حُرٌّ لَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ: مُسْلِمٌ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: عَاقِلٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُخْتَلَفُ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْلِ فِي حَالَتَيْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا ذَكَرَهُ هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَنَصُّ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ لَا أَعْرِفُهُ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْكَبِيرِ يُخْنَقُ ثُمَّ يُفِيقُ إنْ كَانَ يُفِيقُ إفَاقَةً بَيِّنَةً يَعْقِلُهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَبَيْعُهُ وَابْتِيَاعُهُ انْتَهَى. ص (أَوْ كَثِيرُ كَذِبٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَأَمَّا الْكَذِبُ فَنَصُّهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ الشَّاهِدُ قِيَامُ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَنَقَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ قَالَ

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَلَامُهُ يَعْنِي تَكْرَارَ الْكَذِبِ مِمَّنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِهِ مَعْرُوفٌ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا الْقَيْدُ الْأَخِيرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَكْفِي تَكْرَارُ الْكَذِبِ قُلْت قَوْلُهُ يُعْطِي تَكْرَارَ الْكَذِبِ لَا وَجْهَ لَهُ لِتَخْصِيصِهِ بِهِ دُونَ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَفْظَ كَذَّابٍ، وَفَعَّالٌ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةً وَقَوْلُهُ: إنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِهِ مَعْرُوفٌ يُرَدُّ بِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ مَشْهُورٍ أَخَصُّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ الْأَعَمِّ صِدْقُ الْأَخَصِّ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ بِهِ كَوْنَهُ مَشْهُورًا فَلَا يَضُرُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ لَفْظَ مَعْرُوفٍ لَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَإِنْ أَرَادَ لَفْظَ مَعْرُوفٍ فَقَوْلُهُ: لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ نَصًّا فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ لُزُومًا مُنِعَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ قَوْلِهَا قِيَامُ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ كَذَّابٌ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِمُطْلَقِ الْكَذِبِ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِمُطْلَقِ الْكَذِبِ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا انْتَهَى. ص (وَسَفَاهَةٍ) ش: لَعَلَّهُ يُرِيدُ بِالسَّفَاهَةِ الْمُجُونَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَطْعِ: أَوْ أَنَّهُمْ مُجَّانٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: جَمْعُ مَاجِنٍ الْجَوْهَرِيُّ الْمُجُونُ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ مَا صَنَعَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ وَفِي التَّقْرِيبِ: الْمَاجِنُ هُوَ الْقَلِيلُ الْمُرُوءَةِ الَّذِي يُكْثِرُ الدُّعَابَةَ وَالْهَزْلَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ انْتَهَى. ص (ذُو مُرُوءَةٍ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ وَالرِّوَايَاتُ وَالْأَقْوَالُ وَاضِحَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُرُوءَةِ جُرْحَةٌ، قِيلَ: لِأَنَّ تَرْكَهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ لَازِمُ الْعَدَالَةِ وَتَقَرَّرَ بِأَنَّهَا مُسَبَّبَةٌ غَالِبًا عَنْ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ الْمَازِرِيُّ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُبَالِي بِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ وَدَنَاءَةِ هِمَّتِهِ فَهُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ وَنَقْصُهُ يُوجِبُ عَدَمَ الثِّقَةِ بِهِ قُلْت وَالْمُرُوءَةُ هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرَكَهُ مِنْ مُبَاحٍ بِوُجُوبِ الذَّمِّ عُرْفًا كَتَرْكِ الْمَلِيءِ الِانْتِعَالَ فِي بَلَدٍ يُسْتَقْبَحُ فِيهِ مَشْيُ مِثْلِهِ حَافِيًا وَعَلَى تَرْكِ مَا فِعْلُهُ مُبَاحٌ يُوجِبُ ذَمَّهُ عُرْفًا كَالْأَكْلِ عِنْدَنَا فِي السُّوقِ وَفِي حَانُوتِ الطَّبَّاخِ لِغَيْرِ الْغَرِيبِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَلَسْنَا نُرِيدُ بِالْمُرُوءَةِ نَظَافَةُ الثَّوْبِ وَفَرَاهَةُ الْمَرْكُوبِ وَجَوْدَةُ الْآلَةِ وَحُسْنُ الشَّارَةِ بَلْ الْمُرَادُ التَّصَوُّنُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ الْمُجُونِ وَالسُّخْفِ وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ رَدِيءٍ يُرَى أَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافِظُ مَعَهُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ جُرْحَةٌ انْتَهَى فَمَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ الْمُحَرَّمَ أَوْ الْمَكْرُوهَ الْخَارِجَ عَنْ السُّنَّةِ لَا يَكُونُ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ كَلِبَاسِ فُقَهَاءِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ تَكْبِيرِهِمْ الْعَمَائِمَ وَإِفْرَاطِهِمْ فِي تَوْسِيعِ الثِّيَابِ وَتَطْوِيلِهِمْ الْأَكْمَامَ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَنَقَلَ عَنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. نَعَمْ لَوْ مَشَى الْإِنْسَانُ حَافِيًا أَوْ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ لَكِنَّ الْعَادَةَ خِلَافُهُ يُنْظَرُ فِي أُمُورِهِ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ كَسْرَ النَّفْسِ وَمُجَاهَدَتَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْمُجُونِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالنَّاسِ فَذَلِكَ جُرْحَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الصَّنَائِعِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَأَمَّا حَمْلُ الْإِنْسَانِ مَتَاعَهُ مِنْ السُّوقِ فَهُوَ مِنْ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَاحِبُ الشَّيْءِ أَحَقُّ بِشَيْئِهِ» وَذَلِكَ حِينَ اشْتَرَى السَّرَاوِيلَ وَأَرَادَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنْ يَحْمِلَهَا عَنْهُ وَأَظُنُّهُ السَّيِّدُ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقَضِيَّةُ فِي الشِّفَاءِ. وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَحُسْنُ الشَّارَةِ، الشَّارَةُ الْهَيْئَةُ وَاللِّبَاسُ يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ شَوَارَ الرَّجُلِ وَشَارَتَهُ أَيْ لِبَاسَهُ وَهَيْئَتَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الشُّورَةُ بِالضَّمِّ الْجَمَالُ وَبِالْفَتْحِ الْخَجَلَ انْتَهَى مِنْ الْمُعَلِّمِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: إنَّ رَجُلًا أَتَاهُ وَعَلَيْهِ شَارَةٌ حَسَنَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الشَّوَارَ هُنَا بِالْفَتْحِ وَأَمَّا الشُّورَةُ الْجَمَالُ فَبِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَعًا وَشَوَارُ الْبَيْتِ مَتَاعُهُ بِالْكَسْرِ وَشَوَارُ الرَّجُلِ مَذَاكِيرُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُحْكَمِهِ وَشَوَارُ الرَّجُلِ ذَكَرُهُ وَخُصْيَاهُ وَإِسْتِهِ وَفِي الدُّعَاءِ أَبْدَى اللَّهُ شُوَارَهُ بِالضَّمِّ لُغَةً عَنْ

ثَعْلَبَ انْتَهَى. ص (بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ حَمَامٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: الْإِدْمَانُ عَلَى لَعِبِ الْحَمَامِ وَالشِّطْرَنْجِ جُرْحَةٌ وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ عَلَيْهَا. قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّجْمِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ لَاعِبِ الْحَمَامِ إذَا كَانَ يُقَامِرُ عَلَيْهَا، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ يُقَيَّدُ مَا قَالَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهَذَا الْقَيْدِ أَيْ الْمُقَامَرَةِ أَوْ خِلَافٌ؟ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ بِتَرْكٍ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ لَعِبٍ بِحَمَامٍ وَإِنْ دُونَ قِمَارٍ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ اشْتِرَاطُ الْإِدْمَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا خِلَافُ ذَلِكَ وَعَزَا أَبُو الْحَسَنِ التَّقْيِيدَ بِالْإِدْمَانِ لِكِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالْحَمَامِ غَيْرُ حَرَامٍ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسَمَاعِ غِنَاءٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْغِنَاءُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَادِحًا فِي الْمُرُوءَةِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحِ وَالنَّائِحَةِ إذَا عُرِفُوا بِذَلِكَ. الْمَازِرِيُّ وَأَمَّا الْغِنَاءُ بِآلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَوْتَارٍ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ فَمَمْنُوعٌ وَكَذَلِكَ الْمِزْمَارُ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يَلْحَقُ بِالْمُحَرَّمَاتِ وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَطْلَقَ فِي سَمَاعِ الْعُودِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ يُرِيدُ بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَنَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى أَنَّ سَمَاعَ الْعُودِ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ لَيْسَ مَعَهُ شَرَابٌ يُسْكِرُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ يُرِيدُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ كَمَا قَدَّمْنَا انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا. ص (وَحِيَاكَةٍ) ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ إنْ صَنَعَهَا تَصْغِيرًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِيُدْخِلَ السُّرُورَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَأْخُذُ فَإِنَّهَا حَسَنَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ جُرْحَةٌ انْتَهَى. ص (وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِدَامَةُ

شِطْرَنْجٍ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْعَامِ وَقِيلَ أَكْثَرُ وَهَلْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ؟ قَوْلَانِ وَثَالِثُهُمَا أَنَّ لَعِبَهُ مُحَرَّمٌ مَعَ الْأَوْبَاشِ عَلَى طَرِيقٍ حَرُمَ، وَفِي الْخَلْوَةِ مَعَ نَظَائِرِهَا بِلَا إدْمَانٍ وَتَرْكِ مُهِمٍّ وَلَهِيَ عَنْ عِبَادَةٍ جَازَ وَقِيلَ إنْ أَلْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا حَرُمَ وَإِلَّا جَازَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ) ش: شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورُ فِيهَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَشَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الْأَقْوَالِ لَا تَجُوزُ وَهَذَا فِيمَا تَحَمَّلَهُ بَعْدَ الْعَمَى وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْأَقْوَالِ قَبْلَ الْعَمَى فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَالْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِهِ وَابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ أَوَّلًا الْمَذْهَبَ ثُمَّ يَقُولُونَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ فِيمَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ الْعَمَى، فَتَخْصِيصُهُمْ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ الْعَمَى وَبَيْنَ مَا تَحَمَّلَهُ بَعْدَهُ، فَالشَّافِعِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ وَقَالَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهَادَاتِ النَّوَادِرِ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى قَبِلْنَاهُ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَبُولِهَا أَعْمَى انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ سَحْنُونٍ أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا فَرْقَ، خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِأَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ: وَتُقْبَلُ مِنْ الْأَعْمَى فِيمَا لَا يُشْبِهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَقْوَالِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: مَعْنَاهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عَلَى الْأَقْوَالِ إذَا كَانَ فَطِنًا وَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ وَيَتَيَقَّنُ الْمَشْهُودَ لَهُ وَعَلَيْهِ فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْمَرْئِيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ وَهُوَ يَتَيَقَّنُ عَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: مَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ إلَى إجَازَةِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ سَوَاءً عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بَعْدَهُ وَفَصَّلَ الْجُمْهُورُ فَأَجَازُوا مَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ وَكَذَا مَا يَتَنَزَّلُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْبَصِيرِ كَأَنْ يُشْهِدَهُ شَخْصٌ بِشَيْءٍ وَيَتَعَلَّقُ هُوَ بِهِ إلَى أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَلَا مُتَأَكِّدًا لِقُرْبٍ كَأَبٍ وَإِنْ عَلَا إلَخْ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ كَانَ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَلَا شَهَادَةُ بَنِي بَنِيهِمْ لَهُمْ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ قَبُولَ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ دُونَ الْأَبِ لِابْنِهِ وَهُوَ حِكَايَةٌ مُسْتَنْكَرَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرُبَّمَا كَانَتْ وَهْمًا مِنْ نَاقِلِهَا انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ: شَهَادَةُ الْوَلَدَيْنِ أَنَّ فُلَانًا شَجَّ أَبُوهُمَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَالْأَبُ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا سَاقِطَةٌ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِأَبِيهِمَا وَقَدْ مَاتَ نَصْرَانِيًّا بِدَيْنٍ عَلَى فُلَانٍ وَتَرَكَ وَلَدًا نَصْرَانِيًّا

فرع شهادة الرجل لزوجة أبيه

وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْعَبْدَ جَنَى عَلَى رَجُلٍ جِنَايَةً وَأَنَّ سَيِّدَهُ بَاعَهُ أَوْ أَعْطَاهُ أَحَدًا ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَكَذَا شَهَادَةُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ نَفَاهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِلْوَلَدِ وَلَا الْوَالِدِ لَهُمَا وَلَا أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَلَا الْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ وَلَا الرَّجُلِ لِجَدِّهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ شَهَادَةُ الْآخَرِ فِي حَقٍّ أَوْ تَزْكِيَةٍ أَوْ تَجْرِيحِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ انْتَهَى. زَادَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَا الرَّجُلِ لِجَدِّهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا تَجُوزُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ. زَادَ ابْنُ سَحْنُونٍ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا انْتَهَى. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي قَالَهَا لَا مَعْنَى لَهَا فَتَأَمَّلْهَا، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ مَا تَقَدَّمَ [فَرْعٌ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ] (فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا لِزَوْجَةِ ابْنِهِ وَلَا لِابْنِ زَوْجَتِهِ وَلَا لِأَبِيهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَقَالَ فِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِ زَوْجِ ابْنَتِهِ وَأَبَوَيْهِ فَلَا يُخَالِفُ ابْنَ الْقَاسِمِ سَحْنُونٌ فِي جَوَازِهَا لَهُمْ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلَا لَزَوْجَةِ وَلَدِهِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ وَمِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ كُلِّهَا إلَّا كِتَابَ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا لِزَوْجَتِهِ وَلَا لِابْنِ امْرَأَتِهِ وَلَا لِوَالِدِهَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لِابْنِ زَوْجِهَا انْتَهَى. وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ غَيْرَ جَائِزَةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ بُعْدِ التُّهْمَةِ لِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي الْغَالِبِ فَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجِ أُمِّهِ أَحْرَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَقَبِلَهُ الشَّارِحُ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ الْآنَ مَنْصُوصًا بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ صِحَّةِ شَهَادَةِ الشَّخْصِ لِزَوْجَةِ جَدِّهِ وَزَوْجِ جَدَّتِهِ وَإِنْ بَعُدَا وَعَدَمُ صِحَّةِ شَهَادَةِ الشَّخْصِ لِزَوْجَةِ ابْنِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ بِنْتِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ كَكُلٍّ عِنْدَ الْآخَرِ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ حُكْمِهِ) ش: هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَقَالَ سَحْنُونٌ بِجَوَازِ الْجَمِيعِ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي اللُّبَابِ: وَشَهَادَةُ الْأَبِ مَعَ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَوْ شَهِدَ الْأَبُ مَعَ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَتْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: شَهَادَتُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ أَعْدَلُ. ثُمَّ قَالَ: وَتَعْدِيلُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ الْمَاجِشُونِ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْدِيلُ نَزَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ قَامَ وَإِنَّمَا نَزَعَهُ وَقَامَ بِهِ إحْيَاءُ شَهَادَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَهُ بِمَا تَتِمُّ بِهِ شَهَادَتُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمَا أَدْرَكْت قَاضِيًا حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ تَقْدِيمِ وَلَدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ إلَّا قَاضِيًا وَاحِدًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةٌ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَخَوَيْنِ فِي شَيْءٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَلَيْسَا كَالْأَبِ وَابْنِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَلْحَقُهُمْ التُّهْمَةُ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ أَنَّ هَذَا ابْنُ أَخَوهمًا الْمَيِّتِ وَالْمَشْهُودُ لَهُ ذُو شَرَفٍ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا وَيَثْبُتُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ الْمَالُ إنْ ادَّعَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ تَنْفِيذُ الْقَاضِي حُكْمَ وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ] (فَرْعٌ) تَنْفِيذُ الْقَاضِي حُكْمَ وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنَفِّذَ حُكْمَ نَفْسِهِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِنْ نَسِيَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ فَكَذَلِكَ حُكْمُ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ إنْ بَرَزَ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ) ش: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي شَهَادَةِ الْمَوْلَى لِمُعْتَقِهِ وَالصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ وَالْأَجِيرِ وَقَدْ نُصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَالرَّجُلِ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِصَدِيقِهِ أَوْ الْمُلَاطِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عِيَالِهِ أَحَدٌ مِنْ

هَؤُلَاءِ يُمَوِّنُهُ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِشَرِيكِهِ الْمُفَاوِضِ إذَا شَهِدَ لَهُ فِي غَيْرِ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ لَا يَجُرُّ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِ الرَّجُلِ لَهُ وَكَذَلِكَ الْأَخُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا كَانَا فِي عِيَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي عِيَالِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا إذَا كَانَا مُبَرِّزَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَالتَّعْدِيلِ. قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْمُبَرِّزُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ سَابِقًا غَيْرَهُ مُتَقَدِّمًا، وَأَصْلُهُ مِنْ تَبْرِيزِ الْخَيْلِ فِي السَّبَقِ وَتَقَدُّمِ سَابِقِهَا وَهُوَ الْمُبَرِّزُ لِظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ أَمَامَهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الشَّهَادَاتِ: يُشْتَرَطُ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سُئِلَ فِي مَرَضِهِ شَهَادَةً لِتُنْقَلَ عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهَا، ثُمَّ شَهِدَ بِهَا وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ خَشِيَ فِي مَرَضِهِ عَدَمَ تَثَبُّتِهِ فِيهَا، وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ بَعْدَ أَدَائِهَا، وَشَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَالْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَشَهَادَةُ الْمَوْلَى لِمَنْ أَعْتَقَهُ وَشَهَادَةُ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ لِصَدِيقِهِ وَشَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ لِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لَفْظُ السَّمَاعِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَانِعِ الثَّالِثِ وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: مَعْنَى لَيْسَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مِثْلُ الصُّنَّاعِ وَغَيْرِهِمْ فَأَمَّا الْأَجِيرُ الَّذِي يَصِيرُ جَمِيعُ عَمَلِهِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مُؤْنَتَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْتَزِلًا عَنْهُ انْتَهَى مِنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَزَادَ قَالَ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَنْعَ إذَا كَانَ فِي نَفَقَتِهِ كَانَتْ النَّفَقَةُ بِالطَّوْعِ أَوْ مِنْ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى إنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ وَكَذَلِكَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ كَالطَّرَّازِ وَالْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ لَهُ أَنْ يَخُصَّهُ بِأَعْمَالِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا شَهَادَةُ السِّمْسَارِ فَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَعْزُولِ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ: يَقُومُ مِنْهُ وَمِمَّا فَوْقَهُ، وَمِنْ قَوْلِهَا بَعْدُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ قَسَّامِ الْقَاضِي: إنَّ شَهَادَةَ الْخَاطِبِ وَالسِّمْسَارِ لَا تَجُوزُ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَالْفَتْوَى بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْخَاطِبِ دُونَ السِّمْسَارِ انْتَهَى. لَكِنْ قَيَّدَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ عَدَمَ جَوَازِ شَهَادَةِ السِّمْسَارِ بِمَا إذَا شَهِدَ فِيمَا يُتَّهَمُ فِيهِ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ يُنْكِحَاهُ وَأَنْ يَبْتَاعَا لَهُ بَيْعًا وَأَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ قَالَ ابْنُ نَاجِي: مِثْلُهُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْأَبِ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَيَقُومُ مِنْهُمَا أَنَّ شَهَادَةَ السِّمْسَارِ لَا تَجُوزُ وَذَلِكَ فِيمَا يُتَّهَمُ فِيهِ كَمَا إذَا شَهِدَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا حَيْثُ لَا يُتَّهَمُ فَجَائِزَةٌ كَمَا إذَا شَهِدَ فِي الثَّمَنِ وَكَانَتْ أُجْرَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ سَوَاءً بَاعَ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الشَّعْبِيُّ وَأَفْتَى ابْنُ الْحَاجِّ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُبْتَاعُ الْبَيْعَ وَيَقُومُ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ شَهَادَةَ الْخَاطِبِ لَا تَجُوزُ وَفِيهَا خِلَافٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَيَتْرُكُ أَوَّلَ الْأَنْكِحَةِ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَاطِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا كَخَصْمَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا أَخَذَا عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فَإِنْ لَمْ يَأْخُذَا أَجْرًا جَازَ وَكَانَتْ الْفَتْوَى تَجْرِي بِهِ وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ رُشْدٍ فَأَجَابَ بِجَوَازِهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْمُشْرِفِ لِمَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهَا عِيَاضٌ ابْنَ رُشْدٍ فَأَفْتَاهُ بِالْجَوَازِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِقَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ وَغَيْرِهِ إنْ تَنَازَعَ الْمُشْرِفُ وَالْوَصِيُّ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ الْمَالُ؟ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْوَصِيِّ وَيَقُومُ مِنْهَا مَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَدْفَعَاهُ إلَى رَجُلٍ وَأَنْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ فَزَعَمَا أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا

يُتَّهَمَانِ فِي دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهُمَا انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ شَهَادَةَ السِّمْسَارِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي شَهَادَتِهِ فِيمَا يُتَّهَمُ فِيهِ قَوْلَانِ وَقَعَتْ الْفَتْوَى بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَهَادَةِ الْخَاطِبِ وَالْقَسَّامِ وَالْعَاقِدِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ. (فَائِدَةٌ) وَقَعَ فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ لِلسَّمَاسِرَةِ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ فَسَمَّاهُمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ سَمَاسِرَةً وَفِي بَعْضِهَا النَّخَّاسِينَ وَفِي بَعْضِهَا الصَّاحَةَ وَفِي بَعْضِهَا الدَّلَّالِينَ وَفِي بَعْضِهَا الطَّوَّافِينَ وَفِي بَعْضِهَا الْوُكَلَاءَ مِنْ السَّمَاسِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الَّذِي يُلَاطِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَمَعْنَى اللُّطْفِ الْإِحْسَانُ وَالْبِرُّ وَالتَّكْرِمَةُ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي تَسْمِيَتِهِ لَطِيفًا وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُلَاطَفَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَانَتْ كَمَسْأَلَةِ الْأَخَوَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنَالُ أَحَدُهُمَا بِرَّ الْآخَرِ وَصِلَتَهُ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: وَالصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّ أَخَاك الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَكْ ... وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكْ وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَعَكْ ... شَتَّتَ فِيك شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك اهـ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ وَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ أَحَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِي التَّنْبِيهَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُنْقِصٍ) ش: (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا نَقَصَ الشَّاهِدُ بَعْضَ الشَّهَادَةِ وَنَسِيَ الْبَعْضَ فَيُرَدُّ الْجَمِيعُ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ فَشَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّهُ غَصَبَهُمَا مِنْ رَجُلٍ، وَنَصُّهُ: وَإِذَا لَمْ يَأْتِ الشَّاهِدُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ سَقَطَ عَنْ حِفْظِهِ بَعْضُهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ كُلُّهَا بِإِجْمَاعٍ انْتَهَى. ص (وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ) ش: قَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إذَا سُئِلَ الشَّخْصُ عَنْ شَهَادَةٍ فِي مَرَضِهِ لِتُنْقَلَ عَنْهُ أَوْ لِيُشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ تَحْصِينًا لَهَا أَوْ سُئِلَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيَشْهَدَ بِهَا فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ: لَا عِلْمَ عِنْدِي مِنْهَا ثُمَّ جَاءَ يَشْهَدُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إذَا كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ لَقِيَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّك تَشْهَدُ عَلَيَّ بِكَذَا، فَقَالَ: لَا أَشْهَدُ عَلَيْك بِذَلِكَ وَلَا عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ وَإِنْ شَهِدْت عَلَيْك فَشَهَادَتِي بَاطِلَةٌ لَمْ يَقْدَحْ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا يَضُرُّهَا وَإِنْ أَقَامَ عَلَى قَوْلِهِ بَيِّنَةً، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، وَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لِقَوْلِ

فرع يسأل الشهادة فيقول هي اليوم عندي ألف سنة

مَالِكٍ هَذَا؟ انْتَهَى. وَفِيهِ: أَمَّا إذَا قَالَ الشَّاهِدُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ: إنْ كُنْت شَهِدْت عَلَيْك بِذَلِكَ فَأَنَا مُبْطِلٌ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا [فَرْعٌ يُسْأَلُ الشَّهَادَةَ فَيَقُولُ هِيَ الْيَوْمَ عِنْدِي أَلْفُ سَنَةٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي الَّذِي يُسْأَلُ الشَّهَادَةَ فَيَقُولُ: هِيَ الْيَوْمَ عِنْدِي أَلْفُ سَنَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَاهِلٌ وَلَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» . [فَرْعٌ زَعَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ الْمَشْهُودِ لَهُ مُسْقِطٌ لِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَاتِ فِي نَوَازِلِهِ فِي رَجُلٍ شَهِدَ لِرَجُلٍ شَهَادَةً فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ: مَا بَالُ هَذَا الشَّاهِدِ لَمْ يُؤَدِّ لَك هَذِهِ الشَّهَادَةَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ: إنَّهُ لِتَحَرِّيهِ وَتَوَسْوُسِهِ تَوَقَّفَ وَتَثَبَّتَ حَتَّى جَاءَ بِنَصِّ كَلَامِك مَخَافَةَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْك فِيهِ شَيْئًا لَمْ تَقُلْهُ، فَزَعَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ الْمَشْهُودِ لَهُ الْمَنْصُوصَ فَوْقَ هَذَا مُسْقِطٌ لِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْوَسْوَسَةِ فَأَجَابَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَهُ بِالتَّحَرِّي وَالتَّثَبُّتِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا. ص (فَأَشْهَدَ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا) ش: (فَرْعٌ) ذَكَرَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي قَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُفِيدُ التَّزْكِيَةَ وَإِنَّمَا يُكْتَبُ فِي التَّبْرِئَةِ مِنْ التُّهَمِ فَيَقُولُونَ فِي عَقْدِ التَّبْرِئَةِ: لَا يُعْلَمُ شُهُودُهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا خَيْرًا وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِنْ خِبْرَتِهِ وَمُبَاطَنَتِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا، وَقَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ لَهُ مَالًا انْتَهَى. ص (كَجَرْحٍ إنْ بَطَلَ حَقٌّ) ش: وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ وَأَنْتَ تَعْلَمُ جُرْحَتَهُ فَهَلْ يَجُوزُ لَك أَنْ تَجْرَحَهُ؟ ذَكَرَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ قَوْلَيْنِ وَرَجَّحَ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِجُرْحَتِهِ. ص (بِخِلَافِ الْجَرْحِ) ش: (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ أَحَدُ الْمُجَرِّحِينَ فِي أَحَدِ الشَّاهِدِينَ: هُوَ كَذَّابٌ وَقَالَ الْآخَرُ فِيهِ: هُوَ آكِلُ رِبًا، فَلَيْسَ بِتَجْرِيحٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ خَائِنٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: يَأْكُلُ أَمْوَالَ الْيَتَامَى فَذَلِكَ تَجْرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَقَالَ أَيْضًا: إذَا جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا بِمَعْنًى وَجَرَحَهُ الْآخَرُ بِمَعْنًى آخَرَ فَذَلِكَ تَجْرِيحٌ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَأَلْته قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ تَجْرِيحِهِمَا إيَّاهُ بِأَنَّهُ رَجُلٌ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ: لَا يُسَمَّى بِالْجُرْحَةِ، فَقَالَ: هِيَ جُرْحَةٌ وَلَا يَكْشِفُ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ هَذَا انْتَهَى مِنْ ابْنِ سَهْلٍ. ص (وَهُوَ الْمُقَدَّمُ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا عُدِّلَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى مَنْ

يَجْرَحُهُمْ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ الْجُرْحَةَ فِيهِمْ أَبَدًا مَا لَمْ يَحْكُمْ، فَإِذَا حَكَمَ لَمْ يَنْظُرْ فِي حَالِهِمْ بِجُرْحَةٍ وَلَا بِعَدَالَةٍ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي وَآخِرِ تَرْجَمَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ يَجِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ بَيِّنَةً أَوْ مَنْفَعَةً مِنْ تَجْرِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ وَثِيقَةٍ بِتَجْرِيحِ عَدَاوَةٍ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ: إنْ جَرَحَ رَجُلَانِ عَدْلًا ثُمَّ جَاءَ الْمُجَرَّحُ بِمَنْ يُعَدِّلُهُ لَمْ نَقْبَلْهُ وَلَوْ بِأَلْفِ عَدْلٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُمَا انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. ص (وَبِخِلَافِهَا لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ أَبَوَيْهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ) ش: هَذَا مُخَرَّجٌ أَيْضًا مِنْ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ مُتَأَكِّدِ الْقَرَابَةِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خِلَافِ مِنْ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ، وَأَعَادَ الْعَامِلَ لِطُولِ الْفَصْلِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِخِلَافِهَا عَائِدٌ إلَى الشَّهَادَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَهَادَةَ الْوَالِدِ أَوْ الْوَالِدَةِ لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنَّ ظَهَرَ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَاللَّخْمِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ اسْتَوَتْ حَالُهُ فِيمَنْ شَهِدَ لَهُ وَعَلَيْهِ فَصَارَ كَمَنْ شَهِدَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي قَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ التَّبْرِيزُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ ظَهَرَ الْمَيْلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُرِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ سَحْنُونًا يَمْنَعُ وَإِنْ شَهِدَ لِلْأَكْبَرِ عَلَى الْأَصْغَرِ وَالرَّاشِدِ عَلَى السَّفِيهِ وَلِلْعَاقِّ عَلَى الْبَارِّ وَكَأَنَّهُ رَآهُ حُكْمًا غَيْرَ مُعَلَّلٍ وَأَنَّ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ لِلسُّنَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ ظَهَرَ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ جَازَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ لِوَالِدِهِ وَلَيْسَ فِي حِجْرِهِ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَهَادَتِهِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِوَالِدِهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لَانْبَغَى أَنْ لَا تَجُوزَ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَانْبَغَى أَنْ تَجُوزَ اتِّفَاقًا انْتَهَى. ص (وَلَا عَدُوٍّ وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيِّنَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ (فَإِنْ قُلْت) مَا أَفَادَ قَوْلُهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ

فرع الشهادة على صبي أو سفيه في ولاية عدوه

عَكْسَ الْقَرَابَةِ قِيلَ فَائِدَتَيْنِ: الْأُولَى: تَقْيِيدُ الْعَدَاوَةِ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا قَيَّدَ فِي الْقَرَابَةِ تَأْكِيدَ الشَّفَقَةِ، قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فِي أَمْرٍ خَفِيفٍ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمَا تُقْبَلُ عَلَى الْآخَرِ وَأَمَّا الْمُهَاجَرَةُ الطَّوِيلَةُ وَالْعَدَاوَةُ الْبَيِّنَةُ فَلَا تُقْبَلُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصَّهُ الْمَازِرِيُّ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ خَفِيفَةً عَلَى أَمْرٍ خَفِيفٍ لَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ. (تَنْبِيهٌ) وَالْعَدَاوَةُ الْمَانِعَةُ هِيَ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ عَنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ خِصَامٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ دُنْيَا يَتَشَوَّفُ بِهِ عَادَةً إلَى أَذًى يُصِيبُهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ، مِثْلُهُ أَبُوهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَكَذَا أُمُّهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ وَتَجُوزُ عَلَى عَدُوِّ أَخِيهِ فِي الْمَالِ نَقَلَهُ فِي رَسْمِ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. [فَرْعٌ الشَّهَادَة عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ فِي وِلَايَةِ عَدُوِّهِ] (فَرْعٌ) وَتَجُوزُ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ فِي وِلَايَةِ عَدُوِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ. (فَرْعٌ) مَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ مَعْلُومَةٌ ثُمَّ اصْطَلَحَا جَازَتْ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إذَا طَالَ الْأَمْرُ وَاسْتُحِقَّ الصُّلْحُ وَظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُمَا مِنْ دَخَلِ الْعَدَاوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إذَا شَهِدَ بِقُرْبِ صُلْحِهِ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: مَسْأَلَةٌ: قَوْمٌ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ بَيْنَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ ثُمَّ اصْطَلَحُوا فَلَا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْقَرْنُ الَّذِينَ شَاهَدُوا الْفِتْنَةَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي أَسْئِلَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ وَفِي النَّوَادِرِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ مَسَائِلِ الْحُكَّامِ انْتَهَى. ص (وَلْيُخْبِرْ بِهَا) ش: أَيْ بِالْعَدَاوَةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَفِي النَّوَادِرِ وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يُخْبِرُ بِهَا وَانْظُرْ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْجُرْحَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّوْمِ أَنَّ مَرْجُوَّ الشَّهَادَةِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْجُرْحَةَ وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَسَمَاعِ سَحْنُونٍ وَنَوَازِلِهِ وَالنَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة يَشْهَدُ بِمَا لَا يَرَى جَوَازَهُ] (مَسْأَلَةٌ) الشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِمَا لَا يَرَى جَوَازَهُ ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحَةِ وَنَقَلَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ فِي تَنْبِيهِ الْقَاضِي عَلَى أُمُورٍ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَنَصَّهُ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِيمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَيْءٍ لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: سَأَلْت سَحْنُونًا عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ وَالْقَاضِي مِمَّنْ يَرَى إجَازَتَهَا أَتَرَى عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى الْقَاضِي؟ قَالَ: كَيْفَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؟ قُلْت مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى صَدَاقٍ مُعَجَّلٍ فِي نِكَاحٍ وَمَعَهُ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ، فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ جَهِلَ الشَّاهِدُ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَاعْتُمِدَ فِي إعْسَارٍ بِصُحْبَةٍ وَقَرِينَةٍ صَبْرُ ضُرٍّ كَضَرَرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ فِي الْإِعْسَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ كَالتَّعْدِيلِ وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ يَجُوزُ لَهُ

مسألة لا يكلف الشهود من أين علموا ما شهدوا به

أَنْ يَعْتَمِدَ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ عَلَى تَحْصِيلِهِ غَالِبًا وَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِمُقْتَضَاهُ لَزِمَ تَعْطِيلُ الْحُكْمِ فِي التَّعْدِيلِ وَالْإِعْسَارِ فَيُعْتَمَدُ فِي الْإِعْسَارِ عَلَى الصُّحْبَةِ وَصَبْرِهِ عَلَى الضَّرَرِ كَالْجُوعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْفَقْرِ، فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِصُحْبَتِهِ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ} [يوسف: 64] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30] بِدَلِيلِ {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] . [مَسْأَلَة لَا يُكَلَّفُ الشُّهُودُ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا مَا شَهِدُوا بِهِ] (مَسْأَلَةٌ) لَا يُكَلَّفُ الشُّهُودُ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا مَا شَهِدُوا بِهِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: فَصْلٌ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كُفْءٌ لِلْيَتِيمَةِ، قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: الشَّهَادَةُ تَامَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلَمْ يَقُولَا أَقَرَّ بِذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَاكِيَانِ حَتَّى يُبَيِّنَا ذَلِكَ فَيَقُولَانِ أَقَرَّ عِنْدَنَا أَوْ أَسْلَفَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَارِثِ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الشُّهُودُ وَجْهَ الْحَقِّ الَّذِي شَهِدُوا فِيهِ وَلَا فَسَّرُوهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُبَيِّنُوا أَصْلَ الشَّهَادَةِ وَكَيْفَ كَانَتْ، فَيَقُولُونَ: أَسْلَفَهُ بِمَحْضَرِنَا أَوْ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَنَا، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ (تَنْبِيهٌ) وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَهُمَا بِالدَّيْنِ مُجْمَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ وَجْهَهُ وَشَهِدُوا بِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ هَذَا حَتَّى يَشْهَدَ بِإِقْرَارِهِ بِالسَّلَفِ أَوْ الْمُعَامَلَةِ انْتَهَى. ص (فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ) ش: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالشَّيْخُ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّتْ لِظِنَّةٍ أَوْ تُهْمَةٍ أَوْ لِمَانِعٍ مِنْ قَبُولِهَا ثُمَّ زَالَتْ التُّهْمَةُ أَوْ الْوَجْهُ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِهَا أَنَّهَا إذَا أُعِيدَتْ لَمْ تُقْبَلْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِمَا لَوْ أَدَّى الشَّهَادَةَ وَلَمْ تُرَدَّ حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَكِنْ بِشَرْطِ إعَادَتِهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْقَائِمُ بِشَهَادَتِهِ لِلْقَاضِي: عِنْدِي فُلَانٌ الْعَبْدُ أَوْ الصَّغِيرُ أَوْ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ رَدًّا لِشَهَادَتِهِمْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فَتْوَى قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ. ص (أَوْ عَلَى التَّأَسِّي) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ وَإِذَا نَدَرَتْ هَالَتْ وَلِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدَّتْ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ يَزْنِينَ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ لَازِمًا لَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي طَاعَةٍ وَلَا فِسْقٍ اتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَتَبِعَ فِي الِاتِّفَاقِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي وَلَدِ الزِّنَا طَرِيقَانِ، الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ فِي الزِّنَا وَقَبُولِهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالزِّنَا ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ وَعَزَاهَا لِابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ: شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا وَفِي نَفْيِ الرَّجُلِ عَنْ أَبِيهِ جَارِيَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حُدَّ فِي شَيْءٍ هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّنَا كَاللَّعَّانِ وَالْقَذْفِ وَالْمَنْبُوذِ انْتَهَى. ص (أَوْ مِنْ حَدٍّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الِاسْتِذْكَارِ نَقَلَهُ

مسألة أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به فأتوا به إلى السلطان وشهدوا عليه

فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ فَعَزْوُ تَشْهِيرِهِ لِابْنِ رُشْدٍ قُصُورٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْأَخَوَيْنِ: الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا يَتُوبُ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ وَكَذَلِكَ الْمَنْبُوذُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الزِّنَا لَا قَذْفٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ: مَنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي جِنَايَةٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ فِي مِثْلِ الْجُرْحِ الَّذِي اُقْتُصَّ مِنْهُ، ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا شُذُوذٌ أُغْرِقَ فِيهِ فِي الْقِيَاسِ قُلْت لِلشَّيْخِ عَنْ الْوَاضِحَة قَالَ الْأَخَوَانِ: مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ ثُمَّ حَسُنَتْ حَالَتُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إلَّا فِي الْقَتْلِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قِيلَ لِابْنِ كِنَانَةَ مَنْ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ نَكَالًا أَيُنْتَظَرُ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ تَوْبَتُهُ؟ قَالَ: لَيْسَ مَا يَنْكُلُ بِهِ سَوَاءٌ نَكَلَ نَاسٌ بِالْمَدِينَةِ لَهُمْ حَالٌ حَسَنَةٌ لِشَيْءٍ أَسْرَعُوا فِيهِ إلَى نَاسٍ وَشَهَادَتُهُمْ فِي ذَلِكَ تُقْبَلُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِمْ مَغْمَزٌ وَمَنْ لَيْسَ بِحَسَنِ الْحَالِ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ وَلَيْسَ بِمَشْهُورِ الْعَدَالَةِ يَأْتِي بِمَا فِيهِ النَّكَالُ الشَّدِيدُ فَلْيَنْظُرْ فِي هَذَا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا عِنْدَ نُزُولِهِ، وَأَمَّا الشَّتْمُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) ش: أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ أَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ كَمَا لَوْ تَعَلَّقَ أَرْبَعَةٌ بِرَجُلٍ وَرَفَعُوهُ لِلْقَاضِي وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ إنْ أَرَادَ بِتَوْكِيلٍ مَنْ الْمَشْهُودِ لَهُ فَهُوَ، نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ الْوَكِيلُ عَلَى خُصُومَةٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا يُخَاصِمُ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَحْرَى فِي عَدَمِ الْقَبُولِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا خَاصَمَ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ بَلْ هُوَ أَظْهَرُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَ تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى طَلَبٍ فِي حَقٍّ ثُمَّ عَزَلَهُ وَتَوَلَّى الطَّلَبَ بِنَفْسِهِ فَشَهَادَةُ الْوَكِيلِ لَهُ جَائِزَةٌ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُبْطِلَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ مَذْهَبِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَعِنْد ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ إنَّمَا تُبْطِلُ مَا لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَأَمَّا مَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ فَلَا تُبْطِلُهُ الْمُخَاصَمَةُ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِطْلَاقُ كَكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُبْطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ الْقَائِمُ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ الشَّرْطِ الْمُوَكَّلِينَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ قَالَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي صَاحِبِ السُّوقِ أَخَذَ سَكْرَانَ فَسَجَنَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ وَآخَرُ مَعَهُ فَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَصْمًا حِينَ سَجَنَهُ وَلَوْ رَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُنَهُ وَشَهِدَ مَعَ الرَّجُلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَهُ فَرَفَعَهُ مَا لَمْ يَسْجُنْهُ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَ مِنْ أَخْذِهِ وَرَفْعِهِ لَازِمٌ لَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ السُّوقِ مُوَكَّلًا بِالْمَصْلَحَةِ فَأَخَذَ سَكْرَانَ فَرَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أَرْبَعَة نَفَرٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَتَعَلَّقُوا بِهِ فَأَتَوْا بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ] (مَسْأَلَةٌ) وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَرْبَعَةِ نَفَرٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَتَعَلَّقُوا بِهِ فَأَتَوْا بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَأَرَاهُمْ قَذَفَةً. وَرَوَاهَا أَصْبَغُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَقَالَ مُحَمَّد بْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلُوا مِنْ أَخْذِهِ وَتَعَلُّقِهِمْ بِهِ وَرَفْعِهِمْ إيَّاهُ إلَى السُّلْطَانِ لَا يَلْزَمُهُمْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» «وَقَالَ لِهَزَّالٍ يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَكَ»

فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارُوا ظَالِمِينَ لَهُ وَمُدَّعِينَ الزِّنَا عَلَيْهِ وَقَذَفَةً لَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سِوَاهُمْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْفِعْلِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَلَوْ كَانُوا أَصْحَابَ شُرْطَةٍ مُوَكَّلِينَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَفْعِهِ أَوْ أَحَدَهُمْ فَأَخَذُوهُ أَوْ أَخَذَهُ فَجَاءُوا بِهِ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا فِي أَخْذِهِ وَرَفْعِهِ مَا يَلْزَمُهُمْ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي الْوَاضِحَةِ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا عَلَى رَجُلٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا هُمْ الْقَائِمِينَ بِذَلِكَ مُجْتَمِعِينَ جَاءُوا أَوْ مُفْتَرِقِينَ إذَا كَانَ افْتِرَاقُهُمْ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا فَعَلُوا مِنْ قِيَامِهِمْ عَلَيْهِ مُبَاحًا لَهُمْ - وَإِنْ كَانَ السِّتْرُ أَفْضَلُ - لَمْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ إذْ لَمْ يَقُومُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَإِنَّمَا قَامُوا لِلَّهِ وَقَدْ مَضَى هَذَا الِاخْتِلَافُ مُجَرَّدًا عَنْ التَّوْجِيهِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَجَازَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا هُمَا الْقَائِمِينَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِذَلِكَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ فِي حَقٍّ يُرِيدُ إتْمَامَهُ فَهُوَ يُتَّهَمُ أَنْ يَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ لِيُتِمَّ مَا قَامَ فِيهِ وَهُوَ عِنْدِي بَعِيدٌ انْتَهَى. وَكَرَّرَهَا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ وَالْقَذْفِ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ كَلَامَهُ عَلَيْهَا بِالْحَرْفِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ قَدَّمَهُ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الشَّرْحِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَفْظَ وَأَصْبَغَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَوُجِّهَ ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، فَجَعَلَ وُجِّهَ فِعْلًا مَاضِيًا مُسْنَدًا إلَى ضَمِيرِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَذَا رَأَيْته هُنَاكَ مَضْبُوطًا بِالْقَلَمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " بِأَنْ " بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَى أَنَّ بِخِلَافِ مَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ وَجْهٌ فِيهِ مَصْدَرٌ مِمَّا يَظْهَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إدْخَالُ اللَّامِ عَلَى أَنَّ وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْحُدُودِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا تَصْحِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي تَعْلِيلِهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ فِي أَوَّل الْكَلَامِ جَعَلَ فِعْلَهُمْ مِنْ الرَّفْعِ وَعَدَمِ السِّتْر مَكْرُوهًا ثُمَّ جَعَلَهُ مُبَاحًا، وَالْمُبَاحُ مُبَايِنٌ لِلْمَكْرُوهِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْجَائِزَ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَالْمُبَاحَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ عَنْ الْقَرَافِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَدَاوَةِ قُلْت فَشَهَادَةُ مَنْ رَفَعَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَى ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ وَفِي غَيْرِ الْمُوَلَّى ثَالِثُهَا إنْ كَانَ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ لِلْأَخَوَيْنِ، الثَّانِي لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا لَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ، الثَّالِثُ لِابْنِ رُشْدٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْقِيَامَ بِهِ مُتَعَيَّنٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاخْتُلِفَ إذَا قَامَ الشُّهُودُ وَخَاصَمُوا فِي حُقُوقِ اللَّهِ فَأَسْقَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَتَهُمْ؛ لِأَنَّ خِصَامَهُمْ عَلَمٌ عَلَى شِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى إنْفَاذِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا وَشِدَّةُ الْحِرْصِ قَدْ تَحْمِلُ عَلَى تَحْرِيفِهَا أَوْ زِيَادَةٍ فِيهَا قَالَ مُطَرِّفٌ: شَهَادَتُهُمْ تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعَدَاوَةَ فِي حَقِّ اللَّهِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ، مَنْ قَامَ يَطْلُبُ حَقَّ اللَّهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة وَقَالَ مُطَرِّفٌ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ انْتَهَى. قُلْت وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ كَلَامِهِ فِي ذِكْرِ الْخُصُومَةِ فَجَعَلَ الْمَازِرِيُّ الْمَانِعَ حِرْصَهُ عَلَى الْقَبُولِ، خِلَافُ كَوْنِهِ الْخُصُومَةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا وَيَلْزَمُهُ إذَا دُعِيَ أَنْ يَقُومَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْعَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا لِلَّهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا لَآدَمِيٍّ فَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ فَالْأَوَّلُ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَشِبْهِهِ فَلَا يَضُرُّ تَرْكُ إخْبَارِهِ بِالشَّهَادَةِ

لِأَنَّ ذَلِكَ سَتْرٌ عَلَيْهِ وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَنْدُرُ مِنْهُ وَأَمَّا مَنْ كَثُرَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يَكْتُمُونَهُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَشْهَدُوا بِذَلِكَ إلَّا فِي تَجْرِيحٍ إنْ شَهِدَ عَلَى أَحَدٍ (وَالثَّانِي) كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَتَمَلُّكِ الْأَحْبَاسِ وَالْقَنَاطِرِ وَشِبْهِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِشَهَادَتِهِ وَيَقُومَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِشَهَادَتِهِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذَلِكَ جُرْحَةٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ لَهُمْ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْقِيَامِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي تَجْرِيحِ الشَّاهِدِ بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي بُطْلَانِ شَهَادَتِهِ بِالسُّكُوتِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْكِرُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالشَّهَادَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا؟ وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ هُوَ الْقَائِمُ بِهَا، وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ إلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً هُمْ الْقَائِمُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ الشُّهُودُ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْبَيَانِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَحَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَا شَكَّ فِي ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ وُجُوبِ رَفْعِ الشَّهَادَةِ وَسُقُوطِهَا بِكَوْنِ الشَّاهِدِ هُوَ الْمُدَّعِي، فَرَفْعُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْإِخْبَارُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مُخَاصَمَةٍ فِيمَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَاجِبٌ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلشَّهَادَةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِمْكَانِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الرَّافِعُ هُوَ الْمُخَاصِمُ فَتَسْقُطُ الشَّهَادَةُ كَمَا أَطْلَقَهُ هُنَا فِي قَوْلِهِ: كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الشِّفَاءَ فِي الشَّهَادَةِ بِشَيْءٍ فِي حَقِّ الْجَنَابِ الْعَلِيِّ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ عَدَاوَةٍ: إذَا قَامَ أَهْلُ مَسْجِدٍ فِي حُبَاسَةِ مَسْجِدِهِمْ أَوْ حَقِّهِ عَلَى رَجُلٍ وَشَهِدُوا فِيهِ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ خُصَمَاؤُهُ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ قَائِمٌ وَشَهِدَ غَيْرُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا خُصَمَاءَ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَهَذَا السِّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ وَأَمَّا الْمُتَكَشِّفُونَ الْمُشْتَهِرُونَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِي السِّتْرِ وَسُتِرُوا غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَدَعُوا وَتَمَادَوْا فَكَشْفُ أَمْرِهِمْ وَقَمْعُ شَرِّهِمْ مِمَّا يَجِبُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السَّتْرِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُهَاوَدَةِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَمُصَانَعَةِ أَهْلِهَا، وَهَذَا أَيْضًا فِي سَتْرِ كَشْفِ مَعْصِيَةٍ انْقَضَتْ وَفَاتَتْ فَأَمَّا إذَا عُرِفَ انْفِرَادُ رَجُلٍ بِعَمَلِ مَعْصِيَةٍ أَوْ اجْتِمَاعُهُمْ لِذَلِكَ فَلَيْسَ السَّتْرُ هَهُنَا السُّكُوتُ عَلَى ذَلِكَ وَتَرْكُهُمْ وَإِيَّاهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَهُ تَنْفِيرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ وَتَغْيِيرُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَّفَقْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِكَشْفِهِ لِمَنْ يُعِينُهُ أَوْ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا إيضَاحُ حَالِ مَنْ يُضْطَرُّ إلَى كَشْفِهِ مِنْ الشُّهُودِ وَالْأُمَنَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فَبَيَانُ حَالِهِمْ مِمَّنْ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَّا الشَّاهِدُ فَعِنْدَ طَلَبِ ذَلِكَ مِنْهُ لِتَجْرِيحِهِ أَوْ إذَا رَأَى حُكْمًا يَقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ مَا يُسْقِطُهَا فَيَجِبُ رَفْعُهَا، وَأَمَّا فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحَمَلَةِ الْعِلْمِ الْمُقَلَّدِينَ فَيَجِبُ كَشْفُ أَحْوَالِهِمْ السَّيِّئَةِ لِمَنْ عَرَفَهَا مِمَّنْ يُقَلَّدُ فِي ذَلِكَ وَيُلْتَفَت إلَى قَوْلِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِمْ وَيُقَلَّدَ فِي دِينِ اللَّهِ مَنْ لَا يَجِبُ، عَلَى هَذَا اجْتَمَعَ رَأْيُ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَلَيْسَ السَّتْرُ هَهُنَا بِمُرَغَّبٍ فِيهِ وَلَا مُبَاحٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِثْمِ فِي كَشْفِهِ وَرَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّرْغِيبُ عَلَى سَتْرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ رَفْعَهُ لَهُ وَكَشْفَهُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ مُبَاحٌ لَهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَلَا مَمْنُوعٍ إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ مِنْ أَجْلِ عِصْيَانِهِ لِلَّهِ وَلَمْ يَقْصِدْ كَشْفَ سِتْرِهِ وَالِانْتِقَامَ مِنْهُ مُجَرَّدًا فَهَذَا يُكْرَهُ لَهُ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ السَّتْرَ إذَا خَلَا عَنْ الْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلًا يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ لِلْحَدِيثِ

فرع الجار يظهر شرب الخمر وغيره

الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الرَّفْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ الْجَارُ يُظْهِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَغَيْرَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: الْجَارُ يُظْهِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَغَيْرَهُ فَلْيَتَقَدَّمْ إلَيْهِ وَيَنْهَهُ فَإِنْ انْتَهَى وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَالشُّرْطِيُّ يَأْتِيه رَجُلٌ يَدْعُوهُ إلَى نَاسٍ فِي بَيْتٍ عَلَى شَرَابٍ قَالَ: أَمَّا الْبَيْتُ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا يَتْبَعْهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْتًا مَعْلُومًا بِالسُّوءِ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَلْيَتْبَعْهُ الشُّرْطِيُّ انْتَهَى. مِنْ التَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. ص (أَوْ شَهِدَ وَحَلَفَ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ جَهَلَةِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُعْذَرُوا بِهِ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا الْوَجْهُ مِنْ الْحِرْصِ لَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ فِي الشَّهَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ وَعَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (قُلْتُ) قَدْ قِيلَ إنَّ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُحْكَمًا فَالشُّهُودُ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْيَمِينِ وَإِنَّمَا طُلِبَتْ مِنْهُمْ فَلَا يَضُرُّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي قَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ» : يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ فِي الشَّهَادَةِ يُبْطِلُهَا. قَالَ: وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَلَّافٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُهُ انْتَهَى. ص (أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَعَمْ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهُ بِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِ، قَالَ الْأَخَوَانِ: إلَّا أَنْ يَعْلَمَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِعِلْمِهِمْ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرًا وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةٌ إلَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ شَهَادَةٌ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الرِّبَاعِ لَهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَعَارَهَا أَوْ أَكْرَاهَا لِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ فَبَاعَهَا الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ وَالْوَلَدُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ الْبَاجِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ جُرْحَةً إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنْ كَتَمَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِشَهَادَتِهِ بَطَلَ الْحَقُّ أَوْ دَخَلَ بِذَلِكَ مَضَرَّةٌ أَوْ مَعَرَّةٌ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْقِيَامُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ تَرَكَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي لِهَذَا الشَّاهِدِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلَا يَقُلْ لَا أُخْبِرُ بِهَا إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَكِنْ لِيُخْبِرْ بِهَا لَعَلَّهُ يَرْجِعُ أَوْ يَرْعَوِي» وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ حَالُ الْحَاضِرِ تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ بِتَرْكِ إعْلَامِ الْحَاضِرِ بِهَا لَا بِتَرْكِ رَفْعِهَا لِلسُّلْطَانِ قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا مَنْ هُوَ إلَى نَظَرِ السُّلْطَانِ كَالْيَتِيمِ الْمُهْمَلِ انْتَهَى. ص (وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَخْ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَتِمُّ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ تَحْصِيلًا لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ انْتَهَى. ص (كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَيَّدَ ابْنُ شَاسٍ الْوَقْفَ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ الْبَاجِيُّ

وَابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى. وَفِي كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدِي نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) بِهَذَا الْقِسْمِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ انْدَفَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ «ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» وَقَوْلُهُ «تَبْدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ «أَلَا أُخْبِركُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَحُكْمُ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا خُيِّرَ كَالزِّنَا) ش: تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ أَنَّ السَّتْرَ أَوْلَى

وَالرَّفْعَ مَكْرُوهٌ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يَنْدُرُ مِنْهُ وَأَمَّا فِي حَقِّ مَنْ يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْيَرْفَعْهُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ بَلْ أَوَّلُ كَلَامِ عِيَاضٍ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّفْعَ وَاجِبٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ) ش: قَالَ ابْن الْحَاجِبِ: فَفِي التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي، فَتَحَمُّلُهَا لَا يَضُرُّ كَالْمُخْتَفِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَخْدُوعًا أَوْ خَائِفًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَقْيِيدًا لِلْمَشْهُورِ بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ قَعَدَا لِرَجُلٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ قَالَ: إنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ مَخْدُوعًا أَوْ خَائِفًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِمَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ خَالِيًا وَيَأْبَى مِنْ الْبَيِّنَةِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ مَا سُمِعَ مِنْهُ. قِيلَ: فَرَجُلٌ لَا يُقِرُّ إلَّا خَالِيًا أَقْعُدُ لَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَسْتَوْعِبُ أَمْرَهُمَا، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَسْمَعَ جَوَابَهُ لِسُؤَالِهِ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ لَهُ فِي سِرٍّ: إنْ جِئْتُك بِكَذَا مَا الَّذِي لِي عَلَيْك؟ فَيَقُولُ لَهُ: عِنْدِي كَذَا. فَإِنْ قَدَرَتْ أَنْ تُحِيطَ بِسِرِّهِمْ فَجَائِزٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ شَهَادَةُ الْمُخْتَفِي لَا خَفَاءَ فِي رَدِّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ دُونَ قَوْلِهِ اشْهَدُوا عَلَيَّ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ لَهُ الِاخْتِفَاءَ لِتَحَمُّلِهَا وَقَبُولِهَا إنْ شَهِدَ بِهَا وَهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى هُنَا، خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ مَنْ يُخْشَى أَنْ يُخْدَعَ لِضَعْفِهِ وَجَهْلِهِ وَبَيْنَ مَنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَوْ أَنْكَرَ الضَّعِيفُ الْجَاهِلُ الْإِقْرَارَ جُمْلَةً لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا قَالَ: إنَّمَا أَقْرَرْت لِوَجْهِ كَذَا مِمَّا يُشْبِهُ. انْتَهَى. وَدَلَّ

فرع شهد على رجل أنه حلف بطلاق امرأته في حق له عليه فحنث

الْمَشْهُورُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِلشَّهَادَةِ أَشْهَدُ عَلَى، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ الْقَوْلَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَكَافَّةِ أَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى. قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ: فَإِذَا صَرَّحَ الْمُقِرُّ بِالْإِشْهَادِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكْتُبَ الشَّاهِدُ أَشْهَدَنِي بِذَلِكَ فَشَهِدْت عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يَخْلُصَ الْخَصْمُ مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى. وَانْظُرْ آخِرَ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعْلُ الْمَازِرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ عِلَّةَ رَدِّ شَهَادَةِ الْمُخْتَفِي الْحِرْصَ عَلَى التَّحَمُّلِ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. ص (وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا) ش: يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ إذَا كَانَتْ تَجُرُّ لَهُ نَفْعًا فَلَا تَجُوزُ وَهَذَا ظَاهِرٌ. [فَرْعٌ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي حَقّ لَهُ عَلَيْهِ فَحِنْث] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ لِيَدْفَعَنَّهُ إلَيْهِ فَحَنِثَ فَقَالَ: مَا هُوَ بِجَائِزِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ إسْقَاطُ شَهَادَتِهِ فِي هَذَا بِبَيِّنٍ وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَا يَدْعُوهُ إلَى أَنْ يُعَجِّلَ حَقَّهُ وَإِنَّمَا يَدْعُوَهُ بِالطَّلَاقِ لِيَقْضِيَنَّهُ إلَى أَجَلٍ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ لَمْ يَقْضِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لِمَا كَانَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ وَالْحَقُّ عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِاتِّهَامِهِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا شَهِدَ عَلَيْهِ لِيُعَجِّلَ لَهُ الْقَضَاءَ وَلَا يَحْنَثَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْل الْحِنْثِ فَأَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحِنْثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ. وَقَدْ نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي تَرْجَمَةِ شَهَادَةِ الْأَجِيرِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُقَارِضِ وَالْغَرِيمِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَنَصُّهُ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا غَرِمَ الْجَمِيلُ مَا تَحَمَّلَ بِهِ ثُمَّ قَدِمَ الْمَطْلُوبُ فَأَنْكَرَ الْحِمَالَةَ فَشَهِدَ الْغَرِيمُ عَلَى الْحِمَالَةِ فَلَا تَجُوزُ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ بِالْعِتْقِ لِيَقْضِيَنَّهُ إلَى أَجَلٍ فَحَنِثَ فَقَامَ رَقِيقُهُ فَشَهِدَ لَهُمْ الطَّالِبُ بِالْحِنْثِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ. وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ وَفِي الْعُتْبِيَّة وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ قَبَضَ مِنْهُ حَقَّهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، إذْ لَا يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَقَالَهُ أَصْبَغُ انْتَهَى وَقَالَ قَبْلَ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِمَّا عَلِمَهُ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهَادَاتِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلًا حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَالَ: فَلْيَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَنِثَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ السُّلْطَانُ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ يُرِيدُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي حِنْثِهِ فِي دَيْنِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَهَا بَعْدَ هَذَا انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ بِلَفْظِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي حِنْثِهِ فِي دَيْنِهِ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ رَسْمِ الطَّلَاقِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْبَيَانِ وَانْظُرْ كَلَامَ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ لَا أَشْتَرِي مِنْهُ غَلَّةَ زَيْتُونٍ أَبَدًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ سِنِينَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ قَالَ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنَّهُ أَرَادَ فَسْخَ صَفْقَتِهِ. [فَرْعٌ قَالَ حَبَسْت عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَتِي حَبْسًا فَشَهِدَ فِيهِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْغِنَى] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا قَالَ: حَبَسْت عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَتِي حَبْسًا فَشَهِدَ فِيهِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْغِنَى فَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يَنْفَعُ هَؤُلَاءِ إنْ احْتَاجُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا رُدَّتْ انْتَهَى. مِنْ الْبَابِ الثَّامِنِ فِي آخِرِ الْمَانِعِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَصْلُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَائِلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ

فرع له على شخصين حق فأقر أنه قبضه من أحدهما والآخر يقول دفعته إليه

لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَهُ وَفِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ نَحْوُهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ. [فَرْعٌ لَهُ عَلَى شَخْصَيْنِ حَقٌّ فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَقُولُ دَفَعْتُهُ إلَيْهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ: رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ لَهُ قِبَلَ رَجُلَيْنِ حَقٌّ وَأَيُّهُمَا شَاءَ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَقُولُ: أَنَا دَفَعْته إلَيْهِ فَشَهَادَةُ الْقَابِضِ لِلدَّافِعِ هَهُنَا جَائِزَةٌ إذْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا انْتَهَى. وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عَلَى حَاكِمٍ بِثُبُوتِ وَقْفٍ عِنْدَهُ وَالْحَالَةُ أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ لَهُ الْآنَ اسْتِحْقَاقٌ فِي الْوَقْفِ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يَئُولُ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى مَا رَتَّبَهُ الْوَاقِفُ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ لَهُ انْتِفَاعٌ بِهَذَا الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ إذَا صَارَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ يَسِيرًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا رُدَّتْ قِيَاسًا عَلَى الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَيْضًا فِي النَّوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَقَالَا كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِشَهَادَتِنَا] (مَسْأَلَةٌ) إذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَقَالَا: كَانَ الْقَاضِي حَكَمَ بِشَهَادَتِنَا فَهَلْ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَى أَصْلِ الشَّهَادَةِ أَوْ تَجُوزُ عَلَى الْحُكْمِ أَوْ لَا تَجُوزُ عَلَى الْحُكْمِ وَتَجُوزُ عَلَى أَصْلِ الشَّهَادَةِ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا رِوَايَةُ يَحْيَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْحُكْمِ جَائِزَةٌ وَلَا يَضُرُّهُمَا مَا ذَكَرَاهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ كِرَاءِ الدُّورِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الشَّهَادَاتِ. [مَسْأَلَة شَهِدَ شَاهِدٌ بِطَلَاقِ امْرَأَة مِنْ زَوْجِهَا فَأَثْبَتَ زَوْجُهَا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُهَا] (مَسْأَلَةٌ) إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجِهَا فَأَثْبَتَ زَوْجُهَا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُهَا فَهَلْ تَسْقُطُ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ يَمِينٌ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي النَّوَادِرِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يَجُوزُ قَبُولُ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّاوِي لَهَا الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ جَرَّ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا أَوْ وَلَدِهِ أَوْ سَاقَ بِذَلِكَ مَضَرَّةً لِعَدُوِّهِ كَإِخْبَارِهِ عَنْ الْخَوَارِجِ انْتَهَى. [مَسْأَلَة شَهِدَ شَهَادَةً تُؤَدِّي إلَى رِقِّهِ] (مَسْأَلَةٌ) مَنْ شَهِدَ شَهَادَةً تُؤَدِّي إلَى رِقِّهِ فَقَالَ أَصْبَغُ فِي نَوَازِلِهِ: إنَّهَا لَا تَجُوزُ وَنَصَّهُ، وَسَمِعْته أَيْ أَصْبَغَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَشَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّ الَّذِي أَعْتَقَهُمَا غَصَبَهُمَا مِنْ رَجُلٍ مَعَ مِائَةِ دِينَارٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُوزُ فِي الْمِائَةِ وَلَا تَجُوزُ فِي غَصْبِهِ رِقَابَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يُرِيدَا إرْقَاقَ أَنْفُسِهِمَا وَلَا يَجُوزُ لِحُرٍّ أَنْ يُرِقَّ نَفْسَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلِسَحْنُونٍ فِي كِتَابِ ابْنِهِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا وَلَا فِي الْمِائَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّ بَعْضُهَا لِلتُّهْمَةِ رُدَّتْ كُلُّهَا بِخِلَافِ إذَا رُدَّ بَعْضُهَا لِلسُّنَّةِ وَالْمَشْهُورُ إذْ رُدَّ بَعْضُ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ أَنْ تُرَدَّ كُلُّهَا وَقِيلَ إنَّهُ يُرَدُّ مَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ هَذَا، وَالْمَشْهُورُ إذَا رُدَّ بَعْضُ الشَّهَادَةِ لِلسُّنَّةِ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فِي وَصِيَّةٍ فِيهَا عِتْقٌ وَمَالٌ أَنْ يَجُوزَ مِنْهَا مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ فَيَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ يَمِينٍ وَقِيلَ يَبْطُلُ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ بَعْضُهَا وَجَبَ رَدُّهَا كُلُّهَا وَذَلِكَ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَاهُ الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَجَمِيعِ جُلَسَائِهِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَفِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ، وَذَكَرَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ أَيْضًا مَسْأَلَةَ مَنْ شَهِدَ شَهَادَةً تُؤَدِّي إلَى حَدِّهِ أَنَّهُ تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ وَيُحَدُّ كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَزْنِي بِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْحَدُّ سَاقِطٌ عَنْهُمَا لِسُقُوطِ شَهَادَتِهِمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ سَحْنُونٌ الشَّهَادَةُ سَاقِطَةٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَيُحَدَّانِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الطَّلَاقِ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ

وَسَحْنُونٍ انْتَهَى. وَانْظُرْ تَوْجِيهَ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا) ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَإِذَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ بِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَتْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ بِالظِّنَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَسْقُطَ بِالظِّنَّةِ أَوْ بِالْجُرْحَةِ انْتَهَى. ص (أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ لِيَقْضِيَهُ مِنْهُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَيَّدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَسْأَلَة بِكَوْنِ رَبِّ الدَّيْنِ شَهِدَ لِلْمِدْيَانِ بِدَيْنٍ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَلدِّينِ، وَفَرْضُهَا فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا شَهَادَةٌ بِمَالٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي. (الثَّانِي) أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمِدْيَانُ مَلِيئًا أَوْ مُعْسِرًا وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) رَدُّ شَهَادَتِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ (الثَّانِي) إجَازَتِهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا وَعَزَاهُ لِأَشْهَبَ (الثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمِدْيَانُ مُعْدِمًا فَتُمْنَعُ الشَّهَادَةُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا فَتَجُوزُ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعَهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ: وَلَوْ شَهِدَ رَبُّ دَيْنٍ لِمِدْيَانِهِ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُعْسِرًا انْتَهَى. وَنَقَلَ فِي الْبَيَانِ الْقَوْلَ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ لَهُ مُطْلَقًا عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَلِيءِ وَالْمُعْدِمِ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرًا فَقَالَ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: قَالَ مَالِكٌ: شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِرَجُلٍ وَلِلشَّاهِدِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ حَقٌّ جَائِزَةٌ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلَغَنِي عَنْهُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُوسِرًا قُبِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَا بَلَغَ ابْنَ الْقَاسِمِ مِنْ تَفْرِقَةِ مَالِكٍ بَيْنَ كَوْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا مُفَسِّرٌ لِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ مُجْمَلًا وَهَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَرُبَ الْحُلُولُ، وَإِنْ بَعُدَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَلِيًّا، وَشَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ وَهُوَ صَحِيحٌ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رَدِّ شَهَادَتِهِ مُطْلَقًا، وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ بِالتَّفْرِقَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَجَعَلُوهُ خِلَافًا وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ

مسألة شهادة الوصي على الميت أو له

وَجَعَلَهُ تَفْسِيرًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ. (الثَّالِثُ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِحُلُولِ الدَّيْنِ أَوْ قُرْبِ حُلُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ شَهَادَةُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ لَهُ كَمَا نَقَلَهَا الشَّارِحُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ إذَا كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ وَنَصُّهُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ شَهَادَةُ الصُّنَّاعِ لِمَنْ يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمْ لِلتُّهْمَةِ فِي جَرِّ أَعْمَالِهِمْ لَهُمْ وَتَوْقِيفِهَا عَلَيْهِمْ، وَزَادَ أَيْضًا الشَّهَادَةُ لِلصَّانِعِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَرْغَبُ فِي عَمَلِهِ وَلَا عِوَضَ مِنْهُ وَزَادَ أَيْضًا الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ انْتَهَى مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَابْنُ رَاشِدٍ اهـ كَلَامَهُ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ الْمُنْفِقُ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ أَعْنِي الصُّورَةَ الْأُولَى الَّتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ. [مَسْأَلَة شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَهُ] (مَسْأَلَةٌ)

وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَهُ فَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ الْوَارِثَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ. ابْنُ يُونُسَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا سَقَطَ عَنْهُ بِوَجْهٍ مَا اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا وَهُمْ بِحَالِ الرُّشْدِ يَلُونَ أَنْفُسَهُمْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى قَبْضٍ لَهُمْ فَتَجُوزُ انْتَهَى. وَفِي الْمُقَرِّبِ وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ وَإِنْ شَهِدَ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى أَحَدٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارًا مَرْضِيِّينَ وَلَا يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَإِنْ شَهِدَ أَوْصِيَاءُ مَيِّتٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ فُلَانٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ شَيْءٌ يَجُرَّانِهِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ فَشَهَادَتُهُمَا فِي ذَلِكَ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَجُرَّا بِهَا شَيْئًا إلَى أَنْفُسِهِمَا اهـ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. ص (وَلَا إنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ وَقَالَ: أَنَا بِعْته لَهُ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَائِلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ الرَّجُلِ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ مَا نَصُّهُ: سُئِلْت عَمَّنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ اسْتَحَقَّ ثَوْبًا أَنَّهُ لَهُ بِعْته أَنَا مِنْهُ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِشَيْءٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِشِرَائِهِ إيَّاهُ مِنْ فُلَانٍ فَلَا تَتِمُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَقُولُوا: إنَّ فُلَانًا الْبَائِعَ عَلِمْنَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ أَوْ يَحُوزُهُ حِيَازَةَ الْمَالِكِ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ هَذَا، فَهَذَا الشَّاهِدُ الْبَائِعُ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُ لِلثَّوْبِ إلَّا بِقَوْلِهِ انْتَهَى.

فرع شهد لرجل في سهم في شرب عين وكان أصل ذلك بينه وبينه فقاسمه ثم شهد له الآن بملكه

[فَرْعٌ شَهِدَ لِرَجُلٍ فِي سَهْمٍ فِي شُرْبِ عَيْنٍ وَكَانَ أَصْلُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَاسَمَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ الْآنَ بِمِلْكِهِ] فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي سَهْمٍ فِي شُرْبِ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ حَوَائِضَ وَكَانَ أَصْلُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَاسَمَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ الْآنَ بِمِلْكِهِ لِذَلِكَ الَّذِي صَارَ لَهُ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ أَصْلِ عَيْنٍ أَوْ أَرْضٍ قَالَ: شَهَادَتُهُ لَهُ فِيهِ جَائِزَةٌ اهـ. [فَرْعٌ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ الْغَنَمِ الَّتِي يَرْعَاهَا لَهُ أَوْ لِشَخْصٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ اسْتِئْجَارِ رَاعٍ لِغَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا فِي الرَّاعِي إذَا ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ الْغَنَمِ الَّتِي يَرْعَاهَا لَهُ أَوْ لِشَخْصٍ: أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِسَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ، قَالَ: وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لِغَيْرِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ لَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَسَوَاءٌ كَانَ يَأْوِي الرَّاعِي إلَى دَارِهِ أَوْ إلَى دَارِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ انْتَهَى آخِرُهُ بِاللَّفْظِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ أَمِينٌ. ص (وَلَا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فَرْعٌ قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ تَقْيِيدِ عَدَاوَةِ مَالَ بَعْضُ أَهْلِ الشُّورَى: إنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ جَائِزَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ إنَّ هَذَا إجْمَاعٌ. ص (وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ

بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ) ش: قَالَ فِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي مَسْأَلَةٍ طَوِيلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا سَحْنُونٌ: وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ يَقْبَلُ صِلَةَ السُّلْطَانِ وَيَأْكُلُ طَعَامَهُ وَسَلَاطِينُ هَذَا الزَّمَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت أَتَرَاهُ بِذَلِكَ مُجَرَّحًا سَاقِطَ الشَّهَادَةِ (فَإِنْ قُلْت) إنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ فَقَدْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ قَدْ أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ وَالْحَجَّاجُ مَنْ قَدْ عَلِمْت وَأَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ جَوَائِزَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَأَخَذَ مَالِكٌ جَوَائِزَ أَبِي جَعْفَرٍ (فَإِنْ قُلْت) إنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَأْمَنُ السُّلْطَانَ بِتَرْكِ الْأَخْذِ مِنْهُ فَلَمْ نَرَ إلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ لِمَالِكٍ بِثَلَاثِ صُرَرِ دَنَانِيرَ فَاتَّبَعَهُ الرَّسُولُ بِهَا فَسَقَطَتْ مِنْهُ صُرَّةٌ فِي الزِّحَامِ فَلَمَّا أَتَاهُ بِالصُّرَّتَيْنِ سَأَلَهُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ غَيْرَ الصُّرَّتَيْنِ فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ بِالثَّالِثَةِ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى أَتَى بِهَا بَعْضُ مَنْ وَجَدَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَمَالِكٌ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا إلَّا مُتَطَوِّعًا فَإِنْ رَأَيْت طَرْحَ شَهَادَةِ مَنْ أَخَذَ مِنْ السُّلْطَانِ فَجَمِيعُ الْقُضَاةِ مِنْهُ يُرْزَقُونَ وَإِيَّاهُ يَأْكُلُونَ، فَقَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَأَمَّا الْأَكْلُ فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الزَّلَّةَ وَالْفَلْتَةَ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الْمُدْمِنُ الْأَكْلَ فَسَاقِطُ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُك بِقَبُولِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ لِجَوَائِزِ السُّلْطَانِ فَقَدْ قِسْت بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَاحْتَجَجْت بِمَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَبُولَ مَالِكٍ لَهَا مِنْ عِنْدِ مَنْ تَجْرِي عَلَى يَدِهِ الدَّوَاوِينُ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ جَائِزَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى مَا شَرَطَ مَالِكٌ لِإِجْمَاعِ الْخَلْقِ عَلَى قَبُولِ الْعَطَاءِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مِمَّنْ يَرْضَى بِهِ وَمِمَّنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْكَرَ أَخْذَ الْعَطَاءِ مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ إلَى الْيَوْمِ وَأَمَّا قَوْلُك فِي الْقُضَاةِ فَإِنَّمَا هُمْ أُجَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ آجَرُوا أَنْفُسَهُمْ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا مَا ذَكَرْت عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ زِيَادٍ يُنْكِرُ

ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَيَدْفَعُهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ إنَّ قَبُولَ الْجَوَائِزِ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ جُرْحَةٌ تُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَالْعَدَالَةَ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي إذَا قَبَضُوا ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ عَلَى الْجِبَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا جُعِلَ إلَيْهِمْ قَبْضُ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِيلِهَا دُونَ وَضْعِهَا فِي وُجُوهِهَا وَمَوَاضِعِهَا، وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ فَوَّضَ إلَيْهِمْ الْخَلِيفَةُ أَوْ خَلِيفَةُ الْخَلِيفَةِ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَجِبَايَتِهَا وَتَصْرِيفِهَا بِاجْتِهَادِهِمْ كَالْحَجَّاجِ وَشِبْهِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ عَلَى الْبِلَادِ الْمُفَوِّضِ جَمِيعَ الْأُمُورِ فِيهَا إلَيْهِمْ فَقَبْضُ الْجَوَائِزِ مِنْهُمْ كَقَبْضِهَا مِنْ الْخُلَفَاءِ، فَإِنْ صَحَّ أَخْذُ ابْنِ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ فَهَذَا وَجْهُهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ أَخْذِ الْقَضَاءِ وَالْحُكَّامِ الِارْتِزَاقَ مِنْ الْعُمَّالِ الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَضُرِبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَأَجَازَ لَهُمْ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْمُجْبَى حَلَالًا أَوْ حَرَامًا أَوْ مَشُوبًا بِحَلَالٍ وَحَرَامٍ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعِهِ إنْ أَرَدْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا إنْ تَعَصَّبَ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْعَصَبِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُبْغَضُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا انْتَهَى. ص (وَتَلْقِينُ خَصْمٍ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَمِنْ الْمَوَانِعِ تَلْقِينُ الْخَصْمِ الْخُصُومَةَ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَيُضْرَبُ وَيُشَهَّرُ فِي الْمَجَالِسِ وَيُعَرَّفُ بِهِ وَسُجِّلَ عَلَيْهِ وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِقُرْطُبَةَ بِكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى. ص (وَمَطْلٌ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ: فَرْعٌ: وَإِذَا مَطَلَ الْغَنِيُّ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ سَحْنُونٍ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لَا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، خَلِيلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الِاسْتِحْيَاءَ فِي الْمُطَالَبَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَطْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي مَا لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْبَخِيلُ الَّذِي ذَمُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ فَمَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ بِبَخِيلٍ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: شَهَادَةُ الْبَخِيلِ مَرْدُودَةٌ وَإِنْ كَانَ مَرَضِيَّ الْحَالِ يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْبَخِيلِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْبُخْلُ مَنْعُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَأَمَّا مَنْعُ مَا لَا يَجِبُ فَالْقَدْحُ بِهِ فِي الشَّهَادَةِ مُفْتَقِرٌ إلَى تَفْصِيلٍ يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِحَرَكَاتِ النَّاسِ وَطَبَائِعِهِمْ وَسِيَرِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَصِدْقِهِمْ انْتَهَى. ص (وَحَلِفٌ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ بِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً يَكُونُ جُرْحَةً وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ جُرْحَةٌ فِي حَقِّ مَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحَةِ وَكَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمْ نَاقِلِينَ لَهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَكُلُّهُمْ

قَبِلُوهُ وَقَدْ نَقَلْت كَلَامَهُمْ فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مِنْ الْمَوَانِعِ اعْتِيَادُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ انْتَهَى. فَالْجُرْحَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا حَدِيثَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ وَذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ فَرْحُونٍ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ. ص (وَبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا بِلَا عُذْرٍ) ش: لَمْ يُبَيِّنْ الْبِسَاطِيُّ وَلَا الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ مَعْنَى قَوْلِهِ ثَلَاثًا هَلْ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ؟ أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ؟ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَجِيئَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ لَا يَقْدَحُ مَعَ أَنَّهُ قَادِحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ لِيَدْخُلَ الْأَوَّلُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَمِنْ الْمَوَانِعِ إتْيَانُ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مَأْكَلَةً لِلنَّاسِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي كَوْنِ الصَّحَابَةِ جُلُوسًا حَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَصُّهُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ لِلنَّاسِ حَوْلَ الْقَاضِي يَسْمَعُونَ قَضَاءَهُ وَيَتَعَلَّمُونَ أَعْمَالَهُ، وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: لَا يُجْلَسُ حَوْلَهُ وَذَلِكَ مُنْقَسِمٌ أَمَّا مَنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّعَلُّمُ وَيَظُنُّ ذَلِكَ فَلْيَقْرُبْ وَمَنْ كَانَتْ إرَادَتُهُ الدُّنْيَا لَيْسَ الْعِلْمُ فَلْيُبَاعِدْ وَمَنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّعَلُّمَ وَيَطْوِي فِي ذَلِكَ نَيْلَ مَعَاشٍ حَلَالٍ فَيُمَكَّنُ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لِلْعَالِمِ الْقَاضِي مِنْ شَمَائِلَ أَوْ فِرَاسَةٍ انْتَهَى. ص (وَسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مِنْ الْمَوَانِعِ أَنْ يَسْكُنَ فِي دَارٍ يَعْلَمُ أَنَّ

أَصْلَهَا مَغْصُوبَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ مُعَامَلَةُ أَهْلِ الْغُصُوبِ وَالسَّلَفِ مِنْهُمْ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمِنْهُ الطَّحْنُ فِي الرَّحَا الْمَغْصُوبَةِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَالشَّاهِدُ حُرٌّ) ش: يُرِيدُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ. ص (وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ) ش: أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَبِيرِ فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْكَبِيرُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَوْ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ مَعَ حُضُورِ الْكَبِيرِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ خَوْفِ التَّخْبِيبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَشَهَادَتُهُمْ سَاقِطَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مَعَ حُضُورِ كَبِيرٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَحْنُونٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ سُقُوطِ شَهَادَتِهِمْ هَلْ هُوَ خَوْفُ التَّخْبِيبِ أَوْ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِشَهَادَةِ الْكَبِيرِ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَقَوْلَانِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ الْكَبِيرُ الْحَاضِرُ إنْ كَانَ مِمَّنْ

لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ كَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: لَا يَضُرُّ حُضُورُهُمْ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ الْمَازِرِيُّ: وَلَا خِلَافَ مَنْصُوصٌ فِيهِ عِنْدَنَا، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ ثُمَّ تَوَقَّفَ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ إلَّا أَنَّهُ لَازِمٌ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّخْبِيبِ بَلْ التَّخْبِيبُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ أَشَدُّ وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِشَهَادَةِ الْكَبِيرِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُمْ بِخِلَافِ دُخُولِ كَبِيرٍ بَيْنَهُمْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ إلَّا إنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا عَلَى الْمَنْصُوصِ انْتَهَى. فَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْمَازِرِيَّ فِي أَنَّ الْقَوْلَ بِسُقُوطِ شَهَادَتِهِمْ غَيْرُ مَنْصُوصٍ وَجَعَلَ الرَّجْرَاجِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مَنْصُوصًا، وَنَصُّهُ: إذَا حَضَرَ كَبِيرٌ فَإِنْ كَانَ شَاهِدًا عَدْلًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ سَاقِطَةٌ لِوُجُودِ الْكَبِيرِ الْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعَدْلٍ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ جَائِزَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تَجُوزُ لِحُضُورِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ مَشْهُودًا عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ وَكَذَا شَهَادَتُهُمْ فِي الْجِرَاحِ أَوْ فِي النَّفْسِ إنْ كَانَ عَاشَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا هُوَ فِيهِ وَإِنْ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ لَهُ انْتَهَى. وَصَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَنَصِّهِ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: إنَّمَا يُتَّقَى مِنْ الْكَبِيرِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَوْ يُخَبِّبَهُمْ فَلَا تُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْجُرْحَةُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَزَادَ فَقَالَ: حَاصِلُهُ قَوْلَانِ فَنَظَرَ مُطَرِّفٌ وَمَنْ مَعَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ تَرْتَفِعْ الضَّرُورَةُ وَانْظُرْ ابْنَ الْمَوَّازِ لِلتَّخْبِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ أَكْثَرُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَالتَّخْبِيبُ تَعْلِيمُ الْخُبْثِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ أَوْ كِبَارٌ عَلَى وَجْهٍ يُمَكِّنُهُمْ أَنْ يُلَقِّنُوهُمْ الْكَذِبَ وَيَصُدُّونَهُمْ عَمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُمْ مِنْ يَقِينٍ أَوْ يُزَيِّنُوا لَهُمْ الزِّيَادَةَ فِيهَا وَالنُّقْصَانَ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَبَطَلَتْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: شَرَطَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَهَادَتِهِمْ كَوْنَهَا قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا مُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِمْ مَا لَمْ يُخَبِّبُوا فَإِنَّ افْتِرَاقَهُمْ مَظِنَّةُ مُخَالَطَتِهِمْ مَنْ يُلَقِّنُهُمْ مَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ قُلْت مُقْتَضَى قَوْلِهَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا مَعَ اخْتِصَارِهَا، أَبُو سَعِيدٍ كَذَلِكَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَرَادِفَيْنِ، وَكَذَا لَفْظُ اللَّخْمِيُّ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ وَتَخَبُّبِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْبَاجِيُّ: التَّخْبِيبُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ عَلَى وَجْهٍ يُمَكِّنُهُ أَنْ يُلَقِّنَهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ أَوْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَوْ يُخَبِّبُوا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَوْلَهُ: أَوْ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَكَانَ يَتَلَقَّى مِنْهُمْ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ: إنَّمَا هَذَا إذَا دَخَلَ بَيْنَهُمْ الْكَبِيرُ عَلَى وَجْهِ التَّخْبِيبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الدَّاخِلُ عَدْلًا لَا يُتَّهَمُ وَالْفَاسِقُ يُتَّهَمُ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ إذَا خَالَطَهُمْ رَجُلٌ هَلْ تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ خَبَّبَهُمْ، وَوَقْفُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَقَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ رَآهُ ثَبَتَتْ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْفَرْعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ غَيْرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ الْحُضُورَ وَقْتَ الْجِرَاحِ أَوْ الْقَتْلِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ مِنْهُ التَّخْبِيبُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لَمْ تَسْقُطْ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ) ش: أَيْ عَلَى فِعْلِ

الزِّنَا وَاللِّوَاطِ، وَأَمَّا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالزِّنَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ كَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَفِي بَابِ الزِّنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِوَقْتٍ وَرُؤْيَةٍ اتَّحِدَا) ش: يَعْنِي بِالْوَقْتِ الْمُتَّحِدِ أَنْ يَأْتُوا بِشَهَادَتِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُجْتَمِعِينَ غَيْرَ مُفْتَرِقِينَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ فِي الْأَفْعَالِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيَوْمٍ وَاحِدٍ وَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا تَسْمِيَةُ الْمَوْضِعِ وَلَا الْيَوْمِ وَلَا السَّاعَةِ إنَّمَا شَرْطُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْأَرْبَعَةُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: رَأَيْنَاهُ مَعًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ غَائِبًا فَرْجُهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ - تَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: لَا نَذْكُرُ الْيَوْمَ وَلَا نَحُدُّ الْمَوْضِعَ، وَإِنْ قَالُوا: فِي مَوْضِعِ كَذَا وَيَوْمِ كَذَا أَوْ سَاعَةِ كَذَا مِنْ يَوْمِ كَذَا - كَانَ أَتَمَّ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ أَوْ الْأَيَّامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ فِي يَوْمِ كَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ فِي يَوْمِ كَذَا - بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَازَتْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ تَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ انْتَهَى. وَمِنْهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: زَنَا بِهَا مُنْكَبَّةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُسْتَلْقِيَةً - بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ انْتَهَى. وَمِنْهُ أَيْضًا وَسَمِعَ عِيسَى إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَا رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّهَا طَاوَعَتْهُ وَاثْنَانِ بِأَنَّهُ اغْتَصَبَهَا حُدَّ الْأَرْبَعَةُ. ص (وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ) ش: ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرَ مُعَارَضَتَهَا بِمَسْأَلَةِ عَدَمِ إجَازَةِ النَّظَرِ لِلْفَرْجِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْعَيْبِ وَذَكَرَ جَوَابَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَجْوِبَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قُلْت وَهَذَا كُلُّهُ إنْ عَجَزَ الشُّهُودُ عَنْ مَنْعِ الْفَاعِلَيْنِ مِنْ إتْمَامِ مَا قَصَدَاهُ أَوْ ابْتَدَآهُ مِنْ الْفِعْلِ وَلَوْ قَدَرَا عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فَلَمْ يَفْعَلَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِعِصْيَانِهِمْ بِعَدَمِ تَغْيِيرِ هَذَا الْمُنْكَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ التَّغْيِيرُ لِسُرْعَتِهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَهُوَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ فِي السَّرِقَةِ بِخِلَافِهِ وَنَصَّهُ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَرَى السَّارِقَ يَسْرِقُ مَتَاعَهُ فَيَأْتِي بِشَاهِدَيْنِ لِيَنْظُرَا

إلَيْهِ وَيَشْهَدَا عَلَيْهِ بِسَرِقَتِهِ فَيَنْظُرَانِ إلَيْهِ وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ قَالَ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ أَصْبَغُ: أَرَى عَلَيْهِ الْقَطْعَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ أَصْبَغَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَتَاعَ مُسْتَتِرًا بِهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ لَا رَبُّ الْمَتَاعِ وَلَا غَيْرُهُ كَمَنْ زَنَى وَالشُّهُودُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَلَوْ شَاءُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ مَنَعُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ بِشَهَادَتِهِمْ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا حَكَاهُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ هُوَ أَنَّهُ رَآهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُخْتَلِسِ لَمَّا أَخَذَ الْمَتَاعَ مِنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِسِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِنَظَرِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ انْتَهَى. بِلَفْظِهِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ أُخِذَتْ) ش: قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ مَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ أُخِذَتْ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا؟ وَإِلَى أَيْنَ أَخْرَجَهَا؟ كَمَا يَكْشِفُهُمْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ دَرَأَهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: مَا هِيَ؟ هَذَا سُؤَالٌ عَنْ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ بِمَا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: كَيْفَ هِيَ؟ أَيْ كَيْفَ صِفَةُ أَخْذِهَا، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا هَلْ مِنْ حِرْزٍ أَمْ لَا وَإِلَى أَيْنَ أَخْرَجَهَا هَلْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ أَوْ أَخَذَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: يَنْبَغِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي شَهَادَتِهِمْ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا شَرِيفًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» انْتَهَى. وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزِّنَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْبَغِي إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَهُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا أَنْ يَكْشِفَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ وَكَيْفَ رَأَوْهُ وَكَيْفَ صَنَعَ فَإِنْ رَأَى فِي شَهَادَتِهِمْ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ أَبْطَلَهَا انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ يَنْبَغِي هَلْ مَعْنَاهُ يَجِبُ أَوْ هُوَ عَلَى بَابِهِ الْأَقْرَبِ الْوُجُوبُ كَمَا قَالَ فِي السَّرِقَةِ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّ السَّرِقَةَ اُخْتُلِفَ فِي نِصَابِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَفِي الزِّنَا لَمْ يُخْتَلَفْ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي الزِّنَا أَيْضًا شَدِيدٌ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ هَذَا لِئَلَّا يَظُنَّ الشَّاهِدُ أَنَّ ذَلِكَ زِنًا انْتَهَى. فَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ يَمِيلُ إلَى أَنْ يَنْبَغِي لِلْوُجُوبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ. (تَفْرِيعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ فِي السَّرِقَةِ إلَى آخِرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ غَابُوا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ مَاتُوا أُنْفِذَتْ الشَّهَادَةُ وَأُقِيمَ الْحَدُّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَغَابَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ بَعْدَ أَنْ شَهِدُوا لَمْ يَسْأَلْ مَنْ حَضَرَ وَثَبَتَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَ لَوْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ لَثَبَتَ الْحَدُّ بِمَنْ غَابَ وَرَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ غَيْبَةَ أَرْبَعَةٍ لَا يَمْنَعُ سُؤَالَ مَنْ حَضَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَذْكُرَ الْحَاضِرُونَ مَا يُوجِبُ التَّوْقِيفَ عَنْ شَهَادَةِ الْغَائِبِينَ وَالْحَاضِرِينَ جَمِيعًا وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إذَا غَابُوا بِمَا إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ انْتَهَى. ص (وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ إلَيْهِ) ش يُرِيدُ وَلَيْسَ بِزِنًا وَلَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ وَاكْتَفَى الشَّيْخُ عَنْ ذِكْرِ الزِّنَا بِمَا تَقَدَّمَ وَعَنْ ذِكْرِ مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ بِمَا سَيَذْكُرُهُ وَمِمَّا لَا يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ إسْقَاطُ الْحَضَانَةِ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ حَبَسَ دَارًا، قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْأَدَبُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اُخْتُلِفَ فِي إلْحَاقِ مَا هُوَ آيِلٌ إلَى الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَشْهُورُ الْإِلْحَاقُ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَالْخُلْعُ آيِلٌ إلَى الْمَالِ وَفِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى. قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا فَهَذَا مِنْ دَعْوَى الطَّلَاقِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ ادَّعَى

فرع شهادة النساء في الأحباس

عَلَى الزَّوْجَةِ أَنَّهَا خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا فَهَذِهِ دَعْوَى بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ صَالَحَتْهُ عَلَى شَيْءٍ هُوَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَتَى بِالْبَيِّنَةِ لِتَشْهَدَ جَحَدَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ أَعْطَتْهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا فَالْخُلْعُ ثَابِتٌ وَلَا يَلْزَمُهَا غَيْرُ الْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ هُوَ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنْ أَتَى الزَّوْجُ بِشَاهِدٍ عَلَى مَا يَدَّعِي حَلَفَ مَعَهُ وَاسْتَحَقَّ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. [فَرْعٌ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَحْبَاسِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَحْبَاسِ عَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْبَاسَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيمَا جَرَّ إلَى الْأَمْوَالِ كَالْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ عَامِلَةٍ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ فِي أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ إلَّا حَيْثُ يَجُوزُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَبْسَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَفِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ اخْتِلَافٌ انْتَهَى. وَقَدْ عَدَّ ابْنُ فَرْحُونٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْحَبْسَ. ص (وَإِيصَاءٌ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَامْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ، وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَلَكِنَّ الشَّارِحَ بَهْرَامَ وَالْبِسَاطِيَّ لَمْ يَذْكُرَا الْخِلَافَ فِيهِ إلَّا فِي الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَمِثْلُ الْإِيصَاءِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الشَّهَادَةُ بِالْوَكَالَةِ عَلَيْهِ كَذَا جَمَعَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَا ذَكَرَ مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ: الثَّالِثَةُ الْأَمْوَالُ وَمَا يَئُولُ إلَيْهَا كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَقَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ مُطْلَقًا وَجِرَاحُ الْمَالِ مُطْلَقًا وَفَسْخُ الْعُقُودِ وَنُجُومُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَتَقَ بِهَا فَيَجُوزُ لِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ أَيْ وَكَّلَهُ فِي حَيَاتِهِ لِيَتَصَرَّفَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ أَيْ أَوْصَاهُ بِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْوَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ وَلَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ يَجُوزَانِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَا فِيمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَرَفَةَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَة ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَلَمَّا تَكَلَّمَ فِي فَصْلِ الشَّاهِد وَالْيَمِينِ ذَكَرَ عَنْ

ابْنِ رُشْدٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ خِلَافُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيُّ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ إذَا شَهِدَ عَلَى وَكَالَةٍ مِنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ أَحْسَنُ إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِحَقٍّ لِغَائِبٍ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ دَيْنًا أَوْ لِيَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ قِرَاضًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ إنْ أَقَرَّ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْغَائِبِ وَإِنْ وُكِّلَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ بِشَاهِدٍ فَجَحَدَهُ الْقَابِضُ حَلَفَ الْوَكِيلُ وَبَرِئَ الْغَرِيمُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَغَرِمَ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ وَكَانَتْ تَبَاعَةُ الطَّالِبِ عَلَى الْوَكِيلِ مَتَى أَيْسَرَ قُلْت فَظَاهِرُ لَفْظِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْوَكَالَةِ. ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَا يُقْضَى بِهِ فِي الْوَكَالَةِ لَكِنَّ مَنْعَ الْقَضَاءِ بِهَا لَيْسَ مِنْ نَاحِيَةِ تَصَوُّرِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَضَاءِ بِهَا فِي الْوَكَالَةِ بَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَحْلِفُهَا إلَّا مَنْ لَهُ نَفْعٌ وَالْوَكِيلُ لَا نَفْعَ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ بِالْوَكَالَةِ وَقَبْضِ الْحَقِّ فَتَأَوَّلَ الْأَشْيَاخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَكَالَةٌ بِأُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا الْوَكِيلُ أَوْ يَقْبِضُ الْمَالَ لِمَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّة قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي وَكَالَةٍ فِي مَالٍ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَيُوَلِّيَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَحْنُونٌ الْوَصَايَا وَالْوَكَالَةُ لَيْسَتَا بِمَالٍ إذْ لَا يَحْلِفُ وَصِيٌّ وَلَا وَكِيلٌ مَعَ شَاهِدِ رَبِّ الْمَالِ، إذْ الْمَالُ لِغَيْرِهِمَا انْتَهَى. ص (وَقِصَاصٌ فِي جُرْحٍ) ش:

يَعْنِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا فَيَحْلِفُ وَيُقْتَصُّ، فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْجَارِحِ احْلِفْ وَابْرَأْ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ ثُمَّ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ فَقَالَ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْنَا فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: وَكُلُّ جُرْحٍ فِيهِ قِصَاصٌ يُقْتَصُّ فِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَكُلُّ جُرْحٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ مِمَّا هُوَ مُتْلِفٌ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَشِبْهِهِمَا فَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِيهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ مَالٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ لَا قَسَامَةَ فِيهَا بِذَلِكَ مَضَتْ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا الْقَسَامَةُ فِي النَّفْسِ فَلَمَّا كَانَتْ النَّفْسُ تُقْتَلُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ مَعَ الْقَسَامَةِ فَلِذَلِكَ اُقْتُصَّ بِشَاهِدٍ مَعَ يَمِينِ الْمَجْرُوحِ وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيُقْضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَغِيرِهَا وَعَظِيمِهَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَلَا شَكَّ فِي الْخَطَأِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أَرَى ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي الْيَسِيرِ مِنْ الْجِرَاحِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِذَلِكَ رِوَايَةٌ مُبْهَمَةٌ لَمْ يَذْكُرْ مَا صَغُرَ أَوْ كَبُرَ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا خَوْفَ فِيهِ مِنْ مُوضِحَةٍ وَدَامِيَةٍ وَجِرَاحِ الْجَسَدِ وَأَمَّا الْيَدُ وَالْعَيْنُ وَشِبْهُ ذَلِكَ فَلَا يُقْتَصُّ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ

ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ قَوْلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْهُ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِذَلِكَ فِيمَا عَظُمَ أَوْ صَغُرَ مِنْهَا مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَغَيْرِهَا يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيُقْتَصُّ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْقَاطِعُ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ وَقِيلَ يُقْطَعُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ غَيْرُ عَدْلٍ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَلَيْسَ كَالْقَسَامَةِ وَمَا قَالَ أَحَدٌ غَيْرَ هَذَا إلَّا بَعْضُ مَنْ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ أَنْتَ جَرَحْتنِي فَلَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أُدِّبَ، وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إذَا تَنَازَعَا ثُمَّ أَتَى أَحَدُهُمَا بِأُصْبُعِهِ مَجْرُوحَةً تَدْمَى يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ عَضَّهَا، قَالَ: يَحْلِفُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ أُدِّبَ، قَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ: فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي جُرْحٍ ادَّعَاهُ أَوْ ضَرْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَقَالَ أَصْبَغُ: فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عُوقِبَ وَأُطْلِقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَرِّدًا فَيَخْلُدُ فِي السِّجْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ إذَا قَامَ عَلَى جُرْحِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَرَاجِعْهُ إنْ أَرَدْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبَيْعُ مَا يَفْسُدُ وَوَقْفُ ثَمَنِهِ مَعَهُمَا بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ كَاللَّحْمِ وَرُطَبِ الْفَوَاكِهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَاحْتِيجَ إلَى تَزْكِيَتِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ عَدْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنَّ الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا وَيُتْرَكُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِيَدِهِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ بِقَوْلِهِ قَالَهُ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ تَبَرَّأَ مِنْهُ لِإِشْكَالِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّاهِدِ الثَّانِي كَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ وَيُوقَفَ ثَمَنُهُ فِيهِمَا أَوْ يُخَلَّى بِيَدِهِ فِيهِمَا وَأَجَابَ صَاحِبُ النُّكَتِ بِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا صَارَ كَأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَوَقَفَ ذَلِكَ الْقَاضِي لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِغَيْرِ عَدَالَتِهِمْ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى فَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُعْلَمُ الْآنَ قَطْعًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، وَالشَّاهِدَانِ الْمَجْهُولَانِ إذَا عُدِّلَا فَإِنَّمَا أَفَادَ تَعْدِيلُهُمَا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْ وَصْفٍ كَانَ عَلَيْهِ حِينَ الشَّهَادَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْإِشْكَالِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ مَكَّنُوا مِنْ الطَّعَامِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ بَعْدَ قِيَامِ شَاهِدٍ، وَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْهُ إنْ قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بَلْ قَالُوا يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ وَالشَّاهِدُ أَضْعَفُ. قَالَ: قُلْت: وَلِأَجْلِ أَنَّ الشَّاهِدَ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أُبْقِيَ الطَّعَامُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَعُفَتْ الدَّعْوَى لِضَعْفِ الْحُجَّةِ ضَعُفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَثَرُهَا فَإِبْقَاءُ الطَّعَامِ بِيَدِهِ لَيْسَ هُوَ لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى بَلْ هُوَ عَيْنُ تَرْجِيحِ الْأَقْوَى فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ يَفْعَلُ فِيهِ مَا أَحَبَّ، قَالَ: وَيُجَابُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النِّزَاعُ فِي ثَمَنِهِ فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَمُكِّنَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُنَازَعِ فِي تَعْجِيلِهِ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي فِيهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. قُلْت وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَقَدْ أَقَامَ لَطْخًا أَوْ شَاهِدًا عَلَى الْحَقِّ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً عَلَى الْحَقِّ أَجَّلَهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ إنْ أَتَى بِشَاهِدٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ مَا لَمْ يَخَفْ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنْ جَاءَ بِمَا

يُنْتَفَعُ بِهِ وَإِلَّا أُسْلِمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَنُهِيَ الْمُدَّعِي عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ قَدْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَأَوْقَفَ الْقَاضِي ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَى الْكَشْفِ عَنْهُمَا فَإِنْ خَافَ عَلَى فَسَادِهِ بَاعَهُ وَأَوْقَفَ ثَمَنَهُ فَإِنْ زُكِّيَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَهُوَ مُبْتَاعٌ أَخَذَهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ الَّذِي قَالَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْمَوْقُوفِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالتَّحَرُّجِ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يُزَكَّوْا أَخَذَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الثَّمَنَ الْمَوْقُوفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ بَيْعٌ نَظَرًا، وَلَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ لِمَنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي النُّكَتِ: إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَأَوْقَفَ الْقَاضِي الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ لِيَنْظُرَ فِي تَعْدِيلِهِمَا فَخَافَ فَسَادَهُ أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَكَانَ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِي تَعْدِيلِهِ. الْجَوَابُ سَوَاءٌ يُبَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِخِلَافِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ، وَقَالَ: آتِي بِآخَرَ، فَخَافَ الْحَاكِمُ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ هَهُنَا يُسَلِّمُهُ إلَى الْمَطْلُوبِ، يُرِيدُ لِأَنَّ هَذَا قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ فَتَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَاَلَّذِي يُنْظَرُ فِي تَعْدِيلِ شَاهِدَيْهِ أَوْ شَاهِدِهِ الَّذِي أَقَامَهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ انْتَهَى. فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْلَافَ الْمَطْلُوبِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَنَصُّهُ: وَمَنْ ادَّعَى مَالًا يَبْقَى وَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَأَتَى بِلَطْخٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لَا يَعْرِفُهَا الْقَاضِي فَقَالَ الْجَاحِدُ وَهُوَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي: نَخَافُ فَسَادَهُ أَوْ لَمْ يَقُولَاهُ فَإِنْ أَثْبَتَ لَطْخًا وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَقَالَ: عِنْدِي شَاهِدٌ آخَرُ وَلَا أَحْلِفُ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَخَشِيَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ خُلِّيَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ وَأَمَّا الشَّاهِدَانِ فَيُنْظَرُ فِي عَدَالَتِهِمَا فَإِنْ خَشِيَ الْفَسَادَ بِيعَ وَأُوقِفَ الثَّمَنُ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْلَافَ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قَوْلُهُ فِي تَوْقِيفِ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي عِنْدِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَلَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَنَّهُ يُؤَجِّلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفَسَادَ وَإِلَّا خُلِّيَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ. مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَيْ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يَحْلِفَ مَعَهُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدِي بِيعَ حِينَئِذٍ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ إنْ خَشِيَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَضْعَفَ مِنْ شَاهِدَيْنِ يُطْلَبُ تَعْدِيلُهُمَا فَقَدْ جَعَلَهُ يَبِيعُهُ هُنَا، وَنَحْنُ عَلَى شَكٍّ مِنْ تَعْدِيلِهِمَا، وَهُوَ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا بَطَلَ الْحَقُّ، وَشَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْحَلِفُ مَعَهُ مُمْكِنٌ إنْ لَمْ يَجِدْ آخَرَ وَيَثْبُتُ الْحَقُّ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ التَّنْبِيهَاتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: فَحَاصِلُهَا إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي إلَّا لَطْخًا قَاصِرًا عَنْ شَاهِدِ عَدْلٍ وَعَنْ شَاهِدَيْنِ يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُمَا وُقِفَ الْمُدَّعَى فِيهِ مَا لَمْ يَخْشَ فَسَادَهُ فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ بِوَجْهٍ، وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ مَعَهُ، أَوْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَعْدِيلِهِمَا بِيعَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَزَادَ: إنْ كَانَ أَتَى الطَّالِبُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يُزَكِّهِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّزْكِيَةِ فَهُوَ كَقِيَامِ شَاهِدَيْنِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا يُبَاعُ الْمُدَّعَى فِيهِ لِخَوْفِ فَسَادِهِ وَنَقَلَ أَبُو إبْرَاهِيمَ قَوْلُ عِيَاضٍ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا فِي كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ اسْتِحْلَافُ الْمَطْلُوبِ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا سُلِّمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى الْمَطْلُوبِ: ظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الشَّيْخِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَمَعْنَاهُ بِيَمِينٍ اُنْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ النَّوَادِرِ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ اللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ الطَّرِيَّةِ وَأَقَامَ لَطْخًا أَوْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ فَإِنَّهُ يُوقَفُ إلَى مَجِيءِ شَاهِدِهِ الْآخَرِ أَوْ يَمِينِهِ إلَى مِثْلِ مَا لَا يُخْشَى فِيهِ فَسَادُ الَّذِي فِيهِ الدَّعْوَى فَإِنْ خَافَ فَسَادَهُ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَرَكَ لَهُ مَا أُوقِفَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ تَقْيِيدُ عَدَمِ بَيْعِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: لَا أَحْلِفُ

الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا آخَرَ فَإِنْ وَجَدْتُهُ وَإِلَّا حَلَفْت مَعَ شَاهِدَيَّ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ: حَاصِلُ كَلَامِهِ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَشَارَ إلَى التَّبَرِّي مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْعَطَّارِ مُرَاعِيًا أُصُولَ الْمَذْهَبِ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَفَسَّرَ بِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّبَرِّي غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَرِّرَ وَجْهَ التَّبَرِّي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ كَيْفَ قَالُوا إنَّهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَمَعَ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يُزَكَّيَا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَيُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ أَقْرَبُ إلَى الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ سَوَاءٌ وَجَدَ شَاهِدًا ثَانِيًا أَوْ لَمْ يَجِدْهُ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَكِّيهِمَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ فَقِيَامُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُزَكَّيَانِ، فَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لَا أَحْلِفُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته أَثْبَتَ حَقِّي وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ لَمْ أَحْلِفْ، فَحِينَئِذٍ يُمَكَّنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَضْعَفُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْحَقِّ مَعَهُ حَاصِلٌ وَالْوَاحِدُ أَضْعَفُ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ مُخْتَارٌ لِعَدَمِ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّكَتِ وَأَمَّا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَهَذَا يُبَاعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حِينَئِذٍ أَقْوَى مِنْ الشَّاهِدَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ لَمْ يُفَصِّلُوا فِيمَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ فِي قِيَامِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بَلْ قَالُوا: إنَّهُ يُحَالُ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ مَعَ قِيَامِ الشَّاهِدِ الْعَدْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ؟ . (فَالْجَوَابُ) إنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي لِمَا يُخْشَى مِنْ فَسَادِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّعْوَى وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِثَمَنِهِ وَقَوِيَ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ وَضْعِ الْيَدِ مَعَ تَرْكِ الْمُدَّعِي إثْبَاتَ حَقِّهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا أُبْقِيَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُخْشَى فَسَادُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعَيْنِهِ لِلْمُدَّعِي مُمْكِنٌ وَلَا كَبِيرَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إيقَافِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ، يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا لَا أَحْلِفُ أَلْبَتَّةَ مَعَ شَاهِدَيْ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا تَرَكْت، وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنَا لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا فَإِنْ وَجَدْته وَإِلَّا حَلَفْت فَإِنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا يُوقَفُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنَّ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ إلَخْ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا يَشْهَدُ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ عَبْدًا سُرِقَ لَهُ مِثْلُ مَا يَدَّعِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُ قَاطِعَةً وَلَهُ بَيِّنَةٌ بِبَلَدٍ آخَرَ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لِتَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا وَلَا بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَوْقِفُوا الْعَبْدَ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِي بِبَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ عَلَى الْحَقِّ أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ دَعْوَاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَيُوَكَّلُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِبَيِّنَةٍ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ جَاءَ

فرع ألزم المدعى عليه بإحضار المدعى به لتشهد عليه البينة

بِشَاهِدٍ أَوْ سَمَاعٍ وَسَأَلَ إيقَافَ الْعَبْدِ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَفِي إيقَافِهِ ضَرَرٌ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَسْلَمَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَإِنْ ادَّعَى شُهُودًا حُضُورًا عَلَى حَقِّهِ أُوقِفَ لَهُ نَحْوُ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ وَالْجُمُعَةِ، وَهَذَا التَّحْدِيدُ لِغَيْرِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُوقَفَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَائِيَ بِشَاهِدٍ أَوْ سَمَاعٍ لَهُ وَضْعُ الْقِيمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالذَّهَابُ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ فَهَذَا كَالْإِيقَافِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ عَبْدًا لَيْسَ يُرِيدُ خُصُوصِيَّةَ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَقَوْلُهُ وَأَقَامَ شَاهِدًا يُرِيدُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ مَجْهُولَيْ الْحَالِ. قَوْلُهُ: عِنْدَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلَدِ ظَاهِرُهَا كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا انْتَهَى. وَنَبَّهَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: لَا إنْ انْتَفَيَا وَطَلَبَ إيقَافَهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى الذَّهَابِ بِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةَ كِتَابِ الصُّنَّاعِ فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ دَابَّةٌ فَسَأَلَ الْقَاضِيَ وَضْعَ قِيمَتِهَا وَيَذْهَبُ بِهَا إلَى بَلَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَنْقُلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَدْ يُشَوِّشُ ذَلِكَ عَلَى فَهْمِ الطَّالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَضْعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ هَذَا فِي الْمُسْتَحَقِّ بِالرِّقِّ وَأَمَّا الْمُسْتَحَقُّ بِالْحُرِّيَّةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْجِهَادِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ. ص (وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي الْإِيقَافِ عَلَى مَنْ يَقْضِي لَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: الْغَلَّةُ أَبَدًا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا لِلطَّالِبِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ النَّفَقَةُ وَالْغَلَّةُ لِمَنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَقِيلَ لِمَنْ يَقْضِي لَهُ بِهِ وَالتَّفْصِيلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ. قَالَ: وَمَذْهَبُ الْكِتَابِ مُشْكِلٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْعَبْدَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِيهَا اُنْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: فَإِنْ تَشَاحَّا فِي النَّفَقَةِ كَانَتْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: إنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ أَحَدُهُمَا بِالنَّفَقَةِ وَتَشَاحَّا كَانَتْ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ لَا يُخْرِجُهُ الْإِيقَافُ حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ، يُرِيدُ فَإِذَا أُلْزِمَ النَّفَقَةَ ثُمَّ ثَبَتَ لِلْآخَرِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ انْتَهَى. [فَرْعٌ أُلْزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ الْمُدَّعَى بِهِ لِتَشْهَدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الذَّخِيرَةِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا أُلْزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ الْمُدَّعَى بِهِ لِتَشْهَدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ مُلِحٌّ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٍ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ، وَلَا تَجِبُ أُجْرَةُ تَعْطِيلِ الْمُدَّعَى بِهِ فِي مُدَّةِ الْإِحْضَارِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْحَاكِمِ لَا يَتِمُّ مَصَالِحُ الْحُكَّامِ إلَّا بِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ تَنَازَعْتُمَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُنْعَطَفٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ] وَقَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ صَفْحَةٍ (فَرْعٌ) إذَا تَنَازَعْتُمَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُنْعَطَفٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِكَشْفِ الْبَيَاضِ لِيَنْظُرَ إنْ جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْكَشْفِ عَلَيْهِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَكُونُ لِخَصْمِك، وَالْأُجْرَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِمَنْ لَهُ نَفْعُ الْعَمَلِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْأُجْرَةُ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّكُمَا جَزَمْتُمَا بِالْمِلْكِيَّةِ فَمَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا جَازِمَةً، وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ لَوْ امْتَنَعَ إلَّا بِأَجْرٍ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْتِئْجَارِهِ وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِي الْأَخِيرِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ كَمَا يَحْلِفُ فِي اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ

الْوَثِيقَةُ بِخَطِّهِ أَوْ فِيهَا شَهَادَتُهُ فَقَطْ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ كَتَبَ: عَلَى رَجُلٍ ذِكْرُ حَقٍّ، وَأَشْهَدَ فِيهِ رَجُلَيْنِ فَكَتَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ شَهَادَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِيَدِهِ فِي الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهَلَكَ الشَّاهِدُ ثُمَّ جَحَدَ فَأَتَى رَجُلَانِ فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ كِتَابُهُ بِيَدِهِ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كِتَابُهُ بِيَدِهِ رَأَيْت أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْحَقُّ، وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ جَحَدَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِإِقْرَارِهِ فَأَرَى أَنْ يَغْرَمَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةُ إقْرَارٍ عَلَيْهَا وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةٌ عَلَيْهَا وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. ص (وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا) ش: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ جَائِزَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَمَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ وَنَصِّهِ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخُطُوطِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَحْبَاسِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا فِي الْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى مِنْ أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَقَلَهُ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْ كَلَامَهُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ فِي رَجُلٍ يُقِيمُ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ إشْهَادَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَتَى تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَدْ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَ الْعَقْدَ فَشَهِدَ شُهُودٌ أَنَّ الْعَقْدَ خَطُّ يَدِهِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي قِيمَ عَلَى الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ وَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ وَأَتَقَلَّدُهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةً تُسْقِطُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ جُرْأَةً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذْ لَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ وَقَالَ: إنَّمَا تَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ يُسَوَّغُ لَهُ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ لَعُذِرَ فِيمَا فَعَلَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُرْحَةً لَا سِيَّمَا إنْ

كَانَ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ وَيَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ الَّذِي قِيمَ بِهِ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَوْ إنْ عَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فِي شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ يَدِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا نِكَاحٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ خَطُّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْهُ عَازِمًا عَلَى إنْفَاذِهِ وَإِنَّمَا كَتَبَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَشِيرَ وَيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لَصُدِّقَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيهَا عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا كِتَابِ قَاضٍ وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ فَقَطْ، وَحَيْثُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الْخَطِّ، وَحَيْثُ يَجُوزُ هَذَا يَجُوزُ هَذَا، وَوَقَعَ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي امْرَأَةٍ كَتَبَ إلَيْهَا زَوْجُهَا بِطَلَاقِهَا مَعَ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إنْ وَجَدَتْ مَنْ يَشْهَدُ لَهَا عَلَى خَطِّهِ نَفَعَهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَكَانَ يُمْضِي لَنَا عِنْدَ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ نَفَعَهَا ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا شُبْهَةٌ تُوجِبُ لَهَا الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ، وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ مَعْنَى مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا نِكَاحٍ لَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّ الرَّجُلِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَنْكَحَ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ عَلَى خَطِّهِ بِذَلِكَ كَمَا تَجُوزُ عَلَى خَطِّهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَالِكٍ " نَفَعَهَا " عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْحُكْمِ لَهَا بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَ عَلَى خَطِّهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخَطُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى رَجُلٍ يُعْلِمُهُ بِأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ إلَيْهَا يُعْلِمُهَا بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْكِتَابُ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ابْتِدَاءً فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ، وَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ أَنَّهُ كَتَبَهُ غَيْرَ مُجْمِعٍ عَلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ أَنَّهُ كَتَبَهُ اخْتِلَافٌ انْتَهَى. بَعْضَهُ بِالْمَعْنَى وَأَكْثَرُهُ بِاللَّفْظِ فَيَكُونُ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ ثَالِثًا يُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَتَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ الْخَطُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَطُّ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِهِ إيَّاهَا ابْتِدَاءً فَلَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ نَحْوَ اخْتِيَارِ ابْنُ رُشْدٍ وَعَنْ الْبَاجِيِّ أَيْضًا. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَاتِ مِنْ نَوَازِلِهِ ظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالِ لَا عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ وَلَا عَلَى خَطِّ الْمُعْتِقِ أَوْ الْمُطَلِّقِ وَسَائِرُ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ. وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْكِتَابُ بِالْعِتْقِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بِيَدِهِ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ خَطُّهُ وَقَالَ كَتَبْته عَلَى أَنِّي أَسْتَخِيرُ فِي تَنْفِيذِهِ وَلَمْ أُنَفِّذْهُ بَعْدُ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ أَوْ كَانَ قَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَذَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عَامِلَةٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّة وَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَا مَعْنَى لَهَا إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْأَمْوَالَ أَخَفُّ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَيَلْزَمُ مَنْ أَجَازَهَا فِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ أَنْ يُجِيزَهَا فِي

غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ انْتَهَى. ص (وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مَشْهَدَهُ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا) ش: مَا ذَكَرَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَشْهَدِهِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا هُوَ تَعْدِيلٌ لِلْمَشْهُودِ عَلَى خَطِّهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الْخَطِّ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ. وَذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا. قَالَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ فِي فَصْلٍ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ قَائِمًا قَامَ بِالْحِسْبَةِ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ حَبْسًا مَا نَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى خُطُوطٍ شُهُودَ مَوْتَى فِي كِتَابِ الْحَبْسِ قُلْت فَأَتَى إلَيْهِ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ شَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْوَاقِعَةَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ الْمُنْتَسِخِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِخُطُوطِ أَيْدِيهِمَا لَا يَشُكَّانِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُمَا مَيِّتَانِ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الشَّهِيدَيْنِ عِنْدَهُ، وَشَهَادَةُ الشَّهِيدَيْنِ الْمَشْهُودِ عَلَى خُطُوطِهِمَا وَإِنْ عَدَّلَهُمَا الشَّاهِدَانِ عِنْدَهُ عَلَى خُطُوطِهِمَا جَازَ ذَلِكَ وَقُلْت فِي إثْرِ قَوْلِك: وَإِنَّهُمَا مَيِّتَانِ وَإِنَّهُمَا كَانَا فِي رَسْمِ الْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي تَارِيخِ شَهَادَتِهِمَا عَنْ الشَّهَادَةِ

أَوْ الْمَذْكُورَةِ وَبَعْدَهَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَا وَإِنْ عَدَّلَهُمَا عِنْدَهُ غَيْرُ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدُوا عَلَى خُطُوطِهِمَا قُلْت فِي الشَّهِيدَيْنِ وَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا لِمَعْرِفَتِهِ بِهِمَا وَقَبِلَ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْمَشْهُودِ عَلَى خُطُوطِهِمَا بِتَعْدِيلِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لَهُمَا عِنْدَهُ بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَا عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَجَازَ الْأَدَاءُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ وَلَوْ بِامْرَأَةٍ) ش: مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي نَوَازِل ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَاتِ فِي رَجُلٍ شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا أَوْصَتْ لِأَخِيهَا لِأُمِّهَا بِثُلُثِهَا وَأَدَّى الشَّهَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَقَطَعَ بِمَعْرِفَتِهَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُمَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ: إنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْإِشْهَادِ وَلَا رَآهَا قَطُّ وَإِنَّمَا عَيَّنَهَا لَهُ فِي حِينِ ذَلِكَ الْإِشْهَادِ امْرَأَةٌ وَثِقَ بِهَا فَهَلْ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِشَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ خَاصَّةً وَيَكُونُ كَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ أَوْ يَرَاهُ إقْرَارًا مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ فَيَكُونُ جُرْحَةً وَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَأَجَابَ شَهَادَتُهُ عَامِلَةٌ إذَا كَانَ هُوَ ابْتِدَاءُ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَاحِيَةِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْتَدِئْ هُوَ بِسُؤَالِهَا وَإِنَّمَا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، مِثْلُ أَنْ تَقُولَ لَهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَشْهَدَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا بِالْوَصِيَّةِ: هَذِهِ فُلَانَةُ تَعْرِفُ أَنِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، وَتُعَرِّفُهُ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِتَعْيِينِ الْمَرْأَةِ لَهُ إيَّاهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ ثِقَةً فَإِنْ جَهِلَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُرْحَةً تُسْقِطُ شَهَادَتَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ اهـ. ص (وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ)

ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا عَنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا قَوْلٌ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضٍ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي عَنْ الثِّقَاتِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَا وَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ سَامِعٍ أَوْ مَسْمُوعٍ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ نَفْيُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ إلَّا فِي الرَّضَاعِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ الْعُدُولِ مَعَ الْعُدُولِ لِأَنَّ قَصْرَ السَّمَاعِ عَلَى الْعُدُولِ يُخْرِجُهُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمُعَيَّنِينَ وَذَلِكَ بَابٌ آخَرُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي صِفَةِ هَذَا السَّمَاعِ الْفُشُوَّ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ الثِّقَاتِ فَأَمَّا الْفُشُوُّ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ عَنْ الثِّقَاتِ فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَحْصُلَ لِلشَّاهِدِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ يُقَارِبُهُ وَرُبَّمَا كَانَ خَبَرُ غَيْرِ الْعَدْلِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُفِيدًا لِمَا يُفِيدُهُ خَبَرُ الْعَدْلِ لِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ مَعَ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ السَّمَاعُ مَقْصُورًا عَلَى الْعَدْلِ يُخْرِجُهُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمُعَيَّنِينَ وَذَلِكَ بَابٌ آخَرُ انْتَهَى. قُلْت فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَحْمَلِ الثَّانِي لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْعَبْدُوسِيّ فِي قَصِيدَتِهِ حَيْثُ قَالَ وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا الْعُدُولُ ... بَلْ اللَّفِيفُ فَادْرِ مَا أَقُولُ وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَوْ قَالَ عِوَضًا مِنْهُ: وَلَيْسَ سَمْعُهَا مِنْ الْعُدُولِ شَرْطٌ بَلْ اللَّفِيفُ فِي النُّقُولِ لَكَانَ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ. ص (بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفًا طَوِيلًا) ش: أَفَادَ بِقَوْلِهِ لِحَائِزٍ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ فِي الْمِلْكِ إنَّمَا تُفِيدُ لِلْحَائِزِ فَقَطْ وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ فِي الِانْتِزَاعِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ تَكُونُ بِالْمِلْكِ فِي الِانْتِزَاعِ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ وَإِنَّمَا تَصِحُّ لِلْحَائِزِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ الْيَدِ، وَهَلْ يُسْتَحَقُّ بِهَا مَا لَيْسَ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ كَعَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ؟ قَوْلَانِ عِنْدَنَا بَنَاهُمَا الْمَازِرِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبِ فِي بَيْتِ الْمَالِ هَلْ يُعَدُّ حَائِزًا لِمَا لَا مِلْكَ لَهُ أَوْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَا يَقُومُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا الَّذِي الْمِلْكُ بِيَدِهِ وَلَا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ شَيْئًا تَحْتَ يَدِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَدُ كَلَا يَدٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا وَذَا سُلْطَانٍ غَيْرِ مُسْقِطٍ وَثَبَتَ أَنَّهُ مَالُ الْقَائِمِ أَوْ وَرَثَتِهِ عَلَى السَّمَاعِ أَوْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ يَصِيرُ إلَى الَّذِي يَمْلِكُهُ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيُسْتَخْرَجُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ مَا يَدُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَيُسْتَحَقُّ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَيُحْكَمُ بِذَلِكَ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِمُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا أَنَّهُ إنَّمَا يُشْهَدُ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ وَكَانَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهَدْمِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَكَذَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْجَوَاهِرِ بِأَوْ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَأَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ إذَا طَالَتْ الْحِيَازَةُ أَوْ كَانَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهَدْمِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ خِلَافُ نَقْلِ ابْنُ شَاسٍ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ

مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) بَيِّنَةُ السَّمَاعِ فِي الرَّهْنِ مُقْتَضَى مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ أَنَّهَا عَامِلَةٌ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ. ص (وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِالْمِلْكِ لِشَخْصٍ آخَرَ بِالْقَطْعِ فَبَيِّنَةُ الْمِلْكِ الَّتِي قَطَعَتْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ. ص (إلَّا بِكَسَمَاعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَاضِحٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ وَمِثْلُ الشِّرَاءِ مِنْهُ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَصُّ مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ، وَسَأَلْته عَنْ رَجُلٍ غَابَ عَنْ دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَدَخَلَهَا رَجُلٌ بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَسَكَنَهَا زَمَانًا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَبَقِيَ وَرَثَتُهُ فِيهَا وَقَدِمَ الْغَائِبُ فَادَّعَى ذَلِكَ وَأَصْلُهُ مَعْرُوفٌ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِيهَا الْمَيِّتُ بَعْدَ مَغِيبِ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُخْتَلَفُ إنْ كَانَ سَمِعَ مِنْ الْهَالِكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ طَالَ زَمَانُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطُلْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَادِمُ أَوْلَى بِهَا إذَا كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْت كَانَ الرَّجُلُ فِيهَا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْ الدَّاخِلِ الْهَالِكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلدَّاخِلِ بَيِّنَةٌ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ هِبَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ سَمَاعٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا اشْتَرَى مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَتَقَادُمِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ فَإِذَا قَدِمَ وَالْأَصْلُ مَعْرُوفٌ لَهُ وَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِدُخُولِ الْمَيِّتِ فِيهَا بَعْدَ مَغِيبِهِ كَمَا ذَكَرْت كَانَ عَلَى وَرَثَةِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ شِرَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا طَالَ مِنْ السِّنِينَ انْتَهَى. فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: أَوْ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ شَامِلٌ لِلشِّرَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَوَقْفٌ) ش: أَيْ لِحَائِزٍ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَسْمِيَةُ الْمُحْبَسِ وَلَا إثْبَاتُ مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا عَلَى الْحَبْسِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحَبْسُ حَتَّى يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْمُحْبَسِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى: كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالسَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الدَّارَ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا، وَحَدُّهَا كَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ عَامًا مُتَقَدِّمًا لِتَارِيخِ شَهَادَتِهِ هَذِهِ سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ. وَهَذَا الْمِلْكَ حَبْسٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا أَوْ عَلَى الْمَرْضَى بِحَاضِرَةِ كَذَا وَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ أَوْ حَبْسٌ لَا غَيْرُ وَأَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَرَمَةً بِحُرْمَةِ الْأَحْبَاسِ، وَتَحَوُّزِهِمَا بِالْوَقْفِ إلَيْهَا وَالتَّبْيِينِ لَهَا، بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، زَادَ فِي الْكُبْرَى فَإِذَا أُدِّيَتْ هَكَذَا وَكَانَ الشُّهُودُ بِهَا شَاهِدَيْنِ فَصَاعِدًا حُكِمَ بِهَا بَعْدَ حِيَازَةِ الشُّهُودِ بِتَحْبِيسِهِ وَالْإِعْذَارِ إلَى مَنْ يَعْتَرِضُ فِيهِ وَيَدَّعِيهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي حَبْسِ الْعُتْبِيَّة: إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْمَعَانِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حَبْسٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَكَانَتْ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ أَحَدًا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) اُسْتُفِيدَ مِنْ

هَذِهِ الْمَسْأَلَة النَّصُّ فِي أَنَّ مَصَارِفَ الْحَبْسِ وَصُرُوفَ الْوَاقِفِ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى السَّمَاعِ فِي حَبْسٍ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي نَصِيبِهِ زَوْجَتُهُ وَتَهْلِكُ ابْنَةُ الْمَيِّتِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُهَا وَلَا زَوْجُهَا، فَقَالَ: أَرَاهُ حَبْسًا ثَابِتًا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَبْسِ وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ كُلَّهُ، وَذَكَرُوا فِي السَّمَاعِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى. ص (وَمَوْتٌ بِبُعْدٍ) ش: قَيْدُ الْبُعْدِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَمَوْتٌ. ص (وَشَهِدَ اثْنَانِ) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمِنْ كِتَابِ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى السَّمَاعِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنْ حَلَفَ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ نَقْلُ شَهَادَةٍ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: بَلْ أَضْعَفُ مِنْ نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَانْظُرْ الدَّمَامِينِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالرَّضَاعِ وَانْظُرْ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وُرُودِ كِتَابِ الْمُسَافِرِينَ بِأَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. ص (وَعِتْقٌ) ش: (مَسْأَلَةٌ) عَدَّ ابْنُ جُزَيٍّ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي الْحُرِّيَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالتَّحَمُّلُ إنْ اُفْتُقِرَ إلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّحَمُّلُ

مسألة يشهد بدين فشهد عنده شاهدان بقضائه أو رجل وامرأتان

عُرْفًا عِلْمُ مَا يَشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ فَيَخْرُجُ عِلْمُهُ دُونَهُ كَمَنْ قَرَعَ أُذُنَهُ صَوْتٌ مُطْلَقٌ وَنَحْوُهُ مِنْ قَوْلٍ يُوجِبُ عَلَى قَائِلِهِ حُكْمًا فَالْمَعْرُوضُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْجَامِعِ مَنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ أَوْ وَاجِبٍ فَالْإِجَابَةُ عَلَيْهِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَمَنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَكْرُوهٍ فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَمَنْ دُعِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حَرَامٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ:» قَالَ الْمُهَلِّبُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضَعُ اسْمَهُ فِي وَثِيقَةٍ لَا تَجُوزُ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَأَى جَوَازَهُ بِقَصْدِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَمْنُوعِ لِيَرُدَّ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إنَّمَا يُرِيدُ لَا يَضَعُ خَطَّهُ فِي وَثِيقَةٍ بِظَاهِرِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ الْبَاطِنَ بَاطِلٌ وَأَمَّا الْمَسَاطِيرُ الَّتِي تُكْتَبُ لِإِبْطَالِ الْمَفَاسِدِ بِصِيغَةِ الِاسْتِدْرَاكِ لَا الْبِنَاءِ فَلَا خِلَافَ وَلَا خَفَاءَ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الشَّهَادَةِ فِيهَا، وَلَوْ وَضَعَ شَهَادَتَهُ فِي وَثِيقَةٍ كُتِبَتْ بِظَاهِرِ الْجَوَازِ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ زَادَ فِي خَطِّهِ فَقَالَ: وَالْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُصَحِّحُهُ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُبْطِلُهُ وَمِثْلُ هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَكَادُ يُخْتَلَف فِيهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْوَاضِحَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِمَا لَا يَرَى جَوَازَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي فَصْلِ تَنْبِيهِ الْقَاضِي عَلَى أُمُورٍ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلْيُخْبِرْ بِهَا، وَانْظُرْ كَلَامَ الرَّجْرَاجِيِّ فِي أَجْرِ قَسَّامِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى أَخْذِ الشُّهُودِ الْأُجْرَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ. [مَسْأَلَة يَشْهَدُ بِدَيْنٍ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِقَضَائِهِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ] ص (وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ

فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: مَنْ كَانَ يَشْهَدُ بِدَيْنٍ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِقَضَائِهِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَوَقَفَ وَقَالَ: مَا تَبَيَّنَ لِي `. انْتَهَى. ص (وَحَلِفٌ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ) ش: يُرِيدُ أَوْ امْرَأَتَيْنِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَتَكَلَّمَ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ مِنْ قَرَابَتِهَا، فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فَانْظُرْهُ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَانْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ فِي زِنًا أَوْ قَذْفٍ أَوْ سُكْرٍ وَنَحْوِهِ. ص (وَحِلْفُ عَبْدٍ وَسَفِيهٍ مَعَ شَاهِدِهِ) ش: فَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ رَشَدَ السَّفِيهُ فَهَلْ لَهُ

أَنْ يَحْلِفَ الْآنَ مَعَ شَاهِدِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْلِفُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَ بِمَالٍ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فَهُوَ كَالْحُرِّ إنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ وَلَا مَقَالَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ سَيِّدُهُ وَاسْتَحَقَّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوَهُ. ص (وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي إلَّا بِإِشْهَادِهِ) ش: (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ

فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ وَيَشْتَرِطَانِ عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يَشْهَدَا بِمَا يُقِرَّانِ بِهِ فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا فَيَطْلُبُهُمَا الْآخَرُ بِالشَّهَادَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُمْنَعَانِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يُعَجَّلَانِ فَإِنْ اصْطَلَحَ الْمُتَدَاعِيَانِ وَإِلَّا فَلْيُؤَدِّيَا الشَّهَادَةَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: لَا أَرَى بِامْتِنَاعِهِمَا مِنْ الشَّهَادَةِ بَأْسًا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَاكِمِ بِمَا سَمِعَ مِنْ الْخُصُومِ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ اثْنَيْنِ اهـ مِنْ تَرْجَمَةِ الشَّهَادَاتِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّرْجَمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَزَادَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كُنْت أُحِبُّ أَنْ لَا يَقْبَلَا. يَعْنِي أَنْ لَا يَدْخُلَا عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَإِذَا أَدْخَلَا بَيْنَهُمَا رَجُلَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَا عَلَيْهِمَا فَذَكَرَا نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ إلَخْ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْخَمْسِينَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرْعًا مُسْتَقِلًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَقَلَهُمَا عَنْ الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُقْنِعِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَنَصُّهُ: شَهَادَةُ الْمُتَوَسِّطِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِالصُّلْحِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ اسْتَوْعَبَ كَلَامُهُمَا مِنْ الْكَافِي لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ إلَخْ. ص (وَلَمْ يَطْرَأُ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ بِخِلَافِ جِنٍّ) ش: يَعْنِي أَنَّ طُرُوُّ

الْفِسْقِ وَالْعَدَاوَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْفَرْعِ يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ بِخِلَافِ طُرُوُّ الْجُنُونِ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ، وَإِذَا طَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ تُهْمَةُ الْقَرَابَةِ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ الشَّاهِدُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ الْمَرْأَةَ الْمَشْهُودَ لَهَا أَوْ الْعَكْسِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمَّا كَانَ تَمَامُ شَهَادَةِ النَّقْلِ بِأَدَاءِ نَاقِلِهَا عَنْهُ كَانَ طُرُوُّ مَانِعِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَاءِ نَاقِلِهَا لِطُرُوِّ الْمَانِعِ عَلَى شَاهِدِهِ قَبْلَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، وَالْأَوَّلُ وَاضِحٌ وَالثَّانِي تَقَدَّمَ حُكْمُهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ بِأَنَّ حُدُوثَ سَبَبِ الْعَدَاوَةِ بَعْدَ تَقْيِيدِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِهَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ شَهَادَتِهِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ عَدُوًّا لَا يُوجِبُ تُهْمَةً، وَمَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَضَاءَ بِمَا نُقِلَ عَمَّنْ صَارَ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى ظُهُورَ عَدَاوَتِهِ يُشْعِرُ بِمُقَدِّمَاتٍ وَسَوَابِقَ (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ سُقُوطِ شَهَادَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِحُدُوثِ عَدَاوَتِهِ بَعْدَ سَمَاعِ نَقْلِهَا مِنْهُ وَقَبْلَ أَدَاءِ نَقْلِهَا كَحُدُوثِ ذَلِكَ بَعْدَ أَدَائِهَا لِلْحَاكِمِ قَبْلَ نُفُوذِ حُكْمِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَدَاءَهُ أَدَلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا مِنْ سَمَاعِهَا لِلنَّقْلِ عَنْهُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إذَا طَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ أَوْ رِدَّةٌ امْتَنَعَتْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَحُدُوثُ فِسْقِ الْأَصْلِ بَعْدَ سَمَاعِ النَّقْلِ عَنْهُ وَقَبْلَ أَدَائِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ وَأَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْفِسْقَ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى وَيُكْتَمُ كَالزِّنَا أَشْعَرَ بِسَابِقِ مُتَقَدِّمَاتٍ تَمْنَعُ الْعَدَالَةَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجَاهَرَ بِهِ كَالْقَتْلِ لَمْ يُشْعِرْ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ طُرُوُّ ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَالَ، وَلَوْ انْتَقَلَ مَنْ طَرَأَ فِسْقُهُ لِعَدَالَةٍ فَفِي صِحَّةِ النَّقْلِ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ أَوَّلًا أَوْ بِسَمَاعٍ مِنْهُ بَعْدَ انْتِقَالِهِ خِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ ص (وَإِنْ قَالَا وَهَمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا) ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ هُوَ انْتِقَالُ الشَّاهِدِ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ بِأَمْرٍ إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ دُونَ نَقِيضِهِ فَيَدْخُلُ انْتِقَالُهُ إلَى شَكٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّاكَّ حَاكِمٌ أَوْ غَيْرُ حَاكِمٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ شَارِحِ الْمَحْصُولِ وَالثَّانِي لِلْقَرَافِيِّ، وَقَيَّدَ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ وَهُوَ

ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَظَاهِرُ لَفْظِ الْمَازِرِيِّ صِدْقُهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَعَلَيْهِ يُحْذَفُ لَفْظُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَخْ. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَثْنَاءِ الْجُزْءِ التَّاسِعِ فِي تَرْجَمَةِ وَثِيقَةِ تَجْرِيحٍ بِعَدَاوَةٍ: لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ ثُمَّ قَالَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا شَهِدْت إلَّا بِالْحَقِّ لَكِنِّي أَرْجِعُ عَنْ شَهَادَتِي فَلَا يُقْضَى بِهَا فَأَفْتَى بِهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَصْبَغُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِهَا وَلَيْسَ هَذَا بِرُجُوعٍ وَالرُّجُوعُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَيَدْخُلَهُ الشَّكُّ، وَأَفْتَى ابْنُ زَرْبٍ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجَعَ عَنْ حَقٍّ عَلِمَهُ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَأَسْقَطَ شَهَادَتَهُ إلَخْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَامِّيِّ الَّذِي يَجْهَلُ حُرْمَةَ ذَلِكَ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا رُجُوعُهُمْ) ش: اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ مَا وَجَبَ الْحَدُّ مَا شَهِدْنَا إلَّا بِالزُّورِ دَرَأْت الْحَدَّ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدُ الْإِحْصَانِ) ش: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ رَجَعَا وَحْدَهُمَا أَوْ مَعَ شُهُودِ الزِّنَا أَوْ مَعَ رُجُوعِ الْكُلِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُ الدِّيَةِ، وَبَاقِيهَا عَلَى بَيِّنَةِ الزِّنَا، وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ رُبُعُهَا، وَبَاقِيَهَا عَلَى بَيِّنَةِ الزِّنَا، قَالَ الْمَازِرِيِّ: وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ شَهِيدَيْ الْإِحْصَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّانِي يَغْرَمُ سُدُسَ الدِّيَةِ وَعَلَى الثَّانِي يَغْرَمُ رُبُعَهَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ رَجَعَا وَحْدَهُمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَوَّلِ الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي) ش: يَعْنِي أَنَّ رُجُوعَ

الْمُزَكِّيَيْنِ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ زَكَّوْهُ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِمْ غُرْمًا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ رَجَعَا وَحْدَهُمَا أَوْ مَعَ شُهُودِ الْأَصْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِحَقٍّ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهُمَا فَزَكَّاهُمَا رَجُلَانِ فَقِبَلَهُمَا الْقَاضِي وَحَكَمَ بِالْحَقِّ ثُمَّ رَجَعَ الْمُزَكِّيَانِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَا: زَكَّيْنَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ وَمَا لَا يُزَكَّى مِثْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أُخِذَ لِغَيْرِهِمَا، وَمَنْ لَوْ شَاءَ لَمْ يَشْهَدْ وَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ وَمَنْ زَكَّاهُمَا لَمْ يَغْرَمْ إلَّا الشَّاهِدَانِ إذْ لَوْ شَاءَا لَمْ يَشْهَدَا فَبِهِمَا قَامَ الْحَقُّ. قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي كِتَابِهِ اهـ مِنْ تَرْجَمَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي التَّعْدِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلَا غُرْمَ إلَخْ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: نَحْوُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عُلِمَ بَعْدَ الرَّجْمِ أَوْ الْجَلْدِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ حُدَّ الشُّهُودُ أَجْمَعُ، وَإِنْ كَانَ مَسْخُوطًا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ

الشَّهَادَةَ قَدْ تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَمْ تَتِمَّ فِي الْعَبْدِ، وَتَصِيرُ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الرَّجْمِ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ عَلِمُوا فَذَلِكَ عَلَى الشُّهُودِ فِي أَحْوَالِهِمْ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلْ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ مُخَالِفٌ فَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خِلَافٌ أَمْ لَا؟ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَقَضَ الْحُكْمُ فِيهَا لِظُهُورِ كَوْنِ الرَّاجِعِ مِنْ الشُّهُودِ عَبْدًا وَإِذَا انْتَقَضَ وَجَبَ حَدُّ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُنْتَقَضْ؛ لِأَنَّ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّهُ شَهِدَ خَمْسَةٌ وَأُقِيمَ الْحَدُّ فَرَجَعَ اثْنَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِنَقْضِ الْحُكْمِ فَلِهَذَا لَمْ تُحَدَّ الثَّلَاثَةُ الْبَاقُونَ، فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنْ يَسْقُطَ الْحَدُّ عَنْ الْعَبْدِ قُلْت قَذْفُ الْعَبْدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَابِقٌ عَلَى حَدِّ الزِّنَا فَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ وَقَدْ ظَهَرَتْ الشُّبْهَةُ فِي زِنَا الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِرُجُوعِ بَعْضِ الشُّهُودِ اُسْتُصْحِبَ الْقَذْفُ وَوَجَبَ حَدُّ الْعَبْدِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعَ ذَلِكَ مُشْكِلَةٌ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَنِصْفٌ) ش: يَعْنِي وَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَعَلَيْهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ: نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَسَكَتَ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ رَجَعَا بَعْدَ قَضَاءِ قَاضٍ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. عِيَاضٌ كَذَا قَيَّدْنَا فِي الْأَصْلِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ هَذَا النِّصْفُ وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى أَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ، وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الْعُشُورِ مِنْ الْأَسْمِعَةِ وَحَمَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ غُرْمَهُ لِلْمَرْأَةِ لِيَكْمُلَ لَهَا صَدَاقُهَا الَّذِي أَبْطَلَاهُ عَلَيْهَا بِالْفِرَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمَسْأَلَةَ الْقَرَوِيُّونَ قَالُوا: وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ لَا وَجْهَ لَهُ إذْ النِّصْفُ عَلَيْهِ مَتَى حَصَلَ الْفِرَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ لَا يَرَيَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا أَتَمُّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِ خِلَافِ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ، وَانْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجَعَا فِي شَهَادَةِ الدُّخُولِ فِي مُطَلَّقَةٍ لَغَرِمَا نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِقَوْلِهِمْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ وَيَلْتَئِمُ مَعَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ

بِلَا كَلَامٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا وَهَذَا الْقَوْلُ أَحَدُ الْمَشْهُورِينَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ وَابْنَ رَاشِدٍ الْقَفْصِيَّ صَرَّحَا بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إرْثٍ وَصَدَاقٍ) ش: يَعْنِي نِصْفَ الصَّدَاقِ. ص (وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحِ أَوْ تَغْلِيظِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ أَمَةٍ) ش: يَجُوز فِي " تَجْرِيحِ " التَّنْوِينُ بَلْ الْغَالِبُ فِي مِثْلِهِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ وَيَجُوزُ حَذْفُ التَّنْوِينِ لِلْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الصَّحِيحُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُدَّعِيًا لِلطَّلَاقِ أَوْ غَيْرَ مُكَذِّبٍ لِلشُّهُودِ وَإِنْ كَانَ مُكَذِّبًا لِلشُّهُودِ فَلَا يُرْجَعُ عَلَى شَاهِدَيْ التَّجْرِيحِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالْإِتْلَافِ) ش: يَعْنِي بِقِيمَةِ الثَّمَرَةِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَقِيمَةِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ عَلَى أَقْرَبِ صِفَتِهِمَا، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ الْخُلْعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُ عَيْبٌ قَبْلَ الْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا إلَّا قِيمَتُهُ، كَذَلِكَ وَيَسْتَرِدَّانِ مَا يُقَابِلُ الْعَيْبَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَبَعْضُهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (بِلَا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ) ش: يُشِيرُ بِهَذَا إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي يَقُولُ تُؤَخَّرُ الْغَرَامَةُ حَتَّى تُجَدَّ الثَّمَرَةُ وَيُوجَدَ الْآبِقُ وَالشَّارِدُ فَتُؤْخَذَ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلْ قِيمَتُهَا يَوْمَ جَذَّهَا الزَّوْجُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤَخَّرُ الْجَمِيعُ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَانِ مَا يَحْصُلُ انْتَهَى. ص (وَعَلَى الْأَحْسَنِ) ش: رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَقْيَسُ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ) ش: وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ

شَهَادَةٍ بِعِتْقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ نَفَذَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْتُوقُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِزُورٍ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُبِيحَ فَرْجَهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَذَلِكَ لَهَا انْتَهَى. وَإِنْ اسْتَمَرَّ السَّيِّدُ مُقِيمًا عَلَى الْجَحْدِ وَطَلَبَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الرَّاجِعَيْنِ قِيمَةَ الْمَشْهُودِ بِعِتْقِهِ غَرِمَا قِيمَتَهُ انْتَهَى. ص (وَإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ فَلَا غُرْمَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإِرْثٍ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ شَارِحِهِ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا يَلْزَمُ الْأَبُ نَفَقَتَهُ فَهَلْ يَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالنَّفَقَةِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ بِإِرْثٍ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ أَخَذَهُ بِدَيْنٍ لَهُ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا غُرْمَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ. ص (وَتَرَكَ آخَرَ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَلَمْ يُفَرِّعْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا إذَا تَرَكَهُ فَقَطْ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا آخَرَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ

فرع شهدا على رجل أنه عبد لمن ادعاه والمدعى عليه يجحد فحكم برقه ثم قاطعه المحكوم عليه بمال أخذه منه وأعتقه أو كاتبه عليه

فَقَالَ: وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَ الْمُسْتَلْحَقِ وَالْمَالُ مِائَتَانِ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِائَةٌ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ مِائَةً وَبَيْتُ الْمَالِ مِائَةً ثُمَّ غَرِمَ الشَّاهِدَانِ مِائَةً أُخْرَى الَّتِي فَوَّتَاهَا، فَلَوْ طَرَأَ دَيْنُ مِائَةٍ أُخِذَتْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ بِمِائَةٍ عَلَى مَنْ غَرِمَاهَا لَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ طَرَأَ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ هَلْ يُؤْخَذُ الْفَاضِلُ عَلَى الْمِائَةِ الَّتِي بِيَدِ الْوَلَدِ مِنْ مِائَةِ الْقِيمَةِ الَّتِي بِيَدِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِ بَيْتِ الْمَالِ؟ لَمْ أَرَ الْآنَ التَّصْرِيحَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ الْأَخْذُ أَخْذًا مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِالْأَحْرَوِيَّةِ وَإِنَّمَا تَرَكُوا التَّصْرِيحَ بِهِ لِوُضُوحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَخَذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَكَمَّلَ بِالْقِيمَةِ) ش وَيُؤْخَذُ مِنْهُ لُغْزٌ وَهُوَ أَنَّ ذَكَرَيْنِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ وَإِنْ طَرَأَ دَيْنٌ عَلَى أَبِيهِمَا غَرِمَاهُ بِالسَّوِيَّةِ هِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إذَا فُرِضَ مُخَلَّفُ الْأَبِ ثَلَاثُمِائَةٍ فَمِائَةٌ لِلْقِيمَةِ، وَلِلدَّيْنِ الطَّارِئِ مِائَتَانِ فَأَقَلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْوَفَاءُ مِنْ الْمَالِ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ لِلْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَرَجَعَا عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلثَّانِي) ش: بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: بِمَا غَرِمَهُ الْمُسْتَلْحَقُ لِلْغَرِيمِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِالْمُلْحَقِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَكَانَ أَوْضَحَ لَكِنَّ الشَّارِحَ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا عَبَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِمَا: ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الثَّابِتِ النَّسَبِ بِمَا غَرِمَاهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا غَرِمَاهُ لَهُ بِسَبَبِ إتْلَافِهِمَا لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَمَّا وَجَبَ الدَّيْنُ وَجَبَتْ التَّرِكَةُ لَهُ فَلَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا انْتَهَى. وَهُوَ غَيْرُ وَافٍ بِشَرْحِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا تَرَى، وَحَاوَلَ الْبِسَاطِيُّ شَرْحَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ بَعْدَ أَنْ شَرْحَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ بِمَا شَرَحُوهُ بِهِ: فَإِنْ قُلْت عِبَارَتُهُ لَيْسَ مَعْنَاهَا مَا حَلَلْتُمَا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، قُلْت: إنَّمَا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ: بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ لَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ الِابْنِ الثَّانِي جَمِيعُ مَا أَخَذَ بَلْ يَبْقَى شَيْءٌ فَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا يَلْزَمُ الثَّانِي لِلْغَرِيمِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ فَرْضَ مَسْأَلَةِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا هُوَ طُرُوُّ دَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ فَلَا يُلَائِمُ حِينَئِذٍ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ. وَيَظْهَرُ لِي شَيْءٌ وَإِنْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ كَانَ حَسَنًا وَهُوَ أَنَّ الِابْنَ الْمُسْتَلْحَقَ لَمَّا أَخَذَ نِصْفَ الْمَالِ غَيْرَ الْقِيمَةِ قَدْ يَسْتَهْلِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ الدَّيْنِ فَإِذَا ظَهَرَ الدَّيْنُ فَلَا يُوجَدُ فِي يَدِهِ إلَّا بَعْضُ الْمَالِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَيَأْخُذُ الْغَرِيمُ مِنْهُ مَا وَجَدَهُ فِي يَدِهِ، فَالظَّاهِرُ هُنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِمَا دَفَعَهُ الْمُسْتَلْحَقُ لِلْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُتْلِفَ بِشَهَادَتِهِمَا بَعْضُ الْمَالِ فَتَأَمَّلْهُ وَحَرِّرْ النَّقْلَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلَا غُرْمَ) . ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِيمَا إذَا رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ بِعُبُودِيَّةِ شَخْصٍ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ قُرْطُبَةَ فِي أَيَّامِ الْقَاضِي ابْنِ بَشِيرٍ فِيمَنْ بَاعَ حُرًّا وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ وَفُسِخَ الْبَيْعُ أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ أَنْ يَكُونَ هُنَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْت: هَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ قَالَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ جَامِعِ الْبَيَانِ: مَنْ بَاعَ حُرًّا وَغَابَ فَعَلَيْهِ طَلَبُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَقِيلَ: يَغْرَمُ دِيَةً لِلْوَرَثَةِ، وَكُتِبَ بِهَا إلَى الْقَاضِي بِقُرْطُبَةَ فَجَمَعَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَكَتَبَ لِقَاضِيهِ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ أَغْرِمْهُ دِيَةً كَامِلَةً. قُلْت: وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةً لِابْنِ حَبِيبٍ فِي تَرْجَمَةِ غَصْبِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَكَانَ يُجْرِي الْجَوَابَ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ بِأَنَّ تَسَبُّبَ الشَّاهِدَيْنِ فِي رِقِّهِ أَهْوَنُ مِنْ تَسَبُّبِ الْبَائِعِ فِي رِقِّهِ لِاسْتِقْلَالِ بَائِعِهِ بِرِقِّهِ وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الشَّاهِدَيْنِ بِرِقِّهِ لِمُشَارَكَةِ مُدَّعِي رِقِّهِ لَهُمَا فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يَنْقُلْ فِي التَّوْضِيحِ الْجَوَابَ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا أَلْغَازٌ كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ لَفْظِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِمَنْ ادَّعَاهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ فَحَكَمَ بِرِقِّهِ ثُمَّ قَاطَعَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِمَنْ ادَّعَاهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ فَحُكِمَ بِرِقِّهِ ثُمَّ قَاطَعَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَأَدَّى وَعَتَقَ

ثُمَّ أَقَرَّ بِالزُّورِ غُرْمًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا أَدَّى لِلسَّيِّدِ وَالْحُكْمُ مَاضٍ وَالْوَلَاءُ قَائِمٌ انْتَهَى. ص (وَلَهُ عَطِيَّتُهُ) ش: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ مَا أُعْطِيَ لَهُ يَكُونُ لَهُ لَا لِلسَّيِّدِ. وَأَنْ يَكُونَ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَعْنِي بِهِ وَلَهُ عَطِيَّتُهُ أَيْ الْمَالُ يَعْنِي لَهُ أَنْ يُعْطَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ أَعْتَقَ مِنْ هَذَا الْمَالِ عَبْدًا جَازَ عِتْقُهُ وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَعْدَهُ لِمَنْ كَانَ يَرِثُ عَنْهُ الْوَلَاءَ لَوْ كَانَ حُرًّا وَلَا يَرِثُهُ الْعَبْدُ إنْ مَاتَ وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ قُلْت كَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ النَّوَادِرِ وَأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ الْعَبْدُ إنْ مَاتَ وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ وَهُوَ مُشْكِلٌ إنْ أُرِيدَ بِالْعَبْدِ الْمَرْجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِرِقِّهِ وَقَدْ عَتَقَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ (وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ) أَنَّ الْمُعْتَقَ هُوَ مَنْ أَعْتَقَهُ الْعَبْدُ الْمَرْجُوعُ عَنْ شَهَادَتِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ عَبْدًا فَإِنَّ وَلَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ يَرِثُ عَنْهُ الْوَلَاءَ لَوْ كَانَ حُرًّا وَيَرِثُهُ الْعَبْدُ إنْ مَاتَ وَمُعْتِقُهُ حَيٌّ انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ (تَنْبِيهٌ) وَصَايَاهُ فِي هَذَا الْمَالِ نَافِذَةٌ مِنْ الثُّلُثِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ) ش: فَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْحَقِّ أَوْ الْحَقُّ كُلُّهُ؟ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ هَلْ هُوَ مُسْتَنِدٌ لِلشَّاهِدِ فَقَطْ وَالْيَمِينِ اسْتِظْهَارًا؟ أَوْ مُسْتَنِدٌ لِلشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعًا وَالْيَمِينُ كَالشَّاهِدِ الثَّانِي؟ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي تَرْجِيحِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ انْتَهَى. ص (وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ) ش: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْغُرْمُ فِي الرَّضَاعِ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا إنْ شَهِدَا

بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِلَا مَهْرٍ وَإِنْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْمَهْرُ لِلْوَطْءِ وَإِنَّمَا فَوَّتَا بِشَهَادَتِهِمَا الْعِصْمَةَ وَهِيَ لَا قِيمَةَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ فَيَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ لِلْبَاقِي مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَا فَوَّتَاهُ مِنْ الْإِرْثِ وَيَغْرَمَانِ لِلْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ مَا فَوَّتَاهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ شَهِدَا بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ نِصْفَ الصَّدَاقِ إذَا شَهِدَا بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا وَيُتَلَمَّحُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ) ش: هَذَا

فرع شهدت بينة بقتل زيد عمرا يوم كذا وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل

شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ اشْتِمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُنَافِي الْآخَرَ فَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ كَالدَّلِيلَيْنِ وَتَتَقَرَّرُ صُورَةُ الْجَمْعِ بِمِثْلِ قَوْلِهَا. وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِثَوْبَيْنِ سِوَاهُ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ فِي مِائَتَيْ إرْدَبٍّ وَلَوْ قَالَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ: أَسْلَمْت إلَيَّ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي ذَكَرْت مَعَ الْعَبْدِ فِيمَا سَمَّيْت وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ وَالْعَبْدَ وَتَلْزَمُهُ الْمِائَةُ إرْدَبٍّ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ السَّلَمِ الثَّانِي فِي أَوَاخِرِ تَرْجَمَةِ دَفْعِ السَّلَمِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّلَاثَةِ إلَى آخِرِهِ يُرِيدُ سَوَاءً كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مِثْلُ عَدَمِ التَّعَارُضِ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمِائَةٍ، وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِخَمْسِينَ فِي مَجْلِسَيْنِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ. وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَيِّنَةً أَوْ وَاحِدَةً لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الشَّهَادَاتِ إنْ شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ إحْدَاهُمَا بِعِتْقٍ وَالثَّانِيَةُ بِطَلَاقٍ أَوْ إحْدَاهُمَا بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ وَالثَّانِيَةُ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَشِبْهُ هَذَا فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِهِمَا مَعًا وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ فَإِنَّهُ تَهَاتُرٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَكَاذُبٌ يُحْكَمُ فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ يُقْضَى بِهِمَا مَعًا اسْتَوَيَتَا فِي الْعَدَالَةِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَعْدَلُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ الْكُبْرَى وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ الصُّغْرَى أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَتَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) مَا لَزِمَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ صَدَرَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ بِمِثْلِ مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (الثَّانِي) فَرْضُهُ هُوَ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَنْفِي أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ مَا شَهِدَتْ بِهِ، يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِهَا. قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ رَسْمِ الصُّبْرَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ أَنَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ شَهِدَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَفَوَّهْ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَكِنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ غُلَامٍ لَهُ سَمَّيَاهُ لَمْ أَرَ لَهُمْ شَهَادَةً أَجْمَعِينَ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَكْذَبَ بَعْضًا وَهُوَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ. قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَشْهَدُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ أَوْ أَعْتَقَ غُلَامَهُ فُلَانًا وَقَالَ الْآخَرُ: نَشْهَدُ أَنَّهُ مَا ذَكَرَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ حَتَّى تَفَرَّقْنَا وَمَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَلَكِنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فُلَانَةَ يُرِيدُ امْرَأَةً أُخْرَى أَوْ قَالَ: نَشْهَدُ مَا أَعْتَقَ الَّذِي شَهِدْتُمْ لَهُ بِالْعَتَاقَةِ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ فُلَانًا غُلَامًا آخَرَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَبْطُلُ وَتَسْقُطُ مِنْ قَوْلِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَكْذَبَ بَعْضًا انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [فَرْعٌ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا يَوْمَ كَذَا وَبَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ عَنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا يَوْمَ كَذَا وَبَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ عَنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْقَتْلِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْبَرَاءَةِ إنْ كَانَتْ أَعْدَلَ وَإِنْ كَانَتَا فِي الْعَدَالَةِ سَوَاءً طُرِحَتَا وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ

انْتَهَى. (قُلْت) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ الَّذِي كُنْت أَسْمَعُ فِيمَا كُنَّا نَتَنَاظَرُ عَلَيْهِ مَعَ أَصْحَابِنَا: أَنَّ شَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُمْ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ الْعَامِ الْفُلَانِيِّ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ بِمِصْرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ أَنَّ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ أَحَقُّ وَأَوْلَى قَالُوا: لِأَنَّ هَذَيْنِ شَهِدُوا بِحَقٍّ وَلَمْ يَشْهَدْ الْآخَرَانِ بِحَقٍّ وَلَسْت أَعْرِفُ هَذَا الْمَعْنَى وَاَلَّذِي أَرَى إنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَا أَنَّهُ كَانَ بِمِصْرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَعْدَلَ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُمَا فِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَعْدَلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ أَنَّهُ جُرْحَةٌ وَلَوْ كَانَتَا فِي الْعَدَالَةِ سَوَاءً لَطَرَحْتهمَا. وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَحَظٌّ مِنْ النَّظَرِ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ فَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا انْتَهَى. (قُلْت) زَادَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَا نَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِثْلُ أَهْلِ الْمَوْسِمِ فِي جَمَاعَتِهِمْ أَنَّهُ أَقَامَ لَهُمْ الْحَجَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ أَهْلُ مِصْرَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَيَبْطُلُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَوْسِمِ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْغَلَطِ وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. (قُلْت) ذِكْرُهُ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ وَأَهْلِ مِصْرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَرُدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ فَإِذَا شَهِدَ جَمَاعَةٌ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْجِيحِ بِالْعَدَدِ وَنَصَّهُ. وَفِي لَغْوِ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَاعْتِبَارِهِ قَوْلَهُ وَرِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ شَهِدَ لِهَذَا شَاهِدَانِ وَلِهَذَا مِائَةٌ وَتَكَافَئُوا فِي الْعَدَالَةِ لَمْ تُرَجَّحْ بِالْكَثْرَةِ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مَحْمَلُهُ عَلَى الْمُغَايَاةِ وَلَوْ كَثُرُوا حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ لَقُضِيَ بِهِمْ انْتَهَى. قَالَ: وَنَصُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِزِنَى رَجُلٍ بِمِصْرَ فِي الْمُحَرَّمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالْعِرَاقِ حُدَّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِمِصْرَ وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِالْعِرَاقِ قُتِلَ بِهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ تَفْرِقَةُ أَصْبَغَ هَذِهِ عَلَى قِيَاسِ مَشْهُورِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتَا بِالزِّيَادَةِ أُعْمِلَتْ ذَاتُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِي الْأَنْوَاعِ سَقَطَتَا إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ فَيُقْضَى بِهَا. وَقَالَ أَيْضًا إنْ اخْتَلَفَتَا بِالزِّيَادَةِ سَقَطَتَا إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ فَيُقْضَى بِهَا كَاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ فَلَزِمَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا إنْ شَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُ زَنَى ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالْعِرَاقِ أَنْ تَسْقُطَ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ فَيُقْضَى بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ سَرَقَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالْعِرَاقِ وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ لِتَكْذِيبِ كُلِّ بَيِّنَةٍ الْأُخْرَى وَتَعْلِيلُ أَصْبَغَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ صِدْقَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا هِيَ الْكَاذِبَةُ اُحْتُمِلَ كَذِبُهُمَا مَعًا وَإِذَا اُحْتُمِلَ كَذِبُهُمَا مَعًا أَوْ كَذِبِ إحْدَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا صَادِقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ أَعْدَلُ وَإِلَى هَذَا نَحَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَيَأْتِي عَلَى قِيَاسِ الْأَخَوَيْنِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى وَاسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ أَنَّهُ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا مَعًا أَنَّهُ يُحَدُّ لِلزِّنَا وَالسَّرِقَةِ إذَا شَهِدَتَا بِهِ مَعًا وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ وَلَا يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ. قَالَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَحْكَامِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِيَدٍ) ش: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى (تَنْبِيهٌ) الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ

الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ وَنَعْلُهُ وَمِنْطَقَتُهُ وَيَلِيه الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا وَتَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا وَالدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ لِعَدَمِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى جَمِيعِهَا. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فَيُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَلَوْ تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَالرَّاكِبُ مَعَ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ قِيلَ يُقَدَّمُ الرَّاكِبُ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ) ش: (مَسْأَلَةٌ) إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ وَشَهِدَا لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ بِالْحِيَازَةِ فَنَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ جَائِزَةٌ وَلَا يَضُرُّهَا اجْتِمَاعُهُمَا فِيهَا لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا فِي الْأَمْرَيْنِ بِعِلْمِهِمْ وَرَأَوْا حِيَازَةً يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِإِرْفَاقٍ أَوْ تَوْكِيلٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ وَلَيْسَ يَلْزَمُهُمْ الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحَبَةٍ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي دَارٍ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّهُ بَاعَهُ مَا مَلَكَ وَأَقَامَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ يَمْلِكُهَا قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَبَقِيَتْ الدَّارُ بِيَدِ حَائِزِهَا أَبُو الْحَسَنِ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلَيْنِ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ وَأَنَّهُ بَاعَهُ مَا مَلَكَ وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ إلَّا الشِّرَاءُ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ تُعَارِضْ الْحَوْزَ وَالْبَيِّنَةَ بَلْ لَا تُعَارِضُ إلَّا الْحَوْزَ وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: قِفْ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ جَيِّدٌ وَعَلَيْهِ تَدُورُ أَحْكَامُهُمْ. وَفَائِدَتُهُ إذَا كَانَ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ التَّارِيخِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ لَمْ يَحْتَجْ الْمُشْتَرِي إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ ثَانِيَةً إذْ قَدْ يَطُولُ الزَّمَانُ وَتَمُوتُ الْبَيِّنَتَانِ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَعْطِنِي عَقْدَ الشِّرَاءِ فَذَلِكَ لَهُ وَفَائِدَتُهُ إذَا طَرَأَ الِاسْتِحْقَاقُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْهُمَا وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا خَوْفُ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَطُّ وَلَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعُ عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. الشَّيْخُ: وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى أَخْذِ النُّسْخَةِ وَهُوَ الْحَزْمُ. وَفِي النَّوَادِرِ وَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالشِّرَاءِ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ بِطُولِ الْمِلْكِ وَالْحَوْزِ وَالتَّصَرُّفِ وَأَنْ لَا مُنَازِعَ. سَوَاءٌ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِشُهُودِ الشِّرَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ ذَكَرُوا الشِّرَاءَ أَمْ لَا انْتَهَى. ص (وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍ وَحَوْزٍ) ش: أَيْ وَشَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ رَأَى الْمَشْهُودَ لَهُ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ. ص (وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ وَتُؤُوِّلَتْ

أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ الْمِلْكِ بِالْأَمْسِ مَثَلًا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ بِالْأَمْسِ تَنْبِيهٌ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدّ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ هَذَا

فرع أقام بينة على شيء فقضى له به ثم أقام المدعى عليه بينة بخلاف ما شهدت به البينة الأولى

فِي أَقْرَبِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ مَعَ بُعْدِ خُرُوجِ الْمِلْكِ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْقَرِيبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي أَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَهَذَا الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهَا مِنْ تَمَامِ شَهَادَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمْنَاهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ كَانَتْ زُورًا وَبِهَذَا الظَّاهِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمُوهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَظَاهِرُ مَا فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَالَ: وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ وَيُقْضَى لَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّيُوخُ هَلْ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَنَاقِضٌ أَمْ لَا وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْبَتِّ مَعَ إطْلَاقِهَا عَلَيْهَا بِالزُّورِ أَوْ يُفَصَّلُ فِيهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا تُقْبَلُ أَوْ يَكُونُوا مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ فَتُقْبَلُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو عِمْرَانَ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ مَا فِي الشَّهَادَةِ شَرْطُ كَمَالٍ. أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَذَلِكَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كَانَتْ زُورًا أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ مَا يَلْزَمُ شُهُودَ الزُّورِ. [فَرْعٌ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقَضَى لَهُ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى] (فَرْعٌ) مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى فَإِنَّهُ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَيُنْظَرُ فِي أَعْدَلِهِمَا. وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ شَخْصٌ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِمَا. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الَّذِي يَدَّعِي الشَّيْءَ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ ثُمَّ يَدَّعِيه آخَرُ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْأَوَّلِ إعَادَةُ بَيِّنَةٍ وَلَا يُرَدُّ الشَّيْءُ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَلَكِنْ يُقْضَى بِهِ لِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا قَبْلَهَا. وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ نَحْوُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ. وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْهُ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْقَاضِي بِقَطْعِ جَرْيِ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ لَا مَدْفَعَ فِيهَا بَطَلَ حَقُّ أَصْحَابِ الْجَنَّاتِ إلَّا أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى قَطْعِ ضَرَرِ الطَّرِيقِ أَوْ يَثْبُتُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِضَرَرٍ عَلَى الطَّرِيقِ بِبَيِّنَةٍ أَعْدِلَ مِنْ الْأُولَى أَوْ تَجْرِيحِ شُهُودِ الْعَقْدِ الَّذِينَ حَكَمَ بِهِمْ الْحَاكِمُ فَهُمْ حِينَئِذٍ أَحَقُّ بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِرُشْدِ شَخْصٍ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَعْدَلُ مِنْهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِلَ السَّفَهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِسَفَهِهِ، وَذُكِرَ فِيهَا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مِنْ يَوْمِ حُكْمِ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ بِتَسْفِيهِهِ جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. اُنْتُظِرَ)

ش: هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَيَعْنِي بِهِ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي: قَدْ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي تَدَّعِي بِهِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْظُرُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكِّلُ الْغَائِبُ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ غِيبَتُهُ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِلَفْظِ قِيلَ وَلَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ أَنَّهُ الْأَصْلُ. وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ ذَكَرَهُ بِقِيلِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَفِي رَسْمٍ. حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِيمَنْ وُكِّلَ عَلَى طَلَبِ عَبْدٍ بِمِصْرَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكَّلُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ سَوَاءً كَانَ الْمُوَكِّلُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمَطْلُوبِ: الْقَضَاءُ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى لُقِيِّ صَاحِبِ الْحَقِّ وَمِثْلُهُ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالسِّلْعَةِ هَلْ يَحْلِفُ؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ يَطْلُبُ دِينًا بِبَيِّنَةٍ لَهُ فَقَالَ: الْمَطْلُوبُ بَقِيَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَحْلِفَ لِي الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ غِيبَتُهُ قَرِيبَةً اُنْتُظِرَ حَتَّى يَقْدُمَ وَكَتَبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْحَقَّ السَّاعَةَ وَيُقَالُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ: إذَا اجْتَمَعْت مَعَ الطَّالِبِ فَحَلَّفَهُ وَكَتَبَ لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ كِتَابًا يَكُونُ بِيَدِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَقْضِيُّ لَهُ حَلَفَ أَكَابِرُ وَرَثَتِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ الصِّغَارُ وَإِنْ كَبِرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَقَالَ: إنَّهُ يُؤَخِّرُ فِي الْقَرِيبَةِ حَتَّى يَكْتُبَ لِلْمُوَكِّلِ فَيَحْلِفُ وَلَا يُؤَخِّرُ فِي الْبَعِيدَةِ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُهُ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ زَادَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْمُوَكَّلِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ كَانَتْ الْغِيبَةُ قَرِيبَةً كَالْيَوْمَيْنِ اُنْتُظِرَ الْمُوَكِّلُ حَتَّى يَحْلِفَ وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً حَلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ مُوَكِّلُهُ قَبَضَ مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَيُقْضَى لَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ صَاحِبَ مُعِينِ الْحُكَّامِ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ وَتُرْجَى لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُوَكَّلِ فَإِذَا لَقِيَهُ حَلَّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْل أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي

نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى ابْنُ رُشْدٍ قَيَّدَهُ بِالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ تَحْلِيفِهِ لِلْمُوَكِّلِ إذَا لَقِيَهُ فَلَا يُخَالِفُ فِيهِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ كِنَانَةَ أَيْضًا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ يُنْظَرُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكِّلُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ فَالْمَنْصُوصُ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ لَكِنَّ ابْنَ كِنَانَةَ يَقُولُ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَمُقَابِلُ الْمَنْصُوصِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ بِقِيلَ وَخَرَّجَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (انْتَظِرْ) كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النُّسَخِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَزْوِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَبُولِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى مَا فِي نَوَازِلِ عِيسَى لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَكَاهُ بِقِيلَ فَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ أَوْ قَضَيْته، لَمْ يُنْتَظَرْ فِي الْبَعِيدَةِ بِخِلَافِ الْقَرِيبَةِ فَيُؤَخَّرُ كَيَمِينِ الْقَضَاءِ. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهَا تَكَلَّمَ ابْنُ غَازِيٍّ مَا صُورَتُهُ: وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ. اُنْظُرْ فِي الْقَرِيبَةِ وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ وَيُقْضَى لَهُ فَإِنْ حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ أَمَّا حَلِفُ الْوَكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يَحْلِفُ لِيَنْتَفِعَ غَيْرُهُ وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ مِنْ الْكَلَامِ فَإِنَّمَا سَاقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلًا آخَرَ وَلَمْ يَزِدْ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى نِسْبَتِهِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَأَنْتَ تَرَاهُ هُنَا رَكَّبَ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. (قُلْت) أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَلِفِ الْوَكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ كَمَا ذَكَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ وَابْنَ الْقَاسِمِ وَابْنَ الْمَوَّازِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَلَا يُؤَخَّرُ لَا يُخَالِفُونَ فِي أَنَّهُ إذَا لَقِيَ الْمُوَكِّلَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ حَلَفَ مَضَى وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا كَانَ غَرِمَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ فَتَأَمَّلْهُ فَهَذِهِ النُّسْخَةُ حَسَنَةٌ مُوَافَقَةٌ لِلرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي حَلِفِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ الثَّانِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْمَطْلُوبُ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك كَمَا فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا أَوْ يَقُولَ قَضَيْته الْحَقَّ الَّذِي تَدَّعِي بِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَمَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ (الثَّالِثُ) إذَا قَضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ ثُمَّ لَقِيَ الْمُوَكِّلَ فَاعْتَرَفَ بِمَا ادَّعَاهُ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْحَقِّ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيْهِ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ قَالَ: فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ (قُلْت) وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا كَلَامَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ لِمُوَكِّلِهِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعُ) أَمَّا يَمِينُ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ مُوَكِّلِهِ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَاَلَّذِي فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ مُوَكِّلِهِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَقْضِي لِلْوَكِيلِ إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى الْعِلْمِ وَيُقْضَى لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْوَكِيلِ فِي

فرع الحق على الغائب أو الميت مؤجلا وقام الطالب عند حلول الأجل

الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ مُوَكِّلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ فَقِيلَ يُقْضَى لِلْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَمْلًا لِمَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَسْأَلَة دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَقِيلَ لَا يُقْضَى لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يَكْتُبَ إلَى مُوَكِّلِهِ فَيَحْلِفُ حَمْلًا لِمَسْأَلَةِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَلَى مَسْأَلَة يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقِيلَ: يُقْضَى لِلْوَكِيلِ بَعْدَ حَلْفِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ لَا فَرْقَ بَيْنَ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَمِينِ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِي يُعْزَى إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا. وَيَمِينُ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنَّهُ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ شَيْئًا إنَّمَا تَجِبُ بِدَعْوَى الْغَرِيمِ أَنَّهُ قَدْ قَضَى فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ الدَّيْنَ إلَى الْوَكِيلِ وَاسْتَحْلِفْ صَاحِبَك إذَا لَقِيته عَلَى دَعْوَاك. (الْخَامِسُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُوَكِّلِ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ بِهَا دُونَ يَمِينٍ سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي رَسْمِ حَمَلَ صَبِيًّا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ وَمَا فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ لَهُ حَتَّى يَسْتَحْلِفَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ خَرَجَ أَوْ وَكَّلَ أَنَّهُ مَا اقْتَضَى وَلَا أَحَالَ وَلَا قَبِلَ قَالَ: وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى جَرَى الْعَمَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلْقَاضِي: لَا تُحَلِّفْنِي. فَلَعَلَّهُ لَا يَدَّعِي أَنَّهُ قَضَانِي شَيْئًا وَقِيلَ إنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ إذَا وَكَّلَ وَلَا يَسْتَحْلِفُهُ إذَا خَرَجَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلُهَا. هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ. (السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ كِنَانَةَ خِلَافٌ. لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَيْهِمَا عَلَى الْوِفَاقِ وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ عَلَى الِانْتِظَارِ فِي الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ انْتَهَى. (قُلْت) هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِن الْقَوْلَ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالِانْتِظَارِ فِي الْغَيْبَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَتَأَمَّلْهُ. (السَّابِعُ) لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالسِّلْعَةِ هَلْ يَحْلِفُ وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالدَّيْنِ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يُقْضَ لِلطَّالِبِ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَدَّعِيَ الْغَائِبُ أَوْ الْمَيِّتُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَيِّتٍ قَامَ بِهِ وَرَثَتُهُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ أَكَابِرُهُمْ أَنَّهُمْ مَا يَعْلَمُونَ وَلِيَّهُمْ قَبَضَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَيًّا لَمْ يَحْلِفُوا حَتَّى يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِمْ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ يَطْلُبُ دَيْنًا فَيَثْبُتُ لَهُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ بَقِيَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَحْلِفَ لِي الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ. [فَرْعٌ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ مُؤَجَّلًا وَقَامَ الطَّالِبُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ] (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ مُؤَجَّلًا وَقَامَ الطَّالِبُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَسَمِعْت أَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ أَسْقَطَ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ مُحْتَجًّا بِكَوْنِهِ لَمْ يَتَوَجَّهْ طَلَبُهُ إلَى الْآنَ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ يَمِينَ الْقَضَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَنَصَّهُ. وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ بِأَثَرِهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ كَذَا كَذَا ثُمَّ وَصَلَ وَكِيلٌ مِنْ رَبِّ الدَّارِ فِي الْمَرْكَبِ يَطْلُبُ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ وَلَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَبَضَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ وَقْتِ اعْتَرَفَ لَهُ الْمَيِّتُ وَطَلَبَ وَصِيُّ الْأَيْتَامِ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ مَا تَرَاهُ فَأَجَابَ: إذَا لَمْ تَطُلْ حَيَاةُ

فرع شهد للمأذون شاهد بحق ونكل

الْمُقِرِّ مِنْ حِينِ إقْرَارِهِ بَلْ مَاتَ فِي زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوَكِّلَ وَهَبَهُ ذَلِكَ وَهُوَ غَائِبٌ غَيْبَةً بَعِيدَةً لَمْ يُوقَفْ الْحَقُّ لِأَجْلِ يَمِينِهِ لِأَنَّهَا يَمِينُ اسْتِظْهَارٍ وَبَعْدَ غِيبَتِهِ وَالْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَضَاءِ الْحَقِّ أَوْ إسْقَاطِهِ بِالْهِبَةِ انْتَهَى. فَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ الْيَمِينَ مَعَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ بَلْ جَعَلَ الْقَرَائِنَ مُقْتَضِيَةً لِعَدَمِ إيقَافِ الْحَقِّ لِأَجْلِ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي تَقْسِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ أَنْوَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْعَبْدُ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَيَلْزَمُهُ الْجَوَابُ وَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ الْأَرْشَ فَيُطْلَبُ الْجَوَابُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ فَيُطْلَبُ الْجَوَابُ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنْ أَقَرَّ وَكَانَ مَأْذُونًا فَهُوَ كَالْحُرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا وَقَفَ إقْرَارُهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَيَرُدُّهُ أَوْ يُلْزِمُهُ إيَّاهُ فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَ السَّيِّدِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِإِلْزَامِ الدَّيْنِ ذِمَّتَهُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ مَا عِنْدَ السَّيِّدِ فِيهِ مِنْ إلْزَامٍ أَوْ إسْقَاطٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ حَالُ الْعَبْدِ مِنْ إذْنٍ أَوْ حَجْرٍ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى الْحَجْرِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ خِلَافُهُ. [فَرْعٌ شَهِدَ لِلْمَأْذُونِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَنَكَلَ] (فَرْعٌ) قَالَ مُطَرِّفٌ إذَا شَهِدَ لِلْمَأْذُونِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَنَكَلَ لَا يُحَلِّفُ السَّيِّدُ سَيِّدَهُ وَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ جَائِزٌ فَإِنْ مَاتَ حَلَفَ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ وَرِثَهُ. [فَرْعٌ الرَّسُولُ لِقَبْضِ الثَّمَنِ يُنْكِرُ الْقَبْضَ مِنْ الْمُبْتَاعِ] (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ الرَّسُولُ لِقَبْضِ الثَّمَنِ يُنْكِرُ الْقَبْضَ مِنْ الْمُبْتَاعِ يَحْلِفُ الرَّسُولُ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ حَلَفْت أَنَّك مَا تَعْلَمُ وُصُولَهُ لِرَسُولِك وَتَسْتَحِقُّ. [فَرْعٌ بِعْت لِابْنِك الصَّغِيرِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ بِعْت لِابْنِك الصَّغِيرِ حَلَفْت مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَلَفَ وَبَرِيءُ وَغَرِمْته وَكَذَلِكَ يَغْرَمُ الْوَصِيُّ إذَا ادَّعَى غَرِيمُ الْمَيِّتِ الدَّفْعَ لِلْوَصِيِّ فَرَدَّ الْوَصِيُّ الْيَمِينَ عَلَى الْغَرِيمِ لِجِنَايَتِهِ بِرَدِّ الْيَمِينِ. [فَرْعٌ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِك مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُك الْغَائِبُ الْمُفَاوِضُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ شَرِيكَك اشْتَرَاهُ] (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ إذَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِك مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُك الْغَائِبُ الْمُفَاوِضُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ شَرِيكَك اشْتَرَاهُ حَلَفْت أَنْتَ مَعَهُ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ وَكَّلْته وَثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ وَجَحَدَ الْبَائِعُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ حَلَفْت مَعَهُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْوَكَالَةُ حَلَفَ الْوَكِيلُ انْتَهَى. جَمِيعُ الْفُرُوعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ الْأَقْضِيَةِ ص (وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ) ش: قَدْ يَتَبَادَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَمِينِ حَرْفُ الْقَسَمِ فِيهِ بِالْبَاءِ لِأَنَّ غَالِبَ مَنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَقُولُ لَمَّا يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ الْيَمِينِ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. أَوْ يَقُولُ: وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَنَحْوَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ لَكِنَّنِي لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَأَمَّا الْوَاوُ فَغَالِبُ مَنْ رَأَيْت كَلَامَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْجَزِيرِيِّ وَالشَّيْخِ زَرُّوقٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ حَلَفَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَكَذَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ. فَقَطْ فَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. اللَّخْمِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهَا أَيْمَانٌ انْتَهَى. وَرَأَيْت فِي الْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ اُنْظُرْ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ بِالْوَاوِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ قَالَهُ أَشْهَبُ أَوْ لَا يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ هَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لَا. قَوْلَانِ وَانْظُرْ إذَا قَالَ

مسألة وجب عليه يمين فحلف بالطلاق أو باللازمة

بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُجْزِئُهُ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ مَا رَأَيْته لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَغَيْرهمْ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ أَعْنِي الْخِلَافَ فِي الْوَاوِ لَا يُعْرَفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ فَإِنَّهُ صَدَّرَ الْكَلَامَ بِالْوَاوِ فَقَالَ أَمَّا الْحَلِفُ فَهُوَ وَاَللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ ثُمَّ نَقَلَهُ بِالْبَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ لَفْظَ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَقَالَهُ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي الْمُدَوَّنَةَ وَاَلَّذِي فِيهَا إنَّمَا هُوَ بِالْبَاءِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ بِقَوْلِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ انْتَهَى. وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الَّذِي يُجْزِئُ مِنْ التَّغْلِيظِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ فَقَطْ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقُولَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّاءَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ فِي حَدِيثِ ضِمَامٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَغْلِيظِهِ الْيَمِينَ بِالْأَلْفَاظِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْحَاكِمِ وَكَرِهَهُ عُلَمَاؤُنَا وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَمَا أَحْسَنَهُ وَقَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْلِيفِ الشَّاهِدِ وَيَمِينُهُ لَا تُبْطِلُ شَهَادَتَهُ وَهَذَا نَصٌّ انْتَهَى. [مَسْأَلَة وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاللَّازِمَةِ] (مَسْأَلَةٌ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاللَّازِمَةِ اُنْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الظِّهَارِ مِنْ الْمَشَذَّالِيِّ. ص (وَغُلِّظَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَمِنْ التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالتَّحْلِيفِ عَلَى الْمُصْحَفِ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ أَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ اُنْظُرْ الْأَحْكَامَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ انْتَهَى [فَرْعٌ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ عَلَى شَخْصٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ عَلَى شَخْصٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ دِرْهَمٌ وَنِصْفُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمِ حَلَّفَهُمَا فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ وَهُوَ كَفِيلٌ بِالثَّانِي فَالثَّلَاثَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا انْتَهَى بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى. [فَرْعٌ لَا يَحْلِفُ الْعَلِيلُ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ بِهِ عِلَّةٌ] (فَرْعٌ) لَا يَحْلِفُ الْعَلِيلُ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مَعَهَا لَا رَاجِلًا وَلَا رَاكِبًا. وَالْمَسْأَلَةُ مُطَوَّلَةٌ فِي الْبُرْزُلِيِّ نَقَلَهَا الْمُتَيْطِيُّ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى حَرِيمِ الْبِئْرِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَمِنْ التَّبْصِرَةِ كَانَ ابْنُ لُبَابَةَ يُفْتِي فِي الْمَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ أَنَّهَا تَحْلِفُ فِي بَيْتِهَا عَلَى الْحَقِّ انْتَهَى. [فَرْعٌ تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِالزَّمَانِ فِي اللِّعَان وَالْقَسَامَةِ] (فَرْعٌ) وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ فَانْظُرْ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَّفِقُ عَلَى تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِالزَّمَانِ فِي اللِّعَان وَالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ التَّغْلِيظَ بِالزَّمَانِ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ اللِّعَان مُسْتَحَبًّا فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ ابْنَ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ وَهَلْ تَغْلُظُ بِالزَّمَانِ؟ رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَتَحَرَّى بِأَيْمَانِهِمْ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ وَالدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ وَقْتًا يَحْضُرُ النَّاسُ فِيهِ الْمَسَاجِدَ وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فَفِي كُلِّ حِينٍ وَلِابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ لَا يَحْلِفُ حِينَ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ وَأَمَّا فِي الْحُقُوقِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ حَضَرَ الْإِمَامُ اسْتَحْلَفَهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ انْتَهَى. ص (وَبِالْقِيَامِ) ش: قَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ يَحْلِفُ قَائِمًا وَقَالَ فِي الْقَسَامَةُ وَيَحْلِفُونَ فِي الْقَسَامَةِ قِيَامًا قَالَ شَارِحُهَا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا قِيَامًا فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نُكُولًا أَوْ لَا اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ وَيَحْلِفُ قَائِمًا ص (وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ) ش: ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي

مَسَائِلِ الْيَمِينِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا تَخْرُجُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الطَّالِبَ لِلْيَمِينِ لَا يَحْضُرُ مَعَهَا وَبَعَثَ الْقَاضِي يَكْفِي وَنَزَلَتْ وَحَكَمَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَقِفُ حَيْثُ يَسْمَعُ يَمِينَهَا وَلَا يَرَى شَخْصَهَا لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِلْيَمِينِ وَعَلَى مَا ذَكَرَ هُنَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْهُ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَذَّالِيّ فِي آخِرِ بَابِ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرَ لَنَا شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ حَكَمَ لِرَجُلٍ بِيَمِينٍ عَلَى امْرَأَةٍ وَطَلَبَ حُضُورَهُ مَعَهَا لِحَلِفِهَا فَأَبَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا خَوْفَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهَا قَالَ فَحَكَمْنَا بِحُضُورِهِ إيَّاهَا مُتَبَاعِدًا عَنْهَا أَقْصَى مَا يَسْمَعُ مِنْهَا لَفْظَ الْيَمِينِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْيَمِينِ وَقَالَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهَا يَعْنِي الْمُدَوَّنَةَ فِي الْحَالِفَةِ فِي بَيْتِهَا وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ يُجْزِئُهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ (قُلْت) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِحُضُورِ يَمِينِهَا فِي بَيْتِهَا انْتَهَى. ص (وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ: وَرِثَ أَبَاهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَوْدَعَ أَبَاهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَقَالَ الِابْنُ لَا نَدْرِي أَصَدَقْت أَمْ لَا فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الِابْنَ عَلَى عِلْمِهِ وَيَبْرَأُ وَهَذَا صَوَابٌ انْتَهَى. ص (وَنَفَى سَبَبًا إنْ عَيَّنَ) ش: تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِهِ ظَاهِرٌ وَسُئِلَتْ عَنْ شَخْصٍ بِيَدِهِ أَمْتِعَةٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ قَرِيبٌ لَهُ أَنَّهَا مُخَلَّفَةٌ عَنْ مُوَرِّثِ مُوَرِّثِهِ وَأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مُورِثِهِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَيْسَتْ مُخَلَّفَةً عَنْ مُوَرِّثِهِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ كَذَلِكَ أَوْ يَحْلِفُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَقَطْ فَأَجَبْت

إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْأَمْتِعَةَ مُخَلَّفَةً عَنْ مُوَرِّثِ مُورِثِهِ يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَيْسَتْ مُخَلَّفَةً عَنْ مُوَرِّثِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ قَامَتْ لِفُلَانٍ فَإِنْ حَضَرَ ادَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ فَلِمُدَّعٍ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ أَوْ غَابَ لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ) ش: أَيْ وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ مِلْكًا لِي بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ فُلَانٌ وَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ ادَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي فَوَاضِحٌ وَإِنْ صَمَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَوْ يَحْلِفَ الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَوَاضِحٌ وَإِنْ حَلَّفَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْلِفَ أَوْ يَنْكُلَ فَإِنْ نَكَلَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ حَقُّهُ فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ وَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِالْحَقِّ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ لِلْمُقِرِّ النُّكُولُ عَنْهَا وَإِذَا نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَلِفُ وَنَكَلَ عَنْهُ. (قُلْت) وَنَحْوُهُ قَوْلُ عِيَاضٍ فِي الْوَكَالَاتِ إذَا أَطْلَعَ بَائِعٌ السِّلْعَةِ مَنْ وُكِّلَ عَلَى شِرَائِهَا عَلَى زَائِفٍ فِي الثَّمَنِ فَأُحْلِفَ الْآمِرُ فَنَكَلَ فَوَجَبَتْ الْيَمِينُ لِلْبَائِعِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَأْمُورَ. عِيَاضٌ لِأَنَّ نُكُولَهُ عَنْ يَمِينِ الْآمِرِ نُكُولٌ عَنْ يَمِينِ الْمَأْمُورِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ نُكُولُ الْمُقِرِّ لَهُ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى قَسِيمَيْهِ فَقَالَ: فَإِنْ حَلَفَ صَحَّ لَهُ مَا ادَّعَى ثُمَّ يَكُونُ الْخِصَامُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُقِرِّ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِالْحَقِّ. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَأَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِإِتْلَافِ حَقِّ الْمُدَّعِي إذْ لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْبَاطِلِ وَأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِمُدَّعِيهِ لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا بِالصِّدْقِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَقَطَ مَقَالُ الْمُدَّعِي انْتَهَى. وَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَغَرِمَ لَهُ الْمُقِرُّ مَا فَوَّتَهُ أَيْ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا فَقِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَمِثْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُقِرِّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُقِرَّ أَيْضًا قَالَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ النَّاسِ إلَى أَنَّ مُتْلِفَ الشَّيْءَ بِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهِ لَا يُطْلَبُ بِالْغَرَامَةِ، لَا يَمِينَ هُنَا عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْإِتْلَافَ وَإِنَّمَا قَالَ قَوْلًا حَكَمَ الشَّرْعُ فِيهِ بِإِخْرَاجِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ يَدِهِ وَكَانَ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ فَلِهَذَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ تَحْلِيفِهِ وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ أَيْضًا إلَى أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى الْمُقِرِّ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِتَوَجُّهِهَا عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَعَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُؤَلِّفُ لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ نُكُولِ الْمُقِرِّ عَنْ الْحَلِفِ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ

فَرَاجِعْهُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقَرُّ لَهُ حَاضِرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ غَابَ وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ غَابَ أَيْ الْمَقَرُّ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِمُدَّعِيهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُجَرَّدًا عَنْ يَمِينٍ أَوْ بَيِّنَةٍ انْتَهَى. فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ لَزِمَهُ أَيْ الْمُقِرُّ يَمِينٌ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْتَقِلُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْغَائِبِ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ أَيْ لِلْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَ الْمُقِرِّ فَقَالَ أَشْهَبُ أَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلِلْمَازِرِيِّ كَلَامٌ خِلَافَ هَذَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ أَخَذَهُ الْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ جَاءَ الْمَقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ إذَا أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً أَوْ حَلَفَ فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ إذَا نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ وَأَخَذَهُ الْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ الْمَقَرُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقُّهُ اُسْتُحِقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنَّ حَقَّقَ) ش: أَيْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعِي فِيهِ بِهِ أَيْ بِالنُّكُولِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ وَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ أَيْ مَعَ يَمِينٍ إنْ حَقَّقَ الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَتْ يَمِينَ تُهْمَةٍ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ زَرْقُونٍ اُخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَالسَّرِقَةِ أَنَّهَا تَتَوَجَّهُ وَقَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَتَوَجَّهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمَشْهُورُ لَا تَنْقَلِبُ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّهَا تَنْقَلِبُ (قُلْت) هُوَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْبَاجِيُّ إنْ ادَّعَى الْمُودِعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى الْمُودِعُ تَعَدِّيه عَلَيْهَا صُدِّقَ الْمُودِعُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفُ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا. ابْنُ زَرْقُونٍ وَفِي تَوْجِيهِ يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى الْبَتِّ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ رُبْعًا أَوْ غَيْرَهُ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ غَيْرَ رُبْعٍ لِلْمَشْهُورِ. وَابْنُ كِنَانَةَ وَبَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ انْتَهَى. ص (وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ) ش: وَسَوَاءٌ كَانَ نُكُولُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَسُئِلَ

عَنْ الَّذِي يَدَّعِي قَبْلَ الرَّجُلِ حَقًّا فَيَقُولُ: احْلِفْ لِي عَلَى أَنَّ مَا ادَّعَيْت عَلَيْك لَيْسَ بِحَقٍّ وَتَبْرَأُ. فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَلْ احْلِفْ أَنْتَ وَخُذْ. فَإِذَا هَمَّ الْمُدَّعَى أَنْ يَحْلِفَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ: لَا أَرْضَى بِيَمِينِك وَلَا أَظُنُّك تَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ عَلَى مَا أَحَبَّ الْآخَرُ أَوْ كَرِهَ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَقَرَّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةٌ فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَمِثْلُهُ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْيَمِينِ بَعْدَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي. وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ نَكَلَ عَنْهَا مَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الدِّيَاتِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَانْظُرْ رَسْمَ الْغِيلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّيَاتِ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ ص (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ) ش: خَتَمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَ الشَّهَادَاتِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْحِيَازَةِ لِأَنَّهَا كَالشَّاهِدِ عَلَى الْمِلْكِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَنْهُ إلَى الْحَائِزِ بِاتِّفَاقٍ وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَعَهَا قَوْلُ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» لِأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَهُ أَيْ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُهُ لَهُ بِدَعْوَاهُ فَإِذَا حَازَ الرَّجُلُ مَال غَيْرُهُ فِي وَجْهِهِ مُدَّةً تَكُونُ فِيهَا الْحِيَازَةُ عَامِلَةً وَهِيَ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ دُونَ هَدْمٍ وَلَا بُنْيَانٍ أَوْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا وَادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ بِابْتِيَاعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. وَسَوَاءٌ ادَّعَى صَيْرُورَةَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَصَارَ إلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي يَمِينِ الْحَائِزِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِنَفْيِ الْيَمِينِ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ وَالْقَوْلُ بِالْيَمِينِ عَزَاهُ لِصَرِيحِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَهُوَ أَقْوَى وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْحِيَازَةُ تَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ أَضْعَفُهَا حِيَازَةُ الْأَبُ عَنْ ابْنِهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْقَرَابَةِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَالْمَوَالِي وَالْأُخْتَانِ الشُّرَكَاءُ بِمَنْزِلَتِهِمْ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْمَوَالِي وَالْأُخْتَانِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ

الْأَجْنَبِيَّيْنِ الشُّرَكَاءِ وَتَلِيهَا حِيَازَةُ الْأَجَانِبِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَهِيَ أَقْوَاهَا. وَالْحِيَازَةُ تَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَضْعَفُهَا وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعُ وَيَلِيهَا الْهَدْمُ وَالْبُنْيَانُ وَالْغَرْسُ وَالِاسْتِغْلَالُ وَيَلِيهَا التَّفْوِيتُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّحْلَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ إلَّا فِي مَالِهِ وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الرَّقِيقِ وَالرُّكُوبُ فِي الدَّابَّةِ كَالسُّكْنَى فِيمَا يُسْكَنُ وَالِازْدِرَاعُ فِيمَا يُزْرَعُ وَالِاسْتِغْلَالُ فِي ذَلِكَ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الدُّورِ وَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِينَ انْتَهَى. فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ السَّادِسِ وَهِيَ حِيَازَةُ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ فَقَالَ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي حُكْمُهُ وَبِقَوْلِهِ غَيْرُ شَرِيكٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الشَّرِيكِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَيْضًا حُكْمُهُ وَمَفْعُولُ قَوْلِهِ حَازَ مَحْذُوفٌ أَيْ حَازَ عَقَارًا مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَقَارِ فَلَا يَفْتَقِرُ فِي الْحِيَازَةِ إلَى عَشَرَةِ أَعْوَامٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ وَتَصَرَّفَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحِيَازَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِزُ يَتَصَرَّفُ فِي الْعَقَارِ الْمَحُوزِ وَأَطْلَقَ التَّصَرُّفَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ حِيَازَةَ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ السُّكْنَى وَالِازْدِرَاعُ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ أَنْوَاعِ الْحِيَازَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ يَعْنِي بَيْنَ الْأَجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ تَكُونُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَكُونُ حِيَازَةً مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْحِيَازَةِ مَانِعَةٌ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي حَاضِرًا أَوْ اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي غَائِبًا فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً كَالسَّبْعَةِ الْأَيَّامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَثَبَتَ عُذْرُهُ عَنْ الْقُدُومِ وَالتَّوْكِيلِ مِنْ عَجْزٍ وَنَحْوِهِ فَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَضْعُفُ عَنْ الْقُدُومِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا مَنْ لَا يَتَبَيَّنُ عُذْرُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ عُذْرُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ رَسْمَ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَوْلُهُ سَاكِتٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْحِيَازَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي سَاكِتًا فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا لَوْ تَكَلَّمَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ بِلَا مَانِعٍ يَعْنِي أَنَّ سُكُوتَ الْمُدَّعِي فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَلَامِ فَإِنَّ حَقَّهُ لَا يَبْطُلُ وَفَسَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَانِعَ بِالْخَوْفِ وَالْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ وَقَدْ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَانِعِ فِي كَلَامِهِ الْخَوْفَ أَيْ خَوْفَ الْمُدَّعِي مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ الْعَقَارُ لِكَوْنِهِ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ مُسْتَنِدًا لِذِي سُلْطَانٍ فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْحَائِزِ عَلَى الْمُدَّعِي دَيْنٌ وَيَخَافُ إنْ نَازَعَهُ أَنْ يَطْلُبَهُ وَلَا يَجِدُ مِنْ أَيْنَ يُعْطِيه انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَيَدْخُلُ فِي الْمَانِعِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا فَإِنَّ سُكُوتَهُ لَا يَقْطَعُ دَعْوَاهُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ قَالَ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَلَا يَقْطَعُ قِيَامُ الْبِكْرِ غَيْرِ الْمُعَنِّسَةِ وَلَا قِيَامُ الصَّغِيرِ وَلَا قِيَامُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ الِاعْتِمَارَ الْمَذْكُورَ بِحَضْرَتِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَيَمْلِكَ نَفْسَهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَتُعَنِّسُ الْجَارِيَةُ وَتُحَازُ عَنْهُمْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَهُمْ عَالِمُونَ بِحُقُوقِهِمْ لَا يَتَعَرَّضُونَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ انْتَهَى. وَيَدْخُلُ فِي الْمَانِعِ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُدَّعِي بِالْحِيَازَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ الْعَقَارَ الْمَحُوزَ مِلْكُهُ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَمَنْ حَازَ دَارًا عَلَى حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ

فرع قال علمت الملك ولم أجد ما أقوم به ووجدته الآن هل يعذر أم لا

الشَّهَادَاتِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحِيَازَةِ وَفِي الرِّسَالَةِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ. الشَّيْخُ أَيْ عَالِمٌ بِالْمَعْلُومِينَ بِتَصَرُّفِ الْحَائِزِ وَبِأَنَّهَا مِلْكُهُ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَإِذَا كَانَ وَارِثًا وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَيَحْلِفُ وَيُقْضَى لَهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الطِّخِّيخِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ الْعِلْمِ بِشَيْئَيْنِ وَهُمَا الْعِلْمُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا يُفِيدُ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخِرِ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ بِالتَّصَرُّفِ قَدْ يُقَالُ مَا عَلِمْت أَنَّهُ مِلْكِي كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ الْآنَ وَجَدْت الْوَثِيقَةَ عِنْدَ فُلَانٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ وَالْعِلْمُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ قَالَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَابْنُ أَبِي زَيْدٍ انْتَهَى [فَرْعٌ قَالَ عَلِمْت الْمِلْكَ وَلَمْ أَجِدْ مَا أَقُومُ بِهِ وَوَجَدْته الْآنَ هَلْ يُعْذَرُ أَمْ لَا] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَانْظُرْ إذَا قَالَ عَلِمْت الْمِلْكَ وَلَمْ أَجِدْ مَا أَقُومُ بِهِ وَوَجَدْته الْآنَ هَلْ يُعْذَرُ أَمْ لَا (قُلْت) اخْتَارَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَذَلِكَ عُذْرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الَّتِي وَجَدَ بَيِّنَةَ اسْتِرْعَاءٍ أَمْ لَا وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَالْمُقِرِّ وَالْمُعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ مُدَّعٍ رَفْعَهُ انْتَهَى. زَادَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ وَقَعَتْ بِالْقَيْرَوَانِ بَعْدَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَكُتِبَ فِيهَا لِشَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ فَأَفْتَى بِمَا صَوَّبْت انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ لَا يَدَّعِي شَيْئًا هَذَا إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ الْقِيَامِ وَأَمَّا إنْ خَافَ سَطْوَةَ الْحَائِزِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى قِيَامِهِ وَإِنْ ادَّعَى مَغِيبَ الْبَيِّنَةِ وَقَالَ مَا سَكَتَ إلَّا لِانْتِظَارِ بَيِّنَتِي فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَالدَّعْوَةُ الَّتِي تَنْفَعُهُ إذَا كَانَ يُخَاصِمُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَنْفَعُهُ اهـ وَنَحْوُهُ لِلْجُزُولِيِّ وَنَصَّهُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا مِلْكِي وَلَكِنْ مَنَعَنِي مِنْ الْقِيَامِ عَدَمُ الْبَيِّنَةُ وَالْآنَ وَجَدْت الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَيُقْضَى بِهَا لِلْحَائِزِ بَعْدَ يَمِينِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ عَلِمْت بِأَنَّهَا مِلْكِي وَلَمْ أَعْلَمْ بِالْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ مَنَعَنِي مِنْ الْقِيَامِ عَدَمُ الْبَيِّنَةِ وَالْآنَ وَجَدْتهمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا قِيَامَ لَهُ انْتَهَى. وَفِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْحِيَازَةِ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالَمٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْحَاضِرَ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِيَّةِ حَتَّى يُثْبِتَ وَعَزَاهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ لِابْنِ سَهْلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّهْذِيبِ وَقِيلَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَقِيلَ بِالْأَوَّلِ إنْ كَانَ وَارِثًا وَبِالثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ قَالَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَبِهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا هَكَذَا كَانَ يَتَقَدَّمُ لَنَا أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالْحَقُّ أَنَّ الَّذِي فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ إنَّمَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى فَرْعٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ إذَا ادَّعَى الْوَارِثُ الْجَهْلَ بِمِلْكِيَّةِ مُوَرِّثِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَانْظُرْ إذَا قَالَ عَلِمْت الْمَالِكَ إلَى آخِر الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُشِيرُ بِالْفَرْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ فِي كَلَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ. وَقَوْلُهُ عَشْرُ سِنِينَ يَعْنِي أَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ الَّذِي تُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي عَشْرُ سِنِينَ وَهَذَا التَّحْدِيدُ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ رَبِيعَةَ وَنَصَّهُ وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي الْحِيَازَةِ فِي الرُّبْعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَقَالَ رَبِيعَةُ حَوْزُ عَشْرِ سِنِينَ بِقَطْعِ دَعْوَى الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَى أَوْ أَسْكَنَ أَوْ أَخْدَمَ أَوْ أَعَارَ وَنَحْوُهُ وَلَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ وَذَكَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدُ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ السَّبْعَ وَالثَّمَانِ وَمَا قَارَبَ الْعَشَرَةَ مِثْلُ الْعَشَرَةِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تُحَدَّدُ بِسِنِينَ مُقَدَّرَةٍ بَلْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَهَكَذَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ فَقَالَ وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ

مسألة قناة تجري منذ سنة في أرض رجل والذي تجري عليه ساكت

فِي الرُّبَاعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ هَذَا قَدْ حَازَهَا دُونَ الْآخَرِ فِيمَا يُهْدَمُ وَيُبْنَى وَيُسْكَنُ وَيُكْرَى. اهـ وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَهَكَذَا عَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ شَاسٍ وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ عَنْ التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِالْقِتَالِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كَانَتْ أَبْلَغَ شَيْءٍ فِي الْأَعْذَارِ وَاعْتَمَدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى أَنَّ كُلَّ دَعْوَى يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ بَقَاءَ مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِيَدِ الْغَيْرِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَشْرَ سِنِينَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِقَالِهِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الثَّانِي وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ فَقَالَ وَفِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ بِعَشْرٍ أَوْ سَبْعٍ ثَالِثُهَا لَا تَحْدِيدَ بِعِدَّةٍ بَلْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. [مَسْأَلَة قَنَاةٍ تَجْرِي مُنْذُ سَنَةٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَاَلَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ سَاكِتٌ] (مَسْأَلَةٌ) فِي قَنَاةٍ تَجْرِي مُنْذُ سَنَةٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَاَلَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ سَاكِتٌ لَا تَكُونُ السَّنَةُ حِيَازَةً لِلتَّغَافُلِ عَنْ مِثْلِهَا وَسُكُوتُ أَرْبَعِ سِنِينَ طُولٌ وَحَوْزٌ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ لِابْنِ يُونُسَ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَهَلْ يَكُونُ قَوْلًا رَابِعًا أَوْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَةَ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ يَعْنِي أَنَّ الْحِيَازَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا عَدَمُ الْعَمَلِ بِهَا وَبِمُقْتَضَاهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينٌ إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ ابْتِدَاءً وَلَا يُسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي وَيَعْتَقِدَ أَنَّ مُجَرَّدَ حَوْزِهِ يُوجِبُ لَهُ الْمِلْكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَوْزَ وَحْدَهُ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّ الْحَائِزَ لَا يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ إلَّا إذَا جَهِلَ أَصْلَ مَدْخَلِهِ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِالْحِيَازَةِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ بِرُمَّتِهِ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتِهِ. يَعْنِي أَنَّ الْحِيَازَةَ الْمَذْكُورَةَ مَانِعَةٌ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمَنْ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَلَا بَيِّنَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ فَالْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا قَالَ وَلَا بَيِّنَتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةَ عَنْ الْبَيِّنَةِ هِيَ الَّتِي لَا تُسْمَعُ وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ فَتُسْمَعُ كَمَا تَقُولُ فِي دَعْوَى الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْعِتْقَ، وَالْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الطَّلَاقَ. فَإِنَّ دَعْوَاهُمَا لَا تُسْمَعُ إذَا كَانَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الْبَيِّنَةِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِهِمَا يَمِينٌ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُمَا سُمِعَتْ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا قَالَ وَلَا بَيِّنَةٍ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي بِأَنَّهُ أَسْكَنَ الْحَائِزَ أَوْ أَعْمَرَهُ أَوْ سَاقَاهُ أَوْ زَارَعَهُ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى رَدِّ دَعْوَى الْحَائِزِ وَقُضِيَ لَهُ هَذَا إنْ ادَّعَى الْحَائِزُ أَنَّ الْمَالِكَ بَاعَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِ نَقْلَ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا تَمَسَّكَ بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ. [تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الْحِيَازَةُ عَلَى النِّسَاءِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ مُقَيَّدَانِ بِمَا إذَا لَمْ يَهْدِمْ مَا يُخْشَى سُقُوطُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَكَذَا الْإِصْلَاحَ الْيَسِيرَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (الثَّانِي) الْحِيَازَةِ عَلَى النِّسَاءِ عَامِلَةٌ إنْ كُنَّ فِي الْبَلَدِ. ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي الْمُقْنِعِ (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حِيَازَةَ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا عَلِمَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ وَقَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ (الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَمَّا الْمُدَّةُ فَيَنْبَغِي أَنْ

فرع ادعي عليه بأملاك فقال عندي وثائق غائبة ثم طولب عند حاكم آخر فأنكر تلك المقالة

يَسْتَوِيَ فِيهَا الْوَارِثُ وَالْمَوْرُوثُ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» وَتُضَافُ مُدَّةُ حِيَازَةِ الْوَارِثِ إلَى مُدَّةِ حِيَازَةِ الْمَوْرُوثِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ قَدْ حَازَ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ مَا كَانَ مُوَرِّثُهُ قَدْ حَازَهُ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً عَنْ الْحَاضِرِ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) اُخْتُلِفَ هَلْ يُطَالَبُ الْحَائِزُ بِبَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يُطَالَبُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُطَالَبُ وَقِيلَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ الْمِلْكِ الْمُدَّعَى فَلَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَنْ بَيَانِ أَصْلِ مِلْكِهِ وَإِنْ ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْحَائِزِ سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ لَا يُطَالَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ أَنَّ الْحَائِزَ يُطَالَبُ بِبَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَالَ إذَا حَازَ الرَّجُلُ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ مُدَّةً تَكُونُ فِيهَا الْحِيَازَةُ عَامِلَةً وَادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ بِابْتِيَاعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ هَذَا الْحَائِزُ وَارِثًا فَقِيلَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي وَرِثَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَجْهَ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ ذَلِكَ إلَى مُوَرِّثِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَقِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ وَرِثْنَا ذَلِكَ وَلَا أَدْرِي بِمَاذَا صَارَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُهُ عِنْدِي بَيِّنٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ انْتَهَى. وَأَفْتَى فِي نَوَازِلِهِ بِأَنَّ الْحَائِزَ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ الْمِلْكَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ السَّادِسِ وَجَزَمَ فِي شَرْحٍ آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّدَادِ وَالْأَنْهَارِ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ قَالَ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْته مِنْهُ أَوْ وَهَبَ لِي أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيَّ أَوْ يَقُولَ وَرِثْته عَنْ أَبِي أَوْ عَنْ فُلَانٍ وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَصِيرُ إلَيَّ الَّذِي وَرَثَتُهُ مِنْهُ قَالَ وَأَمَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ الْحِيَازَةِ إذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَمْلَاكٍ فَقَالَ عِنْدِي وَثَائِقُ غَائِبَةٌ ثُمَّ طُولِبَ عِنْدَ حَاكِم آخَرَ فَأَنْكَرَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَمْلَاكٍ فَقَالَ عِنْدِي وَثَائِقُ غَائِبَةٌ ثُمَّ طُولِبَ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ فَأَنْكَرَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ لَيْسَ عَلَيْهِ إحْضَارُ الْوَثَائِقِ انْتَهَى. اُنْظُرْ تَمَامَهَا فِيهِ. (الثَّالِثُ) لَا تَسْقُطُ الْحِيَازَةُ وَلَوْ طَالَتْ الدَّعْوَى فِي الْحَبْسِ بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْوَقْفِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَتَضَمَّنُ السُّؤَالَ عَنْ جَمَاعَةٍ وَاضِعِينَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَمَوْرُوثِهِمْ وَمَوْرُوثِ مَوْرُوثِهِمْ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ عَامًا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالتَّعْوِيضِ وَالْقِسْمَةِ وَكَثِيرًا مِنْ وُجُوهِ التَّفْوِيتِ فَادَّعَى عَلَيْهِمْ بِوَقْفِيَّتِهَا شَخْصٌ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِالتَّفْوِيتِ الْمَذْكُورِ وَالتَّصَرُّفِ هُوَ وَمُوَرِّثُهُ مِنْ قَبْلِهِ وَنَصُّهُ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْبِيسُ وَمِلْكُ الْمُحْبِسِ لِمَا حَبَسَهُ يَوْمَ التَّحْبِيسِ وَبَعْدَ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْأَمْلَاكُ الْمُحْبَسَةُ بِالْحِيَازَةِ لَهَا عَلَى مَا تَصِحُّ فِيهِ الْحِيَازَةُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَأُعْذِرَ إلَى الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا مِنْ تَرْكِ الْقَائِمِ وَأَبِيهِ قَبْلَهُ عَلَيْهِمْ وَطُولِ سُكُوتِهِمَا عَنْ طَلَبِ حَقِّهِمَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِتَفْوِيتِ الْأَمْلَاكِ فَالْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ وَاجِبٌ وَالْحُكْمُ بِهِ لَازِمٌ انْتَهَى. وَأَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ زَهْرٍ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَتَضَمَّنُ أَنَّ رَجُلًا فِي مِلْكِهِ ضَيْعَةٌ وَرِثَهَا عَنْ سَلَفِهِ مُنْذُ سَبْعِينَ عَامًا هُوَ وَأَبُوهُ وَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ الضَّيْعَةَ رَهْنٌ بِيَدِهِ وَبِذَلِكَ مَلَكَهَا سَلَفُهُ قَبْلَهُ مِنْهُمْ وَاسْتَدْعَى عَقَدَ السَّمَاعِ بِالرَّهْنِ فَأَثْبَتَ الَّذِي بِيَدِهِ الضَّيْعَةُ أَنَّ جَدَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ جَدِّ الْقَائِمِ عَلَيْهِ فِيهَا فَأَفْتَى أَنَّ شَهَادَةَ الشِّرَاءِ عَمَلٌ ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُشْتَرِي الْمُدَّعِي الرَّهِينَةَ بِعَيْنِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا حَبْسٌ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ عَقَدَ التَّحْبِيسِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى

خُطُوطِ شُهَدَائِهِ فَهَلْ تَرَى قِيَامَهُ أَوَّلًا بِالرَّهْنِ يُبْطِلُ قِيَامَهُ بِالْحَبْسِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ كَانَ مِنْ وَجْهِ الْحُكْمِ أَنْ لَا يُكَلَّفَ الَّذِي بِيَدِهِ الضَّيْعَةُ مِنْ أَيْنَ صَارَتْ إلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ الْقَائِمُ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَهَا وَرَهْنَهُ إيَّاهَا وَمَوْتَهُ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ أَوْ وَارِثُ وَارِثِهِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي قِيَامِهِ بِالْحَبْسِ سَوَاءٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ أَنَّ جَدَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ جَدِّ الْقَائِمِ عَلَيْهِ إقْرَارٌ مِنْهُ لَهُ بِمِلْكِهَا فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحْبِسُ وَأَثْبَتَ حَفِيدُهُ عَقْدَ التَّحْبِيسِ وَأَنَّهُ مِنْ عَقِبِهِ لَا عَقِبَ لَهُ غَيْرُهُ بِالسَّمَاعِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ الْقَاطِعَةِ وَأَعْذَرَ إلَى الْمَقُومِ عَلَيْهِ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ مَدْفَعٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَسْأَلَ الْمُقَوَّمَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ التَّحْبِيسِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَائِمِ فِيهَا حِيَازَةٌ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَانْظُرْ إلَى تَارِيخِ كِتَابِ صَاحِبِ التَّحْبِيسِ وَتَارِيخِ السَّمَاعِ بِشِرَاءِ جَدِّ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ مِنْ جَدِّ الْقَائِمِ فَإِنْ وَجَدَ تَارِيخَ الْحَبْسِ أَقْدَمَ قَضَى بِهِ وَبَطَلَ الشِّرَاءُ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ وَجَدَ تَارِيخَ السَّمَاعِ بِالشِّرَاءِ أَقْدَمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَقْدَمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَضَى بِالشِّرَاءِ وَبَطَلَ التَّحْبِيسُ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي جَوَابٍ ثَانٍ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا إثْرَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَسَائِرُ مَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ التَّحْبِيسِ الثَّابِتِ لَا يُوجِبُ أَنْ يُسْأَلَ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ وَلَا يُعْتَقَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتًا وَلَا عَقْلًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ بِالتَّحْبِيسِ مِلْكَ الْمُحْبِسِ لِمَا حَبَسَهُ وَيَحُوزُ مَا أَثْبَتَ تَحْبِيسَهُ حِيَازَةً صَحِيحَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا أَصْلٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْنِي أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مِلْكٌ لَا يَدَّعِيه يُكَلَّفُ إثْبَاتَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ وَيَحُوزَهُ وَلَا يُلْزَمُ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ إذَا قَضَى بِبَقَاءِ الْمِلْكِ بِيَدِهِ وَحَكَمَ بِقَطْعِ الِاعْتِرَاضِ عَنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ مَا ادَّعَى شِرَاءَهُ إذَا مَضَى مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ مَا صَدَقَ فِيهِ الْمُبْتَاعُ عَلَى أَدَاءِ ثَمَنِ مَا ابْتَاعَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ لَمْ يَحْكُمْ لِلْمُدَّعِي أَيْضًا بِالثَّمَنِ حَتَّى يَرْجِعَ عَمَّا ادَّعَاهُ مِنْ التَّحْبِيسِ إلَى تَصْدِيقِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْ وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ وَاضِعُ الْيَدِ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ الْقَائِمُ الْمِلْكَ. وَمِنْهَا حُكْمُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الرَّهْنِ وَمِنْهَا الْقَضَاءُ بِالتَّارِيخِ السَّابِقِ وَمِنْهَا إذَا جُهِلَ السَّابِقُ مِنْ تَارِيخِ الشِّرَاءِ أَوْ الْحَبْسِ قُضِيَ بِتَارِيخِ الشِّرَاءِ وَبَطَلَ الْحَبْسُ وَأَفْتَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا جَهِلَ التَّارِيخَ قَدَّمَ الْحَبْسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ) ش يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ إذَا حَازَ الْعَقَارَ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ هَلْ تَكُونُ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ فِي حَقِّهِ عَشْرُ سِنِينَ كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ عَشْرُ سِنِينَ

وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ قَدْرَ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَهُمَا فِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ أَنَّ الْعَشْرَ سِنِينَ حِيَازَةٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حِيَازَةً وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ (الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعَهُمَا أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْقَرَابَةِ الشُّرَكَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الْقَرَابَةِ الشُّرَكَاءِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيكٍ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَهُ مَرَّةً كَالْقَرِيبِ الشَّرِيكِ قَالَ فَيَكُونُ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ إلَى أَنَّهُ لَا حِيَازَةَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَعَ الطُّولِ الْكَثِيرِ وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْمَذْكُورِ وَمَرَّةً رَآهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى. (قُلْت) فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ حُكْمَ الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيكٍ كَحُكْمِ الْقَرِيبِ الشَّرِيكِ هُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِهِ أَنَّهُ نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَتَأَمَّلْهُ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الْقَرَابَةِ سَوَاءٌ كَانُوا شُرَكَاءَ أَوْ غَيْرَ شُرَكَاءَ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَمَدِ الطَّوِيلِ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) مُحَصِّلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الْأَقَارِبُ الشُّرَكَاءُ بِمِيرَاثٍ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَكَذَا الشُّرَكَاءُ الْأَجَانِبُ الَّذِينَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فَتَكْفِي الْحِيَازَةُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَإِنْ حَصَلَ هَدْمٌ وَبِنَاءٌ وَغَرْسٌ فَتَكْفِي الْعَشَرَةُ الْأَعْوَامُ فِي الشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَ ذَلِكَ قَوْلَانِ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ الْقَرِيبِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَالْمَوْلَى وَالصِّهْرِ الشَّرِيكَانِ ثَالِثُهَا فِي الصِّهْرِ وَالْمَوْلَى دُونَ الْقَرِيبِ وَفِي كَوْنِ السُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْعَشَرَةِ حِيَازَةً لِمَوْلَى وَصِهْرٍ غَيْرِ شَرِيكَيْنِ أَوْ إنْ هَدَمَ وَبَنَى أَوْ إنْ طَالَ جِدًّا أَقْوَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ إلَّا بِكَهِبَةٍ) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ

سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَتَحْصُلُ الْحِيَازَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَلَوْ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ وَلَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ إلَّا أَنَّهُ إنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْبَيْعِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ حَتَّى اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ مِنْهُ وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنَ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ وَإِنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ قَامَ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ حَقُّهُ وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْكِتَابَةِ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا. ص (وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرَضٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا يَفْتَرِقُ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ إذَا كَانَتْ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَأَمَّا فِي حِيَازَةِ الْقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الدُّورِ وَغَيْرِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْأَقَارِبَ وَالشُّرَكَاءَ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ بِالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الرَّقِيقِ وَالرُّكُوبُ فِي الدَّوَابِّ كَالسُّكْنَى فِيمَا يُسْكَنُ وَالِازْدِرَاعِ فِيمَا يُزْرَعُ قَالَ وَالِاسْتِغْلَالُ فِي ذَلِكَ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الدُّورِ وَكَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِينَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى وَارِثِهِ بَيْنَ الرَّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِالِاعْتِمَارِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَاللِّبَاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ وَإِنَّ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ وَفِي الْإِمَاءِ إذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ وَفِي الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَا يُبْلَغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ إلَى الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ كَمَا يُصْنَعُ فِي الْأُصُولِ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ اللِّبَاسَ فِي الثِّيَابِ كَالسُّكْنَى فِي الدُّورِ وَأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ حِيَازَةٌ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَأَنَّ الِاسْتِقْلَالَ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ بِمَعْنَى قَبْضِ أُجْرَةِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ كَالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ فِي الْعَقَارِ فَلَا تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ فِي الرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ إلَّا بِالِاسْتِغْلَالِ وَيُخْتَلَفُ فِي مُدَّتِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ أَوْ بِالْأُمُورِ الْمُفَوِّتَةِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ وَيُعْلَمُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ ذَلِكَ مُفَوِّتًا بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُفَوِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا مِنْ بَابٍ أَحْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنَّ الْقَرِيبَ لَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِتَسَاوِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الثِّيَابُ يَكْفِي فِي حِيَازَتِهَا السَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ بَلْ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ دُخُولُهَا فِي الْعُرُوضِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (الرَّابِعُ) التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ أَتَمُّ فَائِدَةً فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا طَلَبُ الدَّيْنِ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مِنْ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ الْمَنْسُوبِ لِوَالِدِ ابْنُ فَرْحُونٍ السَّاكِتُ عَنْ طَلَبِ الدَّيْنِ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا قَوْلَ لَهُ وَيُصَدَّقُ الْغَرِيمُ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَلَا يُكَلَّفُ الْغَرِيمُ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِ

مَوْتِهِمْ أَوْ نِسْيَانِهِمْ لِلشَّهَادَةِ انْتَهَى مِنْ مُنْتَخَبِ الْحُكَّامِ لِابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ بْنِ يَاسِينَ فِي مُدَّعِي دَيْنٍ سَلَفَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ إذْ الْغَالِبُ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ السَّلَفُ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَالْبُيُوعَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ. وَقَالَ وَالِدُهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ فِي الْقَضَاءِ فِي شَهَادَةِ الْوَثِيقَةِ وَالرَّهْنِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ (فَرْعٌ) وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْحِيَازَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا قَدِيمًا وَقَامَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ حَقِّهِ وَذَلِكَ الْقِيَامُ بَعْدَ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهَا أَخَذَهُ بِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ أَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِطُولِ الزَّمَانِ كَالثَّلَاثِينَ سَنَةً وَالْأَرْبَعِينَ وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْأَصْلِ إذَا طَالَ زَمَانُهَا هَكَذَا وَمَنْ هِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ حُضُورٌ فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ إلَّا بَعْدَ هَذَا بِطُولِ الزَّمَانِ فَيَقُولُ قَدْ قَضَيْتُك وَبَادَ شُهُودِي بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمِدْيَانِ غَيْرُ الْيَمِينِ. قَالَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَقُومُ عَلَيْهِ الْيَتِيمُ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ وَيُنْكِرُ قَبْضَ مَالِهِ مِنْ الْوَصِيِّ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةٌ يَهْلِكُ فِي مِثْلِهَا شُهُودُ الْوَصِيِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالدَّفْعِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ رَأَيْت جَوَابًا وَأَظُنّهُ لِلْمَازِرِيِّ فِي الدُّيُونِ فَقَالَ إذَا طَالَ الزَّمَانُ عَلَى الطَّالِبِ وَبِيَدِهِ وَثَائِقُ وَأَحْكَامٌ وَهُوَ حَاضِرٌ مَعَ الْمَطْلُوبِ وَلَا عُذْرَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الطَّلَبِ مِنْ ظُلْمٍ وَنَحْوِهِ وَسَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي حَدِّ السُّكُوتِ الْقَاطِعِ لِطَلَبِ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الْوَثَائِقِ وَالْأَحْكَامِ هَلْ حَدُّ ذَلِكَ عِشْرُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ أَوْ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ لِطَلَبِ الطَّالِبِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ مُعَلَّلٌ بِوُجُودِ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ الطَّلَبِ بِالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّلَبِ مَعَ الْحُضُورِ حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ مِنْ الطَّلَبِ كَانَ طُولُ الْمُدَّةِ مَعَ السُّكُوتِ وَالْحُضُورِ دَلَالَةٌ يَقْوَى بِهَا سَبَبُ الْمَطْلُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَلَى خَصْمِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» فَأَطْلَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذِكْرَ الْحِيَازَةِ فَهُوَ عَامٌ فِي كُلِّ مَا يُحَازُ مِنْ رَبْعٍ وَمَالٍ مُعَيَّنٍ وَغَيْرِهِ وَمَنْ اجْتَهَدَ فَحَدَّ فِي الرِّبَاعِ الْعَشْرَ سِنِينَ وَحَّدَ فِي الدَّيْنِ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى حَالِ الطَّالِبِ مَعَ الْمَطْلُوبِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى حَالِهِ كَثْرَةُ الْمُشَاحَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ خَصْمِهِ عَشْرَ سِنِينَ جَعَلَهَا حَدًّا قَاطِعًا وَمَنْ جَعَلَهَا عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثِينَ أَيْ أَنَّهَا أَقْصَى مَا يُمْكِنُ السُّكُوتُ فِي بَيْعِ الْمُتَحَمَّلِ فَجَعَلَهُمَا حَدًّا قَاطِعًا لِأَعْذَارِ الطَّالِبِينَ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْحَالِ أَنَّهُ قَضَاءٌ وَقَدْ قَضَى بِتَغْلِيبِ الْأَحْوَالِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ لَهُ شَيْءٌ تَرَكَ غَيْرَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ الدَّهْرَ الطَّوِيلَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْمِلْكَ وَيَمْنَعُ الطَّالِبَ مِنْ الطَّلَبِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَإِذَا كَانَ طُولُ الْمُدَّةِ مَعَ حُضُورِ الطَّالِبِ وَسُكُوتِهِ مَانِعًا لَهُ مِنْ الطَّلَبِ فَالطَّلَبُ مَمْنُوعٌ فِي سَائِرِ الْمَطَالِبِ دُونَ وَثَائِقَ وَأَحْكَامٍ وَرِبَاعٍ بِدَلِيلِ أَنَّ السُّكُوتَ فِي ذَلِكَ يُعَدُّ كَالْإِقْرَارِ الْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا تِبَاعَةَ وَلَا طَلَبَ (قُلْت) هَذَا الْجَوَابُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا بَعْدَ الثَّلَاثِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِذَا أَجْرَاهُ عَلَى مَسَائِلِ الْحِيَازَةِ فَفِيهَا قَرِيبُ الْقَرَابَةِ وَالْبَعِيدُ وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْمُقَاطِعُ لِقَرِيبِهِ وَالْمُوَاصِلُ لَهُ فَيَجْرِي عَلَيْهَا وَفِي بَعْضِهَا مَا يَبْلُغُ الْخَمْسِينَ وَأَكْثَرَ مَعَ أَنِّي أَحْفَظُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ إذَا تَقَرَّرَ الدَّيْنُ وَثَبَتَ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَالَ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِوَثِيقَةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهِيَ فِي يَدِ الطَّالِبِ وَالطَّلَبُ بِسَبَبِهَا لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِيَدِ رَبِّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ دِينَهُ إذْ الْعَادَةُ إذَا قَبَضَ دَيْنَهُ أَخَذَ عَقْدَهُ أَوْ مَزَّقَهُ بِخِلَافِ إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ بِغَيْرِ عُقُودٍ وَلَوْ وُجِدَتْ بِغَيْرِ الْمَطْلُوبِ وَإِلَّا فَفِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ

مسألة تركت بعض ما أصدقها والد زوجها حتي مات ثم أرادت المرأة أخذها فمنعها ورثة الحمو

وَخَرَّجَهُمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الرَّهْن إذَا وُجِدَ بِيَدِ الرَّاهِنِ هَلْ هُوَ إبْرَاءٌ لَهُ أَمْ لَا؟ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ وَسُقُوطِهِ أَوْ التَّسَوُّرِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقِيَاسُهُ عَلَى بَابِ الْحِيَازَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ تَرْجِيحَ الْحِيَازَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ أَصْلُهُ بِكِرَاءٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَزَالُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَالدَّيْنُ إنْ ثَبَتَ أَصْلُهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا ذَكَرَهُ خِلَافًا لِقَوْلِ الْغَيْرِ وَعَلَيْهِ جَرَى عَمَلُ الْقُضَاةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِتُونُسَ مَا لَمْ تَقْتَرِنْ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الدَّيْنِ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا فِي الْبَرَاءَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَيُشِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَوْلِهِ: وَقِيَاسُهُ عَلَى بَابِ الْحِيَازَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ تَرْجِيحَ الْحِيَازَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ إلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلْنَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ وَكَلَامَهُ عَلَيْهَا وَنَصّهَا. [مَسْأَلَة تَرَكَتْ بَعْض مَا أصدقها وَالِد زَوْجهَا حتي مَاتَ ثُمَّ أَرَادَتْ الْمَرْأَة أَخَذَهَا فمنعها ورثة الحمو] مَسْأَلَةٌ قَالَ يَحْيَى وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَنْ ابْنِهِ مَنْزِلًا فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُهُ بِالْمَرْأَةِ أَخَذَتْ الْمَنْزِلَ إلَّا حُقُولًا يَسِيرَةً تَرَكَتْهَا فِي يَدِ حَمُوهَا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ ثُمَّ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَخْذَهَا فَمَنَعَهَا وَرَثَةُ الْحَمْوِ وَقَالُوا قَدْ عَايَنْتهَا زَمَانًا مِنْ دَهْرِك وَهِيَ فِي يَدِهِ وَلَا تَشْهَدِي عَلَيْهِ بِعَارِيَّةٍ وَلَا كِرَاءٍ وَلَا نَدْرِي لَعَلَّك أَرْضَاك مِنْ حَقِّك أَتَرَى لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حَقًّا؟ قَالَ: نَعَمْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ تِلْكَ الْحُقُولَ الَّتِي هِيَ مِمَّا كَانَ أَصْدَقَهَا الْحَمْوُ عَنْ ابْنِهِ وَلَا يَضُرُّهَا طُولُ مَا تَرَكَتْ ذَلِكَ فِي الْحَمْوِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِالصَّدَقَةِ فَتَلْزَمُ حِيَازَتُهَا وَإِنَّمَا الصَّدَاقُ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَتْ كُلَّ مَا أَصْدَقَهَا فِي يَدِ الْحَمْوِ لَمْ يَضُرَّهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ بَيِّنَةٌ لَا إشْكَالَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ لِأَنَّ حَقَّهَا تَرَكَتْهُ فِي يَدِ حَمُوهَا فَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» وَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَجْهِ الْحِيَازَةِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا الْحَائِزُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَرَابَةِ وَالْأَجْنبِيِّينَ وَالْأَصْهَارِ فِيهَا إذْ قَدْ عُرِفَ وَجْهُ كَوْنِ الْأَحْقَالِ بِيَدِ الْحَمْوِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ حَتَّى يُعْرَفَ مَصِيرُهَا إلَيْهِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَائِزَ لَا يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ إلَّا إذَا جَهِلَ أَصْلَ مَدْخَلِهِ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِالْحِيَازَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [بَاب أَحْكَامَ الدِّمَاءِ وَأَحْكَامَ الْقِصَاصِ] ص (بَابٌ إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ إلَخْ) ش: هَذَا بَابٌ يَذْكُرُ فِيهِ الْمُصَنِّفُ أَحْكَامَ الدِّمَاءِ وَأَحْكَامَ الْقِصَاصِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَهُوَ بَابٌ مُتَّسِعٌ

فرع قتل القاتل قصاصا

مَتْرُوكٌ يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ إجْمَاعَ الْمِلَلِ عَلَى حِفْظِ الْأَدْيَانِ وَالنُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْأَنْسَابَ عِوَضَ الْأَمْوَالِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْهَا وَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَإِنْفَاذِ الْوَعِيدِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأُخِذَ لِمَالِكٍ الْقَوْلَانِ فَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ. عَدَمُ الْقَبُولِ. وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: لِيُكْثِرَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالصَّدَقَةِ وَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ. الْقَبُولُ. وَاخْتُلِفَ فِي تَخْلِيدِهِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَخْلِيدِهِ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَخْذَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ التَّوْبَةَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرِيٌّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الْإِمَامَةِ عَدَمُ قَبُولِ التَّوْبَةِ. وَنَصُّ كَلَامِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَتْلُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْهُ وَفِي قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْهُ وَإِنْفَاذِ وَعِيدِهِ مَذْهَبَا الصَّحَابَةِ. وَإِلَى إنْفَاذِ وَعِيدِهِ ذَهَبَ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ (قُلْت) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِعَدَمِ رَفْعِ سَابِقِ حُرْمَتِهِ وَقَبُولِ التَّوْبَةِ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَقَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَوْلُ مَالِكٍ لِيُكْثِرَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالصَّدَقَةَ وَالْحَجَّ وَالْجِهَادَ وَيَلْزَمَ الثُّغُورَ مَنْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْقَوَدُ. دَلِيلٌ عَلَى الرَّجَاءِ عِنْدَهُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ. خِلَافُ قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ قَالَ وَالْقَوْلُ بِتَخْلِيدِهِ خِلَافُ السُّنَّةِ وَمِنْ تَوْبَتِهِ عَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ قَوَدًا وَدِيَةً اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَيْضًا فِي التَّعْلِيلِ لِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ رَدَّ التَّبِعَاتِ. وَرَدُّ الْحَيَاةِ عَلَى الْمَقْتُولِ مُتَعَذِّرٌ إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ الْمَقْتُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ إذَا سُئِلَ عَنْ تَوْبَتِهِ سَأَلَ هَلْ قَتَلَ أَمْ لَا وَيُطَاوِلُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَالَ لَا تَوْبَةَ. وَإِلَّا قَالَ لَهُ التَّوْبَةُ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْفَتْوَى انْتَهَى. وَانْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى حَدِيثِ أُسَامَةَ وَالْمِقْدَادِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْأَبِيِّ وَعِيَاضٍ وَالْقُرْطُبِيِّ [فَرْعٌ قُتِلَ الْقَاتِلُ قِصَاصًا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ قُتِلَ الْقَاتِلُ قِصَاصًا قِيلَ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» وَقِيلَ لَيْسَ بِكَفَّارَاتٍ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْقِصَاصِ بَلْ مَنْفَعَتُهُ لِلْأَحْيَاءِ زَجْرًا أَوْ تَشَفِّيًا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةُ. (فَائِدَتَانِ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} [المائدة: 32] الْآيَةَ. فِيهَا سُؤَالٌ وَهُوَ وَجْهُ تَشْبِيهِ قَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بِقَتْلِ جَمِيعِ النَّاسِ وَإِحْيَائِهَا بِإِحْيَاءِ جَمِيعِ النَّاسِ؟ وَالتَّشْبِيهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَقَارِبِينَ جِدًّا وَقَتْلُ جَمِيعِ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بُعْدًا شَدِيدًا وَكَذَلِكَ إحْيَاؤُهَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْجَوَابِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ إمَامٌ مُقْسِطٌ أَوْ حَاكِمٌ عَدْلٌ أَوْ وَلِيٌّ تُرْتَجَى بَرَكَتُهُ

أركان القصاص في القتل

الْعَامَّةُ فَلِعُمُومِ مَنْفَعَتِهِ كَأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهُمْ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ وَإِلَّا فَالتَّشْبِيهُ مُشْكِلٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا كَانَ قَتْلُ جَمِيعِ النَّاسِ لَا يَزِيدُ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى عُقُوبَةِ قَاتِلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ شَبَّهَهُ بِهِ. قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ تَفَاوُتُ الْعُقُوبَاتِ بِتَفَاوُتِ الْجِنَايَاتِ وَلِذَا تَوَعَّدَ اللَّهُ قَاتِلَ الْوَاحِدِ بِعَذَابٍ عَظِيمٍ وَعِيدُهُ، اعْتَقَدْنَا مُضَاعَفَتَهُ فِي حَقِّ الِاثْنَيْنِ فَكَيْفَ بِجَمِيعِ النَّاسِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. (الثَّانِيَةُ) قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] قِيلَ الْخِطَابُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا اقْتَصُّوا فَقَدْ سَلِمُوا وَحَيُوا بِدَفْعِ شَرِّ هَذَا الْقَاتِلِ عَنْهُمْ الَّذِي صَارَ عَدُوَّهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْخِطَابُ لِلْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُ إذَا اُقْتُصَّ مِنْهُمْ فَقَدْ مُحِيَ إثْمُهُ فَحَيِيَ حَيَاةً مَعْنَوِيَّةً. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فَلَا إضْمَارَ وَقِيلَ الْخِطَابُ لِلنَّاسِ. وَالتَّقْدِيرُ وَلَكُمْ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ يَكُفُّ عَنْ الْقَتْلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْآيَةِ تَقْدِيرٌ أَيْضًا وَيَكُونَ الْقِصَاصُ نَفْسُهُ فِيهِ الْحَيَاةُ. أَمَّا لِغَيْرِ الْجَانِي فَلِانْكِفَافِهِ وَأَمَّا لِلْجَانِي فَلِسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِثْمِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ [أَرْكَان الْقِصَاص فِي الْقَتْل] وَالْقِصَاصُ تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْأَطْرَافِ. وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَالْقَتْلُ فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقَاتِلِ فَقَالَ: إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ إلَخْ. وَإِنَّمَا قَالَ أَتْلَفَ وَلَمْ يَقُلْ قَتَلَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ وَالتَّسَبُّبَ وَالْقَتْلُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ لِلْمُبَاشَرَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَعَمْدُهُمَا كَالْخَطَإِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ذَكَرْتهَا فِي حَاشِيَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ. (تَنْبِيهٌ) الْمَرْفُوعُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ الْإِثْمُ وَهُوَ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا الضَّمَانُ فَهُوَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ. وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ هِيَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ. وَشَرْطٌ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ الْخِطَابُ بِكَثِيرِ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا كَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَيَضْمَنُ النَّائِمُ مَا أَتْلَفَهُ فِي حَالِ نَوْمِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فِي مَالِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الدِّمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعَارِضٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَتَلَ الْمَجْنُونُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُسْلَمُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ يَقْتُلُونَهُ إنْ شَاءُوا قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ لَمْ أَقْتُلْهُ حَتَّى يَصِحَّ لِأَنِّي أَدْرَأُ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا أَقُولُ هَذَا فِي حُقُوقِ النَّاسِ. وَرَدَّ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا هَذَا الْمَجْنُونَ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا أَتْبَعُوهُ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ فَهَلْ يُسْلَمُ لِلْقَتْلِ أَوْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ؟ قَوْلَانِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ انْتَهَى فَسَاوَوْا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الثَّانِي لِابْنِ الْمَوَّازِ (فَرْعٌ) فَلَوْ أُشْكِلَ عَلَى الْبَيِّنَةِ أَقَتَلَ فِي حَالِ عَقْلِهِ أَوْ جُنُونِهِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ شَكٌّ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَشْهَدَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَتَلَ فِي حَالِ كَوْنِهِ فِي عَقْلِهِ. انْتَهَى. وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ السَّكْرَانُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَالرَّقِيقُ وَلِهَذَا بَالَغَ بِهِ فَقَالَ وَإِنْ رَقَّ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ غَيْرُ حَرْبِيٍّ يَعْنِي أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إذَا قَتَلَ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ

فرع الغيلة في الأطراف

بِقَوْلِهِ وَلَا زَائِدَ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ يَعْنِي فَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحُرُّ كَافِرًا وَالْعَبْدُ مُسْلِمًا فَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْكَافِرُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَوْلُهُ أَوْ إسْلَامَ أَيْ فَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا وَالْكَافِرُ حُرًّا قَالَ فِي الْبَيَانِ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُ حِينَ الْقَتْلِ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّكَافُؤِ حِينَ الْقَتْلِ فَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ كَافِرًا قُتِلَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ قَتْلِهِ عَبْدًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي نَصْرَانِيٍّ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا عَمْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ: الْعَفْوُ عَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا صَارَ الْأَمْرُ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ الْآنَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَقْتُولِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلَدًا كَانَ الْقَوَدُ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ إلَّا لِغِيلَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحِرَابَةِ الْغِيلَةُ أَنْ يَخْدَعَ غَيْرَهُ لِيُدْخِلَهُ مَوْضِعًا وَيَأْخُذَ مَالَهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَتْلُ الْغِيلَةِ حِرَابَةٌ وَهُوَ قَتْلُ الرَّجُلِ خُفْيَةً لِأَخْذِ مَالِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَتْلُ الْغِيلَةِ هُوَ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ خُفْيَةً فَإِذَا صَارَ فِيهِ قَتَلَهُ فَهَذَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا عَفْوَ فِيهِ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَظُنُّهُ الْبَوْنِيَّ أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَلَى مَالٍ. قَالَ: وَأَمَّا لِنَائِرَةٍ بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْعَدَاوَةُ فَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: مَا أَظُنُّهُ عَنْ الْبَوْنِيِّ مِثْلُهُ نَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ الْعُتْبِيَّة وَالْمَوَّازِيَّةِ وَذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُتَقَدِّمَ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْبَاجِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هُوَ الْقَتْلُ عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَقَبِلَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ انْتَهَى. وَقَالَ عِيَاضٌ يَعْنِي اغْتَالَهُ لِأَخْذِ مَالِهِ وَلَوْ كَانَ لِنَائِرَةٍ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ فِيهِ جَائِزٌ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَهُوَ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحَارِبٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَالِ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ مَرِضَ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ أَنَّ قَتْلَ الْغِيلَةِ هُوَ الْقَتْلُ عَلَى مَالٍ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْغِيلَةُ فِي الْأَطْرَافِ] (فَرْعٌ) وَالْغِيلَةُ فِي الْأَطْرَافِ كَالْغِيلَةِ فِي النَّفْسِ قَالَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ عَلَى وَجْهِ الْغِيلَةِ فَلَا قِصَاصَ لَهُ وَالْحُكْمُ لِلْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْغِيلَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هُنَا فَرْعٌ اُخْتُلِفَ إذَا قَامَ بِقَتْلِ الْغِيلَةِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ هَلْ فِيهِ قَسَامَةٌ أَمْ لَا اُنْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَتَلَ وَلِيَّهُ غِيلَةً فَصَالَحَ فِيهِ عَلَى الدِّيَةِ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ وَالْحُكْمُ فِيهِ لِلْإِمَامِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الرُّكْنِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ مَعْصُومًا يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا وَظَاهِرُهُ وَسَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ أَمْ لَا. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى وَعِيسَى وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الدِّيَاتِ فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ فِيمَنْ أَجْهَزَ عَلَى مَنْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ شَخْصٌ آخَرُ هَلْ يُقْتَلُ بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ قَوْلَيْنِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ أَنْفَذَ وَاحِدٌ مَقَاتِلَهُ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ ثَانٍ قُتِلَ وَعُوقِبَ الْأَوَّلُ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. ص (وَأُدِّبَ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ أُحْصِنَ) ش: وَكَذَا الْمُحَارِبُ وَالزِّنْدِيقُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَتَلَ زِنْدِيقًا. اللَّخْمِيُّ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَلَا دِيَةَ لَهُمْ إنْ قُتِلُوا خَطَأً وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُ دِيَتُهَا فَعَلَيْهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي هَذَيْنِ إنْ قُتِلَا خَطَأً وَإِنْ قُطِعَ لَهُمَا عُضْوٌ فَلَهَا الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْعُضْوِ قَالَ عِيسَى مَنْ اغْتَاظَ مِنْ ذِمِّيٍّ يَشْتُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ شَتْمًا يُوجِبُ قَتْلَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ وَضُرِبَ مِائَةً وَسُجِنَ عَامًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصَّ عَلَى نَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ قَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ نَصْرَانِيًّا اهـ. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَبُولِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ دِيَةَ الْمُرْتَدِّ كَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى هُنَا الْقِصَاصَ وَالْكَلَامُ هُنَاكَ فِي

تنبيه جرح العبد مثله أو قتله

الدِّيَاتِ وَنَفْيُ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ وَأَمَّا الزَّانِي الْمُحْصَنُ فَلَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَكَأَنَّ قَاتِلَهُ قَتَلَ كَافِرًا مُحَرَّمَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي مِقْدَارِ أَدَبِهِمْ فَمَنْ طُلِبَ السَّتْرُ عَلَيْهِ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ تَكُونُ الْجُرْأَةُ عَلَى الْقَاضِي بِقَتْلِهِ أَكْثَرَ وَكُفْرُ الزَّنْدَقَةِ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الِارْتِدَادِ الظَّاهِرِ انْتَهَى. يَعْنِي فَيَكُونُ الْأَدَبُ فِي كُفْرِ الِارْتِدَادِ أَشَدَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُنْصِفُهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ حَقِّهِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الَّذِي يَقْتُلُ وَلِيَّهُ رَجُلٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَقْتُلُ الْوَلِيُّ قَاتِلَ وَلِيِّهِ غِيلَةً أَوْ بِاحْتِيَالٍ أَنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ يُنْصِفُهُ فَهُوَ يَأْخُذُ حَقَّهُ بِنَفْسِهِ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ تَجْرِي عِنْدِي عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لَوْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَفْعَلْ غَيْرَهُ هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَفَعَ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. ص (فَالْقَوَدُ عَيْنًا) ش: يَعْنِي إذَا وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ الْقَوَدُ أَيْ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوا عَلَى الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْجِرَاحِ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ الْوَاجِبُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الدِّيَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الدِّيَةَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ» وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ بِتَخْيِيرِ الْأَوْلِيَاءِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الدِّيَةِ فَإِنْ طَلَبَ الْأَوْلِيَاءُ مِنْهُ الدِّيَةَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ مَلِيًّا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ وَقَاتِلُ الْعَمْدِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْأَوْلِيَاءُ الدِّيَةَ فَيَأْبَى إلَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْقَتْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ مَلِيًّا لِأَنَّهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ لِيَتْرُكَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ مَضَارُّ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأَوْلِيَاءِ إنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوا فَلِيَقْتُلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي النَّفْسِ وَأَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ فَيُوَافِقُ أَشْهَبُ الْمَشْهُورَ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ التَّخْيِيرُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ كَالنَّفْسِ وَفَرَّقَ الْبَاجِيُّ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ بِأَنَّ الْجَارِحَ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَالْقَاتِلُ إنَّمَا يَتْرُكُ الْمَالَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَضَارُّ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الدِّيَةِ انْتَهَى. وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ النَّاسِ وَارِثُهُ أَعَزُّ عِنْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. [تَنْبِيه جَرَحَ الْعَبْدُ مِثْلَهُ أَوْ قَتَلَهُ] (تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَا إذَا جَرَحَ الْعَبْدُ عَبْدًا مِثْلَهُ أَوْ قَتَلَهُ فَإِنَّ لِسَيِّدِ الْمَجْرُوحِ أَوْ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتَصَّ لَهُ وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَ الْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ اسْتَحْيَا الْعَبْدُ الْجَانِي خُيِّرَ سَيِّدُهُ فِي فِدَائِهِ بِدِيَةِ الْحُرِّ أَوْ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَفِي إسْلَامِهِ وَفِي الْجِرَاحِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ ذَلِكَ الْجُرْحِ إنْ كَانَ لَهُ أَرْشٌ مُسَمًّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ مُسَمًّى فَإِنْ حَصَلَ عَنْهُ عَيْبٌ خُيِّرَ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ بِمَا يُوجِبُهُ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ عَيْبٌ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا نَاقِصًا جَرَحَ كَامِلًا. (تَنْبِيهٌ) فَإِذَا جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا وَبَرِيءَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يُدْعَى الْجَارِحُ فَيُقَالُ: صِفْ الْجُرْحَ وَاحْلِفْ عَلَى مَا ذَكَرْت فَإِنْ امْتَنَعَ فَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ لِلسَّيِّدِ صِفْ الْجُرْحَ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ سَوَاءً أَرَادَ الْقِصَاصَ أَوْ أَرَادَ أَخْذَ الْأَرْشِ أَوْ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ قِيلَ لِلْعَبْدِ صِفْ الْجُرْحَ وَاقْتَصَّ وَإِنْ أَرَادَ الْأَرْشَ قِيلَ لِلسَّيِّدِ صِفْ الْجُرْحَ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَامَ لِلْعَبْدِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْجُرْحِ فَهَلْ يَحْلِفُ السَّيِّدُ مَعَهُ مُطْلَقًا سَوَاءً أَرَادَ الْقِصَاصَ أَوْ الْأَرْشَ قَالَ فِي

فرع شهدت البينة على الجرح ولم تعرف قدره أو اسمه أو كتبته في ورقة وضاعت

الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ جِنَايَاتِ الْعَبْدِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ أَوْ يُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَالْمُغِيرَةِ انْتَهَى. وَسُئِلْت عَنْ ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ ضَرَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِعَصَا عَلَى حَاجِبِ عَيْنِهِ فَشَجَّهُ وَأَسَالَ دَمَهُ بِجُرْحِ الْعَصَا فَضَرَبَهُ الْآخَرُ بِجَنْبَيْهِ تَحْتَ ثَدْيِهِ فَهَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ مِنْ جَارِحِهِ أَمْ لَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ إلَّا الْأَرْشُ أَمْ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي جُرْحِ الْعَصَا وَالْقِصَاصُ فِي جُرْحِ الْآخَرِ؟ وَإِذَا انْدَمَلَ الْجُرْحَانِ قَبْلَ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَجِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ سَيِّدِ الْعَبْدَيْنِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِمِقْدَارِ عَرْضِ جُرْحِ عَبْدِهِ فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجِبُ بِالدَّعْوَى فِي الْجِرَاحَةِ أَنْ يُعَيَّنَ عَرْضُهَا وَقَدْرُهَا أَمْ لَا؟ فَأَجَبْت لِسَيِّدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ جَارِحِ عَبْدِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ الْجَارِحَ لِعَبْدِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ بِأَرْشِ ذَلِكَ الْجُرْحِ إنْ كَانَ لَهُ أَرْشٌ مُسَمًّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ مُسَمًّى فَإِنْ بَرِيءَ الْجُرْحُ عَلَى شَيْنٍ فَمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ الشَّيْنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْنٌ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجُرْحُ بِعَصَا أَوْ بِغَيْرِهَا وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا لَا قِصَاصَ فِي ضَرْبَةِ الْعَصَا إنَّمَا يُرِيدُونَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهَا جُرْحٌ وَإِذَا انْدَمَلَ الْجُرْحَانِ قَبْلَ الْقِصَاصِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْجَارِحِ صِفْ قَدْرَ الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحْته وَغَوْرَهُ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُك غَيْرُهُ فَإِنْ أَبَى لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَجْرُوحِ الْأَرْشَ قِيلَ لَهُ صِفْ الْجُرْحَ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُك غَيْرُهُ وَإِنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَحْلِفُ هُوَ أَوْ يَحْلِفُ الْعَبْدُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَامَ لِلْعَبْدِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْجُرْحِ فَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ الْحَلِفِ لَمْ يَجِبْ مِنْ الْجِرَاحِ إلَّا مَا لَا يُشَكُّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْجُرْحِ وَلَمْ تَعْرِفْ قَدْرَهُ أَوْ اسْمَهُ أَوْ كَتَبَتْهُ فِي وَرَقَةٍ وَضَاعَتْ] (فَرْعٌ) فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْجُرْحِ وَلَمْ تَعْرِفْ قَدْرَهُ أَوْ اسْمَهُ أَوْ كَتَبْته فِي وَرَقَةٍ وَضَاعَتْ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةٍ: مَنْ يَسْتَقِيدُ لِلْمَجْرُوحِ؟ وَكَيْفَ يُقَادُ مِنْ الْجِرَاحِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ؟ قَالَ أَشْهَبُ وَإِذَا جَرَحَهُ مُوضِحَةً وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَا يُدْرَى كَمْ طُولُهَا فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ مُوضِحَةٌ وَلَيْسَ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْقَوَدُ فَلْيُوقَفْ الشُّهُودُ عَلَى أَقَلِّ مُوضِحَةٍ فَإِنْ وَقَفُوا عِنْدَهُ لَمْ يُجَاوِزْهُ وَحُلِّفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ وَقِيدَ مِنْهُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُلِّفَ الْآخَرُ وَاسْتَقَادَ مَا ادَّعَى. قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَمْ يُؤْخَذْ قِيَاسُ الْجُرْحِ حَتَّى بَرِيءَ فَلِيُدْعَ الْجَارِحُ فَيُوصَفُ قَدْرُ ضَرْبَتِهِ وَأَيْنَ بَلَغَتْ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِفْ وَأَبَى قِيلَ لِلْمَجْرُوحِ صِفْ ذَلِكَ وَاحْلِفْ فَيَحْلِفُ وَيُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ وَإِنْ أَبَى نُظِرَ إلَى مَا لَا يُشَكُّ فَاقْتُصَّ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْرُوحِ عَمْدًا يَكْتُبُ قِيَاسَ جُرْحِهِ حَتَّى يَبْرَأَ فَيَذْهَبَ الْكِتَابُ وَلَا تُثْبِتُ الْبَيِّنَةُ طُولَهُ وَغَوْرَهُ وَقَدْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ عَيْبٌ أَوْ شَلَلٌ فَلْيَسْتَنْزِلْ الْبَيِّنَةَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْجُرْحِ إلَى مَا لَا يَشُكُّونَ فِيهِ فَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى أَمْرٍ اقْتَصَّ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ فَإِنْ عَابَهُ أَوْ أَشَلَّهُ كَالْأَوَّلِ وَإِلَّا عَقَلَ لَهُ الْعَيْبَ وَالشَّلَلَ قِيلَ أَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الَّذِي عَقَلَ جُرْحَهُ وَعَرَفَ طُولَ غَوْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ غَوْرَهُ؟ قَالَ نَعَمْ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ كِتَابَ الشَّهَادَاتِ فَفِيهِ بَعْضُ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا ص (وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلْتَنِي أَبْرَأْتُك) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ قَالَ لِلْقَاتِلِ إنْ قَتَلْتَنِي أَبْرَأْتُك أَوْ قَدْ وَهَبْت

لَك دَمِي فَقَوْلَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحْسَنُهُمَا أَنْ يُقْتَلَ بِخِلَافِ عَفْوِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَوْ أَذِنَ فِي قَطْعِ يَدِهِ عُوقِبَ وَلَا قِصَاصَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الَّذِي نَسَبَهُ الْمُؤَلِّفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ فِي الْعُتْبِيَّة لِسَحْنُونٍ وَذَكَرَ لَفْظَ الْعُتْبِيَّة ثُمَّ قَالَ وَزَادَ فِي الْبَيَانِ ثَالِثًا فَنَفَى الْقِصَاصَ لِشُبْهَةِ عَفْوِ الْقِصَاصِ مِنْ الْمَقْتُولِ وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَفْظَ الْعُتْبِيَّة وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ لَفْظِ سَحْنُونٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الصَّقَلِّيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ نَفْيَ الْقِصَاصِ خِلَافَ اخْتِيَارِهِ فِي الْعُتْبِيَّة وَنَصَّهُ. قَالَ الصَّقَلِّيُّ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا وَلَا جَعْلَ لَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لِلْأَوْلِيَاءِ قَتْلُهُ. قَالَ وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي وَلَك كَذَا أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَتَلَهُ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ وَكَذَا السَّيِّدُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ فَالصَّوَابُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَحْرِقْ ثَوْبِي فَفَعَلَ فَلَا غُرْمَ. الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدِي أَوْ يَدَ عَبْدِي عُوقِبَ الْمَأْمُورُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قِيلَ لِسَحْنُونٍ أَصْبَغُ يَقُولُ يَغْرَمُ قَاتِلُ الْعَبْدِ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ قِيمَتَهُ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ عَرَّضَهُ لِلتَّلَفِ وَالْعَبْدُ مَالٌ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا شَيْءٌ وَيُضْرَبُ الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُسْجَنُ وَيُؤَدَّبُ الْآمِرُ أَدَبًا مُوجِعًا ابْنُ رُشْدٍ لِأَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ هُنَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا أَغْرَمْته لِحُرْمَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ يُضْرَبُ السَّيِّدُ وَالْقَاتِلُ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُسْجَنَانِ عَامًا وَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ إنَّمَا أُغَرِّمُهُ الْقِيمَةَ لِحُرْمَتِهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ إغْرَامَهُ الْقِيمَةَ لِحُرْمَتِهِ لَيْسَ عَلَى قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ بِالْأَمْوَالِ وَإِذَا عُوقِبَ الْقَاتِلُ بِغُرْمِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ أَنْ لَا يُعْطِيَ الْقِيمَةَ لِحُرْمَتِهِ بِالْأَمْرِ بِقَتْلِ عَبْدِهِ وَلَوْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا أُغَرِّمُهُ الْقِيمَةَ لِإِسْقَاطِ سَيِّدِ الْعَبْدِ إيَّاهَا عَنْهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا لَهُ عَلَيْهِ إذْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ قَتْلِ الْعَبْدِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ لُزُومَ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ انْتَهَى. ص (وَقَتْلُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى كَحُرٍّ كِتَابِيٍّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ) ش: لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى حُرْمَةً وَأَعْظَمُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَانَ مَنْ انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ هُوَ الْأَعْلَى وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ كَوْنَ الْقَاتِلِ زَائِدًا عَلَى الْمَقْتُولِ بِالْحُرِّيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ مَانِعًا نَبَّهَ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْقَاتِلِ أَدْنَى مِنْ الْمَقْتُولِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَدْنَى إذَا قَتَلَ الْأَعْلَى فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ بِفَرْعٍ يَتَرَدَّدُ فِيهِ النَّظَرُ وَهُوَ إذَا قَتَلَ الْحُرُّ الْكِتَابِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْتَلُ الْحُرُّ الْكِتَابِيُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ كَسِلْعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي نَصْرَانِيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا عَمْدًا قَالَ أَرَى أَنْ يُقْتَلَ بِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَهُوَ كَسِلْعَةٍ مِنْ السِّلَعِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ وَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ بِهِ مَعْنَاهُ إنْ أَرَادَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْ الْكِتَابِيِّ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَلَا يَقْتُلَهُ بِهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ بِهِ فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اتِّبَاعِ مَا فِي الْقُرْآنِ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ثُمَّ اسْتَظْهَرَ الْقَوْلَ الثَّانِي وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ الذِّمِّيُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْقِيمَةُ هُنَا كَالدِّيَةِ وَنَصُّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْقِيمَةُ هُنَا كَالدِّيَةِ إلَى أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ الذِّمِّيَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَجَرَى عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ

وَأَشْهَبَ فِي الدِّيَةِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إلَّا قَتْلُ الذِّمِّيِّ أَوْ يَعْفُو وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ هُنَا أَنْ يُلْزِمَ الْحُرَّ الْقِيمَةَ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ إذَا جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا أَوْ قَتَلَهُ أَنَّ سَيِّدَ الْمَجْرُوحِ أَوْ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَقِيدَ أَوْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ الذِّمِّيُّ بَدَلَ الْكِتَابِيِّ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَانَ أَحْسَنَ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ جَعَلَ الْحُرَّ الْكِتَابِيَّ أَدْنَى مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ الْحُرَّ الْكِتَابِيَّ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ مُخَيَّرٌ فِي افْتِكَاكِهِ بِالدِّيَةِ أَوْ إسْلَامِهِ فَيُبَاعُ لِأَوْلِيَائِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُبَاعُ بِدِيَةِ الْحُرِّ الذِّمِّيِّ وَيُبَاعُ لِأَوْلِيَاءِ الذِّمِّيِّ لِعَدَمِ جَوَازِ مِلْكِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا بِيعَ يُدْفَعُ جَمِيعُ الثَّمَنِ لِأَوْلِيَاءِ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ فَضُلَ فَضْلٌ فَلِسَيِّدِهِ أَصْبَغُ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ. ص (وَالْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى عَلَى قَتْلِ الْيَهُودِيِّ بِالْمَجُوسِيِّ وَنَقْصُ الدِّيَةِ لَغْوٌ كَالرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ انْتَهَى. ص (كَذَوِي الرِّقِّ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ جِنَايَاتِ الْعَبِيدِ وَالْقِصَاصُ بَيْنَ الْمُلَّاكِ بَيْنَهُمْ كَهَيْئَتِهِ فِي الْأَحْرَارِ بِنَفْسِ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَجُرْحِهَا كَجُرْحِهِ يُخَيَّرُ سَيِّدُ الْمَجْرُوحِ إنْ شَاءَ اسْتَقَادَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ الْجَانِي سَيِّدُهُ وَإِنْ جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا عَمْدًا. فَقَالَ سَيِّدُ الْمَجْرُوحِ: لَا أَقْتَصُّ وَلَكِنْ آخُذُ الْعَبْدَ الْجَارِحَ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ بِالْأَرْشِ. وَقَالَ سَيِّدُ الْجَارِحِ: إمَّا أَنْ تَقْتَصَّ أَوْ تَدَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سَيِّدِ الْمَجْرُوحِ وَكَذَلِكَ فِي الْقَتْلِ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَاتِلِ قَدْ وَجَبَتْ لِسَيِّدِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ أَوْ أَحْيَاهُ فَإِنْ أَحْيَاهُ صَارَ عَمْدُهُ كَالْخَطَإِ فَيَرْجِعُ الْخِيَارُ إلَى سَيِّدِهِ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْحُرِّ يَقْتُلُ حُرًّا فَيُعْفَى عَنْهُ عَلَى الدِّيَةِ فَيَأْبَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ تُمْلَكُ فَلَمَّا جَازَ قَتْلُهُ وَإِتْلَافُهُ عَلَى سَيِّدِهِ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ وَخُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَالْحُرُّ لَا يُمْلَكُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالِهِ إلَّا بِطَوْعِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَقُولُ أُؤَدِّي قِصَاصِي وَأُبْقِي مَالِي لِوَرَثَتِي وَالْعَبْدُ لَا حُكْمَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَلَا حُجَّةَ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَيْهِ وَأَخْذَهُ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْشَ فَلَا حُجَّةَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُمْ رَفَعُوا عَنْهُ الْقَوَدَ فَصَارَ فِعْلُهُ كَالْخَطَأِ وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهُ تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهِيَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ فَأَمْرُهُمَا مُفْتَرِقٌ انْتَهَى. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ السَّيِّدُ عَبْدًا وَقَتَلَ عَبْدَهُ فَفِي الْقِصَاصِ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا ابْنُ سَلْمُونٍ ثُمَّ قَالَ وَفِي الزَّاهِي لِابْنِ شَعْبَانَ وَمَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا انْتَهَى. ص (وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ عَمْدًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَسَامَةٍ) ش: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَسَامَةٍ مِنْ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّهُ. وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ قَتَلَ حُرًّا عَمْدًا فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ فَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ يَسْتَحْيِيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ مُعَاوَدَةُ الْقَتْلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَالَمًا أَنَّهُ عَفَا إنْ قَتَلَ الْعَبْدَ يَبْطُلُ فَلَا قَتْلَ لَهُ انْتَهَى. وَقَبْلُهُ بِيَسِيرٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ فِي جَسَدِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. قَالَ ابْنُ زِيَادٍ إذَا أَقَرَّ طَائِعًا غَيْرَ مُسْتَرْهَبٍ وَمَا آلَ إلَى غُرْمٍ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى فِعْلِهِ مِثْلُ إقْرَارِهِ بِغَصْبِ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ نَفْسِهَا وَلَمْ تَكُنْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ بِجُرْحٍ أَوْ بِقَتْلٍ أَوْ خَطَإٍ أَوْ بِاخْتِلَاسِ مَالٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ أَوْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَلَا يَصَدَّقُ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا عَتَقَ انْتَهَى. وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ

فرع جنى العبد على سيده

فِي جَوَابِ دَعْوَى الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ وَدَعْوَى الْأَرْشِ عَلَى السَّيِّدِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ يَلْزَمُهُ وَمَا كَانَ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا إقْرَارَ لَهُ يُرِيدُ إلَّا الْمَأْذُونَ فَإِنَّ إقْرَارَهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ أَوَّلُ الْإِقْرَارِ وَالشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ جَنَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِ بِالْأَصَالَةِ فَلَا يُقَالُ يَكُونُ لَهُ رَهْنًا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ وَعَلَى أَجْنَبِيٍّ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ فِي أَنْ يَفْتِكَهُ كُلَّهُ بِدِيَةِ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَبَيْنَ إسْلَامِهِ كُلِّهِ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يُقَاصُّهُ بِجِنَايَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَقَاسَ عَلَيْهِ أَشْهَبُ عَبْدَ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ يَضْرِبُ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا. أَنَّ الْمَرْأَةَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تَدْفَعَ إلَى زَوْجِهَا مَا يُصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ الْجَنِينِ وَتَحْبِسُ الْعَبْدَ وَبَيْنَ أَنْ تَدْفَعَ جَمِيعَ الْعَبْدِ. قَالَ: وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى سَيِّدَتِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ وَعَلَى أَجْنَبِيٍّ مَعَهُ انْتَهَى. ص (خُيِّرَ الْوَلِيُّ) ش: يَعْنِي يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدَ أَوْ يَسْتَحْيِيَهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْعَبْدُ الْقَتْلَ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَحْيَاهُ خُيِّرَ سَيِّدُهُ فِي إسْلَامِهِ أَوْ فِدَائِهِ فَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدُهُ فِدَاءَهُ فَإِنَّهُ يَفْدِيه بِدِيَةِ الْحُرِّ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ جِنَايَاتِ الْعَبِيدِ مِنْهَا وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ وَهَذَا الْكَلَامُ لَا إشْكَالَ فِيهِ عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ فِي الْحُرِّ يَقْتُلُ الْحُرَّ أَنَّ لِوُلَاةِ الدَّمِ أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُلْزِمُوهُ الدِّيَةَ وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ الَّذِي يَقُولُ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا الْقَتْلُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُلْزِمُوهُ الدِّيَةَ فَقَدْ يُفَرَّقُ لَهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُرِّ هُوَ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ وَلَهُ فِي التَّمَسُّكِ بِمَالِهِ غَرَضُ إرَادَةِ غِنَى وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَالْمَطْلُوبُ هُنَا غَيْرُ الْقَاتِلِ وَهُوَ السَّيِّدُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخْتَارُهُمَا وَلِيُّ الدَّمِ بَلْ لَهُ إنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الِاسْتِحْيَاءَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا هُوَ أَخَفُّ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْد وَإِنَّ شَاءَ دَفَعَ دِيَتَهُ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَخْيِيرَ وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ فِي قَتْلِهِ وَاسْتِحْيَائِهِ جَارِيًا عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ فِي جَبْرِ الْحُرِّ عَلَى الدِّيَةِ غَيْرَ جَارٍ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ وَأَجَابَ بِأَنَّ جَبْرَ الْحُرِّ عَلَى الدِّيَةِ يَضُرُّ بِهِ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا قَدْ يُرَجِّحُ مَصْلَحَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَطْلُوبُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ غَيْرُ الْقَاتِلِ وَهُوَ السَّيِّدُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخْتَارُهُمَا الْوَلِيُّ انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ الْمَطْلُوبُ فِي مَسْأَلَة الْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ ضَرُورَةً إذْ لَا طَلَبَ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحُرَّ يُجْبَرُ عَلَى أَمْرٍ يَتَكَلَّفُهُ وَهُوَ الدِّيَةُ وَالْعَبْدُ لَا يُكَلَّفُ بِشَيْءٍ وَبِأَنَّ لِلْوَلِيِّ حُجَّةٌ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ أَنَفَتُهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي دَمِ وَلِيِّهِ دَمَ عَبْدٍ وَهُوَ لَا يُكَافِئُهُ انْتَهَى. أَمَّا تَفْرِقَةُ ابْنِ عَرَفَةَ الْأُولَى فَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ حَذْفِهِ مِنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْقَاتِلُ وَفِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ الْقَاتِلِ وَهُوَ السَّيِّدُ وَرُدَّ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَلَامِهِ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ (الْمَطْلُوبُ) الْمَطْلُوبُ بِالدَّمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يُرِدْ هَذَا لِوُضُوحِهِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْقَوَدُ وَإِنَّمَا عَنَى بِالْمَطْلُوبِ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْمَالُ فَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُرِّ الْقَاتِلُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِإِسْلَامِ الْعَبْدِ أَوْ فِدَائِهِ وَهُوَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ إسْلَامَهُ لِوَلِيِّ الدَّمِ مِلْكًا مُسَاوٍ لِقَتْلِهِ وَهُوَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ كَذِي الرِّقِّ فَرَاجِعْهُ. وَتَفْرِقَةُ ابْنِ عَرَفَةَ الثَّانِيَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِحُّ لَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ أَيْ تَخْيِيرُ الْوَلِيِّ خَاصًّا بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ قَتْلِ الْعَبْدِ عَمْدًا وَاخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ الدِّيَةُ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ عَمْدًا وَاخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ الدِّيَةُ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ اصْطِدَامِ الْعَبْدِ مَعَ الْحُرِّ تَدُلُّ عَلَى

مسألة جرحه عبد ثم أبق فقال لسيد العبد إما أن تدفع الدية أو تخلي بيني وبين العبد

الْحُلُولِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ اصْطَدَمَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَثَمَنُ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ وَدِيَةُ الْحُرِّ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ لَكِنْ تَبِعَ الْمُؤَلِّفُ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ يَعْنِي إنْ مَاتَا فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ كَانَ الزَّائِدُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْحُرِّ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ مَالٌ فَيَكُونَ بَقِيَّةُ الْعَقْلِ فِي مَالِهِ وَأَخَذَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ هُنَا أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ أَنَّهَا عَلَى الْحُلُولِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ حَالَّةٌ فَلَمَّا قَالَ يَتَقَاصَّانِ وَلَمْ يَقُلْ يَأْخُذُهَا وَيُؤَدِّي السَّيِّدُ الدِّيَةَ الَّتِي جَنَاهَا عَبْدُهُ مُنَجَّمَةً دَلَّ عَلَى أَنَّهَا حَالَّةٌ وَقَالَ أَصْبَغُ بِخِلَافِ هَذَا وَهُوَ أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْحُرِّ خَطَأٌ بَيِّنٌ أَنْ يُسْلِمَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِهَا مُنَجَّمَةً انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ جَرَحَهُ عَبْدٌ ثُمَّ أَبَقَ فَقَالَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ إمَّا أَنْ تَدْفَعَ الدِّيَة أَوْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَبْدَ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدٍ جَرَحَ رَجُلًا ثُمَّ أَبَقَ فَقَالَ الْمَجْرُوحُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ: إمَّا أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ قِيمَةَ جُرْحِي وَإِمَّا أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَطْلُبُهُ فَإِنْ وَجَدْته فَهُوَ لِي. قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ إنْ وَجَدَهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْجُرْحِ لَمْ يَدْرِ لَعَلَّ الْعَبْدَ قَدْ مَاتَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَهُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِ بَيِّنٌ وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُرْجَأَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْعَبْدُ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي صِحَّةَ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي مَسْأَلَة التَّفْلِيسِ اهـ. وَمَسْأَلَةُ التَّفْلِيسِ تَقَدَّمَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة الْعَبْدُ يَقْتُلُ الْحُرَّ عَمْدًا فَيُسْلَمُ إلَى وَلِيِّهِ فَيَسْتَحْيِيه أَيُبَاعُ عَلَيْهِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْجِنَايَاتِ وَسُئِلَ الْعَبْدُ يَقْتُلُ الْحُرَّ عَمْدًا فَيُسْلَمُ إلَى وَلِيِّهِ فَيَسْتَحْيِيه أَيُبَاعُ عَلَيْهِ قَالَ لَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ إنْ عَفَا عَنْهُ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ قَتَلَ وَلِيُّ الدَّمِ الْعَبْدَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ إنْ اسْتَحْيَاهُ فَإِنْ فَدَاهُ سَيِّدُهُ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ أَسْلَمَهُ فَهَلْ يَتْبَعُهُ مَالُهُ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ فِي الْعُتْبِيَّة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إنْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ جَنَى فَأَرْشُ جِنَايَتِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ أَسْلَمَهُ السَّيِّدُ اُنْظُرْ مَا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ الْبَيَانِ وَأَظُنُّهَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى وَأَصْبَغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَة جَنَى الْعَبْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَزِمَ رَقَبَتَهُ] (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَزِمَ رَقَبَتَهُ فَالْمُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْجَانِي بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ بِمَا اسْتَهْلَكَ أَوْ يَفْتِكَهُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْعَبِيدِ عَلَى الْأَمْوَالِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤْتَمَنُوا عَلَيْهَا أَمْ لَا فَإِنْ ائْتُمِنُوا عَلَيْهَا بِعَارِيَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ اسْتِعْمَالٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ بِالْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بِالْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا إنْ اسْتَهْلَكَهُ بِالِانْتِفَاعِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا فَيَتَعَدَّى عَلَيْهِ فَيَبِيعَهُ وَيَأْكُلَ ثَمَنَهُ أَوْ طَعَامًا فَيَأْكُلَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ. وَأَمَّا جِنَايَتُهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتَمَنُوا عَلَيْهِ فَذَلِكَ فِي رِقَابِهِمْ كَانَتْ لِحُرٍّ أَوْ لِعَبْدٍ يُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْجَانِي بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ بِمَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ يَفْتِكَهُ بِذَلِكَ كَانَ مَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ حُرًّا مَالِكًا لِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ صَبِيًّا مُوَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِ الْعَبْدِ أَوْ وَلِيِّ الْيَتِيمِ انْتَهَى. وَقَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَزَادَ قَالَ ابْنُ حَارِثٍ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْعَبْدِ مِنْ كِتَابِ أُصُولِ الْفُتْيَا لَهُ وَمِنْ حُكْمِ الْعَبْدِ فِي جِنَايَتِهِ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ عَلَى مَالٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَنْ يُخَيَّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ أَنْ يَفْتِكَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَيَبْقَى كَمَا كَانَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي قَضِيَّةِ الْمُزَنِيِّ لَمَّا سَرَقَ عَبِيدُ حَاطِبٍ نَاقَتَهُ وَنَحَرُوهَا وَأَغْرَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَاطِبًا قِيمَتَهَا وَأَضْعَفَهَا مَا نَصَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ كَانَ لِلْعَبِيدِ أَمْوَالٌ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا يَكُونُ غُرْمُهَا فِي أَمْوَالِ الْعَبِيدِ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ وَإِنَّمَا

يَكُونُ فِي رِقَابِهِمْ مَا كَانَ مِنْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا فَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ إسْلَامِهِمْ أَوْ افْتِكَاكِهِمْ بِقِيمَتِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُتْبَعُ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي يُقْطَعُ فِيهَا فِي رِقِّهِ وَلَا عِتْقِهِ وَلَا فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا لِأَنَّ مَالَهُ إنَّمَا صَارَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ انْتَهَى. ص (إنْ قَصَدَ ضَرْبًا) ش: يَعْنِي قَصَدَ ضَرْبَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ضَرْبُهُ وَسَوَاءٌ قَصَدَ الشَّخْصَ الْمَضْرُوبَ نَفْسَهُ أَوْ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ شَخْصًا عُدْوَانًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ أَمَّا لَوْ قَصَدَ ضَرْبَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهُ فَأَصَابَ غَيْرَهُ وَهُوَ خَطَأٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ صِفَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا يَظُنُّهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ فَهُوَ مِنْ الْخَطَإِ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ قَتَلَهُ مُسْلِمُونَ بِعَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظُنُّونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَوَدَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُهْدِرْهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ يُعْهَدْ لِلْقَتْلِ وَلَا لِلضَّرْبِ مِثْلُ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ بِهِ إنْسَانًا فَيَقْتُلَهُ أَوْ يَقْتُلَ الْمُسْلِمَ فِي حَرْبِ الْعَدُوِّ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَافِرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ قَتْلُ الْخَطَإِ بِإِجْمَاعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ إنْ قَصَدَ ضَرْبًا يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالْأَدَبِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ قَصَدَ الضَّرْبَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ وَكَانَ الضَّرْبُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأَمَّا اللَّعِبُ فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَوَّلُهَا أَنَّهُ خَطَأٌ. قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ كَانَ فِي لَعِبٍ فَخَطَأٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَثَالِثُهَا إنْ تَلَاعَبَا مَعًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ ضَرَبَهُ وَلَمْ يُلَاعِبْهُ الْآخَرُ فَالْقَوَدُ انْتَهَى. ص (قَصْدَ الضَّرَرِ وَهَلَكَ الْمَقْصُودُ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّنْ تَقَدَّمَ لِقَصْدِ الضَّرَرِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ لِإِهْلَاكِ

سَارِقٍ أَوْ الدَّوَابِّ الَّتِي تَأْكُلُ زَرْعَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ فَعَلَهُ لِمُعَيَّنٍ وَهَلَكَ الْمَقْصُودُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ شَامِلٌ لِلصُّورَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ يَقْصِدَ ضَرَرَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَيُهْلِكَ غَيْرَهُ. الثَّانِيَةُ لَا يَقْصِدُ شَخْصًا مُعَيَّنًا وَالْحُكْمُ فِي الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي التَّوْضِيحِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ قَصَدَ الضَّرَرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ضِرَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ قَالَ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ فَتُغِيرُ فِيهِ دَوَابُّ النَّاسِ فَتُفْسِدُهُ فَيُرِيدُ صَاحِبُ الزَّرْعِ أَنْ يَحْفِرَ حَوْلَ زَرْعِهِ حَفِيرًا لِمَكَانِ الدَّوَابِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَى أَصْحَابِهَا وَأَنْذَرَهُمْ فَيَحْفِرُ فَيَقَعُ بَعْضُ تِلْكَ الدَّوَابِّ فِي ذَلِكَ الْحَفِيرِ فَتَمُوتُ أَتَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَوْ لَمْ يُنْذِرْهُمْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِمْ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ الْحَفِيرِ فِي أَرْضِهِ وَضَعَهُ تَحْصِينًا عَلَى زَرْعِهِ لَا لِإِتْلَافِ دَوَابِّ النَّاسِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِإِتْلَافِ دَوَابِّ النَّاسِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَصْنَعُ فِي دَارِهِ شَيْئًا لِيُتْلِفَ فِيهِ السَّارِقُ فَتَلِفَ فِيهِ السَّارِقُ أَوْ غَيْرُ السَّارِقِ أَنَّهُ ضَامِنٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي آخِرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَعَلَ فِي حَائِطِهِ حَفِيرًا لِسِبَاعٍ أَوْ حِبَالَةً لَمْ يَضْمَنْ مَا عَطِبَ بِذَلِكَ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ جَعَلَ فِي بَابِ جِنَانِهِ قَصَبًا يَدْخُلُ فِي رِجْلِ مَنْ يَدْخُلُهُ أَوْ اتَّخَذَ تَحْتَ عَتَبَتِهِ مَسَامِيرَ لِمَنْ يُدْخَلُ أَوْ رَشَّ فِنَاءً يُرِيدُ زَلَقَ مَنْ يَدْخُلُهُ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ إنْسَانٍ أَوْ اتَّخَذَ فِيهِ كَلْبًا عَقُورًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أُصِيبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ رَشَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ مَنْ عَطِبَ فِيهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي دَارِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ لِإِرْصَادِ سَارِقٍ فَهُوَ مُفْتَرِقٌ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَحْفِرَهَا لِحَاجَتِهِ فَلَا يَضْمَنَ أَوْ يَرْصِدَ بِهَا السَّارِقَ فَيَضْمَنَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيُقْتَلُ الْجَمِيعُ بِوَاحِدٍ) ش: وَلَوْ كَانَ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَاحِدًا

مِنْهُمْ أَوْ كَانَ عَيْنًا لَهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ هَكَذَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَانْظُرْ كِتَابَ الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَشَرْحِهَا لِأَبِي الْحَسَنِ وَانْظُرْ كَلَامَ الْبَاجِيِّ. ص (كَمُكْرَهٍ وَمُكْرِهٍ) ش: يُرِيدُ إلَّا الْأَبَ فَإِنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ شَخْصٌ عَلَى قَتْلِ ابْنِهِ فَقَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَبِ

لِلشُّبْهَةِ وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ أُولَى بِعَدَمِ الْقِصَاصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (عَكْسُ السَّفِينَتَيْنِ) ش: أَيْ فَإِنَّهُمَا يُحْمَلَانِ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ إذَا جُهِلَ أَمْرُهُمْ فَإِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُمْ مُتَعَمِّدُونَ لِإِتْلَافِهِمْ فَهُمْ ضَامِنُونَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ أَنَّ سَفِينَةً صَدَمَتْ أُخْرَى فَكَسَرَتْهَا فَغَرِقَ أَهْلُهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رِيحٍ غَلَبَتْهُمْ أَوْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ حَبْسَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ يَصْرِفُوهَا وَلَمْ يَفْعَلُوا ضَمِنُوا. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقِيلَ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الدِّيَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَوَاقِلِ إلَّا أَنْ يُتَعَمَّدَ ذَلِكَ وَيُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مَهْلَكٌ فَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إذَا تَعَمَّدَ أَهْلُ السَّفِينَةِ إغْرَاقَ الْأُخْرَى فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا الدِّيَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَرَحَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ وَبِمَنْزِلَةِ الْمُثَقَّلِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَسْأَلَةُ السَّفِينَةِ وَالْفَرَسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الرِّيحِ فِي السَّفِينَةِ وَفِي الْفَرَسِ مِنْ غَيْرِ رَاكِبِهِ فَهَذَا الْإِضْمَانُ عَلَيْهِمْ. أَوْ يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِ النَّوَاتِيَّةِ فِي السَّفِينَةِ وَمِنْ سَبَبِ الرَّاكِبِ فِي الْفَرَسِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ حُمِلَ فِي السَّفِينَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الرِّيحِ وَفِي الْفَرَسِ أَنَّهُ مِنْ سَبَبِ رَاكِبِهِ انْتَهَى. ص (إلَّا لَعَجْزٍ حَقِيقِيٍّ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ

ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا جَمَحَ فَرَسُهُمَا بِهِمَا وَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى صَرْفِهِمَا لَمْ يَضْمَنَا يُرِيدُ لِقَوْلِهَا فِي الدِّيَاتِ إنْ جَمَحَتْ دَابَّةٌ بِرَاكِبِهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَضْمَن وَبِقَوْلِهَا فِي الرَّوَاحِلِ إنْ كَانَ فِي رَأْسِ الْفَرَسِ اعْتِزَامٌ فَحَمَلَ بِصَاحِبِهِ فَصَدَمَ فَرَاكِبُهُ ضَامِنٌ لِأَنَّ سَبَبَ فِعْلِهِ جَمْحُهُ مِنْ رَاكِبِهِ وَفِعْلُهُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَفَرَ مِنْ شَيْءٍ مَرَّ بِهِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ رَاكِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَ بِهِ غَيْرُهُ مَا جَمَحَ بِهِ فَذَلِكَ عَلَى الْفَاعِلِ وَالسَّفِينَةِ فِي الرِّيحِ هِيَ الْغَالِبَةُ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. (قُلْت) فَهَذَا كَالنَّصِّ عَلَى أَنَّ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ الْجُمُوحِ فَهُوَ مِنْ رَاكِبِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرٍ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا تَلِفَ بِالْجُمُوحِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهِ لَا ضَمَانَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ. ص (وَضَمِنَ وَقْتَ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا زَالَ التَّكَافُؤُ بَيْنَ حُصُولِ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ وَوُصُولِ

الْأَثَرِ أَيْ السَّبَبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ أَيْ ضَمَانِ دِيَةِ الْحُرِّ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ حَالَ الْإِصَابَةِ وَحَالَ الْمَوْتِ أَيْ حُصُولِ السَّبَبِ هَذَا لَفْظُ التَّوْضِيحِ وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ حَالَ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ زَالَ بَيْنَ حُصُولِ الْمُوجِبِ وَوُصُولِ الْأَثَرِ كَعِتْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ وَبَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْمُعْتَبَرُ حَالَ الْإِصَابَةِ وَحَالَ الْمَوْتِ كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ حَالَ الرَّمْيِ ثُمَّ رَجَعَ سَحْنُونٌ انْتَهَى فَفِي الْكَلَامِ لَفٌّ وَنَشْرٌ لِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ فَقَوْلُهُ حَالَ الْإِصَابَةِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا زَالَ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمَوْتُ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا زَالَ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ. (تَنْبِيهٌ) . وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ضَمَانِ الدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِصَاصِ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ التَّكَافُؤِ مِنْ حُصُولِ السَّبَبِ إلَى حُصُولِ الْمُسَبَّبِ اتِّفَاقًا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَأَمَّا الْقِصَاصُ فَبِالْحَالَيْنِ مَعًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ التَّكَافُؤِ مِنْ حُصُولِ السَّبَبِ إلَى حُصُولِ الْمُسَبَّبِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. (قُلْت) وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْقِصَاصَ يُشْتَرَطُ فِيهِ حُصُولُ التَّكَافُؤِ فِي حَالِ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْقِصَاصِ فِي الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مِنْ حِينِ الرَّمْيِ إلَى حِينِ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ عَبْدًا حِينَ الرَّمْيِ أَوْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي سَمَاع عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا فَتَأَمَّلْهُ. ص (إلَّا نَاقِصٌ جَرَحَ كَامِلًا) ش: يَعْنِي أَنَّ النَّاقِصَ إذَا جَرَحَ الْكَامِلَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْ النَّاقِصِ لِلْكَامِلِ كَمَا إذَا جَرَحَ الْعَبْدُ الْحُرَّ وَالْكَافِرُ الْمُسْلِمَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ الْقِصَاصِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقِيلَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَرُوِيَ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ السُّلْطَانُ وَرُوِيَ أَنَّهُ يُوقَفُ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُسْلِمَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَخَرَّجُوهَا فِي الْعَبْدِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ بَرِئَ الْمَجْرُوحُ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ غَيْرَ الْأَدَبِ إلَّا الْجِرَاحُ الْمُقَدَّرَةُ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ فَهُوَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَذِمَّةِ النَّصْرَانِيِّ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَوَدِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ أَيْ لِلْمُسْلِمِ إلَّا الدِّيَةُ فِي الْجِرَاحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ قَالَ مَالِكٌ. وَإِذَا جَرَحَ الذِّمِّيُّ أَوْ الْعَبْدُ مُسْلِمًا عَمْدًا فَبَرِئَ بِغَيْرِ شَيْنٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْأَدَبِ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ مِنْ جُرْحِ الْعَبْدِ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ انْتَهَى. يُرِيدُ فِي غَيْرِ الْجِرَاحِ الْمُقَدَّرَةِ فَإِنَّ دِيَتَهَا الْمُقَدَّرَةَ تَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ جِنَايَاتِ الْعَبِيدِ مِنْ النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ فَيُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَ يَوْمَ الْبُرْءِ أَنْ لَوْ كَانَ هَذَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ لَا يَوْمَ الْبُرْءِ مَعَ الْأَدَبِ يُرِيدُ فِي الْعَمْدِ وَلَوْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ غَيْرُ الْأَدَبِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ إذْ لَا قِصَاصَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ نُظِرَ إلَى دِيَةِ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُرْءِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فَيَكُونُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ بِذَلِكَ وَفِي الْعَمْدِ الْأَدَبُ وَإِنْ بَرِيءَ الْحُرُّ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبَ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ فَذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ

انْتَهَى. ص (أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ) ش اُنْظُرْ أَوَائِلَ كِتَابِ الْجِرَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (بِالْمِسَاحَةِ)

ش: بِكَسْرِ الْمِيمِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. ص (كَلَطْمَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ بِالْيَدِ وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَدَبُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَعَمْدِهِ كَالْخَطَإِ إلَّا فِي الْأَدَبِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْغِيلَةِ وَإِنْ قَطَعَ بِضْعَةً مِنْ لَحْمِهِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ. مَالِكٌ وَلَا قَوَدَ فِي اللَّطْمَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ لَا تَنْضَبِطُ وَفِيهَا عِنْدَهُ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ وَفِيهَا الْأَدَبُ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الضَّرْبَةُ بِالْعَصَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ ذَلِكَ جُرْحٌ وَإِلَّا فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ ذِكْرُ: مَا لَا قَوَدَ فِيهِ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي آخِرِ التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَفِي ضَرْبَةِ السَّوْطِ الْقَوَدُ قَالَ سَحْنُونٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ كَاللَّطْمَةِ وَفِيهِ الْأَدَبُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي اللَّطْمَةِ وَلَا فِي الضَّرْبَةِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُرْحٌ انْتَهَى. ص (وَشَفْرُ عَيْنٍ وَحَاجِبٍ وَلِحَيَّةٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ وَلَيْسَ فِي جُفُونِ الْعَيْنِ وَأَشْفَارِهَا إلَّا الِاجْتِهَادُ وَفِي حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ إلَّا الِاجْتِهَادُ وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ وَلَيْسَ فِي عَمْدِ ذَلِكَ قِصَاصٌ وَكَذَلِكَ الْحَاجِبَانِ إذَا لَمْ يَنْبُتَا إلَّا الِاجْتِهَادُ. ص (وَعَمْدُهُ كَالْخَطَإِ إلَّا فِي الْأَدَبِ) ش قَالَ فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كُلِّ عَمْدٍ الْقِصَاصُ مَعَ الْأَدَبِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَأَدَبُهُ دُونَ أَدَبِ مَنْ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يُقْتَصُّ مِنْهُ هَلْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ مَعَ الْقِصَاصِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْأَدَبِ مَعَ الْقِصَاصِ وَهُوَ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَبِ مَعَ الْقِصَاصِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ بِقِيلِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِحِ مَعَ الْقِصَاصِ الْأَدَبُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِجُرْأَتِهِ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ الْجُرُوحَ قِصَاصٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَهُ وَلَا أَنْ يَسْجُنَهُ وَإِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ بِقِيلِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (إلَّا أَنْ يَعْظُمَ الْخَطَرُ فِي غَيْرِهَا كَعَظْمِ الصَّدْرِ) ش: لَمَّا أَنْ أَخْرَجَ الْجِرَاحَ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا لِأَنَّهَا مُتَأَلِّفٌ وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا عَدَاهَا مِنْ الْجِرَاحِ فِيهِ الْقِصَاصُ ذَكَرَ أَنَّ شَرْطَ الْقِصَاصِ فِيهَا أَنْ لَا يَعْظُمَ الْخَطَرُ فِي ذَلِكَ الْجُرْحِ وَالْكَسْرِ كَعَظْمِ الصَّدْرِ وَجَزَمَ هُنَا تَبَعًا لِمَنْ تَقَدَّمَهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَرَدَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَكَذَلِكَ فِي الضِّلَعِ قَالَ فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالصَّلْبُ إذَا كُسِرَ خَطَأً وَبَرِئَ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ كَسْرٍ يَعُودُ لِهَيْئَتِهِ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمْدًا يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَظْمًا إلَّا فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فَلَيْسَ فِي عَمْدِ ذَلِكَ إلَّا الدِّيَةُ مَعَ الْأَدَبِ. قَالَ مَالِكٌ وَفِي عِظَامِ الْجَسَدِ الْقَوَدُ مِنْ الْهَاشِمَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا مَا كَانَ مَخُوفًا مِثْلُ الْفَخِذِ وَشِبْهِهِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَإِنْ كَانَتْ الْهَاشِمَةُ فِي الرَّأْسِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ لِأَنِّي لَا أَجِدُ هَاشِمَةً فِي الرَّأْسِ إلَّا كَانَتْ مُنَقِّلَةً وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّلْبِ وَالْفَخِذِ وَعِظَامِ الْعُنُقِ. وَفِي كَسْرِ أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ وَهُمَا قَصَبَتَا الْيَدِ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَبْرَأَ عَلَى عَثْمٍ فَيَكُونَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَفِي كَسْرِ الذِّرَاعَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْأَصَابِعِ الْقِصَاصُ وَفِي كَسْرِ الضِّلْعِ الِاجْتِهَادُ إذَا بَرِيءَ عَلَى عَثْمٍ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ كُسِرَتْ عَمْدًا فَهِيَ كَعِظَامِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ مَخُوفًا كَالْفَخِذِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْيَدِ وَالسَّاقِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَفِي التَّرْقُوَةِ إذَا كُسِرَتْ

عَمْدًا الْقِصَاصُ لِأَنَّ أَمْرَهَا يَسِيرٌ لَا يُخَافُ مِنْهُ وَإِنْ كُسِرَتْ خَطَأً فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى عَثْمٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَجَمِيعُ عِظَامِ الْجَسَدِ إذَا كُسِرَتْ خَطَأً فَبَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ انْتَهَى. لَكِنْ بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعُدَّ فِي الْجِرَاحِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا الْجَائِفَةَ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ شَكَّ فِي عِظَامِ الصَّدْرِ وَالضِّلَعِ فَرَدَّ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ انْتَهَى يَعْنِي بِهِ كَوْنَهُ رَدَّ ذَلِكَ إلَى الِاجْتِهَادِ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا يَكُونُ فِيهِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ فَفِي التَّرْقُوَةِ وَالضِّلْعِ الْقِصَاصُ. قِيلَ: فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَسْرِ الْعِظَامِ قَالَ أَمَّا فِي مِثْلِ عِظَامِ الصَّدْرِ فَلَا أَرَى فِيهِ الْقِصَاصَ وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ وَقَالَ أَشْهَبُ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَعَنْ الضِّلْعِ فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَخُوفَيْنِ اُقْتُصَّ فِيهِمَا قَالَ أَشْهَبُ قَالَ مَالِكٌ وَفِي إحْدَى قَصَبَتَيْ الْيَدِ الْقِصَاصُ إنْ اُسْتُطِيعَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيهِ الْقِصَاصُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا كُسِرَتَا جَمِيعًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاجْتَمَعَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي عِظَامِ الْعُنُقِ وَالْفَخِذِ وَالصُّلْبِ وَشِبْهَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَلِّفِ فِي الْعِظَامِ وَفِيهِ الْعَقْلُ بِقَدْرِ الشَّيْنِ إلَّا الصُّلْبُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَلَا شَيْءَ فِي شَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ انْحَنَى وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقُومُ فَفِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَفِي كَسْرِ الْفَخِذِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الشَّيْنِ وَقَدْ يَبْلُغُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشَلَّ رِجْلَهُ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ بِهَا عَلَى الْأَرْضِ فَفِيهِ دِيَةُ الرِّجْلِ كَامِلَةً أَوْ يَشِينَهُ بِمَا يَنْقُصُ مَشْيُهُ فَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الظُّفْرِ الْقِصَاصُ إنْ اُسْتُطِيعَ مِنْهُ الْقَوَدُ ابْنُ الْمَوَّازِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الظُّفْرُ كَسِنِّ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ بَرِئَ الْعَظْمُ الْخَطِرُ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ فَكَالْخَطَإِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْعَمْدِ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ لِخَطَرِهِ لَوْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ عَيْبٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَمَّا الْقِصَاصُ فَلِأَنَّهَا مَخُوفَةٌ وَأَمَّا الْعِوَضُ فَلِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُسَمِّ، نَعَمْ يُؤَدِّبُ الْقَاضِي الْمُتَعَمِّدَ انْتَهَى. (فَائِدَةٌ) قَالَ عِيَاضٌ الْعَثْمُ وَالْعَثَلُ بِالْمِيمِ وَاللَّامِ مَعًا وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مَفْتُوحَةً مَعَ اللَّامِ وَسَاكِنَةً مَعَ الْمِيمِ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ الْأَثَرُ وَالشَّيْنُ انْتَهَى مِنْ التَّنْبِيهَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الضِّلَعُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مَكْسُورَةً وَفَتْحِ اللَّامِ وَالتَّرْقُوَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ أَعْلَى الصَّدْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْعُنُقِ وَالزَّنْدُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَبِالنُّونِ انْتَهَى. . ص (وَإِنْ ذَهَبَ كَبَصَرٍ بِجُرْحٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَإِنْ حَصَلَ أَوْ زَادَ وَإِلَّا فَدِيَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ) ش: أَيْ وَإِنْ جَرَحَ شَخْصٌ شَخْصًا جُرْحًا فِيهِ الْقِصَاصُ وَذَهَبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْجُرْحِ شَيْءٌ آخَرُ كَبَصَرٍ أَوْ سَمْعٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ عَقْلٍ اُقْتُصَّ مِنْ الْجَانِي لِذَلِكَ الْجُرْحِ فَإِنْ حَصَلَ فِيهِ مِثْلُ مَا حَصَلَ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ زَادَ فَقَدْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِثْلُ مَا حَصَلَ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْجَانِي دِيَةُ ذَلِكَ وَلَمْ يُبِنْ الْمُصَنِّفُ هَلْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. ص (وَإِنْ ذَهَبَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فَإِنْ اُسْتُطِيعَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ كَأَنْ شُلَّتْ يَدُهُ بِضَرْبَةٍ) ش: يَعْنِي فَإِنْ اُسْتُطِيعَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ

فُعِلَ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ فَإِذَا ضُرِبَتْ الْعَيْنُ فَأُقِيمَتْ وَذَهَبَ بَصَرُهَا وَبَقِيَ جَمَالُهَا فَفِيهَا عَقْلُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَلَا قَوَدَ فِيهَا. وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ مِنْهَا عَمْدًا لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْقَوَدِ إلَّا بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْيَدُ إذَا شُلَّتْ وَلَمْ تَبِنْ وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ إذَا خَرِسَ وَلَمْ يُقْطَعُ هَذِهِ سَبِيلُ كُلِّ مَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يُبِنْ عَنْ جُسْمَانِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَبَقِيَ جَمَالُهُ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَفِيهِ عَقْلُهُ كَامِلًا وَلَا قَوَدَ فِيهِ أَوْ إنْ كَانَ عَمْدًا وَيُؤَدَّبُ الْجَانِي مَعَ أَخْذِ الْعَقْلِ مِنْهُ وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ عَيْنَ رَجُلٍ فَأَدْمَعَهَا أَوْ ضَرَبَ سِنَّهُ فَحَرَّكَهَا أَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَأَوْهَنَهَا اُسْتُؤْنِيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ سَنَةً فَمَا آلَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَيْنِ وَالسِّنِّ وَالْيَدِ بَعْدَ السَّنَةِ حُكِمَ بِذَلِكَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ

فرع أقر رجل أنه قتل عمدا ولم يعرف المقتول

السَّنَةِ انْتَهَى. ص (وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْعَاصِبِ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا اجْتَمَعَ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ كَانَ النَّسَبُ الْمَبْدَأَ فِي الْقِيَامِ وَالْعَفْوِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُو نَسَبٍ فَالْمَوْلَى الْأَعْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلًى أَعْلَى فَالسُّلْطَانُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا رَجُلٌ مِنْ الْفَخِذِ أَوْ الْقَبِيلِ وَلَا يُعْرَفُ قُعْدُدُهُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا مَنْ يَكُونُ لَهُ مِيرَاثُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيَامٌ بِالدَّمِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلِيَاءٌ فَهَلْ لِلسُّلْطَانِ مَا لِلْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْعَفْوِ أَوْ الْقِصَاصِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ الَّذِي يَقْتَضِيه الْوَاجِبُ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ ظَهَرَ لِابْنِ رُشْدٍ اُنْظُرْهَا فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الدِّيَاتِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ عَمْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُهْدِرَ دَمَ الْمُسْلِمِ وَلَكِنْ يَسْتَقِيدُ مِنْهُ فَإِنْ قَتَلَ نَصْرَانِيٌّ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ وَالْوَلِيُّ لِلْمَقْتُولِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِي مِثْلِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَانْظُرْهَا فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الدِّيَاتِ وَانْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَنْ الْمَجْمُوعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حِينَ الْقَتْلِ [فَرْعٌ أقر رَجُل أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَلَمْ يُعْرَفْ الْمَقْتُولُ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَلَمْ يُعْرَفْ الْمَقْتُولُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَوْلِيَاءٌ يَقُومُونَ بِدَمِهِ سَجَنَهُ الْحَاكِمُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ فَلَعَلَّ لَهُ وَلِيًّا يَعْفُو عَنْ دَمِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ ابْنَ سَلْمُونٍ. ص (وَانْتُظِرَ غَائِبٌ لَمْ تَبْعُدْ غِيبَتُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِالْقَتْلِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ رَأْيَ الْغَائِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْغَائِبَ يُنْتَظَرُ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَإِنَّمَا لِلْحَاضِرِ أَنْ يَعْفُوَ فَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَلَى الْغَائِبِ وَتَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَحَمَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ تَعْلِيقَةِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ يُنْتَظَرُ وَإِنْ بَعُدَتْ غِيبَتُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ بِمَا إذَا لَمْ تَبْعُدْ غَيْبَتُهُ. قَالَ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ بَعُدَ جِدًّا أَوْ أَيِسَ مِنْهُ كَالْأَسِيرِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُنْتَظَرُ الْغَائِبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَلِمَنْ حَضَرَ الْقَتْلُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَحَذَفَ الصَّقَلِّيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ قُصُورٌ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَمْ يُقَيِّدْ الْغَيْبَةَ بِالْبُعْدِ جِدًّا، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كَلَامَ سَحْنُونٍ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْغَيْبَةَ بِالْبُعْدِ جِدًّا كَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَمْ

تُرْتَضَ حَمْلُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِيهَا انْتِظَارُ الْغَائِبِ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ وَكَتَبَ إلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ لَمْ يُنْتَظَرْ كَأَسِيرٍ وَشِبْهِهِ انْتَهَى (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذْ قُلْنَا يُنْتَظَرُ فَإِنَّ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ وَلَا يُكْفَلُ إذْ لَا كَفَالَةَ فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْقِصَاصِ انْتَهَى (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيِّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُحْبَسُ وَيُقَيَّدُ بِالْحَدِيدِ اُنْظُرْ كَلَامَهُمَا (الثَّالِثُ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ لِلْقَاتِلِ مَالٌ يَأْكُلُ مِنْهُ أَوْ أُجْرِيَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَأْكُلُ مِنْهُ أَوْ الْتَزَمَ ذَلِكَ أَحَدٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَانْظُرْ كَيْفَ يُعْمَلُ فِيهِ هَلْ يُطْلَقُ مِنْ السِّجْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ أَنَّهُ يَخْلُدُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا فَتَأَمَّلْهُ (الرَّابِعُ) هَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي انْتِظَارِ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ تَتَعَدَّدُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ حَاضِرًا وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوْلَى وَاحِدٌ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ غَابَ جَمِيعُ الْأَوْلِيَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُنْتَظَرُونَ مُطْلَقًا وَلَوْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُمْ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ الْفَرْعُ الْمَنْقُولُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ لَكِنْ مَعَ وُجُودِ النَّفَقَةِ عَلَى الْقَاتِلِ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ نَصًّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَالنَّوَادِرِ وَالْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّامِلِ وَبَهْرَامَ الْكَبِيرِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا مُطْبَقَ وَصَغِيرَ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَلِلْآخِرِ أَنْ يَقْتُلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُنْتَظَرُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُبَرْسَمٌ اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ لِأَنَّ هَذَا مَرَضٌ. ابْنُ رُشْدٍ الْقِيَاسُ قَوْلُ مَنْ قَالَ يُنْتَظَرُ وَأَفْتَى

فِيمَنْ لَهُ بَنُونَ صِغَارٌ أَوْ عَصَبَةٌ كِبَارٌ بِانْتِظَارِ الصِّغَارِ قَائِلًا إذْ هُمْ أَحَقُّ بِالْقِيَامِ بِالدَّمِ فَسُئِلَ عَنْ فُتْيَاهُ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْمَأْثُورَةِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: خَفِيَ عَنْ السَّائِلِ مَعْنَى ذَلِكَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ لِلْمُفْتِي الْعُدُولُ عَنْ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَسُوغُ لِلْمُفْتِي تَقْلِيدُ الرِّوَايَةِ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِصِحَّتِهَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى مُخَالَفَتِهَا بِمَا حَاصِلُهُ وُجُوبُ اعْتِبَارِ حَقِّ الصَّغِيرِ وَتَأْخِيرِهِ لِبُلُوغِهِ كَحَقٍّ لَهُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَبِأَنَّ لَهُ جَبْرَ الْقَاتِلِ عَلَى الدِّيَةِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ الْأَخَوَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا فِي زَمَانِنَا إنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لِابْنِ رُشْدٍ لِعُلُوِّ طَبَقَتِهِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ عَاصَرَهُ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا إذْ هُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي طُرَّةِ بَعْضِ نَوَازِلِهِ مَا نَصَّهُ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا إذْ هُوَ خِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ وَلَا حُجَّةٍ، فَإِنْ قُلْت مَا هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَأْثُورَةُ فِي ذَلِكَ؟ (قُلْت) فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ فِي قَتِيلٍ لَهُ بَنُونَ صِغَارٌ وَعَصَبَةٌ فَلِلْعَصَبَةِ الْقَتْلُ وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصِّغَارِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَلَهُمْ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ وَتَكُونُ بَيْنَهُمْ قَالَ عَنْهُ أَشْهَبَ وَيَنْظُرُ لِلصِّغَارِ وَلِيُّهُمْ فِي الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ إنْ وَجَدَ مَعَهُ مِنْ الْعَصَبَةِ مَنْ يَقْسِمُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ يَكُونُ لِهَذَا الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّبِيِّ الْقَتْلُ أَوْ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ عَزْوَهُ الرِّوَايَةَ لِلْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ عَمْدًا وَلَدٌ صَغِيرٌ وَعَصَبَةٌ فَلِلْعَصَبَةِ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وَيَعْفُوا، وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الصَّغِيرِ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ: وَإِذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ تَعْجِيلُ الْقَتْلِ وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَكْبُرَ وَلَدُهُ الصِّغَارُ فَيَبْطُلُ الدَّمُ وَإِنْ عَفَوْا لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُمْ إلَّا عَلَى الدِّيَةِ لَا عَلَى أَقَلِّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ الْمَقْتُولِ كِبَارًا وَصِغَارًا فَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصِّغَارِ وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ الْأَصَاغِرِ حَظُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَلَدٌ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ فَإِنْ وَجَدَ الْكَبِيرُ رَجُلًا مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ حَلَفَ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ حَلَفَا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَاسْتُؤْنِيَ الصَّغِيرُ فَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ أَيْضًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الدَّمَ وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَلِلْمَقْتُولِ وَلَدَانِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَإِنَّمَا لِلْحَاضِرِ أَنْ يَعْفُوَ، أَوْ يَجُوزَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَكُونَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ وَلَا يُكْفَلُ إذْ لَا كَفَالَةَ فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْقِصَاصِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَوْلِيَاءٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا وَلَا يُنْتَظَرُ الصِّغَارُ وَلَيْسَ الصَّغِيرُ كَالْغَائِبِ يُكْتَبُ إلَيْهِ فَيَصْنَعُ فِي نَصِيبِهِ مَا أَحَبَّ وَالصَّغِيرُ يَطُولُ انْتِظَارُهُ فَيَبْطُلُ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَقْتُلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُنْتَظَرُ. قَالَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُبَرْسَمًا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ لِأَنَّ هَذَا مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَصْرَحُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَإِذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ عَمْدًا وَلَدٌ صَغِيرٌ وَعَصَبَةٌ فَلِلْعَصَبَةِ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وَيَعْفُوا، وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْفُوا عَلَى غَيْرِ مَالٍ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ

الدَّمُ إمَّا بِأَنْ يَمُوتَ الْقَاتِلُ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ يَهْرُبَ مِنْ السِّجْنِ اهـ ص (وَيَقْتَصُّ مَنْ يَعْرِفُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُدْعَى لَهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقِصَاصِ فَيَقْتَصُّونَ لَهُ وَتَكُونُ أُجْرَةُ الَّذِي يَقْتَصُّ عَلَى

الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ. قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ وَيُدْعَى لَهُ أَرْفَقُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ فَيَقْتَصُّ بِأَرْفَقَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى الْجِرَاحِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ يَنْظُرَانِ ذَلِكَ وَيَقِيسَانِهِ. قَالَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا فَأَرَى ذَلِكَ مُجْزِئًا إنْ كَانَ عَدْلًا فَإِنْ كَانَتْ مُوضِحَةً شَرَطَ فِي رَأْسِهِ مِثْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ سِنًّا مَقْلُوعَةً مِنْ أَصْلِهَا نُزِعَتْ مِنْ الْجَانِي بِالْكَلْبَتَيْنِ أَوْ بِأَرْفَقَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ كُسِرَ أَشْرَافُهَا أَوْ بَعْضُهَا سَخَلَ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْهَا قِيلَ لِمَالِكٍ أَتَجْعَلُ الْمُوسَى بِيَدِ الْمَجْرُوحِ ثُمَّ يَشُدُّ الطَّبِيبُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ قَالَ لَا أَعْرِفُ هَذَا اهـ. (تَنْبِيهٌ) فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ لَا يُطْلَبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِمِثْلِ مَا جَرَحَ فَإِذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً مَثَلًا بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْمُوسَى وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا. ص (وَمَهْمَا أُسْقِطَ الْبَعْضُ فَلِمَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُمْ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ بَعْضُ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ حَقَّهُ وَعَفَا عَنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّ الْقَوَدَ يَسْقُطُ وَيَتَعَيَّنُ لِلْبَاقِينَ نَصِيبُهُمْ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَإِذَا عَفَا جَمِيعُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا شَيْءَ لِلْبَنَاتِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْقَتْلِ عَمْدًا فَلِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ

فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ عَلَى الْبَنَاتِ وَلَا أَثَرَ لَهُنَّ مَعَ الْبَنِينَ فِي عَفْوٍ وَلَا قِيَامٍ وَإِنْ عَفَوَا عَلَى الدِّيَةِ دَخَلَ فِيهَا النِّسَاءُ وَكَانَتْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَى مِنْهَا دَيْنَهُ وَإِنْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ الْبَنِينَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَكَانَتْ بَقِيَّتُهَا بَيْنَ حَقِّ مَنْ بَقِيَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَتَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الزَّوْجَةُ وَغَيْرُهَا وَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ وَلَوْ أَنَّهُ عَفَا عَلَى الدِّيَةِ كَانَتْ لَهُ وَلِسَائِرِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَإِذَا عَفَا جَمِيعُ الْبَنِينَ فَلَا شَيْءَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنَّمَا لَهُنَّ إذَا عَفَا بَعْضُ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إذَا اسْتَوَوْا فَهُمْ كَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِيمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَفَا جَمِيعُ الْبَنِينَ فَلَا شَيْءَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الدِّيَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا لِمَنْ لَا يُعْتَبَرُ عَفْوُهُ مَعَهُ كَالْبَنَاتِ وَالِابْنِ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا إنْ عَفَا الذُّكُورُ كُلُّهُمْ فَحَقُّ أَخَوَاتِهِمْ فِي الدِّيَةِ بَاقٍ. ابْنُ الْمَوَّازِ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَعْفُوَ كُلُّ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا لَوْ عَفَا بَعْضُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ بَلَغَ مَنْ بَقِيَ وَعَفَا فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ مَنْ مَعَهُمَا مِنْ أُخْتٍ وَزَوْجٍ وَزَوْجَةٍ لِأَنَّهُ مَالٌ ثَبَتَ بِعَفْوِ الْأَوَّلِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ اهـ. ص (بِخِلَافِ الْعَمْدِ) ش: أَيْ فَلَا تَدْخُلُ الْوَصَايَا فِيمَا أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ عَنْهُ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَا مَدْخَلَ لِوَصِيَّةٍ فِي عَمْدٍ وَإِنْ وُرِثَتْ كَمَالِهِ أَوْ غَرِمَ الدَّيْنَ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ إنْ قَبِلَ أَوْلَادِي الدِّيَةَ فَوَصِيَّتِي فِيهَا أَوْ أُوصِي بِثُلُثِهَا وَلَا يَدْخُلُ مِنْهَا فِي ثُلُثِهِ شَيْءٌ إلَّا إذَا أُنْفِذَ مَقْتَلُهُ وَقَبِلَ أَوْلَادُهُ الدِّيَةَ وَعَلِمَ بِهَا اهـ (فَرْعٌ) وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ مِنْ الْقَاتِلِ وَأَوْصَى فِيهَا بِوَصَايَا لَمْ تَدْخُلْ الْوَصَايَا فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَرْضَى الْقَاتِلُ قَالَهُ فِي رَسْمِ الْعَارِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ فَإِنْ رَضِيَ الْقَاتِلُ بِذَلِكَ أَيْضًا كَانَتْ الْوَصَايَا فِي الدِّيَةِ. (تَنْبِيهُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْوَصِيَّةِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُورَثُ كَمَالِهِ وَيَغْرَمُ الدَّيْنَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي سَلْبِ الْمَالِيَّةِ عَنْ عَدَمِ الْعَمْدِ وَعَدَمِ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهِ كَوْنُ الدِّيَةِ فِيهِ تُورَثُ كَمَالِهِ وَتَأْخُذُ مِنْهَا الزَّوْجَةُ سَهْمَهَا وَيُؤَدَّى مِنْهَا الدَّيْنُ لِأَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ وَبَيْنَ كَوْنِهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَصِيُّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا يَضُرُّ فِي سَلْبِ الْمَالِيَّةِ كَوْنُهُ يُورَثُ عَنْهُ وَيَغْرَمُ مِنْهُ الدَّيْنَ لِأَنَّهَا مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ رَبُّهُ أَوْ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَقِيقَةً فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي كَوْنِهِ يُؤَدَّى مِنْهَا دَيْنُ الْمَيِّتِ إذَا قَبِلَتْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا: وَلَوْ أَوْصَى الْمَقْتُولُ بِمَالٍ فَقَالَ يَخْرُجُ ثُلُثَيْ مِمَّا عَلِمْت مِنْ مَالِي وَمِمَّا لَمْ أَعْلَمْ لَمْ تَدْخُلْ فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ الَّتِي أَخَذَهَا الْوَرَثَةُ لِأَنَّهَا مَالٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَإِنَّمَا قَالَ مَا لَمْ أَعْلَمْ وَدِيَتُهُ لَمْ تَكُنْ مِنْ مَالِهِ وَلَكِنْ يُؤَدَّى مِنْهَا دِيَتُهُ وَيَرِثُهَا عَنْهُ وَرَثَتُهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَحْكَمَتْ ذَلِكَ فِي الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ بِمَالٍ لِلْمَقْتُولِ الْمَوْرُوثِ قَالَ ابْنُ دَحُونٍ وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ. ص (وَإِنْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ أَوْ صَالَحَ فَمَاتَ) ش: نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَعَفَا ثُمَّ مَاتَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إنْ قَالَ:

دية الخطإ

عَفَوْت عَنْ الْيَدِ لَا غَيْرُ لَا إشْكَالَ وَإِنْ قَالَ عَنْ الْيَدِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ قَالَ عَفَوْت فَقَطْ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَفَا عَمَّا وَجَبَ لَهُ فِي الْحَالِ وَهُوَ قَطْعُ الْيَدِ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَيْضًا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَانْدَرَجَ طَرَفٌ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْأَطْرَافَ تَنْدَرِجُ فِي النَّفْسِ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ وَاحِدٍ وَرِجْلَ آخَرَ وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ وَقَتَلَ آخَرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَمَنْ فَقَأَ أَعْيُنَ جَمَاعَةٍ الْيُمْنَى وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ ثُمَّ قَامُوا فَلْتُفْقَأْ عَيْنُهُ لِجَمِيعِهِمْ وَكَذَلِكَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ وَهُوَ أَوَّلُهُمْ أَوْ آخِرُهُمْ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ بَقِيَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَ بَعْدَ ذَلِكَ رِجَالًا فَقُتِلَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لَهُمْ عَلَيْهِ انْتَهَى. [دِيَةُ الْخَطَإِ] ص (وَدِيَةُ الْخَطَإِ عَلَى الْبَادِئِ مُخَمَّسَةٌ) ش: شَرَعَ يَتَكَلَّمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى

الدِّيَةِ وَهِيَ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الدِّيَةُ مَالٌ يَجِبُ بِقَتْلِ آدَمِيٍّ حُرٍّ عَنْ دَمِهِ أَوْ بِجُرْحِهِ مُقَدَّرًا شَرْعًا لَا بِاجْتِهَادٍ فَيَخْرُجُ مَا يَجِبُ بِقَتْلِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ قِيمَةِ فَرَسٍ وَنَحْوِهِ وَمَا يَجِبُ بِقَتْلِ ذِي رِقٍّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْحُكُومَةُ انْتَهَى. ص (وَفِي الْجَنِينِ وَلَوْ عَلَقَةً عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ) ش: شَمِلَ كَلَامُهُ جَنِينَ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ وَلَمْ يَتْبَعْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ بَهِيمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ

اهـ وَهَذَا خِلَافٌ مَا يَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا فِيهِ مَا نَقَصَهَا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ. ص (وَأُورِثَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ الْجَانِي هُوَ الْأَبُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْغُرَّةُ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا قَالَهُ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصَّهُ وَلَوْ ضَرَبَ الْأَبُ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَلَا يَرِثُ الْأَبُ مِنْ دِيَةِ الْجَنِينِ شَيْئًا وَلَا يَحْجُبُ وَيَرِثُهَا مَنْ سِوَاهُ اهـ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ إذَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَسْقَطَتْ مِثْلَ أَنْ تَشْرَبَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسْقَطُ بِهِ الْجَنِينُ فَإِنَّ الْغُرَّةَ تَجِبُ عَلَيْهَا وَلَا تَرِثُهَا وَأَمَّا إنْ شَرِبَتْ دَوَاءً مِمَّا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُسْقَطُ بِهِ الْجَنِينُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ سُقُوطِهِ فَلَا غُرَّةَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الطَّبِيبُ إذَا سَقَاهَا وَكَانَتْ الْأَدْوِيَةُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسْقَطُ بِهِ الْجَنِينُ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُسْقَطُ بِهِ فَلَا غُرَّةَ عَلَيْهِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَقَالَ فِي رَسْمِ الْعُقُودِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَشْرَبُ الدَّوَاءَ وَهِيَ حَامِلٌ فَيُسْقَطُ وَلَدُهَا أَتَرَى عَلَيْهَا شَيْئًا؟ قَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إذَا كَانَ دَوَاءً يُشْبِهُ السَّلَامَةَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَدْ يَرْكَبُ الْإِنْسَانُ الدَّابَّةَ فَتَصْرَعُهُ وَقَدْ «كَوَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدًا فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِئْسَ الْمَيِّتُ يَهُودُ تَقُولُ يُفْتَنُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ صَاحِبُهُ» قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ وَهُوَ عَلَى قِيَاسٍ مَا تَقَدَّمَ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي تَسْقِيهِ أُمُّهُ الدَّوَاءَ فَيَشْرَبُهُ فَيَمُوتُ اهـ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ فِي الْحَامِلِ تَشْرَبُ دَوَاءً فَتُلْقِي جَنِينَهَا ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلَيْهَا عِتْقَ رَقَبَةٍ وَقَالَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَدْ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا إذَا كَانَ دَوَاءً مَأْمُونًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا اهـ وَذَكَرَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ وَقَالَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ وَإِذَا شَرِبَتْ الْمَرْأَةُ دَوَاءً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ تَكُنْ لِلْغُرَّةِ ضَامِنَةً اهـ يُرِيدُ إذَا كَانَ دَوَاءً مَأْمُونًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى الْقَاتِلِ إلَخْ وَانْظُرْ كِتَابَ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ مَا أَصَابَ النَّائِمَ وَالنَّائِمَةَ. ص (وَفِي الْجِرَاحِ حُكُومَةٌ) ش: قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَمَا بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ مِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَلَا شَيْءَ

فِيهِ قَالَ الْجُزُولِيُّ اُنْظُرْ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الزَّرَارِيعِ قِيلَ عَلَى الْجَانِي وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى أُجْرَةَ الْأَدْوِيَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ وَقِيلَ يُعْطَى مَا أَنْفَقَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ قَالَهُ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ قَالَ ابْنُ نَاجِي أَرَادَ الْفَاكِهَانِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ أَيْ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَهُ بَلْ قَالَ مِثْلَ ظَاهِرِ كَلَامِ الرِّسَالَةِ إذَا قِيلَ لَهُ مَنْ انْكَسَرَ فَخِذُهُ ثُمَّ جُبِرَتْ مُسْتَوِيَةً أَلَهُ مَا أَنْفَقَ فِي عِلَاجِهِ قَالَ مَا عَلِمْته مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَرَأَيْت إنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ أَيَكُونُ لَهُ قِيمَةُ الشَّيْنِ وَمَا أَنْفَقَ فِي عِلَاجِهِ اهـ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ أَجْرُ الطَّبِيبِ بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ مَعْمُولٍ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ بَعْدَهُ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَإِ أَجْرُ الْمُدَاوِي صَحَّ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ هُنَا وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا قَالَ مَالِكٌ مَا عَلِمْت أَجْرَ الطَّبِيبِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ ذَكَرَهُ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمُقَرَّرَةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْغَصْبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ. ص (كَجَنِينِ الْبَهِيمَةِ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ بَهِيمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ اهـ وَمَا قَالَهُ خِلَافَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ قِيمَةُ مَا نَقَصَهَا وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ. ص (وَإِنْ بِشَيْنٍ فِيهِنَّ) ش: الضَّمِيرُ لِلْجَائِفَةٌ وَالْآمَّةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْهَاشِمَةِ وَالْمُوضِحَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ بِسَبَبِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْجِرَاحَاتِ شَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُقَدَّرِ فِيهَا شَيْءٌ لِأَجَلِ الشَّيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي انْدِرَاجِ شَيْنِ غَيْرَ الْمُوضِحَةِ وَاخْتُلِفَ فِي انْدِرَاجِ شَيْنِ الْمُوضِحَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ يَنْدَرِجُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَعَزَوْهُ فِي التَّوْضِيحِ لِأَشْهَبَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلْحَاقًا لَهَا بِبَقِيَّةِ أَخَوَاتِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يُزَادُ لِأَجْلِ الشَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَعَزَوْهُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ زَرْقُونٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا وَمُوضِحَةُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ؛ زِيدَ فِي عَقْلِهِ بِقَدْرِ الشَّيْنِ اهـ وَالثَّالِثُ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ أَمْرًا مُنْكَرًا زِيدَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي الْمُوضِحَةِ إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ ثَلَاثَةٌ مَشْهُورُهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى دِيَتِهَا بِقَدْرِ الشَّيْنِ انْتَهَى. ص (وَفِي الْيَدَيْنِ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي وَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ فِي مَجْمُوعِ الْيَدَيْنِ سَوَاءٌ قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ خَاصَّةً أَوْ قُطِعَتْ مَعَ الْكَفِّ أَوْ مَعَ الذِّرَاعِ أَوْ قُطِعَتْ الْيَدَانِ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ وَهُوَ الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَلَوْ قُطِعَ كَفٌّ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَلَهُ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكَفِّ حُكُومَةً قَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْكَفِّ إذَا مَا بَقِيَ شَيْءٌ لَهُ دِيَةٌ وَاتَّفَقُوا إذَا بَقِيَ الْكَفُّ خَاصَّةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَذْهَبْ لَهُ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْكَفِّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَجَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْأُصْبُعَ قَلِيلًا كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا شَيْءٌ وَجَعَلَ أَشْهَبُ وُجُودَهَا مَانِعًا مِنْ أَخْذِ الْحُكُومَةِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأُصْبُعَيْنِ وَجَعَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ الثَّلَاثَةَ مِنْ حَيِّزِ الْقَلِيلِ فَلَهُ فِي الْكَفِّ عِنْدَهُ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْأَصَابِعِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ إذَا ذَهَبَ مِنْهَا أُصْبُعَانِ ثُمَّ قُطِعَ الْكَفُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ فِي الْأُصْبُعَيْنِ عَقْلًا أَوْ قَوَدًا فَلَهُ عَقْلُ

ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَلَا حُكُومَةَ لَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجِرَاحِ إذَا ذَهَبَتْ أُصْبُعٌ مِنْ الْكَفِّ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبِجِنَايَةٍ وَقَعَ فِيهَا قِصَاصٌ أَوْ عَقْلٌ ثُمَّ أُصِيبَتْ الْكَفُّ خَطَأً فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَلَوْ ذَهَبَتْ مِنْهَا أُنْمُلَةٌ اُقْتُصَّ مِنْهَا لَقُوصِصَ بِهَا فِي دِيَةِ الْكَفِّ. وَمَنْ قَطَعَ كَفًّا خَطَأً وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصَابِعِهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ فِي الْكَفِّ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي الْكَفِّ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ فِي الْأُصْبُعِ دِيَتُهَا وَاسْتُحْسِنَ فِي الْكَفِّ حُكُومَةٌ وَمَنْ قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ عَمْدًا وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهَا أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ بِجِنَايَةٍ وَقَطْعٍ فِيهَا قِصَاصٌ أَوْ عَقْلٌ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْعَقْلُ فِي مَالِهِ وَلَوْ ذَهَبَ مِنْهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبْهَامُ الْمَقْطُوعَةَ أَوْ غَيْرُهَا انْتَهَى. ص (وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ) ش: قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي مَأْمُومَةِ الْعَبْدِ وَجَائِفَتِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثُ قِيمَتِهِ وَفِي مُنَقَّلَتِهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَفِي

مُوَضِّحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ جِرَاحَاتِهِ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ بُرْئِهِ اهـ. فَإِنْ بَرِئَتْ الْجِرَاحَاتُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى شَيْنٍ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُزَادُ لِأَجْلِ الشَّيْنِ أَوْ لَا يُزَادُ وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهَا حِينَئِذٍ مَا نَقَصَهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَانْظُرْ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَسِنُّ الصَّغِيرِ لَمْ يُثْغِرْ لِلْإِيَاسِ كَالْقَوَدِ وَإِلَّا اُنْتُظِرَ سَنَةً) ش: يَعْنِي أَنَّ سِنَّ الصَّغِيرِ إذَا قُلِعَتْ قَبْلَ الْإِثْغَارِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَمْ يُعَجَّلْ فِيهَا الْقَوَدُ وَلَا الدِّيَةُ حَتَّى يُؤَيَّسَ مِنْ نَبَاتِهَا. فَقَوْلُهُ كَالْقَوَدِ تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ وَقْفَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ الْمَأْمُونِ وَأَمَّا الْجَانِي الْمَأْمُونُ فَلَا يُوقَفُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُوقَفُ جَمِيعُ عَقْلِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا اُنْتُظِرَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِلَّا اُنْتُظِرَ بِهَا سَنَةً يَعْنِي أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ السِّنَّ الَّذِي لَا يَنْبُتُ فِيهِ وَلَمْ تَنْقَضِ سَنَةٌ اُنْتُظِرْت بَقِيَّةُ السَّنَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ، وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ انْتَهَى. وَانْظُرْ ضَبْطَ يُثْغِرُ وَالْإِثْغَارِ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَسَقَطَ إنْ عَادَتْ) ش يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عَادَتْ سِنُّ الصَّغِيرِ سَقَطَ الْقَوَدُ وَالْعَقْلُ وَأَمَّا الْكَبِيرُ إذَا قُضِيَ لَهُ بِعَقْلِ

سِنِّهِ ثُمَّ عَادَتْ أَوْ أُذُنِهِ ثُمَّ عَادَتْ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَرُدُّ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَإِنْ رُدَّتَا مِنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَعَادَتَا فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْعَقْلِ فِيهَا وَأَمَّا الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَوْ عَادَتْ السِّنُّ أَوْ الْأُذُنُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَقِّ بِالدَّمِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلِعَتْ سِنُّ الصَّغِيرِ بَعْدَ الْإِثْغَارِ وَنَبَاتِهَا أَخَذَ الدِّيَةَ مُعَجَّلَةً نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ

وَغَيْرُهُ. ص (بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ) ش: أَيْ فَإِنَّهَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ الْمَهْرِ فَإِذَا وَطِئَ بِكْرًا أَوْ افْتَضَّهَا غَصْبًا فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الزِّنَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا وَالزَّوْجُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَأَظُنُّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (إلَّا بِأُصْبُعِهِ) ش: يَعْنِي إلَّا إذَا أَزَالَ الْبَكَارَةَ بِأُصْبُعِهِ فَإِنَّهَا لَا تَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ زَوْجَتِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ مَا شَانَهَا عِنْدَ الْأَزْوَاجِ مَعَ الْأَدَبِ فَأَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِزَوْجَتِهِ فَقَالَ هَهُنَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَدَبٌ إلَّا مَا شَانَهَا بِهِ إنْ أَمْسَكَهَا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ جَمِيعُ صَدَاقِهَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا. يُرِيدُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَا شَانَهَا فِعْلُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ كَالْوَطْءِ يَجِبُ بِهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ. وَقَالَ أَصْبَغُ الْقِيَاسُ أَنَّهُ فِي الْأُصْبُعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا مَا شَانَهَا بِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ لَا فِي وُجُوبِ الْأَدَبِ فَقَوْلُ أَصْبَغَ فِي سَمَاعِهِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لَوْ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا شَانَهَا مَعَ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَيُنْظَرُ مَا شَانَهَا عِنْدَ الْأَزْوَاجِ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ أَزَالَ الْبَكَارَةَ بِأُصْبُعِهِ فَحُكُومَةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَعَلَى الزَّوْجِ حُكُومَةٌ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ إنْ طَلَّقَ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَصْبَغَ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكُومَةَ تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَهُ يُقَوِّي الْإِبْهَامَ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَالزَّوْجُ وَغَيْرُهُ فِيهِمَا سَوَاءٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ فِي الْإِفْضَاءِ وَالْبَكَارَةِ سَوَاءٌ أَيْ فِي لُزُومِ الدِّيَةِ وَالْحُكُومَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ وَلُزُومِ الْحُكُومَةِ فِي الْبَكَارَةِ انْتَهَى. فَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي رَسْمِ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. ص (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ)

ش قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَسِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ (فَرْعٌ) إذَا أُخِذَتْ دِيَةُ السِّنِّ أَوْ الْأَصَابِعِ وَالْجِرَاحِ مِنْ الْإِبِلِ فَتُؤْخَذُ مُخَمَّسَةً مِنْ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَبَنُو اللَّبُونِ وَالْحِقَّاتِ وَالْجَذَعَاتِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. ص (وَاسْوِدَادٌ) ش: أَيْ فَإِنْ انْقَلَعَتْ فَفِيهَا دِيَةٌ أُخْرَى قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَانْظُرْهُ. ص (فَإِنْ ثَبَتَتْ لِكَبِيرٍ) ش: أَيْ فَإِنْ ثَبَتَتْ سِنُّ الْكَبِيرِ بَعْدَ قَلْعِهَا وَقَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ عَقْلَهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْعَقْلَ وَهَذَا إذَا قُلِعَتْ السِّنُّ وَأَمَّا لَوْ اضْطَرَبَتْ جِدًّا ثُمَّ ثَبَتَتْ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ

قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاشْتِدَادُ اضْطِرَابِهَا فِيمَنْ لَا يُرْجَى كَقَلْعِهَا فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُسْتَأْنَى بِهَا سَنَةً اهـ. ص (عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْجَانِي) ش: مَا ذَكَرَهُ مِنْ دُخُولِ الْجَانِي هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً تَسْقُطُ الْجِنَايَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعِينُهُ فِيهَا عَادَتْ عَلَيْهِ وَقِيلَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ عَسُرَ تَنَاوُلُهَا كَانَتْ عَلَيْهِ اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّهُ إنْ جَنَى عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ جَنَى خَطَأً فَفِي رَقَبَتِهِ اهـ. وَكَذَا لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَمَّا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةُ مِنْ دِيَةِ الْخَطَإِ فَمِنْ حَقِّ الْعَاقِلَةِ أَنْ تَرُدُّهُ إنْ شَاءَتْ وَإِنْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ فَلَا يَلْزَمُهَا الْأَصْلُ وَلَا الْفَرْعُ اهـ. ص (إنْ بَلَغَ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الْغُرَّةَ لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَالِ الْجَانِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا لِأَنَّهَا دِيَةُ شَخْصٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَالْأَوَّلُ يُقَيَّدُ بِأَنْ لَا يَكُونَ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ ضَرَبَ

فرع جنى عليه ما لا تحمله العاقلة فسرى إلى ما تحمله

مَجُوسِيٌّ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ بَطْنَ مُسْلِمَةٍ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا حَمَلَهُ عَاقِلَةُ الضَّارِبِ اهـ [فَرْعٌ جَنَى عَلَيْهِ مَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَسَرَى إلَى مَا تَحْمِلُهُ] (فَرْعٌ) لَوْ جَنَى عَلَيْهِ مَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَسَرَى إلَى مَا تَحْمِلُهُ حَمَلَتْ الْجَمِيعَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً خَطَأً فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ فَدِيَتَانِ وَنِصْفُ عُشْرٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً وَمَأْمُومَةً بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُوضِحَةُ فِي اللَّحْمِ الْأَعْلَى مِنْ الْوَجْهِ سَقَطَتْ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ اهـ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ الرَّأْسُ تُسْقِطُ دِيَةَ الْمُوضِحَةِ لِانْدِرَاجِهَا فِي دِيَةِ الْعَقْلِ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ قَالَ مَا نَصُّهُ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ الْقَلْبُ أَمَّا مَنْ يَرَاهُ الدِّمَاغَ فَيَنْظُرُ فِي الْمُوضِحَةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْفَكِّ الْأَعْلَى مِنْ الْوَجْهِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الدِّمَاغِ فَيُسْتَغْنَى بِدِيَةِ الْعَقْلِ عَنْ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا تَحْقِيقُ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الضَّرْبَةَ الْوَاحِدَةَ إذَا كَانَ عَنْهَا جُرْحَانِ أَوْ جِرَاحَاتٌ يَقْصُرُ بَعْضُهَا عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَكَانَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ الْعَاقِلَةُ تَحْمِلُهُ وَلِهَذَا عَقَّبَ هَذَا الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً انْتَهَى. قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِرَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا ثَلَاثَ مَأْمُومَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَإِنْ شَجَّهُ ثَلَاثَ مُنَقِّلَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ هَذَا يَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ كَانَ ضَرْبًا مُتَتَابِعًا لَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ فَهُوَ كَضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنْ كَانَ مُفَرَّقًا فِي غَيْرِ فَوْرٍ وَاحِدٍ لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ خَطَأٌ مِمَّا لَوْ كَانَتْ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ ذَهَبَ عَقْلُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ وَسَمْعُهُ فَوَاضِحٌ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ذَلِكَ فَدِيَةُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي وَقَوْلُهُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْمُوضِحَةَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا دُونَ الثُّلُثِ انْتَهَى. ص (وَدِيَةٌ الْحَالِفَيْنِ) ش: قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ تَكُونُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَهُوَ ضَرْبُ الزَّوْجِ وَالْمُؤَدِّبِ وَالْأَبِ فِي وَلَدِهِ وَالْأُمِّ وَالْأَجْدَادِ وَفِعْلِ الطَّبِيبِ وَالْخَاتِنِ وَهُوَ كُلُّ مَنْ جَازَ فِعْلُهُ شَرْعًا وَقِيلَ اللَّطْمَةُ وَالْوَكْزَةُ وَالرَّمْيَةُ بِالْحَجَرِ وَالضَّرْبُ بِعُصَاةٍ مُتَعَمِّدًا فَهَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَتَكُونُ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ انْتَهَى. ص (ثُمَّ بِهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَبْدَأُ بِالْفَخْذِ ثُمَّ الْبَطْنِ ثُمَّ الْعِمَارَةِ ثُمَّ الْفَصِيلَةِ ثُمَّ الْقَبِيلَةِ ثُمَّ أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ (فَائِدَةٌ) أَسْمَاءُ طَبَقَاتِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ سِتَّةٌ: الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْفَخِذُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْعَشِيرَةُ فَالشَّعْبُ بِالْفَتْحِ كَمَا قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَالْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ شَعْبِ الرَّأْسِ بِالْفَتْحِ أَيْضًا وَهُوَ شَأْنُهُ الَّذِي يَضُمُّ قَبَائِلَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالشَّأْنُ وَاحِدُ الشُّئُونِ وَهُوَ تَوَاصُلُ قَبَائِلِ الرَّأْسِ وَمُلْتَقَاهَا وَمِنْهَا تَجِيءُ الدُّمُوعُ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَبِيلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الرَّأْسِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ الْعِظَامُ الْمُتَشَعِّبُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ يَصِلُ بِهَا الشُّئُونَ وَبِهَا سُمِّيَتْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ وَالْوَاحِدَةُ قَبِيلَةٌ وَهُمْ بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ، وَالْقَبِيلُ الْجَمَاعَةُ تَكُونُ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا مِنْ قَوْمٍ شَتَّى مِثْلِ الرُّومِ وَالزِّنْجِ وَالْعَرَبِ وَالْجَمْعُ قَبِيلٌ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا} [الأنعام: 111] وَقَالَ الْأَخْفَشُ قَبِيلًا قَبِيلًا وَقَالَ الْحَسَنُ عِيَانًا انْتَهَى. وَقَبَائِلُ الرَّأْسِ أَرْبَعُ قِطَعٍ: الشَّعْبُ بِالْفَتْحِ مِنْ الْأَضْدَادِ قَالَهُ

الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالشَّعْبُ الصَّدْعُ فِي الشَّيْءِ وَإِصْلَاحِهِ أَيْضًا الشَّعْبُ وَمُصْلِحُهُ الشَّعَّابُ وَالْآلَةُ مِشْعَبٌ انْتَهَى. وَقِيلَ سُمِّيَتْ قَبَائِلُ لِتَقَابُلِ الْأَنْسَابِ فِيهَا وَالْعِمَارَةُ بِالْفَتْحِ وَقَدْ تُكْسَرُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عِمَارَةِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ صَدْرُهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلْبِ وَهُوَ عِمَارَةُ الْجَسَدِ وَالْبَطْنِ لِأَنَّ بُطُونَ الْإِنْسَانِ تَحْتَ صَدْرِهِ وَالْفَخْذُ كَذَلِكَ وَالْفَصِيلَةُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْفَخْذِ لِأَنَّ بِهِ يُفْصَلُ خَلْقُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَنْقَطِعُ آخِرُهُ انْتَهَى. فَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخْذُ فَقَدَّمَ الْفَصِيلَةَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَخَالَفَ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي بَابٍ أَنَّ فَصِيلَةَ الرَّجُلِ رَهْطُهُ الْأَقْرَبُونَ وَالرَّهْطُ قَبِيلَةُ الرَّجُلِ وَقَوْمُهُ الَّتِي تَنْصُرُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود: 91] انْتَهَى. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ تَكُونُ الْفَصِيلَةُ كَالْعُنُقِ مِنْ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَخُزَيْمَةُ شِعْبٌ، وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عِمَارَةُ قُصَيٍّ بَطْنُ هَاشِمٍ فَخْذ الْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ الْعَشِيرَةُ الْأُخُوَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ

فَقَالَ اقْصِدْ الشَّعْبَ فَهْوَ أَكْبَرُ حَيٍّ ... عَدَا فِي الْعِدَا ثُمَّ الْقَبِيلَهْ ثُمَّ يَتْلُوهَا الْعِمَارَةُ ثُمَّ ... الْبَطْنُ وَالْفَخْذُ بَعْدَهَا وَالْفَصِيلَهْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا الْعَشِيرَةُ لَكِنْ ... هِيَ فِي جَنْبِ مَنْ ذَكَرْنَا قَلِيلَهُ وَقَالَ آخَرُ قَبِيلَةٌ قَبْلَهَا شَعْبٌ وَبَعْدَهُمَا ... عِمَارَةٌ ثُمَّ بَطْنٌ وَالْفَخْذُ تَلِيهِمَا وَلَيْسَ يَأْوِي الْفَتَى إلَّا فَصِيلَتُهُ ... وَلَا شِدَادَ لَهُ إلَّا عَشْرَتُهُ وَالشَّعْبُ رُءُوسُ الْقَبَائِلِ مِثْلُ عَدْنَانَ وَقَحْطَانَ وَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَالْقَبَائِلُ مَا انْقَسَمَتْ فِيهَا أَنْسَابُ الشَّعْبِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَالْعِمَارَةُ مَا انْقَسَمَتْ فِيهَا أَنْسَابُ الْقَبِيلَةِ مِثْلُ كِنَانَةَ وَقُرَيْشٍ وَالْبَطْنُ مَا انْقَسَمَتْ فِيهَا أَنْسَابُ الْعِمَارَةِ مِثْلُ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي مَخْزُومٍ وَالْفَخِذُ مَا انْقَسَمَتْ فِيهَا أَنْسَابُ الْبَطْنِ مِثْلُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ وَالْفَصِيلَةُ مَا انْقَسَمَتْ فِيهَا أَنْسَابُ الْفَخْذِ مِثْلُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَبَنِي أَبِي طَالِبٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِذَا تَبَاعَدَتْ الْأَنْسَابُ صَارَتْ الْقَبَائِلُ شُعُوبًا وَالْعَمَائِرُ قَبَائِلَ انْتَهَى. وَالْعَشِيرَةُ مِثْلُ أَوْلَادِ الْعَبَّاسِ وَأَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَقِيلَ: الشُّعُوبُ عَرَبُ الْيَمِينِ مِثْلُ قَحْطَانَ وَالْقَبَائِلُ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَقِيلَ الشُّعُوبُ بُطُونُ الْعَجَمِ وَالْقَبَائِلُ بُطُونُ الْعَرَبِ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَعَلَى هَذَا فَالشُّعُوبُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ نَسَبٌ كَالسِّنْدِ وَالتُّرْكِ وَالْقَبَائِلِ مِنْ الْعَرَبِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الشُّعُوبُ الْمَوَالِي وَالْقَبَائِلُ الْعَرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ) ش: ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ مَنْ لَا قَوْمَ لَهُ فَالْمُسْلِمُونَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ. اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَتْ لَهُ عَاقِلَةٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَحْمِلُ لِقِلَّتِهِمْ، حُمِلَ عَلَيْهِمْ مَا يَحْمِلُونَ وَالْبَاقِي عَلَى بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى. (قُلْت) عَزْوُهُ لِلشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِف عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَالْمَسْأَلَةُ) فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ وَالْمَوَارِيثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الذِّمِّيِّينَ فَعَقْلُهُمْ وَحَرَائِرُ أَمْوَالِهِمْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيَرِثُهُمْ الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ يُعْرَفُونَ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَعَاجِمِ وَالْبَرْبَرِ وَالسُّودَانِ وَالْقِبْطِ وَلَا مَوَالِيَ لَهُمْ فَعَقْلُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمِيرَاثُهُمْ لَهُمْ انْتَهَى. وَفِيهَا أَيْضًا وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ لِقُرَشِيٍّ وَذِمِّيٍّ فَأَعْتَقَاهُ مَعًا فَوَلَاءُ حِصَّةِ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ نَصْرَانِيًّا فَأَعْتَقَاهُ مَعًا ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً كَانَ نِصْفُهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَنِصْفُهَا عَلَى أَهْلِ خَرَاجِ الذِّمِّيِّ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ مَعَهُ الْجِزْيَةَ وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ جَنَى كَانَتْ حِصَّةُ الذِّمِّيِّ مِنْ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دُونَهُمْ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوا حِصَّتَهُ وَالنِّصْفُ عَلَى قَوْمِ الْقُرَشِيِّ. اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا وَغَيْرِهِ ص (وَعَلَى الْقَاتِلِ الْحُرِّ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ التَّبْصِرَةِ (فَرْعٌ) لَوْ سَقَتْ وَلَدَهَا دَوَاءً فَشَرِقَ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ انْقَلَبَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا غَيْرُ الْكَفَّارَةِ انْتَهَى. (وَمَسْأَلَةٌ) سَقْيُ الدَّوَاءِ ذَكَرَهَا فِي الْعُتْبِيَّة فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاع ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَمَسْأَلَةُ النَّائِمَةُ تَنْقَلِبُ عَلَى وَلَدِهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَيَمُوتُ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي بَابِ مَا أَصَابَ النَّائِمَ وَالنَّائِمَةَ وَزَادَ وَدِيَتُهُ عَلَى

فرع كان للوث شهود غير عدول أو تعرف جرحتهم أو تتوهم فيهم الجرحة

عَاقِلَتِهَا وَنَصُّهُ: وَإِذَا نَامَتْ امْرَأَةٌ عَلَى وَلَدِهَا فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَتُعْتِقُ رَقَبَةً انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مُحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ وَلَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَحَدٌ وَيَبْطُلُ دَمُهُ وَلَا يَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا غَيْرِهِ. مَا نَصُّهُ (سُئِلَ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَنْ نَامَ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ فَأَصْبَحَ الْوَلَدُ بَيْنَهُمَا مَيِّتًا لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا رَقَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا وَعِنْدِيّ أَنَّهُ هَدَرٌ. (قُلْت) لِشَيْخِنَا فَمَا رَأْيُكُمْ فِيهَا؟ قَالَ كَرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهَا هُنَا انْتَهَى. [فَرْعٌ كَانَ لِلَّوْثِ شُهُودٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَوْ تُعْرَفُ جُرْحَتُهُمْ أَوْ تُتَوَهَّمُ فِيهِمْ الْجُرْحَةُ] ص (أَوْ نُكُولُ الْمُدَّعِي عَلَى ذِي اللَّوْثِ وَحَلِفُهُ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: إذَا كَانَ لِلَّوْثِ شُهُودٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَوْ تُعْرَفُ جُرْحَتُهُمْ أَوْ تُتَوَهَّمُ فِيهِمْ الْجُرْحَةُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ ضَرْبُ مِائَةِ سَوْطٍ وَسِجْنُ عَامٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ السِّجْنُ الطَّوِيلُ رَجَاءَ أَنْ يُوجَدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ وَأَمَّا إنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِجُرْحَةٍ وَلَا عَدَالَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّرْبُ وَالسِّجْنُ إنْ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ أَوْ بَعْدَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُ مِائَةٍ وَسِجْنُ عَامٍ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الْقَسَامَةِ مَعَ ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَدْلٌ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ الْقَسَامَةِ بِذَلِكَ وَلَا فِي وُجُوبِ ضَرْبِ مِائَةٍ وَسَجْنِهِ عَامًا إنْ عَفَا عَنْهُ الْأَوْلِيَاءُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضْرَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمَ بِالتُّهْمَةِ وَإِنَّمَا يُحْبَسُ بِهَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ التُّهْمَةُ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ رَجَاءَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ قَوِيَتْ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ بِمَا يُشْبِهُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَحْقِيقًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ حُبِسَ الْحَبْسَ الطَّوِيلَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ بَرَاءَتُهُ أَوْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ السُّنُونَ الْكَثِيرَةُ قَالَ مَالِكٌ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُحْبَسُ فِي الدَّمِ بِاللَّطْخِ وَالتُّهْمَةِ حَتَّى أَنَّ أَهْلَهُ لَيَتَمَنَّوْنَ لَهُ الْمَوْتَ مِنْ طُولِ السِّجْنِ فَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ وَكَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ حُبِسَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ لَمْ يُحْبَسْ وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا انْتَهَى. [فَرْعٌ تَقْدِيمِ الضَّرْبِ عَلَى السِّجْنِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي تَقْدِيمِ الضَّرْبِ عَلَى السِّجْنِ وَالتَّخْيِيرِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ مَا فِي السَّمَاعِ انْتَهَى. [الْقَسَامَةُ] ص (وَالْقَسَامَةُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَسَامَةُ حَلْفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ جُزْأَهَا عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: الْقَسَامَةُ تَرْدِيدُ الْأَيْمَانِ بَيْنَ الْحَالِفِينَ. أَشْهَبُ: الْقَسَامَةُ سُنَّةٌ لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ص (قَتَلَنِي فُلَانٌ وَلَوْ خَطَأً) ش: قَالَ

فرع قال دمي على رجل ثم شهد شهود أنه قال دمي على رجل آخر قبله وقال لما سئل عن ذلك إني خشيت أن يرجع إلي فيتم علي

الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَأَظُنُّهُ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ يُونُسَ لَوْ قِيلَ لِلْمَجْرُوحِ مَنْ ضَرَبَك فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَلَا أَدْرِي مَنْ ضَرَبَنِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فُلَانٌ فَالتَّدْمِيَةُ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَالَ دَمِي عَلَى رَجُل ثُمَّ شَهِدَ شُهُود أَنَّهُ قَالَ دَمِي عَلَى رَجُل آخِر قبله وَقَالَ لَمَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ إنِّي خشيت أَنْ يرجع إِلَيَّ فيتم عَلَيَّ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ

فرع دمي على رجلين فذكر أن أحدهما أمسكه والآخر قتله

فِي رَجُلٍ دَمِيَ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ شَهِدَ شُهُودٌ أَنَّهُ قَالَ دَمِيَ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ قَبْلَهُ وَقَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ إنِّي خَشِيت أَنْ يَرْجِعَ إلَيَّ فَيُتِمَّ عَلَيَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ التَّدْمِيَةَ لِأَنَّ فِي تَدْمِيَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوَّلًا إبْرَاءٌ لَهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ أَخَافُ أَنَّهُ يُتِمُّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ كَمَنْ أَبْرَأَ رَجُلًا مِنْ حَقٍّ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُهُ وَقَالَ: إنَّمَا أَبْرَأْته لِوَجْهِ كَذَا وَلِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّدْمِيَةِ عَلَى بُرْءٍ لَمْ يَحِقَّ عَلَيْهِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ دَمِيَ أَوَّلًا عَلَى بَرِيءٍ اتَّهَمْنَاهُ فِي أَنَّهُ دَمِيَ ثَانِيًا عَلَى بَرِيءٍ وَإِذَا بَطَلَتْ التَّدْمِيَةُ صَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي حُكْمِ مَنْ قَوِيَتْ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ بِالدَّمِ وَلَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُطَالَ سِجْنُهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُحْبَسُ فِي اللَّطْخِ وَالشُّبْهَةِ حَتَّى أَنَّ أَهْلَهُ لَيَتَمَنَّوْنَ لَهُ الْمَوْتَ مِنْ طُولِ سِجْنِهِ وَإِنْ طَالَ سِجْنُهُ الدَّهْرَ الطَّوِيلَ وَلَمْ يَظْهَرْ بَرَاءَةٌ اُسْتُحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ وَاَللَّهُ سَائِلُهُ وَحَسِيبُهُ انْتَهَى. [فَرْعٌ دَمِيَ عَلَى رَجُلَيْنِ فَذَكَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَمْسَكَهُ وَالْآخَرَ قَتَلَهُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ: دَمِيَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِجُرْحٍ وَدَمِيَ أَخُو الْمُدْمَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدْمِي الْأَوَّلِ وَقَرِيبٍ لَهُ بِأَنَّ الْقَرِيبَ أَمْسَكَهُ وَصَارَ يَقُولُ الْآخَرُ: اضْرِبْ اُقْتُلْ. فَمَاتَ الْمُدْمَى الثَّانِي فَأَرَادَ أَخُو الْمُدْمَى عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَقُومَ بِدَمِ أَخِيهِ فَهَلْ يُقْتَلُ الْمُدْمَى عَلَيْهِ مَعَ قَرِيبِهِ بِالْقَسَامَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ جِرَاحُهُ الَّتِي دَمِي بِهَا أَوْ يُؤَخِّرُ جِرَاحَهُ وَيُسْجَنُ؟ فَأَجَابَ لَا يُقْتَلُ الْمُدْمَى عَلَيْهِ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُهُ الَّتِي دَمِيَ بِهَا لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ إبْطَالُ مَا وَجَبَ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ الْقَسَامَةِ عَلَى قَاتِلِهِ وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُسْجَنَ الثَّلَاثَةُ الْمُدْمَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ صَحَّ الْمُدْمَى الْأَوَّلُ مِنْ جِرَاحِهِ أَقْسَمَ أَخُو الْمَيِّتِ عَلَيْهِ مَعَ أَحَدٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ عَلَى قَرِيبِ الْمُدْمَى الْأَوَّلِ وَقَتَلُوهُ بِقَسَامَتِهِمْ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَتْلِ اثْنَيْنِ بِالْقَسَامَةِ غَرِيبٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبُرْزُلِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَنَصَّهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِيمَنْ دَمِيَ عَلَى رَجُلَيْنِ فَذَكَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَمْسَكَهُ وَالْآخَرَ قَتَلَهُ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ أَدْمَى عَلَى رَجُلَيْنِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَتَدْخُلُ الثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالُ أَنْ تَقْسِمَ الْوُلَاةُ عَلَى وَاحِدٍ وَالْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي رَجُلٍ أَمْسَكَ رَجُلًا وَقَتَلَهُ آخَرُ فَقَالَ «اُقْتُلُوا الْقَاتِلَ وَأَحْيُوا الضَّارِيَ» بِمَعْنَى احْبِسُوا الَّذِي حَبَسَهُ لِلْمَوْتِ حَتَّى يَمُوتَ

فرع ثبتت التدمية بشهادة رجلين لكن لم يعاينا الجرح الذي في المدمى وثبت بشهادة غيرهم أنه كان مجروحا

قُلْت) تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا يُقْتَلُ فِيهَا اثْنَانِ بِالْقَسَامَةِ الْوَاحِدَةِ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ وَلَوْ قَالَ الْمَجْرُوحُ جَرَحَنِي فُلَانٌ جُرْحَ كَذَا أَوْ خَنَقَنِي فُلَانٌ أَوْ رَكَضَنِي أَوْ ضَرَبَنِي بِالْعَصَا وَمِنْ فِعْلِهِمْ أَمُوتُ وَلَمْ يُسَمِّ أَيَّهمْ أَبْلَغَ مَقَاتِلَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ أَثْخَنَهُ جُرْحَهُ فَيَقْسِمُ عَلَيْهِ الْأَوْلِيَاءُ فَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ بَلَغَتْ جِرَاحُهُمْ مَقَاتِلَهُ فَغَيْرُ وَاحِدٍ يَقْسِمُونَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ وَيَقْتُلُوهُ ثُمَّ يُضْرَبُ الْآخَرُونَ مِائَةً مِائَةً وَيُسْجَنُونَ عَامًا. (قُلْت) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمَاسِكِ وَالْقَاتِلِ وَيُحْتَمَلُ الْوِفَاقُ لِأَنَّ هُنَا اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ مُبَاشَرَةً بِخِلَافِ الْمَاسِكِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِقَتْلِهِ لَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ. [فَرْعٌ ثَبَتَتْ التَّدْمِيَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَكِنْ لَمْ يُعَايِنَا الْجُرْحَ الَّذِي فِي الْمُدْمَى وَثَبَتَ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ كَانَ مَجْرُوحًا] (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَتْ التَّدْمِيَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَكِنْ لَمْ يُعَايِنَا الْجُرْحَ الَّذِي فِي الْمُدْمَى وَثَبَتَ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ كَانَ مَجْرُوحًا جَازَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوْقَهُ (فَرْعٌ) يُفْهَمُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْمُدْمَى عَلَيْهِ يُحْبَسُ وَإِنْ كَانَ مَجْرُوحًا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَم. ص (أَوْ يَرَاهُ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ) ش: فَاعِلُ يَرَى ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْعَدْلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ اللَّوْثِ أَنْ يَشْهَدَ الْعَدْلُ عَلَى أَنَّهُ رَأَى الْمَجْرُوحَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ الْعَدْلَ هَذَا ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَيْسَ مِنْهُ وُجُودٌ بِقَرْيَةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ) ش: نَحْوُهُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَالْعَدْلِ يَرَى الْمَقْتُولَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَلَيْسَ مَوْتُ الرَّجُلِ عِنْدَنَا فِي الْمُزَاحَمَةِ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةُ بَلْ هُوَ هَدَرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ

وَتَجِبُ الدِّيَةُ انْتَهَى. ص (وَهِيَ خَمْسُونَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي كَيْفِيَّةِ قَسَامَةٍ قَامَ بِهَا الْمَقْتُولُ وَأَخُوهُ بِأَنْ يُقْسِمَا خَمْسِينَ يَمِينًا تُرَدُّ عَلَيْهِمَا يَمِينًا يَمِينًا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ يَقُولُ الْأَبُ فِي يَمِينِهِ بِمُنْقَطِعِ الْحَقِّ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ إثْرَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ لَقَدْ قَتَلَ هَذَا وَيُشِيرُ إلَى الْقَاتِلِ ابْنَهُ فُلَانًا بِالْجُرْحِ الَّذِي أَصَابَهُ بِهِ وَمَاتَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَمْدِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَكَذَلِكَ يُقْسِمُ الْأَخُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: لَقَدْ قَتَلَ أَخِي فَإِذَا اسْتَكْمَلَ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أُسْلِمَ بِرُمَّتِهِ إلَيْهِمَا فَاسْتَقَادَا مِنْهُ بِالسَّيْفِ قَتْلًا مُجْهِزًا عَلَى مَا أَحْكَمَهُ الشَّرْعُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ أَصْبَغُ بْنُ مُحَمَّدٍ هَلْ يَزِيدُ وَلِيُّ الدَّمِ فِي يَمِينِهِ وَأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ قَوْلِ الْمُدْمَى حَقٌّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) لَا يَلْزَمُ وَلِيَّ الدَّمِ أَنْ يَزِيدَ فِي يَمِينِهِ إحْقَاقُ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ قَوْلِ الْمُدْمَى وَلَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ. ص (بَتًّا) ش: وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا) ش: يُرِيدُ أَوْ صَغِيرًا وَيَحْلِفُ إذَا بَلَغَ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ. ص (أَوْ امْرَأَةً) ش: كَمَا لَوْ خَلَّفَ بِنْتًا وَاحِدَةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ إلَّا بِنْتًا بِغَيْرِ عَصَبَةٍ حَلَفَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا فَأَخَذَتْ نِصْفَ الدِّيَةِ أَبُو الْحَسَنِ وَسَكَتَ عَنْ النِّصْفِ الْبَاقِي. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَيَسْقُطُ الْبَاقِي وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا قَالَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ انْتَهَى. وَنَصُّ الَّذِي تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ مَعْلُومٌ مَعَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ يَحْلِفُ الْوَارِثُ الْمَعْلُومُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ وَبَطَلَ الْبَاقِي مِنْهُمَا انْتَهَى مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ الثَّانِي. انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمُقْسِمُ فِي الْخَطَإِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً يَحْلِفُونَ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَلَا قَسَامَةَ لَهُ لِتَعَذُّرِ قَسَمِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُقْسِمُ الْأَوَّلُ لِسَبَبٍ أَوْ وَلَاءٍ وَلَا يُقْسِمُ مِنْ الْقَبِيلَةِ إلَّا مَنْ الْتَقَى مَعَهُ إلَى نَسَبٍ ثَابِتٍ وَلَا يُقْسِمُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ بَلْ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ انْتَهَى. ص (وَإِنْ نَكَلُوا أَوْ بَعْضُ حَلَفَتْ الْعَاقِلَةُ) ش: أَيْ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدَّ الْعَاقِلَةِ سَبْعُمِائَةٍ أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ سَقَطَتْ الدِّيَةُ جَمِيعُهَا وَحَلَفَتْ الْعَاقِلَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْلِفُ وَيَسْقُطُ حِصَّةُ النَّاكِلِ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ) ش: أَيْ فَلَا يَحْلِفُ النِّسَاءُ وَحَكَى ابْن الْفَاكِهَانِيِّ قَوْلًا بِأَنَّ النِّسَاءَ يَحْلِفْنَ قَالَ الْقَلْشَانِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ

الشَّيْخِ زَرُّوقٍ. ص (عُصْبَةٌ وَإِلَّا فَمَوَالٍ) ش: عُصْبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُصْبَةُ نَسَبٍ فَيَحْلِفُ الْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ لِأَنَّهُمْ عُصْبَةٌ وَلَا يَحْلِفُ الْمَوَالِي الْأَسْفَلُونَ. نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى. ص (وَلِلْوَلِيِّ الِاسْتِعَانَةُ بِعَاصِبِهِ) ش: أَيْ وَلِلْوَلِيِّ إذَا كَانَ وَاحِدًا أَنْ يَسْتَعِينَ بِعَاصِبِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَدَّدَ الْوَلِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى نِصْفِهَا فَتَأَمَّلْهُ. وَالْمُرَادُ عَاصِبُهُ الَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي أَبٍ مَعْرُوفٍ وَلَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا أَنَّهُ مِنْ الْقَبِيلَةِ الْفُلَانِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى. ص (بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَوْ بَعُدُوا) ش: أَيْ بِخِلَافِ نُكُولِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ نُكُولَهُ مُعْتَبَرٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ وُلَاةُ الدَّمِ فِي التَّعَدُّدِ سَوَاءً كَالْأَوْلَادِ أَوْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَعْمَامِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ أَقْرَبُ بِحَيْثُ يَكُونُ غَيْرُهُ أَقْرَبَ مُعَيَّنًا فَإِنَّ نُكُولَ أَحَدِهِمْ مُسْقِطٌ لَلْقَوَدِ أَمَّا إذَا كَانُوا أَوْلَادًا وَإِخْوَةً فَبِاتِّفَاقٍ وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهِمْ كَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ وَمَنْ هُوَ أَبْعَدُ وَالْمَشْهُورُ سُقُوطُ الْقَوَدِ أَيْضًا وَالشَّاذُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ كَذَا قَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَلَامُ الشَّارِحُ مُشْكِل فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَلَا اسْتِعَانَةَ) ش قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ إنَّمَا عَزَاهُ

فِي الْمُقَدِّمَاتِ لِمُطَرِّفٍ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ حَارِثٍ رِوَايَةً لِمُطَرِّفٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلًا لَهُ وَرِوَايَةً وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ عَزَاهُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ وَإِلَّا فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَيَحْلِفُ مَعَهُمْ الْمُتَّهَمُ وَهُوَ الَّذِي حَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ وَعَلَيْهِ دَرَجَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي التَّوْضِيحِ (قُلْت) كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَنَصُّهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ وَحْدَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَحَدٍ مِنْ وُلَاتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي رَسْمِ أَوَّلِ عَبْدٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقِيقَةً هُوَ الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيُطْلَبُ مِنْهُ الْقِصَاصُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ النُّكُولِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَحْلِفُ وَلِلْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ حَظٌّ وَافِرٌ مِنْ النَّظَرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الدِّيَةُ تَقَعُ فِيهَا الْحَمِيَّةُ وَالْعَصَبِيَّةُ صَارَتْ عُصْبَةُ الْمَقْتُولِ هُمْ الطَّالِبُونَ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِحَقِّ التَّعْصِيبِ لَا بِحَقِّ الْوِرَاثَةِ انْتَهَى. فَقَدْ اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ أَوْ قَتْلِ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ جَنِينٍ حَلَفَ وَاحِدَةً وَأَخَذَ الدِّيَةَ) ش: أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَأَخَذَ الدِّيَةَ. أَمَّا مَسْأَلَةُ الْجُرْحِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا قَسَامَةَ فِي الْجِرَاحِ لَكِنْ مَنْ أَقَامَ

فرع أقام شاهدا أن عبد فلان قتل عبده

شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَإِ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ فَقَالَ كَلَّمْت مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. هَذَا لَفْظُهَا عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ نَكَلَ مَنْ قَامَ بِالشَّاهِدِ حَلَفَ الْجَارِحُ فَإِنْ نَكَلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي نَصْرَانِيٍّ قَامَ عَلَى قَتْلِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ مُسْلِمٌ يَحْلِفُ وُلَاتُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى قَاتِلِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا هَذَا لَفْظُهَا أَيْضًا بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَانْظُرْ هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وُلَاتِهِ يَمِينًا أَوْ تُجْزِئُهُمْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وُلَاتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ يَحْلِفُ سَيِّدُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَأْخُذُ قِيمَةَ عَبْدِهِ سَوَاءً كَانَ قَاتِلُهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. [فَرْعٌ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ عَبْدَ فُلَانٍ قَتَلَ عَبْدَهُ] (فَرْعٌ) فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ عَبْدَ فُلَانٍ قَتَلَ عَبْدَهُ حَلَفَ مَعَهُ وَخُيِّرَ سَيِّدُ الْقَاتِلِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ أَوْ يُسْلِمَ عَبْدَهُ فَإِنْ أَسْلَمَهُ لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَانْظُرْ هَلْ يُضْرَبُ الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ. وَفِيهَا إنْ ضُرِبَتْ امْرَأَةٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. فَفِي الْمَرْأَةِ الْقَسَامَةُ وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ كَأَنَّهُ جُرْحٌ مِنْ جِرَاحِهَا وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدِ عَدْلٍ فَتَحْلِفُ وُلَاتُهُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ. الصَّقَلِّيُّ يُرِيدُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَفِيهَا إنْ قَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. فَخَرَجَ جَنِينُهَا حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْأُمِّ الْقَسَامَةُ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ قَتَلَنِي وَقَتَلَ فُلَانًا مَعِي لَمْ يَكُنْ فِي فُلَانٍ قَسَامَةٌ انْتَهَى. بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ مَوْتُهَا وَخُرُوجُ الْوَلَدِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ يَحْلِفُونَ مَعَهُ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الْغُرَّةَ وَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا فَفِيهِ الْقَسَامَةُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَوِثَ وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ لَوْثًا فِي حَقِّ وَلَدِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (فَلَوْ قَالَتْ دَمِي وَجَنِينِي) ش لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا قَوْلُ الْمَرْأَةِ فَقَطْ فَلَيْسَتْ بِمُعَارَضَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ الْبَاغِيَةُ] ص (بَابٌ الْبَاغِيَةُ فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ لِمَنْعِ حَقٍّ أَوْ لِخَلْعِهِ) ش: لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقَتْلِ وَالْجُرْحِ اللَّذَيْنِ يَكُونُ عَنْهُمَا إذْهَابُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّينَ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْجِنَايَاتِ الَّتِي تُوجِبُ سَفْكَ الدِّمَاءِ أَوْ مَا

دُونَهُ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَالْجِنَايَةِ هُوَ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَضُرُّ حَالًا أَوْ مَالًا. وَالْجِنَايَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَاتِ سَبْعٌ: الْبَغْيُ وَالرِّدَّةُ وَالزِّنَا وَالْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ وَالْحِرَابَةُ وَالشُّرْبُ. وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْبَغْيِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا مَفْسَدَةً إذْ فِيهِ إذْهَابُ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ غَالِبًا فَقَالَ: بَابٌ. أَيْ هَذَا بَابٌ أَذْكُرُ

فِيهِ أَحْكَامَ الْبَغْيِ وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ التَّعَدِّي وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: إنَّ مَادَّةَ (ب غ ي) لِلطَّلَبِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَقْصُورٌ عَلَى طَلَبٍ خَاصٍّ وَهُوَ ابْتِغَاءُ مَا لَا يَنْبَغِي ابْتِغَاؤُهُ انْتَهَى. وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَغْيُ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ وَلَوْ تَأَوَّلَا انْتَهَى. وَعَرَّفَهَا الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ الْبَاغِيَةُ أَيْ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ هِيَ فِرْقَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَالَفَتْ الْإِمَامَ لِشَيْئَيْنِ إمَّا لِمَنْعِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ زَكَاةٍ أَوْ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لِدُخُولٍ فِي طَاعَتِهِ فَإِنَّهُ حَقٌّ أَوْ خَالَفَتْهُ لِخَلْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَخَرَجَ. الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ غَيْرِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى بَغْيًا اهـ. يُرِيدُ أَوْ نَائِبُهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ لَا لِمَنْعِ حَقٍّ بَلْ لِمَنْعِ ظُلْمٍ كَأَمْرِهِ بِمَعْصِيَةٍ لَيْسَتْ بِبَاغِيَةٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ كَوْنُ الْخُرُوجِ مُغَالَبَةً وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَفْظَةُ مُغَالَبَةً كَالْفَصْلِ أَوْ كَالْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَصَى الْإِمَامَ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ لَا يَكُونُ مِنْ الْبُغَاةِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ وَإِخْرَاجُ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَبَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى بَغْيًا اهـ. وَكَأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِالْمُغَالَبَةِ الْمُقَاتَلَةِ فَمَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَبَةٍ لَا يَكُونُ بَاغِيًا. وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَأَمَاتَنَا عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَسُنَّتِهِمْ أَنَّهُ مَكَثَ أَشْهُرًا لَمْ يُبَايِعْ الْخَلِيفَةَ ثُمَّ بَايَعَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَلِابْنِ عَرَفَةَ فِي آخِرِ الْجِهَادِ كَلَامٌ حَسَنٌ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ وَقَتْلِ الْخَوَارِجِ وَكَذَا لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ كَلَامٌ حَسَنٌ فِي الْجِهَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْبَيْعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَيْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبَايِعَ لِلْإِمَامِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَكَأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ فَكَأَنَّهُ حَصَلَتْ مُعَاوَضَةٌ، ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»

باب الردة

غَيْرَ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالشُّهْرَةِ فَبَيْعَتُهُ بِالْقَوْلِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَبِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا وَيَكْفِي مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ وَلَا يَعْرِفُ أَنْ يَعْتَقِدَ دُخُولَهُ تَحْتَ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَيَسْمَعَ وَيُطِيعَ لَهُ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَلَا يَعْتَقِدَ خِلَافًا لِذَلِكَ فَإِنْ أَضْمَرَهُ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةً انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ بِنَحْوِ الْوَرَقَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» إنَّمَا لِلْحَصْرِ وَيَعْنِي بِهِ مَا لَيْسَ بِمُنْكَرٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ الطَّاعَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْمَنْدُوبُ إلَيْهَا وَالْأُمُورُ الْجَائِزَةُ شَرْعًا فَلَوْ أَمَرَ بِجَائِزٍ صَارَتْ طَاعَتُهُ فِيهِ وَاجِبَةً وَلَمَا حَلَّتْ مُخَالَفَتُهُ فَلَوْ أَمَرَ بِمَا زَجَرَ الشَّرْعُ عَنْهُ زَجْرَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَهَذَا مُشْكِلٌ. وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْمُخَالَفَةِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» . وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَقْتَتِلَ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. ص (وَكُرِهَ لِرَجُلٍ قَتْلُ أَبِيهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرَوَى جَوَازَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَبِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الْجَدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتِلَافُ الطُّرْطُوشِيِّ وَعِيَاضٍ فِي الْجَدِّ هَلْ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فِي وُجُوبِ الْبِرِّ انْتَهَى. [بَابٌ الرِّدَّةُ] ص (بَابٌ الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) ش: نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِصْمَةَ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْكَبَائِرِ وَأَنْ يَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: كُفْرُ الْمُسْلِمِ. مِمَّا إذَا انْتَقَلَ الْكَافِرُ مِنْ دِينِهِ إلَى دِينٍ آخَرَ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقِيلَ: إنَّهُ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. قَالَهُ الشَّارِحُ وَأَظُنُّهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ اهـ (قُلْت) وَقَالَ فِي الشِّفَاءِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الَّذِي يَتَزَنْدَقُ فَقَالَ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دِينٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ. ص (وَسِحْرٌ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السِّحْرَ رِدَّةٌ وَأَنَّهُ يُسْتَتَابُ السَّاحِرُ إذَا أَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِيهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إلَّا أَنْ يَجِيءَ

فرع كلام الملائكة مع غير الأنبياء

تَائِبًا بِنَفْسِهِ. اُنْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحَ. ص (وَقَوْلٌ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بِبَقَائِهِ) ش: قَالَ فِي الشِّفَاءِ وَكَذَلِكَ يُقْطَعُ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بِبَقَائِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. فَقَوْلُ الشَّارِحِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ وَلِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِيهِمْ قَوْلَانِ يُوهِمُ أَنَّ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بِبَقَائِهِ خِلَافًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) ش: تَقَدَّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشِّفَاءِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحٍ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ وَعَلَيْهِ فَالْحَدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ هَذَا النَّوْعِ مِنْهُ، غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالشَّكِّ فِي ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَأَمَّا الشَّكُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِذَلِكَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِكُفْرِهِ ظَاهِرًا إلَّا بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ اعْتِقَادَ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِهِ كُفْرٌ وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْكُفْرِ إلَّا بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِمَا يَقْتَضِيه فَتَأَمَّلْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص. (أَوْ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ) ش: أَيْ انْتِقَالِهَا فِي الْأَشْخَاصِ الْآدَمِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّ تَعْذِيبَهَا وَتَنْعِيمَهَا بِحَسَبِ زَكَاتِهَا وَخُبْثِهَا، فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ شِرِّيرَةً أُخْرِجَتْ مِنْ قَالِبِهَا الَّتِي هِيَ فِيهِ وَأُلْبِسَتْ قَالِبًا يُنَاسِبُ شَرَّهَا مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَتْ جَزَاءَ شَرِّهَا بَقِيَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالِبِ تَنْتَقِلُ مِنْ فَرْدٍ إلَى فَرْدٍ وَإِنْ لَمْ تَأْخُذْ انْقَلَبَتْ إلَى قَالِبٍ أَشَرَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ جَزَاءَ الشَّرِّ وَفِي الْخَيْرِ تَنْتَقِلُ إلَى أَعْلَى وَلِذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ أَنْ لَا خَيْرَ وَلَا شَرَّ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ - نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ. فَأَدَّى اعْتِقَادُ التَّنَاسُخِ إلَى إنْكَارِ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ) ش: [فَرْعٌ كَلَامُ الْمَلَائِكَةِ مَعَ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ] (فَرْعٌ) قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَا نَصُّهُ كَلَامُ الْمَلَائِكَةِ مَعَ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ يَصِحُّ. وَكَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الطُّلَّابِ مِنْ شُيُوخِ زَمَانِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ: الْيَوْمُ كَلَّمَتْنِي الْمَلَائِكَةُ. يُسْتَتَابُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ مَنْ زَعَمَهُ فَإِنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِالصَّلَاحِ تُجُوِّزَ عَنْهُ، وَإِلَّا زُجِرَ عَنْ قَوْلِ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَتَّفِقُ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ: قِيلَ لِي وَخُوطِبْت وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يُشَدِّدُ الْقَوْلَ فِيهِ وَفِي إنْكَارِهِ عَلَى مَنْ زَعَمَهُ اهـ. وَفِي الشِّفَاءِ وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى مُجَالَسَةَ اللَّهِ وَالْعُرُوجَ إلَيْهِ وَمُكَالَمَتَهُ يَعْنِي أَنَّهُ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ فِي أَمَالِيهِ

إذَا قَالَ وَلِيٌّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَا اللَّهُ عُزِّرَ التَّعْزِيرَ الشَّرْعِيَّ وَهَذَا لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ إذْ الْأَوْلِيَاءُ غَيْرُ مَعْصُومِينَ انْتَهَى. (قُلْت) وَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِالتَّعْزِيرِ الشَّرْعِيِّ هَلْ هُوَ الِاسْتِتَابَةُ أَوْ غَيْرُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الِاسْتِتَابَةُ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ فِيهِ دَعْوَى الْأُلُوهِيَّةِ أَوْ حُلُولُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. ص (وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ تَأْخِيرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاجِبٌ هَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّوَسُّطِ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ لَهُ الْإِمْهَالَ؟ ، لَعَلَّهُ إنَّمَا ارْتَدَّ لِرَيْبٍ فَيُتَرَبَّصُ بِهِ مُدَّةً لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ وَالْجَهْلَ بِالْعِلْمِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ أَوَّلًا اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَعَرْضُ التَّوْبَةِ وَاجِبٌ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا يَكُونُ فِيهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ نَوَازِلَ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ. ص (فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) ش: فَإِنْ تَابَ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ اللُّبَابِ وَالذَّخِيرَةِ وَأَصْلُهُ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَفِي أَوَاخِرِ

تنبيه من سب النبي

الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ (مَسْأَلَةٌ) وَفِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ اتَدَّ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُعَزَّرْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَيَجُوزُ أَنْ يُعَزَّرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ. وَلَسْت أَعْرِفُهُ مَنْصُوصًا وَلَكِنْ يَجُوزُ عِنْدِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُولَى وَغَيْرِهَا أَنَّهُ فِي الْأُولَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَصَلَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ بِسَبَبِ زَوَالِهَا فَإِذَا عَاوَدَ الرِّدَّةَ بَعْدَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ ثُمَّ تَابَ ضُرِبَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شُبْهَةٌ وَلَا يُزَادُ عَلَى التَّعْزِيرِ وَلَا يُحْبَسُ وَلَا يُقْتَلُ انْتَهَى [تَنْبِيه مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ] (تَنْبِيهٌ) صَرَّحَ فِي الشِّفَاءِ بِأَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ رِدَّةٌ وَأَنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنَّهُ إنْ تَابَ نُكِّلَ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ بِسَبَبِ كَلَامٍ سَاقِطٍ فِي حَقِّ الْبَارِي أَوْ سَبٍّ لَهُ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَقَالَهُ فِي الشِّفَاءِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَمَالُهُ لِوَارِثِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ لِوَارِثِهِ وَهَذَا إذَا تَابَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ فَلَا قَالَهُ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَانْظُرْ أَوَاخِرَ الشِّفَاءِ وَابْنَ عَرَفَةَ. ص (وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً وَصِيَامًا إلَى قَوْلِهِ وَإِحْصَانًا) ش أَيْ وَأَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ عَنْ الْمُرْتَدِّ صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاةً أَيْ أَبْطَلَتْ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالزَّكَاةَ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِالْمُرْتَدِّ مِنْ حِينِ تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِهِ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فَالْإِسْقَاطُ بِمَعْنَى إبْطَالِ ثَوَابِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ

فرع ارتد وهو محرم

يَفْعَلْ ذَلِكَ فَالْإِسْقَاطُ بِمَعْنَى إبْطَالِ تَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ. وَسَوَاءٌ وَجَبَ ذَلِكَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ أَدْرَكَهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ وَهُوَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ (فَرْعٌ) فَلَوْ صَلَّى صَلَاةً ثُمَّ ارْتَدَّ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقْتُهَا بَاقٍ بِحَيْثُ يُدْرِكُ مِنْهَا رَكْعَةً لَزِمَتْهُ. نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّالِثِ. وَأَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ حَجًّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُرْتَدِّ فِي حَالِ إسْلَامِهِ وَالْإِسْقَاطُ هُنَا بِمَعْنَى إبْطَالِ ثَوَابِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَجِّ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ وَقْتَهُ مُتَّسِعٌ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِخِطَابِ مُبْتَدَأٍ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ لِلْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَجِّ. [فَرْعٌ ارْتَدَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ] (فَرْعٌ) فَلَوْ ارْتَدَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ بَطَلَ إحْرَامُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا أَوْ قَدْ كَانَ حَجَّ الْفَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِئْنَافِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَبْلَ رِدَّتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ وَسَقَطَ مِنْ ذِمَّتِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ عَنْ الْمُرْتَدِّ نَذْرًا نَذَرَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ أَوْ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَأَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ عَنْ الْمُرْتَدِّ أَيْمَانًا بِاَللَّهِ حَلَفَهَا فِي حَالِ إسْلَامِهِ أَوْ فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَوْ يَمِينًا بِعِتْقٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ بِعِتْقِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِعِتْقِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ الْكَاتِبِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَدْبِيرُهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَدْبِيرَهُ كَعِتْقِهِ وَطَلَاقِهِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ أَيْمَانِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَلْزَمُهُ تَدْبِيرُهُ إذَا أَسْلَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينُهُ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَكَانَ ابْنُ يُونُسَ يَقُولُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَنَّهَا تَسْقُطُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى يُشِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَنَصُّهُ: اخْتَلَفُوا فِي يَمِينِهِ بِالْعِتْقِ الَّتِي أَسْقَطَهَا هَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ؟ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُ كَالْمُدَبَّرِ وَقِيلَ الْمُعَيَّنُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ اهـ. أَوْ يَمِينًا بِظِهَارٍ وَكَذَا الظِّهَارُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْيَمِينِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ يَتَحَصَّلُ فِي الظِّهَارِ الْمُجَرَّدِ وَالْيَمِينِ بِالظِّهَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا وَهُوَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْيَمِين بِالظِّهَارِ فَأَحْرَى فِي الْمُجَرَّدِ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ فِيهِمَا وَهُوَ الَّذِي حَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَالثَّالِثُ يَلْزَمُ فِي الْمُجَرَّدِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِذَا حَنِثَ فِي الظِّهَارِ الْمُجَرَّدِ بِالْوَطْءِ وَتَخَلَّدَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ أَيْ فَيَسْقُطُ وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي الظِّهَارِ هَلْ النَّظَرُ إلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ فَيُشْبِهُ الطَّلَاقَ أَوْ إلَى مَا فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِالطَّلَاقِ اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَيْسَ الظِّهَارُ كَالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْخِطَابَ فِي الطَّلَاقِ مُوَجَّهٌ إلَى الزَّوْجَيْنِ وَفِي الظِّهَارِ يَتَوَجَّهُ إلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً اهـ فَتَأَمَّلْهُ وَظَاهِرُ الْأُمِّ أَنَّ الظِّهَارَ الْمُجَرَّدَ يَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ وَنَصُّهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُرْتَدُّ إذَا ارْتَدَّ وَعَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِالْعِتْقِ وَعَلَيْهِ ظِهَارٌ وَعَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِاَللَّهِ قَدْ حَلَفَ بِهَا أَنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ اهـ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا أَيْمَانُهُ بِالطَّلَاقِ فَلَمْ يَنُصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا السُّقُوطُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا وَإِذَا ارْتَدَّ وَعَلَيْهِ أَيْمَانٌ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ ظِهَارٍ فَالرِّدَّةُ تُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تَطْرَحُ رِدَّتُهُ إحْصَانَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا أَيْمَانَهُ بِالطَّلَاقِ انْتَهَى. . وَأَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ إحْصَانًا تَقَدَّمَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالِ إسْلَامِهِمَا فَمَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا زَالَ إحْصَانُهُ وَلَا يَزُولُ إحْصَانُ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَرْتَدَّ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّالِثِ: وَالرِّدَّةُ تُزِيلُ إحْصَانَ الْمُرْتَدِّ مِنْ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَبِانْتِفَاءِ الْإِحْصَانِ إذَا أُحْصِنَا وَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ تَزَوُّجِهِ لَمْ يُرْجَمْ اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَتِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ ارْتَدَّ قَاصِدًا لِإِزَالَةِ الْإِحْصَانِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَزَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِحْصَانِ الْآنَ أَوْ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَكِنْ يُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؟ وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ لِيَسْقُطَ عَنْهُ حَدُّ الزِّنَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَصَّهُ سَحْنُونٌ وَلَا تُسْقِطُ الرِّدَّةُ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَشَاءُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يَسْقُطَ بِالرِّدَّةِ إلَّا أَسْقَطَهُ بِالرِّدَّةِ ابْنُ يُونُسَ وَظَاهِرُ هَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ إنْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا ارْتَدَّ لِيَسْقُطَ الْحَدُّ قَاصِدًا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ ارْتَدَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ انْتَهَى. ص (وَوَصِيَّةٌ) ش: أَيْ وَأَسْقَطَتْ الرِّدَّةُ وَصِيَّةً صَدَرَتْ مِنْ الْمُرْتَدِّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَدْبِيرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ أَمْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ بَلْ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَتَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَمَا أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْطَاهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَانْظُرْ مَا حُكْمُ وَقْفِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا طَلَاقًا) ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ (صَلَاةً) وَيُرِيدُ إذَا أَوْقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُسْقِطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّلَاقِ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَمَا طَلَّقَ فِي ارْتِدَادِهِ أَوْ أَعْتَقَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَمَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ انْتَهَى. فَلَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ نَعَمْ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّا جَمِيعًا عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الشَّامِلِ. ص (إلَّا الْمُرَاهِقَ وَالْمَتْرُوكَ لَهَا)

مسألة سب عائشة رضي الله عنها

ش: اُنْظُرْ النِّكَاحَ الثَّالِثَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَإِنْ سَبَّ نَبِيًّا إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُسْتَتَبْ حُدَّ) ش: قَالَ فِي الشِّفَاءِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ سَوَاءٌ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حُرًّا يَعْنِي بِهِ أَنَّ السَّبَّ لَيْسَ بِرِدَّةٍ قَالَ فِي الشِّفَاءِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مَعَ إنْكَارِهِ لِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ مَعَ إظْهَارِهِ التَّوْبَةَ وَالْإِقْلَاعَ عَنْهُ. قَالَ: وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَبَّهُ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَبُّهُ فِي نَفْسِهِ كُفْرًا كَتَكْذِيبِهِ أَوْ تَكْفِيرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ التَّوْبَةَ وَاعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ فَهَذَا كَافِرٌ بِقَوْلِهِ. وَبِاسْتِحْلَالِهِ هَتْكَ حُرْمَةِ اللَّهِ وَحُرْمَةِ نَبِيِّهِ قُتِلَ كُفْرًا بِلَا خِلَافٍ. انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ لَمَّا قُرِّرَ أَنَّ مِيرَاثَ السَّابِّ لِوَرَثَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ أَنْكَرَ مَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ قَالَ وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَتَمَادَى عَلَى السَّبِّ كَانَ كَافِرًا وَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُكَفَّنُ وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ وَيُوَارَى كَمَا يُفْعَلُ بِالْكُفَّارِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي آخِرِ النِّكَاحِ الثَّالِثِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا ارْتَدَّ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ وُضِعَ عَنْهُ كُلُّ حَقٍّ (سُئِلَ) ابْنُ عَرَفَةَ عَمَّنْ وَقَعَ فِي الْجَنَابِ الْعَلِيِّ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ فَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى ارْتَدَّ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ هَلْ يَسْقُطُ قَتْلُهُ؟ فَقَالَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَسْقُطُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْقَذْفَ وَلَوْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ لَذَكَرَهُ. قَالَ الْمَشَذَّالِيّ (قُلْتُ) قَالَ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ فَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِ بِالْكَافِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَسْقُطُ وَذَكَرَ بَعْدَهُ هَلْ الْحَقُّ لِلَّهِ أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ فَهَذَا مَنَاطُ الْحُكْمِ انْتَهَى. [مَسْأَلَة سَبَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ احْتِرَامِ الصَّحَابَةِ وَتَحْرِيمِ سَبِّهِمْ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ كَانُوا عَلَى

مسألة رجل قال إن أبا النبي في النار

كُفْرٍ وَضَلَالٍ كَافِرٌ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الشَّرْعِ فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ كَفَّرَ أَحَدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ ضَلَّلَهُمْ. وَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ فَيُسْتَتَابُ؟ أَوْ الزِّنْدِيقِ فَلَا يُسْتَتَابُ وَيُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؟ هَذَا مِمَّا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَأَمَّا مَنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ سَبًّا يُوجِبُ حَدًّا كَالْقَذْفِ حُدَّ حَدَّهُ ثُمَّ يُنَكَّلُ التَّنْكِيلَ الشَّدِيدَ مِنْ الْحَبْسِ وَالتَّخْلِيدِ فِيهِ وَالْإِهَانَةِ مَا خَلَا عَائِشَةَ فَإِنَّ قَاذِفَهَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ بَرَاءَتِهَا. قَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ يُقْتَلُ قَاذِفُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَذًى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ يُحَدُّ وَيُنَكَّلُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَأَمَّا مَنْ سَبَّهُمْ بِغَيْرِ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ الْجَلْدَ الْمُوجِعَ وَيُنَكَّلُ التَّنْكِيلَ الشَّدِيدَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يَمُوتَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى السَّبِّ بِالْقَذْفِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي عَائِشَةَ قُتِلَ لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَكُفْرِهِ بِذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُحَدُّ لِمَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُعَاقَبُ لِغَيْرِهِ وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَأَنَّ هَذَا الْتَفَتَ إلَى أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيًّا وَمَيِّتًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ أَيْضًا: وَسَبُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَنَقُّصُهُمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَقَدْ [لَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعِلَ ذَلِكَ] وَذَكَرَ أَنَّ مَنْ آذَاهُ وَآذَى اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَعَبْدُ الْمَلِكِ. وَمَشْهُورُ مَذْهَبِهِ إنَّمَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ بِقَدْرِ قَوْلِهِ وَالْمَقُولُ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ حَقٌّ وَأَمَّا مَنْ قَالَ فِيهِمْ إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ فَيُقْتَلُ وَحُكِيَ عَنْ سَحْنُونٍ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ قَالَهُ فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ وَيُنَكَّلُ فِي غَيْرِهِمْ وَحُكِيَ عَنْهُ يُقْتَلُ فِي الْجَمِيعِ كَقَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ قَالَ فِي أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَانْظُرْ الشِّفَاءَ وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ الْخِلَافُ حَتَّى فِيمَنْ كَفَّرَ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ فِي أَمَالِيهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ. [مَسْأَلَة رَجُلٍ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيّ فِي النَّارِ] مَسْأَلَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيّ فِي مَسَالِكِ الْحُنَفَا فِي وَالِدَيْ الْمُصْطَفَى قَالَ نَقَلْت مِنْ مَجْمُوعٍ بِخَطِّ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ الشِّيمِيِّ وَالِدِ شَيْخِنَا الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مَا نَصُّهُ سُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَلْعُونٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] قَالَ وَلَا أَذَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ فِي أَبِيهِ أَنَّهُ فِي النَّارِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (غَرِيبَةٌ) ذَكَرَهَا صَاحِبُ كَنْزِ الرَّاغِبِينَ الْعُفَاةِ فِي الرَّمْزِ إلَى الْمَوْلِدِ وَالْوَفَاةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْمُصَنِّفِ قَالَ: ذَكَرَ صَاحِبُنَا الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْمُلَقَّبُ بِالرَّائِقِ خَطِيبُ مَدِينَةِ بَيْرُوتَ وَإِمَامُهَا عَنْ السَّيِّدِ عُمَرَ الْحَضْرَمِيِّ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوتَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِرَافِضٍ مِنْ أَهْلِ جَبَلِ عَامِلَةَ فَقَالَ لَهُ الرَّافِضِيُّ: نَحْنُ نَبْغَضُ أَبَا بَكْرٍ لِتَقَدُّمِهِ فِي الْخِلَافَةِ عَلَى عَلِيٍّ وَنَبْغَضُ جِبْرِيلَ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِالرِّسَالَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى عَلِيٍّ وَنَبْغَضُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُقَدِّمْ عَلِيًّا وَنَبْغَضُ عَلِيًّا لِسُكُوتِهِ عَنْ طَلَبِ حَقِّهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَنَبْغَضُ اللَّهَ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا وَلَمْ يُرْسِلْ عَلِيًّا. وَهَذَا أَقْبَحُ مَا يَكُونُ مِنْ الْكُفْرِ الَّذِي مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ. قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ بَشْكُوَالٍ بِسَنَدِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ قَالَ كُنْتُ بِصَنْعَاءَ فَرَأَيْت رَجُلًا وَالنَّاسُ حَوْلَهُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَقُلْت مَا هَذَا قَالُوا هَذَا رَجُلٌ كَانَ يَؤُمُّ بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا بَلَغَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] قَالَ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى عَلِيِّ النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. فَخَرِصَ وَجَذِمَ وَبَرِصَ وَعَمِيَ وَأُقْعِدَ مَكَانَهُ انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ) ش: اُنْظُرْ مَا نَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ وَأَظُنُّهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ. (وَاسْتُتِيبَ فِي هُزِمَ) ش: وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِم: وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ فَرَّ أَوْ هُزِمَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ ضَخْمًا فَأَنْكَرَ مَا عَلِمَ مِنْ وَصْفِهِ وَذَلِكَ كُفْرٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَضَافَ إلَيْهِ نَقْصًا وَعَيْبًا وَقِيلَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ انْتَهَى. ص (وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي أَدِّ وَاشْتَكِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ (مَسَائِلُ) مِنْ

فَتَاوَى الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَالشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ مَعْنَى هَذَا الْبَابِ سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ رَجُلٍ أَمْسَكَ غَرِيمًا لَهُ وَقَالَ: لَوْ وَقَفَ عِزْرَائِيلُ قَابِضُ الْأَرْوَاحِ مَا سَيَّبْته إلَّا بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَأَجَابَ إذَا

كَانَ مُرَادُهُ لَوْ وَقَفَ لِقَبْضِ رُوحِي مَا سَيَّبْته فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَدَرَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَمَعْنَى لَا أُسَيِّبُهُ وَلَوْ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ الرُّوحِ وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَكِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت) وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ الِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الشِّفَاءِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ لَسَبَبْتُهُ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَقِيقَةِ الْفَقِيرِ. فَقَالَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اللَّهِ فَهَلْ فِي إطْلَاقِ هَذَا الْقَوْلِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا ذَكَرَ لِذَلِكَ تَأْوِيلًا مُحْتَمَلًا وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا رَادِعًا، وَيُجَدِّدُ إسْلَامَهُ وَلَا يُقْبَلُ تَأْوِيلُهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَالرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: 15] وَهَذَا الْقَوْلُ إنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْكُفْرِ. فَلَا أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الشَّيَاطِينِ الْمُضِلِّينَ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي رَدْعِ هَذَا الْخَبِيثِ الْمُجْتَرِئِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ. (قُلْت) لَعَلَّهُ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِ هَذَا اللَّفْظِ كُفْرًا لِكَوْنِ قَائِلِهِ ذَكَرَ لَهُ تَأْوِيلًا وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ مُكَذِّبٌ لِلْقُرْآنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ رَجُلٍ ظَلَمَهُ مُكَّاسٌ ظُلْمًا كَثِيرًا فَقَالَ الرَّجُلُ: الَّذِي يَكْتُبُهُ فُلَانٌ الْمُكَّاسُ مَا يَمْحِيهِ رَبُّنَا. مَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَابَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ عَدَمَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ سَوَاءٌ قَصَدَ أَنَّ الْمُكَّاسَ شَدِيدُ الْبَأْسِ يُصَمِّمُ عَلَى مَا يَكْتُبُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ رَبَّنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَسُئِلَ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ لِذِمِّيٍّ فِي عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْك. هَلْ يَكْفُرُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إنْ قَالَهُ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ عَلَى قَصْدِ تَعْظِيمِ دِينِهِمْ وَعِيدِهِمْ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ فَلَا يَكْفُرُ لِمَا قَالَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ إذَا غَضِبَ عَلَى أَحَدٍ أُصِيبَ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَنْصِبِهِ لِأَجْلِ غَضَبِهِ. فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ لَوْ سَمِعَ اللَّهُ مِنْك لَأَخْرَبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ يَعْنِي لَوْ قَبِلَ دُعَاءَك. فَهَلْ يَجِبُ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ؟ وَمَاذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ كَفَرْت بِهَذَا الْكَلَامِ؟ فَأَجَابَ لَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِ ذَلِكَ شَيْءٌ وَمَنْ رَمَاهُ بِكُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِالتَّأْوِيلِ زُجِرَ عَنْ ذَلِكَ. وَيَعْرِفُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [المؤمنون: 71] وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُ. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُصْبِحُ كُلَّ يَوْمٍ يَشْتَغِلُ بِالنَّاسِ وَيَجْعَلُهُمْ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَكَلَتْ الْعُلَمَاءُ الرِّشَا أَكَلَتْ النَّاسُ الْحَرَامَ وَإِذَا أَكَلَتْ الْعُلَمَاءُ الْحَرَامَ كَفَرَتْ النَّاسُ. وَيَذْكُرُ أَنَّهُ وَقْتُنَا هَذَا. فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا قُلْتُهُ مِنْ عِنْدِي قَالَهُ الْفَقِيهُ حُسَيْنٌ الْمَغْرِبِيُّ فَأَجَابَ قَدْ ارْتَكَبَ الْمَذْكُورُ كَبَائِرَ بِجَعْلِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَبِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ كُفْرِ النَّاسِ وَبِذِكْرِهِ أَنَّهُ وَقْتُنَا وَقَدْ كُذِّبَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَافْتَرَى. فَدِينُ الْإِسْلَامِ بِحَمْدِ اللَّهِ قَائِمٌ وَالْأُمَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَائِمَةٌ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ لِلْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ عَامٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا وَيَجِبُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ الزَّاجِرُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ وَيُبَادِرُ إلَى التَّوْبَةِ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ حُسَيْنٍ الْمَغْرِبِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ انْتَهَى. (قُلْت) وَمَا ذَكَرَهُ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّشَا أَخَفُّ مِنْ الْحَرَامِ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الرِّشَا أَخْبَثُ مِنْ الْحَرَامِ وَإِنَّهَا السُّحْتُ . وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ قَالَ فِي مِيعَادِهِ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «إنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُوَافِقُهُ إلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْته لَفَسَدَ» الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ وَمُرَادُ الْحَقِّ مِنْ الْخَلْقِ مَا هُمْ عَلَيْهِ. فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ فَهَلْ الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَمُرَادُ الْحَقِّ مِنْ الْخَلْقِ مَا هُمْ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ هَذَا أَثَرٌ مَرْوِيٌّ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَائِلِهِ شَيْءٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ الْخَلْقُ وَمَا اشْتَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ هُدًى وَغَيٍّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ. وَهَذَا اعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ

باب الزنا

عِزُّ الدِّينِ عَنْ الرَّجُل يَذْكُرُ فَيَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِمَثَابَتِهِ فَهَلْ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ هَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ، وَالذِّكْرُ الْمَشْرُوعُ كُلُّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً أَوْ اسْمِيَّةً وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَذْكَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي اتِّبَاعِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ دُونَ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ الْجَاهِلِينَ انْتَهَى. وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ يَذْكُرُونَ وَفِي أَثْنَاءِ ذِكْرِهِمْ يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ وَيُكَرِّرُونَ الِاسْمَ الشَّرِيفَ وَيَقُولُونَ آخِرَ ذَلِكَ: مُحَمَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ. هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ ذِكْرًا يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ؟ وَهَلْ فِيهِ إسَاءَةٌ؟ وَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ؟ فَأَجَابَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ آيَةٌ وَلَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ وَلَا عَنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ وَلَا ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَلَا يُؤْجَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُبْتَدِعُونَ شَيْئًا قَدْ يَقَعُونَ بِهِ فِي إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ. فَهَذَا لَيْسَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ إخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] وَمَا طُلِبَ مِنْ الْأَدَبِ مِنْهُمْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ مُكَرَّمٌ مُعَظَّمٌ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَكْرِيرٍ لِلِاسْمِ الشَّرِيفِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْعَامَّةِ صَلُّوا عَلَى مُحَمَّدٍ. [بَاب الزِّنَا] ص (بَابٌ الزِّنَا وَطْءُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ إلَخْ) ش: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الزِّنَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ فَمَنْ مَدَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ اثْنَيْنِ كَالْمُقَاتَلَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَمَصْدَرُهُ قِتَالًا وَمَنْ قَصَرَهُ جَعَلَهُ اسْمَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُ اشْتِقَاقِ الْكَلِمَةِ مِنْ الضِّيقِ وَالشَّيْءِ الضَّيِّقِ اهـ وَانْظُرْ هَذَا الْكَلَامَ فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ وَفِي الزِّنَا الْمُتَرْجَمِ لَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ الرَّجْمِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فَمَا أَدْرِي سَقَطَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ نُسْخَتِي أَوْ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَلَعَلَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الْإِكْمَالِ أَوْ مِنْ الْمَشَارِقِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِذَا مُدَّ كُتِبَ بِالْأَلِفِ وَإِذَا قُصِرَ كُتِبَ بِالْيَاءِ قَالَهُ فِي كِتَابِ بَيَانِ لُغَاتِ الْمُهَذَّبِ. وَالْقَصْرُ لُغَةُ الْحِجَازِ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَالْمَدُّ لُغَةُ تَمِيمٍ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَنْ عِيَاضٍ وَهَلْ ضِيقُ الْمَحِلِّ أَوْ ضِيقُ الْحُكْمِ فِيهِ يُحْتَمَلُ؟ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَحَضَرْت خَصْمَيْنِ تَحَاكَمَا قَالَ أَحَدُهُمَا قَالَ لِي يَا ابْنَ الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ فَجَلَدَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا تَعْرِيضٌ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ وَأَصْلُ اشْتِقَاقِ الْكَلِمَةِ مِنْ الضِّيقِ وَالشَّيْءِ الضَّيِّقِ؛ لِأَنَّ الزَّانِي ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجَ نُطْفَتَهُ إخْرَاجًا لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْفَصْلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِمَاسِ خَلْوَةٍ وَتَحَفُّظٍ وَضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنْ إثْمِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ قَالَ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ زَنَى الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِهِ زُنُوًّا أَوْ زِنَاءً ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَزَنَا الشَّيْءُ ضَاقَ أَوْ قَصُرَ وَزَنَى الْجَبَلُ ضَعُفَ وَزَنَى إلَى الشَّيْءِ نَحَا وَزَنَى الرَّجُلُ بَوْلَهُ زُنُوًّا أَحْقَنَهُ وَزَنَى الْبَوْلُ احْتَقَنَ. وَفِي الْحَدِيثِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ وَالْمُصَلِّي زَنَاءٌ» انْتَهَى (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا عَلَى الرَّجُلِ فَقَطْ فَلَا يَشْمَلُ الزَّانِيَةَ بَلْ هُوَ شَامِلٌ لَهَا لِأَنَّهُ قَالَ وَطْءٌ وَالْوَطْءُ مَصْدَرٌ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَقُّ لَهُ مِنْ الْوَصْفِ

فَيُقَالُ زَانٍ وَزَانِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَحُدَّ لِلزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فِي الشَّرْعِ، لَا كُلَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ زِنًا فِي اللُّغَةِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا فَإِنَّهَا زَانِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ وَكَذَا تَمْكِينُهَا كَافِرًا مِنْ نَفْسِهَا وَانْظُرْ الْبِسَاطِيَّ فَإِنَّهُ قَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ أَيْضًا لِدُخُولِ وَطْءِ الرَّجُلِ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) قَالَ مُطَرِّفٌ: كَانَ مَالِكٌ يَرَى فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَغُلَامًا مِنْ دَارٍ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ حَتَّى تَغَيَّبَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ فَلَا يَدْرِي مَا فَعَلَ أَنْ يَضْرِبَ الثَّلَاثَمِائَةِ وَالْأَرْبَعمِائَةِ بِكْرًا كَانَ أَوْ ثَيِّبًا وَكَانَ الْحُكَّامُ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَشُورَةِ مَالِكٍ. ص (لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ) ش: هُوَ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ التَّمَلُّكُ الشَّرْعِيُّ أَوْ شِبْهِهِ اهـ. فَيَدْخُلُ فَرْجُ مَمْلُوكِهِ الذَّكَرُ لِأَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى فَرْجِهِ فِي الشَّرْعِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ وَطْءُ الرَّجُلِ جَارِيَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ وَنَحْوَهُ. قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ الزِّنَا الشَّامِلُ لِلِّوَاطِ مَغِيبُ حَشَفَةِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آخَرَ دُونَ شُبْهَةِ حِلِّيَّةٌ عَمْدًا فَتَخْرُجُ الْمُحَلَّلَةُ وَوَطْءُ الْأَبِ أَمَةَ ابْنِهِ لَا زَوْجَتَهُ. اهـ. ص (تَعَمُّدًا) ش تَصَوُّرُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي سُورَةِ النُّورِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ إذَا اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهَا الْحَدُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهَا. وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا زِنًى فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعُمُومِ انْتَهَى. ص (بِاتِّفَاقٍ) ش: مُخْرِجٍ لِلْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلِوَطْئِهِ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًى وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِإِبَاحَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ شَاذًّا أَوْ ضَعِيفًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ عَلَى الْمَعْرُوفِ. ص (أَوْ مُحَرَّمَةً بِصِهْرٍ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِالصِّهْرِ يُحَدُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بِالصِّهْرِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ يَخْرُجُ الْحَلَالُ وَالْحَائِضُ وَالْمُحَرَّمَةُ وَالصَّائِمَةُ وَالْمَمْلُوكَةُ الْمُحَرَّمَةُ بِنَسَبٍ لَا بِعِتْقٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ وَلِمُتَزَوِّجِهَا هُوَ فِي عِدَّتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ. ثُمَّ قَالَ أَمَّا لَوْ وَطِئَ بِالْمِلْكِ مَنْ يُعْتَق عَلَيْهِ أَوْ نَكَحَ مُحَرَّمَةً بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ مُؤَبَّدٍ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ قَالَ: فِي التَّوْضِيحِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ بِنَسَبٍ لَا بِعِتْقٍ أَوْ بِصِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، نَعَمْ يُؤَدَّبُ. وَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ مَنْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى لَا تُعْتَقُ وَأَمَّا إنْ لَمْ تَحْمِلْ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُبَاعُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُعَاوِدَ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. ص (أَوْ مَرْهُونَةً) ش: أَطْلَقَ هُنَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَمُرَادُهُ إنْ وَطِئَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الرَّهْنِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْأَمَةِ الْمُحَلَّلَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ فِي ذَلِكَ صَارَتْ مُحَلَّلَةً

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مَبْتُوتَةً وَإِنْ بِعِدَّةٍ، وَهَلْ وَإِنْ بَتَّ فِي مَرَّةٍ؟ تَأْوِيلَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ وَطِئَهَا دُونَ عَقْدٍ أَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ. يُرِيدُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَأَمَّا إنْ كَانَ يَجْهَلُ التَّحْرِيمَ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ، كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ، أَوْ الْحُكْمَ إنْ جَهِلَ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُحَدُّ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُ أَعْنِي رُجُوعَهُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا بِلَا عَقْدٍ فَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ مُعْتَقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَلَا يَرْجِعُ لِمَسْأَلَةِ الْمَبْتُوتَةِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَمَّا لَوْ وَطِئَ بِالْمِلْكِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ نَكَحَ الْمُحَرَّمَةَ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ مُؤَبَّدٍ وَطِئَهَا أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَوَطِئَهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاحِدَةً، ثُمَّ وَطِئَهَا بِغَيْرِ تَزْوِيجٍ أَوْ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ: أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا. ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ أَوْ الْبَتَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّلَاثُ مُجْتَمِعَاتٍ أَوْ مُتَفَرِّقَاتٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْبَتَّةِ لَا يُحَدُّ؛ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي الْبَتَّةِ هَلْ هِيَ وَاحِدَةٌ أَمْ لَا؟ وَقَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مِثْلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَاهِلِ لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا وَتَأَوَّلَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ قَوْلَهُ فِي الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهَا مُتَفَرِّقَاتٌ قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَتْ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَا حَدَّ؛ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ عَلَى أَصْبَغَ، ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الثَّلَاثِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُفْتَرِقَاتٍ أَوْ مُجْتَمِعَاتٍ لِضَعْفِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِإِلْزَامِهِ الْوَاحِدَةَ فِي الثَّلَاثِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. وَأَمَّا الْجَاهِلُ بِالْحُكْمِ فَلَا كَمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَتَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ ثُمَّ وَطِئَهَا دُونَ عَقْدٍ أَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ زَوْجٍ وَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ التَّطْلِيقَاتُ مُجْتَمِعَاتٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَأْوِيلُ عَبْدِ الْحَقِّ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَأَنَّ قَوْلَهُ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ فِي كَلِمَةٍ فَتَكُونُ كَالْمُطَلَّقَةِ الْوَاحِدَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُؤَلِّفُ وَتَأْوِيلُ غَيْرِهِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا سَيَأْتِي. فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِالثَّلَاثِ. وَأَمَّا إنْ تَلَفَّظَ بِالْبَتَّةِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لُزُومُ الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُحَدُّ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِ الثَّلَاثِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ امْرَأَةً طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ إذْ لَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَثُبُوتُ النَّسَبِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يُبِتُّهَا مِنْهُ إلَّا الثَّلَاثَ فَلَهَا صَدَاقٌ وَاحِدٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا عُذِرَ بِجَهْلٍ . وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ ظَنَنْت ذَلِكَ يَحِلُّ لِي فَإِنْ عُذِرَ بِالْجَهَالَةِ لَمْ يُحَدَّ. وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَعُذِرَ بِالْجَهَالَةِ فِي التَّحْرِيمِ لَمْ يُحَدَّ انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي النِّكَاحِ (أَوْ مَبْتُوتَةً) قَبْلَ زَوْجٍ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا. وَأَمَّا الْحَدُّ وَعَدَمُهُ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ (الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْبَتَّةُ بَعْدَ الثَّلَاثِ زَائِدٌ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ الْمَسَائِلُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْحَدُّ وَلُحُوقُ الْوَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ مُطَلَّقَةً

قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ مُعْتَقَةً بِلَا عَقْدٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ وَطِئَهَا دُونَ تَجْدِيدِ عَقْدٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ وَيَكُونُ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ وَطِئَهَا دُونَ عَقْدٍ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهَا أَيْضًا فِي اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ النَّسَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ غَيْرَ الْأُخْتِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاحِدَةً ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ فَإِنْ ادَّعَى فِي جَمِيعِ هَؤُلَاءِ الْجَهَالَةَ بِالتَّحْرِيمِ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ مَثَلُ الْأَعْجَمِيِّ وَشِبْهِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ حُدَّ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا دَرَأْت فِيهِ الْحَدَّ أَلْحَقْت فِيهِ الْوَلَدَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلَّتِي وَطِئَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الْعِتْقِ الْمُبْتَلِّ صَدَاقٌ مُؤْتَنَفٌ. وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْمِلْكِ الْأَوَّلِ كَمَنْ وَطِئَ بَعْدَ حِنْثِهِ مِنْهَا نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحِنْثِهِ انْتَهَى مِنْ كِتَابِ الرَّجْمِ. وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ تُخَالَعُ عَلَى أَنَّهَا إنْ طَلَبَتْ مَا أَعْطَتْهُ عَادَتْ زَوْجَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (أَوْ مُعْتَدَّةً) ش: سَوَاءٌ وَطِئَهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ

ص (أَوْ مُكْرَهَةً) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ فِي تَرْجَمَةِ تَفْسِيرِ الطَّلَاقِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ أَلْفَاظِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ وَيُقَالُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى سُئِلَ عَنْ جَارِيَةٍ بِكْرٍ زَوَّجَهَا فَابْتَنَى بِهَا زَوْجُهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ: إنِّي كُنْتُ نَائِمَةً فَانْتَبَهْت لِبَلَلِ بَيْنَ فَخْذَيَّ وَذَكَرَ الزَّوْجُ أَنَّهُ وَجَدَهَا عَذْرَاءَ فَأَجَابَ فِيهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْعَفَافِ وَحُسْنِ الْحَالِ. وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ وَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلِمَتْ بِالْحَمْلِ، وَغَرَّتْ فَلَهَا قَدْرُ مَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا انْتَهَى مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ. كَلَامُ الطِّرَازِ. ص (وَثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَرْجِعَ مُطَلِّقًا) ش: أَيْ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى مَا يُعْذَرُ بِهِ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبْدِيَ عُذْرًا قَالَ الشَّارِحُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَإِنَّ إنْكَارَهُ كَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الزِّنَى وَفِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَيُرْجَمُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ إنْ أَصَابَ بَعْدَهُنَّ بِنِكَاحٍ لَازِمٍ صَحِيحٍ) ش: هَذِهِ

تنبيه تأيمت المرأة بعد إحصانها أو الرجل أو كانا على نكاحهما

شُرُوطُ الرَّجْمِ وَيَعْنِي أَنَّ الرَّجْمَ إنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ كَوْنِ الزَّانِي مُكَلَّفًا أَيْ عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا مُسْلِمًا أَصَابَ أَيْ وَطِئَ بَعْدَهُنَّ أَيْ بَعْدَ حُصُولِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ بِنِكَاحٍ أَيْ فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ صَحِيحٍ يُرِيدُ إصَابَةً صَحِيحَةً فَلَا رَجْمَ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا عَلَى غَيْرِ بَالِغٍ وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَوْ تَزَوَّجَ وَوَطِئَ فِي نِكَاحٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَالنِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ كَنِكَاحِ الْعَبْدِ ذِي الْعَيْبِ أَوْ تَزَوَّجَ وَوَطِئَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ أَوْ تَزَوَّجَ وَوَطِئَ وَطْئًا غَيْرَ صَحِيحٍ وَهُوَ الْوَطْءُ الْمَمْنُوعُ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه تَأَيَّمَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ إحْصَانِهَا أَوْ الرَّجُلُ أَوْ كَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ تَأَيَّمَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ إحْصَانِهَا أَوْ الرَّجُلُ أَوْ كَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِحْصَانُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ. ص (وَلَمْ يَعْرِفْ بُدَاءَةً الْبَيِّنَةَ ثُمَّ الْإِمَامَ) ش: اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ إلَى حُضُورِ جَمَاعَةٍ لِلْحَدِّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَفِيهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ ابْنُ مُحْرِزٍ لِأَنَّهُ حُكْمُ إمَامٍ بِمَا فِيهِ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُحْضِرَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الزَّانِيَيْنِ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَأَقَلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَرْبَعَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي آيَةِ النُّورِ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ تَوْبِيخُ الزُّنَاةِ وَالتَّغْلِيظُ عَلَيْهِمْ لِيَرْتَدِعُوا لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَتْ الطَّائِفَةُ فِي خُصُومِهِمْ كَانَ أَغْلَظَ وَاخْتُلِفَ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فَقَالَ الْحَسَنُ عَشْرَةٌ وَقَالَ رَبِيعَةُ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ وَرَأَى أَنَّ هَذَا كَشَهَادَةِ الزِّنَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ اثْنَانِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يُجْزِئُ الْوَاحِدُ اهـ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي أَحْكَامِهِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ الطَّائِفَةُ هَهُنَا أَرْبَعَةٌ يَحْضُرُونَ جَلْدَ الزَّانِي الْبِكْرِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مَحْدُودٌ فِي الزِّنَى فَإِنْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ مَحْدُودٌ فِي زِنًى وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ دُونَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ اللِّعَانِ يَحْضُرُ أَرْبَعَةٌ فَأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الزِّنَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فَيَحْضُرُونَ هُنَا بِجَامِعِ التَّغْلِيظِ وَلِأَنَّ قَطْعَ الْأَنْسَابِ وَفَسَادَ الْأَعْرَاضِ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَيُغَلَّظُ فِي سَبَبِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْضِرَ الْحَدَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَالطَّائِفَةُ أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا وَالْفَائِدَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قَذَفَهُ قَاذِفُهُ وَطَالَبَهُ بِحَدِّ قَاذِفِهِ أَمْكَنَ قَاذِفَهُ التَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ وَبِإِحْضَارِ مَنْ شَهِدَ حَدَّهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إحْضَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلْحَدِّ. وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْجَلَّابِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ عُيُونِ الْمَجَالِسِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْضِرَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فِي الزِّنَى طَائِفَةً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَالطَّائِفَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ وَذَهَبَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ هُنَا اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ. وَذَهَبَ الْحَسَنُ إلَى أَنَّهَا عَشْرَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] قِيلَ لَا يَشْهَدُ التَّعْذِيبَ إلَّا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: رَجُلٌ فَمَا فَوْقَهُ إلَى الْأَلْفِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ أَرْبَعَةٍ قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا، وَإِنَّ هَذَا بَابٌ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَهَذَا مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ فَرَآهَا مَوْضِعَ شَهَادَةٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثُمَّ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ هَلْ الْمَقْصُودُ بِهَا الْإِغْلَاظُ عَلَى الزُّنَاةِ وَالتَّوْبِيخُ وَالرَّدْعُ أَوْ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ؟ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ

فرع لاط الرجل بنفسه فأولج في دبره

هَذَا وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ بُكَيْرٍ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إنَّمَا يُطْلَبُ حُضُورُهَا فِي الْجَلْدِ لَا فِي الرَّجْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص (كَلَائِطٍ مُطْلَقًا) ش: يَعْنِي أَنَّ اللَّائِطَ حُكْمُهُ الرَّجْمُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَإِنْ كَانَا بَالِغَيْنِ رُجِمَا مَعًا، وَإِنْ كَانَا غَيْرَ بَالِغَيْنِ فَلَا رَجْمَ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ بَالِغًا وَالْمَفْعُولُ بِهِ غَيْرَ بَالِغٍ فَلْيُرْجَمْ الْفَاعِلُ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ غَيْرَ بَالِغٍ وَالْمَفْعُولُ بِهِ بَالِغًا فَلَا يُرْجَمُ الْفَاعِلُ وَانْظُرْ حُكْمَ الْمَفْعُولِ بِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ اُنْظُرْ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُرْجَمُ لِأَنَّ وَطْءَ غَيْرِ الْبَالِغِ كَلَا وَطْءَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا وَطِئَهَا صَغِيرٌ لَا تُحَدُّ؟ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الزِّنَا فِي التَّوْضِيحِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) يُحَدُّ اللَّائِطُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِمِلْكِهِ أَوْ بِغَيْرِ مِلْكِهِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [فَرْعٌ لَاطَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ فَأَوْلَجَ فِي دُبُرِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: وَأَمَّا إنْ لَاطَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ فَأَوْلَجَ فِي دُبُرِهِ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ وَأَنَّهُ يُعَزَّرُ وَقِيلَ يُقْتَلُ كَمَا لَوْ لَاطَ بِغَيْرِهِ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ هُوَ كَالزَّانِي فِي الْإِحْصَانِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَالْحُجَّةُ لِمَالِكٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِي الْعُقُوبَةِ. وَالنَّازِلَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَوْضِعِهَا وَلَا يُتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ انْتَهَى ص (وَتُؤَخَّرُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُنْتَظَرُ وَضْعُ حَمْلِهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي ذَاتِ الزَّوْجِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَانْظُرْ هَلْ هُوَ حَيْضَةٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ ثَلَاثُ حِيَضٍ. خَلِيلٌ: بَلْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُسْتَبْرَأُ إلَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ انْتَهَى. (قُلْت) قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَنَّ مَالِكًا نَصَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَحُكْمُ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا جَزَمَ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِقَامَةُ الْحَاكِمِ وَالسَّيِّدِ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالسَّيِّدُ فِي رَقِيقِهِ فِي حَدِّ الزِّنَا

فرع قال السيد لا أرضى إلا بإقامة الإمام الحد

وَالْخَمْرِ وَالْقَذْفِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ اُحْتُرِزَ مِنْ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُقِيمُهَا إلَّا الْوَالِي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ يُمَثِّلَ بِعَبْدِهِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ سَرَقَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ السَّيِّدُ عَلَى مَمْلُوكِهِ حَدَّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَحَدَّ الْخَمْرِ. أَبُو الْحَسَنِ فِي الْحَدِيثِ «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقِيمُ الرَّجُلُ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ حَدَّ الزِّنَا. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصْرَحُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا لَفْظَ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهَا الْأَمْرُ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ بِهِ إلْبَاسًا وَأَنَّ الْحُدُودَ لَا يُقِيمُهَا إلَّا الْإِمَامُ وَقَدْ قَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَدْ زَنَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ يَحُدَّهَا. مَفْهُومُهُ لَوْ زَنَتْ عِنْدَهُ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ وَاجِبًا أَنْ يَحُدَّهَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ السَّيِّدُ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ التُّونُسِيِّ فِيمَنْ زَنَتْ أَمَتُهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ جَوَازُ إقَامَةِ السَّيِّدِ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ لَا وُجُوبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا أَقَامَ الْحَدَّ فَيُحْضِرُ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَفِي الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ رَجُلَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يُعْتَقَ وَيَشْهَدَ بَيْنَ النَّاسِ فَيُحَدُّ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ. نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ. [فَرْعٌ قَالَ السَّيِّدُ لَا أرضى إلَّا بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ الْحَدَّ] (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَالْقَذْفُ ظَاهِرُهُ. وَلَا مَقَالَ لِلْمَقْذُوفِ إنْ قَالَ السَّيِّدُ لَا أَرْضَى إلَّا بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ الْحَدَّ. وَتَرْجَمَ فِيهِ الشَّيْخُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الْأَحْرَارِ إلَّا السُّلْطَانُ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ انْتَهَى. ص (وَإِنْ قَالَتْ زَنَيْت مَعَهُ وَادَّعَى الْوَطْءَ وَالزَّوْجِيَّةَ أَوْ وُجِدَا بِبَيْتٍ وَأَقَرَّا بِهِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ أَوْ ادَّعَاهُ فَصَدَّقَتْهُ وَوَلِيُّهَا وَقَالَا لَمْ نَشْهَدْ حَدًّا) ش: جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ (حَدًّا) وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. وَالْمَسْأَلَتَانِ الْأُولَيَانِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ زَنَيْت مَعَ هَذَا الرَّجُلِ وَقَالَ الرَّجُلُ هِيَ زَوْجَتِي قَدْ وَطِئْتهَا أَوْ وُجِدَا بِبَيْتٍ فَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ وَادَّعَيَا النِّكَاحَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِيَا بِبَيِّنَةٍ حُدَّا انْتَهَى أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَكُونَا طَارِئَيْنِ وَأَمَّا الْأُولَى فَسَوَاءٌ كَانَا طَارِئَيْنِ أَمْ لَا انْتَهَى. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْأُولَى لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِوَطْءٍ إلَّا فِي نِكَاحٍ وَتُحَدُّ هِيَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ وَادَّعَى نِكَاحَهَا، لَا

باب القذف

أَقَرَّ فَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَهُ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَنَصُّهَا: وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً وَادَّعَى نِكَاحَهَا وَصَدَّقَتْهُ هِيَ وَوَلِيُّهَا وَقَالُوا عَقَدْنَا النِّكَاحَ وَلَمْ نُشْهِدْ وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُشْهِدَ الْآنَ فَعَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يُقِيمَا بَيِّنَةً غَيْرَ الْوَلِيِّ وَإِنْ حَدَّدَتْهُمَا وَهُمَا بِكْرَانِ فَأَرَادَ أَنْ يُحْدِثَا إشْهَادًا عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ وَيُقِيمَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ انْتَهَى. وَيُرِيدُ الْمُؤَلِّفُ وَيُجَدِّدَا نِكَاحًا فَإِنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ وَيُرِيدُ الْمُؤَلِّفُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فُشُوٌّ أَمَّا إذَا حَصَلَ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ كَمَا قَالَ فِي بَابِ النِّكَاحِ. وَقَالَ الشَّارِحُ هُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَا بَيِّنَةً غَيْرَ الْوَلِيِّ لِلتُّهْمَةِ وَإِنْ جُلِدَا انْتَفَى النِّكَاحُ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ انْتَهَى. وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَأْتَنِفَا نِكَاحًا جَدِيدًا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب القذف] بَابٌ (قَذْفُ الْمُكَلَّفِ حُرًّا مُسْلِمًا بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَذْفُ الْأَعَمُّ: نِسْبَةُ آدَمِيٍّ غَيْرَهُ لِزِنَا أَوْ قَطْعُ نَسَبِ مُسْلِمٍ وَالْأَخَصُّ بِإِيجَابِ الْحَدِّ نِسْبَةُ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ غَيْرَهُ حُرًّا عَفِيفًا مُسْلِمًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ لِزِنَا أَوْ قَطْعِ نَسَبِ مُسْلِمٍ فَيَخْرُجُ قَذْفُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ انْتَهَى. . (قُلْت) حَدُّهُ الْأَخَصُّ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ قَذْفِ الْمَجْنُونِ فِيهِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَجْنُونًا إذَا كَانَ جُنُونُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ إلَى حِينِ قَذْفِهِ وَلَا يَتَخَلَّلُهُ إفَاقَةٌ. اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ لَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ لَوْ صَحَّ فِعْلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَمَّا إنْ بَلَغَ صَحِيحًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ إذَا كَانَ جَبُّهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَعْلَمُ كَذِبَ قَاذِفِهِ فَلَمْ تَلْحَقْهُ مَعَرَّةٌ وَإِنْ كَانَ جَبُّهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ حُدَّ وَكَذَلِكَ الْحَصُورُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ آلَةُ النِّسَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا فِي أَوَائِلِ الرَّجْمِ وَيُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ وَكَانَ يَجْرِي لَنَا مُنَاقَضَتُهَا بِقَوْلِهَا فِي الْقَذْفِ كُلُّ مَا لَا يُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ لَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَى بِهِ رَجُلًا حَدُّ الْفِرْيَةِ وَيُجَابُ بِحَمْلِ قَوْلِهَا فِي الرَّجْمِ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانَا انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَلَغَ صَحِيحًا ثُمَّ جُنَّ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَفَى عَبْدًا عَنْ نَفْسِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِيهَا وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَسْت لِأَبَاكَ ضُرِبَ سَيِّدُهُ الْحَدَّ فَإِنْ كَانَ أَبَوَا الْعَبْدِ مَاتَا وَلَا وَارِثَ لَهُمَا أَوْ لَهُمَا فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحُدَّ سَيِّدَهُ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ خِلَافٌ فِيهَا أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَسْت لِأَبِيكَ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ وَأُمُّهُ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ فَتَوَقَّفَ فِيهَا مَالِكٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَرَى أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ حَمَلَ أَبُوهُ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ. [فَرْعٌ قَذَفَ حُرَّانِ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَطَلَبَ الْعَبْدُ تَعْزِيرَ قَاذِفِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا قَذَفَ حُرَّانِ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَطَلَبَ الْعَبْدُ تَعْزِيرَ قَاذِفِهِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي مِثْلِ هَذَا تَعْزِيرٌ وَيُنْهَى قَاذِفُهُ أَنْ لَا يُؤْذِيَهُ فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَاحِشًا مَعْرُوفًا بِالْأَذَى عُزِّرَ وَأُدِّبَ عَنْ أَذَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ يُؤَدَّبُ قَاذِفُ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ لِإِذَايَتِهِ لَهُ [مَسْأَلَة قَالَ الشَّخْصُ لِوَلَدِهِ لَسْت بِوَلَدِي] (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ الشَّخْصُ لِوَلَدِهِ لَسْت بِوَلَدِي فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ فِي قِلَّةِ طَاعَتِهِ لَهُ لَيْسَ كَالْأَوْلَادِ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّفْيَ عَنْ النَّسَبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكِلَ وَأَرَادَ نَفْيَ نَسَبِهِ كَانَ فِي كَلَامِهِ قَطْعُ نَسَبِ الْوَلَدِ وَقَذْفٌ لِأُمِّهِ فَأَمَّا قَطْعُ نَسَبِ الْوَلَدِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِوَلَدِهِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَالَ لِبَنِيهِ لَيْسُوا بِوَلَدٍ لَهُ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عَلَى الْأَبِ حَدًّا فِيمَا إذَا انْتَفَى مِنْ حَمْلِ أَمَتِهِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ وَلَهُ حَدُّ أَبِيهِ وَفُسِّقَ أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ

الضَّعِيفِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُحَدُّ لِقَذْفِ وَلَدِهِ وَيَفْسُقُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْهُ وَإِنْ بَلَغَ الْإِمَامَ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَأَمَّا قَذْفُ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً كَانَ لَهَا الْقِيَامُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً كَانَ لِوَلَدِهَا الْقِيَامُ بِهِ فَإِذَا قَامَ بِهِ الْوَلَدُ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ. وَتَأَمَّلْ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ نَفَى عَبْدًا عَنْ نَسَبِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ أَبَوَاهُ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا (فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ الْقِيَامُ إلَّا بِطَلَبٍ مِنْ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَجَبَ لَهُ حَدٌّ مِنْ قَذْفٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَبِ اُنْظُرْ كَلَامَ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ. . وَمَنْ آذَى مُسْلِمًا أُدِّبَ. ص (وَلَا إنْ نُبِذَ) ش: قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ التَّنْبِيهَاتِ اللَّقِيطُ هُوَ الْمُلْتَقَطُ حَيْثُ وُجِدَ وَعَلَى أَيِّ صِفَةٍ وُجِدَ فِي صِغَرِهِ وَالْمَنْبُوذُ الَّذِي وُجِدَ مَنْبُوذًا لِأَوَّلِ مَا يُولَدُ وَقِيلَ اللَّقِيطُ هُوَ مَا اُلْتُقِطَ مِنْ الصِّغَارِ فِي الشَّدَائِدِ وَالْغَلَاءِ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَذَفَ اللَّقِيطَ بِأَبِيهِ حُدَّ وَمَنْ قَذَفَ بِذَلِكَ الْمَنْبُوذَ لَمْ يُحَدَّ وَقَالَ مَالِكٌ مَا نَعْلَمُ مَنْبُوذًا إلَّا وَلَدَ الزِّنَى وَعَلَى قَائِلِهَا لِغَيْرِهِ الْحَدُّ وَأَرَادَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يُخَرِّجَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فِي الَّذِي اسْتَلْحَقَ لَقِيطًا أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَم أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ وَسَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ إذَا طُرِحَ عَاشَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا فِي النَّادِرِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَوَّلًا فِي هَذِهِ عَلَى نَازِلَةٍ وَقَعَتْ شَهِدَتْ لَهَا دَلَائِلُ وَإِلَّا فَالْغَالِبُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَعَلَى قَائِلِهَا لِغَيْرِهِ الْحَدُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مَنْبُوذُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَعَلَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ اللَّخْمِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى اللَّقِيطِ وَأَمَّا نَسَبُهُ فَإِنَّ مَحْمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَإِنَّهُ لِرَشْدَةٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ لَا أَبَ لَكَ أَوْ يَا وَلَدَ الزِّنَى حُدَّ لَهُ وَاخْتُلِفَ إذَا اسْتَلْحَقَهُ رَجُلٌ فَقَالَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ حُكْمُ الْمَنْبُوذِ حُكْمُ الْمَلْقُوطِ اللَّقِيطِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالدِّينِ وَاخْتُلِفَ فِي النَّسَبِ فَجَعَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِلزَّنْيَةِ لَا نَسَبَ لَهُ وَقَالَ مَنْ قَذَفَ الْمَنْبُوذَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ لَمْ يُحَدَّ وَقَدْ قِيلَ الْمَنْبُوذُ مَنْ نُبِذَ عِنْدَمَا وُلِدَ وَالشَّأْنُ إنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ وُلِدَ عَنْ زِنًى وَاللَّقِيطُ مَا طُرِحَ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْجَدْبِ وَلَيْسَ عِنْدَمَا يُولَدُ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا مَنْبُوذُ قَالَ مَا نَعْلَمُ مَنْبُوذًا إلَّا وَلَدَ الزِّنَى وَأَرَى عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَدُّ وَكُلُّ هَذَا خِلَافٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَلْحَقَ لَقِيطًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ وَسَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ أَنَّهُ إذَا طُرِحَ عَاشَ وَهَذَا إنَّمَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي آخِرِ بَابِ اللُّقَطَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى اللَّقِيطِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ ابْنُ شَعْبَانَ لَفْظَ مَنْبُوذٍ وَتَرْجَمَ عَلَى أَحْكَامِهِ فِي الْمُوَطَّإِ بِالْقَضَاءِ فِي الْمَنْبُوذِ وَفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ الْمَنْبُوذُ: اللَّقِيطُ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَنْبُوذَ هُوَ مَنْ طُرِحَ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَأَنَّ اللَّقِيطَ مَنْ طُرِحَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى اللَّقِيطِ أَنَّهُ مَنْبُوذٌ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَا إنْ نُبِذَ) الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ بَقِيَ مَنْبُوذًا عَنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ وَلَا جَدَّ إذْ لَا نَسَبَ لَهُ هَذَا إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَبَ لَكَ أَوْ يَا وَلَدَ زِنَى فَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالْمُحَشِّي فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا قَالَ لِلْمَنْبُوذِ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي النَّفْيِ عَنْ النَّسَبِ لَا فِي قَذْفِ أَبِي الْمَنْبُوذِ أَوْ أُمِّهِ فَتَأَمَّلْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِلْمَنْبُوذِ لَيْسَ لَكَ أَبٌ أَوْ يَا وَلَدَ الزِّنَى فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَالْعِلَّةُ

فرع قذفه بالزنى ثم أثبت عليه أنه زنى في حال الصبا أو في حال الكفر

فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ وَلَدَ زَانِيَةٍ لِأَنَّ أَبَاهُ وَأُمَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي اللَّقِيطِ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِي وَيَا ابْنَ الزَّانِيَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) مَا نَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْمَحْمُولَيْنِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَلَا فِي اللَّقِيطِ وَلَا غَيْرِهِ فَانْظُرْهُ. ص (أَوْ زَنَى) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. [فَرْعٌ قَذَفَهُ بِالزِّنَى ثُمَّ أَثْبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ الصِّبَا أَوْ فِي حَالِ الْكُفْرِ] (فَرْعٌ) لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَى ثُمَّ أَثْبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ الصِّبَا أَوْ فِي حَالِ الْكُفْرِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ اسْمُ زِنَى بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنَّ اسْمَ الزَّانِي لَازِمٌ لَهُ. نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَ (عَفَّ عَنْ وَطْءٍ) يُوجِبُ الْحَدَّ وَيَخْرُجُ بِهِ مَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ بَهِيمَةً. [فَرْعٌ قَذَفَ رَجُلًا فَارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ] (فَرْعٌ) فَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَى فَلَمْ يُحَدَّ لَهُ حَتَّى زَنَى الْمَقْذُوفُ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عَلَى الْمَقْذُوفِ زِنًى فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَلَوْ قَذَفَهُ بِزِنَى غَيْرِ الزِّنَى الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ. ص (وَعَفَّ) ش: أَيْ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ عَفِيفًا وَلَمْ يُفَسِّرْ الشَّارِحُ الْعَفَافَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْعَفَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْقِيَانِ وَمَوَاضِعِ الْفَسَادِ وَالزِّنَى، بِخِلَافِ السَّارِقِ وَالشَّارِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَكَذَا نَقَلَ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْأُسْتَاذِ فَقَالَ وَمَعْنَى الْعَفَافِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْقِيَانِ وَمَوَاضِعِ الْفَسَاد وَالزِّنَى، فَلَوْ قَذَفَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الرِّبَا وَالْقَذْفِ يُحَدُّ لَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا رَمَى بِهِ فَإِنْ ثَبَتَ أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَمُقْتَضَى مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ حُدَّ فِي الزِّنَى أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ لَهُ وَاخْتُلِفَ إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِشَاهِدَيْنِ أَمْ لَا انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَفَافُ الْمَقْذُوفِ الْمُوجِبُ حَدَّ قَاذِفِهِ فِي مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ فِعْلِ الزِّنَى قَبْلَ قَذْفِهِ وَبَعْدَهُ وَمِنْ ثُبُوتِ حَدِّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَظَاهِرُ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَسْقُطُ الْإِحْصَانُ بِثُبُوتِ كُلِّ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ قَبْلَ الْقَذْفِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْإِحْصَانُ الْمُشْتَرَطُ هُنَا لَا فِي الرَّجْمِ (بِثُبُوتِ كُلِّ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ) فَيَخْرُجُ وَطْءُ الْبَهِيمَةِ وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ قَبْلَ الْقَذْفِ وَبَعْدَهُ أَيْ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ الْإِحْصَانُ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَعُودُ الْعَفَافُ أَبَدًا وَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَقَوْلُهُ (بِثُبُوتِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْعَفَافَ فَانْظُرْهُ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّخْصَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَفَافِ حَتَّى يُثْبِتَ عَلَيْهِ الْقَاذِفُ أَنَّهُ غَيْرُ عَفِيفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ فِي تَعْرِيفِ الْعَفَافِ مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا حُدَّ فِي زِنَى أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ زِنَى لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَلَوْ قَذَفَهُ بِغَيْرِ الزِّنَى الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي بَابِ الْمَقْذُوفِ يُرَدُّ الْجَوَابُ عَلَى الْقَاذِفِ وَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَذَفَ مَنْ جُلِدَ فِي زِنَى لَمْ يُحَدَّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُؤَدَّبُ بِإِذَايَةِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ حُدَّ

فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَدَبِهِ لِإِذَايَتِهِ لِلْمَقْذُوفِ انْتَهَى ص (وَإِنْ مُلَاعَنَةً) ش: قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَمَنْ قَالَ لِابْنِ مُلَاعَنَةٍ: لَسْت لِأَبِيك الَّذِي لَاعَنَ أُمَّك. فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ يَا مَنْفِيُّ يَا ابْنَ مُلَاعَنَةٍ يَا ابْنَ مَنْ لُوعِنَتْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْ النَّوَادِرِ وَقَالَ: إنَّهُ يُعَزَّرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ كَيَا قَحْبَةُ) ش: قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَحْبُ الْمُسِنُّ وَالْعَجُوزُ قَحْبَةٌ وَاَلَّذِي يَأْخُذُهُ السُّعَالُ وَقَدْ قَحَبَ يَقْحُبُ كَنَصَرَ قَحْبًا أَوْ قُحَابًا وَقَحَّبَ تَقْحِيبًا وَسُعَالٌ قَاحِبٌ شَدِيدٌ وَالْقَحْبَةُ الْفَاسِدَةُ الْجَوْفِ مِنْ دَاءٍ وَالْفَاجِرَةُ لِأَنَّهَا تَسْعُلُ وَتَتَنَحْنَحَ أَيْ تَرْمُزُ بِهِ وَبِهِ قَحْبَةٌ أَيْ سُعَالٌ انْتَهَى. وَفِي الصِّحَاحِ الْقُحَابُ سُعَالُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَرُبَّمَا جُعِلَ لِلنَّاسِ وَالْقَحْبَةُ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ انْتَهَى وَفِي كِتَابِ الْأَفْعَالِ لِأَبِي مَرْوَانَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ طَرِيفٍ الْقُرْطُبِيِّ الْمَشْهُورُ: قَحَبَ الشَّيْءُ قُحَابًا سَعَلَ وَمِنْهُ سُعَالٌ قَاحِبٌ وَقَحَبَ الْكَلْبُ وَالْبَعِيرُ سَعَلَا وَأَصْلُ الْقُحَابِ فَسَادُ الْجَوْفِ فَقَدْ يَكُونُ اشْتِقَاقُ الْقَحْبَةِ مِنْ الْقُحَابِ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْجَوْفِ وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا مِنْ الْقُحَابِ الَّذِي هُوَ السُّعَالُ كَأَنَّهَا تَسْتَعْمِلُ السُّعَالَ عَلَامَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّذِي يُسَافِحُهَا، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْمَرْأَةَ الْمُسِنَّةَ قَحْبَةً انْتَهَى.

ص (أَوْ مَا لَكَ أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْقَذْفِ وَقَالَ يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي مُشَاتَمَةٍ: مَا أَعْرِفُ أَبَاكَ وَهُوَ يَعْرِفُهُ ضُرِبَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَبُوهُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ فَقَدْ قَطَعَ نَسَبَهُ وَنَفَاهُ عَنْهُ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ بَعْدَهُ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا أَعْرِفُ أَبَاكَ فَمَا أَنْكَرَ مَا قَالَ فَلْيَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ قَالَ: مَا يُعْرَفُ أَبُوكَ لَحُدَّ انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَمَا أَنْكَرَ مَا قَالَ وَلَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ قَالَ مَا أَرَدْت بِذَلِكَ قَذْفًا وَلَكِنِّي لَا أَعْرِفُ أَبَاهُ حَقِيقَةً. سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِشَرِيفٍ مَا أَنْتَ شَرِيفٌ وَأَنَا سَمِعْت جَدَّك يَقُولُ مَا أَنَا شَرِيفٌ فَأَظْهَرَ الْمُدَّعِي مَثْبُوتًا بِالشَّرَفِ فَأَجَبْت بِأَنِّي لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالشَّرَفِ وَلَمْ يَكُنْ عُلِمَ بِثُبُوتِ شَرَفِهِ. وَقَالَ مَا قَالَ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَكَانَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِاللِّسَانِ وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ حَضَرَ وَأَسْقَطَ الْمُدَّعِي حَقَّهُ مِنْ الْيَمِينِ وَاصْطَلَحُوا. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ شَرِيفَةً مَشْهُورَةً بِالشَّرَفِ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فَقِيلَ لَهُ عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ: تَفْعَلُ هَذَا بِشَرِيفَةٍ مِنْ أَهْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ الزَّوْجُ: هِيَ شَرِيفَةٌ بِالنَّسَبِ وَأَنَا شَرِيفٌ بِالْحَسَبِ وَأَنَا أَحْسَنُ مِنْهَا وَأَبِي أَحْسَنُ مِنْ أَبِيهَا وَجَدِّي أَحْسَنُ مِنْ جَدِّهَا وَبَلَدِي أَحْسَنُ مِنْ بَلَدِهَا. وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِمَقَالَتِهِ وَاعْتَرَفَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فَسُئِلَ عَمَّا أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَقَالَ إنَّ أَبِي كَانَ خَطِيبًا وَجَدِّي كَانَ خَطِيبًا وَأَبُوهَا وَجَدُّهَا لَيْسَا كَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَيُؤَدَّبُ وَمُوجِبُ الْقِيَاسِ أَنَّ قَوْلَهُ جَدِّي أَحْسَنُ مِنْ جَدِّكِ يُوجِبُ ظَاهِرُهُ قَتْلَ قَائِلِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّنْقِيصِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ لَكِنْ يُوجِبُ إلْغَاءَ إيجَابِهِ لِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ لَفْظِهِ عَلَى جَدٍّ لَا يُوجِبُ صِدْقَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَالِاحْتِمَالُ فِي النَّازِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا بَيَّنَهُ مِنْ خِطَابَةِ جَدِّهِ دُونَ جَدِّهَا إنْ كَانَ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ صَادِقًا فَدَلِيلُ أَدَبِهِ وَاضِحٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ انْتَهَى (فَائِدَةٌ) أَوَّلُ مَا حَدَثَ تَمْيِيزُ الْأَشْرَافِ بِالشَّطْبَةِ الْخَضْرَاءِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ أَمَرَ بِذَلِكَ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ شَعْبَانُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْأَنْبَاءِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ السَّخَاوِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَشْرَافِ لَهُ قَالَ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ جَعَلُوا لِأَبْنَاءِ الرَّسُولِ عَلَامَةً ... إنَّ الْعَلَامَةَ شَأْنُ مَنْ لَمْ يُشْهَرْ نُورُ النُّبُوَّةِ فِي كَرِيمِ وُجُوهِهِمْ ... يُغْنِي الشَّرِيفَ عَنْ الطِّرَازِ الْأَخْضَرِ (وَقَالَ غَيْرُهُ) أَطْرَافُ تِيجَانٍ أَتَتْ مِنْ سُنْدُسٍ ... خُضْرٍ بِأَعْلَامٍ عَلَى الْأَشْرَافِ وَالْأَشْرَفُ السُّلْطَانُ خَصَّهُمْ بِهَا ... شَرَفًا لِتَعْرِفَهُمْ مِنْ الْأَطْرَافِ وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَامَةَ بَنِي الْعَبَّاسِ شَطْبَةً سَوْدَاءَ ثُمَّ تُرِكَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي: يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ، أَوْ الْأَزْرَقِ. إنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ كَذَلِكَ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ أَوْ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ أَوْ يَا ابْنَ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ أَحَدٌ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنَكَّلُ. قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَذْفِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ يُنَكَّلُ إذَا كَانَ فِي آبَائِهِ أَحَدٌ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أُدِّبَ وَمَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا زُجِرَ عَنْ أَذَى النَّاسِ كُلِّهِمْ وَمَنْ قَذَفَ نَصْرَانِيَّةً وَلَهَا بَنُونَ مُسْلِمُونَ أَوْ زَوْجٌ مُسْلِمٌ نُكِّلَ بِإِذَايَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ

فائده مقدار الأدب في ألفاظ وأفعال موجبة للأدب

أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ هَلْ رَاعَى حَقَّ النَّصْرَانِيَّةِ؟ أَوْ إنَّمَا رَاعَى إذَايَةَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَيُزَادُ فِي النَّكَالِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَهُ فِي بَابِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ يُنَكَّلُ نَكَالًا أَشَدَّ مِنْ نَكَالِ مَنْ لَا وَلَدَ لَهَا وَلَا زَوْجَةَ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالنَّكَالُ قَدْرُ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَحَالَاتُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَتَقَدَّمَ عَنْ النَّوَادِرِ فِي بَابِ الْمَقْذُوفِ يُرَدُّ الْجَوَابُ عَلَى قَاذِفِهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ قَذَفَ مَنْ جُلِدَ فِي زِنًى لَمْ يُحَدَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُؤَدَّبُ بِإِذَايَةِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ آذَى مُسْلِمًا أُدِّبَ قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الْأَقْطَعِ. ص (وَأُدِّبَ فِي: يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ إلَى آخِرِهِ) ش: وَمِثْلُ ذَلِكَ يَا خَائِنُ يَا ثَوْرُ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا يَهُودِيُّ يَا نَصْرَانِيُّ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا سَارِقُ يَا مُرَائِي قَالَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ لَهُ يَا آكِلَ الرِّبَا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا انْتَهَى [فائده مِقْدَارِ الْأَدَبِ فِي أَلْفَاظٍ وَأَفْعَالٍ مُوجِبَةٍ لِلْأَدَبِ] (فَائِدَةٌ) تَتَضَمَّنُ بَيَانَ مِقْدَارِ الْأَدَبِ فِي أَلْفَاظٍ وَأَفْعَالٍ مُوجِبَةٍ لِلْأَدَبِ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا مُجْرِمُ. ضُرِبَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي عَالِمٍ بِمَا لَا يَجِبُ فِيهِ حَدٌّ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي أَحَدٍ بِمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ. وَكُلُّ مَنْ آذَى مُسْلِمًا بِلَفْظٍ يَضُرُّهُ وَيَقْصِدُ بِهِ أَذَاهُ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْأَدَبُ الْبَالِغُ الرَّادِعُ لَهُ وَلِمِثْلِهِ يُقَنَّعُ رَأْسُهُ بِالسَّوْطِ أَوْ يُضْرَبُ بِالدَّرَّةِ ظَهْرُهُ. وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْقَائِلِ أَوْ سَفَاهَتِهِ وَقَدْرِ الْمَقُولِ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يُنْصِفْ النَّاسَ فِي أَعْرَاضِهِمْ لَمْ يُنْصِفْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك. فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. إلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ خَصْمُهُ قَالَهُ فِي الدُّرَرِ الْمُلْتَقَطَةِ لِلدَّمِيرِيِّ وَهَذَا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا شَتَمَ الْأَخُ أَخَاهُ فَإِنْ كَانَ الْأَخُ كَبِيرًا وَكَانَ شَتْمُهُ لِأَخِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ لَمْ يُحَدَّ مِنْ الطُّرَرِ قَالَ: وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ شَاتِمِ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ فَقَالَ لَا أَرَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فَرَاجِعْهَا فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ الْمُفِيدِ أَيْضًا وَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لِغَيْرِ مُوجِبٍ فِي أَمِيرٍ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَزِمَتْهُ الْعُقُوبَةُ الشَّدِيدَةُ وَيُسْجَنُ شَهْرًا وَمَنْ خَالَفَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي وَلَمْ يَرْضَ بِالْحُكْمِ عُوقِبَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْجَوْرُ. وَمَنْ خَالَفَ أَمِيرًا أَوْ كَسَّرَ دَعْوَتَهُ لَزِمَتْهُ الْعُقُوبَةُ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَمَنْ اسْتَهَانَ بِدَعْوَةِ الْقَاضِي أَوْ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُجِبْ، ضُرِبَ أَرْبَعِينَ. وَإِذَا ارْتَفَعَ الْكَلَامُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ضُرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ دُونَ النِّصَابِ ضُرِبَ خَمْسِينَ، وَمَنْ تَغَامَزَ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ تَضَاحَكَ مَعَهَا ضُرِبَا عِشْرِينَ، عِشْرِينَ إذَا كَانَتْ طَائِعَةً، فَإِنْ قَبَّلَهَا طَائِعَةً ضُرِبَا خَمْسِينَ، وَإِنْ لَمْ تُطِعْهُ ضُرِبَ وَحْدَهُ خَمْسِينَ، وَمَنْ حَبَسَ امْرَأَةً ضُرِبَ أَرْبَعِينَ فَإِنْ طَاوَعَتْهُ ضُرِبَتْ مِثْلَهُ. وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً ضُرِبَ مِائَةً وَمَنْ سَلَّ سَيْفًا عَلَى وَجْهِ الْقِتَالِ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ وَكَانَ السَّيْفُ فَيْئًا وَقِيلَ يُقْتَلُ إنْ سَلَّهُ عَلَى وَجْهِ الْحِرَابَةِ وَمَنْ سَلَّ سِكِّينًا فِي جَمَاعَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ ضُرِبَ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ ثُمَّ قَالَ وَمَنْ سَلَّ سَيْفًا عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ فِي جَمَاعَةٍ يُهَدِّدُهُمْ بِهِ فَقَدْ أَحْفَى وَيُضْرَبُ عِشْرِينَ سَوْطًا انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي السِّكِّينِ أَمْ لَا وَهَذَا الظَّاهِرُ وَانْظُرْ الْبَيَانَ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ:

فرع قال عند الإمام أو عند غيره زنيت بفلانة

يَا كَلْبُ. فِي رَسْمِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْقَذْفِ وَفِيهِ بَيَانُ ذِي الْهَيْئَةِ، وَفِي الرَّسْمِ الَّذِي بَعْدَهُ مَسْأَلَةٌ: قَوْلُهُ: كَذَبْت وَأَثِمْت وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَابْنِ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ شَتْمَ الْمُؤَدِّبِ وَالْقَاضِي وَالشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ لِابْنِ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَقْسِيمِ الْأَوْلَادِ ص (وَإِنْ قَالَتْ: بِكَ (جَوَابًا) لِزَنَيْت. حُدَّتْ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: بِكَ. حُدَّتْ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ الزِّنَا فَتُحَدُّ لِلْقَذْفِ فَقَطْ وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَجْنَبِيَّةٌ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ كِتَابِ الْقَذْفِ وَحَرَّرَ الْقَوْلَ فِيهَا وَأَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ إقْرَارٌ بِالزِّنَا فَتُحَدُّ لَهُ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ وَقَذْفٌ لِلرَّجُلِ فَتُحَدُّ لَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ الْقَذْفَ وَإِنَّمَا قَصَدَتْ الْمُجَاوَبَةَ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهَا بِالزِّنَا وَلَا قَذْفًا لِلزَّوْجِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ إصَابَةَ النِّكَاحِ وَذَكَرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافًا قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَسَبَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ مَسْأَلَةَ الزَّوْجَةِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَتْ فِيهَا وَلَعَلَّ فِي نُسْخَتِهِ لِامْرَأَتِهِ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَعَلَى مَا فِي نُسْخَتِهِ مَشَى فِي شَامِلِهِ فَجَعَلَ الْأَصَحَّ أَنَّ الزَّوْجَةَ كَغَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [فَرْعٌ قَالَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ زَنَيْت بِفُلَانَةَ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ. فَإِنْ أَقَامَ عَلَى قَوْلِهِ حُدَّ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَسَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الزِّنَا وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْعَفْوُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ فِي حَدِّ الْإِمَامِ لَهُ لِلْقَذْفِ هَلْ هُوَ إذَا طَلَبَهُ الْمَقْذُوفُ أَوْ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ؟ [مَسْأَلَة قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ يَا زَانِيَهُ بِالْهَاءِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ النُّورِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ إذَا قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ يَا زَانِيَهُ بِالْهَاءِ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْأَجْنَبِيِّ فَلَسْت أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَلَكِنَّهُ عِنْدِي يَكُونُ قَذْفًا وَعَلَى قَائِلِهِ الْحَدُّ وَقَدْ زَادَ حَرْفًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ قَذْفًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانٍ أَنَّهُ قَذْفٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ هُوَ أَنَّ الْخِطَابَ إذَا فُهِمَ مِنْهُ مَعْنَاهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ أَوْ عَرَبِيٍّ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت بِفَتْحِ التَّاءِ كَانَ قَذْفًا؟ ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُفْهَمُ مِنْهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُخَاطِبَ الْمُؤَنَّثَ بِخِطَابِ الْمُذَكَّرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف: 30] صَلَحَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَا زَانٍ لِلْمُؤَنَّثِ قَذْفًا وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَنِّثَ فِعْلَ الْمُذَكَّرِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِخِطَابِهِ بِالْمُؤَنَّثِ حُكْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَ مِنْ تَفْسِيرِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ص (وَلَهُ حَدُّ أَبِيهِ وَفُسِّقَ) ش: هَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ صَلَّى نَهَارًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْأَقْضِيَةِ لِرِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الشَّهَادَاتِ وَنَصُّهُ وَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ وَأَنْ يُحَلِّفَهُ وَأَنْ يَحُدَّهُ وَيَكُونَ عَاقًّا بِذَلِكَ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْعُقُوقَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٌ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِتَحْلِيفِهِ أَيْضًا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ أَنْ يَحُدَّهُ فِي حَدٍّ يَقَعُ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُوقِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْيَمِينِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَفِي الْحَدِّ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَقَالَ فِي هَذَا الرَّسْمِ إنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ خُصُومَةٌ أَنْ يُحَلِّفَهُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَاقًّا بِتَحْلِيفِهِ إذْ لَا مَأْثَمَ فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْيَمَانِيَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي الْمَبْسُوطِ انْتَهَى فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ أَبَاهُ إلَّا الْمُنْقَلِبَةَ وَالْمُتَعَلِّقَةَ

فرع قذف رجلا بالزنا

بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَمَشَى هُنَاكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَشَى هُنَا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَقَدْ اسْتَثْنَى ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا الْمُنْقَلِبَةَ وَالْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَإِخْرَاجَهَا مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْقِيَامُ بِهِ وَإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ) ش يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِالْقَذْفِ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ مَا قَذَفَهُ بِهِ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ صَوْنًا لِعِرْضِهِ وَسِتْرًا عَلَى نَفْسِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَإِنْ عَلِمَ الْمَقْذُوفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ زَنَى فَحَلَالٌ لَهُ أَنْ يَحُدَّهُ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا] (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَقْذُوفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزَانٍ انْتَهَى. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَقَالُوا: لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَقْذُوفَ شَيْءٌ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ لَمْ يَعْلَمْ الْمَقْذُوفُ بِقَاذِفِهِ حَتَّى مَاتَ] ص (كَوَارِثِهِ) ش: (فَرْعٌ) لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَقْذُوفُ بِقَاذِفِهِ حَتَّى مَاتَ قَامَ بِذَلِكَ وَارِثُهُ إلَّا أَنْ يَمْضِيَ مِنْ الزَّمَانِ مَا يَرَى أَنَّهُ تَارِكٌ فَلَا قِيَامَ لِلْوَارِثِ فِيهِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الرَّجْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَالْعَفْوُ قِبَلَ الْإِمَامِ) ش: وَهَذَا بِخِلَافِ التَّعَازِيرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا الشَّفَاعَةُ وَالْعَفْوُ وَإِنْ بَلَغَ الْإِمَامَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرَعٌ عَفْوِ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ بَعْد بُلُوغِ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ عَفْوِ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ اُنْظُرْ اللَّخْمِيَّ وَالتَّوْضِيحَ [فَرْعٌ عَفَا عَنْ قَاذِفِهِ] (الثَّانِي) قَالَ فِي كِتَابِ الرَّجْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ عَفَا عَنْ قَاذِفِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُومَ بِحَدِّهِ وَإِنْ رَفَعَ الْقَاذِفُ إلَى الْإِمَامِ أَجْنَبِيًّا غَيْرَ الْمَقْذُوفِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُحَدُّ بِهِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا صَاحِبُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَلَا يَقُومُ بِالْحَدِّ إلَّا الْمَقْذُوفُ. وَإِنْ شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا وَفُلَانٌ يُكَذِّبُهُمْ وَيَقُولُ مَا قَذَفَنِي لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ هُوَ الَّذِي أَتَى بِهِمْ وَادَّعَى ذَلِكَ ثُمَّ أَكْذَبَهُمْ بَعْدَ أَنْ شَهِدُوا عِنْدَ السُّلْطَانِ وَقَالَ مَا قَذَفَنِي فَإِنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ لَا يُزِيلُهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَفْوِهِ عَنْهُ وَيُضْرَبُ الْقَاذِفُ الْحَدَّ انْتَهَى. . ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ مَا وَجَبَ الْحَدُّ مَا شَهِدْنَا إلَّا بِزُورٍ دَرَأَ الْحَدَّ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا غَائِبًا بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ وَمَعَهُ شُهُودٌ] (الثَّالِثُ) إنْ قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا غَائِبًا بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ وَمَعَهُ شُهُودٌ قَالَ فِي كِتَابِ الْقَطْعِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَقَامَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الْحَدَّ. فَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَى أَنَّهُ يُقِيمُهُ بَعْدَ طَلَبِ الْمَقْذُوفِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى أَنَّهُ يُقِيمُهُ فِي غَيْبَتِهِ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنَ عَرَفَةَ وَأَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ فِي مَسْأَلَةِ سَمَاعِ الْإِمَامِ الْقَذْفَ. قَالَ وَتَأْوِيلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ صَالَحَ مَنْ قَذَفَ عَلَى شِقْصٍ أَوْ مَالٍ] (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ صَالَحَ مَنْ قَذَفَ عَلَى شِقْصٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يَجُزْ وَرُدَّ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْ لَا اُنْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْأَخْذِ عَلَى الْعَرْضِ مَالًا. ص (بَابٌ) (تُقْطَعُ الْيُمْنَى وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ) ش: هَذَا يُسَمَّى بَابُ السَّرِقَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالسَّرِقَةُ أَخْذُ

تنبيه عليه حد وهو أعسر

الْمَالِ خُفْيَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَيْهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ سَرِقَةِ غَيْرِ الْمَالِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: السَّرِقَةُ أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرٍّ لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزٍ بِقَصْدٍ وَأُخِذَ خُفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ. فَيَخْرُجُ أَخْذُ غَيْرِ الْأَسِيرِ مَالَ حَرْبِيٍّ وَمَا اجْتَمَعَ بِتَعَدُّدِ إخْرَاجٍ وَقَصْدٍ، وَالْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ وَالْمُضْطَرِّ فِي الْمَجَاعَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَتُحْسَمُ بِالنَّارِ اُنْظُرْ هَلْ الْحَسْمُ بِالنَّارِ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْآبِي عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ بِحَقِّ الْمُدَاوَاةِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ بِحَقٍّ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْمُدَاوَاةِ وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مِنْ مَعْنَى قَتْلِ النَّفْسِ بِخِلَافِ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا فَلَهُ تَرْكُ الْمُدَاوَاةِ حَتَّى يَمُوتَ وَإِثْمُهُ عَلَى قَاطِعِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْحَسْمَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ آثِمٌ إنْ تَعَمَّدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص. (إلَّا لِشَلَلٍ) ش: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِابْنِ وَهْبٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ شَلَلًا بَيِّنًا وَأَمَّا لَوْ كَانَ شَلَلًا خَفِيفًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ إنْ كَانَتْ يُمْنَاهُ شَلَّاءَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ كَانَ الشَّلَلُ بَيِّنًا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ. اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ تُقْطَعُ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ عَلَيْهِ حَدٌّ وَهُوَ أَعْسَرُ] (تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَلَوْ كَانَ أَعْسَرَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَعَ وُجُودِ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا الَّتِي

سَرَقَتْ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ ص (أَوْ جَارِحًا لِتَعْلِيمِهِ) ش: يُرِيدُ غَيْرَ الْكَلْبِ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. ص (لَا أَنْ تُكْمَلَ بِمِرَارٍ فِي لَيْلَةٍ) ش: هَذَا قَوْلُ

ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِي السَّارِقِ يَدْخُلُ الْبَيْتَ فِي لَيْلَةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ يَخْرُجُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِقِيمَةِ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فَإِنَّهُ قَالَ

فرع سرق نصابا من مال مشترك بين جماعة وحصة كل واحد منهم دون النصاب

يُقْطَعُ إذَا اجْتَمَعَ مِمَّا خَرَجَ بِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَحْنُونٌ فِي أَنَّهَا سَرِقَاتٌ مُفْتَرِقَاتٌ إذَا كَانَتْ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَصَدَّقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ قَالَ وَهَذَا فِيمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَادَ فِيهِ لِسَرِقَةٍ أُخْرَى وَأَمَّا مِثْلُ الْقَمْحِ وَشِبْهِهِ مِنْ الْمَتَاعِ الَّذِي يَجِدُهُ مُجْتَمِعًا وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُخْرِجَهُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْقُلُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَهَذِهِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ أُخْرَى بِنِيَّةٍ كَمَا قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. [فَرْعٌ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَحِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ النِّصَابِ] (فَرْعٌ) مَنْ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَالِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ، وَحِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي النِّصَابِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ؛ سَرَقَهُ وَاحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إذَا تَعَاوَنُوا فِي إخْرَاجِهِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى التَّعَاوُنِ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا اخْتِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي سَرِقَةِ الْوَاحِدِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُشْتَرِكِينَ أَنَّهُ يُقْطَعُ انْتَهَى. (قُلْت) وَهَذَا فِيمَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزَيْنِ قَدْرَ نِصَابٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزَيْنِ قَدْرَ رُبْعِ دِينَارٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَسْرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِرَجُلَيْنِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي غَرَائِرَ بِالسُّوقِ مُجْتَمِعَةٍ لِلْبَيْعِ فَسَرَقَ رَجُلٌ مِنْ كُلِّ غِرَارَةٍ شَيْئًا حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ. فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَسْرِقَ مِنْ كُلِّ غِرَارَةٍ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ غِرَارَةٍ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَشَاوَرَ الْأَمِيرُ فِيهَا مَنْ حَضَرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَأَفْتَوْا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ. وَأَفْتَى مَالِكٌ بِمَا ذَكَرْنَا فَرَجَعُوا إلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ رَجَعَ إلَيْهِ رَبِيعَةُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي الْمَدَارِكِ وَقَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُعْرَفُ بِهَا فَضْلُ مَالِكٍ ص (أَوْ أَزَالَ بَابَ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْفَهُ وَأَخْرَجَ قَنَادِيلَهُ أَوْ حُصْرَهُ أَوْ بُسُطَهُ إنْ تُرِكَتْ فِيهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَزَالَ بَابَ الْمَسْجِدِ عَنْ مَوْضِعِهِ

خُفْيَةً عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَسَوَاءٌ خَرَجَ بِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ إذَا أَزَالَ خَشَبَةً مِنْ سَقْفِهِ عَنْ مَوْضِعِهَا خُفْيَةً عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ سَوَاءٌ خَرَجَ بِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ ثَابِتٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمُثَبَّتٍ بِهِ وَمُسَمَّرٍ فِيهِ كَحُصْرِهِ الْمُسْتَتِرَةِ فِيهِ الْمَخِيطُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَكَذَلِكَ بَلَاطُهُ الْمَبْنِيَّةُ وَسَلَاسِلُ قَنَادِيلِهِ الْمُسَمَّرَةُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَزَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَوْضِعِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُتَشَبِّثٍ بِهِ وَلَا مُسَمَّرٍ فِيهِ كَقَنَادِيلِهِ الْمُعَلَّقَةِ فِيهِ وَحُصْرِهِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ فِيهِ وَلَمْ يُخَطْ بَعْضُهَا إلَى

بَعْضٍ فَاخْتُلِفَ فِيمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ هَلْ يُقْطَعُ أَمْ لَا؟ فَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ. وَإِنْ أُخِذَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِد. وَأَمَّا بُسُطُ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ مَتْرُوكَةً فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَهِيَ كَالْحُصْرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تُحْمَلُ وَتُرَدُّ فَلَا قَطْعَ فِيهَا. قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ الْبَيَانِ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ مُتَشَبِّثٌ بِهِ كَجَائِزَةٍ مِنْ جَوَائِزِهِ أَوْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ أَوْ تَرِيَّةٍ مِنْ تِرْيَانِهِ الْمُعَلَّقَةِ بِهِ الْمُتَشَبِّثَةِ أَوْ حَصِيرٍ قَدْ سُمِّرَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِهِ أَوْ خِيطَ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُصْرِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ فَلَا اخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَهُوَ مُتَشَبِّثٌ بِهِ وَأَمَّا مَا سَرَقَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَشَبِّثٍ بِهِ كَقَنَادِيلَ مَوْضُوعَةٍ فِي تِرْيَاتِهَا أَوْ حُصْرٍ مَوْضُوعَةٍ فِي مَوَاضِعِهَا فَقِيلَ إنَّ مَوْضِعَهَا حِرْزٌ لَهَا يُقْطَعُ وَإِنْ أَخَذَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْمَسْجِد وَقِيلَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ خَرَجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ نَقْدِهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي رَسْمِ نَقْدِهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سَرَقَ حُصْرَ الْمَسْجِدِ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي لَا أَبْوَابَ لَهُ وَلَيْسَتْ الْأَبْوَابُ بِاَلَّتِي تُحْرِزُ وَمَنْ سَرَقَ الْأَبْوَابَ أَيْضًا قُطِعَ وَمَنْ سَرَقَ الْقَنَادِيلَ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُقْطَعَ سَرَقَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَلَهُ بَنُونَ صِغَارٌ فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ حُصْرِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَتْ سَرِقَتُهُ نَهَارًا لَمْ أَرَ عَلَيْهِ قَطْعًا. وَإِنْ كَانَ تَسَوَّرَ عَلَيْهَا لَيْلًا بَعْدَ أَنْ أُغْلِقَ فَأَخْرَجَ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدٍ لَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْقَنَادِيلِ وَفِي الْحُصْرِ؛ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ غَلْقٌ أَمْ لَا لِمَالِكٍ وَسَوَّى بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا قُلْنَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ قَنَادِيلَ الْمَسْجِدِ أَوْ حُصْرَهُ أَوْ بُسُطَهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّرَةً وَلَا مَخِيطَةً فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْرُجَ بِذَلِكَ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا يَتَبَادَرُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ أَعْنِي قَوْلَهُ أَوْ أَخْرَجَ قَنَادِيلَهُ أَوْ حُصْرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي أَنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي سَقْفِ الْمَسْجِدِ وَبَابِهِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالصَّوَابُ لَوْ قَالَ: وَمَوْضِعُ الْبَابِ وَالسَّقْفِ حِرْزٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ فِي الْبَلَاطِ وَالْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَطْعِ فِي قَنَادِيلِهِ وَحُصْرِهِ وَيُقْطَعُ فِي الْقَنَادِيلِ وَالْحُصْرِ وَالْبَلَاطِ وَإِنْ أُخِذَ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَحِرْزُهَا مَوَاضِعُهَا وَكَذَلِكَ الطِّنْفِسَةُ يَبْسُطُهَا الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ لِجُلُوسِهِ إذَا كَانَتْ تُتْرَكُ فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْحَصِيرِ. وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا الطَّنَافِسُ تُحْمَلُ وَتُرَدُّ فَرُبَّمَا نَسِيَهَا صَاحِبُهَا وَتَرَكَهَا فَلَا يُقْطَعُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ غَلْقٌ لِأَنَّ الْغَلْقَ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ أَجْلِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ بُسُطِ الْمَسْجِدِ الَّتِي تُطْرَحُ فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ صَاحِبُهُ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ الْبُسُطَ الَّتِي لَا تُتْرَكُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَلْقٌ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَسْرِقْهَا بَعْدَ أَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا وَأَمَّا إذَا سَرَقَهَا بَعْدَ أَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ السَّابِقِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَخْرَجَ قَنَادِيلَهُ أَوْ حُصْرَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعِهَا لَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَحَمَلَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُخْرِجَ الْقَنَادِيلَ وَالْحُصْرَ وَالْبُسُطَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ ثَمَّ قَوْلٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ سَقْفِ الْمَسْجِدِ وَحُصْرِهِ وَقَنَادِيلِهِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَطْعِ

فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ (الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي سَقْفِ الْمَسْجِدِ وَبَابِهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ مُتَشَبِّثًا بِالْمَسْجِدِ وَلَا مُسَمَّرًا فِيهِ فَالْمُتَشَبِّثُ بِهِ وَالْمُسَمَّرُ فِيهِ أَحْرَى بِذَلِكَ وَكَلَامُهُ فِي الْمُتَشَبِّثِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُخْرِجَهُ بَلْ فِيهِ أَيْضًا مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِمُجَرَّدِ سَرِقَتِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَوَقَّفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِب الْبَيَانِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَقَّفَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) هَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا سُرِقَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا مَا سُرِقَ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ فِي الْمَسْجِدِ كَبَيْتٍ لِلْقَنَادِيلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِالشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ مِنْ الْبَيْتِ الْمُغْلَقِ فَيُقْطَعُ حِينَئِذٍ وَلَوْ أُخِذَ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَأَمَّا إنْ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ سَرَقَ مَنْ عَلَى الْكَعْبَةِ الدَّاخِلُ فِيهَا الْمُغْلَقَ عَلَيْهِ بَابُهَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ سَرَقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ إلَى مَحِلِّ الطَّوَافِ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ الْبَيَانِ قَالَ: لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ الَّذِي لَا يُدْخَلُ إلَّا بِإِذْنٍ فِيمَا سُرِقَ مِنْهُ حُكْمُ الْبَيْتِ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يُخْتَزَنُ فِيهِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ زَيْتِهِ وَقَنَادِيلِهِ وَحُصْرِهِ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ دَخَلَهُ بِإِذْنٍ فَسَرَقَ مِنْهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ. (الرَّابِعُ) أَمَّا حُلِيُّ الْكَعْبَةِ الَّذِي فِي بَابِهَا وَفِي جِدَارِهَا مِنْ خَارِجٍ كَالْحُلِيِّ الَّذِي عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا كَانَ مُسَمَّرًا فِي الْمَسْجِدِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ الْقَطْعَ فِي حُلِيِّ بَابِ الْكَعْبَةِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حُكْمُ الرَّصَاصِ الَّذِي فِي أَرْضِ الْمَطَافِ وَاَلَّذِي فِي أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ الظَّاهِرَةِ حُكْمُ مَا هُوَ مُسَمَّرٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمُتَشَبِّثٌ بِهِ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ الدَّاخِلَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ حُلِيِّهَا الْمُغْلَقِ عَلَيْهِ بَابُهَا وَكَذَلِكَ حُكْمُ كِسْوَةِ الْمَقَامِ وَالْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ فِيهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبُسُطِ أَنْ تَكُونَ لِلْمَسْجِدِ مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِشَخْصٍ وَلَكِنَّهَا مَتْرُوكَةٌ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلًا وَنَهَارًا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُصْرَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْقَنَادِيلُ بِالْإِضَافَةِ لِلْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هِيَ لِكَوْنِ الْمَسْجِدِ ظَرْفًا لَهَا وَالْإِضَافَةُ يُكْتَفَى فِيهَا بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا إنْ نَقَبَ) ش مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَشَارَ فِي التَّوْضِيحِ إلَى بَعْضِهِ وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَاعَدَةَ فِي الْحِرْزِ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ نَعَمْ قَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا الْتَقَيَا وَسَطَ النَّقْبِ، وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا رَبَطَهُ الدَّاخِلُ وَجَذَبَهُ الْخَارِجُ لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَأَشْبَهَ مَا إذَا حَمَلَا شَيْئًا لَا يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَمْلِهِ فَإِنَّهُمَا يُقْطَعَانِ. ص (إلَّا الرَّقِيقَ لِسَيِّدِهِ) ش: فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَرَامَتَانِ ذَهَابُ مِلْكِهِ وَإِتْلَافُ عَبْدِهِ وَلَوْ رَضِيَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ لَمْ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ إلَّا حَيْثُ أَمَرَ الشَّرْعُ بِهِ. ص (وَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ) ش: حَيْثُ تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

فرع حد لله أو قصاص اجتمع مع القتل

بِالسَّرِقَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا وَفِي الْمُتَوَسِّطِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَوَجُّهِهَا عَلَيْهِ. ص (وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ سَقَطَ الْعُضْوُ بِسَمَاوِيٍّ) ش قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ ابْنُ شَاسٍ وَلَوْ سَرَقَ وَلَا يَمِينَ لَهُ سَقَطَ الْحَدُّ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ شَاسٍ لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يُمْنَاهُ بِآفَةٍ سَقَطَ الْحَدُّ انْتَهَى. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ لَا يَمِينَ لَهُ فَقَالَ فِيهَا: وَلَوْ كَانَ لَا يَمِينَ لَهُ فَسَرَقَ وَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَفِي الْأُولَى تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى انْتَهَى. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَمَحَى لِيَدِهِ الْيُسْرَى وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ نَحْوُ مَا فِي الْوَسَطِ وَأَمَّا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَذَكَرَ عِبَارَةً عَنْ ابْنِ شَاسٍ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَدَاخَلَتْ إنْ اتَّحَدَ الْمُوجِبُ كَقَذْفٍ وَشُرْبٍ وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَذَفَ وَشَرِبَ خَمْرًا، سَكِرَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَسْكَرْ جُلِدَ حَدًّا وَاحِدًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُنْظُرْ لَوْ جُلِدَ فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْآخَرَ قَبْلَهُ فَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَضَرْبَ الْحَدِّ لَهُ ثُمَّ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ قَبْلَ شُرْبِهِ فَإِنْ ضَرَبَهُ لِلْخَمْرِ يُجْزِئُ وَكَذَلِكَ لَوْ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ فَضُرِبَ لَهُ الْحَدَّ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضْرِبُ لَهُ ثَانِيَةً وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ هُوَ الصَّوَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ. انْتَهَى كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ الشُّرْبِ وَكَلَامُ ابْنِ يُونُسَ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ الْقَذْفِ [فَرْعٌ حَدٍّ لِلَّهِ أَوْ قِصَاصٍ اجْتَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ أَوْ قِصَاصٍ اجْتَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ فَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ هُوَ الْمَقْتُولَ وَأَنَّهُ يُحَدُّ ثُمَّ يُقْتَلُ كَغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقُومُوا بِحَدِّ الْمَقْذُوفِ فَيُحَدَّ ثُمَّ يُقْتَلُ لِلْقِصَاصِ. اهـ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْقَتْلَ يَدْخُلُ فِيهِ حَدٌّ غَيْرُ الْقَذْفِ وَلَوْ كَانَ قِصَاصًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ نُصُوصِهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: مَنْ لَزِمَتْهُ حُدُودٌ وَقُتِلَ فَالْقَتْلُ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْقَذْفِ فَلْيُحَدَّ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ مَا نَصُّهُ ظَاهِرُهُ

باب المحارب

وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ قَوَدًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ) ش: كَالزِّنَى وَالشُّرْبِ وَكَالزِّنَى وَالْقَذْفِ وَقِيلَ يُكْتَفَى بِالْأَكْثَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَاب الْمُحَارَب] ص (بَابٌ الْمُحَارِبُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ أَوْ أَخْذِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْحِرَابَةُ الْخُرُوجُ لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ بِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ أَوْ خَوْفِهِ أَوْ ذَهَابِ عَقْلٍ أَوْ قَتْلٍ خُفْيَةً أَوْ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، لَا لِإِمْرَةٍ وَلَا لِنَائِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ، فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا وَالْخَنَّاقُونَ وَاَلَّذِينَ يَسْقُونَ النَّاسَ السَّيْكَرَانِ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ مُحَارِبُونَ انْتَهَى. وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُحَارِبَ هُوَ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى النَّاسِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ السُّلُوكِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ قَوْلَهُ أَوْ آخِذُ الْمَالِ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَأَمَّا إذَا قُرِئَ بِسُكُونٍ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُحَارِبَ هُوَ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لِمَنْعِ السُّلُوكِ أَوْ مَنْ قَطَعَهَا لِأَخْذِ الْمَالِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ قَاتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ دَخَلَ دَارًا أَوْ زُقَاقًا أَوْ قَاتَلَ لِيَأْخُذَ الْمَالَ وَمُسْقِي السَّيْكَرَانِ وَمُخَادِعُ الصَّبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْحِرَابَةُ كُلُّ فِعْلٍ يُقْصَدُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِاسْتِغَاثَةُ عَادَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمِنٍ. إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِاسْتِغَاثَةُ. فَإِنَّ الْمَسْلُوبَ يَسْتَغِيثُ وَجَدَ مُغِيثًا أَمْ لَا فَهُوَ لَا تَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِغَاثَةُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) يَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَى فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ بِمَا يُشْعِرُ بِخُرُوجِ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَأَخْذِ مَالِهِ. فَيُقَالُ مَثَلًا: الْمُحَارِبُ قَاطَعَ الطَّرِيقَ لِمَنْعِ سُلُوكِ غَيْرِ حَرْبِيٍّ أَوْ أَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ مَعْصُومٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِي) اُنْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَارِبِ التَّكْلِيفُ؟ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّبِيُّ إنْ حَارَبَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ وَلَا أَنْبَتَ عُوقِبَ وَلَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَدُّ الْحِرَابَةِ. قَالَ وَالْمَجْنُونُ يُعَاقَبُ لِيَنْزَجِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بِهِ الْأَمْرُ الْخَفِيفُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ انْتَهَى وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الصِّبْيَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَأَمَّا الصِّبْيَانِ فَلَا يَكُونُونَ مُحَارِبِينَ حَتَّى يَحْتَلِمُوا. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ حَتَّى يَبْلُغُوا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَقِبَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَإِنْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ إلَى مَدِينَتِهِمْ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا فَهُمْ مُحَارِبُونَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا رَاجِعٌ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا إلَى الصِّبْيَانِ انْتَهَى. ص (فَيُقَاتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ) ش: أَيْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ

تنبيه قدر ضرب المحارب

عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يُدْعَوْا إلَى التَّقْوَى وَالْكَفِّ فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا وَإِنْ عَاجَلُوا قُوتِلُوا، وَأَنْ يُعْطَوْا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ إنْ طَلَبُوهُ كَالثَّوْبِ وَالطَّعَامِ وَمَا خَفَّ وَلَمْ يُقَاتِلُوا. وَلَمْ يَرَ سَحْنُونٌ أَنْ يُعْطَوْا شَيْئًا وَلَوْ قَلَّ وَلَا أَنْ يُدْعَوْا وَقَالَ هَذَا وَهْنٌ، يُدْخَلُ عَلَيْهِمْ وَلْيُظْهَرْ لَهُمْ الصَّبْرُ وَالْجَلَدُ وَالْقِتَالُ بِالسَّيْفِ فَهُوَ أَكْسَرُ لَهُمْ وَأَقْطَعُ لِطَمَعِهِمْ. ذَهَبَ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ يُصْلَبُ) ش: هَذَا خَاصٌّ بِالرَّجُلِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَحَدُّهَا صِنْفَانِ: الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَالْقَتْلُ. وَيَسْقُطُ عَنْهَا ثَالِثٌ وَهُوَ الصَّلْبُ وَيُخْتَلَفُ فِي رَابِعٍ وَهُوَ النَّفْيُ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ. ص (أَوْ يَنْفِي الْحُرَّ) ش: لَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَعَ النَّفْي ضَرْبًا وَذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ النَّفْيِ مِنْ الضَّرْبِ. وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلِغَيْرِهِمَا: وَلِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ وَيَضْرِبُهُمَا إنْ شَاءَ. قَوْلُهُ (إنْ شَاءَ) ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِهِ؛ لِقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ بِحَضْرَةِ الْخُرُوجِ وَلَمْ يُخِفْ السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَهَذَا يُؤَاخَذُ فِيهِ بِأَيْسَرِ الْحُكْمِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. وَذَلِكَ الضَّرْبُ وَالنَّفْيُ مَا ذَكَرَهُ أَنْسَبُ بِمَذْهَبِ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ جَلْدَهُ مَعَ النَّفْيِ لَضَعِيفٌ. وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ لِمَا خُفِّفَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ لَمْ أَعِبْهُ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ. أَيْ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ. انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي لُزُومِ الضَّرْبِ وَالنَّفْيِ ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ ضَرْبُهُ قَبْلَ النَّفْيِ اسْتِحْسَانٌ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّجْمِ مِنْهَا وَلَا يُنْفَى الرَّجُلُ وَمِنْهَا لَا يُنْفَى الرَّجُلُ الْحُرُّ إلَّا فِي الزِّنَى وَفِي حِرَابَةٍ فَيُسْجَنَانِ جَمِيعًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْفَى إلَيْهِ يُسْجَنُ الزَّانِي سَنَةً وَالْمُحَارِبُ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الضَّرْبِ وَفِي كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُحَارِبِينَ وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ فِي نَفْيِهِ وَضَرْبِهِ فَظَاهِرُهُ أَوْ نَصُّهُ ثُبُوتُ الضَّرْبِ انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ قَدْرُ ضَرْبِ الْمُحَارَب] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَدْرُ الضَّرْبِ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ كَمَا فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ضَرْبِهِ وَنَفْيِهِ أَمَّا فِي ضَرْبِهِ فَعَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ وَكَثْرَةِ مُقَامِهِ فِي فَسَادِهِ وَأَمَّا فِي نَفْيِهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْفَسَادِ نَفَاهُ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَسَادِ فَإِلَى بَلَدٍ قَرِيبٍ وَأَقَلُّهُ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَيْسَ لِجَلْدِهِ حَدٌّ إلَّا الِاجْتِهَادُ مِنْ الْإِمَامِ انْتَهَى. (الثَّانِي) نُصُوصُ الْمَذْهَبِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمُحَارِبَ إذَا نُفِيَ سُجِنَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْتَفِي إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يُخْشَى هُرُوبُهُ أَمْ لَا. وَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى آيَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ يُخَافُ هُرُوبُهُ أَوْ لَا يَخَافُ هُرُوبَهُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) وَهَلْ يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ الْحَدِيدُ؟ اُنْظُرْ تَبْصِرَةَ ابْنِ فَرْحُونٍ. ص (وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ) ش: يُرِيدُ أَوْ الصَّلْبِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَمَّا إنْ قَتَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ وَلَا تَخْيِيرَ لِلْإِمَامِ فِي قَطْعِهِ وَلَا فِي نَفْيِهِ وَإِنَّمَا لَهُ التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ. اهـ اُنْظُرْ آخِرَ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا أَخَذَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ فَلْيَقْتُلْهُ وَلَا يَقْطَعْ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَأَمَّا الصَّلْبُ مَعَ الْقَتْلِ فَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ بِأَشْنَعِ مَا يَرَاهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ خِلَافًا لِأَبِي مُصْعَبٍ وَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا إذَا كَانَ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ فَيَكُونُ الْآخَرُ دَاخِلًا فِي الْقَتْلِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَبِي حَنِيفَة فِي قَوْلِهِ إنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ صَلَبَهُ

فرع أتى المحارب تائبا قبل أن يقدر عليه

وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ وَلَا قَطْعٍ انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ الرَّجْرَاجِيِّ نَحْوُ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ فَقَالَ: إنْ قَتَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ فِي ذَلِكَ تَخْيِيرٌ لَا فِي قَطْعِهِ وَلَا فِي نَفْيِهِ وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ نَفْيِهِ انْتَهَى. فَأَوَّلُ كَلَامِهِ يُنَاقِضُ آخِرَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ سَهْوٌ وَتَصْحِيفٌ وَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِهِ وَفِي قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلَافٍ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ سَهْوٌ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى ذَلِكَ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ وَلَا قَطْعٍ وَبَيْنَ صَلْبِهِ مَعَ قَتْلِهِ وَبَيْنَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ ثُمَّ قَتْلِهِ فَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ يَعْنِي بِهِ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ: وَالْقَتْلُ. يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ يُرَدُّ بِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فَأَمَّا الصَّلْبُ مَعَ الْقَتْلِ إلَخْ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مَعَ قَتْلِهِ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ بِمَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَا رِجْلُهُ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ مَعَ الْقَتْلِ قَطْعَ يَدٍ وَلَا رِجْلٍ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ حَدٌّ لِلْمُحَارِبِ فَتَأَمَّلْهُ. [فَرْعٌ أَتَى الْمُحَارِبُ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ] (فَرْعٌ) مَنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ غِيلَةً ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ اُنْظُرْ ابْنَ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ وَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَفَ بِالْحِرَابَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ) ش ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا جَاءَ تَائِبًا يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْعَفْوُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا أَتَى الْمُحَارِبُ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُدُودِ الْحِرَابَةِ وَثَبَتَ لِلنَّاسِ مَا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ مَالٍ ثُمَّ لِلْأَوْلِيَاءِ الْعَفْوُ فِيمَنْ قَتَلَ وَكَذَلِكَ الْمَجْرُوحُ فِي الْقِصَاصِ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَتَلُوا رَجُلًا؛ وَلِيَ أَحَدُهُمْ قَتْلَهُ وَبَاقِيهِمْ عَوْنٌ لَهُ فَيُؤْخَذُونَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ قُتِلُوا كُلُّهُمْ وَإِنْ تَابُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا دُفِعُوا إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَيَقْتُلُونَ مَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ وَيَعْفُونَ عَمَّنْ شَاءُوا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ مِمَّنْ شَاءُوا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا. ص (وَغَرِمَ كُلٌّ عَنْ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَاب الْغَصْبِ: إذَا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فِي الْغَصْبِ أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الْحِرَابَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

باب السكر

ضَامِنٌ لِجَمِيعِ مَا أَخَذُوهُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَوِيَ بِبَعْضٍ كَالْقَوْمِ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ فَيُقْتَلُ جَمِيعُهُمْ بِهِ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لِقَتْلَتِهِمْ بِهِ جَمِيعًا انْتَهَى. قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ لَتَجَشَّمْت لِقَاءَهُ وَحُكْمُ الرَّدِّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْإِسْلَامِ حُكْمُ الْمُقَاتِلِ وَكَذَلِكَ رَدُّ الْمُحَارِبِينَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ. ص (وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الْإِمَامِ طَائِعًا) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. وَإِذَا سَقَطَ حَدُّ الْحِرَابَةِ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْآدَمِيِّينَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ مَالٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب السُّكْر] بَابٌ (بِشُرْبِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ إلَى قَوْلِهِ: ثَمَانُونَ بَعْدَ صَحْوِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى إذَا أُخِذَ السَّكْرَانُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْجَمَاعَاتِ قَدْ سَكِرَ وَتَسَلَّطَ بِسُكْرِهِ وَآذَى النَّاسَ أَوْ رَوَّعَهُمْ بِسَيْفٍ شَهَرَهُ أَوْ حِجَارَةٍ رَمَاهَا وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ أَحَدًا أَنْ تُعَظَّمَ عُقُوبَتُهُ بِضَرْبِ حَدِّ السُّكْرِ ثُمَّ يُضْرَبُ الْخَمْسِينَ وَأَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يُضْرَبُ الْخَمْسِينَ وَمِائَةً وَالْمِائَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْحَدُّ مِنْهُمَا وَفِيهِمَا انْتَهَى. ص (أَوْ شَمَّ) ش: اُنْظُرْ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ بِالشَّمِّ مِمَّنْ شَرِبَهَا فِي حَالِ كُفْرِهِ

أَوْ حَالِ عِصْيَانِهِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ مَنْ حُدَّ فِي حَدٍّ لَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَتُهُ. ص (أَوْ إسَاغَةً) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ شُرْبُهَا لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنَّفِ نَحْوُ هَذَا فِي فَصْلِ الْمُبَاحِ طَعَامٌ طَاهِرٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَجَزْمُ ابْنِ عَرَفَةَ بِحُرْمَتِهَا لِلْإِسَاغَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَنَصَّهُ. أَشْهَبُ: الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ شُرْبُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ مُخْتَارًا لَا لِضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرَ فَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ وَلَا ذِي غُصَّةٍ وَإِنْ حَرُمَتْ وَلَا غَالِطَ ثُمَّ قَالَ وَالْمَكْرَهُ لَا يُحَدُّ لِوُضُوحِ الشُّبْهَةِ أَوْ عَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِعُمُومِ اعْتِبَارِهِ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَلَا الْمُضْطَرُّ لِلْإِسَاغَةِ لِوُضُوحِ الشُّبْهَةِ. الشَّيْخُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يَشْرَبُ الْمُضْطَرُّ الْخَمْرَ. الْبَاجِيُّ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ غَصَّ بِطَعَامٍ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ إنَّ لَهُ أَنْ يَحُوزَهُ بِالْخَمْرِ. قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ. ص (وَالْحُدُودُ بِسَوْطٍ وَضَرْبٍ مُعْتَدِلَيْنِ) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا يَجُوزُ الضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ بِقَضِيبٍ وَلَا شِرَاكٍ وَلَا دِرَّةٍ وَلَكِنْ السَّوْطُ. وَإِنَّمَا كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ لِلْأَدَبِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ قَرَّبَ السَّوْطَ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّوْطِ وَلِأَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ ضُرِبَ عَلَى ظَهْرِهِ بِالدِّرَّةِ أَجْزَأَهُ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ انْتَهَى. وَنَصُّ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ الْمَذْكُورُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ عَبْدَهُ الْحَدَّ فِي الزِّنَى بِالدِّرَّةِ أَجْزَأَهُ. قَالَ إنْ كَانَ ضَرْبُهُ فِي الظَّهْرِ أَجْزَأَهُ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى الْمُشَارِ إلَيْهِ. وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ زَنَى عَبْدُهُ فَضَرَبَهُ خَمْسِينَ ضَرْبَةً بِغَيْرِ سَوْطٍ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِّ؟ قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُضْرَبُ الْحَدُّ إلَّا بِالسَّوْطِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ سَأَلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِّ؟ فَلَمْ يُجِبْ عَلَى ذَلِكَ وَحَكَى لَهُ مَا قَالَ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تُضْرَبُ إلَّا بِالسَّوْطِ وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ بَعْدَ هَذَا إنَّهُ إنْ ضَرَبَهُ فِي الزِّنَى بِالدِّرَّةِ فِي ظَهْرِهِ أَجْزَأَهُ. قَالَ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَلَى التَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَضْرِبَ الْحُدُودَ بِالسِّيَاطِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَادَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ بِالسِّيَاطِ إذَا ضُرِبَ بِالدِّرَّةِ إذْ قَدْ يَكُونُ مِنْ الدِّرَرِ مَا هُوَ أَوْجَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ السِّيَاطِ فَلَا يَجْمَعُ عَلَيْهِ حَدَّيْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدِّرَّةُ الَّتِي ضَرَبَ بِهَا لَطِيفَةً لَا تُؤْلِمُ وَلَا تُوجِعُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْحَدِّ بِالسَّوْطِ انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ مُعْتَدِلَيْنِ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُوتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ حَدِيدٍ فَقَالَ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ أَيْ بِالشَّخْصِ الْمَحْدُودِ فَحُدَّ. قَالَ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: التَّمْرَةُ الطَّرَفُ يُرِيدُ أَنَّ طَرَفَهُ مَحْدُودٌ لَمْ تَنْكَسِرْ حِدَّتُهُ فَقَالَ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَا يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ انْكَسَرَتْ حِدَّتُهُ وَلَمْ يَخْلَقْ وَلَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغًا لَا يَأْلَمُ مَنْ ضُرِبَ بِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُحَدُّ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ وَالضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا سَوَاءٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِالسَّوْطِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِلْدٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ لَهُ رَأْسَانِ وَأَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ لَيِّنًا وَيَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى وَلَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ عُقْدَةَ التِّسْعِينَ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُؤَخِّرُ الْيُسْرَى انْتَهَى. ص (بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ) ش: قَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّالِثِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ عَذَابِ اللُّصُوصِ بِالرَّهْنِ وَبِهَذِهِ الْخَنَافِسِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى بُطُونِهِمْ فَقَالَ لَا يَحِلُّ هَذَا إنَّمَا هُوَ السَّوْطُ أَوْ السِّجْنُ إنْ لَمْ يَجِدْ فِي ظَهْرِهِ مَضْرَبًا فَالسِّجْنُ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَجِدْ فِي ظَهْرِهِ مَضْرَبًا أَتَرَى أَنْ يُسْطَحَ فَيُضْرَبَ فِي أَلْيَتَيْهِ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أَرَى ذَلِكَ إنَّمَا عَلَيْك مَا عَلَيْك إنَّمَا هُوَ

الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنُ. قَالَ فَقِيلَ أَرَأَيْت إنْ مَاتَ أَيْضًا بِالسَّوْطِ قَالَ إنَّمَا عَلَيْك مَا عَلَيْك. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَاقَبَ أَحَدٌ فِيمَا تَلْزَمُهُ فِيهِ الْعُقُوبَةُ إلَّا بِالْجَلْدِ أَوْ السِّجْنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَأَمَّا تَعْذِيبُ أَحَدٍ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْعَذَابِ فَلَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ فِي الْآخِرَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا» انْتَهَى بِلَفْظِهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَالْأَدَبُ أَنْ يُقَنَّعَ بِالسَّوْطِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ يُضْرَبَ بِالدِّرَّةِ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى قَدَمَيْهِ وَلَا يُسْطَحُ أَحَدٌ عَلَى بَطْنِهِ فِي أَدَبٍ وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى مِنْ بَابِ الْقَذْفِ. ص (وَجُرِّدَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ) ش: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ رَاجِعًا إلَى الْمَرْأَةِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ عَلَيْهَا ثَوْبَانِ فِي الْحَدِّ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِمَا وَيُنْزَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ انْتَهَى. ص (وَعَزَّرَ الْإِمَامُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ) ش: قَالَ ابْنُ نَاجِي

تنبيه التأديب في المكروه

فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ: الْأَدَبُ يَتَغَلَّظُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَمَنْ عَصَى اللَّهَ فِي الْكَعْبَةِ أَخَصُّ مِمَّنْ عَصَاهُ فِي الْحَرَمِ وَمَنْ عَصَاهُ فِي الْحَرَمِ أَخَصُّ مِمَّنْ عَصَاهُ فِي مَكَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ فِي مَكَّةَ أَخَصُّ مِمَّنْ عَصَاهُ خَارِجَهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ يَلْزَمُ التَّعْزِيرُ لِمَنْ سَرَقَ مَالًا قُطِعَ فِيهِ، وَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَوَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِمْنَاءِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ وَلِلْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَالْغِشِّ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْعَمَلِ بِالرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالتَّحْلِيلِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ إلَّا أَنْ يُعْذَرُوا بِجَهْلٍ فَيَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ وَتَلْزَمُ الْعُقُوبَةُ عَلَى مَنْ حَمَى الظَّلَمَةَ وَذَبَّ عَنْهُمْ وَمَنْ دَفَعَ عَلَى شَخْصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَمَنْ يَحْمِي قَاطِعَ الطَّرِيقِ أَوْ سَارِقًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ يَحْمِيهِ وَيَمْنَعُهُ عَاصٍ لِلَّهِ وَتَجِبُ عُقُوبَتُهُ حَتَّى يُحْضِرَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَيَنْزَجِرَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إحْضَارُهُ إلَى مَنْ يَظْلِمُهُ وَيَأْخُذُ مَالَهُ أَوْ يَتَجَاوَزُ فِيهِ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا فَهَذَا لَا يُحْضِرُهُ وَلَكِنْ يَتَخَلَّى عَنْهُ وَيَرْتَدِعُ عَنْ حِمَايَتِهِ وَالدَّفْعِ عَنْهُ انْتَهَى. وَمِنْهُ وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ وَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَنْ نَكَحَ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ وَمَنْ قَامَ بِشَكِيَّةِ بَاطِلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبُ وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْحَبْسُ لِيَنْدَفِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَاللَّدَدِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَهُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَالْأَحْبَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه التَّأْدِيبَ فِي الْمَكْرُوهِ] (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لَا أَدَبَ فِيهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى تَأْدِيبِ الْحَالِفِ بِهِمَا وَلَا يَكُونُ الْأَدَبُ فِي الْمَكْرُوهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ: وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي تَارِكِ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ وَالْأَدَبِ: إنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَبَّحَ لَهُ فِعْلُهُ وَأَنْ يُذَمَّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ وَإِلَّا هُجِرَ مِنْ أَجْلِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ التَّأْدِيبَ فِي الْمَكْرُوهِ. اهـ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِشَخْصٍ أَضْجَعَ شَاةً يَذْبَحُهَا وَجَعَلَ يَحِدُّ الشَّفْرَةَ فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: هَلَّا حَدَدْتهَا أَوَّلًا أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ يُؤَدَّبُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجَرَّحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَارِضُهُ وَأَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الْمَسْنُونِ أَوْ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ فَهُوَ الَّذِي يُؤَدَّبُ وَيُجَرَّحُ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُؤَدَّبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [مَسْأَلَة التَّعْزِيرِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْحُدُودُ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ وَجَبَ كَالْحُدُودِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ انْتَهَى. [مسالة الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةُ فِيهَا] ثُمَّ قَالَ (مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةُ فِيهَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَانْفَرَدَ بِهِ حَقُّ السَّلْطَنَةِ كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مُرَاعَاةُ حُكْمِ الْأَصْلَحِ فِي الْعَفْوِ وَالتَّعْزِيرِ وَلَهُ التَّشْفِيعُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ (لِتَشْفَعُوا وَلِتُؤْجَرُوا) : وَالشَّفَاعَةُ لِأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ وَالرَّغَبَاتِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مَشْرُوعَةٌ مَحْمُودَةٌ مَأْجُورٌ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا بِشَهَادَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَهَادَةِ كِتَابِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85] الْآيَةَ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ مَعُونَةَ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ حَالٍ لِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فِيهَا أَجْرٌ وَفِي عُمُومِهِ الشَّفَاعَةُ لِلْمُذْنِبِينَ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا حَدَّ فِيهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ وَلَهُ قَبُولُ الشَّفَاعَةِ فِيهِ وَالْعَفْوُ إذَا رَأَى ذَلِكَ كَمَا لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ ابْتِدَاءً وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ مِنْهُ الْفَلْتَةُ وَالزَّلَّةِ وَفِي أَهْلِ السَّتْرِ وَالْعَفَافِ أَوْ مَنْ طَمِعَ بِوُقُوعِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ مِنْ الْعُقُوبَةِ أَنْ تَكُونَ لَهُ تَوْبَةٌ وَأَمَّا الْمُصِرُّونَ عَلَى فَسَادِهِمْ الْمُشْتَهِرُونَ فِي بَاطِلِهِمْ فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ لِأَمْثَالِهِمْ وَلَا تَرْكُ السُّلْطَانِ عُقُوبَتَهُمْ لِيَنْزَجِرُوا عَنْ ذَلِكَ وَلِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُمْ بِمَا يُفْعَلُ بِهِمْ وَقَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِي الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

انْتَهَى. ص (وَضَمِنَ مَا سَرَى) ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّعْزِيرُ جَائِزٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ سَرَى ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْمُعَزَّرِ بِخِلَافِ الْحَدِّ انْتَهَى. ص (وَكَسُقُوطِ جِدَارٍ؛ مَالَ وَأُنْذِرَ صَاحِبُهُ وَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْحَائِطُ الْمَخُوفُ إذَا أُشْهِدَ عَلَى رَبِّهِ ثُمَّ عَطِبَ بِهِ أَحَدٌ فَرَبُّهُ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ بِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا اهـ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ الْإِشْهَادُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُ الْإِشْهَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إذَا كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مُنْكِرًا لِمَيَلَانِهِ بِحَيْثُ يَخْشَى عَلَيْهِ السُّقُوطَ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُقِرًّا فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِالْهَدْمِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا بَلَغَ الْحَائِطُ مَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ تَرَكَهُ لِشِدَّةِ مَيَلَانِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ ضَامِنٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَمْ لَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ قَالَ يَحْيَى وَسَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ جِدَارِ رَجُلٍ بَيْنَ دَارِهِ وَدَارِ جَارِهِ مَالَ مَيْلًا شَدِيدًا حَتَّى خِيفَ انْهِدَامُهُ أَتَرَى السُّلْطَانَ إذَا شَكَا ذَلِكَ جَارُهُ وَمَنْ يَخَافُ مِنْ إذَايَتِهِ وَضَرَرِهِ أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَهُ بِهَدْمِهِ؟ فَقَالَ نَعَمْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَدْمِهِ قُلْت لَهُ فَإِنْ شَكَا إلَيْهِ مَا يَخَافُ انْهِدَامَ الْجِدَارِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى انْهَدَمَ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ بَيْتٍ لَصِقَ بِهِ فَقُتِلَ أَوْ هَدَمَ مَا سَقَطَ عَلَيْهِ أَيَضْمَنُ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجِدَارِ؟ قَالَ نَعَمْ يَضْمَنُ كُلَّ مَا أَصَابَ الْجِدَارَ بَعْدَ الشَّكِيَّةِ إلَيْهِ وَالْبَيَانِ لَهُ قَالَ يَحْيَى: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِسُلْطَانٍ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ إذَا انْهَدَمَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ يَحْيَى إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَفْسَدَ الْحَائِطُ إذَا انْهَدَمَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِسُلْطَانٍ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا أَفْسَدَ بِانْهِدَامِهِ بَعْدَ أَنْ قَضَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِهَدْمِهِ فَفَرَّطَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ زُونَانَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ إذَا تَرَكَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ حَدًّا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَقَدَّمْ إلَيْهِ وَلَا أُشْهِدَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ انْتَهَى (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مَرْهُونَةً أَوْ مُكْتَرَاةً لَمْ يَنْفَعْهُمْ الْإِشْهَادُ إلَّا عَلَى رَبِّهَا فَإِنْ غَابَ رُفِعَ أَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ وَلَا يَنْفَعُهُمْ الْإِشْهَادُ عَلَى السَّاكِنِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ هَدْمُ الدَّارِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْجَمَلِ الصَّئُولِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ الثَّانِي عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا وَلَا عَلَى مَنْ هِيَ بِأَيْدِيهِمْ وَلَوْ أَمَرَهُمْ السُّلْطَانُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا كَانَ الْحَائِطُ مَخُوفًا لَا يُمْهِلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْضُرُوا حَتَّى يُهْدَمَ أَعْلَا الْمَكَانَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا أَمَرَ بِهَدْمِهِ وَأَنْفَقَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ نَقْضِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُمْ مَالًا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي وِلَايَةِ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ فَإِلَيْهِمَا يَتَقَدَّمُ السُّلْطَانُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَنْ قَدَّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ حَتَّى سَقَطَ فَمَا أَفْسَدَ أَوْ قَتَلَ كَانَ

ذَلِكَ فِي مَالِهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ دُونَ مَالِ الصَّبِيِّ إذَا أَمْكَنَ الْهَدْمُ وَتَرَكَاهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ غَائِبًا وَكَانَ لَهُ وَكِيلٌ وَتُقُدِّمَ إلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى سَقَطَ الْحَائِطُ فَهَلْ يَضْمَنُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى الْمَالُ إلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا رَوَى عِيسَى عَنْهُ فِي رَسْمِ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى زُونَانَ فِي سَمَاعِهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَبَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ انْتَهَى. ص (أَوْ عَضَّهُ فَسَلَّ يَدَهُ فَقَلَعَ أَسْنَانَهُ) ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِيهِ الضَّمَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا الَّذِي يَضْمَنُهُ هَلْ دِيَةُ الْأَسْنَانِ أَوْ الْقَوَدُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ عَضَّهُ فَسَلَّ يَدَهُ ضَمِنَ أَسْنَانَهُ عَلَى الْأَصَحِّ يَعْنِي دِيَةَ الْأَسْنَانِ وَالْأَصَحُّ عَبَّرَ عَنْهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْمَشْهُورِ وَنَقَلَ مُقَابِلَهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ أَظْهَرُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ» زَادَ أَبُو دَاوُد «إنْ شِئْت أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ يَدِك فَيَعَضَّهَا ثُمَّ تَنْزِعُهَا مِنْ فِيهِ» وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَازِرِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَعْضُوضَ لَا يُمْكِنُهُ النَّزْعُ إلَّا بِذَلِكَ وَحُمِلَ تَضْمِينُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُهُ النَّزْعُ بِرِفْقٍ بِحَيْثُ لَا تَنْقَلِعُ أَسْنَانُ الْعَاضِّ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالزِّيَادَةِ فَلِذَلِكَ ضَمَّنُوهُ اهـ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا دِيَةَ لَكَ وَفِي رِوَايَةٍ فَأَبْطَلَهُ وَقَوْلُهُ فَأَبْطَلَهُ هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْقِصَاصِ فِيمَا عَلِمْت انْتَهَى. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الضَّمَانِ فَأَسْقَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَضَمَّنَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَنَزَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلَ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَهُ النَّزْعُ بِرِفْقٍ فَنَزَعَهَا بِعُنْفٍ وَحَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَحَرِّكَ الثَّنَايَا وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى حُطَمٍ وَأَزِمَّةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْ صَرِيحِ الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ مُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ وَفِي مُسْلِمٍ «ادْفَعْ يَدَك حَتَّى يَعَضَّهَا ثُمَّ انْتَزِعْهَا» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ أَمْرٌ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «بِمَ تَأْمُرُنِي؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدَعَ يَدَهُ فِي فِيكَ كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ» . فَمَعْنَاهُ أَنَّك لَا تَدَعُ يَدَك فِي فِيهِ يَقْضِمُهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ انْتَهَى زَادَ النَّوَوِيُّ فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ مِنْ فِيكِ وَتَطْلُبَهُ بِمَا جَنَى فِي جَذْبِهِ كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي انْتَهَى. وَيَقْضِمُهَا بِفَتْحِ الضَّادِ مُضَارِعُ قَضِمَ بِكَسْرِهَا يُقَالُ قَضِمَتْ الدَّابَّةُ شَعِيرَهَا إذَا أَكَلَتْهُ بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهَا وَخَضِمَتْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ إذَا أَكَلَتْ بِفِيهَا كُلِّهِ. وَيُقَالُ الْخَضْمُ أَكْلُ الرَّطْبِ وَالْقَضْمُ أَكْلُ الْيَابِسِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَسَنِ تَخْضَمُونَ وَيَقْضَمُ وَالْمَوْعِدُ الْقِيَامَةُ انْتَهَى مِنْ الْقُرْطُبِيِّ وَالْفَحْلُ ذَكَرُ الْإِبِلِ ص (أَوْ نَظَرَ لَهُ مِنْ كُوَّةٍ فَقَصَدَ عَيْنَهُ وَإِلَّا فَلَا) ش: هَذَا أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِيهِ الضَّمَانُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَضْمُونَ أَيْضًا هَلْ هُوَ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ؟ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعْلِمِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ رَمَى إنْسَانٌ أَحَدًا يَنْظُرُ إلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَأَصَابَ عَيْنَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا فِي ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ عَلَى إثْبَاتِ الضَّمَانِ وَالْأَقَلُّ مِنْهُمْ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبِالثَّانِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا فِي الضَّمَانِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أَنَّ أَحَدًا اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْت عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» وَأَمَّا إثْبَاتُ الضَّمَانِ فَلِأَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ إلَى عَوْرَةِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ

إذْنِهِ لَمْ يُسْتَبَحْ فَقْءُ عَيْنِهِ فَالنَّظَرُ إلَى الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ رَمَاهُ لِيُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّهُ فَطِنَ بِهِ أَوْ لِيُدَافِعَهُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ قَاصِدٍ فَقْءَ عَيْنِهِ فَانْفَقَأَتْ عَيْنُهُ خَطَأً فَالْجُنَاحُ مُنْتَفٍ وَهُوَ الَّذِي نُفِيَ فِي الْحَدِيثِ وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَا ذِكْرَ لَهَا انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَحْوَهُ فَدَلَّ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالضَّمَانِ يَقُولُونَ بِهِ سَوَاءٌ قَصَدَ فَقْءَ عَيْنِهِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ فَقْءَ عَيْنِهِ فَفِعْلُهُ جَائِزٌ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَإِنْ قَصَدَ فَقْءَ عَيْنِهِ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَيَضْمَنُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ حِينَئِذٍ بِالضَّمَانِ الْقَوَدُ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ وَالْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى حَرِيمِ إنْسَانٍ مِنْ كُوَّةٍ أَوْ صِرِّ بَابٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْصِدَ عَيْنَهُ بِإِبْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ فَعَلَ وَيَجِبُ تَقَدُّمُ الْإِنْذَارِ فِي كُلِّ دَفْعٍ وَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ قَصْدُ عَيْنِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الضَّمَانُ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَظَرَ مِنْ كُوَّةٍ فَقَصَدَ عَيْنَهُ هُوَ الْقَوَدُ وَاَلَّذِي نَفَاهُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا هُوَ الْقَوَدُ أَيْضًا دُونَ الدِّيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالصِّرُّ بِكَسْرِ الصَّادِ شَقُّ الْبَابِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ انْتَهَى. ص (وَجَازَ دَفْعُ صَائِلٍ) ش: اُنْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ؟ أَوْ مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ جَوَازُ الْإِقْدَامِ حَتَّى يَشْمَلَ الْوُجُوبَ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَفِي الْفُرُوقِ فِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ الْجَوَازُ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْفَرَسِ فِي الْوُجُوبِ قَوْلَيْنِ قَالَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَانْظُرْ الْأَبِيَّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَفِي مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ حَتَّى مَاتَ الْمَمْنُوعُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ مُسْلِمٍ وَانْظُرْ مَسْأَلَةَ مَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْقَذْفِ وَفِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ النَّوَادِرِ وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الزِّنَا مِنْهَا وَفِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ التَّبْصِرَةِ

كتاب العتق

[كِتَابُ الْعِتْقِ] قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْعِتْقُ الْكَرَمُ يُقَالُ: مَا أَبَيْنَ الْعِتْقَ فِي وَجْهِ فُلَانٍ، يَعْنِي الْكَرَمَ. وَالْعِتْقُ الْجَمَالُ وَالْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ وَالْعَتَاقَةُ يُقَالُ مِنْهُ عَتَقَ الْعَبْدَ يَعْتِقُ بِالْكَسْرِ عِتْقًا وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ وَأَعْتَقْته أَنَا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَعَتُقَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ عَتَاقَةً أَيْ قَدُمَ وَصَارَ عَتِيقًا وَكَذَلِكَ عَتَقَ يَعْتُقُ مِثْلُ دَخَلَ يَدْخُلُ فَهُوَ عَاتِقٌ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَعِتَاقُ الطَّيْرِ الْجَوَارِحُ مِنْهَا والْأَرْحَبِيَّاتِ الْعِتَاقُ النَّجَائِبُ مِنْهَا انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ والْأَرْحَبِيَّاتُ الْإِبِلُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَأَرْحَبُ قَبِيلَةٌ مِنْ هَمْدَانَ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْأَرْحَبِيَّاتُ مِنْ الْإِبِلِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ يُقَالُ عَتَقَ الْمَمْلُوكُ يَعْتِقُ عَتْقًا وَعَتَاقَةً بِالْفَتْحِ فِيهِمَا قَالَ الْخَلِيلُ وَعَتَاقًا بِالْفَتْحِ أَيْضًا قَالَ غَيْرُهُ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْعِتْقُ بِالْكَسْرِ وَالْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ وَلَا يُقَالُ عَتَقَ إنَّمَا هُوَ أُعْتِقَ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْعَتْقُ وَالْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا وَعَتَقَ الْغُلَامُ وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَبِيدٌ عُتَقَاءُ وَأَمَةٌ عَتِيقَةٌ وَلَا يُقَالُ عَاتِقٌ وَلَا عَوَاتِقُ إلَّا أَنْ يُرَادَ مُسْتَقْبَلُ أَمْرِهِ فَهُوَ عَاتِقٌ غَدًا وَلَا يُقَالُ عَتَقَ الْغُلَامُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَلَكِنْ أُعْتِقَ وَمَعْنَى الْعِتْقِ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَلَا يُقَالُ عَاتِقٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّحَاحِ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِتْقُ بِالْكَسْرِ الْكَرَمُ وَالْجَمَالُ وَالنَّجَابَةُ وَالشَّرَفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ عَتِيقٍ وَعَاتِقٍ الْمَنْكِبُ وَالْحُرِّيَّةُ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عِتْقًا وَيُفْتَحُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً بِفَتْحِهَا خَرَجَ عَنْ الرِّقِّ فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ الْجَمْعُ عَتَائِقُ ثُمَّ قَالَ وَالْعِتْقُ بِالْكَسْرِ وَيُضَمُّ لِلْمَوَاتِ كَالْخَمْرِ وَالتَّمْرِ وَكَكِتَابٍ مِنْ الطَّيْرِ: الْجَوَارِحُ وَمِنْ الْخَيْلِ: النَّجَائِبُ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْعَتَاقَةِ فِي الْكُسُوفِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ الْعَتَاقَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَوَهِمَ مَنْ كَسَرَهَا يُقَالُ عَتَقَ يَعْتِقُ عَتَاقًا وَعَتَاقَةً وَالْمُرَادُ الْإِعْتَاقُ وَهُوَ مَلْزُومُ الْعَتَاقَةِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ قَالَ الدَّاوُدِيّ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فِي الثَّانِي وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ عَتَقَ بِالْفَتْحِ وَأُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْعِتْقُ خِلَافُ الرِّقِّ عَتَقَ يَعْتِقُ عِتْقًا وَعَتْقًا وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً فَهُوَ عَتِيقٌ وَحَلَفَ بِالْعَتَاقِ أَيْ بِالْإِعْتَاقِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُقَالُ الْعِتْقُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَالْعَتَاقُ وَالْعَتَاقَةُ بِفَتْحِهَا فَقَطْ وَأَنَّهُ يُقَالُ عَتَقَ يَعْتِقُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَلَا يُقَالُ عَتَقَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْعِتْقُ فِي اللُّغَةِ الْخُلُوصُ وَمِنْهُ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَعِتَاقُ الطَّيْرِ أَيْ خَالِصُوهَا وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ عَتِيقٌ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَفِي الشَّرْعِ خُلُوصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ انْتَهَى. وَقِيلَ سُمِّيَ الْبَيْتُ عَتِيقًا لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ وَقِيلَ لِخُلُوصِهِ مِنْ الطُّوفَانِ وَقِيلَ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اسْتَغْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ تَعْرِيفِ حَقِيقَتِهِ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُرَدُّ قَوْلُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهَا لَا مِنْ حَيْثُ إدْرَاكِ حَقِيقَتِهَا بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ لَوْ قِيلَ لَهُ مَا حَقِيقَةُ الْعِتْقِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ وَمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ أَدْرَكَ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِمَنْ اهْتَدَى انْتَهَى وَعَرَّفَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَابْنُ رُشْدٍ كَالْقَرَافِيِّ بِأَنَّهُ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ وَلَيْسَ بِمَانِعٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ الْعِتْقُ رَفْعُ مِلْكٍ حَقِيقِيٍّ لَا بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ فَخَرَجَ بِحَقِيقِيِّ اسْتِحْقَاقُ عَبْدٍ بِحُرِّيَّةٍ وَخَرَجَ بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ فِدَاءُ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ سَبَاهُ أَوْ مِمَّنْ صَارَ لَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ رَفَعَهُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ انْتَهَى وَقَوْلُهُ مِلْكٌ يَصْدُقُ

بِرَفْعِ مِلْكٍ وَانْتِقَالِهِ إلَى مِلْكٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْهُ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى عَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَبَقِيَ عِنْدَ سَيِّدِهِ حَتَّى غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ حُرٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ هَذَا عِتْقًا اصْطِلَاحًا وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ حَدُّهُ عَلَى وَقْفِ الرَّقِيقِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِأَنَّ مِلْكَ الْوَاقِفِ ارْتَفَعَ عَنْ الْمَوْقُوفِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ رَفْعُ الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ الْكَائِنِ لِمُسْلِمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ مِنْ غَيْرِ تَحْجِيرِ مَنْفَعَتِهِ لَسَلِمَ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اللَّامُ فِي الْمِلْكِ لِلْحَقِيقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ عِتْقِ مَنْ فِي السِّيَاقِ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَوْ أَعْتَقَ مَنْ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُعَدَّ رَقِيقًا فَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي صَفِّ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَيُحَازُ وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، وَلَوْ قَذَفَهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ حُدَّ لَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ أَجْهَزَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ وَهُوَ فِي السِّيَاقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ لَا حُكْمُ الْعَبْدِ فَفِي النَّظَرِ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ فِي عِتْقٍ ثَوَابُ مَنْ أَعْتَقَ صَحِيحًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الرِّقِّ وَلِأَنَّهُ قَابِلٌ لَأَنْ يَهَبَهُ لِرَجُلٍ بِغَيْرِ ثَوَابٍ فَكَذَلِكَ تَنْجِيزُ عِتْقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ تَسْهِيلِ الْمُهِمَّاتِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ انْتَهَى. وَحُكْمُهُ النَّدْبُ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيَعْتِقَهُ» . قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَأَنَّ الْوَالِدُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِوُجُودِ الْوَلَدِ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ فَاَلَّذِي يُشْبِهُ ذَلِكَ إخْرَاجُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ مِنْ عَدَمِ الرِّقِّ إلَى وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ كَالْمَعْدُومِ وَرُبَّمَا كَانَ الْعَدَمُ خَيْرًا مِنْهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نَاقِصَ عُضْوٍ لَا تُحْجَبُ النَّارُ عَنْ الَّذِي يُقَابِلُهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي أَيْ عُضْوٍ شَاءَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ» انْتَهَى. وَالْإِرْبُ الْعُضْوُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهَا قِيلَ وَلَعَلَّ هَذَا لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ» انْتَهَى. وَالْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَقَدْ يَجِبُ قَالَ فِي اللُّبَابِ. وَلِوُجُوبِهِ عَشْرَةُ أَسْبَابٍ إصْدَارُ الصِّيغَةِ وَالْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْإِيلَادُ وَالْمُثْلَةُ وَالسِّرَايَةُ وَالْقَرَابَةُ وَيُضَافُ إلَى ذَلِكَ الْيَمِينُ بِالْعِتْقِ وَالنَّذْرُ بِهِ وَقَتْلُ الْخَطَإِ وَالظِّهَارُ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، إنْ اخْتَارَ الْعِتْقَ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشْرَ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ أَسْبَابَهُ عَشْرَةٌ وَعَدَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَلْحَقَ بِهِمْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ قَالَ: وَالْعِتْقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَيَجِبُ أَحْيَانًا بِعَشْرَةِ أَسْبَابٍ بِإِلْزَامِ الرَّجُلِ ذَلِكَ نَفْسَهُ وَتَبْتِيلِهِ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ ابْتِدَاءً وَبِنَذْرِهِ ذَلِكَ لِأَمْرٍ كَانَ أَوْ يَكُونُ. وَبِالْحِنْثِ فِي يَمِينٍ بِذَلِكَ أَوْ بِحَمْلِ مَمْلُوكَتِهِ مِنْهُ أَوْ بِعِتْقِهِ بَعْضَهُ فَيُبَتِّلُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ أَوْ بِالتَّمْثِيلِ بِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ بِقَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً أَوْ بِوَطْءِ الْمُظَاهِرِ أَوْ بِكِتَابَةِ الْعَبْدِ أَوْ مُقَاطَعَتِهِ عَلَى مَالٍ أَوْ خِدْمَتِهِ بِذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ وَجْهَانِ آخَرَانِ وَهُمَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَمْدًا إلَّا أَنَّ الْفَرْضَ فِي هَذَيْنِ

فرع عتق الإماء والعبيد أيهما أفضل

مَوْضُوعٌ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْمُكَفِّرِ انْتَهَى. إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: بِإِلْزَامِ الرَّجُلِ ذَلِكَ نَفْسَهُ وَتَبْتِيلِهِ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ سَبَبًا وَاحِدًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَوْ بِمُكَاتَبَةِ الْعَبْدِ. إلَخْ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَشَرَةُ أَسْبَابٍ فَقَطْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ فِي اللُّبَابِ عَقِبَ ذِكْرِهِ الْأَسْبَابَ الْمُتَقَدِّمَةَ: وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ كَانَ إلَى الْوُقُوعِ أَقْرَبُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ وُعِدَ بِالْمَغْفِرَةِ عَلَى أَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ تَكَادُ تَخْرُجُ عَنْ الْحَصْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ الْمَاضِيَةَ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ يُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُكَفِّرْنَ مَا بَيْنَهُنَّ وَإِذَا تَوَضَّأَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ» . وَقَدْ قُلْت لِشَيْخِنَا شِهَابِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ فَأَيُّ شَيْءٍ يُكَفِّرُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ لِي: ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ لِلْمَغْفِرَةِ لِعِبَادِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا أَخْطَأَهُ سَبَبٌ لَا يُخْطِئُهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ كَانَ إلَى الْوُقُوعِ أَقْرَبُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ، قَالَ فِي اللُّبَابِ: هِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى شَرَفِ الْآدَمِيِّ وَتَكْرِمَتِهِ، فَإِنَّ الرِّقَّ إذْلَالٌ لَهُ، وَالتَّرْغِيبُ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَعَاطِي أَسْبَابَ النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ انْتَهَى. [فَرْعٌ عِتْقِ الْإِمَاء وَالْعَبِيدِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي عِتْقِ الْإِمَاء وَالْعَبِيدِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ عِتْقَ الْأَكْثَرِ ثَمَنًا مِنْهُمْ أَعْلَى فِي الْأَجْرِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى «؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَعْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» . وَلَمْ يَخُصَّ ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَأَمَّا إذَا اسْتَوَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ عِتْقَ الْأَفْضَلِ فِي الدِّينِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ أَفْضَلُ، وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ عِتْقِ الْكَافِرِ أَوْ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ الْكَافِرُ أَكْثَرَ ثَمَنًا، فَقِيلَ: إنَّ عِتْقَ الْأَكْثَرِ ثَمَنًا أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إنَّ عِتْقَ الْمُسْلِمِ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا مَعْنَاهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الرِّقَابِ وَكَذَلِكَ الْأَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْكُفَّارِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ ثَمَنًا، قَالَ: وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْأَثْمَانِ فَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ: أَنَّ عِتْقَ الْأُنْثَى مِنْهُمْ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا يُحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهَا وَلَا مَنْفَعَةَ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ الذَّكَرِ اهـ. [بَاب مِنْ يَصِحّ مِنْهُ الْإِعْتَاق] ص (بَابٌ) (إنَّمَا يَصِحُّ إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ) ش: أَخْرَجَ بِهِ الصَّبِيَّ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّبِيِّ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِيَمِينٍ فَحَنِثَ فِيهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمَعْتُوهِ إذَا كَانَ مُطْبِقًا وَلَا الصَّبِيِّ، وَإِنْ قَالَ صَبِيٌّ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إذَا احْتَلَمْت فَاحْتَلَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَجْنُونِ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي: وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَجُنَّ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ جُنُونِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَصْبَغُ: وَمَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا إلَى أَجَلِ كَذَا، ثُمَّ جُنَّ فَمَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ حَانِثٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ فِي حَالٍ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِيهِ انْتَهَى. وَيَدْخُلُ السَّكْرَانُ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي: وَعِتْقُ السَّكْرَانِ وَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَمَّا الطَّافِحُ فَكَالْبَهِيمَةِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. كَلَامُهُ بِالْمَعْنَى. ص (بِلَا حَجْرٍ) ش: هَذَا قَيْدٌ ثَانٍ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْجِيرِ فَيَخْرُجُ السَّفِيهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ قَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْآنَ وَأَسْتَحِبُّ لَهُ إمْضَاءَهُ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ الْوَلِيُّ رَدَّهُ أَمْ لَمْ يَرُدَّهُ؟ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ بِيَمِينٍ فَحَنِثَ فِيهَا بَعْدَ وِلَايَةِ نَفْسِهِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَ هَلْ لِلْوَرَثَةِ رَدُّ ذَلِكَ

عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ بِلُزُومِ الْحِنْثِ لِأَشْهَبَ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا عَزَاهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي فِي شَرْحِ قَوْلِهَا، وَإِنْ قَالَ صَبِيٌّ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْمُتَقَدِّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ قَطْعِ الشَّجَرَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ رَسْمِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي: لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكٍ مِنْ مَمَالِيكِ أَبِيهِ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ أَبُوهُ وَمَلَكَهُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ قَالَهُ سَفِيهًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ، وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا عَتَقَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مَحْمُولٌ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَلَى الرُّشْدِ أَوْ عَلَى السَّفَهِ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " اُسْتُحِبَّ إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَفِي الْأُمَّهَاتِ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ كَالْعِتْقِ وَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْعِتْقِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْجَمِيعِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَهَا الْمُخْتَصِرُونَ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إمْضَاءُ جَمِيعِ مَا فَعَلَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ سِوَاهُ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ قُرْبَةً وَأَمَّا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، فَأَيُّ اسْتِحْبَابٍ فِي هَذَا وَكَذَا جَاءَ مَنْصُوصًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا فِيهِ قُرْبَةٌ بِإِسْعَافِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِإِمْضَاءِ صَفْقَتِهِ لِغِبْطَتِهِ بِهَا كَأَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي الْإِقَالَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّفِيهَ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ فِي جَمِيعِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْعِتْقُ، وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُهُ لِمُسْتَوْلَدَتِهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: وَمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا الْمَنْفَعَةُ فَفِعْلُهُ فِيهِ جَائِزٌ، وَيَجُوزُ طَلَاقُهُ لِزَوْجَتِهِ وَعِتْقُهُ لِأُمِّ وَلَدِهِ انْتَهَى. وَهَلْ يَتْبَعُهَا مَالُهَا؟ نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجْرِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: يُفَرِّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ الْيَسِيرِ، وَالْكَثِيرِ، وَنَقَلَهَا غَيْرُهُ، وَعَزَا اللَّخْمِيُّ الثَّالِثَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ: أَنَّهُ الْأَشْبَهُ ذَكَرَهُ فِي الْحَجْرِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا مَالُهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ انْتَهَى. مِنْ الْعِتْقِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، الثَّالِثِ: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمُهْمِلَ عِتْقُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إلَى الْآنِ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ رُشْدُهُ وَلَمْ يُطْلِقْهُ الْحَاكِمُ فَعِتْقُهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَهَذَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ عَلَى الْعَكْسِ، قَالَ فِي اللُّبَابِ هُنَا: وَلَوْ كَانَ السَّفِيهُ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا الْبَيِّنَ السَّفَهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ اللُّبَابِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَقْيِيدٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَخْرُجُ بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ " بِلَا حَجْرٍ " أَيْضًا الْعَبْدُ، قَالَ فِي الْوَلَاءِ مِنْهَا: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ وَلَا الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ تَصَدَّقَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلِلسَّيِّدِ رَدُّ ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ ذَلِكَ إنْ عَتَقَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ السَّيِّدُ حَتَّى عَتَقَا مَضَى ذَلِكَ وَمَا أَعْتَقَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ جَازَ وَعِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ لِعَبْدِهَا كَمَا وَصَفْنَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ عَبْدَهُ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبَ بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ كَذَلِكَ وَأَظُنُّ أَنَّ اللَّخْمِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ: وَأَمَّا الْعَبْدُ فَمَا أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْضِ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةَ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَالْمَالُ بِيَدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلَافٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ فَوَّتَ الْعَبْدُ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ قَالَهُ فِي الصَّدَقَةِ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ، وَالْعِتْقُ مَقِيسٌ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مُفَرِّقٌ لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. فَإِنْ رَدَّ السَّيِّدُ ذَلِكَ وَبَقِيَ بِيَدِهِ حَتَّى عَتَقَ وَلَمْ يُفَوِّتْهُ

لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ مَقِيسٌ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَيَخْرُجُ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ " بِلَا حَجْرٍ " الزَّوْجَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ جَازَ، وَإِنْ حَمَلَ بَعْضَهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لِلزَّوْجِ رَدَّ الْجَمِيعِ فَإِنْ أَعْتَقَتْ ثُلُثَ عَبْدٍ لَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ أَوْ يَمْضِي؟ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَانْظُرْهَا فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعِتْقِ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْمَرِيضُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ مَضَى مِنْهُ الثُّلُثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَخَرَجَ أَيْضًا الْمُرْتَدُّ، قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: " وَحُجِرَ لِرِدَّةٍ فَلَا يُعَدُّ تَصَرُّفُ مُرْتَدٍّ حَجْرًا عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ الْكَلَامُ عَلَى الْحَجْرِ بِالرِّدَّةِ. وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْمَدِينُ إذَا فَلَّسَهُ الْإِمَامُ. وَأَمَّا مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ " وَإِحَاطَةُ دَيْنٍ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (فَإِنْ قُلْت) لَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ فَإِذَا انْتَفَى الْحَجْرُ عُمُومًا انْتَفَى كَوْنُ الدَّيْنِ مُحِيطًا. (قُلْت) : السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْفَلَسُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إحَاطَةِ الدَّيْنِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يَصِحُّ فِعْلُهُ مِنْ الَّذِي أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْفَلَسِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَالْحَجْرُ لِأَجْلِ الْفَلَسِ أَخَصُّ مِنْ إحَاطَةِ الدَّيْنِ وَنَفْيُ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ الْحَجْرُ لِلْفَلَسِ نَفْيٌ لِلْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ أَنَّ إحَاطَةَ الدَّيْنِ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَالْمَقْصُودُ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ: بِلَا حَجْرٍ نَفْيُ مُطْلَقِ الْحَجْرِ لَا نَفْيُ الْحَجْرِ مِنْ الْوُجُودِ وَإِلَّا لَخَرَجَ حَجْرُ الزَّوْجَةِ، وَالْمَرِيضِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: إنَّمَا يَصِحُّ هَلْ مُرَادُهُ إنَّمَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُ أَوْ مُرَادُهُ مُطْلَقُ الصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، قَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْهَا فِي تَرْجَمَةِ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهَا: وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَكَاتَبَ عَبْدًا لَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ أَوْ يَبِيعَهُ فَذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ: " فَذَلِكَ لَهُ " قَالَ ابْنُ يُونُسَ " وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَانَهُ عَنْهُ " وَنَحْوُهُ فِي الْجِنَايَاتِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي رَسْمِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مُطْلَقًا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ مَا دَامَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمَّا أَعْتَقَهُ قَدْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَخَرَجَ عَنْ خِدْمَتِهِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْهَا خِلَافُ مَا فِي جِنَايَتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فَتَحْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ كَانَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى مَا فِي جِنَايَتِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِهِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ عَنْ خِدْمَتِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْهَا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهُ لَمْ يُمْنَعْ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدُ، وَهُوَ فِي يَدِهِ فَيُؤَاجَرُ الْمُدَبَّرُ وَتُبَاعُ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ بَتَّلَ النَّصْرَانِيُّ عِتْقَ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ، قَالَ: إنْ حَنِثَ بِيَمِينِهِ فِي نَصْرَانِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَيْمَانِهِ انْتَهَى. فَيَخْرُجُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ إلَى. آخِرِهِ " أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَهُوَ فِي يَدِ سَيِّدِهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ لَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ

أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ خِلَافٌ بَيْنَ إسْلَامِ الْعَبْدِ وَإِسْلَامِ السَّيِّدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُبِنْ الْعَبْدُ عَنْ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَدْ حَصَّلَ اللَّخْمِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَإِذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ عَنْ عِتْقِهِ وَاسْتَرَقَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ الْعِتْقُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ حَازَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْعِتْقِ، فَقَوْلَانِ وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ إسْلَامِ الْعَبْدِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِمَا عَقَدَ وَإِسْلَامُ الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَقْدَ انْتَهَى. وَقَدْ عَلِمْت مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: " وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ دَبَّرَهُ " أَنَّ الْجَارِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ وَحْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ، ثُمَّ الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ أَنْ رَجَعَ فِي الْعِتْقِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ حَازَ نَفْسَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ وَقَبْلَ أَنْ يَحُوزَ نَفْسَهُ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ، ثُمَّ حَنِثَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَسَوَاءٌ حَنِثَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكُفْرِ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ إنْفَاذِ الْعِتْقِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَلَوْ حَوَّزَهُ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُؤَلِّفَ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَقَدْ صَحَّ فَيَخْرُجُ الْكَافِرُ بِقَوْلِهِ: " مُكَلَّفٍ " وَيَكُونُ مُرَادُهُ إنَّمَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: " إنَّمَا يَصِحُّ " مُطْلَقَ الصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ غَالِبَ مَا اُحْتُرِزَ عَنْهُ صَحِيحٌ وَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ الْغَيْرِ كَعِتْقِ الْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ: بِلَا حَجْرٍ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ " مُكَلَّفٍ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَلَامُ الْجَوَاهِرِ نَحْوُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمُعْتِقُ كُلُّ مُكَلَّفٍ بِلَا حَجْرٍ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ شَارِحَاهُ وَلَهُ أَرْكَانٌ الْأَوَّلُ: الْمُعْتِقُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَقَ جُزْءٌ مِنْ الْمُعْتِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ، وَأَرْكَانُهُ الْحِسِّيَّةُ الْمُتَوَقِّفُ وُجُودُهُ حِسًّا عَلَيْهَا كَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَالدَّمِ لِلْإِنْسَانِ لَا أَرْكَانُهُ الْمَحْمُولَةُ عَلَيْهَا كَالْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ لِلْإِنْسَانِ انْتَهَى. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا الْأَرْكَانَ الْحِسِّيَّةَ الْمُتَوَقِّفَ وُجُودُهُ عَلَيْهَا حِسًّا وَانْظُرْ لِمَ أَخَّرَ الِاعْتِرَاضَ إلَى هُنَا وَهَلَّا أَوْرَدَهُ مِنْ أَوَّلِ الذَّكَاةِ وَالصَّيْدِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِغَرِيمِهِ رَدُّهُ أَوْ بَعْضِهِ) ش: أَيْ وَلِغَرِيمِ الْمَدِينِ رَدُّ عِتْقِهِ إنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهٍ، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ

تنبيه عتق المديان هل هو موقوف على إجازة الغرماء

بِمَالِهِ فَلِلْغَرِيمِ رَدُّ بَعْضِ الْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ. [تَنْبِيهٌ عِتْقِ الْمِدْيَانِ هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ] (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ وَقْتُ الْعِتْقِ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَا بِيَدِهِ فَانْظُرْهُ. (الثَّانِي) ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِغَرِيمَةِ رَدُّهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْغَرِيمِ دُونَ أَمْرِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَرُدُّهُ إلَّا الْإِمَامُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاخْتُلِفَ فِي عِتْقِ الْمِدْيَانِ هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ هُوَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُفْلِسْ، وَيَحْجُرْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَرُدُّ الْغُرَمَاءُ إنْ أَرَادُوا ذَلِكَ حَتَّى يَرْفَعُوا إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِالرَّدِّ بَعْدَ إثْبَاتِ مُوجِبِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، فَإِنْ رَدُّوهُ وَبَاعُوهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرُدُّ بَيْعَهُمْ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مُوجِبُ بَيْعِهِ بَاعَهُ وَإِلَّا تَمَّ عِتْقُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ: وَمَنْ رَدَّ غُرَمَاؤُهُ عِتْقَهُ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغُرَمَائِهِ بَيْعُهُمْ دُونَ الْإِمَامِ فَإِنْ فَعَلَ أَوْ فَعَلُوهُ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ بَعْدَ أَنْ أَيْسَرَ رُدَّ الْبَيْعُ وَنَفَذَ الْعِتْقُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَّلِ الْعِتْقِ. (الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ لِلْغَرِيمِ رَدَّ الْعِتْقِ، وَلَوْ طَالَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ: وَأَمَّا عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْغُرَمَاءُ وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَوَرِثَ الْأَحْرَارُ فَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَفَادَ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ مَالًا يُعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ مَعَ حُرْمَةِ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ قَدْ اُسْتُغْرِقَتْ مِنْ تَبَعَاتٍ لَا تُعْلَمُ أَرْبَابُهَا نَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ يَرُدَّهُ وَكَانَ الْأَجْرُ لِأَرْبَابِ التَّبَاعَاتِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا بَاعَهُمْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُمْ بَعْدَ يُسْرِهِ كَانُوا أَرِقَّاءَ وَلَا يُعْتَقُونَ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَوْلُهُ: " أَوْ بَعْضِهِ " قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ إلَّا كَامِلًا بِيعَ جَمِيعُهُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَبْقَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَصْنَعُ مَا شَاءَ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي عِتْقٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ اللَّخْمِيُّ أَمَّا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمَا وَقِيمَتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ وَنَحْنُ إنْ بِعْنَا مِنْهُمَا بِالْحِصَصِ لَمْ يَفِيَا بِالدَّيْنِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَيِّهِمَا يُبَاعُ لِلدَّيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (السَّادِسُ) إذَا بَعَّضَ الْعِتْقَ وَأَرَادَ مَالِكُ بَعْضِهِ سَفَرًا وَامْتَنَعَ هُوَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إنَّهُ يُسَافِرُ وَيَكْتُبُ لَهُ الْقَاضِي كِتَابًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَبَعٌ لِلرِّقِّ بِدَلِيلِ إجْمَاعِهِمْ أَنَّ أَحْكَامَهُ أَحْكَامُ الرِّقِّ مَا بَقِيَتْ فِيهِ شَائِبَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الشَّرِكَةِ: إنَّ السَّيِّدَ إنْ كَانَ مَأْمُونًا سَافَرَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّالِثُ رَوَاهُ الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا وَالْعَبْدُ مُسْتَعْرِبًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَمْلِكُ الشَّرِيكُ فَصَارَ شَرِيكًا فِي نَفْسِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ أَشْهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ بِهِ إلَى قَرْيَةٍ يَسْكُنُهَا مِنْ الْحَوَاضِرِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَرِهَ الْعَبْدُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا قَضَى لَهُ بِالْخُرُوجِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَكِرَاؤُهُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ حَتَّى يُقِرَّ قَرَارَهُ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَمَلٌ وَمُكْتَسَبٌ فَيَكُونُ لَهُ أَيَّامٌ وَلِلسَّيِّدِ أَيَّامٌ انْتَهَى. مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِيهِ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِهِ: يَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا أَيْ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي يُسَافِرُ لَهَا وَيَشْهَدُ لَهُ شَاهِدَيْنِ مِمَّنْ يُسَافِرُ مَعَهُ فَيُشْهِدُهُمَا عَلَى الْكِتَابِ وَعَلَى عَيْنِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ بِكِتَابٍ يَكُونُ بِيَدِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ إذْ لَا يُحْكَمُ بِكِتَابِ الْقَاضِي دُونَ بَيِّنَةٍ تَنْقُلُهُ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مُنْتَخَبَ الْأَحْكَامِ قَبْلَ أَبْوَابِ النِّكَاحِ، وَفِي آخِرِهِ أَيْضًا وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي

وَانْظُرْ رَسْمَ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَرَسْمَ شَكَّ، وَرَسْمَ نَذَرَ سَنَةً، الْجَمِيعُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ قَالَ: فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَانَ اشْتَرَى نَفْسَهُ فَاسِدًا) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ شِرَاءً فَاسِدًا فَقَدْ تَمَّ بَيْعُهُ وَلَا يُرَدُّ وَلَا يَتْبَعُهُ السَّيِّدُ بِقِيمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ مَا بَاعَهُ بِهِ غَرَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَكَأَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بِخِلَافِ شِرَاءِ غَيْرِهِ إيَّاهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ نَفْسَهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ إنْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ وَيُكْسَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُهُ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَقَوْلُ ابْنِ مُيَسَّرٍ وِفَاقًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا هِيَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ مَضْمُونٍ انْتَهَى. ص (وَالشِّقْصُ إلَى آخِرِهِ) ش: نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ رَجُلٌ لَهُ مَمَالِيكُ بِمَكَّةَ

مَثَلًا وَلَهُ مَمَالِيكُ بِغَيْرِهَا فَشَكَا إلَيْهِ إنْسَانٌ مَمَالِيكَهُ الَّذِينَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ، وَقَالَ: إنَّهُ أَرَادَ مَنْ بِمَكَّةَ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: اُنْظُرْ رَسْمَ شَكَّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ. ص (وَهُوَ فِي خُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ إلَى قَوْلِهِ إلَّا الْأَجَلَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعِتْقَ مِثْلُ الطَّلَاقِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا فِي الْأَجَلِ فَإِنَّهُ

مسألة أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة

إذَا أَعْتَقَ لِأَجَلٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ. [مَسْأَلَة أَوْصَى فِي جَوَارٍ لَهُ أَنْ يُحْبَسْنَ سَبْعِينَ سَنَةً] (مَسْأَلَةٌ) مَنْ أَوْصَى فِي جَوَارٍ لَهُ أَنْ يُحْبَسْنَ سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُعْتَقْنَ، قَالَ مَالِكٌ: هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ فَإِنْ رَأَى بَيْعَهُنَّ بِعْنَ، وَإِنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ عَتَقْنَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ نَظَرِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ سَبْعِينَ سَنَةً مِثْلُ بِنْتِ الْأَرْبَعِينَ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهَا تُبَاعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُدْرِكُهَا فَهُوَ كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَمَنْ كَانَتْ يُمْكِنُ أَنْ تَعِيشَ ذَلِكَ كَبِنْتِ الْعِشْرِينَ فَأَقَلَّ عَجَّلَ عِتْقَهَا إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ، وَلَعَلَّ الْعِتْقَ يُدْرِكُهَا وَلَا أَنْ تُحْبَسَ سَبْعِينَ سَنَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهَا لِقَصْدِ السَّيِّدِ إلَى ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا أَنَّ السُّلْطَانَ يَعْمَلُ بِهَوَاهُ انْتَهَى. مِنْ رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ. [فَرْعٌ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ إلَى أَجَلٍ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا فَعَجَّلَ الْوَارِثُ عِتْقَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ إلَى أَجَلٍ، وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا فَعَجَّلَ الْوَارِثُ عِتْقَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ جَازَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ وَضْعُ خِدْمَةٍ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَا وَارِثَيْنِ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا فَعِتْقُهَا هَهُنَا وَضْعُ خِدْمَةٍ فَيُوضَعُ حَقُّ هَذَا مِنْ الْخِدْمَةِ وَيَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْهَا حُرًّا وَلَا يَضْمَنُ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ خِدْمَتِهِ مِنْهَا، وَتَخْدُمُ هِيَ الْآخَرَ نِصْفَ خِدْمَتِهَا إلَى تَمَامِ الْأَجَلِ، ثُمَّ تَخْرُجُ حُرَّةً انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذِهِ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ يُكَاتِبَانِهِ، ثُمَّ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ إنَّمَا هُوَ وَضْعُ مَالٍ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَبِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ إنَّمَا الْمُعْتِقُ الْمُوصِي لَا الْوَرَثَةُ انْتَهَى. ص (وَعَتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ الْأَبَوَانِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. [فَرْعٌ أَيَمْلِكُ الرَّجُلُ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ قَالَ: وَسَمِعْته يُسْأَلُ أَيَمْلِكُ الرَّجُلُ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ، قِيلَ لَهُ: وَلَا يَعْتِقَانِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ بَيِّنٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: أَمَّا الْأَبُ وَالْأَخُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا حَكَى ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ. [فَرْعٌ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا كَانَ عَبْدًا وَوَلَدَ لَهُ مِنْ ظَهْره وَبَطْنه فملك أَحَد الْأَخَوَيْنِ أخاه فَهَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ] (فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا كَانَ عَبْدًا وَوَلَدَ لَهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ فَمَلَكَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ أَخَاهُ فَهَلْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا فَلْيُنْظَرْ انْتَهَى. ص (وَإِنْ سَفَلَ) ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي النِّكَاحِ فِي تَقْدِيمِ الْأَوْلِيَاءِ: سَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْفَرَائِضِ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: " سَفُلَ " بِالضَّمِّ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَدْ سَفُلَ كَكَرُمَ

فرع مثل بعبده

وَعَلِمَ، وَنَصَرَ انْتَهَى. فَجَعَلَهُ مُثَلَّثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ إنْ عَلِمَ الْمُعْطِي وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَحَدًا مِنْ قَرَابَتِهِ الْمَذْكُورِينَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ بِأَنْ وُهِبَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ هِبَةَ ثَوَابٍ أَوْ غَيْرَهَا أَوْ بِصَدَقَةٍ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِوَصِيَّةٍ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَحَمَلَهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَبِلَهُ أَمْ لَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْمُعْطِي بِكَسْرِ الطَّاءِ أَنَّهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمُعْطَى بِفَتْحِ الطَّاءِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَالشَّامِلِ وَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَعَرُّضٌ لِهَذَا الْقَيْدِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا وَهَبَ لَهُ أَبُوهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَاهِبُ أَنَّهُ أَبُوهُ فَهَلْ يُبَاعُ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَجَزَمَ ابْنُ يُونُسَ وَالْمَازِرِيُّ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْعِتْقَ، قَالَهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ، قَالَ فِي بَابِ الْوَلَاءِ: مِنْهَا وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ قَبِلَهُ أَمْ لَا وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَيَبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا، ثُمَّ إنِّي وَقَفْت عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فَرَأَيْتُهُ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْعِتْقِ، وَفِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الصَّدَقَاتِ وَأَمَّا مَفْهُومُ هَذَا الْقَيْدِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَا ابْنُ رُشْدٍ وَلَا غَيْرُهُ، وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى قَوْلُهُ: إنَّهُ إذَا وَهَبَ لَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، فَحَمَلَهُ الثُّلُثُ أَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ قَبِلَهُ أَمْ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَأَنَّهُ إذَا وُهِبَ لَهُ شِقْصٌ مِنْهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ عَتَقَ مِنْهُ مَا وَهَبَ لَهُ أَوْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَبُولِهِ إيَّاهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ عِتْقَهُ عَنْهُ فَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ قَبِلَهُ أَمْ لَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي مِنْ الصَّدَقَاتِ فَمَنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلْيُفِدْهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. ص (وَبِالْحُكْمِ إنْ عَمَدَ لِشَيْنٍ بِرَقِيقِهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْمُثْلَةِ، قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَعَلَى الثَّانِي يَتْبَعُهُ مَالُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِرَقِيقِهِ دَخَلَ فِيهِ الْقِنُّ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ أَوْ بِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ بِعَبْدٍ لِعَبْدِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِهِ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ عَتَقُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ مَثَّلَ بِمُكَاتَبِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَيَنْظُرُ فِي جَرْحِهِ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ قَطْعِ جَارِحَةٍ مِنْهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَيُقَاصَّ بِالْأَرْشِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ سَاوَاهَا عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَافَتْ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ عَتَقَ وَلَا يُتْبَعُ بِبَقِيَّتِهَا، وَإِنْ نَافَ الْأَرْشُ عَلَيْهَا أُتْبِعَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بِالْفَضْلِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ انْتَهَى. [فَرْعٌ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَنَّهُ يُعْتِقُ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقُ جِنَايَةٍ حَدُّهَا الْعِتْقُ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ يُمَثِّلُ بِعَبْدِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يُمَثِّلُ بِعَبْدِهِ، وَقِيلَ: لَا يَعْتِقُ بِالْمُثْلَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْمِدْيَانِ وَالسَّفِيهِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي السَّفِيهِ، وَكَانَ يَقُولُ

تنبيه مثل بعبيد امرأته

يَعْتِقُ وَلَا يَتْبَعُهُ مَالُهُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْتِقُ وَيَتْبَعُهُ مَالُهُ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَيُعَاقَبُ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (أَوْ بِرَقِيقِ رَقِيقِهِ) ش: شَمِلَ الرَّقِيقُ الْمُكَاتَبَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُعْتِقْ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا نَقَصَهُ مُثْلَةً مُفْسِدَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي عَبْدِ زَوْجَتِهِ مَعَ الْعُقُوبَةِ فِي تَعَمُّدِهِ انْتَهَى. ص (أَوْ لِوَلَدٍ صَغِيرٍ) ش: يَعْنِي وَكَذَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ رَقِيقُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ إذَا مَثَّلَ بِهِ، وَمِثْلُ الصَّغِيرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ الْكَبِيرُ قَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَكَذَلِكَ إنْ مَثَّلَ بِعَبْدٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي: فَصْلٌ وَمُثْلَتُهُ بِعَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَمُثْلَتِهِ بِعَبْدِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُلْزِمَ الْقِيمَةَ إذَا أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ أُلْزِمَ ذَلِكَ رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ بِقِيمَتِهِ، وَلَيْسَ تَعَدِّيهِ بِالْمُثْلَةِ رِضًا بِعِتْقِهِ وَتَمْثِيلِهِ بِعَبْدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ بِمَنْزِلَةِ مُثْلَتِهِ بِعَبْدِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَفِيهًا فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ فَيَعْتِقُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ مَا نَصُّهُ: " لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَبْطُلَ مَنَافِعُهُ انْتَهَى. وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ: مَسْأَلَةٌ لَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ جِنَايَةً مُفْسِدَةً غَرِمَ قِيمَتَهُ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ إنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَلَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ التَّعَدِّي حَيْثُ قَالَ: وَعَتَقَ عَلَيْهِ إنْ قُوِّمَ وَلَا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ فِي الْفَاحِشِ عَلَى الْأَرْجَحِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيه مَثَّلَ بِعَبِيدِ امْرَأَتِهِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبِيدِ امْرَأَتِهِ عُوقِبَ وَضَمِنَ مَا نَقَصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُثْلَةً فَاسِدَةً فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُمْ، وَيُعْتَقُونَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. ص (كَقَطْعِ ظُفْرٍ إلَى آخِرِهِ) ش: هَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمُثْلَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا خَصَاهُ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي، وَإِنْ قَطَعَ أُنْمُلَةً مِنْ أُصْبُعِ عَبْدِهِ عَمْدًا أَوْ أَحْرَقَ شَيْئًا مِنْ عَبِيدِهِ بِالنَّارِ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ أَوْ خَصَاهُ قَالَ رَبِيعَةُ أَوْ قَطَعَ حَاجِبَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: أَوْ سَحَلَ أَسْنَانَ أَمَتِهِ بِالْمِبْرَدِ أَوْ قَلَعَهَا عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ فَهِيَ مُثْلَةٌ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُقَرِّبِ وَالْمُنْتَخَبِ، وَلَفْظُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ:

وَالْمُثْلَةُ الَّتِي يَعْتِقُ بِهَا الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ قَطْعٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَ أُنْمُلَةٍ الْعَبْدِ أَوْ خَصَاهُ قَالَ رَبِيعَةُ: أَوْ قَطَعَ حَاجِبَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ قَلَعَ أَسْنَانَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ وَكَذَلِكَ أَفْتَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِي الَّتِي سَحَلَتْ أَسْنَانَ جَارِيَتِهَا وَلَوْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ عَتَقَ، وَإِنْ كَوَاهُ تَدَاوِيًا لَمْ يَعْتِقْ انْتَهَى. وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ وَالزَّنَاتِيَّ وَكَلَامَ التَّوْضِيحِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ سَرَقُوا فِي مُعَاهَدَتِهِمْ نَصُّ مَا فِي التَّوْضِيحِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّ خِصَاءَ الْمُسْتَأْمَنِ أَوْ الْمُعَاهَدِ عَبْدَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ خَصَاهُ بِبَلَدِهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَالزَّنَاتِيِّ هُوَ أَنَّهُمَا جَعَلَا الْعِتْقَ بِالْمُثْلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: يَعْتِقُ فِي وَاحِدٍ وَلَا يَعْتِقُ فِي ثَلَاثَةٍ فَاَلَّذِي يَعْتِقُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ وَاَلَّتِي لَا يَعْتِقُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَاةِ وَالْعِلَاجِ أَوْ شَبِيهَةً بِالْعَمْدِ، وَلَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ مِثْلَ أَنْ يَحْذِفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَيَبِينُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُضْوٌ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ فِي شَرْحِ ابْنِ مُزَيْنٍ لَا يَكُونُ مُثْلَةً بِضَرْبَةٍ أَوْ رَمْيَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِدًا لِلْمُثْلَةِ بِضَجْعَةٍ فَيُمَثِّلُ بِهِ، وَفِي مِثْلِ مَا يُسْتَقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ شَفَقَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَالِهِ وَقَدْ يُرِيدُ تَهْدِيدَهُ وَلَا يُرِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَقَدْ يُرِيدُ الْمُثْلَةَ حَقِيقَةً فَإِذَا احْتَمَلَ فِعْلُهُ الْوَجْهَيْنِ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَتَرَكَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إذَا ضَرَبَ رَأْسَهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ضَرْبَ الرَّأْسِ دُونَ مَا أَحْدَثَ انْتَهَى. مِنْ اللَّخْمِيِّ وَنَقَلَهُ الزَّنَاتِيُّ وَغَيْرُهُ فَانْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا خَصَى الْإِنْسَانُ عَبْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِتَعْذِيبِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَارَ السَّيِّدُ مِنْهُ فَإِنْ رَآهُ يَتَعَرَّضُ لِحَرِيمِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقَصَدَ بِخِصَائِهِ تَنْكِيلَهُ بِذَلِكَ كَمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كَانَ لِزِنْبَاعٍ عَبْدٌ يُسَمَّى سَنْدَرَ بْنَ سَنْدَرٍ فَوَجَدَهُ يُقَبِّلُ جَارِيَةً لَهُ فَجَبَّهُ وَجَدَعَ أَنْفَهُ فَعَتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَرَضٌ فَأَدَّى عِلَاجُهُ وَمُدَاوَاتُهُ إلَى خِصَائِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا خَصَاهُ لَا لِتَعْذِيبِهِ وَلَا لِقَصْدِ الْمُدَاوَاةِ بَلْ لِيَزِيدَ ثَمَنَهُ فَمَفْهُومُ أَوَّلِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا نَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {وَلأُضِلَّنَّهُمْ} [النساء: 119] وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ خِصَاءَ بَنِي آدَمَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَتَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ قَطْعُ سَائِرِ أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا قَوَدٍ، قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَسْمَ وَالْإِشْعَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ نَهْيِهِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ، وَالْوَسْمُ الْكَيُّ بِالنَّارِ وَأَصْلُهُ الْعَلَامَةُ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِيسَمَ، وَهُوَ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ كُلُّ مَالٍ فَيُؤَدَّى حَقُّهُ وَلَا يُتَجَاوَزُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: مَسْأَلَةٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَتَقَ عَلَى مَالِكِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ سَيِّدُهُ كَافِرًا انْتَهَى. ص (وَبِالْحُكْمِ جَمِيعُهُ إنْ أَعْتَقَ جُزْءًا) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ سَأَلَنِي سَائِلٌ أَنْ أُوَضِّحَ لَهُ مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ ابْتِدَاءً وَمَنْ بَعَّضَ الْعِتْقَ بِاخْتِيَارٍ لَهُ أَوْ بِسَبَبِهِ لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ كَانَ الْبَعْضُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُجُودُ ثَمَنِهِ، وَالْآخَرُ بَقَاءُ مِلْكِهِ وَقِيلَ فِي هَذَا: يَلْزَمُ فِي ثُلُثِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (فَقُلْت) أَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ، فَهُوَ كَلَامٌ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَ الْعِتْقِ هُوَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ بَعْضَ عَبْدِهِ أَوْ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَمَضَى بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَهُ فِيهِ حُكْمٌ، وَهُوَ التَّتْمِيمُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ

فرع أعتق أحد الورثة نصيبه من عبد من عبيد الميت

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ مَنْ «أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ» وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ عِتْقُ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ أَوْ شِقْصًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلِقَ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا فِيمَا يَجِبُ رَدُّهُ كَعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ فَمُرَادُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ، أَيْ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعِتْقِ مُبَعَّضًا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ تَتْمِيمِهِ مَانِعٌ وَهَذَا مَفْهُومٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا وَجْهَ مُرَادِهِ لِنُبَيِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ، وَأَنَّ فِيهِ تَجَاوُزًا وَلِلْمُخَاطَبِ أَنْ يُجَاوِزَ فِي اللُّقَطَةِ إذَا أَمِنَ إشْكَالَ الْمَعْنَى انْتَهَى. [فَرْعٌ أَعْتَقَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِ الْمَيِّتِ] (فَرْعٌ) إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَيَعْتِقُ جَمِيعُهُ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ: مَنْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ذَكَرَهَا فِي الْعِتْقِ الثَّانِي فِي الْمُدَوَّنَةِ. ص (إنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ يَوْمَهُ) ش: أَيْ يَوْمَ الْحُكْمِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْأَظْهَرِ يُقَوَّمُ يَوْمَ الْحُكْمِ لَا يَوْمَ الْعِتْقِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ خَاصَّةً وَأَمَّا إنْ عَمَّ الْعِتْقُ فَيَوْمَ الْعِتْقِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ. ص (وَعَجَّلَ فِي ثُلُثِ مَرِيضٍ أُمِنَ) ش: هَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْجِيلِ التَّقْوِيمِ فِي الْمَرَضِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُعَجِّلُ، وَلَا يَنْظُرُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ

وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعَجَّلُ التَّقْوِيمُ فِي الْمَرَضِ، وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ حَتَّى يَصِحَّ فَيَكُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ يَمُوتَ فَتَكُونَ الْقِيمَةُ مِنْ الثُّلُثِ يَنْفُذُ فِيهِ مَا حَمَلَ مِنْهَا وَرِقُّ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ أَوْ الشَّرِيكِ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقِيلَ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ عَتَقَ فِي الْمَرَضِ جَمِيعُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ فِيهِ حَظُّ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. ص (وَتَأْجِيلُ الثَّانِي أَوْ تَدْبِيرُهُ) ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الثَّانِي فِيمَا فَعَلَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَإِذَا حُكِمَ بِبَيْعِهِ لِعُسْرٍ مَضَى) ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ بَيْعُهُ وَيُفْسَخُ بَيْعُهُ إنْ فَعَلَ فَإِنْ كَانَ مُعْتِقُ الْحِصَّةِ مُعْسِرًا بَقِيَ سَهْمُ شَرِيكِهِ رَقِيقًا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَإِذَا حُكِمَ بِبَيْعِهِ لِعُسْرٍ، أَيْ إذَا حُكِمَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْبَعْضِ الْبَاقِي مِنْ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ لِعُسْرِ الْمُعْتِقِ مَضَى الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَلَا يُنْقَضُ لِيُسْرِهِ ثَانِيَةً قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْهَا: وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَرُفِعَ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يُقَوِّمْ عَلَيْهِ لِعُسْرِهِ، ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاشْتَرَى حِصَّةَ شَرِيكِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يُقَوِّمْ عَلَيْهِ وَلَا نَظَرَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى أَيْسَرَ لَقُوِّمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ، وَهُوَ مُعْسِرٌ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ فِي حَالِ يُسْرِهِ وَلَمْ يُرْفَعْ أَمْرُهُ إلَّا بَعْدَ عُسْرِهِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِعَدَمِ التَّقْوِيمِ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ: وَإِنْ أَعْتَقَ فِي يُسْرِهِ، ثُمَّ قُيِّمَ عَلَيْهِ فِي عُسْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَيُرِيدُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ " وَلَوْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ. إلَى آخِرِهِ " مَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَ الْعُسْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَهَا. ص (كَقَبْلِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ إنْ كَانَ بَيِّنَ الْعُسْرِ) ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَلَمْ يُقَوِّمْ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ حَتَّى أَيْسَرَ، فَقَالَ مَالِكٌ قَدِيمًا: إنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ يَوْمَ أَعْتَقَ يَعْلَمُ النَّاسُ وَالْعَبْدُ وَالْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْقِيَامَ؛ لِأَنَّهُ إنْ خُوصِمَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ لِعَدَمِهِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَلَمْ يُقَوِّمْ حَتَّى أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ لَقُوِّمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ، وَإِنْ أَعْتَقَ فِي يُسْرِهِ فَلَمْ يُطَالَبْ حَتَّى أَعْسَرَ، ثُمَّ أَيْسَرَ فَقَامَ شَرِيكُهُ حِينَئِذٍ، قُوِّمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الثَّانِي فَنَصِيبُ الْأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ) ش:

ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ التَّقْوِيمُ إلَّا إذَا بَتَّ الثَّانِي، وَأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الثَّانِي نَصِيبَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لَمْ يُمْنَعْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الثَّانِي حِصَّتَهُ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي أَعْتَقَ الْأَوَّلُ إلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى، وَفِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة. ص (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا فِي مَرَضِهِ إلَى قَوْلِهِ أَقْرَعَ) ش اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْوَصَايَا إنَّ الْمُدَبَّرِينَ فِي الصِّحَّةِ إذَا تَعَاقَبُوا قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا

فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُمْ بِالْحِصَصِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا فِي الصِّحَّةِ لَا قُرْعَةَ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ هُنَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَا قُرْعَةَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ أَثْلَاثَهُمْ) ش: يَعْنِي فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَوْ قَالَ: أَثْلَاثُ رَقِيقِي لِفُلَانٍ فَإِنَّ لِفُلَانٍ ثُلُثَهُمْ بِالْقُرْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَثْلَاثُ رَقِيقِي أَحْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَصِيَّةِ يَكُونُ شَرِيكًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَمَنْ لَهُ شِرْكٌ فِي رَقِيقِ جَمَعَ نَصِيبَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ كَالْعِتْقِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِهِمْ إذْ لَا يَسْتَبِدُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَثْلَاثُ رَقِيقِي أَوْ أَنْصَافُهُمْ أَحْرَارٌ أَوْ ثُلُثُ كُلِّ رَأْسٍ أَوْ نِصْفُ كُلِّ رَأْسٍ أُعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ إنْ حَمَلَ ذَلِكَ ثُلُثَهُ وَلَا يَبْدَأُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَإِذَا قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَكَتَ عَنْ بَاقِيهِمْ فَهَلْ يَعْتِقُ جَمِيعُهُمْ أَوْ مَنْ سَمَّى اُنْظُرْ أَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِي الْوَصَايَا وَالْمَشَذَّالِيِّ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ.

باب التدبير

[بَاب التَّدْبِير] ص بَابٌ (التَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ وَإِنْ زَوْجَةً فِي زَائِدِ الثُّلُثِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ لَا عَلَى وَصِيَّةٍ) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ وَصِيَّةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْإِضَافِيَّاتِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ يُجْتَنَبُ فِي التَّعْرِيفَاتِ لِإِجْمَالِهِ ابْنُ عَرَفَةَ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ مِنْ اجْتِنَابِ الْإِضَافِيَّاتِ لَا أَعْرِفُهُ حَسْبَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَتْ الْإِضَافَةُ مَلْزُومَةً لِلْإِجْمَالِ وَلِذَا وَقَعَتْ فِي

فرع دبره السيد في صحته واستثنى ماله بعد موته

تَعْرِيفَاتِهِمْ كَثِيرًا كَقَوْلِ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ حَمْلُ مَعْلُومٍ بِإِضَافَةِ حَمْلٍ إلَى مَعْلُومٍ، وَقَوْلُهُمْ فِي: التَّنَاقُضِ هُوَ اخْتِلَافُ قَضِيَّتَيْنِ وَلَوْ اعْتَرَضَهُ بِالتَّرْكِيبِ، وَهُوَ وَقْفُ مَعْرِفَةِ الْمُعَرَّفِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ لَيْسَتْ أَعَمَّ وَلَا أَخَصَّ كَانَ صَوَابًا انْتَهَى. يَعْنِي بِالْحَقِيقَةِ الْأُخْرَى الْوَصِيَّةَ. ص (وَقُدِّمَ الْأَبُ عَلَى غَيْرِهِ فِي الضِّيقِ) ش: هَذَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ وَاخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ: " وَإِذَا كَانَ الِابْنُ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ فَهَلْ يُحَاصُّ أَبُوهُ عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمُدَبَّرِينَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ خِلَافًا لِابْنِ نَاجِي الَّذِي يَقُولُ: يَعْتِقُ مِنْهُمْ مَحْمَلُ الثُّلُثِ بِالْقُرْعَةِ أَوْ يَكُونُ الْأَبُ مُقَدَّمًا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ تَدْبِيرُهُ عَلَى تَدْبِيرِ وَلَدِهِ كَالْمُدَبَّرِينَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى. فَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: " مَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ أَوْ وُلِدَ لِلْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَتِهِمَا وَالْمُحَاصَّةُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ فِي الثُّلُثِ، وَيَعْتِقُ مَحْمَلُ الثُّلُثِ مِنْ جَمِيعِهِمْ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: " وَالْمُحَاصَّةُ إلَى آخِرِهِ " الشَّيْخُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يُؤْثَرُ الْآبَاءُ عَلَى الْأَبْنَاءِ كَمَا فِي الْحَبْسِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْحَبْسِ خِلَافٌ انْتَهَى. ص (وَفُسِخَ بَيْعُهُ إنْ لَمْ يَعْتِقْ) ش: أَيْ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ عِتْقَهُ يَنْفُذُ وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَيَكُونُ جَمِيعُ الثَّمَنِ سَائِغًا لِلْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ بِشَيْءٍ، وَقَالَهُ جَمِيعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ التَّدْبِيرِ مِنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ غَابَ الْمُدَبَّرُ يَعْنِي: الْمَبِيعَ فَعَمَى خَبَرُهُ قَالَ أَصْبَغُ: الْقِيَاسُ عِنْدِي إذَا اسْتَعْفَى أَمْرُهُ فَأَيِسَ مِنْهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ الْمَوْتِ كَمَا تَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عِدَّةَ الْمَيِّتِ دُونَ الْحَيِّ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا غَلَطٌ، وَقَدْ طَلَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدَّ الْمُدَبَّرَةِ الَّتِي بَاعَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَمْ يَجِدْهَا فَأَخَذَ الثَّمَنَ فَجَعَلَهُ فِي جَارِيَةٍ يُدَبِّرُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: بِجَعْلِ ثَمَنِهِ كُلِّهِ فِي مُدَبَّرٍ قَالَ أَصْبَغُ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ انْتَهَى. اُنْظُرْ الْبَيَانَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْمُدَبَّرِ. ص (وَقُوِّمَ بِمَالِهِ فِي الثُّلُثِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. [فَرْعٌ دَبَّرَهُ السَّيِّدُ فِي صِحَّتِهِ وَاسْتَثْنَى مَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ] (فَرْعٌ) فَإِنْ دَبَّرَهُ السَّيِّدُ فِي صِحَّتِهِ وَاسْتَثْنَى مَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ جَازَ ذَلِكَ

فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ قُوِّمَ الْمُدَبَّرُ بِبَدَنِهِ بِغَيْرِ مَالِهِ وَيَصِيرُ مَالُهُ مِنْ أَمْوَالِ السَّيِّدِ وَكَذَلِكَ إذَا دَبَّرَهُ فِي مَرَضِهِ وَاسْتَثْنَى مَالَهُ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ كِنَانَةَ، وَقَالَ: لَيْسَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَيَتْبَعُهُ مَالُهُ قَالَهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَبَّرِ. ص (فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ إلَّا بَعْضُهُ عَتَقَ وَأُقِرَّ مَالُهُ بِيَدِهِ) ش: أَيْ أُقِرَّ مَالُهُ كُلُّهُ بِيَدِهِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: " أُقِرَّ بِيَدِهِ نِصْفُ مَالِهِ " سَهْوٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِسَنَةٍ إلَى آخِرِهِ) ش هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْمُوَثَّقُونَ: وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْدِمَ عَبْدًا طُولَ حَيَاتِهِ وَيَكُونَ حُرًّا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُعْتِقُهُ الْآنَ قَبْلَ السَّبَبِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ وَفَاتُهُ بِأَجَلٍ يُسَمِّيهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إذْ لَيْسَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَالْوَاجِبُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَنْ يُعَجِّلَ عِتْقَهُ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِيَقِينٍ، إمَّا بِقَوْلِهِ، وَإِمَّا بِمَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ اخْتِدَامِهِ بِشَكٍّ إذْ لَا يُدْرَى لَعَلَّهُ حُرٌّ مِنْ الْآنِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِك بِكَذَا وَكَذَا فَيُعَجِّلُ عِتْقَهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا عِتْقَ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ، أَشْهَبَ انْتَهَى. ص (وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ عَمْدًا) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ أَنَّ قَتْلَ الْمُدَبَّرِ سَيِّدَهُ خَطَأً

فرع قال لعبده اعمل على هذه الدابة فإذا ماتت فأنت حر فقتلها عمدا

عِتْقٌ فِي مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ فِي دِيَتِهِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَنَعَهُ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا قُتِلَ بِهِ فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ الْوَرَثَةُ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ وَكَانَ رِقًّا لَهُمْ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْبَغُ فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ: وَهَذَا إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَيَتْبَعُ بِهِ دَيْنًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَعْتِقُ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ يَبْطُلُ إنْ كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا هُوَ عَلَى قِيَاسِ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْقَتْلَ عَمْدًا لَا إرْثَ لَهُ مِمَّنْ قَتَلَهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْتُ) وَقَتْلُ أُمِّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا عَمْدًا قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لَازِمٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَتُقْتَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهَا وَلَا تُتْبَعُ بِعَقْلٍ فِي الْخَطَإِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: تُتْبَعُ بِمِثْلِهِ وَعِتْقُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ انْتَهَى. [فَرْعٌ قَالَ لِعَبْدِهِ اعْمَلْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ فَإِذَا مَاتَتْ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَتَلَهَا عَمْدًا] (فَرْعٌ) نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ إنْ قَدِمَ أَبُوهُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اعْمَلْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ فَإِذَا مَاتَتْ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ إنْ قَتَلَهَا عَمْدًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ قَالَهُ سَحْنُونٌ قَالَ كَأُمِّ الْوَلَدِ تَقْتُلُ سَيِّدَهَا عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ مَا جَنَتْ مَا عَقَدَ عَلَيْهَا مِنْ الْعِتْقِ انْتَهَى. [بَاب الْمُكَاتَبَة] ص (بَابٌ) (نَدْبُ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ التَّبَرُّعِ) ش: يُقَالُ: كِتَابَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ، وَكِتَابٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِنُجُومِهَا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ هِيَ الْأَجَلُ قَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] . أَيْ: أَجَلٌ مُقَدَّرٌ، وَمِنْهُ قِيلَ: كَاتَبَ عَبْدَهُ أَيْ: وَأَجَّلَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَحَدُّهَا فِي الشَّرْعِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عِتْقُ الرَّجُلِ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ مُنَجَّمًا انْتَهَى. كَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْعَبْدِ مَوْقُوفٍ عَلَى أَدَائِهِ فَيَخْرُجُ مَا عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ وَلِذَا قَالَ فِيهَا: لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ عِتْقُهَا عَلَى مَالٍ وَيَخْرُجُ عِتْقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: " نَدْبُ " يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ النَّدْبُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ يَتْلُو {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] فَجَعَلَهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ انْتَهَى. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ بِوُجُوبِهَا لِلْأَمْرِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْخَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ هَلْ هُوَ الْمَالُ أَوْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ الصَّلَاحُ أَوْ الدِّينُ أَوْ الْأَمَانَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ انْتَهَى. وَفَصَّلَ اللَّخْمِيُّ فِي حُكْمِهَا، فَقَالَ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا يُعْرَفُ بِسُوءٍ وَسِعَايَتُهُ مِنْ الْمُبَاحِ، وَقَدْرُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَرَاجِهِ بِكَثِيرٍ

تنبيه المكاتب يعتق إذا أدى جميع الكتابة

فَهِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الْكِتَابَةِ أَكْثَرَ مِنْهُ بِكَثِيرٍ فَمُبَاحَةٌ، وَإِنْ عُرِفَ بِالسُّوءِ وَالْإِذَايَةُ فَمَكْرُوهَةٌ إنْ كَانَتْ سِعَايَتُهُ مِنْ حَرَامٍ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: " أَهْلُ تَبَرُّعٍ " هُوَ فَاعِلُ الْمَصْدَرِ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِهَا فَإِنَّ لَهَا أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ: الْمَكَاتِبُ، وَالْمُكَاتَبُ وَالصِّيغَةُ، وَالْعِوَضُ، فَالْأَوَّلُ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُمْ أَهْلُ التَّبَرُّعِ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، وَتَصِحُّ كِتَابَتُهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَرِيضُ وَالْمَرْأَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إذَا لَمْ يُحَابَيَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِكَاتَبْتُكَ وَنَحْوُهُ بِكَذَا) ش: هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، وَهُوَ الصِّيغَةُ قَالَ فِي اللُّبَابِ: هُوَ لَفْظٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الصِّيغَةُ مِثْلُ كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا فِي نَجْمٍ أَوْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ: مِثْلُ كَاتَبْتُكَ يَعْنِي، وَأَنْتَ مُكَاتَبٌ أَوْ مُعْتَقٌ عَلَى نَجْمَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي نَجْمٍ أَوْ نَجْمَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَلَّ مِنْ النُّجُومِ أَوْ كَثُرَ وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَخْتَارُ جَعْلَهَا فِي نَجْمَيْنِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ جُزَيٍّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَوْلًا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي نَجْمَيْنِ انْتَهَى. [تَنْبِيه الْمُكَاتَبَ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ] (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا، وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَقُولَ لَهُ مَوْلَاهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ جَمِيعَ كِتَابَتِك فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ فِعْلِهِمَا وَقَصْدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: لِأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابَةِ يَتَضَمَّنُ الْحُرِّيَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَفْظُ كَاتَبْتُكَ لَيْسَ صَرِيحًا فَلَا يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت إنْ أَدَّى فَهُوَ حُرٌّ لِدَوَرَانِ الْكِتَابَةِ بَيْنَ الْمُخَارَجَةِ وَالْكِتَابَةِ بِالْقَلَمِ فَلَا يَنْصَرِفُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُشْتَهِرٌ فِي الْفَرْقِ فِي الْكِتَابَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَكُونُ بِاللَّفْظِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مَوْلَاهُ: إذَا أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ، وَأَنَّ التَّنْجِيمَ الْمُشْتَرَطَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي نَجْمٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَظَاهِرُهَا اشْتِرَاطُ التَّنْجِيمِ وَصُحِّحَ خِلَافُهُ) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا

أَنَّ الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ لَا تَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ الشَّيْخِ يَعْنِي فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِهَا حَالَّةً بَلْ عَلَى عَدَمِ صِدْقِ لَفْظِ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ

وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَتَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً فَإِنْ وَقَعَتْ مَسْكُوتًا عَلَيْهَا نُجِّمَتْ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ التَّنْجِيمُ هَذَا قَوْلُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي رِسَالَتِهِ وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَا رَضِيَهُ الْعَبْدُ وَسَيِّدُهُ مِنْ الْمَالِ مُنَجَّمًا فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مُنَجَّمَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَالْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ تُسَمَّى بِالْقُطَاعَةِ، قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ، وَنَصُّهُ: " قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ التَّأْجِيلَ شَرْطٌ فِي الْكِتَابَةِ قَالَ وَعُلَمَاؤُنَا النَّظَّارَةُ يُجِيزُونَ الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ وَيُسَمُّونَهَا الْقَطَاعَةَ انْتَهَى. وَتُطْلَقُ الْقَطَاعَةُ أَيْضًا عَلَى مَا يَفْسَخُ السَّيِّدُ فِيهِ كِتَابَةَ الْعَبْدِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَالْقَطَاعَةُ: بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا هِيَ مُقَاطَعَةُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ الْمُكَاتَبَ عَلَى مَالٍ يَتَعَجَّلهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْعِوَضِ مِنْهُ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا وَكَأَنَّهُ مَا انْقَطَعَ طَلَبُهُ عَنْهُ بِمَا أَعْطَاهُ وَانْقَطَعَ لَهُ بِتَمَامِ حُرِّيَّتِهِ بِذَلِكَ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَا كَانَ لَهُ عِنْدَهُ مِنْ جُمْلَتِهِ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ بِكُلِّ مَا كَانَ وَبِمَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَغَرِيمِهِ عَجَّلَ الْعِتْقَ لِقَبْضِ جَمِيعِهِ أَوْ أَخَّرَهُ لِتَأْخِيرِ بَعْضِهِ عَجَّلَ قَبْضَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ أَوْ أَخَّرَهُ وَسَحْنُونٌ لَا يُجِيزُهَا إلَّا بِمَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَغَرِيمِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْفَعَالَةُ بِالْفَتْحِ لِلسَّجَايَا الْخُلُقِيَّةِ كَالشَّجَاعَةِ، وَبِكَسْرِهَا لِلصَّنَائِعِ كَالتِّجَارَةِ، وَالْخِيَاطَةِ، وَبِضَمِّهَا لِمَا يُطْرَحُ كَالنُّخَالَةِ وَالزُّبَالَةِ وَهَذِهِ الِاسْتِعْمَالَاتُ أَكْثَرِيَّةٌ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ، وَالْقِطَاعَةُ: هِيَ بَيْعُ الْكِتَابَةِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَهِيَ نَوْعٌ مِنْ التِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ فَالْكَسْرُ فِيهَا أَنْسَبُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) وَعَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ التَّنْجِيمِ، وَهُوَ التَّأْجِيلُ فَيَكْفِي أَنْ يَجْعَلَ الْكِتَابَةَ كُلَّهَا فِي نَجْمٍ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: وَصُحِّحَ خِلَافُهُ، قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَزْوِيجٌ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ قَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْهَا: وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَإِنْ رَآهُ مِنْ وَجْهِ النَّظَرِ أَوْ يُسَافِرَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ أَمْ لَا إلَّا مَا قَرُبَ مِنْ السَّفَرِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ لِحُلُولِ نَجْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَلِكَ لَهُ انْتَهَى. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَتَزَوَّجُ بِإِذْنِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ

مَعَهُ غَيْرُهُ. أَشْهَبُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ غَيْرُهُ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إجَازَةُ نِكَاحِهِ إلَّا بِإِجَازَةِ مَنْ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونُوا صِغَارًا فَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيُتْرَكُ لَهَا إنْ دَخَلَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَلَا تَتْبَعُهُ إنْ عَتَقَ بِمَا بَقِيَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَجَازَهُ جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ فُسِخَ وَلَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ انْتَهَى. وَهَذَا فِي الذَّكَرِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هَلْ لَهُ الْجَبْرُ أَمْ لَا. (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ أَنَّهُ إنْ نَكَحَ أَوْ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَحْوُ كِتَابَتِهِ بِيَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْوُهَا إنْ فَعَلَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، قَالَ رَبِيعَةُ لِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ فِي بَعِيدِ السَّفَرِ بِحُكْمِ الْإِمَامِ، وَإِنْ نَكَحَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَانْتَزَعَ مَا أَعْطَى انْتَهَى. ص (وَسَفَرٌ بَعُدَ إلَّا بِإِذْنٍ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي سَفَرِ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ: قَدْ تَحِلُّ نُجُومُهُ وَهُوَ غَائِبٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ قَرِيبًا، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ مُؤْنَةٍ فِيمَا يَغِيبُ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ، وَاخْتَارَ هُوَ الْمَنْعَ مِنْهُ إنْ كَانَ صَانِعًا أَوْ تَاجِرًا قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ سِعَايَتُهُ فِي الْحَاضِرَةِ إلَّا أَنْ تَبُورَ صِنَاعَتُهُ الْجَارِيَةُ فَلَهُ السَّفَرُ بِحَمِيلٍ بِالْأَقَلِّ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ السَّفَرَ وَمِنْهُ سِعَايَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ، وَإِنْ كَانَ النَّجْمُ يَحِلُّ قَبْلَ رُجُوعِهِ مُنِعَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَعُودُ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَتْ هُنَاكَ تُهْمَةٌ أَنَّهُ يَبْعُدُ أَوْ يَتَأَخَّرُ مُنِعَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْت الْحَمَالَةُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. ص (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ أَوْ غَابَ عِنْدَ الْمَحِلِّ وَلَا مَالَ لَهُ فَسَخَ الْحَاكِمُ) ش: أَيْ فَسَخَ الْحَاكِمُ الْكِتَابَةَ وَعَادَ الْعَبْدُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ مِنْ رِقٍّ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " رُقَّ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفُسِخَتْ إنْ مَاتَ، وَإِنْ عَنْ وَلَدٍ) ش

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ فِي مَرَضِهِ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ مَاتَ دَفَعَهَا أَوْ أَمَرَ بِدَفْعِهَا فَلَمْ تَصِلْ إلَى السَّيِّدِ حَتَّى مَاتَ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قِيلَ لِأَبِي عِمْرَانَ: فَلَوْ بَعَثَ كِتَابَتَهُ فِي مَرَضِهِ إلَى سَيِّدِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا السَّيِّدُ حِينَ وُصُولِهَا إلَيْهِ هَلْ يَكُونُ حُرًّا وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ؟ فَقَالَ: لَا حَتَّى يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ فَلْيُشْهِدْ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْحُكْمِ انْتَهَى. ص (وَإِنْ وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيبًا أَوْ اُسْتُحِقَّ مَوْصُوفٌ كَمُعَيَّنٍ، وَإِنْ بِشُبْهَةٍ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ) ش: هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى " إنْ " فِي قَوْلِهِ: " وَفُسِخَتْ إنْ مَاتَ " وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ إذَا وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيبًا أَوْ اُسْتُحِقَّ، وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ صَرِيحَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّهُ يَتَمَشَّى عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: وَفُسِخَتْ الْعَتَاقَةُ وَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ لَوْلَا مَا عَارَضَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيبًا تُفْسَخُ الْعَتَاقَةُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَإِنْ وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيبًا فَمِثْلُهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ مَوْصُوفًا فَقِيمَتُهُ كَمُعَيَّنٍ بِشُبْهَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَتْبَعَ بِهِ دَيْنًا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: وَهَذَا الْكَلَامُ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِقَامَةِ، وَمُوَافَقَةِ النَّقْلِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُسْتَحَقِّ: إذَا كَانَ مَوْصُوفًا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْقِيمَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْمِثْلِ انْتَهَى. وَقَبِلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي نَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ بَعْضَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِقَامَةِ وَمُوَافَقَةِ النَّقْلِ فَلْنَشْرَحْهَا وَنُبَيِّنْ مُوَافَقَتَهَا لِلنَّقْلِ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيبًا، فَمِثْلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَبَضَ السَّيِّدُ مِنْ الْمُكَاتَبِ الْعِوَضَ يَعْنِي الْكِتَابَةَ يُرِيدُ أَوْ بَعْضَهَا فَوَجَدَ مَا قَبَضَهُ أَوْ بَعْضَهُ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَالرُّجُوعُ بِمِثْلِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إنَّمَا تَكُونُ

بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْأَعْوَاضُ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ إذَا اُطُّلِعَ فِيهَا عَلَى عَيْبٍ قُضِيَ بِمِثْلِهَا انْتَهَى. يُرِيدُ وَلَا يُرَدُّ الْعِتْقُ وَلَوْ كَانَ عَدِيمًا قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فَعَتَقَ بِأَدَائِهِ، ثُمَّ أَلْفَاهُ السَّيِّدُ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَيَتْبَعُهُ بِمِثْلِهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَا يُرَدُّ الْعِتْقُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مَضْمُونٍ وَلَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ كَالنِّكَاحِ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَالْخُلْعِ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ اُسْتُحِقَّ مَوْصُوفٌ فَقِيمَتُهُ كَمُعَيَّنٍ، يَعْنِي بِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ مَا قَبَضَهُ السَّيِّدُ مِنْ كِتَابَةِ عَبْدِهِ أَوْ قَطَاعَتِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَصَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ كَمَا سَيَأْتِي وَكَانَ مَوْصُوفًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ كَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّ وَكَانَ مُعَيَّنًا بِقِيمَتِهَا أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ فَتَبِعَ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَنَصُّهُ: " وَلَا اخْتِلَافَ إذَا قَاطَعَ سَيِّدَهُ عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ وَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَلَا يَرُدُّهُ فِي الْكِتَابَةِ " انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ بِشُبْهَةٍ " شَرْطٌ فِي مُضِيِّ الْعَقْدِ وَالرُّجُوعِ بِالْقِيمَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَوْصُوفِ الْمُعَيَّنِ وَيَعْنِي بِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا دَفَعَ لِسَيِّدِهِ شَيْئًا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ شُبْهَةٌ فَإِنَّ عِتْقَهُ لَا يَمْضِي وَيَعُودُ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا قَالَ فِي الْبَيَانِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَأَمَّا إذَا قَاطَعَ سَيِّدَهُ عَلَى شَيْء بِعَيْنِهِ وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مِلْكِهِ غُرَّ بِهِ مَوْلَاهُ كَالْحُلِيِّ يَسْتَوْدِعُهُ وَالثِّيَابِ يَسْتَوْدِعُهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيَرْجِعُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ قِيمَةَ مَا قَاطَعَ بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُتُّبِعَ بِهِ دَيْنًا فَيَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ الَّذِي دَفَعَ إلَّا الْمَعِيبُ وَالْمُسْتَحَقُّ الَّذِي لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مَالٍ فَإِنَّهُ يُتْبَعُ بِالْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا تَعُودُ مُكَاتَبَتُهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: إنْ غَرَّهُ سَيِّدُهُ بِمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ رُدَّ عِتْقُهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ مَضَى عِتْقُهُ وَاتُّبِعَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ دَيْنًا انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُدَّ عِتْقُهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَيَرْجِعُ مُكَاتَبًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ يَتَحَصَّلُ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطِعُ سَيِّدَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى شَيْءٍ يُعَيِّنُهُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْكِتَابَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى سَيِّدِهِ قِيمَةَ ذَلِكَ مَلِيئًا كَانَ أَوْ مُعْدِمًا، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ مِنْ أَمْوَالِ غُرَمَائِهِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْدِمًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْكِتَابَةِ مَلِيئًا كَانَ أَوْ مُعْدِمًا وَيُتْبَعُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْدِمًا فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ حُرٌّ بِالْقَطَاعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. (قُلْت) وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغُرَمَاءِ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي مُكَاتَبٍ قَاطَعَ سَيِّدَهُ فِيمَا بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ عَلَى عَبْدٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَاعْتَرَفَ مَسْرُوقًا فَلْيَرْجِعْ السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ هَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَادَ مُكَاتَبًا، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُرَدُّ عِتْقُهُ إذَا تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ، وَيُتْبَعُ بِذَلِكَ قَالَا عَنْ مَالِكٍ: وَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى وَدِيعَةٍ أُودِعَتْ عِنْدَهُ فَاعْتَرَفَ رُدَّ عِتْقُهُ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَرَادَ غُرَمَاؤُهُ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ السَّيِّدِ مَا قَبَضَ مِنْهُ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ مَا دُفِعَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَلَهُمْ أَخْذُهُ، وَيَرْجِعُ رِقًّا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مَضَى عِتْقُهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ رِقًّا يُرِيدُ مُكَاتَبًا وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دَفَعَ إلَى سَيِّدِهِ شَيْئًا تَقَدَّمَتْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ أَنَّهُ يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيَرْجِعُ مُكَاتَبًا خِلَافُ مَالِهِ بَعْدَ هَذَا انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فَجَعَلَ ابْنُ يُونُسَ مَا تَقَدَّمَ لِهَذَا الْعَبْدِ مِنْ مِلْكِهِ لِهَذَا الَّذِي دَفَعَ إلَى السَّيِّدِ شُبْهَةً، وَإِنْ

كَانَ أَمْوَالَ غُرَمَائِهِ، وَجَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ لَيْسَ بِشُبْهَةٍ لِتَسَلُّطِ الْغُرَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ فَحَمَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الْخِلَافِ، وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْوِفَاقِ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ: قَالَ الشَّيْخُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ السَّيِّدِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَنْ الْمُقَاطَعَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا غَرِمَ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْ السَّيِّدِ وَمَضَى عِتْقُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا افْتَرَقَ الْجَوَابُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَإِنَّمَا قَضَى مِنْ أَمْوَالِ الْغُرَمَاءِ أَوْ مِنْ وَدِيعَةٍ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ إنْ كَانَ يُرْجَى لَهُ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى رُدَّ فِي الرِّقِّ وَسَقَطَتْ الْكِتَابَةُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةٌ اُتُّبِعَ بِذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ أَعْتَقَهُ عِنْدَمَا دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُ الْمَالِ، وَتَشَاهَدَا أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ بِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْكِتَابَةِ أَوْ فِي الرِّقِّ إذَا كَانَ لَا يُرْجَى لَهُ مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ أَنْ طَالَ أَمْرُهُ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَوَرِثَ الْأَحْرَارُ فَيُسْتَحْسَنُ أَنْ لَا يُرَدَّ انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إذَا قَاطَعَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالٍ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَتَحْصِيلُهُ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا غَرِمَ لِلسَّيِّدِ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَمَضَى عِتْقُهُ وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّ عِتْقَهُ مَرْدُودٌ جُمْلَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ إذَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَالثَّانِي أَنَّ عِتْقَهُ مَاضٍ وَلَا يُرَدُّ وَيَتْبَعُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ فِي الْكِتَابِ، وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَتْ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ فَيَمْضِي عِتْقُهُ وَيُتْبَعُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ فَيَرُدُّ السَّيِّدُ عِتْقَهُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ الرُّوَاةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطَعُ عَلَى وَدِيعَةٍ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ أَوْ يَقْصُرَ فَيَمْضِي عِتْقُهُ مَعَ الطُّولِ وَيُرَدُّ مَعَ الْقُرْبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ عِتْقِهِ هَلْ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ أَوْ إلَى الْحُرِّيَّةِ؟ الْمَذْهَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كُلُّهَا مُسْتَقْرَأَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لَا إلَى الْكِتَابَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى كِتَابَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الرُّوَاةِ، وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُرْجَى لَهُ مَالٌ فَيُرَدُّ إلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا يُرْجَى لَهُ مَالٌ فَيُرَدُّ إلَى الرِّقِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ مَا دَفَعَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ هَلْ يُرِيدُ أَمْوَالَهُمْ بِعَيْنِهَا أَوْ دَفَعَ وَقَدْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَا كَانَ بِيَدِهِ وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّهُ إنْ دَفَعَ، وَهُوَ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ فَلَهُمْ رَدُّهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَعْيَانُ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالُهُمْ أَوْ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا وَكَمَا لَهُمْ مَنْعُ الْحُرِّ مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ إذَا كَانَ مُسْتَغْرِقَ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ لَهُمْ مَنْعُ هَذَا مِنْ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ بِهَذَا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بَعْدَ هَذَا: إذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ مِدْيَانًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ، وَيَبْقَى لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ غُرَمَاءَهُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ أَدَاؤُهُ جَمِيعَ كِتَابَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ وَأَثْمَانِ ذَلِكَ وَمَا اعْتَاضَ الْمُكَاتَبُ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ كَأَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ وَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ هُوَ مَا دَفَعَ مِمَّا أَفَادَهُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ أَوْ أَرْشِ خَرَاجِهِ أَوْ دَفَعَهُ مِمَّا بِيَدِهِ وَلَيْسَ بِمُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ، وَفِيمَا بَقِيَ بِيَدِهِ وَفَاءً لِدَيْنِهِ، وَإِنْ أُشْكِلَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِ الْعِتْقِ فَإِنْ اعْتَرَفَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْفُذَ الْعِتْقُ وَيَرُدَّ عَلَى الْغُرَمَاءِ مَا قَبَضَ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ السَّيِّدِ أَخَذَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ عَنْ كِتَابَتِهِ أَوْ عَنْ قَطَاعَتِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا أَخَذَ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْوَالِ، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُوفًا أَوْ مُعَيَّنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: وَالْمَوْصُوفُ يَرْجِعُ فِيهِ لِلْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُرَدُّ

الْعِتْقُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِيمَا دَفَعَهُ شُبْهَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَالرَّجْرَاجِيُّ خِلَافُ مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ بِمَالِهِ فِيهِ شُبْهَةٌ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْكِتَابَةِ مَلِيئًا كَانَ أَوْ مُعْدِمًا، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَى الْكِتَابَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْكِتَابَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ وَاللَّخْمِيِّ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ فِيهِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْكِتَابَةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لَكِنْ نَقَلَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الرِّقِّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّجْرَاجِيُّ آخِرًا، وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا وَأَمَّا تَفْصِيلُ اللَّخْمِيِّ بَيْنَ مَنْ يُرْجَى لَهُ مَالٌ أَوْ لَا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ خِلَافًا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُرْجَى لَهُ مَالٌ إذَا رَدَدْنَاهُ لِلْكِتَابَةِ وَعَجَزَ عَنْهَا رَجَعَ رَقِيقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَنَّهُ يُتْبَعُ بِذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْكِتَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَعُودُ إلَى الْكِتَابَةِ، وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ قَوْلًا بِأَنَّهُ يَعُودُ رَقِيقًا، وَهُوَ بَعِيدٌ وَمَا دَفَعَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْغُرَمَاءِ فَجَعَلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِمَّا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) إنْ قِيلَ لِمَ قُلْتُمْ إذَا اُسْتُحِقَّ مَا قَاطَعَ بِهِ الْمُكَاتَبُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ وَلَمْ تَقُولُوا يَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ الْكِتَابَةِ الَّتِي قَاطَعَ عَلَيْهَا كَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَيْنِهِ عَرْضًا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِدَيْنِهِ، قِيلَ الْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهَا تَارَةً تَصِحُّ، وَتَارَةً لَا تَصِحُّ فَأَشْبَهَتْ مَا لَا عِوَضَ لَهُ مَعْلُومٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ بِعِوَضٍ يُسْتَحَقُّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ. ص (وَقَلِيلٌ كَخِدْمَةٍ لَغْوٌ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) لَوْ شَرَطَ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ خَمْرًا عَادَ رَقِيقًا، فَفَعَلَ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ قَالَهُ فِي النُّكَتِ، وَنُقِلَ هَذَا الْفَرْعُ فِي التَّوْضِيحِ وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِ نُسَخِهِ لَفْظَةُ لَيْسَ فَفَسَدَ الْكَلَامُ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ رَجَعَ رَقِيقًا وَكَذَا فِي الشَّامِلِ وَتَبِعَهُ الْبِسَاطِيُّ وَقَدْ نَقَلْت لَفْظَ النُّكَتِ فِي حَاشِيَةِ الشَّامِلِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (رُقَّ كَالْقِنِّ) ش: أَيْ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ حِينَئِذٍ فِي

فِدَائِهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ إسْلَامِهِ. ص (رَجَعُوا بِالْفَضْلَةِ) ش: قَالَ الْجُزُولِيُّ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ اثْنَانِ مَالًا لِيُؤَدِّيَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَدَفَعَ لَهُ مَالَ أَحَدِهِمَا، وَخَرَجَ حُرًّا فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَالَ الْآخَرِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَالُ مَنْ بَقِيَ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ مَا دَفَعَا إلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْجُزُولِيُّ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ مَالٌ لِأَمْرٍ مَا، إمَّا لِكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا أَوْ فَقِيرًا وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ تِلْكَ الْخَصْلَةُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَلَا يَأْكُلُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَكَلَ حَرَامًا انْتَهَى. وَانْظُرْ حَاشِيَةَ الْمَشَذَّالِيّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. ص (وَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا أَوْ وَعَلَيْك لَزِمَ الْعِتْقُ وَالْمَالُ) ش: ذَكَرَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ هُنَا خَمْسَ صِيَغٍ، وَفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ مُخَرَّجٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْأُولَى: قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ وَالْعَبْدُ غَيْرُ رَاضٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَوْلُ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ إلْزَامُ السَّيِّدِ الْعِتْقَ الْمُعَجَّلَ وَالْعَبْدِ الْمَالَ بِكُلِّ حَالٍ مُعَجَّلًا إنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ دَيْنًا إنْ كَانَ مُعْسِرًا انْتَهَى. وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ مَالِكٍ بِإِلْزَامِهِ الْعِتْقَ وَالْمَالَ كَمَا فِي الْأُولَى انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ عِتْقٌ فِي الْمَالِ وَالْحَالِ فِي ذِمَّتِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ تُؤَدِّي أَوْ تَدْفَعَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ: عِتْقٌ يُرِيدُ إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ، وَهَذَا الْكَلَامُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَذَا وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ حَمَلَ ابْنُ رَاشِدٍ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَقَدْ ذَكَرُوا هَهُنَا صِيَغًا إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي الْأُولَى وَهِيَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ بِإِلْزَامِهِ الْعِتْقَ وَإِلْزَامِ الْعَبْدِ الْمَالَ وَسَوَاءٌ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ مَثَلًا أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ

تنبيه قال السيد أنت حر الساعة على أن تدفع إلي ألفا

الْمُصَنِّفُ انْتَهَى. فَانْظُرْ أَوَّلَ كَلَامِهِ وَآخِرَهُ كَيْفَ قَالَ: أَوَّلًا يُرِيدُ إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ، وَقَالَ آخِرًا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ قَوْلُ مَالِكٍ بِإِلْزَامِ السَّيِّدِ الْعِتْقَ، وَالْعَبْدِ الْمَالَ فَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمَ: قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَغْوٌ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك كَذَا أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَذَا هُمَا سَوَاءٌ يُعْتَقُ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ قُلْت فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ سَوَاءٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. وَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفَهِمَ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه قَالَ السَّيِّد أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ أَلْفًا] (تَنْبِيهٌ) وَمِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ أَلْفًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي: قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْمَحْصُولُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ مَثَلًا وَعَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْك مِائَةَ دِينَارًا وَعَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ أَنَّهُ حُرٌّ وَيُتْبَعُ بِالْمِائَةِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَقُلْ السَّاعَةَ مَثَلًا فَفِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْك يُعْتَقُ أَيْضًا وَيُتْبَعُ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَدْفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْتَلَ عِتْقُهُ إلَّا بَعْدَ دَفْعِ الْمَالِ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَعِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَقُلْ السَّاعَةَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَلَفَّظَ بِهِ قَالَهُ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هَذَا شَرَحَهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَخُيِّرَ الْعَبْدُ فِي الِالْتِزَامِ وَالرَّدِّ فِي حُرٍّ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ أَوْ تُؤَدِّيَ أَوْ إنْ أَعْطَيْت وَنَحْوَهُ) ش: هَذِهِ هِيَ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ بِفِي وَنَحْوُهُ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ أَوْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ أَوْ تُعْطِيَنِي أَوْ تَجِيئَنِي بِكَذَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَنَحْوُهُ: إنْ أَعْطَيْت أَوْ أَدَّيْت أَوْ جِئْتنِي أَوْ إذَا أَوْ مَتَى، وَقَالَهُ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا خُيِّرَ الْعَبْدُ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَإِنْ رَدَّ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قَبِلَ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءٍ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْهَا. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا يُنَجَّمُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا (الثَّانِي) قَالَ فِيهَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَوِّلَ بِسَيِّدِهِ وَلَا لِلسَّيِّدِ أَنْ يُعَجِّلَ بَيْعَهُ إلَّا بَعْدَ تَلَوُّمِ السُّلْطَانِ بِقَدْرِ مَا يَرَى، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ (الثَّالِثُ) قَالَ فِيهَا أَيْضًا، وَإِنْ دَفَعَ الْأَلْفَ عَنْ الْعَبْدِ أَجْنَبِيٌّ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى أَخْذِهَا وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدُ ذَلِكَ مِنْ مَالٍ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ فَقَالَ السَّيِّدُ: ذَلِكَ الْمَالُ لِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هَهُنَا كَالْمُكَاتَبِ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَيَمْتَنِعُ السَّيِّدُ مِنْ كَسْبِهِ أَيْضًا انْتَهَى. (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ فَقَبِلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ حُرٌّ السَّاعَةَ أَوْ يَرِدْ ذَلِكَ لَمْ يَعْتُقْ الْعَبْدُ إلَّا بِالْأَدَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَتَلَوَّمُ لَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ فَإِنْ عَجَزَ رُقَّ، وَقَوْلُهُ: إنْ جِئْتَنِي بِكَذَا أَوْ إلَى أَجَلِ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ مِنْ الْقَطَاعَةِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ الْكِتَابَةِ وَيَتَلَوَّمُ لَهُ كَالْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيُحَالُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمَالِ الْعَبْدِ وَخَرَاجِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْعَى فِيمَا لَزِمَ مِنْ الْمَالِ وَيَضْرِبَ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُحْضِرُهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ تَلَوَّمَ لَهُ وَلَا يُمَكَّنُ الْعَبْدُ أَنْ يُطَوِّلَ عَلَى السَّيِّدِ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ كَانَ رَقِيقًا انْتَهَى. (الْخَامِسُ) قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: إنْ أَعْطَيْتَنِي وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ هَلْ تَفْوِيضٌ فِي " إنْ وَإِذَا وَمَتَى " وَلِلْعَبْدِ ذَاكَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ لَهُ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وَلَا هِبَتِهِ حَتَّى يُوقَفَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيَثَاوَمُ لَهُ أَوْ يَعْجِزَهُ وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَفِي الْعُتْبِيَّة إنْ طَالَ الزَّمَانُ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ مَا جَاءَ بِهِ وَنَحْوُهُ

باب الإقرار بالوطء

لِلْمَخْزُومِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَمَذْهَبُ تَلْقِينُهُ أَنَّهُ مَتَى قَامَا مِنْ الْمَجْلِسِ فَلَا حُرِّيَّةَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ جَاءَهُ بِالْمَالِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ يَعْنِي بِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ وَهِيَ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ أَوْ إنْ أَعْطَيْت وَهَذَا كَلَامُ عِيَاضٍ الْمَوْعُودُ بِهِ وَاشْتَمَلَ أَوَّلُهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَآخِرُهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى (السَّادِسُ) : إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: عَلَى أَنْ تَدْفَعَ قِيلَ الْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا فَقَدْ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ إلَيْهِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُلْزِمَ عَبْدَهُ وَيُجْبِرَهُ عَلَى الْعِتْقِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى التَّزْوِيجِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ مُصَادَرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَ مَنْ يُسَلِّمُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَ عَبْدَهُ وَيُلْزِمَهُ وَلَكِنَّهُ يُسْأَلُ لَمْ جُعِلَ هَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْإِلْزَامِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ فَقَدْ جَعَلَ الدَّفْعَ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارًا وَنَظَرًا لِصَرْفِهِ الْعَمَلَ إلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ رَأْيًا وَلَا اخْتِيَارًا بَلْ ظَاهِرُهُ الْجَبْرُ عَلَى الدَّفْعِ فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَمِنْ الرَّجْرَاجِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَوْلَةِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعُ) إذَا كَانَتْ الْمَقُولُ لَهَا أَمَةً، فَكُلُّ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ إذَا أَدَّتْ الْأَلْفَ وَخَرَجَتْ حُرَّةً، قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَرْطٍ كَانَ فِي أَمَةٍ فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ الشَّرْطِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ يَوْمَ شَرَطَ لَهَا ذَلِكَ فَوَلَدُهَا فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَتِهَا انْتَهَى. مِنْ عِتْقِهَا الثَّانِي. (الثَّامِنُ) قَالَ فِيهِ وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ الْيَوْمَ مِائَةَ دِينَارٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّلَوُّمِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ] ص (بَابٌ) (إنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْءٍ وَلَا يَمِينَ إنْ أَنْكَرَ كَأَنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةٍ) ش هَذَا الْبَابُ يُسَمَّى بَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْأُمُّ فِي اللُّغَةِ: أَصْلُ الشَّيْءِ وَالْجَمْعُ أُمَّاتُ، وَأَصْلُ الْأُمِّ أُمَّهَةٌ وَلِذَلِكَ يُجْمَعُ عَلَى أُمَّهَاتٍ، وَقِيلَ: الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَأُمَّاتُ لِلنَّعَمِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ كُلٍّ مَنْ وُلِدَ لَهَا وَلَدٌ، وَهُوَ خَاصٌّ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمَةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، وَجَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ بِتَرْجَمَةِ هَذَا الْبَابِ بِالْجَمْعِ وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ تَنَوُّعُ الْوَلَدِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ فَقَدْ يَكُونُ تَامَّ الْخِلْقَةِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ مِنْ مُضْغَةٍ وَغَيْرِهَا. عِيَاضٌ وَلِأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْحَرَائِرِ فِي سِتَّةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُنَّ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا يُرْهَنَّ، وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُؤَاجَرْنَ وَلَا يُسَلَّمْنَ فِي جِنَايَةٍ وَلَا يُسْتَسْعَيْنَ، وَحُكْمُ الْعَبِيدِ فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: انْتِزَاعُ مَا لَهُنَّ مَا لَمْ يَمْرَضْ السَّيِّدُ وَإِجْبَارُهُنَّ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَاسْتِخْدَامهنَّ فِي الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ، وَكَوْنُهُنَّ لِسَيِّدِهِنَّ لَهُ فِيهِنَّ الِاسْتِمْتَاعُ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَانُوا بَنِي أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُعَابُ بِهِ أَحَدٌ، وَهُوَ بَيِّنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ إنْ أَنْكَرَ كَأَنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَسَأَلْت الشَّيْخَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

عَنْ الْأَمَةِ تَأْتِي بِوَلَدٍ فَيُنْكِرُهُ السَّيِّدُ وَيَدَّعِي الِاسْتِبْرَاءَ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ هَلْ تُحَدُّ؟ فَوَقَفَ عَنْ الْحُدُودِ وَذَكَرَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ وَقَفَ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ شُبْهَةٌ تَدْفَعُ الْحَدَّ، وَالْمَرْأَةُ قَدْ تُهْرَقُ الدَّمَ عَلَى الْحَمْلِ، وَالْحَدُّ يَسْقُطُ عَنْهَا عِنْدِي وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهَا شُبْهَةٌ تَدْفَعُ الْحَدَّ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ وَأَمَّا لَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا أَصْلًا فَهَهُنَا تُحَدُّ إذْ لَا أَحَدَ عَلِمْنَاهُ يَقُولُ أَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إذَا كَانَ يَقُولُ مَا وَطِئَهَا أَصْلًا انْتَهَى. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ فِي أَمَةٍ أَقَرَّتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَنَّهَا أَتَتْ بِهَذَا الْوَلَدِ مِنْ فَاحِشَةٍ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ السَّيِّدَ كَانَ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِهِ، وَإِقْرَارُهَا بِالزِّنَا لَا يَنْفِيهِ عَنْ وَالِدِهِ وَلَا يُوجِبُ إقْرَارُهَا مِلْكَهَا، بَلْ هِيَ حُرَّةٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) ش قَالَ الْجُزُولِيُّ اُنْظُرْ إذَا تَرَكَهَا حَامِلًا هَلْ تُعْتَقُ فِي الْحَالِ أَوْ تَنْتَظِرُ حَتَّى تَضَعَ إذْ قَدْ يَنْفُشُ الْحَمْلُ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ تُعْتَقُ فِي الْحَالِ، وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِي نَفَقَتِهَا فَقِيلَ: فِي التَّرِكَةِ، وَقِيلَ: عَلَى نَفْسِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ: نَفَقَتُهَا فِي التَّرِكَةِ انْتَهَى. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَفِي رَسْمِ سَعْدٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا حُرَّةٌ بِتَبَيُّنِ الْحَمْلِ، وَأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى عَلَى الْمَشْهُورِ فَانْظُرْهُ. ص (كَاشْتِرَاءِ زَوْجَتِهِ حَامِلًا) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ يُرِيدُ إذَا لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَدُهَا كَأَبِيهِ، وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَكُنْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَمَّا إنْ أَعْتَقَ الْبَائِعُ وَلَدَهَا فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي ابْنِ يُونُسَ، وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ قَالَ: وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ فَمَاتَ فَوَرِثَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنْ كَانَ حَمْلًا ظَاهِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا وَوَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَهِيَ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ ص (وَلَا يَدْفَعُهُ عَزْلٌ أَوْ وَطْءٌ بِدُبُرٍ أَوْ فَخِذَيْنِ إنْ أَنْزَلَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْدَفِعُ

عَنْهُ بِقَوْلِهِ: كُنْتُ أَعْزِلُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ يُنْزِلُ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا إذَا أَقَرَّ بِالْإِنْزَالِ، وَلَا يَنْدَفِعُ بِالْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ إذْ الْأَقْرَبُ الْإِنْزَالُ أَيْضًا، فَقَوْلُهُ: " إنْ أَنْزَلَ " قَيْدٌ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَتَهُ، وَأَنَّهُ يَعْزِلُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَإِنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَطَأُ جَارِيَتَهُ وَلَا يُنْزِلُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَا يَلْحَقُهُ، وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إلَّا إنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ يُفْضِي وَيُنْزِلُ وَيَعْزِلُ فَالْعَزْلُ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ، وَإِذَا قَالَ: كُنْتُ أَطَأُ وَلَا أُنْزِلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هَهُنَا مَوْضِعُ خَوْفٍ فِي أَنْ يَكُونَ قَدْ أَفْضَى فِيهَا بِالْعَزْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ، ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَاءِ الدَّافِقِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] ، فَإِذَا لَمْ يُنْزِلْ أَصْلًا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَا يَكُونُ عَنْهُ الْوَلَدُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ، وَإِذَا وَطِئَ وَأَنْزَلَ، فَعَزَلَ الْمَاءَ عَنْ الْمَوْطُوءَةِ، وَأَنْزَلَ خَارِجًا مِنْهَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْزِلْهُ بِجُمْلَتِهِ وَسَبَقَهُ شَيْءٌ كَانَ عَنْهُ الْوَلَدُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْعَزْلِ «مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» . إخْبَارٌ أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ يَكُونُ مَعَ الْعَزْلِ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ. وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: كُنْتُ أَطَأُ أَمَتِي وَلَا أُنْزِلُ فِيهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ: كُنْتُ أَعْزِلُ، فَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ رِوَايَةِ مُوسَى هَذِهِ فِي قَوْلِهِ فِيهَا أَنَّهُ مَنْ قَالَ: كُنْتُ أَطَأُ، وَلَا أُنْزِلُ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كُنْتُ أَعْزِلُ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: وَلَا أُنْزِلُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُنْزِلُ خَارِجًا عَنْهَا وَهَذَا هُوَ الْعَزْلُ بِعَيْنِهِ فَعَنْهُ سَأَلَهُ، وَعَلَيْهِ أَجَابَهُ فَلَا خِلَافَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لَهَا انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: " وَمَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ وَلَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ لَزِمَهُ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ لِأَقْصَى مَا تَلِدُ النِّسَاءُ لَهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ "، قَالَ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ. يُرِيدُ الْوَطْءَ التَّامَّ وَأَمَّا إنْ قَالَ كُنْتُ لَا أُنْزِلُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَحْلِفُ، وَإِنْ قَالَ: كُنْتُ أَعْزِلُ لَحِقَ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ الْكَلَامَ عَلَى الْعَزْلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَالَ كُنْتُ أَطَأُ وَلَا أُنْزِلُ لَمْ أُلْزِمْهُ الْوَلَدَ انْتَهَى. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ فِي الْقُبُلِ فَأَحْرَى هُوَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ، فَنَصَّ عَلَيْهِمَا فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ: " إنْ قَالَ الْبَائِعُ: كُنْتُ أُفَخِّذُ، وَلَا أُنْزِلُ وَوَلَدُهَا لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّرْنَا هُنَا إنْزَالًا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ فَهُوَ يَسِيرٌ، وَلَا يَصِلُ لِيَسَارَتِهِ لِلْفَرْجِ بِخِلَافِ لَوْ أَنْزَلَ هُنَاكَ مَاءَهُ كُلَّهُ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُ فَهَذَا يُخْشَى أَنْ يَسْرِيَ إلَى الْفَرْجِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: كُلُّ وَطْءٍ فِي مَوْضِعٍ إنْ أَنْزَلَ عَنْهُ وَصَلَ إلَى الْفَرْجِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ جَعَلَهَا عِيَاضٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَ وَطْؤُهُ، وَإِنْزَالُهُ فِي الْأَعْكَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَسَدِهَا مِمَّا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْفَرْجِ مِنْهُ فَهَذَا لَا يُلْحَقُ بِهِ عِنْدَهُمْ وَلَدٌ " انْتَهَى. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الشُّفْرَيْنِ فَهَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي إلْحَاقِهِ مِنْ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَزْلِ: «وَقَدْ نَزَلَ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الرَّجُلُ كُنْتُ أَعْزِلُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الْوِكَاءَ يَنْفَلِتُ» وَأَلْحَقَ بِهِ الْوَلَدَ قَالَ عِيَاضٌ: الْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ اسْتِعَارَةٌ وَتَشْبِيهٌ بِخُرُوجِ الْمَاءِ فِي الْفَرْجِ قَبْلَ الْعَزْلِ، وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ فَمُ الْقِرْبَةِ انْتَهَى. ص (وَمُصِيبَتُهَا إنْ عَتَقَتْ مِنْ بَائِعِهَا وَرَدَّ عِتْقَهَا) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا صَحَّ رَدُّ الْعِتْقِ فَأَحْرَى

فرع رجل زوج أمته عبده أو أجنبيا ثم وطئها السيد فأتت بولد

الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَكَذَلِكَ لَا يُفِيتُهَا إيلَادُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ غَرِمَ قِيمَةَ الْوَلَدِ، وَاخْتُلِفَ إذَا غَرَّهُ وَكَتَمَهُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ إيَّاهَا اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ أَحْسَنُ انْتَهَى. وَفِي الشَّامِلِ فَإِنْ وَلَّدَهَا الْمُبْتَاعُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَلَا قِيمَةَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بِيعَتْ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ، وَهَلْ يَقُومُ عَبْدًا أَوْ عَلَى التَّرَقُّبِ قَوْلَانِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمُبْتَاعُ لِعَبْدِهِ رُدَّتْ مَعَ وَلَدِهَا عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ قِيمَةِ خِدْمَتِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ يُرِيدُ وَرَجَعَ هُوَ بِالْخِدْمَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَإِذَا نُقِضَ الْبَيْعُ تُحْفَظُ مِنْ الْبَائِعِ لِئَلَّا يَعُودَ وَلَا يُمَكَّنَ مِنْ السَّفَرِ بِهَا، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ التَّحَفُّظِ مِنْهُ أُعْتِقَتْ عَلَيْهِ انْتَهَى. (فَرْعٌ) وَإِنْ غَابَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا إذَا بَاعَهَا لَا يُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ وَالْعِتْقُ فَإِنْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَقَالَ أَصْبَغُ: لَا تُرَدُّ وَوَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا، وَيُسَوَّغُ لَهُ الثَّمَنُ كَمَا لَوْ أَخَذَ مَالًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا، وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا الْمُبْتَاعُ لَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ سَاعَتَئِذٍ فَهَذِهِ تُرَدُّ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْعِتْقِ فَيَمْضِي عِتْقهَا وَالْوَلَاءُ، وَيُسَوَّغُ لَهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ عَلِمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَشَرَطَ فِيهَا الْعِتْقَ فَكَأَنَّهُ فِكَاكُهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَرَجَعَ بِالثَّمَنِ انْتَهَى. ص (بِأَقَلِّ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَالْأَرْشِ) ش: أَيْ قِيمَتَهَا عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، وَنَصُّهُ: " قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يَلْزَمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا أَوْ مِنْ قِيمَتِهَا أَمَةً يَوْمَ الْحُكْمِ زَادَتْ قِيمَتُهَا أَوْ نَقَصَتْ وَذَلِكَ عِوَضٌ مِنْ إسْلَامِهَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى رِقِّهَا وَكَذَلِكَ مَا اسْتَهْلَكَتْ وَأَفْسَدَتْ بِيَدِهَا أَوْ دَابَّتِهَا أَوْ بِحَفْرٍ حُفْرَةٍ حَيْثُ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَوْ اغْتَصَبَتْ أَوْ اخْتَلَسَتْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا جِنَايَاتٌ، وَعَلَى السَّيِّدِ فِيهَا الْأَقَلُّ كَمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. ص (وَإِنْ وَطِئَهَا بِطُهْرٍ فَالْقَافَةُ) ش: هَذَا إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَبِالنِّكَاحِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ سَابِقًا أَوْ مِلْكُ الْيَمِينِ سَابِقًا فَإِنْ كَانَ مِلْكُ الْيَمِينِ سَابِقًا كَمَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ زَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ بِهِ وَيُلْحَقُ بِالسَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ، أَيْ وَيَنْفِي الْوَلَدَ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: تُدْعَى لَهُ الْقَافَةُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ لِلزَّوْجِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ صَحِيحٌ وَالثَّانِي فَاسِدٌ، وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَمَّا إنْ تَقَدَّمَ الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ وَلَا يَنْفِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ، قَالَ فِي كِتَابِ: أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَدَّمَ الْوَطْءُ بِالْمِلْكِ وَكَانَ النِّكَاحُ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ اُنْظُرْهُ. [فَرْعٌ رَجُلٍ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا ثُمَّ وَطِئَهَا السَّيِّدُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، ثُمَّ وَطِئَهَا السَّيِّدُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَعْزُولًا عَنْهَا مُدَّةً فِي مِثْلِهَا بَرَاءَةٌ لِلرَّحِمِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا أَمَتُهُ وَلَا يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ زَوَّجَهَا فَأَكْثَرَ فَادَّعَاهُ السَّيِّدُ

باب الولاء

أَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَسَدَ نِكَاحُهُ وَلَحِقَ الْوَلَدُ بِالسَّيِّدِ إنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ: مَعْزُولًا عَنْهَا فِي مُدَّةٍ فِي مِثْلِهَا بَرَاءَةٌ لِلرَّحِمِ: قَالَ أَصْبَغُ: وَذَلِكَ حَيْضَةٌ أَوْ قَدْرُهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَقَدْ نَزَلَتْ فَأَفْتَى فِيهَا وَأَنَا حَاضِرٌ إنْ كَانَ زَوْجُهَا مَعْزُولًا عَنْهَا قَدْرَ الشَّهْرِ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالسَّيِّدِ، وَلَا يُحَدُّ وَيُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا إذَا وَضَعَتْ فَإِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَتْ انْتَهَى. ص (فَإِنْ أَشْرَكَتْهُمَا فَمُسْلِمٌ وَوَالَى إذَا بَلَغَ أَحَدَهُمَا كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ وَوَرِثَاهُ إنْ مَاتَ أَوَّلًا) ش: قَوْلُهُ فَمُسْلِمٌ أَيْ: يُحْكَمُ لِلْوَلَدِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَيُوَالِي أَيَّهُمَا شَاءَ، فَأَيُّ مَنْ وَالَاهُ لَحِقَ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا أُنْظَرْ اللَّخْمِيَّ وَالْمُدَوَّنَةَ وَأَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِلْحَاقِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ أَنَّهُ إذَا فُرِضَ عَدَمُ الْقَافَةِ فَإِنَّهُ إذَا كَبِرَ الْوَلَدُ وَالَى أَيَّهُمَا شَاءَ فَمَنْ وَالَاهُ لَحِقَ بِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أُشْكِلَ الْأَمْرُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَرِثَاهُ، وَإِنْ مَاتَا وَرِثَهُمَا مَعًا اهـ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ وَوَرِثَاهُ إنْ مَاتَ أَوَّلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّقَلِّيُّ إنْ لَمْ تُوجَدْ الْقَافَةُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِهَا تُرِكَ الْوَلَدُ إلَى بُلُوغِهِ يُوَالِي مَنْ شَاءَ كَمَا لَوْ قَالَتْ الْقَافَةُ: اشْتَرَكَا فِيهِ أَوْ لَيْسَ هُوَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا، وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَبْقَى مَوْقُوفًا حَتَّى تُوجَدَ الْقَافَةُ، سَحْنُونٌ إنْ قَالَتْ الْقَافَةُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دُعِيَ لَهُ آخَرُونَ، ثُمَّ آخَرُونَ كَذَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْقَافَةَ إنَّمَا دُعِيَتْ لِتُلْحِقَ لَا لِتَنْفِيَ انْتَهَى. ص (وَلَا تَجُوزُ كِتَابَتُهَا وَعَتَقَتْ إنْ أَدَّتْ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يُكَاتِبَهَا قَالَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَاد مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُكَاتِبَ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَى مَالٍ يَتَعَجَّلُهُ مِنْهَا فَإِنْ كَاتَبَهَا فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِالْأَدَاءِ فَيُعْتَقُ وَلَا تَرْجِعُ فِيمَا أَدَّتْ إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهَا مَا لَمْ يَمْرَضْ انْتَهَى. فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ كِتَابَتُهَا مُطْلَقًا بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا عَبْدُ الْحَقِّ فَقَالَ: إنْ قِيلَ لِمَ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ بِرِضَاهَا وَهِيَ طَائِعَةٌ بِمَالٍ إنْ أَدَّتْ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا عَتَقَتْ، وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ كَانَتْ عَلَى حَالِهَا أُمَّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِالْمَوْتِ قَالَ: لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَيِّدِهَا فِيهَا غَرَرٌ انْتَهَى. وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِرِضَاهَا وَأَمَّا بِرِضَاهَا فَيَجُوزُ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى صَاحِبُ اللُّبَابِ وَجَعَلَهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَانْظُرْ كَلَامَ اللَّخْمِيَّ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَنَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كِتَابَتَهَا لَكِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَشْيَاخِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَرْضَ أَمَّا لَوْ رَضِيَتْ فَيَجُوزُ كَالْإِجَارَةِ انْتَهَى. [بَاب الْوَلَاءُ] ص (بَابٌ) (الْوَلَاءُ لِمُعْتِقٍ) ش: الْوَلَاءُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالتَّقْدِيمِ، فَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَقِيلَ بِالْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا. ص (إنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِعِتْقِهِ حَتَّى عَتَقَ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ فِي حَالِ رِقِّهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ سَيِّدُهُ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْعَبْدِ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ السَّيِّدُ مَالَهُ حِينَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ حِينَ رِقِّهِ مَوْقُوفٌ وَالْعَبْدُ الْمَعْتُوقُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَثْنِ السَّيِّدُ مَالَهُ تَبِعَهُ وَلَزِمَ الْعِتْقُ الَّذِي فَعَلَهُ فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنْ اسْتَثْنَى السَّيِّدُ مَالَهُ

فرع أعتقت عبدك عن عبد رجل

فَالْعَبْدُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ، وَهُوَ رِقٌّ لِلسَّيِّدِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِعِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهُ فَرَدَّهُ بَطَلَ عِتْقُهُ وَصَارَ الْعَبْدُ رَقِيقًا فَإِنْ اسْتَثْنَى السَّيِّدُ مَالَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ كَانَ رَقِيقًا لِلْعَبْدِ وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ فِي حَالِ الرِّقِّ إذَا أَبْطَلَهُ السَّيِّدُ، وَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِالْعِتْقِ وَأَجَازَهُ مَضَى وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ عَلِمَ فَلَمْ يُرَدَّ وَلَمْ يَمْضِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ، فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَضَى ذَلِكَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْعَبْدِ ابْنُ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَ مَالِكٍ أَفْعَالُهُ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَرُدَّهَا السَّيِّدُ فَلَا يُبْطِلُهَا إلَّا رَدُّهُ إفْصَاحًا وَلَيْسَ سُكُوتُهُ فِي ذَلِكَ إذْنًا وَلَا رَدًّا فَحِينَ أَعْتَقَهُ تَبِعَهُ مَالُهُ فَجَازَ عِتْقُهُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ عَلِمَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى أَعْتَقَهُ فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَقِيلَ لِلسَّيِّدِ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَا الْأَوَّلَ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَالثَّانِيَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ انْتَهَى. [فَرْعٌ أَعْتَقَتْ عَبْدك عَنْ عَبْدِ رَجُلٍ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَلَاءُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ أَعْتَقْت عَبْدَك عَنْ عَبْدِ رَجُلٍ فَالْوَلَاءُ لِلرَّجُلِ وَلَا يَجُرُّهُ عَبْدُهُ إنْ أَعْتَقَ كَعَبْدٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يَرْجِعُ إلَيْهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ عَقَدَ عِتْقَهُ لَا إذْنَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ وَلَا يُرَدُّ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ أَحْسَنُ انْتَهَى. ص (إلَّا كَافِرًا أَعْتَقَ مُسْلِمًا) ش: أَيْ فَإِنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: أَعْتَقَ مُسْلِمًا مِمَّا لَوْ أَعْتَقَ كَافِرًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ لَمْ يَرِثْهُ سَيِّدُهُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِعَصَبَةِ سَيِّدِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ عَادَ الْوَلَاءُ بِإِسْلَامِ السَّيِّدِ أَيْ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الْكَافِرُ الَّذِي أَعْتَقَهُ الْكَافِرُ فِي حَالِ كُفْرِهِ فَإِنَّ سَيِّدَهُ لَا يَرِثُهُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ عَادَ إلَيْهِ الْوَلَاءُ. ص (وَرَقِيقًا إنْ كَانَ يُنْتَزَع مَالُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الرَّقِيقَ إذَا أَعْتَقَ لَا يَكُونُ عِتْقُهُ سَبَبًا لِلْوَلَاءِ إذَا كَانَ الرَّقِيقُ مِمَّنْ يُنْتَزَعُ مَالُهُ كَالْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَمْرَضْ السَّيِّدُ، وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ إذَا لَمْ يَقْرُبُ الْأَجَلُ وَيُرِيدُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ عَلِمَ بِهِ وَأَجَازَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقَ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَمْضِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ إذَا أَعْتَقُوا فِي مَرَضِ السَّيِّدِ، وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلِ إذَا أَعْتَقَ قُرْبَ الْأَجَلِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا أَعْتَقُوا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَعَلِمَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ وَأَجَازَهُ، ثُمَّ أَعْتَقُوا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى أَعْتَقُوا أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يُمْضِ، فَالْوَلَاءُ لَهُمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى، ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَصْلُ مَالِكٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ كُلَّ مَنْ لِلرَّجُلِ انْتِزَاعُ مَالِهِ فَوَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَ بِإِذْنِهِ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهِ فَوَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ رَاجِعٌ إلَيْهِ إنْ عَتَقَ انْتَهَى. وَحُكِيَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرَةِ يُعْتِقَانِ فِي مَرَضِ السَّيِّدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِأَصْبَغَ: الْوَلَاءُ لَهُمَا، وَإِنْ صَحَّ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْتَقَا فِي وَقْتٍ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَا لَهُمَا فِيهِ، وَالثَّانِي: الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَرَاهُ كَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُنْتَزَعُ مَالُهُ، فَقَالَ لَهُ: لِلْمُكَاتَبِ سُنَّةٌ، وَلِلْعَبْدِ سُنَّةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَلَمْ تَبْقَ لَهُ حُجَّةٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَهُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ غَيْرُ هَذَا، فَغَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَشْهَبَ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: فِي الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا عَتَقَا فِي مَرَضِ السَّيِّدِ لِابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُوقَفُ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُمَا، وَإِنْ صَحَّ فَلَهُ انْتَهَى. ص (وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ الْوَلَاءُ لَهُمْ) ش: مَسْأَلَةٌ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبُيُوعِ: لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ أَنْتَ

حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُخَالِفُهُ فِي هَذَا وَيَرَى أَنَّ بِقَوْلِهِ: " أَنْتَ حُرٌّ " اسْتَقَرَّ الْوَلَاءُ لَهُ، وَاسْتِئْنَافُهُ بَعْدَ ذَلِكَ جُمْلَةٌ ثَانِيَةٌ فِي قَوْلِهِ: " لَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك " لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى الْمُسْتَقِرَّةِ بِالشَّرْعِ عَلَى خِلَافَ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فَيَكُونُ إخْبَارُهُ كَذِبًا، وَفَتْوَاهُ بَاطِلَةٌ وَالْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ انْتَهَى. ص (وَجُرَّ وَلَدُ الْمُعْتَقِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعِتْقَ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْمَعْتُوقِ، وَلِلْمُعْتِقِ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُمْ حُرَّةً أَوْ مُعْتَقَةً قَالَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: " وَكُلُّ حُرَّةٍ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مُعْتَقَةٍ تَزَوَّجَهَا حُرٌّ عَلَيْهِ وَلَاءٌ فَإِنَّهُ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ مِنْهَا إلَى مَوَالِيهِ وَيَرِثُ وَلَدُهُ مَنْ كَانَ يَرِثُ الْأَبَ إنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ مَاتَ " انْتَهَى. مِنْ تَرْجَمَةِ الْعَبْدِ يَشْتَرِي مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ، وَأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَرَبِيَّةً، وَلِمَوَالِيهَا إنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً. ثُمَّ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ عَبْدًا فَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا كَانَ الْأَوْلَادُ لِمَوَالِي الْأُمِّ مَا دَامَ الْأَبُ عَبْدًا فَإِنْ عَتَقَ جَرَّ وَلَاءَهُمْ لِمُعْتِقِهِ. وَهُوَ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى مَوَالِي أُمِّهِ فَهُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ، ثُمَّ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ حُدَّ، وَلُحِقَ بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِوَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ جَدٌّ أَوْ جَدُّ جَدٍّ حُرٌّ قَدْ عَتَقَ قَبْلَ الْأَبِ لَجَرَّ وَلَاءَهُمْ إلَى مُعْتِقِهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِيهِ مِنْ مَوَالِي مُعْتِقِ الْجَدِّ انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ عَتَقَ الْأَبُ أَوْ اُسْتُلْحِقَ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى مُعْتِقِهِ مِنْ مُعْتِقِ الْجَدِّ وَالْأُمِّ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَانَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مَعْتُوقَةً فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يُعْتَقَ الْأَبُ فَإِنْ مَاتَ مَمْلُوكًا كَانَ مِيرَاثُ الْوَلَدِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَانْظُرْ شَرْحَ الْحَوفِيِّ لِلْقَعْبَانِيِّ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ أَوْلِيَاءَ مُعْتِقِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَجُرُّونَ الْوَلَاءَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْأُمِّ وَلَوْ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُمَا نِسْوَةً. وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ جَرِّ الْوَلَاءِ. ص (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ) ش: بِأَنْ يَكُونَ أَبُوهُمْ عَبْدًا أَوْ يَكُونُوا مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ أَبٍ لَاعَنَ أَوْ يَكُونَ الْأَبُ حَرْبِيًّا بِدَارِ الْحَرْبِ. ص (وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ أَوْ اُسْتُلْحِقَ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى مُعْتِقِهِ مِنْ مُعْتِقِ الْجَدِّ وَالْأُمِّ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمُعْتِقُ

فرع للمرأة الحرة ولاء من أعتقت وعقل ما جره مواليها على قومها ومواريثهم لها

الْأَبِ أَوْلَى مِنْ مُعْتِقِ الْأُمِّ وَالْجَدِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْأَوْلَوِيَّةُ بِمَعْنَى التَّقْدِيمِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ الزُّبَيْرَ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ: هُمْ مُوَالِيَّ، وَقَالَ: مَوَالِي أُمِّهِمْ هُمْ مَوَالِينَا فَاخْتَصَمُوا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِوَلَايَتِهِمْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مُعْتِقَ الْجَدِّ أَوْلَى مِنْ مُعْتِقِ الْأُمِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اكْتَفَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَيْسَ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَفَرَّعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَكَانَ الْأَبُ وَالْجَدُّ رَقِيقَيْنِ فَالْوَلَاءُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ فَإِنْ عَتَقَ الْجَدُّ رَجَعَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ فَإِنْ عَتَقَ الْأَبُ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَبُ مَعْتُوقًا وَلَاعَنَ الْأُمَّ وَهِيَ مَعْتُوقَةٌ فَإِنَّ نَسَبَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِاللِّعَانِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِ الْأُمِّ فَإِنْ اُسْتُلْحِقَ الْوَلَدُ عَادَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِ الْأَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَمْ يَثْبُتْ) ش: أَيْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلَا الْوَلَاءُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَلَا شَهَادَةِ السَّمَاعِ أَمَّا عَدَمُ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَمَّا عَدَمُ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْبَغُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يُعْجِبُنِي، وَأَكْثَرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالسَّمَاعِ، وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُعَارِضٌ لِمَا قَالَهُ فِي الشَّهَادَةِ وَالْمَشْهُورُ جَرْيُهَا فِي النِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " جَرْيُهَا " يَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ بِهِ وَتَشْبِيهُهُ هُنَا بِالشَّاهِدَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَرْيِ الثُّبُوتُ بَلْ يَصْدُقُ بِأَخْذِ الْمَالِ أَوْ يَكُونُ مَا قَدَّمَهُ يَعْنِي هُنَا لَيْسَ هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ: أَكْثَرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يَقْضِي بِالسَّمَاعِ، وَالْوَلَاءِ، وَالنَّسَبِ "، أَوْ يُقَيَّدُ قَوْلُهُ: " جَرْيُهَا فِي النِّكَاحِ، وَالْوَلَاءِ، وَالنَّسَبِ " بِمَا إذَا مَاتَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَوْ يُقَالُ: مَعْنَى مَا فِي الشَّهَادَاتِ إذَا كَانَ السَّمَاعُ فَاشِيًا وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى: وَأَمَّا شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي بِالنَّسَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَهِرًا عِنْدَ الشَّاهِدِ اشْتِهَارًا يُوجِبُ لَهُ الْعِلْمَ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ مَعَ حَيَاةِ الْأَبِ، وَإِنْكَارِهِ عَلَى حَالٍ، وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ الْمَالُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ النَّسَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي: يَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ وَالْمَالُ، وَالثَّالِثُ: لَا يَثْبُتَانِ انْتَهَى. [فَرْعٌ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَتْ وَعَقْلُ مَا جَرَّهُ مَوَالِيهَا عَلَى قَوْمِهَا وَمَوَارِيثهمْ لَهَا] ص (وَقُدِّمَ عَاصِبُ النَّسَبِ) ش: (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَتْ، وَعَقْلُ مَا جَرَّهُ مَوَالِيهَا عَلَى قَوْمِهَا، وَمَوَارِيثِهِمْ لَهَا فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ لِوَلَدِهَا الذُّكُورُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ذُكُورٌ فَذَاكَ لِذُكُورِ وَلَدِ وَلَدِهَا الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَيَنْتَمِي مَوْلَاهَا إلَى قَوْمِهَا كَمَا كَانَتْ هِيَ تَنْتَمِي فَإِذَا انْقَرَضَ وَلَدُ وَلَدِهَا رَجَعَ مِيرَاثُ مَوَالِيهَا لِعَصَبَتِهَا الَّذِينَ هُمْ أَعْقَلُ بِهَا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَوَالِي دُونَ عَصَبَةِ الْوَلَدِ، وَقَالَهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ انْتَهَى. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَدْ أَطَالَ الْمَارْدِينِيُّ فِي شَرْحِ كَشْفِ الْغَوَامِضِ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْفَرَائِضِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: لَا شَيْءَ لِوَلَدِهَا مِنْ مَوَالِيهَا، نَقَلَهُ الْعُقْبَانِيُّ فِي شَرْحِ الْحَوفِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلْحُوفِيِّ. ص (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) ش (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَرِثُ الْأَخُ لِلْأُمِّ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمَيِّتُ غَيْرَهُ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَصَبَةِ فَيَرِثُ مَعَهُمْ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ الْهَالِكُ ابْنَيْ عَمٍّ وَمَوَالِيَ، وَأَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِبُنُوَّةِ الْعَمِّ، وَتَسْقُطُ الْوِلَادَةُ لِلْأُمِّ، ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ: بَلْ يَكُونُ الْأَخُ لِلْأُمِّ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ بِالرَّحِمِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْهَالِكُ أَخًا شَقِيقًا، وَأَخًا لِأَبٍ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأَخِ الشَّقِيقِ، وَكَمَا لَوْ تَرَكَ ابْنَ عَمٍّ شَقِيقٍ، وَابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ لَكَانَ الشَّقِيقُ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ وَالْمِيرَاثِ

ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا أَقْيَسُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَدَرَجَاتُ التَّعْصِيبِ فِي الْقُرْبِ فِيهِ كَالتَّعْصِيبِ فِي الْإِرْثِ إلَّا أَنَّ الْأَخَ، وَابْنَ الْأَخِ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْجَدِّ زَادَ الْحُوفِيُّ: وَابْنُ الْعَمِّ عَلَى ابْنِ الْجَدِّ (قُلْت) ، وَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي الْأُولَى بِالْمَعْنَى اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إنْ كَانَا ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا فَضْلَ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ، وَقَالَ أَشْهَبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: الْأَخُ لِلْأُمِّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ لِلرَّحِمِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا شَقِيقٌ وَالْآخَرُ لِأَبٍ (قُلْت) فِي جَرَيَانِ هَذَا الْخِلَافِ فِي إرْثِ الْمَالِ نَظَرٌ وَيَرِدُ قِيَاسُ أَشْهَبَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الشَّرْطِ فِي الْأُمِّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ هِيَ فِيمَا بِهِ التَّعَصُّبُ فِيهِ بِبُنُوَّةِ الْعُمُومَةِ انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ الْخِلَافَ فِي مِيرَاثِ النَّسَبِ أَيْضًا. (فَرْعٌ) مِنْهُ قَالَ وَالْمَذْهَبُ انْتِقَالُهُ بِمَوْتِ مُسْتَحِقِّهِ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعْتَقِ حِينَئِذٍ لَا إلَى أَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا يَتَفَرَّعُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ اشْتَرَى ابْنٌ وَابْنَةٌ أَبَاهُمَا. ص (كَالصَّلَاةِ) ش: يَعْنِي كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ الْأَخُ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ الْعَمُّ، ثُمَّ ابْنُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالنِّكَاحِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَذَا التَّرْتِيبَ فِي الْجَنَائِزِ وَبَيَّنَهُ فِي النِّكَاحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَلَاءَ وَالصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ وَوِلَايَةَ النِّكَاحِ سَوَاءٌ. ص (أَوْ جَرَّهُ وَلَاءٌ بِوِلَادَةٍ أَوْ عِتْقٍ) ش: نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِب، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ حَكَى سَحْنُونٌ عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا مَنْ بَاشَرَتْ عِتْقَهُ أَوْ أَعْتَقَتْ مَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ يَكُونُ وَلَدًا لِمَنْ أَعْتَقَتْهُ، وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ خَاصَّةً وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُرُّ إلَّا أَوْلَادُ الذُّكُورِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَعَلَى مَنْ جَرَّهُ وَلَاؤُهَا وَقَدْ بَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَجُرُّ وَلَاءَ أَوْلَادِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ انْتَهَى. وَمِثْلُهُ يُقَالُ عَلَيْهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالذُّكُورِ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَكِنَّهُ لَا كَبِيرَ فَائِدَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَنْجَرُّ إلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ إلَّا مَا يَنْجَرُّ لِلذَّكَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا أَعْتَقَ أَمَةً فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى أَوْلَادِهَا الذُّكُورِ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ بَلْ التَّقْيِيدُ بِهِ مُشَوَّشٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ أَوْلَادَ الْمُعْتَقَةِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِمْ لِمُعْتَقِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُمْ نَسَبٌ مِنْ حُرٍّ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ وَلَدَ مَنْ أَعْتَقْنَ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ ذَكَرًا كَانَ وَلَدُ هَذَا الذَّكَرِ أَوْ أُنْثَى انْتَهَى. إلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَإِذَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ الْمُعْتَقَةُ مِنْ الزِّنَا أَوْ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ نَفَاهُ وَلَاعَنَ فِيهِ كَانَ مِيرَاثُ هَذَا الْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَعْتَقَتْ أُمَّهُ انْتَهَى. وَبِهَذَا فَسَرَّ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ يَجْرِي مَجْرَى مَا لَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ رَجُلًا فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْوَلَاءُ فِيهِ لِلْمُعْتِقِ إذَا كَانَ رَجُلًا يَكُونُ لَهَا انْتَهَى. ص (وَوَرِثَهُ الِابْنُ) ش: وَلَا تَرِثُ الْبِنْتُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الِابْنَ عَاصِبُ الْمُعْتَقِ مِنْ النَّسَبِ، وَالْبِنْتَ مُعْتَقَةُ الْمُعْتَقِ، وَعَاصِبُ الْمُعْتَقِ مُقَدَّمٌ عَلَى مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى " فَرِيضَةَ الْقُضَاةِ " لِغَلَطِ أَرْبَعِمِائَةِ قَاضٍ فِيهَا بِتَوْرِيثِهِمْ الْبِنْتَ بِالْوَلَاءِ. ص (فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ أَوَّلًا فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ) ش إنْ مَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ

باب الوصايا

الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فُقِدَ الْمُعْتَقُ وَعَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ انْتَقَلَ الْوَلَاءُ لِمُعْتَقِ الْمُعْتَقِ، وَمُعْتَقُ الْمُعْتَقِ الْبِنْتُ، وَالِابْنُ الْمَيِّتُ فَلَهَا النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الثَّانِي الَّذِي كَانَ لِأَخِيهَا لِمَوَالِي أَبِيهِ وَمَوَالِي أَبِيهِ هُوَ وَإِخْوَتِهِ فَلَهَا نِصْفُ نِصْفِهِ، وَهُوَ الرُّبْعُ فَيَصِيرُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَالرُّبْعُ الْبَاقِي يَكُونُ لِمَوَالِي أُمِّ الْأَخِ إنْ كَانَتْ أَمَةً مُعْتَقَةً، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِهَذَا تُوَجَّهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب الْوَصَايَا] ص (بَابٌ) (صَحَّ إيصَاءُ حُرٍّ) ش: الْوَصَايَا: جَمْعُ وَصِيَّةٍ وَرَسْمُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَالْوَصِيَّةُ: تَمْلِيكٌ مُضَافٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُنَاقَشَاتٍ لَا تَخْفَى عَلَيْك انْتَهَى. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: الْوَصَايَا حَقِيقَتُهَا تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي جُزْءٍ مِنْ حُقُوقِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَوْتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: الْوَصِيَّةُ حَقِيقَتُهَا إسْنَادُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَحْجُورِ أَوْ تَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ لِثِقَةٍ مَأْمُونٍ انْتَهَى. وَرَسَمَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِرَسْمٍ شَمِلَ الْإِيصَاءَ لِشَخْصٍ، وَإِسْنَادُ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ فَقَالَ: الْوَصِيَّةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا الْفُرَّاضِ: عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ، يَلْزَمُهُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَتِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى صِدْقُ هَذَا الرَّسْمِ عَلَى التَّدْبِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحُكْمُ الْوَصِيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: حُكْمُهَا النَّدْبُ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَقَالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ فَرْضٌ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا تَقْوِيَةُ الزَّادِ إلَى الْمُعَادِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: حُكْمُهَا الْوُجُوبُ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الرِّفْقُ بِالْمَحْجُورِ، وَحِفْظُ مَالِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ إلَّا لِمَنْ عَلَيْهِ تَعَلُّقٌ لَهُ بَالٌ فَتَجِبُ انْتَهَى. ص (وَإِنْ سَفِيهًا) ش: مُوَلًّى عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مُوَلًّى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا ادَّانَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ فَيَجُوزُ فِي ثُلُثِهِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: إنْ سَمَّى ذَلِكَ يُقْضَى مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِي ثُلُثِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَصَايَا فَهُوَ مَبْدَأٌ عَلَى وَصَايَاهُ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا بَاعَ الْمُولَى فَلَمْ يَرُدَّ بَيْعَهُ حَتَّى فَاتَ أَنَّهُ يَنْفُذُ بَيْعُهُ ابْنُ زَرْقُونٍ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. وَعَلَى الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ، وَإِنْ فِيمَا ادَّانَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ انْتَهَى. ص (وَصَغِيرًا) ش: اُخْتُلِفَ فِي السِّنِّ الَّذِي تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْوَصِيِّ فِيهِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ أَجَازَ وَصِيَّةَ جَارِيَةٍ بِنْتِ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعٍ انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي صَدَرَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ، وَنَصُّهُ: " وَتَصِحُّ مِنْ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا؛ لِأَنَّهُ مُمَيِّزًا انْتَهَى. [فَرْعٌ أَوْصَى الصَّبِيُّ بِوَصِيَّةٍ وَجَعَلَ إنْفَاذَهَا إلَى غَيْرِ الْوَصِيِّ] (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا أَوْصَى الصَّبِيُّ بِوَصِيَّةٍ وَجَعَلَ إنْفَاذَهَا إلَى غَيْرِ الْوَصِيِّ فَذَلِكَ إلَى وَصِيِّهِ (قُلْت) هَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنَّ نَظَرَ الْوَصِيِّ يَنْقَضِي بِمَوْتِ الصَّبِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ جُرْحَ الصَّبِيِّ يَنْظُرُ فِيهِ وَلِيُّهُ، وَدِيَتُهُ إذَا قُتِلَ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِيهَا نَظَرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مِلْكُ الصَّبِيِّ لِلدِّيَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُتَعَذَّرٌ وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ مِلْكِهِ، وَالْوَصِيُّ هُوَ النَّاظِرُ فِي أَمْلَاكَ الصَّبِيِّ وَهَذَا مِنْهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ قَالَ أَشْهَبُ: وَمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَجَعَلَ إنْفَاذَهَا إلَى غَيْرِ الْوَصِيِّ فَذَلِكَ إلَى وَصِيِّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمَ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ: " مَنْ أَوْصَى " هَلْ يُرِيدُ مِنْ الصِّبْيَانِ أَوْ مِنْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا

فرع أوصى لبكر بمائة ولا ولي لها فدفع الورثة ذلك إليها بغير إذن الإمام

فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الرَّجْرَاجِيَّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا أَوْصَى الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِعَارِضِ الطُّفُولِيَّةِ أَوْ لِعَارِضِ السَّفَهِ بِوَصِيَّةٍ وَجَعَلَ تَنْفِيذَهَا لِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْبُرْزُلِيِّ، وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ إلَى رَجُلٍ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بَنَاتٌ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ دُخُولِ بَيْتِهَا بِشَهْرٍ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَعَصَبَةً، وَأَوْصَتْ بِصَدَقَةٍ لِلْفُقَرَاءِ فَهَلْ يُنَفِّذُهَا الْوَصِيُّ أَوْ الْوَرَثَةُ فَأَجَابَ إنْ لَمْ تُوصِ بِذَلِكَ لِأَحَدٍ، فَذَلِكَ لِوَصِيِّ أَبِيهَا إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَإِنْ أَوْصَتْ بِذَلِكَ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَوْلَى، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْت هَذَا جَارٍ عَلَى بَقَاءِ النَّظَرِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَحْجُورِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، وَمَنْ يَقُولُ لَا نَظَرَ لَهُ فِي أَوْلَادِهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ يُقَدِّمُهُ الْقَاضِي انْتَهَى. [فَرْعٌ أَوْصَى لِبِكْرٍ بِمِائَةٍ وَلَا وَلِيَّ لَهَا فَدَفَعَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ إلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ أَوْصَى لِبِكْرٍ بِمِائَةٍ وَلَا وَلِيَّ لَهَا فَدَفَعَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ إلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَقَدْ بَرِئُوا وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ لَهَا وَصِيٌّ أَنْ لَا تُدْفَعَ إلَّا إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَرَادَ دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهَا لِتَتَّسِعَ فِي مَطْعَمٍ، وَمَلْبَسٍ فَيُدْفَعُ إلَيْهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَدَفَعَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى وَلِيِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهَلْ إنْ لَمْ يَتَنَاقَضْ أَوْ أَوْصَى بِقُرْبَةٍ تَأْوِيلَانِ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُخْلَطْ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَسَّرَ اللَّخْمِيُّ عَدَمَ الِاخْتِلَاطِ بِأَنْ يُوصِيَ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ صِلَةُ رَحِمٍ فَأَمَّا إنْ جَعَلَهَا فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَمْضِي انْتَهَى. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَالصِّبْيَانُ يَخْتَلِفُ تَمْيِيزُهُمْ وَإِدْرَاكُهُمْ فَمَنْ عُلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ تَمْيِيزًا جَازَتْ وَصِيَّتُهُ إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ فَيُوصِي بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ صِلَةُ رَحِمٍ وَأَمَّا أَنْ يَجْعَلَهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَمْضِي انْتَهَى. فَعُلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: " قُرْبَةٌ " أَعَمُّ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَوْ يُوصِي بِهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَوَّلُ لِأَبِي عِمْرَانَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ: سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ صَبِيٍّ يَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِقَوْمٍ فَبَعْدَ وَفَاتِهِ قَامَ عَصَبَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ، وَقَالُوا: الصَّبِيُّ لَمْ يَعْقِلْ الْقُرْبَةَ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ، وَقَالَ الْمُوصَى لَهُمْ بَلْ يَعْقِلُ وَيُمَيِّزُ فَعَلَى مَنْ الْإِثْبَاتُ؟ فَقَالَ: يُسْأَلُ شُهُودُ الْوَثِيقَةِ فَإِنْ قَالُوا نَعْلَمُ أَنَّهُ مُمَيِّزٌ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِمْ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُوصَى لَهُمْ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ (قُلْت) فَحَاصِلُ الْجَوَابِ الظَّرِيفِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُدَّعٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّمْيِيزِ، ثُمَّ شَبَّهَهَا بِنَظَائِرَ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَكَافِرًا إلَّا بِكَخَمْرٍ لِمُسْلِمٍ) ش يَعْنِي أَنَّ وَصِيَّةَ الْحُرِّ الْمُمَيِّزِ الْمَالِكِ تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ جَائِزَةٌ لِلْمُسْلِمِ بِكُلِّ شَيْءٍ يَمْلِكُهُ الْكَافِرُ إلَّا بِكَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَصِيَّتُهُ لِلْكَافِرِ تَصِحُّ مُطْلَقًا، أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ، وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَتَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ إلَّا بِمِثْلِ خَمْرٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَالِكٌ مُمَيِّزٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ لِمُسْلِمٍ بِمَا لَا يَصِحُّ مِلْكُهُ مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " لِمُسْلِمٍ " وَهُوَ كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِكَافِرٍ لَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِهَا لِمَنْ يَصِحُّ مِلْكُهُ لَهَا وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة فِي نَصْرَانِيٍّ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ قَالَ: يُدْفَعُ إلَى أَسَاقِفَتِهِمْ ثُلُثُ مَالِهِ وَثُلُثَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. وَمَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّة فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ وَصِيَّةَ الْكَافِرِ تَصِحُّ لِلْكَافِرِ مُطْلَقًا ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَسَيَأْتِي مَا فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِلْحَرْبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَمَنْ سَيَكُونُ إنْ اسْتَهَلَّ)

ش: قَالَ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: وَمَنْ أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ فَأَسْقَطَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا انْتَهَى. قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْوَصَايَا الثَّانِي ثُلُثَيْ لِوَلَدِ فُلَانٍ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ جَازَ، وَيُنْظَرُ أَيُولَدُ لَهُ أَمْ لَا؟ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ فَذَلِكَ بَاطِلٌ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي آخِرِ الْوَصَايَا الثَّانِي: وَإِنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَا وَلَدَ وَلَهُ حَمْلٌ حُمِلَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا لِذَلِكَ الْحَمْلِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَإِنْ أَسْقَطَتْهُ أَوْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا سَقَطَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ يُولَدُ بَعْدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ، وَالْمُوصِي يَظُنُّ أَنَّ لَهُ وَلَدًا سَقَطَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا حُمِلَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَنْ يُولَدُ بَعْدُ، وَإِنْ كَثُرُوا فَإِنْ وُلِدَ وَلَدٌ تَجَرَ لَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ، ثُمَّ كَذَلِكَ كُلَّمَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ تَجَرَ لَهُ مَعَ الْأَوَّلِ، وَمَنْ بَلَغَ التَّجْرَ تَجَرَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ خَسِرَ فِيهِ أَوْ ضَاعَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حِينِ تَجْرِهِ لِلصَّغِيرِ لَمْ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا تَعْمُرُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ وَقَدْ رَضِيَ الْمُوصِي بِالْوَصِيَّةِ لَهُ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الْأَحْكَامُ فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ بَلَغَ وَتَجَرَ لِنَفْسِهِ ضَمِنَ الْخَسَارَةَ وَالتَّلَفَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَنُقِلَ نَحْوُهُ عَنْ التُّونُسِيِّ، وَنَصُّهُ: " لَوْ قَالَ لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ يَوْمَ أَوْصَى، وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ لَا نَبْغِ أَنْ يُحْبَسَ ذَلِكَ حَتَّى يَكْبَرَ فَيَنْتَفِعَ بِهِ وَيُوقَفُ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَنْتَفِعُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ يَوْمَ أَوْصَى فَكَأَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ الْإِيصَاءَ إلَى جُمْلَةِ مَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يَنْقَرِضُوا فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِمْ كُلِّهِمْ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ أَوَّلَ وَلَدٍ يُولَدُ لِفُلَانٍ يَأْخُذُ ذَلِكَ بَتًّا، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ انْتَهَى. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ يُوقَفُ إلَى أَنْ يُؤَيَّسَ مِنْ وُجُودِ الْمُوصَى لَهُمْ وَلَمْ أَرَ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : إذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّ الْوَصِيَّ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّ الْمُوصِيَ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ وَلَدًا فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ أَوْ قَوْلُ فُلَانٍ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَرَثَةِ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَانْظُرْ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَرَثَةُ، وَفُلَانٌ أَنَّ الْمُوصِيَ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُهُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَيَدْخُلُ اللَّفْظُ وَالْكَتْبُ وَالْإِشَارَةُ، وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» ابْنُ شَاسٍ كُلُّ لَفْظٍ فُهِمَ مِنْهُ قَصْدُ الْوَصِيَّةِ بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ حَصَلَ إلَى اكْتِفَائِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ: كُلُّ لَفْظٍ وَإِشَارَةٍ يُفْهَمُ مِنْهَا قَصْدُ الْوَصِيَّةِ (قُلْت) فَيَخْرُجُ عَنْهَا الْكَتْبُ، الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَوْ قَرَءُوهَا وَقَالُوا نَشْهَدُ بِأَنَّهَا وَصِيَّتُك فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ قَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتُعُقِّبَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ تَفْسِيرُ الصِّيغَةِ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالصِّيغَةَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يُرِيدُهُ النَّحْوِيُّونَ أَمَّا إذَا كَانَ مُرَادُهُ بِالصِّيغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ الشَّخْصِ، وَجَعْلُ ذَلِكَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي هَذَا الْفَنِّ وَلَا يُسَمَّى عَلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَلَا مُشَاحَةَ انْتَهَى. ص (وَقَبُولُ الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْمِلْكُ لَهُ بِالْمَوْتِ) ش: هَذِهِ نَحْوُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ

فرع أوصى لرجل بمال فلم يقبل ذلك الموصى له في صحة الموصي ورده ثم مات الموصي ورجع الموصى له إلى قبول المال

فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِهَا: أَيْ وَقَبُولُ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ لِلْوَصِيَّةِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا لَهُ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَطَايَا فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْقَبُولُ كَالْهِبَةِ، وَغَيْرِهَا انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ قَبُولُهَا، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمُوصِي لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَبُولِ لِلْوَارِثِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي الْأَبْهَرِيَّ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَنْتَقِلُ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: وَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَالْوَصِيَّةُ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ عَلِمَ بِهَا أَمْ لَا وَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوهَا كَشُفْعَةٍ لَهُ أَوْ خِيَارٍ فِي بَيْعٍ وَرِثُوهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْوَصَايَا الثَّانِي قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا حَقٌّ يُورَثُ عَنْهُ وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ: أَنَّهَا تَحْتَاجُ لِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ إذَا قَبِلَهَا، وَمَتَى لَمْ يَقْبَلْ سَقَطَ حَقُّهُمْ فِيهَا وَرَجَعَتْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَقِيلَ إنَّهَا حَقٌّ يَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ يُورَثُ عِتْقُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ رَدُّهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَمُنَاقَشَةَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ لَمْ يَضُرَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْ الْقَبُولِ الْفَوْرُ بَعْدَهُ قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ. [فَرْعٌ أَوْصَى لِرَجل بِمَالِ فَلَمْ يَقْبَل ذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ فِي صِحَّة الْمُوصِي وَردّه ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي ورجع الْمُوصَى لَهُ إلَى قَبُول الْمَال] (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ اُنْظُرْ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمَالٍ فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ فِي صِحَّةِ الْمُوصِي وَرَدَّهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، وَرَجَعَ الْمُوصَى لَهُ إلَى قَبُولِ الْمَالِ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَجِبْ لَهُ الْوَصِيَّةُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي انْتَهَى. [فَرْعٌ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي] (فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي قَالَ فِي الْوَصَايَا الثَّانِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ أَمْ لَا، ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: يُحَاصُّ بِهَا وَرَثَةُ الْمُوصِي أَهْلَ الْوَصَايَا فِي ضِيقِ الثُّلُثِ، ثُمَّ يَرِثُ تِلْكَ الْحِصَّةَ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَنَّهُمْ يُحَاصُّونَ بِهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ وَلَا يُحَاصُّونَ بِهَا إنْ عَلِمَ، وَقَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا انْتَهَى. ص (وَلَمْ يَحْتَجْ رِقٌّ لِإِذْنٍ فِي قَبُولٍ) ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا وَيَقْبَلُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الْوَصَايَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُمَا كَالصَّدَقَةِ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، وَأُقِيمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ، التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إلَى الْقَبُولِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَأْذُونِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمُوصِي شَرَطَ فِي هِبَتِهِ أَوْ وَصِيَّتِهِ أَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ خَلِيلٌ لَوْ قِيلَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ قَبُولِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا كَانَ حَسَنًا لِلْمِنَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ عَلَى السَّيِّد انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِي عَبْدٍ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَأَبَى قَبُولَهُ فَلِسَيِّدِهِ الَّذِي تَصَدَّقَ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى قَبُولِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ وَأَنْ يَأْبَى الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا إذَا قَالَ إنَّمَا أَرَدْت الْعَبْدَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْبَلْ فَلَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ، وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَحْفَظُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَبَضَ الصَّدَقَةَ كَانَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِقَبُولِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. ص (وَصَحَّتْ لِعَبْدِ وَارِثِهِ إنْ اتَّحَدَ أَوْ بِتَافِهٍ أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ رَجُلٍ لِعَبْدِ وَارِثِهِ إلَّا بِالتَّافِهِ كَالثَّوْبِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يُرِيدُ بِهِ نَاحِيَةَ الْعَبْدِ لَا نَفْعَ سَيِّدِهِ كَعَبْدٍ كَانَ قَدْ خَدَمَهُ، وَنَحْوِهِ، وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِ ابْنِهِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ جَازَ وَلَا يَنْتَزِعُ ذَلِكَ الِابْنُ

مِنْهُ، وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِ نَفْسِهِ بِمَالٍ كَانَ لِلْعَبْدِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ وَلَيْسَ لِوَارِثِهِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ وَيُبَاعُ بِمَا لَهُ وَلِمَنْ اشْتَرَاهُ انْتِزَاعُهُ، وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ فَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ انْتَهَى. ص (وَلِمَيِّتٍ عَلِمَ بِمَوْتِهِ إلَى آخِرِهِ) ش: نَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ: وَهَذَا إذَا جَهِلَ أَمْرَ الْوَصِيِّ فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَمْرَهَا إلَّا أَنَّهَا زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ فِيهَا، وَلَا لِلْمَدِينِ عَلَيْهِ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا فِي وَجْهِ الزَّكَاةِ كَمَنْ أَوْصَى بِزَكَاتِهِ لِمَنْ ظَنَّهُمْ فُقَرَاءَ، وَهُمْ أَغْنِيَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابٍ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ وَرَثَةُ الْمُوصَى لَهُ فُقَرَاءَ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا انْتَهَى. ص (وَبَطَلَتْ بِرِدَّةٍ) ش قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي وَبِالرُّجُوعِ فِيهَا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَبِالرِّدَّةِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ بِقَتْلِ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِي انْتَهَى. وَانْظُرْ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الصَّغِيرَ. ص (وَلِوَارِثٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ إذَا كَانَتْ لِلْوَارِثِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْوَارِثُ، وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتَجُوزُ لِلْوَارِثِ وَتُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّ إجَازَةَ الْوَارِثِ عَطِيَّةٌ وَقَدْ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: إنَّهُ لَا يَحْسُنُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: الْوَصِيَّةُ تَصِحُّ لِلْوَارِثِ. (تَنْبِيهٌ) إذَا قَالَ الْمُوصِي اُعْطُوَا لِفُلَانٍ مِنْ الْوَرَثَةِ سَهْمَهُ كَامِلًا، وَثُلُثُ مَا عَدَا ذَلِكَ لِفُلَانٍ فَهَذَا مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَفَرْضِهَا فِيمَنْ قَالَ: اُعْطُوَا لِأُمِّي سَهْمَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَثُلُثُ مَا عَدَا ذَلِكَ مَا يُنْتَقَصُ الثُّلُثُ بِتَوَفُّرِ سَهْمِ أُمِّي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ مَا عَدَا مَا لِأُمِّهِ، قَالَ: يُخْرَجُ الثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى حَالِ مَا أَوْصَى، ثُمَّ تُزَادُ الْأُمُّ سَهْمًا يُضَافُ إلَى بَقِيَّةِ الْمَالِ وَيُقْسَمُ عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . ص (كَغَيْرِهِ بِزَائِدِ الثُّلُثِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: وَإِذَا قَالَ الْمُوصِي يَخْرُجُ ثُلُثُ مَا خَلَفَهُ فَيُفْعَلُ بِهِ كَذَا وَكَذَا لِأَشْيَاءَ عَدَّهَا فَإِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ مَا ذَكَرَ وَفَضَلَتْ مِنْ الثُّلُثِ فَضْلَةٌ فَقِيلَ يَنْفُذُ ذَلِكَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ لِقَوْلِهِ: يَخْرُجُ جَمِيعُ ثُلُثِي، وَقِيلَ إنَّ الْبَقِيَّةَ تَرْجِعُ مِيرَاثًا قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ وَبِالْأَوَّلِ جَرَى الْعَمَلُ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ الْوَرَقَةِ. مَسْأَلَةٌ فَإِنْ أَغْفَلَ الْمُوَثِّقُ أَنْ يَقُولَ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا فَضَلَ عَنْ الثُّلُثِ جَعَلَهُ النَّاظِرُ حَيْثُ يَرَاهُ إذَا ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ أَوْصَى بِجَمِيعِ ثُلُثِهِ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُنْفَقُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَقِيَّةَ تَرْجِعُ مِيرَاثًا. ص (وَإِنْ أُجِيزَ فَعَطِيَّةٌ) ش أَيْ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ الْمُجِيزُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَلِغُرَمَائِهِ رَدُّ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ فِعْلَهُ يَنْفُذُ فَلَيْسَ لِغُرَمَائِهِ الرَّدُّ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَجَازَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ حَتَّى اسْتَدَانَ الْوَارِثُ أَوْ مَاتَ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: غُرَمَاءُ الْوَارِثِ وَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُحَزْ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يَبْدَأُ بِوَصِيَّةِ الْأَبِ قَبْلَ دَيْنِ الِابْنِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَظُنُّهُ أَنَّهُ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ. ص (وَبِرُجُوعِهِ فِيهَا، وَإِنْ بِمَرَضٍ) ش قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَبْطَلْت كُلَّ وَصِيَّةٍ تَقَدَّمَتْ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ إلَّا وَصِيَّةً قَالَ: لَا رُجُوعَ لِي فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ وَذَكَرَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ خِلَافًا عَنْ الشُّيُوخِ فِيمَا إذَا الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْحُوفِيَّةِ فَلَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي مُخْتَصَرِهِ الْفِقْهِيِّ فَلَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَفِي لُزُومِهِ خِلَافٌ بَيْنَ مُتَأَخِّرِي فُقَهَاءِ تُونُسَ ابْنُ عَلْوَانَ ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ بِعِتْقٍ. ص (بِقَوْلٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الرُّجُوعِ إمَّا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ وَالْفِعْلُ يَكُونُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ، وَيَمْنَعُ مِنْ نَقْلِهِ كَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالثَّانِي أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يُبْطِلُ رَسْمَ الْمُوصَى بِهِ انْتَهَى. ص (أَوْ بَيْعٍ) ش قَالَ فِي الشَّامِلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ ثَانِيًا عَلَى الْمَعْرُوفِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا أَوْ بِثَوْبٍ فَبَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ بِخِلَافِ مِثْلِهِ. ص (وَكِتَابَةٍ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَا تَعُودُ لِعَجْزٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ أَنْ تَعُودَ الْوَصِيَّةُ فِيهِ كَمَا يَعُودُ فِي الْبَيْعِ الْمُوصَى بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْكِتَابَةُ رُجُوعٌ وَلَمْ أَجِدْهَا لِغَيْرِ الْغَزَالِيِّ، وَأُصُولُ الْمَذْهَبِ تُوَافِقُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إمَّا بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ وَكِلَاهُمَا رُجُوعٌ وَهِيَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَوْتٌ هَذَا إنْ لَمْ يَعْجِزْ، وَإِنْ عَجَزَ فَلَيْسَ بِفَوْتٍ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ غَازِيٍّ فَجَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَوْتٍ مَعَ الْعَجْزِ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَحَصْدِ زَرْعٍ) ش: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَصْدَ وَحْدَهُ كَافٍ فِي الرُّجُوعِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِنْ دَرَسَ الْحَبَّ وَكَالَهُ، وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَرُجُوعٌ بِخِلَافِ الْحَصَادِ، وَجَزِّ الصُّوفِ، وَجُذَاذِ الثَّمَرَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِزَرْعٍ فَحَصَدَهُ وَزَرَعَهُ وَكَالَهُ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَذَلِكَ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ اسْمَ الزَّرْعِ، وَنَقَلَهُ إلَى اسْمِ الْقَمْحِ بِخِلَافِ جَزِّ الصُّوفِ وَجُذَاذِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ وَلَا أَبْطَلَ اسْمَهُ فَلَا يُعَدُّ رُجُوعًا وَلَوْ أَدْخَلَهَا بَيْتَهُ، وَمَسْأَلَةُ دَرْسِ الْقَمْحِ هُوَ نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَقَالَ الْبَاجِيُّ يَنْقُلُ بِالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ قَالَ: وَقَوْلُهُ: " أَدْخَلَهُ بَيْتَهُ " تَأْكِيدًا لِقَصْدِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: اكْتَالَهُ إنَّمَا يُرِيدُ بَلَغَ حَدَّ الِاكْتِيَالِ انْتَهَى، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَحَصْدُ زَرْعٍ مَعَ دَرْسِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ أَوْصَى بِزَرْعٍ فَحَصَدَهُ، أَوْ بِصُوفٍ فَجَزَّهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ إلَّا أَنْ

يَدْرُسَ الْقَمْحَ وَيَكْتَالَهُ وَيُدْخِلَهُ بَيْتَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِ الْبَاجِيِّ. ص (وَحَشْوِ قُطْنٍ) ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ حَشْوَ الْقُطْنِ بِمَا إذَا حُشِيَ فِي الثِّيَابِ، وَأَمَّا إذَا حُشِيَ فِي الْمِخَدَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا انْتَهَى. قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَحَشْوُ قُطْنٍ فِي ثَوْبٍ، وَنَحْوِهِ انْتَهَى. ص (وَتَفْصِيلِ شُقَّةٍ) ش: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " شُقَّةٍ " مِمَّا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثَوْبٍ، ثُمَّ قَطَعَهُ قَمِيصًا إذْ الْقَمِيصُ يُسَمَّى ثَوْبًا، قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَتَفْصِيلِ شُقَّةٍ لَا إنْ قَالَ ثَوْبِي هَذَا، ثُمَّ قَطَعَهُ قَمِيصًا أَوْ لَبِسَهُ فِي مَرَضِهِ إذْ الْقَمِيصُ يُسَمَّى ثَوْبًا انْتَهَى. ص (وَإِيصَاءٍ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ انْتَفَيَا قَالَ: إنْ مِتُّ فِيهِمَا، وَإِنْ بِكِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَوْ أَخْرَجَهُ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بَعْدَهُمَا) ش: أَيْ وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا كَانَتْ فِي الْمَرَضِ أَوْ عِنْدَ سَفَرٍ أَرَادَهُ، ثُمَّ زَالَ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " انْتَفَيَا " وَالْحَالُ أَنَّهُ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي، أَوْ فِي سَفَرِي وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكْتُبْ فِي كِتَابٍ أَوْ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ أَوْ أَخْرَجَهُ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ أَمَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكْتُبْهُ فِي كِتَابٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ إذَا زَالَ الْمَرَضُ أَوْ السَّفَرُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَصِحُّ إذَا حَصَلَ الْمَوْتُ فِيهِمَا وَأَمَّا إذَا كَتَبَهَا فِي كِتَابٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهَا تَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَشْهَدَ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ أَمَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَاجِيِّ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ إنْفَاذِهَا هُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُمَا حَكَمَا إذَا لَمْ يُخْرِجْ الْكِتَابَ بِالْبُطْلَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا وَلَوْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يُشْهِدْ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْعُتْبِيَّة وَالْمَجْمُوعَةِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ حَتَّى يُشْهِدَهُمَا عَلَيْهِ، قَالَ وَقَدْ يَكْتُبُ " وَلَا يَغْرَمُ وَتَأَوَّلَهَا عِيَاضٌ، وَقَالَ مَعْنَاهُ إذَا كَتَبَهَا لِيُشْهِدَ فِيهَا وَأَمَّا إذَا كَتَبَهَا بِخَطِّهِ، وَقَالَ: إذَا مِتُّ فَلْيَنْفُذْ مَا كَتَبْتُهُ بِخَطِّي فَلْيَنْفُذْ ذَلِكَ إذَا عُرِفَ أَنَّهُ خَطُّهُ كَمَا لَوْ أَشْهَدَ انْتَهَى. كَلَامُ الْعُتْبِيَّة الَّذِي ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ مَرِضَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَيُرِيدُ أَنَّ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ وَلَوْ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ أَوْ سَفَرِهِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهَا، وَلَمْ يُشْهِدْ إلَّا أَنْ يَكْتُبَهَا، وَيَقُولَ: إذَا مِتُّ فَلْيَنْفُذْ مَا كَتَبْتُهُ بِخَطِّي فَلْيَنْفُذْ عَلَى مَا تَأَوَّلَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّة لَكِنَّهَا إذَا قَيَّدَهَا بِمَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ فَإِنَّمَا تَنْفُذُ إذَا مَاتَ فِيهِمَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ فِيهِمَا فَيَأْتِي فِيهَا الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَشْهَدَ فِيهَا وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا إذَا كَتَبَ وَصِيَّتَهُ فِي كِتَابٍ، وَأَخْرَجَ الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ. ص

وَلَوْ أَطْلَقَهَا لَا إنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ) ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَكَتَبَهَا فِي كِتَابٍ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ أَنَّهَا تَبْطُلُ ذَكَرَ هَهُنَا أَنَّهَا تَبْطُلُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً، أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَكَتَبَهَا فِي كِتَابٍ وَأَخْرَجَهَا، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ مِنْ يَدِ مَنْ جَعَلَهَا عِنْدَهُ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الِاتِّفَاقَ عَلَى بُطْلَانِهَا، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ ابْنَ شَبْلُونٍ وَغَيْرَهُ تَأَوَّلُوا الْكِتَابَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ ظَاهِرَ تَأْوِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَضُرُّ اسْتِرْجَاعُ الْمُقَيَّدَةِ لَا الْمُبْهَمَةِ، وَأَنَّ أَبَا عِمْرَانَ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ فِي الْبَيَانِ عَلَى حِكَايَةِ الْبُطْلَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ الْخِلَافِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ أَطْلَقَهَا بَعْضُ قَلَقٍ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ أَوَّلًا فِي الْمُقَيَّدَةِ، ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِطْلَاقِ وَلَوْ شَبَّهَ الْمُطْلَقَةَ بِالْمُقَيَّدَةِ فَقَالَ: كَأَنْ أَطْلَقَهَا لَكَانَ أَبْيَنَ وَأَحْسَنَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لَا إنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ، أَيْ لَا إنْ لَمْ يَسْتَرِدَّ الْكِتَابَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ فَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَهُ فِي الْبَيَانِ. ص (أَوْ قَالَ مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْضِي وَلَا تَبْطُلُ إذَا قَالَ مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ وَسَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ فِي صِحَّةٍ، وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ بَعْدَهُمَا وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ بِكِتَابٍ أَقَرَّهُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهَا تَنْفُذُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَتَى مَاتَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَهَا فِي كِتَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كَمَا تَقَدَّمَ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ: وَمِثْلُ قَوْلِهِ " مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ " قَوْلُهُ: إنْ مِتُّ أَوْ إذَا مِتُّ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ وَسَوَاءٌ قَالَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، وَنَصُّهُ: " وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ، فَقَالَ: مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ أَوْ إنْ مِتُّ أَوْ إذَا مِتُّ فَإِنَّهَا مَاضِيَةٌ وَظَاهِرُهُ يَعْنِي كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ سَوَاءٌ كَتَبَهَا فِي كِتَابٍ أَمْ لَا اسْتَرْجَعَهَا أَمْ لَا أَمَّا إنْ لَمْ يَكْتُبْهَا فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إنَّهَا نَافِذَةٌ أَبَدًا لَا يَنْقُضُهَا إلَّا تَغَيُّرُهَا قَالَهَا فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِكِتَابٍ، وَأَشْهَدَ فِيهِ فَهِيَ مَاضِيَةٌ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ أَقَرَّهَا عِنْدَهُ إلَى الْمَوْتِ أَوْ جَعَلَهَا عَلَى يَدِ غَيْرِهِ حَتَّى مَاتَ وَأَمَّا إنْ قَبَضَهَا مِنْ يَدِ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى يَدَيْهِ سَوَاءٌ قَبَضَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، فَحَكَى صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الِاتِّفَاقَ عَلَى بُطْلَانِهَا انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ عِيَاضٍ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ ابْنِ شَبْلُونٍ وَتَأْوِيلَ أَبِي مُحَمَّدٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ مِتُّ وَكَانَ مَرِيضًا أَنَّهَا تَنْفُذُ وَلَوْ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، وَهَكَذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَنَصُّهُ: " إذَا كَانَ إشْهَادُهُ فِي غَيْرِ كِتَابٍ فِي الْمُبْهَمَةِ فَهِيَ مَاضِيَةٌ أَبَدًا لَا يَنْقُضُهَا إلَّا تَغَيُّرُهَا وَنَسْخُهَا أَشْهَدَ فِي مَرَضِهِ أَوْ صِحَّتِهِ انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ: " إنْ أَوْصَى فِي صِحَّتِهِ دُونَ سَفَرٍ وَلَا مَرَضٍ فَسَوَاءٌ قَالَ فِيهَا: مَتَى مِتُّ أَوْ إذَا مِتُّ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ بِكِتَابٍ أَقَرَّهُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ تَنْفُذُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَتَى مَاتَ إلَّا أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْكِتَابَ بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَتَبْطُلُ بِذَلِكَ وَصِيَّتُهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى فِي مَرَضٍ أَصَابَهُ وَعِنْدَ سَفَرٍ أَرَادَهُ، فَقَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: مَتَى مَاتَ، وَأَمَّا إنْ أَوْصَى فِي مَرَضٍ أَصَابَهُ أَوْ عِنْدَ سَفَرٍ أَرَادَهُ لِغَزْوٍ فَقَالَ: إنْ مِتّ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ قَالَ مِنْ مَرَضِي هَذَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى فِي مَرَضٍ أَصَابَهُ أَوْ عِنْدَ سَفَرٍ أَرَادَهُ لِغَزْوٍ فَقَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: إنْ مِتّ فِي سَفَرِي هَذَا، وَلَمْ يَزِدْ أَوْ قَالَ: مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ، قَالَ: يُخْرَجُ عَنِّي كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَوْتَ بِحَالٍ فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ بِذَلِكَ بِغَيْرِ كِتَابٍ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَقَرَّ الْكِتَابَ، وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا وَضَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ بِكُلِّ حَالٍ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ السَّفَرِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَقَرَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُ فَمَرَّةً، قَالَ: تَنْفُذُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَتَى مَاتَ، وَمَرَّةً قَالَ: لَا تَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ إبْقَاءَهُ الْكِتَابَ بَعْدَ بُرْئِهِ وَقُدُومِهِ دَلِيلٌ عَلَى إلْغَائِهِ وَالتَّنْفِيذِ لَهَا، وَوَجْهُ الثَّانِي

اعْتِبَارٌ زَائِدٌ ظَاهِرٌ لَفْظُهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَكَذَا إذَا قَالَ، وَهُوَ صَحِيحٌ دُونَ مَرَضٍ أَصَابَهُ، وَلَا سَفَرٍ أَرَادَهُ إنْ مِتّ فِي هَذَا الْعَامِ فَيُخْرِجُ عَنِّي كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ إنْ مِتّ فِي مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (كَإِيصَائِهِ بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ، ثُمَّ بِهِ لِعَمْرٍو) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِهِ، ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ اشْتَرَكَا فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِالثُّلُثِ، ثُمَّ لِآخَرَ بِالنِّصْفِ أَوْ بِالْجَمِيعِ لَاشْتَرَكَا فِي الثُّلُثِ عَلَى نِسْبَةِ الْأَجْزَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى فَالْوَصِيَّتَانِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِوَصِيَّةٍ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ أُخْرَى فَالْوَصِيَّتَانِ لَهُ يَعْنِي وَالْوَصِيَّتَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمَا، وَقَوْلُهُ: كَنَوْعَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلًا فِي كَلَامِهِ فِيمَا إذَا كَانَتَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَهُ بِالنَّوْعَيْنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِيمَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: فَأَكْثَرُهُمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِيمَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّسَاوِي، وَقَدْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ فَأَكْثَرُ الْوَصِيَّتَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ " يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ قَوْلَيْنِ مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بِعَشَرَةٍ، الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَهُ الْعَدَدَانِ جَمِيعًا، وَحُكِيَ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ لَهُ أَحَدَهُمَا لِجَوَازِ التَّأْكِيدِ، ابْنُ زَرْقُونٍ: وَانْظُرْ قَوْلَهُ هَذَا مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ أَحَدَهُمَا مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمَا إنْ تَقَدَّمَ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.

مسألة قال أعطوا فلانا مائة ولم يقل مائة دينار ولا درهم

[مَسْأَلَة قَالَ أعطوا فُلَانًا مِائَةً وَلَمْ يَقُلْ مِائَة دِينَار وَلَا دِرْهَمٍ] مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ أَعْطُوا فُلَانًا مِائَةً وَلَمْ يَقُلْ مِائَةُ دِينَارٍ، وَلَا دِرْهَمٍ فَإِنْ دَلَّ سِيَاقُ كَلَامِهِ عَلَى الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ حُمِلَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا فُلَانًا مِائَةَ دِينَارٍ ذَهَبًا، وَفُلَانًا مِائَةً فَتُحْمَلُ عَلَى الذَّهَبِ وَأَعْطُوا فُلَانًا مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَفُلَانًا عَشَرَةً فَتُحْمَلُ عَلَى الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ سِيَاقُ كَلَامِهِ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ فِي الْبَلَدِ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا حُمِلَ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ قَالَهُ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى، وَفِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا قَالَ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِعَيْنٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ سِكَّتَهَا دُفِعَ لَهُ الْأَكْثَرُ جَرَيَانًا فَإِنْ اسْتَوَى جَرْيُهُمَا دُفِعَ لَهُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَكْثَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَدَدِ أَمْدَادٍ مِنْ الطَّعَامِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَمْحًا، وَلَا شَعِيرًا أُجْرِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَقَالَ قَبْلَهُ بِنَحْوِ الْوَرَقَةِ مَسْأَلَةٌ إذَا ذَكَرَ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ أَنْ تُنَفَّذَ وَصِيَّتُهُ مِنْ سِكَّةٍ كَانَتْ تَجْرِي مِنْ تَارِيخِ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُوصِي وَقَدْ انْقَطَعَتْ تِلْكَ السِّكَّةُ فَإِنَّهَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَجْرِي يَوْمَ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي وَصِيَّتِهِ: إنَّهَا تَكُونُ مِنْ النَّقْدِ الْجَارِي يَوْمَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ كَمَا عَهِدَ فَإِنْ وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ مُسَجَّلَةً يَعْنِي مُطْلَقَةً وَلَمْ يَشْتَرِطْ صِفَةً فَإِنَّهَا تَكُونُ مِمَّا يَجْرِي يَوْمَ التَّنْفِيذِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْكَوَالِئِ وَالدَّيْنِ انْتَهَى. [مَسْأَلَة أَوْصَى أَنْ يُعْطِيَنِي إنَاءً فَأُلْفِيَ مَمْلُوءًا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ إذَا أَوْصَى أَنْ يُعْطِيَنِي إنَاءً فَأُلْفِيَ مَمْلُوءًا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ يُدْفَعُ فِيهِ ذَلِكَ أُعْطِيَ بِمَا فِيهِ وَإِلَّا أُعْطِيَ الْإِنَاءَ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِزِقٍّ فَأُلْفِيَ مَمْلُوءًا عَسَلًا أَوْ سَمْنًا دُفِعَ لَهُ بِمَا فِيهِ انْتَهَى. ص (وَدَخَلَ الْفَقِيرُ فِي الْمِسْكَيْنِ كَعَكْسِهِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. [مَسْأَلَة الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ هَلْ هُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ هَلْ هُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ؟ فَيَظْهَرُ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَلِلْمَسَاكِينِ مِمَّنْ قَالَ هُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ قَالَ يَكُونُ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ النِّصْفُ الثَّانِي، وَمَنْ قَالَ هُمَا صِنْفَانِ قَالَ: يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ يُدْخِلُ الْفُقَرَاءَ فِي لَفْظِ الْمِسْكَيْنِ، وَالْعَكْسُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى عَدَمِ التَّرَادُفِ، وَهُوَ صَوَابٌ إنْ كَانَ الْمُوصِي عَامِّيًّا وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. ص (وَلَمْ يَلْزَمْ تَعْمِيمٌ كَغُزَاةٍ) ش: اعْلَمْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا كَفُلَانٍ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ وَيُسَمِّيهِمْ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُقْسَمُ

بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالسَّوِيَّةِ وَمَنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ حِصَّتُهُ وَمَنْ وُلِدَ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُمْ مَجْهُولِينَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَالْغُزَاةِ وَبَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي زُهْرَةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِمْ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ، وَلَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، بَلْ تُقْسَمُ بِالِاجْتِهَادِ وَيَكُونُ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَمَنْ وُلِدَ أَوْ قَدِمَ قَبْلَهُ اسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُمْ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَلَكِنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُعَيِّنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: لِأَوْلَادِي وَلِإِخْوَتِي، وَأَوْلَادِهِمْ أَوْ لِأَخْوَالِي وَأَوْلَادِهِمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقِيلَ: إنَّهُمْ كَالْمُعَيَّنِينَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَسْمِ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ يَدْخُلْ وَقِيلَ كَالْمَجْهُولِينَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَسْمِ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَمَنْ وُلِدَ اسْتَحَقَّ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَمَنْ وُلِدَ قَبْلَهُ دَخَلَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، فَفَهِمَ سَحْنُونٌ أَنَّ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَيْنِ، وَجَعَلَهُ خِلَافًا وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَ بِخِلَافٍ

بَلْ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ، وَأَنَّهُ يُقْسَمُ بِالسَّوِيَّةِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ وَأَبَا الْحَسَنِ وَانْظُرْ الرَّجْرَاجِيَّ فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لِمَنْ حَضَرَ الْقَسْمَ إنْ كَانَ أَوْلَادُ فُلَانٍ فَلَا يُمْكِنُ زِيَادَتُهُمْ وَانْظُرْ الشَّامِلَ فِيمَنْ أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ. (فَرْعٌ) فُقَرَاءُ الرِّبَاطِ، وَالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَزِمَ إجَازَةُ الْوَارِثِ بِمَرَضٍ) ش: يَعْنِي إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ كَمَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّوْضِيحِ ص. (وَالْوَارِثُ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ، وَعَكْسُهُ الْمُعْتَبَرُ مَآلُهُ) ش: مِثَالُ: الصُّورَةُ الْأُولَى: إذَا أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ أَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَتَّهَا، وَمِثَالُ الْعَكْسِ أَنْ يُوصِيَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ يُوصِيَ لِأَخِيهِ وَلَهُ وَلَدٌ، فَيَمُوتَ الْوَلَدُ، وَيَصِيرَ الْأَخُ هُوَ الْوَارِثُ، وَجَعَلَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ مِثَالُ الثَّانِيَةِ مَا إذَا أَوْصَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَتَّهَا وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّهُ مِثَالُ لِلْأُولَى، وَغَرَّهُ فِي ذَلِكَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ لِلْفَهْمِ مِنْهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَكِنْ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الصَّوَابِ بِالتَّأَمُّلِ بِخِلَافِ كَلَامِ الشَّارِحِ. ص (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) ش: هَذَا الْخِلَافُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا أَوْصَى لِوَارِثٍ ثُمَّ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا وُجُودُ الْخِلَافِ. ص (فَإِنْ سَمَّى فِي تَطَوُّعٍ يَسِيرٍ أَوْ أَقَلَّ الثُّلُثَ) ش: اُحْتُرِزَ بِالتَّطَوُّعِ مِنْ الظِّهَارِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَيُطْعِمُ بِهِ فِي الظِّهَارِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ عَنْ الْإِطْعَامِ فَضْلَةٌ كَانَ الْفَاضِلُ لَهُمْ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ التَّبْصِرَةِ أَوْفَى مِمَّا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ: " وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَكَانَ الْعِتْقُ عَنْ ظِهَارٍ أَطْعَمَ عَنْهُ إنْ وَافَى بِالْإِطْعَامِ أَوْ مَا بَلَغَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْإِطْعَامِ، وَدُونَ الْعِتْقِ أَطْعَمُوا وَكَانَ الْفَاضِلُ لَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ يَتَصَدَّقُ بِالْفَاضِلِ، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ عَنْ قَتْلٍ اشْتَرَى بِمَا يَنُوبُ الْقَتْلَ فِي رَقَبَتِهِ كَالتَّطَوُّعِ " انْتَهَى. ص (وَإِلَّا فَآخِرُ نَجْمِ مُكَاتَبٍ) ش: هَكَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ قَالَ مَالِكٌ: وَيُعَانُ مُكَاتَبٌ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا اُشْتُرِطَ الْأَخِيرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى أَوَّلًا فَقَدْ يَعْجِزُ فَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ عَجَزَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَعُ لِلْمُكَاتَبِ لِقَصْدِ الْعِتْقِ لَا لِقَصْدِ الصَّدَقَةِ نَعَمْ آخِرُ نَجْمٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ أَنَّهُ مَا عَتَقَ إلَّا بِسَبَبِهِ وَالْأَمْرُ مِنْ الْمُخَاصِمِ بَعْدَ عَجْزِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ وَلَمْ يُعْتَقْ اشْتَرَى غَيْرَهُ لِمَبْلَغِ الثُّلُثِ) ش: قَالَ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَوْصَى بِنَسَمَةٍ تُشْتَرَى لِلْعِتْقِ لَمْ تَكُنْ بِالشِّرَاءِ حُرَّةً حَتَّى تُعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ أَدَّى قِيمَتَهُ عَبْدًا وَأَحْكَامُهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ أَحْكَامُ الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَإِنْ قَالَ فَإِذَا اشْتَرَيْتُمُوهَا فَهِيَ حُرَّةٌ كَانَتْ حُرَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَقَبِلَهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْتَرُوا رَقَبَةً أُخْرَى مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَبْلَغِ الثُّلُثِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ فَرَّطُوا فِي تَأْخِيرِ الْعِتْقِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطُوا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْإِطْلَاقِ أَوْ التَّقْيِيدِ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَسْمِ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي مَا نَصُّهُ: " وَسَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يُوصِي أَنْ يُشْتَرَى مِنْ مَالِهِ رَقَبَةً وَذَكَرَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَابْتَاعُوا رَقَبَةً قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مَالُهُ، فَمَاتَ الْعَبْدُ أَوْ جَنَى جِنَايَةً تُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ عِتْقُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا مَاتَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ أَيْضًا فِي الْمَالِ، فَيُخْرِجُ مِمَّا بَقِيَ ثَمَنَ رَقَبَةٍ فَيَشْتَرِي فَيُعْتِقُ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ الْغُلَامِ مَا يَكُونُ فِيهِ رَقَبَةٌ أَوْ مَا كَانَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ ثَمَنَهُ فَسَقَطَ وَأَمَّا إذَا جَنَى خَيْرُ الْوَرَثَةِ فِي أَنْ يُسَلِّمُوا وَيَبْتَاعُوا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ عَبْدًا وَأَنْ يَفْتَكُّوهُ فَيُعْتِقُوهُ وَكَذَا يَرْجِعُ أَبَدًا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ مَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ أَوْ يُقْسَمْ الْمَالُ، فَإِنْ قُسِمَ وَقَدْ اشْتَرَى، وَأَخْرَجَ ثَمَنَهُ، فَذَهَبَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الثُّلُثِ أَهْلُ وَصَايَا قَدْ أَخَذُوا وَصَايَاهُمْ فَيُؤْخَذُ مِمَّا أَخَذُوا مِمَّا يُبْتَاعُ بِهِ رَقَبَةً؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ، وَصِيَّتُهُ وَلَمْ يُنَفَّذْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ مَا هُوَ مِثْلُهُ فَيَكُونُ فِي الثُّلُثِ سَوَاءٌ، وَإِنْ بَقِيَ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ مِنْ الثُّلُثِ مَا يَبْتَاعُ بِهِ رَقَبَةً ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْقَسْمِ وَابْتِيعَ بِهِ رَقَبَةً وَأُنْفِذَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ وَثَمَّ وَصَايَا لَمْ تُنْفَذْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: إذْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ إنَّهُ يَرْجِعُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْعَبْدِ فَيَشْتَرِي بِهِ عَبْدًا آخَرَ فَيُعْتَقُ إنْ كَانَ الْمَالُ لَمْ يُقْسَمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قُسِمَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَرَثَةِ إلَّا إنْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْعَبْدِ الَّذِي كَانَ اُشْتُرِيَ لِلْعِتْقِ فَمَاتَ، اسْتِحْسَانٌ لَا يَحْمِلُهُ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الطَّارِئَةَ عَلَى التَّرِكَةِ لَا يُسْقِطُهَا قِسْمَةُ الْمَالِ، وَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَيُخْرِجُ ثُلُثَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَا يُحْتَسَبُ فِي ثُلُثٍ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَدْ قُسِمَ أَوْ لَمْ يُقْسَمْ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُفَسَّرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ أَوْ لَا يُقْسَمُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْكَلَامُ عَلَى الظَّاهِرِ مِمَّا هُوَ الْقِيَاسُ وَلَا يُعْدَلُ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالتَّأْوِيلِ إلَى مَا لَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنَّهُ يَرْجِعُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ مَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا نَفَذَ عِتْقُهُ فَاسْتَحَقَّ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يُرْجَعُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ قِيمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقْسَمْ الْمَالُ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قِيمَتِهِ هُوَ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ أَنْ يُرْجَعَ أَيْضًا إذَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ قِيمَتِهِ قُسِمَ الْمَالُ أَوْ لَمْ يُقْسَمْ انْتَهَى. ص (وَبِشَاةٍ أَوْ عَدَدٍ مِنْ مَالِهِ يُشَارِكُ بِالْجُزْءِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِشَاةٍ أَوْ بِعَدَدٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ بِالْجُزْءِ وَمَعْنَى

يُشَارِكُ بِالْجُزْءِ أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِنِسْبَةِ تِلْكَ الشَّاةِ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ وَمَاتَ عَنْ خَمْسٍ فَلَهُ الْخُمْسُ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثَلَاثَةٍ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ مِنْ الْغَنَمِ فَتُقَوَّمُ وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْغَنَمِ سَوَاءٌ كَانَ عَدَدُهُ قَدْرَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ بِالْقُرْعَةِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنَّهُ لَمْ يُرَاعِ الْجُزْءَ يَوْمَ الْمَوْتِ مُطْلَقًا بَلْ رَاعَاهُ بِشَرْطِ أَنْ تَبْقَى الْغَنَمُ إلَى يَوْمِ التَّنْفِيذِ فَإِنْ لَمْ تَبْقَ الْغَنَمُ عَلَى عَدَدِهَا، بَلْ نَقَصَتْ فَلَهُ نِسْبَةُ ذَلِكَ الْعَدَدِ إلَى الْمَوْجُودِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا ذَلِكَ الْعَدَدُ أَخَذَهُ الْمُوصَى لَهُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، قَالَ فِي أَوَّلِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَا مَاتَ أَوْ تَلِفَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي الثُّلُثِ كَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْهُ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ظَاهِرُهُ فَرَّطُوا أَمْ لَا، وَقَوْلُ الْغَيْرِ تَفْسِيرٌ وَتَتْمِيمٌ. انْتَهَى. فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَهِيَ خَمْسُونَ ثُمَّ تَلِفَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَلَهُ ثُلُثُ الثَّلَاثِينَ الْبَاقِيَةِ، وَإِنْ بَقِيَ عِشْرُونَ فَلَهُ نِصْفُهَا وَإِنْ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَهُ ثُلُثَاهَا، فَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةٌ أَخَذَهَا، وَإِنْ حَمَلَ ذَلِكَ الثُّلُثُ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْغَنَمِ شَيْءٌ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ كُلُّهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَوَّلُ الْوَصَايَا مَا يَدُلُّ كَالصَّرِيحِ لِمَنْ تَأَمَّلَ. ص (لَا ثُلُثَ غَنَمِي فَتَمُوتُ) ش: يُرِيدُ فَيَمُوتُ غَالِبُهَا وَتَبْقَى بَقِيَّةٌ، فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ " مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَشْرَةِ شِيَاهٍ مِنْ غَنَمِهِ، وَمَاتَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ فَوَلَدَتْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ خَمْسِينَ لَهُ خُمْسُهَا قَالَهُ أَشْهَبُ مَرَّةً، وَمَرَّةً قَالَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ إنْ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ عِشْرِينَ أَخَذَ عَشْرًا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَنِصْفَ الْأَوْلَادِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ مَا حَمَلَ مِنْهَا انْتَهَى. ص (وَقُدِّمَ لِضِيقِ الثُّلُثِ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ الْوَصَايَا وَتَبَرُّعَاتُ مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنْ ضَاقَ، وَنَصَّ عَلَى تَقَدُّمِ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ لَهُ رَدُّهُ قُدِّمَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ فِيهِ وَإِلَّا قُدِّمَ الْآكَدُ انْتَهَى، وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِنَحْوِ الْأَرْبَعِ وَرَقَاتٍ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَهُوَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهُ: " وَإِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ الْوَصَايَا يُبْدَأُ بِالْآكَدِ فَالْآكَدِ وَالْأَقْدَمِ، فَالْأَقْدَمِ، وَمَا كَانَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي التَّأْكِيدِ تَحَاصُّوا فِي الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَقْدَمَ مِنْ بَعْضٍ إلَّا أَنْ يَنُصَّ الْمُوصِي عَلَى تَقَدُّمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَيُبْدَأُ بِاَلَّذِي نَصَّ عَلَى تَبْدِئَتِهِ اتِّبَاعًا لِوَصِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا مِنْ الْوَصَايَا آكَدَ مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالْمُبَتَّلِ فِي الْمَرَضِ، وَالْمُدَبَّرِ فِيهِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ انْتَهَى. ص (وَثُمَّ مُدَبَّرُ صِحَّةٍ) ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ مِنْهَا: وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مُدَبَّرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ دَبَّرَ

وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فِي صِحَّةٍ أَوْ فِي مَرَضٍ أَوْ دَبَّرَ فِي مَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ فَدَبَّرَ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَرِضَ فَدَبَّرَ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَبْدَأُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ إلَى مَبْلَغِ الثُّلُثِ، فَإِنْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ رُقَّ وَلَوْ دَبَّرَهُمْ فِي كَلِمَةٍ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ عَتَقَ جَمِيعُهُمْ إنْ حَمَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُمْ لَمْ يَبْدَأْ أَحَدُهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَكِنْ يُفَضُّ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِالْقِيمَةِ فَيُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَعْ إلَّا هُمْ عَتَقَ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا سَهْمَ بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ الْمُبْتَلِينَ فِي الْمَرَضِ انْتَهَى. قَالَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ التَّوْضِيحِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ انْتَهَى. . ص (ثُمَّ زَكَاةٌ أَوْصَى بِهَا) ش: يَعْنِي ثُمَّ زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا وَأَوْصَى بِهَا فِي مَرَضِهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يُفَرِّطْ فِيهَا، فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ وَأَشْهَدَ بِهَا فَإِنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْفَرَائِضِ وَلَوْ فَرَّطَ فِيهَا وَلَمْ يُوصِ بِهَا فِي مَرَضِهِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَا غَيْرِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ سَأُخْرِجُهَا انْتَهَى. وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ حَرْثًا أَوْ مَاشِيَةً، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى، قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: زَكَاةُ الْمَالِ وَالْحَبِّ وَالْمَاشِيَةِ سَوَاءٌ يُحَاصُّ فِيهَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ انْتَهَى. ص (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِحُلُولِهَا، وَيُوصِي فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) ش: هَذِهِ هِيَ الزَّكَاةُ الَّتِي لَمْ يُفَرِّطْ فِيهَا، وَفَرَّقَ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ الْعَيْنِ، وَغَيْرِهَا فَشَرَطَ فِي الْعَيْنِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِحُلُولِهَا وَيُوصِي بِالْمَالِ أَمَّا اشْتِرَاطُ الِاعْتِرَافِ فَتَبِعَ فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَدْ اعْتَرَضَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْل ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهَا فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ خِلَافُ اقْتِضَاءِ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ، شُرِطَ عِلْمُ حُلُولِهَا حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلِصِحَّةِ تَعْلِيلِ الصَّقَلِّيِّ مَا أَخَّرَ مِنْهَا فِي الثُّلُثِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي هَذَا اعْتِرَافُ الْمُوصِي سَوَاءٌ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَفِي مُوَافَقَتِهِ لِلرِّوَايَةِ نَظَرٌ، أَيْ لِأَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمَا عُرِفَ مِنْ هَذَا انْتَهَى. وَأَشَارَ إلَى قَوْلِهِ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ، فَأَمَّا الْمَرِيضُ يَحُلْ حَوْلَ زَكَاتِهِ أَوْ مُقَوَّمٌ عَلَيْهِ مَالٌ حَالَ حُلُولِهِ فَمَا عُرِفَ مِنْ هَذَا فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهَا فَارِغَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهَا لَمْ يُقْضَ بِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَأُمِرُوا بِغَيْرِ قَضَاءٍ انْتَهَى. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْإِيصَاءِ فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا عَلِمْت الْآنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " فَارِعَةٌ " هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خَارِجَةٌ، وَلَهَا حِكَايَةٌ قَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَةٍ قَوْلُهُ: " فَارِعَةٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ " كَتَبَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَثِيقَةً فِي الْمُدَبَّرِ وَذَكَرَ فِيهَا: فَارِغًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَعْنِي بِالْمُعْجَمَةِ فَدَخَلَ بِهَا عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ، فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: هَلْ عِنْدَك مِنْ غَرِيبٍ؟ فَأَخْرَجَ الْوَثِيقَةَ فَطَفِقَ يَقْرَؤُهَا حَتَّى بَلَغَ فَارِغًا فَاسْتَعَادَهُ الْقَاضِي فَأَعَادَ، فَقَالَ لَهُ: صَحَّفْت يَا فَقِيهُ، فَتَأَمَّلْ، فَقَالَ: كَذَا رَوَيْتهَا وَضَبَطْتهَا عَنْ أَشْيَاخِي وَكَذَا هِيَ فِي الْأُمَّهَاتِ، فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي كُلُّ كِتَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ كَذَلِكَ أَوْ شَيْخٍ رَوَاهَا كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ يُفْهِمْهُ جَوَابَهَا، فَتَحَيَّرَ الطَّالِبُ الْمُوَثَّقُ فَبَعَثَ أَسْئِلَةً إلَى قُرْطُبَةَ وَضَوَاحِيهَا فَاضْطَرَبَتْ أَجْوِبَتُهُمْ فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ فِيهَا الْوَجْهَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى الْقَاضِي، فَقَالَ الْقَاضِي كُلُّهُمْ أَخْطَئُوا، وَاللَّفْظَةُ بِالْمُهْمَلَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ صَدَرَتْ عَنْهُ مَوْلَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (قُلْت) هَذَا الْمُوَثَّقُ إنْ كَانَ بَعْدَ عِيَاضٍ فَهُوَ قَاصِرٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا عِيَاضٌ فِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْعَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْغَرِيبَيْنِ فِي بَابِ الْفَاءِ. ص (كَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ) ش: سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُحَرَّرًا فِي أَوَّلِ الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ عِتْقُ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ) ش: يَعْنِي: قَتْلَ الْخَطَإِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْبَاجِيُّ: وَأَمَّا الْعَمْدُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُقَدَّمَةٌ إذْ

لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْعَمْدِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) ش: هَذَا أَحَدُ أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقَلَهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهَا، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَذَلِكَ يَعْنِي الْخِلَافَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الثُّلُثِ إلَّا رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الثُّلُثِ رَقَبَةٌ، وَإِطْعَامٌ فَيُعْتِقُ الرَّقَبَةَ فِي الْقَتْلِ، وَيُطْعِمُ عَنْ الظِّهَارِ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ لِفِطْرِ رَمَضَانَ) ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، فَإِنْ قُلْت قَيَّدْت ذَلِكَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِمَاذَا قُلْت: الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَكَانَ ذَلِكَ مَقْصُودُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَيْثُ لَا يَقُولُونَ إلَّا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُفْطِرَ يَعُمُّ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَيَّدَهُ بِمَا قَالَ فَالصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ الْمُبَتَّلُ وَمُدَبَّرُ الْمَرَضِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهَا الثُّلُثُ تَحَاصَّا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا إذَا كَانَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ بَدَأَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْآخَرَ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مَا لَا رُجُوعَ فِيهِ أَشْهَبُ وَالْكَلَامُ الْمُتَّصِلُ لَا صُمَاتَ فِيهِ كَاللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا كَانَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُمَا مَعًا، وَمَا كَانَ فِي فَوْرٍ بَعْدَ فَوْرٍ، فَالْأَوَّلُ مُبَدَّأٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ هَذَا إذَا كَانَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي حُكْمِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ إنْ كَانَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ هَذَا مُدَبَّرٌ وَهَذَا حُرٌّ بَتْلًا تَحَاصَّا، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ بَدَأَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْآخَرَ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مَا لَا يُرْجَعُ فِيهِ وَلِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْكَلَامُ الْمُتَّصِلُ لَا صُمَاتَ فِيهِ كَاللَّفْظِ الْوَاحِدِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ مَا كَانَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُمَا مَعًا، وَمَا كَانَ فِي فَوْرٍ بَعْدَ فَوْرٍ، فَالْأَوَّلُ مُبَدَّأٌ، قَالَ أَشْهَبُ إنْ قَالَ: فُلَانٌ حُرٌّ بَتْلًا ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ غَيْرَهُ ثُمَّ يَبْدَأُ لَهُ بِبَتْلٍ غَيْرِهِ بُدِئَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ اهـ. وَكَلَامُ أَشْهَبَ هَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: آخِرُ الْعِتْقِ إلَّا أَنْ يُرَتَّبَ فَيُتَّبَعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ إذَا دَبَّرَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ الْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالنَّذْرُ الَّذِي يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَتَّلِ فِي الْمَرَضِ، وَالْمُدَبَّرِ فِيهِ انْتَهَى. ص (ثُمَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ مُعَيَّنًا) ش: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى عَلَى صَدَقَةِ

فرع مات من مرضه قبل أن يغير حبسه وقد أوصى بوصايا مال فلم يحمل ذلك ثلثه

الْمَرِيضِ الْمُبَتَّلَةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: صَدَقَةُ الْمُبَتَّلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ إذْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ سَحْنُونٌ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ قَبْلَ وَصِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا تَوَقَّفَ فِي تَبْدِئَةِ صَدَقَةِ الْمُبَتَّلِ عَلَى الْوَصَايَا وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّة: وَتَبْدَأُ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَمَّا عَلَى الْعِتْقِ بِعَيْنِهِ فَيَبْدَأُ الْعِتْقُ، ابْنُ زَرْقُونٍ الَّذِي فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْوَصَايَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُحَاصُّ بِهَا مَعَ صَدَقَةِ الْمَرِيضِ، وَفِي كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّة الصَّدَقَةُ مُبَدَّأَةٌ انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السُّؤَالَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْعَطِيَّةِ، فَقَالَ: إنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ وَلَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْت لِابْنِ دَحُونٍ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ قِيلَ إنَّ الصَّدَقَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ قَدْ يُتَصَدَّقُ عَلَى الْغَنِيِّ وَيُعْطَى لِلْفَقِيرِ، وَيَلْزَمُ أَنْ تَبْدَأَ الْوَصِيَّةُ لِلْفَقِيرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْغَنِيِّ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف الْمَعْلُومُ فِي الصَّدَقَةِ الْمُبَتَّلَةِ فِي الْمَرَضِ وَالْوَصِيَّةِ هَلْ يَتَحَاصَّانِ أَوْ تَبْدَأُ الصَّدَقَةُ الْمُبَتَّلَةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ إنْ صَحَّ لَزِمَتْهُ فَرَوَى الْحَارِثُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِالصَّدَقَةِ فِي مَرَضِهِ وَيُوصِي لِنَاسٍ بِوَصَايَا ثُمَّ يَمُوتُ فَيُرِيدُ أَهْلُ الْوَصَايَا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي صَدَقَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَمِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ انْتَهَى. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُبَتَّلَةَ، وَمِثْلُهَا الْعَطِيَّةُ الْمُبَتَّلَةُ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْوَصَايَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَهَلْ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ اخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَبْدِئَةَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَلْ تَحْتَاجُ الْعَطِيَّةُ فِي الْمَرَضِ إلَى حَوْزٍ فَفِي الْمُنْتَقَى عَدَمُ احْتِيَاجِهَا اُنْظُرْهُ فِيهِ بَعْدُ يُشِيرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى فِي الْوَصَايَا فِي تَرْجَمَةِ الْوَصِيَّةِ فِي الثُّلُثِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ إيَّاهُمْ وَثُلُثَ مَالِي قَالَ لَا فَضْلَ إنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ أَنَا أَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِي عَلَى بَتْلِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَرَضِ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَبْتَلَ مِنْ مَالِهِ إلَّا ثُلُثَهُ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ لَزِمَهُ جَمِيعُهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِلَّا رُدَّ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَبْضُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَشَذَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَقَالُوا: يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ إذَا قَبَضَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَبْضُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْحَوْزُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَلْحَقَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ الْمُوصَى لَهُ بِكِتَابَتِهِ إذَا عَجَّلَ الْكِتَابَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَ حَبْسَهُ وَقَدْ أَوْصَى بِوَصَايَا مَالٍ فَلَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ ثُلُثُهُ] (فَرْعٌ) جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ الْمُوصَى بِتَحْبِيسِهِ مَعَ الْمُوصَى بِالثُّلُثِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَانْظُرْ الْحَبْسَ الْمُبَتَّلَ فِي الْمَرَضِ هَلْ يَبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا بِمَالٍ؟ فَإِنَّ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ: مَنْ حَبَسَ فِي مَرَضِهِ دَارًا لَهُ وَجَعَلَهَا بَعْدَ حَبْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، أَذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ لَهُ. وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: إنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ فِي مَرَضِهِ يُرِيدُ فَيَنْفُذُ تَغْيِيرُهُ، وَيَبْطُلُ الْحَبْسُ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، وَأَمَّا إنْ صَحَّ فَيَلْزَمُهُ الْحَبْسُ، وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ، وَغَيَّرَهُ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَبْسُ لَا يَنْفُذُ مَنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَ حَبْسَهُ، وَقَدْ أَوْصَى بِوَصَايَا مَالٍ فَلَمْ يَحْمِلْ

ذَلِكَ ثُلُثُهُ تَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ وَلَمْ يَبْدَأْ الْحَبْسُ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، وَهَذَا أَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ بَتَّلَ عِتْقَ عَبْدٍ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَأَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ يَبْدَأُ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَخَذَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ دِينَارٍ وَإِيَّاهُ اخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ تَغْيِيرُ مَا حَبَسَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا بَتَّلَ عِتْقَهُ فِيهِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ الْمُبَتَّلَ فِي الْمَرَضِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَدْ نَقَلَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَعَلَيْهِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ حَبْسَهُ الَّذِي حَبَسَهُ فِي مَرَضِهِ يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ وَلَا يَبْدَأُ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ انْتَهَى. فَالْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِهِ قَوْلُهُ: فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَ حَبْسَهُ، إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ. ص (ثُمَّ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ، وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ بَعِيدٍ وَالْمُعْتَقُ بِمَالٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ وَلَمْ يُعَجِّلْهَا، وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ وَلَمْ يُعَجِّلْهُ، وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ كَعَشْرِ سِنِينَ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ لِسَنَةٍ عَلَى الْأَكْثَرِ يَعْنِي وَأَمَّا الْعِتْقُ لِسَنَةٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَا مَعَهُ وَكَانَتْ الْوَاوُ هُنَا أَوْلَى مِنْ " ثُمَّ " وَيُشِيرُ إلَى مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَقَدَّمَ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُعْتَقَ إلَى سَنَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَجَعَلَ الْمُكَاتَبَ يَتَحَاصُّ مَعَ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ كَعَشْرِ سِنِينَ وَمَعَ الْمُعْتَقِ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُعَجِّلْهُ انْتَهَى. وَبِهَذَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ عِتْقٌ لَمْ يُعَيَّنْ ثُمَّ حَجٌّ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ يَلِي مَا تَقَدَّمَ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ ثُمَّ الْحَجُّ بَعْدَ ذَلِكَ. ص (إلَّا لِصَرُورَةٍ فَيَتَحَاصَّانِ) ش: أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ عَنْ صَرُورَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ. ص (كَعِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ، وَمُعَيَّنُ غَيْرِهِ وَجُزْئِهِ) ش: كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَكُونُ مَعَ الْحَجِّ الصَّرُورَةِ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَتَحَاصَّانِ كَذَلِكَ يَكُونُ الْعِتْقُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَعَ مُعَيَّنِ غَيْرِ الْعِتْقِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَدَدُ الْمُسَمَّى كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ

تنبيه أوصى لفلان بثلثه ولفلان بعدد مسمى ثم قال في صاحب الثلث أو في صاحب العدد المسمى إنه لا ينقص

وَالْكِتَابُ وَنَحْوُهَا مَعَ جُزْءٍ أَيْ جُزْءِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، كَرُبُعِ الْمَالِ وَسُدُسِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَحَاصَّانِ، وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، وَحَجٌّ، وَمُعَيَّنُ غَيْرِ الْعِتْقِ كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا وَجُزْءُ غَيْرِ الْعِتْقِ كَرُبُعِ الْمَالِ وَثُلُثِهِ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ حَجَّ غَيْرُ الصَّرُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مُعَيَّنَ غَيْرِ الْعِتْقِ كَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا وَالْعَدَدَ الْمُسَمَّى كَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهَا هُوَ، وَالْجُزْءُ كَسُدُسِ الْمَالِ، وَرُبُعِهِ وَثُلُثِهِ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ إنَّ التَّسْمِيَةَ مُبَدَّأَةٌ عَلَى الْجُزْءِ وَقِيلَ الْجُزْءُ مُبَدَّأٌ قَالَ، وَذَلِكَ إذَا أَبْهَمَ التَّسْمِيَةَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا مُبَدَّأَةٌ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فَمُشْكِلٌ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ ثُلُثِي، وَلِفُلَانٍ مِنْ ثُلُثِي عَشَرَةٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَبْدَأُ بِالتَّسْمِيَةِ إذَا قَالَ مِنْ ثُلُثِي، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ ثُلُثِي فَيَتَحَاصَّانِ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: يَتَحَاصَّانِ قَالَ: مِنْ ثُلُثِي أَوْ لَمْ يَقُلْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى. مِنْ الثَّالِثِ مِنْ الْوَصَايَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيه أَوْصَى لِفُلَانِ بِثُلُثِهِ وَلِفُلَانِ بِعَدَدِ مُسَمَّى ثُمَّ قَالَ فِي صَاحِب الثُّلُث أَوْ فِي صَاحِب الْعَدَد الْمُسَمَّى إنَّهُ لَا يَنْقُص] (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا نَصَّ الْمَيِّتُ عَلَى تَبْدِئَةِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ إلَّا أَنَّ غَيْرَهُ مُبَدَّأٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَإِيَّاهُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِفُلَانٍ بِثُلُثِهِ، وَلِفُلَانٍ بِعَدَدٍ مُسَمًّى ثُمَّ قَالَ فِي صَاحِبِ الثُّلُثِ أَوْ فِي صَاحِبِ الْعَدَدِ الْمُسَمَّى: إنَّهُ لَا يُنْقَصُ أَنَّهُ يَبْدَأُ دُونَ الْآخَرِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا فَانْظُرْهُ، وَأَمَّا لَفْظُ: جَمِيعٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّبْدِئَةَ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِثُلُثِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ: لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ رُبُعٌ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ فِي صِحَّتِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ حَتَّى مَرِضَ فَقَالَ عَيَّنَتْ هَذَا] (فَرْعٌ) لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ فِي صِحَّتِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ حَتَّى مَرِضَ فَقَالَ: عَيَّنْت هَذَا صُدِّقَ وَعَتَقَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْآخَرِ فَيَكُونُ الْفَضْلُ فِي الثُّلُثِ، قَالَهُ فِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَتَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مُبَدَّأَةً عَلَى الْوَصَايَا وَعَلَى الْعِتْقِ وَالزَّكَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُبَدَّأَةً عَلَى مُدَبَّرِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَقَدَهُ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْفَضْلَةُ فِي الثُّلُثِ لِلتُّهْمَةِ، وَغَيْرُهُ يَرَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُبْدَأَ مُدَبَّرُ الصِّحَّةِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ التَّدْبِيرُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ: أَحَدَ عَبِيدِي حُرٌّ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (بِثُلُثِهِ) ش: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " بِثُلُثِهِ " مِمَّا إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَفِيهَا مَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ جَازَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، الصَّقَلِّيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ وَعَتَقَ وَوَرِثَ بَاقِي الْمَالِ إنْ انْفَرَدَ وَحِصَّتُهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنْ عَتَقَ مَعَ ذَلِكَ عَبْدُهُ بَدَأَ بِالِابْنِ وَوَرِثَهُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ الصَّقَلِّيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُ الثُّلُثِ وَلَمْ يَرِثْهُ، وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ وَفِيهِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ مَحْمَلُهُ وَرُقَّ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ عَتَقَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ (قُلْت) : فَإِنْ اشْتَرَى أَبُوهُ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَوَرِثَهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ جَازَ شِرَاؤُهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. فِي التَّوْضِيحِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ وَأَثْنَائِهِ، وَآخِرِهِ، وَكَأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْخِلَافِ لِتَصْدِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ بِهِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ جَوَازُ شِرَاءِ الْمَرِيضِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى وَارِثِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ بِالْمُعَاوَضَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِالْإِرْثِ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَحُكْمُ الِابْنِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ غَيْرِهِ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِقَبُولِ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ فَهُوَ كَمِلْكِهِ بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ ثُلُثِهِ وَرِثَ، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُعْتَقُ بِحَالٍ انْتَهَى. ص (وَقُدِّمَ الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ) ش: هُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ قُدِّمَ

الِابْنُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ، فَإِنْ اشْتَرَى مَعَ الِابْنِ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بُدِئَ بِالِابْنِ وَعَلَى هَذَا مَشَّاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الِابْنِ مُعْتَقٌ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ، وَاشْتَرَى ابْنَهُ فَأَعْتَقَهُ، وَقِيمَتُهُ الثُّلُثُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَالِابْنُ مُبَدَّأٌ أَوْ يَرِثُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ صَحِيحًا وَهَذَا الْحَمْلُ الثَّانِي أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَتَمْشِيَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لَكِنَّ النَّقْلَ لَا يُسَاعِدُهَا عَلَى إطْلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ صَفْقَةً، فَقَالَ أَشْهَبُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَالِكٍ لَا يَتَحَاصُّونَ، وَفِي قَوْلِهِ بُدِئَ بِالِابْنِ فَأَعْتَقَهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَوَرِثَهُ. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ عَلَى مَذْهَبِهِ الَّذِي يَرَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ انْتَهَى. فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا عَلَى التَّمْشِيَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ إلَى قَوْلِهِ ثُلُثَ الْجَمِيعِ) ش: أَخَذَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ خُلْعِ الثُّلُثِ فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ مَسَائِلَ: الْأُولَى إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ، فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ لَا يَحْمِلُ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزُوا مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ جَمِيعِ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً جُعِلَ فِي الثُّلُثِ قِيمَةُ الرِّقَابِ زَادَ فِي الْأُمَّهَاتِ: أَنَّهُ إذَا قُوِّمَتْ الْخِدْمَةُ، فَإِنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ نَفَذَتْ الْوَصَايَا، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ أَوْ الْقَطْعِ لِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ مَا تَرَكَ بَتْلًا وَالْوَصِيَّةُ فِي الْعَبْدِ بِالْخِدْمَةِ أَوْ بِالْغَلَّةِ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: جُعِلَ فِي الثُّلُثِ الْمَيِّتِ قِيمَةُ الرِّقَابِ، زَادَ فِي الْأُمَّهَاتِ لِأَنِّي إذَا قَدَّمْت الْخِدْمَةَ، وَالسُّكْنَى حُبِسَتْ الدَّارُ وَالْعَبْدُ عَلَى أَرْبَابِهِمَا وَهُمْ قَدْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْبَيْعِ ابْنُ يُونُسَ احْتِجَاجُهُ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ فِي الدَّارِ الْجَائِزِ بَيْعُهَا، وَاسْتِثْنَاءُ سُكْنَاهَا عَنْهُ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ الثُّلُثُ فِي الرِّقَابِ، وَإِنْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْبَيْعِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي تَعْجِيلِ الِانْتِفَاعِ بِالرِّقَابِ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا جَعَلْت الرِّقَابُ فِي الثُّلُثِ مَعَ إمْكَانِ رُجُوعِ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ وَتُهْدَمُ الدَّارُ انْتَهَى. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " مَنْفَعَةٍ " مِمَّا إذَا أَوْصَى لَهُ بِمُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ مَرَّةً: مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ مَرَّةً: يُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا لَهُ بِمَبْلَغِ ثُلُثِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، قَالَ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَعْنِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَبِالْمُعَيَّنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِمَا لَيْسَ فِيهَا) ش أَشَارَ بِهِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَيَعْنِي بِمَا لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ يُرِيدُ سَوَاءٌ كَانَ يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ أَمْ لَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا عَلَى خِلَافٍ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْإِجَازَةِ فَيَشْتَرُونَ لِلْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ يَدْفَعُوا لَهُ ثُلُثَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ. ص (أَوْ يُعْتَقُ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ) ش: وَتَصَوُّرُهَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. ص (وَلَا يَحْمِلُ الثُّلُثُ) ش: هَذَا شَرْطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ دُونَ الثَّانِيَةِ فَاعْلَمْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (خُيِّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ) ش: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْوَارِثُ فِي إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْقَطْعِ بِمَبْلَغِ الثُّلُثِ فِي الْعَبْدِ نَفْسِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِمُعَيَّنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَفِي الْوَصَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْهَا

جُمْلَةٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. ص (وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ إلَى قَوْلِهِ فَزَائِدٌ) ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَدِ الْوَلَدِ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَنْ زَادَ فِيهِمْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَلَا مَنْ مَاتَ، رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ. (الثَّانِي) مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ وَجَعَلَ يَطْلُبُ الْوَلَدَ فَمَاتَ وَلَمْ يُولَدْ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ انْتَهَى. (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ أَحَدِ نَصِيبِ بَنِيهِ وَتَرَكَ نِسَاءً وَرِجَالًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ يُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَيُعْطِي حَظَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ إنَّمَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ: نَصِيبُ أَحَدِ وَرَثَتِي، الثَّانِي أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ، الثَّالِثُ أَنَّهُ يُزَادُ سَهْمُهُ عَلَى السِّهَامِ، وَيَكُونُ لَهُ وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ نَصِيبِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ نَصِيبِ أُنْثَى هَكَذَا حَصَّلَ ابْنُ زَرْقُونٍ انْتَهَى. وَيَكُونُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِكَوْنِهِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ، الرَّابِعُ إذَا كَانَ أَوْلَادُهُ إنَاثًا كُلَّهُمْ كَانَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ ثُمَّ نُظِرَ إلَى عَدَدِهِنَّ، فَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا أُعْطِينَ رُبُعَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أُعْطِينَ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كُنَّ اثْنَتَيْنِ أُعْطِينَ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً أُعْطِيت نِصْفَ الْمَالِ إنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ وَإِلَّا فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (أَوْ بِنَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ فَبِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قِسْمَةِ هَؤُلَاءِ الْوَرَثَةِ كَيْفَ كَانَتْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ مُخْتَلِفَةً فَيُعْطَى الْمُوصَى لَهُ جُزْءًا بِنِسْبَتِهِ إلَى التَّرِكَةِ نِسْبَةَ الْوَاحِدِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ انْتَهَى. وَفِيهَا خِلَافٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَبِجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ فَبِسَهْمٍ مِنْ فَرِيضَتِهِ) ش أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ فَلَهُمْ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَلَهُمْ سَهْمٌ مِنْهَا أَوْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَبِسَهْمٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَوْلَادًا رِجَالًا، وَابْنَةً أُعْطِيَ سَهْمًا مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَسَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعَلَى هَذَا كَذَا ضَرَبَهُ عِيسَى فِي سَمَاعِهِ، نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ فَلَهُ سَهْمٌ مِنْ عَشَرَةٍ انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فَقِيلَ لَهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سَهْمٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ، وَقِيلَ لَهُ السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سَهْمٍ وَالثَّمَنُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْحَجْبِ. (فَرْعٌ) ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَقَالَ أَشْهَبُ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَظْهَرُ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي قَوِيٌّ انْتَهَى. وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: يَدْفَعُ لَهُ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا كَذَا نَقَلَ هُوَ عَنْهُمْ. ص (وَفِي كَوْنِ ضِعْفِهِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ تَرَدُّدٌ) ش: يَعْنِي لَوْ أَوْصَى لَهُ بِضِعْفِ نَصِيبِ وَلَدِهِ، فَهَلْ لِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ وَلَدِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مِثْلَاهُ؟ لَا نَصَّ

عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَتَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُونَ، فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ الْقَصَّارِ: وَمِثْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ قَالَ ضِعْفَيْهِ فَمِثْلُ نَصِيبِهِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ ضِعْفُ النِّصْفِ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي الْجَوْهَرِيِّ وَضِعْفُ الشَّيْءِ: مِثْلُهُ، وَضِعْفَاهُ: مِثْلَاهُ، وَأَضْعَافُهُ: أَمْثَالُهُ نَعَمْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ وَانْظُرْ كَيْفَ عَدَّهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلًا، وَإِنَّمَا أَشَارَ ابْنُ الْقَصَّارِ إلَى قُوَّتِهِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. (قُلْت) وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي كَلَامِهِ بَلْ يُقَالُ قَدْ تَبَيَّنَ بِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَأَنَّ الْمُوَافِقَ لِلُّغَةِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُ الْعُرْفَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَهِيَ وَمُدَبَّرٌ إنْ كَانَ بِمَرَضٍ فِي الْمَعْلُومِ) ش: تَصَوُّرَهُ وَاضِحٌ. (فَرْعٌ) فَإِنْ ادَّعَى أَهْلُ الْوَصَايَا أَنَّ الْمَيِّتَ عَلِمَ بِهِ وَأَنْكَرَهُ فِي الْمَرَضِ حَلَفَ الْوَرَثَةُ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَيِّتَ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ تَدْخُلْ الْوَصَايَا فِيهِ، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُوصَى لَهُمْ وَدَخَلَتْ الْوَصَايَا فِيهِ انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِابْنِ فَرْحُونٍ. ص (وَدَخَلَتْ فِيهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِي الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ إذَا بَطَلَ بَعْضُهُ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَوْضِيحِهِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَرَّهُ فِي ذَلِكَ كَلَامُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الْمَرَضِ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَفَكِّ الْأَسِيرِ وَمُدَبَّرِ الصِّحَّةِ وَصَدَاقِ الْمَرِيضِ وَالزَّكَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا وَأَوْصَى بِهَا وَمَتَى ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ، وَيَتَقَدَّمُ عَلَى أَشْيَاءَ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَمَا مَعَ ذَلِكَ، وَيُشَارِكُهُ فِي رُتْبَتِهِ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ فَإِذَا فُرِضَ ضِيقُ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ مَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ قُدِّمَ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ الثُّلُثَ بَطَلَ التَّدْبِيرُ الَّذِي فِي الْمَرَضِ، وَبَطَلَتْ الْوَصَايَا كُلُّهَا وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ مَا يَتَقَدَّمُ هُوَ عَلَيْهِ كَالْوَصَايَا بِالْمَالِ، وَإِنْ وَسِعَ الثُّلُثُ الْمُدَبَّرَ فِي الْمَرَضِ جَمِيعَهُ وَاسْتَغْرَقَ ذَلِكَ الثُّلُثَ نَفَذَ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ، وَبَطَلَتْ الْوَصَايَا، وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الثُّلُثُ إلَّا بَعْضَ الْمُدَبَّرِ نَفَذَ مِنْهُ مَا وَسِعَهُ الثُّلُثُ وَرَجَعَ الْبَاقِي رَقِيقًا لِلْوَرَثَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْوَصَايَا فِيهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهُ مَا هُوَ فِي رُتْبَتِهِ وَهُوَ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْوَصَايَا فِي ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ، وَنَقَلَهُ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ عَنْهُمَا وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ فِي الْمَرَضِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَالصَّوَابُ تَرْكُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي الْعُمْرَى) ش:

اُنْظُرْ مَسَائِلَ الْحَبْسِ مِنْ ابْنِ سَهْلٍ فَإِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا دُخُولُ الْوَصَايَا فِي الْحَبْسِ. ص (وَأَوْصَيْتُهُ بِثُلُثِي فَصَدِّقُوهُ يُصَدَّقُ إنْ لَمْ يَقُلْ لِابْنِي) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي بَابِ الْوَصَايَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى وَصِيَّةٍ، أَحَدُهُمَا الَّذِي جُعِلَ لَهُ

فرع قال إن مت ففلان وكيلي

الْوَصِيَّةُ يُنْظَرُ فِيهَا، فَإِنْ اسْتَعْفَى هَذَا الشَّاهِدُ مِنْهَا وَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ إنْ رَأَى الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ إعَادَتُهُ إلَى النَّظَرِ أَعَادَهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا الَّذِي جَعَلَ لَهُ الْوَصِيَّةَ يُنْظَرُ فِيهَا يَعْنِي وَاحِدَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ هُوَ مَنْ أُسْنِدَ إلَيْهِ النَّظَرُ فِيهَا. ص (وَوَصِيِّي فَقَطْ يَعُمُّ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " وَمَنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنَّ فُلَانًا وَصِيِّي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَهُوَ وَصِيُّهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَأَبْكَارُ صِغَارِ بَنِيهِ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ أَبْكَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِنَّ، وَالثَّيِّبُ بِإِذْنِهَا " انْتَهَى قَالَ الْمَشَذَّالِيّ: ظَاهِرُهُ دُخُولُ الْإِيصَاءِ، وَفِي الطِّرَازِ إذَا قَالَ: وَصِيِّي مُسَجَّلًا يَعْنِي مُطْلَقًا، وَكَانَ إلَى نَظَرِهِ مَحْجُورٌ أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ الْمَشَذَّالِيّ ذَكَرَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ لَفْظِهِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ إلَّا إذَا خَصَّصَ ذَلِكَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ عَامٍّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ صَرَّحَ بِالْوَصِيَّتَيْنِ مَعًا فَلَا إشْكَالَ وَلَا خِلَافَ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَرْعٌ وَهُوَ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ الثَّانِي: أَنَا أَقْبَلُ وَصِيَّتَكَ، وَلَا أَقْبَلُ وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهَا دُيُونًا وَتَخْلِيطًا، فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ مِنْ وَصِيَّةِ الثَّانِي، فَإِنْ قَبِلَ بَعْضَهَا لَزِمَتْهُ كُلُّهَا، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ أَظْهَرُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: الَّذِي أَرَى أَنْ يَقُولَ لَهُ الْإِمَامُ: إمَّا أَنْ تَقْبَلَ الْجَمِيعَ أَوْ تَدَعَ الْجَمِيعَ إلَّا أَنْ يَرَى أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى مَا قَبِلَ، وَيُقِيمَ مَنْ يَلِي وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَفِي تَرْجَمَةِ الْوَصِيِّ يَقْبَلُ بَعْضَ الْوَصِيَّةِ: وَمِنْ الْعُتْبِيَّة رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ وَبِمَا كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ فَقَبِلَ وَصِيَّتَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقْبَلْ مَا كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ وَيُوَكِّلُ الْقَاضِي مَنْ يَلِي الْأَمْرَ الْأَوَّلَ، وَقَالَ أَصْبَغُ: إمَّا قَبِلَ الْجَمِيعَ أَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ قَبِلَ الْبَعْضَ فَهُوَ قَبُولٌ لِلْجَمِيعِ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى مَيِّتٍ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَكُنْ وَصِيُّهُ لَهُ وَصِيًّا انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَصِيُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مَقَالَ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ وَيَقُومُ وَصِيُّهُ مَقَامَهُ فِي كُلِّ مَا كَانَ إلَيْهِ مِنْ وَصِيَّةِ غَيْرِهِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ بِذَلِكَ تَوَلَّى الْحَاكِمُ النَّظَرَ فِي كُلِّ مَا كَانَ إلَيْهِ وَبِيَدِهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُهْمِلَهُ، وَفِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ: وَإِذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ وَصِيُّهُ وَصِيًّا عَلَى أَمْتَاعِهِ، وَقُدِّمَ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ انْتَهَى. [فَرَعٌ قَالَ إنْ مت فَفُلَانٌ وَكِيلِي] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) إذَا قَالَ: إنْ مِتُّ فَفُلَانٌ وَكِيلِي فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ وَكِيلُ الْمَيِّتِ فَسَوَاءٌ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ فُلَانٌ وَصِيِّي أَوْ إنْ مِتّ فَفُلَانٌ وَكِيلِي وَكُلُّ وَصِيٍّ وَكِيلٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَكِيلٍ وَصِيًّا انْتَهَى. (الثَّانِي) إذَا قَالَ وَصِيِّي عَلَى أَوْلَادِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ غَيْرُهُمْ فَهَلْ الْإِيصَاءُ قَاصِرٌ عَلَى مَنْ سَمَّى أَوْ يَعُمُّ الْجَمِيعَ؟ فِيهِ تَنَازُعٌ بَيْنَ الشُّيُوخِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي تَرْجَمَةِ الْوَصَايَا بِالْأَيْتَامِ، وَفِي مَسَائِلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ زَرْبٍ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ قَدْ جَعَلْت النَّظَرَ لِوَلَدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَلَهُ أَوْلَادٌ غَيْرُ الَّذِي سَمَّى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِيصَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَلَدِي دَخَلَ جَمِيعُهُمْ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ سَمَّى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ لَوْ أَرَادَ هَذَا لَمْ يَقُلْ جَعَلْت النَّظَرَ لِوَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ: مِنْ وَلَدِي قَالَ وَهَذَا كَمَنْ قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَسَكَتَ عَنْ بَاقِيهِمْ فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ أَجْمَعُونَ مَنْ سَمَّى مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُسَمِّ، قَالَ مُوسَى نَزَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَأَفْتَى فِيهَا بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا مَنْ سَمَّى وَغَلِطَ فِيهَا، وَأَخَذَ بِفُتْيَاهُ شَيْخُهُ وَحَكَمَ بِهِ، قَالَ الْقَاضِي أَعْرِفُ وَقْتَ نُزُولِهَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ

وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي رَسْمِ الْقَضَاءِ الْمُحْضَرِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ: مَسْأَلَةٌ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْقَاضِي هَذِهِ وَهِيَ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمِيرَاثِهِ فَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي تَصَدَّقْت عَلَى فُلَانٍ بِجَمِيعِ مِيرَاثِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي الْعَيْنِ، وَالْبَقَرِ، وَالرُّمُوكِ، وَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ، وَالدُّورِ، وَالْبُورِ إلَّا الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا لِي، وَفِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ جِنَانٌ لَمْ يَنُصَّهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ: هَلْ يَكُونُ مَا نَصَّ وَمَا لَمْ يَنُصَّ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى أَمْ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَصَّ قَالَ أَصْبَغُ: لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا مَا اسْتَثْنَى إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ وَالْجِنَانُ دَاخِلَةٌ فِي الصَّدَقَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْجِنَانَ فَتَدَبَّرْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَلَوْلَا اسْتِثْنَاءُ الْمُتَصَدِّقِ الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ لَكَانَتْ كَمَسْأَلَةِ الْقَاضِي سَوَاءٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشُّيُوخِ الْمَشْهُورَةِ فَأَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ سَهْلٍ فِي أَوَّلِ الْوَصَايَا وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ الْمُتَقَدِّمِ بِرُمَّتِهِ بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فُلَانٌ ثُمَّ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أُخْرَى وَغَيَّرَ مَا كَانَ أَوْصَى بِهِ أَوَّلًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُوصَى وَلَمْ يَجْعَلْ وَصِيًّا عَلَى أَوْلَادِهِ فِي الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّ هَذِهِ نَاسِخَةٌ لِكُلِّ وَصِيَّةٍ قَبْلَهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَاسِخًا لِإِيصَائِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ، ذَكَرَهُ فِي نَوَازِلِهِ. ص (إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَتِي) ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْ فَهِيَ وَصِيَّتِي مَا دَامَتْ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ أَظْهَرُ مِمَّا حَلَّ بِهِ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ. مَسْأَلَةٌ فَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يُوفِ بِهِ الْمُوصَى فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ قَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا لَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بِوَصِيَّةٍ فَتُوُفِّيَ وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَرُدُّ مَا أَخَذَتْ انْتَهَى. ص (وَإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيُّهُ كَأُمٍّ إنْ قَلَّ وَلَا وَلِيَّ وَرِثَ عَنْهَا) ش قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُوصِي

إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِمَحْجُورٍ اخْتَصَّ بِالْأَبِ الرَّشِيدِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْأَبِ إلَى غَيْرِهِ بِصِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ وَأَمَّا إنْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ وَصِيُّ الْوَصِيِّ مَكَانَ الْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مُقَدَّمِ الْقَاضِي، وَقِيلَ مِثْلُهُ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهَا فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ الطِّفْلِ وَصِيٌّ فَأَقَامَ لَهُ الْقَاضِي خَلِيفَةً كَانَ كَالْمُوصِي فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَفِيهَا لَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْجَدِّ بِوَلَدِ وَلَدِهِ، وَلَا أَخٍ بِأَخٍ لَهُ صَغِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ، وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ بِخِلَافِ الْأُمِّ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْقَسْمِ: مَنْ أَوْصَى لِأَخِيهِ بِمَالٍ وَهُوَ فِي حِجْرِهِ لَمْ يُقَاسِمْ لَهُ وَلَمْ يَبِعْ وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ فَعَلَى قَوْلِهِ: تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِمَا يَرِثُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ وَكُلُّ هَذَا فِيمَا صَارَ لَهُ مِنْ مَالٍ بِمِيرَاثٍ وَمَا تَطَوَّعَ بِهِ الْمَيِّتُ فَالْوَصِيَّةُ بِهِ تَجُوزُ وَأَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ مِمَّنْ رَضِيَهُ الْمَيِّتُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ فَإِذَا قَالَ يَكُونُ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ حَتَّى يَرْشُدَ أَوْ قَالَ يُدْفَعُ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يَتَّسِعُ بِهِ فِي مَلْبَسٍ أَوْ مَطْعَمٍ لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَا لِوَصِيِّهِ قَبْضُ ذَلِكَ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مِنْ الْمُوصِي عَلَى صِفَةٍ. وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمُلْتَقِطٍ أَنْ يُقَاسِمَ لَهُ وَيَقْبِضَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَمَنَعَهُ فِي الْأَخِ. وَإِنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ وَالْأَخُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ الْقِيَامَ وَالنَّسَبَ، وَفِيهَا لَا يَجُوزُ إيصَاءُ الْأُمِّ بِمَالِ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا، وَيَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا نَحْوَ السِّتِّينَ دِينَارًا جَازَ إسْنَادُهَا فِيهِ إلَى الْعَدْلِ فِيمَنْ لَا أَبَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ فِيمَا تَرَكَتْهُ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُوصِيَ بِمَالِ وَلَدِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْقَسْمِ: وَإِجَازَةُ مَالِكٍ ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ لَيْسَ بِقِيَاسٍ. وَإِنْ كَانَ الْإِيصَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَفْرِقَةِ ثُلُثٍ جَازَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ انْتَهَى. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقَسْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهَا: وَلَا يَكُونُ وَصِيُّ الْعَمِّ وَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَصِيًّا فِي يَسِيرِ مَالٍ وَلَا كَثِيرِهِ، وَالْأُمُّ بِخِلَافِهِمْ إذْ لَهَا اعْتِصَارُ مَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا كَالْأَبِ وَلَيْسَ لِلْأَخِ وَالْجَدِّ أَنْ يَعْتَصِرَا قِيلَ فَمَا يُصْنَعُ بِهَذَا الْمَالِ الَّذِي أَوْصَوْا بِهِ، قَالَ يَنْظُرُ فِيهِ السُّلْطَانُ وَيَحُوزُهُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُنَصِّبَ وَصِيًّا عَلَى كِبَارِ أَوْلَادِهِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ فِي تَرْجَمَةِ الْوَصِيِّ يَبِيعُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ لِدَيْنٍ نَاقِلًا لَهُ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى كِبَارِ وَلَدِهِ أَحَدًا انْتَهَى. يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُونُوا مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَلَا: يَصِحُّ نَصْبُ الْوَصِيِّ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ الْبَالِغِينَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ نَعَمْ يُنَصِّبُ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ. (الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ هَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ رَشِيدًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِمَحْجُورٍ اخْتَصَّ بِالْأَبِ الرَّشِيدِ فَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَبُ سَفِيهًا وَهُوَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ فَلِلْجَدِّ الْوِلَايَةُ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَيُوصِي عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ وَصِيُّهُ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ لَا يَكُونُ وَصِيُّهُ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ فِي رَقِيقٍ لِابْنِهِ أَنْ يَبِيعَهُمْ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ وَلِلْحَالِفِ أَبٌ فَقَالَ لَهُ: أَنَا أَبِيعُهُمْ لَيْسَ هُمْ لَكَ فَقَالَ لَهُ: أَسَفِيهٌ هُوَ يُرِيدُ الْحَالِفَ؟ فَقَالَ: لَا فَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَبِيعَهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ: لَا أَرَى أَنْ يَبِيعَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ إذَا كَانَ سَفِيهًا فَجَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيِّ عَلَى وَلَدِ ابْنِهِ مَا دَامَ ابْنُهُ سَفِيهًا فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ وَصِيُّ الْأَبِ وَصِيًّا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ الَّذِينَ إلَى نَظَرِهِ بِإِيصَاءِ الْأَبِ وَهُوَ نَحْوُ مَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمُوصَى أَنْ يُزَوِّجَ بَنَاتَ يَتِيمِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِنَّ، وَإِنْ رَضِيَ الْأَبُ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغْنَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى رِضَاهُ لِسُقُوطِ وِلَايَتِهِنَّ كَالْيَتَامَى قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَالرَّفْعُ إلَى السُّلْطَانِ

أَحْسَنُ وَأَبْيَنُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ صَغِيرٌ أَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ عُمُومَةِ الصَّبِيِّ بِالدَّمِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا يَرَى وَصِيَّ الْأَبِ وَصِيًّا عَلَى صِغَارِ الْوَلَدِ الْمُوصَى بِهِمْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ السَّفِيهِ أُخْتَهُ أَوْ وَلِيَّتَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ فِي تَرْجَمَةِ السَّفِيهِ وَالْمَحْجُورِ وَلَا وَصِيَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَنَصُّهُ: " وَأَمَّا نِكَاحُ الْوَصِيِّ بَنَاتَ مَحْجُورِهِ فَالرِّوَايَةُ بِذَلِكَ مَنْصُوصَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْنَاهُ فِي الْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبَاتِ اللَّائِي لَمْ يَمْلِكْنَ أُمُورَ أَنْفُسِهِنَّ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَكُونُ وَصِيًّا عَلَى وَلَدِ مَحْجُورِهِ إلَّا بِتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ فَعَلَى هَذَا لَا يُزَوِّجُ وَاحِدَةً مِنْ بَنَاتِهِ، وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ قَالَ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي الرَّجُلِ إذَا كَانَ وَصِيًّا عَلَى سَفِيهٍ فَوُلِدَ لِلسَّفِيهِ وَلَدٌ فَهَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَنْظُرَ عَلَى ابْنِ السَّفِيهِ كَمَا يَنْظُرُ عَلَى أَبِيهِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ ابْنُ زَرْبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ عَلَيْهِ إلَّا بِتَقْدِيمٍ. وَخَالَفَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَصَّارِ فِي ذَلِكَ فَقَالَا: إنَّهُ يَنْظُرُ عَلَيْهِ كَمَا يَنْظُرُ عَلَى أَبِيهِ، قَالَ وَالْقَضَاءُ عِنْدَنَا بِذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا مُقَدَّمُ الْقَاضِي فَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي بَابِ الْحَجْرِ فِي تَرْجَمَةِ مُقَدَّمِ الْقَاضِي: هَلْ لَهُ التَّكَلُّمُ عَلَى أَوْلَادِ مَحْجُورِهِ دُونَ تَقْدِيمٍ أَمْ لَا؟ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الرِّوَايَاتُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمٍ، وَانْظُرْ كِتَابَ الْأَقْضِيَةِ مِنْهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) إذَا قَدَّمَ الْقَاضِي نَاظِرًا عَلَى الْيَتِيمِ ثُمَّ ظَهَرَ وَصِيٌّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَلَهُ رَدُّ أَفْعَالِهِ، نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي الْوَصَايَا، وَفِيهِ أَيْضًا إذَا أَوْصَى لِشَخْصٍ ثُمَّ ظَهَرَ شَخْصٌ آخَر بِوَصِيَّةٍ فَانْظُرْهُ. ص (وَلَا التَّرِكَةَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْكَبِيرِ) ش وَسَوَاءٌ أَرَادَ الْوَصِيُّ بَيْعَ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِتَنْفِيذِ الْوَصَايَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَكَابِرُ حُضُورًا رُفِعَ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ فَيَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ وَيَأْمُرُ مَنْ يَلِي مَعَهُ الْبَيْعَ لِلْغَائِبِ أَوْ يَقْسِمُ مَا يَنْقَسِمُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: وَلَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَصَاغِرِ التَّرِكَةَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْأَكَابِرِ، فَإِنْ كَانُوا بِأَرْضٍ نَائِيَةٍ، وَذَلِكَ حَيَوَانٌ أَوْ عُرُوضٌ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَأَمَرَ مَنْ يَلِي مَعَهُ الْبَيْعَ لِلْغَائِبِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي رَسْمِ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا: مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ عَنْ الْوَصِيِّ يَبِيعُ الْمَتَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ قَالَ، فَإِنْ كَانُوا كِبَارًا قَدْ رُضِيَ حَالُهُمْ وَنِسَاءً ثَيِّبَاتٍ أَوْ مُتَزَوِّجَاتٍ قَدْ بَرَزْنَ وَرُضِيَ حَالُهُنَّ، فَلَا يَبِيعُ إلَّا بِإِذْنِهِنَّ، فَإِنْ بَاعَ رُدَّ الْمَتَاعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِالْآخَرِينَ الَّذِينَ يُوَلَّى عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُوصِ إلَيْهِ بِهَؤُلَاءِ إنَّمَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاءُ فِي هَذَا الْمَتَاعِ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ فَاتَ وَأَصَابَ وَجْهَ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: مَضَى، قَالَ أَصْبَغُ: لَا أَرَى ذَلِكَ وَأَرَى لِلْوَرَثَةِ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثُهُ مُوصًى بِهِ مَعَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ، وَبَيْعِهِ وَجَمْعِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا الْعَقَارَ، وَالرِّبَاعَ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ، وَأَنَّهُ مِمَّا يُقْسَمُ وَقِسْمَتُهُ غَيْرُ ضَرَرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثُلُثٌ عَلَى مَا وَصَفْت فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى الْوَرَثَةِ الْبَالِغِينَ الْمَالِكِينَ حِصَصَهُمْ أَوْ يَأْخُذُونَ مِمَّا بَلَغَ كَالشُّرَكَاءِ فِي السِّلَعِ الْمُفْتَرِقَةِ الَّتِي لَا تُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ فَهُمْ كَالشُّرَكَاءِ الْأَجْنَبِيِّينَ لِلْمَيِّتِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ الْمَالِ وَالْمَتَاعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكِبَارِ إنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ بِتَحْوِيلِهِ عَنْ حَالِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا فَيَصْبُغُهُ أَوْ غَزْلًا فَيَنْسِجُهُ أَوْ طَعَامًا فَيَأْكُلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَصَابَ الْوَصِيُّ وَجْهَ الْبَيْعِ مَضَى، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْفُذَ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ بِحَالٍ فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ، وَكَذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكِبَارِ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ أَصَابَ الْبَيْعُ أَوْ لَمْ يُصِبْ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُمْ وَهُمْ أَحَقُّ، وَأَوْلَى بِالنَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ قَالَ: وَهُمْ أَيْضًا أَوْلَى بِكُلِّ مَا بَاعَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ لَهُمْ رَأْيٌ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مِمَّا يُبَاعُ مِنْ

التَّرِكَةِ فِي ثُلُثِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِمْ مَا لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ بِلَا مُرَادِهِمْ هَذَا خَطَأٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْبَغَ أَيْضًا الْبَيْعُ يَمْضِي إذَا فَاتَ إنْ كَانَ لَهُ ثُلُثٌ مُوصَى بِهِ إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ وَجَمْعِهِ وَبَيْعِهِ إلَّا فِي الْعَقَارِ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا وَالْقِيَاسُ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْكِبَارِ الْبَيْعُ فِي حُظُوظِهِمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ كَالشُّرَكَاءِ الْأَجْنَبِيِّينَ لِلْمَيِّتِ وَلِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لِلْمُوصَى أَنْ يَبِيعَ الْحَيَوَانَ وَالرَّقِيقَ وَالْعَقَارَ لِتَأْدِيَةِ الدَّيْنِ، وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ أَوْ كَانُوا كِبَارًا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْعَقَارِ إلَّا الثُّلُثُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَدْ مَضَى فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ: " وَسُئِلَ عَنْ الْوَصِيِّ يُرِيدُ بَيْعَ مَتَاعِ الرَّجُلِ مُسَاوَمَةً وَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ مِثْلُ مَا يُسَوِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الدَّارِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَيُنْهِيَهُ وَيَرَى أَنَّ بَيْعَهُ غِبْطَةٌ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بَاعَ مُسَاوَمَةً أَوْ مِمَّنْ يَزِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ فِي الْوَصِيِّ عَلَى الثُّلُثِ إذَا بَاعَ بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ عَلَى الصِّغَارِ إذَا بَاعَ بِإِذْنِ الْكِبَارِ أَوْ فِي الْوَصِيِّ عَلَى الصِّغَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ وَصِيًّا عَلَى الصِّغَارِ وَهُمْ شُرَكَاءُ مَعَ الْكِبَارِ فَيُبَاعُ الْجَمِيعُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ وَصِيًّا عَلَى الثُّلُثِ فَبَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي الْوَصِيِّ بِبَيْعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ يُرِيدُ لِإِنْفَاذِ وَصَايَاهُ، وَفِي الْوَرَثَةِ غَائِبٌ كَبِيرٌ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَوْ بِالثُّلُثِ صَدَقَةً أَوْ غَيْرِهَا وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ كُلُّهُمْ فَلَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهَا قَوْلٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْعَقَارِ إلَّا الثُّلُثُ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَكُلُّ مَا لَهُ فِيهِ بَيْعُ الْعَقَارِ فَلَهُ بَيْعُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ عَقَارًا وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارٌ غُيَّبٌ أَوْ بَعْضُهُمْ غُيَّبٌ فَلَهُ بَيْعُ مَا كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ بِخِلَافِ الرِّبَاعِ، وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا، مُحَمَّدٌ أَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُمْ، فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ وَلَا لِلسُّلْطَانِ وَلَهُ بَيْعُ ذَلِكَ فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا رَفَعَ ذَلِكَ السُّلْطَانُ حَتَّى يَأْمُرَهُ أَوْ يَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ مَعَهُ، وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إذَا كَانُوا أَصَاغِرَ وَأَكَابِرَ فَلَا بَيْعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْأَكَابِرُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ غَابُوا بِأَرْضٍ نَائِيَةٍ وَتَرَكَ حَيَوَانًا وَرَقِيقًا وَعُرُوضًا فَلَهُ بَيْعُ ذَلِكَ وَيَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُمْ فَلْيَبِعْ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ وَيَرَى أَنَّ بَيْعَهُ أَفْضَلُ لِلْجَمِيعِ، وَيَقْسِمُ الثَّمَنَ إذَا قَدِمُوا، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ فِي غَيْبَتِهِمْ ثُمَّ مَنْ تَلِفَ حَقُّهُ كَانَ مِنْهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ عَصَبَةً قَالَ سَحْنُونٌ كَيْفَ يَبِيعُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْكِبَارِ الْغُيَّبِ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَكَيْفَ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْعُتْبِيَّة الْمُتَقَدِّمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ الْمُوصَى عَلَى الْغُيَّبِ الْكِبَارِ وَلَا يَبِيعُ لِدَيْنٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَقْسِمَ الثُّلُثَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ لَجَازَ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَقَبِلَهُ، فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ التَّرِكَةَ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ غُيَّبًا كِبَارًا أَوْ فِيهِمْ غَائِبٌ كَبِيرٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ حَتَّى فِي الْعَقَارِ وَمَنَعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ حَتَّى يُرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ فَيَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يَبِيعُ مَعَهُ لِلْغَائِبِ أَوْ يَقْسِمُ مَا يَنْقَسِمُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ فَأَحْرَى أَنْ يَمْنَعَ بَيْعَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى إلَى السُّلْطَانِ، وَيُرَدُّ إنْ وَقَعَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْوَالِ فَكُلُّهَا اسْتِحْسَانٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فرع مات في سفر

[فَرْعٌ مَاتَ فِي سَفَرٍ] فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ فِي سَفَرٍ فَلِأَوْصِيَائِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَعُرُوضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْقُلُ حَمْلُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ بَلْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كِتَابِ السَّلَمِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي سَفَرٍ بِمَوْضِعٍ لَا قُضَاةَ فِيهِ وَلَا عُدُولَ وَلَمْ يُوصِ، فَاجْتَمَعَ الْمُسَافِرُونَ وَقَدَّمُوا رَجُلًا بَاعَ هُنَاكَ تَرِكَتَهُ ثُمَّ قَدِمُوا بَلَدَ الْمَيِّتِ، فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ نَقْضَ الْبَيْعِ إذَا لَمْ يُبَعْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، وَبَلَدُهُ بَعِيدٌ مِنْ مَوْضِعِ الْمَوْتِ إنَّ مَا فَعَلَتْهُ جَمَاعَةُ الرِّفْقَةِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَجَائِزٌ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ هَذَا لِعِيسَى بْنِ مِسْكِينٍ وَصَوَّبَ فِعْلَهُ وَأَمْضَاهُ، وَذَكَرَ الدَّاوُدِيّ أَنَّهُ مَرَّ بِتَرِكَةِ رَجُلٍ غَرِيبٍ يُذْكَرُ أَنَّهُ مِنْ أَجْوَارِ فَاسَ وَوَرَثَتُهُ مَجْهُولُونَ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَأَمَرَهُمْ بِالْبَحْثِ عَنْ وَرَثَتِهِ، فَإِنْ يَئِسَ مِنْهُمْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ رَجُلٌ أَنَّهُ تَسَلَّفَ مِنْ الْمَيِّتِ دِينَارًا فَأَمَرَهُ بِدَفْعِهِ لِأُولَئِكَ الثِّقَاتِ وَيُبَرِّئُهُ ذَلِكَ إذَا أَشْهَدَ عَلَى الدَّفْعِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصَايَا مِنْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ بِالثُّلُثِ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِوَصِيِّ الْمَيِّتِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْوَصَايَا، وَفِي الْقِسْمَةِ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِوَصِيِّ الْمَيِّتِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءَ مَا لِلْوَصِيِّ مِنْ الدُّيُونِ وَالتَّأْخِيرِ بِالنَّظَرِ وَيَأْتِي هُنَاكَ حُكْمُ قَضَاءِ الْوَصِيِّ مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْوَصَايَا وَالْحُقُوقِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْوَصَايَا وَالدُّيُونِ مَعَ الْوَارِثِ فِي الْبَيْعِ نَقَلَهَا فِي اللُّبَابِ وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ، وَمَسْأَلَةُ إرْسَالِ الْوَصِيِّ مَالَ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَمَسْأَلَةُ إرْسَالِ الْقَاضِي مَالَ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهَا فِي أَوَائِلِ الْمُنْتَخَبِ، وَفِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي آخِرِ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَفِي بَابِ الْجِهَادِ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيّ. [فَرْعٌ بَاعَ الْوَصِيُّ عَقَارًا أَكْثَرَ مِنْ حِصَّةِ الْمَيِّتِ وَفَرَّقَهُ] (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَسْأَلَةً وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ عَقَارًا أَكْثَرَ مِنْ حِصَّةِ الْمَيِّتِ وَفَرَّقَهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْوَصِيِّ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَصُّهَا: " وَكَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ أُسْنِدَتْ إلَيْهِ وَصِيَّةٌ بِثُلُثٍ فَنَظَرَ مَعَ الْوَرَثَةِ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ حَتَّى خَلَصَتْ وَفَرَّقَ الثُّلُثَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَغَيْرِ مُعَيَّنِينَ حَسْبَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَكَانَ فِي التَّرِكَةِ شَخْصٌ يُشَارِكُ فِيهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، وَغَيْرُهُ فَبِيعَ فِيمَا بِيعَ وَاشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ الْوَارِثُ وَتَوَزَّعَ ثَمَنُهُ عَلَى قَدْرِ الْمَوَارِيثِ وَالْوَصِيَّةِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ تَأَمَّلْت الْقِصَّةَ فَإِذَا قَدْ وَقَعَ فِيهَا غَلَطٌ وَوَهْمٌ وَقَدْ بِيعَ مِنْ الرُّبْعِ مِنْ الْمَوَارِيثِ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ الْمَيِّتِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ وَثَبَتَ وَوَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ فِي التَّرِكَةِ إذَا لَمْ يُجِزْ سَائِرُ الْأَشْرَاكِ بَيْعَ الزَّائِدِ فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَارِثٍ مُصَابَهُ، وَبَقِيَ مَا لِلثُّلُثِ وَقَدْ فَرَّقَ كَمَا ذَكَرَ فَأَجَابَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ فِيمَا نَفَّذَهُ مِمَّا يَجِبُ مِنْ الثَّمَنِ لِلْحِصَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى حَقِّ الْمَيِّتِ وَيَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ بِمَا نَابَ الْمُوصَى مِنْ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ الْمُعَيَّنِينَ وَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ مِنْهُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُمْ، وَفِيمَا فُرِّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ الَّذِي نَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ انْتَهَى. [مَسْأَلَة أَوْصَى بِوَصِيِّهِ وَجَعَلَ تَنْفِيذهَا إلَى رَجُل أَوْ وَارِث وَشَرْط فِي تَنْفِيذ الْوَصِيَّة دُون مَشُورَة قَاضٍ وَلَا تعقب حَاكِم] مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي بَابِ الْوَصَايَا: إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ كَفَكِّ أَسِيرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، وَجَعَلَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ إلَى رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ وَارِثٍ وَشَرَطَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ دُونَ مَشُورَةِ قَاضٍ وَلَا تَعَقُّبِ حَاكِمٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ أَنْ يَتَعَقَّبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُ فِيهِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مِمَّا يَبْقَى لَهُمْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالْعِتْقِ وَشِبْهِهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقُومُوا حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهَا قَدْ نُفِّذَتْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ لَهَا وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مِمَّا لَا يَبْقَى فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالصَّدَقَةِ فَلَا قِيَامَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنَفِّذُ وَارِثًا انْتَهَى. قَالَ فِي

النَّوَادِرِ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ الْوَرَقَةِ فِي بَابِ الْوَصَايَا سُؤَالٌ سَأَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَنَصُّهُ: الْمُقْدِمُ عَلَى تَنْفِيذِ ثُلُثِ الْمَيِّتِ إذَا أَرَادَ مُقَارَبَةَ الْوَرَثَةِ وَمُسَامَحَتُهُمْ، وَقَدْ جُعِلَ لَهُ فِي التَّقْدِيمِ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ وَغَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ هَلْ لِلْحَاكِمِ النَّظَرُ فِي تَحْصِيلِ الثُّلُثِ وَالْحَوْطَةُ عَلَيْهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُفَوِّضُ نَظَرَهُ إلَيْهِ إذْ التَّفْوِيضُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّفْرِيقِ وَحْدَهُ أَمْ لَا سَبِيلَ لِلْحَاكِمِ إلَيْهِ؟ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ لِلْمُقْدِمِ عَلَى تَنْفِيذِ الثُّلُثِ مُقَارَبَةُ الْوَرَثَةِ وَلَا مُسَامَحَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ شَرَكَ مَعَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي تَحْصِيلِ الثُّلُثِ ثُمَّ يَكِلُ تَنْفِيذَ ذَلِكَ إلَيْهِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي جُعِلَ تَنْفِيذُهَا فِيهِ أَوْ بِمَا يَرَاهُ بِاجْتِهَادٍ إنْ كَانَ فُوِّضَ إلَيْهِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِ الْمُوصِي وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَذَا فِي الْوَصِيِّ الْمَأْمُونِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَأْمُونِ الَّذِي يُخْشَى عَلَيْهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُنَفِّذُهَا فَيُكَلِّفُهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَنْفِيذِهَا عَلَى مَعْنَى مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ ضَمِنَ إنْ كَانَ سَارِقًا مُعْلِنًا، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا وَلَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اُسْتُحْلِفَ وَلَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَنْكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُونٌ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ هُوَ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي، وَنَصُّهُ: " وَسَمِعْته يُسْأَلُ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِوَصَايَا مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يَكْشِفُوهُ عَنْهَا وَأَنْ يُطْلِعَهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَكْشِفُوهُ عَنْهَا إذَا كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا مُعْلِنًا مَارِقًا فَيُكْشَفُ عَنْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَكْشِفُوهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ وَلَا سَفِيهٍ عَنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُمْ الْوَلَاءَ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ سَفِيهًا مُعْلِنًا فَأَرَى أَنْ يُكْشَفَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ مَنْ يَقْبِضُ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُنَفِّذُ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْوَصِيَّ يَكْشِفُ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهِ مِنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَبْقَى فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْوَرَثَةِ إذَا كَانَ سَفِيهًا مُعْلِنًا مَارِقًا يُبَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقُومُوا مَعَهُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَبْقَى لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالْعِتْقِ وَشِبْهِهِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ يُكْشَفُ عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ سَفِيهًا مُعْلِنًا مَارِقًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ نَقِيضُهُ عَلَيْهَا أَوْ اسْتِهْضَامُهُ لَهَا ضَمَّهُ إيَّاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ الِاشْتِهَارِ بِالسَّفَهِ وَالْمُرُوقِ وَاتُّهِمَ اُسْتُحْلِفَ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالثِّقَةِ لَمْ تَلْحَقْهُ يَمِينٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ حَتَّى يُعْرَفَ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ اهـ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَنَصُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَحْنُونٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْت مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ وَأَنْ يُحْمَلَ عَنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَارِثًا فَيُرِيدُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنْ يُنَفِّذَ ذَلِكَ وَيَنْظُرَ فِيهِ مَعَهُ قَالَ إنْ كَانَ وَارِثًا رَأَيْت ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَخْلَفَ وَارِثًا فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ لِلْوَرَثَةِ كَالْعِتْقِ، وَمَا أَشْبَهَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَخْلَفَ عَلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ وَارِثًا مِنْ وَرَثَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغِيبَ عَلَى تَنْفِيذِ ذَلِكَ دُونَ سَائِرِهِمْ، وَلِمَنْ قَامَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّذَ ذَلِكَ وَيَنْظُرَ مَعَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَوْصَى إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ سَوَاءٌ سَمَّى الْمَيِّتَ مَا يُنَفِّذُهَا فِيهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ، قَالَ فِي الْبَيَانِ أَوْ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ أَوْ كَانَ قَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ، وَأَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَارِثٍ عَلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِمْ وَلَا لَهُمْ أَنْ يَكْشِفُوهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ فِي الرِّوَايَة إلَّا فِيمَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ لِلْوَرَثَةِ كَالْعِتْقِ وَشِبْهِهِ وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي تَبْقَى فِي الْعِتْقِ هُوَ الْوَلَاءُ الَّذِي يَنْجَرُّ عَنْ الْمُتَوَفَّى إلَى مِنْ يَرِثُهُ عَنْهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ دُونَ غَيْرِهِمْ إذْ قَدْ يَرِثُهُ مَنْ لَا يَنْجَرُّ إلَيْهِ

مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ وَهُمْ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالزَّوْجَاتُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْجَدَّاتُ، وَقَدْ يَنْجَرُّ إلَى مَنْ لَمْ يَرِثْهُ مِمَّنْ حُجِبَ عَنْ مِيرَاثِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْعَصَبَةِ فَالْحَقُّ فِي كَشْفِ الْوَصِيِّ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْعِتْقِ إنَّمَا هُوَ مِمَّنْ يَنْجَرُّ إلَيْهِ الْوَلَاءُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَلَا كَلَامَ لِمَنْ يَنْجَرُّ إلَيْهِ الْوَلَاءُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ الْعِتْقَ فِي بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِلْوَرَثَةِ هُوَ الْإِخْدَامُ وَالتَّعْمِيرُ وَالتَّحْبِيسُ، فَأَمَّا الْإِخْدَامُ وَالتَّعْمِيرُ فَالْحَقُّ فِيهِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَيْهِمْ وَأَمَّا التَّحْبِيسُ فَمِنْهُ مَا يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ، وَمِنْهُ مَا يَخْتَلِفُ هَلْ يَرْجِعُ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِ فَالْحَقُّ فِي بِالْمُحْبَسِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ لِمَنْ رَجَعَ إلَيْهِ مِنْهُمْ وَالْحَقُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي يَخْتَلِفُ هَلْ يَرْجِعُ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ لِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ وَأَقَارِبِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَنْ قَامَ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ كَشْفُهُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَنْفَذَهُ لِمَا قَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِاتِّفَاقٍ أَوْ عَلَى اخْتِلَافٍ وَهَذَا فِي الْوَصِيِّ الْمَأْمُونِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْمُونِ فَيَكْشِفُ عَنْ الْوَصَايَا مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ بِالْعَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمُعْلِنَ الْمَارِقَ يَكْشِفُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُونٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَعُلِمَ مِنْ لَفْظِ السَّمَاعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَصِيُّ لِلْمُوصَى تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ دُونَ مَشُورَةِ قَاضٍ وَلَا تَعَقُّبِ حَاكِمٍ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ وَغَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي السُّؤَالِ فِي النَّوَادِرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ كَمَا فِي لَفْظِ السَّمَاعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّهَادَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا عَلَى مَا فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ أَمَرْتَهُ بِصَدَقَةٍ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ ضَمِنَ حِصَّةَ مِنْ كَذَّبَهُ وَلَوْ أَمَرْتَهُ بِصَدَقَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبَيِّنُ مَسْأَلَةَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ، قَالَ فِيهِ: فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ صُدِّقَ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ يَمِينًا ابْنُ يُونُسَ يَحْلِفُ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى كَشْفُ وَارِثِ الْمَحْجُورِ الْوَصِيَّ عَمَّا بِيَدِهِ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ: وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَحْجُورِ، وَلَا لِوَلِيِّهِ أَنْ يَكْشِفَ الْوَصِيَّ عَمَّا بِيَدِهِ لِمَحْجُورِهِ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نُسَخَ عُقُودِهِ وَلَكِنْ لِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَ الْوَصِيَّ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ لِلْيَتِيمِ بِمَالِهِ بِيَدِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي الْوَصَايَا، وَنَصُّهُ: " وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَجُلٍ لَهُ وَلِيٌّ مَحْجُورٌ، وَلَهُ مَالٌ وَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَاتٍ وَنَحَلَ نِحَلًا، فَطَلَبَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ وَصِيِّهِ أَوْ مِنْ الْحَاكِمِ نَسْخَ تِلْكَ الْعُقُودِ وَقَامَ فِي الْكَشْفِ لِوَصِيِّهِ عَمَّا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ وَارِثُهُ وَأَنَّ الْمَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ هَذَا الْمَحْجُورُ صَارَ إلَيْهِ، هَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: لَيْسَ لِوَارِثِ الْيَتِيمِ أَنْ يَسْتَكْشِفَ وَصِيَّهُ عَمَّا لَهُ بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ أَوْ يُخَاصِمَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نُسَخَ عُقُودِهِ، وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يَشْهَدَ لِيَتِيمِهِ بِمَالِهِ بِيَدِهِ، فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ الْحَاكِمُ بِبَيَانِهِ أَنْ يُوقَفَ فَيُعَيَّنُ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدَهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا، وَسُئِلَ يَعْنِي مَالِكًا فَقِيلَ لَهُ: إنَّ سَيِّدِي كَاتَبَنِي وَأَوْصَى إلَيَّ فَسَأَلَنِي بَعْضُ مَوَالِي وَهُوَ وَلَدُ سَيِّدِي عَمَّا فِي يَدِي، وَعَمَّا رَبِحْت فِيهِ، وَأَنَا عِنْدَ النَّاسِ كَمَا أَحَبَّ أَفَذَلِكَ عَلَيَّ؟ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْك أَلَيْسَ مَا فِي يَدِكَ مَالٌ مَعْرُوفٌ، قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَهُ، وَيَعْلَمَ مَا رَبِحْت فِيهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. وَقَوْلُهُ: وَأَوْصَى إلَيَّ يُرِيدُ أَنَّهُ أَوْ أَوْصَى إلَيْهِ بِالنَّظَرِ عَلَى بَنِيهِ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا رَبِحَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي هُوَ نَاظِرٌ فِيهِ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْشِفَ عَمَّا بِيَدِهِ إلَّا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتْلَفَهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ فَإِذَا كَانَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مَعْرُوفًا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ وَلَا يُخْبِرَ بِمَا

رَبِحَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَضَاضَةٌ عَلَيْهِ إذْ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ، وَسَيِّدُهُ قَدْ اسْتَأْمَنَهُ وَوَثِقَ بِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى كَشْفُ الْمَرْأَةِ الْمُوصَى إلَيْهَا بِوَلَدِهَا إذَا تَزَوَّجَتْ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ، وَنَصُّهُ: " وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ هَلَكَ زَوْجُهَا وَأَوْصَى إلَيْهَا بِوَلَدِهَا وَبِمَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ فَتَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَخِيفَ عَلَى الْمَالِ أَتَرَى أَنْ يُكْشَفَ؟ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا بَأْسَ بِحَالِهَا فَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ كُشِفَ مَا قِبَلَهَا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا قَالَ إنَّهُ يُكْشَفُ مَا قِبَلَهَا إنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْمَالِ عِنْدَهَا وَلَا يُكْشَفُ إنْ كَانَ لَا بَأْسَ بِحَالِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ جَهْلِ حَالِهَا وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ غُلِبَتْ عَلَى حَالِ أَمْرِهَا حَتَّى تَعْمَلَ مَا لَيْسَ بِصَوَابٍ إنَّهَا عِنْدَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخَوْفِ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَتْ فَيُكْشَفُ مَا قِبَلَهَا إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَالِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ مَا سَمِعْت هَذَا فِي الْمَالِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى حَالِهَا، فَإِنْ رَضِيَ حَالَهَا وَسِيرَتَهَا، وَالْمَالُ يَسِيرٌ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا مُحَمَّدٌ وَلَمْ يُكْشَفْ إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا، وَلَا هِيَ مُقِلَّةٌ وَخِيفَ مِنْ نَاحِيَتِهَا. وَأَرَى أَنْ يُنْزَعَ الْمَالُ مِنْهَا، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَهِيَ عَلَى الْوَصِيَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُبَرِّزَةً إلَّا مِنْ إبْقَاءِ الْمَالِ عِنْدَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ فِي الْحَزْمِ وَالدِّينِ وَالْيَسِيرِ وَالْحِرْزِ فَيُقِرُّ بِيَدِهَا (قُلْت) وَإِذَا خِيفَ عَلَى الْمَالِ عِنْدَهَا فَنُزِعَ مِنْهَا وَلَمْ تُعْزَلْ هِيَ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلْيُقَدَّمْ مَعَهَا مَنْ يَكُونُ الْمَالُ عِنْدَهُ وَيُشَاوِرُهَا فِي النَّظَرِ انْتَهَى. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. ص (وَلَا يُقْسَمُ عَلَى حَاكِمٍ غَائِبٍ بِلَا حُكْمٍ) ش: هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي قِسْمَةِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ غَائِبٌ لَمْ تَجُزْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ وَلَا يَقْسِمُ لِغَائِبٍ إلَّا الْإِمَامُ وَيُوَكِّلُ بِذَلِكَ وَيَجْعَلُ مَا صَارَ لَهُ بِيَدِ أَمِينٍ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقُولَ: أَبْقُوا حَقَّ الْغَائِبِ بِيَدِي انْتَهَى. أَوَّلُهُ بِالْمَعْنَى، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّنْ هَلَكَ وَتَرَكَ وَرَثَةً أَحَدُهُمْ غَائِبٌ وَتَرَكَ حَائِطًا اقْتَسَمُوهُ بِمَحْضَرِ جَمْعٍ لَا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَعَزَلُوا لِلْغَائِبِ حَظَّهُ وَوَقَعَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْحُظُوظِ، وَالِاسْتِغْلَالُ فِي بَعْضِهَا، وَالْعِمَارَةُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ هَلْ يُمْضُونَ الْقَسْمَ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تَكُونُ الْغَلَّةُ لِمَنْ اغْتَلَّ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَمْضِي الْبَيْعُ وَالتَّفْوِيتُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ فَاسِدَةٌ، وَتُرَدُّ الْبِيَاعَاتِ، وَمَا اغْتَلَّهُ الْمُتَقَاسِمُونَ فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ وَمَا اغْتَلَّهُ الْمُشْتَرُونَ، فَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِالْغَائِبِ فَعَلَيْهِمْ رَدُّ حَظِّهِ إلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عَالِمِينَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَلَّةِ وَيَكُونُ لَهُمْ أَجْرُ قِيَامِهِمْ وَتَعَبِهِمْ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ. ص (وَالِاثْنَيْنِ حَمْلٌ عَلَى التَّعَاوُنِ) ش: قَالَ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ مِنْ

مسألة أوصى على ابنه إلى فلان وفلان فمن مات منهما أو غاب فالباقي منفرد فثبت سخطة أحدهما

الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَوْصَى إلَى وَصِيَّيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا نِكَاحٌ وَلَا غَيْرُهُ دُونَ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ قَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لِصَاحِبِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ اُخْتُلِفَ نَظَرَ السُّلْطَانُ ثَمَّ وَلَا يُخَاصِمُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ إلَّا مَعَ صَاحِبِهِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَعْوَى وَأَحَدُهُمْ حَاضِرٌ خَاصَمَهُ، وَيُقْضَى لَهُ وَيَكُونُ الْغَائِبُ إذَا قَدِمَ عَلَى حُجَّةِ الْمَيِّتِ انْتَهَى. زَادَ اللَّخْمِيُّ إثْرَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُخَاصِمُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ إلَّا مَعَ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ أَوْ يَكُونَ غَائِبًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ فِي أُصُولِ الْفَتْوَى: وَلَا يُخَاصِمُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ فِيمَا يَطْلُبُونَهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَجَائِزٌ أَنْ يُخَاصِمَ أَحَدُهُمْ فِيمَا يُطْلَبُ بِهِ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ، وَيَكُونُ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ انْتَهَى. فَإِنْ أَنْكَحَ أَحَدُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ، فَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى دُونَ صَاحِبِهِ وَأَرَادَ صَاحِبُهُ رَدُّهُ رَفَعَهُ لِلسُّلْطَانِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَإِنْ فَعَلَ وَأَرَادَ الْآخَرُ رَدَّ فِعْلِهِ، فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ، فَإِنْ فَاتَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ كَانَ عَلَى الَّذِي انْفَرَدَ بِالْبَيْعِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى وَفَاتَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ كَانَتْ السِّلْعَةُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ وَغَرِمَ الثَّمَنَ، وَقَالَ أَشْهَبُ إلَّا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ الَّذِي لَا بُدَّ لِلْيَتِيمِ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَغِيبَ أَحَدُهُمَا فَيَشْتَرِي الْبَاقِي الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَمَا يَضُرُّ بِالْيَتِيمِ اسْتِئْجَارُهُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَاب الرُّهُونِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُرْهِنَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ رَهْنًا فِيمَا يُبْتَاعُ لَهُ مِنْ مَصَالِحِهِ كَمَا يَتَدَايَنُ عَلَيْهِ وَلَا يَدْفَعُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ رَهْنًا مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ نَظَرَ الْإِمَامُ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " حَمْلًا عَلَى التَّعَاوُنِ " هَذَا إنْ أَطْلَقَ الْمَيِّتُ وَأَمَّا إنْ نَصَّ عَلَى اجْتِمَاعٍ أَوْ انْفِرَادٍ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يُتَّبَعُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، فَإِنْ قَدِمَ عَلَى الْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ عَنْ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُقَدَّمُ أَنَّ مَنْ عَاقَهُ مِنْهُمَا عَائِقٌ انْفَرَدَ صَاحِبَهُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَائِقِ اهـ. [مَسْأَلَة أَوْصَى عَلَى ابْنِهِ إلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ فَثَبَتَ سَخْطَةُ أَحَدِهِمَا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ السَّفِيهِ وَقَالُوا فِي رَجُلٍ أَوْصَى عَلَى ابْنِهِ إلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ فَثَبَتَ سَخْطَةُ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَكِّلَ مَعَ الْبَاقِي نَاظِرًا مَأْمُونًا وَلَا يَنْفَرِدُ؛ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ لِسَخْطَةٍ لَمْ يَمُتْ وَلَا غَابَ انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْوَصِيِّ مَنْزِلَةَ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ قَالَ الْمَشَذَّالِيّ وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ مَا، نَصُّهُ: " وَسَبَبُ الْمُشَاوَرَةِ كَسَبَبِ الْوَصِيِّ أَوْ أَقْوَى، وَانْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ رُشْدٍ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمُشْرِفَ لَيْسَ بِوَلِيٍّ وَلَا وَصِيٍّ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمَشُورَةُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ فِي بَابِ الْوَصَايَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا فَلَهُ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى أَفْعَالِ الْوَصِيِّ كُلِّهَا، وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَضَى إنْ كَانَ سَدَدًا وَإِلَّا رَدَّهُ، وَشَهَادَةُ الْمُشْرِفِ لِلْمَحْجُورِ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ انْتَهَى. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَحْجُورِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْكَلَامَ عَلَى الْوَصِيَّيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَصِيٍّ فَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَالُ عِنْدَ الْوَصِيِّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ عَلَى مَحْجُورِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْرِفِ، وَإِنَّمَا لِلْمُشْرِفِ النَّظَرُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ رَأْيِهِ رَدَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نُظِرَا، وَقَالَ غَيْرُهُ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى أَفْعَالِ الْوَصِيِّ كُلِّهَا مِنْ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَنْقَلِبُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَضَى إنْ كَانَ سَدَادًا وَإِلَّا رَدَّهُ الْمُشْرِفُ، وَإِنْ أَرَادَ رَدَّ السَّدَادِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَنَظَرَ السُّلْطَانُ فِيهِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إنْ لَمْ يُجْبَرْ، كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي النَّوَازِل عَلَى الْمُشْرِفِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمَشُورَةُ وَالْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ إنْ عَقَدَ الْوَصِيُّ

بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ مُخْتَصَرِ النَّوَازِلِ أَفْتَى الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ الْمَحْجُورَ إذَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِفِ عَلَى وَصِيِّهِ فِي أَمْرٍ عَدَاوَةٌ أَوْ مُخَاصَمَةٌ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ عَنْ الْإِشْرَافِ انْتَهَى. وَهِيَ فِي مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ مِنْ النَّوَازِلِ مَبْسُوطَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ وَإِلَّا ضَمِنَا) ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ جَعَلَهُ الْإِمَامُ عِنْدَ أَكْفَئِهِمَا، وَلَوْ اقْتَسَمَا الصِّبْيَةَ فَلَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّةَ مَنْ عِنْدِهِ مِنْ الصِّبْيَانِ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ جَعَلَاهُ عِنْدَ أَدْنَاهُمَا عَدَالَةً لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عَدْلٌ ثُمَّ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا طُبِعَ عَلَيْهِ، وَجُعِلَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " وَإِلَّا ضَمِنَا " أَيْ، وَإِنْ اقْتَسَمَاهُ ضَمِنَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَظَاهِرُهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ إنْ قَسَمَ الْوَصِيَّانِ الْمَالَ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا دُونَ إذْنِ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَيَرُدُّهُ الْآخَرُ، وَيَضْمَنُهُ إنْ فَاتَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الْمُوصِي أَنَّ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ فَالْبَاقِي مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِالْوَصِيَّةِ فَفِعْلُ أَحَدِهِمَا جَائِزٌ وَقْتَ مَغِيبِ الْآخَرِ أَوْ شُغْلِهِ مِنْ غَيْرِ وَكَالَةٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ حِينَئِذٍ (قُلْت) هَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا سَحْنُونٍ انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ الْبُرْزُلِيِّ. ص (وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْوَصِيِّ مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ الدَّيْنِ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَصَايَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَيِّتِ يَشْهَدُ وَصِيُّهُ أَنَّ ثُلُثَهُ صَدَقَةٌ وَلَا يَشْهَدُ غَيْرُهُ قَالَ إنْ خَفِيَ لَهُ وَأَمِنَ إذَا أَخْرَجَهُ فَلْيَفْعَلْ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا، وَهُوَ لَا يَخَافُ عَاقِبَتَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَكَذَلِكَ مَا سُئِلْت عَنْهُ مِنْ الْوَصَايَا وَالْحُقُوقِ وَالدُّيُونِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ فِي تَرِكَتِهِ عَبْدًا حُرًّا يُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْ فِي ثُلُثِهِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُهْمِلَهُ وَلَا يَعْرِضَ لَهُ بِبَيْعٍ وَلَا خِدْمَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ الْوَارِثُ فِيمَا عُلِمَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَهَذَا الْبَابُ كَثِيرٌ مَعْنَاهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ انْتَهَى. وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مِنْهَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي صَغِيرٍ يُوصِي لَهُ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ إلَّا الْوَصِيُّ، فَإِنْ خَفِيَ لِلْوَصِيِّ دَفْعُ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَكَذَلِكَ لَوْ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَلَهُ دَفْعُهُ إنْ خَفِيَ لَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا لَحَلَفَ، وَأَخَذَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُوقَفُ لِلصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ فَيَحْلِفَ لَكَانَ بَيْنَهُمْ فِي بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِهِ إلَى بُلُوغِهِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْوَصَايَا الْأَوَّل فِي تَرْجَمَةِ الْوَصِيِّ يَقْضِي عَنْ الْمُوصِي الدَّيْنَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَشْهَبُ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ عَنْ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ أَمْرٍ قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ فِيهِ بَيِّنَةُ عُدُولٍ، وَالثِّقَةُ لَهُ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَّا بِأَمْرِ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ فَجُرِحَ شُهُودُ الدَّيْنِ لَضَمِنَ أُخِذَتْ مِمَّنْ قَبَضَهَا، وَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ قَاضٍ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَقْبَلْ تَجْرِيحَهُمْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ نَفَذَ، وَإِنْ دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْغَرِيمِ ثُمَّ قَامَ آخَرُونَ فَأَثْبَتُوا دَيْنَهُمْ وَجَرَّحُوا بَيِّنَةَ الْأَوَّلِ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا أَخَذَ أَوْ يُغَرِّمُهُ الْقَائِمُونَ أَوْ يَدَعُوا الْوَصِيَّ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْوَصِيِّ بِشَيْءٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بِقَضِيَّةٍ لَمْ يَضْمَنْ لِلْقَائِمِينَ بَعْدَهُ وَرَجَعُوا عَلَى الْأَوَّلِ بِحِصَّتِهِمْ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ عَالِمًا بِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ أَوْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ فَيَضْمَنُ لِمَنْ أَتَى وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ لَمْ يَرْجِعُوا إلَّا عَلَى مَنْ أَخَذَ، وَقَالَ فِي قَضَاءِ الْوَرَثَةِ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ كَمَا قَالَ فِي الْوَصِيِّ، وَقَالَ فِي الصَّبِيِّ، وَقَالَ مِثْلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إذَا تَأَنَّوْا وَلَمْ يُعَجِّلُوا وَبَعْدَ الصِّيَاحِ فِي الدَّيْنِ، وَفَعَلُوا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ السُّلْطَانُ فَلَا يَضْمَنُوا، وَأَمَّا إنْ عَجَّلُوا ضَمِنُوا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ رَجَعَ الطَّارِئُ عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْوَصِيَّيْنِ يَدْفَعَانِ دَيْنًا

بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ الْوَارِثَيْنِ ثُمَّ يَطْرَأُ دَيْنٌ آخَرُ أَوْ وَارِثٌ ثُمَّ يَقْدُمُ، فَإِنْ دَفَعَا بِأَمْرِ قَاضٍ لَمْ يَضْمَنُوا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَا، وَأَمَّا بَعْدَ الدَّفْعِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ قَاضٍ فَيَضْمَنَانِ انْتَهَى. ص (وَالنَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْلِ بِالْمَعْرُوفِ) ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَخَذَ يَشْرَبُ خَمْرًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا مِنْ الْكَبَائِرِ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ اشْتِغَالِهِ بِهِ وَخِدْمَتِهِ فِيهِ وَقِيَامِهِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ إلَّا مَا لَا ثَمَنَ لَهُ وَلَا قَدْرَ لِقِيمَتِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا ثَمَنَ لَهُ فِيهِ وَمِثْلُ الْفَاكِهَةِ مِنْ حَائِطِهِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَكْتَسِيَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَمَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ ذَلِكَ وَأَمَّا الْغَنِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ خِدْمَةٌ وَلَا عَمَلٌ سِوَى أَنْ يَتَفَقَّدَهُ وَيُشْرِفَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ إلَّا مَا لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا بَالَ، مِثْلُ اللَّبَنِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا ثَمَنَ لَهُ فِيهِ، وَالثَّمَرُ يَأْكُلُهُ مِنْ حَائِطِهِ إذَا دَخَلَهُ وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ خِدْمَةٌ وَعَمَلٌ، فَقِيلَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِيهِ وَخِدْمَتِهِ لَهُ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَنَقَلَهُ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَفِي خَتْنِهِ وَعُرْسِهِ وَعِيدِهِ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ: وَلْيُوَسِّعْ عَلَيْهِمْ وَلَا يُضَيِّقْ وَرُبَّمَا قَالَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُمْ بَعْضُ مَا يُلْهِيهِمْ بِهِ وَذَلِكَ مِمَّا يُطَيِّبُ نُفُوسَهُمْ بِهِ انْتَهَى. ص (وَإِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ وَزَكَاتِهِ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الصَّبِيِّ فِطْرَتَهُ وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَالِهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُشْهِدُ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَكَانَ مَأْمُونًا صُدِّقَ انْتَهَى. وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا هَلْ يَلْزَمُهُ غُرْمُ الْمَالِ أَوْ يَحْلِفُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. ص (وَرَجَعَ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ حَنَفِيًّا) ش تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَدَفَعَ مَالَهُ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتَّجِرَ لِلْيَتِيمِ أَوْ يُقَارِضَ لَهُ بِهِ غَيْرُهُ انْتَهَى. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَوَاهِرِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِالْأَمْنِ، وَنَصُّهُ: " الشَّيْخُ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَلَا يَضْمَنُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قُلْت مَعَ الْأَمْنِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ نَحْوُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى لَهُمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَيَشْتَرِيَ لَهُمْ الرَّقِيقَ لِلْغَلَّةِ وَالْحَيَوَانَ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَشِبْهَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حَسَنٌ، وَقَدْ فَعَلَهُ السَّلَفُ وَقَدْ أَعْطَتْ عَائِشَةُ مَالَ يَتِيمٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَأَنْكَرَ مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ يُقْرِضُوا أَمْوَالَهُمْ لِمَنْ يَضْمَنُهَا، وَأَعْظَمَ كَرَاهِيَتَهُ قَالَ أَشْهَبُ: وَلَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ يَتِيمِهِ بِبَدَنِهِ أَوْ يُؤَاجِرَ لَهُ مَنْ يَتَّجِرَ أَوْ يَدْفَعُهُ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً عَلَى اجْتِهَادِهِ وَلَا يَضْمَنُ وَلَهُ أَنْ يُودِعَ مَالَهُ عَلَى النَّظَرِ، وَلِأَمْرٍ يَرَاهُ فَإِمَّا أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِمَنْ يَأْخُذُهُ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ وَذَكَرَ كُلَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ

لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَشْهَبُ وَمِنْ هَذِهِ الدَّوَاوِينِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ قِرَاضًا إذَا دَفَعَ إلَى أَمِينٍ وَلَا يَضْمَنُ، قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَهُ أَنْ يُبْضِعَ لَهُمْ وَيَبْعَثَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَلَهُ أَنْ يُودِعَ مَالَهُمْ وَيُسَلِّفَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُسَلِّفُهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَمَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ فَلَا انْتَهَى. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لِلْوَصِيِّ دَفْعُ مَالِهِ قِرَاضًا وَبِضَاعَةً، وَمِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: " وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً " وَمِنْ قَوْلِ النَّوَادِرِ: وَلَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ التِّجَارَةُ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْسَنُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى مُحَمَّدٌ إنَّمَا لِلْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فِعْلُ مَا يُنَمِّيهِ أَوْ يَنْفَعُهُ، اللَّخْمِيُّ وَحَسَنٌ أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْمَذْكُورُ هُوَ فِي بَابِ الْوَصَايَا وَصَرَّحَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَقَدْ فَعَلَهُ السَّلَفُ. (الثَّانِي) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الضَّمَانَ الَّذِي يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى حَرَامٌ يُضَمِّنُونَهَا أَقْوَامًا يَكُونُ لَهُمْ رِبْحُهَا، وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُهَا، وَالسُّنَّةُ فِيهَا إنْ كَانَ لَهُمْ وَصِيٌّ ثِقَةٌ لَمْ تُحَرَّكْ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيٌّ اسْتَوْدَعَهَا الْقَاضِي عِنْدَ ثِقَةٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْوَجْهُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَتَّجِرُ فِيهَا تَطَوُّعًا لِلثَّوَابِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَعَلَى سَبِيلِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُودِعَتْ عِنْدَ مَنْ يُوثَقُ بِهِ، فَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهَا الْمُودَعُ فَتَسَلَّفَهَا ضَمِنَهَا وَسَقَطَ عَنْ الْيَتَامَى زَكَاتُهَا، وَلَمْ يَحِلَّ أَنْ يَضْمَنَ لِأَحَدٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ رِبْحُهَا؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ لَمْ يَبْتَغِ بِهِ الْمُقْرِضُ إلَّا مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لَا مَنْفَعَةَ الْمُقْتَرِضِ اهـ. مُخْتَصَرًا، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ يُقْرِضُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى لِمَنْ يَضْمَنُهَا، وَأَعْظَمُ كَرَاهِيَةً، فَالْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي الْعُتْبِيَّة وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُسَلِّفَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَوْ أَخَذَ رَهْنًا وَأَمَّا الْعَمَلُ بِهِ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُمْ فِيهِ رِبْحٌ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ الَّذِي لَا حِيلَةَ فِيهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُسَلِّفَ مَالَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ اللَّخْمِيُّ بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَلَفْظُهُ: " وَلَا يُسَلِّفُ مَالَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرَ التَّجْرِ لَهُ وَيُسَلِّفُ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِمَّا يَصْلُحُ وَجْهُهُ مَعَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا إسْلَافُ الْمُوصَى مَالَهُ فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَرْكَبَ لَهُ دَابَّةً، وَلَا يَتَسَلَّفَ مَالَهُ وَقَالَهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَمَنْ مَاتَ فِي سَفَرٍ وَأَوْصَى رَجُلًا فَلَا يَتَسَلَّفُ الْوَصِيُّ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَتَاعِهِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَسَلَّفَ مِنْ مَالٍ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ، وَأَجَازَ بَعْضُ النَّاسِ فَرُوجِعَ فَقَالَ: إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ فَأَرْجُو إذَا أَشْهَدَ أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْهَا فِي تَرْجَمَةِ زَكَاةِ مَالِ الْمَفْقُودِ وَالصَّبِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِنْ اسْتَنْفَقَ مَالَ يَتِيمِهِ وَلَهُ بِهِ مُلَاءٌ وَخَافَ أَنْ يَعْذِرَ لَهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَالَهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسَلِّفُهُ وَيَسْتَسْلِفُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلَاءٌ فَلَا يَسْتَسْلِفُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَر الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَإِنْ تَرَكَ وَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِهِ أَوْ يُبْضِعَ لَمَّا خَشِيَ مِنْ التَّعْزِيرِ بِهِ وَتَجَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَضْمَنُهُ أَوْ اسْتَنْفَقَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ بِهِ وَفَاءٌ إنْ عَطِبَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ وَفَاءٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَهُ وَلَا أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلتَّلَفِ وَلَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَالرِّبْحُ لَهُ بِتَعَدِّيهِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بَعْدُ قَالَ فَضْلٌ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا ابْنَ الْمَاجِشُونِ

فرع الوصي أيصالح عن الأيتام

فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْيَتِيمِ، وَالضَّمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ بِتَعَدِّيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي سَمَاعِهِ هَذَا إذَا تَجَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا وَفَاءَ لَهُ انْتَهَى. ص (وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ) ش: قَالَ الشَّارِحُ أَيْ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمُؤَاجِرِ نَفْسِهِ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. زَادَ فِي الْوَسَطِ وَقِيلَ إنْ عَمِلَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ مَضَى كَشِرَاءِ شَيْءٍ لِلْيَتِيمِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: لَا يَمْضِي مُطْلَقًا وَكَذَا سَاقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّامِلِ وَصَدَّرَ بِالْأَوَّلِ، وَعَطَفَ الثَّانِيَ بِقِيلَ، وَنَصُّهُ: " وَلَوْ دَفَعَ مَالَهُ قِرَاضًا وَدِيعَةً وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ إنْ وَقَعَ عَلَى جُزْءٍ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ كَشِرَاءِ سِلْعَةٍ لِيَتِيمِهِ لَا لِنَفْسِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ، وَهَلْ يَوْمُ الشِّرَاءِ أَوْ يَوْمُ الدَّفْعِ أَوْ الْآنَ؟ أَقْوَالٌ، وَقِيلَ تُعَادُ لِلسُّوقِ، فَإِنْ زَادَ فَلِلْيَتِيمِ وَإِلَّا مَضَى، وَفِيهَا سُئِلَ عَنْ حِمَارَيْنِ ثَمَنُهُمَا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَتَسَوَّقَ بِهِمَا بَدْوًا وَحَضَرًا فَأَرَادَ الْوَصِيُّ أَخْذَهَا بِمَا أَعْطَى فَأَجَازَهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ، وَنَصُّهُ: لِأَشْهَبَ فِي الْكِتَابَيْنِ لَا يَعْمَلُ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ قِرَاضًا كَمَا لَا يَبِيعُ مِنْهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَشْتَرِي لَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابٍ آخَرَ: إنْ أَخَذَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ مَضَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابَيْنِ الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْ كَمَالِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمُفَرَّعٌ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ: " قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَعْمَلُ هُوَ بِهِ قِرَاضًا عِنْدَ أَشْهَبَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّهُ كَمُؤَاجِرِ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَبِيعُ لَهُ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الرِّبْحِ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ أُمْضِيَ كَشِرَائِهِ لِلْيَتِيمِ اهـ. وَانْظُرْ ع ز وَابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِأَشْهَبَ وَقَبُولُ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ وَإِقْرَارُهُ مَعَ أَنَّهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَهُوَ نَصُّهَا الْمُتَقَدِّمُ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتَّجِرَ لِلْيَتِيمِ أَوْ يُقَارِضَ لَهُ بِهِ غَيْرُهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: مَخَافَةَ أَنْ يُحَابِيَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ نَفْسِهِ خَوْفَ أَنْ يُحَابِيَ نَفْسَهُ، فَإِنْ عَمِلَ بِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ مِثْلَ الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّى كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شُرِطَ، وَإِنْ خَسِرَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ لَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ، فَإِنْ خَسِرَ اُخْتُلِفَ هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ وَالتَّضْمِينُ ضَعِيفٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَزِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ وَسُئِلَ عَنْ الْوَصِيِّ يُقَارِضُ بِمَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي أُوصِيَ إلَيْهِ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى أَمِينٍ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ يَتِيمِهِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ بِمَا يَنْظُرُ لِنَفِيسِهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ أَوْ يُقَارِضَ بِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَعْمَلَ هُوَ بِهِ مُضَارَبَةً، قَالَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ، فَإِنْ عَمِلَ بِهِ بِقِرَاضِ مِثْلِهِ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ عَمِلَ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِرَاضِ مِثْلِهِ، فَغَبَنَ الْيَتِيمَ فِي ذَلِكَ رَدَّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَضَمِنَ الْمَالَ إنْ تَلِفَ قَالَ يَحْيَى بْنُ إبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ: فِي الضَّمَانِ ضَعِيفٌ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِيهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّ مَا فِي ابْنِ مُزَيْنٍ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْسِيرٍ لَهَا كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَكَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرَعٌ الْوَصِيِّ أَيُصَالِحُ عَنْ الْأَيْتَامِ] (فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي الرُّهُونِ: أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَحْجُورِ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، وَخَافَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْمَحْجُورِ أَوْ طَلَبَ الْمَحْجُورُ دَعْوَى عَلَى الْغَيْرِ فَخَافَ الْوَصِيُّ أَنْ لَا يَثْبُتَ أَنَّهُ يُصَالِحُ عَلَى الْبَعْضِ بِعَطِيَّةٍ أَوْ يَأْخُذَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ جَوَّزَ دَفْعَ الْمَالِ مُضَارَبَةً مَعَ احْتِمَالِ ذَهَابِهِ فَضْلًا عَنْ حُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ فَضْلًا عَنْ الرِّبْحِ قُلْت

تنبيه إبراء الوصي عنه الإبراء العام

قَالَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْوَصِيِّ أَيُصَالِحُ عَنْ الْأَيْتَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ رَآهُ نَظَرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَظَاهِرُهَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ الْأَيْتَامِ فِيمَا يَرَاهُ نَظَرًا فِيمَا طُلِبَ لَهُ وَطُلِبَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ، وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ إذَا خَشِيَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ مَا ادَّعَاهُ أَوْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْضَ مَا يُطْلَبُ إذَا خَشِيَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ جَمِيعَهُ، وَهُوَ لَهُ فِي النَّوَادِرِ مَكْشُوفُ خِلَافِ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا يُطْلَبُ لَهُ لَا فِيمَا يُطْلَبُ بِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، الْمَشَذَّالِيّ اُنْظُرْ الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ دَارِهِ إذَا وَهَتْ أَوْ خَشِيَ تَهَدُّمَهَا انْتَهَى. [تَنْبِيه إبْرَاءُ الْوَصِيِّ عَنْهُ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ] (تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا إبْرَاءُ الْوَصِيِّ عَنْهُ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ: إنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْوَصِيُّ عَنْهُ مُبَارَأَةً عَامَّةً، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ قِبَلَهُ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ فِي الْأَبْرَاءِ الْعَامِّ عَنْ الْيَتِيمِ. (الثَّانِي) قَالَ الْوَانُّوغِيُّ: لَوْ عَمِلَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ فِي أَرْضِ الصَّغِيرِ مُغَارَسَةً لِأَنْفُسِهِمَا كَانَ لَهُمَا قِيمَةُ عَمَلِهِمَا مَقْلُوعًا انْتَهَى. (الثَّالِثُ) إذَا تَجَرَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ أَوْ لِلْيَتِيمِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَلِيءِ فَيَكُونُ لَهُ، وَالْمُعْدَمِ فَيَكُونُ لِلْيَتِيمِ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْمُتَيْطِيُّ، وَنَقَلَهَا عَنْهُ الْوَانُّوغِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْوَصِيِّ وَهُوَ الَّذِي عَزَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ لِأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ لَوْ تَجَرَ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ فَرَبِحَ فَلَمَّا رَشَدَ الْيَتِيمُ قَالَ لِلْوَصِيِّ إنَّمَا تَجَرْت عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي وَأَنْكَرَ الْوَصِيُّ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لِلْوَصِيِّ. (الْخَامِسُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ لَوْ تَسَلَّفَ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَيْتَامِ حَتَّى يُبَاعَ لَهُمْ فَتَلِفَ مَا لَهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ الْمَشَذَّالِيّ يُرِيدُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْرَمَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِمَنْ اسْتَسْلَفَهُ مِنْهُ، وَهَذَا إذَا قَالَ لِلْمُسَلِّفِ إنَّمَا أَسْتَسْلِفُهُ لِلْأَيْتَامِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ فَالضَّمَانُ لَازِمٌ لَهُ قَالَهُ فِي الطُّرَرِ وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْوَانُّوغِيِّ أَنْ لَا يَتْرُكَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِإِعْطَاءِ كَلَامِهِ سُقُوطَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا انْتَهَى. (السَّادِسُ) مِنْهُ أَيْضًا لَوْ كَانَ لِلْأَيْتَامِ إخْوَةٌ فَأَنْفَقَ الْوَصِيُّ عَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ مَالِ بَعْضٍ ضَمِنَ الْوَصِيُّ لِمَنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ انْتَهَى. (السَّابِعُ) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مَنْ بِيَدِهِ مَالُ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَلْيَرْفَعْ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سُلْطَانٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصَدَّقُ فِي مِثْلِ نَفَقَةِ ذَلِكَ الصَّبِيِّ، وَزَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَ سَنَدٌ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ فِي نَفَقَتِهِ وَحِجْرِهِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِبَيْعٍ فَخَسِرَ أَوْ بِبِضَاعَةٍ فَذَهَبَ كَانَ ضَامِنًا كَمَنْ تَجَرَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّكَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ انْتَهَى. (الثَّامِنُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي تَرْجَمَةِ شِرَاءِ مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ أَسْنَدَهُ إلَيْهِ أَوْ تَسَلَّفَهُ مِنْهُ وَمِنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَسَلَّفَ مِمَّا أُودِعَ أَوْ كَانَ فِيهِ وَصِيًّا انْتَهَى. ص (وَالِاشْتِرَاءُ مِنْ التَّرِكَةِ وَتُعُقِّبَ بِالنَّظَرِ) ش: قَالَ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: وَلَا يَشْتَرِي الْوَصِيُّ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يُوَكِّلُ وَلَا يُؤَمِّنُ، فَإِنْ فَعَلَ تُعُقِّبَ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220] اُخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَشْتَرِي فِي مَشْهُورِ الْأَقْوَالِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ شَيْئًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ التُّهْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ بَيْعَ سُلْطَانٍ فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَشْتَرِي مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدُسَّ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ مِنْهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ

فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَصِيِّ يَشْتَرِي مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ أَوْ يَبِيعُ مِنْهُ مَالُهُ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُحَابِ وَيُكْرَهُ أَوَّلًا فِي ابْتِدَاءٍ، وَانْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا فِي وَصَايَاهَا خِلَافُ مَا فِي اسْتِبْرَائِهَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (لَا بَعْدَهُمَا) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِهِ هُوَ لِلْوَصِيَّةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَقَامَ أَحَدًا عِوَضَهُ أَمْ لَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا تَبَرَّأَ عَنْ الْإِيصَاءِ جُمْلَةً بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ نَظَرٌ أَصْلًا، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ بِأَمْرِهِ، قَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا إلَى نَظَرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَرِيكٌ فِي الْإِيصَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنْظُرُ بِأَمْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ نَوَازِلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتُ: وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ الرَّجُلِ يُوَكِّلُ وَكِيلًا عَلَى خُصُومِهِ وَقِيَامٍ لِبَنِيهِ أَوْ تَقَاضِي دُيُونٍ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيُرِيد الْوَكِيلُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ عَلَى مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ أَيَجُوزُ هَذَا؟ قَالَ: لَا يُوَكِّلُ وَكِيلًا عَلَى مَا وَكَّلَ عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ فَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَسْأَلَةِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ هُوَ نَصُّ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّيْنِ أَوْ الْأَوْصِيَاءِ هَلْ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوصِيَ بِمَا إلَيْهِ لِشَرِيكِهِ وَلِغَيْرِهِ أَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِشَرِيكِهِ لَا إلَى غَيْرِهِ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: " إنَّمَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إلَى آخِرِهِ " مَعْنَاهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى مَا فُوِّضَ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ نَاقِلًا عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ قَالَ إذَا أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ الْإِيصَاءِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ وَلَهُ فِعْلُ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْيَنِ الْعُذْرِ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ حَيِيَ أَوْ مَاتَ وَلَا أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى أَحَدٍ انْتَهَى، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ كَلَامَ الْبَاجِيِّ، وَنَصُّهُ: " وَلَا يَجُوزُ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي تَوْكِيلُ أَحَدٍ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا عِنْدَ مَوْتِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ إلَى مَنْ شَاءَ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِالنَّظَرِ، وَيَكُونُ وَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْوَصِيُّ فِي حَيَاتِهِ أَنْ يَجْعَلَ مَا بِيَدِهِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنْظُرُ بِأَمْرِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: لَهُ ذَلِكَ، قِيلَ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فِي نَظَرِهِ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ اهـ. وَفِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَسَأَلَ ابْنُ دَحُونٍ ابْنَ زَرْبٍ عَنْ الْوَصِيِّ يَتَخَلَّى عَنْ النَّظَرِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ قِيلَ لَهُ: فَلَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ فِي نَظَرِهِ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَخَلَّى مِنْهُ إلَى الَّذِي وَكَّلَ انْتَهَى. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا قِبَلهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الَّذِي تُوُفِّيَ مِنْهُ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَوَلَّى النَّظَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّى فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ شَرِيكَهُ فِي النَّظَرِ إنْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ وَكَانَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ هَذَا الشَّرْطُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخَلِّيهِ وَيُقَدِّمُ غَيْرَهُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ هَذَا الشَّرْطُ إذَا ظَهَرَ لَهُ عُذْرٌ وَوُجِدَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْتِزَامٌ فِي مَرَضِ الْمُوصِي، وَلَا نَظَرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَبَى النَّظَرَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النَّظَرِ، قَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَبُولَ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَبَرِئَ

انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يُخْلِيَهَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ سَوَاءٌ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَبِلَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَشْهَبَ عَلَى الثَّانِي قَالَ: وَسَوَاءٌ قَبِلَ لَفْظًا أَوْ جَاءَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ وَالِاقْتِضَاءُ وَالْقَضَاءُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَأُخِذَ مِنْ تَعْلِيلِ أَشْهَبَ رُجُوعُهُ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْهُ فَأَلْزَمَهُ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُغَيِّرْهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَاتٍ عَنْ أَبِي وَرْدٍ قَالَ: إذَا كَانَ قَبُولُهُ فِي حَيَاةِ الْعَاهِدِ فَلَا يُخَلِّيهِ الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عُذْرٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُخَلِّيَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا شَرْحٌ يَطُولُ وَهَذَا حَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ. (قُلْت) هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا: إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَعَلَيْهِ سُئِلَ إذَا خَلَّى الْقَاضِي الْوَصِيَّ لِعُذْرٍ ثَبَتَ لَهُ وَكَانَ مَعَهُ فِي النَّظَرِ شَرِيكٌ هَلْ يَعْذِرُ إلَى شَرِيكِهِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْعُذْرِ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ قَبُولُهُ فِي حَيَاةِ الْعَاهِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ إلَى شَرِيكِهِ ثُمَّ يَعْمَلُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْقَاضِي أَنْ يُعْقِبَهُ دُونَ عُذْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَا مُتَكَلَّمَ لِشَرِيكِهِ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَعْذِرُ إلَيْهِ وَلَهُ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ مَنْ عَاقَهُ مِنْهَا عَائِقٌ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَكَانَ قَوْلُهُ: " إلَّا أَنْ يُخَلِّيَهُ شَرِيكُهُ " مُعْتَرَضًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ لَا يُخَلِّيهِ إنَّمَا يُخَلِّيهِ الْمُوصِي بِشَرْطِهِ فِي وَصِيَّةِ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ انْتَهَى. ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ وَرْدٍ أَنَّ الْعُذْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ فَلَا يَخُلُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْعُذْرُ أَيْضًا طَارِئًا بَعْدَ الْقَبُولِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَالَ الْقَبُولِ فَلَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فِيمَا أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِ انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَهِيَ تَتَضَمَّنُ فَرْعًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُرْسِلَ الْيَتِيمَ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَنَصُّهُ: " قَالَ وَسُئِلَ يَعْنِي مَالِكًا عَمَّنْ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَوْلَى بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَنْكِحْ فَأَرَادَتْ امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ إلَى الْعِرَاقِ بِوَلَدِهَا مِنْهُ وَهُنَاكَ أَهْلُهَا فَقَالَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، فَقِيلَ: إنَّ لِوَلَدِهِ ثَمَّ دُيُونٌ قَالَ: مَا أَرَى ذَلِكَ لَهَا، قِيلَ: إذًا يَهْلِكَ دِيوَانُهُمْ، وَهُمْ صِغَارٌ قَالَ: هَذَا إنْ كَانَ هَكَذَا، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ لِلْيَتَامَى، فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَنَّ لَهُمْ الْمُقَامَ أَقَامُوا، وَإِنْ رَأَى أَنَّ السَّيْرَ أَرْفَقُ بِهِمْ سَارُوا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَرْحَلَ بِوَلَدِهَا الَّذِي فِي حَضَانَتِهَا عَنْ بَلَدِ الْمُوصَى عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ أَوْصَى أَنَّهَا أَوْلَى بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَنْكِحْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهَا، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَهَا بِهِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَغِيبُ بِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ عَنْ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَرَى ذَلِكَ الْوَصِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ نَظَرًا لِلْأَيْتَامِ لِئَلَّا يَزُولَ بِمَغِيبِهِمْ اسْمُهُمْ عَنْ الدِّيوَانِ الَّذِي كَانَ يَرْتَزِقُ عَلَيْهِ أَبُوهُمْ فَتُدْرِكَهُمْ الضَّيْعَةُ انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: جَوَازُ تَسْفِيرِ الْوَصِيِّ مَنْ فِي حِجْرِهِ لِمَصْلَحَةٍ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي: وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ بِمَالٍ فَذَلِكَ نَافِذٌ وَيُدْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيَحُجَّ بِهِ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ وَالْوَالِدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ فَأَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الصَّبِيِّ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضَرَرٌ وَخِيفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَيْعَةٌ فَلَا يَجُوزُ إذْنُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ قَوِيًّا عَلَى الذَّهَابِ وَكَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ جَازَ إذْنُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ جَازَ وَلَوْ خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ إذْنُهُ فِي الْحَجِّ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ وَقَفَ الْمَالَ

فرع الورثة إذا أقر مورثهم بمال ليتيمه

إلَى بُلُوغِهِ، فَإِنْ حَجَّ بِهِ وَإِلَّا رَجَعَ مِيرَاثًا انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ بَحْرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُسَافِرَ بِمَنْ فِي حِجْرِهِ إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَأْمُونَةً وَلَوْ كَانَ فِيهَا بَحْرٌ وَتَقَدَّمَ هُنَا أَنَّ التَّجْرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ جَائِزٌ مَعَ الْأَمْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهُ نَقَلَ أَنَّ لِلْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ غَيْرِ الْمَحْرَمَيْنِ أَنْ يُسَافِرَا بِالصَّبِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَهْلٌ تُخَلَّفُ عِنْدَهُمْ، وَكَانُوا مَأْمُونِينَ وَيُخْتَلَفُ فِيهِ إنْ كَانَ لِلصَّبِيَّةِ أَهْلٌ وَهُوَ مَأْمُونٌ وَلَهُ أَهْلٌ انْتَهَى. ص (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ) ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ وَصُدِّقَ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ دُونَ سَرَفٍ مَعَ يَمِينِهِ إنْ بَقِيَ تَحْتَ حِجْرِهِ عَلَى الْأَكْثَرِ وَهَلْ يُجَابُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْسِبَ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ وَلَا يَحْلِفَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَا الْأَوَّلَ لِأَبِي عِمْرَانَ وَالثَّانِي لِعِيَاضٍ قَائِلًا إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَقَلُّ مِمَّا ذُكِرَ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ انْتَهَى. [فَرْعٌ الْوَرَثَةَ إذَا أَقَرَّ مُوَرِّثُهُمْ بِمَالٍ لِيَتِيمِهِ] (فَرْعٌ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ النَّوَازِلِ وَإِقْرَارُ الرَّجُلِ فِي مَرَضِهِ لِيَتِيمِهِ بِمَالٍ يَمْنَعُ مَنْ طَلَبَهُ بِمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ إذْ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ الْإِسْقَاطِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا أَقَرَّ مُوَرِّثُهُمْ بِمَالٍ لِيَتِيمِهِ فَطَلَبُوا الْيَتِيمَ بِمَا كَانَ مُوَرِّثُهُمْ يُنْفِقُهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، اُنْظُرْ نَوَازِلَ ابْنِ رُشْدٍ وَتَقَدَّمَ لَفْظُ النَّوَازِلِ فِي النَّفَقَاتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَعَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ النَّوَازِلِ. ص (وَضَمِنَ الْمَالَ قَبْلَ بُلُوغِهِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا} [النساء: 6] ، هَلْ لِئَلَّا تَغْرَمُوا أَوْ لِئَلَّا تَحْلِفُوا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إذَا قُلْنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ ذَلِكَ كَالثَّلَاثِينَ وَالْعِشْرِينَ سَنَةً يُقِيمُونَ مَعَهُ وَلَا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ يَطْلُبُونَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ قِسْمَةِ الْعُتْبِيَّة، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: إذَا قَامَ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِبَلَهُ إلَّا الْيَمِينُ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَالَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، خَلِيلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَاب الْفَرَائِض] ص (بَابٌ) . (يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَعَبْدٌ جَنَى ثُمَّ مُؤَنُ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي ثُمَّ الْبَاقِي لِوَارِثِهِ) ش: هَذَا الْبَابُ يُسَمَّى بَابُ الْفَرَائِضِ، فَقَوْلُهُ:

بَابٌ أَيْ هَذَا بَابٌ يَذْكُرُ فِيهِ الْفَرَائِضَ وَهُوَ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ، وَعِلْمُ مَا يُوَصِّلُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ فِي التَّرِكَةِ فَحَقِيقَتُهُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفِقْهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِرْثِ، وَمِنْ الْحِسَابِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ وَارِثٍ وَبَدَأَ أَوَّلًا بِبَيَانِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ وَنِهَايَتِهَا خَمْسَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ وَطَرِيقُ حَصْرِهَا إمَّا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَفِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّرِكَةِ إمَّا ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بِالْمَوْتِ، وَالثَّابِتُ قَبْلَهُ إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ أَوْ لَا، الْأَوَّلُ هُوَ الْحُقُوقُ الْمُعَيَّنَةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ، وَالثَّانِي الدَّيْنُ الْمُطْلَقُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ، وَالثَّابِتُ بِالْمَوْتِ إمَّا لِلْمَيِّتِ وَهُوَ مُؤَنُ تَجْهِيزِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَصَايَاهُ " أَوْ هُوَ الْمِيرَاثُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " ثُمَّ الْبَاقِي لِوَارِثِهِ " وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ " الْحَقُّ إمَّا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ الْأَوَّلُ مُؤَنُ التَّجْهِيزِ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ فَقَطْ وَهُوَ الدَّيْنُ الْمُطْلَقُ أَوْ لَا وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ وَالثَّالِثُ إمَّا اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ أَوْ اضْطِرَارِيٌّ وَهُوَ الْمِيرَاثُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْحُقُوقَ مَرْتَبَةً فَكُلُّ وَاحِدٍ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ أَيْ بِعَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا وَالتَّرِكَةُ: بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَتْرُوكِ، كَالطِّلْبَةِ بِمَعْنَى: الْمَطْلُوبِ وَتَرِكَةُ الْمَيِّتِ تُرَاثُهُ وَهُوَ الْمِيرَاثُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهُ حَقٌّ قَابِلٌ لِلتَّجْزِيءِ ثَبَتَ لِمُسْتَحِقٍّ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ كَانَ لَهُ لِوُجُودِ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا. وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الذَّاتُ ثُمَّ مَثَّلَ لِلْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ بِقَوْلِهِ: كَالْمَرْهُونِ يَعْنِي إذَا حِيزَ قَبْلَ مَوْتِ الرَّاهِنِ الْحَوْزَ الشَّرْعِيَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَبِقَوْلِهِ: " وَعَبْدٍ جَنَى جِنَايَةً " أَيْ: جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا كَالْخَطَإِ وَالْعَمْدِ إذَا عَفَا الْوَلِيُّ عَلَى مَالٍ وَاسْتَهْلَكَ مَالًا لِشَخْصٍ لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ فَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْجَانِي رَهْنٌ وَجِنَايَةٌ، قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِانْحِصَارِ حَقِّهِ فِي عَيْنِ الْجَانِي فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يَفْدُوهُ أَوْ يُسَلِّمُوهُ، فَإِنْ فَدَوْهُ بَقِيَ رَهْنًا، وَإِنْ أَسْلَمُوهُ خُيِّرَ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِلَا رَهْنٍ أَوْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ بِيعَ. وَيَبْدَأُ بِمَا فَدَاهُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ لَمْ تَفِ قِيمَتُهُ بِمَا فَدَاهُ لَمْ يَتْبَعْ الْوَرَثَةَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ فَضُلَ مِنْهَا شَيْءٌ أُخِذَ مِنْ دَيْنِهِ، وَمَا فَضُلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْوَرَثَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ وُقُوعِ الْمَوَارِيثِ فِيهَا يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالثَّانِي مَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا حُقُوقٌ مُعَيَّنَةٌ، وَالثَّانِي حُقُوقٌ لَيْسَتْ بِمُعَيَّنَةٍ فَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ، وَعَبْدٌ جَنَى، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّقْسِيمَ الْمُتَقَدِّمَ فَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمُعَيَّنَةُ فَتَخْرُجُ كُلُّهَا، وَإِنْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ. وَذَلِكَ مِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالزَّكَاةِ ثُمَّ الْحَائِطِ الَّذِي يَمُوتُ عَنْهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ أَزْهَتْ ثَمَرَتُهُ وَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ إذَا مَاتَ عِنْدَ حُلُولِهَا عَلَيْهِ، وَفِيهَا السِّنُّ الَّذِي تَجِبُ فِيهَا وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُتَوَفَّى مِنْ الْأُصُولِ، وَالْعُرُوضِ بِأَعْيَانِهَا لِرَجُلٍ أَوْ قَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ انْتَهَى. فَهَذَا وَنَحْوُهُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ: كَالْمَرْهُونِ. وَالْعَبْدُ الْجَانِي مَرْهُونٌ فِي جِنَايَتِهِ، وَزَادَ أَبُو الْحَسَنِ وَالصُّبْرَةُ الْمَبِيعَةُ عَلَى الْكَيْلِ انْتَهَى. وَزَادَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسُكْنَى الزَّوْجَةِ مُدَّةَ عِدَّتِهَا مَسْكَنَهَا حِينَ مَوْتِهِ بِمِلْكِهِ أَوْ بِنَقْدِ كِرَائِهِ انْتَهَى. وَزَادَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ إذَا قَلَّدَهُ سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِيرَاثًا. قَالَ: سَنَدٌ وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ اسْتَحْدَثَهُ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ

الْأُضْحِيَّة أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ أَنَّ السَّوْقَ فِي الْغَنَمِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّقْلِيدِ فِي غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ إذَا تَعَيَّنَتْ إمَّا بِالنَّذْرِ أَوْ بِالذَّبْحِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي زَكَاةِ الْحَرْثِ ذَكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمُؤَلِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا. وَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْوَصَايَا أَنَّهَا تَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا وَلَكِنْ قَيَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ إلَّا أَنْ تَيْبَسَ الثَّمَرَةُ أَوْ تَطِيبَ أَوْ يَجُذَّهَا وَيَجْعَلَهَا فِي الْجَرِيبِ بِبَلَدٍ لَا سَاعِيَ فِيهَا فَالظَّاهِرُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْعَيْنِ الْمُفَرَّطِ فِيهَا وَأَمَّا إنْ لَمْ تَيْبَسْ فَيَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْجُذَاذِ لَمْ تُجِزْهُ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَمَا رَأَيْت خِلَافَهُ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ خِلَافُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَحَدَ الطَّرِيقَيْنِ، وَنَصُّهُ: " أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ مُعَيَّنًا أُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمَحُوزُ الْمَرْهُونُ، وَزَكَاةُ حَبٍّ وَتَمْرٍ حِينَ وُجُوبِهَا. وَفِي كَوْنِ وُجُوبِ زَكَاةِ مَاشِيَةٍ فِي مَرَضِهِ، كَذَلِكَ طَرِيقَانِ اللَّخْمِيُّ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ ابْنُ رُشْدٍ كَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهَا سِنُّهَا انْتَهَى. وَفِي جَعْلِهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ خِلَافًا نَظَرًا لِلَّخْمِيِّ إنَّمَا أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فِيهِ مُعَيَّنًا مِنْ غَيْرِهِ وَابْنُ رُشْدٍ لَمَّا أَنْ ذَكَرَ الْمُعَيَّنَاتِ ذَكَرَ مِنْهَا الْمَاشِيَةَ الَّتِي حَلَّ حَوْلَهَا. وَلَيْسَ فِيهَا السِّنُّ الْوَاجِبُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا تَقْيِيدُ اللَّخْمِيِّ ذَلِكَ بِعَدَمِ السَّاعِي فَلَا يُخَالِفُ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَحَلَّ حَوْلُ الْمَاشِيَةِ، وَمَاتَ رَبُّهَا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي سَقَطَتْ زَكَاتُهَا وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْوَارِثُ حَوْلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فَفِي عَدِّهِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ طَرِيقِينَ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الْحُقُوقُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَيْسَتْ بِمُعَيَّنَةٍ بِقَوْلِهِ: " ثُمَّ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ " قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَمَّا الْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعَيَّنَاتٍ، فَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ بِهَا أُخْرِجَتْ كُلُّهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَفَاءٌ بُدِئَ بِالْأَوْكَدِ فَالْأَوْكَدُ مِنْهَا وَمَا كَانَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ تَحَاصُّوا فِي ذَلِكَ فَآكَدُ الْحُقُوقِ وَأَوْلَاهَا بِالتَّبْدِئَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ ضِيقِهِ: الْكَفَنُ، وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ إلَى قَبْرِهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ عَلَى ذَلِكَ عَامَلُوهُ فِي حَيَاتِهِ يَأْكُلُ وَيَكْتَسِي، وَالْكَفَنُ وَتَجْهِيزُهُ إلَى قَبْرِهِ مِنْ تَوَابِعِ الْحَيَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ ثُمَّ الدَّيْنِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْمِيرَاثِ، قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ يُرِيدُ آلَةَ الدَّفْنِ مِنْ أُجْرَةِ الْغَسَّالِ وَالْحَمَّالِ وَالْحَفَّارِ وَالْحَنُوطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْكَفَنُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَلَا كَلَامَ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدِ إنْ شَحَّ الْوَارِثُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ فِي ثُلُثِهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: أَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ مُؤْنَةَ الدَّفْنِ كَالْكَفَنِ وَخُشُونَةَ الْكَفَنِ وَرِقَّتَهُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ وَكُفِّنَ بِمَلْبُوسِهِ لِجُمُعَتِه. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا ثُمَّ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ثُمَّ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ عَلَى الْمُتَوَفَّى بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ بِهَا فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ لَا تَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِلْمُقِرِّ لَهُ وَإِلَّا فَهِيَ تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْدَهَا ثُمَّ تَرْجِعُ مِيرَاثًا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْوَصَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ: " وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ وَأَوْصَى بِزَكَاةِ مَالٍ فَرَّطَ فِيهَا وَبَتَلَ فِي الْمَرَضِ وَدَبَّرَ فِيهِ وَأَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ بِعَيْنِهِ وَشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِيُعْتَقَ وَأَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدٍ لَهُ وَأَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَبِعِتْقِ نَسَمَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَالدُّيُونُ تَخْرُجُ

مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِمَنْ يُتَّهَمُ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ أَخَذَهُ. وَإِنْ كَانَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ رَجَعَ مِيرَاثًا انْتَهَى. وَانْظُرْ فَكَّ الْأَسِيرِ، وَمُدَبَّرَ الصِّحَّةِ وَنِكَاحَ الْمَرِيضَةِ هَلْ يَدْخُلُونَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ لِمَنْ يَتَّهِمُ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْوَصَايَا: لَا مَدْخَلَ لِلْوَصِيَّةِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ لَا يَدْخُلُونَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ رَأَيْنَا فِي ابْنِ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ فَكُّ الْأَسِيرِ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ثُمَّ حُقُوقُ اللَّهِ الْمَفْرُوضَاتُ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ عَلَى مَرَاتِبِهَا وَالنُّذُورِ. إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ وَيُبَدَّأُ مِنْ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ الْأَوْكَدُ فَالْأَوْكَدُ كَمَا يُبَدَّأُ الْآكَدُ فَالْآكَدُ فِي ذَلِكَ إذَا فَرَّطَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَأَوْصَى بِهِ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَزَكَاةُ الْمَاشِيَةِ إذَا مَاتَ عِنْدَ حُلُولِهَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ السِّنُّ الْوَاجِبَةُ فِيهَا تَجْرِي فِي التَّبْدِئَةِ مَجْرَى مَا لَمْ يُخْرِجْهُ عِنْدَ حُلُولِهِ وَأَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ انْتَهَى. (قُلْت) قَوْلُهُ: ثُمَّ حُقُوقُ اللَّهِ الْمَفْرُوضَاتُ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ عَلَى مَرَاتِبِهَا وَالنُّذُورِ إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي زَكَاةِ مَالِهِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ ثُمَّ أَشْهَدَ أَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَشْهَدَ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ كَفَّارَاتٍ، وَأَنَّهُ قَدْ نَذْرَ أَنْ يُعْطِيَ فُلَانًا كَذَا وَكَذَا الشَّيْءَ سَمَّاهُ وَعَيَّنَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَلْ لَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ نَذْرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِكَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذْرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِجَمِيعِ مَالِهِ يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ الْوَرَثَةُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْهِبَةِ: مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةُ مَالِي، وَثُلُثُهُ لِفُلَانٍ، فَيَلْزَمُهُ مَا دَامَ حَيًّا. فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ؛ لِأَنَّ صَدَقَتَهُ وَجَبَتْ بِاقْتِرَابٍ فَمِنْ شَرْطِهَا الْحَوْزُ قَبْلَ الْوَفَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ النَّوَادِرِ: وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْزِ فَمَا حَلَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ أَوْ قَدِمَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، قَالَهُ مَالِكٌ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يُجْبَرْ وَرَثَتُهُ وَأُمِرُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: هِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَيْلَتِهِ، وَلَمْ يُوصِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تُجْبَرُ وَرَثَتُهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ فَتَكُونَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَزَادَ فِيهِ، وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَأَوَّلُهُ كُلِّيًّا مُؤْنَةُ إقْبَارِهِ ثُمَّ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ ثُمَّ مَا أَشْهَدَ بِهِ فِي صِحَّتِهِ فَوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ. ابْنُ رُشْدٍ أَوْ نَذْرٍ (قُلْت) لِلْبَاجِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: نَذْرُ الصِّحَّةِ فِي الثُّلُثِ، فَلَعَلَّ الْأَوَّلَ فِي الْمُلْتَزَمِ وَالثَّانِيَ فِي الْمُوصَى بِهِ، وَإِلَّا تَنَاقَضَا وَيُقَدَّمُ مِنْهَا فِي ضِيقِ التَّرِكَةِ الْمُقَدَّمُ مِنْهَا ضِيقِ الثُّلُثِ، وَفِي كَوْنِ زَكَاةِ عَيْنٍ حَلَّتْ فِي مَرَضِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ أَوْصَى بِهَا، وَإِلَّا أُمِرَ الْوَارِثُ بِهَا وَلَمْ يُجْبَرْ، قَوْلَا اللَّخْمِيِّ مَعَ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَفْهُومُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذَا أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بَلْ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا الْمُتَمَتِّعُ إذَا مَاتَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَالْهَدْيُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ رُتْبَتَهُ بَيْنَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَوْصَى بِهَا قَالَ فِي رَسْمِ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: وَسُئِلَ عَنْ الْمُتَمَتِّعِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَتَرَى عَلَيْهِ هَدْيًا قَالَ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ رَمَى فَأَرَى أَنْ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ. قَالَ عِيسَى سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ هَدْيِهِ هَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ فِي ثُلُثِهِ قَالَ بَلْ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ، وَقَالَ

سَحْنُونٌ لَا يُعْجِبُنِي مَا قَالَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَا مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ قَدْ عَرَفَ ذَلِكَ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي إخْرَاجِهَا أَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِهَا كَانَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ تَكُنْ فِي ثُلُثٍ وَلَا مِنْ رَأْسِ مَالٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ، ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهُ يَكُونُ فِي رَأْسِ الْمَالِ إنْ لَمْ يُوصِ بِهِ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ الَّتِي لَمْ يُفَرِّطْ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يَخْفَى وَلَيْسَ مِمَّا يُفْعَلُ سِرًّا كَالزَّكَاةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُوصِ بِهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَدَّاهَا سِرًّا فَتَفْرِقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَظْهَرُ مِنْ مُسَاوَاةِ سَحْنُونٍ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ الزَّرْعِ الَّذِي يَمُوتُ عَنْهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا وَأَشْهَبُ يَرَى إخْرَاجَ زَكَاةِ الْمَالِ النَّاضِّ وَاجِبًا، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا إذَا مَاتَ عِنْدَ وُجُوبِهَا، وَلَمْ يُفَرِّطْ انْتَهَى. وَعَزَا اللَّخْمِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِمُحَمَّدٍ قَالَ: وَعَلَى هَذَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مِنْ ظِهَارٍ، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ أُعْتِقَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ فَرَّطَ لَمْ يُعْتَقْ عَنْهَا انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٍ وَمِثْلُهُ عِتْقُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَكُلُّ مَا كَانَ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى وَلَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَحُقُوقَ اللَّهِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا كُلِّهَا دُيُونٌ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الرِّسَالَةِ: وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ ثُمَّ الدَّيْنِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْمِيرَاثِ. وَلِهَذَا قَالَ شَارِحُهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ الدَّيْنِ الَّذِي بِعِوَضٍ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ ثُمَّ الدَّيْنِ الَّذِي بِغَيْرِ عِوَضٍ مِثْلِ الزَّكَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا وَأَقَرَّ بِهَا فِي صِحَّتِهِ وَالْكَفَّارَاتِ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْوَصِيَّةُ انْتَهَى. وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَلَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي يُرِيدُ وَمَا يَخْرُجُ مَعَ الْوَصَايَا مِمَّا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمِيرَاثِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ لَهُمْ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَحَيَّلَ بِإِخْرَاجِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلْيَفْعَلْ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْقِسْمِ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ يُشْهِدُ فِي صِحَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مِنْ ذِي النِّصْفِ) ش: مِنْ الْفَرْضِيِّينَ مَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدِّ الْوَارِثِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ: الْفُرُوضُ سِتَّةٌ ثُمَّ يَقُولُ: أَصْحَابُ النِّصْفِ كَذَا وَأَصْحَابُ كَذَا كَذَا إلَى آخِرِهِ، وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّهُ لِشِدَّةِ الِاخْتِصَارِ لَمْ يَعُدَّ أَوَّلًا الْفُرُوضَ بَلْ كُلَّمَا ذَكَرَ فَرْضًا أَتْبَعَهُ بِأَصْحَابِهِ وَمَنْ الْفَرْضِيِّينَ مَنْ يَعُدُّ الْوَرَثَةَ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرُ الْفُرُوضَ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَعَصَّبَ كُلًّا أَخٌ يُسَاوِيهَا) ش: أَيْ عَصَّبَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتِ، وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ أَخٌ يُسَاوِيهَا، أَيْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَرِثُ بِهِ فَيُعَصِّبُ الشَّقِيقَةَ أَخٌ يُسَاوِيهَا، أَيْ شَقِيقٌ فَتَأْخُذُ الثُّلُثَ وَيَأْخُذُ الثُّلُثَ وَلَا يُعَصِّبُهَا الْأَخُ لِلْأَبِ، بَلْ تَأْخُذُ مِنْ فَرْضِهَا النِّصْفَ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْفُرُوضِ وَيُعَصِّبُ الْأُخْتَ لِلْأَبِ أَخٌ يُسَاوِيهَا، أَيْ لِلْأَبِ فَتَأْخُذُ هِيَ وَهُوَ الْمَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّقِيقَةِ، وَلَوْ كَانَ شَقِيقًا لَمْ يُعَصِّبْ الَّتِي لِلْأَبِ، بَلْ يُسْقِطُهَا، وَيُعَصِّبُ الْبِنْتَ أَخٌ لَهَا يُسَاوِيهَا فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَرِثُ بِهِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَوْنِهِ شَقِيقًا لَهَا أَوْ لِأَبٍ وَيُعَصِّبُ بِنْتَ الِابْنِ أَخٌ يُسَاوِيهَا فِي كَوْنِهِ ابْنَ ابْنٍ سَوَاءٌ كَانَ شَقِيقًا لَهَا أَوْ لِأَبٍ وَيُعَصِّبُهَا غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي، فَصَحَّ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ أَخٌ يُسَاوِيهَا، وَكَوْنُ بِنْتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهَا غَيْرُهُ أَيْضًا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْصُرْ فَسَقَطَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَمَّا الشَّقِيقَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ فَيُعَصِّبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَخُوهَا الْمُسَاوِي لَهَا فِي كَوْنِهِمَا شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَأَمَّا بِنْتُ الصُّلْبِ فَيُعَصِّبُهَا أَخُوهَا كَيْفَ كَانَ، وَأَمَّا بِنْتُ الِابْنِ فَيُعَصِّبُهَا أَخُوهَا، وَابْنُ عَمِّهَا وَقَدْ يُعَصِّبُهَا ابْنُ أَخِيهَا أَوْ حَفِيدُ

عَمِّهَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ بَعْدُ فَلَا يَخْفَاكَ مَا فِي كَلَامِهِ هَذَا انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بَيَانُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) الْفَرْضِيُّونَ يَقُولُونَ: الْعَصَبَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَصْبَةٌ بِنَفْسِهِ فَهُمْ كُلُّ ذَكَرٍ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَالْمُعْتَقَةَ مِنْ الْإِنَاثِ فَقَطْ، وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَهِيَ أَرْبَعٌ: الْبِنْتُ فَأَكْثَرُ، وَبِنْتُ الِابْنِ فَأَكْثَرُ، وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ فَأَكْثَرُ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ فَأَكْثَرُ يُعَصِّبُ كُلًّا مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَمَنْ يَأْتِي فِي بِنْتِ الِابْنِ. وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ وَهِيَ الْأُخْتُ فَأَكْثَرُ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ، فَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَلِعَاصِبٍ وَرِثَ الْمَالَ إلَى آخِرِهِ، وَأَشَارَ إلَى الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: " وَعَصَّبَ كُلًّا أَخٌ يُسَاوِيهَا "، وَأَشَارَ إلَى الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: " وَالْأُخْرَيَيْنِ الْأُولَيَانِ "، وَمَعْنَى عَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ: أَنَّ سَبَبَ تَعْصِيبِهِ كَوْنُهُ مَعَ عَصَبَةِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى عَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ، أَيْ مَعَ كَوْنِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالْجَدُّ وَالْأُولَيَانِ الْأُخْرَيَيْنِ) ش: كَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجَدَّ وَالْأُولَيَيْنِ، وَهُمَا الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ يُعَصِّبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْأُخْرَيَيْنِ وَهُمَا الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ، وَالْأُخْتُ لِأَبٍ فَقَطْ، وَلَا يُعَصِّبُ الْجَدُّ الْبِنْتَ وَلَا بِنْتَ الِابْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلِتَعَدُّدِهِنَّ الثُّلُثَانِ) ش: يُرَدُّ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَعَلَى قَوْلِهِ بَعْدُ: وَالثُّلُثَانِ لِذِي النِّصْفِ إنْ تَعَدَّدَ أَنَّ الْبِنْتَ، وَالْأُخْتَ يَرِثَانِ الثُّلُثَيْنِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ سَبَقَهُ إلَيْهَا الْحُوفِيُّ، وَالْقَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (إلَّا أَنَّهُ يُعَصِّبُ الْأَخُ أُخْتَهُ لَا مَنْ فَوْقَهُ) ش: بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ خَلَصَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ الْوَارِدِ عَلَى عِبَارَةِ الْحَوفِيِّ حَيْثُ أَطْلَقَ وَتَرْكَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُنَّ مَعَ الشَّقِيقَاتِ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ لَا يُعَصِّبُهُنَّ ابْنُ أَخِيهِنَّ كَمَا يُعَصِّبُ بَنَاتَ الِابْنِ ابْنُ أَخِيهِنَّ انْتَهَى. ص (وَالرُّبْعُ الزَّوْجُ بِفَرْعٍ) ش: لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ وَارِثًا فَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ غَيْرَ وَارِثٍ إمَّا لِمَانِعٍ بِهِ كَالرِّقِّ، وَالْقَتْلِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ وَلَدِ الْبَنَاتِ لَمْ يَحْجُبْ الزَّوْجَ إلَى الرُّبْعِ، وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ فَلَا يَحْجُبُ وَارِثًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْوَلَدَ يَحْجُبُ الزَّوْجَ إلَى الرُّبْعِ حَتَّى يَكْتَفِيَ بِمَا ذَكَرَ، بَلْ كَلَامُهُ فِي الْحَالِ الَّتِي يَرِثُ الزَّوْجُ فِيهَا الرُّبْعَ فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فَرْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالثُّمُنُ لَهَا أَوْ لَهُنَّ بِفَرْعٍ لَاحِقٍ) ش: لَوْ قَالَ: " وَارِثٍ " لَكَانَ أَحْسَنَ، وَأَشْمَلَ لِمَا تَقَدَّمَ فَرْقُهُ، وَاَللَّهُ

فرع الصبي يموت وله أم متزوجة

أَعْلَمُ. ص (وَالثُّلُثَيْنِ لِذِي النِّصْفِ إنْ تَعَدَّدَ) ش: هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَالثُّلُثُ لِلْأُمِّ وَوَلَدَيْهَا فَأَكْثَرَ) ش: [فَرْعٌ الصَّبِيِّ يَمُوتُ وَلَهُ أُمٌّ مُتَزَوِّجَةٌ] (فَرْعٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَجْلَانَ الْفَرْضِيِّ فِي الصَّبِيِّ يَمُوتُ وَلَهُ أُمٌّ مُتَزَوِّجَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ حَائِلٌ لِمَكَانِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَرِثَ ذَلِكَ الْحَمْلُ أَخَاهُ لِأُمِّهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَلَهُ وَطْؤُهَا فَإِنْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرِثَ أَخَاهُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَطْرُقَهَا وَيَتَسَوَّرَ عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلُهَا ظَاهِرًا يَوْمَ مَاتَ الْمَيِّتُ، وَلَوْ كَانَ حَمْلُهَا ظَاهِرًا لَوَرِثَ أَخَاهُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَرِثُ أَخَاهُ، وَإِنْ وُلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ مُخْتَصَرًا فَأَجْحَفَ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنْ مَاتَ وَلِأُمِّهِ زَوْجٌ غَيْرُ أَبِيهِ إنَّ زَوْجَهَا يَعْتَزِلُ عَنْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا حَامِلٌ أَمْ لَا احْتِيَاطًا لِلْمِيرَاثِ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلْهَا أَوْ قَالَ اعْتَزَلْتُهَا فَلَمْ تُصَدِّقْهُ الْوَرَثَةُ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرِثَهُ أَخُوهُ لِلْأُمِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ مَنْ يَحْجُبُهُ فَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَرِثْهُ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهَا الْوَرَثَةُ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ مَاتَ ابْنُهَا أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ امْرَأَتَانِ فَصَاعِدًا انْتَهَى. ص (وَالْأَبُ أَوْ الْأُمُّ مَعَ وَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ) ش: يَعْنِي: أَنَّ السُّدُسَ

فَرْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبِ، وَالْأُمِّ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَمَّا الْأُمُّ فَحَالُهَا مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْأَبُ فَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: حَالَةٌ يَرِثُ فِيهَا بِالْفَرْضِ فَقَطْ، وَحَالَةٌ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ، وَحَالَةٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. فَالْأُولَى: إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَوْ بِنْتٌ أَوْ بَنَاتٌ وَمَعَ الْبِنْتِ وَالْبَنَاتِ أَصْحَابُ فُرُوضٍ يَسْتَغْرِقُونَ التَّرِكَةَ أَوْ يَفْضُلُ مِنْهَا قَدْرُ السُّدُسِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ لَا ذَكَرٍ أَوْ لَا أُنْثَى فَيَرِثُ الْمَالَ جَمِيعَهُ بِالتَّعْصِيبِ إنْ انْفَرَدَ أَوْ الْبَاقِيَ بَعْدَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ إذَا كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ أَوْ بِنْتَانِ فَأَكْثَرُ أَوْ بِنْتَا ابْنٍ فَأَكْثَرُ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ أَوْ مِنْهُمَا مَا يَأْخُذُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ النِّصْفَ فَيَأْخُذُ السُّدُسَ فَرْضًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] . وَالْبَاقِيَ عُصُوبَةٌ لِحَدِيثِ: «فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» اُنْظُرْ شَرْحَ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا الْكَبِيرِ عَلَى الْفُصُولِ وَالْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ، وَالضَّابِطُ الْمَذْكُورُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْهَائِمِ فِي الْفُصُولِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَزْدَادَ فِيهِ فَيُقَالَ: " وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ أَوْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَصَاحِبِ فَرْضٍ مَا يَفْضُلُ عَنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ السُّدُسِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ بِنْتٍ وَأَبَوَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَإِنْ كَانَ مَحِلَّهَا أَخٌ لِأَبٍ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ سَقَطَ) ش: أَيْ لَوْ كَانَ

مَوْضِعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَوْ الْأَبِ أَخٌ لِأَبٍ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ فَلَيْسَتْ بِأَكْدَرِيَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ قَدْ حُجِبَتْ لِلسُّدُسِ بِتَعَدُّدِ الْإِخْوَةِ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَاخْتُلِفَ فِي السُّدُسِ الْبَاقِي، فَقِيلَ: يَأْخُذُهُ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ وَيَسْقُطُ الْأَخُ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُولُ: لِلْأَخِ لِلْأَبِ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ أَكُنْ مَعَكُمْ أَكَانَ يَكُونُ لَكَ شَيْءٌ فَيَقُولُ: لَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ إنَّمَا يَسْقُطُونَ بِوُجُودِهِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَكَانُوا أَصْحَابَ فَرَوْضٍ يُعَالُ لَهُمْ إنْ تَعَدَّدُوا وَيَأْخُذُونَ السُّدُسَ إنْ لَمْ يَتَعَدَّدُوا، وَيَسْقُطُ مَعَهُمْ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَيَقُولُ الْجَدُّ: لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لَيْسَ وُجُودِي بِاَلَّذِي يُوجِبُ لَكُمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَكُمْ، وَتُسَمَّى هَذِهِ بِالْمَالِكِيَّةِ. ص (وَالْمُشْتَرَكَةِ) ش: يُقَالُ فِيهَا مُشْتَرَكَةٌ بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ بَعْدَ الشِّينِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فَتَكُونُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَيُقَالُ لَهَا الْمُشَرَّكَةُ بِلَا تَاءٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ الْمُشَرَّكُ فِيهَا بِحَذْفِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، وَيُقَالُ أَيْضًا بِكَسْرِ الرَّاءِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى مِنْ شَرْحِ الْفُصُولِ لِشَيْخِنَا زَكَرِيَّاءِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْقَامُوسِ فَلْيُحَرَّرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَرُدُّ وَلَا يَدْفَعُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ يَرِثُهُ مِنْ النَّسَبِ وَلَا مَنْ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ فَمَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ

وَقَدْ أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا إذَا كَانَ الْوَالِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبِعَ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ فَبَيْتُ الْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: لِذَوِي الْأَرْحَامِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُتَصَدَّقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَطْلَقَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي جَعَلَهُ الْمَشْهُورَ: أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا إذَا كَانَ الْوَالِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَقَبِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَهُ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَأَطْلَقَ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَصَايَا: مَسْأَلَةٌ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلْيُتَصَدَّقْ بِمَالِهِ وَلَا يُجْعَلْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَالِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِهِ وَلَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِ الْبِرِّ، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ سَاغَ لِمَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ انْتَهَى. وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةٌ وَمَنْ أَوْصَى لَهُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِجَمِيعِ مَا لَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ الْمَيِّتِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصِي قَدْ زَالَ عَنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ بِالْمَوْتِ إلَى وَارِثٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ تَصَدَّقَ بِهِ عَمَّنْ صَارَ إلَيْهِ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ وَلَا وَلَاءٌ فَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي وَجْهِهِ وَلَا يُرَدُّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا إلَى ذَوِي السِّهَامِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت، وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقَتِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فِي وَقْتٍ يَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ عَادِلًا وَإِلَّا فَلْيُرَدَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا لِمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يُتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ وَكَذَا مَنْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا وَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ تُصُدِّقَ بِمَالِهِ وَلَا يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَحَكَاهُ الصَّقَلِّيُّ، وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مَنْ أَوْصَى بِكُلِّ مَالَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ: وَصِيَّتُهُ مَاضِيَةٌ هَذَا إنْ أَوْصَى بِهِ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْ فِيمَا لَا يَصْرِفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ وَلِيُّهُ وَلَوْ جَعَلَهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِيمَا لَوْ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ لَقَضَى فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَمْ تُغَيَّرْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ صَوَابًا وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ هَلْ هُوَ كَالْفَيْءِ يَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْ يُقْصَرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي عُمْدَتِهِ: الْمَذْهَبُ أَنَّ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَلَا يَرِثُهُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَقِيلَ: بَلْ يَرِثُ بِالرَّدِّ وَالرَّحِمِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْمَوَالِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَلِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ عُدِمَ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا بِالرَّدِّ وَلَا بِالرَّحِمِ وَوَرِثَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ الْمُعْتَمَدِ نَحْوَ عِبَارَةِ الْعُمْدَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى صَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ اتَّفَقَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ انْتَهَى. ، وَقَوْلُهُ: فِي

فرع مات في بلد وخلف فيه مالا وخلف في بلد آخر مالا وليس له وارث إلا جماعة المسلمين

الْإِرْشَادِ " فَإِنْ عُدِمَ " أَشَارَ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُصْرَفَ فِي وُجُوهِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ فِي بَابِ الرَّدِّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِهِمَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُوَرِّثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوَرِّثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ: وَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ، بَلْ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ فَالْمَالُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ فِي زَمَانِنَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنَّ الْمُقِرَّ لَهُ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ بَيْتُ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي مَوَاضِعِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مَتَى كَانَ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَهُمْ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْوَلَاءُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَاءٌ فَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ فَأُولُوا الْأَرْحَامِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانُوا ذَوِي حَاجَةٍ فَيَجِبُ الْيَوْمَ أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْتُ مَالٍ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصَبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ وَلَا مَوَالِي وَجَبَ أَنْ يُعْقَلَ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ كَانَ بَيْتُ مَالٍ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يُصْرَفُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثُهُ لِذَوِي رَحِمَهُ الَّذِينَ لَيْسُوا بِعَصَبَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ وَلَا مَوَالِي وَإِلَى هَذَا رَأَيْت كَثِيرًا مِنْ فُقَهَائِنَا، وَمَشَايِخِنَا يَذْهَبُونَ فِي زَمَانِنَا هَذَا وَلَوْ أَدْرَكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مِثْلَ زَمَانِنَا هَذَا لَجَعَلَ الْمِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا انْفَرَدُوا وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ الرَّدُّ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ مَرْزُوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ وَلَا وَلَاءٌ فَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي وَجْهِهِ وَلَا يَرِثُهُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] أَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ الْوَرَثَةِ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ الْمُسْلِمِينَ فَإِلَى الْفُقَرَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: " وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ " وَهُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ الْخُمُسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ مَا، نَصُّهُ: " فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا دَفَعَ الْوَاجِدُ الْخُمُسَ لَهُ يَصْرِفُهُ فِي مَحِلِّهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، فَقَالَ مَالِكٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ الْوَاجِدُ وَلَا يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ يَغِيبُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْعُشْرُ وَمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا أَعْرِفُ الْيَوْمَ بَيْتَ مَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيْتُ ظُلْمٍ انْتَهَى. ، فَكَلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا يُبَيِّنُ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ فِي زَمَانِنَا هَذَا مَعْدُومٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ مَاتَ فِي بَلَدٍ وَخَلَّفَ فِيهِ مَالًا وَخَلَّفَ فِي بَلَدٍ آخَرَ مَالًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ] (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْوَارِثُ هُوَ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَاتَ شَخْصٌ فِي بَلَدٍ، وَخَلَّفَ فِيهِ مَالًا وَخَلَّفَ فِي بَلَدٍ آخَرَ مَالًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ فِي الْوَصَايَا وَمِنْ الْخَمْسَةِ لِأَصْبَغَ وَهِيَ أَيْضًا فِي السُّلَيْمَانِيَّة وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ فِي بَلَدٍ وَخَلَّفَ فِيهِ مَالًا وَخَلَّفَ أَيْضًا فِي بَلَدٍ أُخْرَى، وَفِي بَلَدٍ سِوَاهُ مَالًا غَيْرَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ عَامِلَ الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَكَانَ مُسْتَوْطِنًا بِهِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهِ مَاتَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَانَ مَالُهُ فِيهِ أَوْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبِلَادِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: " وَفِي بَلَدٍ سِوَاهُ " تَكْرَارٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: " مَاتَ فِيهِ " زَائِدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ: وَسُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ فِي بَلَدٍ وَخَلَّفَ فِيهِ مَالًا وَفِي بَلَدٍ آخَرَ مَالًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَلَدَيْنِ لَهُ وَطَنًا وَأَرَادَ صَاحِبُ الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَخْذَ الْمَالِ الَّذِي خَلَّفَهُ فِي الْبَلَدِ الثَّانِي وَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَيْفَ إنْ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَطَنًا أَوْ الَّذِي لَمْ يَمُتْ فِيهِ؟ فَأَجَابَ عَامِلُ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ اسْتِيطَانُ الْمُتَوَفَّى أَحَقُّ بِقَبْضِ مِيرَاثِهِ مَاتَ فِيهِ أَوْ فِي

غَيْرِهِ كَانَ مَالُهُ فِيهِ أَوْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبِلَادِ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْمَوَارِيثِ. ص (كَابْنِ عَمِّ أَخٍ لِأُمٍّ) ش: يَعْنِي إذَا اجْتَمَعَ فِي شَخْصٍ سَهْمَانِ أَحَدُهُمَا بِالْفَرْضِ، وَالْآخَرُ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِهِمَا

كَابْنِ الْعَمِّ يَكُونُ لِأُمٍّ أَخًا فَيَأْخُذُ السُّدُسَ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ، وَالْبَاقِيَ بِالْعُصُوبَةِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ابْنُ الْعَمِّ زَوْجًا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْلَى زَوْجًا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا أَعْنِي أَنَّهُ يَأْخُذُ فَرْضَهُ وَالْبَاقِيَ بِالتَّعْصِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي التَّعْصِيبِ فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي التَّعْصِيبِ وَفِي مَنْزِلَتِهِ كَابْنَيْ عَمِّ أَحَدِهِمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْأَخِ السُّدُسُ لِلْأُمِّ وَيَقْسِمُ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ مَا بَقِيَ بِالسَّوَاءِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَتَرَجَّحُ الْأَخُ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فَوِلَادَةُ الْأُمِّ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَأُجِيبَ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّ زِيَادَةَ وِلَادَةِ الْأُمِّ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ التَّعَارُضِ فَلَا تُوجِبُ التَّرْجِيحَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَالْأَخِ لِلْأَبِ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ ابْنَيْ عَمٍّ وَأَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ الْوَلَاءُ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ يُونُسَ. ص (وَالِاثْنَا عَشَرَ لِثَلَاثَةَ عَشَرَ) ش: مَثَّلَ الشَّارِحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِقَوْلِهِ: " ثَلَاثَةَ عَشَرَ "

بِزَوْجَةٍ، وَأَبَوَيْنِ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْأَخَوَاتِ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْأَبِ، وَمَثَّلَ لِذَلِكَ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ بِزَوْجَةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ لِلشَّقِيقَةِ أَوْ الَّتِي لِلْأَبِ النِّصْفَ سِتَّةً وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبْعَ ثَلَاثَةً وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ أَرْبَعَةً، الْجُمْلَةُ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ

وَمِنْ أَمْثِلَةٍ عَوَّلَهَا لِثَلَاثَةَ عَشَرَ زَوْجَةٌ، وَأُمٌّ، وَأُخْتَانِ شَقِيقَتَانِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ إحْدَاهُمَا شَقِيقَةٌ، وَالْأُخْرَى لِأَبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَرَكَ زَوْجًا) ش: أَيْ زَوْجَةً وَيُعَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا وَافَقَ

سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي مَسْأَلَتَهُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ حَيْثُ يَكُونُ الْمَيِّتُ أَحَدَ الِابْنَيْنِ، وَأَمَّا

الْبِنْتَانِ فَسِهَامُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ وَالْوَاحِدُ بَيَانُ كُلِّ

عَدَدٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَحَدَ الِابْنَيْنِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ زَوْجَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَتَوْأَمَاهَا شَقِيقَانِ) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ إنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ لِأُمٍّ كَالْمَشْهُورِ فِي تَوْأَمَيْ الزَّانِيَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: إنَّهُمَا شَقِيقَانِ أَيْضًا، وَأَمَّا تَوْأَمَا الْمُسْتَأْمَنَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ فَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْ الْبَيَانِ: إنَّهُمَا شَقِيقَانِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي اللِّعَانِ. ص (وَلَا رَقِيقٌ) ش: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَعْتَقَ الْمِدْيَانَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْغُرَمَاءُ حَتَّى مَاتَ بَعْضُ قَرَابَةِ الْمُعْتِقِ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ حَتَّى يُجِيزَ الْغُرَمَاءُ الْعِتْقَ، فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَقَرِيبُهُ حُرٌّ صِرْفٌ وَإِذَا بَتَّلَ عِتْقَ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ وَلَهُ أَمْوَالٌ مُتَفَرِّقَةٌ إذَا جُمِعَتْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهَا فَلَا يَرِثُ قَبْلَ جَمْعِهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ يَهْلِكُ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْحُرِّيَّةُ، قَالَهُ فِي الْعِتْقِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إذَا اشْتَرَيْت عَبْدًا فَأَعْتَقْته وَوَرِثَ وَشَهِدَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ نَفَذَ الْعِتْقُ وَالْمِيرَاثُ وَإِلَّا بَطَلَ الْجَمِيعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِدْيَانَ مُتَعَدٍّ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِمِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ اسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ عِنْدَ الْعِتْقِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْغُرَمَاءُ حَتَّى وَرِثَ ثُمَّ أَجَازُوا نَفَذَتْ الْأَحْكَامُ انْتَهَى. ص (وَلَا قَاتِلٌ عَمْدًا عُدْوَانًا) ش: وَلَوْ عَفَا عَنْهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَقْتُلَانِ السَّيِّدَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى وَارِثٍ أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ عَمْدًا فَأَبْرَأهُ الْمَقْتُولُ فَإِنَّهُ يُتَّهَمُ فِي إبْرَائِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ يَرَى أَنَّهُ يُوجِبُ لَهُ مِيرَاثًا زَالَ عَنْهُ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ عَفْوٌ جَائِزٌ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَكِنْ لَا يَرِثُهُ بِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مُصَابُهُ وَصِيَّةً لَهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ، وَقَالَ: نَصِيبُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ هُوَ لَهُ وَصِيَّةٌ فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى وَارِثٍ بِالْقَتْلِ عَمْدًا فَكَذَّبَهُمْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، وَصَدَّقَهُمْ الْبَعْضُ فَإِنَّ مَا صَارَ لِلْمُكَذِّبِينَ مِنْ مِيرَاثِهِمْ يُرِيدُ مِنْ الدِّيَةِ فَهُوَ لِلْقَاتِلِ وَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمَيِّتُ بِدَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَصَدَّقَهُ بَعْضُ وَرَثَتِهِ انْتَهَى. (تَنْبِيهٌ) احْتَرَزَ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ: " عَمْدًا عُدْوَانًا " مِمَّا لَوْ كَانَ عَمْدًا غَيْرَ عُدْوَانٍ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ نَحْوُ أَنْ يَقْتُلَ الْحَاكِمُ وَلَدَهُ قِصَاصًا، وَنَحْوُهُ فَهَذَا يُوَرَّثُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ انْتَهَى. ص (وَإِنْ بِشُبْهَةٍ) ش: يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ إذَا قَتَلَ الْأَبَوَانِ ابْنَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ، وَسَقَطَ

عَنْهُمَا الْقَتْلُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَرِثَانِ مِنْهَا وَلَا مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْفَاكِهَانِيَّ إذَا جَرَحَ إنْسَانٌ وَرِيثَهُ فَمَاتَ الْجَارِحُ قَبْلَ الْمَجْرُوحِ هَلْ يَرِثُهُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ عَلَى نَصٍّ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَرِثُ انْتَهَى. (قُلْتُ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي أَنَّهُ يَرِثُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (وَلَا مَنْ جُهِلَ تَأَخُّرُ مَوْتِهِ) ش: فَرْعٌ مَنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ، وَمَاتَ لَهُ قَرِيبٌ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ

صَوَّبَ قَوْلَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ انْتَهَى. (وَلِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) ش: تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ الشَّكَّ وَهُوَ أَقْسَامٌ الْأَوَّلُ: فِي تَأَخُّرِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ الثَّانِي فِي الْوُجُودِ وَالْكَلَامِ عَلَى الْخُنْثَى مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: فِي ضَبْطِهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا أَلِفُ تَأْنِيبٍ مَقْصُورَةٍ، وَالضَّمَائِرُ الرَّاجِعَةُ إلَى الْخُنْثَى مُذَكَّرَةٌ، وَإِنْ بَانَتْ أُنُوثَتُهُ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَةَ شَخْصٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، وَجَمْعُهُ خَنَاثَى وَخَنَاثٍ. الثَّانِي: فِي اشْتِقَاقِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَنِثَ الطَّعَامُ إذَا اشْتَبَهَ أَمْرُهُ فَلَمْ يَخْلُصْ طَعْمُهُ الْمَقْصُودُ. الثَّالِثُ: فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْخُنْثَى الَّذِي لَهُ مَا لِلرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا انْتَهَى. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: هُوَ مَنْ لَهُ ذَكَرُ الرِّجَالِ، وَفَرْجُ النِّسَاءِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِيهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ نَوْعٌ آخَرُ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَهُ ثَقْبٌ بَيْنَ فَخِذَيْهِ يَبُولُ مِنْهُ لَا يُشْبِهُ وَاحِدًا مِنْ الْفَرْجَيْنِ. الرَّابِعُ: فِي أَقْسَامِهِ، وَالْخُنْثَى عَلَى قِسْمَيْنِ: مُشْكِلٌ، وَوَاضِحٌ فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ فَرْجَيْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ مُشْكِلٌ أَبَدًا، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَاضِحًا بِأَنْ تَنْبُتَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ ثَدْيٌ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ الْآلَتَانِ فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ حُكِمَ بِذُكُورِيَّتِهِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ حُكِمَ بِأُنُوثَتِهِ وَيُسَمَّى مَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ وَاضِحًا، وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ الْعَلَامَاتُ وَاسْتَوَتْ فِيهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُشْكِلَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَهُ الْآلَتَانِ وَاسْتَوَتْ فِيهِ الْعَلَامَاتُ، وَنَوْعٌ لَيْسَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْآلَتَيْنِ، وَإِنَّمَا لَهُ ثَقْبٌ كَمَا تَقَدَّمَ. الْخَامِسُ: فِي وُجُودِ الْخُنْثَى أَمَّا الْوَاضِحُ فَمَوْجُودٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُودِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى إمْكَانِ وُجُودِهِ وَوُقُوعِهِ وَعَلَى ذَلِكَ بَنَى أَهْلُ الْفَرَائِضِ، وَالْفُقَهَاءُ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ التَّابِعِينَ، وَالْقَاضِي إسْمَاعِيلُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ خُنْثَى مُشْكِلٌ قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُضَيِّقُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى، وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَلَامَةٍ تُزِيلُ إشْكَالَهُ. السَّادِسُ: فِي أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ خَلْقٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَوْ هُوَ أَحَدُهُمَا لَكِنْ أُشْكِلَ عَلَيْنَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم: 45] ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ ثَالِثٌ لَذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ، قَالَ الْعُقْبَانِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْآيَةَ إنَّمَا سِيقَتْ لِلرَّدِّ عَلَى الزَّاعِمِينَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَدًا فَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا ذَكَرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ بَنَاتٍ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ خَلَقَ النَّوْعَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْهُمَا وَلَدٌ، وَهُوَ

الْخَالِقُ لَهُمَا وَلَمْ يَزْعُمْ أَحَدٌ أَنَّ لَهُ وَلَدًا خُنْثَى فَلَمْ يَحْتَجْ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ إلَى ذِكْرِ الْخُنْثَى، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] ، وَبِقَوْلِهِ {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] قَالُوا فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ خَلْقٌ ثَالِثٌ لَذَكَرَهُ انْتَهَى. وَالْجَوَابُ الْوَاضِحُ هُوَ مَا يَأْتِي فِي السَّابِعِ مِنْ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْخُنْثَى مِنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَلَكِنْ خَفِيَتْ عَلَيْنَا عَلَامَتُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَخَرَجَ الْعُقْبَانِيُّ فِي شَرْحِ الْحَوفِيِّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ إنَّهُ صِنْفٌ ثَالِثٌ، قَالَ إذْ لَوْ كَانَ لَا يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لَمَا حَرَمَهُ الْمِيرَاثَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَقَلَّ الْمِيرَاثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِاسْتِحْقَاقِهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ خَلْقًا ثَالِثًا انْتَهَى. (السَّابِعُ) فِي ذِكْرِ أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ حَكَمَ فِيهِ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَزَلَتْ بِهِ قَضِيَّتُهُ فَسَهِرَ لَيْلَتَهُ، فَقَالَتْ لَهُ خَادِمَتُهُ سَخِيلَةُ رَاعِيَةُ غَنَمِهِ مَا أَسْهَرَكَ يَا سَيِّدِي؟ قَالَ: لَا تَسْأَلِي عَمَّا لَا عِلْمَ لَكِ بِهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ رَعْيِ الْغَنَمِ فَذَهَبَتْ، ثُمَّ عَادَتْ، وَأَعَادَتْ السُّؤَالَ فَأَعَادَ جَوَابَهُ فَرَاجَعَتْهُ، وَقَالَتْ لَعَلَّ عِنْدِي مَخْرَجًا فَأَخْبَرَهَا بِمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْخُنْثَى فَقَالَتْ: " أَتْبِعْ الْحُكْمَ الْمَبَالَ " فَفَرِحَ وَزَالَ غَمُّهُ زَادَ الْمُتَيْطِيُّ، وَكَانَ الْحُكْمُ إلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاحْتَكَمُوا إلَيْهِ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ حَكَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَالظَّرِبُ: بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ وَاحِدُ الظِّرَابِ وَهِيَ الرَّوَابِضُ الصِّغَارِ مِنْهُ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيُّ أَحَدُ فُرْسَانِ الْعَرَبِ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ حَكَمَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَى. بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَيُرِيدُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الظَّرِبَ بِالظَّاءِ لَا بِالضَّادِ كَمَا يَقُولُهُ وَيَكْتُبُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ: " أَحَدُ فُرْسَانِ الْعَرَبِ " كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الصِّحَاحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَحَدُ حُكَّامِ الْعَرَبِ وَلَفْظُ: عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ عَامِرٍ، ثُمَّ حَكَمَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْإِسْلَامِ بِهَذَا الْحُكْمِ بِأَنْ جَعَلَ الْحُكْمَ لِلْمَبَالِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ كَانَ عَامِرٌ حَاكِمَ الْعَرَبِ فَأَتَوْهُ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَهُوَ يَذْبَحُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يُقَالُ لَهَا سَخِيلَةُ فَقَالَتْ: إنَّ مَقَامَ هَؤُلَاءِ أَسْرَعَ فِي غَنَمِكَ فَقَالَ: وَيْحَكِ لَمْ تُشْكِلْ عَلَيَّ حُكُومَةٌ قَطُّ غَيْرَ هَذِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَتْبِعْ الْحُكْمَ الْمَبَالَ، قَالَ: فَرَّجْتِهَا يَا سَخِيلَةُ فَصَارَتْ مَثَلًا قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ وَفِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَمُزْدَجَرٌ لِجَهَلَةِ قُضَاةِ الزَّمَانِ وَمُفْتِيَيْهِ فَإِنَّ هَذَا مُشْرِكٌ تَوَقَّفَ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ انْتَهَى. مِنْ شَرْحِ شَيْخِنَا زَكَرِيَّاءِ لِلْفُصُولِ. (قُلْت) وَفِيهِ عِبْرَةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْحِكْمَةَ قَدْ يَخْلُقُهَا الْعَلِيُّ وَيُجْرِيهَا عَلَى لِسَانِ مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ مَعْرِفَتُهَا، وَأَنَّهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إدْرَاكِهَا أَصْحَابُ الْفِطْنَةِ وَالْعُقُولِ الْمُسْتَعِدَّةِ لِذَلِكَ فَقَدْ يُجْرِيهَا اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مَنْ لَمْ يَسْتَعِدَّ لَهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي السِّيرَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى اسْتِيلَاءِ قُصَيٍّ عَلَى أَمْرِ مَكَّةَ، فَقَالَ أَمْرُ عَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ بْنِ عُمَرَ بْنِ شُكَيْرِ بْنِ عَدْوَانَ الْعَدْوَانِيِّ كَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا ثَائِرَةٌ وَلَا عَضَلَةٌ فِي قَضَاءٍ إلَّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ، ثُمَّ رَضُوا بِمَا قَضَى فِيهِ فَاخْتَصَمُوا إلَيْهِ فِي خُنْثَى لَهُ مَا لِلرَّجُلِ وَمَا لِلْمَرْأَةِ، فَقَالَ حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ بِي مِثْلَ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يُقَلِّبُ فِي أَمْرِهِ، وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ لَا يَتَوَجَّهُ لَهُ فِيهِ وَجْهٌ وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سَخِيلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ فَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ: أَصْبَحْتِ وَاَللَّهِ يَا سَخِيلُ وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ، قَالَ أَمْسَيْتِ وَاَللَّهِ يَا سَخِيلُ وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْض النَّاسِ وَتُؤَخِّرُ الْإِرَاحَةَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النَّاسِ فَلَمَّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقِلَّةَ قَرَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَتْ لَهُ: مَا لَكَ لَا أَبَا لَكَ مَا عَرَاكَ فِي لَيْلَتِكَ هَذِهِ، فَقَالَ

وَيْلَكِ دَعِينِي أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِكِ، ثُمَّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: عَسَى أَنْ تَأْتِيَ بِفَرَجٍ، فَقَالَ: وَيْحَكِ اُخْتُصِمَ إلَيَّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا أَبَا لَكَ أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ أَقْعِدْهُ فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَرَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ فَهُوَ امْرَأَةٌ، فَقَالَ أَمْسِي سَخِيلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبِّحِي فَرَّجْتِهَا وَاَللَّهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ حِينَ أَصْبَحَ فَقَضَى بِاَلَّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْقَاسِمُ السُّهَيْلِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ، وَذَكَرَ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ عَامِرَ بْنَ الظَّرِبِ وَحُكْمَهُ فِي الْخُنْثَى وَمَا أَفْتَتْ بِهِ جَارِيَتُهُ سَخِيلَةُ وَهُوَ حُكْمٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ، وَالْعَلَامَاتِ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْقَمِيصَ الْمُدْمَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَرْقٌ وَلَا أَثَرُ أَنْيَابِ ذِئْبٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: 26] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنُ) فِي مِيرَاثِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا (الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ نِصْفُ الْمِيرَاثَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ ذِكْرِ الْأَحْوَالِ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ لِكُلِّ مُشْكِلٍ بِعَدَدِ أَحْوَالِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْكِلِينَ (الثَّانِي) لِابْنِ حَبِيبٍ إنْ كَانَ وَارِثٌ مِنْ الْخُنْثَى وَغَيْرِهِ يُضْرَبُ فِي الْمَالِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ فَيَقْتَسِمُونَهُ عَلَى طَرِيقَةِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ فَإِذَا كَانَ وَلَدَانِ ذَكَرٌ وَخُنْثَى ضَرَبَ الذَّكَرُ بِالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَدَّعِي وَضَرَبَ الْخُنْثَى بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَدَّعِي (الثَّالِثُ) لِابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا أَنَّهُ يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَا يَضْرِبُ الذَّكَرُ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مَنْ يَحْجُبُهُ لَوْ كَانَ ذَكَرًا أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَأَخَذَ الْعَاصِبُ الرُّبْعَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ ضَرَبَ الْخُنْثَى بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ النِّصْفِ إذْ النِّصْفُ أَكْثَرُ مِيرَاثِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ اثْنَانِ ضَرَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ ضَرَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ. (الرَّابِعُ) مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ ذَكَرٌ زَادَهُ اللَّهُ فَرْجًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الذُّكُورِيَّةِ قَالَ وَقَدْ غَلَبَ جَانِبُ الذُّكُورِيَّةِ مَعَ الِانْفِصَالِ يَعْنِي فِي الْخِطَابِ لَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ رَجُلًا وَاحِدًا وَأَلْفَ امْرَأَةٍ لَخُوطِبَ الْجَمِيعُ خِطَابَ الذُّكُورِ، فَكَيْفَ وَهُوَ هُنَا مُتَّصِلٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ الْحُوفِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَ مَالِكًا عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ قَالَ الْعُقْبَانِيُّ اُنْظُرْ مَا الَّذِي هَابُوهُ مِنْ سُؤَالِ مَالِكٍ عَنْ الْخُنْثَى انْتَهَى. وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ مَا اجْتَرَأْت عَلَى سُؤَالِ مَالِكٍ عَنْهُ انْتَهَى. (الْخَامِسُ) كَالْمَشْهُورِ فِي غَيْرِ مَسَائِلِ الْعَوْلِ، وَأَمَّا مَسَائِلُ الْعَوْلِ فَيُنْظَرُ كَمْ التَّقَادِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَمْ تَقَادِيرُ الْعَوْلِ فِيهَا وَيُؤْخَذُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْعَوْلِ فَيُجْعَلُ عَوْلَ الْمَسْأَلَةِ. مِثَالُ ذَلِكَ عَوْلُ الْغَرَّاءِ ثَلَاثَةٌ فَلَوْ فَرَضْنَا الْأُخْتَ فِيهَا خُنْثَى فَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَوْلُ فِي حَالَةِ التَّأْنِيث فَقَطْ فَلِلْعَوْلِ تَعْدِيلٌ وَاحِدٌ وَنِسْبَتُهُ إلَى حَالِ الْخُنْثَى النِّصْفُ فَيُؤْخَذُ نِصْفُ الْعَوْلِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَوْلُ الْمَسْأَلَةِ فَتَكُونُ مَسْأَلَةُ التَّأْنِيثِ فِيهَا عَائِلَةً إلَى سَبْعَةٍ وَنِصْفٍ، وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ حِسَابِهِ، مِثَالُهُ الْغَرَّاءُ الْمُتَقَدِّمَةُ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ فَتَقْدِيرُ الذُّكُورَةِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ بِلَا عَوْلٍ وَيَسْقُطُ الْأَخُ، وَبِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَتُعَوَّلُ لِتِسْعَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ وَالْعِشْرُونَ مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ، فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ فَتَضْرِبُهَا فِي حَالَيْ الْخُنْثَى تَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً فَعَلَى تَقْدِيرِ التَّذْكِيرِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ: [أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ] ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ: [سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ] ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ: [ثَمَانِيَةَ عَشَرَ] . وَعَلَى التَّأْنِيثِ لِلزَّوْجِ [سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ] ، وَلِلْأُمِّ [أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ] ، وَلِلْجَدِّ [اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ] ، وَلِلْخُنْثَى [سِتَّةَ عَشَرَ] فَيَجْتَمِعُ لِلزَّوْجِ تِسْعُونَ لَهُ نِصْفُهَا وَلِلْأُمِّ سِتُّونَ لَهَا نِصْفُهَا وَلِلْجَدِّ خَمْسُونَ لَهُ نِصْفُهَا وَلِلْخُنْثَى سِتَّةَ عَشَرَ لَهُ نِصْفُهَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُعَوَّلُ مَسْأَلَةُ التَّذْكِيرِ مِنْ سِتَّةٍ

فرع لإنسان عم خنثى فولد من ظهره ذكرا ثم مات الخنثى ثم ابن أخيه فهل يرث منه ابن الخنثى جميع المال

وَمَسْأَلَةُ التَّأْنِيثِ مِنْ سَبْعَةٍ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ الْعَوْلَ ثَلَاثَةٌ يُؤْخَذُ نِصْفُهَا وَذَلِكَ نِسْبَةُ حَالَةِ الْعَوْلِ إلَى حَالَتَيْ الْمَسْأَلَةِ. (السَّادِسُ) مِثْلُ الْخَامِسِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْغَرَّاءِ: إنَّمَا يَضُمُّ الْجَدُّ إلَى سِهَامِ الْأُخْتِ نِصْفَ سِهَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا أَضُمُّ جُمْلَةَ سِهَامِي إلَى جُمْلَةِ سِهَامِك وَأَنْتِ لَمْ تَسْتَوْفِي جُمْلَةَ سِهَامِك. (السَّابِعُ) أَنَّ الْمَالَ يُقْسَمُ عَلَى أَقَلَّ مَا يَدَّعِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى سُقُوطِ أَحَدٍ مِنْ الطَّالِبِينَ. (الثَّامِنُ) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ الْخُنْثَى وَغَيْرِهِ أَقَلَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَمَنْ سَقَطَ فِي بَعْضِ التَّقَادِيرِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَيُوقَفُ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَمَا فِي الْمَفْقُودِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ أَوْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ. (التَّاسِعُ) مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْطِي الْخُنْثَى أَقَلَّ مَا يَجِبُ لَهُ، وَيُعْطِي غَيْرَهُ أَكْثَرَ مَا يَجِبُ لَهُ وَلَا إيقَافَ. (الْعَاشِرُ) مِثْلُ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ الْأَحْوَالَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْكِلِينَ، بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى حَالَيْنِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ شَيْئًا وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعُ) مِنْ أَوْجُهِ الْكَلَامِ عَلَى الْخُنْثَى، هَلْ هَذَا الْمِيرَاثُ الْمَجْعُولُ لَهُ مِيرَاثًا ثَالِثًا مَشْرُوعٌ مُغَايِرٌ لِمِيرَاثِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَمْ لَا مِيرَاثَ فِي الشَّرْعِ سِوَى أَحَدِ الْمِيرَاثَيْنِ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ حَالِهِ تَوَسَّطْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْعُقْبَانِيُّ هَذَا يَنْبَنِي أَنَّهُ خَلْقٌ ثَالِثٌ وَلَيْسَ هُوَ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمَاهِيرَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ خَلْقًا ثَالِثًا فَلَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ ثَالِثٌ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا اعْتَرَضَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى الْفَرْضِيِّينَ بِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا فِي أَوَّلِ كُتُبِهِمْ مَقَادِيرَ الْمَوَارِيثِ مِنْ فَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَ مِيرَاثِ الْخُنْثَى إلَّا فِي آخِرِ كُتُبِهِمْ، (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ ثَالِثٌ فَيُبَيَّنُ. (الْعَاشِرُ) فِي السَّبَبِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ بِهِ الْخُنْثَى فَإِنَّ أَسْبَابَ الْإِرْثِ ثَلَاثَةٌ: نَسَبٌ وَنِكَاحٌ وَوَلَاءٌ فَأَمَّا مِيرَاثُهُ بِالنَّسَبِ فَسَيَأْتِي فِي الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْوَلَدِ، وَالْإِخْوَةِ وَالْعَصَبَاتِ وَلَا يَتَأَتَّى فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لِمَنْعِ نِكَاحِهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا يَكُونُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ زَوْجًا لَا زَوْجَةً وَلَا أَبًا وَلَا أُمًّا وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ بَطْنِهِ وَظَهْرِهِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ وَرِثَ مِنْ ابْنِهِ لِصُلْبِهِ مِيرَاثَ الْأَبِ كَامِلًا، وَمِنْ ابْنِهِ لِبَطْنِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ كَامِلًا وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى. غَيْرَ أَنَّ الْإِخْوَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ الْأُمِّ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ لَا يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثَةِ وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ فَإِنَّهُنَّ عَصَبَاتٌ، وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ بَالَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ مَزِيدُ بَيَانٍ فِيمَا إذَا وُلِدَ لِلْخُنْثَى مِنْ ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ، وَأَمَّا مِيرَاثُهُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَتَأَتَّى إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ نِكَاحَهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ نِكَاحِهِ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعَ عَشَرَ، وَإِذَا وَرِثَ بِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ مِيرَاثُهُ، وَأَمَّا مِيرَاثُهُ بِالْوَلَاءِ فَيَرِثُ مِنْ الْوَلَاءِ مَا يَرِثُهُ النِّسَاءُ، وَلَا يَخْتَلِفُ مِيرَاثُهُ فِي ذَلِكَ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، قَالَ الْعُقْبَانِيُّ قَالُوا: وَلَا يَرِثُ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يُورَثُ بِالتَّعْصِيبِ الْمُسْتَكْمَلِ، وَلَا يَسْتَكْمِلُ الْخُنْثَى تَعْصِيبًا قَالَ (قُلْتُ) : وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَرِثَ بِالْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ وَحْدَهُ لَا يَرِثُ إلَّا اسْتِكْمَالًا أَوْ نِصْفًا، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَفِي هَذَا الْبَحْثِ نَشَأَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ أَنَّ الْخُنْثَى لَا يَرِثُ. [فَرْعٌ لِإِنْسَانِ عم خُنْثَى فَوَلَد مِنْ ظهره ذكرا ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى ثُمَّ ابْن أخيه فَهَلْ يَرِث مِنْهُ ابْن الْخُنْثَى جَمِيع الْمَال] (فَرْعٌ) قَالَ الْعُقْبَانِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ كَانَ لِإِنْسَانٍ عَمٌّ خُنْثَى، فَوَلَدَ مِنْ ظَهْرِهِ ذَكَرًا، ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى، ثُمَّ ابْنُ أَخِيهِ فَهَلْ يَرِثُ مِنْهُ ابْنُ الْخُنْثَى جَمِيعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمٍّ أَمْ لَا يَرِثُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَرِثُ أَبُوهُ الَّذِي يُدْلِي بِهِ أَوْ يُقَالُ: إنَّ أَبَاهُ لَمَّا وَلَدَ مِنْ ظَهْرِهِ تَعَيَّنَ لِلذُّكُورَةِ، فَزَالَ عَنْهُ الْإِشْكَالُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَيْضًا مِنْ بَطْنِهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ الْكَلَامَ عَلَى الْخُنْثَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَاعْلَمْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) فِي كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ فِي مَسَائِلِ الْخُنْثَى وَلْنَذْكُرْ هُنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَالَ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَلِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ، وَأُنْثَى يَعْنِي أَنَّ الْخُنْثَى إذَا كَانَ وَاضِحًا فَمِيرَاثُهُ كَمِيرَاثِ الصِّنْفِ الَّذِي اُلْتُحِقَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَلَهُ نِصْفُ نَصِيبِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ نَصِيبِ أُنْثَى، ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: تُصَحَّحُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّقْدِيرَاتِ يَعْنِي أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خُنْثَى وَاحِدٌ فَتُصَحَّحُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ، ثُمَّ تُصَحِّحُهَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى، وَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا تَقْدِيرَانِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خُنْثَيَانِ فَتَصْحِيحُهَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا ذَكَرَيْنِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا أُنْثَيَيْنِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا ذَكَرًا، وَالْآخَرِ أُنْثَى، وَعَلَى عَكْسِهِ فَتَجِيءُ أَرْبَعُ تَقْدِيرَاتٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ سَوَاءٌ، بَلْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا وَالْآخَرُ ابْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ خَنَاثَى فَيَأْتِي فِيهَا ثَمَانِ تَقْدِيرَاتٍ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَسِتَّةَ عَشَرَ تَقْدِيرًا، وَهَكَذَا فَتُصَحَّحُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مَسْأَلَتُهُ قَالَ الْمُصَنِّف، ثُمَّ تَضْرِبُ الْوَفْقَ أَوْ الْكُلَّ يَعْنِي، ثُمَّ تَضْرِبُ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ إنْ تَوَافَقَا أَوْ تَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ إنْ تَبَايَنَا وَسَكَتَ عَنْ التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ لِوُضُوحِ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى أَنَّك تُحَصِّلُ أَقَلَّ عَدَدٍ يَنْقَسِمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ أَسْهَلُهُمَا أَنْ تَنْظُرَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا فَتَكْتَفِيَ بِأَحَدِهِمَا إنْ تَمَاثَلَا وَبِأَكْثَرِهِمَا إنْ تَدَاخَلَا، وَبِالْحَاصِلِ مِنْ ضَرْبِ وَفْقِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ إنْ تَوَافَقَا أَوْ ضَرْبِ كُلِّهِ فِي كُلِّ الْآخَرِ إنْ تَبَايَنَا، ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الْحَاصِلِ، وَالثَّالِثِ وَهَكَذَا، ثُمَّ قَالَ، ثُمَّ فِي حَالَيْ الْخُنْثَى يَعْنِي إذَا حَصَلَتْ أَقَلَّ عَدَدٍ يَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخُنْثَى أَوْ عَلَى مَسَائِلِهِ فَاضْرِبْ ذَلِكَ الْعَدَدَ فِي حَالَتَيْ الْخُنْثَى يُرِيدُ إذَا كَانَ وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ فَفِي أَحْوَالِهِمَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَفِي أَحْوَالِهِمْ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، ثُمَّ تَقْسِمُ الْعَدَدَ الْحَاصِلَ عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْخُنْثَى وَالْخَنَاثَى، وَيُجْمَعُ لِكُلِّ وَارِثٍ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ فَمَا اجْتَمَعَ بِيَدِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أُخِذَتْ مِنْهُ جُزْءًا بِنِسْبَةِ الْوَاحِدِ إلَى حَالَةِ الْخُنْثَى أَوْ الْخَنَاثَى فَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى وَاحِدًا فَلَيْسَ إلَّا حَالَانِ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَيْهِمَا النِّصْفُ فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا اجْتَمَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى اثْنَيْنِ فَالْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ، وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَيْهَا رُبْعٌ فَيَأْخُذُ لِكُلِّ وَارِثٍ رُبْعَ مَا اجْتَمَعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى ثَلَاثَةً، فَالْأَحْوَالُ ثَمَانِيَةٌ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَيْهَا الثُّمُنُ فَيُعْطِي لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُمُنَ مَا اجْتَمَعَ لَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ. ص (وَتَأْخُذُ مِنْ كُلِّ نَصِيبٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ النِّصْفَ) ش: فَقَوْلُهُ: مِنْ الِاثْنَيْنِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ كُلِّ نَصِيبٍ، وَنَصِيبٍ: مَجْرُورٌ بِإِضَافَةِ " كُلِّ " إلَيْهِ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يُبَيِّنُهُ مَا بَعْدُهُ تَقْدِيرُهُ كُلٌّ مِنْ كُلِّ نَصِيبٍ بِنِسْبَةِ الْوَاحِدِ إلَى عَدَدِ أَحْوَالِ الْخُنْثَى فَمِنْ الِاثْنَيْنِ النِّصْفُ وَهَكَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ

الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ نَصِيبٍ " إلَى آخِرِهِ مَا ذَكَرْنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ إذَا قَسَمْت الْعَدَدَ الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ الْجَامِعَةِ فِي أَحْوَالِ الْخُنْثَى عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَمَا خَرَجَ لِكُلِّ وَارِثٍ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَأْخُذُ مِنْهُ بِنِسْبَةِ الْوَاحِدِ إلَى أَحْوَالِ الْخُنْثَى، ثُمَّ مَثَّلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِذَلِكَ بِمِثَالَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيهِ خُنْثَى وَاحِدٌ، وَالْآخَرُ فِيهِ خُنْثَيَانِ، فَفِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ابْنٌ ذَكَرٌ سَوِيٌّ، وَخُنْثَى فَتَقْدِيرُ كَوْنِ الْخُنْثَى ذَكَرًا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَبِتَقْدِيرِهِ أُنْثَى تَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَأَقَلُّ عَدَدٍ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا سِتَّةٌ لِتَبَايُنِهِمَا فَتَضْرِبُ الِاثْنَيْنِ فِيهَا، أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ لِتَبَايُنِهِمَا تَحْصُلُ سِتَّةٌ وَالْخُنْثَى مُتَّحِدٌ فَلَهُ حَالَتَانِ فَقَطْ فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي اثْنَيْنِ يَحْصُلُ اثْنَا عَشَرَ تَقْسِمُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّذْكِيرِ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةٌ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ التَّأْنِيثِ يَحْصُلُ لِلذَّكَرِ السَّوِيِّ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْخُنْثَى أَرْبَعَةٌ فَتَجْمَعُ مَا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَجْتَمِعُ لِابْنِ الْبِنْتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلِلْخُنْثَى عَشْرَةٌ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَى أَحْوَالِ الْخُنْثَى النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا حَالَتَانِ فَيُعْطِي لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا اجْتَمَعَ لَهُ، فَيَكُونُ لِابْنِ الْبِنْتِ سَبْعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا اثْنَا عَشَرَ، وَإِنْ شِئْت فَخُذْ مِنْ النِّسْبَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ قِسْمَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّذْكِيرِ نِصْفَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ الْبِنْتُ، وَالْخُنْثَى وَمَنْ الثَّمَانِيَةِ الْحَاصِلَةِ لِلِابْنِ السَّوِيِّ الْخَارِجَةِ مِنْ قِسْمَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّأْنِيثِ نِصْفُهَا، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَضُمَّهُ لِلثَّلَاثَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّذْكِيرِ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً وَخُذْ نِصْفَ الْأَرْبَعَةِ الْحَاصِلَةِ لِلْخُنْثَى فِي مَسْأَلَةِ التَّأْنِيثِ، وَهُوَ اثْنَانِ، وَضُمَّهُ لِلثَّلَاثَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّذْكِيرِ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةً كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ وَلَدَيْنِ خُنْثَيَيْنِ وَعَاصِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ مَسَائِلَ: مَسْأَلَةُ تَذْكِيرِهِمَا مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَاصِبِ، وَمَسْأَلَةُ تَأْنِيثِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ تَذْكِيرِ أَحَدِهِمَا وَتَأْنِيثِ الْآخَرِ، وَعَكْسِهِ فَالثَّلَاثُ الْمَسَائِلِ الْأَخِيرَةِ مُتَّفِقَةٌ فَتَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا وَتَضْرِبُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّذْكِيرِ لِتَبَايُنِهِمَا يَحْصُلُ سِتَّةٌ تَضْرِبُهَا فِي أَحْوَالِ الْخَنَاثَى وَهِيَ أَرْبَعَةٌ يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ تَقْسِمُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّذْكِيرِ يَحْصُلُ لِكُلِّ خُنْثَى اثْنَا عَشَرَ وَلَا شَيْءَ لِلْعَاصِبِ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ التَّأْنِيثِ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ وَالْعَاصِبِ ثَمَانِيَةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَذْكِيرِ أَحَدِهِمَا وَتَأْنِيثِ الْآخَرِ يَحْصُلُ لِلذَّكَرِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأُنْثَى ثَمَانِيَةٌ وَلَا شَيْءَ لِلْعَاصِبِ، وَكَذَا عَلَى تَقْدِيرِ عَكْسِهِ فَيَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْعَاصِبِ ثَمَانِيَةٌ فَقَطْ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَى أَحْوَالِ الْخَنَاثَى أَرْبَعَةٌ، فَيُؤْخَذُ لِكُلِّ وَارِثٍ رُبْعُ مَا حَصَلَ لَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ رُبْعُ مَا بِيَدِهِ وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ، رُبْعُ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَلِلْعَاصِبِ {اثْنَانِ} رُبْعُ الثَّمَانِيَةِ، وَإِنْ شِئْت فَخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ رُبْعَ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَاجْمَعْ ذَلِكَ يَحْصُلُ أَيْضًا أَحَدَ عَشَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ وَاثْنَانِ لِلْعَاصِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا أَحَدُ طُرُقِ الْعَمَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي شَرْحِ الْحَوفِيِّ لِلْعَمَلِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَرْبَعَ طُرُقٍ وَلِلْعَمَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ طُرُقًا أُخْرَى، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ ابْنِ خَرُوفٍ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهَا خَطَأٌ وَذَكَرَ طَرِيقًا أُخْرَى مُخَالِفَةً لِمَا تَقَدَّمَ وَنَاقَشَهُ فِي ذَلِكَ الْعُقْبَانِيُّ، وَقَالَ: إنَّمَا ذِكْرُهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ عَلَى الدَّعَاوَى، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَ عَشَرَ) مِنْ أَوْجُهِ الْكَلَامِ عَلَى الْخُنْثَى فِي الْعَلَامَاتِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى ذُكُورِيَّتِهِ وَأُنُوثِيَّتِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا فَعَلَ غَالِبُ الْفَرْضِيِّينَ لَكِنْ تَبِعْنَا الْمُصَنِّفُ فِي تَأْخِيرِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فَأَوَّلُ الْعَلَامَاتُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ: الْبَوْلُ قَالَ الْعُقْبَانِيُّ فَفِي النَّسَائِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «يُوَرَّثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» لَكِنَّهُ ضَعِيفُ السَّنَدِ، قَالَ الْعُقْبَانِيُّ نَعَمْ وَضَعِيفُ

الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَوْرِيثِهِ لَا فِي الْإِرْثِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ يُوَرَّثُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ لَا بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ فَيَسْتَقِيمَ حِينَئِذٍ الْمَتْنُ انْتَهَى. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُحْكَمُ فِي الْخُنْثَى بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ فِي نِكَاحِهِ وَمِيرَاثِهِ، وَشَهَادَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا اجْتَرَأْنَا عَلَى سُؤَالِ مَالِكٍ عَنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَمَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " الْحُكْمُ فِي الْخُنْثَى بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ ذَكَرِهِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ فَرْجِهِ فَهُوَ جَارِيَةٌ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ مِنْ الْمَبَالِ، وَفِيهِ الْوَطْءُ فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ، وَشَهَادَتُهُ وَكُلُّ أَمْرِهِ عَلَى ذَلِكَ وَمَا اجْتَرَأْنَا عَلَى سُؤَالِ مَالِكٍ عَنْهُ انْتَهَى. وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ قَوْلَهُ الْمُرَاعَى مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ غَيْرُ مَخْرَجِ الْحَيْضِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ وَمَحَلُّ الْوَطْءِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ، وَقَالَ الْعُقْبَانِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ هَذِهِ الْمُضَايَقَةُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنَّ الْبَوْلَ إذَا خَرَجَ مِنْ الذَّكَرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ، وَأَنَّ الْفَرْجَ الْآخَرُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَا وَلَدٌ، وَأَنَّ الْبَوْلَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَحَلُّ الْوَطْءِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالذَّكَرِ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ انْتَهَى. فَإِنْ بَالَ مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ فَقَطْ حُكِمَ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْفَرْجِ، قَالَ الْعُقْبَانِيُّ: وَيُسْتَدَلُّ بِالْبَوْلِ قَبْلَ غَيْرِهِ لِعُمُومِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَلِدَوَامِ وُجُودِهِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ نَظَرَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَقِيلَ: يُنْظَرُ فِي الْمِرْآةِ، وَقِيلَ: يَبُولُ عَلَى حَائِطٍ أَوْ مُتَوَجِّهًا إلَى حَائِطٍ قَرِيبٍ فَيُسْتَدَلُّ بِانْدِفَاعِ الْبَوْلِ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ إلَى الْحَائِطِ عَلَى الذُّكُورَةِ، وَبِخِلَافِ ذَلِكَ عَلَى الْأُنُوثَةِ فَلَوْ بَالَ مِنْ الْمَحَلَّيْنِ اُعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ، وَالْأَسْبَقُ، وَأَنْكَرَ الشَّافِعِيُّ اعْتِبَارَ الْأَكْثَرِ، وَرَآهُ مُتَعَذَّرًا، وَقَالَ أَيُكَالُ الْبَوْلُ أَوْ يُوزَنُ؟ ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا الْأَكْثَرَ، وَالْآخَرُ الْأَسْبَقَ انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ. ص (فَإِنْ بَالَ مِنْ وَاحِدٍ وَكَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَسْبَقَ) ش: أَيْ فَلَا إشْكَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ الْعُقْبَانِيِّ تَقْدِيمُ اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ عَلَى السَّبْقِ، وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ الْآتِي وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا فَمِنْ حَيْثُ سَبَقَ فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا فَمِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ الْأَكْثَرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ، وَلَا أَكْثَرَ، وَكَانَتْ لَهُ لِحْيَةٌ كَانَ عَلَى حُكْمِ الْغُلَامِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ لِحْيَةٌ، وَكَانَ لَهُ ثَدْيٌ فَعَلَى حُكْمِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَوْ كَانَا كَانَ لَهُ نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى، وَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَمِنْ أَيِّهِمَا سَبَقَ قَالَ أَيُّوبُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمَا مَعًا، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْظَرُ مِنْ أَيِّهِمَا خَرَجَ أَكْثَرُ فَيَكُونُ الْحُكْمُ، قَالَ شَيْخُنَا عَتِيقٌ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ، وَقَالَ أَيُكَالُ الْبَوْلُ أَوْ يُوزَنُ؟ ، وَالْأَوْلَى مَا قَالَتْهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّاءُ فِي شَرْحِ الْفُصُولِ عَنْ الْقَاضِي أَظُنُّهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ قَالَ: أَسْكَتَ أَبُو حَنِيفَةَ أَبَا يُوسُفَ فِي الْخُنْثَى فَإِنَّهُ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ بِمَ تَحْكُمُ فِي الْخُنْثَى؟ فَقَالَ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ يَبُولُ بِهِمَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَكِنِّي أَدْرِي أَحْكُمُ بِأَسْبَقِهِمَا فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ: أَحْكُمُ بِالْكَثْرَةِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَيُكَالُ أَمْ يُوزَنُ، فَسَكَتَ أَبُو يُوسُفَ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِالْمُتَأَخِّرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْخُرُوجِ، وَأَمَّا إذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا، فَالْحُكْمُ لَهُ وَلَوْ تَأَخَّرَ الْآخَرُ، وَلَوْ بَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَرَّةٌ، وَمَنْ الْآخَرِ أُخْرَى أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا تَارَةً، وَالْآخَرُ أُخْرَى فَالْعِبْرَةُ بِالْأَكْثَرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْبَوْلِ أَمْرٌ أُمْهِلَ إلَى الْبُلُوغِ فَإِنْ أَمْنَى مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ فَوَاضِحٌ أَوْ حَصَلَ حَيْضٌ أَوْ حَمْلٌ أَوْ نَبَتَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ ثَدْيٌ

حُكِمَ لَهُ بِمَا يَقْتَضِيهِ قَالَ الْعُقْبَانِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ أَقْوَى ذَلِكَ الْوِلَادَةُ فَإِنْ حَصَلَ وِلَادَةٌ مِنْ الْبَطْنِ قُطِعَ بِالْأُنُوثَةِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ قُطِعَ بِالذُّكُورَةِ إلَّا أَنَّهَا لَا يَكَادُ يُقْطَعُ بِهَا وَقِيلَ إنَّهَا نَزَلَتْ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ بِابْنَةِ عَمِّهِ، وَكَانَتْ خُنْثَى فَوَقَعَتْ عَلَى جَارِيَةٍ لَهَا فَأَحْبَلَتْهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: هَلْ أَصَبْتَهَا بَعْدَ إحْبَالِ الْجَارِيَةِ قَالَ؟ نَعَمْ، قَالَ: عَلِيٌّ: إنَّكَ لَأَجْرَأُ مِنْ خَاصِي الْأَسَدِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِعَدِّ أَضْلَاعِ الْخُنْثَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ فَزَيَّاهُ بِزِيِّ الرِّجَالِ. وَانْظُرْ لَوْ وَقَعَ مِثْلَ هَذَا فَإِنْ وَقَعَتْ الْوِلَادَةُ مِنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْحُكْمَ لِوِلَادَةِ الْبَطْنِ؛ لِأَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَّهُ رَأَى بِالْعِرَاقِ خُنْثَى وُلِدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ، وَبَطْنِهِ قَالَ الْعُقْبَانِيُّ وَانْظُرْ أَيَّ نَسَبٍ بَيْنَ الْمَوْلُودَيْنِ وَهَلْ بَيْنَهُمَا تَوَارُثٌ وَالظَّاهِرُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَلَا مِيرَاثَ وَفِي جَوَازِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى نَظَرٌ انْتَهَى. (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْوِلَادَةُ مِنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ فَالظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحُكْمَ لِوِلَادَةِ الْبَطْنِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي الْوَجْهِ الْعَاشِرِ مِنْ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ ابْنِهِ لِصُلْبِهِ مِيرَاثَ الْأَبِ كَامِلًا، وَمِنْ ابْنِهِ لِبَطْنِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ كَامِلًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَوْلُودَيْنِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ قَاسِمٍ وَرَأَيْت لِمَالِكٍ فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ أَنَّ مِثْلَ هَذَيْنِ لَا يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي ظَهْرٍ وَلَا بَطْنٍ فَلَيْسَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَلَا أُمٍّ انْتَهَى. (قُلْت) وَأَطْلَقَ الْفَاكِهَانِيُّ عَلَيْهِمَا لَفْظَ الْإِخْوَةِ وَنَظَرَ فِيمَا إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ هَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: " وَمَنْ مَالِكِ أَبَوَيْهِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ إذَا وُلِدَ لَهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ فَمَلَكَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ أَخَاهُ فَهَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا فَلْيُنْظَرْ انْتَهَى. فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَوَارَثَ وَلَا أُخُوَّةَ لِأَبٍ، وَلَا لِأُمٍّ فَلَا يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا كَانَ ذَا فَرْجَيْنِ فَيُعْطِي الْحُكْمَ لِمَا بَالَ مِنْهُ فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا اُعْتُبِرَتْ الْكَثْرَةُ مِنْ أَيِّهِمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا اُعْتُبِرَ السَّبْقُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا اعْتَبَرْنَا اللِّحْيَةَ وَكِبَرَ الثَّدْيَيْنِ، وَمُشَابَهَتَهُمَا لِثَدْيِ النِّسَاءِ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ اُعْتُبِرَ الْحَالُ عِنْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ وُجِدَ الْحَيْضُ حُكِمَ بِهِ، وَإِنْ وُجِدَ الِاحْتِلَامُ حُكِمَ بِهِ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَمُشْكِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرْجُ النِّسَاءِ وَلَا الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا لَهُ مَكَانٌ يَبُولُ مِنْهُ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ فَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَامَةُ تَمْيِيزٍ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: وَإِذَا انْتَهَى الْإِشْكَالُ عُدَّتْ الْأَضْلَاعُ فَلِلرِّجَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ضِلْعًا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَمِنْ الْأَيْسَرِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَلِلْمَرْأَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ الْأَيْسَرِ فَبَقِيَ الذَّكَرُ نَاقِصًا ضِلْعًا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ قَضَى بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْأَسْبَقِ وَالْأَكْثَرِ: فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا مُتَكَافِئًا فَمُشْكِلٌ فِي حَدِّ الصِّغَرِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي كِبَرِهِ وَبُلُوغِهِ فَإِنْ نَبَتَتْ لَهُ لِحْيَةٌ وَلَمْ يَنْبُتْ لَهُ ثَدْيٌ فَهُوَ رَجُلٌ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ عَلَامَةُ التَّذْكِيرِ، وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَةٌ وَخَرَجَ ثَدْيٌ فَهُوَ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّدْيَ يَدُلُّ عَلَى الرَّحِمِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَنْبُتَا أَوْ نَبَتَا جَمِيعًا نُظِرَ فَإِنْ حَاضَتْ فَهِيَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ احْتَلَمَ فَهُوَ ذَكَرٌ فَإِنْ حَاضَ وَاحْتَلَمَ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَمُشْكِلٌ عِنْدَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْخُنْثَى إلَّا عَلَى قَوْلَةٍ شَاذَّةٍ ذَهَبَ إلَيْهَا بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ أَضْلَاعِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَزَادَ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ أَلْقَى عَلَيْهِ النَّوْمَ فَاسْتَلَّ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرَ ضِلْعًا خَلَقَ مِنْهُ حَوَّاءَ، ثُمَّ قَالَ، وَعِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ لَا يَكُونُ مُشْكِلًا فِي صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ قَالَ أَيُّوبُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَتَبِعَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ وَالْجَمَاعَةُ عَلَى خِلَافِهِمَا انْتَهَى. وَذَكَرَ الْعُقْبَانِيُّ قَوْلَ مَنْ يَعُدُّ الْأَضْلَاعَ، وَقَالَ: إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَضْلَاعُ الرَّجُلِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَأَضْلَاعُ الْمَرْأَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَضْلَاعُ الرَّجُلِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَضْلَاعُ الْمَرْأَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَضْلَاعَ الرَّجُلِ تُسَاوِي أَضْلَاعَ الْمَرْأَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ أَيِّ جَانِبِ الزِّيَادَةِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا: إنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ بِضِلْعٍ اعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ وَهِيَ الْقُصْرَى اُسْتُلَّتْ مِنْهُ، وَهُوَ نَائِمٌ وَأُيِّدَ هَذَا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ» الْحَدِيثُ، وَفِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ يُمَثِّلُ هَذَا ضَعْفٌ وَالْعِيَانُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، فَقَدْ أَطْبَقَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ عَلَى أَنَّهُمْ عَايَنُوا أَضْلَاعَ الصِّنْفَيْنِ مُتَسَاوِيَةَ الْعَدَدِ انْتَهَى. وَالضِّلَعُ: بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ، وَتَسْكِينِ اللَّامِ جَائِزٌ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَجْرَأُ مِنْ خَاصِي الْأَسَدِ " فَأَجْرَأُ بِالْهَمْزِ مِنْ الْجُرْأَةِ وَهِيَ الشُّجَاعَةُ، " وَخَاصِي الْأَسَدِ " بِلَا هَمْزٍ مِنْ خَصَى يَخْصِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّافِعِيَّةُ الْأَضْلَاعَ وَلَا اللِّحْيَةَ وَلَا الثَّدْيَ وَلَا نُزُولَ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ وَذَكَرُوا لَهُ عَلَامَةً أُخْرَى، وَهِيَ مَيْلُهُ إلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ، وَقَالُوا إنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) إذَا حُكِمَ لَهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِعَلَامَةٍ، ثُمَّ حَدَثَتْ عَلَامَةٌ أُخْرَى قَالَ الْعُقْبَانِيُّ: لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ إلَّا مَا رَأَيْتُهُ لِبَعْضِ أَشْيَاخِي، وَنَصُّهُ: " إنْ حُكِمَ لَهُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ بِعَلَامَاتٍ، ثُمَّ جَاءَتْ عَلَامَاتٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَمَّا حُكِمَ بِهِ أَوَّلًا كَأَنْ يَكُونَ يَبُولُ مِنْ الذَّكَرِ، ثُمَّ جَاءَ الْحَيْضُ أَوْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْفَرْجِ، ثُمَّ جَاءَتْ اللِّحْيَةُ قَالَ الشَّيْخُ كَذَا كَانَ الشَّيْخُ يَقُولُ انْتَهَى. وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ عَلَامَةُ مَيْلِهِ إلَى جِهَةِ الرِّجَالِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ عَلَامَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْوِلَادَةِ لَمْ يَبْطُلْ قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُمْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) فِي حُكْمِ نِكَاحِهِ يَمْتَنِعُ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ النِّكَاحِ عَبْدُ الْحَقِّ لَا يَطَأُ وَلَا يُوطَأُ، وَقِيلَ: يَطَأُ أَمَتَهُ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ هُنَا ابْنُ الْقَاسِمِ يَمْتَنِعُ النِّكَاحُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحٌ يُرِيدُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي أَنْ يَنْكِحَ بِأَحَدِ الْجِهَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ يَنْكِحُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، ثُمَّ لَا يَنْتَقِلُ عَمَّا اخْتَارَهُ انْتَهَى. قَالَ الْعُقْبَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ: وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إذَا اخْتَارَ وَاحِدًا وَفَعَلَهُ أَمَّا مُجَرَّدُ الِاخْتِيَارِ دُونَ فِعْلٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ اخْتِيَارِ الْعُرْفِ الْآخَرِ، ثُمَّ إنَّهُ بَحَثَ فِي إبَاحَةِ النِّكَاحِ فَانْظُرْهُ وَنَحْوَهُ فِي ابْنِ يُونُسَ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) فِي حُكْمِ شَهَادَتِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَيَحْكُمُ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ فِي صَلَاتِهِ وَاسْتِتَارِهِ وَشَهَادَتِهِ قَالَ الْعُقْبَانِيُّ: سُلُوكُ الْأَحْوَطِ فِي شَهَادَتِهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَيُعَدُّ فِي شَهَادَتِهِ امْرَأَةً. (السَّادِسَ عَشَرَ) فِي سَهْمِهِ فِي الْجِهَادِ إذَا غَزَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَوفِيِّ: وَسَهْمُهُ فِي الْجِهَادِ رُبْعُ سَهْمٍ وَاسْتُشْكِلَ، وَقَالَ نِصْفٌ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْفِقْهِيِّ، وَفِي كَوْنِ الْوَاجِبِ لَهُ إنْ غَزَا رُبْعَ سَهْمٍ أَوْ نِصْفَ سَهْمٍ، نَقَلَ الصَّقَلِّيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ مَعَ قَوْلِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ نَقْلِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (السَّابِعَ عَشَرَ) فِي حَدِّهِ إذَا زَنَى بِذَكَرِهِ أَوْ فَرْجِهِ أَوْ زُنِيَ بِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ يَعْنِي أَبَا عِمْرَانَ قِيلَ: إنْ زَنَى بِذَكَرِهِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ كَأُصْبُعٍ وَبِفَرْجِهِ يُحَدُّ. الْمُتَيْطِيُّ فِي حَدِّهِ: إنْ وَلَدَ مِنْ فَرْجِهِ قَوْلَا بَعْضِهِمْ وَأَكْثَرِهِمْ لِحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ، وَنَزَلَتْ بِجَيَّانَ فَاخْتَلَفَ فِيهَا فُقَهَاؤُنَا فَأَفْتَى ابْنُ أَيْمَنَ وَغَيْرُهُ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَوَضَعَ الْخُنْثَى ابْنًا وَمَاتَ مِنْ نِفَاسِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَيَتَحَصَّلُ فِي حَدِّهِ، ثَالِثُهَا إنْ وَلَدَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وِلَادَتَهُ مِنْ فَرْجِهِ دَلِيلٌ عَلَى أُنُوثَتِهِ وَمَفْهُومُ أَقْوَالِهِمْ أَنَّهُ إنْ زَنَى بِذَكَرِهِ لَمْ يُحَدَّ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ مِثْلَهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: وَيُؤَدَّبُ، وَمِثْلُهُ فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ عَنْ

ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ وَطِئَ خُنْثَى غَصْبًا حُدَّ زَادَ الشَّعْبِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ (قُلْت) : هَذَا عَلَى قَوْلِ الْأَقَلِّ وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَابْنِ أَيْمَنَ لَا يُحَدُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إشْكَالُهُ كَصِغَرِ الْأُنْثَى يُحَدُّ وَاطِئُهَا وَلَا تُحَدُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ (قُلْت) الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ زَنَى بِفَرْجِهِ وَذَكَرِهِ حُدَّ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ أَنَّهُ إنْ زَنَى بِذَكَرِهِ لَا يُحَدُّ، وَإِنْ وُطِئَ فِي فَرْجِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ. (الثَّامِنَ عَشَرَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى قَذْفِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَدُّ قَاذِفِهِ يَجْرِي عَلَى حَدِّهِ. (التَّاسِعَ عَشَرَ) فِي سَجْنِهِ إذَا سُجِنَ، وَيُسْجَنُ وَحْدَهُ لَا مَعَ الرِّجَالُ وَلَا مَعَ النِّسَاءِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ التَّعَالِيقِ. (الْعِشْرُونَ) فِي إمَامَتِهِ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ إمَامَتَهُ لَا تَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ. (الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ) فِي مَحَلِّهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَيَتَأَخَّرُ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَيَتَقَدَّمُ عَلَى صُفُوفِ النِّسَاءِ وَسَيَأْتِي فِي الثَّانِي، وَالْعِشْرِينَ كَلَامُ ابْنَ عَبْدَ الْحَقِّ وَابْنَ يُونُسَ. (الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ) فِي اسْتِتَارِهِ فِي الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَحْتَاطُ، قَالَ الْعُقْبَانِيُّ فَلْيَسْتَتِرْ سِتْرَ النِّسَاءِ، وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ عَبْدِ الْحَقِّ: وَلَا يُصَلِّي إلَّا مُسْتَتِرًا فِي آخِرِ صُفُوفِ الرِّجَالِ، وَأَوَّلِ صُفُوفِ النِّسَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَلَا يُصَلِّي إلَّا مُسْتَتِرًا فِي آخِرِ الرِّجَالِ وَأَوَّلِ صُفُوفِ النِّسَاءِ. (الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْعُقْبَانِيُّ اُنْظُرْ هَلْ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ سِرًّا وَيَسْجُدُ أَوْ يُقَالُ إنَّمَا السُّجُودُ لِلسَّهْوِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْجَهْرِ وَقَدَرَ عَلَى السِّرِّ لَا يَسْجُدُ انْتَهَى. (الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ) فِي مَسِّ فَرْجِهِ هَلْ يُنْقِضُ وُضُوءَهُ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُنْقِضُ، وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَالْمَذْهَبُ ذَلِكَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ. (الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ) فِي حُكْمِهِ فِي اللُّبْسِ فِي الْحَجِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ التَّعَالِيقِ إنَّهُ يَلْبَسُ مَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ وَيَفْتَدِي، ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ يَلْبَسُ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ ابْتِدَاءً وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُهُ، وَفِي غَيْرِهِ لَا يَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْبَسُ إلَّا لِحَاجَةٍ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ سَنَدٌ: وَإِذَا لَمْ يَجِدْ يَوْمَ عَرَفَةَ مَرْكُوبًا يَقِفُ عَلَيْهِ لِلدُّعَاءِ دَعَا جَالِسًا كَالْمَرْأَةِ وَلَا يَقِفُ كَالرَّجُلِ انْتَهَى. قَالَهُ فِي بَابِ الْحَجِّ. (السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ) يَحْتَاطُ فِي الْحَجِّ فَلَا يَحُجُّ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَا مَعَ جَمَاعَةِ رِجَالٍ فَقَطْ، وَلَا مَعَ نِسَاءٍ فَقَطْ. ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَارِيَهُ أَوْ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ انْتَهَى. (السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ) فِيمَنْ يُغَسِّلُهُ إذَا مَاتَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي النِّكَاحِ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ ابْنِ أَخِي هِشَامٍ: إنْ مَاتَ اُشْتُرِيَ لَهُ خَادِمٌ تُغَسِّلُهُ انْتَهَى. وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَهِيَ أَمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَهُوَ امْرَأَةٌ إلَّا أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِسَتْرِهِ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَأَمْكَنَ أَنْ تُشْتَرَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَى لَهُ مِنْهُ جَارِيَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُيَمَّمُ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتَةِ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَنَصُّهُ: " وَإِنْ مَاتَ الْمُشْكِلُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَى لَهُ جَارِيَةٌ مِنْ مَالِهِ تُغَسِّلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اُشْتُرِيَتْ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ هُنَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُمِّمَ وَدُفِنَ. (الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ) فِي مَوْضِعِ نَعْشِهِ فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ) فِي مَحَلِّ وُقُوفِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ احْتِيَاطًا وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّلَاثُونَ) فِي دِيَتِهِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: دِيَتُهُ كَإِرْثِهِ، أَيْ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ دِيَةِ أُنْثَى، وَكَذَا قَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي جَوَابِهِ الْمَنْظُومِ فِي مَسَائِلِ الْخُنْثَى، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَطْعِ ذَكَرِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ وَنِصْفُ حُكُومَتِهِ.

الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ) إذَا ادَّعَى مُشْتَرٍ وَاحِدٍ مِنْ الرَّقِيقِ أَنَّهُ خُنْثَى غَطَّى فَرْجَهُ وَنَظَرَ الرِّجَالُ ذَكَرَهُ وَغَطَّى ذَكَرَهُ وَنَظَرَ النِّسَاءُ فَرْجَهُ. (الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ) إذَا ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ النِّكَاحِ أَنَّهُ خُنْثَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّهُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الرَّقِيقِ، قَالَ وَنَزَلَتْ بِتُونُسَ وَفُسِخَ نِكَاحُهَا وَفِي نَظَرِ الرِّجَالِ لِذَكَرِهِ، وَالنِّسَاءِ لِفَرْجِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّظَرِ لِلْفَرْجِ فِي عَيْبِ الزَّوْجَيْنِ احْتِمَالٌ لِلْفَرْقِ بِتَحَقُّقِ ذُكُورَةِ الرَّجُلِ. (الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ) هَلْ يُوجَدُ الْخُنْثَى فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ يُقَالُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ خُنْثَى إلَّا فِي الْآدَمِيِّينَ، وَالْإِبِلِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: قُلْت وَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَقَرِ وَقَدْ جَاءَنِي جَمَاعَةٌ أَثِقُ بِهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ قَالَ إنَّ عِنْدَهُمْ بَقَرَةً خُنْثَى لَيْسَ لَهَا فَرْجُ الْأُنْثَى وَلَا ذَكَرُ الثَّوْرِ، وَإِنَّمَا لَهَا خَرْقٌ عِنْدَ ضَرْعِهَا يَجْرِي مِنْهُ الْبَوْلُ وَسَأَلُوا عَنْ جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِهَا فَقُلْت لَهُمْ تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكِلَاهُمَا يُجْزِئُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ وَأَفْتَيْتُهُمْ فِيهِ (انْتَهَى) . (قُلْتُ) وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ خَلْقًا ثَالِثًا، وَفِي إجْزَاءِ التَّضْحِيَةِ بِهِ بَحْثٌ ثَالِثٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا النَّقْصُ لَا يَضُرُّ بِمَنْزِلَةِ الْخِصَاءِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا.

خاتمة الكتاب

[خَاتِمَة الْكتاب] يَقُولُ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ ابْنُ الشَّيْخِ حَسَنٍ الْفَيُّومِيُّ إبْرَاهِيمُ) نَحْمَدُك اللَّهُمَّ عَلَى نِعَمٍ أَسْدَيْتهَا وَمِنَنٍ أَوْلَيْتَهَا وَوَالَيْتَهَا فَمَا سَالَتْ كَمَائِمُ الْمَحَابِرِ لِأَفْضَلَ مِنْ حَمْدِ مَوْلَى النِّعَمِ فَلَقَدْ اصْطَفَيْت وَأَيَّدْت بِتَوْفِيقِك لِتَأْيِيدِ شَرِيعَتِك الْغَرَّاءِ وَدِينِك الْقَوِيمِ أُنَاسًا ثَابَرُوا الْعَمَلَ فِي مَرْضَاتِك، وَأَنْتَ مَوْلَى الْإِحْسَانِ الْعَمِيمِ وَنُصَلِّي، وَنُسَلِّمُ عَلَى الْمُفْرَدِ الْعَلَمِ الْمَخْصُوصِ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْقَائِلِ: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلَى آلِهِ الْكَمَلَةِ الْمُطَهَّرِينَ وَأَصْحَابِهِ الْمُرْشِدِينَ إلَى أَوْضَحِ مَسَالِكِ الْفِقْهِ وَالدِّينِ آمِينَ. (وَبَعْدُ) فَقَدْ تَمَّ بِمَعُونَةِ مُنْزِلِ التَّنْزِيلِ طَبْعُ شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْخَطَّابِ لِمُصَنَّفِ الْإِمَامِ خَلِيلٍ شَرْحٌ مِنْ بَيْنِ الشُّرَّاحِ تَنْثَلِجُ بِفَوَائِدِهِ الصُّدُورُ وَتَزْدَرِي فَرَائِدُهُ بِقَلَائِدِ النُّحُورِ وَتَخْضَعُ لِتَدْقِيقَاتِهِ رِقَابُ ذَوِي الْآدَابِ وَيُسْحِرُ بِتَحْقِيقَاتِهِ عُقُولَ أُولِي الْأَلْبَابِ مُذَيَّلَةٌ هَاتِيكَ الْقَلَائِدُ بِدُرَرٍ مِنْ الْفَرَائِدِ أَلَا وَهُوَ شَرْحُ مُفْتِي الْأَنَامِ عَلَى الْوِفَاقِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ بْنِ يُوسُفَ الشَّهِيرِ بِالْمَوَّاقِ عَلَى الْمَتْنِ الْمَذْكُورِ ضَاعَفَ اللَّهُ لِلْجَمِيعِ الْأُجُورَ فَلِلَّهِ دَرُّهُ لَقَدْ أَبْرَزَ مِنْ مُخَدَّرَاتِ مَسَائِلِهِ الْعَرَائِسَ وَأَحْرَزَ مِنْ مُحَجَّبَاتِهَا النَّفَائِسَ وَقَدْ أَبْرَزَ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ لِلْوُجُودِ بَعْدَ أَنْ كَانَا فِي زَوَايَا النِّسْيَانِ وَالْجُحُودِ الْمَوْلَى الْأَعْلَمُ وَالسُّلْطَانُ الْأَفْخَمُ سُلَالَةُ سَيِّدِ الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ سَيِّدُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَرَئِيسُ الْمُحَقِّقِينَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَحَامِي حَوْزَةَ الدِّينِ جَلَالَةُ سُلْطَانِ الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى مَوْلَانَا (عَبْدُ الْحَفِيظِ) ابْن مَوْلَانَا الْحَسَنُ حَرَسَهُ اللَّهُ وَأَعْلَى فِي الْخَافِقَيْنِ ذِكْرَ عُلَاهُ وَمَتَّعَ بِوُجُودِهِ الْأَنَامَ وَكَلَأَهُ وَذَوِيهِ بِعَيْنِ رِعَايَتِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ آمِينَ وَقَدْ انْتَقَى حَفِظَهُ اللَّهُ لِهَذَا الْعَمَلِ الْمَيْمُونِ الْأَبَرَّ الْحَاجَّ عَبْدَ السَّلَامِ نَجْلَ الْأَمِينِ الْأَجَلِّ الْحَاجِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ شَقْرُونٍ فَدَأَبَ حَفِظَهُ اللَّهُ وَرَاءَ مَرْضَاتِهِ حِرْصًا عَلَى رِضَا رَبِّ الْأَنَامِ وَقَامَ بِذَلِكَ أَحْسَنَ قِيَامٍ وَصَرَفَ أَوْقَاتَهُ السَّعِيدَةَ فِي إنْجَازِ مَا إلَى هِمَّتِهِ السَّامِيَةِ وُكِّلَ وَفَّقْنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ إلَى مَا بِهِ لِرِضَا الْمَوْلَى الْكَرِيمِ نَصِلُ. وَذَلِكَ بِمَطْبَعَةِ السَّعَادَةِ الثَّابِتِ مَحَلُّ إدَارَتِهَا دَرْبُ سَعَادَةَ بِجِوَارِ مُحَافَظَةِ مِصْرَ الْمُعِزِّيَّةِ إدَارَةُ مُدِيرِهَا الْمُتَوَكِّلِ عَلَى الْعَزِيزِ الْجَلِيلِ (حَضْرَةِ مُحَمَّدٍ أَفَنْدِي إسْمَاعِيلَ) وَقَدْ فَاحَ مِسْكُ الْخِتَامِ وَشَذَا عَرْفُ التَّمَامِ أَوَائِلَ شَهْرِ شَوَّالٍ مِنْ عَامِ مِنْ هِجْرَةِ مَنْبَعِ الْكَمَالِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَآلِهِ الْكِرَامُ وَصَحَابَتُهُ الْأَعْلَامُ مَا جَاءَتْ اللَّيَالِي تَتْلُوهَا الْأَيَّامُ آمِينَ.

§1/1